You are on page 1of 12

‫تدارس سورة األنبياء‬

‫‪1‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫‪2‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫‪3‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫الورد الثالث‬
‫اآلايت(‪)١٨-١١‬‬

‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫وَك ۡم قَص ۡمنَا ِمن قَ ۡرية َكانَ ۡت ظَالِ‬
‫سواْ ََب َسنَآ إِ َذا‬ ‫َح‬
‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ َ َّٓ َ ُّ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫)‬ ‫‪١١‬‬ ‫(‬ ‫ين‬‫ِ‬
‫ر‬ ‫خ‬‫َ‬
‫َ َ ً َ َ‬ ‫ا‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫م‬‫و‬ ‫َ‬‫ق‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫د‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َن‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫َن‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ة‬
‫َ َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫سكِنِ ُك ۡم ل ََعلَّ ُك ۡم تُ ۡسَلُو َن‬ ‫ضواْ َو ۡٱرِجعُٓواْ إِ َ َٰل َمآ أُت ِرف تُ ۡم فِ ِيه َوَم َٰ‬ ‫ۡ‬
‫ضو َن (‪ََ )١٢‬ل تَرُك ُ‬
‫ۡ‬
‫ُهم ِمن َها يَرُك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِۡ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫(‪ )١٣‬قالُوا يٰو ۡ‬
‫ين‬
‫َ‬ ‫د‬ ‫َخ‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ي‬‫ص‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ٰ‬
‫ن‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ َ َ ُ َ ٰ َ َ َُ َ ً‬ ‫ج‬ ‫َّت‬ ‫َّ‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ى‬
‫ٰ‬‫و‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َت‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫ز‬‫َ َ‬‫ا‬ ‫م‬‫َ‬‫ف‬ ‫)‬ ‫‪١٤‬‬ ‫(‬ ‫ني‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ظ‬
‫َ‬ ‫َّا‬
‫ن‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ا‬
‫ٓ‬ ‫ن‬‫ل‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫َ ْ ََ َ‬
‫ِ ۡ َّ َّ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ٱلسمآء و ۡٱأل َۡرض وما ب ۡي نَ هما َٰ‬ ‫ۡ‬
‫ٱَّتَذ ٰنَ ُه‬ ‫ني (‪ )١٦‬ل َۡو أ ََرد ََنٓ أَن نَّتَّخ َذ ََلوا ل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ل‬ ‫(‪َ )١٥‬وَما َخلَ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ق‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف بِٱۡلَِق َعلَى ٱل ٰبَط ِل فَيَد َمغُهُۥ فَإذَا ُه َو َزاهق َولَ ُك ُم‬
‫ِ‬ ‫ني (‪ )١٧‬بَ ۡل نَق ِذ ُ‬ ‫ِ‬
‫من لَّ ُد ََّنٓ إِن ُكنَّا ٰفَعِل َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ٱل َوي ُل ِما تَص ُفو َن (‪)١٨‬‬‫َّ‬

‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫وك ۡم قَ ۡ‬


‫ين (‪)١١‬‬‫ر‬‫ِ‬ ‫خ‬‫ا‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫م‬‫و‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫َ َ َ َ ََ ً َ َ َ‬ ‫ه‬‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َن‬‫أ‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫َن‬
‫أ‬‫و‬ ‫ة‬ ‫م‬‫ِ‬‫ال‬‫َ‬‫ظ‬ ‫ت‬ ‫صمنَا ِمن قَريَة َكانَ‬
‫ََ َ‬
‫ص ۡمنَا ِمن قَ ۡريَة ‪ ،‬الواو هنا يف( َوَك ۡم ) القول األول أن هذه الواو عاطفة وأن هذه اجلملة‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫وَك ۡ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ص ۡمنَا ِمن قَ ۡريَة معطوفة على قوله تعاَل ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها ‪،‬وقيل بل‬ ‫ۡ‬
‫َوَكم قَ َ‬
‫هي معطوفة على اآلية اليت قبلها لقوله وأهلكنا املسرفني ●وكم من قرية‪ .‬فإذا قلنا أن هذه‬
‫اجلملة معطوفة على ما ذكرَن فإن فيها بيان لكيفية اإلهالك وسبب اإلهالك‪ ،‬ألن هللا تعاَل‬
‫قال ‪ :‬ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها ‪ ،‬وقال وأهلكنا ‪ ،‬فالسؤال هنا كيف أهلكوا؟وَبي‬

‫‪4‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫سبب أهلكوا؟فكأن هذه اآلية أتيت ابجلواب ‪ ،‬فما سبب هالكهم ؟؟؟ الظلم‪ ،‬وما كيفية‬
‫ۡ‬
‫ص ۡمنَا ِمن قَ ۡريَة َكانَت ظَالِ َمة‪.‬‬
‫اَلالك قَ َ‬
‫أما القول الثاين قالوا َبهنا استئنافية مبعىن أن الواو ليست عاطفة فهي ابتداء جبملة جديدة‬
‫واملراد ابَلبتداء هبذه اجلملة اجلديدة من ابب التمثيل ابألمم اليت هلكت قبل ‪ ،‬وسياق‬
‫جديد ألمم أهلكها هللا عزوجل‪.‬‬

‫َوَك ۡم ‪ ،‬كم هنا ليست اَلستفهامية بل اخلربية واملقصود منها الكثرة وهنا إشارة إَل أن هذه‬
‫الكثرة تستلزم عدم َّتلف اَلالك مبعىن أن كل من أتى بسبب اَلالك أنه يقع يف العقوبة اليت‬
‫رتبت على هذه السبب‪.‬‬

‫ص ۡمنَا ِمن قَ ۡريَة جاء ما يف معناه يف سورة اإلسراء يف قوله تعاَل وكم أهلكنا من‬ ‫ۡ‬
‫وقوله َوَكم قَ َ‬
‫القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبريا بصريا‪.‬‬

‫ص ۡمنَا‪ ،‬ومل يقل دمرَن ألن‬


‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫مث جاءت لتبني كيفية اَلالك وسبب اَلالك ‪ ،‬فقال تعاَل وَك ۡ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫القصم هو أشد أنواع الكسر فإذا قصم الشيء فإنه َل ميكن له أن يلتئم وأن يعود كما كان‬
‫وهذا فيه دَللة على شدة السخط وشدة اَلنتقام والغضب عليهم ‪ ،‬وفيه دليل آخر أهنا‬
‫ۡ‬
‫شأ ََن وهناك‬‫تدل على اإلابدة واَلستئصال وسياق اآلايت يدل على ذلك ‪ ،‬فقال تعاَلَ أَن َ‬
‫دليل آخر على اَلستئصال فقال تعاَل‪ :‬حصيدا خامدين ‪،‬ولذلك قال تعاَل ‪:‬وكذلك أخذ‬
‫ربك إذا أخذ القرى وهي ظاملة إن أخذه أليم شديد إن يف ذلك آلية ملن خاف عذاب‬
‫اآلخرة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫ص ۡمنَا ِمن قَ ۡريَة يذكر بعض املفسرين أن هذه القرية بعينها هي قرية معينة لكن الصحيح‬ ‫ۡ‬
‫َوَكم قَ َ‬
‫أهنا عامة وأهنا تشمل من أهلكوا ‪ ،‬وسبق أن مر معنا من قرية ‪ ،‬وقلنا ِمن تدل على العموم‬
‫إذا دخلت على نكرة ‪.‬‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫َكانَت ظَالِ َمة وجاء بقوله َكانَت ظَالِ َمة ‪ ،‬لذكر سبب اَلالك وهو الظلم وقد بني هللا تعاَل‬
‫أن الشرك أظلم الظلم ‪ ،‬فقال تعاَل ‪ :‬إن الشرك لظلم عظيم والشرك ظلم ‪.‬‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫شأ ََن بَع َد َها‬ ‫شأ ََن بَع َد َها قَ وًما ءَا َخ ِر َ‬
‫ين أي إذا أهلكوا أبدَلم هللا عزوجل بقوم آخرين َ‪،‬وأَن َ‬ ‫َوأَن َ‬
‫ص ۡمنَا ِمن قَ ۡريَة‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫ق‬ ‫أي بعدما أهلكنا أهل تلك القرية ‪ ،‬فإن هنا تقدير حمذوف يف قوله وَك ۡ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫أي من أهل قرية كانت ظاملة وأنشأَن بعدها قوما آخرين ‪.‬‬

‫ۡ‬ ‫ِۡ‬ ‫ۡ‬


‫ضو َن (‪)١٢‬‬ ‫ِ‬
‫سواْ ََب َسنَآ إ َذا ُهم من َها يَرُك ُ‬
‫َح ُّ‬
‫فَ لَ َّمآ أ َ‬
‫سواْ‪ ،‬قال أهل العلم أدركوا حبواسهم وعاينوا العذاب‪ .‬والضمري‬
‫َح ُّ‬
‫سواْ ‪ ،‬هنا يف قوله أ َ‬
‫َح ُّ‬
‫فَ لَ َّمآ أ َ‬
‫سواْ يعود على أهل القرية ‪ ،‬أي أحسوا وعاينوا البأس والعذاب الشديد حبواسهم‪.‬‬ ‫َح ُّ‬
‫يف أ َ‬
‫ۡ‬
‫وقد ذكرت كلمة( ََب َسنَآ ) ومل يقل‪ :‬البأس ‪ ،‬وذلك للتعظيم‪.‬‬
‫ۡ ۡ‬
‫ضو َن‪ ،‬هنا إِ َذا الفجائية أي من شدة إحساسهم للعذاب إذا هم يركضون‪.‬‬ ‫إِ َذا ُهم ِمن َها يَرُك ُ‬
‫ۡ ۡ‬
‫هنا تفيد فائدة وهي شدة الفزع الذي أصاهبم فِإ َذا ُهم ِمن َها يَرُك ُ‬
‫ضو َن‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬
‫ۡ‬
‫ِمن َها‪ ،‬من هنا حتتمل أن تكون اَلبتدائية أي لالبتداء ‪ ،‬فيصبح تقدير الكالم إذا هم‬
‫خيرجون من هذه القرية مسرعني‪ ،‬وحيتمل أن تكون من للتعليل‪ ،‬فيصبح الكالم أي من‬
‫البأس الذي أحسوا به يركضون أي يركضون من البأس‪.‬‬

‫ضو َن أي يهربون مسرعني ‪،‬فكما يقول ابن عطية رمحه هللا ‪:‬كل كلمة يف القرآن لو أدير‬ ‫ۡ‬
‫يرُك ُ‬
‫لسان العرب كله على أن يؤتى بكلمة حتل مكان الكلمة اليت وضعت يف هذا املكان مل‬
‫ضو َن اإلسراع الشديد واَللع ‪،‬‬
‫تستطع أن تؤدي نفس الغرض ‪ .‬فنحن نفهم من قولهَ يرُك ُ‬
‫والركض عادة يكون للدواب هذا دليل على شدة فزعهم وخوفهم وهرهبم ‪.‬‬

‫ۡ ۡ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سكن ُكم ل ََعل ُكم تُسلُو َن (‪)١٣‬‬ ‫ضواْ َو ۡٱرِجعُٓواْ إِ َ َٰل َمآ أُت ِرف تُم فيه َوَم َٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ََل تَرُك ُ‬
‫ضواْ هنا كالم حمذوف والتقدير َلذا الكالم احملذوف هو قيل‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ضواْ ‪ ،‬فقبل كلمة ََل تَرُك ُ‬
‫ََل تَرُك ُ‬
‫َلم َل تركضوا ‪ ،‬سواء قيل َلم بلسان املقال أو قيل َلم بلسان اۡلال ‪ ،‬فلو قيل َلم َل‬
‫تركضوا فيكون هذا من ابب التهكم والسخرية واَلستهزاء‪.‬‬
‫ۡ ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫َو ۡٱرِجعُٓواْ إِ َ َٰل َمآ أُت ِرف تُ ۡم فِ ِيه جاء بقوله أُت ِرف تُ ۡم ‪ ،‬وجاء التعبري ابلرتف على سبيل أهنم كانوا‬
‫غارقني يف الغفلة لقوله تعاَل ‪:‬وهم يف غفلة وسبب غفلتهم هو وقوعهم يف الرتف ‪.‬‬
‫ۡ ۡ‬ ‫َل ت ۡركضوا و ۡ‬
‫سكِنِ ُك ۡم ل ََعلَّ ُك ۡم تُ ۡسَلُو َن هذا كله على سبيل السخرية‬ ‫م‬‫و‬
‫َ َ َٰ‬ ‫ِ‬
‫يه‬‫ِ‬
‫ف‬ ‫ۡ‬
‫م‬ ‫ت‬ ‫ف‬‫ِ‬
‫ر‬ ‫ُت‬
‫أ‬ ‫ا‬
‫ٓ‬ ‫م‬ ‫َل‬
‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫إ‬
‫َ َ ُ ُ ْ َ ُٓ َ ُ‬ ‫ا‬
‫ْ‬‫و‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ج‬ ‫ٱر‬
‫والتهكم‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫ل ََعلَّ ُك ۡم تُ ۡسَلُو َن‪ ،‬اختلف املفسرون يف املراد بقوله ل ََعلَّ ُك ۡم تُ ۡسَلُو َن‪ ،‬فقيل لعلكم تسألون شيئا‬
‫من دنياكم أي تطلبون لكم من يعينكم وينصركم وقيل لعلكم تسألون عما كنتم فيه من‬
‫أداء شكر النعمة هل شكرمت هذه النعمة أو مل تشكروا ‪،‬وَل مانع من أن حتمل اآلية على‬
‫املعنيني‪.‬‬

‫ِٰ‬ ‫ۡ‬
‫قَالُواْ يََٰوي لَنَآ إِ ََّن ُكنَّا ظَل ِم َ‬
‫ني (‪)١٤‬‬

‫ني ألنفسهم‬ ‫ِ‬


‫م‬ ‫قَالُواْ يٰو ۡي لَنَآ إِ ََّن ُكنَّا ٰظَلِ ِمني ‪ ،‬هم يدعون على أنفسهم ابلويل والثبور ‪ٰ ،‬ظَلِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ابلكفر ابهلل عزوجل وبتكذيب رسله ‪ ،‬كما قال تعاَل يف سورة األعراف ‪:‬وكم من قرية‬
‫أهلكناها فجاءها َبسنا بياات أو هم قائلون ‪ ،‬فما كان دعواهم إذ جاءهم َبسنا إَل أن قالوا‬
‫إَن كنا ظاملني ‪ ،‬وهذه عادة يف الظاملني أهنم إذا نزل هبم العذاب تنادوا ابلويل والثبور وأدركوا‬
‫حقيقة ظلمهم ‪،‬وله شواهد كثرية يف القرآن الكرمي‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِۡ‬


‫ين (‪)١٥‬‬ ‫ٰ‬
‫َّت َج َعلنَ ُهم َحصي ًدا ََخد َ‬
‫ك َدع َوىٰ ُهم َح َّ ٰ‬
‫فَ َما َزالَت تل َ‬
‫ِ‬ ‫ك‪ ،‬هنا اسم اإلشارة يعود على قوَلم قَالُواْ يٰو ۡي لَنَآ إِ ََّن ُكنَّا ٰظَلِ‬ ‫ِۡ‬ ‫ِۡ‬
‫ني ‪.‬‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫‪:‬‬ ‫ك‬‫فَ َما َزالَت ت َ‬
‫ل‬
‫ۡ‬
‫َدع َوٰى ُه ۡم واملراد ابلدعوة هنا الدعاء وهذا كقول أهل اجلنة كما جاء يف سورة يونس عليه‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِۡ‬
‫ك َدع َوٰى ُهم ‪ ،‬أي ما زال‬ ‫السالم ‪ :‬دعواهم فيها سبحانك اللهم ‪ ،‬هنا قالوا فَ َما َزالَت تل َ‬
‫َّت ج َع ۡل ٰنَ ُه ۡم ح ِ‬
‫صي ًدا‬ ‫َ‬ ‫دعاؤهم ذلك وهم على هذه اۡلال‪ ،‬أي دعائهم على أنفسهم ابلويل َح َّ ٰ َ‬

‫‪8‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫ين واملقصود ب(حصيدا )الزرع احملصود ‪ ،‬ومن هنا نفهم من هذا القول اَلستئصال‬ ‫ِٰ ِ‬
‫ََخد َ‬
‫واإلابدة‪.‬‬

‫ين اخلمود هو السكون بال حركة فال ترى أولئك األقوام إَل أشالء متناثرة وأجزاء‬ ‫ِٰ ِ‬
‫ََخد َ‬
‫متفرقة‪.‬‬

‫ني (‪)١٦‬‬ ‫ِ‬


‫ب‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ٱلسمآء و ۡٱأل َۡرض وما ب ۡي نَ هما ٰ‬
‫ل‬
‫ۡ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوَما َخلَ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ق‬

‫ني ابآلايت السابقة؟؟؟‬‫ِ‬


‫ب‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ٱلسمآء و ۡٱأل َۡرض وما ب ۡي نَ هما ٰ‬
‫ل‬
‫ۡ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما مناسبة قوله تعاَل َوَما َخلَ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬
‫ا‬ ‫ن‬‫ق‬

‫ملا تكلمت السورة عن إثبات النبوة وعن إثبات القرآن وعن هالك األقوام‪ ،‬كأن قائال‬
‫يقول هذه اَلشياء ‪ :‬أرسل هللا عزوجل األنبياء‪ ،‬وأنزل الكتب‪ ،‬و اجلنة والنار‪ ،‬وهناك بعث‬
‫وجزاء ‪...‬‬

‫فيأيت اجلواب أن هذه اَلشياء مل َّتلق عبث ومل حياسب هللا عزوجل األمم ومدى تكذيبهم‬
‫للرسل‪ ،‬ونصرته ألوليائه ورسله ‪ ،‬مل تكن عبثا‪ .‬فلما بني هللا عزوجل إهالك أولئك القرى‬
‫املكذبة َنسب أن يذكر هنا ما يدل على أن هذا العذاب منه عدل وجزاء على ما فعلوا‬
‫وقد جاءت آايت أخر يف سور أخرى تدل على هذا ‪ .‬فقد قال تعاَل يف سورة ص ‪ :‬وما‬
‫خلقنا السماء واألرض وما بينهما ابطال ذلك ظن الذين كفروا ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ني وهنا فيه دَللة على أن سنة هللا عزوجل يف‬
‫ض َوَما بَي نَ ُه َما لَعب َ‬
‫ٱلس َمآءَ َوٱألَر َ‬
‫َوَما َخلَقنَا َّ‬
‫إهالك الظاملني ونصرة املظلومني َل تتبدل وَل تتغري وأن السنن اثبتة فكل من أتى مبوجبات‬

‫‪9‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫العذاب حيق عليه العذاب‪ ،‬وكل من أتى مبوجبات النجاة ينجو‪ .‬ولذلك جاءت آايت كثرية‬
‫تقول ‪ :‬سنة هللا يف الذي خلوا من قبل ولن جتد لسنة هللا تبديال ولن جتد لسنة هللا حتويال‬
‫‪ ،‬وسنن هللا عزوجل َل تتبدل وَل تتغري‪ .‬وهذه اآلية تعطي املؤمن ثقة ابهلل عزوجل وبنصره‬
‫ووعده ومَّت ما حقق املسلم هذه السنن جنا‪.‬‬

‫ني وجاءت آايت أخر تدل على نفس هذا املعىن‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ٱلسمآء و ۡٱأل َۡرض وما ب ۡي نَ هما ٰ‬
‫ل‬
‫ۡ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوَما َخلَ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ق‬
‫يف سورة الدخان ‪ :‬وما خلقنا السماوات واألرض وما بينهما َلعبني ●ما خلقنامها إَل ابۡلق‬
‫ولكن أكثرهم َل يعلمون ‪.‬‬
‫َّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ۡ َّ َّ ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬


‫ني (‪)١٧‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫َّا‬
‫ن‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ن‬‫ِ‬‫إ‬ ‫ٓ‬‫َّ‬
‫َن‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ٰ‬
‫ن‬
‫َ َُ‬‫ذ‬ ‫ٱَّت‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫َل‬
‫َ‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫َّخ‬
‫ت‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫َن‬
‫أ‬ ‫َن‬
‫ٓ‬‫لَو أ ََر َ‬
‫د‬
‫َّ ِ ۡ‬ ‫ۡ‬
‫َّخ َذ ََلوا هذا يكون على سبيل اَلفرتاض والتقدير احملال ‪ ،‬كأن هللا تعاَل يقول‬ ‫ل َۡو أ ََرد ََنٓ أَن ن ت‬
‫َل يليق بنا فعله وَل ينبغي لنا ‪.‬‬
‫َّ ِ ۡ َّ َّ ۡ ٰ ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ل َۡو أ ََرد ََنٓ أَن ن تَّخ َذ ََلوا لٱَّتَذنَهُ َ‪َ،‬لوا ‪ ،‬اختلف العلماء على أقوال ثالثة ‪ :‬القول األول قيل‬
‫الولد أي لو أردَن أن نتخذ ولدا‪ ،‬وقيل أن املراد ابللهو هنا املرأة والصاحبة والزوجة ‪ ،‬وقيل‬
‫أيضا ما يتلهى به ويلعب ‪ .‬والقوَلن األوَلن متالزمان ألن إذا اَّتذ زوجة سيتخذ ولدا‪،‬‬
‫وهذا هو املعىن األقرب للسياق ‪.‬والدليل على ذلك أن مشركي العرب قالوا أن هللا‬
‫عزوجل اَّتذ ولدا يف سورة الصافات ‪ ،‬فقال تعاَل‪ :‬أَل إهنم من إفكهم ليقولون ولد هللا‬
‫وإهنم لكاذبون ‪ ...‬وجعلوا بينه وبني اجلنة نسبا ‪....‬‬

‫‪10‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫ِمن لَّ ُد ََّنٓ أضيفت إَل نون اجلمع ‪ .‬ومعىن الكالم أنه لو أردَن أن نتخذ ولدا أو زوجة َلَّتذَنه‬
‫من عندَن َل من عندك أي من املالئكة ‪ .‬فقال شيخ اإلسالم رمحه هللا ‪:‬ألن زوجة الرجل‬
‫وولده يكوَنن عنده حبضرته َل عند غريه‪ ،‬وهنا رد على اليهود الذين قالوا عزير ابن هللا ورد‬
‫على النصارى الذين قالوا املسيح ابن هللا ‪ ،‬ورد على كفار مكة املشركني‪.‬‬

‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بَ ۡل نَق ِذ ُ‬
‫ف بِٱۡلَِق َعلَى ٱل ٰبَط ِل فَيَد َمغُهُۥ فَإذَا ُه َو َزاهق َولَ ُك ُم ٱل َوي ُل ِمَّا تَص ُفو َن (‪)١٨‬‬
‫ِ‬

‫بَ ۡل هنا لإلضراب ‪ ،‬أي ليس األمر كذلك ‪.‬‬


‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ف فيه دليل على أن ما من ابطل يورد أو حق يرد إَل ويف األدلة‬ ‫بَ ۡل نَق ِذ ُ‬
‫ف ويف قوله نَق ِذ ُ‬
‫ۡ‬
‫من الكتاب والسنة ما يذهب هذا الباطل ويزيله ‪ ،‬لذلك قال نَق ِذفُه‪ ،‬وستأيت ألفاظ أخرى‬
‫يف اآلية تدل على ذلك‪.‬‬
‫ۡ‬
‫فَيَد َمغُهُۥ مأخوذة من الدماغ‪ ،‬فالضرب يف الدماغ يف مقتل فكأن هذا اۡلق يضرب الباطل‬
‫يف مقتل وهذا فيه دليل على أن اۡلق يذهب الباطل ويزيله متاما ‪ .‬وكما ذكر حممد بن عبد‬
‫الوهاب رمحه هللا قال ‪ :‬عامي من املسلمني يغلب ألفا من العلماء املبتدعة ألن اۡلق‬
‫واضح‪.‬‬
‫فَِإذَا هنا الفجائية واجلملة اَلمسية بعدها هو َز ِ‬
‫اهق دليل على املسارعة يف الذهاب والبطالن‬ ‫َُ‬
‫وسرعة إحقاق اۡلق وإبطال الباطل وهذه اآلية َل بد أن تكون مؤنسة لكثري من الناس‬
‫املضطهدين واملعذبني ‪ ،‬وأنه مهما عال الباطل وانتفش فإنه سرعان ما يزول‪ .‬فقال تعاَل ‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫تدارس سورة األنبياء‬

‫وإن كان مكرهم لتزول منه اجلبال فمهما كان مكرهم مكرا كبارا ميكرون األايم والليايل‬
‫والسنني فيأيت الباطل يزهق هذا العمل الذي مر عليه السنني وأنفقوا فيه أموال يف ۡلظة‬
‫واحدة فهذه اآلية أنيس لكل من يصيبه اإلحباط ‪ .‬فمهما رأيت اشتداد الباطل وقوته فاعلم‬
‫أن اۡلق سيزهقه يف ۡلظة ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫َّ‬
‫َولَ ُك ُم ٱل َوي ُل ِما تَص ُفو َن‪ ،‬ٱل َوي ُل هنا واد يف جهنم‪ ،‬تَص ُفو َن‪ ،‬الوصف هو أن هلل الولد‪ ،‬فلكم‬
‫الويل ِما تصفون أي من كذبكم وافرتائكم أن هلل صاحبة وولد ‪ ،‬فتنزه ربنا وتقدس عما‬
‫يقول ‪.‬‬

‫واۡلمدهلل رب العاملني‪.....‬‬

‫‪12‬‬

You might also like