You are on page 1of 16

‫تدارس سورة األنبياء‬

‫‪1‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫‪2‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫‪3‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫التعريف بسورة األنبياء‬

‫☆سبب تسمية السورة هبذا اإلسم‪:‬‬

‫إن هذه السورة ‪ ،‬سورة األنبياء ‪ ،‬مسيت هبذا اإلسم الشتماهلا على قصص األنبياء فقد‬
‫ذكر هللا فيها ستة عشر نبيا من أنبيائه عليهم الصالة والسالم‪.‬‬

‫وإن قصص االنبياء الذين ذكرهم هللا عزوجل يف هذه السورة ‪ ،‬كان اهلدف منها تسلية النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬فهذه السورة من أوائل السور اليت نزلت يف مكة ‪ .‬وجاءت تسميتها‬
‫مبكرا ‪ .‬ففي صحيح البخاري عن عبدهللا ابن مسعود رضي هللا عنه انه قال‪ :‬سورة بين‬
‫إسرائيل أي اإلسراء والكهف ومري وطه واألنبياء هن من العتاق األول وهن من تالدي‪.‬‬
‫ويقصد ابلعتاق وهو مجع عتيق أي القدي (يف اللغة) أو كل ما يبلغ يف اجلودة يطلق عليه‬
‫عتيق ‪ .‬فهذه السورة من السور اليت نزلت أوال مبكة وأهنا من السور اليت أول ما تعلمها‬
‫إبن مسعود رضي هللا عنه وأرضاه ‪.‬‬

‫فهذه السورة من السور اليت نزلت أوال مبكة وهذا يدل على أن السورة كانت من أوائل‬
‫السور اليت حتدثت عن القضااي املتعلقة ابلزمن املكي من إنكار البعث واثبات النبوة والقرآن‬
‫الكري وتثبيت املؤمنني وتصبريهم على ما يلقونه من األذى ‪ .‬وقول ابن مسعود يف احلديث‬
‫( وهن من تالدي) التالد أي الشيء اجليد وأنه يقصد رمحه هللا أنه حفظ هذه السورة‬
‫من هللا هبا عزوجل عليه ‪ .‬ولو أتملتم أن هذه السورة‬
‫حفظا قدميا وهو حيدث هبذه املنة اليت ّ‬

‫‪4‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬
‫ِۡ ِ ِ ۡ‬
‫يتكرر فيها لفظ الذكر كثريا ‪ ،‬وظهر ذلك يف افتتاح هذه السورة يف قوله َما ََيتي ِهم ّمن ذكر‬
‫ِّمن َّرّهبِِم‪... ،‬‬

‫☆سورة االنبياء مكية‪:‬‬

‫هذه السورة مكية ابتفاق أهل العلم وقد حكى اإلمجاع على مكيتها غري واحد من أهل‬
‫العلم كابن عطية وابن اجلوزي والقرطيب ‪ .‬بيد أن هناك حكي خالف يف آية من آايت هذه‬
‫ص َها ِم ْن أَط َْرافِ َها ۚ‬ ‫السورة قيل أهنا مدنية وهي قوله جل وعال ‪ :‬أَفََال يَ َرْو َن أَ ََّّن ََنِِْت ْاأل َْر َ‬
‫ض نَن ُق ُ‬
‫أَفَ ُه ُم الْغَالِبُو َن ‪ .‬ولعل السبب الذي محل أولئك على القول مبدنية هذه اآلية هو ما جاء‬
‫عن بعض املفسرين أن املراد بنقصان األرض أنه ما يفتحه هللا عزوجل لنبيه من أرض‬
‫املشركني ‪ ،‬فقالوا أن هذا الفتح مل يكن إال بعد األمر ابجلهاد واجلهاد مل يكن إال يف املدينة‬
‫إذا فاآلية مدنية ‪ ،‬لكن هذا القول مردود ألن هذه اآلية وإن كانت من املعاين اليت قيلت‬
‫يف تفسري هذه اآلية هذا القول‪ ،‬لكن قيلت أقوال أخرى تدل على أن هذه اآلية مكية‬
‫والصحيح أن السورة برمتها مكية ابالتفاق ‪.‬‬

‫☆عدد آايت السورة‪:‬‬

‫عدد آايت هذه السورة مئة واثنتا عشرة آية يف عد الكوفيني ‪ ،‬وإحدى عشرة آية ومئة يف‬
‫ون َِّ‬
‫اَّلل َما َال‬ ‫ال أَفَتَ ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ‬
‫عد الباقني ‪ ،‬وخالفهم كان يف آية قوله جل وعال ‪ :‬قَ َ‬
‫ُ‬
‫ض ُّرُك ْم يف قصة إبراهيم‪ ،‬فهذه اآلية عدها الكوفيون ومل يعدها الباقون ‪،‬‬ ‫يَن َفعُ ُك ْم َش ْي ئًا َوَال يَ ُ‬
‫وهذا سبب اخلالف ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫☆حمتوى السورة‪:‬‬

‫هذه السورة ذكر فيها ستة عشر نيب من أنبياء هللا عليهم الصالة والسالم ‪ .‬وهذا العدد مل‬
‫َيت إال يف سورة األنعام ذكر هللا عزوجل مثانية عشر نبيا‪.‬‬

‫فإن قيل أليس األحرى أبن تسمى سورة األنعام بسورة األنبياء ألن عدد االنبياء فيها أكثر‬
‫‪،‬قال أهل العلم كان مقصود سورة األنعام احلديث عن األنعام ‪ ،‬لكن هذه السورة املقصد‬
‫األساسي فيها هو احلديث عن األنبياء عليهم الصالة والسالم‪.‬‬

‫☆مقصد السورة‪:‬‬

‫املوضوعات اليت حتدثت عنها السورة ‪:‬‬

‫‪-١‬االنذار ابلبعث وحتقيق وقوع البعث وأن وقوعه قريب وهذا ما تلحظونه يف بداية السورة‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َّاس ِح ۡ ۡ‬ ‫ِ‬
‫س ُاهبُم َو ُهم ِيف غَفلَة ُّمعر ُ‬
‫ضو َن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يف قوله تعاىل اقرتب للن ِ َ‬
‫مث أن هللا أقام احلجة على هذا البعث وأن الناس سيبعثون وسيحاسبون‪ ،‬وأهنم جمزيون ‪،‬‬
‫وأقام عليه تلك احلجج ‪ ،‬ومنها خلق السماوات واالرض وخلق املوجودات من ماء ‪ ،‬هذا‬
‫من ابب االستدالل على أن اإلنسان خلق لغاية ومل يرتك سدى بل خلق اخللق ليعبدوه‬
‫وابأللوهية يفردوه وأن هناك بعث وحساب وجزاء‪.‬‬

‫‪-٢‬التنويه بشان القرآن العظيم ‪،‬وقد تكرر كثريا لفظ الذكر ‪،‬فجاءت هذه السورة لتنبه‬
‫على شأن القرآن العظيم وأنه نعمة من هللا جل وعال على عباده ‪.‬وكذلك جاءت السورة‬
‫ابلتحذير من التكذيب ابلقرآن الكري‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫‪-٣‬التنويه بشأن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن الرسول عليه الصالة والسالم هو‬
‫املبلغ عن هللا عزوجل وهو الذي جاء ابلقرآن الكري‪ ،‬مث ذكرت هذه السورة أن الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم رمحة للعاملني‪ .‬مث نبهت هذن السورة أن هذا الرسول النيب األمي حممد‬
‫صلى هللا عليه وسلم ما هو إال كأمثاله من الرسل وما جاء به عليه الصالة والسالم هو مثل‬
‫ما جاء به الرسل من قبله وبداية السورة حتكي هذا األمر ‪ .‬وهنا فائدة أن القدح يف القرآن‬
‫يستلزم القدح يف النيب صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فينتصر هللا عزوجل لنبيه صلى هللا عليه‬
‫وسلم ولكتابه ‪ ،‬واألمران متالزمان ‪ ،‬فمن قدح ابلقرآن قدح ابلنيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫ومن قدح ابلنيب قدح ابلقرآن ألن النيب صلى هللا عليه وسلم هو املبلّغ هلذا الكتاب‪.‬‬

‫‪-٤‬تنزيه هللا جل وعال عن الشركاء وعن الولد واالستدالل أبدلة على ألوهية هللا جل وعال‬
‫ووحدانيته تبارك امسه وتعاىل جده ‪.‬‬

‫‪-٥‬ذكر أخبار االنبياء والرسل عليهم الصالة والسالم وما حصل هلم من االبتالءات يف‬
‫سبيل تبليغ هذا الدين وأن هللا عزوجل نصرهم واستجاب دعاؤهم ‪ .‬مث ذكرت هذه السورة‬
‫أن هؤالء االنبياء الذين حكا هللا عنهم ما حصل معهم مع أقوامهم وأثىن عليهم أهنم كلهم‬
‫جاءوا بدين واحد وهو توحيد هللا عزوجل وكذلك الرسول صلى هللا عليه وسلم مل يكن‬
‫بدعا من الرسل‪.‬‬

‫‪-٦‬حتدثت هذه السورة ‪-‬مبا أن السجال بني األنبياء عليهم الصالة والسالم وبني أقوامهم‬
‫الذين مل يؤمنوا ‪-‬فإنه كان فريق حق وهناك فريق يف الباطل والسجال بني الفريقني ‪ ،‬ف ّبني‬

‫‪7‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫هللا عزوجل أن العاقبة تكون يف فسطاط الرسل واألنبياء والصاحلني ‪،‬وأن العاقبة تكون هلم‬
‫وأن اخلزي والعار واهلالك يكون ألعدائهم ‪.‬‬

‫☆حمور السورة‪:‬‬

‫إن حمور هذه السورة هو توحيد هللا ‪ ،‬وهذا الذي جاءت به الرسل عليهم الصالة والسالم‬
‫وما القاه أولئك الرسل من أعدائهم من األذى ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫الورد األول‬
‫اآلايت(‪)٥_١‬‬

‫ضو َن (‪ )١‬ما َۡيتِي ِهم ِّمن ِذ ۡكر ِّمن َّرّهبِِم ُّ ۡحم َد ٍ‬


‫ث إَِّال‬ ‫ر‬
‫َ َ ُّ ُ‬‫ِ‬ ‫َّاس ِحساهب ۡم وه ۡم ِيف غ ۡفلة م ۡ‬
‫ع‬ ‫اقرتب للن ِ َ ُُ َ ُ‬
‫ِ‬
‫َ َ‬
‫شر‬ ‫ب‬ ‫ال‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ا‬
‫ٓ‬‫ذ‬ ‫َٰ‬
‫ه‬ ‫َّجوى ٱلَّ ِذين ظَلَمواْ ه ۡ‬
‫ل‬ ‫ٱستمعوه وه ۡم ي ۡلعبون (‪ )٢‬ال ِهية ق لُوهب ۡۗۡم وأَسروا ٱلن ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ِۡ ۡ ۡ‬
‫ِ‬
‫ٱلس َمآء َوٱألَرض َو ُه َو‬ ‫ِ‬
‫ال َرِّّب يَعلَ ُم ٱل َقو َل يف َّ‬ ‫ِ‬
‫ٱلسح َر َوأَنتُم تُبص ُرو َن (‪ )٣‬قَ َ‬ ‫ّمث لُ ُكم أَفَتَأتُو َن‬
‫ِ ۡ ۡ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ۡ‬
‫ۡ‬ ‫َض َٰغث أ َۡح َٰلَ ِۢ‬‫ۡ‬
‫اعر فَليَأتِنَا َبِايَة َك َمآ أ ُۡر ِس َل‬ ‫رتَٰىهُ بَ ۡل ُه َو َش‬‫ٱف‬
‫َ ََ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫َ َ ْٓ َ ُ‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫ُو‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ۡ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫)‬ ‫‪٤‬‬ ‫(‬ ‫يم‬ ‫ِ‬
‫يع َ ُ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ٱل‬ ‫ٱلسم ُ‬
‫َّ‬
‫ۡ‬
‫ٱأل ََّولُو َن (‪)٥‬‬

‫ِ‬ ‫َّاس ِحساهب ۡم وه ۡم ِيف غ ۡفلة م ۡ‬ ‫ِ‬


‫ضو َن (‪)١‬‬‫ر‬ ‫ع‬
‫َ َ ُّ ُ‬ ‫اقرتب للن ِ َ ُُ َ ُ‬
‫س ُاهبُ ۡم) ‪ ،‬بدأت هذه السورة تتحدث عن‬ ‫هذه السورة ابتدات بقوله (اقرتب لِلن ِ ِ‬
‫َّاس ح َ‬
‫موضوع مهم وهو موضوع البعث وإنكار أولئك للبعث ‪.‬‬

‫ذكر بعض املفسرين أن املراد ابلناس هنا كفار مكة ألن الرسول عليه الصالة والسالم‬
‫بعث فيهم وهذه اآلايت نزلت عليه وهو بني ظهرانيهم ‪ ،‬والقول الثاين قيل هي يف املشركني‬
‫خاصة ‪ ،‬والقول الثالث وهو الصواب أن املراد ابلناس هنا مجيع الناس وإن كانت هذه‬
‫اآلية املقصود هبا كفار مكة لكن اآلية عامة ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫ويبقى السؤال املهم ‪ ،‬كيف اقرتب للناس حساهبم؟؟ قال بعض أهل العلم ‪،‬املراد ابإلقرتاب‬
‫هنا ‪ ،‬مبا أن هذه االمة ( أمة حممد عليه الصالة والسالم) هي آخر األمم وعليها تقوم‬
‫الساعة فحينئذ اقرتب احلساب هلم ابلنسبة ملا قبلهم من األمم ‪ .‬والقول الثاين إن كان‬
‫اخلطاب لكفار مكة فاملقصود بقرب احلساب املوت ألن من مات فقد قامت قيامته‪ ،‬وإذا‬
‫س ُاهبُ ۡم ‪،‬هذا املعىن جاء يف‬
‫َ‬
‫َّاس ِ‬
‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ل‬‫قامت قيامته فإنه جمزي وحماسب ‪ .‬وإن قوله اقرتب لِ‬
‫آايت متعددة من كتاب هللا عزوجل غري هذا املوضع ‪،‬فقال تعاىل ‪ :‬أتى أمر هللا فال‬
‫تستعجلوه ‪ ،‬واقرتاب احلساب يدل على أ ن هناك بعث سيكون فإذا كان هناك حساب‬
‫إذا ال بد أن يسبق احلساب بعث ألن الناس قد ماتوا فإن فيه استدالل على اثبات البعث‪.‬‬
‫س ُاهبُ ۡم ‪ ،‬هنا دليل على أن كل انسان جمزي‬
‫َ‬
‫ونالحظ هنا يف إضافة الضمري يف قوله ِ‬
‫ح‬
‫وحماسب لوحده وكل إنسان سيقف بني يدي هللا عزوجل و سريى أعماله ‪ ،‬وأن اإلنسان‬
‫إذا قامت قيامته فإنه سيحاسب ‪ ،‬وهلذا قال هللا عزوجل ‪ :‬فمن أوِت كتابه بيمينه فسوف‬
‫حياسب حسااب يسريا ‪ ،‬واملقصود ابحلساب العرض أما إذا نوقش اإلنسان احلساب فقد‬
‫عذب ‪.‬‬

‫س ُاهبُ ۡم‬
‫إن البدء هبذا االسلوب فيه حتذير وإنذار للمخاطبني كذلك إضافة‬ ‫اقرتب لِلن ِ ِ‬
‫َّاس ح َ‬
‫حساهبم هلم وأهنم سيحاسبون وجمزيون إال ان هناك ستكون أحداث وأهوال عظيمة ينبغي‬
‫لإلنسان أن يستعد هلذه األحوال ‪.‬‬

‫َّاس ومل يقل اقرتب حساب الناس ‪ ،‬وقدم لِلن ِ‬


‫َّاس ‪ ،‬وذلك ألن هذا فيه‬ ‫مث قال اقرتب لِلن ِ‬
‫داللة على اقرتاب األمر وأنه قريب جدا ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫َو ُهم ِيف غَفلَة ُّمعر ُ‬
‫ضو َن أي حال كوهنم غافلني يف الدنيا عن اقرتاب احلساب‪ .‬وهنا فائدة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وهي بقدر ضعف اإلميان ابليوم اآلخر وتذكر اليوم اآلخر يكون اإلنسان ضعيف يف عمله‬
‫الصاحل ‪ ،‬وبقدر تذكر اإلنسان لليوم اآلخر بقدر مسارعته يف العمل الصاحل ‪ .‬ولذلك دائما‬
‫َيِت التذكري خصوصا يف أمور الذنوب العظام أو االشياء املهمة يف الدين ‪ ،‬فيقرن هللا عزوجل‬
‫اإلميان ابهلل وابليوم اآلخر ‪ .‬فكلما كان اإلنسان قريبا من تذكر الدار اآلخرة ‪ ،‬انتفت عنه‬
‫الغفلة وكلما كان بعيد الذكر عن الدار اآلخرة كلما كان غافال ‪.‬ولذلك جاء هللا ابلثناء‬
‫على أنبيائه أبنه اصطفاهم وجعلهم يتذكرون الدار اآلخرة كثريا والشاهد على ذلك ( يف‬
‫سورة ص) إَّن أخلصناهم خبالصة ذكرى الدار ‪.‬‬

‫ضو َن ‪ ،‬أن من أسباب الغفلة اإلعراض‬ ‫ِ‬


‫ر‬ ‫وهناك فائدة أخرى يف قوله تعاىل وه ۡم ِيف غ ۡفلة م ۡ‬
‫ع‬
‫َ َ ُّ ُ‬ ‫َُ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫عن القرآن الكري والشاهد لذلك قوله تعاىل ‪َ :‬ما ََيتِي ِهم ِّمن ِذكر ‪ ،‬فإذا رأيت اإلنسان‬
‫معرض عن القرآن فاعلم أنه غافل ‪ .‬فإن الغفلة داء عضال ‪ ،‬فقد َيِت اإلنسان ابألذكار‬
‫والعبادات لكن ال يتلذذ هبا ‪،‬فالغفلة داء عظيم فاحذروا منها ‪ ،‬وإن سببها هو اإلعراض‪.‬‬
‫ۡ‬
‫ِيف هنا ظرفية ‪ ،‬وقد قال َو ُه ۡم ِيف غَفلَة دليل على أهنم منغمسون يف هذه الغفلة وأن هذه‬
‫الغفلة حتيط هبم كالوعاء ‪.‬‬

‫ۡ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ۡ ِ ِ ِ ِ ۡ ِ ِِ ُّ ۡ‬


‫َما ََيتيهم ّمن ذكر ّمن َّرّهبم حم َدث إال ٱستَ َمعُوهُ َو ُهم يَل َعبُو َن (‪)٢‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ۡ ِ ِ ِ ِ ۡ ِ ِِ ُّ ۡ‬
‫َما ََيتيهم ّمن ذكر ّمن َّرّهبم حم َدث ‪ّ ،‬من َّرّهبم جاء بلفظ الربوبية مث أضافهم إليه ‪ ،‬والفائدة‬
‫هنا هو مصدر القرآن الهنم يقدحون يف القرآن أبنه كالم حممد عليه الصالة والسالم وأن‬
‫‪11‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫هذا القرآن سحر فلذلك جاء بلفظ الربوبية ليدل على أهنم مربوبون وأن هللا عزوجل هو‬
‫ِۡ ِ ِ ۡ‬
‫خالقهم وهو الذي نزل القرآن هداية هلم ‪.‬ويف قوله َما ََيتي ِهم ّمن ذكر‪ ،‬فقد قال أهل‬
‫العلم هذا فيه دليل على فضل القرآن وشرفه وفيه رد هلم على ما قالوه أنه سحر وشعر ‪.‬‬

‫ث‪ ،‬أي هذا القرآن ما َيتيهم من شيء حديث نزوله ( ألن‬ ‫ما َۡيتِي ِهم ِّمن ِذ ۡكر ِّمن َّرّهبِِم ُّ ۡحم َد ٍ‬
‫َ َ‬
‫القرآن نزل منجما ومفرقا) إال كان مساعهم له مساع لعب وسخرية فهم ال يتعظون وال‬
‫ٍ‬ ‫ۡ ِ ِ ِ ِ ۡ ِ ِِ ُّ ۡ‬
‫يتفكرون ‪ .‬ويف قوله َما ََيتيهم ّمن ذكر ّمن َّرّهبم حم َدث‪ ،‬فيه دليل على أهنم ال ينتفعون‬
‫ابلقرآن مع أنه ينزل إليهم مرة بعد مرة ‪ ،‬فنزوله هبذه الطريقة كان األوىل هبم أن ينتفعوا به‬
‫وأن يرتدعوا فال يزال القرآن ينزل عليهم هم عنه معرضون ‪.‬‬
‫ۡ ۡ‬ ‫إَِّال ۡ‬
‫ٱستَ َمعُوهُ َو ُهم يَل َعبُو َن ‪ ،‬وهنا فائدة أن من أعظم أنواع الغفلة هو الصد عن القرآن‬
‫الكري ‪ .‬ولذلك جاءت آايت أخرى تدل على أن االستماع للقرآن الكري فيه هدى ورمحة‬
‫‪ ،‬فقد جاء يف سورة النجم ‪ :‬أفمن هذا احلديث تعجبون وتضحكون وال تبكون وأنتم‬
‫سامدون ‪ ،‬وهنا دليل على أن عدم االستماع للقرآن هو من أسباب الغفلة ‪،‬واألمر الثاين‬
‫ۡ ۡ‬ ‫أن االستماع للقرآن يورث الرمحة ‪ .‬إَِّال ۡ‬
‫ٱستَ َمعُوهُ َو ُهم يَل َعبُو َن أي حال كوهنم يلعبون ‪.‬‬

‫وقد قدم اللعب على اللهو ‪ ،‬للدليل على أهنم يسخرون ويستهزؤون ابلقرآن الكري وأن‬
‫هذا هو املقصد الذي أرادوه هم ‪ ،‬االستهزاء والسخرية ‪.‬‬
‫ۡ ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫َو ُهم يَل َعبُو َن ‪ ،‬وقد جاء ابلفعل املضارع َو ُهم يَل َعبُو َن ‪ ،‬الن الفعل املضارع يدل على التجدد‬
‫واحلدوث ‪ ،‬أي كلما نزلت آايت من القرآن لعبوا وسخروا واستهزؤوا ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬
‫ٱلس ۡحر وأَنتمۡ‬
‫ِ‬ ‫ِۡ ۡ ۡ‬ ‫ال ِهية ق لُوهب ۡۗۡم وأَسروا ٱلن ۡ‬
‫َّجوى ٱلَّ ِذين ظَلَمواْ ه ۡ‬
‫ّ َ َ ُ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫و‬‫ُ‬‫ت‬ ‫أ‬‫َ‬‫ت‬ ‫َف‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬‫ك‬‫ُ‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫ث‬‫م‬ ‫ر‬‫ش‬
‫َ ّ‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫َّ‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ا‬
‫ٓ‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫َٰ‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َ َ ُ ُُ َ َ ُّ ْ َ‬
‫ص ُرو َن (‪)٣‬‬ ‫تُ ۡب ِ‬
‫ۗۡ‬
‫وهبُ ۡم ‪ ،‬أي حال كوهنم قلوهبم الهية ‪ ،‬وهذا يدل على أهنم غارقون يف اللهو والغفلة‬ ‫َال ِهيَة قُ لُ ُ‬
‫ولذلك نسب اللهو إىل القلب‪ ،‬وذلك ألن القلب ملك اجلوارح ‪.‬‬

‫ين ظَلَ ُمواْ ‪ ،‬النجوى مأخوذة من املناجاة وهي االستتار واإلختفاء‬ ‫ذ‬ ‫وأَسروا ٱلن ۡ‬
‫َّجوى ٱلَّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ ْ‬
‫واملراد هنا اإلسرار واملناجاة‪ ،‬فكيف أتِت هنا النجوى مبعىن املناجاة اليت هي اإلسرار‪ ،‬وَيِت‬
‫َس ُّرواْ هنا فيها قوالن للمفسرين ‪ :‬وهي أن أسر على اببه‬ ‫قوله وأسروا ؟ قال أهل العلم َوأ َ‬
‫أي من ابب اإلسرار ‪ ،‬وأَسروا ٱلن ۡ‬
‫َّج َوى ‪،‬املراد به املبالغة يف إخفاء ما تناجوا به ‪ ،‬أي يبالغون‬ ‫َ َ ُّ ْ‬
‫يف إخفاء ما ادأخفوه ‪ .‬أما القول الثاين ‪ ،‬هو أن الفعل أسر هو من األضداد مبعىن أنه يراد‬
‫به السر والعالنية ‪ ،‬فقالوا املقصود به هنا العلن أي وأَسروا ٱلن ۡ‬
‫َّج َوى أي أظهروا ما تناجوا‬ ‫َ َ ُّ ْ‬
‫به ‪ .‬والذي يظهر وهللا أعلم أن املراد به اإلخفاء ‪ ،‬وهذا يدل على املبالغة يف شدة إخفائهم‬
‫‪ ،‬وهنا فائدة أن هؤالء الكافرين يكيدون لدين اإلسالم يف السر والعلن فهم يتداعون يف‬
‫العلن والسر يف الكيد هلذا الدين ‪.‬‬

‫ين ظَلَ ُمواْ جاء بقوله ظلموا ‪ ،‬دليل على أن هذا الفعل الذي ارتكبوه‬‫ذ‬ ‫وأَسروا ٱلن ۡ‬
‫َّجوى ٱلَّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ ْ َ‬
‫هو من الظلم وفيه إشارة إىل ما ارتكبوه من الظلم والكيد هلذا الدين وأن فعلهم غري منصف‬
‫وغري عادل ‪.‬‬
‫ۡ‬
‫شر ِّمث لُ ُك ۡم ‪ ،‬ويقصدون أن حممد صلى هللا عليه وسلم هو بشر مثلكم‪ ،‬فإذا‬ ‫ۡ‬
‫َهل ََٰه َذآ إَِّال بَ َ‬
‫كان بشر مثلكم فأىن يكون له أن يكون رسول ‪ ،‬وإذا كان بشر مثلكم فكيف ينزل عليه‬

‫‪13‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫القرآن دونكم ‪ ،‬فهم يعرتضون على نبوة النيب صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬مث يستلزم بعد ذلك‬
‫اعرتاضهم على نبوة النيب صلى هللا عليه وسلم االعرتاض على القرآن ‪ ،‬فالقدح يف النبوة‬
‫قدح يف القرآن والعكس ألن األمران متالزمان ‪.‬‬
‫أَفَتَ ۡأتُو َن ِ‬
‫ٱلس ۡحر وأَنتُ ۡم تُ ۡب ِ‬
‫ص ُرو َن ‪ ،‬أنظروا هنا إىل قلب احلقائق وهنا من الفوائد املهمة وهي‬ ‫ّ َ َ‬
‫قلب احلقائق عند الكفار فانظروا كيف يصفون القرآن ابلسحر ‪ ،‬افتقبلون من حممد ما جاء‬
‫به من القرآن وتصدقون به وأنتم تعلمون أنه سحر ‪ ،‬وهذا األمر غري صحيح أصال‪ ،‬فهم‬
‫يف شك من القرآن الكري ‪ ....‬وأَنتُ ۡم تُ ۡب ِ‬
‫ص ُرو َن أي وأنتم تدركون أن هذا القرآن الذي جاء‬ ‫َ‬
‫به حممد هو سحر ‪ ،‬فهذا عجيب‪ ،‬ولذلك جاء بلغة االستفهام‪ ،‬وهذا معناه التعجب‬
‫واالستفهام يراد به التوبيخ واإلنكار‪.‬‬

‫يم (‪)٤‬‬ ‫ٱلس ِميع ۡٱلعلِ‬ ‫و‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ِ‬


‫ض‬ ‫ٓء و ۡٱأل ۡ‬
‫َر‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ٱلس‬ ‫يف‬‫ِ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫و‬‫ال رِّب ي ۡعلَم ۡٱلق ۡ‬
‫قَ َ َ ّ َ ُ َ‬
‫َ ُ َ َّ ُ َ ُ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ۡ‬ ‫ِ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫ِ‬
‫ٱلس َمآء َوٱألَرض ‪ ،‬إن مناسبة هذه اآلية ابآلية اليت قبلها ‪ ،‬هي يف‬ ‫ِ‬
‫ال َرِّّب يَعلَ ُم ٱل َقو َل يف َّ‬
‫قَ َ‬
‫قوله وأَسروا ٱلن ۡ‬
‫َّج َوى‪.‬‬ ‫َ َ ُّ ْ‬
‫ال َرِّّب ( قَ َ‬
‫ال) قراءاتن ‪ :‬القراءة األوىل( قل ) رّب يعلم القول يف السماء‬ ‫وهنا يف قوله قَ َ‬
‫فيكون اخلطاب للنيب ‪،‬واذا كانت القراءة الثانية (قال) فالقائل هو الرسول عليه الصالة‬
‫والسالم يقول هلم رّب يعلم القول يف السماء واألرض ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬
‫ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫وقد جاء بقوله يَعلَ ُم ٱل َقو َل ‪،‬ألن القول يشمل السر واجلهر وهذا فيه إثبات لعلم هللا عزوجل‬
‫وإحاطته بعباده‪ .‬ولذلك الذين اهتموا القرآن أنه سحر وأسروا النجوى هم الذين كانوا‬
‫خيرجون سرا متفرقني يستمعون لقراءة النيب عليه الصالة والسالم هم أنفسهم‪.‬‬

‫وقد جاء بقوله َرِّّب ‪ ،‬وذلك ألن لفظ الربوبية يدل على االعتناء ابلنيب عليه الصالة والسالم‬
‫وأنه ممتثل ألمر هللا عزوجل ومل َيت بشيء من عنده ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ۡ‬
‫يم ‪ ،‬هنا السميع ملا حتدثوا به وأسروه ‪ ،‬والعليم ألحواهلم وما كادوه هلذا‬
‫يع ٱل َعل ُ‬
‫لسم ُ‬
‫َو ُه َو ٱ َّ‬
‫القرآن‪.‬‬

‫ِۡ ۡ‬ ‫ِ ۡ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬


‫َض َٰغث أ َۡح َٰلَ ِۢ‬ ‫ۡ‬
‫ِ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫رتىَٰهُ بَل ُه َو َشاعر فَ ليَأتنَا بايَة َك َمآ أُرس َل ٱأل ََّولُو َن (‪)٥‬‬‫ٱف‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫بَل قَالُٓواْ أ َ‬
‫َ ََ‬
‫ۡ‬
‫ث أ َۡح َٰلَ ِِۢم ‪ ،‬هنا فائدة ‪ ،‬أن األضغاث هي األخالط ‪ ،‬والضغث يف لغة العرب‬ ‫بَ ۡل قَالُٓواْ أَض َٰغَ ُ‬
‫ۡ‬
‫ث أ َۡح َٰلَ ِِۢم هي األحالم اليت ليس هلا أتويل‪.‬‬
‫يدل على التباس الشيء بعضه ببعض ولذلك أَض َٰغَ ُ‬
‫ۡ‬
‫رتىَٰهُ ‪ ،‬أي هو مفرت ٍى على هللا عزوجل وحاشاه عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وقد دافع‬ ‫بَ ِل ََ‬
‫ٱف‬
‫هللا عنه ‪ .‬فكل التهم هذه اليت ألقوها هي نفس القضااي اليت قال هبا املشركون قبل واآلن‪.‬‬
‫فكل امة يبعث فيهم رسول َيِت بكالم من عند هللا يقولون نفس الكالم ‪ ،‬وتصرفهم هذا‬
‫من ابب اإلستكبار والعلو ‪ ،‬وإال فقد جاءهتم آايت ومل يؤمنوا هبا بل أعظم اآلايت اليت‬
‫جاءهتم نالحظ فيها مكر هؤالء املشركني‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬
‫ِۡ ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫ِ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫فَ ليَأتنَا بايَة َك َمآ أُرس َل ٱأل ََّولُو َن ‪ ،‬فالذي ينظر إليها يظن فعال اهنم يريدون آية لكي يهتدوا‬
‫هال جاء حممد آبية مثل ما جاء الرسل قبله ابآلايت ‪ ،‬فأنتم قبل كنتم تكذبون أبن‬
‫ويقولون ّ‬
‫هناك رسول من البشر فكيف تطلبون اآلية اآلن كما جاء هبا األنبياء من قبله وهم بشر‬
‫إذا مل يقصدوا أصال حدوث اآلية لكي يؤمنوا ‪ ،‬فهم أرادوا التعجيز ‪.‬‬

‫واحلمدهلل رب العاملني‪......‬‬

‫‪16‬‬

You might also like