Professional Documents
Culture Documents
لقد تع ّد دت املقاربات يف حتديد ودراسة مجهور وسائل اإلعالم ،وذلك نتيجة جملموعة من اجملهودات والدراسات والتحريات اليت
تفس ر سلوك مجهور
قام هبا الباحثون يف ميدان دراسات اجلمهور ،حيث ُت ِّو َجت جهودهم بالوصول إىل جمموعة من النظريات ّ
وسائل اإلعالم.
لكن وكم ا نعلم ،ف إ ّن دراس ات اجلمه ور م رت بتط ورات ومراح ل خمتلف ة ،بداي ة من النظ رة التقليدي ة فيم ا يتعل ق بالت أثري
املطلق (منبه -استجابة) وصوال إىل املقاربات احلديثة واليت تدرس فعل التلقي (استنطاق املتلقي) يف ح ّد ذاته.
لكن ،وملعرف ة الرهان ات احلالي ة اللّص يقة بدراس ات اجلمه ور ودراس ات التلقي حتدي دا ،الب د من الع ودة والت ذكري ببعض
األعمال املنجزة قرابة نصف قرن يف حقل دراسات مجهور وسائل اإلعالم ،وهذا عرب املراحل التالية:
1
أم ا املس امهة الثاني ة فتتمث ل يف النظري ة النقدي ة – مدرس ة فرنكف ورت -بري ادة ك ل من (أدورن و ،هوركه امير،
ماركوز) وهي األخرى تندرج ضمن أمنوذج التأثري ،إذ ترى هذه األخرية أ ّن وسائل اإلعالم تنتج صناعات ثقافية،
وذلك من خالل اعتبارها أن وسائل اإلعالم عبارة عن أدوات إيديولوجية يف يد السلطات احلاكمة تؤثّر تأثريا مباشرا
على عقول اجلماهري ،وذلك من خالل الكم اهلائل من احملتويات اليت تق ّدمها واالستهالك املكثّف من طرف اجلماهري،
حيث تس تعملها الس لطات لتخ دير عق ول الن اس .وانطالق ا من ه ذا املنظ ور ،تعم ل املدرس ة النقدي ة على نق د الثقاف ة
اجلماهريي ة ال يت ت رى بأهنا آلي ة للهيمن ة على عق ول الن اس .فاملش اهدون ليس وا ف اعلني حقيق يني وإمنا س لبيني َيَتلَ َق ْو َن
املنتج ات الثقافي ة ويس تهلكوهنا بص فة منطي ة ( ،)3وه ذا م ا ذهب إلي ه (م اركوز) ،حيث ي رى أ ّن الص ناعة الثقافي ة
تقمصه هلذه الثقافة ،وبالتايل فإ ّن هذه التبعية
أنتجت جمتمعا ذا بعد واحد يكون اإلنسان فيه تابعا وذلك من خالل ّ
تفسر جناح املنتوج الثقايف أمام اجلمهور الذي يف حقيقة األمر ال خيتار ،لكنّه معرض لسيل هائل من الرسائل اليت تؤثر
ّ
فيه مباشرة)4(.
عالوة على ذلك ،فهناك األحباث اليت تندرج ضمن تأثري وسائل اإلعالم ولكن ليس تأثريا مباشرا وإمنا تأثريا غري
مباش ر ،وذل ك نتيج ة جملموع ة من اجمله ودات ال يت ق ام هبا بعض الب احثني األمريك يني من أمث ال( :هريت ا ه ريزوغ)
َو(روب رت م ريتون) َو(ب ول الزار س فيلد) َو(إليه و ك اتز) ،حيث ق اموا بوض ع منهجي ة حبث جتري يب لدراس ات مجه ور
وسائل اإلعالم توصلوا من خالهلا إىل دحض النظرة املتشائمة جلمهور وسائل اإلعالم ( .)5ومن بني هذه اجملهودات
اليت ش ّكلت قطيعة مع أمنوذج التأثري املباشر؛ تلك اليت قام هبا Paul Lazar sfeldيف دراسته "اختيار الشعب"،
two step-flow إذ توص ل من خالل حبث ه إىل مفه وم ت دفق االتص ال على مرحل تني" of
مهم ا يف الت أثري على أراء ومواقف اجلمهور رِب
.communicationحيث َي ْعتَ ُ أن االتصال الشخصي يلعب دورا ّ
أثناء احلمالت االنتخابية ،وذلك عن طريق قادة الرأي الذين يستطيعون أن يؤثروا على اجلمهور لتغيري مواقفهم)6(.
وبالتايل ،توصلت هذه النظرة إىل احلد من فكرة التأثري البالغ لوسائل اإلعالم؛ إذ أصبح ينظر إىل وسائل اإلعالم
بأهّن ا ال متل ك الق وة اخلارق ة للت أثري على اجلمه ور؛ وإمّن ا هن اك ع ّدة عوام ل تس اهم يف التّ أثري عليهم ،وذل ك من خالل
العوامل الوسيطية كقادة الرأي واإلدراك واالنتقاء االختياريني.
ه ذه الق راءة املزدوج ة فيم ا يتعل ق ت أثري وس ائل اإلعالم ،إمربيقي ة من جه ة ونقدي ة من جه ة أخ رى ،تعت رب لبن ة
الدراسات املتعلقة بتأثري وسائل اإلعالم إىل غاية بداية الستينيات ،فالدراسات اإلمربيقية تركز على دراسة أثر وسائل
اإلعالم على املدى القص ري والبعي د مس تعينة بالس ياق السياس ي واالقتص ادي والثق ايف ال ذي يت دخل يف تلقي اخلط اب
اإلعالمي ،أم ا الدراس ات النقدي ة فتهتم بآلي ات التالعب يف عق ول اجلم اهري ،فكلت ا املدرس تني ك ان ه دفهما األس اس
تـعمدنا الوقوف عند خلفيات
يتمثل يف معرفة أو الكشف عن سلوك اجلمهور ومواقفه جتاه اخلطاب اإلعالمي .وقد ّ
2
ه ذا التوج ه لفهم التط ّور الت ارخيي لدراس ات اجلمه ور ومعرف ة كي ف ك ان ل ه أث ارا على دراس ات اجلمه ور لوس ائل
اإلعالم احلديثة.
-2دراس ات اس تعمال وس ائل اإلعالم واإلش باع :لق د أدى إدراك نت ائج الف روق الفردي ة والتب اين االجتم اعي بني
أفراد اجلمهور ،وإدراك السلوك املرتبط بوسائل اإلعالم إىل ظهور منظور جديد للعالقة بني اجلمهور ووسائل اإلعالم،
املفض لة من
حتوالً من فكرة اجلمهور كعنصر سليب إىل عنصر فاعل يف انتقاء واختيار الرسائل واملضامني ّ
وكان هذا ّ
وسائل اإلعالم.
رد فع ل لق وة وس ائل اإلعالم ،أي نظري ة الت أثري املباش ر ،ونظري ة انتق ال املعلوم ات على
وبالتّ ايل ش ّكل ذل ك ّ
مرحلتني.
ينصب حول
ّ إذ ش ّكل هذا النموذج قطيعة مع األمنوذج السابق (التأثري) ،فابتداء من اخلمسينيات بدأ االهتمام
التس اؤل الت ايل :م اذا يفع ل اجلمه ور بوس ائل اإلعالم؟ وليس م اذا تفع ل وس ائل اإلعالم يف اجلمه ور؟ وبالت ايل أص بح
االهتم ام ير ّك ز على دراس ة اس تعمال ))usageاجلمه ور لوس ائل اإلعالم من أج ل إش باع رغب اهتم وتلبي ة حاجي اهتم
انطالقا من اختيارات عدة متنحها هلم الوسيلة اإلعالمية يف حد ذاهتا)7(.
إذن ،فقد كانت هذه احلجة " ماذا يفعل اجلمهور بوسائل اإلعالم " ،ذات أمهية كبرية يف دفع النقاش إىل األمام
من خالل بداية التطلّع إىل املشاركة الفعالة من جانب اجلمهور يف الربامج التلفزيونية .ومل يعد هناك حديث عن اآلثار
اليت ختلّفها وسائل اإلعالم بقدر ما فتحت دراسات االستعمال الباب أمام مسألة اختالف االستعماالت بني اجلمهور.
إذ الحظ النقاد أنه جيب النظر إىل اجلمهور من منظور فردي ،وذلك يف حدود االختالفات بني االستجابات النامجة
املكونة للشخصية يف ح ّد ذاهتا(.
عن الفروق الفردية ّ
ومن جهة أخرى ،فإ ّن نظرية االستعماالت واالشباعات تركز على األسباب اخلاصة بالتعرض لوسائل اإلعالم
أي كيف يستعمل الناس وسائل اإلعالم ،إذن اجلمهور ليس سليب كما كانت تنظر إليه دراسات التأثري وإمنا فاعل
حقيقي خيت ار م ا يتماش ى مع ه انطالق ا من مب دأ التع ّرض واإلدراك االنتق ائيني أي اس تعمال وس ائل اإلعالم ألغ راض
(وظ ائف) خمتلف ة (التس لية ،التعليم ،اإلعالم .)...إالّ أ ّن ه ذه الوظ ائف تتحكم فيه ا حاج ات ودواف ع ال يت تعت رب من
احملركة لألفراد للتخفيف من أعباء احلياة اليومية ولتحقيق التوازن النفسي الذي يساعد على االستمرار مع
العوامل ّ
الغري .وهذا من خالل احلديث الذي حيدث مع أعضاء اجملتمع أو ما يطلق عليه االنتقال من الفضاء اخلاص (الفردي)
إىل الفض اء العم ومي (اجملتم ع) .وه ذه احلاجي ات وال دوافع ،م ا هي إالّ جمموع ة من الق وى النّفس ية ال يت تس اعد على
3
حتدي د س لوك اجلمه ور ( ،)9ومن مثّ ف إ ّن اس تخدام وس ائل اإلعالم مره ون بالتب اين يف احلاج ات بني األف راد ،ويفس ر
التباين يف سلوك التعرض بالكثافة الشديدة أو التعرض احملدود نتيجة عدم تلبية الوسيلة حلاجة أو حاجات لدى الفرد.
وعليه ،فإن هذه النظرية جتاوزت رؤية اعتبار اجلمهور ككتلة هامدة وسليب وال يتوفر على أية ميكانزمات دفاع على
املستوى السيكولوجي واالجتماعي.
-3الدراسات المرتبطة باألبعاد الرمزية والسوسيو -سياسية لوسائل اإلعالم :يرتبط هذا التّوجه بدراسة وحتليل
العالق ة ال يت ترب ط كال من بني ة النظ ام السياس ي واالقتص ادي واألي ديولوجي م ع وس ائل اإلعالم ،إذ أ ّن اجلدي د ال ذي
جاءت به هذه الدراسات هو ذلك االهتمام الذي ينصب على دراسة السياقات االجتماعية اليت يتم من خالهلا تلقي
الرسائل اإلعالمية .ولقد ظهر هذا االجتاه يف حتليل الظاهرة اإلعالمية بربيطانيا يف إطار ما ي ــسمى " مبدرسة برمنغهام
Birmingham " Ecole deالّيت تُعرف أيضا باسم الدراسات الثقافية.
فعال ة يف جمال ه ذه الدراس ات الّ يت
ومن بني ال رواد يف ه ذا االجتاه ن ذكرStuart Hall الّ ذي ق ّدم مس امهة ّ
حتوال ج ذريا س واء فيم ا يتعلّ ق
أعطت لأليديولوجي ة موقع ا هام ا يف الدراس ات اإلعالمي ة )10(.إذ ش ّكلت أعمال ه ّ
بالتحليل الوظيفي األمريكي أو االجتاه املاركسي بشكليه الكالسيكي وامل َح دَّث .وهذا ما أشار إليه Stuart Hall
ُ
يف مقاله الشهري الذي نشره عام 1973حتت عنوان (الرتميز/فك الرتميز) ،حيث اعترب أن صريورة االتصال التلفزيوين
متر بأربع مراحل خمتلفة تتمثّل يف :اإلنتاج والتوزيع واالستهالك وإعادة اإلنتاج .فاجلمهور بالنسبة لـِ (ستيوارت هال)
ّ
التصور الّذي حتمله املؤسسة اإلعالمية
ميثّل مصدر الرسالة واملتلقي يف نفس الوقت ،ذلك أ ّن حلظة الرتميز ال حتيل إىل ّ
ِّد الكاتب على
وليس إىل توقّعات اجلمهور فقط ،وإمنّا إىل املعايري اليت تندرج ضمن العمل املهين ( .)11لذلك يُ َش د ُ
دور املواقع االجتماعية يف تفسري النصوص عن طريق وسائل اإلعالم عند خمتلف الفئات االجتماعية( .)12ولقد اعترب
Stuart Hallالتلقي بأنّه ظاهرة مركبة ذات ثالثة أبعاد نتيجة لقيام اجلمهور بفك الرموز اليّت يتلقاها ،وتتمثّل هذه
األبعاد يف:
املوقف املهيمن :فاملتلقي يف هذا املوقف يدمج الرسالة بدون مقاومة يف إطار املفردات اليت خيتارها املرسل .بعبارة أ-
أخرى ،ميثّل هذا املوقف وجهات النظر الغالبة ،أي أ ّن الذوق العام الغالب على النظام االجتماعي والفضاء املهين
ه و املرجعي ة التأويلي ة للجمه ور ( .)13ومبع ىن آخ ر اجلمه ور ي َكيِّف وخُيْ ِ
ض ع مواقف ه ملا ه و س ائد يف اجملتم ع. ُ
ب -املوق ف املع ارض :يق وم املتلقي يف ه ذه الوض عية بفك رم وز الرس الة اليّت اس تقبلها بطريق ة معارض ة ملا ك ان
ينوي املرسل إرساله ( .)14أي يقوم املتلقي بقراءة الرسالة بناءا على إطار مرجعي ورؤية خمتلفة للبيئة اليّت ينتمي
إليها( .)15وهذا حيدث خاصة عندما تكون اجتاهات الفرد معارضة للخطاب اإلعالمي ويظهر هذا ،مثال ،يف
تلقي خطابات األحزاب السياسية من طرف أفراد مجهور ال ينتمي إليها.
4
ويتم يف هذه الوضعية فك رموز الرسالة عن طريق دمج عدد مالئم من العناصر املعارضة
ج -املوقف املفاوضّ :
واملالئمة يف نفس الوقت ( .)16أي يقوم املتلقي بتبين جزء من الدالالت والقيم املهيمنة ،لكنه يستم ّد من واقعه
املعيش بعض احلجج املتوافقة معه وذلــك لرفض بعض القيم املهيمنة واليّت ال ختدمه ( .)17مبعىن أن املتلقي َيَت َقبَّل
األفكار الّيت تالئمه وتتماشى مع أهدافه ويعدل األفكار اليت تعاكس موقفه.
وبص فة عام ة ،يعم ل الب احثون يف إط ار ه ذا االجتاه على حماول ة دراس ة رس ائل وسائــل االتص ال -خاص ة
التلفزي ون -والواق ع املعيش يف نفس ال وقت من خالل تفس ري الكيفي ة ال يت تعم ل من خالهلا الرس ائل اإلعالمي ة
واجلمه ور يف إنت اج أنظم ة للرم وز والرس ائل املش رتكة؛ وذل ك عن طري ق تفس ري بعض األمناط الس لوكية
واالستهالكية والثقافية اليت ير ّكز عليها التلفزيون وعالقتها بالعامل املعيش)18(.
و َت ْعتَرِب ُ الدراسات الثقافية رسائل الربامج التلفزيونية جمموعة من النصوص املع ّقدة اليت يشارك املتلقي يف فك
رموزه ا وتش كيل معانيه ا ،أي أهّن ا ترك ز على فك رة نش اط املش اهد ال ذي يُ َك ِّو ُن املع اين املختلف ة يف إط ار
املدونات املش رتكة للجمه ور والق ائمني باالتص ال ( املنتج ون للرسائـل
االختصاص ات واالهتمام ات ال يت توفّره ا ّ
تركـز علي ه قاعـدة ( التش فري/ف ك التش فري) يتمث ل يف النق اط التالي ة:
اإلعالمي ة) ،إذ أ ّن الــدور األسـاس ال ذي ّ
• نفس الرسالة يتم فك شفرهتا بطرق خمتلفة من طرف اجلمهور املتلقي؛
• حتتوي الرسالة اإلعالمية الواحدة على أكثر من قراءة؛
• ترتبط مسألة فهم الرسالة اإلعالمية بإشكالية ممارستها)19(.
وبالتايل ،فإ ّن ه ذه املسامهة واليت تعت رب التقلي د األساس يف دراس ات التلقي ،تنطلق من اعتب ارات ع ّدة تتمثّ ل يف
الرتكيز على النص يف حد ذاته وخمتلف التأويـالت الّ يت ينشئها الفرد املتلقي نتيجة قراءته ملختلف النصوص ،ممّا
يؤ ّكد مبدأ االختالفات الفردية يف تلقي وتفسري الرسائل اإلعالمية.
-4دراسة التلقي :ابتداء من الثمانينيات تغرّي ت االعتقادات السائدة حول تأثريات وسائل اإلعالم على اجلمهور،
أي م اذا تفع ل وس ائل اإلعالم يف اجلمه ور؟ إذ أ ّن فهم س لوك اجلمه ور أص بح يش ّكل حج ر الزاوي ة يف دراس ات
التلقي ،وأصبح مقرونا بفكرة دراسة املتلقي يف ح ّد ذاته .ومل يعد الباحثون يف هذا التقليد يركزون على الرسائل
ص َّم َمة ،وإمنّا أصبح اهتمامهم يدور حول الرسالة اليت متّ استقباهلا فعال من املتلقي (استنطاق املتلقي).
املرسلة أو املُ َ
وهذا ما يرتبط ارتباطا وثيقا باإلجابة على السؤال التايل :ماذا يفعــل اجلــمهور بوســائل اإلعالم؟ الّذي توصل إليه
Katzمن خالل أمنوذج االستعمال واإلشباع ،وبعبارة أخرى فإ ّن حمتـوى الرسالة يتجاوز بكثري القصد األصلي
ملرس له ،حيث أ ّن املتلقي أص بح ميثّ ل ج زءا من مجاع ات تأويلي ة ( )communauté interprétative؛
5
ويتمثّل دوره يف فك رموز الرسائل اليت استقبلها متفاعال معها؛ نتيجة جملموعة من التفاعالت مع الرسالة يف ح ّد
ذاهتا ومع أعضاء اجلماعة ( .)20وهذا ما يُعرف عند (دافيد موريل) " بأمنوذج التفاعـل والتأويالت للنصوص
اإلعالمية " ( .)21والذي يُِق ُّر من خالله على أ ّن الفروق الفردية يف التفسري موجودة بالفعل ،لكنه يش ّدد على
يفس ر الن اس هبا جتارهبم م ع التلفزي ون وذل ك عن
أمهي ة الف وارق االجتماعي ة واالقتص ادية يف تش كيل الط رق ال يت ّ
للمدونات)22(.
طريق التقاسم الثقايف املشرتك ّ
يفس ر فعل وسائل اإلعالم
وانطالقا من هذا املنظور ،فقد متّ االنتقال خالل نصف قرن من النموذج الذي ّ
انطالق ا من املص در أو من املرس ل ،إىل النم وذج ال ذي يعطي ال دور االجيايب (النش ط) للمتلقي الس تنتاج دالالت
مع اين اخلط اب اإلعالمي املوج ودة يف بيئت ه .وبعب ارة أخ رى من منوذج أح ادي االجتاه أو ش اقويل (
)unidirectionnelإىل منوذج تفـــاعلي أو حتاوري ( )conversationnelلعملي ة االتص ال .وأصبــح
احلديث ي دور حــول ص ريورة االتصــال ض من منوذج ( نص/ق ارئ) ،أو كــما تطل ق علي ه Sonia
Livingstoneبأنّ ه مجه ور نش ط ،مش اهد ناق د Un public actif, un téléspectateur
)critique. (23
ويبحث هذا النموذج يف الطريقة اليت يُ َولِّ ُد هبا أفراد اجلمهور معانيهم اخلاصة من خالل قراءهتم للخطاب
اإلعالمي ،أي أن النص وص ق د تع ين أش ياء خمتلف ة ألن اس خمتلفني يف أوض اع خمتلف ة )24( .فه و ير ّك ز على م ا
يشاهد أو يقرأ أو يستمع إليه اجلمهور يف وسائل اإلعالم ،وعلى املعاين اليت تنتج نتيجة تفسري النصوص اإلعالمية.
( )25
إذن ،نس تطيع الق ول ب أ ّن ه ذا االجتاه اجلدي د م ا هو إالّ ت زاوج جله ود ك ل من املدرس ة الوظيفي ة واملدرس ة
النقدي ة يف إط ار الدراس ات الثقافي ة اليّت أص بحت ت ويل عناي ة خاص ة ملس ألة الق ارئ وس ياق التلقي ،وبالتّ ايل ف إ ّن
منوذج ( النص/الق ارئ) احت ل مكان ه هام ة يف تقلي د دراس ات التلقي ،ومبا أن التلقي ه و نشـاط إجيايب خيض ع
التطرق إىل األطروحات األربعة الشهرية اليت تتعلّ ق بفعل
الخـتيارات واهتمـامات املتلقي؛ فإ ّن هذا يؤدي بنا إىل ّ
التلقي؛ أال وهي:
)Quatre thèses sur la ع ( réception ه األرب -التل ّقي وأطروحات
يتعلّق احلديث عن وضعية التلقي حتما احلديث عن مفهوم اجلمهور ،الّذي متّ النظر إليه انطالقا من مقاربتني
جمرد مستهدف سليب ال حيق له إضفاء رئيسيتني ،األوىل يدور حمورها حول حتمية التأثري ،اليّت يكون فيها املتلقي ّ
تع ديالت على ص ريورة االتص ال ،أم ا الثاني ة فهي تل ك املتعلق ة بالرؤي ة االرتباطي ة أو النس بية ( vision
6
)relativisteالّ يت تتداخل فيه ا ع ّدة متغريات لتفسري وتأويل الرسائل اإلعالمي ة انطالقا من شخص ية املتلقي
وجتربته املرتاكمة ،أي أهنّا تدرس فعل التلقي يف ح ّد ذاته.
لكن ،على الرغم من اختالف جوهر هاتني املقاربتني ،إالّ أ ّن املقاربة الثانية تكاد أن تكون غائبة يف حقل
املمارس ات اإلعالمية ،ولكنّه ا حاض رة يف بعض احلق ول األكادميي ة ،خاص ة تلك املتعلّق ة بأعم ال مدرسة Palo
Altoحول االتصال التفاعلي واألحباث املنجزة يف أملانيا حول مجالية التلقي(.)26
نود اآلن أن نتطرق إىل أربعة أطروحات تتعلّ ق مبجال البحث يف ميدان التلقي،
وانطالقا من هذا التقدميّ ،
وال يت اختذهتا املقارب ة الثاني ة كأس اس تنظ ر إىل التلقي بأنّ ه بني ة حقيقي ة ت دور ح ول ديناميكي ة مش اركة املتلقي يف
استقباله للمضامني اإلعالمية ،وتتمثل هذه األطروحات فيما يلي:
التلقي (االس تقبال) ،يع ين القي ام بفع ل :))Recevoir, c'est agirيع ين التلقي يف ه ذا املق ام تسلس ل -1
األعم ال املنج زة ،ف املتلقي عن دما يواج ه مباش رة عمال م ا :ورق ة كت اب ،شريـط فيلم (( pellicule du
،filmخلفي ة امللص قة ،فهن ا ال توج د مع اين ،وال أث ر للمع اين ،لكن هن اك أش كال ،أص وات ،يعم ل وعي
املتلقي يف هذه اللّحظة على تقدمي دالالت ألنّه قد قام بتخزين الرموز اليت تلقاها ،وبالتايل فإ ّن تعاقب األفعال
تكون معاين األشكال والصور اليت واجهها يف األول ،فالتلقي هنا يشكل نشاطا أساسيا لتكوين املعىن نتيجة
ّ
الستقبال أشكال خمتلفة ،كما يلعب االنتباه دورا هاما يف هذه املرحلة ،حيث يقوم املتلقي باختيار وإقصاء
األفكار وذلك من أجل الفهم ،وهذا يرتبط بالدرجة األوىل بنوعية املوضوعات اليت يستقبلها املتلقي ،ويقوم
يصرح عنه النص عن طريق جتربته الشخصية ،ألن النصوص ليست دائما كاملة وإمنّا املتلقي هو
مبلء ما مل ّ
الذي ميأل الفجوات اليّت حتملها (.)27
– 2التلقي يعين معايشة ثالثة عوامل :) )"Recevoir, c'est mener trois "viesيرتبط التلقي
يف هذه األطروحة بالعالقة اليت يقيمها املتلقي مع النصوص اليت يتلقاها وذلك من خــالل ما يسمى بعملية
وتتم ه ذه املش اركة من خالل ثالث مس تويات (ع وامل) نوجزه ا فيم ا يلي)28( : املش اركةّ .
األول :هن ا املتلقي تربط ه عالق ة بني نظ ام من الرم وز امللموس ة (ك األلوان ،األص وات مثال) ،إذ
-املس توى ّ
يقوم املتلقي هنا مبقارنة كل ما يتلقاه يف العامل الرمزي (وسائل اإلعالم) مع ما هو موجود يف العامل املادي
(احلقيقي) ،علم ا أن احملي ط الرم زي م ا ه و إال حمي ط ت ابع للع امل الث اين (املادي) ،فهن ا املتلقي يس تقبل خمتل ف
األفعال اخلاصة عن طريق إدراكه ومراقبته لبيئته.
7
يتم يف هذا املستوى إحداث نوع من التفاعل مع الرسالة اليت يتلقاها املتلقي ،وهذا ما يتعلق
-املستوى الثاينّ :
برتكيز انتباهه ملا يستقبله عن طريق فهمه لسلوك الشخصيات وإمياءات وجوههم ،وخمتلف املناظر املوجودة يف
الرس الة اإلعالمي ة ،هن ا املتلقي يق وم بإص دار رد فع ل يتعل ق بالض حك ،أو اخلوف أو ح دوث ن وع من املفاج أة.
-املس توى الث الث :يق وم املتلقي يف ه ذا املس توى مبقارن ة م ا متّ مش اهدته يف املس تويني الس ابقني وذل ك من أج ل
تقييم ونقد كل ما مت استقباله ،وبعبارة أخرى التعلم ملا متّ مشاهدته يف الرسالة اإلعالمية ،وذلك من أجل ختطي
العقبات اليت سوف يواجهها يف حياته.
-3التلقي يعين التعبري :))Recevoir, c'est s'exprimerكيفما كان شكل االتصال( فيلم ،إشهار،
يكوهنا املتلقي نتيجة لتجربته املرتاكمة ،إذ هذا ال
ملصقة) ،فإ ّن موضوع التلقي خيتلف باختالف الدالالت اليت ّ
مين ع من إقام ة مقارن ات بني ك ل م ا يس تقبله املتلقي ،إذ هن ا يتم التعب ري عن ك ل م ا اس تقبله عن طري ق ح دوث
ويتم ذلك من خالل أربعة مراحل يظهر من خالهلا املتلقي شرحه وفهمه للنص
االنفعاالت ،وإصدار األحكامّ ،
اإلعالمي)29( :
-ش كل املوض وع ال ذي يس تقبله واملعرف ة ال يت يكس بها ،تس مح للمتلقي مبقارن ة ك ل م ا اس تقبله؛
-فض ول املتلقي لفهم النص ،يس اعده على اكتس اب نوع ا من الفائ دة ال يت من خالهلا يس تطيع املتلقي أن يقيّم
وحيكم على ما متّ استقباله؛
إذن ،التلقي يف هذه األطروحة هو مواجهة ،صريورة غري منقطعة وذلك عن طريق املقارنة بني النص الذي
استقبله املتلقي وخربته أو ثقافته ،وبالتّايل تر ّكز هذه األطروحة على نقطة مفادها احلكم وتقييم األذواق املوجودة
يف النص.
8
من ب ذل جمه ود يتعل ق بإدراك ه ملختل ف األح داث ووض ع خامتة لك ّل م ا يس تقبله .تش ّكل ه ذه العملي ات احللق ة
األوىل لتش كيل السلس لة الص ورية ،كم ا يش ّكل ال دافع ال ذي ي ؤدي ب املتلقي إىل اس تقبال العم ل -س واء ك ان
مكتوبا أو مسموعا أو مسعيا بصريا – أمهيّة تساعد على تشكيل صور خمتلفة للنص الذي يتلقاه ،وميثّل هذا الدافع
تؤدي إىل تشكيل صور خمتلفة ،إذ يساعد املتلقي على تشكيل دالالت عن طريق ترمجته للنص
احللقة الثانية اليت ّ
اليت تظهر يف شكل رجع صدى الّذي ميثّل يف ح ّد ذاته احللقة الثالثة يف سلسلة تشكيل الصور ،وعادة ما تكون
هناك أنواع خمتلفة من رجع الصدى نوجزها فيما يلي)30( :
تطورات أحداث النص اليت حتدث بطريقة غري مباشرة – وهنا نقصد فيلما أو رواية -جتعل املتلقي يعيش يف
ّ -
عامله اخليايل؛
مير عن طري ق ح دوث ه ذه األطروح ات األربع ة ال يت هي ثابت ة يف مراحله ا
وتبع ا ملا قي ل ،ف إ ّن فع ل التلقي ّ
ولكنه ا خمتلف ة يف جوهره ا من متل ق إىل آخ ر ،أل ّن النظري ات احلديثة أ ّك دت أن مب دأ الف روق الفردي ة ،والتجربة
واخلربة الس ابقة للمتلقي تلعب دورا كب ريا يف إض فاء دالالت خمتلف ة ختتل ف ب اختالف الس ياق ال ذي يوج د في ه
لكل واحد قراءة خاصة به.
املتلقي ،ومن مثّة فإ ّن ّ
وكخالصة ملا متّ التطرق إليه يف خمتلف النقاط السالفة الذكر ،فإ ّن تاريخ دراسات مجهور وسائل اإلعالم
التطورات؛ ّأوهلا ش ّددت السلطة على النص (الرسالة) أي حتمية اآلثار اليت ختلفها
ميكن النظر إليه بأنّه سلسلة من ّ
وسائل اإلعالم على اجلمهور؛ وآخرها منحت السلطة للجمهور سواء من خالل اختياراته وانتقاءه للربامج اليت
يشاهدها من جهة ،والدالالت اليت يستنتجها من جهة أخرى.
9
الهوامش:
- )1( ملفني ديفلر ،ساندرا بول روكيتش ،نظريات وسائل اإلعالم ،ترمجة كمال عبد الرؤوف ،ط ،05الدار
الدولية لالستثمارات الثقافية ،2004 ،ص .236
(Francis BALLE, Medias et Sociétés, Ed N°05, Ed Montchrestien, - )2
.1999, P44
Armand et Michel MATTELART, Histoire des Théories de la -)3(
Communication, Ed la Découverte, Paris, 2002, P P 40- 46
(Harbert MARCUSE, L'Homme Unidimensionnel, Ed Minuit, Paris, -)4
: 1968, P 39.In
عزيز لعبان :اخللفية النظرية لبحوث اإلعالم وعوامل بروزها ،جملة الوسيط يف الدراسات اجلامعية ،اجلزء ،4
اجلزائر ،2003 ،ص .18
(David MORLEY, Audience Research-)5
Source:
http://www.museum.tv/archives/etv/A/htmla/audiencerese/audience
.rese.htm.Le16/3/08
( -)6حممد عبد احلميد ،نظريات اإلعالم واجتاهات التأثري ،ط ،3عامل الكتب ،القاهرة ،مصر ،2004 ،ص
.237
Rémy RIEFFEL, Sociologie des médias, Ed Ellipse, France, 2001, P 119.-
)(7
( .David MORLEY, Audience Research, op. cit-
( -)9حممد عبد احلميد ،نظريات اإلعالم واجتاهات التأثري ،ط ،02عامل الكتب للنشر والتوزيع والطباعة،
القاهرة ،مصر ،2004 ،ص ص .217 ، 216
Rémy RIEFFEL, op.cit. p 131 -)10(
( -)11أرمان وميشال ماتالر ،تاريخ نظريات االتصال ،ترمجة نصر الدين لعياضي والصادق رابح ،ط ،03
املنظمة العربية للرتمجة ،بريوت ،لبنان ،2005 ،ص ص .123 ،122
Daniel CHANDLER, Watching Television Viewers: Key differences -)12(
10
…in Viewers' Interpretations of TV
Source:http://www.aberac.uk/medias/Modules/TF33120/divergence.h
.tlm: Le 17/03/2008
( -)13أرمان وميشال ماتالر ،مرجع سبق ذكره ،ص .123
.Rémy RIEFFEL, op.cit, p 131 -)14(
( -)15أرمان وميشال ماتالر ،مرجع سبق ذكره ،ص .123
.Rémy RIEFFEL, op.cit, p 131 -)16(
-)17( أرمان وميشال ماتالر ،مرجع سبق ذكره ،ص .123
Judith LAZAR, Sociologie de la Communication de masse, -)18(
:Armand colin, Paris, p 32. In
عزيز لعبان ،اخللفية النظرية لبحوث اإلعالم وعوامل بروزها ،مرجع سبق ذكره ،ص ص .20 ،19
.David MORLEY, Audience Research, op.cit - )19(
.Rémy RIEFFEL, op.cit. p 132 -)20(
-) 21( علي قسايسية ،املنطلقات النظرية واملنهجية لدراسات التلقي :دراسة نقدية ألحباث اجلمهور يف اجلزائر
،2006 -1995أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة يف علوم اإلعالم واالتصال ،قسم علوم اإلعالم
واالتصال ،كلية العلوم السياسية واإلعالم ،جامعة اجلزائر ،2007 ،ص .124
(?Daniel CHANDLER, Why do People Watch Television -)22
Source:www.aber.ac.uk/media/Documents/short/usegrat.html-16k-.
.Le20/03/2008
(Communication et Théories Littéraires, Source: -)23
http://www.ditl.info. Le 26/01/2008
(John CORNER, (1996)" Reappraising Reception: Aims, Concepts -)24
and Methods" in, James CURRAN and Micheal GUREVITCH (eds)1996:
.Mass Media and Society, Edition N°2, London, Arnold
ذكره السعيد بومعيزة يف :أثر وسائل اإلعالم على القيم والسلوكيات لدى الشباب :دراسة استطالعية مبنطقة
البليدة ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة يف علوم اإلعالم واالتصال ،قسم علوم اإلعالم واالتصال ،كلية
11
العلوم السياسية واإلعالم ،جامعة اجلزائر ،2006 ،ص .47
Daniel CHANDLER, Why do People Watch Television? -)25(
Source:http://www.aber.ac.uk/media/Documents/short/usegrat.html
.-16k-.Le 20/03/2008
(Eric FOUQUIER, Jean-Claude LIORET, Définitions du Concept -)26
d'Audience: Analyse critique et Orientations,in L'Audience et les
Médias, préface de Gilles SANTINI, Les Editions d'Organisation, Paris,
.1989, p p 18-19
إن حتديد طبيعة الدراسات االتصالية املتعلقة جبمهور وسائل اإلعالم تتوقف على معاجلة العوامل الرئيسية احملركة
هلا وعلى أهداف اجلهة املمولة كما نتوقف على طبيعة العالقة القائمة بني اجلمهور و مقرري السياسة اإلعالمية
للمؤسس ة أو النظ ام االجتم اعي السياس ي .تعم ل وس ائل اإلعالم يف إنت اج رس ائل إعالمي ة معين ة جلمه ور معني
لتحقيق أهداف معينة .وعلى الرغم من أمهية اإلطار اإليديولوجي و السياسي يف حتديد طبيعة اجلمهور إال انه ال
12
يعت رب الط رف النه ائي يف حتدي د العملي ة االتص الية ونقتص ر على معاجلة العوام ل املؤثرة يف ه ذه الدراس ات و أهم
نظريات تكوين اجلمهور
:أ)الدعاية :احتلت الدعاي ة جماال واس عا عن طري ق الص حافة املكتوب ة والس ينما املتنقل ة والس يما أثن اء احلرب
العاملي ة األوىل( )1918-1914و الثاني ة ( )1945-1939لتش مل ع دد اك رب من أف راد اجملتمع ات اجلماهريي ة
ال يت تعريه ا النظري ات الفلس فية و الس يكولوجية على أهنم جمرد جتمع ا ت بش رية إذ يتحكم فيه ا الق ادة األقوي اء
واس تمرت الدعاي ة كمح رك نش يط لدراس ات اجلمه ور إىل ال وقت ال راهن م ع اختالف األس اليب و األه داف
باختالف املراحل التارخيية اليت أعقبت احلرب العاملية الثانية.
اعتم دت دراس ات اجلمه ور على نت ائج أحباث العلم اء وفالس فة الس يكولوجية و السوس يولوجية و األثني ة أمث ال
دروس فروي د ،م اركن،وآخ رون ال ذين وض عوا نظري ات ح ول الطبيع ة البش رية الفردي ة و اجلماعي ة وتفاعالهتا
النفسية و االجتماعية حماولة لفهم الشعوب مثال :النازية،الفاشية ،الشيوعيون،والليرباليون واستمرت الدعاية إىل
غاية اهنيار املعسكر الشيوعي يف هناية الثمانيات .وال تزال الدعاية اإليديولوجية لألحزاب و التيارات الفكرية
واح دة من العوام ل املنش طة للدراس ات املنتص بة على اجلمه ور س واء ب احلمالت االنتخابي ة الدوري ة و الظرفي ة
الستمالة الرأي العام لفرضه قضايا و أفكار معينة بأساليب دقيقة وعالية يف إعداد أو إجناز احلمالت واستفتاء يف
الرأي العام ونشاطات العالقات العامة الرامية إىل حتسني صورة الشخص أو املؤسسة أو النظام لدى اجلمهور .
ب)اإلشهار :يعترب اإلشهار واإلعالنات التجارية احملرك البارز يف إعطاء دفع قوي لدراسات اجلمهور سواء نعلق
األمر باملعلنني أو الناشرين أو موزعي الرسائل االشهارية على اجلمهور .عرفت أحباث اجلمهور تطورا يف و م أ
بع د احلرب العاملي ة 2ليص بح مي دانا متخصص ا يس تجيب منوه الحتياج ات جمم وع ص ناعي إلك رتوين يرك ز على
اجلانب الس معي .و م ع انتش ار ظ اهرة "كوني ة" (النش اطات اإلعالمي ة ) و باس تعماله املكث ف لتكنولوجي ات
اإلعالم اجلدي دة وال يت تعم ل على ط ابع الكوني ة على اجلمه ور (عوملة )globalisationب املوازاة م ع عاملي ة
االقتص اد والثقاف ة االس تهالكية و احلمالت التس ويقية أص بح باإلمك ان دراس ة ه ذا الش كل من اجلمه ور املتع رض
للرسائل االشهارية من القنوات الفضائية ومواقع شبكة الويب .إن العالقة بني اإلشهار والدعاية يكاد ختتفي أمهية
13
التفرقة بينهما إذ هناك ارتباط وثيق بينهما فاإلعالنات هي بشكل أو آخر دعاية للبضاعة أو خدمة وهي يف نفس
الوقت حتمل مضامني بيولوجية و ثقافية سائدة يف جمتمعات معدي ومرسلي الرسائل االشهارية.
ج)ال رأي الع ام :يعت رب عام ل من عوام ل تنش يط دراس ات اجلمه ور و االس تجابة لفك رة الدميقراطي ة حيث تعم ل
احلكوم ات على كس ب تأيي د رعاياه ا يف الق رارات و احملافظ ة على قب ول الرعاي ا ومص احلهم حتس با لالنتخاب ات
الالحقة و تعمل األحزاب السياسية و األشخاص املتنافسة على السلطة ختصيص أموال معتربة للحمالت اإلعالمية
بتمويل الصحف و وسائل اإلعالم األخرى قصد كسب الرأي العام لصاحلهم .كان ظهور دراسات الرأي العام
كالزم ة لألنظم ة الدميقراطي ة مث تلته ا دراس ات اجلمه ور م ع انتش ار وس ائل اإلعالم كمظه ر من مظ اهر ممارس ة
الدميقراطية.
و قد تكثفت حبوث اجلمهور خالل النصف الثاين من القرن 20ضمن تطور الدراسات اإلعالمية بصفة عامة
ح ىت أص بحت ص ناعة قائم ة حبد ذاهتا متخصص ة يف قي اس ال رأي الع ام تعم ل حلس اب األح زاب و احلكوم ات و
املصاحل املالية و التجارية مب فيها وسائل اإلعالم نفسها .و يف نفس السياق تأثري األفكار اجلديدة حول األجيال
اجلديدة حلقوق اإلنسان يف تطور دراسات اجلمهور خاصة بعد اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان سنة 1948الذي
أنشأ اجليل اجلديد احلق يف اإلعالم و احلقوق اجملاورة و املشاهبة و أصبح هذا احلق قانونيا يف 1966بعدما كان
حق ا نظري ا يف 1948حيث من ح ق اجلمه ور أن يطل ع على املعلوم ات و اآلراء ال يت تل يب حاجات ه و تس تجيب
الهتماماته لذا استوجب فرض دراسات ملعرفة احتياجات اجلمهور اإلعالمية املتغرية بتغري ظروف املكان و الزمان
بصرف النظر عن كونه مستهلكا أو ناخبا.
د)االحتياجات العلمية :برزت احلاجة إىل دراسة مجهور وسائل اإلعالم دراسة معمقة ألهداف علمية أكادميية
يف النصف الثاين من الق رن العش رين بعد التق دم اهلائ ل يف الدراسات املتعلقة بنظ ام مص ادر الرسائل اإلعالمية و
مضامينها و وسائل اإلعالم و اآلثار اليت قد حتدثها يف سلوكيات اجلمهور .فالكم اهلائل من الدراسات التسويقية
و توجهات الرأي العام وفرت جوا للمقاربات االمربيقية مما دفع بالباحثني اإلعالميني إىل اختبار و إعادة صياغتها
من أج ل إث راء مش روع النظ ري العلمي ة لإلعالم و االتص ال و ق د ازداد االهتم ام هبذه الدراس ات و احلاج ة إليه ا
بعدما تبنت دول العامل الثالث أفكار احلداثة و التنمية و قدرات وسائل اإلعالم على املسامهة يف عملية االنتقال
من اجملتمع ات التقليدي ة إىل اجملتمع ات احلديث ة وفق ا لنظري ة اإلعالم اإلمنائي و ق د جتس د ذل ك يف إنش اء معاه دة
متخصصة يف الدراسات اإلعالمية على مستوى أغلب جامعات تلك الدول حتت إشراف اليونسكو على براجمها.
و كانت البداية الفعلية لالهتمام العلمي جبمهور وسائل اإلعالم مع ظهور فكرة الوظيفة التعليمية لوسائل اإلعالم
14
إذ أجرى علماء النفس السلوكي حبوثا يسرت نظريات التعليم واستعمال وسائل اإلعالم يف ألغراض تعليمية و
تدريبية لذلك جند جل الباحثني يف اجملتمعات احلديثة العهد باالتصال يكتفون بدراسات تعليمية للحصول على
درجة علمية أو ترقية مهنية..
لق د ت بني من خالل ع رض بعض اجلوانب النظري ة و املفاهيمي ة املتعلق ة جبمه ور وس ائل اإلعالم و الدراس ات اخلاص ة ب ه أن
الب احثني املهتمني هبذا امليدان ال يتعاملون م ع أمنوذج واحد أو مقاربة واح دة لالتص ال اجلم اهريي ولكنهم يع اجلون ش يئا أكثر
بقليل من جمموعة من التطلعات البديلة.
إن الدراس ات اإلعالمي ة مل تتوص ل بع د إىل اعتم اد أدبي ات موح دة فهن اك مثال مص طلحات من مث ل “دراس ات االتص ال
اجلماهريي” “ ،علوم اإلعالم و االتصال” جمودة يف األدبيات الغربية و قد يعود تنوع مصطلحات اإلعالم و االتصال إىل عدم
التوصل بعد إىل صياغة نظريات تعيد بلورة مبدأ تداخل العلوم الذي مت التخلي عنه منذ انفصال العلوم األخرى عن الفلسفة
واعتماد فلسفة التخصص و النماذج املتبعة يف البحث العلمي اإلعالمي و واقعه حىت يف الدول املتقدمة مل تتوصل بعد إىل صياغة
“كيان نظري متكامل لعلم االتصال” باعتباره أحد العلوم املستقبلية غري أن هذا األمر مل يوجد له مثيل يف الدول االنتقالية و يف
مق دمتها ال دول العربي ة و ال راجح أن هن اك عدي د من احملاوالت الن ادرة ال يت ق ام هبا بعض الب احثني الع رب يف مي دان الدراس ات
اإلعالمية مل تنشر على نطاق واسع ألسباب عدة لعل أن يف مقدمتها أن احلقائق املتعلقة بالواقع االجتماعي و لو أهنا نسبية و ال
تنتمي للعل وم الص حيحة األم ر ال ذي يلغي احلري ة العلمي ة املتمثل ة يف حري ة الفك ر و حري ة البحث العلمي و التعب ري عن النت ائج و
النشر.
و من هنا يبقى املصدر الوحيد للدراسات النظرية و اإلمربيقية ذات املصداقية و الداللة العلمية هو اجملتمعات املتطورة اليت جعلت
من العلم و املعرفة و التكنولوجيات الروافد األساسي
الزالت الدراس ات الوص فية املنبثق ة عن التوس ع يف اس تعمال السوس يوغرافيا تش كل الط ابع الغ الب ألحباث اجلمه ور وج ل
الدراسات املهتمة باستعمال وسائل اإلعالم وتأثرياهتا على اجلمهور و لكن نتائج هذه األحباث ال تكتسي أمهية كربى بالنسبة
لل رتاكم املع ريف ألن منطلقاهتا وأه دافها الغالب ة إم ا جتارب أو انتخابي ة ظرفي ة وتنطب ق ه ذه املالحظ ة على اجملتمع ات املنتج ة
واملصدرة للتكنولوجيات و اإليديولوجيات “اإلعالميتني” وتنعدم مثل هذه الدراسات يف اجملتمعات اهلامشية ألسباب حضارية
سياسية و اقتصادية و ثقافية واجتماعية.
15
وتبقى نتائج الدراسات التسويقية حمدودة القتصارها على عوامل دميغرافية واجتماعية تستعمل لتحديد حجم و تشكيل اجلمهور
وطبيعة أمناط سلوكياته .
يرى مكويل ( )MCQUUIL 1984أن السن والطبقة والدخل ومستوى التعليم هلا أمهية كبرية يف حتديد حجم مجهور أي
وسيلة إعالمية ألن كل منها يتدخل يف حتديد حجم الوقت و كمية املال الالزمني الستعمال وسائل اإلعالم فالسن حيدد مدى
االس تعداد و احلري ة يف اختي ار واس تعمال وس ائل اإلعالم حيث أن األطف ال الص غار مثال خيض عون الختي ار العائل ة و يتعرض ون
للتلف زة أكثر من أي وسيلة أخرى وم ع تق دم السن يتغري إذ يكتسب حرية يف تعامله م ع وسائل اإلعالم في ؤدي إىل استعمال
الراديو و الذهاب إىل السينما وعندما يصبح الشخص رب العائلة يعود إىل السباق املنزيل ولكن باهتمامات خمتلفة مثال ختصيص
وقت أكرب لقراءة الصحف .
أما الدخل املرتفع فيقلل من استعمال التلفزة هذه االعتبارات وغريها مثل النوع ومكان اإلقامة تساعد على وصف اجلمهور
وصفا مقبوال وتساعد على التقرب من حجمه ونوعيته ولقد أسفرت الدراسات عن تأسيس جمموعة من النظريات تتكامل فيما
بينه ا إلعط اء منطي ة وص فية للجمه ور ) ) typologyهتدف إىل تص نيف اجلمه ور وف ق فئ ات وش رائح دميغرافي ة وحتدي د
خصائصها وأساليب اتصاهلا ليسهل يف النهاية حتليل واقعها يف سياق اجتماعي ثقايف و تارخيي.
و نتطرق إىل أهم النظريات املتداولة يف األدبيات اإلعالمية االجنلوسكسونية بصفة خاصة لكوهنا الرائدة يف هذا امليدان:
إن النظري ة يف حد ذاهتا واس عة و لكنه ا تتض من عنص رين رئيسيني يف كل بني ة جلمه ور معني ويت دخالن بش كل مباش ر يف فهم
بعض جوانب تكوين مجهور وسيلة إعالمية معينة من وجهة نظر تارخيية:
العنصر األول :و يتعلق بتاريخ وسيلة اإلعالم نفسها إذ أن هذه الوسائل تطورت تارخييا بالتدرج يف توجهها جلماعات اجتماعية
معينة قبل أن تتوسع جلماعات أخرى فاجلريدة مثال وجهت يف أول مرة إىل قراء ذكور مدنيني (حضر أي يقيمون يف املدينة)
ينتم ون إىل طبقة اجتماعية متوسطة ،يشتغلون يف حقل سياسي كم ا أن التلفزي ة وريث الفيلم و الرادي و ،الرتفيه و التسلية و
قضاء وقت الفراغ ،تتوجه يف الغالب إىل النساء و األطفال دون سن التمدرس و العجزة و املرضى و العاطلني عن العمل
16
العنص ر الث اين :خيص جناح ات بعض وس ائل اإلعالم يف تك وين و تط وير هوي ة أو شخص ية اعالمي ة مميزة تتج ه لن وع معني من
اجلمهور مث ل هيئة اإلذاع ة و التلفزي ون يب يب سي و جري دة le mondeفهذه النظرية تعىن بتفس ري نوعية مجه ور الوسيلة
اإلعالمية من خالل حتليل مضمون عرض الذي تقدمه و مرتبط مبجرى الزمن.
هتتم هذه النظرية بالعرض ال ذي تقدمه وس ائل اإلعالم ألهنا تعتين بشكل مباشر بالسوق س واء تعلق األم ر بالوسيلة اإلعالمية
كس لعة أو كناقل ة لرس ائل إش هارية ح ول س لع مادي ة أو خ دمات موجه ة لزب ائن و هي تش ري إىل ت أثري اإلش هار على السياس ة
اإلعالمي ة للمؤسس ات و مض امني الرس ائل اإلعالمي ة ال يت تنقله ا إىل مجه ور معني ف ل ميكن إقام ة مش روع إعالمي ن اجح دون
دراسة دقيقة توقيعية ملستهلكي الرسائل اإلعالمية اإلعالنية.
تركز هذه النظرية على مقولة ” إعطاء اجلمهور ما يريد ” giving the public wat it wantsز تندرج ضمن
نظريات العروض اليت تقدمها وسائل اإلعالم و جوهر هذه النظرية أن تكوين مجهور وسيلة إعالمية هو نتيجة أفعال و خيارات
عدد واسع من األفراد و خيتلف كل فعل أو اختيار على اختالف األذواق و املصاحل و االهتمامات و اختالف القدرات العقلية
لألف راد و ت رى ه ذه النظري ة الرباغماتي ة أن أن واع احملت وى املق دم على أس اس الدراس ة و التج ريب من ش أنه أن ين بئ بتوقع ات
معقولة حول حجم وتكوين اجلمهور.
تندرج هذه النظرية ضمن نظريات الطلب و تركز على االستعدادات و الفائدة من استقبال الرسائل االعالمية اكثر من تركيزها
على احملتوى من قبل اجلماعات االجتماعية كما أهنا تتوفر على ثالث عناصر :وقت الفراغ املتوفر ،و املستوى التعليمي و وفرة
املال حيث ميكن النظر اىل استعمال وسائل اإلعالم من قبل خمتلف الفئات االجتماعية كمركب لكل من هذه العناصر و بالتايل
فان األطفال و النساء و املسنني هي فئات متوفرة لديها وقت فراغ و قلة من املال حيث هذه الفئات غري مكلفة و تأخذ وقتا
أوسع كما أن املستوى الثقايف له دور يف تكوين اجلمهور إىل جانب الدخل و توفر وسائل ترفيه وإعالم بديلة لوسائل اإلعالم
اجلماهريية.
من نظريات الطلب ،تتمحور على حوافز تدفع اجلمهور اىل استعمال وسائل اإلعالم اجلماهريية هبدف إشباع حاجاته و حلول
ملش اكله النفس ية و االجتماعي ة و حاجت ه إىل اإلعالم و الرتفي ه فه ذا حيدد حجم اجلمه ور و نوع ه .و تب دو ه ذه النظري ة أك ثر
17
مالءمة لدراسة تكوين اجلمهور إال أهنا ختلط بني احملتوى و الوظيفة يف عالقة واحد لواحد مع أن مضمونا واحد ال ميكن أن
يشبع احتياجات عديدة و متنوعة و ال ميكنه أن حيل مشاكل نفسية و اجتماعية خمتلفة.
إن تفسري ميكانيزمات تفسري مجهور وسائل اإلعالم وفقا لقانون السوق (العرض و الطلب) تقدم تفسريا جمزأ حسب الزاوية اليت
ينظر منها إىل تكوين اجلمهور:
من زاوية تارخيية ،استهالكية ،اختالفات فردية ،وظائف وسائل اإلعالم االجتماعية …اخل و كل واحدة هتمل السياقات الثقافية
و االجتماعي ة ال يت يوج د فيه ا اجلمه ور و املرتبط ة بفض اء احلي ة احمللي ة حيث أن اإلف راد أو اجلماع ات مييل ون إىل إعط اء األمهي ة
للمحت وى اإلعالمي املتعلق ة باحملي ط الق ريب املألوف ل ديهم ختض ع للقيم االجتماعي ة و الروحي ة الس ائدة فمن هن ا ف ان من اهج
األحباث و الدراس ات املوض وعية املعتم د عليه ا تأخ ذ بعني االعتب ار ظ روف البيئ ة االجتماعي ة و الثقافي ة و االقتص ادية و خاص ة
ظروف املكان و الزمان لكل مجهور.
خيض ع مفـهـوم مجه ور وس ائل اإلعالم يف ص ياغته الراهن ة إىل جمموع ة من االعتب ارات هلا عالق ة ب التطور الس ريع ال ذي تش هده
اجملتمعات احلديث ة يف جماالت اإلعالم و االتصال اجلماهريي خاص ة انعكاس ات االس تعمال املكث ف لتكنولوجي ات االتصال اليت
أدت إىل التفك ري يف إع ادة ص ياغة بعض املف اهيم الس ائدة ح ىت تتمكن من اس تيعاب العناص ر املس تجدة الناجتة عن ه ذا التط ور.
غري أن إعادة صياغة املفاهيم غالبا ما تضيف عناصر جديدة مستجدة و ال تعين دائما بالضرورة إلغاء أو تعديل العناصر السابقة
اليت تدخل يف تكوين املفهوم.
و فيم خيص مصطلح اجلمهور فقد خضع يف تشكيله إىل مرحلتني مهمتني حيث قسمتا كالتايل:
كانت فكرة اجلمهور يف أصلها تعين هؤالء الذين يقبلون على عرض درامي أو لعبة أو أي استعراض عام يستقطب عددا من
الناس .و كان هذا اجلمهور يتصف بعدة مميزات إذ أن مجيع أفراده معروفني ب ذواهتم و حمددين يف الزمان و املكان ذلك أهنم
سكان ملدينة أو قرية ما ،وكان جتمعهم لتشكيل مجهور العبادة أو املسرح أو امللعب أو السوق غالبا منضما حبكم العادة و معني
املواقع وفقا للمراتب و املراكز االجتماعية تشرف عليه سلطة دينية أو روحية أو إدارية حيت كان جيلس سيد القبيلة يف األول
مث تأيت حاشيته مث النبالء حىت نصل إىل مجيع الناس وقد أضفت تلك السلطات على اجلمهور طابع مؤسسة تفرض سلوكات
مجاعية معينة.
18
العديد من هذه اخلصائص ال زال قائما يف املفهوم السائد يف االس تعماالت الراهنة للجمهور مع بعض التعديالت و التغيريات
الشكلية يف الرتتيب و األمهية.
وقد قسمت هذه املرحلة بدورها إىل أربع مراحل مهمة سامهت يف إضافة عناصر جوهرية و إدخال تعديالت شكلية على عدة
خصائص ويتجلى ذلك يف ما يلي:
•المرحلة األولى:
تعت رب ه ذه املرحل ة أهم مرحل ة يف ت اريخ وس ائل اإلعالم اجلماهريي ة و ال يت تنعكس على تش كيل مفه وم اجلمه ور بش كل م ا اذ
عرفت اخرتاع حروف الطباعة يف القرن اخلامس عشر على يد األملاين جوتنبورغ ذلك الذي أدى إىل ظهور مجهور القراء بفضل
التمكن من إص دار النش ريات و املطبوع ات مبا فيه ا الص حف الحق ا و توزيعه ا على نط اق واس ع مما ك ان علي ه احلال س ابقا.
و ق د اوج د ه ذا التط ور الن وعي تقس يما اجتماعي ا اقتص اديا ك ان معروف ا يف السابق بني األغنياء و الفق راء و احلض ر و الب دو و
ساعد هذا التطور على تكوين مفهوم أويل ملا يعرف حاليا باجلمهور العام Publicكفكرة أو رأي يربط بني عدد غري حمدود
من أناس يوجدون ضمن السكان و خيتلفون عن عامة الناس تبعا الهتماماهتم و مستو تربيتهم و تطلعاهتم الدينية أو السياسية أو
ة. الفكري
•المرحلة الثانية:
التطور التارخيي الثاين الذي كان التأثري البالغ يف تشكيل اجلمهور هو اإلفرازات االجتماعية و الثورة الصناعية اليت أعطت دفعا
قويا للطباعة مما أسهم يف تنمية و تسويق الصحافة خاصة الصحافة الشعبية أو املوجهة إىل إفراد اجملتمعات اجلماهريية Mass
societyاجلديدة اليت منت حول املدن الصناعية الكربى املكونة خاصة من شتات املهاجرين انتقلوا من األرياف اليت تسودها
الروابط العائلية و الصالت االجتماعية إىل املدن و اجملتمعات احلديثة اليت تتميز بالتباين بني إفرادها لغياب قيم ثقافية و تقاليد
وأعراف اجتماعية مشرتكة.
يف ه ذه املرحل ة التارخيي ة ب دأت الص حافة تتخ ذ ش كلها اجلم اهريي ال ذي ال زال يالزم وس ائل اإلعالم و االتص ال إىل ال وقت
الراهن مع بعض التعديالت الشكلية كما سنرى.
•المرحلة الثالثة:
19
و من العوام ل ال يت س امهت يف تش كيل مفه وم اجلمه ور و رس م معامله احلديث ة ظه ور وس ائل اإلعالم االلكرتوني ة من إذاع ة يف
عش رينات الق رن املاض ي و التلفزي ون من نفس الق رن فق د أص بح اجلمه ور غ ري حمدد يف املك ان حيث باع د البث اإلذاعي و
التلفزي وين بني أف راد اجلمه ور من جه ة و بينهم و بني املرس ل أو الق ائم باالتص ال من جه ة أخ رى فظه ر ش كالن جدي دان من
أشكال اجلمهور مها املستمعني و املشاهدين الذين مل تعد األمية و احلواجز الطبيعية حتوالن دون تعرضهم للرسائل اإلعالمية كما
كان الشأن بالنسبة للصحافة املكتوبة.
•المرحلة الرابعة:
و يتمثل العنصر التارخيي الرابع يف اعتناق نظريات الدميقراطية السياسية الذي تعترب وسائل اإلعالم و حريتها أحد أهم مظاهرها
فقد انعكس تطبيق األفكار الدميقراطية يف أنظمة احلكم على مهم و وظائف وسائل اإلعالم و على الرقابة السياسة و االجتماعية
و مب ادئ الوص ول إليه ا و املش اركة فيه ا كم ا انعكس على وعي اجملتم ع كك ل بأمهي ة اإلعالم و دوره يف احلي اة السياس ية و
االقتصادية و الثقافية.
فلم يع د اجلمه ور فق د جمد ق راء للص حف و مس تمعي إذاع ات ومش اهدي تلفزيون ات و إمنا يف نفس ال وقت يتض من ن اخبون و
مس تهلكون للس لع و اخلدمات حيث ظه رت مص طلحات هلا عالق ة وطي دة ب اجلمهور مث ل اجلمه ور الن اخبني mass
electorateو مجهور السوق , mass market
إن هذه املراحل األربعة اليت ذكرناها ال تعين أن تطور مفهوم اجلمهور قد توقف عند هذا احلد و إمنا ال تزال هناك تطورات يف
هذا املفهوم مع تطور تكنولوجيات االتصال حيث بدأت تظهر بعض املصطلحات اليت ترتبط بتقنية االنرتنت مثل مجهور الواب
web audienceو ubiquitousو netizenو online audienceو offline audienceو غريه ا من
املصطلحات.
إن العملية اإلعالمية ترتكز أساسا على أربع عناصر أساسية هي املرسل senderأو source systemالذي يقوم بتوجيه
عنصر الرسالة messageعن طريق الوسيلة اإلعالمية ( الصحيفة ،اإلذاعة ،التلفزيون و االنرتنت) إىل املتلقي recieverأو
reception systemو ه و م ا يع رف ب اجلمهور أم ا العملي ة االتص الية فيك ون في ه باإلض افة إىل عناص ر العملي ة اإلعالمي ة
عنص ر رج ع الص دى حيث تنعكس في ه العملي ة اإلعالمي ة فيص بح املتلقي مرس ال و املرس ل متلقي ا .
إذن فمن ه ذا املنطل ق ومن املراح ل ال يت تناولناه ا يف تش كيل مفه وم اجلمه ور ميكن أن نق ول ب ان اجلمه ور ه و ذل ك املتلقي أو
املتفاعل مع رسالة إعالمية مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو الكرتونية حتتوي على أهداف سياسية أو اقتصادية أو إيديولوجية.
20
.1الجمهور العام:
هو أكثر حجما من التجمعات األخرى أعضاؤه أكثر تبعثرا ،متباعدين يف املكان و أحيانا يف الزمان و لكنه ذو دميومة أكثر
يتشكل حول قضية مشرتكة من احلياة العامة هدفه الرئيسي تكوين اهتمام أو رأي عام حول قضية أو العام كظاهرة اجتماعية
ارتبط ظهوره و تطوره بالربجوازية و الصحافة حىت أصبح خاصية من خصائص جمموعة من القضايا للوصول إىل تغيري سياسي
و هو عنصر أساسي للمشاركة يف املؤسسات الدميقراطية و يعترب اجلمهور الدميقراطية ،فهو يتميز بوجود مجاعة نشطة متفاعلة
و مستقلة يف وجودها على الوسيلة اإلعالمية اليت تعمل من خالهلا.
و ق د عرف ه دي وي على أن ه جتم ع سياس ي جملموع ة من األف راد يش كلون وح دة اجتماعي ة من خالل االع رتاف املتب ادل بوج ود
مشاكل مشرتكة ينبغي إجياد حلول مشرتكة هلا.
.2الجمهور الخاص:
هو اجلمهور الذي جيمع أفراده بعض االهتمامات أو احلاجات أو االجتاهات املشرتكة اليت متيز عضويتهم يف هذا اجلمهور مثل
االف راد املش رتكني يف ص حيفة م ا و يص بح من بع د ذل ك من واجب وس ائل االعالم استش ارة ه ذا االهتم ام و تدعيم ه و تلبي ة
حاجاته حبيث ميكن أن حتتفظ هبذا اجلمهور الذي يندمج أعضاؤه يف الرتكيز اجلمعي و ينشرون بذلك االتصال الذي يرتبط هبذا
الرتك يز و ع ذا م ا ي ربر اختي ار وس ائل اإلعالم للموض ع الش ائع بني ه ذا اجلمه ور ال ذي تتخ ذه م دخال لتنظيم االهتمام ات و
تكييفها .وقدم الباحث األمريكي كلوس حتليال عدديا للجمهور حسب درجات مسامهته كما يلي:
•الجمهور المفترض:
هو جمموع السكان املستعدين الستقبال عرض وحدة اتصال أي الذين ميلكون الوسائل املادية و التقنية اليت متكنهم من استقبال
الرسائل اإلعالمية لوسيلة معينة و من هنا فإن كل من ميتلكون أجهزة استقبال تلفزيون أو إذاعة يشكلون اجلمهور املفرتض هلما
و اجلمهور املفرتض للصحيفة يقاس بعدد نسخ السحب أما مجهور الواب املفرتض حسب هذا املنظور فهو أكثر تعقيدا ألنه
يتطلب توفر جهاز كمبيوتر و خط هاتفي و مودام إىل جانب اشرتاك يف االنرتنت.
•الجمهور الفعلي:
ه و جمم وع األش خاص ال ذين اس تقبلوا فعال الع رض اإلعالمي مث ل املواظ بني على برن امج تلفزي وين أو املس تمعني املداومني على
حصة إذاعية معينة أو قراء صحيفة أو زوار موقع الكرتوين يسجل حضورهم مبجرد النقر على الرابطة.
•الجمهور المتعرض:
و هو جزء من اجلمهور الفعلي الذي يتلقى الرسالة اإلعالمية بصرف النظر عن إدراكها و عن املوقف الذي يتخذه
21
22