You are on page 1of 9

‫قصة عن األم‬

‫كان ألحد األمهات عني واحده وقد كرهها ابنها ملا كانت تسببه له من احراج ‪ ،‬فكان يرى‬

‫شكلها مقززا ‪ ،‬و كانت هذه األم تعمل طاهية يف املدرسة اليت كان يدرس ابنها فيها لتعيله و تساعده‬

‫على أن يكمل دراسته ‪ ،‬كان الولد دائم اً حياول أن خيفي عن أصحابه أن تلك الطاهية أمه خوف اً من‬

‫تعليقاهتم و خجالً من شكلها‬

‫يف أح د األي ام ص عدت االم إىل فص ل ابنه ا كي تس أل عن ه و تطمئن على حتص يله الدراس ي‪،‬‬

‫أحس الولد باإلحراج و الضيق نتيجة ملا فعلته أمه ‪ ،‬جتاهلها و رماها بنظرة مليئة بالكره و احلقد‬

‫يف اليوم التايل قام أبدى أحد التالمذة سخريةً من ذلك الولد قائالً له‪ : ‬يا ابن الطاهية ذات‬

‫العني الواحدة ‪ ،‬حينها تضايق الولد كثرياً و متىن لو كان بإمكانه ان يدفن نفسه أو يدفن أمه ليتخلص‬

‫من العار و اخلجل الذي يسببه له شكلها‬

‫واجه الولد أمه بعد السخرية اليت تع رض هلا من زميله قائالً هلا‪ : ‬مىت ستموتني و ختتفي من‬

‫حي ايت كي اختلص من اإلح راج ال ذي اتع رض ل ه بس ببك؟ فق د جعلت م ين أض حوكةً و مهزل ةً بني‬

‫زمالئي سكتت األم حينها و غادر الولد املكان دون أن يأبه ملشاعرها كان الولد يكرر ذلك التوبيخه‬

‫ألمه كثرياً‬

‫بعدما أهنى الولد دراسته الثانوية ‪ ،‬حصل على منحة دراسية الكمال دراسته يف اخلارج‪ ،‬ذهب‬

‫و درس و تزوج و كان سعيداً يف حياته بعد عن ابتعد عن أمه و اليت كانت مصدر الضيق الوحيد يف‬

‫حياته‬

‫بعد بضع سنني قررت األم أن تسافر لرتى ابنها و أحفادها ‪ ،‬و قد تفاجئت األم كثرياً من ردة‬

‫فعلهم ‪ ،‬فقد سخر منها بعض أحفادها‪ ،‬و آخرون خافوا منها و بدأوا بالبكاء فانزعج االبن من أمه و‬
‫أمره ا ب أن خترج من املك ان خوف اً من ه على أبنائ ه ‪ ،‬فخ رجت دون أن تب دي أي تعلي ق و احلزن ميل ؤ‬

‫قلبها‬

‫و يف يوم من األيام اضطر االبن للذهاب إىل البلد الذي عاش فيها طفولته مع أمه ن و من‬

‫باب الفضول قرر أن يزور يته القدمي ‪ ،‬و ما إن وصل أخربه اجلريان بأن أمه قد توفيت ‪ ،‬مل يذرف‬

‫االبن أي دمعة و مل حيرك ذلك اخلرب ساكناً فيه‬

‫ك انت وص ية األم ألح د اجلريان أن يق وم بتس ليم اينه ا ظرف اً إن رآه يف ي وم من األي ام ‪ ،‬فق ام‬

‫ذلك اجلار بتسليم الظرف لالبن حينها ‪ ،‬و ملا فتحه وجد فيه رسالةً كتب فيها‪:‬‬

‫“اب ين احلبيب لق د أحببت ك كث ريا و طاملا أحببت أن تعيش معي و ارى أحف ادي يلعب ون من‬

‫حويل يف هذا البيت الذي عشت وحيد ًة فيه و كانت الوحدة تقتلين”‬

‫“اب ين احلبيب يف داخلي ش يء مل اخ ربه ألي اح د يف حي ايت ‪ ،‬و س تكون أنت الوحي د ال ذي‬

‫سيعرفه ‪ ،‬فبعدما تويف أبوك يف حادث سيارة أصبت أنت وفقدت عينك اليمىن وتأسفت وحتسرت‬

‫عليك ومل أكن استطيع إن أتصور كيف سيعيش ابين بعني واحدة وقد يسخر منه األطفال وخيافون‬

‫من شكله لذلك‪”.‬‬


‫من مظاهر التكرمي للمرأة تكرمي األم فقد عظَّم اإلسالم من شأن األم قال تعاىل‪(:‬واعبدوا اهلل‬

‫وال تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً)‪ ،‬وقال تعاىل‪(:‬واعبدوا اهلل وال تشركوا به شيئاً وبالوالدين‬

‫وس ئل رسول اهلل (صلى‬


‫إحساناً)‪ ،‬وقال تعاىل‪(:‬وقضى ربك أال تعبدوا إال إياه وبالوالدين إحساناً) ‪ُ .‬‬
‫اهلل عليه وسلم)‪( :‬من أحق الناس حبسن صحابيت؟ فقال أمك‪ ،‬قال مث من؟ قال‪ :‬أمك‪ ،‬قال مث من؟‬

‫قال‪ :‬أمك‪ ،‬قال‪ :‬مث من؟ قال‪ :‬أبوك) متفق عليه‪.‬‬

‫ف األم هي مص در احلن ان والرعاي ة والعط اء بال ح دود‪ ،‬وهي املرش د إىل طري ق اإلميان واهلدوء‬

‫النفسي‪ ،‬وهي املصدر الذي حيتوينا ليزرع فينا بذور األمن والطمأنينة‪ ،‬وهي إشراقة النور يف حياتنا‪،‬‬

‫ونبع احلنان املتدفق‪ ،‬بل هي احلنان ذاته يتجسد يف صورة إنسا‪ ،‬وهي املعرفة اليت تعرفنا أن السعادة‬

‫احلقيقية يف حب اهلل‪ ،‬وهي صمام األمان‪.‬‬

‫ولن تكفينا سطور وصفحات لنحصي وصف األم وما تستحقه من بر وتكرمي وعطاء امتنان اً‬

‫ملا تفعله يف كل حلظة‪ ،‬ولكن حنصرها يف كلمة واحدة هي النقاء والعطاء بكل صوره ومعانيه‪.‬‬

‫ولقد عُ ين القرآن الكرمي باألم عناية خاصة‪ ،‬وأوصى باالهتمام هبا‪ ،‬حيث أهنا تتحمل الكثري كي حييا‬

‫ويسعد أبناءها‪.‬‬

‫ولقد أمر اهلل سبحانه وتعاىل بربها وحرم عقوقها‪ ،‬وعلق رضاه برضاها‪ ،‬كما أمر الدين حبسن‬

‫صحبتها ومعاملتها باحلسىن رداً للجميل‪ ،‬وعرفاناً بالفضل لصاحبه‪.‬‬

‫وحث النيب (صلى اهلل عليه وسلم) على الوصية باألم‪ ،‬ألن األم أكثر شفقة وأكثر عطف اً ألهنا‬

‫هي ال يت حتملت آالم احلم ل والوض ع والرعاي ة والرتبي ة‪ ،‬فهي أوىل من غريه ا حبس ن املص احبة‪ ،‬ورد‬
‫اجلميل‪ ،‬وبعد األم يأيت دور األب ألنه هو املسئول عن النفقة والرعاية فيجب أن يرد له اجلميل عند‬

‫الكرب‪.‬‬

‫واإلسالم قدم لنا األم بالرب على األب لسببني‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أن األم تعاين حبمل االبن سواء كان ذكراً أم أنثى ووالدته وإرضاعه والقيام على أمره‬

‫وتربيت ه أك ثر مما يعاني ه األب‪ ،‬وج اء ذل ك ص رحياً يف قول ه تب ارك وتع اىل‪( :‬ووص ينا اإلنس ان‬

‫بوالديه محلته أمه وهنا على وهن وفصاله يف عامني أن اشكر يل ولوالديك إيل املصري) (لقمان ـ‬

‫‪.)14‬‬

‫ثاني اً‪ :‬أن األم مبا فطرت عليه من عاطفة وحب وحنان أكثر رمحة وعناية واهتمام اً من األب‪،‬‬

‫فاالبن قد يتساهل يف حق أمه عليه‪ ،‬ملا يرى من ظواهر عطفها ورمحتها وحناهنا‪ .‬هلذا أوصت‬

‫الش ريعة اإلس المية االبن ب أن يك ون أك ثر ب راً هبا وطاع ة هلا‪ ،‬ح ىت اليتس اهل يف حقه ا‪ ،‬وال‬

‫يتغاضى عن برها واحرتامها وإكرامها‪.‬‬

‫ومما يؤكد حنان األم وشفقتها أن االبن مهما كان عاق اً هلا‪ ،‬مستهزئاً هبا معرض اً عنها ‪ ..‬فإهنا‬

‫تنسى كل شيء حني يصاب مبصيبة أو حتل عليه كارثة‪.‬‬

‫وقد قدمنا من قبل حديث أيب هريرة ـ رضي اهلل عنه ـ حيث قال‪ :‬جاء رجل إىل رسول اهلل‬

‫(صلى اهلل عليه وسلم) فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬من أحق الناس حبسن صحابيت؟ فقال‪ :‬أمك‪ .‬قال‪ :‬مث من؟‬

‫قال‪ :‬أمك‪ .‬قال‪ :‬مث من؟ قال‪ :‬أمك‪ .‬قال‪ :‬مث من؟ قال‪ :‬أبوك‪ .‬متفق عليه‪.‬‬

‫والصحبة واملص احبة هي الرفقة والعش رة‪ ،‬وأوىل الناس حبسن املص احبة ومجيل الرعاي ة ووافر‬

‫العطف والرفقة احلسنة هي األم اليت محلت وليدها وهناً على وه ٍن‪.‬‬
‫ق ال القرط يب‪ :‬إن ه ذا احلديث ي دل على أن حمب ة األم والش فقة عليه ا ينبغي أن تك ون ثالث ة‬

‫أمثال حمبة األب‪ ،‬وذلك أن صعوبة احلمل‪ ،‬وصعوبة الوضع‪ ،‬وصعوبة الرضاع والرتبية‪ ،‬تنفرد هبا األم‬

‫دون األب‪ ،‬فهذه ثالث مشقات خيلو منها األب‪.‬‬

‫وال يستطيع إنسان أن حيصي أو يقدر حق اآلباء واألمهات على األبناء‪ ،‬ولو يستطيع األبناء‬

‫أن حيص وا م ا الق اه اآلب اء واألمه ات يف س بيلهم‪ ،‬الس تطاعوا إحص اء م ا يس تحقونه من ال رب والتك رمي‬

‫ولكن ه أم ر ف وق الوص ف خاص ة م ا حتملت ه األم من محل ووالدة‪ ،‬وإرض اع وس هر باللي ل‪ ،‬وجه د‬

‫متواصل بالنهار‪ ،‬يف سبيل الرعاية املطلوبة‪.‬‬

‫منذ سنوات مت ختصيص يوم لالحتفال باألم‪ ،‬حتدد يوم ‪ 21‬مارس ويسمى بعيد األم كمظهر‬

‫من مظاهر التكرمي هلا والرب هبا‪ ،‬يقدم فيه األبناء اهلدايا إىل األم اعرتافاً بفضلها وامتناناً جبميلها‪.‬‬

‫ويف الواق ع ه ذا الس لوك ال يعت رب مظه راً من مظ اهر تك رمي األم‪ ،‬ألن اإلس الم كرمه ا ط وال‬

‫حياهتا وبع د موهتا‪ ،‬ومل خيص ص هلا تارخياً حمدداً حيتف ل ب ه املس لمون‪ ،‬والب د من التك رمي هلا وال رب هبا‬

‫ورعايتها يف كل حلظة تشهد عليه األيام واللمسات الرقيقة احلانية‪.‬‬

‫وإذا تعمقنا وتركنا لقلوبنا أن نتأمل ما حيدث يف هذا اليوم ‪ ..‬ونزلنا إىل أرض الواقع جند أن‬

‫عيد األم ما هو إال يوم احلزن العاملي يف أكثر بيوت املسلمني‪ ،‬حيث هناك من يبكي يف هذا اليوم ألن‬

‫أمه قد ماتت‪ ،‬وآخر يبكي ألنه مسافراً بعيداً عن أمه‪ ،‬وهذا اليتيم يتأمل من البكاء وقلبه يعتصر من‬

‫األمل‪ ،‬ألنه مل ير أمه ألهنا ماتت وهي تلده ‪ ..‬وهذه االبنة تستعد للزفاف يف هذا اليوم‪ ،‬ويف أعماق‬

‫قلبها ملسة حزن ال يشعر هبا أحداً ألن أمها ليست معها يف هذا اليوم احلاسم ‪ ..‬فنجد أن عيد األم يوم‬

‫بكاء وحزن أكثر منه فرحة على املسلمني‪ ،‬وملن ماتت أمه أو فاته برها يف احلياة ‪ ..‬ال تبك وال حتزن‬

‫يف يوم األم ‪ ..‬إن أغلى هدية تقدمها هلا يف هذا اليوم هي أن تدعو هلا باملغفرة والرمحة وعلو املنزلة ‪،‬‬

‫وتنفق الصدقة على روحها للفقراء واليتامى واملساكني‪ ،‬وأن تصل الرحم اليت ال توصل إال هبا‪ ،‬وأن‬
‫ترب صديقاهتا واحباهبا‪ ،‬طامع اً يف رمحة اهلل هبا وبك‪ ،‬وأن يتغمدها اهلل مع عباده الصاحلني ‪ ..‬فهذا هو‬

‫أفضل من البكاء والنحيب واحلزن يف هذا اليوم‪ ،‬حيث تنتفع هبذه األعمال فتشعر بالسعادة والرضا‪،‬‬

‫فامليت ينتفع بعد موته من عمل غريه ‪..‬‬

‫وقد حدد لنا رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) هذه األعمال يف حديثه الشريف‪ ،‬فقد روى‬

‫أب و داود يف س ننه عن أيب أس يد مال ك بن ربيع ة الس اعدي قال‪ :‬بينم ا حنن عن د رس ول اهلل (ص لى اهلل‬

‫عليه وسلم) إذ جاءه رجل من بين سلمة فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرمها‬

‫به بعد موهتما؟ قال‪(:‬نعم‪ ،‬الصالة عليهما‪ ،‬واالستغفار هلما‪ ،‬وإنفاذ عهدمها من بعدمها‪ ،‬وصلة الرحم‬

‫ال يت ال توص ل إال هبم ا‪ ،‬وإك رام ص ديقهما)‪ ،‬فال ذي تق وم ب ه جتاه وال دك املت وىف ه و ال دعاء ل ه‪،‬‬

‫واالستغفار له‪ .‬قال تعاىل‪(:‬وقل رب ارمحهما كما ربياين صغرياً) (اإلسراء‪ ،)24 :‬وقال (صلى اهلل‬

‫علي ه وس لم)‪(:‬إذا م ات ابن آدم انقط ع عمل ه إال من ثالث‪ :‬وذك ر منه ا‪ :‬ول د ص احل ي دعو ل ه) ـ رواه‬

‫مسلم‪.‬‬

‫وإن أوصى بشيء أو عهد عهداً‪ ،‬فعليك بتنفيذ وصيته‪ ،‬والوفاء بعهده‪ ،‬وأن تصل رمحك ال‬

‫سيما من جهته‪ ،‬وإن كان له أصدقاء فتكرمهم‪.‬‬

‫قال (صلى اهلل عليه وسلم)‪(:‬إن من أبر الرب أن يصل الرجل أهل ُو ِّد أبيه بعد أن يويل) ـ رواه‬

‫مسلم‪ ،‬وتتصدق بنية أن ثواب هذه الصدقة له‪ ،‬فكل ذلك يصل إليه من غري خالف بني أهل العلم‪.‬‬

‫ولق د ك رم اإلس الم األم واعت رب هلا مكان ة عظيم ة‪ ،‬فهي ال يت محلت وأجنبت وربت وض حت‪،‬‬

‫وحتملت الكث ري كي يس عد أبنائه ا‪ ،‬وح افظت على النعم ة ال يت أنعم هبا اهلل عليه ا (نعم ة األموم ة)‬

‫وقومت لتخرج جيالً فاضالً يشع باإلميان واحلب واخلري والعطاء الغزير‪ ،‬والوفاء الكبري‪.‬‬
‫وعلّمت ّ‬

‫فاألم غالية وشاخمة يف كل يوم‪ ،‬والبد من تكرميها والرب هبا يف كل حلظة‪ ،‬سواء أكانت على‬

‫قيد احلياة أم يف رحاب اهلل‪.‬‬


‫واجلنة حتت أقدام األمهات‪ ،‬ومن بر أمه وحتمل يف سبيل تكرميها واحرتامها وعرف أنه مهما‬

‫قدم فلن يويف حقها‪ ،‬وأهنا طاملا حتملت من أجله‪ ،‬لكي حييا ويسعد ويهنأ … قد أطاع اهلل ورسوله‬

‫وأصبح من الفائزين حبب اهلل ورضاه ومبكان يف اجلنة ‪..‬‬

‫نسأل اهلل تعاىل أن يوفقنا للرب بامهاتنا وابائنا أحياء وأمواتا ‪ ..‬وأن يرزقنا بر أبنائنا‪ .. .‬إن ريب هو ويل‬

‫ذلك والقادر عليه ‪ ..‬وآخر دعوانا أن احلمدهلل رب العاملني‪.‬‬

‫أمحد حممد خشبه إمام وخطيب جامع ذو النورين ـ الغربة الشمالية‬

‫من أحق الناس بحسن صحابتي‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫ففي باب بر الوالدين وصلة األرحام أورد املصنف ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬

‫حديث أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬جاء رجل إىل رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬من‬

‫أحق الناس حبسن صحابيت؟ ‪-‬يعين‪ :‬صحبيت‪ ،‬قال‪ :‬أمك قال‪ :‬مث من؟ قال‪ :‬أمك‪ ،‬قال‪ :‬مث من؟ قال‪:‬‬

‫أمك‪ ،‬قال‪ :‬مث من؟ قال‪ :‬أبوك[‪ .]1‬متفق عليه‪.‬‬

‫ويف رواية‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬من أحق حبسن الصحبة؟‪ ،‬قال‪ :‬أمك‪ ،‬مث أمك‪ ،‬مث أمك‪ ،‬مث أباك‪ ،‬مث أدناك‬

‫أدناك[‪.]2‬‬

‫فه ذا احلديث ي بنّي فض ل األم ومنزلته ا‪ ،‬وأن األم هلا من احلق يف ه ذا اجلانب وه و حس ن‬

‫الص حبة ثالث ة أض عاف م ا لألب‪ ،‬واملقص ود حبس ن الص حبة‪ :‬حس ن املعاش رة‪ ،‬واملالطف ة‪ ،‬واإلحس ان‬

‫والرب‪ ،‬وذلك أن األم حتملت احلمل وآالم الوالدة‪ ،‬وكذلك أيض اً الرضاع واحلضانة‪ ،‬كل هذا شقيت‬

‫به وتعبت‪ ،‬واألب كذلك هو سبب يف وجود اإلنسان‪ ،‬وهو الذي يبذل ويتعب‪ ،‬ولكن األم حتملت‬

‫زيادة على ذلك هذه األمور الثالثة اليت ليس لألب شيء منها‪ ،‬فهذا اإلنسان حينما يكون يف بطنها‬

‫يعيش على دمه ا‪ ،‬وحينم ا خيرج تع اين املوت‪ ،‬وحينم ا يول د فإهنا تقدم ه على نفس ها‪ ،‬وراحت ه على‬
‫راحتها‪ ،‬وتفرح لفرحه‪ ،‬وتتأمل ألمله وحزنه‪ ،‬وإذا مرض مرضت معه‪ ،‬وإذا صار يف املدرسة فكأهنا هي‬

‫ال يت ت درس‪ ،‬وإذا اخت رب كأهنا هي ال يت ختت رب‪ ،‬وهك ذا ح ىت يتم‪ ،‬مث بع د ذل ك تش قى بعيال ه من بع ده‪،‬‬

‫وجتد هلم ما جتد له‪ ،‬كل هذا يقع لألم‪ ،‬فاملقصود أهنا أوىل الناس‪ ،‬لكن هذا احلديث إمنا هو يف حسن‬

‫الصحبة‪ ،‬وهلذا يقال‪ :‬لو أنه تعارض أمر األم وأمر األب من الذي يقدم؟‪.‬‬

‫أبوه يق ول‪ :‬ال تفع ل ك ذا‪ ،‬وأم ه تق ول‪ :‬افع ل كذا‪ ،‬يف غري معصية اهلل ‪ ،‬أب وه يقول‪ :‬اعمل‬

‫باملك ان الفالين‪ ،‬وأم ه تق ول‪ :‬اعم ل يف املك ان الفالين‪ ،‬أب وه يق ول‪ :‬ادرس يف اجلامع ة الفالني ة‪ ،‬وأم ه‬

‫تقول‪ :‬ادرس يف اجلامعة الفالنية‪ ،‬يطيع من؟‪.‬‬

‫من أهل العلم من قال‪ :‬إن األم مقدمة؛ ألن النيب ﷺ ذكر حقها ثالث مرات‪.‬‬

‫ومنهم من ق ال‪ :‬األب‪ ،‬ونق ل عن اإلم ام مال ك ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن ه س أله رج ل فق ال‪ :‬إن أيب يف‬

‫الس ودان‪ ،‬واملقص ود بالس ودان الق ارة اإلفريقي ة يف ذل ك ال وقت‪ ،‬وإىل وقت ق ريب ك ان يق ال ل ذلك‪:‬‬

‫السودان‪ ،‬بلد السودان وما حوهلا‪ ،‬قال‪ :‬إن أيب يف السودان ويدعوين‪ ،‬يطلب مين أن أقدم إليه‪ ،‬وأمي‬

‫متنعين من ذلك‪ ،‬فقال اإلمام مالك ‪-‬رمحه اهلل‪ :‬أطع أباك وال ِ‬
‫تعص أمك‪ ،‬فمن أصحاب اإلمام مالك‬

‫من فهم من هذا أنه قصد أنه يطاع األب فيما ال يكون معصية لألم‪ ،‬يعين‪ :‬أن األم مقدمة‪.‬‬

‫ومنهم من فهم أنه ق ّدم طاعة األب‪ ،‬واألقرب ‪-‬واهلل تعاىل أعلم‪ -‬أنه يف مثل هذه األمور اليت‬

‫تتعلق بالتدبري فهي من شأن الوالية‪ ،‬والوالية إمنا تكون لألب وليست لألم‪.‬‬

‫فهذا احلديث إمنا هو يف حسن الصحبة‪ ،‬فالذي يدبره هو أبوه‪ ،‬وليس أمه اليت تدبره‪ ،‬فوليه‬

‫األب‪ ،‬فيجب عليه أن يطيعه يف مثل هذه األمور‪ ،‬إال فيما يلحقه به ضرر أو حيصل له عنت أو حنو‬

‫هذا‪ ،‬فمثل هذه األمور حيصل فيها التفاهم واملالطفة واإلقناع وما أشبه هذا‪ ،‬لكن الذي يأمره وينهاه‬

‫فيما يتعلق بأموره احلياتية هو أبوه؛ ألنه هو وليه‪ ،‬األب هو ال ذي يطالبه أن يدرس‪ ،‬يذهب به إىل‬

‫املدرس ة‪ ،‬ي درس يف ه ذه املدرس ة أو تل ك‪ ،‬إىل آخ ره‪ ،‬أم ه تق ول‪ :‬ال‪ ،‬أري ده أن ي درس يف مدرس ة‬
‫خاص ة‪ ،‬ليس ه ذا لألم‪ ،‬إمنا ه و لألب‪ ،‬الق رار األول واألخ ري لألب‪ ،‬ملاذا؟ ألن ه ه و ال ويل‪ ،‬أم ا يف‬

‫املعاش رة واملخالط ة وحس ن الص حبة ف األم ثالث ة أض عاف األب من التلط ف‪ ،‬يع ين‪ :‬إذا ك ان اإلنس ان‬

‫أمورا ب رب أبي ه والتلط ف ب ه‪ ،‬واإلحس ان إلي ه‪ ،‬فماذا يص نع م ع أم ه؟‪ ،‬ثالث ة أض عاف‪ ،‬وهلذا ك ان ابن‬
‫م ً‬
‫سريين ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬إذا كلّم أمه َمن ال يعرفه يظن أنه مريض‪ ،‬كأنه ضارع‪ ،‬يتضرع بصوت منخفض‬

‫جدًّا‪ ،‬وبغاية التذلل والتواضع‪ ،‬هكذا يصنع مع أمه‪ ،‬وما كان يأكل معها؛ خياف أن متتد عينها إىل‬

‫ش يء مث تس بق ي ده إلي ه‪ ،‬من ش دة ب ره هبا‪ ،‬فيتلط ف اإلنس ان غاي ة التلط ف‪ ،‬يقبّ ل رأس ها‪ ،‬وي دها‪،‬‬

‫ويكلمه ا بأحس ن عب ارة‪ ،‬وب ألطف أس لوب‪ ،‬وال يرفع ص وته‪ ،‬وال ينصب ي ده يف وج ه أبي ه وال أم ه‪،‬‬

‫وهلذا قال بعض السلف‪ :‬ما بر أبويه من مد إليهما النظر‪.‬‬

‫هذا جاء عن عروة بن الزبري ‪-‬رمحه اهلل‪ ،‬يعين جيلس ينظر إليهما‪ ،‬حيدق يف النظر إليهما‪ ،‬هذا‬

‫يدل على أنه يف شيء من عدم اهليبة وعدم االكرتاث‪ ،‬فكيف إذا كان يأمرمها‪ :‬أعطين كذا‪ ،‬هات يل‬

‫كذا؟!‪ ،‬هذا ما يليق‪ ،‬هو الذي يقوم على خدمتهما‪ ،‬وشئوهنما وحنو ذلك‪.‬‬

‫فنسأل اهلل ‪ ‬أن يرزقنا وإياكم الرب‪ ،‬وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا‪ ،‬وأن جيعل ما نسمع‬

‫سبباً وسبيالً إىل مرضاته‪ ،‬وأن جيعله سبيالً إىل العمل بطاعته‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممد‪،‬‬

‫وآله وصحبه‪.‬‬

‫أخرج ه البخ اري‪ ،‬كت اب األدب‪ ،‬ب اب من أح ق الن اس حبس ن الص حبة‪ ،)2 /8( ،‬ب رقم‪،)5971( :‬‬

‫ومس لم‪ ،‬كت اب ال رب والص لة واآلداب‪ ،‬ب اب ب ر الوال دين وأهنم ا أح ق ب ه‪ ،)1974 /4 ( ،‬ب رقم‪( :‬‬

‫‪.)2548‬‬

‫أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب بر الوالدين وأهنما أحق به‪ ،)1974 /4( ،‬برقم‪( :‬‬

‫‪.)2548‬‬

You might also like