Professional Documents
Culture Documents
02
02
1
تدارس سورة األنبياء
2
تدارس سورة األنبياء
3
تدارس سورة األنبياء
الورد الثالث
اآلايت()١٨-١١
ۡ ۡ ۡ ۡ وَك ۡم قَص ۡمنَا ِمن قَ ۡرية َكانَ ۡت ظَالِ
سواْ ََب َسنَآ إِ َذا َح
أ ا م
َ َ َّٓ َ ُّ ل ف ) ١١ ( ينِ
ر خَ
َ َ ً َ َ ا ء ا مو َق ا هدَ ع ب َن
َ أ ش
َ َن أو ة
َ َ م َ َ َ
ۡ ۡ ۡ
سكِنِ ُك ۡم ل ََعلَّ ُك ۡم تُ ۡسَلُو َن ضواْ َو ۡٱرِجعُٓواْ إِ َ َٰل َمآ أُت ِرف تُ ۡم فِ ِيه َوَم َٰ ۡ
ضو َن (ََ )١٢ل تَرُك ُ
ۡ
ُهم ِمن َها يَرُك ُ
ِ ِٰ ِ ۡ ۡ ۡ ۡ ِۡ ِ ِ ٰ ( )١٣قالُوا يٰو ۡ
ين
َ د َخ
َ ا د يص ح م ه ٰ
ن ل ع
َ َ َ ُ َ ٰ َ َ َُ َ ً ج َّت َّ ح م ه ى
ٰو ع د ك ل ت َت ل ا
زَ َا مَف ) ١٤ ( ني
َ م ل ظ
َ َّا
ن ك
ُ َّ
َن ِ
إ ا
ٓ نل
َ ي
َ ْ ََ َ
ِ ۡ َّ َّ ۡ ۡ ٱلسمآء و ۡٱأل َۡرض وما ب ۡي نَ هما َٰ ۡ
ٱَّتَذ ٰنَ ُه ني ( )١٦ل َۡو أ ََرد ََنٓ أَن نَّتَّخ َذ ََلوا ل َ ِ
ب ِ
ع ل (َ )١٥وَما َخلَ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ا نق
ۡ ۡ ۡ ۡ
ِ ِ
ف بِٱۡلَِق َعلَى ٱل ٰبَط ِل فَيَد َمغُهُۥ فَإذَا ُه َو َزاهق َولَ ُك ُم
ِ ني ( )١٧بَ ۡل نَق ِذ ُ ِ
من لَّ ُد ََّنٓ إِن ُكنَّا ٰفَعِل َ
ِ
ِ ِ ۡ ۡ
ٱل َوي ُل ِما تَص ُفو َن ()١٨َّ
4
تدارس سورة األنبياء
سبب أهلكوا؟فكأن هذه اآلية أتيت ابجلواب ،فما سبب هالكهم ؟؟؟ الظلم ،وما كيفية
ۡ
ص ۡمنَا ِمن قَ ۡريَة َكانَت ظَالِ َمة.
اَلالك قَ َ
أما القول الثاين قالوا َبهنا استئنافية مبعىن أن الواو ليست عاطفة فهي ابتداء جبملة جديدة
واملراد ابَلبتداء هبذه اجلملة اجلديدة من ابب التمثيل ابألمم اليت هلكت قبل ،وسياق
جديد ألمم أهلكها هللا عزوجل.
َوَك ۡم ،كم هنا ليست اَلستفهامية بل اخلربية واملقصود منها الكثرة وهنا إشارة إَل أن هذه
الكثرة تستلزم عدم َّتلف اَلالك مبعىن أن كل من أتى بسبب اَلالك أنه يقع يف العقوبة اليت
رتبت على هذه السبب.
ص ۡمنَا ِمن قَ ۡريَة جاء ما يف معناه يف سورة اإلسراء يف قوله تعاَل وكم أهلكنا من ۡ
وقوله َوَكم قَ َ
القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبريا بصريا.
5
تدارس سورة األنبياء
ص ۡمنَا ِمن قَ ۡريَة يذكر بعض املفسرين أن هذه القرية بعينها هي قرية معينة لكن الصحيح ۡ
َوَكم قَ َ
أهنا عامة وأهنا تشمل من أهلكوا ،وسبق أن مر معنا من قرية ،وقلنا ِمن تدل على العموم
إذا دخلت على نكرة .
ۡ ۡ
َكانَت ظَالِ َمة وجاء بقوله َكانَت ظَالِ َمة ،لذكر سبب اَلالك وهو الظلم وقد بني هللا تعاَل
أن الشرك أظلم الظلم ،فقال تعاَل :إن الشرك لظلم عظيم والشرك ظلم .
ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ
شأ ََن بَع َد َها شأ ََن بَع َد َها قَ وًما ءَا َخ ِر َ
ين أي إذا أهلكوا أبدَلم هللا عزوجل بقوم آخرين َ،وأَن َ َوأَن َ
ص ۡمنَا ِمن قَ ۡريَة َ َق أي بعدما أهلكنا أهل تلك القرية ،فإن هنا تقدير حمذوف يف قوله وَك ۡ
م َ
أي من أهل قرية كانت ظاملة وأنشأَن بعدها قوما آخرين .
6
تدارس سورة األنبياء
ۡ
ِمن َها ،من هنا حتتمل أن تكون اَلبتدائية أي لالبتداء ،فيصبح تقدير الكالم إذا هم
خيرجون من هذه القرية مسرعني ،وحيتمل أن تكون من للتعليل ،فيصبح الكالم أي من
البأس الذي أحسوا به يركضون أي يركضون من البأس.
ضو َن أي يهربون مسرعني ،فكما يقول ابن عطية رمحه هللا :كل كلمة يف القرآن لو أدير ۡ
يرُك ُ
لسان العرب كله على أن يؤتى بكلمة حتل مكان الكلمة اليت وضعت يف هذا املكان مل
ضو َن اإلسراع الشديد واَللع ،
تستطع أن تؤدي نفس الغرض .فنحن نفهم من قولهَ يرُك ُ
والركض عادة يكون للدواب هذا دليل على شدة فزعهم وخوفهم وهرهبم .
ۡ ۡ
َ ۡ ۡ َّ ۡ ِ ِ
سكن ُكم ل ََعل ُكم تُسلُو َن ()١٣ ضواْ َو ۡٱرِجعُٓواْ إِ َ َٰل َمآ أُت ِرف تُم فيه َوَم َٰ
ِ ِ ۡ ۡ
ََل تَرُك ُ
ضواْ هنا كالم حمذوف والتقدير َلذا الكالم احملذوف هو قيل ۡ ۡ
ضواْ ،فقبل كلمة ََل تَرُك ُ
ََل تَرُك ُ
َلم َل تركضوا ،سواء قيل َلم بلسان املقال أو قيل َلم بلسان اۡلال ،فلو قيل َلم َل
تركضوا فيكون هذا من ابب التهكم والسخرية واَلستهزاء.
ۡ ۡ ۡ ۡ
َو ۡٱرِجعُٓواْ إِ َ َٰل َمآ أُت ِرف تُ ۡم فِ ِيه جاء بقوله أُت ِرف تُ ۡم ،وجاء التعبري ابلرتف على سبيل أهنم كانوا
غارقني يف الغفلة لقوله تعاَل :وهم يف غفلة وسبب غفلتهم هو وقوعهم يف الرتف .
ۡ ۡ َل ت ۡركضوا و ۡ
سكِنِ ُك ۡم ل ََعلَّ ُك ۡم تُ ۡسَلُو َن هذا كله على سبيل السخرية مو
َ َ َٰ ِ
يهِ
ف ۡ
م ت فِ
ر ُت
أ ا
ٓ م َل
ٰ َ ِ
إ
َ َ ُ ُ ْ َ ُٓ َ ُ ا
ْو ع ِ
ج ٱر
والتهكم.
7
تدارس سورة األنبياء
ل ََعلَّ ُك ۡم تُ ۡسَلُو َن ،اختلف املفسرون يف املراد بقوله ل ََعلَّ ُك ۡم تُ ۡسَلُو َن ،فقيل لعلكم تسألون شيئا
من دنياكم أي تطلبون لكم من يعينكم وينصركم وقيل لعلكم تسألون عما كنتم فيه من
أداء شكر النعمة هل شكرمت هذه النعمة أو مل تشكروا ،وَل مانع من أن حتمل اآلية على
املعنيني.
ِٰ ۡ
قَالُواْ يََٰوي لَنَآ إِ ََّن ُكنَّا ظَل ِم َ
ني ()١٤
8
تدارس سورة األنبياء
ين واملقصود ب(حصيدا )الزرع احملصود ،ومن هنا نفهم من هذا القول اَلستئصال ِٰ ِ
ََخد َ
واإلابدة.
ين اخلمود هو السكون بال حركة فال ترى أولئك األقوام إَل أشالء متناثرة وأجزاء ِٰ ِ
ََخد َ
متفرقة.
ملا تكلمت السورة عن إثبات النبوة وعن إثبات القرآن وعن هالك األقوام ،كأن قائال
يقول هذه اَلشياء :أرسل هللا عزوجل األنبياء ،وأنزل الكتب ،و اجلنة والنار ،وهناك بعث
وجزاء ...
فيأيت اجلواب أن هذه اَلشياء مل َّتلق عبث ومل حياسب هللا عزوجل األمم ومدى تكذيبهم
للرسل ،ونصرته ألوليائه ورسله ،مل تكن عبثا .فلما بني هللا عزوجل إهالك أولئك القرى
املكذبة َنسب أن يذكر هنا ما يدل على أن هذا العذاب منه عدل وجزاء على ما فعلوا
وقد جاءت آايت أخر يف سور أخرى تدل على هذا .فقد قال تعاَل يف سورة ص :وما
خلقنا السماء واألرض وما بينهما ابطال ذلك ظن الذين كفروا .
ِ ِ ٰ ۡ ۡ ۡ ۡ
ني وهنا فيه دَللة على أن سنة هللا عزوجل يف
ض َوَما بَي نَ ُه َما لَعب َ
ٱلس َمآءَ َوٱألَر َ
َوَما َخلَقنَا َّ
إهالك الظاملني ونصرة املظلومني َل تتبدل وَل تتغري وأن السنن اثبتة فكل من أتى مبوجبات
9
تدارس سورة األنبياء
العذاب حيق عليه العذاب ،وكل من أتى مبوجبات النجاة ينجو .ولذلك جاءت آايت كثرية
تقول :سنة هللا يف الذي خلوا من قبل ولن جتد لسنة هللا تبديال ولن جتد لسنة هللا حتويال
،وسنن هللا عزوجل َل تتبدل وَل تتغري .وهذه اآلية تعطي املؤمن ثقة ابهلل عزوجل وبنصره
ووعده ومَّت ما حقق املسلم هذه السنن جنا.
ني وجاءت آايت أخر تدل على نفس هذا املعىن ِ
ب ِ
ع ٱلسمآء و ۡٱأل َۡرض وما ب ۡي نَ هما ٰ
ل
ۡ
َ َ َوَما َخلَ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َّ ا نق
يف سورة الدخان :وما خلقنا السماوات واألرض وما بينهما َلعبني ●ما خلقنامها إَل ابۡلق
ولكن أكثرهم َل يعلمون .
َّ
10
تدارس سورة األنبياء
ِمن لَّ ُد ََّنٓ أضيفت إَل نون اجلمع .ومعىن الكالم أنه لو أردَن أن نتخذ ولدا أو زوجة َلَّتذَنه
من عندَن َل من عندك أي من املالئكة .فقال شيخ اإلسالم رمحه هللا :ألن زوجة الرجل
وولده يكوَنن عنده حبضرته َل عند غريه ،وهنا رد على اليهود الذين قالوا عزير ابن هللا ورد
على النصارى الذين قالوا املسيح ابن هللا ،ورد على كفار مكة املشركني.
11
تدارس سورة األنبياء
وإن كان مكرهم لتزول منه اجلبال فمهما كان مكرهم مكرا كبارا ميكرون األايم والليايل
والسنني فيأيت الباطل يزهق هذا العمل الذي مر عليه السنني وأنفقوا فيه أموال يف ۡلظة
واحدة فهذه اآلية أنيس لكل من يصيبه اإلحباط .فمهما رأيت اشتداد الباطل وقوته فاعلم
أن اۡلق سيزهقه يف ۡلظة .
ِ ۡ ۡ ِ ِ ۡ ۡ
َّ
َولَ ُك ُم ٱل َوي ُل ِما تَص ُفو َن ،ٱل َوي ُل هنا واد يف جهنم ،تَص ُفو َن ،الوصف هو أن هلل الولد ،فلكم
الويل ِما تصفون أي من كذبكم وافرتائكم أن هلل صاحبة وولد ،فتنزه ربنا وتقدس عما
يقول .
واۡلمدهلل رب العاملني.....
12