You are on page 1of 7

‫تُعتبر مسألة اإلصالح التربوي من أب رز انش غاالت ص ناع الق رار‪ ،‬على المس توى المحلي و‬

‫الدولي و الزالت كذلك نظرا ألهمية اإلصالح ال تربوي‪ ،‬ال ذي يش ير إلى عملي ة التغ ير نح و‬
‫األحسن في النظام التربوي متضمنا معاني اجتماعية و اقتصادية و سياسية‪.‬‬
‫فاإلصالح التربوي أصبح ضرورة تعليمية و تربوية و مطلب ا اجتماعي ا ملح اً‪،‬نظ را لألزم ة‬
‫التي يعرفها النظام التربوي في كثير من البل دان ‪ ،‬فانخف اض مس توى التحص يل العلمي ل دى‬
‫التالمي ذ‪،‬وارتف اع نس ب التس رب المدرس ي‪،‬وانخف اض مع دالت النج اح في الش هادات‬
‫المختلفة‪،‬والمشكالت االجتماعية المرتبطة بالبيئة المدرسية ‪،‬مضافا ل ذلك التغ ير االقتص ادي‬
‫وما يص احبه من تغ يرات على الص عيدين المحلي والع المي ( األزم ة االقتص ادية ‪) 1986‬‬
‫وعلى كافة المجاالت ذات االرتباط الوثيق بمخرج ات النظ ام ال تربوي ‪،‬ك ل ه ذه المعطي ات‬
‫دعت إلى إحداث تغييرات على النظم التربوية ‪ ،‬بشكل جزئي أحيانا وفي حاالت أخرى يكون‬
‫اإلصالح بصورة شاملة وجذرية‪،‬كل ذلك دف ع بالعدي د من المهتمين بالش أن ال تربوي إلى دق‬
‫ناقوس الخطر‪،‬والتنبيه إلى ضرورة اإلسراع بإصالح شامل للنظام التربوي‪،‬رغبة‬
‫في تحقيق مردود أفضل للعملية التربوية‪.‬‬
‫إن المدرسة الجزائرية ومنذ بداية االستقالل وضعت هدفا أساسيا‪،‬تسعى من خالل ه المنظوم ة‬
‫التربوية لتكوين جيل متشبع بقيمه‪ ،‬معتز بوطن ه وثقافت ه ومتفتح على الع الم غ ير أن طغي ان‬
‫الجانب الكمي على النوعي‪،‬أثناء مسار المنظومة التربوية جعله ا مح ل نق د ش ديد من ط رف‬
‫المجتمع فعالمة عدم الرضا على المخرجات النوعية للنظام التربوية‪ ،‬وخاصة في نهاية العقد‬
‫األخير من القرن الماضي ب اتت واض حة‪،‬فالتس رب المدرس ي يع د وال ي زال عقب ة في وج ه‬
‫المنظومة التربوية‪ ،‬يقدم لنا عالم االجتماع عيسى قادري إحصائيات تدلل على حجم المش كلة‬
‫''من بين ‪ 1000‬تلميذ مس جلين في المرحل ة االبتدائي ة يص ل ‪ %20‬فق ط لمس توى النه ائي‬
‫‪،‬بينما يصل‪ % 3.1‬فقط لنهاي ة المس ار الدراس ي‪،‬بحيث نس جل ارتف اع في نس بة التس رب‬
‫المدرسي في السنوات األخيرة ليصل ( ‪ ) % 39-28‬في الفوج وفقا لمستويات التعليم أي ما‬
‫يقرب من نصف مليون طالب يغادرون مقاعد الدراسة"‪.‬‬
‫أم ا االكتظ اظ داخ ل قاع ات ال درس‪،‬فبعض المؤسس ات التربوي ة تعم ل بض عف طاقته ا‬
‫االستيعابية مما يخلق مشاكل للجهاز التربوي والفريق اإلداري‪،‬وما ينجر عنه من ض عف في‬
‫تكوين التالميذ‪،‬قلة الوسائل البيداغوجية وانعدامها في بعض األحي ان‪،‬مم ا يض ع المعلمين في‬
‫مأزق التلقين وانتهاج أساليب غير ناجعة من أجل توصيل المفاهيم للطالب‪،‬ناهيك عن مش كل‬
‫اللغات وتعليمها‪،‬حيث يعتبر تدني التحص يل الدراس ي في مج ال تعلم اللغ ات األجنبي ة تح ديا‬
‫كبيرا للنظام التربوي في الجزائر‪،‬وخاصة في المناطق الداخلية والجنوب أين نسجل انخفاض‬
‫مستوى التحصيل خاصة في اللغة الفرنسية‪،‬فإلغاء النظ ام الم زدوج في التعليم وع دم إعط اء‬
‫اللغات األجنبية اهتماما يحقق الهدف المنشود من تدريس ها‪،‬مم ا أث ر على مس توى الطلب ة في‬
‫المراحل المتقدمة من دراستهم خاصة في الجامعة‪،‬كما أن جانب تكوين المكونين أهم ل تمام ا‬
‫فاألس اتذة والمعلمين لم يتلق وا تكوين ا مس تمرا وج ادا ليمكنهم من تجدي د ق دراتهم العلمي ة‬
‫والعملية‪،‬كما أن وضعهم االجتماعي واالقتص ادي في ت دهور‪،‬مم ا تس ببت في ع دم اس تقرار‬
‫اإلطار التربوي وضعف الرضا الوظيفي لديهم‪،‬ومطالبتهم باستمرار بتحسين ظروفهم المادية‬
‫واالجتماعية‪،‬كما نسجل ض عف األداء لجمعي ات أولي اء التالمي ذ حيث ال يقتص ر دوره ا في‬
‫أحسن األحوال إال على تقديم بعض المساعدات لمن هم في حاج ة ل ذلك‪،‬رغم أن دوره ا مهم‬
‫وض روري كش ريك ال ب د من ه لنج اح العملي ة التعليمي ة‪ ،‬فهي حلق ة الوص ل بين المدرس ة‬
‫والمجتم ع‪،‬فالتفاع ل بين مف ردات الوس ط المدرس ي من ال واجب أن تس اهم الجمعي ات في‬
‫تفعيله‪،‬كل هذه األسباب أدت إلى عدم قدرة المدرسة على تلبي ة الطلب االجتم اعي‪،‬حيث نج د‬
‫هوة كبيرة بين التكوين في المدرسة ومتطلبات المجتم ع‪،‬حيث أن جيوش ا من المتخ رجين من‬
‫النظام التربوي تنقصهم الكف اءة الض رورية‪،‬لممارس ة األعم ال المطلوب ة منهم عملي ا‪ ،‬ف الكم‬
‫النظري الذي ال يترجم إلى كفاءة تمكن الفرد من القيام بواجباته تبقى عملية التكوين في ظله ا‬
‫مبتورة وناقصة‪،‬كل هذا ما جعل من المدرسة الجزائرية في نظر الكثيرين مدرسة مريضة أو‬
‫منكوبة‪ ،‬يجب التدخل العاجل إلصالحها وبعث الدينامية فيها‪.‬‬
‫ومنذ سنة ( ‪ ) 2003 / 2002‬شرعت الجزائر في إحداث تغيير شامل لنظامها التربوي‪،‬على‬
‫كاف ة المس تويات تس عى من خالل ه إلى تح ديث النظ ام ال تربوي‪،‬وف ق مس تجدات المج ال‬
‫البيداغوجي و العلمي رغبة منها في مواكبة التدفق المتسارع للمعرفة‪،‬و توظيف تكنولوجيا‬
‫المعلوم ات و االتص االت خدم ة للمجتم ع‪،‬لول وج األلفي ة الثالث ة بجي ل ق ادر على التحكم في‬
‫إفرازاتها المعرفية والتكنولوجية‪،‬فالنظر إلى التعليم كقطاع استهالك فقط غير منتج ص ار من‬
‫الماضي فاآلن الع الم كل ه يعت بر التعليم قطاع ا اس تراتيجيا منتج ا‪" ،‬إن الدراس ات في مج ال‬
‫اقتصاديات التعليم تؤكد كلها أن االعتقاد أن التعليم مجرد استهالك قد انتهى"‪.‬‬
‫كما أن النتائج المحققة خالل هذه السنوات من اإلص الح‪،‬ال ت رقى لرض ى فعالي ات المجتم ع‬
‫سواء النقابات الممثلة لقطاع التربية وال تي ت رى في ه ذه "اإلص الحات فوقي ة ومفروض ة ‪.‬‬
‫على الطاقم التربوي‪،‬ولم يساهم في مناقشتها وإعدادها‪.‬‬
‫فخالل أش غال الي وم الدراس ي المنظم من ط رف مجلس ثانوي ات الجزائ ر ح ول اإلص الح‬
‫ال تربوي ‪ ،‬ب دار النقاب ات‪ ،‬بحض ور نخب ة من المختص ين في التربي ة والناش طين النق ابيين‬
‫وممثلي األحزاب السياسية‪ ،‬و الخطاب السياسي المعتم د س لبي يرتك ز على تراج ع مس توى‬
‫التلميذ لضعف تك وين األس تاذ‪ ،‬حيث نالح ظ أن ه ذه اإلص الحات تتم في ظ ل الغي اب الت ام‬
‫للتش خيص الحقيقي لقط اع التربي ة‪ ،‬وحقيق ة ف إن الفاع ل الحقيقي مغيب تمام ا في إص الح‬
‫منظومة التربية‪ ،‬فاألستاذ والمعلم يعتبران وسيلة في يد السلطة‪ ،‬كما أن هذه الفئة مجبرة على‬
‫الخضوع ألنماط تقنية وتكوينية وإدارية‪ ،‬مما يس تدعي تك وين األس اتذة بص فة دائم ة وإع ادة‬
‫رس كلتهم‪ .‬وبن اء على ذل ك تم ارس اإلدارة س لطتها المطلق ة والتعس فية لتحقي ق احتياج ات‬
‫اإلصالح''‬
‫أم ا من ط رف المختص ين فس ليمان مظه ر المختص في علم النفس االجتم اعي ي رى " إن‬
‫سياسات التكوين المعتمدة في النظام التربوي الجزائري تفتقد إلى ميكانيزمات وتحاليل واقعية‬
‫للمجتمع‪ ،‬وفق الطاقات الداخلية للفرد الجزائري فيما يخص اللغة‪ ،‬العادات والتقاليد‪.‬‬
‫إن المناهج التربوية وطريقة إعدادها "وفق المقاربة بالكفاءات" ‪،‬اصطدمت بضعف التكوين‬
‫ل دى المعلمين في تط بيق ه ذه الطريق ة‪ ،‬نظ را ألنهم لم يتلق وا تكوين ا ك اف للتحكم في ه ذه‬
‫الطريق ة‪،‬كم ا س بق ذك ره"كم ا أنهم يعت برون ال ف رق بينه ا وبين بي داغوجيا األه داف‪،‬ال تي‬
‫أتعبتهم ولم يتحكموا فيها" ‪.‬ليجدوا أنفس هم أم ام بي داغوجيا جدي دة تتطلب جه دا مض اعفا في‬
‫غياب وسائل تكوين ناجعة وفعالة‪،‬حيث يسجل األساتذة موقف ا من عملي ة اإلص الح ال تربوي‬
‫بدعوى عدم انطالقه من القاعدة الواسعة لهذه الشريحة‪ ،‬بل فرض بطريقة فوقية من الجه ات‬
‫الوصية على المنظومة التربوية ‪.‬‬
‫كم ا ش كل التعليم الخ اص عائق ا أم ام اإلص الحات‪،‬حيث لم يض بط ش كله أو إط اره بش كل‬
‫واضح ‪،‬وما هي العالقة بينه وبين القطاع العام؟وكيفية االستفادة من التعليم الخ اص في رف ع‬
‫المردود التربوي؟‬
‫رغم األرقام التي تبدو جيدة والمعلنة من طرف وزارة التربية والتي تعت بر ه ذه النت ائج دليال‬
‫على نجاع ة اإلص الحات التربوي ة المطبق ة خالل ه ذه الس نوات‪،‬من وجه ة نظ ر الجه ات‬
‫الوص ية‪،‬إال أنه ا تع ترف "أن التط ور الكمي للتربي ة في الجزائ ر اص طدم بانفج ار س كاني‬
‫رهيب‪،‬أثر سلبا على جميع المواد الدراسية مسببا نقصا وخلال وظيفيا‪.‬‬
‫إن بلوغ األهداف والغايات من العملية التربوية‪،‬ال يتأتي بدون االهتمام بمح اور ه ذه العملي ة‬
‫والمتجسدة في األسس الثالث للفعل التربوي‪ :‬المنهاج الدراسي واألستاذ والتلمي ذ ه ذا الثالثي‬
‫المتناغم في تفاعل مستمر نحو الهدف المنشود‪،‬فاألستاذ هو أح د العناص ر الفاعل ة في هيكل ة‬
‫النظام التربوي‪ ،‬واإلشراف على تحقيق األهداف والكفاءات المرسومة ضمن المناهج المع دة‬
‫لمختلف مراحل العملية التربوية‪،‬وإن أي إصالح تربوي تتبناه المنظوم ة التربوي ة في غي اب‬
‫هذا العنصر الفاعل في معادل ة الفع ل ال تربوي‪،‬ق د يعص ف بالعملي ة برمته ا ‪،‬فتك وين اتج اه‬
‫يجابي لألستاذ نحو أي عملية إصالحية لنظم التربية والتعليم ض رورة الب د منه ا لنج اح ه ذه‬
‫العملية‪.‬‬
‫إن أهمية األستاذ في نجاح عملية اإلصالح التربوي هو الدافع نحو هذه الدراسة لمعرفة م دى‬
‫تأثيره في اإلصالحات المطبقة في مجال التربية‪.‬‬

‫ال يمكن أن يختلف أحد ما مع أي كان على مركزية دور المنظوم ة التربوي ة بك ل مس توياتها‬
‫وأنماطها في التنمية الوطني ة س لبا وإيجاب ا وذل ك ألن التعليم بك ل مراحل ه وتخصص اته ه و‬
‫عصب أي بناء اجتماعي وثقافي واقتصادي وسياسي وحضاري‪.‬‬

‫ك أيضا أن تأسيس هذه المنظومة على أسس صحيحة ه و أم ر مش روط بت وفر عوام ل‬
‫والش َ‬
‫كثيرة مترابطة ومؤثرة في بعض ها البعض ب دء من اإلط ارات المك َون ة إلى اإلط ارات ال تي‬
‫تش رف على س ير التعليم إداري ا وتربوي ا ‪ /‬بي داغوجيا وم رورا بالمحي ط االجتم اعي‪،‬‬
‫واالستقرار السياسي‪ .‬فالتعليم كما يرى المفكر والم ربي األم ريكي الش هير ج ون دي وي ه و‬
‫ضرورة حياة وتجديد لها‪ ،‬كما أن المحيط العام‪ ،‬والبيئة االجتماعية الذين تتحرك وتنجز فيهما‬
‫العملية التربوية‪ ،‬وتم ارس فيهم ا اللغ ة باعتباره ا مك َون ا للعق ل وملكات ه أيض ا‪ ،‬ليس مج رد‬
‫ديكور خارجي محايد‪ ،‬بل هو شرط النمو والتنمية وشرط لرقي اللغ ة أو انحطاطه ا‪ .‬وهك ذا‪،‬‬
‫فإن تحقيق المستوى المتطور في هذا الحقل األساسي في حاضر ومستقبل شعبنا مرهون أوال‬
‫وقبل كل شئ بالمستوى الثق افي والبي داغوجي للمعلمين ال ذين يف ترض أن يكون وا من خ يرة‬
‫المثقفين المزودين بالمعرفة الواسعة والدقيقة‪ ،‬كل حسب تخصصه‪.‬‬

‫ولكن ه ل يمكن تص ور مث ل ه ذا في ال وقت ال ذي نج د في ه المعلم الجزائ ري مه َمش ا مادي ا‬


‫بالدرج ة األولى‪ ،‬ومش تتا نفس يا‪ ،‬ومحش ورا في زاوي ة مظلم ة تبع ده عن المع ارف الحديث ة‬
‫األك ثر تط ورا في ش تى المي ادين‪ .‬إن مطالب ة المعلمين ب التطوير المتواص ل لثق افتهم‬
‫المتخصصة‪ ،‬وبترقية معارفهم اللغوي ة والفكري ة‪ ،‬ومعلوم اتهم العام ة ذات الص لة العض وية‬
‫بالمواد الدراسية التي يعلَمونها للطالب والطالبات‪ ،‬وكذا تحسين كفاءتهم فيما يتص ل بتقني ات‬
‫التدريس الحديث ة والفاعل ة‪ ،‬أي م ا يس مى بط رق وفني ات الت دريس‪ ،‬حس ب مي ادين مختل ف‬
‫التخصصات‪.‬‬

‫إن تحقيق كل هذه األمور في الميدان وبنجاح ال يمكن أن يتجسد فعليا بالنواي ا الس اذجة‪ ،‬ب ل‬
‫إن إنج از مش روع به ذا الحجم يتطلب أوال فلس فة جدي دة لمنظومتن ا التعليمي ة تتنفس تق دم‬
‫عصرنا مع ربطها ربطا محكما بتحديث العقل‪ ،‬والوعي بالواقع االجتم اعي‪ ،‬والمحي ط الع ام‬
‫أوال‪ ،‬ويجب إح داث تغي ير ج ذري وحقيقي في موق ف الدول ة من إط ارات التعليم والش روع‬
‫في جع ل الوض ع االقتص ادي له ؤالء المعلمين محترم ا وم وفرا لالنس جام‬
‫النفسي الضروري ألي عملية تربوية وتعليمية ناجحة ومنتجة‪ ،‬وفي خلق المكانة االجتماعي ة‬
‫لهم في أعلى هرم السلم االجتماعي‪.‬‬

‫وفي الحقيقة‪ ،‬فإن واقع المعلمين الجزائريين المادي‪ ،‬س واء على مس توى التعليم االبت دائي أو‬
‫التكميلي أو الثانوي أو على مستوى التعليم العالي‪ ،‬هو واق ع م زري حقَ ا وه ذا عام ل س لبي‬
‫وخطير جدا أدى وال يزال يؤدي إلى نتائج وخيم ة وفي ص دارتها الي أس واإلحب اط‪ ،‬والبحث‬
‫عن وظائف أخرى بديلة‪ ،‬فضال عن فقدان الثقة في مهن ة التعليم ذاته ا‪ .‬وبه ذا الص دد فإن ه ال‬
‫يمكن “أخالقي ا” وموض وعيا أن نط الب ُمدرس ا من المدرس ين بتحقي ق التح ول ال تربوي‬
‫والتعليمي الراقي والنوعي في اللحظة التي نجد فيها وضعه المادي المؤثر بقوة ومباش رة في‬
‫معنوياته‪ ،‬في أسفل السافلين وه و األم ر ال ذي ينغص حيات ه اليومي ة‪ ،‬ويش ل طاقت ه‪ ،‬ويحطم‬
‫طموحه‪.‬‬

‫إن الم درس الجزائ ري ال ذي يتقاض ى مرتب ا ش هريا‪ ،‬وه و على عتب ة التقاع د‪ ،‬ال يتج اوز‬
‫خمسين أو ستين ألف دينار جزائري‪ ،‬أي ما يعادل ‪ 300‬أورو أو ‪ 350‬أورو‪ ،‬ال ينتظر من ه‬
‫أن يق دم لن ا حص ادا تعليمي ا وتربويا يض اهي مس توى ما يقدم ه م درس في ال دول الراقي ة‬
‫التي تضع المدرسين في قمة اله رم االقتص ادي واالجتم اعي‪ .‬ينبغي علين ا أن نق ول الحقيق ة‬
‫وهي أن المعاش الشهري الهزيل للمعلم أو لألستاذ الجامعي الجزائري ال يمكن أن يقارن أبدا‬
‫بما يتقاض اه معلم أو أس تاذ ج امعي ح تى في ال دول الفق يرة المج اورة للجزائ ر‪ ،‬أو مقارنت ه‬
‫بما يتقاضاه المعلم أو األستاذ الجامعي في فرنسا أو في الس ويد أو في ال دانمرك ف أمر خ ارج‬
‫التفكير نهائيا ويعتبر ضربا من الخرافة‪.‬‬

‫عرفت منظومة التعليم في ت ونس عص رها ال ّذهبي طيل ة الس نوات ال تي تلت االس تقالل عن‬
‫فرنسا عام ‪ ،1956‬فكانت جسرا عبرت عليه أسماء تونسية بارزة في كافة مجاالت الحياة‪.‬‬

‫لكن سرعان ما أخذ مستوى التعليم منحى سلبيا‪ ،‬وال سيما منذ تسعينيات الق رن الماض ي؛ م ا‬
‫جعل تونس تحتل المرتبة الـ‪ 84‬عالميا والسابعة عربيا من حيث جودة التعليم‪ ،‬وفقا لمؤشرات‬
‫البرنامج الدولي لتقييم التعليم لعام ‪.2016‬‬

‫ولتدراك هذا الوضع‪ ،‬أطلقت وزارة التربية في ‪ 2015‬حوارا حول اإلصالح ال تربوي‪ ،‬ع بر‬
‫تشكيل لجنة تضم الوزارات ذات العالقة‪ ،‬واالتحاد العام التونسي للشغل (أكبر هيئة نقابية في‬
‫البالد) إضافة إلى ممثلين عن المجتم ع الم دني‪ ،‬به دف تق ديم مقترح ات إلص الح المنظوم ة‬
‫التعليمية‪.‬‬
‫هذا التدني الراهن في مستوى التعليم العام (الممول من قبل الحكومة) سياسات خاطئ ة متبع ة‬
‫منذ عقود؛ لعدم وجود سياسة وطنية تربوية و إلى االنتدابات (تعيينات) العشوائية في صفوف‬
‫المدرسين‪ ،‬وتدهور البنية التحتيّة والموارد البشريّة في المؤسسات التعليمية العامة‪.‬‬

‫فاالنتدابات الخاطئة في صفوف المدرس ين أث رت س لبا على النت ائج الدراس يّة؛ ل ذلك تح اول‬
‫الوزارة التركيز على تحسين كفاءة المدرس ين‪ ،‬وإدخ ال تغي يرات على المض امين التعليمي ة‪،‬‬
‫فضال عن إيجاد فرص تعليم متكافئة بين التالميذ بغض النظر عن طبقتهم االجتماعية‬

‫واقع المدارس العامة يعكس ه أيض ا م ا يس ميه البعض في ت ونس "بهج رة التالمي ذ" من ه ذه‬
‫المدارس إلى مدارس خاصة يتحمل فيها أولياء األمور تكاليف دراسة أبنائهم‪ ،‬وهو خيار برز‬
‫خاصة في السنوات العشر األخيرة‪ ،‬على أمل تلقي األبناء تعليما أفض ل‪ ،‬وتعلم لغ ات أخ رى‬
‫منذ الصغر‪ ،‬باعتبارها من أهم شروط الحصول على وظيفة‪.‬‬

‫ووفقا ألحدث أرقام وزارة التربية التونسية‪ ،‬يدرس قراب ة ملي ون و‪ 93‬أل ف تلمي ذ في ‪6070‬‬
‫مدرسة عامة‪ ،‬هي ‪ 4562‬مدرسة ابتدائية‪ ،‬و‪ 1508‬مدارس بين إعدادي وثانوي‪ ،‬بينما توج د‬
‫حوالي ‪ 320‬مدرسة خاصة‪.‬‬

‫وعن الفرق بين المدارس العامة والخاص ة‪ ،‬فيتمث ل في أن "الم دارس الخاص ة تق دم إض افة‬
‫للعائلة التونسية‪ ،‬تتمثل في توف ير فض اء مدرس ي يبقى في ه الطف ل خالل الف ترتين الص باحية‬
‫والمسائية‪ ،‬أي طوال ف ترة دوام (عم ل) والدي ه‪ ،‬وه و م ا ال ت وفره المدرس ة العام ة حالي ا‪..‬‬
‫وهن اك تفك ير في إيج اد أنش طة ثقافي ة في الم دارس العام ة خالل ف ترة المس اء‪ .‬وك ذلك أن‬
‫"المدرس ة العام ة الي وم‪ ،‬وبج انب االهتم ام بمض امينها المعرفي ة‪ ،‬تفك ر في إيج اد خ دمات‬
‫اجتماعيّة وطبية من شأنها تحسين أوضاع التالميذ؛ بما يساهم في تطوير نتائجهم الدراسية‬

‫التوجه إلى التعليم الخاص يعود باألساس إلى عدم مصداقية التعليم العام‪ ..‬لكن عددا مهم ا من‬
‫األباء ال يعنيهم سوى وجود مكان يضعون فيه أبنائهم طيلة وجود الوالدين في الدوام‪ ،‬وهو ما‬
‫يتوافر في المدارس الخاصة‪.‬‬

You might also like