Professional Documents
Culture Documents
Amin Al-Khuli
Amin Al-Khuli
املتابع لتطور الدراسات القرآنية يف اللغات األوربية الحظ وال ريب االهتمام املتصاعد ابحملاوالت
التأويلية احلديثة يف مصر والعامل اإلسالمي .ويف السياق املصري يتم الرتكيز على عدة أمساء منها رائد
"مدرسة األمناء" الشيخ أمني اخلويل ( .)1966 - 1895فمنذ بداية السبعينات خاصة بعد صدور
كتاب املستشرقة األملانية املعروفة رتراود فيالند " Wielandtالوحي والتاريخ يف فكر املسلمني
احملدثني" (فيسبادن/املانيا 1)1971توالت احباث عديدة لكبار املستشرقني حول الدراسات القرآنية
املعاصرة مثل دراسات هلمت جيتا ،Gätjeويوهانس جانسن ،Jansenوشتيفان فيلد ،Wild
واجنيليكا نويفرت ،Neuwirthوهارمتوت بوبتسني ،Bobzinكاترين شبيشري ،Speicher
واندراي هايست .Heistويف مؤمترات املستشرقني األملان األخرية كثرياً ما يرتدد اسم أمني اخلويل
مقرتانً سأمساء شكري محمد عياد وعائشة عبدالرمحن (بنت الشاطئ) وخلف هللا ونصر أبوزيد.
مصادر اخلويل
غالبا ما ترتكز كتاابت هؤالء الدارسني ألمني اخلويل حول "منهجه األديب" يف التفسري خاصة مقالته
"التفسري ،معامل حياته – ومنهجه اليوم" (القاهرة .2)1944ويركزون يف ذلك على ثالث نقاط
أساسية هي :املصطلح ،ومفهومه ،ومصادره .وهم ال يهتمون كثرياً برتمجة الشيخ اخلويل ،وهذا ما جعل
كارين شبيشري تشتكي من عدم وجود ترمجة متكاملة عن اخلويل يف أي من اللغات األوربية الكربى.3
وأغلب هذه الدراسات هتتم يف املقام األول ابلسؤال عن "مصادر" هذا املنهج ،وهذا أمر بدهي يف
الدراسات االستشراقية خاصة األملانية ملا تتميز به من نزعة اترخيية فلولوجية .ورمبا كانت السيدة
روتراود فيالند أول من اشار يف كتاهبا السابق 4إيل منابع الفكر التأويلي لدي أمني اخلويل حيث
اشارت إيل ثالثة مصادر رئيسية هي :كتاابت عبدالقاهر اجلرجاين ،وكتاابت اإلمام الشاطيب ،وأخرياً
كتاابت الرومانتكيني األملان سواء كانوا الهوتيني أتويليني كفريدريش شاليرماخر
)1834-1768( Schleiermacherأو مستشرقني فلولوجيني كتيودور نولدكة Nöldeke
(.)1930-1836
ومبا أن أتثري اجلرجاين والشاطيب -عند السيدة فيالند -ال شك فيه فإهنا هتتم بتبيني أتثري األفكار
التأويلية للرومانتكيني األملان خاصة فيما خيص حتليل النصوص .وىف هذا السياق أشري إىل ما أميل إليه
شخصياً من أتثر الشيخ اخلوىل الكبري خاصة ىف دراساته البالغية ابملستشرق األملاىن أوجوست فون
ميارن Mehrenخاصة كتابه املعروف "بالغة العرب" Die Rhetorik der Araber
الذى يركز فيه على دور مصر ىف البالغة العربية الذى كان موضوعاً أثرياً عند الشيخ اخلوىل.
املشكلة الرئيسية لدارسى أمني اخلويل أنه ال يشري كثرياً إيل مصادره األوروبية ومن هنا ال ميلك الباحث
إال احلدس والتخمني عمن يكون قد قرأ هلم إابن فرتة وجوده يف املانيا يف عشرينيات القرن العشرين.
فإذا كان من دأبه -إابن وجوده يف ايطاليا -هو تتبع طرق وخطط الدراسات الالهوتية يف ايطاليا،
فمن املتوقع أن يكون هذا دأبه بعد نقله إىل أملانيا يف أول يناير 1926حىت مغادرهتا يف منتصف
مارس .1927فمن احملتمل أنه قد اطلع على بعض أعمال هريدر وفلهاوزن وشاليرماخر خاصة
كتابه الصغري عن "التأويل" .وهذا ما اشار إليه -كما تبينت اندراي هايست -د .السيد خليل ،وهو
أحد تالميذ أمني اخلويل ،يف كتابه "دراسات يف القرآن"؛ ففي الباب الثاين من هذا الكتاب "التفسري
نشأته واجتاه تطوره" حتدث خليل عن التأويل والتفسري يف الرتاثني العريب والغريب واستخدم يف ذلك
كثرياً من املصطلحات اليت نظنها اليوم جديدة مثل "التناص"" ،أفق النص" و"مفهوم النص" .5ورمبا
كان أول من حتدث يف كتابه "نشأة التفسري يف الكتب املقدسة والقرآن"(االسكندرية
2
)1954/1946عن االسهامات التأويلية لشاليرماخر (أو شاليرماشر كما يسميه نقالً عن
اإلجنليزية).
وقد قدم خليل اسهامني أساسيني فيما خيص الدراسات حول أمني اخلويل )1( :االشارة الصرحية إيل
أثر شاليرماخر علي اخلويل )2( .مث تصنيفه -رغم النغمة النقدية -للخويل ومدرسته يف سياق
املناهج التفسريية املعاصرة .ففيما خيص شاليرماخر قام بتلخيص ما ذكره كاتب مادة "تفسري"
Interpretationيف "دائرة معارف الدايانت واألخالق" Encyclopedia of
Religion & Ethicsعن محاولة شاليرماخر وضع قواعد وأصول عامة لتفسري النصوص مثل:
"شخصية صا حب النص" ،و"لغة النص" ،و"بنية التناص" ،وقبل ذلك كله "توثيق النص وحتريره".
وعلي الدرجة نفسها من األمهية إشارة خليل إيل أتكيد شاليرماخر علي ضرورة اتباع هذه القواعد
العامة يف "فهم" النصوص كلها ال فرق بني الديين منها وغري الديين.6
اجلامعة والتفسري
ومن أهم مايف دراسة خليل لسياقنا هذا حديثه عن "اجلامعة والتفسري" وابلتايل عن دور أستاذه أمني
اخلويل؛ حيث اشار إيل أنه "شخصية مجعت بني االتصال ابحلضارة الغربية ومناهجها يف الدراسة وبني
الدراسة العربية والدينية ،فقد خترج يف مدرسة القضاء الشرعي ،وارحتل إيل أورواب فأتقن اإليطالية
واألملانية ،وقرأ كثرياً من آداهبما ،وأمل ابحلركة االستشراقية ومناهج أصحاهبا يف الدراسة" .وبعد أن يشري
إيل أن أمني اخلويل نبني منهجه فيما كتبه تعليقاً علي مادة "تفسري" يف دائرة املعارف اإلسالمية يقول:
"وال نكاد نظفر جبديد عنده خيتلف عما ذهب إليه شاليرماخر من هذه األصول اليت ذكرانها نقالً
عن دائرة معارف الدايانت واألخالق ،غري أنه دعا إيل دراسة النص القرآين كموضوعات حبيث جتمع
اآلايت املتعلقة مبوضوع واحد مث تدرس وتفسر مع مالحظة احلس القرآين يف استعمال املادة الواحدة،
مع دعوته إيل مالحظة التفسري التارخيي فيما تر السالفون من تفاسري مرتبة ترتيباً زمنياً" .7ويعود
خليل بعد عدة صفحات حتدث فيها عن نظرية النظم عند عبدالقاهر اجلرجاين وتطبيقها يف "تفسري
الكشاف" جلار هللا الزخمشري ،ليقول" :وهو املنهج الذي دعت إليه الدراسة اجلامعية احلديثة عن
طريق األستاذ أمني اخل ويل ومن أخذ عنه من تالميذه املقربني إليه واملتاثرين سبيله ،وقد يكون من
الضروري أن نشري إيل أن ذلك املنهج األديب أو اللغوي يف التفسري يرى ضرورة تقسيم القرآن إيل
موضوعات جتمع فيها اآلايت املتعلقة ابملوضوع الواحد ،وقد أعاهنم علي ذلك كتاب "تفصيل آايت
3
القرآن احلكيم" ،وهو ألحد املستشرقني ،وقد نقل إيل العربية ،8كما أهنم يرون أن ذلك املنهج ،يعني
علي متثل اهلدي القرآين والكشف عن أبعاده".9
وواضح من أسلوب الفقرة األخرية أن الكاتب رغم تلمذته علي أمني اخلويل فإنه ال يعد نفسه بني
امللتزمني هبذا املنهج! عموماً فإن خليل الذى ال يذكر اسم املستشرق وال جنسيته يشري يف اخلامتة مرة
اثلثة للموضوع نفسه فيقول" :مث انتقلت إيل التفسري يف العصر احلديث ،ودور اجلامعة وأتثر الداعني
من اجلامعيني هبذه الدعوة اليت جهر هبا شاليرماخر دون أن يكشفوا عن هذا التأثر أو يدلوا علي
مصادره ،ومنهم األستاذ أمني اخلويل".10
وخنلص من هذا إيل أن "منهج اجلامعيني" أو "املنهج األديب يف التفسري" مل يكن خمتلفاً عن منهج
اللغويني واألدابء كأيب عبيدة والفراء والراغب األصفهاين ،وأن أمني اخلويل يقوم من خالل منظوره
التجديدي بعملية إ حياء يستهدى فيها بنتاج الدراسات األدبية والالهوتية التارخيية عند املفكرين
األوروبيني خاصة شاليرماخر الذي أشار إليه كل من خليل وفيالند وهايست .املشكلة أنه ال أحد
منهم يعطينا أية معلومات محددة عما قد يكون اخلويل قد قرأه من الرتاث التأويلي األملاين لشاليرماخر
أو لديلتاي أو هليدجر أو لغريهم من التأوليني والالهوتيني األملان إابن اقامته يف أملانيا.
أتثري نولدكة
وابلعودة إيل كتاب اخلويل األساسي "مناهج جتديد" جنده يشري إيل كتاب تيودور نولدكه "اتريخ
القرآن" Die Geschichte des Quranوهو أحد أهم الدراسات القرآنية يف اتريخ
االستشراق األملاين ،خاصة الطبعة الثانية اليت حررها يف أوائل القرن العشرين كل من شفاللي وزميون
وبرجشرتتسر .11واألهم من ذلك أن اخلويل يشري يف الصفحة التالية إىل أحد األمور امللغزة فيقول:
"وقد جاهد أحد شبابنا من خرجيي كلية اآلداب ،فرتجم الكتاب مبعونة من يف الكلية من أساتذته
األملان ،وعاريف لغتهم ،ولكن حالت عوائق اتفهة دون طبع الكتاب ،مع أن أحباث هؤالء احملدثني قد
أفاضت على تلك املوضوعات أبوااب من العناية العلمية ،إن مل ختل من االهتام فإهنا لن ختلو من روح
النقد والتمحيص ،اليت البد منها يف تناول هذه االحباث".12
فمن هو هذا الشاب اجملاهد؟ وأين هذه الرتمجة اليت "جاهد" يف ترمجتها؟ واحلقيقة فإن كلمة "جاهد"
هي أدق كلمة ميكن أن تستخدم يف وصف ترمجة هذا الكتاب الضخم والصعب جداً .13فكالم أمني
اخلويل يشعران أنه قد قرأ الكتاب يف األملانية ومرتمجاً إىل العربية ،ولكنه ال يذكر أكثر من ذلك .ولكن
4
أمني اخلويل "قد مهد -للمنهج البياين يف القرآن بدراسة يف (اتريخ القرآن) -خمطوط مبكتبته".14
فهل هذا املخطوط من صنع أمني اخلويل أم هو الرتمجة اليت مل يتيسر نشرها لكتاب نولدكة الذي حيمل
العنوان نفسه؟!
5
دراسة أدبية مثلما فعل اليهود والنصاري مع كتبهم الدينية .ولكن مثل هذا األمر كما رأى آنذا ال
ينتظر من علماء األزهر .أما أولية التنظري والتقعيد فتجع لها ألمني اخلويل وتشري يف هذا السياق إيل
مقال أمني اخلويل "التفسري ،معامل حياته ومنهجه اليوم".
أما فكرة شتيفان فيلد املوجزة عن عالقة سيد قطب سأمني اخلويل فقد سبق وأن أشار إليها كمال
سعفان ابإلجياز نفسه يف هناية كتابه "أمني اخلويل يف مناهج جتديده" ،حيث وضع سيد قطب
(املبكر) يف عداد الذين انتهجوا منهج اخلويل يف الدراسات القرآنية .19فسيد قطب -كبقية تالميذ
اخلويل -كان متبعاً وليس مبتدعاً .فأمني اخلويل الذي كان يدرس أفكاره عن "التفسري األديب" يف
اجلامعة املصرية منذ عام 1928أي قبل قبل عام من التحاق سيد قطب مبدرسة دار العلوم العليا،
وابلتايل قبل أن يكتب مقاله األول عن "التصوير الفين يف القرآن" .20وقد أشار سيد قطب نفسه سنة
1938يف نقده لكتاب "مستقبل الثقافة يف مصر" إىل عدم رضاه عن مناهج تدريس األدب يف دار
العلوم خاصة لعدم تدريس لغة أجنبية ويلمح من طرف خفي إيل حضوره بعض محاضرات كلية
اآلداب ظنا منه كما قال "أن العلم ابملناهج احلديثة يقع علي الضفة األخرى من النيل" 21أي يف
جامعة القاهرة حيث كانت دار العلوم توجد حبي السيدة زينب حيث يقوم مقامها اآلن حديقة دار
العلوم.
(نشرت في طواسين في أغسطس )http://tawaseen.com/?p=2491 :2016
1راجع:
Rotraud Wielandt: Offenbarung und Geschichte im Denken moderner
Muslime. Franz Steiner Verlag, Wiesbaden 1971.
2أعاد نشره يف كتابه "مناهج جتديد يف النحو والبالغة والتفسري واألدب" (القاهرة .)1961
3راجع:
Katrin Speicher: Einige Bemerkungen zu al- Ḫūlīs Entwurf eines tafsīr
adabī. In: L. Edzard and Ch. Szyska (Hg.): Encouners of Wordes and
Texts. Olms Verlag, Zürich 1997.
4راجع ( )Wielandt: Offenbarung..ص .139
6
5السيد خليل :نشأة التفسري يف الكتب املقدسة والقرآن .االسكندرية .1954/1946
6السيد خليل :دراسات يف القرآن .القاهرة ،1987ص .141
7السيد خليل :السابق ،ص .146-145
8كتاب معروف وضعه املستشرق الفرنسي جول البوم ،وترمجه محمد فؤاد عبد الباقي ،ونشرته مطبعة عيسى البايب
احلليب يف القاهرة سنة .1935
9السيد خليل :السابق ،ص .161
10السيد خليل :السابق ،ص .163
11وهي الطبعة اليت ترمجها جورج اتمر (ابالشرتا مع عبلة معلوف وخري الدين عبداهلادي ونقوال أبو مراد) ونشرهتا
مؤسسة كونراد-أدانور يف بريوت سنة .2004
12أمني اخلويل :مناهج جتديد يف النحو والبالغة والتفسري واألدب .القاهرة ،1961ص.235
13ترجم إىل العربية ونشر يف بريوت سنة 2004برتمجة د .جورج اتمر وفريقه وبعناية مؤسسة كزنراد إدانور.
14كمال سعفان :أمني اخلويل شيخ األمناء .القاهرة ،1998ص .37
15راجع:
R. Wielandt: Wurzeln der Schwierigkeit innerislamischen Gesprächs
über neue hermeneutische Zugänge zum Korantext. In: S. Wild (Hg):
The Quʼran as Text. E.J. Brill, Leiden 1996, (S. 257 - 282).
16راجع :روالن مينيه ،لويس بوزيه ،انئلة فاروقي :طريقة التحليل البالغي والتفسري .ترمجة :هنري عويس وجرجورة
حردان ،بريوت ،1993ص .40
17راجع.)(Hg): The Quʼran as Text. E.J. Brill, Leiden 1996 S. Wild( :
18أعاد طباعته عام 1957مع كتابه "رحلة الربيع" بعنوان "رحلة الربيع والصيف".
19كمال سعفان :أمني اخلويل يف مناهج جتديده .القاهرة ،1977ص .121
20سيد قطب :التصوير الفين يف القرآن .جملة املقتطف( ،فرباير /مارس) ،سنة .1939
21راجع سيد قطب :نقد كتاب مستقبل الثقافة يف مصر .جدة :1969ص .65
7