You are on page 1of 2

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وصحبه‪ ،‬ومن وااله‪.‬‬
‫أما بعد‪،‬‬
‫فال خيفى على مؤمن أمهية عمود الدين "الصالة"‪ ،‬ووجوب احملافظة عليها‪ ،‬واحلرص على أدائها‬
‫كما أوجب هللا‪ ،‬ومما الحظته‪ ،‬والحظه غريي‪ :‬هتاون بعض الشباب يف الصالة؛ فتجده يؤديها‬
‫بال روح‪ ،‬حىت ترى بعضهم حني ينقرها‪ ،‬ويبادر ابخلروج من املسجد يف اللحظة اليت يسلم فيها‬
‫التسليمة الثانية‪ ،‬كالعصافري يف أقفاصها فرحةً ابخلروج‪ ،‬وهذا حرما ٌن من اخلري –ال حرمنا هللا‬
‫وإايكم فضله‪-‬؛ أما أهل اإلميان فمن فرط حمبتهم ملوالهم "يتلذذون بذكره ومناجاته‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك هلم أعظم من املاء للسمك لو انقطعوا عن ذلك لوجدوا من األمل ماال يطيقون"(‪ ،)1‬ويف‬
‫الصحيحني‪« :‬املالئكة تصلي على أحدكم ما دام يف مصالة مامل حيدث؛ تقول‪ :‬اللهم اغفر‬
‫له‪ ،‬اللهم ارمحه»؛ فكيف يفرط العبد يف دعاء املالئكة الكرام املعصومني من الذنب؟!‬
‫ويزداد البالء‪ ،‬ويعظم اخلطب حينما ترى بعضهم واقفا يف صالته ال حيرك لسانه وشفتيه يف‬
‫قراءته‪ ،‬فضال عن أن يُسمع نفسه قراءته‪ ،‬فإذا سئل عن ذلك‪ ،‬ونوصح؛ ابدر ا‬
‫قائال‪:‬‬
‫أان أقرأ يف نفسي!!‬
‫قلت‪ :‬وهذا خلل كبري يف فهم هذه املسألة‪ ،‬فالذكر ابلقلب ال جيزئ عن األذكار القولية‬
‫ابالتفاق؛ قال اإلمام البيهقي (ت ‪458‬ه) يف كتاب "القراءة خلف اإلمام"(‪:)2‬‬
‫"واملراد بقوله‪« :‬اقرأ هبا يف نفسك» أن يتلفظ هبا سرا دون اجلهر هبا‪ ،‬وال جيوز محله على ذكرها‬
‫بقلبه دون التلفظ هبا؛ إلمجاع أهل اللسان على أن ذلك ال يسمى قراءة‪ ،‬وإلمجاع أهل العلم‬

‫)‪ (1‬التحفة العراقية البن تيمية (ص‪.)77 :‬‬


‫)‪( (2‬ص‪ ،)31:‬وال شك أن الكمال أن يتواطأ القلب واللسان على الذكر‪ ،‬واملراد هنا‪ :‬عدم إجزاء الذكر ابلقلب دون حتريك اللسان‬
‫والشفتني يف األذكار القولية الواجبة‪.‬‬
‫على أن ذكرها بقلبه دون التلفظ هبا ليس بشرط وال مسنون‪ ،‬فال جيوز محل اخلرب على ما ال‬
‫يقول به أحد‪ ،‬وال يساعده لسان العرب وابهلل التوفيق"‪.‬‬
‫نفسه‪ ،‬وال حيرك‬ ‫ِ‬
‫وسئل اإلمام مالك (ت ‪179‬ه) عن الذي يقرأ يف الصالة‪ ،‬ال يُ ْسمع أحدا وال َ‬
‫لسان؛ فقال‪ :‬ليست هذه قراءة‪ ،‬وإمنا القراءة ما حرك له اللسان(‪.)3‬‬
‫به ا‬
‫وقال اإلمام النووي (ت ‪676‬ه)‪" :‬تنبيه‪ :‬واعلم ان اإلسرار يف القراءة والتكبريات وغريمها من‬
‫األذكار هو أن يقوله حبيث يسمع نفسه وال بد من نطقه حبيث يسمع نفسه إذا كان صحيح‬
‫السمع وال عارض له‪ ،‬فإن مل يسمع نفسه مل تصح قراءته وال غريها من األذكار بال‬
‫خالف"(‪.)4‬‬
‫وقال‪" :‬القراءة ال تطلق إال على حركة اللسان حبيث يسمع نفسه‪ ،‬وهلذا اتفقوا على أن اجلنب‬
‫لو تدبر القرآن بقلبه من غري حركة لسانه ال يكون قارائ مرتكبا لقراءة اجلنب احملرمة"(‪.)5‬‬
‫واخلالصة‪ :‬أن من صلى ومل حيرك لسانه وشفتيه يف القراءة الواجبة فال صالة له ابتفاق أهل‬
‫العلم‪ ،‬وأهون من ذلك من مل يُسمع نفسه فعند مجع من أهل العلم أنه ال صالة له –وإن كانت‬
‫الفتوى على إجزاء حتريك اللسان والشفتي‪-‬؛ فليتق امرٌؤ ربّه‪ ،‬وليحرص على العهد الذي‬
‫بينه وبي ربه‪ ،‬فمن أضاع صالته فهو ملا سواها أضيع –وهللا املستعان‪.-‬‬
‫وكتب‬
‫أبومعاذ فهد الرباق‬
‫‪1442/8/10‬ه‬

‫)‪ (3‬البيان والتحصيل البن رشد (‪.)491 /1‬‬


‫)‪ (4‬التبيان يف آداب محلة القرآن (ص‪ ،)132 :‬والذي يظهر أنه يقصد بنفي اخلالف = اخلالف املذهيب؛ ويدل على ذلك سياق املسألة‬
‫قبل نفي اخلالف‪ ،‬وملا سبق ذكره من إجزاء حتريك اللسان عند مالك‪ ،‬ونقل عن غريه‪ ،‬ففي بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع (‪:)55 /3‬‬
‫"القراءة ال تكون إال بتحريك اللسان ابحلروف ‪...‬أال ترى أن املصلي القادر على القراءة إذا مل حيرك لسانه ابحلروف ال جتوز صالته‪،‬‬
‫وكذا لو حلف ال يقرأ سورة من القرآن فنظر فيها وفهمها ومل حيرك لسانه مل حينث"‪.‬‬
‫واجلمهور يشرتطون إمساع النفس أو ما يقوم مقام ذلك عند العارض‪.‬‬
‫)‪ (5‬شرح النووي على مسلم (‪.)103 /4‬‬

You might also like