You are on page 1of 5

‫األستاذ محمد بنعبو‬ ‫مجزوءة الوضع البشري‬

‫تقدٌم عــــــــــــــــــــــــــام للمجزوءة‪:‬‬

‫ٌشٌر مفهوم " الوضع البشري" إلى مختلف الشروط و المحددات التً ٌتأطر ضمنها وجود اإلنسان ومصٌره‪ ،‬أي العوامل التً تتدخل فً تحدٌد طبٌعة هذا‬
‫الوجود وتسمح بفهم أو معرفة حقٌقة الكائن البشري ‪ ...‬فاإلنسان ‪،‬وإن كان فً جانب منه ٌتحدد ككائن طبٌعً ‪ٌ ،‬مثل باألساس ذاتا متمٌزة عن الكائنات األخرى‬
‫بفضل ما ٌتوفر علٌه من مقومات فوق طبٌعٌة ٌعكسها بعده الفكري واألخالقً ‪ .‬وهذا التكوٌن اإلزدواجً المعقد ٌجعل وجود اإلنسان مرهونا بسلسلة من‬
‫الضرورات أو الحتمٌات التً قد تكبل إرادته ‪ ،‬لكن اإلنسان ٌظل قادرا على اإلنفالت من قبضة الضرورة وتحقٌق التباعد أو التعالً عن الشروط الموضوعٌة‬
‫لوجوده (مفهوم الشخص)‪ ...‬ومن المؤكد أن النظرة إلى اإلنسان ال تكتمل إال بمراعاة بعده العالئقً أو اإلجتماعً ‪ .‬فهو لم ٌوجد لٌعٌش وحٌدا‪ ،‬وال ٌتحدد كذات‬
‫معزولة عن اآلخرٌن‪ ،‬بل ٌدخل مع غٌره فً عالقات متنوعة ٌستلزمها العٌش ضمن المجموعة البشرٌة ‪ ،‬عالقات قد تتسم بالتكامل عندما ٌكون الغٌر مكمال‬
‫لوجود األنا ومدعما له‪ ،‬أو بالتعارض والتنافر حٌن ٌصٌر الغٌر مهددا لوجود األنا وسالبا لمقوماته (مفهوم الغٌر)‪...‬وأخٌرا‪ ،‬فاإلنسان ذو بعد زمنً ٌتجلى فً‬
‫ارتباطه باألوضاع التارٌخٌة وتفاعله مع التغٌرات الزمنٌة مما ٌجعل منه سٌرورة زمنٌة ذات طابع فردي أو جماعً‪ ،‬وهو ما ٌعنً أن التارٌخ ٌمثل محددا‬
‫أساسٌا فً بلورة الوجود اإلنسانً (مفهوم التارٌخ)‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬فبالنظر إلى تعدد و اختالف المستوٌات التً تحكم الوجود اإلنسانً‪ ،‬فإن التفكٌر فً مفهوم الوضع البشري ٌقتضً استحضار عدة مفاهٌم تشكل المقومات‬
‫أو العناصر األساسٌة التً ٌتأطر ضمنها ‪..‬‬
‫فكٌف تتحدد مفاهٌم الشخص والغٌر والتارٌخ باعتبارها مكونات أساسٌة للوضع البشري ؟‬

‫مفهوم الشخص‬
‫مدخل‪:‬‬
‫ٌحٌل مفهوم "الشخص " فً التمثل الٌومً المشترك على الكائن البشري (اإلنسان) دون غٌره من الكائنات األخرى ‪ .‬فالشخص لٌس حٌوانا‪ ،‬كما‬
‫أنه لٌس موضوعا ( شٌئا)‪ .‬لذلك فالشخص ٌتوفر على هوٌة خاصة قد ٌستمدها من طبٌعته العقلٌة‪ ،‬أو من إحساساته و أفعاله‪ ،‬أو من بعده الروحً‬
‫الداخلً‪ ،‬أو إرادته فً الحٌاة‪ .‬كما أن الشخص له قٌمه قد تظهر إما من طابعه االجتماعً الذي ٌجعل منه عضوا اجتماعٌا ٌعً أهمٌة الحٌاة‬
‫االجتماعٌة‪ ،‬كلما تمسك بحس العدالة وحب الخٌر‪ ،‬وإما من دوره كذات أخالقٌة غاٌتها خدمة اٌإلنسانٌة فً شخصها‪ ،‬وفً شخص اآلخرٌن ‪ .‬و إما‬
‫من تحقٌق الوعً بذاتها و حرٌتها و االنفتاح على الواقع‪،‬و على اآلخرٌن‪ ،‬فً إطار عالقة ٌحكمها التأثٌر و التأثر‪ ،‬و إما من خالل تجردها من‬
‫الوجود الفردي المستقل ‪ ،‬و الدخول فً مجال التعاٌش داخل المجموعة البشرٌة ‪ ،‬وانفتاحها على الكون وتقبل اآلخر‪.‬‬
‫و الشخص أٌضا قد ٌظهر كنتاج لبعض الضرورات التً قد تشرط وجوده‪ ،‬و تفقده مقوماته كذات حرة و مرٌدة ‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬وأمام هذا التنوع الواضح فً تحدٌد المعنى الداللً لمفهوم " الشخص " ٌمكننا اإلفصاح عن الطبٌعة اإلشكالٌة لهذا المفهوم من خالل‬
‫االنفتاح على كل القضاٌا و التساؤالت التً ٌطرحها ‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬الشخص و الهوٌة‬


‫‪ )1‬المفاهٌم‪:‬‬
‫‪ +‬الشخص ‪ :‬هو اإلنسان بما هو ذات مفكرة وواعٌة‪ ،‬قادرة على التمٌٌز بٌن الخٌر والشر‪ ،‬و الصدق و الكذب‪ ،‬وتحمل مسؤولٌة أفعالها و‬
‫اختٌاراتها‪.‬‬
‫‪ +‬الهوٌة‪ :‬هً الصفات الجوهرٌة التً تمٌز الشخص عن غٌره‪ ،‬وتجعله هو نفسه مطابقا لذاته‪.‬‬
‫‪ ) 2‬اإلطار اإلشكالً‪:‬‬
‫ٌتعرف كل شخص على ذاته و ٌدركها بوصفها " أنا " تمٌزه عن غٌره و تكسبه ماهٌته و هوٌته رغم ما ٌعترٌه من تغٌرات‪.‬‬
‫لكن تحدٌد أساس هوٌة الشخص اختلف بشأنه الفالسفة مما ٌدفعنا إلى صوغ اإلشكال التالً‪:‬‬
‫ما هو األساس الذي تقوم علٌه هوٌة الشخص؟ هل هو الوعً المرتبط بالتفكٌر‪ ،‬والذي من خالله تدرك الذات وجودها ( موقف دٌكارت)‪ ،‬أم هو‬
‫الوعً المرتبط باإلحساسات و االنطباعات التً تستمدها الذات من العالم الخارجً عن طرٌق الحواس (موقف جون لوك)‪ ،‬أم هو وعً ذو طبٌعة‬
‫روحٌة داخلٌة‪ ،‬ال تقبل النظر إلى الشخص كموضوع من موضوعات هذا الوجود ( موقف إٌمانوٌل مونٌٌه ) ‪ ،‬أم أن الهوٌة لٌست وعٌا بقدر ما هً‬
‫تعبٌر عن إرادة اإلنسان فً الحٌاة‪ ،‬والتً ٌصبح العقل خادما لها‪ ،‬وٌبحث لها عن مبررات منطقٌة ( موقف شوبنهاور)‪.‬‬
‫‪ ) 3‬التصورات و المواقف ‪:‬‬

‫‪ ‬موقف دٌكارت (النزعة العقالنٌة)‪ :‬الفكر والعقل(وأفعاله)هو ما ٌحدد هوٌة الشخص ولٌس الحواس(ألنها خادعة) ‪.‬‬

‫تصور عبر عنه دٌكارت فً مختلف مؤلفاته خاصة كتاب " التأمالت "‪ ،‬و فً هذا الصدد ذهب دٌكارت إلى أن ما ٌشكل هوٌة الشخص أو جوهر‬
‫الشخص‪ ،‬هو العقل أو ما ٌسمى بالوعً الذي ٌكشف عن وجود الشخص‪ ،‬و الذي ٌظهر من خالل جمٌع األفعال التً ٌقوم بها اإلنسان ‪ :‬الشك‪،‬‬
‫الفهم‪ ،‬التصور‪ ،‬اإلثبات‪ ،‬النفً‪ ،‬اإلرادة‪ ،‬التخٌل اإلحساس ‪ ...‬هاته األفعال التً ٌعتبرها دٌكارت بمثابة أفعال تفكٌر‪ ،‬بواسطتها ٌتمكن اإلنسان من‬
‫إدراك أنه موجود كشخص‪ ،‬و لٌس كموضوع خارجً‪ ،‬و كائن حٌوانً ‪.‬‬
‫و هذا الطرح الفلسفً تزكٌه " حقٌقة األنا أفكر " أو ما ٌسمى ب " فكرة الكوجٌطو" ( أنا أفكر إذن أنا موجود ) التً من خاللها استطاع دٌكارت‬
‫إثبات وجوده الخاص اعتمادا على تجربة الشك المنهجً‪ ،‬والتً اعتبرها دٌكارت أفضل السبل التً ٌجب على اإلنسان أن ٌسلكها لكً ٌعرف أن‬
‫ماهٌته و هوٌته هً العقل كجوهر ثابت ‪ ،‬و متمٌز عن البدن‪.‬‬
‫‪ ++‬قٌمة التصور الدٌكارتً ‪( :‬صور له قٌمة فكرٌة و تارٌخٌة‪ ،‬تتجلى فً كونه أثر على فالسفة عصر األنوار‪ ،‬وتأثر به جموع من المفكرٌن الذٌن‬
‫عرفوا باسم الفالسفة العقالنٌٌن‪ :‬باروخ اسبٌنوزا من هولندا‪ ،‬نٌكوال مالبرانش من فرنسا‪ ،‬واأللمانً لٌبٌز‪ ،‬كما أثر هذا التصور أٌضا على ثقافة‬
‫العصر الذي عاش فٌه دٌكارت‪ ،‬مشكال بذلك ثورة ضد النظام الكنٌسً الذي أحكم قبضته آنذاك على المجتمع األوروبً‪).‬‬
‫‪ ++‬حدود ونقائص التصور الدٌكارتً ‪:‬‬
‫تصور ٌبدو قاصرا فً محاولته فهم حقٌقة و هوٌة الشخص‪ ،‬ألن تركٌز دٌكارت على البعد العقلً الـتأملً كسبٌل إلدراك حقٌقة الشخص‪ ،‬جعله‬
‫ٌغفل بعض األبعاد األخرى المتدخلة فً بلورة حقٌقة هذا الشخص كعنصر اإلحساس و أهمٌته فً فهم حقٌقة الذات ‪.‬‬

‫‪ ‬موقف جون لوك ( النزعة التجرٌبٌة)‪ :‬تتحدد هوٌة الشخص من خالل الفكر المصاحب للتجربة والحواس(الشعور)‬
‫إضافة إلى عنصر الذاكرة‪.‬‬
‫تصور جاء كرد فعل ضد ما ذهب إلٌة دٌكارت‪ ،‬بحٌث ٌرى جون لوك بأن ما ٌشكل هوٌة الشخص لٌس هو الوعً كجوهر ثابت‪ ،‬و إنما وعً‬
‫مرتبط بمختلف اإلحساسات و االنطباعات التً ٌستمدها اإلنسان من العالم المادي المحسوس عن طرٌق الحواس‪ ،‬ألن اإلنسان كما ٌرى جون لوك‬
‫ٌولد و عقله صفحة بٌضاء‪ ،‬ال وجود ألفكار أو مبادئ فطرٌة فٌه‪ .‬لذلك فإن ما ٌشكل بنٌة هذا العقل من هذا المنظور التجرٌبً هو قبل كل شًء‬
‫شعور و انطباعات حسٌة‪ ،‬قبل أن تكون تفكٌرا أو وعٌا‪ .‬وهذا الشعور الذي ٌتحدث عنه جون لوك ٌتحول إلى ذاكرة عندما ٌتعلق األمر بماضً‬
‫الشخص‪.‬‬
‫هكذا ٌجعل دفٌد هٌوم‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لمواطنه جون لوك‪ ،‬اإلدراكات الحسٌة (الحواس والشعور) أساسا لكل األفكار‬
‫الشخصٌة‬
‫‪.‬‬ ‫التً ٌحملها وعٌنا وذاكرتنا والتً ٌمكن أن تشكل ما ٌمكن أن نسمٌه بهوٌتنا‬
‫‪ ++‬قٌمة تصور جون لوك‪:‬‬
‫تصور شكل ثورة ضد العقالنٌة الوثوقٌة التً ظلت تعتقد فً وجود مبادئ فطرٌة تجعل العقل ٌحتوي على المعرفة بشكل سابق و جاهز‪ .‬و بذلك‬
‫أعادت النزعة التجرٌبٌة االعتبار لإلحساس و المادة كعنصرٌن مهمٌن فً تشكٌل بنٌة العقل البشري ‪.‬‬
‫‪ ++‬حدود تصور جون لوك‪:‬‬
‫تصور ٌرسم لنفسه حدودا تكشف عن قصوره فً معالجة إشكالٌة الهوٌة الشخصٌة‪ ،‬لكونه ٌجعل مسألة انفتاح عقل الشخص على القضاٌا‬
‫الخارجة عن نطاق الحس أو الطبٌعة ( القضاٌا المٌتافٌزٌقٌة) أمرا مستحٌال ‪.‬‬
‫‪ ‬تصور شوبنهاور ‪ :‬اإلرادة كأساس لهوٌة الشخص‪.‬‬

‫خالفا للفلسفات التً تحدد هوٌة الشخص انطالقا من الوعً والذاكرة‪ٌ ،‬رى شوبنهاور أن هوٌة الشخص تتحدد باإلرادة ‪ ،‬إرادة الحٌاة التً تظل‬
‫ثابتة فٌنا حتى عندما ننسى ونتغٌر كلٌة ‪.‬‬
‫هكذا وبالرغم من التحوالت التً ٌحملها الزمن إلى اإلنسان‪ ،‬فإنه ٌبقى فٌه شًء ال ٌتغٌر ‪ ،‬وهو الذي ٌمثل نواة وجوده الذي ال ٌتأثر بالزمن‪ .‬وهذا‬
‫الشًء ال ٌتمثل فً الشعور المرتبط بالذاكرة (الموقف التجرٌبً) ‪ ،‬ألن أحداث الماضً ٌعترٌها النسٌان‪ ،‬والذاكرة معرضة للتلف بسبب الشٌخوخة‬
‫أو المرض‪ ،‬بل ٌتمثل فً اإلرادة التً هً أساس هوٌة الشخص ونواة وجوده بحٌث تظل ثابتة وفً هوٌة مع نفسها ‪ ،‬وهً التً تمثل ذاتنا‬
‫الحقٌقٌة والمحركة لوعٌنا وذاتنا العارفة ‪.‬‬

‫المحور الثانً ‪ :‬الشخص بوصفه قٌمة‬


‫ما الذي ٌمٌز الشخص وٌمنحه قٌمة وتمٌزا عن باقً الكائنات واألشٌاء؟‬
‫إرا كاَج جم انفهسفاث حخفق عهٗ أٌ اإلَساٌ كائٍ يً‪ٛ‬ض عهٗ باق‪ ٙ‬انكائُاث األخشٖ‪ ،‬نكَّٕ انكائٍ انٕح‪ٛ‬ذ انز٘ ‪ُٚ‬ظش إنٗ َفسّ بٕصفّ ق‪ًٛ‬ت‪،‬‬
‫ٔأ‪ٚ‬ضا ألفعانّ‪ ،‬فٓم حخحذد ق‪ًٛ‬ت انشخص يٍ خالل يا ‪ًٛٚ‬ضِ يٍ ٔع‪ٔ ٙ‬إسادة‪ٔ ،‬كزا قذسحّ عهٗ انخً‪ٛٛ‬ض عٍ أش‪ٛ‬اء ٔيٕضٕعاث انعانى انخاسج‪ٙ‬؟ أو أٌ‬
‫ق‪ًٛ‬ت انشخص حكًٍ ف‪ ٙ‬انخعايم يعّ كغا‪ٚ‬ت ف‪ ٙ‬حذ راحّ؟ أ‪ ٍٚ‬حكًٍ ق‪ًٛ‬ت انشخص‪ْ ،‬م ف‪ ٙ‬يجال انٕجٕد انفشد٘‪ ،‬أو يٍ خالل انخضايٍ االجخًاع‪ٙ‬؟‬
‫‪ ++‬القٌمة‪ :‬هً الخاصٌة الممٌزة لشًء أو سلوك إنسانً مرغوب فٌه‪(.‬أي ان القٌمة هً ما ٌجعل الشًء مرغوبا فٌه)‬

‫‪ -2‬اإلطار اإلشكالً‪:‬‬
‫ٌتحدد الشخص فً السٌاق الفلسفً باعتباره الفرد الذي تنسب له مسؤولٌة أفعاله الصادرة عنه‪ ،‬كما أنه ٌأخذ قٌمة خاصة عندما ٌنظر إلٌه كذات‬
‫واعٌة وحرة ومسؤولة‪ ،‬ذات كرامة‪ ،‬تعً ذاتها و قٌمتها األخالقٌة‪ ،‬و من هنا فإن السؤال الذي ٌطرح نفسه هو‪ :‬من أٌن ٌستمد الشخص قٌمته‬
‫هاته؟ ‪،‬هل باعتباره ذاتا لعقل عملً أخالقً ٌستمد منه كرامته التً تستدعً االحترام وبالتالً فهو غاٌة فً حد ذاته ولٌس مجرد وسٌلة (إٌمانوٌل‬
‫كانط) أم أن ال قٌمة للشخص إال فً حدود ابتعاده عن مجال الوجود الفردي المستقل‪ ،‬ودخوله فً مجال التعاٌش داخل المجموعة البشرٌة و انفتاح‬
‫الذات الفردٌة على الكون وتقبل اآلخر (غوسدورف )؟؟؟‬
‫‪ :‬ما ٌمنح للشخص قٌمة هو كونه ذات عاقلة وأخالقٌة ‪ .‬أي أن قٌمة الشخص تتحد فً عقله العملً األخالقً مما ٌعطٌه‬ ‫‪ ‬موقف كانط‬
‫كرامة تستدعً االحترام والتعامل معها كغاٌة ولٌس كمجرد وسٌلة‬

‫ٌعتبر كانط بأن الشخص هو الذات التً ٌمكن أن تنسب إلٌها مسؤولٌة أفعالها‪ .‬من هنا فالشخص هو كائن واع‪ ،‬وهو ما جعله ٌكتسب قٌمة مطلقة‬
‫فً حٌن ال تتمتع الموجودات غٌر العاقلة إال بقٌمة نسبٌة‪ .‬كما ٌعتبر الشخص غاٌة فً ذاته ‪ ،‬بحٌث ال ٌمكن التعامل معه كمجرد وسٌلة‪ .‬وهذا ٌعنً‬
‫أنه ٌمتلك قٌمة وكرامة ال تقدر بثمن ‪.‬‬
‫ولكً ٌحافظ الشخص على احترامه كذات حرة وأخالقٌة ‪ٌ ،‬جب علٌه أن ٌتصرف وفقا للواجب األخالقً المطلق بحٌث ٌعامل اإلنسانٌة فً سلوكه‬
‫كغاٌة ولٌس كوسٌلة‪ .‬هكذا فحرٌة الشخص عند كانط مقترنة بالتزامه باألمر األخالقً الذي هو قانون عملً كلً ومطلق‪ٌ ،‬شكل مبدأ موضوعٌا‬
‫لإلرادة اإلنسانٌة‪ ،‬وٌعامل الطبٌعة اإلنسانٌة كغاٌة فً ذاتها ‪.‬‬
‫وإذا كان كانط ٌجعل الخاصٌة األخالقٌة هً المحدد الرئٌسً لقٌمة الشخص ‪ ،‬وهً ما ٌجلب له االحترام من طرف الغٌر ومعاملتهم له كغاٌة ولٌس‬
‫كمجرد وسٌلة ‪ ،‬فإن هناك كائنات بشرٌة قد تعوزها هذه الخاصٌة‪ ،‬وبالتالً ستفتقد من هذا المنظور الكانطً إلى صفة الشخص وٌصبح من الجائز‬
‫معاملتها كمجرد وسائل ومنحها قٌمة ال تختلف عن قٌمة الحٌوانات أو األشٌاء المادٌة ‪.‬‬
‫هذه المسألة هً التً جعلت تصور كانط لقٌمة الشخص ٌعرف بعض الصعوبات والمفارقات التً انتبه إلٌها أحد الفالسفة األمرٌكٌٌن المعاصرٌن‪،‬‬
‫هو طوم رٌغان ‪Tom Regan) ).‬‬

‫ما ٌمنح للشخص قٌمة هو كونه ذات حٌة تستشعر حٌاتها ‪.‬‬ ‫‪ ‬موقف طوم رٌغان‪:‬‬
‫ٌرى طوم رٌغان أن كانط ٌحدد قٌمة الشخص فً كونه ذات عاقلة وأخالقٌة‪ ،‬وهذا ما ٌؤدي إلى نفً قٌمة الشخص عن كثٌر من البشر مثل‬
‫البوٌضة المخصبة حدٌثا‪ ،‬والمرضى الذٌن دخلوا حالة الغٌبوبة الدائمة‪ ،‬واألطفال إلى سن معٌنة‪ ،‬وكل الكائنات التً تفتقد القدرات العقلٌة التً‬
‫تمكنها من أن تكون كائنات عاقلة و أخالقٌة ‪.‬‬

‫من هنا ٌجوز تبعا للمنظور الكانطً معاملة هذه الكائنات كمجرد وسائل‪ ،‬ونفً االحترام والكرامة وكل مقومات الشخص عنها‪ .‬وهذا ما ٌؤدي إلى‬
‫مفارقة أساسٌة تتمثل فً كون كانط ‪ ،‬وهو المعروف بمثالٌته األخالقٌة‪ٌ ،‬جسد موقفا ال أخالقٌا تجاه هذه األنواع من الكائنات التً ذكرناها‪ .‬ولهذا‬
‫وجب حسب طوم رٌغان استبدال المعٌار األخالقً الكانطً المحدد لقٌمة الشخص بمعٌار آخر أشمل وأوسع ؛ ٌتمثل فً أن ما ٌمنح للكائن البشري‬
‫قٌمة مطلقة هو كونه « ذات تستشعر حٌاتها»‪ .‬فاإلنسان ٌختلف عن الحٌوانات واألشٌاء الطبٌعٌة فً كونه ٌضٌف خاصٌة الوعً إلى الحٌاة ؛ فهو‬
‫ٌعً ما ٌعتمل فً حٌاته من مشاعر وأفكار ورغبات ‪ ،‬كما ٌستشعر حٌاته الماضٌة وٌتطلع إلى االستمتاع بالنعٌم وتحقٌق ما هو أفضل بالنسبة إلٌه‪.‬‬
‫وهذه العناصر هً ما ٌمنحه قٌمة أصلٌة وٌفرض علٌنا احترامه واالعتراف له بحقوقه المشروعة ‪.‬‬

‫فالقٌمة األصلٌة للشخص إذن ال تتوقف على نظرة الغٌر إلٌه أو حكمه علٌه انطالقا من معاٌٌر أخالقٌة أو غٌرها‪ ،‬بل هً تتحدد حسب طوم رٌغان‬
‫ذات تستشعر حٌاتها » وٌحٌى حٌاة ٌمكن أن تتحول لألفضل أو لألسوأ بالنسبة إلٌه‪ .‬وهذا المعٌار األخٌر ٌجعل كل الكائنات‬
‫انطالقا من كونه « ا‬
‫البشرٌة متساوٌة وتفرض علٌنا االعتراف لها بحقوقها ومعاملتها باحترام ‪.‬‬

‫غوسدورف ‪ :‬قيمة الشخص تتحدد داخل المجتمع ال خارجه‪ ،‬فالشخص األخالقي ال يتحقق بالعزلة والتعارض مع اآلخرين بل العكس‪.‬‬ ‫‪ ‬موقف‬
‫غٌر أن جورج غوسدورف ٌرى أن فكرة استقالل الشخص األخالقً‪ ،‬كما تحدث عنها كانط ال تعكس حقٌقة الوضع اإلنسانً‪ ،‬ألنها تتغاضى (تغفل)‬
‫عن أشكال التضامن و التعاٌش و المشاركة‪ ،‬التً تمٌز عالقة الناس فٌما بٌنهم‪ ،‬وال ٌمكن للشخص‪ ،‬فً نظر غوسدورف‪ ،‬أن ٌكتسب قٌمته‬
‫األخالقٌة من ذاته‪ ،‬وكأنه«إمبراطور داخل إمبراطورٌة» ٌضع نفسه فً مقابل العالم و فً تعارض مع اآلخرٌن ‪.‬إن الشخص فً الواقع ٌنفتح على‬
‫الكون و على الغٌر‪ ،‬وهو ال ٌوجد‪ ،‬وال ٌكتمل وال ٌغتنً إال بالمشاركة و التضامن‪ ،‬و باألخذ و العطاء ‪….‬‬

‫المحور الثالث ‪ :‬الشخص بٌن الضرورة و الحرٌة‬

‫(أنظر أسفله)‬
‫المحور الثالث ‪ :‬الشخص بٌن الضرورة و الحرٌة‬

‫ْم انشخص راث حشة أو أَّ ك‪ٛ‬اٌ خاضع إلششاطاث ٔحخً‪ٛ‬اث يخخهفت؟‬
‫انخأط‪ٛ‬ش اإلشكان‪ْ: ٙ‬م انشخص راث حشة (س‪ٛ‬ذة أفعانٓا ٔ حصشفاحٓا )‪،‬أو اَّ ك‪ٛ‬اٌ خاضع إلششاطاث ٔضشٔساث ٔحخً‪ٛ‬اث‬
‫خاسجت عٍ إسادحّ ححذد ٔضعّ ٔحششط ٔجٕدِ ٔحق‪ٛ‬ذ حش‪ٚ‬خّ ؟؟‬
‫سغم ان اىشخص ٌتمٍض بٌٍُت خاصت َقٍمت متمٍضة‪ ،‬اال اوً ٌىتمً اىى جماعت اَ مجتمع معٍه‪ٌَ،‬عٍش َفق ششَط مُضُعٍت‬
‫تجعيً ٌذسك أن َجُدي مششَط بضشَساث وفسٍت َبٍُىُجٍت داخيٍت‪،‬أَ بضشَساث َ إمشاٌاث اجتماعٍت َثقافٍت َاقتصادٌت‬
‫خاسجٍت‪ .‬إن ٌزا االصدَاج فً بىٍت َجُد اىشخص ٌُ ما ٌجعيىا وتساءه‪ْ:‬م انشخص راث حشة أو أَّ ك‪ٛ‬اٌ خاضع إلششاطاث‬
‫ٔحخً‪ٛ‬اث؟ بأ٘ يعُٗ ‪ٚ‬كٌٕ انشخص( باعخباسِ حش‪ٚ‬ت ٔفاعه‪ٛ‬ت ٔيششٔعا) قادس عهٗ انخعان‪ ٙ‬عهٗ كم اإلششاطاث ٔحجأص كم‬
‫انحخً‪ٛ‬اث ٔانضشٔساث انًح‪ٛ‬طت بّ ؟‬
‫انًفاْ‪ٛ‬ى األساس‪ٛ‬ت ‪:‬‬
‫‪ -‬الضرورة ‪ ًٌ :‬وقٍض اىحشٌت‪ َ ،‬اىضشَسة معىاٌا أن مو ما فً اىنُن‪ ،‬بما فً رىل اإلوسان‪ ،‬البذ أن ٌنُن مما ٌُ ال ٌخشج عه طبٍعتً اىتً جبو‬
‫عيٍٍا‪ ،‬فاإلوسان ىٍس إال ما ٌُ عىصش مه ٌزا اىنُن َ جضء صغٍش مه اىطبٍعت‪َ .‬اىضشَسة تشمو معاوً اىحتمٍت َاإلمشاي َ اىجبشٌت ‪....‬‬
‫‪ -‬الحرٌة‪ ًٌ :‬إشاسة إىى قذسة اىشخص عيى فعو شًء ما‪ ،‬أَ االمتىاع عىً‪ ،‬بعٍذ عه أي إمشاي أَ ضشَسة مٍفما مان مصذسٌا ‪.‬‬
‫‪) 2‬خطاب الفلسفة الوجودٌة ‪ :‬خطاب الحرٌة‬ ‫‪ ) 1‬خطاب العلوم اإلنسانٌة ‪( :‬أطروحة الضرورة)‪ :‬اإلنسان خاضع‬
‫لمجموعة من الضرورات واالكراهات والحتمٌات الخارجة عن إرادته‬
‫موقف سارتر‪" :‬االًسبى هحكْم ببى ٌكْى حسا "‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬موقف العلوم اإلنسانٌة‪ :‬اإلنسان ‪ -‬كباقً أشٌاء الطبٌعة‪-‬‬
‫"االًسبى هشسّع حسٌة بشكل دائن"‬ ‫خاضع لمجموعة من اإلكراهات والضرورات والحتمٌات و الشروط‬
‫التً تحدد وضعه وتحد من حرٌته وتنفً إرادته وفاعلٌته وقدرته‬
‫واختٌاراته‪ ،...‬كخضوعه مثال ل ‪:‬‬
‫تنطلق القولة الفلسفٌة أعاله [االًسبى هحكْم ببى ٌكْى حسا]‬ ‫‪ ‬إكراهات وضرورات بٌولوجٌة ‪ - :‬كضرورات األكل‬
‫من اإلقرار التام بتمتع اإلنسان – باعتباره ذاتا واعٌة عاقلة ومسؤولة ‪-‬‬ ‫والشرب والتنفس والنوم والتوالد وما تفرضه الضرورات‬
‫بكل الحرٌة التً تجعله مسؤوال عن تصرفاته و اختٌاراته و بالتالً سٌد‬ ‫األساسٌة والمتطلبات الغرٌزٌة الفطرٌة لبقاء النوع والتً ال‬
‫نفسه ومصٌره‪،‬وهو نفس التصور الذي تجسده الفلسفة الوجودٌة فً إطار‬ ‫اختٌار فٌها لألفراد‪....‬‬
‫إعالئها من شأن اإلنسان‪.‬‬ ‫‪ -‬كما أن اإلنسان ال ٌختار لونه وال شكله و ال جنسه‬
‫لقد تأسست الوجودٌة كفلسفة إنسانٌة بامتٌاز‪،‬على خلفٌة فلسفٌة تنطلق‬ ‫‪....‬باعتبار ان ذلك من المحددات والشروط البٌولوجٌة‬
‫من اعتبار أن اإلنسان ذاتٌة محضة (عكس خطاب العلوم اإلنسانٌة الذي‬ ‫التً تحدد وجود اإلنسان دون إرادته‬
‫ٌنظر إلٌه كموضوع ولٌس كذات)‪ ،‬والذاتٌة عند الوجودٌٌن – و على‬ ‫‪ ‬إكراهات سوسٌوثقافٌة ‪ :‬حٌث إن "اإلنسان ابن بٌئته " كما‬
‫رأسهم جون بول سارتر – تعنً أن اإلنسان هو وحده الذي ٌخلق ذاته‬ ‫ٌقول ابن خلدون ‪،‬إذ ال ٌستطٌع التحرر أو االنفالت من قبضة العادات‬
‫بمطلق إرادته وحرٌته‪،‬وهو بذلك قادر على تجاوز كل اإلكراهات‬ ‫وسلطة التقالٌد واألعراف واللغة والدٌن والقوانٌن والقواعد التً‬
‫والشروط التً ٌمكن أن تقٌده أو تشرط وجوده (كما تقول العلوم‬ ‫ٌفرضها المجتمع (والثقافة ) الذي ٌنتمً إلٌه‪ ،‬حٌث تنتفً كل حرٌة‬
‫اإلنسانٌة) ‪.‬‬ ‫الفرد‪،‬لٌذوب ضمن الجماعة‪.‬فالمجتمع هو الذي ٌحدد لالفراد ما ٌجب أن‬
‫لذلك ٌؤكد الفٌلسوف الفرنسً الوجودي سارتر على أن اإلنسان‬ ‫ٌكونوا علٌه من خالل صٌرورتً التنشئة االجتماعٌة والتربٌة (‬
‫حر‪،‬وان له الحق أن ٌكون هو هو ‪،‬وكما ٌرٌد هو أن ٌكون ‪،‬ال كما ٌرٌده‬ ‫‪، (l’éducation et la socialisation‬اللتان تعمالن على إدماج‬
‫غٌره‪ .....‬و فً هذا السٌاق‪ ،‬نجد ان الوجودٌة قد تأسست ‪/‬انطلقت من‬ ‫مجموع القٌم والمبادئ والمعاٌٌر واألخالق فً شخصٌاتهم وتلقٌنها‬
‫فكرة أن الوجود سابق عن الماهٌة ‪ ،‬ومعناه‪ ،‬أن وجود اإلنسان أسبق من‬ ‫لهم‪.....‬إذ ٌصبح اإلنسان مجرد نتاج لما ٌصنعه منه المجتمع ‪ ،‬أي نتاج‬
‫تشكله (وتشكل ماهٌته‪، )...‬أي إن اإلنسان ٌوجد أوال ثم هو الذي ٌحدد‬ ‫لمجموعة من القواعد والضوابط المفروضة علٌه باال كرا ه و التً تلغً‬
‫ماهٌته الحقا وبكل حرٌة ودون قٌود‪،‬فاإلنسان هو الذي ٌختار مصٌره‬ ‫فاعلٌته و اختٌاراته وحرٌته فً تحدٌد مصٌره (سواء تعلق األمر‬
‫ومسٌرته ومستقبله ‪،‬وهو الذي ٌقرر ما ٌكونه‪،‬سٌاسٌا او محامٌا او‬ ‫بالزواج او أشكال اللباس ‪....‬أو غٌره )‪ .‬ولعل هذا ما أشار إلٌه عالم‬
‫مهندسا أو تاجرا او منحرفا‪ٌ....‬قول سارتر ‪ " :‬البطل ُْ الري‬ ‫االجتماع الفرنسً إمٌل دوركهاٌم ‪ Durkheim‬فً كتابه‪ " :‬التربٌة‬
‫ٌصٌع هي ًفسَ بطال‪ّ،‬الجببى ُْ الري ٌصٌع هي‬
‫األخالقٌة " عندما قال‪ ... " :‬فضوٍسًب األخالقً لن ٌٌحج إال‬
‫ًفسَ جببًب" ‪.‬‬
‫فوجود اإلنسان ٌختلف عن وجود األشٌاء لدى الفلسفة الوجودٌة‪،‬حٌث‬ ‫عي الوجحوع ّال ٌعبس إال عٌَ‪ّ ،‬إذا جكلن ضوٍسًب‪،‬‬
‫أن اإلنسان ٌوجد أوال ‪،‬ثم ٌنطلق فً صٌاغة مشروعه عبر خطوات‬ ‫فإًوب ٌسدد صْت الوجحوع فٌٍب "‬
‫وبكل إرادته وحرٌته وقدرته على االختٌار ‪ ...‬بل لقد اشتقت الوجودٌة‬ ‫‪ ‬إكراهات سٌكولوجٌة ‪ -:‬حٌث ٌعتبر سٌغموند فروٌد‬
‫مقولة ” أسبقٌة الوجود على الماهٌة ” من خاصٌة الوعً‪ ،،‬ألن‬ ‫بأن‪:‬‬
‫اإلنسان لٌس وجودا فً ذاته كاألشٌاء‪ ،‬بل وجودا لذاته‪ٌ :‬وجد وٌعً‬ ‫‪ -‬شخصٌة اإلنسان ما هً إال نتاج لتكوٌنه النفسً خالل مراحل‬
‫وجوده‪ ،‬مما ٌجعل وجوده تركٌبة النهائٌة من االختٌارات‬ ‫الطفولة ‪،‬أي أن طفولة اإلنسان هً التً تحدد مستقبله‬
‫واإلمكانٌات؛ وذلك على عكس منطلق "وجود األشٌاء" التً تسبق‬ ‫ومصٌره‪...‬حٌث ٌبدو معه أن اإلنسان لٌس حرا وال مرٌدا و ال‬
‫ماهٌتها وجودها‪ "،‬فوجود الطاولة " مثال ٌأتً بعد وجود ماهٌتها و شكلها‬ ‫مسؤوال عن مصٌره مادامت طفولته –وبشكل سابق – هً من ٌحدد‬
‫فً ذهن ومخٌلة النجار الذي ٌصمم شكلها ولونها وحجمها ثم ٌعمل على‬ ‫مصٌره ‪...‬‬
‫تنزٌلها وإخراجها للوجود الواقعً‪،‬إذ ٌصبح وجودها –أي الطاولة‪ -‬الحق‬ ‫‪ -‬االنسان خاضع ألكراهات نفسٌة الشعورٌة هً التً تتحكم فً‬
‫(ال سابق) عن ماهٌتها‪.‬‬ ‫وعٌه وسلوكاته وتوجه أفعاله رغما عنه (كاألحالم ‪،‬زالت‬
‫تأسٌسا على ما سبق ‪،‬تعتبر الفلسفة الوجودٌة (سارتر)أن‬ ‫القلم‪،‬فلتات اللسان‪،‬النسٌان‪،‬السهو‪،‬االضطرابات النفسٌة‪... .‬وغٌرها‬
‫"اإلًسبى هشسّع فً سوبء الووكٌبت " ‪،‬أي أنه ما هو‬ ‫) وهً كلها إكراهات نفسٌة الشعورٌة تغٌب معها كل حرٌة او‬
‫إال صانع ذاته‪/‬نفسه باستمرار‪،‬هو الذي ٌحدد مصٌره ومستقبله‪ ،‬وهذا‬ ‫أرادة لإلنسان فً تحدٌد سلوكاته ‪،‬وبالتالً تنتفً فً ذلك مسؤولٌته و‬
‫معناه‪ ،‬حسب سارتر ‪ ،‬أننا ال نختار تركٌب الجسد (أي إننا ال نختار لوننا‬ ‫اختٌاراته‬
‫وال شكلنا وال جنسنا‪، )...‬لكننا نختار أفعالنا ومصٌرنا مادمنا كائنات‬ ‫‪ -‬شخصٌة اإلنسان ما هً إال نتاج لتفاعل ثالث قوى أساسٌة هً‬
‫واعٌة عاقلة و فاعلة ومسؤولة‪،‬وفكرة كون "اإلنسان مشروع"‪ :‬تعنً‬ ‫التً تحدد جهازه النفسً وبالتالً شخصٌته ‪،..‬وهذه القوى هً ‪:‬‬
‫انه فاعلٌة ال تتوقف عن العمل ‪،‬عن الحركة فً اتجاه تطوٌر أدائه وتعدٌل‬ ‫[ الهو– األنا – األنا األعلى]‪.‬‬
‫اختٌاراته و توجٌهها بالشكل الذي ٌرٌد وبكل حرٌة‪،‬مستفٌدا مما تتٌحه له‬ ‫وهكذا‪،‬فعلم النفس فٌنظر إلى اإلنسان باعتباره " أنا " تعٌش قلقا‬
‫اإلمكانٌات التً ٌصادفها فً هذا الوجود‪.‬فاإلنسان "مشروع لم ٌكتمل‬ ‫نفسٌا مرٌرا‪ ،‬وهو قلق ال شعوري ٌفسره المحلل النفسً النمساوي‬
‫بعد" كما ٌقول سارتر دائما‪ ،‬أي انه دائم العمل والتطوٌر والتعدٌل فٌما‬ ‫سٌغموند فروٌد )‪ (S.Freud‬من خالل تقسٌمه للجهاز النفسً لإلنسان‬
‫ٌراه مناسبا له ‪ ، ....‬من هنا نفهم تصرٌح سارتر "بأى اإلًسبى‬ ‫إلى ثالث عناصر أساسٌــة‪ :‬األنا )‪ ، (Moi‬الهو )‪ ، (ça‬األنا‬
‫هشسّع فً سوبء الووكٌبت‪ ،‬هحكْم علٍَ بأى ٌكْى‬ ‫األعلى )‪ ، (Sur Moi‬فلألنا غرائز ومٌوالت فطرٌة ٌسعى الهو إلى‬
‫حسا‪ّ ،‬ببى اإلًسبى لٍس شٍئب آخس غٍس هب ٌصٌع‬ ‫إشباعها‪ ،‬إال أن تواجد منظومة القٌم التً ٌجسدها األنا األعلى تحول‬
‫ىفسَ"‪.‬‬ ‫ة‬ ‫دون ذلك إذ ٌتم كبتها‪ ،‬األمر الذي ٌدفع األنا إلى محاولة التوفٌق بٌن‬
‫وهكذا‪ ،‬فالتوقف عن الفعل( أي الممارسة ضمن الوجود) ‪،‬هو‬ ‫مطالب كل من الهو واألنا األعلى ‪ ،‬وهو توفٌق إن دل على شًء فإنما‬
‫توقف عن الوجود‪،‬و االختٌار ٌقتضً بدوره الحرٌة ‪،‬فال اختيار بدون‬ ‫ٌدل على أن الفعل اإلنسانً هو فعل خاضع لضرورة وحتمٌة نفسٌة ال‬
‫حرٌة ‪ .‬لذلك ٌختار اإلنسان من بٌن اإلمكانات المتاحة له أفضلها و أنفعها‬ ‫شعورٌة ‪ ،‬وهذا ما ٌجعل البعض‪ ،‬حسب فروٌد ‪ ،‬مكرها فً الكثٌر من‬
‫بالنسبة له‪ .‬لذلك فوجود االنسان ال ٌتحقق اال بالفعل واالختبار ‪،‬فالموجود‬ ‫األحٌان على أن ٌهتف بٌنه وبٌن نفسه‪ " :‬آه‪ ،‬لٌست الحٌاة سهلة "‪( .‬‬
‫الحر فقط هو من ٌختار ‪ٌ،‬قول سارتر ‪ ":‬إى الحسٌة لٍسث صفة‬ ‫محاضرات جدٌـــدة فً التحلٌل النفسً )‪.‬‬
‫هضبفة أّ خبصٍة هي خصبئص طبٍعحً‪،‬إًِب جوبهب‬
‫ًسٍج ّجْدي" ‪...‬‬
‫إن الحرٌة هنا تصبح هً تجاوز اإلنسان لحاضره وماضٌه وارتمائه‬
‫نحو المستقبل‪،‬مادام هذا اإلنسان " مشروعا فً سماء الممكنات " ‪،‬انه‬
‫انفصال عما هو كائن واتجاه نحو ما لم ٌكن بعد‪ .‬إن الشخص بفعل وعٌه‬
‫وحرٌته ٌستطٌع أن ٌختار شخصٌته وفقا لنموذج ٌرضى عنه وٌكون كما‬
‫أراد هو نفسه‪.‬‬
‫هكذا ٌبدو أن اإلنسان مع سارتر ال طبٌعة له‪،‬ولٌست له ماهٌة محددة‬
‫(من قبل) ‪،‬بل إن ماهٌته هً الحرٌة نفسها إذ أن "اإلنسان محكوم بان‬
‫ٌكون حرا" ‪.‬‬
‫ٌقُه ساسحش‪ " :‬لٍس لإلًسبى هبٍُة ثببحة‪،‬بل إى ّجْدٍ‬
‫سببق على هبٍُحَ‪،‬فِْ الري ٌكْى هبٍُحَ‪.....‬إى‬
‫اإلًسبى فً هحبّلة دائوة ال جعسف االسحقساز‪،‬فِْ ال‬
‫ٌسضى بشًء ّال ٌقف عٌد حد "‬

‫نستنتج من خالل ما سبق‪،‬أن اإلنسان ال ٌمكنه إال أن ٌكون حرا‪،‬‬


‫ومن ثمة فهو قادر على بناء مصٌره بنفسه ما دام اإلنسان قد قدف به‬
‫فً هذا العالم‪،‬ومن هنا فهو ملزم ومؤهل الختٌار مصٌره وبالتالً‬
‫تحدٌد مستقبله‪....‬‬

You might also like