You are on page 1of 2

‫لغز الرجل الخفي‬

‫الحكاية التالية واقعية ومصدرها الصحف العراقية فال تسيء الظن بأبي الجعافر إذا‪،‬‬
‫رأيت أنها صعبة التصديق‪ :‬دخل رجل في العقد السادس من العمر وقور وسمح‬
‫المحيا‪ ،‬أحد محالت الصاغة في منطقة الكاظمية ببغداد‪ ،‬وطلب من الصائغ أن يضع‬
‫له حجرا كريما على خاتمه‪ ،‬فقدم له الصائغ شايا وطفق الزبون يحدثه في شتى‬
‫المواضيع في أسلوب شيق ويعرج على المواعظ والحكم واألمثال‪ ،‬ثم دخلت المحل‬
‫امرأة على عجلة من أمرها وتريد من الصائغ إصالح سلسلة ذهبية مكسورة فقال لها‬
‫الصائغ‪ :‬انتظري قليال حتى ألبي طلب هذا الرجل الذي أتاني قبلك‪ ،‬ولكن المرأة‬
‫نظرت إلى الصائغ في دهشة وقالت أي رجل يا مجنون وأنت تجلس لوحدك ثم‬
‫خرجت من المحل‪ ،‬واستأنف الصائغ عمله إلى أن دخل عليه رجل يطلب منه تقييم‬
‫حلية ذهبية كانت يحملها‪ ،‬فطلب منه أن ينتظر قليال إلى أن يفرغ من إعداد الخاتم‬
‫الذي طلبه الزبون الجالس إلى جواره‪ ،‬فصاح الرجل‪ :‬ع ّم تتحدث فأنا ال أرى في‬
‫المحل سواك! فسأله الصائغ‪ :‬أال ترى الرجل الجالس أمامي فقال الزبون الجديد‪ :‬كال‬
‫ثم حوقل وبسمل‪ ،‬وخرج‪.‬‬
‫هنا أحس الصائغ بالفزع ونظر إلى الرجل الوقور وتساءل‪ :‬ماذا يعني كل هذا؟ فرد‬
‫الرجل‪ :‬تلك فضيلة تحسب لك وهللا أعلم‪ ،‬ثم أردف قائال‪ :‬تريث ريثما يأتيك اليقين‪...‬‬
‫وبعد قليل دخل المحل رجل وزوجته وقاال إنهما يرغبان في فحص خاتم معروض‬
‫في واجهة المحل فطلب منهما الصائغ أن يمهاله بضع دقائق حتى يسلم الزبون‬
‫الجالس معه خاتمه‪ ،‬فاحتد الرجل وقال‪ :‬أي رجل ونحن ال نرى غيرك في المحل‬
‫والتفت إلى زوجته وقال لها‪ :‬يبدو أن هذا الصائغ ال يرغب في بيع الخاتم لنا‪...‬‬
‫لنذهب إلى محل آخر! هنا انتابت الصائغ حالة من الهلع الشديد‪ ،‬ونظر في ضراعة‬
‫إلى الرجل الجالس قبالته‪ ،‬وسأله‪ :‬قل لي بربك ماذا يحدث!‬
‫هنا اعتدل الزبون في جلسته وحلق ببصره بعيدا وقال في صوت أقرب إلى الهمس‪:‬‬
‫أنا من عباد هللا الصالحين وال يراني إال من حمل صفاتي! هنا حلت النشوة محل‬
‫الفزع في قلب الصائغ وكاد أن يحلق من فرط السعادة عندما أكد له الرجل أنه أي‬
‫الصائغ من أهل الحظوة‪ ،‬وقال له إن سيحقق له أي أمنية‪ ،‬وألن الصائغ كان يملك ما‬
‫تشتهيه نفسه من عرض الدنيا فقد رد على الرجل بقوله‪ :‬ال أريد سوى الظفر بالجنة‬
‫فابتسم الرجل وقدم للصائغ منديال أبيض وقال له‪ :‬ضعه على أنفك واستنشق بقوة‬
‫ففي المنديل عطر الجنة‪ ،‬ففعل الصائغ ذلك وأحس بالنشوة تسري في أوصاله في‬
‫نعومة ولطف‪ ،‬وبعد دقائق معدودة تلفت حوله فلم يجد الرجل ولم يجد المجوهرات‬
‫التي كانت معروضة داخل المحل وأدرك بعد أن فات عليه الفوات أن عطر الجنة‬
‫المزعوم كان مخدرا‪ ،‬وأن الزبائن الذين أتوه ثم أنكروا رؤية الزبون الجالس أمامه‬
‫كانوا أعضاء في عصابة" اإلنفِزيبول مان" أي الرجل الخفي‪ ،‬وبالطبع لم تعثر‬
‫الشرطة على الرجل ألنه ال يراه إال األغبياء!!‬
‫جعفر عباس‪ -‬عن جريدة الوطن (العدد (‪ ) 167‬السنة األولى ‪ -‬الخميس ‪ 20‬ذو الحجة‬
‫‪1421‬هـ الموافق ‪ 15‬مارس (‪2001‬‬

You might also like