You are on page 1of 25

‫مقدمة‬

‫يُع د اإلمجاع األص َل الث الث يف اس تخالص األحك ام الش رعيَّة؛ إذ الق رآن الك رمي ه و األص ل األول واملص در‬
‫والس نة هي املص در الث اين؛ ألن ه كم ا يق ول حبق اإلم ام الش افعي (املت وىَّف‬
‫األساس ي للش ريعة اإلس الميَّة‪ُّ ،‬‬
‫افرتض طاعة رسوله"‪.1‬‬ ‫"من قَبِل عن رسول اهلل‪ ،‬فعن اهلل قَبِل؛ َّ‬
‫ألن اهلل َ‬ ‫‪204‬هـ)‪َ :‬‬

‫ويَليهم ا اإلمجاع؛ لتوقُّف موجبيَّته عليهما‪ ،‬ولكن الثالث ة ‪ -‬م ع تف ُاوت درجاهتا ‪ُ -‬ح ٌ‬
‫جج موجب ة لألحك ام‬
‫ٍ‬
‫قطعا‪ ،‬وال تتوقَّف يف إثبات األحكام على شيء َ‬
‫آخر‪.2‬‬ ‫ً‬
‫واحلُكم ال ذي يُب ىن على دلي ٍل قطعي‪ ،‬يُع د من النظ ام الع ام‪ ،‬وال جيوز لألف راد واجلماع ات أن يتَّفق وا على‬
‫اجتهاد فيها‪.3‬‬
‫َ‬ ‫خالفه‪ ،‬وإذا ات ُِّفق على خالفه كان باطالً؛ ألن القطعيَّات ال‬
‫‪4‬‬
‫وقد فشا على لسان الفقهاء َّ‬
‫أن خارق اإلمجاع يكفر ‪ ،‬وهي مقالة حَت دو بنا إىل دراسة هذا األصل؛ وصوالً‬
‫كبريا يف قواعده وأصوله‪ ،‬يف إمكانه وعدم‬ ‫ِ‬
‫األصل اختالفً ا ً‬ ‫وج ه احلق فيها؛ َّ‬
‫ألن الفقهاء اختلَفوا يف هذا‬ ‫إىل ْ‬
‫ومس تنده‪ ،‬ونَ ْس خه وع دم النَّس خ‪،‬‬
‫إمكان ه‪ ،‬ويف أه ل اإلمجاع‪ ،‬وش روطه‪ ،‬ويف ُحجيَّت ه بني أنواع ه املختلف ة‪ُ ،‬‬
‫ومدى إمكانيَّة االستفادة باإلمجاع يف العصر احلديث يف الوقائع املستجدة‪ ،‬وما تتطلَّبه من أحكام شرعيَّة‪.‬‬
‫ُ‬

‫‪ 1‬الرسالة؛ حتقيق الشيخ أمحد شاكر‪ ،‬ص (‪.)471‬‬


‫شرح أصول فخر اإلسالم البزدوي (املتوىف يف ‪482‬هـ)‪ ،‬ج (‪ ،)3‬ص (‬ ‫عبدالعزيز البخاري (املتوىف ‪731‬هـ)؛ كشف األسرار ْ‬
‫‪2‬‬

‫‪.)19‬‬
‫‪ 3‬الشيخ عبدالوهاب خالَّف؛ تفسري النصوص القانونية وتأويلها‪ ،‬حبث منشور يف العدد التاسع والعاشر من جملة احملاماة الشرعيَّة‪،‬‬
‫س (‪ ،)21‬ص (‪.)451‬‬
‫‪ 4‬أبو املعايل اجلويين (‪478‬هـ)؛ الربهان يف أُصول الفقه؛ حتقيق الدكتور عبدالعظيم الديب‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)725‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬المعنى االصطالحي لإلجماع في المذاهب المختلفة‪ ،‬والرأي المختار منها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ 0:‬شروط اإلجماع‪.‬‬

‫المبحث األول‪:‬‬

‫المعنى االصطالحي لإلجماع في المذاهب المختلفة‪0:‬‬

‫الص لة ب املعىن اللغ وي؛ َّ‬


‫ألن أص ل الش رع ن َزل بلس ان ع ريب‬ ‫ت ِّ‬ ‫‪َّ -5‬‬
‫إن املع ىن االص طالحي لإلمجاع غ ري ُمنبَ ِّ‬
‫ُمبني‪.‬‬

‫أدل على ذلك إالَّ االستعمال القرآين له‪ ،‬فاهلل تعاىل‬ ‫والعزم‪ ،5‬وال َّ‬ ‫واإلمجاع يف اللغة‪ :‬لفظ ُمشرتك بني االتفاق ْ‬
‫{و َم ا‬ ‫يقول يف شأن يوسف‪َ { :‬فلَ َّما ذَهبوا بِِه وأَمْج عوا أَ ْن جَي علُوه يِف َغي اب ِ‬
‫ب} [يوسف‪ ،]15 :‬ويقول‪َ :‬‬ ‫ت اجْلُ ِّ‬ ‫َْ ُ َ َ‬ ‫َُ َ َُ‬
‫ت لَ َديْ ِه ْم إِ ْذ أَمْج َعُ وا أ َْم َر ُه ْم َو ُه ْم مَيْ ُك ُرو َن} [يوس ف‪]102 :‬؛ أي‪ :‬اتَّفق وا كلُّهم على إلقائ ه يف أس فل‬
‫ُكْن َ‬
‫اجلُب‪ ،6‬وقوله تعاىل يف سورة يونس‪{ :‬فَأَمْجِ عُوا أ َْمَر ُك ْم َو ُشَر َكاءَ ُك ْم} [يونس‪]71 :‬؛ أي‪ْ :‬اع ِزموا أمركم‪.7‬‬

‫وقال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪(( :-‬ال صيام لِ َمن مَل جُي ِم ع الصيام من الليل))‪8‬؛ أي‪ :‬مَل يَعزم عليه‬
‫من الليل‪.‬‬

‫الص حاح‪ ،‬ولكن صُِّرح به يف القاموس‬ ‫‪ 5‬مَل يرد يف لسان العرب "مجع على كذا" مبعىن اتَّفقوا‪ ،‬وكذلك يف أساس البالغة وخمتار ِّ‬
‫احمليط واملصباح املنري‪ ،‬واملفردات يف غريب القرآن؛ للراغب األصفهاين‪ ،‬راجع مادة‪" :‬مجع" من الكتب اللغويَّة املشار إليها‪.‬‬
‫‪ 6‬تفسري ابن كثري‪ ،‬ج (‪ ،)2‬ص (‪.)493 - 471‬‬
‫‪ 7‬تفسري أيب السعود‪ ،‬ج (‪ ،)4‬ص (‪.)164‬‬
‫الس نن وابن ُخزمية‬‫أورده الشوكاين يف إرشاد الفحول ص (‪ ،)70‬ومَل أقف عليه بلفظه يف الكتب الس تَّة‪ ،‬وروى أصحاب ُّ‬ ‫هكذا َ‬
‫‪8‬‬

‫((من مَل جُي ِم ع الصيام‬


‫أن رسول اهلل قال‪َ :‬‬ ‫وابن ِحبَّان عن ِّأم املؤمنني حفصة زوج النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ورضي اهلل عنها ‪َّ :-‬‬
‫قبل الفجر‪ ،‬فال صيام له))؛ التاج اجلامع لألصول يف أحاديث الرسول‪ ،‬ج (‪ ،)2‬ص (‪.)58‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫وق ال القاض ي أب و بك ر الب اقالَّين (‪403‬هـ)‪" :‬الع زم يرج ع إىل االتِّف اق؛ ألن من اتَّف ق على ش ٍ‬
‫يء‪ ،‬فق د ع َزم‬ ‫َ‬
‫عليه"‪.9‬‬

‫‪ -6‬واإلمجاع قد يُطلق أو يُضاف‪:‬‬

‫فريق ُمعنَّي ‪ ،‬ومثاله أن يقال‪ :‬ثبتَت الزكاة بالكتاب‬ ‫ٍ‬


‫إضافة إىل ٍ‬ ‫واملطلق‪ :‬هو ما يُذكر فيه معىن اإلمجاع دون‬
‫والسنة واإلمجاع‪ ،‬أو يُذكر مضافًا إىل األُمة أو املسلمني أو العلماء‪ ،‬فيُقال‪ :‬إمجاع األمة ُمنعقد على وجوب‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫كل ُمكلَّف‪ ،‬وإمجاع املسلمني ٌ‬
‫قائم على وجوب طاعة الرسول‪.‬‬ ‫الصلوات اخلمس على ِّ‬

‫خاص‪ ،‬كما يقال إمجاع أهل املدينة‪ ،‬وإمجاع‬


‫واإلمجاع املضاف‪ :‬هو الذي يُذكر فيه اللفظ منسوبًا إىل فريق ٍّ‬
‫احلرمني‪( :‬مكة‪ ،‬واملدينة)‪ ،‬وإمجاع الشيخني (أيب بكر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عرتة الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وإمجاع أهل َ‬
‫وعمر)‪ ،‬وإمجاع اخللفاء الراشدين‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫والتع اريف ال يت يتناوهلا علم اء املذاهب األربع ة‪( :‬احلنفي ‪ -‬واملالكي ‪ -‬والش افعي ‪ -‬واحلنبلي)‪ ،‬وم ذهب‬
‫اإلباضيَّة‪ ،‬إمنا هي لإلمجاع باملعىن املعروف املطلق‪.‬‬
‫ُ‬
‫غريا عن ه ذه‬
‫َّأما غ ري ه ذه املذاهب اخلمس ة‪ ،‬فلهم اص طالحات يف اإلمجاع خَت تل ف اختالفً ا كب ًريا أو ص ً‬
‫املذاهب‪.‬‬

‫ونُبنِّي ذلك على التفصيل التايل‪:‬‬

‫السنة واملذهب اإلباضي‪:‬‬


‫‪ -7‬مدلول اإلمجاع يف مذاهب أهل ُّ‬

‫وج َّهاهلا‪،‬‬ ‫عرف اإلمام الشافعي اإلمجاع بأنه‪ :‬اتِّفاق األُمة‪ ،10‬واألُمة لف ٌ‬
‫ظ من ألفاظ العموم‪ ،‬يشمل علماءَها ُ‬ ‫يُ ِّ‬
‫نستخلص مما ذكره‬
‫َ‬ ‫أبرارها وفُ َّجارها‪ ،‬وكبريها وصغريها‪ ،‬ومنذ بعث الرسول إىل يوم القيامة‪ ،‬ومُي كن لنا أن‬
‫َ‬
‫اإلمام الشافعي يف باب اإلمجاع يف رسالته‪:‬‬

‫‪ 9‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص (‪.)71‬‬


‫‪ 10‬أحكام القرآن؛ للشافعي؛ مَجْع البيهقي (‪458‬هـ)‪ ،‬ج (‪ )1‬ص (‪.)39‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫أنه لزوم مجاعة املسلمني فيما انتَهوا إليه من ُحك ٍم يتعلَّق باحلِ ِّل واحلُرمة بعد وفاة الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪.11‬‬

‫اتباع ا هلم‪،‬‬
‫عامة الناس يف مجاعة املسلمني؛ إذ يقول‪" :‬كنَّا نقول مبا قالوا به ً‬
‫ويبدو لنا من أقواله أنه يُدخل َّ‬
‫ب عن بعض هم‪ ،‬ونعلم َّ‬
‫أن ع َّامتهم ال‬ ‫ب عن ع َّامتهم‪ ،‬وق د تَع ُز ُ‬
‫انت ُس نن الرس ول ال تَع ُز ُ‬
‫ونعلم أهنم إذا ك ْ‬
‫لسنة الرسول‪ ،‬وال على خطأ ‪ -‬إن شاء اهلل"‪.12‬‬ ‫ٍ‬
‫جَت تمع على خالف ُ‬
‫ونَعتقد َّ‬
‫أن موقف اإلمام الشافعي هذا بالنسبة لإلمجاع على األمور املعلومة بالدين بالضرورة‪َّ ،‬أما ما عداها‬
‫النظر وترجيح أحد اآلراء‪ ،‬فيَقصره على علماء املسلمني‪.13‬‬ ‫َّ‬
‫مما يتطلب َ‬
‫عرف اإلمجاع بأنه‪" :‬‬ ‫أثر اإلمام الشافعي يف أتباعه من األصوليني؛ فاإلمام املاوردي (املتوىف ‪450‬هـ) يُ ِّ‬
‫ويبدو ُ‬
‫قول يف ُحك ٍم مَل خَي تلف فيه‬‫أن يستفيض اتفاق أهل العلم من جهة دالئل األحكام‪ ،‬وطُرق االستنباط على ٍ‬
‫أهل عصرهم‪ ،‬وتكون استفاضته عند أمثاهلم من أهل العلم بعد عصرهم"‪.14‬‬

‫عرف اإلمام أبو املعايل اجلويين (‪478‬هـ) اإلمجاع بقوله‪" :‬هو اتِّفاق مجيع علماء العصر على ُحكم حادثة‬
‫ويُ ِّ‬
‫شرعيَّة"‪.15‬‬

‫ويقول اإلمام الغزايل (‪505‬هـ) أن اإلمجاع‪" :‬إمَّن ا نَعين به اتِّفاق أ َُّمة حممد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على أم ٍر‬
‫من األمور الدينيَّة"‪.16‬‬

‫وتعقَّب اآلمدي (‪631‬هـ) تعريف الغزايل باعرتاضني‪:‬‬

‫‪ 11‬الرسالة‪ ،‬ص (‪.)475‬‬


‫‪ 12‬الرسالة ص (‪.)472‬‬
‫"من هم أهل العلم الذين إذا أمجَعوا‪،‬‬
‫الرسالة‪ ،‬ص (‪ ،)322‬وقد تساءَل الشافعي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف كتاب "مجاع العلم"‪َ :‬‬
‫‪13‬‬

‫قامت بإمجاعهم ُح َّجة؟"؛ نقالً عن الشيخ حممد أبو زهرة؛ أصول الفقه‪ ،‬ص (‪.)191‬‬
‫َ‬
‫‪ 14‬أدب القاضي؛ حتقيق حميي هالل السرحان‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)450‬‬
‫وشرحها هبامش إرشاد الفحول؛ للشوكاين‪ ،‬ص (‪.)165‬‬ ‫الورقات ْ‬
‫‪15‬‬

‫‪ 16‬املستصفى‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)173‬‬


‫‪ www.alukah.net‬‬
‫أن التعريف يُشعر بعدم انعقاد اإلمجاع إىل يوم القيامة؛ َّ‬
‫ألن أُمة حممد هم من اتَّبعه إىل يوم القيامة‪،‬‬ ‫أحدمها‪َّ :‬‬
‫ومن ُو ِجد يف بعض األعصار‪ ،‬إمنا هو بعض األُمة‪ ،‬ال كلُّها‪.‬‬
‫َ‬
‫والثاين‪ :‬أنه يَلزم من تقييد الغزايل لإلمجاع باالتِّفاق على أم ٍر ديين‪ ،‬أالَّ يكون إمجاع األُمة على قض يَّة عقليَّة أو‬
‫عُرفيَّ ٍة ُح َّجةً شرعيَّة‪ ،‬وليس األمر كذلك‪.17‬‬

‫والع ْق د من أ َُّمة حممد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬


‫وينتهي اآلمدي إىل تعريف اإلمجاع‪ :‬بأنه اتِّفاق مجلة أهل احلَ ِّل َ‬
‫‪ -‬يف عص ٍر من األعصار على ُحكم واقعة من الوقائع‪.18‬‬

‫استقر لدى علماء األصول من املذهب الش افعي من بع ده‪ ،‬وال َّ‬
‫أدل على‬ ‫ويكاد يكون تعريف اآلمدي قد َّ‬
‫ذلك من تعريف اإلمجاع عند البيضاوي (‪685‬هـ)‪ ،19‬واإلسنوي (‪772‬هـ)‪.20‬‬

‫تعريف اإلمجاع لدى علماء األصول من املذهب احلنفي واملالكي‪ ،‬عما ذهب إليه اآلمدي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كثريا‬
‫وال يَبعد ً‬
‫شرحه للمنار بقوله‪:‬‬
‫عرف النَّسفي (‪710‬هـ) اإلمجاع يف ْ‬
‫فقد َّ‬

‫كل عص ٍر من أهل العدالة واالجتهاد على ُحك ٍم"‪.21‬‬


‫"هو اتِّفاق علماء ِّ‬

‫عرف ه عب دالعزيز البخ اري (‪730‬هـ) بأن ه‪" :‬اتِّف اق اجملته دين من ه ذه األُم ة يف عص ر على أم ٍر من‬
‫كم ا َّ‬
‫األمور"‪.22‬‬

‫‪ 17‬اإلحكام‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪ ،)281‬وتابَعه عبدالعزيز البخاري من املذهب احلنفي؛ كشف األسرار‪ ،‬ج (‪ ،)3‬ص (‪.)227‬‬
‫‪ 18‬اإلحكام‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)282‬‬
‫عرف اإلمجاع‪" :‬هو اتِّفاق أهل احلل والع ْق د‬
‫‪ 19‬منهاج الوصول إىل علم األصول؛ حتقيق حممد حميي الدين عبداحلميد‪ ،‬ص (‪ ،)81‬يُ ِّ‬
‫من أُمة حممد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على أم ٍر من األمور"‪.‬‬
‫‪ 20‬التمهيد؛ حتقيق الدكتور حممد حسن هيتو‪ ،‬ص (‪ ،)440‬يقول‪ :‬اإلمجاع‪" :‬هو اتِّفاق اجملتهدين من أُمة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬على ُحك ٍم"‪.‬‬
‫‪ 21‬شرح النَّسفي على املنار‪ ،‬ج (‪ ،)2‬ص (‪.)103‬‬
‫‪ 22‬كشف األسرار‪ ،‬ج (‪ ،)3‬ص (‪.)226‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫أخذ القرايف ‪ -‬وهو من علماء املالكية‪ ،‬وجيري رأي إمامهم على َّ‬
‫أن إمجاع أهل املدينة ُح َّجة ‪ -‬بتعريف‬ ‫وقد َ‬
‫اآلمدي‪.23‬‬

‫عرف ابن قدامة ‪ -‬وهو من املذهب احلنبلي ‪ -‬اإلمجاع بأنه‪ :‬اتِّفاق علماء العصر من أ َُّمة حممد ‪ -‬صلى اهلل‬
‫ويُ ِّ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬على أم ٍر من األمور الدينية‪.24‬‬

‫وجهه اآلمدي للغزايل‪ ،‬والسابق بيانه‪.‬‬


‫وهذا التعريف يَنطبق عليه االعرتاض الثاين الذي َّ‬

‫عرف شيخ اإلسالم ابن تيميَّة (‪728‬هـ) اإلمجاع بـ‪" :‬إنه اجتماع علماء املسلمني على ُحك ٍم"‪.25‬‬
‫ويُ ِّ‬

‫ويقول الشيخ أبو حممد عبداهلل بن محيد الساملي (من املذهب اإلباضي)‪:‬‬

‫وعامة املسلمني‪ :‬هو اتفاق علماء األُمة على ُحك ٍم يف عصر‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫اإلمجاع يف عُ رف األصوليني والفقهاء َّ‬
‫خالف ُمس تمر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫اتِّف اق أ َُّمة حمم د ‪ -‬ص لى اهلل علي ه وس لم ‪ -‬يف عص ٍر على أم ٍر‪ ،‬وزاد بعض هم‪ :‬ومَل يَس بقه‬
‫عوام األُمة‪ ،‬ممن ال ع ْل َم له‪ ،‬فال يَقدح خالفُهم يف انعقاد اإلمجاع‪ ،‬ويدخلون يف‬
‫األول ُّ‬
‫فيخرج على التعريف َّ‬
‫التعريف الثاين‪ ،‬فيُعترب ِوفاقهم يف انعقاد اإلمجاع"‪.26‬‬

‫‪ -8‬معىن اإلمجاع يف املذهب الظاهري‪:‬‬

‫وعامه ا ‪ -‬على م ا عُلِم من ال دين‬


‫خاص ها ُّ‬ ‫ي رى أنص ار املذهب الظ اهري َّ‬
‫أن اإلمجاع ه و اتِّف اق األُم ة ‪ُّ -‬‬
‫خاصة فيما وراء ذلك‪.‬‬
‫بالضرورة‪ ،‬واتِّفاق الصحابة َّ‬

‫عرفوه‪،‬‬
‫أن مجيع أصحاب رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ -‬‬ ‫قال اإلمام ابن حزم‪" :‬واإلمجاع هو ما تيقن َّ‬
‫وق الوا ب ه‪ ،‬ومَل خَي تل ف منهم أح ٌد‪ ،‬كتيقُّنِن ا أهنم كلهم ‪َ -‬ر ِض ي اهلل عنهم ‪ -‬ص لَّوا مع ه ‪ -‬علي ه الس الم ‪-‬‬
‫الص لوات اخلمس‪ ،‬كم ا هي يف ع دد ركوعه ا وس جودها‪ ،‬أو َعلِم وا أن ه ص الَّها م ع الن اس ك ذلك‪ ،‬وأهنم‬

‫الذخرية‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)108‬‬ ‫‪23‬‬

‫روضة الناظر‪ ،‬ج (‪ ،)2‬ص (‪.)331‬‬ ‫‪24‬‬

‫الفتاوى الكربى‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)484‬‬ ‫‪25‬‬

‫شرح طلعة الشمس على ألفيَّة األصول‪ ،‬ج (‪ ،)2‬ص (‪.)65‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫كلهم صاموا معه‪ ،‬أو َعلِموا أنه صام مع الناس رمضان يف احلضر‪ ،‬وكذلك سائر الشرائع اليت تيقنت مثل‬
‫ه ذا اليقني‪ ،‬وال يت َمن مَل يُِق َّر هبا‪ ،‬مَل يكن من املؤم نني‪ ،‬وه ذا م ا ال خَي تل ف أح ٌد يف أن ه إمجاع‪ ،‬وهم ك انوا‬
‫أن غري هذا هو إمجاع‪ُ ،‬كلِّف الربهان على ما‬ ‫ومن َّادعى َّ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ مجيع املؤمنني‪ ،‬ال مؤمن يف األرض غريهم‪َ ،‬‬
‫يدَّعي‪ ،‬وال سبيل إليه"‪.27‬‬

‫‪ -9‬مدلول اإلمجاع عند اإلماميَّة‪:‬‬

‫اإلمجاع بأن ه ك ُّل اتِّف اق يستكش ف من ه ق ول املعص وم؛ س واءً ك ان اتِّف اق اجلمي ع‪ ،‬أو‬
‫َ‬ ‫حُي دِّد الش يعة اإلماميَّة‬
‫حصل من اثنني‪ ،‬كان قوهلما ُح َّجة‪.‬‬
‫البعض‪ ،‬فلو خال املائة من الفقهاء من قول املعصوم‪ ،‬ما كان ُح َّجة‪ ،‬ولو َ‬
‫ويقول ون‪َّ :‬‬
‫"إن ق ول املعص وم كاش ف عن احلقيق ة‪ ،‬واحلج ة للمنكش ف ال للكش اف"‪ ،‬وي رون أن اإلمجاع‬
‫قرر بعضهم أنه إمَّن ا يُعد من‬
‫الس نة‪ ،‬وال يكون دليالً مستقالًّ يف مقابلها ومقابل الكتاب؛ ولذلك يُ ِّ‬
‫يدخل يف ُّ‬
‫تكثريا هلا‪.28‬‬
‫بني األدلة ً‬
‫‪ -10‬تعريف اإلمجاع عند الزيدية‪:‬‬

‫خيتلف الزيدية عن اإلمامية يف تعريف اإلمجاع؛ إذ يرون أن اتِّفاق اجملتهدين على أحد وجهني‪:‬‬

‫الوجه األول‪ :‬اتفاق اجملتهدين من أُمة حممد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يف عص ٍر على أم ٍر‪،‬‬

‫وهذا شامل للعِرتة وغريهم‪ ،‬ويكاد يتَّفق مع رأي الغالب من أهل املذاهب ُّ‬
‫السنيَّة‪.‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬اتِّفاق اجملتهدين من ِع رتة الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بعده يف عصر على ْأم ٍر‪ ،‬واملراد‬
‫بع رتة الرس ول‪ :‬علي وفاطم ة‪ ،‬واحلس نان يف عص رهم‪ ،‬ومن ك ان منتس بًا إىل احلس نني يف ك ِّل عص ٍر من قِبَ ل‬
‫ِ‬
‫ناقض ا لإلمجاع‪ ،‬وحتدي دهم من‬ ‫اآلب اء‪ ،‬فل و ق ام إمجاع الع رتة على أم ٍر‪ ،‬وخ الَفهم غ ريهم‪ ،‬فال يُعت رب خالفهم ً‬

‫املحلَّى‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪ ،)54‬واإلحكام‪ ،‬ج (‪ ،)4‬ص (‪.)149‬‬ ‫‪27‬‬

‫ُ‬
‫الرياض الناضرة يف أحكام الفرتة الطاهرة‪ ،‬ص (‪ )35‬وما بعدها‪ ،‬وفرائد األصول؛ للمرتضى الشيعي اإلمامي‪ ،‬ص (‪.)35‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫(قِبَل اآلباء) خيرج به َمن كان من قِبَ ل اإلناث؛ كأوالد سكينة بنت احلسني بن علي‪ ،‬فإهنا َّ‬
‫تزوجت مبصعب‬
‫بن الزبري‪ ،‬فمن كان من جهتها‪ ،‬فال يدخل‪.29‬‬

‫‪ -11‬اإلمجاع عند املذهب املعتزيل‪:‬‬

‫واحدا‪.30‬‬
‫قامت ُحجته‪ ،‬وإن كان قوالً ً‬ ‫عرف النظَّام (‪221‬هـ) اإلمجاع بأنه‪ :‬عبارة عن ِّ ٍ‬
‫كل قول َ‬ ‫يُ ِّ‬

‫برد اإلمجاع النظَّام‪ ،‬مث تابَعه طوائف من الروافض‪،‬‬ ‫احلرمني اجلويين (‪478‬هـ)‪َّ :‬‬
‫"إن َّأول َمن باح ِّ‬ ‫ويقول إمام َ‬
‫احلجة عنده يف قول اإلمام القائم صاحب‬
‫وقد يُطلق بعضهم كون اإلمجاع ُح َّجة‪ ،‬وهو ُملبس يف ذلك؛ فإن َّ‬
‫تقر اإلمجاع‪ ،‬ك ان قول ه من مجل ة اآلراء‪ ،‬فه و احلج ة وب ه‬
‫الزم ان‪ ،‬وه و ُمنغمس يف غم ار الن اس‪ ،‬ف إن اس َّ‬
‫التمسك"‪.31‬‬
‫ُّ‬

‫حجةً‪ ،‬وبنْي‬ ‫أن النظَّام قد َ‬


‫قص د من تعريفه أن جَي مع بني إنكاره كو َن إمجاع أهل احلل والع ْق د َّ‬ ‫وبنَّي اآلمدي َّ‬
‫موافقت ه لِم ا اش تَهر بني العلم اء من حترمي خمالف ة اإلمجاع‪ ،‬ف انتهى إىل إطالق لف ظ اإلمجاع على م ا خُي الف‬
‫الوضع اللغوي والعُرف األصويل‪.32‬‬
‫َ‬
‫ظ‬
‫أش رنا ‪ -‬لف ٌ‬ ‫أن النظَّام خ الَف املع ىن اللغ وي؛ َّ‬
‫ألن اإلمجاع ‪ -‬كم ا س بَق أن َ‬ ‫وإن كنَّا ال نواف ق اآلم دي يف َّ‬
‫يتصور من ٍ‬
‫واحد‪ ،‬على عكس االتِّفاق الذي يكون من اثنني فقط‪ ،‬ويعين‬ ‫العزم واالتِّفاق‪ ،‬والعزم َّ‬ ‫مشرتك بني ْ‬
‫أن املدلول االصطالحي‬‫أن اآلمدي حُي دِّد املعىن اللغوي لإلمجاع باالتِّفاق‪ ،‬وإن كنا نُشارك اآلمدي يف َّ‬
‫ذلك َّ‬
‫لإلمجاع يقوم على االتفاق ال االنفراد‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ 0:‬شروط اإلجماع‪:‬‬

‫‪ -12‬التعريف املختار‪:‬‬

‫احلسني بن قاسم؛ هداية العقول إىل غاية السول‪ ،‬ج (‪ )1‬ص (‪.)490‬‬ ‫‪29‬‬

‫املستصفى؛ للغزايل‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)173‬‬ ‫‪30‬‬

‫الربهان يف أصول الفقه‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)676‬‬ ‫‪31‬‬

‫اإلحكام‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪ ،)281‬ويف نفس املعىن روضة الناظر؛ البن قدامة‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)335‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫الس نيَّة‪ ،‬والذي ميكن أن جُي َم ل‬
‫أُوىل هذه التعاريف باالعتبار ‪ -‬حىت اآلن ‪ -‬هو تعريف مجهور أهل املذاهب ُّ‬
‫بأن ه‪ :‬اتِّف اق مجي ع اجملته دين من أُم ة حمم د ‪ -‬ص لى اهلل علي ه وس لم ‪ -‬يف عص ٍر من العص ور بع د وفات ه على‬
‫ُحك ٍم شرعي عملي‪.33‬‬

‫ويب دو لن ا أن ه ذا التعري ف حُي دِّد لن ا العناص َر والش روط ال يت جيب أن تت وافَر يف اإلمجاع‪ ،‬وال يت س نتناوهلا يف‬
‫املبحث الثاين‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ 0:‬شروط اإلجماع‪:‬‬

‫‪ -13‬مُي كن أن جُن مل شرو َط اإلمجاع يف اآليت‪:‬‬

‫‪ -1‬أهل اإلمجاع‪.‬‬

‫‪ -2‬انقراض العصر‪.‬‬

‫‪ -3‬مستند اإلمجاع‪.‬‬

‫السنة‪.‬‬ ‫‪ -4‬عدم خمالفة اإلمجاع ٍ‬


‫لبعض من الكتاب أو ُّ‬

‫‪ -5‬أن يكون اإلمجاع على ُحك ٍم شرعي عملي‪.‬‬

‫ٍ‬
‫خالف داخ ل املذهب‬ ‫حمل‬
‫إمجاع بني األص وليني؛ ب ل هي ُّ‬
‫حمل ٍ‬ ‫ت َّ‬
‫وج دير بالتنوي ه أن ه ذه الش رو َط ليس ْ‬
‫الواحد‪.‬‬

‫شر ٍط يف مطلب ُمستقل‪.‬‬


‫كل ْ‬
‫ونتناول َّ‬

‫المطلب األول‪ :‬أهل اإلجماع‪:‬‬

‫‪ 33‬الشيخ حممد أبو زهرة؛ أصول الفقه‪ ،‬ص (‪ ،)189‬والدكتور زكريا الربي؛ أصول الفقه‪ ،‬ص (‪ ،)53‬والشيخ علي عبدالرازق؛‬
‫اإلمجاع يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص (‪.)7‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫‪ -14‬يُطل ق بعض األص وليني على أه ل اإلمجاع‪ :‬اجملته دين‪ ،‬وأه ل احلل والعق د‪ ،‬وهم ال ذين ملَك وا أدوات‬
‫وتيس ر عليه َد ْر ُك األحكام‪ ،‬فال ثقة بنظره‬
‫افرتض أنه بلَ غ ُرتبة االجتهاد‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫االجتهاد من البالغني‪ ،‬فالصيب إن‬
‫وطلبه‪ ،‬فالبالغ هو الذي يُعتمد قوله‪.34‬‬

‫ست‪ :‬االستقالل باللغة العربية‪ ،‬ومعرفة بآيات األحكام وأحاديث األحكام‪،‬‬


‫وينبغي أن يتوافر فيه صفات ٌّ‬
‫التدرب يف مآخذ الظنون‬
‫واإلحاطة بطُرق القياس ومراتب األدلة‪ ،‬وفقه النفس ‪ -‬وهو كما يقول اجلويين‪ُّ :‬‬
‫يف جمال األحكام‪ ،35‬وإن كنا نُضيف إىل ذلك أن فقه النفس يتطلَّب َف ْهم الواقع وإنزال األدلة عليه‪ ،‬مبا حُي قق‬
‫العدل ومصلحة املسلمني يف استخالص األحكام الشرعيَّة‪.‬‬
‫َ‬

‫املتصرفني يف‬
‫ِّ‬ ‫فإن العوام ومن شدا طرفً ا قريب ا من العلم‪ ،‬مَل ي ِ‬
‫ص ر بسبب ما حتلَّى به من‬ ‫وعلى هذا األساس‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫الشريعة ‪ -‬ليسوا من أهل اإلمجاع؛ فال يُعترب خالفهم‪ ،‬وال يؤثِّر ِوفاقهم‪.‬‬

‫ختصصاهتم‪ ،‬مما‬
‫عول عليهم يف ُّ‬
‫وكبار العلماء يف الطب والصيدلة واهلندسة‪ ،‬والرياضة والفنون األخرى ‪ -‬قد يُ َّ‬
‫ق د يرتب ط بالتش ريع اإلس المي؛ َبْي َد أهَّن م ال يُ َع دُّون من أرب اب النظ ر واالس تدالل يف جمم وع التش ريع‬
‫اإلسالمي‪.36‬‬

‫‪ -15‬اجملتهد الفاسق‪:‬‬

‫والفس قة وإن كانوا ب الِغني يف العلم مبل َغ‬


‫الورع ُمعت رب يف أه ل اإلمجاع‪َ ،‬‬
‫أن َ‬‫ذهب معظم األصوليني إىل َّ‬ ‫وقد َ‬
‫اجملتهدين؛ بيد أنه ال يُعتد خبالفهم و ِوفاقهم؛ فإهنم ِبف ْسقهم خارجون عن الفتوى‪ ،‬والفاسق غري ُمصدَّق فيما‬

‫‪ 34‬أبو املعايل اجلويين؛ الربهان يف أصول الفقه‪ ،‬ج (‪ ،)2‬ص (‪ ،)1330‬وكشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي‪ ،‬ج (‬
‫‪ ،)3‬ص (‪.)237‬‬
‫‪ 35‬إمام احلرمني؛ غياث األُمم‪ ،‬ص (‪ ،)290‬والربهان‪ ،‬ج (‪ ،)2‬ص (‪.)1332 - 1330‬‬
‫‪ 36‬أصول الرضي‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪ ،)312‬وروضة الن اظر؛ البن قدامة‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪ ،)351 - 350‬والربهان؛ للجويين‪ ،‬ج (‬
‫‪ ،)1‬ص (‪ ،)687 - 684‬والش يخ حمم د مص طفى املراغي؛ حبوث يف التش ريع اإلس المي‪ ،‬ص (‪( ،)2‬إب داء ال رأي من الوجه ة‬
‫يدع هلم الكلمة فيه)‪.‬‬
‫أمر خَي تص بعلماء الشريعة‪ ،‬ومن الواجب على غريهم أن َ‬
‫الفقهيَّة‪ٌ ،‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫يق ول؛ وافَ ق‪ ،‬أو خالَف‪ ،37‬وإن كان الغزايل يرى َّ‬
‫أن خالف اجملته د الفاس ق ُمعترب‪ ،38‬ويرى اإلمام اجلويين‬
‫رس خ يف العل وم املعت ربة‪ ،‬فاجته اده‬ ‫وأحزاب ه َّ‬
‫"أن ال َورع ليس ش رطًا يف حص ول منص ب االجته اد‪ ،‬ف إن من َ‬
‫ولكن الغري ال يَثق بقوله؛ لفسقه"‪.39‬‬
‫خيصه من األحكام موجب النظر‪َّ ،‬‬
‫يقتضي فيما ُّ‬
‫َ‬ ‫يَلزمه يف نفسه أن‬

‫‪ -16‬اجملتهد الكافر‪:‬‬

‫والك افر ‪ -‬كم ا يق ول اإلم ام اجلوي ين ‪" :-‬وإ ْن ح وى من عل وم الش ريعة أرك ان االجته اد‪ ،‬فال ُمعت رب بقول ه‬
‫أصالً؛ وافَق‪ ،‬أو خالَف‪ ،‬فإنه ليس من أهل اإلسالم‪ ،‬واحلجة يف إمجاع املسلمني"‪.40‬‬

‫‪ -17‬اجملتهد املبتدع‪:‬‬

‫إن الضابط يف اجملتهد املبتدع هو التكفري من عدمه‪ ،‬فإن كفَّرناه‪ ،‬مَل نَعترب خالفه و ِوفاقه‪ ،‬وإن مَل نُكفره‪ ،‬فهو‬
‫ُ‬
‫تجمع ش رائط اجملته دين‪ ،‬وق د قَبِ ل الش افعي ش هادة أه ل األه واء‪ ،‬ومَل يُ نزهلم منزل ة‬
‫من املُعت ربين إذا اس َ‬
‫ال َف َسقة‪.41‬‬

‫ومتعص بًا إليه ‪ -‬ال يُعتد خبالفه يف ثبوت اإلمجاع؛ كخالف‬


‫ِّ‬ ‫واهلوى إن كان صاحبه داعيً ا إليه‪ ،‬ومغاليً ا فيه‪،‬‬
‫ال روافض يف إمام ة الش يخني‪ ،‬وخالف اخلوارج يف إمام ة علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬وك ذلك م ا نُِق ل عن‬
‫تعص بهم يف‬
‫ال روافض من اهلذيانات يف ح ِّق الص حابة‪ ،‬واحلكاي ات ال يت ا ْفرَت وه ا عليهم‪ ،‬ومحَلهم على ذل ك ُّ‬
‫هواهم‪.42‬‬

‫"أما ِ‬
‫الف ْس ق‪ ،‬فيُ ورث‬ ‫‪ 37‬أص ول الرض ي‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪ ،)311‬وأص ول فخ ر اإلس الم ال بزدوي‪ ،‬ج (‪ ،)3‬ص (‪ )237‬يق ول‪َّ :‬‬
‫التُّهمة‪ ،‬ويُسقط العدالة‪ ،‬وبأهليَّة أداء الشهادة وصفة األمر باملعروف‪ ،‬يَثبت ُحكم اإلمجاع"‪.‬‬
‫‪ 38‬املستصفى‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)183‬‬
‫‪ 39‬اجلويين؛ الربهان‪ ،‬ج (‪ ،)2‬ص (‪ ،)1333‬وغياث األُمم‪ ،‬ص (‪.)291‬‬
‫‪ 40‬اجلويين؛ الربهان‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪ ،)689‬ويف نفس املعىن كشف األسرار‪ ،‬ج (‪ ،)3‬ص (‪.)237‬‬
‫‪ 41‬أبو املعايل اجلويين؛ الربهان‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪ ،)690‬والشوكاين؛ إرشاد الفحول‪ ،‬ص (‪.)80‬‬
‫‪ 42‬كشف األسرار؛ لعبدالعزيز البخاري‪ ،‬ج (‪ ،)3‬ص (‪ ،)238‬وروضة الناظر‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪.)353‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫الث يف اجملته د املبت دع ال ذي مَل يُكفَّر ببدعت ه‪ ،‬وه و َّ‬
‫أن اإلمجاع ال ينعق د يف حقِّه إذا خ الَف‪،‬‬ ‫وهن اك رأي ث ٌ‬
‫حق غريه؛ أي‪ :‬إنه جيوز له خمالفة إمجاع َمن عداه‪ ،‬وال جيوز ذلك لغريه‪ ،‬فال يكون االتِّفاق مع‬
‫ويَنعقد يف ِّ‬
‫حجةً على َمن سواه‪.43‬‬
‫حجةً عليه‪ ،‬ويكون َّ‬
‫خمالفته َّ‬

‫وأما الزيديَّة‪ ،‬فعندهم رأيان‪:‬‬


‫َّ‬

‫أئمتهم‪.‬‬
‫معا‪ ،‬وذ َكروا أنه مروي عن مجهور َّ‬
‫أحدمها‪ :‬عدم اعتبار كافر التأويل وفاسقه ً‬
‫أئمتهم‪.44‬‬
‫أيضا عن بعض َّ‬
‫والثاين‪ :‬االعتبار هبما‪ ،‬فال يَنعقد من دوهنما إمجاعٌ‪ ،‬وهو مروي ً‬

‫عول عليه يف‬


‫احلق الواضح‪ ،‬ال يُ َّ‬
‫ويبدو لنا أن َمن يَشتهر عنه اهلوى واالبتداع‪ ،‬حبيث حَي مالنه على اخلروج عن ِّ‬
‫ال ِوفاق أو اخلالف‪.‬‬

‫كخالف‬‫عتد خبالفه يف ثبوت اإلمجاع؛ ِ‬


‫تعص بًا إليه ‪ -‬ال يُ ُّ‬
‫وم ِّ‬
‫ومغاليً ا فيه‪ُ ،‬‬
‫واهلوى إذا كان صاحبه داعيً ا إليه‪ُ ،‬‬
‫يخني‪ ،‬وخالف اخلوارج يف إمام ة علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬وك ذلك م ا نُق ل عن‬ ‫ال َّروافِض يف إمام ة َّ‬
‫الش َ‬
‫تعص بهم يف‬
‫افرتوه ا عليهم؛ ومحَلهم على ذل ك ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّروافض ِمن اهل َذيانات يف ح ِّق َّ‬
‫الص حابة واحلكاي ات ال يت َ‬
‫هواهم‪.45‬‬

‫بتدع الذي مل يك ُف ر ببدعتِ ه‪ ،‬وهو أن اإلمجاع ال ي ِ‬


‫نعق د يف حقِّه إذا خالَف‪،‬‬ ‫وهناك رأي ثالث يف املجت ِه د امل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫حق غريه؛ أي‪ :‬إنَّه جيوز له خُم الَفة إمجاع َمن عداه‪ ،‬وال جَي وز ذلك لغريه‪ ،‬فال يَكون االتِّفاق مع‬
‫نعق د يف ِّ‬‫وي ِ‬
‫َ‬
‫خُم الَفتِه ُح َّجةً عليه‪ ،‬ويَكون ُح َّجةً على َمن سواه‪.46‬‬

‫الزيديَّة فعِندهم رأيان‪:‬‬


‫وأما َّ‬
‫َّ‬

‫أئمتهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أحدمها‪ِ َ :‬‬


‫وي عن مجهور ّ‬
‫معا‪ ،‬وذ َكُروا أنَّه ْمر ٌّ‬
‫عدم اعتبار كافر التَّأويل وفاسقه ً‬
‫اآلمدي؛ اإلحكام‪ ،‬ج (‪ ،)1‬ص (‪ ،)326‬وإرشاد الفحول‪ ،‬ص (‪.)80‬‬ ‫‪43‬‬

‫شرح هداية العقول ج (‪ ،)1‬ص (‪.)563‬‬ ‫‪44‬‬

‫"كشف األسرار"؛ لعبدالعزيز البخارى (‪ ،)238 :3‬و"روضة الناظر" (‪.)353 :1‬‬ ‫‪45‬‬

‫اآلمدي‪" :‬األحكام" (‪ ،)326 :1‬و"إرشاد الفحول" (ص‪.)80 :‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫أئمتهم‪.47‬‬
‫أيضا عن بعض َّ‬ ‫والثاين‪ :‬االعتِبار هبما‪ ،‬فال ي ِ‬
‫نعقد ِمن ُدوهنما إمجاع‪ ،‬وهو َم ٌّ‬
‫روي ً‬ ‫َ‬
‫عول عليه‬ ‫احلق ِ‬
‫الواضح ‪ -‬ال يُ َّ‬ ‫أن َمن يُشتَهر عنه اهلوى واالبتِداع؛ حبيث حيمالنه على اخلُروج على ِّ‬
‫ويَبدو لنا َّ‬
‫يف الوفاق أو اخلِالف‪.‬‬

‫العصر‬ ‫المطلب الثاني ‪ِ :‬‬


‫انقراض‪ْ 0‬‬

‫عص ٍر ما‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫العصر‪ :‬انقراض املُجمعني يف ْ‬
‫قصد بانقراض ْ‬ ‫‪ -18‬يُ َ‬
‫انق راض العص ر ش ر ٌط لثب وت حكم اإلمجاع؛ ألنَّه قب ل ِ‬
‫انق راض‬ ‫أن ِ‬
‫افعي ‪ -‬يرمحه اهلل ‪ -‬إىل َّ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ ْ ُ‬ ‫ذهب اإلم ام الش ُّ‬
‫َ‬
‫ظهر له ِمن االنتهاء مبنزلة املوجود يف االبتِ داء‪ ،‬ولو‬
‫فإن ما َ‬‫رأي ِخالف رأي اجلَماعة‪َّ ،‬‬
‫لبعضهم ٌ‬
‫العصر إذا بدا ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫العص ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعرتض له ذلك‪ ،‬وال يقع هذا إال بانقراض ْ‬ ‫موجودا مل يَنعق ْد إمجاعهم بدون قوله‪ ،‬فكذلك إذا َ‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫على ذلك اإلمجاع‪.48‬‬

‫سوي بني الناس يف العطايا‪ ،‬وكانوا ال خُي الِفونه يف‬ ‫واحتجوا على قوهِل م َّ‬
‫بأن أبا بكْر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كان يُ ِّ‬ ‫ُّ‬
‫ظن به خُم الَفة اجلماعة‪ ،‬فلو كان اإلمجاع قد انع َق د‪،‬‬
‫ذلك‪ ،‬مثَّ فضَّل ُعمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف العطايا‪ ،‬وال يُ ُّ‬
‫العصر شرطًا لثُبوت ُحكم اإلمجاع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ملا جاز لعُمر خُم الَفته‪ ،‬فاقتَضى ذلك عدَّهم‪ /‬كو َن انقراض ْ‬

‫إن عليًّا خالَفهم بعد‬ ‫علي وعُمر وغريمها ِمن َّ‬


‫الص حابة على حترمي بَيع ِّأم الولد‪ ،‬مثَّ َّ‬ ‫أيض ا باتِّفاق ٍّ‬
‫ومثَّلوا لذلك ً‬
‫العصر مل يَنق ِر ْ‬
‫ض‪.‬‬ ‫ألن ْ‬‫ذلك ورأى َجواز بيعها‪ ،‬وما ذلك إال ألنَّه اعترب اإلمجاع غري قائم؛ َّ‬

‫شرتط الستِقرار اإلمجاع أربعة ُشروط‪:‬‬


‫دي‪ :‬إنه يُ َ‬
‫املاور ُّ‬
‫ويقول ْ‬

‫"شرح هداية العقول (‪.)563 :1‬‬ ‫‪47‬‬

‫أبو املعايل اجلويين‪" :‬الربهان" (‪.)692 :1‬‬ ‫‪48‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫"العِلم باتِّفاقهم عليه‪ ،‬سواء اقرتن قوهلم بعمل أو مل يَق ِرت ْن‪ ،‬واستدامة ما اتَّفقوا عليه ِمن اإلمجاع بأالَّ حُي ِدث‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األول َمن‬
‫بالعص ر َّ‬
‫لح ق ْ‬ ‫ؤمن ح دوث خالف بينهم‪ ،‬وأال يَ َ‬ ‫أح دهم خالفً ا‪ ،‬وأن يَنق ِرض ْ‬
‫عص ُرهم حىَّت يُ َ‬
‫ِ‬
‫يُنا ِزعهم من ْأهل ْ‬
‫العصر الثاين"‪.49‬‬

‫األمة ول و يف حلْظَ ٍة‪ ،‬انع َق د‬


‫َّفقت َّ‬ ‫‪ -19‬وذهب فري ق آخ ر إىل َّ ِ‬
‫العص ر ليس ش ْرطًا‪ ،‬ب ل إذا ات ْ‬
‫أن انق راض ْ‬ ‫َ‬
‫العص ر‬ ‫ِ‬ ‫‪50‬‬ ‫اإلمجاع‪ ،‬وتق َّر ِ‬
‫"وأما عن دنا‪ ،‬انق راض ْ‬ ‫ووجب اتِّب اعهم ‪ ،‬يق ول السرخس ُّي‪َّ :‬‬ ‫رت عص متُهم من اخلط أ َ‬ ‫ْ‬
‫الض اللة‪ ،‬ضاهى ما أمجعوا‬ ‫األمة ِمن االجتماع على َّ‬ ‫صمة مجيع َّ‬ ‫ِ‬ ‫بشرط؛ َّ‬
‫ألن اإلمجاع ملَّا انع َق د لثُبوت ع َ‬ ‫ليس ْ‬
‫بالنص ال‬
‫ِّ‬ ‫أن الثَّابِت‬
‫وجب للعلم قطْ ًع ا‪ ،‬وكما َّ‬‫عليه املسموع من الرسول ‪ -‬صلَّى اهلل عليه وس لَّم ‪ -‬وذلك م ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أبدا؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العص ر‪ ،‬مل يَثبُت اإلمجاع ً‬ ‫شرطْنا انق راض ْ‬ ‫خيتص بوقْت دون وقْت‪ ،‬فكذلك الثابت باإلمجاع‪ ،‬ولو َ‬ ‫ُّ‬
‫بق أح ٌد ِمن‬ ‫مِح‬
‫رأي بعد أن مل يَ َ‬‫توهم أن يَبدو له ٌ‬ ‫الفت وى‪ ،‬فيَ َّ‬
‫الص حابة كان يُزا هم يف ْ‬ ‫بعض التابِعني يف ْ‬
‫عص ر َّ‬
‫سد باب ُحكم اإلمجاع"‪.51‬‬ ‫فيؤدي إىل ِّ‬
‫الصحابة‪ ،‬وهكذا يف القرن الثاين والثالث‪ِّ ،‬‬ ‫َّ‬

‫العط اء ك ان خُم تل ًف ا يف‬ ‫ردون على االس تِدالل َّ‬


‫الس ابق ب ال َقول‪ :‬إن ح ديث التَّس وية يف َ‬ ‫وأنص ار ه ذا ال َّرأي يَ ُّ‬
‫جتعل َمن ال سابِقةَ له يف اإلسالم‬
‫االبتداء على ما ُروي عن عُمر ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬أنَّه قال أليب بكر‪ :‬ال ْ‬
‫كمن له سابِقة‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬هم إمَّن ا َعملوا هلل‪ ،‬فأجرهم على اهلل‪.‬‬
‫َ‬
‫الفصل كان خُم تل ًفا يف االبتداء‪.‬‬
‫فتَبنَّي أن هذا ْ‬

‫قه َّن‬ ‫ِ‬ ‫رأيت أ ْن أُرقَّ َّ‬ ‫فاملروي َّ‬


‫هن‪ ،‬يعين‪ :‬أال أَعت ُ‬ ‫أن عليًّا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬مثَّ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وحديث َّأمهات األوالد‪،‬‬
‫ظاهر بعض اآلثار املرويَّة عن رسول‬ ‫دل عليه ِ‬‫الوصي هو املعتِق هلا‪ ،‬كما َّ‬ ‫مبوت املوىل‪ ،‬حىَّت يَكون الوارث أو‬
‫ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الر ِّق جواز البيع ال حَم الة ‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫ضرورة ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وليس املراد َجواز بَيعه َّن؛ إذ ليس من َ‬

‫‪ 49‬املاوردي‪" :‬أدب القاضي" (‪.)476 - 470 :1‬‬


‫الص حيح‬
‫والزيديَّة‪ ،‬وهو َّ‬ ‫ِ‬
‫واألشاعرة‪ ،‬واملعتزلة‪ ،‬واملالكيَّة‪َّ ،‬‬ ‫عي‪ ،‬وأكثر أصحاب أيب حنيفة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫على هذا الرأي أكثر أصحاب الشاف ِّ‬
‫‪50‬‬

‫لآلمدي‪ ،)366 :1( :‬و"املنار" (‪ ،)107 :2‬و"الذخرية" (‪ ،)109 :1‬و"هداية العقول" (‪.)567 :1‬‬ ‫عند اإلباضيَّة؛ "األحكام" ِ‬
‫‪" 51‬أصول السرخسي" (‪.)317 :1‬‬
‫‪ 52‬نفس املصدر والصفحة للسرخسي‪ ،‬و"كشف األسرار" (‪.)243 :3‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫اإلس فراييين وطائف ة ِمن األص وليِّني‪ :‬إن ك ان اإلمجاع قوليًّا مل يُش َرتط في ه‬
‫‪ -20‬وق ال األس تاذ أب و إس حاق ْ‬
‫بس كوت مجاهري العُلماء على قول واحد منهم ِمن غري إبداء نَكري عليه‪ ،‬فهذا‬ ‫ِ‬
‫االنق راض‪ ،‬وإ ْن كان ُحصوله ُ‬
‫العصر خاليًا عن إظهار اإلنكار‪.53‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قراض ْ‬‫شرتط يف انعقاده‪ ،‬ووجوب احلُكم به ان ُ‬ ‫النَّوع يُ َ‬
‫الظن‪ ،‬وإىل ُحكم ُمطلَ ق‬
‫وع ب ه وإن ك ان يف مظنَّة ِّ‬ ‫قس م اإلمجاع إىل َمقط ٍ‬ ‫واملرض ُّي عن د اإلم ام اجلَُوي ين أنَّه يُ ِّ‬
‫بزع ِمهم‪.‬‬‫الظن ْ‬
‫جمعون إىل ِّ‬ ‫أسنده امل ِ‬
‫ُ‬
‫االعتياد‪ ،‬فتَقوم احلُ َّجة به على ال َف ور ِمن َغ ري انتِظا ٍر واستِئخار؛ ألنه‬ ‫ِ‬
‫"فأما ما قطَعوا به على ِخالف ُم وجب ْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طرد العادة‪ ،‬والعادة‬ ‫قدير ِخالف ذلك خُم ال ٌ‬
‫ف ُم وجب ْ‬ ‫أصل َمقطوع به عندهم‪ ،‬وتَ ُ‬ ‫حَم مول على رجوعهم إىل ْ‬
‫يتم اإلمجاع وال‬ ‫ال تَنخ ِرق ال يف حلْظَ ة وال يف آم ٍاد ُمتَطا ِول ة‪ ،‬وإن اتَّفق وا على ُحك ٍم وأس نَدوه إىل ِّ‬
‫الظن‪ ،‬فال ُّ‬
‫يَنرَبِ م مع إسنادهم ما أفتوا به إىل أساليب الظُّنون ما مل يَتطاول َّ‬
‫الزمن‪.‬‬

‫وبيخ املخ الِفني‬


‫ويتَّج ه إذ ذاك ت ُ‬ ‫إن امتِ داد األي ام يُ بني إحلاقهم باملص ِّرين‪ ،‬ويَ رفعُهم عن ُرتب ة امل ِّ‬
‫رتددين‪َ ،‬‬ ‫ف َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وج ًها ُمعتَ ًربا‪ ،‬ملا أغ َفله العُلماء املفتون‪ ،‬ويُشرتط أ ْن يَغلِب عليهم يف َّ‬
‫الزمن‬ ‫ْ‬ ‫ذكرمُت وه لو كان‬
‫ْ‬ ‫وخماطبتهم َّ‬
‫بأن ما‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الطَّويل ذ ْكُر تلك الواقعة وتَرداد اخلوض فيها‪ ،‬فلو وقَعت الواقعة فسبَقوا إىل ُحكم فيها مثَّ َ‬
‫تناس وها‪ ،‬فال أثَر‬
‫للزمان واحلالةُ هذه"‪.54‬‬
‫َّ‬

‫ضاد‬
‫الرأي امل ِّ‬
‫جمعني وبني َّ‬ ‫‪ -21‬وتبدو مثَرة اخلالف بني الرأي الذي تَطلَّب ِ‬
‫انق راض العص ر النعقاد إمجاع امل ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أمرين‪:‬‬
‫له يف َ‬
‫وعدم ُرجوعه بعد ذلك‪.‬‬
‫جمعني عن رأيه َ‬ ‫َّأوهلما‪ :‬جواز رجوع أحد امل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫جمعني يف احلادثة مع وجود أ ٍ‬
‫َحد ِمن أهل ذلك اإلمجاع على قَيد احلَياة‬ ‫ثانيهما‪ :‬يف جواز اجتهاد من بعد امل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عدمه‪.55‬‬
‫أو َ‬

‫"الربهان" (‪ ،)693 :1‬واآلمدي‪" :‬األحكام" (‪ ،)366 :1‬وقد اختار هذا الرأي‪ ،‬و"إرشاد الفحول" (ص‪.)79 :‬‬ ‫‪53‬‬

‫"الربهان يف أصول الفقه" (‪.)696 - 694 :1‬‬ ‫‪54‬‬

‫"كشف األسرار" (‪.)245 ،244 :3‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫المطلب الثالث ‪ُ :‬مستَند اإلجماع‬

‫أن اإلمجاع ال ب َّد ل ه ِمن ُمس تَند؛ َّ‬


‫ألن أه ل اإلمجاع ليس ل ديهم االس تقالل‬ ‫‪ -22‬مجه ور أه ل املذاهب على َّ‬
‫أي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وجب أن يَك ون عن ُمس تند‪ ،‬وألنَّه ل و انع َق د من غ ري ُمس تَند القتض ى إثب ات ن وع؛ ْ‬
‫بإثب ات األحك ام؛ ف َ‬
‫باطل‪.56‬‬‫إحداث دليل بعد النيب ‪ -‬صلَّى اهلل عليه وسلَّم ‪ -‬وهو ِ‬

‫‪ -23‬ويُطلِق األحناف على ُمستَند اإلمجاع ل ْف ظ سبَب اإلمجاع ‪ ،‬يقول َّ‬


‫السرخسي‪َّ :‬‬ ‫‪57‬‬
‫"إن سبب اإلمجاع قد‬
‫والسنَّة‪.‬‬ ‫يكون توقي ًفا ِمن ِ‬
‫الكتاب ُّ‬ ‫َ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم أ َُّم َه اتُ ُك ْم‬
‫{ح ِّر َم ْ‬
‫األمه ات والبن ات‪ ،‬س ببه قول ه تع اىل‪ُ :‬‬
‫َّأما الكت اب‪ ،‬فنح و اإلمجاع على ُحرم ة َّ‬
‫َو َبنَاتُ ُك ْم} [النساء‪.]23 :‬‬

‫نصف الدِّيَ ة‪ ،‬واإلمجاع على أنَّه ال‬


‫اليدين الدِّيَة‪ ،‬ويف إحدامها ْ‬ ‫السنَّة‪ ،‬فنحو اإلمجاع على َّ‬
‫أن يف َ‬ ‫وأما ِمن ُ‬
‫حيث ُّ‬ ‫َّ‬
‫القبض‪ ،‬وما أشبَه ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن سببه السنَّة املرويَّة يف الباب‪.‬‬ ‫شرتى قبل ْ‬
‫جيوز بيع الطعام املُ َ‬
‫الس نَّة‪ ،‬وذلك حنو إمجاعهم‬
‫ومن ذلك ما يكون ُمستَنبطًا باالجتهاد على ما هو املنصوص عليه من الكتاب أو ُّ‬ ‫ِ‬
‫فإن ُعمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حني أراد ذلك خالَفه بالل مع مجاعة‬ ‫على توظيف اخلَراج على أهل السواد‪َّ ،‬‬
‫ين َج ُاؤوا ِم ْن َب ْع ِد ِه ْم} [احلشر‪.]10 :‬‬ ‫من أصحابه‪ ،‬حىَّت تال عليهم قوله تعاىل‪ِ َّ :‬‬
‫{والذ َ‬‫َ‬
‫بق ملن بعدكم فيها نصيب‪ ،‬فأمجَعوا على‬‫قال‪ :‬أرى ملن بعدكم يف هذا ال َفيء نصيبًا‪ ،‬فلو قسمتها بينكم‪ ،‬مل ي‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫قوله‪ ،‬وسبب إمجاعهم هذا االستنباط‪.‬‬

‫وملا اختَلفوا يف اخلَليفة بعد رسول اهلل ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬قال عُمر‪ :‬إن رسول اهلل اختار أبا بكر ألمر دينكم‪،‬‬
‫فيَكون أرضى به ألمر ُدنياكم‪.‬‬

‫فأمجَعوا على ِخالفته‪ ،‬وسبب إمجاعهم هذا االستِنباط‪.‬‬

‫"الربهان يف أصول الفقه" (‪ ،)718 ،717 :1‬و"إرشاد الفحول" (ص‪.)79 :‬‬ ‫‪56‬‬

‫"أصول السرخسي" (‪" ،)301 :1‬كشف األسرار" (‪.)263 :3‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫اخلم ر‪،‬‬
‫احلد على ش ارب ْ‬
‫الع نني‪ ،‬وإمجاعهم على ِّ‬
‫(م دَّة) َ‬ ‫ومنه ا م ا يك ون عن رأ ٍي‪ ،‬حنو إمجاعهم على َ‬
‫أج ِل ُ‬
‫علي‪" :‬إنه إذا َش ِرب ه َذى‪ ،‬وإذا ه َذى‬
‫شاورهم يف ذلك قال ٌّ‬
‫أن عُمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ملا َ‬ ‫على ما ُروي َّ‬
‫ُقيم عليه حدًّا فيَموت‪،‬‬ ‫وحد املفرتي يف كتاب اهلل مثانون جلدةً"‪ ،‬وكان علي‪" :‬يقول ما ِمن ٍ‬ ‫افرتى‪ُّ ،‬‬
‫أح د أ ُ‬
‫َ‬ ‫ٌّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪58‬‬
‫فأجد يف ن ْفسي شيئًا إال َّ‬
‫حد اخلمر؛ فإنه ثبَت بآرائنا" ‪.‬‬

‫كن‬ ‫أص ِل ِّ‬


‫احلد مل يَ ْ‬ ‫وق د أُخ ذ على األحن اف ه ذه املقال ة‪( :‬إثب ات احلد ب الرأي)‪ ،‬ولكنَّهم ق الوا‪ :‬إن إثب ات ْ‬
‫أن رسول اهلل ‪ -‬ص لَّى اهلل عليه وس لَّم ‪ -‬أم ر بالض ِ‬
‫َّرب باجلَريد والنِّعال يف‬ ‫بالرأي؛ بل بالس نَّة‪ ،‬وهو ما ثبَت َّ‬‫َّ‬
‫َ‬
‫ضرب فيه رسول اهلل ‪ -‬ص لَّى اهلل عليه وس لَّم ‪ -‬وهو َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عرفوا مقدار ما َ‬ ‫بالتفحص َ‬
‫ُّ‬ ‫اخلم ر‪ ،‬إال أهنم‬
‫ُش رب ْ‬
‫كل ِ‬
‫واح د بنعلَيه‪ ،‬فنَقلوا‬ ‫وضرب ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫نفرا‪َ ،‬‬
‫الذين كانوا عند رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يومئذ أربعون ً‬
‫اخلم ر مَث انون‬
‫حد ْ‬‫أن َّ‬‫النص‪ ،‬فأمجَعوا َّ‬ ‫الرأي ِمن النِّع ال إىل اجلل دات؛ استِدالالً ِّ‬
‫حبد الق ْذف‪ ،‬وأثبَت وا املقدار ب ِّ‬ ‫ب َّ‬
‫َجلدة‪.59‬‬

‫الواح د وال عن‬‫‪ -24‬كان ابن جري ر ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يق ول‪ :‬اإلمجاع املوجب للعِل ِم قَطع ا ال يص ُدر عن خ رب ِ‬
‫ً َ‬
‫وجبً ا ل ذلك؟ َّ‬
‫وألن‬ ‫وجب العلم قطع ا‪ ،‬فم ا يص ُدر عن ه كي ف يك ون م ِ‬ ‫الواح د والقي اس ال ي ِ‬‫ألن خ رب ِ‬‫قي اس؛ َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫ُ‬
‫ردون‬ ‫فكيف يَص ُدر اإلمجاع عن ن ْفس اخلِالف؟ واألحن اف يَ ُّ‬ ‫َ‬ ‫النَّاس خَي تلِفون يف القياس هل هو ُح َّجة ْأم ال؟‬
‫شرعا باعتِبار َعينه ال باعتبار دليلِه‪ ،‬ويَقولون‪ :‬إن َمن جَي عل‬‫األمة ُح َّجة ً‬
‫على ابن َجرير بال َقول‪ :‬إن إمجاع هذه َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن‬ ‫لغوا؛ وإمَّن ا يَثبُت العلم ب ذلك ال دَّليل‪ ،‬فه و َ‬
‫اإلمجاع ص اد ًرا عن دليل ُم وجب للعلم‪ ،‬فإنَّه جَي عل اإلمجاع ً‬
‫نك ر َك ون اإلمجاع ُح َّجةً أص الً س واء‪ ،‬وخ رب الواح د والقي اس‪ ،‬وإن مل يكن موجبً ا للعلم بنفس ه‪ ،‬ف إذا تأيَّد‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫رض على رسول اهلل ‪ -‬صلَّى اهلل عليه وسلَّم ‪-‬‬ ‫بالع ِ‬ ‫ٍِ‬
‫باإلمجاع‪ ،‬فذلك يُضاهي ما لو تأيَّد بآية من كتاب اهلل أو َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫األول اتِّفاقهم على‬
‫الص در َّ‬
‫طع ا‪ ،‬وقد كان يف َّ‬ ‫والتَّقرير منه على ذلك‪ ،‬فيَصري ُموجبً ا للعلم من هذا الطَّريق قَ ً‬
‫استعمال القياس و َكونه ُح َّجةً‪.60‬‬

‫‪" 58‬أصول السرخسي" (‪.)301 :1‬‬


‫‪" 59‬كش ف األس رار" (‪ ،)263 :3‬ويُض يف إىل َّ‬
‫أن ه ذا ال رأي ل داود الظ اهري وأتباع ه والش يعة والقاش اين من املعتزل ة‪ ،‬و"إرش اد‬
‫الفحول" (ص‪.)79 :‬‬
‫‪" 60‬أصول السرخسي" (‪ ،)302 :1‬و"كشف األسرار" (‪.)264 :3‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫‪ -25‬وحكى عبداجلبَّار عن قوم أنَّه جيوز أن يكون اإلمجاع عن غري ُمستَند؛ وذلك بأ ْن يُوفِّقهم اهلل الختيار‬
‫الرأي َّقرر العلماء ضعفه‪ ،‬واعت ه ِ‬
‫اآلمدي ُشذو ًذا‪.61‬‬ ‫الصواب ِمن دون ُمستنَد‪ ،‬وهذا َّ‬
‫َّ‬
‫رَب‬ ‫ْ‬

‫صحة اإلمجاع وثبوت ُح ِّجيَّته ‪ -‬وإذا‬ ‫نعق د اإلمجاع إال عن ُمستنَد‪ ،‬قد اتَّفقوا على َّ‬ ‫‪ -26‬والقائلون بأنَّه ال ي ِ‬
‫َ‬
‫جم ع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪62‬‬
‫ك ان املُس تنَد دليالً ‪ -‬إال م ا ُروي عن بعض العلم اء من أنَّه إذا ك ان ال دليل ُمت واتًرا ُمفي ًدا للمع ىن املُ َ‬
‫عليه‪َّ ،‬‬
‫فإن احلُكم يكون ثابتًا به‪ ،‬وال حَي تاج إىل إثباته باإلمجاع‪.63‬‬

‫أش ْرنا اعتربوا اإلمجاع‬‫جعله ُمستنَ ًدا لإلمجاع‪ ،‬وكما سبق أ ْن َ‬


‫صحة ْ‬
‫أما املستَند الظيِّن ‪ ،‬فقد اختلَف العلماء يف َّ‬
‫ُ‬
‫‪65‬‬ ‫‪64‬‬
‫أيضا‪ :‬الشافعيَّة واملالكيَّة‬ ‫ِ‬
‫عاضدة اإلمجاع دليالً قطعيًّا‪ ،‬وإىل هذا ذهب ً‬
‫املستند على خرب الواحد والقياس مبُ َ‬
‫ُ‬
‫‪68‬‬ ‫‪67‬‬ ‫ِ ‪66‬‬
‫واحلنابلة والزيديَّة واإلباضيَّة ‪.‬‬

‫وفص ل بعض هم بني أن يك ون القي اس جليًّا فيَص لُح ُمس تنَ ًدا‪ ،‬أو خفيًّا فال يَص لُح‪ ،‬ونُق ل ه ذا عن بعض‬
‫َّ‬
‫الشافعيَّة‪.69‬‬

‫والسنَّة‬ ‫ص في ِ‬
‫الكتاب ُّ‬ ‫المطلب الرابع‪ : 0‬عدم ُمخالَفة اإلجماع لنَ ٍّ‬

‫"األحكام"؛ لآلمدي (‪ ،)35 :1‬و"إرشاد الفحول" (ص‪ ،)79 :‬و"كشف األسرار" (‪.)263 :3‬‬ ‫‪61‬‬

‫"شرح النسفي على املنار" (‪.)110 :2‬‬ ‫‪62‬‬

‫"إرشاد الفحول" (ص‪ ،)72 :‬والشيخ حممد أبو زهرة‪" :‬أصول الفقه" (ص‪.)192 :‬‬ ‫‪63‬‬

‫"شرح اإلسنوي" (‪.)923 :3‬‬ ‫‪64‬‬

‫"الذخرية" (‪.)110 :1‬‬ ‫‪65‬‬

‫"روضة الناظر" (‪.)385 :1‬‬ ‫‪66‬‬

‫"هداية العقول" (‪.)574 :1‬‬ ‫‪67‬‬

‫"طلعة الشمس" (‪.)84 :2‬‬ ‫‪68‬‬

‫"إرشاد الفحول" (ص‪.)75 :‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫‪ -27‬حُي اول بعض أعداء اإلسالم التدليس على أتْباعه‪ ،‬فيَقولون‪ :‬إن اإلسالم يَص لُح للتطور‪ ،‬ويف مصادره ‪-‬‬
‫وخاصةً اإلمجاع ‪ -‬حتقيق ذلك؛ باتِّفاق املجت ِه دين على حكم شرعي ولو كان خُم الًِف ا للنصوص ِمن ِ‬
‫الكتاب‬ ‫َّ‬
‫ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والسنَّة‪ ،‬ويدَّعون َّ‬
‫أن ذلك حتقَّق يف ص ْدر اإلسالم‪.70‬‬ ‫ُّ‬

‫والسنَّة‪ ،‬فعُلماء األصول خَي تلِفون‪:‬‬ ‫ص ِمن ِ‬


‫الكتاب ُّ‬ ‫اإلمجاع نَ ٌّ‬
‫َ‬ ‫‪ -28‬واحلَقيقة إذا عارض‬

‫نص يف الكت اب أو يف الس نَّة‪ِ ،‬‬


‫ومن مث ال‬ ‫فمنهم َمن يَق ول‪ :‬إن ِمن ش ْرط اإلمجاع أال يك ون على ِخالف ٍّ‬
‫ِ‬
‫والظاهريَّة‪.‬‬ ‫يَعتربون مثل هذا اإلمجاع ُمعتدًّا به ‪ -‬لو فُرض أنَّه وقَع ‪ -‬وهؤالء هم اإلباضيَّة‬

‫نص ِمن كتاب أو ُس نَّة خُي الف ما أمجعوا عليه؛‬


‫الشرط الثاين‪ :‬أال يَكون هناك ٌّ‬
‫الش مس‪ْ :‬‬
‫يقول ِ‬
‫صاحب ط ْلعة َّ‬
‫األمة على ضالل‪.71‬‬ ‫ضالل‪ ،‬وال جُت مع َّ‬
‫السنَّة َ‬ ‫فإن اإلمجاع على ِخالف نَ ِّ‬
‫ص الكتاب أو ُّ‬ ‫َّ‬

‫واض ح يف إفادة هذا املعىن‪ ،‬ويقول‪ :‬إن اإلمجاع ال خَي لو ِمن أحد ثالثة أوجه ال‬ ‫وكالم "ابن حزم ِ‬
‫الظاهري" ِ‬
‫ْ‬
‫بضرورة العقل‪:‬‬
‫رابع هلا َ‬

‫إما أ ْن جُي ِمع الناس على ما ال َّ‬


‫نص فيه‪ ،‬وهو باطل‪.‬‬

‫وردا قبل موت رسول اهلل‬ ‫وإما أن يكون إمجاع الناس على ِخالف ِّ ِ ِ‬
‫نسخ أو ختصيص له َ‬
‫النص الوارد من غري ْ‬
‫‪ -‬صلَّى اهلل عليه وسلَّم ‪ -‬فهذا ُكفر جُم َّرد‪.‬‬

‫ضرورية ال حَن يد عنها أص الً؛ فاتِّباع‬ ‫ِ‬


‫أو يكون إمجاع الناس على شيء منصوص‪ ،‬فهذا هو قَولنا‪ ،‬وهذه قسمة َ‬
‫النص مرتب ةً يف وجوب االتِّباع أ ْن جُي مع الناس‬
‫النص ْفرض‪ ،‬سواء أمجع الناس عليه أو اختلفوا فيه‪ ،‬ال يَزيد َّ‬ ‫ِّ‬
‫احلق ح ٌّق ِ‬
‫وإن اختُل ف في ه‪ ،‬والباط ل باط ل وإ ْن َكُث َر‬ ‫وب اتِّباع ه خُم الَف ةُ الن اس في ه‪ ،‬ب ل ُّ‬
‫علي ه‪ ،‬وال ي وهن وج َ‬
‫بأن َّأمته ال يزال منهم َمن يقوم باحلق‬ ‫النص عن النيب ‪ -‬ص لَّى اهلل عليه وس لَّم ‪َّ -‬‬ ‫صحة ِّ‬ ‫القائلون به‪ ،‬ولوال َّ‬

‫قارن دائرة املعارف اإلسالمية جلماعة من املستشرقني مادة "إمجاع"‪.‬‬ ‫‪70‬‬

‫"طلعة الشمس" (ص‪.)85 :‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫ويقول به‪ ،‬فبطُل بذلك أن جُي ِمعوا على ِ‬
‫باطل لقلنا‪ :‬والباطل باطل وإن أمجع عليه؛ لكن ال سبيل إىل اإلمجاع‬ ‫َ‬
‫على باطل‪.72‬‬

‫وك ون اإلمجاع ال يق ع على ِخالف ِّ‬


‫النص‪ ،‬ه و ق ْدر ُمس لَّم ب ه عن د مجه ور األص وليِّني ال عن د اإلباض يَّة‬
‫النص فيَقضي اإلمجاع على‬ ‫ورد يف ُكتبهم ما قد يُفهم منه أن اإلمجاع قد يُعا ِرض َّ‬
‫والظاهريَّة فقط؛ نعم‪ ،‬إنه َ‬
‫النص كقوهلم‪:‬‬
‫ِّ‬

‫والسنَّة‪.73‬‬ ‫قاطع حُي َكم به على ِ‬


‫الكتاب ُّ‬ ‫إن اإلمجاع دليل ِ‬
‫َّ‬

‫والسنَّة والقياس‪.‬‬ ‫وقوهلم‪ :‬وهو ‪ -‬أي‪ :‬اإلمجاع ‪ -‬مقدَّم على ِ‬


‫الكتاب ُّ‬ ‫ُ‬

‫وق وهلم‪ :‬جيب على املُجت ِه د أن يَنظُ ر َّأول ش يء إىل اإلمجاع‪ ،‬ف إ ْن وج َده مل حَي ْ‬
‫تج إىل النَّظ ر يف س واه‪ ،‬ول و‬
‫أن ذل ك َمنس وخ أو ُمت َّأول؛ لك ون اإلمجاع دليالً قطعيًّا ال يَقبَ ل نس ًخا وال‬ ‫خالف ه كت اب أو س نَّة‪َ ،‬علِم َّ‬
‫تأويالً‪.74‬‬

‫األم حُت َجب عن الثلث إىل‬ ‫أن اإلمجاع حُم َّكم يف تفس ري املراد من ِّ‬
‫النص؛ كاإلمجاع على أن َّ‬ ‫َّإما أ ْن يُ راد ب ه َّ‬
‫س} [النساء‪.]11 :‬‬ ‫بأخوين مع قوله تعاىل‪{ :‬فَِإ ْن َكا َن لَهُ إِ ْخ َوةٌ فَأِل ُِّم ِه ُّ‬
‫الس ُد ُ‬ ‫السدس َ‬ ‫ُ‬

‫للنص إال‬ ‫ألن األخوين لَيسا بإخوة‪ ،‬ولكن هذا ال يكون م ِ‬


‫صاد ًما ِّ‬ ‫ظاهره أنه إمجاع على ِخالف ِّ‬
‫النص؛ َّ‬ ‫فهذا ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ألح د‬ ‫أن ل ْف ظ اإلخ وة ال ينطلِ ق عن األخ وين‪ ،‬وه ذا مل يثبت ثبوتً ا ِ‬
‫إذا ثبَت َّ‬
‫فس ر َ‬‫قاط ًع ا‪ ،‬فاإلمجاع هن ا ُم ِّ‬ ‫َُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫كل منهما لغةً واستِعماالً‪.75‬‬
‫األمرين اجلائز إرادة ٍّ‬
‫َ‬
‫آخر غري هذا الدليل املعارض له؛ ألهَّن م ال جُي معون إال عن ُمستنَد‪ ،‬فرمبا‬ ‫وإما أن يُراد به َّ‬
‫أن اإلمجاع له ُمستنَد َ‬ ‫َّ‬
‫كم ه؛ ولذلك يقول ابن قدامة املقدسي يف "روضة الناظر"‪:‬‬ ‫ِ‬
‫منسوخا ُح ُ‬
‫ً‬ ‫ض عي ًفا أو‬
‫خب ًرا َ‬
‫كان الدليل املُخالف َ‬

‫"األحكام"؛ البن حزم (‪.)141 :4‬‬ ‫‪72‬‬

‫"املستصفى"؛ للغزايل (‪ ،)215 :1‬و"كشف األسرار"؛ للبخاري (‪.)265 ،251 :3‬‬ ‫‪73‬‬

‫"الذخرية"؛ للقرايف (‪.)110 :1‬‬ ‫‪74‬‬

‫"كشف األسرار"؛ للبخاري (احلنفي) (‪.)249 :3‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫معصوما عن اخلطأ‪ ،‬وهذا يفضي إىل إمجاعهم على اخلطأ‪ ،‬فإن‬ ‫النص؛ لكونه‬ ‫اإلمجاع ال ي ِ‬
‫نعق د على ِخالف ِّ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بنص كان خفيًّا هو أقوى من النص األول أو ناسخ له؟‬
‫قيل‪ :‬فيَجوز أن يكونوا ظَفروا ٍّ‬

‫النص الذي أمجَعوا عليه‪ ،‬ال إىل اإلمجاع‪.76‬‬


‫النسخ إىل ِّ‬
‫قُلنا‪ :‬فيُضاف ْ‬
‫والس نَّة وه و رأي بعض أنص ار املذهب احلنَفي‬ ‫أن اإلمجاع يرف ع حكم ِ‬
‫الكت اب ُّ‬ ‫‪ِ -29‬‬
‫ومن الن اس َمن ي رى َّ‬
‫َ ُ‬
‫باألخوين ِمن قوله تعاىل‪{ :‬فَِإ ْن َك ا َن لَهُ إِ ْخ َوةٌ فَأِل ُِّم ِه‬
‫األم َ‬ ‫وبعض املعتزلة‪ ،‬ويَستدلُّون على هذا مبسألة ْ‬
‫حجب ِّ‬
‫س} [النساء‪.]11 :‬‬ ‫الس ُد ُ‬
‫ُّ‬

‫واألخوان ليسا إخو ًة؟‬


‫بأخوين‪ ،‬وتال اآلية‪َ ،‬‬
‫راجع فيها عُثمان‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف حَت ُجبها َ‬
‫قالوا‪ :‬إن ابن عباس َ‬
‫قومك يا غُالم‪.‬‬
‫حجبها ُ‬
‫فقال عُثمان‪َ :‬‬
‫أن املؤلَّف ة قل وهبم س َقط‬
‫نس خ احلُكم املنص وص علي ه باإلمجاع‪ ،‬واس تدلُّوا ك ذلك ب َّ‬ ‫َّ‬
‫ف دل ذل ك على ج واز ْ‬
‫أن اإلمجاع ُح َّجةً ِمن ُح َجج‬
‫زمن عُم ر ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬وب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نص يبهم من الص دقات باإلمجاع املُنعق د يف َ‬
‫ردوا ب ه يف‬
‫النس خ ب ه كالنص وص‪ ،‬وق د تق دَّم م ا ُّ‬ ‫الش رع ِ‬
‫موجب ة للعِلم ِ‬
‫والس نَّة‪ ،‬فيَج وز أن يَثبُت ْ‬
‫كالكت اب ُّ‬ ‫ْ‬
‫أخ وان‪ ،‬أما األدلَّة األخرى اليت استدلُّوا هبا‪ ،‬فقد فنَّدها "عبدالعزيز‬
‫معها َ‬
‫السدس إذا كان َ‬ ‫مسألة توريث األم ُّ‬
‫البخاري" يف ِ‬
‫حاشيَته‪.77‬‬

‫عي ال‬
‫والنص‪ ،‬فيق ول الزيديَّة‪ :‬إن القطْ َّ‬
‫ِّ‬ ‫وبعض العُلم اء يَرس م الطَّري ق للتخلُّص ِمن التع اُرض بني اإلمجاع‬
‫قطعي أو ظيِّنّ‪ ،‬والكل مُم تنع‪ ،‬واإللزام يف القطعيني أن يَثبُت ُمقتضامها‪ ،‬ومها نقيضان‪،‬‬ ‫يعارض؛ َّ ِ‬
‫ألن خُم الفه إما ٌّ‬ ‫ُ َ‬
‫والظن يَنتفي حني نَقطع باليقني‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الس نة‪ ،‬ف اجلمع ِ‬
‫واجب بني ال دليلَني إ ْن أم َكن؛‬ ‫الكت اب أو ُّ‬ ‫نص ظيِّن ِمن ِ‬
‫عارض ه ٌّ‬ ‫وأما اإلمجاع الظيِّنُّ‪ ،‬ف إذا َ‬
‫َّ‬
‫النص‪ ،‬أو بالتَّخصيص‬ ‫ؤول القابل له ِمن اإلمجاع أو ِّ‬‫وذلك بالتأويل حيث كان أحدمها قابِالً له بوجه ما‪ ،‬فيُ َّ‬
‫حيث كان أحدمها قابالً له‪ ،‬مث إن مل مُي كن اجلمع بأحد األمرين‪ ،‬وجب الرَّت جيح وف ًقا ِ‬
‫لقواعد الرَّت جيح‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫"روضة الناظر" (‪.)230 ،229 :1‬‬ ‫‪76‬‬

‫"كشف األسرار" يف املوضع السابق‪.‬‬ ‫‪77‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫ألن العمل هبما غري مُم ِكن‪ ،‬والعمل بأحدمها دون‬
‫وجب إمهاهلما؛ َّ‬
‫اآلخر‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫فإذا مل مُي كن الرَّت جيح ألحدمها على َ‬
‫رجح‪ ،78‬ومثل هذا يف "املنهاج" للبيضاوي‪ 79‬وشرحه لإلسنوي‪.80‬‬
‫اآلخر ترجيح بال ُم ِّ‬
‫َ‬

‫لي‬
‫عم ٍّ‬
‫شرعي َ‬
‫ٍّ‬ ‫المطلب الخامس‪ : 0‬أن يكون اإلجماع في ُح ٍ‬
‫كم‬

‫خص‬ ‫‪ -30‬اختل َفت التع اريف يف التعب ري عن ه ذا الش رط‪ ،‬وس بَق أ ْن أش ْرنا َّ‬
‫أن اإلم ام الغ زايل يف تعريف ه َّ‬
‫وأيضا قول اإلمام اجلُويين أن يكون اإلمجاع على ُحكم حادثة؛‬
‫اإلمجاع بأن يكون يف أمر من األمور الدينية‪ً ،‬‬
‫يَعين به حادثة شرعيَّة‪ ،‬وغريها ِمن التَّعريفات‪.81‬‬

‫ِّفاق املجت ِهدين يف املسائل النحويَّة والعقليَّة والعرفيَّة‪.82‬‬


‫شرعي‪ ،‬خُي رِج ات َ‬
‫ٍّ‬ ‫وقصر االجتماع على ُحكم‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫الرس ل‪،‬‬
‫عملي‪ ،‬خُي رج األحك ام االعتقاديَّة؛ كالوحداني ة‪ ،‬ورس الة ُّ‬
‫رعي َ‬
‫وأن يك ون اإلمجاع على ُحكم ش ٍّ‬
‫كل هذا ال يدخل يف مضمون كلمة الفقه باملعىن‬ ‫وتبليغهم رسائل رهبم‪ ،‬والعلم باليوم اآلخر‪ ،‬وما يكون فيه‪ُّ ،‬‬
‫وألن املس ائل االعتقاديَّة ‪ -‬أي‪ :‬التوحيديَّة ‪ -‬ال جَي وز فيه ا تقلي د الع ِّامي للع امل‪ ،‬وإمنا ي ِ‬
‫رج ع‬ ‫االص ِطالحي‪َّ ،83‬‬
‫َ‬
‫إىل أدلة يَشرتك فيها الكل‪.84‬‬

‫الص حيح‬
‫ووض عها الوض ع َّ‬
‫الش ريعة‪ْ ،‬‬ ‫‪ -31‬يب دو لن ا َّ‬
‫أن املنهج الت ارخيي يُعينن ا على تأص يل فك رة اإلمجاع يف َّ‬
‫الذي ميكننا ِمن االستفادة هبذا املبدأ يف العصر احلديث‪.‬‬

‫نصا ومعىن‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة‬


‫مرده إىل الوحي ًّ‬ ‫ومن املسلَّمات أنه ال إمجاع يف حياة الرسول؛ َّ‬
‫ألن األمر ُّ‬
‫لدليل الكتاب‪ ،‬أو معىن فقط‪ ،‬كاألمر بالنسبة للسنَّة النَّبويَّة‪.‬‬

‫‪" 78‬هداية العقول" (‪.)596 ،595 :1‬‬


‫‪" 79‬منهاج الوصول إىل علم األصول"‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حميي الدين‪( ،‬ص‪.)88 :‬‬
‫‪" 80‬شرح اإلسنوي"(‪.)249 :3‬‬
‫‪ 81‬راجع املبحث األول لتعريفات اإلمجاع عند مجهور أهل السنة واإلباضية‪.‬‬
‫‪" 82‬األحكام لآلمدي" (‪ ،)281 :1‬و"كشف األسرار" (‪.)277 :3‬‬
‫‪ 83‬الشيخ‪ :‬حممد أبو زهرة‪" ،‬أصول الفقه" (ص‪ ،)6 :‬والدكتور زكريا الربي‪" :‬أصول الفقه" (ص‪.)53 :‬‬
‫‪ " 84‬األحكام"؛ لآلمدي (‪.)302 :1‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫املقررات املشهود هلا بالنصوص الشرعيَّة أن أصحاب رسول اهلل هم خري ِّأمته من بعده‪َّ ،‬‬
‫وأن أول إمجاع‬ ‫ِ‬
‫ومن َّ‬
‫انعق د على أثر الرس ول يف شأن َمن يتوىل تدبري أم ور الدولة اإلس الميَّة ِمن بع ده‪ ،‬واختل َفت اآلراء؛ فذهب‬
‫دت بنص رهم وكف احهم‪ ،‬وق امت على‬ ‫األنص ار أهنم أح ُّق بت دبري أم ر ه ذه الدول ة ال يت نش أت بينهم‪ ،‬وتأي ْ‬
‫((األئمة ِمن ق ريش))‪ ،‬وجع ل اهلل َّ‬
‫احلق على لس ان‬ ‫َّ‬ ‫رعي يق ول‪:‬‬‫أن النص الش َّ‬ ‫أرض هم‪ ،‬ولكن ص وتًا ارتف ع ب َّ‬
‫ألن الرس ول ‪ -‬ص لَّى اهلل علي ه وس لَّم ‪ -‬ق د كلَّف‬
‫عُمر‪ ،‬فق ال‪ :‬ارتض اه اهلل ألم ر دينن ا‪ ،‬أفال نرض اه ل ُدنيانا؟ َّ‬
‫ِ‬
‫مرضه اخلطري‪ ،‬فعلت أصوات احلاض رين ‪ -‬وجلُّهم َ‬
‫صاحب الرسول وتفقَّه‬ ‫الصدِّيق بالصالة باملسلمني أثناء َ‬
‫وأن اجتِهاده سديد‪.‬‬
‫عليه ‪ -‬بأن احلق مع ُعمر‪َّ ،‬‬

‫موجودا أثناء هذه البَيعة وخالل هذا احلوا ِر رجالن هلما وزهُن ما بني‬
‫ً‬ ‫يكن‬
‫وجدير باالعتبار واإلشارة أنَّه مل ْ‬
‫أيضا بالعِلم والف ْق ه‪ ،‬أعين أهنما‪ :‬اإلمام علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬ ‫أصحاب الرسول‪ ،‬ومشهود هلما ً‬
‫عظيم ا؛ إذ طلب من علي بن أيب طالب أن‬ ‫ِ‬
‫فقيه ا لواق ع املسلمني‪ ،‬وسياس يًّا ً‬
‫وعمه العبَّاس‪ ،‬الذي نراه كان ً‬ ‫‪ُّ -‬‬
‫علي عن ذلك‪ ،‬مث سأله على أثر الوفاة أن يَرفع‬ ‫وأحجم ٌّ‬
‫َ‬ ‫يسأل الرسول يف مرض موتِ ه َمن خيلفه ِمن بعده‪،‬‬
‫عم رس ول اهلل؛ فال‬
‫عم رس ول اهلل ق د ب ايع ابن ِّ‬ ‫رتدد على لس ان الن اس َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ي ده بطلَب البيع ة وأن ه ي ِ‬
‫ناص ره‪ ،‬فيَ َّ‬‫ُ‬
‫األمر‪،‬‬
‫غس له وتَكفينه)‪ ،‬ولن يَفوتنا ُ‬
‫خيتلف فيك اثنان‪َ ،‬بْي َد أنه قال له‪ :‬إن لنا يف رسول اهلل ُش غالً (أي‪ :‬يف ْ‬
‫ورئيسا هلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫وقد فاهَت ما األمر ومل تؤثِّر غيبتهما على إمجاع املسلمني العلماء يف اختيار أيب بكر خليفةً‬

‫ص ل ِمن ذل ك َّ‬
‫أن تطلُّب اتف اق مجي ع املجت ِه دين على ُحكم أو أم ر ليس مطلوبً ا‪ ،‬وإمَّن ا يَكفي أن تك ون‬ ‫ونَ ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫هودا هلا بالفق ه والعلم والتَّق وى‪ ،‬وأن تك ون املس ألة من املس ائل غ ري‬
‫األكثريَّة‪ ،‬وأن تك ون ه ذه األكثريَّة مش ً‬
‫احلق يف املسألة املعروضة‪.‬‬‫قطعي‪ ،‬وأن يَكون جماهلا ب ْذ َل الطاقة واجلهد للوصول إىل وجه ِّ‬
‫بنص ٍّ‬
‫احملكومة ٍّ‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫خـ ـ ـ ـ ــاتمة ‪:‬‬

‫أن التعريف ال ذي نَرتضيه هو اتِّفاق الغ الب ِمن علماء املس لمني بع د وفاة الرسول ‪-‬‬
‫وننتهي من ذل ك إىل َّ‬
‫قطعي الثُّبوت والدَّاللة‪.‬‬
‫شرعي يف مسألة غري حمكومة بنص ِّ‬
‫ٍّ‬ ‫صلَّى اهلل عليه وسلَّم ‪ -‬على ُحك ٍم‬

‫وعامة‪ ،‬على مس ألة مقط وع هبا ‪ -‬ال يُع ُّد‬


‫خاص ة َّ‬
‫األمة؛ جُم ته ديها وغ ري جُم ته ديها‪َّ ،‬‬
‫وعلى ذل ك فاتِّف اق مجي ع َّ‬
‫مصدرا ِمن مصادر التَّشريع اإلسالمي بعد ال ُق رآن والسنّة‪ ،‬وإمنا هو إمجاع على العِلم بالتَّشريع املقطوع به‬
‫ً‬
‫الذي ليس حمالًّ للنَّظر واالجتهاد‪.85‬‬

‫‪ 85‬الش يخ حمم ود ش لتوت‪ " :‬اإلس الم عقي دة وش ريعة" (ص‪ ،)565 :‬والش يخ عب دالوهاب خاَّل ف‪" :‬أص ول الفق ه"‪( :‬ص‪،53 :‬‬
‫‪ ،)54‬والشيخ أمحد إبراهيم (ص‪ ،)86 :‬والدكتور زكريا الربي (ص‪.)73 ،72 :‬‬
‫‪ www.alukah.net‬‬
‫المصادر و المراجع‬

‫المن ‪00‬ذر (المت ‪00‬وفى ع ‪00‬ام ‪318‬هـ) [يت َّ‬


‫ض‪0 0‬من دراس‪0 0‬ةً أص ‪00‬وليَّةً عن‬ ‫ِ‬
‫المص ‪00‬در‪ :‬كت ‪00‬اب اإلجم ‪00‬اع لإلم ‪00‬ام ابن ُ‬
‫َ‬
‫المتَّف‪00‬ق عليه‪00‬ا عن‪0‬د أك‪00‬ثر علم‪0‬اء المس‪0‬لمين] ‪ -‬دراس‪0‬ة وتحقي‪00‬ق‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬ف‪0‬ؤاد‬
‫"اإلجماع" والمسائل الفقهيَّة‪ُ 0‬‬
‫عبدالمنعم‪ 0‬أحمد ‪ -‬تقديم الشيخ‪ :‬عبداهلل بن زيد آل محمود ‪ -‬طـ مركز اإلسكندريَّة ِ‬
‫للكتاب‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬

You might also like