You are on page 1of 257

‫‪ | 4‬خمتصر السرية النبوية‬

‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪7‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫)‏(‪)1‬‬
‫التعريف مبوسوعة حممد رسول اهلل ﷺ‬

‫حممد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وعىل‬‫ٍ‬ ‫احلمدُ هلل‪ ،‬والصال ُة والسال ُم عىل نب ِّينا وحبيبِنا‬
‫هبديه واست َّن بسنتِه‪َّ ،‬أما بعدُ ‪:‬‬
‫وعمل ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫آله وصحبِه‪ ،‬و َمن اقت َفى َ‬
‫أثره‬
‫ِ‬
‫بجمعها‬ ‫ِ‬
‫عامني‪-‬‬ ‫نحوا ِمن‬ ‫ُ‬ ‫استغر َق‬ ‫تمتاز هذه املوسوع ُة ‪-‬التي‬
‫العمل فيها ً‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬
‫ِ‬
‫أفضل ما كت َبه أئم ُة‬ ‫ِ‬
‫وانتقاء‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وعاء‬ ‫ِ‬
‫الرشيفة وفنوهنا يف‬ ‫ِ‬
‫النبوية‬ ‫ِ‬
‫السرية‬ ‫ألهم علو ِم‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫األمة‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬
‫وقبوال لدى‬ ‫لقي شهر ًة‬ ‫ِ‬ ‫الصالح وعلامؤهم يف كل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فن من فنوهنا‪ ،‬مما َ‬
‫ٍّ‬ ‫سلفنا‬
‫الكتب وهتذيبِها‪ ،‬نسأل اهلل اإلخالص والقبول‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باختصار هذه‬ ‫قمت‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫الطبعات‬ ‫ِ‬
‫أفضل‬ ‫َ‬
‫تكون عىل‬ ‫ِ‬
‫املوسوعة أن‬ ‫كتب هذه‬ ‫ِ‬
‫اختصار ِ‬ ‫وكان منهجي يف‬
‫ِ‬
‫واالستطرادات‪ ،‬وما أغنَى عنه‬ ‫ِ‬
‫الضعيف وما دونَه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حذف‬ ‫ٍ‬
‫كتاب‪ ،‬مع‬ ‫ِ‬
‫املعتمدة ِّ‬
‫لكل‬
‫يب أو َمن دونَه‬ ‫ِ‬
‫ذكره‪ ،‬وكذلك أسانيدُ األحاديث إال الصحا َّ‬ ‫سبق ُ‬
‫مكر ًرا َ‬
‫غريه‪ ،‬أو كان َّ‬‫ُ‬
‫زدت يف عنواناته‬ ‫ِ‬
‫املصنف وترتيبِه‪ ،‬فإن ُ‬ ‫حافظت عىل ِ‬
‫لفظ‬ ‫حيتاج الكال ُم إليه‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬ ‫مما ُ‬
‫اعتمدهتا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫طبعة أخرى ِ‬
‫غري التي‬ ‫ني‪ ،‬وكذا ما كان ِمن ٍ‬
‫شي ًئا وضعتُه بني معقو َف ِ‬

‫وتيسريها؛ لنتع َّل َم مجي ًعا‬


‫َ‬ ‫تقريب سرية النبي ﷺ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املنهج‬ ‫وكان هديف ِمن هذا‬
‫ِ‬
‫األصيلة‪ ،‬لنح ِّق َق االقتدا َء به ﷺ يف‬ ‫ِ‬
‫الصالح‬ ‫سلفنا‬ ‫ِ‬
‫علامء ِ‬ ‫وفنوهنا من ِ‬
‫كتب‬ ‫علو َمها‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫باآلخرة‪.‬‬ ‫ونفوز‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أخالقه؛ فنسعدُ يف الدنيا‬ ‫عقيدتِه وعباداتِه ومعامالتِه و‬
‫ِ‬
‫الرشيفة‬ ‫ِ‬
‫النبوية‬ ‫ِ‬
‫لألحاديث‬ ‫ِ‬
‫املوجز‬ ‫ِ‬
‫التخريج‬ ‫ِ‬
‫احلاشية عىل‬ ‫اقترصت يف‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫ِ‬
‫غريب ألفاظها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وبيان‬ ‫ِ‬
‫واآلثار‪،‬‬

‫مفص ًال يف صدر املجلد األول‪.‬‬


‫(*) هذا تعريف موجز باملوسوعة‪ ،‬وقد تقدَّ م التعريف هبا َّ‬
‫‪ | 8‬خمتصر السرية النبوية‬

‫وقد جاء هذا اإلصدار األو ُل ِمن «موسوعة حممد رسول اهلل ﷺ» جامعا ِ‬
‫لستة‬ ‫ً‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثامنية‬ ‫اختصار‬ ‫علو ٍم من علو ِم السرية النبوية الرشيفة وفنوهنا يف ستة لجلدات‪ ،‬ع َ‬
‫رب‬
‫كتب‪ ،‬وهي عىل النحو التايل‪:‬‬‫ٍ‬

‫املجلد األول‪ -1 :‬يف علم الدالئل [كتاب «دالئل النبوة» أليب نعيم (ت‪034‬هـ)]‬

‫املجلد الثاين‪ -5 :‬يف علم السرية النبوية [كتاب «السرية النبوية» البن هشام‬
‫(ت‪552‬هـ)]‬

‫السول يف خصائص الرسول»‬


‫املجلد الثالث‪ -3 :‬يف علم اخلصائص [كتاب «غاية ُّ‬
‫البن امللقن(ت‪240‬هـ)]‬

‫‪ -4‬يف علم الشامئل‪ ،‬وفيه ثالثة كتب‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪[ -‬كتاب «شامئل النبي ﷺ» للرتمذي (ت‪572‬هـ)]‬


‫‪[ -‬كتاب «حممد رسول اهلل ﷺ واحلقوق والقيم واألخالق‬
‫وعالج مشكالت العامل املعارص»‪ ،‬لـ أ‪.‬د‪ .‬أمحد بن عثامن املزيد]‬

‫املجلد الرابع‪[ - :‬كتاب «زاد املعاد يف هدي خري العباد» البن قيم اجلوزية‬
‫(ت ‪715‬هـ)]‬

‫املجلد اخلامس‪ -5 :‬يف علم حقوق النبي ﷺ‪[ :‬كتاب «الشفا بتعريف حقوق‬
‫املصطفى» للقايض عياض (ت‪100‬هـ)]‬

‫املجلد السادس‪ -6 :‬يف علم احلديث النبوي الرشيف‪[ :‬كتاب «رياض‬


‫الصاحلني» للنووي (ت‪676‬هـ)]‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪9‬‬

‫يف علم السرية النبوية‬

‫تعريفه‪:‬‬

‫مولده إىل وفاتِه‪.‬‬


‫حياة النبي ﷺ ِمن ِ‬
‫ِّ‬
‫بذكر وقائ ِع ِ‬
‫علم السرية النبوية ِ‬
‫ُيعنى ُ‬

‫أهميته‪:‬‬

‫لكتاب اهلل تعاىل وسنتِه ﷺ‪ ،‬فهي‬ ‫ِ‬ ‫تطبيق‬


‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ هي‬ ‫ٍ‬
‫حممد‬ ‫سري ُة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫تفاصيل حياته ﷺ‪ :‬عقيدةً‪ ،‬وعبادةً‪ ،‬ومعامل ًة‪ ،‬وأخال ًقا‪ً ،‬‬
‫سلام‬ ‫حافل لكل‬ ‫سجل‬
‫وعرسا‪ ،‬يف بيته‪ ،‬وبني أصحابه ومع أعدائه‪ ،‬فيه‬ ‫ً‬ ‫يرسا‬
‫وحر ًبا‪ ،‬دعو ًة وجها ًدا‪ً ،‬‬
‫ِ‬
‫صاحب‬ ‫شؤون بيتِه‪َّ ،‬‬
‫صىل اهلل عىل‬ ‫ِ‬ ‫قومه أو قام عىل‬‫األسو ُة احلسن ُة ملن رام سياس َة ِ‬

‫الرشيفة‪ ،‬وآلِه وصحبِه وس َّلم‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السرية‬ ‫هذه‬

‫مثراته‪:‬‬
‫ِ‬
‫األخالق‪،‬‬ ‫تذى به يف مكار ِم‬ ‫نموذجا ُحي َ‬ ‫ِ‬
‫للبرشية مجعا َء‬ ‫ِ‬
‫السرية‬ ‫يقدِّ ُم ِع ْل ُم‬
‫ً‬
‫اإلنساين‪ ،‬ويقدِّ ُم للمسل ِم األسو َة والقدو َة التام َة يف حياتِه‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الكامل‬ ‫ِ‬
‫ومظاهر‬
‫والناس أمجعني‪ ،‬و ُيوقِفنا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأوالدنا‬ ‫ِ‬
‫ألنفسنا‬ ‫فوق حمبتِنا‬
‫والذي ُأ ِمرنا بمحبتِه ﷺ َ‬
‫ِ‬
‫املعارصة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫وفقهها‪ ،‬ومتثُّلِها يف‬
‫ِ‬ ‫حممد ﷺ ومراحلِها‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫دعوة‬ ‫عىل‬
‫الدروس الرتبوي َة النبو َّي َة يف تعاملِه ﷺ مع صحابتِه خاص ًة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ومن معينِها نستقي‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫والناس عام ًة‪.‬‬
‫‪ | 01‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ترمجة ابن هشام (ت‪552‬هـ)‪‬‬

‫امسه ونسبه‪:‬‬
‫السدويس ‪ -‬وقيل‪:‬‬ ‫الذهيل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حممد‬ ‫أيوب‪ ،‬أبو‬ ‫بن هشا ِم ِ‬
‫بن‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫هو عبدُ امللك ُ‬
‫مرص‪.‬‬ ‫البرصي‪ُ ،‬‬
‫نزيل َ‬ ‫ُّ‬ ‫احلمريي ‪ -‬املُ َعافِ ِر ُّي‪،‬‬
‫ُّ‬
‫نشأته وطلبه للعلم‪:‬‬
‫ِ‬
‫بد َأ اب ُن هشا ٍم طل َبه للعل ِم يف البرصة‪ ،‬ثم انت َق َل منها إىل َ‬
‫مرص‪ ،‬وت ِّ‬
‫ُويف هبا‪،‬‬
‫صاحب ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫البكائي‬
‫ِّ‬ ‫وقد َس ِم َع اب ُن هشام «السري واملغازي البن إسحاق» ِمن زياد‬
‫الشافعي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫شيوخه اإلما ُم‬ ‫إسحاق‪ِ ،‬‬
‫ومن‬
‫ُّ‬
‫بمرص‬
‫َ‬ ‫الشافعي‪ ،‬وكان‬
‫ُّ‬ ‫الدارقطني‪ :‬عن املزين قال‪َ « :‬ق ِد َم علينا‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫ِ‬
‫والشعر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالعربية‬ ‫مرص‬ ‫صاحب (املغازي)‪ ،‬وكان عالم َة ِ‬ ‫بن هشا ٍم‬
‫أهل َ‬ ‫ُ‬ ‫عبدُ امللك ُ‬
‫خيلق‬
‫ظننت أن اهلل ُ‬‫ُ‬ ‫ب إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬‫الشافعي‪ ،‬فتَثا َق َل‪ ،‬ثم َذ َه َ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫املصري إىل‬ ‫فقيل له يف‬
‫‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الشافعي»‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫مثل‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وقال عنه اب ُن كثري‪« :‬أبو حممد عبدُ امللك ب ُن هشا ٍم‪ ،‬راوي السرية‪ ،‬وإنام ت ُ‬
‫ُنسب‬
‫أماكن‬
‫َ‬ ‫وحرر‬
‫َّ‬ ‫ونقص منها‪،‬‬
‫َ‬ ‫ابن هشام؛ ألنه َّ‬
‫هذ َهبا وزا َد فيها‬ ‫إليه‪ ،‬فيقال‪ :‬سري ُة ِ‬
‫بمرص‪ ،‬وقد‬ ‫مقيام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واستدرك أشياء‪ ،‬وقد كان إماما يف ِ‬
‫َ‬ ‫والنحو والعربية‪ ،‬وقد كان ً‬ ‫اللغة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫العرب أشيا َء كثري ًة» ‪ .‬‏‬ ‫ِ‬
‫أشعار‬ ‫ور َدها وتناشدَ ا ِمن‬
‫حني َ‬
‫الشافعي َ‬
‫ُّ‬ ‫اجتم َع به‬
‫َ‬
‫بمرص(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫وفاته‪ :‬ت ِّ‬
‫ُوِّف اب ُن هشام يف ‪ 53‬ربيع اآلخر‪ ،‬سنة (‪552‬هـ)‬

‫(‪ )1‬سري أعالم النبالء للذهبي (‪.)052 /54‬‬


‫(‪ )2‬البداية والنهاية البن كثري (‪.)342 /54‬‬
‫(‪ )3‬سري أعالم النبالء للذهبي (‪ ،)052/54‬وانظر‪ :‬تاريخ ابن يونس املرصي (‪.)537/5‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪00‬‬

‫التعريف بكتاب السرية النبوية البن هشام (ت‪552‬هـ)‬

‫أهميته‪:‬‬

‫إسحاق ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬ ‫بن‬ ‫لكتاب ِ‬
‫حممد ِ‬ ‫ِ‬ ‫خمترصا‬ ‫كتاب «السرية النبوية» البن هشام‬ ‫يعدُّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫الكتب املؤ َّل ِ‬
‫فة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأول‬ ‫أهم‬ ‫ِ‬ ‫كتاب ِ‬
‫ابن إسحاق من ِّ‬ ‫ُ‬ ‫رب‬
‫يسار (ت‪514‬هـ)‪ ،‬ويعت ُ‬
‫كامال حتى‬ ‫يص ْلنا ً‬ ‫ِ‬
‫النبوية‪ ،‬ومؤل ُفه إمام هذا الفن بال منازعٍ‪ ،‬إال أن كتابه مل ِ‬ ‫ِ‬
‫السرية‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بعنوان‪« :‬املبتدأ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب قطع ٌة‪ ،‬حق َّقها د‪ .‬حممد محيد اهلل‪،‬‬ ‫اآلن‪ ،‬وقد ُو ِجدَ ِمن‬
‫ِ‬
‫بعنوان «السرية‬ ‫واملبعث واملغازي»‪ ،‬و ُطبعت بتحقيق آخر للدكتور‪ :‬سهيل زكار‪،‬‬
‫النبوية البن إسحاق برواية يونس بن بكري»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫شهاب‬ ‫ِ‬
‫والثناء‪ ،‬فقال اب ُن‬ ‫ِ‬
‫بالقبول‬ ‫َ‬
‫إسحاق‬ ‫كتاب ِ‬
‫ابن‬ ‫وقد تل َّقى ُ‬
‫أهل العل ِم‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬يعني اب َن‬ ‫أعلم‬
‫ُ‬ ‫(ت‪550‬هـ) ‪-‬وقد ُس ِئ َل عن مغازي ِ‬
‫ابن إسحاق‪ :-‬هذا‬
‫إسحاق(‪.)1‬‬
‫عيال عىل ِ‬
‫حممد‬ ‫يتبح َر يف املغازي فهو ٌ‬
‫الشافعي (ت‪540‬هـ)‪َ :‬من أرا َد أن َّ‬
‫ُّ‬ ‫وقال‬
‫ِ‬
‫بن إسحاق(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫مج َع مغازي‬ ‫وقال اب ُن سعد (ت‪562‬هـ)‪ :‬كان اب ُن إسحاق َ‬
‫أول َمن َ‬
‫ﷺ وأ َّل َفها(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬هتذيب الكامل للمزي(‪.)053 /50‬‬


‫(‪ )2‬الطبقات الكربى البن سعد (‪.)014/1‬‬
‫(‪ )3‬السابق (‪.)036 /52‬‬
‫‪ | 02‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫الفضل إال أنه‬ ‫البن إسحاق ِمن‬
‫وقال اب ُن عدي (ت‪361‬هـ)‪ :‬ولو مل يكن ِ‬
‫َ‬
‫أشغاَلم حتى اشتغلوا‬ ‫ف‬‫فرص َ‬ ‫ُ‬
‫حيصل منها يش ٌء‪َ َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫كتب ال‬ ‫َ‬
‫امللوك عن‬ ‫ف‬
‫رص َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ومبعث النبي ﷺ‪ ،‬فهذه فضيل ٌة البن‬ ‫بمغازي رسول اهلل ﷺ ومبتدأِ اخللق‬
‫َ‬
‫إسحاق فيه(‪.)1‬‬ ‫مبلغ ِ‬
‫ابن‬ ‫َ‬
‫إسحاق س َب َق هبا‪ ،‬ثم بعدَ ه صنَّفه قو ٌم آخرون ومل َيبلغوا َ‬

‫بي (ت‪702‬هـ)‪ :‬قد كان يف املغازي عالم ًة(‪.)2‬‬


‫وقال الذه ُّ‬
‫بالنبي ﷺ من‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫باختصار ما يتع َّلق‬ ‫البرصي (ت‪552‬هـ)‬
‫ُّ‬ ‫وقد قام اب ُن هشام‬
‫مهذ ًبا ومن ِّق ًحا ومضي ًفا إليه‪َّ ،‬‬
‫وسامه‪« :‬السرية النبوية»؛ فحفظ‬ ‫إسحاق ِّ‬
‫َ‬ ‫كتاب ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫املفقود‪.‬‬ ‫َ‬
‫إسحاق‬ ‫كتاب ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫مهام ِمن‬
‫بذلك جز ًءا ا‬
‫واإليثار‪ ،‬فتناولوه قرنًا بعدَ ٍ‬
‫قرن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باحلفاوة‬ ‫كتاب ِ‬
‫ابن هشام‬ ‫وقد تل َّقى العلام ُء‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األعامل‪:‬‬ ‫أهم هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتعليق واحلوايش‪ ،‬ومن ِّ‬ ‫واالختصار‬ ‫بالرشح‬

‫‪ -‬الروض األنف رشح سرية ابن هشام‪ ،‬أليب القاسم عبد الرمحن بن‬
‫عبد اهلل بن أمحد السهييل (ت ‪125‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -‬املواهب اللدُ نِّــــــ َّية باملنح املحمدية‪ ،‬للعالمة شهاب الدين أيب العباس‬
‫أمحد بن حممد القسطالين الشافعي املرصي (ت ‪253‬هـ)‪.‬‬
‫الشيخ حممدُ بن ِ‬
‫عبد الوهاب (ت‪5546:‬هـ) كتاب‬ ‫ُ‬ ‫اخترص اإلما ُم‬ ‫‪ -‬وقد‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫«السرية النبوية» البن هشام يف كتابه‪« :‬خمترص سرية الرسول ﷺ»‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكامل يف ضعفاء الرجال البن عدي (‪.)574/7‬‬


‫(‪ )2‬سري أعالم النبالء للذهبي (‪.)37/7‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪03‬‬

‫ترتيبه ومنهجه‪:‬‬

‫منهجه حيث ُ‬
‫يقول‪« :‬وأنا إن شاء اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يذكر اب ُن هشام يف مقدمة كتابه معامل َ‬
‫صىل اهلل عليه‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل َّ‬ ‫إبراهيم‪ ،‬و َمن َو َلدَ‬
‫َ‬ ‫إسامعيل ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬ ‫الكتاب ِ‬
‫بذكر‬ ‫َ‬ ‫مبتدئ هذا‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫إسامعيل إىل‬ ‫فاألول‪ِ ،‬من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫األول‬ ‫ِ‬
‫ألصالهبم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وأوالدهم‬ ‫وآله وس َّلم ِمن ِ‬
‫ولده‪،‬‬
‫ذكر ِ‬
‫غريهم‬ ‫ٌ‬
‫وتارك َ‬ ‫يعرض ِمن حديثِهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫صىل اهلل عليه وآله وس َّلم‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل َّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫سرية‬ ‫ِ‬
‫حديث‬ ‫ِ‬
‫لالختصار‪ ،‬إىل‬ ‫ِ‬
‫اجلهة‬ ‫َ‬
‫إسامعيل‪ ،‬عىل هذه‬ ‫ِمن ِ‬
‫ولد‬
‫صىل اهلل‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل َّ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‪ ،‬ممَّا ليس‬ ‫َ‬
‫إسحاق يف هذا‬ ‫ذكره اب ُن‬ ‫ٌ‬
‫بعض ما َ‬ ‫وتارك َ‬
‫ٍ‬
‫ليشء ِمن هذا‬ ‫ِ‬ ‫ذكر‪ ،‬وال َنز َل فيه ِمن‬
‫القرآن يش ٌء‪ ،‬وليس سب ًبا‬ ‫عليه وآله وس َّلم فيه ٌ‬
‫وأشعارا‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫االختصار‪،‬‬ ‫ذكرت ِمن‬
‫ُ‬ ‫تفسريا له‪ ،‬وال شاهدً ا عليه؛ ملا‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‪ ،‬وال‬
‫ُ‬
‫احلديث به‪،‬‬ ‫عرفها‪ ،‬وأشيا َء بعضها َي ْشن ُُع‬ ‫بالشعر َي ِ‬
‫ِ‬ ‫أهل العل ِم‬‫ذكرها مل َأر أحدً ا ِمن ِ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫ومستقص ‪-‬‬ ‫ِ‬
‫البكائي بروايته‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وبعض مل ُيق َّر لنا‬ ‫ذكره‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫الناس ُ‬ ‫بعض‬
‫وبعض َي ُسو ُء َ‬‫ٌ‬
‫الرواية له‪ ،‬والعل ِم به»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫إن شاء اهلل تعاىل‪ -‬ما ِس َوى ذلك منه بمبل ِغ‬

‫غري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اإلجياز َ‬
‫َ‬ ‫البن هشام‪:‬‬ ‫اختصار «السرية النبوية»‬ ‫راعيت يف‬
‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬وقد‬‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السياق العام‪ ،‬كإسال ِم‬ ‫يؤثر عىل‬
‫النبي ﷺ وال ُ‬ ‫فحذ ْف ُت ما ال يتع َّل ُق بسرية ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املخل‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫الغزوات والرسايا‬ ‫وحرصهم‪ ،‬وكذا مل أذك ُْر ِمن‬ ‫ِ‬
‫الصحابة‪ ،‬وتتب َعه لألعال ِم‬ ‫ِ‬
‫بعض‬
‫َ‬
‫مهها وأج َّلها‪.‬‬
‫إال أ َّ‬

‫(‪( )1‬ص‪.)52‬‬
‫‪ | 04‬خمتصر السرية النبوية‬

‫الطبعة املعتمدة يف هذا املختصر‪:‬‬


‫ٍ ِ‬ ‫كتاب ِ‬ ‫ُطبِ َع‬
‫ابن هشا ٍم عد َة طبعات‪ ،‬من أ ِّ‬
‫مهها‪ :‬طبعة مكتبة احللبي بمرص‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الطبعة الثانية‪5371 ،‬هـ‪5211 /‬م‪ ،‬حتقيق مصطفى السقا وإبراهيم اإلبياري‬
‫وعبد احلفيظ الشلبي‪ ،‬وقد اعتمدوا عىل أربع مطبوعات‪ :‬مطبوعة بوالق‬
‫(‪5512‬هـ)‪ ،‬ومطبوعة أملانيا (‪5576‬هـ)‪ ،‬ومطبوعة املطبعة اخلريية بمرص‬
‫(‪5352‬هـ)‪ ،‬ومطبوعة املكتبة اجلاملية بمرص (‪5335‬هـ)‪ ،‬كام اعتمدوا عىل أربع‬
‫نسخ خطية حمفوظة بدار الكتب املرصية‪ ،‬إحداها كاملة‪ ،‬وهذه الطبعة هي التي‬
‫اعتمدنا عليها يف هذا املخترص‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪05‬‬

‫‪ ‬موســـــــوعة حممــــــــــد رســـــــول اهلل ﷺ‬

‫دالئل نبوته وسريته وخصائصه ومشائله وهديه وحقوقه وقبس من حديثه‬

‫خمتصر السرية النبوية البن هشام‬


‫البن هشام البصري عبد امللك بن هشام بن أيوب (ت ‪838‬هـ)‬

‫اختصره‬

‫أ‪.‬د‪ .‬أمحد بن عثمان املزيد‬

‫أستاذ الدراسات اإلسالمية ‪ -‬جامعة امللك سعود‬


‫‪ | 06‬خمتصر السرية النبوية‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪07‬‬

‫[القسم األول‪ :‬العهد املكي]‬


‫‪ | 08‬خمتصر السرية النبوية‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪09‬‬

‫[أوال‪ :‬قبل الرسالة والنبوة]‬


‫‪ِ -1‬ذكرُ سرد النسب الزكيِّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل صىل‬ ‫ِ‬
‫سرية‬ ‫كتاب‬ ‫النحوي‪ :‬هذا‬ ‫بن هشام‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫قال أبو حممد عبدُ امللك ُ‬
‫واسم عبد املطلب‪ :‬شيب ُة‬ ‫عبد املطلب‪،‬‬‫عبد اهلل بن ِ‬
‫بن ِ‬
‫حممد ِ‬‫ِ‬ ‫اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫ُ‬
‫عبد مناف‪ :‬املُغرية بن ُقيص‪،‬‬‫بن هاشم‪ ،‬واسم هاش ٍم‪ :‬عمرو بن عبد مناف‪ ،‬واسم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واسم قيص‪ :‬زيدُ بن ِكالب بن ُم َّر َة بن كعب بن ُلؤي بن غالب بن فِهر بن مالك‬
‫إلياس بن ُم َض‬
‫َ‬ ‫النض بن كِنان َة بن ُخزيم َة بن ُم ِ‬
‫در َكة‪ ،‬واسم مدرك َة‪ :‬عامر بن‬ ‫بن ْ‬
‫َ‬
‫عدنان‪.‬‬ ‫بن نِزار بن َم ْعد بن‬

‫إبراهيم‪ ،‬و َمن َو َلدَ‬


‫َ‬ ‫إسامعيل ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بذكر‬ ‫الكتاب‬
‫َ‬ ‫مبتدئ هذا‬
‫ٌ‬ ‫وأنا إن شاء اهلل‬
‫َ‬
‫األول‬ ‫ِ‬
‫ألصالهبم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وأوالدهم‬ ‫صىل اهلل عليه وآله وس َّلم ِمن ِ‬
‫ولده‪،‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل َّ‬
‫يعرض ِمن‬ ‫ُ‬ ‫صىل اهلل عليه وآله وس َّلم‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل َّ‬ ‫َ‬
‫إسامعيل إىل‬ ‫فاألول‪ِ ،‬من‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لالختصار‪ ،‬إىل‬ ‫ِ‬
‫اجلهة‬ ‫َ‬
‫إسامعيل‪ ،‬عىل هذه‬ ‫غريهم ِمن ِ‬
‫ولد‬ ‫ذكر ِ‬ ‫ٌ‬ ‫حديثِهم‪،‬‬
‫وتارك َ‬
‫ِ‬
‫الكتاب‪،‬‬ ‫َ‬
‫إسحاق يف هذا‬ ‫ذكره اب ُن‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض ما َ‬ ‫وتارك َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫سرية‬ ‫حديث‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ذكر‪ ،‬وال َنز َل فيه ِمن‬‫صىل اهلل عليه وآله وس َّلم فيه ٌ‬ ‫لرسول اهلل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ممَّا ليس‬
‫تفسريا له‪ ،‬وال شاهدً ا عليه؛ ملا‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬
‫ليشء ِمن هذا‬ ‫يش ٌء‪ ،‬وليس سب ًبا‬
‫ً‬
‫عرفها‪،‬‬ ‫بالشعر َي ِ‬
‫ِ‬ ‫ذكرها مل َأر أحدً ا ِمن ِ‬
‫أهل العل ِم‬ ‫وأشعارا َ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫االختصار‪،‬‬ ‫ذكرت ِمن‬ ‫ُ‬
‫وبعض مل ُي ِق َّر‬
‫ٌ‬ ‫ذكره‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الناس ُ‬ ‫بعض‬
‫وبعض َي ُسو ُء َ‬‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫احلديث به‪،‬‬ ‫وأشيا َء بعضها َي ْشن ُُع‬
‫ومستقص ‪-‬إن شاء اهلل تعاىل‪ -‬ما ِس َوى ذلك منه بمبل ِغ‬ ‫ٍ‬ ‫البكائي بروايتِه‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫لنا‬
‫ِ‬
‫الرواية له‪ ،‬والعل ِم به‬
‫‪ | 21‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ِ -2‬ذكرُ نذر عبد املطلب ذبحَ ولدِه‬


‫كان عبدُ املطلب بن هاشم ‪-‬فيام يز ُعمون واهلل أعلم‪ -‬قد نذر حني ِلقي من‬
‫عرش ُة نفر‪ ،‬ثم بلغوا معه حتى يمنعوه‪،‬‬ ‫لقي عند حفر زمز َم‪ :‬لئن ُول ِدَ له َ‬
‫قريش ما َ‬
‫ِ‬
‫الكعبة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫نحرن أحدَ هم هلل عند‬ ‫ل َي‬
‫ربهم ِ‬
‫بنذره‪،‬‬ ‫مجعهم ثم أخ َ‬ ‫وعرف أهنم سيمنعونه‪َ َ ،‬‬ ‫فلام َتواِّف بنوه عرش ًة‪َ ،‬‬
‫نصنع؟ قال‪ :‬ليأخذ ُك ُّل رجل‬ ‫ِ‬
‫الوفاء هللِ بذلك‪ ،‬فأطاعو ُه وقالوا‪ :‬كيف‬ ‫ودعاهم إىل‬
‫ُ‬
‫اسمه‪ ،‬ثم ائتوين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫منكم قدْ ًحا ثم يكتب فيه َ‬
‫جوف الكعبة‪ ،‬وكان ُه َبل عىل بئر‬ ‫ِ‬ ‫فف َعلوا‪ ،‬ثم أتوه‪ ،‬فدخل هبم عىل ُه َبل يف‬
‫البئر هي التي ُجيمع فيها ما ُ ُْدَ ى للكعبة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يف َجوف الكعبة‪ ،‬وكانت تلك ُ‬
‫اض ْب عىل َبنِ َّي هؤالء ِبقداحهم هذه‬ ‫القداح‪ِ :‬‬ ‫فقال عبدُ املطلب لصاحب ِ‬
‫ِ‬
‫اسمه‪ ،‬وكان‬‫نذر‪ -‬فأعطاه ُك ُّل رجل منهم قدْ َحه الذي فيه ُ‬ ‫وأخربه بنذره الذي َ‬ ‫‪ََ -‬‬
‫أصغر بني أبيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫عبدُ اهلل ب ُن عبد املطلب‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬وكان عبدُ اهلل ‪-‬فيام يزعمون‪ -‬أحب ِ‬
‫ولد عبد املطلب‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫السهم إذا أخطأ ُه فقد َأ ْش َوى(‪ ،)1‬وهو أبو‬ ‫ِ‬
‫املطلب يرى أن‬ ‫إليه‪ ،‬فكان عبدُ‬
‫َ‬
‫اهلل ﷺ‪.‬‬
‫ضب هبا‪ ،‬قام عبدُ املطلب عند ُه َبل‬ ‫القداح ل َي‬ ‫داح‬ ‫فلام أخذ صاحب ِ‬
‫الق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عبد اهلل‪ ،‬فأخذه عبدُ‬ ‫القدْ ح عىل ِ‬ ‫صاحب القداح‪ ،‬فخرج ِ‬ ‫ِ‬ ‫يدعو اهلل‪ ،‬ثم ضب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إساف ونائل َة ليذ َب َح ُه‪ ،‬فقامت إليه‬
‫َ‬ ‫املطلب بيده وأخذ الش ْف َر َة‪ ،‬ثم أقبل به إىل‬
‫قريش من أنديتِها‪ ،‬فقالوا‪ :‬ماذا ُتريد يا عبدَ املطلب؟‬
‫ٌ‬

‫(‪َ )1‬أ ْش َوى‪ :‬أبقى‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪20‬‬

‫قال‪ :‬أذ َب ُحه‪.‬‬


‫فعلت هذا‬
‫َ‬ ‫فقالت له ُقريش وبنوه‪ :‬واهلل ال تذ َب ُحه أبدً ا حتى ُت َ‬
‫عذر فيه‪ ،‬لئن‬
‫ِ‬
‫الناس عىل هذا؟!‬ ‫ال ُ‬
‫يزال الرجل يأيت بابنه حتى يذ َب َحه‪ ،‬فام بقا ُء‬
‫ِ‬
‫وقال له املُغري ُة ب ُن عبد اهلل بن عمرو بن َخمزو ِم بن َي َقظ َة‪ ،‬وكان عبدُ اهلل ا ُ‬
‫بن‬
‫فداؤه بأموال ِنا فديناه‪.‬‬
‫عذر فيه‪ ،‬فإن كان ُ‬ ‫أخت القوم‪ :‬واهلل ال تذبحه أبدً ا حتى ُت َ‬
‫عرافة َلا‬ ‫ِ‬
‫احلجاز‪ ،‬فإن به َّ‬ ‫وانطلق به إىل‬
‫ْ‬ ‫قريش وبنوه‪ :‬ال ْ‬
‫تفعل‪،‬‬ ‫وقالت له ٌ‬
‫أمر ْتك ٍ‬
‫بأمر‬ ‫ِ‬ ‫رأس ِ‬
‫ِ‬ ‫تابع‪ ،‬فس ْلها‪ ،‬ثم أنت عىل‬
‫أمر ْتك بذبحه ذبح َته‪ ،‬وإن َ‬
‫أمرك‪ ،‬إن َ‬ ‫ٌ‬
‫لك وله فيه َف َر ٌج قبلته‪.‬‬
‫رب‪ ،‬فركبوا حتى‬ ‫قدموا املدين َة‪ ،‬فوجدوها ‪-‬فيام يزعمون‪َ -‬‬ ‫فانط َلقوا حتى ِ‬
‫بخي َ‬
‫رب ابنِه‪ ،‬وما أراد به ْ‬
‫ونذ َره‬ ‫ربه وخ َ‬
‫ص عليها عبدُ املطلب خ َ‬ ‫جاءوها‪ ،‬فسألوها‪ ،‬و َق َّ‬
‫ارجعوا عنِّي اليو َم حتى يأتِ َيني تابعي فأسأ ُله‪.‬‬‫فيه‪ ،‬فقالت َلم‪ِ :‬‬
‫ِ‬
‫املطلب يدعو اهلل‪ ،‬ثم َغدَ وا‬ ‫فرجعوا من عندها‪ ،‬فلام خرجوا عنها‪ ،‬قا َم عبدُ‬
‫ِ‬
‫اإلبل‪،‬‬ ‫عرش من‬‫رب‪ ،‬كم الدي ُة فيكم؟ قالوا‪ٌ :‬‬ ‫عليها‪ ،‬فقالت َلم‪ :‬قد جاءين اخل ُ‬
‫وكانت كذلك‪.‬‬
‫عرشا من اإل ِ‬ ‫ِ‬
‫بل‪،‬‬ ‫قربوا صاح َب ُكم‪ ،‬وقربوا ً‬
‫قالت‪ :‬فارجعوا إىل بالدكم‪ ،‬ثم ِّ‬
‫ِ‬
‫اإلبل‬ ‫داح‪ ،‬فإن خرجت عىل صاحبِكم فزيدوا من‬ ‫اضبوا عليها وعليه ِ‬
‫بالق ِ‬ ‫ثم ِ‬
‫فانحروها عنه‪ ،‬فقد ريض ر ُّبكم‪ ،‬ونجا‬
‫اإلبل َ‬‫ِ‬ ‫خرجت عىل‬ ‫َ‬ ‫حتى َيرىض ر ُّبكم‪ ،‬وإن‬
‫صاح ُب ُكم‪.‬‬
‫ِ‬
‫املطلب‬ ‫ِ‬
‫األمر‪ ،‬قام عبدُ‬ ‫قدموا م َّك َة‪ ،‬فلام أمجعوا عىل ذلك من‬ ‫فخرجوا حتى ِ‬
‫قائم عند ُه َبل يدعو‬ ‫ِ‬
‫اإلبل‪ ،‬وعبدُ املطلب ٌ‬ ‫وعرشا من‬
‫ً‬ ‫قربوا عبدَ اهلل‬
‫يدعو اهللَ‪ ،‬ثم َّ‬
‫القدح عىل ِ‬
‫عبد اهلل‪.‬‬ ‫اهللَ ‪ ،‬ثم ضبوا فخرج ِ‬
‫ُ‬
‫‪ | 22‬خمتصر السرية النبوية‬

‫هلل‬
‫اإلبل عرشين‪ ،‬وقام عبدُ املطلب يدعو ا َ‬ ‫ِ‬
‫اإلبل؛ فبلغت ُ‬ ‫عرشا من‬
‫فزادوا ً‬
‫القدح عىل ِ‬
‫عبد اهلل‪.‬‬ ‫‪ ،‬ثم َضبوا فخرج ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اإلبل؛ فبلغت ُ‬
‫اإلبل ثالثني‪ ،‬وقام عبدُ املطلب يدعو اهللَ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عرشا من‬
‫فزادوا ً‬
‫القدح عىل ِ‬
‫عبد اهلل‪.‬‬ ‫ثم َضبوا‪ ،‬فخرج ِ‬
‫َ‬
‫اإلبل؛ فبلغت ُ‬
‫اإلبل أربعني‪ ،‬وقام عبدُ امل َّطلب يدعو اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عرشا من‬
‫فزادوا ً‬
‫دح عىل عبد اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ثم َضبوا‪ ،‬فخرج الق ُ‬
‫اإلبل؛ فبلغت ُ‬
‫اإلبل مخسني‪ ،‬وقام عبدُ املطلب يدعو اهللَ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عرشا من‬
‫فزادوا ً‬
‫القدح عىل ِ‬
‫عبد اهلل‪.‬‬ ‫ثم ضبوا فخرج ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫هلل‪ ،‬ثم‬ ‫عرشا من اإلبل؛ فبلغت ُ‬
‫اإلبل ستني‪ ،‬وقام عبد املطلب يدعو ا َ‬ ‫فزادوا ً‬
‫القدح عىل ِ‬
‫عبد اهلل‪.‬‬ ‫ضبوا فخرج ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املطلب يدعو اهلل‪،‬‬ ‫عرشا من اإلبل؛ فبلغت ُ‬
‫اإلبل سبعني‪ ،‬وقام عبدُ‬ ‫فزادوا ً‬
‫ثم ضبوا فخرج القدح عىل ِ‬
‫عبد اهلل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املطلب يدعو اهلل‪ ،‬ثم‬ ‫عرشا من اإلبل؛ فبلغت ُ‬
‫اإلبل ثامنني‪ ،‬وقام عبدُ‬ ‫فزادوا ً‬
‫دح عىل عبد اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فخرج الق ُ‬
‫َ‬ ‫ضبوا‪،‬‬
‫ِ‬
‫اإلبل؛ فبلغت اإلبل تسعني‪ ،‬وقام عبدُ املطلب يدعو اهلل‪،‬‬ ‫عرشا من‬
‫فزادوا ً‬
‫القدح عىل ِ‬
‫عبد اهلل‪.‬‬ ‫ثم ضبوا‪ ،‬فخرج ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عرشا من اإلبل‪ ،‬فبلغت اإلبل مئ ًة‪ ،‬وقا َم عبدُ املطلب يدعو اهلل‪ ،‬ثم‬
‫فزادوا ً‬
‫ض‪ :‬قد انتهى رضا ر ِّبك يا‬ ‫دح عىل اإلبل؛ فقالت ٌ‬ ‫ِ‬
‫قريش ومن َح َ َ‬ ‫فخرج الق ُ‬
‫َ‬ ‫ضبوا‬
‫عبدَ املطلب‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪23‬‬

‫ٍ‬
‫مرات‪،‬‬ ‫أضب عليها ثالث‬ ‫فزعموا أن عبدَ املطلب قال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬حتى‬
‫َ‬
‫دح عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فضبوا عىل ِ‬
‫هلل‪ ،‬فخرج الق ُ‬
‫املطلب يدعو ا َ‬ ‫اإلبل‪ ،‬وقام عبدُ‬ ‫عبد اهلل وعىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دح عىل‬
‫قائم يدعو اهلل‪ ،‬فضبوا‪ ،‬فخرج الق ُ‬‫اإلبل‪ ،‬ثم عادوا الثاني َة‪ ،‬وعبد املطلب ٌ‬
‫القدح عىل‬‫اإلبل‪ ،‬ثم عادوا الثالث َة‪ ،‬وعبدُ املطلب قائم يدعو اهلل‪ ،‬فضبوا‪ ،‬فخرج ِ‬ ‫ِ‬
‫منع‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫إنسان وال ُي ُ‬ ‫اإلبل؛ فنُ ِح َرت‪ ،‬ثم ُت ِركت ال ُيصدُّ عنها‬
‫ِ‬
‫‪ -3‬زواجُ عبدِ اهلل من آمنةَ بنتِ وهب‬
‫عبد َمناف بن زهر َة بن‬ ‫بعبد اهلل حتى أتى به وهب بن ِ‬ ‫املطلب ِ‬
‫ِ‬ ‫خرج عبدُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لؤي بن غالب بن فِهر‪ ،‬وهو يومئذ س ِّيدُ بني زهر َة نس ًبا‬
‫كالب بن ُم َّرة بن كعب بن ِّ‬
‫ِ‬
‫أفضل امرأة يف قريش نس ًبا‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وهب‪ ،‬وهي يومئذ‬ ‫ورش ًفا‪ ،‬فزوجه ابنته آمن َة َ‬
‫بنت‬
‫و َموض ًعا‪.‬‬
‫‪ -4‬موتُ عبدِ اهلل‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫أن َ‬
‫هلك وأ ُّم‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ْ‬ ‫ثم مل يلبث عبدُ اهلل بن ِ‬
‫عبد املطلب أبو‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬
‫حامل به‪.‬‬ ‫اهلل ﷺ‬
‫‪ -5‬والدةُ رسولِ اهلل ﷺ ورضاعتُه‬
‫عرش َة ليل ًة َخ َلت‬
‫رسول اهلل ﷺ يو َم االثنني‪ ،‬الثنتي ْ َ‬‫ُ‬ ‫قال ابن إسحاق‪ُ :‬ولدَ‬
‫ِ‬
‫الفيل‪.‬‬ ‫من ِ‬
‫شهر ربي ٍع األول‪ ،‬عا َم‬
‫عبد املطلب‪ :‬أنه قد‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬فلام وضعته أمه ﷺ‪ ،‬أرس َلت إىل جدِّ ه ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُّ ُ‬
‫فنظر إليه‪ ،‬وحدَّ ثته بام رأت حني محلت به‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُولدَ لك غال ٌم‪ ،‬فأته فانظر إليه‪ ،‬فأتاه َ‬
‫ِ‬
‫وما قيل َلا فيه‪ ،‬وما ُأمرت به أن ُت ِّ‬
‫سم َيه‪.‬‬
‫ويشكر‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فدخل به الكعب َة‪ ،‬فقا َم يدعو اهلل‪،‬‬ ‫املطلب أخذه‪،‬‬‫ِ‬ ‫فيز ُعمون أن عبدَ‬
‫خرج به إىل أمه فدف َع ُه إليها‪.‬‬
‫له ما أعطا ُه‪ ،‬ثم َ‬
‫‪ | 24‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫سعد بن‬ ‫فاسرت َضع له امرأ ًة من بني‬ ‫الر َضعا َء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫والتمس لرسول اهلل ﷺ ُّ‬
‫ٍ‬
‫بكر‪ ،‬يقال َلا‪ :‬حليم ُة ابنة أيب ُذؤيب‪.‬‬

‫‪ -6‬نسبُ أبيه ﷺ يف الرَّضاع‪:‬‬

‫احلارث بن عبد ال ُع َّزى بن رفاعة بن َم َّال َن بن‬


‫ُ‬ ‫واسم أبيه الذي أرضع ُه ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫هوازن‪.‬‬ ‫نرص بن سعد بن ِ‬
‫بكر بن‬ ‫نارص َة بن ُفص َّية بن ِ‬

‫‪ -7‬إخوتُه ﷺ من الرَّضاع‪:‬‬
‫ِ‬
‫الرضاعة‪ :‬عبدُ اهلل بن احلارث‪ ،‬و ُأنيس ُة بنت‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وإخو ُته من‬
‫عرف يف‬
‫اسمها فال ُت ُ‬‫بنت احلارث وهي الشيامء‪ ،‬غلب ذلك عىل ِ‬ ‫وحذاف ُة ُ‬
‫ُ‬ ‫احلارث‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫احلارث‪ ،‬أ ِّم رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ؤيب ِ‬
‫عبد اهلل بن‬ ‫قومها إال به‪ ،‬وهم حلليم َة ِ‬
‫بنت أيب ُذ ٍ‬

‫‪ -8‬حديثُ حليمةَ عما رأَتهُ من اخلريِ بعد تَسلُّمها له ﷺ‬

‫بن أيب طالب‪ ،‬أو عمن حدَّ ثه عنه‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬عن ِ‬
‫عبد اهلل بن جعفر ِ‬ ‫ُ‬
‫قال‪ :‬كانت حليم ُة بنت أيب ُذ ٍ‬
‫ؤيب السعدي ُة ‪-‬أ ُّم رسول اهلل ﷺ التي أرضعت ُه‪-‬‬
‫سوة من بني‬‫صغري ُترضعه يف نِ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫زوجها‪ٍ ،‬‬
‫وابن َلا‬ ‫ُحتدِّ ث‪ :‬أهنا خرجت من ِ‬
‫بلدها مع ِ‬
‫بكر‪ ،‬تلتمس الرضعاء‪ ،‬قالت‪ :‬وذلك يف ٍ‬
‫سنة شهبا َء‪ ،‬مل ُت ِبق لنا شي ًئا‪.‬‬ ‫سعد بن ٍ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫شارف(‪ )2‬لنا‪ ،‬واهلل ما تبِ ُّض‬
‫ٌ‬ ‫فخرجت عىل ٍ‬
‫أتان يل َق ْمراء(‪ ،)1‬معنا‬ ‫ُ‬ ‫قالت‪:‬‬
‫بقطرة‪ ،‬وما ننام ليلنا أمجع من صبينا الذي معنا‪ ،‬من ِ‬
‫بكائه من اجلو ِع‪ ،‬ما يف َثد َي َّي‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬

‫(‪َ )1‬ق ْمراء‪ :‬بيضاء‪.‬‬


‫الش ِ‬
‫ارف‪ :‬الناقة املسنة‪.‬‬ ‫(‪َّ )2‬‬
‫(‪ )3‬ما َتبِ ُّض‪ :‬ما تنشغ وال ترشح‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪25‬‬

‫فخرجت عىل‬
‫ُ‬ ‫والفرج؛‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الغيث‬ ‫ما ُيغنيه‪ ،‬وما يف ِ‬
‫شارفنا ما ُيغدِّ يه‪ ،‬ولكنا كنا نرجو‬
‫شق ذلك عليهم ضع ًفا و َع َج ًفا(‪ ،)2‬حتى‬‫كب حتى َّ‬ ‫بالر ِ‬‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫أتاين تلك فلقد أ َذ َّمت‬
‫رسول اهلل ﷺ‬‫ُ‬ ‫رض عليها‬ ‫نلتمس الرضعا َء‪ ،‬فام منا امرأ ٌة إال وقد ُع َ‬
‫ُ‬ ‫قدمنا مكة‬
‫الصبي‪ ،‬ف ُكنا‬ ‫املعروف من أيب‬ ‫يتيم؛ وذلك أنا إنام كنا نرجو‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫فتأبا ُه إذا قيل َلا‪ :‬إنه ٌ‬
‫نكره ُه لذلك‪ ،‬فام َبقيت امرأ ٌة‬
‫ُ‬ ‫وجدُّ ه! فكنا‬
‫يتيم! وما عسى أن تصنع أ ُّمه َ‬ ‫نقول‪ٌ :‬‬
‫أخذت رضي ًعا‪ ،‬غريي‪.‬‬ ‫قد َمت معي إال َ‬ ‫ِ‬

‫أرجع من بني‬
‫َ‬ ‫ألكر ُه أن‬
‫َ‬ ‫لت لصاحبي‪ :‬واهلل إين‬ ‫االنطالق ُق ُ‬
‫َ‬ ‫فلام أمجعنا‬
‫آخذ رضي ًعا‪ ،‬واهلل ألذه َب َّن إىل ذلك اليتي ِم فآلخذ َّنه‪ ،‬قال‪ :‬ال عليك‬ ‫ِ‬
‫صواحبي ومل ُ‬
‫أن تفعيل‪ ،‬عسى اهلل أن َ‬
‫جيعل لنا فيه برك ًة‪.‬‬
‫غريه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فذهبت إليه فأخذ ُته‪ ،‬وما محلني عىل أخذه إال أين مل أجد َ‬
‫ُ‬ ‫قالت‪:‬‬
‫عت به إىل رحيل‪ ،‬فلام وضع ُته يف ِحجري أقبل عليه‬ ‫رج ُ‬
‫قالت‪ :‬فلام أخذ ُته‪َ ،‬‬
‫ورشب معه أخوه حتى ُروي‪ ،‬ثم ناما‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فرش َب حتى روي‪،‬‬ ‫لبن‪ِ ،‬‬‫ثدياي بام شا َء من ٍ‬
‫َ‬
‫ب‬‫فح َل َ‬ ‫ٌ‬
‫حلافل‪َ ،‬‬ ‫شارفِنا تلك‪ ،‬فإذا إهنا‬
‫وما كنا ننا ُم معه قبل ذلك‪ ،‬وقام زوجي إىل ِ‬
‫بخري ٍ‬
‫ليلة‪.‬‬ ‫ورش ْب ُت معه حتى انتهينا ر ايا وشب ًعا‪ ،‬فبتنا ِ‬
‫رشب‪ِ ،‬‬ ‫منها ما‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أخذت‬ ‫قالت‪ :‬يقول صاحبي حني أصبحنا‪ :‬تع َّلمي واهلل يا حليم ُة‪ ،‬لقد‬
‫نسم ًة مبارك ًة‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬واهلل إين ألرجو ذلك‪.‬‬
‫وركبت أنا أتاين‪ ،‬ومحل ُته عليها معي‪ ،‬فواهلل ل َق َط َعت‬
‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬ثم خرجنا‬
‫ِ‬
‫صواحبي لي ُقلن يل‪ :‬يا ابن َة أيب‬ ‫محرهم‪ ،‬حتى إن‬ ‫يقدر عليها يش ٌء من ُ ُ‬ ‫بالر ِ‬
‫كب ما ُ‬ ‫َّ‬

‫(‪َ )1‬أ َذ َّمت‪ :‬تأخرت‪.‬‬


‫(‪ )2‬ال َع َجف‪ :‬اَلزال‪.‬‬
‫‪ | 26‬خمتصر السرية النبوية‬

‫حيك! ار َبعي علينا(‪ ،)1‬أليست هذه أتا ُنك التي كنت خرجت عليها؟!‬ ‫ذؤيب‪ ،‬و َ‬
‫َلي ِه َي‪ ،‬فيقلن‪ :‬واهلل إن َلا لشأ ًنا‪.‬‬
‫َلن‪ :‬بىل واهلل‪ ،‬إهنا َ‬ ‫فأقول َّ‬
‫ِ‬
‫أرض اهلل‬ ‫أرضا من‬ ‫عد‪ ،‬وما أعلم ً‬ ‫بالد بني س ٍ‬‫قدمنا منازلنا من ِ‬ ‫قالت‪ :‬ثم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فنحلب‬ ‫شباعا ُل َّبنًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫قدمنا به معنا‬ ‫أجدب منها‪ ،‬فكانت َغنمي تروح عيل حني ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫لبن‪ ،‬وال جيدُ ها يف ض ٍع‪ ،‬حتى كان احلاضون‬ ‫إنسان قطر َة ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ونرشب‪ ،‬وما حيلب‬‫ُ‬
‫بنت أيب ذؤيب‪،‬‬ ‫عياهنم‪ :‬وي َل ُكم ارسحوا حيث يرسح راعي ِ‬ ‫قومنا يقولون لر ِ‬ ‫من ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شباعا ُل َّبنًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫لبن‪ ،‬وتروح غنمي‬ ‫ِ‬
‫بقطرة ٍ‬ ‫فرتوح أغنا ُمهم جيا ًعا ما َتبِ ُّض‬‫ُ‬
‫واخلري حتى مضت سنتا ُه وفص ْل ُته‪ ،‬وكان‬ ‫َ‬ ‫ف من اهلل الزياد َة‬‫نتعر ُ‬
‫فلم نزل َّ‬
‫الغلامن‪ ،‬فلم يبلغ سنتيه حتى كان غال ًما َج ْف ًرا(‪.)2‬‬‫يشب شبابا ال يشبه ِ‬‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬
‫أحرص يشء عىل ُمكثِه فينا‪ ،‬مل ِا كنا نرى من‬
‫ُ‬
‫قالت‪ِ :‬‬
‫فقدمنا به عىل ُأ ِّمه ونحن‬
‫ِ‬
‫تركت ُبنَ َّي عندي حتى َيغ ُل َظ‪ ،‬فإين أخشى عليه‬ ‫بركتِه؛ فك َّلمنا أ َّمه وقلت َلا‪ :‬لو‬
‫وبأ مك َة‪ ،‬قالت‪ :‬فلم َن َزل هبا حتى َر َّدته معنا‪.‬‬
‫‪ -9‬حديث املَلكني اللذين شقَّا بطنَه ﷺ‬
‫بأشه ٍر مع أخيه لفي َ ْهب ٍم(‪ )3‬لنا‬ ‫قدمنا به‬ ‫قالت‪ :‬فرجعنا به‪ ،‬فواهلل إنه بعد م ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ريش قد َ‬ ‫ِ‬
‫أخذ ُه‬ ‫خلف بيوتنا‪ ،‬إذ أتانا أخوه يش َتدُّ ‪ ،‬فقال يل وألبيه‪ :‬ذاك أخي ال ُق ُّ‬
‫َ‬
‫بيض‪ ،‬فأضجعا ُه‪ ،‬فش َّقا بطنَ ُه‪ ،‬فهام َيسوطانِه(‪.)4‬‬
‫ثياب ٌ‬
‫رجالن عليهام ٌ‬

‫(‪ )1‬ار َب ِعي‪ :‬أقيمي وانتظري‪.‬‬


‫(‪َ )2‬ج ْف ًرا‪ :‬غلي ًظا شديدً ا‪.‬‬
‫(‪ْ َ )3‬هبم‪ :‬مجع هبيمة‪ ،‬وهي أوالد الضأن‪.‬‬
‫(‪َ )4‬يسوطانه‪ :‬أي يدخالن يدُام يف بطنه‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪27‬‬

‫وجهه‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫فخرجت أنا وأبوه نحوه‪َ ،‬فوجدناه قائام م ِ‬


‫نتق ًعا‬ ‫ُ‬ ‫قالت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ً ُ‬ ‫َ َ‬
‫فالتزم ُته والتز َم ُه أبوه‪ ،‬فقلنا له‪ :‬ما لك يا ُبني؟‬
‫فالتمسا‬
‫َ‬ ‫يض‪ ،‬ف َأضجعاين‪ ،‬وش َّقا بطنِي‪،‬‬ ‫ثياب بِ ٌ‬
‫قال‪ :‬جاءين رجالن عليهام ٌ‬
‫فيه شي ًئا ال أدري ما هو؟! قالت‪ :‬فرجعنا به إىل ِخ ِ‬
‫بائنا‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ -11‬رجوع حليمةَ به ﷺ إىل أُمِّه‬
‫قالت‪ :‬وقال يل أبوه‪ :‬يا حليم ُة‪ ،‬لقد ِ‬
‫يت أن يكون هذا الغال ُم قد ُأ َ‬
‫صيب‬ ‫خش ُ‬
‫فأحلقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به‪ ،‬قالت‪ :‬فاح َتملناه‪ِ ،‬‬
‫فقدمنا به عىل ُأ ِّمه‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫كنت حريص ًة عليه‪ ،‬وعىل ُمكثِه عندك؟ قالت‪ :‬فقلت‪:‬‬ ‫ما أقدَ م ِك به يا ظِئر(‪ )1‬وقد ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫األحداث عليه‪ ،‬فأ َّديته إليك كام‬ ‫وختوفت‬
‫َّ‬ ‫عيل‪،‬‬ ‫قد بلغ اهلل بابني و َق ُ‬
‫ضيت الذي َّ‬
‫ربك‪ .‬قالت‪ :‬فلم تدعني حتى‬ ‫ُحت ِّبني‪ ،‬قالت‪ :‬ما هذا شأ ُنك؟! فاصدقيني خ َ‬
‫َ‬
‫الشيطان؟ قالت‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬كال‪ ،‬واهلل ما‬ ‫خوفت عليه‬
‫أخربهتا‪ .‬قالت‪ :‬أف َت َّ‬
‫ُ‬
‫ربه؟ قالت‪ :‬قلت‪ :‬بىل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ربك خ َ‬
‫سبيل‪ ،‬وإن ل ُبنَ َّي لشأ ًنا‪ ،‬أفال أخ ُ‬ ‫للشيطان عليه من‬
‫من‬ ‫رصى‬
‫قصور ُب ْ َ‬ ‫محلت به‪ ،‬أنه َخ َر َج مني ٌ‬
‫نور أضا َء يل‬ ‫رأيت حني َ‬‫ُ‬ ‫قالت‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬
‫أيرس‬
‫عيل وال َ‬‫أخف َّ‬ ‫َّ‬ ‫مح ٍل قط كان‬
‫رأيت من ْ‬
‫ُ‬ ‫أرض الشأ ِم‪ ،‬ثم محلت به‪ ،‬فواهلل ما‬
‫ِ‬
‫السامء‪ ،‬دعيه‬ ‫رأسه إىل‬
‫رافع َ‬
‫لواضع يديه باألرض‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫منه‪ ،‬ووقع حني ولد ُته وإنه‬
‫عنك وان َطلِقي راشد ًة‪.‬‬
‫‪ -11‬هو واألنبياءُ قبلَه رَ َعوا الغنمَ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬ما من نبي إال وقد رعى‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان‬ ‫قال ابن‬
‫َ‬
‫رسول اهلل؟ قال‪« :‬وأنا»‪.‬‬ ‫الغنم»‪ .‬قيل‪ :‬وأنت يا‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬ال ِّظئر‪ :‬املرضعة‪.‬‬


‫رصى‪ :‬مدينة بالقرب من دمشق بالشام‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ب ْ َ‬
‫‪ | 28‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ -12‬اعتزازُه ﷺ بقُرشيَّته واسرتضاعِه يف بين سعدٍ‬


‫يقول ألصحابِه‪« :‬أنا أعر ُب ُكم؛ أنا‬
‫رسول اهلل ﷺ ُ‬
‫ُ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وكان‬
‫بكر»‪.‬‬ ‫عت يف بني ِ‬
‫سعد بن ٍ‬ ‫واست ِض ُ‬
‫ُ‬ ‫قرش‪،‬‬
‫ي‬
‫‪ -13‬وفاة آمنةَ وحالُ رسولِ اهلل ﷺ مع جدِّه عبدِ املطلب بعدها‬
‫رسول اهلل ﷺ مع ُأمه آمن َة بنت وهب‪ ،‬وجدِّ ه ِ‬
‫عبد‬ ‫ُ‬ ‫ابن إسحاق‪ :‬وكان‬
‫ِّ‬ ‫قال ُ‬
‫املطلب بن هاش ٍم يف كالءة اهلل وحفظِه‪ُ ،‬ينبته اهلل نبا ًتا حسنًا ملا يريدُ به من كرامته‪.‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫حممد بن عمرو بن حز ٍم‪ :‬أن ُأ َّم‬ ‫بكر بن ِ‬ ‫حدَّ ثني عبد اهلل بن أيب ِ‬
‫ِ‬
‫واملدينة‪ ،‬كانت قد‬ ‫ِ‬
‫باألبواء‪ ،‬بني م َّك َة‬ ‫ست سنني‬ ‫ُ‬ ‫آمن َة ُتو ِّفيت‬
‫ورسول اهلل ﷺ اب ُن ِّ‬
‫ِ‬
‫النجار‪ُ ،‬ت ِز ُيره إ َّياهم‪ ،‬فامتت وهي راجع ٌة‬ ‫دي بن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قد َمت به عىل أخواله من بني َع ِّ‬
‫به إىل م َّك َة‪.‬‬
‫رسول اهلل ﷺ مع جدِّ ه ِ‬
‫عبد امل َّطلب بن هاشم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فكان‬
‫حول فِراشه‬
‫ظل الكعبة‪ ،‬فكان َبنوه َجيلسون َ‬ ‫لعبد املطلب فِ ٌ‬
‫راش يف ِّ‬ ‫وضع ِ‬ ‫وكان ُي َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ً‬
‫إجالال له‪ ،‬قال‪ :‬فكان‬ ‫جيلس عليه أحدٌ من بنيه‬
‫خيرج إليه‪ ،‬ال ُ‬
‫ذلك حتى َ‬
‫ليؤخروه عنه‪ ،‬فيقول‬ ‫َ‬
‫فيأخذه أعام ُمه ِّ‬ ‫فر‪ ،‬حتى جيلس عليه‪،‬‬ ‫ﷺ يأيت وهو غال ٌم َج ٌ‬
‫عبدُ املطلب‪ ،‬إذا رأى ذلك منهم‪َ :‬دعوا ابني‪ ،‬فواهلل إن له لشأ ًنا‪ ،‬ثم ُجيلِ ُسه معه عىل‬
‫يصنع‪.‬‬ ‫رسه ما يراه‬ ‫ِ‬
‫الف ِ‬
‫ُ‬ ‫ظهره بيده‪ ،‬و َي ُ ُّ‬
‫مسح َ‬ ‫راش‪ ،‬و َي ُ‬
‫‪ -14‬وفاةُ عبدِ املطلب‬

‫هلك عبدُ امل َّطلب بن هاشم‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ ثامين سنني َ‬ ‫فلام َ‬
‫بلغ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الفيل بثامين سنني‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪29‬‬

‫‪ -15‬واليةُ العبَّاس على سِقاية زمزمَ‬


‫ِ‬
‫املطلب بن هاشم َو ِ َيل زمز َم والسقاي َة عليها‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فلام هلك عبدُ‬
‫أحدث إخوتِه سناا‪ ،‬فلم ْ‬
‫تزل إليه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ من‬ ‫بعده العباس بن ِ‬
‫عبد املطلب‪ ،‬وهو‬ ‫ُ ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ له عىل ما مىض من ِواليتِه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فأقرها‬ ‫ِ‬
‫حتى قام اإلسال ُم وهي بيده‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫العباس إ َّياها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العباس‪ ،‬بوالية‬ ‫فهي إىل ِ‬
‫آل‬
‫‪ -16‬كفالةُ أبي طالبٍ لرسولِ اهلل ﷺ‬
‫عمه أيب طالب‪ ،‬وكان عبدُ املطلب‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بعد عبد املطلب مع ِّ‬ ‫فكان‬
‫ألن عبدَ اهلل أبا رسول اهلل ﷺ‬ ‫ٍ‬
‫طالب؛ وذلك َّ‬ ‫عمه أبا‬
‫‪-‬فيام َيزعمون‪ -‬يويص به َّ‬
‫طالب أخوان ٍ‬
‫ألب وأ ٍّم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأبا‬
‫‪ -17‬نزولُ أبي طالبٍ ورسولِ اهلل ﷺ ببَ ِح ْي َرى‬
‫تاجرا إىل الشأم‪ ،‬فلام هت َّيأ‬
‫ركب ً‬ ‫ٍ‬ ‫إن أبا طالب َخ َر َج يف‬‫ابن إسحاق‪ :‬ثم َّ‬
‫قال ُ‬
‫رق له أبو‬ ‫رسول اهلل ﷺ ‪-‬فيام َيزعمون‪َ -‬ف َّ‬ ‫ُ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ِ‬
‫للرحيل‪ ،‬وأمجع املَسري صب به‬
‫ٍ‬
‫طالب وقال‪ :‬واهلل ألخرج َّن به معي‪ ،‬وال ُيفار ُقني‪ ،‬وال أفار ُقه أبدً ا‪ ،‬أو كام قال‪.‬‬
‫راهب ُيقال له‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫أرض الشأم‪ ،‬وهبا‬ ‫الركب ُبرصى من‬
‫ُ‬ ‫فلام َن َز َل‬
‫فخرج به معه َّ‬
‫ِ‬
‫الصومعة‬ ‫ِ‬
‫النرصانية‪ ،‬ومل يزل يف تلك‬ ‫لم أهل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َبحريى يف صومعة له‪ ،‬وكان إليه ع ُ‬
‫كتاب فيها ‪-‬فيام يزعمون‪ -‬يتوارثو َنه‬‫ٍ‬ ‫علمهم عن‬ ‫راهب‪ ،‬إليه يصري ُ‬ ‫ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫منذ قط‬
‫كابرا عن ٍ‬
‫كابر‪.‬‬ ‫ً‬

‫(‪ )1‬صب به‪ :‬مال إليه‪.‬‬


‫(‪ )2‬منذ َق ُّط‪ :‬أي منذ دهر‪.‬‬
‫‪ | 31‬خمتصر السرية النبوية‬

‫كثريا ما يمرون به قبل ذلك فال‬ ‫فلام نزلوا ذلك العام ب َبحريى وكانوا ً‬
‫يعرض َلم حتى كان ذلك العا ُم‪ ،‬فلام نزلوا به قري ًبا من صومعتِه‬
‫ُ‬ ‫يك ِّلمهم وال‬
‫كثريا‪ ،‬وذلك ‪-‬فيام يزعمون‪ -‬عن يشء رآه وهو يف صو َمعتِه‪،‬‬ ‫صنع َلم طعا ًما ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الركب حني أق َبلوا‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ ‪-‬وهو يف صومعتِه‪ -‬يف‬ ‫َ‬ ‫َيزعمون أ َّنه رأى‬
‫و َغامم ٌة ُتظ ُّله من بني القوم‪.‬‬
‫ِ‬
‫الغاممة حني أظ َّلت‬ ‫ٍ‬
‫شجرة قري ًبا منه‪ ،‬فنظر إىل‬ ‫قال‪ :‬ثم أق َبلوا‪ ،‬فنزلوا يف ظِ ِّل‬
‫َّ‬
‫استظل حتتها‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ حتى‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشجرة عىل‬ ‫ُ‬
‫أغصان‬ ‫وهت َّرصت‬
‫الشجر َة‪َ َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫صنعت‬
‫ُ‬ ‫أرسل إليهم‪ ،‬فقال‪ِّ :‬إين قد‬‫َ‬ ‫فلام رأى ذلك َبحريى نزل من صومعتِه‪ ،‬ثم‬ ‫َّ‬
‫وكبريكم‬ ‫صغريكم‬ ‫حتضوا ك ُّلكم‪،‬‬ ‫ب أن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قريش‪ ،‬فأنا أح ُّ‬ ‫معرش‬
‫َ‬ ‫لكم طعا ًما يا‬
‫وح ُّركم‪.‬‬
‫وعبدُ كم ُ‬
‫تصنع هذا‬
‫ُ‬ ‫فقال له رجل منهم‪ :‬واهلل يا َبحريى إن لك لشأ ًنا اليو َم‪ ،‬فام كنت‬
‫كثريا‪ ،‬فام شأ ُنك اليوم؟ قال له َبحريى‪ :‬صدقت‪ ،‬قد كان ما‬
‫بنا‪ ،‬وقد كنَّا نمر بك ً‬
‫وأصنع لكم طعا ًما فتأكلوا منه‬
‫َ‬ ‫أحببت أن أكرمكم‬
‫ُ‬ ‫ضيف‪ ،‬وقد‬
‫ٌ‬ ‫تقول‪ ،‬ولكنكم‬
‫ك ُّلكم‪.‬‬
‫رسول اهلل ﷺ من بني القو ِم‪ ،‬حلدا َث ِة ِسنِّه‪ ،‬يف رحال‬ ‫ُ‬ ‫فاجتمعوا إليه‪ ،‬وخت َّلف‬
‫الصف َة التي ِ‬ ‫ِ‬
‫يعرف وجيد عنده‪،‬‬ ‫القوم حتت الشجرة‪ ،‬فلام نظر َبحريى يف القو ِم مل َير ِّ‬
‫ريش‪ ،‬ال يتخ َّلف َّن أحدٌ منكم عن طعامي‪ ،‬قالوا له‪ :‬يا َبحريى‪ ،‬ما‬ ‫معرش ُق ٍ‬
‫َ‬ ‫فقال‪ :‬يا‬
‫أحدث القو ِم ِسناا‪ ،‬فتخلف يف‬ ‫ُ‬ ‫ختلف عنك أحدٌ ينبغي له أن يأت َيك إال غال ٌم‪ ،‬وهو‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫رحاَلم‪.‬‬

‫(‪َ َ )1‬هت َّرصت‪ :‬مالت وتدلت‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪30‬‬

‫حض هذا الطعا َم معكم‪ ،‬قال‪ :‬فقال ٌ‬


‫رجل من‬ ‫فقال‪ :‬ال تفعلوا‪ ،‬ادعوه فل َي ُ‬
‫يتخلف ابن ِ‬
‫عبد اهلل بن‬ ‫ِ‬
‫الالت وال ُع َّزى‪ ،‬إن كان ل ُل ْؤ ٌم بنا أن‬ ‫ُق ٍ‬
‫ريش مع القو ِم‪ :‬و‬
‫َ ُ‬
‫فاحتضن ُه وأج َلسه مع القو ِم‪.‬‬
‫َ‬ ‫عبد امل َّطلب عن طعام ِمن بيننا‪ ،‬ثم قام إليه‬
‫ِ‬

‫ِ‬
‫جسده‪ ،‬قد‬ ‫وينظر إىل أشيا َء من‬ ‫يلح ُظه حل ًظا شديدً ا‬
‫ُ‬ ‫فلام رآه َبحريى جعل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كان جيدُ ها عندَ ه من صفته‪ ،‬حتى إذا فر َغ القو ُم من طعامهم َّ‬
‫وتفرقوا‪ ،‬قام إليه‬
‫ِ‬
‫الالت وال ُع َّزى إال ما أخربتني عام أسأ ُلك‬ ‫َبحريى‪ ،‬فقال له‪ :‬يا غال ُم‪ ،‬أسألك بحق‬
‫عنه‪ ،‬وإنام قال له َبحريى ذلك‪ ،‬أل َّنه سمع قو َمه َحيلفون هبام‪.‬‬

‫بالالت وال ُع َّزى‪ ،‬فواهلل ما‬ ‫َ‬


‫رسول اهلل ﷺ قال له‪ :‬ال تسألني َّ‬ ‫فزعموا أن‬
‫غضهام‪ ،‬فقال له َبحريى‪ :‬فباهلل إال ما أخرب َتني عام أسأ ُلك عنه‪،‬‬ ‫أبغضت شي ًئا ُّ‬
‫قط ُب َ‬ ‫ُ‬
‫فقال له‪ :‬س ْلني َّ‬
‫عام بدا لك‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫َ‬
‫فجعل‬ ‫ِ‬
‫وأموره‪،‬‬ ‫نومه وهيئتِه‬
‫فجعل يسأ ُله عن أشياء من حاله يف ِ‬
‫َ‬
‫خاتم‬
‫َ‬ ‫وافق ذلك ما عند َبحريى من صفتِه‪ ،‬ثم نظر إىل ظهره‪ ،‬فرأى‬ ‫ﷺ ُخيربه‪ ،‬ف ُي ُ‬
‫موضعه من صفتِه التي عندَ ه‪.‬‬
‫النبوة بني كتِفيه عىل ِ‬
‫ِ‬

‫عمه أيب طالب‪ ،‬فقال له‪ :‬ما هذا الغال ُم‬ ‫فلام فر َغ‪ ،‬أقبل عىل ِّ‬
‫قال اب ُن إسحاق‪َّ :‬‬
‫منك؟ قال‪ :‬ابني‪ .‬قال له َبحريى‪ :‬ما هو بابن ِك‪ ،‬وما ينبغي َلذا الغال ِم أن يكون‬
‫أبو ُه ح ايا‪ ،‬قال‪ :‬فإنه اب ُن أخي‪ ،‬قال‪ :‬فام فعل أبو ُه؟ قال‪ :‬مات و ُأ ُّمه ُحبىل به‪ ،‬قال‪:‬‬
‫واح َذ ْر عليه ُو َد‪ ،‬فواهلل لئن رأوه وعرفوا‬ ‫ِ‬
‫فارجع بابن أخيك إىل بلده‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫قت‪،‬‬
‫صدَ َ‬
‫ِ‬
‫فأرسع به إىل‬ ‫عظيم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫كائن البن أخيك هذا ٌ‬
‫شأن‬ ‫ٌ‬ ‫رشا‪ ،‬فإنه‬‫منه ما عرفت ل َي ْب ُغنَّه ا‬
‫ِ‬
‫بالده‪.‬‬
‫‪ | 32‬خمتصر السرية النبوية‬

‫طالب رسي ًعا حتى أقدمه م َّك َة حني فرغ من ِتارتِه‬


‫ٍ‬ ‫عمه أبو‬
‫فخرج به ُّ‬
‫بالشأم‪.‬‬
‫ِ‬
‫اجلاهلية‪ ،‬ملا‬ ‫ِ‬
‫أقذار‬ ‫وحيوطه من‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬واهلل تعاىل َيكلؤه وحيف ُظه َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫فش َّ‬
‫قومه ُمروء ًة‪ ،‬وأحسنَهم‬‫وأفضل ِ‬
‫َ‬ ‫يريد به من َكرامتِه ورسالته‪ ،‬حتى بلغ أن كان ً‬
‫رجال‪،‬‬
‫وأعظمهم ِح ًلام‪ ،‬وأصد َقهم حدي ًثا‪،‬‬
‫َ‬ ‫وارا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حس ًبا‪ ،‬وأحسنَهم ج ً‬ ‫ُخل ًقا‪ ،‬وأكرمهم َ‬
‫تنز ًها‬ ‫َ‬
‫الرجال‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫واألخالق التي ُتد ِّنس‬ ‫وأع َظ َمهم أمان ًة‪ ،‬وأبعدَ هم من ال ُف ِ‬
‫حش‬
‫ِ‬
‫الصاحلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫مجع اهلل فيه من‬ ‫ُ ِ‬
‫األمني‪ ،‬ملا َ‬ ‫اسمه يف قومه إال‬
‫وتكر ًما‪ ،‬حتى ما ُ‬
‫‪ -18‬حديثُه ﷺ عن عصمةِ اهلل له يف طفولتِه‬
‫ث عام كان اهلل حيف ُظه به يف ِص َغره‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ‪-‬فيام ذكر يل‪ُ -‬حيدِّ ُ‬ ‫وكان‬
‫وأمر جاهليته‪ ،‬أنه قال‪« :‬لقد رأي ُتني يف ِغلامن قريش نن ُقل حجارة لبعض ما َيلعب‬ ‫ِ‬
‫فإين‬ ‫به ِ‬
‫إزاره فجعله عىل رق َبته‪ ،‬حيمل عليه احلجار َة‪ِ ،‬‬‫عرى‪ ،‬وأخذ َ‬ ‫لامن‪ ،‬كلنا قد َت َّ‬
‫الغ ُ‬
‫دبر‪ ،‬إذ لكمني الكم ما أراه‪ ،‬لكمة وجيعة‪ ،‬ثم قال‪ُ :‬شدَّ‬ ‫قبل معهم كذلك ُ‬
‫وأ ُ‬ ‫ألُ ُ‬
‫أمحل احلجارة عىل رق َبتي‬‫عل‪ ،‬ثم جعلت ُ‬ ‫إزارك» قال‪« :‬فأخذ ُته وشددته َّ‬ ‫عليك َ‬
‫عل من بني أصحايب»(‪.)1‬‬
‫وإزاري َّ‬
‫‪ -19‬حربُ الفِجارِ‬
‫مخس عرش َة سن ًة‬
‫عرشة سن ًة أو َ‬
‫أربع َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫قال اب ُن هشام‪ :‬فلام َ‬
‫بلغ‬
‫بن العالء‪ -‬هاجت حرب ِ‬
‫الف َجار‬ ‫النحوي‪ ،‬عن أيب عمرو ِ َ‬
‫ُّ‬ ‫‪-‬فيام حدثني أبو ُعبيد َة‬
‫قريش ومن معهم من كِنان َة‪ ،‬وبني قيس َع َ‬
‫يالن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بني‬

‫(‪ )1‬قال السهييل يف التعليق عىل هذه القصة‪ :‬وهذه القصة إنام وردت يف احلديث الصحيح يف حني بنيان‬
‫الكعبة‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪33‬‬

‫أخرجه أعام ُمه معهم‪.‬‬


‫َ‬ ‫بعض أيامهم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ِ‬
‫وشهدَ‬

‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬كنت ُأ َن ِب ُل عىل أعاممي» أي‪ُ :‬أر ُّد عليهم َن َبل ِّ‬
‫عدوهم‬ ‫ُ‬ ‫وقال‬
‫إذا رموهم هبا‪.‬‬
‫‪ -21‬حديثُ تزويجِ رسولِ اهلل ﷺ خدجيةَ ‪‬‬
‫تزوج خدجي َة‬
‫مخسا وعرشين سن ًة َّ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫بن هشام‪ :‬فلام َ‬
‫بلغ‬ ‫قال ا ُ‬
‫بنت خويلد‪.‬‬
‫خويلد امرأ ًة تاجر ًة ذات رشف‬ ‫ٍ‬ ‫إسحاق‪ :‬وكانت خدجي ُة بنت‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫بيشء تع ُله َلم‪ ،‬وكانت قريش‬ ‫ٍ‬ ‫ضار ُهبم إياه‬‫الرجال يف ماَلا و ُت ِ‬
‫َ‬ ‫ومال‪ ،‬تستأجر‬ ‫ٍ‬
‫قوما ُتارا‪ ،‬فلام بلغها عن رسول اهلل ﷺ ما بل َغها‪ ،‬من ِصدق حديثِه‪ِ ،‬‬
‫وع َظ ِم‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مال َلا إىل الشأ ِم‬‫فعرضت عليه أن َخيرج يف ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أمانتِه‪ ،‬وكر ِم أخالقه‪َ ،‬بعثت إليه‬
‫ِ‬
‫التجار‪ ،‬مع غال ٍم َلا ُيقال له‪:‬‬ ‫غريه من‬ ‫َ‬
‫أفضل ما كانت ُتعطي َ‬ ‫تاجرا‪ ،‬و ُتعطيه‬‫ً‬
‫وخرج معه غال ُمها‬‫َ‬ ‫وخرج يف ماَلا ذلك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ منها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َميرس ُة‪ ،‬فقبِله‬
‫ميرس ُة حتى ِ‬
‫قدم الشأ َم‪.‬‬ ‫َ‬
‫الرهبان‪،‬‬ ‫راهب من ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫فنزل رسول اهلل ﷺ يف ِظ ِّل شجرة قري ًبا من صومعة‬
‫ِ‬
‫الشجرة؟‬ ‫نزل حتت هذه‬‫الرجل الذي َ‬
‫ُ‬ ‫فا َّطلع الراهب إىل ميرس َة‪ ،‬فقال له‪َ :‬م ْن هذا‬
‫ٍ‬
‫قريش من أهل احلر ِم‪.‬‬ ‫قال له َميرس ُة‪ :‬هذا رجل من‬
‫ِ‬
‫الشجرة َق ُّط إال َنبي‪.‬‬ ‫الراهب‪ :‬ما نزل حتت هذه‬ ‫فقال له‬
‫ُ‬
‫شرتي‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِسلعته التي خرج هبا‪ ،‬واشرتى ما أرا َد أن َي‬
‫ُ‬ ‫باع‬
‫ثم َ‬
‫قافال إىل م َّك َة ومعه َميرس ُة‪.‬‬ ‫َ‬
‫أقبل ً‬
‫‪ | 34‬خمتصر السرية النبوية‬

‫احلر‪ ،‬يرى َملكني‬


‫فكان َميرس ُة ‪-‬فيام َيز ُعمون‪ -‬إذا كانت اَلاجر ُة واشتدَّ ُّ‬
‫الشمس وهو يسري عىل ب ِ‬
‫عريه‪ ،‬فلام قدم م َّك َة عىل خدجي َة بامَلا‪ ،‬باعت ما‬ ‫ِ‬ ‫ُيظالنه من‬
‫َ‬
‫ف أو قري ًبا‪.‬‬
‫جاء به‪ ،‬فأض َع َ‬
‫ِ‬
‫إظالل املَلكني إياه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الراهب‪ ،‬وعام كان يرى من‬ ‫وحدثها َميرس ُة عن قول‬
‫وكانت خدجي ُة امرأ ًة حازم ًة رشيف ًة لبيب ًة‪ ،‬مع ما أرا َد اهلل هبا من كرامتِه‪ ،‬فلام‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقالت له ‪-‬فيام يزعمون‪:-‬‬ ‫ِ‬ ‫ربها به بعثت إىل‬‫أخربها َميرس ُة بام أخ َ‬
‫وح ِ‬ ‫ِ ِ (‪)1‬‬ ‫يا ابن َعم‪ ،‬إين قد ِ‬
‫سن‬ ‫رابتك‪ ،‬وس َطتك يف قومك‪ ،‬وأمانتك‪ُ ،‬‬ ‫بت فيك ل َق َ‬ ‫رغ ُ‬ ‫َ ِّ‬
‫وصدق حديثِك‪.‬‬ ‫ُخلقك‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫نساء قريش نس ًبا‪،‬‬ ‫َ‬
‫أوسط‬ ‫نفسها‪ ،‬وكانت خدجي ُة يومئذ‬ ‫ثم َع َر َضت عليه َ‬
‫يقدر عليه‪.‬‬ ‫ماال‪ُ ،‬ك ُّل ِ‬
‫وأكثرهن ً‬ ‫وأعظمهن رش ًفا‪،‬‬
‫حريصا عىل ذلك منها لو ُ‬
‫ً‬ ‫قومها كان‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عمه محز ُة بن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فخرج معه ُّ‬
‫َ‬ ‫ألعاممه‬ ‫ذكر ذلك‬
‫فلام قالت ذلك لرسول اهلل ﷺ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فتزوجها‪.‬‬ ‫عبد املطلب ‪ ‬حتى دخل عىل ُخويلدَ بن أسد‪ ،‬فخط َبها إليه‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫امرأة‬ ‫رسول اهلل ﷺ عرشين َبكر ًة‪ ،‬وكانت َّأو َل‬‫ُ‬ ‫ابن هشام‪ :‬وأصدَ َقها‬
‫قال ُ‬
‫غريها حتى ماتت ‪.‬‬ ‫يتزو ْج عليها َ‬ ‫تزوجها رس ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‪ ،‬ومل َّ‬
‫‪ -21‬أوالدُه ﷺ من خدجيةَ‬
‫إبراهيم‪:-‬‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ ولدَ ه ُك َّلهم ‪-‬إال‬ ‫فولدت‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫َ‬
‫وزينب‪ ،‬ورقي َة‪ ،‬وأ َّم كلثو ٍم‪،‬‬
‫َ‬ ‫والطيب‪،‬‬
‫َ‬ ‫والطاهر‪،‬‬
‫َ‬ ‫القاسم‪ ،‬وبه كان ُيكنى ﷺ‪،‬‬
‫َ‬
‫وفاطم َة عليهم السالم‪.‬‬

‫(‪ِ )1‬س َطتك‪ :‬رشفك‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪35‬‬

‫رب بناته‪ :‬رقي ُة‪،‬‬


‫الطاهر‪ ،‬وأك ُ‬
‫ُ‬ ‫الطيب‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫القاسم‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫رب بنيه‪:‬‬
‫قال اب ُن هشام‪ :‬أك ُ‬
‫زينب‪ ،‬ثم ُأ ُّم كلثو َم‪ ،‬ثم فاطم ُة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ِ‬
‫اجلاهلية‪ ،‬وأما‬ ‫والطاهر فه َلكوا يف‬ ‫والطيب‪،‬‬ ‫القاسم‪،‬‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فأما‬ ‫قال ابن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وهاجرن معه ﷺ‪.‬‬
‫َ‬ ‫بنا ُته ف ُك ُّلهن أدركن اإلسال َم‪ ،‬فأسلم َن‬
‫‪ -22‬أُمُّ إبراهيمَ‬
‫ابن هشام‪ :‬وأما إبراهيم فأ ُّمه ماري ُة القبطية‪.‬‬
‫قال ُ‬
‫رس َّي ُة النبي ﷺ التي أهداها إليه‬
‫إبراهيم‪ :‬مارية ُ ِّ‬
‫َ‬ ‫عن ابن ََليع َة قال‪ :‬أم‬
‫املُقوقس من ح َفن من كورة ِ‬
‫أنصنا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪ | 36‬خمتصر السرية النبوية‬

‫[ثانيا‪ :‬إرهاصات النبوة]‬

‫‪ -1‬حديث خدجيةَ مع ورقةَ وصِدقِ نبوءة ورقةَ فيه ﷺ‬

‫خويلد قد ذكرت لورق َة بن نوفل بن‬ ‫ٍ‬ ‫إسحاق‪ :‬وكانت خدجي ُة بنت‬‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫عمها‪ ،‬وكان نرصان ايا قد تتبع الكتب و َع ِلم من‬ ‫ِ‬
‫أسد بن عبد ال ُع َّزى ‪-‬وكان اب َن ِّ‬
‫ِ‬
‫الراهب‪ ،‬وما كان يرى منه إذ كان‬ ‫علم الناس‪ -‬ما َذكر َلا غال ُمها َميرس ُة من قول‬
‫املَلكان ي َّ ِ‬
‫ظالنه‪ ،‬فقال ورق ُة‪ :‬لئن كان هذا ح اقا يا خدجي ُة‪ ،‬إن حممدً ا ُّ‬
‫لنبي هذه األمة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األمة نبي ُينت َظر‪ ،‬هذا زما ُنه‪ ،‬أو كام قال‪.‬‬ ‫كائن َلذه‬
‫وقد عرفت أنه ٌ‬
‫‪ -2‬حديث بُنيان الكعبة وحُكم رسول اهلل ﷺ بني قُريشٍ يف وضع احلجرِ‬

‫مخسا وثالثني سن ًة‪ ،‬اجتمعت‬ ‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫ُ‬ ‫بلغ‬ ‫َ‬


‫إسحاق‪ :‬فلام َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫الكعبة‪.‬‬ ‫قريش ل ُبنيان‬
‫وهب ب ُن عمرو بن عائذ بن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبنائها‪ ،‬قام أبو‬ ‫فلام أمجعوا أمرهم يف ِ‬
‫هدمها‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫فتناول من‬ ‫عائذ بن عمران بن خمزوم‪-‬‬ ‫عبد بن ِعمران بن َخمزوم ‪-‬قال اب ُن هشام‪ُ :‬‬ ‫ِ‬
‫معرش ُق ٍ‬
‫ريش‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫موض ِعه‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫الكعبة حجرا‪ ،‬فو َثب من يده‪ ،‬حتى رجع إىل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ِ‬

‫بيع ر ًبا‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫دخلوا يف ِ‬


‫بنائها من كسبِكم إال ط ِّي ًبا‪ ،‬ال‬ ‫ُت ِ‬
‫غي‪ ،‬وال ُ‬
‫هر َب ٍّ‬
‫يدخل فيها َم ُ‬
‫أحد من الناس‪.‬‬‫مظلم ُة ٍ‬

‫عمر بن خمزوم‪.‬‬ ‫ِ‬


‫املغرية ِ‬ ‫والناس ِ‬
‫بن عبد اهلل بن َ‬ ‫ينحلون هذا الكال َم الوليدَ ب َن‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪37‬‬

‫قريش مجعت احلجار َة ِ‬


‫لبنائها‪ُ ،‬ك ُّل قبيلة‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫القبائل من‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬ثم إن‬
‫ِ‬
‫الركن(‪ ،)1‬فاختصموا فيه‪ُ ،‬ك ُّل‬ ‫موضع‬ ‫بلغ ال ُب ُ‬
‫نيان‬ ‫تمع عىل ٍ‬
‫حدة‪ ،‬ثم بنوها‪ ،‬حتى َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫موض ِعه دون األخرى‪ ،‬حتى َحتاوزوا وحتالفوا وأعدُّ وا‬
‫قبيلة تريد أن تر َفعه إىل ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫للقتال‪.‬‬
‫عمر بن‬
‫بن عبد اهلل بن َ‬ ‫بعض أهل الرواية‪ :‬أن أبا أمي َة ب َن املغرية ِ‬ ‫فزعم ُ‬
‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬اجعلوا بينكم فيام‬ ‫معرش‬ ‫ٍ‬
‫قريش ُك ِّلها‪ ،‬قال‪ :‬يا‬ ‫ٍ‬
‫عامئذ أس َّن‬ ‫َخمزوم‪ ،‬وكان‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املسجد َيقيض بينكم فيه؛ ف َفعلوا‪ ،‬فكان‬ ‫ُ‬
‫يدخل من باب هذا‬ ‫ختتلفون فيه َّأو َل من‬
‫األمني‪ ،‬رضينا‪ ،‬هذا حممدٌ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلام رأوه قالوا‪ :‬هذا‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫داخل عليهم‬ ‫َّأو َل‬
‫إل ثوبا»‪ ،‬ف ُأيت به‪ ،‬فأخذ الرك َن‬
‫رب‪ ،‬قال ﷺ‪َ « :‬ه ُل َّم َّ‬ ‫فلام انتهى إليهم وأخربو ُه اخل َ‬
‫ِ‬
‫الثوب‪ ،‬ثم ارفعوه مجيعا»‬ ‫ٍ‬
‫بناحية من‬ ‫ٍ‬
‫قبيلة‬ ‫لتأخ ْذ ُكل‬
‫بيده‪ ،‬ثم قال‪ُ « :‬‬ ‫فوضعه فيه ِ‬
‫ُ‬
‫بيده‪ ،‬ثم بنى عليه‪.‬‬ ‫حتى إذا بلغوا به موضعه‪ ،‬وضعه هو ِ‬
‫َُ‬
‫‪ -3‬إخبارُ الكهَّانِ من العرب‪ ،‬واألحبارِ من يهودٍ‪ ،‬والرهبانِ من النصارى‬
‫والرهبان من النصارى‪ ،‬وال ُك َّه ُ‬
‫ان‬ ‫ُ‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬وكانت األحبار من ٍ‬
‫ُود‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تقارب من زمانه‪.‬‬
‫َ‬ ‫قبل َمبعثِه‪ ،‬ملا‬
‫من العرب‪ ،‬قد حتدَّ ثوا بأمر رسول اهلل ﷺ َ‬

‫فعام وجدوا يف ُك ُتبهم من‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬


‫والرهبان من النصارى‪َّ ،‬‬ ‫ُود‪،‬‬ ‫األحبار من‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫عهد ِ‬
‫أنبيائهم إليهم فيه‪.‬‬ ‫صفته وصفة زمانِه‪ ،‬وما كان من ِ‬

‫ِ‬
‫تسرت ُق من‬ ‫الشياطني من اجل ِّن فيام‬
‫ُ‬ ‫وأما الك َّهان من العرب فأ َت ْتهم به‬
‫حتجب عن ذلك بال َقذف بالنجوم‪.‬‬ ‫السم ِع‪ ،‬إذ كانت وهي ال ِ‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬موضع احلجر األسود‪.‬‬


‫‪ | 38‬خمتصر السرية النبوية‬

‫العرب‬ ‫كر بعض ِ‬


‫أموره‪ ،‬ال ُتلقي‬ ‫ِ‬ ‫وكان الكاه ُن والكاهن ُة ال ُ‬
‫ُ‬ ‫يقع منهام ذ ُ‬
‫يزال ُ‬
‫األمور التي كانوا َيذكرون؛‬
‫ُ‬ ‫لذلك فيه ً‬
‫باال‪ ،‬حتى بع َثه اهلل تعاىل‪ ،‬ووقعت تلك‬
‫فعرفوها‪.‬‬
‫َ‬
‫الشياطني عن السم ِع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وحض َمبع ُثه‪ُ ،‬ح ِج َبت‬
‫َ‬ ‫أمر رسول اهلل ﷺ‬
‫تقارب ُ‬
‫َ‬ ‫فلام‬
‫وحيل بينها وبني املَ ِ‬
‫قاعد التي كانت تق ُعد السرتاق السم ِع فيها‪ُ ،‬فرموا بالنجو ِم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أمر اهلل يف ِ‬
‫العباد‪.‬‬ ‫ألمر حدث من ِ‬
‫ف َعرفت اجل ُّن أن ذلك ٍ‬

‫‪ -4‬إنذارُ يهودٍ برسولِ اهلل ﷺ‬


‫رجال من ِ‬
‫قومه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إسحاق‪ :‬وحدثني عاصم بن ُعمر بن قتاد َة‪ ،‬عن‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫قالوا‪َّ :‬‬
‫رجال‬ ‫نسمع‬
‫ُ‬ ‫وهدا ُه لنا‪ -‬ملا كنا‬‫إن مما دعانا إىل اإلسال ِم ‪-‬مع رمحة اهلل تعاىل ُ‬
‫علم ليس لنا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أوثان‪ ،‬وكانوا َ‬ ‫ِ‬ ‫ُود‪ ،‬وكنا َ‬ ‫ٍ‬
‫أهل كتاب‪ ،‬عندهم ٌ‬ ‫أصحاب‬
‫َ‬ ‫رشك‪،‬‬ ‫أهل‬
‫بعض ما يكرهون‪ ،‬قالوا لنا‪ :‬إنه‬ ‫ور‪ ،‬فإذا نِلنا منهم َ‬
‫تزال بيننا وبينهم ُرش ٌ‬‫وكانت ال ُ‬
‫ٍ‬
‫كثريا ما نسمع‬‫اآلن نق ُت ُلكم معه قتل عاد وإرم‪ .‬فكنا ً‬ ‫نبي ُيبعث َ‬ ‫ُ‬
‫زمان ٍّ‬ ‫قد تقارب‬
‫ذلك منهم‪.‬‬

‫فلام بعث اهللُ رسو َله ﷺ أجبناه‪ ،‬حني دعانا إىل اهلل تعاىل‪َ ،‬‬
‫وعرفنا ما كانوا‬
‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫يتو َّعدوننا به؛ فبا َدرناهم إليه‪ ،‬فآمنَّا به‪ ،‬وكفروا به‪ ،‬ففينا وفيهم نزل هؤالء‬
‫من البقرة‪ ( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬ) [البقرة‪.]22:‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪39‬‬

‫[ثالثا‪ :‬من البعثة إىل اهلجرة]‬


‫[أ ‪ -‬الدعوة السرية]‬

‫‪َ -1‬مبعثُ النيبِّ صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم تسليمًا‬
‫أربعني سن ًة بعثه اهلل تعاىل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فلام َ‬
‫بلغ حممدٌ‬
‫امليثاق عىل ُك ِّل‬
‫َ‬ ‫بشريا‪ ،‬وكان اهللُ تبارك وتعاىل قد َ‬
‫أخذ‬ ‫للناس ً‬ ‫ِ‬ ‫رمح ًة للعاملني‪ ،‬وكاف ًة‬
‫ِ‬
‫والنرص له عىل َم ْن خالفه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صديق له‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باإليامن به‪ ،‬وال َّت‬ ‫نبي بعثه قب َله‬
‫وأخذ عليهم أن ُيؤ ُّدوا ذلك إىل ُك ِّل من آمن هبم وصدَّ قهم‪ ،‬فأدوا ِمن ذلك‬
‫احلق فيه‪.‬‬
‫ما كان عليهم من ِّ‬
‫هلل تعاىل ملحمد صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم‪( :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫يقول ا ُ‬
‫ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ) [آل عمران‪.]25:‬‬
‫‪ -2‬أوَّلُ ما بُدئَ به الرسولُ ﷺ الرؤيا الصادقةُ‬
‫الزبري‪ ،‬عن عائش َة ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫هري عن عرو َة بن‬
‫الز ُّ‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فذكر ُّ‬
‫رسول اهلل ﷺ من النُ َّبو ِة‪ ،‬حني أرا َد اهلل كرام َته‬
‫ُ‬ ‫أهنا حدَّ ثته‪ :‬أن َّأو َل ما ُب َ‬
‫دئ به‬
‫رسول اهلل ﷺ رؤيا يف نومه إال جاءت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العباد به‪ ،‬الرؤيا الصادق ُة‪ ،‬ال َيرى‬ ‫ورمح َة‬
‫ِ‬
‫الصبح‪.‬‬ ‫ك َف ِ‬
‫لق‬
‫أحب إليه من أن خيلو‬
‫َّ‬ ‫ب اهلل تعاىل إليه اخللو َة‪ ،‬فلم يكن يش ٌء‬
‫وح َّب َ‬
‫قالت‪َ :‬‬
‫وحدَ ه‪.‬‬
‫‪ | 41‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ -3‬تسليمُ احلجارة والشجرِ عليه ﷺ‬


‫رسول اهلل ﷺ حني أراده اهلل بكرامتِه‪،‬‬
‫َ‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬
‫أهل العلم‪ :‬إن‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫البيوت و ُيفيض إىل‬
‫ُ‬ ‫خرج حلاجته أبعد حتى حترس عنه‬ ‫ِ‬
‫بالنبوة‪ ،‬كان إذا‬ ‫وابتدأه‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫شجر إال قال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بحجر وال‬ ‫شعاب مك َة وبطون أوديتها‪ ،‬فال ُّ‬
‫يمر رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪.‬‬ ‫السال ُم عليك يا‬
‫فيلتفت رسول اهلل ﷺ حو َله وعن يمينه وشامل ِه وخل َفه‪ ،‬فال يرى إال‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫رسول اهلل ﷺ كذلك يرى ويسمع ما شاء اهللُ أن‬ ‫ُ‬ ‫الشجر واحلجارة‪ ،‬فمكث‬
‫َ‬
‫راء يف شهر‬‫بح ٍ‬
‫كرامة اهلل‪ ،‬وهو ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جربيل عليه السالم بام جاءه من‬ ‫يمكث‪ ،‬ثم جاءه‬
‫رمضان‪.‬‬
‫‪ -4‬ابتداءُ نزولِ جربيلَ عليه السالم‬
‫كيسان موىل آل الزبري قال‪ :‬سمعت‬ ‫َ‬ ‫وهب بن‬
‫ُ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وحدثني‬
‫ِ‬
‫الزبري وهو يقول ل ُعبيد بن ُعمري بن قتاد َة الليثي‪ :‬حدِّ ثنا يا عبيدُ ‪ ،‬كيف‬ ‫عبدَ اهلل بن‬
‫جربيل عليه السالم؟‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫النبوة‪ ،‬حني جاءه‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫كان بد ُء ما اب ُت ِد َئ به‬
‫بن الزبري و َم ْن عنده من‬ ‫ُ‬
‫حيدث عبدَ اهلل َ‬ ‫حاض‬
‫ٌ‬ ‫قال‪ :‬فقال‪ُ :‬عبيدٌ ‪-‬وأنا‬
‫(‪ِ )1‬‬
‫رسول اهلل ﷺ ُجياور يف حراء من ُك ِّل سنة ً‬
‫شهرا‪ ،‬وكان ذلك مما‬ ‫ُ‬ ‫الناس‪ :-‬كان‬
‫ربر‪.‬‬ ‫حتنَّ َث به ٌ‬
‫قريش يف اجلاهلية‪ .‬والتحنُّث‪ :‬الت ُّ‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫َ‬
‫كيسان قال‪ :‬قال عبيدٌ ‪ :‬فكان‬ ‫وهب بن‬
‫ُ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وحدثني‬
‫اهلل ﷺ ُجياور ذلك الشهر من ُك ِّل سنة‪ُ ،‬يطعم من جا َءه من املساكني‪ ،‬فإذا قىض‬

‫(‪ُ )1‬جي ِ‬
‫اور‪ :‬يعتكف‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪40‬‬

‫شهره ذلك‪ ،‬كان َّأو ُل ما يبدأ به‪ ،‬إذا انرصف من ِجواره‬


‫رسول اهلل ﷺ ِجواره من ِ‬ ‫ُ‬
‫الكعب َة قبل أن يدخل بي َته‪ ،‬فيطوف هبا سب ًعا أو ما شاء اهللُ من ذلك‪ ،‬ثم يرجع إىل‬
‫الشهر الذي أراد اهلل تعاىل به فيه ما أراد من كرا َمته‪ ،‬من السنة‬
‫ُ‬ ‫بيته‪ ،‬حتى إذا كان‬
‫شهر رمضان‪ ،‬خرج رسول اهلل ﷺ إىل‬ ‫الشهر ُ‬
‫ُ‬ ‫التي َبع َثه اهلل تعاىل فيها‪ ،‬وذلك‬
‫ِحراء‪ ،‬كام كان َخيرج ِجلواره ومعه أه ُله‪ ،‬حتى إذا كانت اللي َل ُة التي أكرمه ا ُ‬
‫هلل فيها‬
‫جربيل عليه السالم ِ‬
‫بأمر اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫برسالتِه‪ِ ،‬‬
‫ورح َم العبا َد هبا‪ ،‬جاءه‬
‫ط(‪ )1‬من ديباجٍ فيه كتاب‪،‬‬ ‫جربيل‪ ،‬وأنا نائم بنَم ٍ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬فجاءين‬ ‫ُ‬ ‫قال‬
‫َ‬
‫املوت‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫أقرأ؟» قال‪« :‬ف َغ َّتني(‪ )2‬به حتى َظننت أنه‬‫فقال‪ :‬اقرأ»‪ ،‬قال‪« :‬قلت‪ :‬ما ُ‬
‫اقرأ»‪ ،‬قال‪« :‬قلت‪ :‬ما أقرأ؟» قال‪« :‬ف َغ َّتني به حتى ظننت أنه ُ‬
‫املوت‪ ،‬ثم‬ ‫أرسلني فقال‪ْ :‬‬
‫املوت‪،‬‬ ‫أرسلني‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬
‫اقرأ»‪ ،‬قال‪« :‬قلت‪ :‬ماذا أقرأ؟» قال‪« :‬فغ َّتني به حتى ظننت أنه ُ‬
‫ثم أرسلني‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ»‪ ،‬قال‪« :‬فقلت‪ :‬ماذا ُ‬
‫أقرأ؟ ما أقول ذلك إال افتداء منه أن يعو َد‬
‫لب ِ‬
‫مثل ما صنع يب‪ ،‬فقال‪( :‬ﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃﮄﮅ ﮆﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓ) [العلق‪.»]5-1 :‬‬
‫تبت يف‬
‫فانِصَ عنِي وهببت من نومي‪ ،‬فكأنام ُك ْ‬
‫َ‬ ‫فقرأتا ثم انتهى‬
‫قال‪ُ « :‬‬
‫قلبي كتابا»‪.‬‬
‫ِ‬
‫السامء‬ ‫سمعت صوتا من‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اجلبل‬ ‫ط من‬ ‫فخرجت حتى إذا كنت يف وس ٍ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪« :‬‬
‫َ‬
‫أنظر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فرفعت رأيس إىل السامء ُ‬
‫ُ‬ ‫جربيل» قال‪« :‬‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬وأنا‬ ‫يقول‪ :‬يا حممدُ ‪ ،‬أنت‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫رجل صاَ قدميه يف أ ُف ِق السامء يقول‪ :‬يا حممدُ ‪ ،‬أنت‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫ُ‬
‫جربيل يف‬ ‫فإذا‬
‫ُ‬
‫جربيل»‪.‬‬ ‫اهلل‪ ،‬وأنا‬

‫(‪ )1‬النَّ َمط‪ :‬ضب من ال ُب ُسط‪.‬‬


‫(‪َ )2‬غ َّتني‪ :‬شدين‪.‬‬
‫‪ | 42‬خمتصر السرية النبوية‬

‫أرصَ وجهي عنه يف‬


‫ُ‬ ‫وجعلت‬
‫ُ‬ ‫أتأخ ُر‪،‬‬
‫أنظر إليه فام أتقدَّ ُم وما َّ‬
‫قال‪« :‬فوقفت ُ‬
‫ٍ‬
‫ناحية منها إال رأي ُته كذلك‪ ،‬فام ِزلت واقفا ما أتقدم‬ ‫أنظر يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آفاق السامء‪ ،‬قال‪ :‬فال ُ‬
‫أرجع ورائي حتى َبع َثت خدجي ُة ُرسلها يف طلبي‪ ،‬فبلغوا أعىل مك َة‬
‫ُ‬ ‫أمامي وما‬
‫انِصَ عني»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ورجعوا إليها وأنا واقف يف مكاين ذلك‪ ،‬ثم‬

‫‪ -5‬رسولُ اهلل ﷺ َيقُصُّ على خدجيةَ ما كان من أمر جربيلَ معه‬

‫فخذها ُم ِضيفا‬
‫فجلست إىل ِ‬
‫ُ‬ ‫أتيت خدجي َة‬
‫وانِصفت راجعا إىل أهل حتى ُ‬
‫ُ‬ ‫«‬
‫عثت ُرسل يف طلبك حتى‬ ‫إليها ‪ :‬فقالت‪ :‬يا أبا القاس ِم‪ ،‬أين كنت؟ فواهلل لقد َب ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫عم واث ُبت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بلغوا مك َة ورجعوا ل‪ ،‬ثم حدث ُتها بالذي‬
‫ش يا ابن ِ‬
‫رأيت‪ ،‬فقالت‪ :‬أ ْب ْ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األمة»‪.‬‬ ‫نفس خدجي َة بيده إين ألرجو أن تكون َّ‬
‫نبي هذه‬ ‫فوالذي ُ‬
‫‪ -6‬خدجيةُ بني يدي ورقةَ تُحدِّثه حديثَ رسول اهلل ﷺ‬
‫ثياهبا‪ ،‬ثم انطل َقت إىل ورق َة ِ‬
‫بن نوفل بن أسد بن‬ ‫ثم قامت فجم َعت عليها َ‬
‫تنرص وقرأ الكتب‪ ،‬وسمع‬‫عمها‪ -‬وكان ورقة قد َّ‬ ‫عبد ال ُع َّزى بن قيص ‪-‬وهو اب ُن ِّ‬
‫ِ‬
‫وسم َع‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬أنه رأى‬ ‫ربها به‬ ‫من ِ‬
‫ربته بام أخ َ‬‫أهل التوراة واإلنجيل‪ ،‬فأخ َ‬
‫نفس ورق َة بيده‪ ،‬لئن كنت صدقتِيني‬
‫وس‪ ،‬والذي ُ‬ ‫وس ُقدُّ ٌ‬ ‫فقال ورق ُة بن نوفل‪ُ :‬قدُّ ٌ‬
‫ِ‬
‫األمة‪،‬‬ ‫لنبي هذه‬ ‫يا خدجي ُة لقد جاءه‬
‫الناموس األكرب الذي كان يأيت موسى‪ ،‬وإنه ُّ‬ ‫ُ‬
‫فقويل له‪ :‬فليث ُبت‪.‬‬

‫وفل‪ ،‬فلام قىض‬ ‫ِ‬


‫بقول ورق َة بن َن ٍ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ فأخربته‬ ‫فرجعت خدجي ُة إىل‬
‫ِ‬
‫بالكعبة فطاف هبا‪،‬‬ ‫يصنع‪ :‬بدأ‬ ‫صنع كام كان‬ ‫وانرصف‪،‬‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِجوار ُه‬
‫ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ُ )1‬م ِضي ًفا إليها‪ :‬ملتص ًقا هبا‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪43‬‬

‫رأيت‬
‫َ‬ ‫أخربين بام‬ ‫ِ‬
‫بالكعبة فقال‪ :‬يا اب َن أخي‪ِ ،‬‬ ‫فلقيه ورق ُة بن نوفل وهو يطوف‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫وسمعت‪ ،‬فأخربه‬
‫األمة‪ ،‬ولقد جاءك‬ ‫ِ‬ ‫فقال له ورق ُة‪ :‬والذي نفيس بيده‪ ،‬إنك لنب ُّي هذه‬
‫خر َجنَّ ْه ول ُتقا َت َلنَّ ْه‪ ،‬ولئن‬
‫كذ َبنَّ ْه ول ُتؤ َذ َينَّ ْه ول ُت َ‬
‫رب الذي جاء موسى‪ ،‬ول ُت َّ‬
‫الناموس األك ُ‬
‫ُ‬
‫يعلمه‪ ،‬ثم أدنى رأسه منه‪ ،‬فق َّبل‬
‫ُ‬ ‫نرصا‬ ‫َّ‬
‫ألنرصن اهلل ً‬ ‫أنا أدركت ذلك اليوم‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل منزل ِه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫انرصف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يافوخه(‪ ،)1‬ثم‬
‫‪ -7‬ابتداءُ تنزيلِ القرآن‬
‫بالتنزيل يف ِ‬
‫شهر رمضان‪ ،‬بقول اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫دئ‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فاب ُت َ‬
‫‪ ( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ) [البقرة‪ ،]521:‬وقال اهلل تعاىل‪ ( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [القدر‪.]1-5:‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهو مؤم ٌن باهلل ُمصدِّ ٌق‬ ‫ِ‬ ‫الوحي إىل‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم َتتا َّم‬ ‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫وسخطهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مح َله عىل رضا العباد‬‫وحتمل منه ما ُ ِّ‬
‫َّ‬ ‫بام جاءه منه‪ ،‬قد قبِله ب َقبول ِه‪،‬‬
‫الرسل‬ ‫يستطيع هبا إال ُ‬
‫أهل ال ُق َّوة والعز ِم من ُّ‬ ‫ُ‬ ‫والنُّ َّبوة ٌ‬
‫أثقال و ُمؤن ٌة‪ ،‬ال َحيملها وال‬
‫بعون اهلل تعاىل وتوفيقه‪ ،‬ملا َيلقون من الناس وما ُي َر ُّد عليهم مما جاءوا به عن اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫ِ‬
‫اخلالف‬ ‫أمر اهلل‪ ،‬عىل ما يلقى من ِ‬
‫قومه من‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل ِ‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فمىض‬
‫َ‬
‫واألذى‪.‬‬

‫(‪ )1‬ال َيا ُفوخ‪ :‬وسط الرأس‪.‬‬


‫‪ | 44‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ -8‬إسالمُ خدجيةَ بنتِ خُويلدٍ‬


‫ووازرت ُه عىل‬
‫َ‬ ‫وآمنت به خدجي ُة بنت ُخويلد‪ ،‬وصدَّ قت بام جاءه من اهلل‪،‬‬
‫أمره‪ ،‬وكانت َّأو َل من آمن باهلل وبرسوله‪ ،‬وصدَّ َق بام جاء منه‪ ،‬فخفف اهلل بذلك‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫وتكذيب له‪ ،‬فيحزنه ذلك‪ ،‬إال‬ ‫يكرهه من َر ٍّد عليه‬
‫ُ‬ ‫عن نب ِّيه ﷺ‪ ،‬ال َيسمع شي ًئا مما‬
‫أمر‬
‫وهتون عليه َ‬ ‫رجع إليها‪ُ ،‬تث ِّبته ُ‬
‫وختفف عليه‪ ،‬وتصدِّ قه ُ‬ ‫َ‬ ‫َّفر َج اهلل عنه هبا إذا‬
‫الناس‪ ،‬رمحها اهلل تعاىل‪.‬‬
‫جعفر بن أيب طالب ‪ ‬قال‪ :‬قال‬ ‫ِ‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬
‫عبد اهلل بن‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ش خدجي َة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صخب فيه وال‬
‫َ‬ ‫قصب‪ ،‬ال‬ ‫ببيت من‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬أمرت أن أ َب ِ َ‬
‫نصب»‪.‬‬
‫َ‬
‫اللؤلؤ املُ َّ‬
‫جوف‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ب هاهنا‪:‬‬
‫القص ُ‬
‫ابن هشام‪َ :‬‬
‫قال ُ‬
‫‪ -9‬فرتةُ الوحيِ ونزولُ سورةِ الضحى‬
‫فرت الوحي عن رسول اهلل ﷺ فرت ًة من ذلك‪ ،‬حتى َش َّق‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫قسم له ر ُّبه‪ ،‬وهو الذي أكرم ُه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جربيل بسورة الضحى‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫فأحزن ُه‪ ،‬فجاءه‬
‫ذلك عليه َ‬
‫بام أكر َمه به‪ ،‬ما و َّد َعه وما قاله‪ ،‬فقال تعاىل‪ ( :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫رص َمك فرت َكك‪ ،‬وما أب َغضك منذ‬
‫[الضحى‪ ]3-5:‬يقول‪ :‬ما َ‬ ‫ُّ‬ ‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)‬
‫[الضحى‪ ]0:‬أي‪ :‬ملَا ِعندي يف َمرجعك‬
‫أح َّبك‪( ،‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) ُّ‬
‫الكرامة يف الدنيا‪( ،‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬ ‫ِ‬ ‫عجلت لك من‬ ‫خري لك مما َّ‬
‫إ َّيل ٌ‬
‫والثواب يف اآلخرة (ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ِ‬ ‫[الضحى‪ ]1:‬من ال ُف ْل ِج يف الدنيا‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ﮈ)‬
‫عرفه‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) ُّ‬
‫[الضحى‪ُ ]2-6:‬ي ِّ‬
‫وعيلتِه وضاللته‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عاجل أمره‪ ،‬و َمنِّه عليه يف ُيتمه َ‬ ‫اهلل ما ابتدأه به من كرامتِه يف‬
‫واستنقاذه من ذلك ُك ِّله برمحتِه‪.‬‬
‫ِ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪45‬‬

‫‪ -11‬ابتداءُ فرضِ الصالةِ‬


‫ِ‬
‫رسول‬ ‫افرت َضت الصال ُة عىل‬‫إسحاق‪ :‬عن عائش َة ‪ ‬قالت‪ِ ُ :‬‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫ركعتني ُك َّل صالة‪ ،‬ثم إن اهللَ تعاىل أمت َّها يف‬ ‫ِ‬
‫ركعتني‬ ‫اهلل ﷺ َّأو َل ما ُ‬
‫افرتضت عليه‬
‫األول ركعتني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السفر عىل فرضها َّ‬ ‫وأقرها يف‬ ‫ِ‬
‫احلض أرب ًعا‪َّ ،‬‬
‫افرتضت عىل‬ ‫بعض ِ‬
‫أهل العلم‪ :‬أن الصال َة حني ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬وحدثني ُ‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ناحية الوادي‪،‬‬‫ِ‬ ‫ربيل وهو بأعىل مك َة‪ ،‬فهمز له ِ‬
‫بعقبه يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬أتاه ِج ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ينظر إليه‪ُ ،‬لري َيه‬ ‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ ُ‬ ‫ُ‬
‫جربيل عليه السال ُم‪،‬‬ ‫فتوض َأ‬
‫َّ‬ ‫فان َف َجرت منه ٌ‬
‫عني‪،‬‬
‫جربيل توض َأ‪ ،‬ثم قام به‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ كام رأى‬ ‫توض َأ‬ ‫ِ‬
‫للصالة‪ ،‬ثم َّ‬ ‫كيف ال َّطهور‬
‫انرصف ِج ُ‬
‫ربيل عليه السالم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ بصالتِه‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جربيل فصىل به‪ ،‬وصىل‬
‫‪َ -11‬تعينيُ جربيلَ أوقاتِ الصالةِ للرسولِ ﷺ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫افرت َضت الصال ُة عىل‬ ‫ٍ‬
‫عباس قال‪ :‬ملا ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن ابن‬ ‫قال اب ُن‬
‫الشمس‪ ،‬ثم صىل به‬ ‫ُ‬ ‫هر حني مالت‬ ‫فصىل به ال ُظ َ‬
‫َّ‬ ‫ربيل عليه السالم‪،‬‬‫ﷺ أتاه ِج ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشمس‪ ،‬ثم صىل به‬ ‫ُ‬ ‫غابت‬ ‫العرص حني كان ظ ُّله مث َله‪ ،‬ثم صىل به املَ َ‬
‫غرب حني‬ ‫َ‬
‫الفجر‪ ،‬ثم جاءه‬ ‫ُ‬ ‫طلع‬
‫الصبح حني َ‬ ‫َ‬ ‫الشفق‪ ،‬ثم صىل به‬‫ُ‬ ‫العشا َء اآلخر َة حني ذهب‬
‫العرص حني كان ظِ ُّله ِمث َليه‪،‬‬‫َ‬ ‫الظهر من َغ ٍد حني كان ظِ ُّله مث َله‪ ،‬ثم صىل به‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫فصىل به‬
‫العشا َء اآلخر َة‬ ‫باألمس‪ ،‬ثم صىل به ِ‬
‫ِ‬ ‫الشمس لوقتِها‬ ‫ِ‬
‫غابت‬ ‫املغرب حني‬ ‫ثم صىل به‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مرش ٍق‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا‬ ‫غري ِ‬
‫سفرا َ‬‫الصبح ُم ً‬
‫َ‬ ‫األو ِل‪ ،‬ثم صىل به‬ ‫ِ‬
‫الليل َّ‬ ‫حني ذهب ُث ُ‬
‫لث‬
‫حممدُ ‪ ،‬الصال ُة فيام بني صالتِك اليو َم وصالتك باألمس‪.‬‬
‫‪ | 46‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ِ -12‬ذكرُ أن عليَّ بن أبي طالب ‪ ‬أوَّلُ َذ َك ٍر أسلمَ‬


‫ِ‬
‫برسول اهلل ﷺ‪ ،‬وصىل‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم كان َّأو َل َذ َك ٍر من الناس آم َن‬
‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫عيل ب ُن أيب طالب بن عبد املطلب بن هاشم‪،‬‬‫معه وصدَّ َق بام جاءه من اهلل تعاىل‪ُّ :‬‬
‫ٍ‬
‫يومئذ اب ُن عرش سنني‪.‬‬ ‫ِرضوان اهلل وسال ُمه عليه‪ ،‬وهو‬
‫طالب ‪ ،‬أنه كان يف ِح ِ‬
‫جر رسول‬ ‫ٍ‬ ‫عيل بن أيب‬
‫أنعم اهلل به عىل ِّ‬
‫وكان مما َ‬
‫اهلل ﷺ َق َبل اإلسال ِم‪.‬‬
‫‪ -13‬إسالمُ زيدِ بن حارثةَ ثانيًا‬
‫بن كعب بن عبد‬ ‫بيل ِ‬
‫أسلم زيدُ بن حارث َة بن ُرش ْح َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم‬ ‫قال اب ُن‬
‫أسلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫الكلبي‪ ،‬موىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان َّأو َل َذ َكر‬ ‫ِّ‬ ‫ال ُع َّزى بن امرئ القيس‬
‫عيل بن أيب طالب‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وصىل بعدَ ِّ‬
‫‪ -14‬إسالمُ أبي بكرٍ الصدِّيقِ ‪ ‬وشأنُه‬
‫تيق‪.‬‬
‫واسمه َع ٌ‬
‫ُ‬ ‫أسلم أبو ِ‬
‫بكر بن أيب ُقحاف َة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬ثم‬
‫أظهر إسال َمه‪ ،‬ودعا إىل اهلل‬
‫َ‬ ‫أسلم أبو ٍ‬
‫بكر ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫وإىل رسول ِه‪.‬‬
‫أنسب قريش ل ُق ٍ‬ ‫رجال مأل ًفا ِ‬
‫لقومه‪ُ ،‬حم َّب ًبا ً‬ ‫وكان أبو ٍ‬
‫ريش‪،‬‬ ‫َ‬ ‫سهال‪ ،‬وكان‬ ‫بكر ً َ‬
‫تاجرا‪ ،‬ذا ُخ ٍ‬
‫لق‬ ‫ً‬
‫رجال‬ ‫ورش‪ ،‬وكان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫قريش هبا‪ ،‬وبام كان فيها من خري َ ٍّ‬ ‫وأعلم‬
‫َ‬
‫وتارتِه‬
‫لعلمه ِ‬‫واحد من األمر‪ِ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫رجال قومه يأتون ُه ويألفونه ِ‬
‫لغري‬ ‫ُ‬ ‫عروف‪ ،‬وكان‬‫ٍ‬ ‫و َم‬
‫فجعل يدعو إىل اهلل وإىل اإلسال ِم من وثِ َق به من ِ‬
‫قومه‪ ،‬ممن‬ ‫َ‬ ‫وحسن ُلجالستِه‪،‬‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫لس إليه‪.‬‬
‫وجي ُ‬
‫َيغشاه َ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪47‬‬

‫‪ِ -15‬ذ ْكرُ من أسلمَ من الصحابةِ بدعوةِ أبي بكرٍ ‪‬‬

‫والزبري بن العوا ِم‪،‬‬ ‫عثامن بن ع َّفان‪،‬‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بدعائه ‪-‬فيام بلغني‪-‬‬ ‫فأسلم‬ ‫قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫عوف‪ ،‬وسعدُ بن أيب و َّقاص‪ ،‬وطلح ُة بن ُعبيد اهلل‪ ،‬فجاء هبم إىل‬ ‫وعبدُ الرمحن بن‬
‫رسول اهلل ﷺ ُ‬
‫يقول ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫وصلوا‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ حني استجابوا له فأس َلموا َ‬
‫دعوت أحدا إىل اإلسال ِم إال كانت فيه عنده َكبوة‪ ،‬و َنظر وتردد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فيام بلغني‪« :-‬ما‬
‫إال ما كان من أيب ِ‬
‫بكر بن أيب ُقحاف َة‪ ،‬ما َع َك َم عنه حني ذكر ُته له‪ ،‬وما تر َّد َد فيه»‪.‬‬
‫ابن هشا ٍم‪ :‬قوله‪َ :‬ع َك َم‪َ :‬تل َّب َث‪.‬‬
‫قال ُ‬
‫ُ‬
‫وعثامن‬ ‫واألرقم بن أيب األرق ِم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫اجلراح‪ ،‬وأبو سلم َة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ثم أسلم أبو ُعبيد َة ب ُن‬
‫ِ‬
‫احلارث‪ ،‬وسعيدُ بن‬ ‫ظعون‪ ،‬وأخواه ُقدام ُة وعبدُ اهلل ابنا مظعون‪ُ ،‬‬
‫وعبيد ُة بن‬ ‫ٍ‬ ‫بن َم‬
‫بكر‪ ،‬وعائش ُة بنت‬‫اخلطاب‪ ،‬وأسام ُء بنت أيب ٍ‬
‫ِ‬ ‫زيد بن عمرو‪ ،‬وامرأ ُته فاطم ُة بنت‬ ‫ِ‬
‫األر ِّت‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أيب ٍ‬
‫بكر‪ ،‬وهي يومئذ صغري ٌة‪ ،‬وخ َّباب بن َ‬
‫ٍ‬
‫وقاص‪ ،‬وعبدُ اهلل‬ ‫مري بن أيب و َّقاص‪ ،‬أخو سعد بن أيب‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬و ُع ُ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ب ُن مسعود‪ ،‬ومسعو ُد بن القاري‪.‬‬
‫‪ | 48‬خمتصر السرية النبوية‬

‫[ب ‪-‬الدعوة اجلهرية]‬


‫‪ -1‬مباداةُ رسولِ اهلل ﷺ قومَه‪ ،‬وما كان منهم‬
‫ِ‬
‫الرجال والنساء‪،‬‬ ‫الناس يف اإلسالم أرساال من‬ ‫ُ‬ ‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬ثم دخل‬
‫أمر رسو َله ﷺ أن‬ ‫كر اإلسال ِم بمك َة‪ُ ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وحتدِّ ث به‪ ،‬ثم إن اهلل ‪َ ‬‬ ‫حتى فشا ذ ُ‬
‫بأمره‪ ،‬وأن يدعو إليه‪ ،‬وكان بني ما أخفى‬ ‫الناس ِ‬‫َ‬ ‫يصدع بام جاءه منه‪ ،‬وأن ُيبادي‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ثالث سنني ‪-‬فيام‬ ‫بإظهار دين ِه‬
‫ِ‬ ‫أمره اهلل تعاىل‬
‫رت به إىل أن َ‬ ‫أمره واس َت َ َ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬‫ُ‬
‫بلغني‪ -‬من مبعثِه‪ ،‬ثم قال اهلل تعاىل له‪ ( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)‬
‫ِ‬
‫[احلجر‪ ،]20:‬وقال تعاىل‪ ( :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الشعراء‪.]556-550:‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا صلوا‪ ،‬ذهبوا يف‬ ‫أصحاب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان‬ ‫قال اب ُن‬
‫وقاص يف ٍ‬
‫نفر من‬ ‫ٍ‬ ‫بصالهتم من ِ‬
‫قومهم‪ ،‬فبينا سعدُ بن أيب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشعاب‪ ،‬فاستخ َفوا‬
‫نفر من‬ ‫عب من شعاب م َّك َة‪ ،‬إذ َ‬
‫ظهر عليهم ٌ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ِش ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أصحاب‬
‫املرشكني وهم ُيص ُّلون‪ ،‬فنا َكروهم‪ ،‬وعابوا عليهم ما َيصنَعون حتى قا َتلوهم‪،‬‬
‫فشجه‪،‬‬ ‫بعري(‪)1‬؛‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ رجال من املرشكني بِ َلحي ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وقاص‬ ‫فضب سعدُ بن أيب‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫فكان َّأو َل د ٍم ُه َ‬
‫ريق يف اإلسال ِم‪.‬‬
‫وصدع به كام‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ قو َمه باإلسال ِم‬ ‫إسحاق‪ :‬فلام بادى‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫وعاهبا‪،‬‬
‫َ‬ ‫هلل‪ ،‬مل يبعد منه قو ُمه‪ ،‬ومل ير ُّدوا عليه ‪-‬فيام بلغني‪ -‬حتى َذ َك َر آَل َتهم‬
‫أمر ُه ا ُ‬
‫َ‬
‫عصم اهللُ تعاىل‬
‫َ‬ ‫فلام فعل ذلك أع َظموه ونا َكروه‪ ،‬وأمجعوا خال َفه و َعداو َته‪ ،‬إال من‬
‫منهم باإلسال ِم‪ ،‬وهم ٌ‬
‫قليل ُمس َتخفون‪.‬‬

‫(‪ )1‬بِ َلحي بعري‪ :‬تثنية حلي واللحي هو العظم الذي عليه اخلد‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪49‬‬

‫ٍ‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫طالب‪ ،‬ومنعه وقام دو َنه‪ ،‬ومىض‬ ‫عمه أبو‬
‫وحدب عىل رسول اهلل ﷺ ُّ‬ ‫َ‬
‫ألمره‪ ،‬ال ير ُّده عنه يشء‪ ،‬فلام رأت ٌ‬
‫قريش‪ ،‬أن‬ ‫ظهرا ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل ِ‬
‫أمر اهلل‪ُ ،‬م ً‬ ‫ُ‬
‫فراقهم و َعيب آَلتِهم‪،‬‬
‫يشء(‪ )2‬أنكروه عليه‪ ،‬من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ال يعتِ ُبهم من‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫رجال‬ ‫طالب قد َح ِدب عليه‪ ،‬وقام دو َنه‪ ،‬فلم ُيسلِمه َلم‪ ،‬مشى‬‫ٍ‬ ‫عمه أبا‬
‫ورأوا أن َّ‬
‫ٍ‬
‫شمس‪ ،‬وأبو‬ ‫ٍ‬
‫طالب‪ :‬عتب ُة وشيب ُة ابنا ربيع َة بن عبد‬ ‫ٍ‬
‫قريش إىل أيب‬ ‫ِ‬
‫أرشاف‬ ‫من‬
‫ٍ‬
‫حرب‪ ،‬وأبو ال َبخرتي‪ ،‬واألسو ُد بن امل َّطلب‪ ،‬والوليدُ بن املغرية‪ ،‬و ُنبيه‬ ‫َ‬
‫سفيان ب ُن‬
‫والعاص بن وائل‪ ،‬أو من مشى منهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫و ُمنبه ابنا احلجاج بن عامر‪،‬‬

‫وعاب دينَنا‪ ،‬وس َّفه‬


‫َ‬ ‫سب آَل َتنا‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا أبا طالب‪ ،‬إن ابن أخيك قد َّ‬
‫أحال َمنا‪ ،‬وض َّلل آبا َءنا‪ ،‬فإما أن تك َّفه عنا‪ ،‬وإما أن ُخت ِّ َيل بيننا وبينه‪ ،‬فإنك عىل ِ‬
‫مثل‬
‫ما نحن عليه من خالفِه‪ ،‬فنَكفي َك ُه‪.‬‬
‫فقال َلم أبو طالب ً‬
‫قوال رفي ًقا‪ ،‬وردهم ر ًدا ً‬
‫مجيال‪ ،‬فانرصفوا عنه‪.‬‬

‫ظهر دي َن اهلل‪ ،‬ويدعو إليه‪ ،‬ثم‬


‫رسول اهلل ﷺ عىل ما هو عليه‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومىض‬
‫كر‬ ‫الرجال و َتضا َغنوا(‪ ،)4‬وأكثرت ٌ ِ‬
‫ُ‬
‫قريش ذ َ‬ ‫األمر بينه وبينَهم حتى تبا َعدَ‬ ‫رشى‬
‫ََ‬
‫(‪)3‬‬
‫ُ‬
‫بعضا عليه‪ ،‬ثم إهنم مشوا‬‫بعضهم ً‬‫وحض ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ بينها‪ ،‬ف َتذا َمروا(‪ )5‬فيه‪،‬‬
‫مر ًة أخرى‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طالب َّ‬ ‫إىل أيب‬

‫(‪َ )1‬ح ِدب‪ :‬حدب عىل فالن إذا كان عاط ًفا عليه ومان ًعا له‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال يعتِ ُبهم من يشء‪ :‬أي ال يرضيهم‪.‬‬
‫رشى‪ :‬كثر‪.‬‬ ‫(‪َ َ )3‬‬
‫(‪َ )4‬تضا َغنوا‪ :‬تعادوا‪.‬‬
‫بعضا‪.‬‬
‫(‪َ )5‬تذا َمروا‪ :‬أي حض بعضهم ً‬
‫‪ | 51‬خمتصر السرية النبوية‬

‫فقالوا له‪ :‬يا أبا طالب‪ ،‬إن لك سناا ورش ًفا ومنزل ًة فينا‪ ،‬وإنا قد استنهيناك‬
‫رب عىل هذا من َش ْت ِم آبائنا‪ ،‬وتسفيه‬‫من ابن أخيك فلم َتنْ َهه عنا‪ ،‬وإنا واهلل ال َنص ُ‬
‫يب آَلتنا‪ ،‬حتى ت ُك َّفه عنا‪ ،‬أو نناز ُله وإياك يف ذلك‪ ،‬حتى َ‬
‫ُلك أحدُ‬ ‫ِ‬
‫أحالمنا‪ ،‬و َع ِ‬
‫الفريقني‪ ،‬أو كام قالوا له‪.‬‬
‫نفسا‬ ‫ِ‬ ‫ثم انرصفوا عنه‪ ،‬ف َع ُظم عىل أيب طالب ُ‬
‫وعداوهتم‪ ،‬ومل يطب ً‬
‫ُ‬ ‫فراق قومه‬
‫رسول اهلل ﷺ َلم وال ِخذالنِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بإسال ِم‬
‫ِ‬
‫األخنس أنه‬ ‫يعقوب بن عتب َة ِ‬
‫بن املغرية بن‬ ‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬وحدثني‬‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‬ ‫قريشا حني قالوا أليب طالب هذه املقال َة‪ ،‬بعث إىل‬
‫ُحدِّ ث‪ :‬أن ً‬
‫له‪ :‬يا اب َن أخي‪ ،‬إن قو َمك قد جاءوين‪ ،‬فقالوا يل كذا وكذا ‪-‬للذي كانوا قالوا له‪-‬‬
‫أطيق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األمر ما ال ُ‬ ‫فأب ِق عيل وعىل ِ‬
‫نفسك‪ ،‬وال ُحت ِّملني من‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫رسول اهلل ﷺ أنه قد بدا ل َع ِّمه فيه َبدا ًء أنه خاذ ُله و ُم ُ‬
‫سلمه‪ ،‬وأنه‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فظن‬
‫ضعف عن ُنرصتِه والقيا ِم معه‪.‬‬
‫َ‬ ‫قد‬
‫الشمس يف يميني‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬يا َع ِم‪ ،‬واهلل لو َوضعوا‬ ‫قال‪ :‬فقال‬
‫ظهره اهللُ‪ ،‬أو أهلِك فيه‪ ،‬ما‬
‫األمر حتى ُي َ‬
‫َ‬ ‫أتر َك هذا‬
‫والقمر يف َيساري عىل أن ُ‬
‫َ‬
‫ترك ُته»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫طالب فقال‪:‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فبكى ثم قا َم‪ ،‬فلام َّ‬
‫وىل ناداه أبو‬ ‫ُ‬ ‫استعرب‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬ثم‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬اذهب يا اب َن أخي‪ ،‬ف ُقل‬ ‫ُ‬ ‫أقبل يا اب َن أخي‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫فأقبل عليه‬ ‫ْ‬
‫سلمك ليشء أبدً ا‪.‬‬ ‫أحببت؛ فواهلل‪ ،‬ال ُأ ُ‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫طالب قد أبى ِخذالن‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫قريشا حني عرفوا أن أبا‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم إن‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫وعداوهتم‪ ،‬مشوا إليه ب ُعامر َة‬ ‫ِ‬
‫لفراقهم يف ذلك‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وإسال َمه‪ ،‬وإمجاعه‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪50‬‬

‫ِ‬
‫الوليد بن ا ُملغرية‪ ،‬فقالوا له ‪-‬فيام بلغني‪ :-‬يا أبا طالب‪ ،‬هذا ُعامرة بن الوليد‪،‬‬ ‫بن‬
‫ونرصه‪ ،‬واختذه ولدً ا فهو لك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َأ ْهن َدُ (‪ )1‬ف ًتى يف قريش وأمج ُله‪ ،‬فخذه ف َلك عق ُله‬
‫وفرق مجاع َة‬
‫خالف دينَك ودي َن آبائك‪َّ ،‬‬‫َ‬ ‫وأسلِم إلينا اب َن أخيك هذا‪ ،‬الذي قد‬
‫ٍ‬
‫برجل‪.‬‬ ‫رجل‬‫قومك‪ ،‬وس َّفه أحالمهم‪ ،‬فنق ُتله‪ ،‬فإنام هو ٌ‬
‫فقال‪ :‬واهلل لبئس ما َتسومونني(‪ !)2‬أ ُتعطونني ابنَكم ُ‬
‫أغذوه لكم‪ ،‬وأعطيكم‬
‫ابني تقتلو َنه! هذا واهلل ما ال يكون أبدً ا‪.‬‬
‫عبد مناف بن ُقيص‪ :‬واهلل يا أبا‬‫قال‪ :‬فقال املُطعم بن عدي بن َنوفل بن ِ‬

‫تكرهه‪ ،‬فام ُأراك تريدُ أن‬


‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫طالب لقد أنص َفك قو ُمك‪ ،‬وجهدوا عىل التخ ُّلص مما‬
‫َ‬
‫تقبل منهم شي ًئا!‬
‫أمجعت ِخذالين‬
‫َ‬ ‫للمطعم‪ :‬واهلل ما أنصفوين‪ ،‬ولكنَّك قد‬‫فقال أبو طالب ُ‬
‫و ُمظاهر َة القو ِم َّ‬
‫عيل‪ ،‬فاصنع ما بدا لك‪ ،‬أو كام قال‪.‬‬
‫بعضا‪.‬‬ ‫احلرب‪ ،‬وتنا َب َذ القو ُم‪ ،‬وبادى ُ‬
‫بعضهم ً‬ ‫ُ‬ ‫ومحِيت‬
‫األمر‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ب‬‫فح َق َ‬
‫َ‬
‫‪ِ -2‬ذكرُ ما فَتنت به قريشٌ املؤمنني وعذَّبتهُم على اإلميانِ‬
‫ِ‬
‫القبائل منهم من‬ ‫قريشا تذامروا بينهم عىل من يف‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم إن ً‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫قبيلة عىل َم ْن فيهم من‬ ‫أصحاب رسول اهلل ﷺ الذين أسلموا معه‪ ،‬فو َثبت ُك ُّل‬ ‫ِ‬
‫ومنع اهلل رسو َله ﷺ منهم ِّ‬
‫بعمه أيب‬ ‫َ‬ ‫بوهنم‪ ،‬و َيفتِنوهنم عن ِدين ِهم‪،‬‬
‫عذ َ‬ ‫املسلمني ُي ِّ‬
‫قريشا يصنعون ما يصنعون يف َبني هاش ٍم‬ ‫طالب‪ ،‬وقد قام أبو طالب حني رأى ً‬

‫(‪َ )1‬أ ْهن َد‪ :‬أشد وأقوى‪.‬‬


‫(‪َ )2‬ت ُسو ُمو َنن ِي‪ :‬تكلفونني‪.‬‬
‫ب‪ :‬زاد واشتد‪.‬‬ ‫(‪َ )3‬ح َق َ‬
‫‪ | 52‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والقيا ِم دو َنه‪،‬‬ ‫وبني امل َّطلب‪ ،‬فدعاهم إىل ما هو عليه‪ ،‬من َمنع‬
‫ب‪،‬‬‫فاجتمعوا إليه‪ ،‬وقاموا معه‪ ،‬وأجابوه إىل ما دعاهم إليه‪ ،‬إال ما كان من أيب ََل ٍ‬
‫ِ‬
‫امللعون‪.‬‬ ‫عدو اهلل‬
‫ِّ‬
‫‪َ -3‬تحيُّرُ الوليدِ بن املغرية فيما يَصفُ به القرآنَ‬
‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬وكان ذا س ٍّن فيهم‪ ،‬وقد‬ ‫نفر من‬
‫ثم إن الوليدَ بن املغري َة اجتمع إليه ٌ‬
‫املوسم‪ ،‬وإن وفو َد‬
‫ُ‬ ‫حض هذا‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬إنه قد‬ ‫معرش‬
‫َ‬ ‫املوسم فقال َلم‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫حض‬
‫بأمر صاحبكم هذا‪ ،‬فأمجعوا فيه رأ ًيا‬ ‫العرب س َتقدَ م عليكم فيه‪ ،‬وقد سمعوا ِ‬
‫بعضا‪.‬‬
‫بعضه ً‬‫بعضا‪ ،‬و َير َّد قو ُلكم ُ‬
‫بعضكم ً‬ ‫واحدً ا‪ ،‬وال ختتلفوا ف ُي ِّ‬
‫كذ َب ُ‬
‫فقل وأقم لنا رأ ًيا ُ‬
‫نقول به‪ ،‬قال‪ :‬بل أنتم‬ ‫قالوا‪ :‬فأنت يا أبا عبد شمس‪ْ ،‬‬
‫أس َم ْع‪.‬‬
‫فقولوا ْ‬
‫كاهن‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قالوا‪ُ :‬‬
‫نقول‬
‫ِ‬
‫الكاهن وال‬ ‫ِ‬
‫بزمزمة‬ ‫الكه َ‬
‫ان فام هو‬ ‫ٍ‬
‫بكاهن‪ ،‬لقد رأينا َّ‬ ‫قال‪ :‬ال واهلل ما هو‬
‫ِ‬
‫سجعه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫لجنون‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬فنقول‪:‬‬
‫اجله‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بخنقه‪ ،‬وال َخت ُِ‬ ‫َ‬
‫اجلنون وعرفناه‪ ،‬فام هو‬ ‫ٍ‬
‫بمجنون‪ ،‬لقد رأينا‬ ‫قال‪ :‬ما هو‬
‫وال وسوستِه‪.‬‬
‫شاعر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قالوا‪ :‬فنقول‪:‬‬
‫قبوضه‬ ‫وهزجه و َق َ‬
‫ريضه و َم َ‬ ‫الشعر ك َّله َ‬
‫رج َزه َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بشاعر‪ ،‬لقد عرفنا‬ ‫قال‪ :‬ما هو‬
‫و َمبسو َطه‪ ،‬فام هو بالشعر‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪53‬‬

‫ساحر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قالوا‪ :‬فنقول‪:‬‬
‫وسحرهم‪ ،‬فام هو بنفثِهم وال‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بساحر‪ ،‬لقد رأينا السحار‬ ‫قال‪ :‬ما هو‬
‫ِ‬
‫عقدهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فام نقول يا أبا ِ‬
‫عبد شمس؟‬
‫ذق(‪ ،)1‬وإن َفرعه جلنا ٌة‪ ،‬وما أنتم‬‫قال‪ :‬واهلل‪ ،‬إن لقول ِه حلالو ًة‪ ،‬وإن أص َله ل َع ٌ‬
‫أقرب القول فيه‪َ :‬ألَن تقولوا‪ :‬هو‬‫َ‬ ‫بقائلني من هذا شي ًئا إال ُعرف أنه ٌ‬
‫باطل‪ ،‬وإن‬
‫املرء وأخيه‪ ،‬وبني ِ‬
‫املرء‬ ‫املرء وأبيه‪ ،‬وبني ِ‬ ‫ساحر‪ ،‬جاء بقول هو سحر يفرق به بني ِ‬
‫ٌ ِّ‬ ‫ٌ‬
‫وزوجته‪ ،‬وبني املرء وعشريتِه‪.‬‬
‫بل الناس حني ِ‬
‫قدموا املوسم‪ ،‬ال‬ ‫بس ِ‬
‫فجعلوا َجيلسون ُ‬
‫فتفرقوا عنه بذلك‪َ ،‬‬
‫َّ‬
‫أمره‪.‬‬ ‫يمر هبم أحدٌ إال َّ‬
‫حذروه إياه‪ ،‬وذكروا َلم َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫املغرية ويف ذلك من قوله‪( :‬ﯲ ﯳ ﯴ‬ ‫ِ‬
‫الوليد بن‬ ‫فأنزل اهللُ تعاىل يف‬
‫ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ‬
‫ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬
‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [املدَّ ثر‪.]51-55:‬‬
‫‪ -4‬انتشارُ ذكرِ الرسولِ يف القبائلِ‪ ،‬وال سيَّما يف األوسِ واخلزرجِ‬
‫العرب‪ ،‬وبلغ ال ُبلدان‪ُ ،‬ذكِ َر باملدينة‪ ،‬ومل يكن‬
‫ِ‬ ‫أمر رسول اهلل ﷺ يف‬
‫انترش ُ‬
‫فلام َ‬
‫ِ‬ ‫أعلم ِ‬ ‫ِ‬
‫احلي‬
‫ذكر من هذا ِّ‬ ‫بأمر رسول اهلل ﷺ حني ُذك َر وقبل أن ُي َ‬ ‫َ‬ ‫العرب‬ ‫حي من‬

‫(‪ )1‬ال َع ْذق‪ :‬النخلة‪.‬‬


‫‪ | 54‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫أحبار اليهود‪ ،‬وكانوا َلم‬ ‫ِ‬
‫واخلزرج‪ ،‬وذلك ملا كانوا َيسمعون من‬ ‫ِ‬
‫األوس‬ ‫من‬
‫حلفاء‪ ،‬ومعهم يف ِ‬
‫بالدهم‪.‬‬ ‫ُ َ‬
‫‪ِ -5‬ذكر ما لقِ َي رسولُ اهلل ﷺ من قومِه‬

‫داوة‬ ‫ِ‬
‫للشقاء الذي أصاهبم يف َع ِ‬ ‫أمرهم‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم إن ً‬
‫َ‬ ‫قريشا اشتد ُ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫برسول اهلل ﷺ ُسفها َءهم‪َّ ،‬‬
‫فكذبوه‬ ‫رسول اهلل ﷺ ومن أس َل َم معه منهم‪َ ،‬‬
‫فأغروا‬
‫ظهر ِ‬
‫ألمر اهلل‬ ‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ ُم ٌ‬
‫ِ‬
‫واجلنون‪،‬‬ ‫بالشعر والسحر والكها َن ِة‬
‫ِ‬ ‫وآذوه‪ ،‬ورموه‬
‫أوثاهنم‪ ،‬وفِراقه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واعتزال‬ ‫باد َلم بام َيكرهون من َعيب ِدينهم‪،‬‬ ‫ال يستخفي به‪ ،‬م ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إياهم عىل ُك ِ‬
‫فرهم‪.‬‬

‫إسالمُ محزةَ ‪‬‬ ‫‪-6‬‬

‫أسلم‪ ،‬كان واعي ًة‪ :‬أن أبا جهل َم َّر‬


‫َ‬ ‫ٌ‬
‫رجل من‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬حدثني‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫العيب‬ ‫بعض ما يكر ُه من‬‫برسول اهلل ﷺ عند الصفا‪ ،‬فآذاه وش َتمه‪ ،‬ونال منه َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وموال ٌة لعبد اهلل بن ُجدعان‬ ‫ألمره‪ ،‬فلم يك ِّلمه‬ ‫ِ‬
‫والتضعيف ِ‬ ‫لدينه‪،‬‬
‫قريش عند الكعبة‪،‬‬‫ٍ‬ ‫سكن َلا َتسمع ذلك‪ ،‬ثم انرصف عنه فعمدَ إىل ٍ‬
‫ناد من‬ ‫يف َم ٍ‬
‫ُ‬
‫فجلس معهم‪.‬‬

‫قوسه‪ ،‬راج ًعا من‬ ‫يلبث محز ُة بن عبد امل َّطلب ‪ ‬أن أقبل ُم ِّ‬
‫توش ًحا َ‬ ‫فلم ْ‬
‫نصه مل يصل‬‫قنص يرميه وخيرج له‪ ،‬وكان إذا رجع من َق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صاحب‬ ‫ٍ‬
‫قنص له‪ ،‬وكان‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫قريش إال‬ ‫ناد من‬‫بالكعبة‪ ،‬وكان إذا فعل ذلك مل يمر عىل ٍ‬
‫ِ‬ ‫يطوف‬
‫َ‬ ‫إىل أهلِه حتى‬
‫َّ‬
‫وقف وس َّلم وحتدث معهم‪ ،‬وكان َّ‬
‫أعز ف ًتى يف قريش‪ ،‬وأشدَّ شكيم ًة‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪55‬‬

‫رسول اهلل ﷺ إىل بيتِه‪ -‬قالت له‪ :‬يا أبا ُعامرة‪ ،‬لو‬
‫ُ‬ ‫رجع‬
‫مر باملوالة ‪-‬وقد َ‬
‫فلام َّ‬
‫جالسا‬
‫ً‬ ‫ابن أخيك حممدٌ آن ًفا من أيب احلكم بن هشام‪ ،‬وجدَ ه هاهنا‬
‫رأيت ما لقي ُ‬
‫وبلغ منه ما يكر ُه‪ ،‬ثم انرصف عنه ومل يك ِّلمه حممدٌ ﷺ‪.‬‬
‫فآذاه وس َّبه‪َ ،‬‬

‫يقف عىل‬‫الغضب ملا أرا َد اهلل به من كرامتِه‪ ،‬فخرج يسعى ومل ْ‬


‫ُ‬ ‫فاحتمل محز َة‬
‫جالسا يف‬ ‫نظر إليه‬ ‫ٍ ِ‬
‫ً‬ ‫وقع به‪ ،‬فلام دخل املسجدَ َ‬
‫أحد‪ُ ،‬معدا ا أليب جهل إذا لقيه أن ُي َ‬
‫فشجه شج ًة‬
‫َّ‬ ‫القوس فض َبه هبا‬
‫َ‬ ‫رفع‬
‫نحوه حتى إذا قا َم عىل رأسه َ‬ ‫القو ِم‪ ،‬فأقبل َ‬
‫ُمنكر ًة‪.‬‬

‫عيل إن استطعت‪.‬‬ ‫ثم قال‪ :‬أتشتِمه وأنا عىل دين ِه ُ‬


‫أقول ما يقول؟ فر َّد ذلك َّ‬
‫ٍ‬
‫جهل‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫جهل‪ ،‬فقال أبو‬ ‫ٌ‬
‫رجال من بني َخمزوم إىل محز َة لينرصوا أبا‬ ‫فقامت‬
‫قبيحا‪.‬‬
‫سببت اب َن أخيه س ابا ً‬
‫ُ‬ ‫دعوا أبا ُعامرة‪ ،‬فإين واهلل قد‬

‫رسول اهلل ﷺ من قول ِه‪.‬‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫إسالمه‪ ،‬وعىل ما تا َبع عليه‬ ‫وتم محز ُة ‪ ‬عىل‬
‫َّ‬
‫وامتنع‪ ،‬وأن محز َة‬
‫َ‬ ‫عز‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قد َّ‬ ‫قريش أن‬‫أسلم محز ُة عرفت ٌ‬
‫َ‬ ‫فلام‬
‫ِ‬
‫بعض ما كانوا َينالون منه‪.‬‬ ‫سيمن ُعه‪ ،‬فك ُّفوا عن‬

‫‪ -7‬قولُ عتبةَ بن ربيعةَ يف أمرِ رسولِ اهلل ﷺ‬


‫قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثني يزيدُ بن ٍ‬
‫زياد‪ ،‬عن حممد بن كعب ال ُقرظي قال‪ُ :‬حدِّ ثت‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ‬‫أن عتب َة بن ربيع َة ‪-‬وكان س ِّيدً ا‪ -‬قال يو ًما وهو جالس يف نادي قريش ‪-‬‬
‫وأعرض عليه‬
‫َ‬ ‫معرش ُق ٍ‬
‫ريش‪ ،‬أال أقو ُم إىل حممد فأك ِّلمه‬ ‫ِ‬
‫املسجد وحدَ ه‪ :-‬يا‬ ‫جالس يف‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ويكف عنا؟ ‪-‬وذلك حني أسلم محز ُة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫بعضها فنعطيه َّأُا شاء‪،‬‬ ‫أمورا لعله ُ‬
‫يقبل َ‬ ‫ً‬
‫‪ | 56‬خمتصر السرية النبوية‬

‫أصحاب رسول اهلل ﷺ يزيدون و َيك ُثرون‪ -‬فقالوا‪ :‬بىل يا أبا الوليد‪ُ ،‬ق ْم إليه‬
‫َ‬ ‫ورأوا‬
‫فك ِّل ْمه‪.‬‬

‫بن أخي‪ ،‬إنك منَّا‬ ‫ِ‬


‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا ا َ‬ ‫فقام إليه عتبة حتى جلس إىل‬
‫أتيت قو َمك‬ ‫ِ‬
‫النسب‪ ،‬وإنك قد َ‬ ‫الس َط ِة يف العشرية‪ ،‬واملكان يف‬
‫علمت من ِّ‬
‫َ‬ ‫حيث قد‬
‫وعبت به آَلتهم ودينهم‬ ‫قت به مجاع َتهم وس َّفهت به أحالمهم ِ‬ ‫ٍ‬
‫بأمر عظيم َّفر َ‬
‫َ‬
‫أمورا تنظر فيها لعلك‬ ‫وك َّفرت به من مىض من ِ‬
‫أعرض عليك ً‬ ‫ْ‬ ‫فاسم ْع مني‬
‫َ‬ ‫آبائهم‪،‬‬
‫بعضها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تقبل منها َ‬
‫أسمع»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬قل يا أبا الوليد‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فقال له‬
‫جئت به من هذا األم ِر ً‬
‫ماال َمجعنا لك‬ ‫قال‪ :‬يا اب َن أخي‪ ،‬إن كنت إنام ُتريد بام َ‬
‫سودناك علينا‪ ،‬حتى ال‬ ‫تكون أكثرنا ً‬
‫ماال‪ ،‬وإن كنت ُتريد به رش ًفا َّ‬ ‫َ‬ ‫من أموالنا حتى‬
‫أمرا دونك‪ ،‬وإن كنت ُتريد به ُمل ًكا م َّلكناك علينا‪ ،‬وإن كان هذا الذي يأتيك‬‫نقطع ً‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪ ،‬وبذلنا فيه أموالنا حتى‬ ‫َرئ ايا تراه ال َتستطيع ر َّده عن نفسك‪ ،‬طلبنا لك ال ِّط َّ‬
‫الرجل حتى ُيداوى منه‪ .‬أو كام قال له‪.‬‬‫ِ‬ ‫التابع عىل‬
‫ُ‬ ‫ُنرب َئك منه‪ ،‬فإنه ربام غلب‬

‫فرغت يا أبا‬
‫َ‬ ‫يستمع منه‪ ،‬قال‪« :‬أقد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ‬ ‫حتى إذا فرغ ُعتب ُة‪،‬‬
‫الوليد؟»‬

‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬

‫فاسم ْع منِي»‪.‬‬
‫قال‪َ « :‬‬
‫قال‪ُ :‬‬
‫أفعل‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪57‬‬

‫ِ‬
‫الرمحن الرحي ِم‪( ،‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫فقال‪« :‬بس ِم اهلل‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [ ُف ِّص َلت‪.»]1-5:‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ فيها َيقرؤها عليه‪.‬‬ ‫ثم مىض‬
‫خلف ِ‬
‫ظهره ُمعتمدً ا عليهام‬ ‫َ‬ ‫أنصت َلا‪ ،‬وألقى يديه‬
‫َ‬ ‫فلام َس ِمعها منه ُعتب ُة‬
‫سمعت‬ ‫فسجدَ ثم قال‪« :‬قد‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل السجدة منها‪َ ،‬‬ ‫يسمع منه‪ ،‬ثم انتهى‬
‫سمعت‪ ،‬فأنت وذاك»‪.‬‬
‫َ‬ ‫يا أبا الوليد ما‬

‫نحلف باهلل لقد جاءكم أبو‬


‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫لبعض‪:‬‬ ‫فقام عتب ُة إىل أصحابِه‪ ،‬فقال ُ‬
‫بعضهم‬
‫بغري الوجه الذي ذهب به‪.‬‬‫الوليد ِ‬

‫فلام جلس إليهم قالوا‪ :‬ما ورا َءك يا أبا الوليد؟‬


‫َّ‬
‫سمعت مث َله قط‪ ،‬واهلل ما هو‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬ورائي أين قد َس ِمعت قوال واهلل ما‬
‫معرش قريش‪ ،‬أطيعوين واجعلوها يب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بالشعر‪ ،‬وال بالسحر‪ ،‬وال بال َكهانة‪ ،‬يا‬
‫ِ‬
‫فاعتزلوه‪ ،‬فواهلل ليكون َّن لقوله الذي‬ ‫الرجل وبني ما هو فيه‬ ‫ِ‬ ‫وخ ُّلوا بني هذا‬
‫بغريكم‪ ،‬وإن يظهر عىل‬‫عظيم‪ ،‬فإن ُتصبه العرب فقد ُكفيتموه ِ‬ ‫ٌ‬ ‫سمعت منه نب ٌأ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الناس به‪.‬‬ ‫وع ُّزه ِع ُّزكم‪ ،‬وكنتم أسعدَ‬
‫العرب فملكه ملككم‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ ُ‬
‫سحرك واهلل يا أبا الوليد بلسانِه‪.‬‬
‫َ‬ ‫قالوا‪:‬‬

‫قال‪ :‬هذا رأيي فيه‪ ،‬فاصنعوا ما بدا لكم‪.‬‬


‫‪ | 58‬خمتصر السرية النبوية‬

‫إسحاق‪ :‬ثم إن اإلسال َم جعل َيفشو بم َّك َة يف قبائل ُقريش يف‬


‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫حبسه‪ ،‬وتفتِن من استطاعت فتن َته‬
‫وقريش حتبس من قدرت عىل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الرجال والنساء‪،‬‬
‫من املسلمني‪.‬‬
‫‪ -8‬استكبارُ قريشٍ عن أن يؤمنوا بالرسولِ ﷺ‬
‫احلق‪ ،‬وعرفوا صد َقه فيام حدَّ ث‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بام َعرفوا من ِّ‬ ‫فلام جا َءهم‬
‫عام سألوا عنه‪ ،‬حال‬ ‫وموقع نبوته فيام جا َءهم به من عل ِم ال ُغيوب حني سألوه َّ‬
‫َ‬
‫أمره َعيا ًنا‪،‬‬
‫احلسدُ منهم له بينهم وبني ا ِّتباعه وتصديقه‪ ،‬ف َع َتوا عىل اهلل وتركوا َ‬
‫َ‬
‫الكفر‪ ،‬فقال قائلهم‪ ( :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬ ‫ِ‬ ‫جلوا فيام هم عليه من‬‫و ُّ‬
‫وباطال‪ِ َّ ،‬‬
‫ً‬
‫واختذوه ُهزوا لعلكم تغلبو َنه‬ ‫ﯘ) [ ُف ِّص َلت‪ ،]56:‬أي‪ :‬اجعلوه ً‬
‫لغوا‬
‫بذلك‪ ،‬فإنكم إن ناظرمتوه أو خاصمتموه يو ًما غلبكم‪.‬‬
‫‪ِ -9‬ذكرُ اهلجرةِ األوىل إىل أرضِ احلبشةِ‬
‫ِ‬
‫البالء‪ ،‬وما‬ ‫يصيب أصحا َبه من‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ما‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام رأى‬ ‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫يقدر عىل أن يمن َعهم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫طالب‪ ،‬وأنه ال ُ‬ ‫عمه أيب‬
‫هو فيه من العافية‪ ،‬بمكانه من اهلل ومن ِّ‬
‫أرض احلبشة؛ فإن هبا َملِكا ال ُيظلم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البالء‪ ،‬قال َلم‪« :‬لو خرج ُتم إىل‬ ‫مما هم فيه من‬
‫صدق‪ ،‬حتى َ‬
‫جيعل اهلل لكم فرجا مما أنتم فيه»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عنده أحد‪ ،‬وهي أرض‬
‫ِ‬
‫احلبشة؛‬ ‫ِ‬
‫أرض‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل‬ ‫ِ‬
‫أصحاب‬ ‫فخرج عند ذلك املسلمون من‬
‫ٍ‬ ‫رارا إىل اهلل بدينِهم‪ ،‬فكانت َّأو َل‬‫ِ‬
‫هجرة كانت يف اإلسال ِم‪.‬‬ ‫خماف َة الفتنة‪ ،‬وف ً‬
‫َ‬
‫عفان بن أيب العاص بن أم َّية‬ ‫ُ‬
‫عثامن بن‬ ‫وكان َّأو َل من خرج من املسلمني‪:‬‬
‫عبد شمس‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأبو حذيف َة بن عتب َة بن ربيعة بن ِ‬
‫ِ‬ ‫معه امرأ ُته رقي ُة بنت‬
‫ُ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪59‬‬

‫صعب بن عمري‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الزبري بن العوا ِم‪ ،‬و ُم‬


‫معه امرأ ُته‪ :‬سهلة بنت ُسهيل بن عمرو‪ ،‬و ُ‬
‫وعبدُ الرمحن بن عوف‪ ،‬وأبو سلم َة بن عبد األسد معه امرأ ُته ُأ ُّم سلمة بنت أيب‬
‫عامر بن ربيع َة معه امرأ ُته ليىل بنت أيب َحثم َة‪ ،‬وأبو‬ ‫ٍ‬ ‫أمية‪ ،‬و ُ‬
‫عثامن بن َمظعون‪ ،‬و ُ‬
‫سرب َة بن أيب ُره ٍم و ُسهيل ابن بيضاء‪.‬‬
‫ِ‬
‫احلبشة‪ ،‬فيام‬ ‫ِ‬
‫أرض‬ ‫فكان هؤالء العرش ُة َّأو َل من خرج من املسلمني إىل‬
‫بلغني‪.‬‬
‫بعض أهل‬ ‫ٍ‬
‫ظعون‪ ،‬فيام ذكر يل ُ‬ ‫ُ‬
‫عثامن بن َم‬ ‫ابن هشا ٍم‪ :‬وكان عليهم‬
‫قال ُ‬
‫العلم‪.‬‬
‫طالب ‪ ،‬وتتابع املسلمون‬ ‫ٍ‬ ‫جعفر بن أيب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم خرج‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫احلبشة‪ ،‬فكانوا هبا‪ ،‬منهم من خرج بأهلِه معه‪ ،‬ومنهم من‬ ‫ِ‬
‫بأرض‬ ‫حتى اجتمعوا‬
‫خرج ِ‬
‫بنفسه ال َ‬
‫أهل له معه‪.‬‬
‫‪ -11‬إرسالُ قريشٍ إىل احلبشة يف طلب املُهاجرين إليها‬
‫خري‬
‫أرض احلبشة‪ ،‬جاورنا هبا َ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬عن ُأ ِّم سلمة قالت‪ :‬ملا نزلنا َ‬
‫نسمع شي ًئا نكرهه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫النجايش‪ِ ،‬أمنَّا عىل ديننا‪ ،‬وعبدنا اهللَ تعاىل ال ُنؤذى وال‬
‫َّ‬ ‫جار‪:‬‬
‫النجايش فينا رجلني منهم‬
‫ِّ‬ ‫ريشا‪ ،‬ائتمروا بينهم أن يبعثوا إىل‬ ‫فلام بلغ ذلك ُق ً‬
‫ِ‬
‫أعجب‬ ‫ستطرف من متا ِع م َّك َة‪ ،‬وكان من‬
‫ُ‬ ‫ج ْلدين‪ ،‬وأن ُُدوا للنجايش هدا َيا مما ُي‬
‫كثريا‪ ،‬ومل يرتكوا من بطارقته بِطري ًقا إال‬
‫ما يأتيه منها األ َد ُم ‪ ،‬فجمعوا له أد ًما ً‬
‫(‪)1‬‬

‫أهدوا له هدي ًة‪.‬‬

‫(‪ )1‬األ َدم‪ :‬اجللود‪.‬‬


‫‪ | 61‬خمتصر السرية النبوية‬

‫وعمرو بن العاص‪ ،‬وأمرومها‬ ‫َ‬ ‫ثم بعثوا بذلك عبدَ اهلل بن أيب ربيع َة‪،‬‬
‫النجايش فيهم‪ ،‬ثم‬ ‫بأمرهم‪ ،‬وقالوا َلام‪ :‬ادفعا إىل ُك ِّل بِ ٍ‬
‫طريق هد َّي َته قبل أن ُتكلام‬
‫َّ‬
‫قدِّ ما إىل النجايش هداياه‪ ،‬ثم ساله أن ُيسلِ َمهم إليكام قبل أن ُيك ِّلمهم‪.‬‬

‫دار‪ ،‬عند خري‬ ‫بخري ٍ‬


‫ِ‬ ‫النجايش‪ ،‬ونحن عنده‬ ‫قدما عىل‬ ‫قالت‪ :‬فخرجا حتى ِ‬
‫ِّ‬
‫طريق إال دفعا إليه هدي َت ُه قبل أن ُيك ِّلام النجايش‪ ،‬وقاال‬‫يبق من بطارقته بِ ٌ‬ ‫ٍ‬
‫جار‪ ،‬فلم َ‬
‫دين‬
‫لامن سفها ُء‪ ،‬فارقوا َ‬ ‫بطريق منهم‪ :‬إنه قد َض َوى(‪ )1‬إىل بلد املَلك منا ِغ ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫لكل‬
‫بدين ُمبتد ٍع‪ ،‬ال نعرفه نحن وال ُ‬
‫أنتم‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫قومهم‪ ،‬ومل يدخلوا يف دينِكم‪ ،‬وجاءوا‬ ‫ِ‬

‫قومهم لري َّدهم إليهم‪ ،‬فإذا ك َّلمنا امللك فيهم‪ ،‬فأشريوا‬ ‫أرشاف ِ‬
‫ُ‬ ‫بع َثنا إىل ِ‬
‫امللك فيهم‬ ‫ََ‬
‫عليه بأن ُيسلمهم إلينا وال ُيك ِّل َمهم‪ ،‬فإن قو َمهم أعىل هبم عينًا‪ ،‬وأعلم بام عابوا‬
‫عليهم‪.‬‬

‫فقالوا َلام‪ :‬نعم‪.‬‬

‫النجايش فقبِلها منهام‪ ،‬ثم ك َّلامه فقاال له‪ :‬أُا‬


‫ِّ‬ ‫ثم َّإهنام قدَّ ما هدايامها إىل‬
‫لامن سفهاء‪ ،‬فارقوا دين ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قومهم‪ ،‬ومل يدخلوا يف‬ ‫َ‬ ‫امللك‪ ،‬إنه قد َض َوى إىل بلدك منا غ ٌ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫دين ِك‪ ،‬وجاءوا بدين ابتدعوه‪ ،‬ال نعر ُفه نحن وال أنت‪ ،‬وقد َب َع َثنا إليك فيهم‬
‫لرت َّدهم إليهم‪ ،‬فهم أعىل هبم عينًا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫أرشاف قومهم من آبائهم وأعاممهم وعشائرهم َ ُ‬
‫وأعلم بام عابوا عليهم وعاتبوهم فيه‪.‬‬
‫ِ‬
‫وعمرو بن العاص من‬ ‫أبغض إىل ِ‬
‫عبد اهلل بن أيب ربيع َة‬ ‫قالت‪ :‬ومل يكن يش ٌء َ‬
‫النجايش‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أن يسمع كال َمهم‬

‫(‪َ )1‬ض َوى‪ :‬جلأ‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪60‬‬

‫ُ‬
‫امللك‪ ،‬قو ُمهم أعىل هبم عينًا‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬فقالت َبطارق ُته حوله‪َ :‬صدَ قا أُا‬
‫ِ‬
‫وقومهم‪.‬‬ ‫وأعلم بام عابوا عليهم؛ فأسلِمهم إليهام فلريداهم إىل ِ‬
‫بالدهم‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫ُ‬
‫النجايش‪ ،‬ثم قال‪ :‬الها اهلل إذن‪ ،‬ال ُأسلِمهم إليهام‪ ،‬وال ُيكا ُد‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫قالت‪ :‬فغض َ‬
‫ُ‬
‫فأسأَلم‬ ‫قو ٌم جاوروين‪ ،‬و َن َزلوا بالدي‪ ،‬واختاروين عىل من ِسواي‪ ،‬حتى أدعوهم‬
‫ورددهتم إىل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫يقوالن أسلم ُتهم إليهام‪،‬‬ ‫عام َي ُ‬
‫قول هذان يف أمرهم‪ ،‬فإن كانوا كام‬
‫وأحسنت ِجوارهم ما جاوروين‪.‬‬‫ُ‬ ‫قومهم‪ ،‬وإن كانوا عىل ِ‬
‫غري ذلك منع ُتهم منهام‪،‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ فدعاهم‪ ،‬فلام جا َءهم رسو ُله‬ ‫ِ‬
‫أصحاب‬ ‫َ‬
‫أرسل إىل‬ ‫قالت‪ :‬ثم‬
‫للرجل إذا ِجئتموه؟‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫لبعض‪ :‬ما تقولون‬ ‫بعضهم‬‫اجتمعوا‪ ،‬ثم قال ُ‬
‫أمرنا به نب ُّينا ﷺ كائنًا يف ذلك ما هو كائن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قالوا‪ :‬نقول واهلل ما علمنا‪ ،‬وما َ‬
‫ِ‬
‫مصاح َفهم حو َله‪ -‬سأَلم‬ ‫النجايش أساق َف َته‪ ،‬فنرشوا‬ ‫فلام جاءوا ‪-‬وقد دعا‬
‫ُّ‬
‫فقال َلم‪ :‬ما هذا الدي ُن الذي قد فارق ُتم فيه قو َمكم‪ ،‬ومل تدخلوا به يف ديني‪ ،‬وال‬
‫أحد من هذه امل ِلل؟‬
‫دين ٍ‬
‫يف ِ‬

‫ُ‬
‫ضوان اهلل عليه‪ ،‬فقال له‪ُّ :‬أُا‬ ‫طالب ِر‬
‫ٍ‬ ‫جعفر بن أيب‬
‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬فكان الذي ك َّلمه‬
‫َ‬
‫الفواحش‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جاهلية‪ ،‬نعبد األصنا َم‪ ،‬ونأكل امليت َة‪ ،‬ونأيت‬ ‫امللك‪ ،‬كنا قو ًما َ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬
‫الضعيف‪ ،‬فكنا عىل ذلك‪ ،‬حتى‬
‫َ‬ ‫لقوي منا‬
‫ونقطع األرحا َم‪ ،‬و ُنيس ُء اجلوار‪ ،‬ويأكل ا ُّ‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫رسوال منا‪ ،‬نعرف َنس َبه وصد َقه وأما َنته وعفا َفه‪.‬‬ ‫َ‬
‫بعث اهلل إلينا‬
‫ونخلع ما كنا نعبدُ نحن وآباؤنا من دونِه من‬
‫َ‬ ‫لنوحدَ ه ونعبده‪،‬‬
‫فدعانا إىل اهلل ِّ‬
‫ِ‬
‫احلجارة واألوثان‪.‬‬
‫‪ | 62‬خمتصر السرية النبوية‬

‫وحسن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اجلوار‪،‬‬ ‫بصدق احلديث‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وصلة الرح ِم‪ُ ،‬‬ ‫وأمرنا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والدماء‪.‬‬ ‫والكف عن املحار ِم‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وقذف املُحصنات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأكل مال اليتي ِم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وقول الزور‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واحش‪،‬‬‫وهنانا عن ال َف‬
‫َ‬
‫نرشك به شي ًئا‪.‬‬ ‫وأمرنا أن نعبدَ اهلل وحده‪ ،‬ال‬

‫أمور اإلسال ِم‪-‬‬


‫َ‬ ‫وأمرنا بالصالة والزكاة والصيام ‪-‬قالت‪ :‬فعدَّ د عليه‬
‫ْ‬
‫نرشك به‬ ‫فصدَّ قناه وآمنَّا به‪ ،‬وا َّتبعناه عىل ما جا َء به من اهلل‪ ،‬فعبدنا اهللَ وحدَ ه‪ ،‬فلم‬
‫أحل لنا‪ ،‬فعدا علينا قو ُمنا‪َّ ،‬‬
‫فعذبونا‪،‬‬ ‫وحرمنا ما َحرم علينا‪ ،‬وأحللنا ما َّ‬ ‫َّ‬ ‫شي ًئا‪،‬‬
‫عبادة اهلل تعاىل‪ ،‬وأن َن ِ‬
‫ستح َّل ما كنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عبادة األوثان من‬ ‫و َفتنونا عن دين ِنا؛ لري ُّدونا إىل‬
‫ِ‬
‫اخلبائث‪.‬‬ ‫نستحل من‬

‫فلام َقهرونا وظلمونا وض َّيقوا علينا‪ ،‬وحالوا بينَنا وبني ديننا‪ ،‬خرجنا إىل‬
‫ظلم عندك ُّأُا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫واخرتناك عىل من سواك‪ ،‬ورغبنا يف جوارك‪ ،‬ورجونا أال ُن َ‬ ‫بالدك‪،‬‬
‫ُ‬
‫امللك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فقال له النجايش‪ :‬هل معك مما جاء به عن اهلل من ٍ‬
‫يشء؟‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫جعفر‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قالت‪ :‬فقال له‬

‫عيل‪.‬‬
‫نجايش‪ :‬فاقرأه َّ‬
‫ُّ‬ ‫فقال له ال‬

‫درا من‪( :‬ﭑ ﭒ) [مريم‪.]5:‬‬


‫قالت‪ :‬فقرأ عليه َص ً‬
‫النجايش حتى اخض َّل ْت حلي ُته‪ ،‬وبكت أساق َف ُته حتى‬
‫ُّ‬ ‫قالت‪ :‬فبكى ‪-‬واهلل‪-‬‬
‫مصاح َفهم‪ ،‬حني ِ‬
‫سمعوا ما تال عليهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أخض ُلوا‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪63‬‬

‫ٍ‬
‫شكاة‬‫خر ُج من ِم‬ ‫ِ‬
‫النجايش‪ :‬إن هذا والذي جا َء به عيسى ل َي ُ‬
‫ُّ‬ ‫ثم قال َلم‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬انطلقا‪ ،‬فال واهلل ال أسلِ ُمهم إليكام‪ ،‬وال ُيكادون‪.‬‬

‫قالت‪ :‬فلام خرجا ِمن عنده‪ ،‬قال عمرو ب ُن العاص‪ :‬واهلل آلتينَّه غدً ا عنهم بام‬
‫ُ‬
‫أستأصل به َخضا َءهم‪.‬‬

‫قالت‪ :‬فقال له عبدُ اهلل بن أيب ربيع َة‪ ،‬وكان أتقى الرجلني فينا‪ :‬ال تفعل؛ فإن‬
‫َلم أرحا ًما‪ ،‬وإن كانوا قد خالفونا‪.‬‬

‫رب َّنه أهنم يزعمون أن عيسى ابن َمريم عبدٌ ‪.‬‬


‫قال‪ :‬واهلل ألخ َ‬
‫قالت‪ :‬ثم غدَ ا عليه من ال َغ ِد فقال له‪ُّ :‬أُا ُ‬
‫امللك‪ ،‬إهنم يقولون يف عيسى ابن‬
‫رس ْل إليهم فسلهم عام يقولون فيه‪.‬‬ ‫قوال عظيام‪ ،‬فأ ِ‬
‫مريم ً‬
‫ً‬
‫َ‬
‫ليسأَلم عنه‪.‬‬ ‫َ‬
‫فأرسل إليهم‬ ‫قالت‪:‬‬

‫قالت‪ :‬ومل َينزل بنا ِمث ُلها قط‪.‬‬


‫ٍ‬
‫لبعض‪ :‬ماذا تقولون يف عيسى ابن َمريم إذا‬ ‫بعضهم‬
‫فاجتمع القو ُم‪ ،‬ثم قال ُ‬
‫سأ َلكم عنه؟‬

‫هلل‪ ،‬وما جاءنا به نب ُّينا‪ ،‬كائنًا يف ذلك ما هو كائ ٌن‪.‬‬ ‫قالوا‪ُ :‬‬
‫نقول واهلل ما قال ا ُ‬

‫مريم؟‬
‫ابن َ‬‫قالت‪ :‬فلام دخلوا عليه‪ ،‬قال َلم‪ :‬ماذا تقولون يف عيسى ِ‬

‫جعفر بن أيب طالب‪ُ :‬‬


‫نقول فيه الذي جاءنا به نب ُّينا ﷺ‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬فقال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هو عبدُ اهلل ورسو ُله‬
‫البتول‪.‬‬ ‫العذراء‬ ‫وروحه و َكلم ُته ألقاها إىل َ‬
‫مريم‬ ‫ُ‬
‫‪ | 64‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬فأخذ منها عو ًدا‪ ،‬ثم قال‪ :‬واهلل ما‬ ‫النجايش بيده إىل‬
‫ُّ‬ ‫قالت‪ :‬فضب‬
‫قلت هذا العو َد‪.‬‬
‫بن مريم ما َ‬
‫عدا عيسى ا ُ‬
‫فتناخرت بطار َق ُته حو َله حني قال ما قال‪.‬‬
‫قالت‪َ :‬‬
‫َ‬
‫اآلمنون‪-‬‬ ‫فقال‪ :‬وإن نخر ُتم واهلل‪ ،‬اذهبوا فأنتم ُشيو ٌم بأريض‪ -‬والشيو ُم‪:‬‬
‫أحب أن يل‬
‫ُّ‬ ‫َم ْن َس َّبكم َغ ِر َم‪ ،‬ثم قال‪ :‬من س َّبكم َغ ِرم‪ ،‬ثم قال‪َ :‬من َس َّبكم َغ ِر َم‪ ،‬ما‬
‫رجال منكم‪ُ ،‬ر ُّدوا عليهام هدايامها‪ ،‬فال حاج َة يل هبا‪،‬‬
‫آذيت ً‬
‫َد ًبرا من ذهب‪ ،‬وأين ُ‬
‫الرشو َة فيه‪ ،‬وما أطا َع‬ ‫َ‬
‫فآخذ ِّ‬ ‫عيل ُملكي‪،‬‬
‫الرشو َة حني َر َّد َّ‬
‫فواهلل ما أخذ اهللُ مني ِّ‬
‫الناس َّيف فأطي َعهم فيه‪.‬‬
‫قبوحني َمردو ًدا عليهام ما جاءا به‪ ،‬وأقمنا عنده‬
‫قالت‪ :‬فخرجا من عنده َم َ‬
‫خري ٍ‬
‫جار‪.‬‬ ‫خري ٍ‬
‫دار‪ ،‬مع ِ‬ ‫بِ ِ‬

‫‪ -11‬إسالمُ عمرَ بن اخلطابِ ‪‬‬

‫عمر فيام بلغني أن أخته فاطم َة بنت‬ ‫َ‬ ‫إسحاق‪ :‬وكان إسال ُم‬‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫زيد‪ ،‬ومها ُمستخفيان‬ ‫اخلطاب‪ ،‬وكانت قد أسلمت وأسلم بع ُلها سعيدُ بن ٍ‬
‫َ‬
‫خيتلف إىل فاطم َة بنت اخلطاب ُيقرئها‬ ‫األرت‬ ‫اب بن‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫عمر‪ ،‬وكان خ َّب ُ‬
‫بإسالمهام من َ‬
‫رسول اهلل ﷺ وره ًطا من أصحابه‬ ‫َ‬ ‫متوش ًحا سيفه يريدُ‬ ‫القرآن‪ ،‬فخرج عمر يو ًما ِّ‬ ‫َ‬
‫أربعني ما بني‬
‫َ‬ ‫قريب من‬ ‫بيت عند الصفا‪ ،‬وهم‬ ‫قد ُذكروا له أهنم قد اجتمعوا يف ٍ‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫ونساء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رجال‬
‫عبد املطلب‪ ،‬وأبو ِ‬
‫بكر بن أيب قحاف َة‬ ‫ومع رسول اهلل ﷺ عمه محز ُة بن ِ‬
‫ُّ‬
‫رجال من املسلمني ‪ ‬ممن كان أقا َم مع‬ ‫ٍ‬ ‫وعيل بن أيب طالب‪ ،‬يف‬ ‫الصديق‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫احلبشة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أرض‬ ‫رسول اهلل ﷺ بمك َة‪ ،‬ومل خيرج فيمن خرج إىل‬ ‫ِ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪65‬‬

‫عمر؟‬
‫نعيم بن عبد اهلل‪ ،‬فقال له‪ :‬أين تريدُ يا ُ‬
‫فلق َيه ُ‬
‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬وس َّفه أحال َمها‪،‬‬ ‫الصابئ‪ ،‬الذي َّفر َق َ‬
‫أمر‬ ‫َ‬ ‫فقال‪ :‬أريدُ حممدً ا هذا‬
‫وسب آَلتها فأق ُتله‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وعاب دينَها‪،‬‬

‫مر‪ ،‬أترى بني عبد‬ ‫ِ‬


‫نفسك من نفسك يا ع ُ‬‫غرتك ُ‬ ‫عيم‪ :‬واهلل لقد َّ‬
‫فقال له ُن ٌ‬
‫أهل بيتك‬ ‫ِ‬
‫األرض وقد َقتلت حممدً ا؟! أفال ترجع إىل ِ‬ ‫َمناف تاركيك متيش عىل‬
‫أمرهم؟‬
‫ف ُتقيم َ‬
‫وأي أهل بيتي؟‬
‫قال‪ُّ :‬‬
‫قال‪َ :‬ختنُك وابن عمك سعيدُ بن ٍ‬
‫زيد‪ ،‬وأخ ُتك فاطم ُة بنت اخلطاب‪ ،‬فقد‬
‫واهلل أسلام‪ ،‬وتابعا ُحممدً ا عىل دينه‪ ،‬فعليك هبام‪.‬‬

‫األرت معه‬
‫ِّ‬ ‫اب بن‬ ‫عمر عامدً ا إىل أختِه َ‬
‫وختنه‪ ،‬وعندمها خ َّب ُ‬ ‫قال‪ :‬فرجع ُ‬
‫ِ‬
‫صحيف ٌة‪ ،‬فيها‪( :‬ﭵ) ُيقرئهام إياها‪ ،‬فلام َسمعوا ح َّس َ‬
‫عمر‪ ،‬تغ َّيب خباب يف‬
‫ِ‬
‫بعض البيت‪.‬‬ ‫َخم ْدَ ٍع(‪َ )1‬لم‪ ،‬أو يف‬

‫عمر‬
‫سمع ُ‬‫َ‬ ‫فخ ِذها‪ ،‬وقد‬‫وأخذت فاطم ُة بنت اخلطاب الصحيف َة فجعلتها حتت ِ‬

‫سمعت؟‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫خباب عليهام‪ ،‬فلام دخل قال‪ :‬ما هذه اَل َ ْينَ َمة(‪ )2‬التي‬ ‫حني دنا إىل البيت قراء َة‬

‫قاال له‪ :‬ما سمعت شي ًئا‪.‬‬

‫بختنه‬‫وبطش َ‬
‫َ‬ ‫خربت أنكام تابعتام حممدً ا عىل دين ِه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬بىل‪ ،‬واهلل‪ ،‬لقد ُأ‬
‫سعيد بن ٍ‬
‫ِ‬
‫بنت اخلطاب لتك َّفه عن زوجها‪َ ،‬‬
‫فض َهبا‬ ‫زيد‪ ،‬فقامت إليه أخ ُته فاطم ُة ُ‬

‫(‪ )1‬املَ ْخدَ ع‪ :‬اخلزانة‪.‬‬


‫(‪ )2‬اَل َ ْينَ َمة‪ :‬الصوت اخلفي‪.‬‬
‫‪ | 66‬خمتصر السرية النبوية‬

‫فشجها‪ ،‬فلام فعل ذلك قالت له أخ ُته وختنُه‪ :‬نعم قد أسلمنا وآمنا باهلل ورسول ِه‪،‬‬
‫َّ‬
‫فاصنع ما بدا لك‪.‬‬
‫فلام رأى ُعمر ما بأختِه من الد ِم ِ‬
‫ند َم عىل ما صنع‪ ،‬فار َعوى‪ ،‬وقال ألخته‪:‬‬
‫أعطيني هذه الصحيف َة التي سمع ُتكم تقرؤون آن ًفا ُ‬
‫أنظر ما هذا الذي جاء به‬
‫حممدٌ ؟ وكان عمر كات ًبا‪ ،‬فلام قال ذلك‪ ،‬قالت له أخ ُته‪ :‬إنا نخشاك عليها‪.‬‬

‫قال‪ :‬ال ختايف‪ ،‬وح َلف َلا بآَلته َ ُ‬


‫لري َّد َّهنا إذا قرأها إليها‪ ،‬فلام قال ذلك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َطمعت يف إسالمه‪ ،‬فقالت له‪ :‬يا أخي‪ ،‬إنك َن َج ٌس‪ ،‬عىل رشكك‪ ،‬وإنه ال ُّ‬
‫يمسها‬
‫إال الطاهر‪.‬‬
‫َ‬
‫فاغتسل‪ ،‬فأعطته الصحيف َة‪ ،‬وفيها‪( :‬ﭵ) فقرأها‪ ،‬فلام قرأ منها‬ ‫فقام عمر‬
‫خباب خرج إليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫درا‪ ،‬قال‪ :‬ما أحس َن هذا الكال َم وأكرمه! فلام سمع ذلك‬
‫َص ً‬
‫ِ‬
‫بدعوة نب ِّيه‪ ،‬فإين‬ ‫خصك‬
‫عمر‪ ،‬واهلل إين ألرجو أن يكون اهلل قد َّ‬‫فقال له‪ :‬يا ُ‬
‫بعمر بن‬
‫َ‬ ‫أمس وهو يقول‪« :‬اللهم أ ِي ِد اإلسالم بأيب َ‬
‫احلكم بن هشا ٍم‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫سمع ُته‬
‫عمر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب» فاهللَ اهللَ يا ُ‬
‫فقال له عند ذلك عمر‪ :‬فدُ َّلني يا خباب عىل ٍ‬
‫حممد حتى آتيه ف ُأسلم‪ ،‬فقال له‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عمر سي َفه‬ ‫ٍ‬
‫نفر من أصحابه‪ ،‬فأخذ ُ‬ ‫خباب‪ :‬هو يف بيت عند الصفا‪ ،‬معه فيه ٌ‬
‫الباب‪ ،‬فلام سمعوا‬
‫َ‬ ‫فضب عليهم‬
‫َ‬ ‫فتوشحه‪ ،‬ثم عمدَ إىل رسول اهلل ﷺ وأصحابِه‪،‬‬
‫سول اهلل ﷺ‪ ،‬فنظر من َخلل الباب فرآه ُم ِّ‬
‫توش ًحا‬ ‫أصحاب ر ِ‬
‫ِ‬ ‫صو َته‪ ،‬قام ٌ‬
‫رجل من‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وهو َف ِز ٌع‪.‬‬ ‫فرجع إىل‬
‫َ‬ ‫السيف‪،‬‬
‫َ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪67‬‬

‫متوشحا السيف‪ ،‬فقال محز ُة بن‬


‫ً‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب‬ ‫عمر بن‬
‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬هذا ُ‬
‫رشا‬ ‫عبد املطلب‪ :‬ف ْأ َذ ْن له‪ ،‬فإن كان جاء يريدُ ً‬
‫خريا بذلناه له‪ ،‬وإن كان جاء يريدُ ا‬
‫قتلناه بسيفه‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ائذن له»‪.‬‬ ‫فقال‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ حتى لق َيه يف احلُجرة‪ ،‬فأخذ‬ ‫ُ‬
‫الرجل‪ ،‬وهنض إليه‬ ‫فأذن له‬
‫بمجم ِع ردائه‪ ،‬ثم َجبذه به جبذ ًة شديد ًة‪ ،‬وقال‪« :‬ما جاء بك يا ا َ‬
‫بن‬ ‫ُحجزته أو َ‬
‫نتهي حتى ُي ِنز َل اهلل بك قارعة»‪.‬‬
‫اخلطاب؟ فواهلل ما أرى أن َت َ‬
‫فقال عمر‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬جئ ُتك ألومن باهلل وبرسول ِه‪ ،‬وبام جاء من ِ‬
‫عند‬
‫اهلل‪.‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫أصحاب‬ ‫رسول اهلل ﷺ تكبري ًة عرف ُ‬
‫أهل البيت من‬ ‫ُ‬ ‫فكرب‬
‫قال‪َّ :‬‬
‫ﷺ أن عمر قد أسلم‪.‬‬
‫فتفر َق أصحاب رسول اهلل ﷺ من مكاهنم‪ ،‬وقد َع ُّزوا يف ِ‬
‫أنفسهم حني‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬و َينتصفون هبام‬ ‫عمر مع إسال ِم محز َة‪ ،‬وعرفوا أهنام س َيمنعان‬
‫أسلم ُ‬
‫عدوهم‪.‬‬
‫من ِّ‬
‫‪َ -12‬خربُ الصحيفةِ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ قد نزلوا بلدً ا‬ ‫أصحاب‬
‫َ‬ ‫قريش أن‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام رأت ٌ‬ ‫قال اب ُن‬
‫أسلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫عمر قد‬
‫النجايش قد منع من جلأ إليه منهم‪ ،‬وأن َ‬
‫َّ‬ ‫وقرارا‪ ،‬وأن‬
‫ً‬ ‫أصابوا به أمنًا‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وأصحابِه‪ ،‬وجعل اإلسال ُم‬ ‫ِ‬
‫املطلب مع‬ ‫فكان هو ومحز ُة بن عبد‬
‫‪ | 68‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫القبائل‪ ،‬اجتمعوا وائتمروا بينهم أن يكتبوا كتا ًبا يتعاقدون فيه عىل بني‬ ‫يفشو يف‬
‫املطلب‪ ،‬عىل أن ال ينكِحوا إليهم وال ُينكحوهم‪ ،‬وال يبيعوهم شي ًئا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫هاش ٍم‪ ،‬وبني‬
‫ٍ‬
‫صحيفة‪ ،‬ثم َتعاهدوا وتواثقوا عىل‬ ‫وال َيبتاعوا منهم‪ ،‬فلام اجتمعوا لذلك كتبوه يف‬
‫ِ‬
‫الكعبة توكيدً ا عىل أنفسهم‪.‬‬ ‫ذلك‪ ،‬ثم ع َّلقوا الصحيف َة يف جوف‬

‫قريش انحازت بنو هاش ٍم وبنو امل َّطلب‬ ‫َ‬


‫إسحاق‪ :‬فلام فعلت ذلك ٌ‬ ‫قال اب ُن‬
‫املطلب‪ ،‬فدخلوا معه يف ِشعبِه واجتمعوا إليه‪ ،‬وخرج من‬
‫ِ‬ ‫إىل أيب طالب بن عبد‬
‫بني هاش ٍم أبو ٍ‬
‫َلب عبدُ ال ُع َّزى بن عبد املطلب إىل ُق ٍ‬
‫ريش فظاهرهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫فأقاموا عىل ذلك سنتني أو ثال ًثا‪ ،‬حتى جهدوا ال يصل إليهم يش ٌء إال ا‬
‫رسا‬
‫ٍ‬
‫قريش‪.‬‬ ‫مستخف ًيا به من أراد صلتهم من‬

‫‪ِ -13‬ذكرُ ما لقي رسولُ اهلل ﷺ من قومِه من األذى‬

‫عمه وقومه من بني هاشم وبني‬ ‫فجعلت ُق ٌ‬


‫ريش حني منعه اهلل منها‪ ،‬وقام ُّ‬
‫ِ‬
‫البطش به‪ُ ،‬مزو َنه ويستهزئون به‬ ‫املطلب دو َنه‪ ،‬وحالوا بينهم وبني ما أرادوا من‬
‫ٍ‬
‫قريش بأحداثهم‪ ،‬وفيمن نصب لعداوته منهم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫القرآن ينزل يف‬ ‫وخياصمونه‪ ،‬وجعل‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫القرآن يف عامة من ذكر اهللُ من الكفار‪.‬‬ ‫ومنهم من ُس ِّمي لنا‪ ،‬ومنهم من نزل فيه‬
‫عمه أبو ِ‬
‫َلب بن عبد‬ ‫ٍ‬
‫قريش ممن نزل فيه القرآن ُّ‬ ‫فكان ممن ُس ِّمي لنا من‬
‫سامها اهلل تعاىل‬
‫محالة احلطب‪ ،‬وإنام َّ‬
‫بنت حرب بن أمية‪َّ ،‬‬
‫املطلب وامرأ ُته أم مجيل ُ‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫فتطرحه عىل طريق‬
‫َ‬ ‫محال َة احلطب؛ ألهنا كانت ‪-‬فيام بلغني‪َ -‬حت ِمل الشوك‬
‫َّ‬
‫مر‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل فيهام‪ ( :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫اهلل ﷺ حيث َي ُّ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪69‬‬

‫ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [املَ َسد‪.]1-5:‬‬

‫مهزه وملَزه‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل فيه‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬


‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫خلف كان إذا رأى‬ ‫وأمية ب ُن‬
‫(ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [اَل ُ َمزة‪.]2-5:‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ ‪-‬فيام بلغني‪ -‬فقال له‪ :‬واهلل يا‬ ‫بن هشام‬ ‫ِ‬
‫ولقي أبو جهل ُ‬
‫لنس َّب َّن إَلك الذي تعبد‪.‬‬
‫سب آَلتنا‪ ،‬أو ُ‬
‫حممدُ ‪ ،‬لترتكن َّ‬
‫فأنزل اهلل تعاىل فيه‪ ( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫سب آَلتهم‪،‬‬
‫كف عن ِّ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ َّ‬ ‫ﯗ ﯘ‪[ )...‬األنعام‪ُ .]542:‬‬
‫فذكر يل أن‬
‫َ‬
‫وجعل يدعوهم إىل اهلل‪.‬‬

‫لجلسا‪ ،‬فدعا فيه إىل اهلل‬ ‫ِ‬


‫احلارث‪ ،‬كان إذا جلس ر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ ً‬ ‫والنض بن‬
‫ُ‬
‫قريشا ما أصاب األمم اخلالية؛ خ َل َفه يف ِ‬
‫لجلسه‬ ‫وحذر فيه ً‬ ‫َ‬
‫القرآن‪،‬‬ ‫تعاىل وتال فيه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫فارس‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫إذا قام‪ ،‬فحدَّ ثهم عن ُرستم السنديد‪ ،‬وعن أس َف َ‬
‫نديار‪ ،‬وملوك‬
‫أساطري األولني‪ ،‬اكتت َبها كام‬
‫ُ‬ ‫واهلل ما حممدٌ بأحسن حدي ًثا مني‪ ،‬وما حدي ُثه إال‬
‫اكتتب ُتها‪.‬‬

‫فأنزل اهلل فيه‪ ( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬


‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)‬
‫[الفرقان‪.]6-1:‬‬
‫‪ | 71‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ونزل فيه‪( :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [القلم‪.]51:‬‬


‫ونزل فيه‪ ( :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ) [اجلاثية‪ ( ،]2-7:‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [لقامن‪.]7:‬‬
‫ِ‬
‫أرشاف‬ ‫حليف بني زهرة‪ ،‬وكان من‬ ‫إسحاق‪ :‬واألخنس بن َرش ٍيق‬
‫َ‬ ‫ابن‬
‫ُ‬ ‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬و َير ُّد عليه‪ ،‬فأنزل اهلل‬ ‫يصيب من‬
‫ُ‬ ‫القوم وممن ُيستمع منه‪ ،‬فكان‬
‫تعاىل فيه‪ ( :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [القلم‪ ]55-54:‬إىل‬
‫قوله تعاىل‪( :‬ﯮ) [القلم‪.]53:‬‬
‫ٍ‬
‫قريش وسيدُ ها!‬ ‫كبري‬ ‫والوليدُ بن املغري َة قال‪ :‬أ ُينَ َّزل عىل حممد و ُأ ُ‬
‫ترك وأنا ُ‬
‫الثقفي سيد ثقيف‪ ،‬ونحن عظيام القريتني!‬ ‫مسعود عمرو بن عمري‬ ‫ٍ‬ ‫و ُيرتك أبو‬
‫ُّ‬
‫فأنزل اهلل تعاىل فيه ‪-‬فيام بلغني‪ ( :-‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫خرف‪.]35:‬‬ ‫خرف‪ ]35:‬إىل قوله تعاىل‪( :‬ﯴ) ُّ‬
‫[الز ُ‬ ‫ﯖ ﯗ ﯘ) ُّ‬
‫[الز ُ‬

‫يب بن خلف‪ ،‬وعقب ُة بن أيب ُمعيط‪ ،‬وكانا متصافِ َيني‪َ ،‬ح َسنًا ما بينهام‪ ،‬فكان‬
‫و ُأ ُّ‬
‫وسمع منه‪ ،‬فبلغ ذلك ُأب ايا‪ ،‬فأتى عقب َة فقال له‪:‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫جلس إىل‬
‫َ‬ ‫عقب ُة قد‬
‫وسمعت منه؟! وجهي من وجهك حرا ٌم أن‬‫َ‬ ‫أمل َيب ُلغني أنك جالست حممدً ا‬
‫سمعت منه‪ ،‬أو مل تأته‬
‫َ‬ ‫جلست إليه أو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واستغلظ من اليمني‪ -‬إن أنت‬‫أكلمك ‪-‬‬
‫فتت ُفل يف وجهه‪.‬‬

‫عدو اهلل عقب ُة بن أيب معيط لعنه اهلل‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل فيهام‪:‬‬
‫ففعل ذلك ُّ‬
‫( ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)‬
‫[الفرقان‪ ]57:‬إىل قوله تعاىل‪( :‬ﯕ ﯖ) [الفرقان‪.]52:‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪70‬‬

‫رسول اهلل ﷺ ب َعظ ٍم ٍ‬


‫بال قد ا ْر َف َّت(‪ ،)1‬فقال‪ :‬يا‬ ‫ِ‬ ‫يب بن خلف إىل‬
‫ومشى أ ُّ‬
‫حممد‪ ،‬أنت تز ُع ُم أن اهلل ُ‬
‫يبعث هذا بعد ما َأر َّم(‪ ،)2‬ثم ف َّته يف يده‪ ،‬ثم َ‬
‫نفخه يف الريح‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬‫ِ‬ ‫نحو‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬نعم‪ ،‬أنا ُ‬
‫أقول ذلك‪ ،‬يبعثه اهللُ وإياك بعد ما تكونان‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫ِ‬
‫النار»‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل فيه‪ ( :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫هكذا‪ ،‬ثم ُيدخ ُلك اهللُ َ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [يس‪-72:‬‬
‫‪.]24‬‬

‫‪ِ -14‬ذكرُ من عادَ من أرضِ احلبشةِ ملا بلغهُم إسالمُ أهل مكةَ‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬الذين خرجوا إىل أرض‬ ‫ِ‬ ‫أصحاب‬


‫َ‬ ‫إسحاق‪ :‬وبلغ‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫احلبشة إسال ُم أهل م َّك َة؛ فأقبلوا مل ِا بلغهم من ذلك‪ ،‬حتى إذا دنوا من م َّك َة‪ ،‬بلغهم‬
‫باطال‪ ،‬فلم يدخل منهم أحدٌ إال‬ ‫أن ما كانوا َ َحتدَّ ثوا به من إسال ِم أهل مك َة كان ً‬
‫ِ‬
‫بج ٍ‬
‫وار أو ُمستخف ًيا‪.‬‬
‫ِ‬
‫احلبشة ثالثة وثالثون‬ ‫ِ‬
‫أرض‬ ‫فجميع من ِ‬
‫قدم عليه مك َة من أصحابِه من‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫رجال‪.‬‬

‫(‪ )1‬ار َف َّت‪ :‬حتطم وتكرس‪.‬‬


‫(‪َ )2‬أ َر َّم‪ :‬بيل‪.‬‬
‫‪ | 72‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ -15‬حديثُ نقضِ الصحيفةِ‬


‫إسحاق‪ :‬قام يف نقض تلك الصحيفة التي تكاتبت فيها ٌ‬
‫قريش عىل‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫بل فيها أحدٌ أحسن من ِ‬ ‫نفر من قريش‪ ،‬ومل ُي ِ‬
‫بالء هشام بن‬ ‫َ‬ ‫بني هاش ٍم وبني املطلب ٌ‬
‫ٍ‬
‫مناف أل ِّمه‪ ،‬فكان هشا ٌم‬ ‫عمرو؛ وذلك أنه كان اب َن أخي نضل َة بن هاشم بن عبد‬
‫ِ‬
‫بالبعري‪ ،‬وبنو‬ ‫ٍ‬
‫رشف يف قومه‪ ،‬فكان ‪-‬فيام بلغني‪ -‬يأيت‬ ‫ً‬
‫واصال‪ ،‬وكان ذا‬ ‫لبني هاش ٍم‬
‫الشعب‬‫فم ِّ‬ ‫ليال‪ ،‬قد أوقره طعا ًما‪ ،‬حتى إذا َ‬
‫أقبل به َ‬ ‫الشعب ً‬ ‫ِ‬
‫املطلب يف ِّ‬ ‫هاش ٍم وبنو‬
‫الشعب عليهم‪ ،‬ثم يأيت به قد‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فيدخل‬ ‫خلع ِخطامه من رأسه‪ ،‬ثم ضب عىل َجنبه‪،‬‬
‫أوقره َب ازا(‪ ،)1‬فيفعل به مثل ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫زهري بن أيب أمي َة‪ ،‬وكانت أ ُّمه عاتك َة بنت‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم إنه مشى إىل‬ ‫قال اب ُن‬
‫الثياب‪ ،‬وتنكح‬
‫َ‬ ‫عبد املطلب‪ ،‬فقال‪ :‬يا زهري‪ ،‬أ َقد رضيت أن َ‬
‫تأكل الطعا َم‪ ،‬وتلبس‬
‫بتاع منهم‪ ،‬وال َينكحون وال‬
‫علمت‪ ،‬ال ُيباعون وال ُي ُ‬
‫َ‬ ‫النسا َء‪ ،‬وأخوا ُلك حيث قد‬
‫َ‬
‫أخوال أيب احلكم بن هشا ٍم‪ ،‬ثم‬ ‫ُينكح إليهم؟! أما إين أحلف باهلل أن لو كانوا‬
‫دعوته إىل ِ‬
‫مثل ما دعاك إليه منهم‪ ،‬ما أجابك إليه أبدً ا‪.‬‬
‫أصنع؟ إنام أنا ٌ‬
‫رجل واحدٌ ‪ ،‬واهلل لو كان معي‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬وحيك يا هشا ُم! فامذا‬
‫أنقضها‪.‬‬
‫آخر لقمت يف نقضها حتى َ‬ ‫ٌ‬
‫رجل ُ‬
‫قال‪ :‬قد وجدت ً‬
‫رجال‪.‬‬

‫قال‪ :‬فمن هو؟‬

‫(‪ )1‬ال َبزُّ ‪ :‬الثياب‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪73‬‬

‫قال‪ :‬أنا‪.‬‬
‫قال له زهري‪ِ :‬‬
‫أبغنا رجال ثال ًثا‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫بطنان‬ ‫رضيت أن َُلك‬
‫َ‬ ‫فذهب إىل املُ ِ‬
‫طعم بن عدي‪ ،‬فقال له‪ :‬يا ُمطعم أقد‬
‫ٍ‬
‫لقريش فيه؟! أما واهلل لئن‬ ‫موافق‬
‫ٌ‬ ‫ناف‪ ،‬وأنت شاهدٌ عىل ذلك‪،‬‬‫من بني عبد م ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لتجدهنم إليها منكم رسا ًعا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أمكنتموهم من هذه‬

‫أصنع؟ إنام أنا رجل واحدٌ ‪.‬‬


‫ُ‬ ‫قال‪ :‬وحيك! فامذا‬

‫قال‪ :‬قد وجدت ثان ًيا‪.‬‬

‫قال‪ :‬من هو؟‬

‫قال‪ :‬أنا‪.‬‬

‫قال‪ :‬أبغنا ثال ًثا‪.‬‬


‫قال‪ :‬قد فعلت‪.‬‬

‫قال‪ :‬من هو؟‬

‫زهري بن أيب أمية‪.‬‬


‫قال‪ُ :‬‬
‫قال‪ :‬أبغنا راب ًعا‪.‬‬

‫عدي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫للمطعم بن‬
‫نحوا مما قال ُ‬
‫خرتي بن هشام‪ ،‬فقال له ً‬
‫ِّ‬ ‫فذهب إىل أيب ال َب‬

‫فقال‪ :‬وهل من أحد ُيعني عىل هذا؟‬


‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫‪ | 74‬خمتصر السرية النبوية‬

‫قال‪ :‬من هو؟‬


‫زهري ابن أيب أمية‪ ،‬واملطعم بن عدي‪ ،‬وأنا معك‪.‬‬
‫قال‪ُ :‬‬
‫خامسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫قال‪ :‬أبغنا‬
‫ِ‬
‫األسود‪ ،‬فك َّلمه‪ ،‬وذكر له قرابتهم وح َّقهم‪.‬‬ ‫فذهب إىل زمع َة بن‬
‫األمر الذي تدعوين إليه من ٍ‬
‫أحد؟‬ ‫ِ‬ ‫فقال له‪ :‬وهل عىل هذا‬

‫سمى له القو َم‪.‬‬


‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬ثم َّ‬

‫ليال بأعىل مك َة‪ ،‬فاجتمعوا هنالك‪ ،‬فأمجعوا َ‬


‫أمرهم‬ ‫حلجون ً‬
‫خطم ا َ‬
‫َ‬ ‫فا َّت َعدوا‬
‫ِ‬
‫الصحيفة حتى ينقضوها‪.‬‬ ‫وتعاقدوا عىل القيا ِم يف‬

‫يتكلم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫زهري‪ :‬أنا أبدؤكم‪ ،‬فأكون َّأو َل من‬
‫وقال ٌ‬
‫زهري بن أيب أمية عليه ُح َّل ٌة‪ ،‬فطاف‬
‫ُ‬ ‫فلام أصبحوا غدَ وا إىل أنديتهم‪ ،‬وغدا‬
‫الثياب‪،‬‬
‫َ‬ ‫أنأكل الطعا َم ونل َبس‬ ‫ِ‬
‫الناس فقال‪ :‬يا أهل مك َة‪ُ ،‬‬ ‫بالبيت سب ًعا‪ ،‬ثم أقبل عىل‬
‫شق هذه الصحيف ُة‬
‫وبنو هاش ٍم هل َكى ال ُيباع وال ُيبتاع منهم‪ ،‬واهلل ال أق ُعد حتى ُت َّ‬
‫القاطعة الظاملة‪.‬‬

‫شق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املسجد‪ :‬كذبت واهلل ال ُت ُّ‬ ‫قال أبو جهل‪ :‬وكان يف ناحية‬

‫كتاهبا حيث ُكتبت‪.‬‬


‫أكذب‪ ،‬ما رضينا َ‬
‫ُ‬ ‫قال زمع ُة بن األسود‪ :‬أنت واهلل‬

‫قال أبو ال َبخرتي‪ :‬صدق زمع ُة‪ ،‬ال نرىض ما ُكتب فيها‪ ،‬وال ُن ُّ‬
‫قر به‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪75‬‬

‫غري ذلك‪ ،‬نربأ إىل اهلل منها‪،‬‬


‫قال املطعم بن عدي‪ :‬صدق ُتام وكذب من قال َ‬
‫ومما ُكتب فيها‪ ،‬وقال هشا ُم بن عمرو ً‬
‫نحوا من ذلك‪.‬‬
‫بليل‪ُ ،‬ت ُش ِ‬
‫وو َر فيه بغري هذا املكان‪.‬‬ ‫فقال أبو جهل‪ :‬هذا أمر ُقيض ٍ‬

‫املطعم إىل الصحيفة‬ ‫ِ‬


‫ناحية املسجد‪ ،‬فقام‬ ‫طالب جالس يف‬‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬وأبو‬
‫ُ‬
‫اللهم»‪.‬‬ ‫ليش َّقها‪ ،‬فوجد األر َض َة قد أكلتها‪ ،‬إال « ِ‬
‫باسمك‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪ِ -16‬ذكرُ اإلسراءِ واملِعراجِ‬
‫ِ‬
‫برسول اهلل ﷺ‬ ‫أرسي‬
‫َ‬ ‫إسحاق املُ َّط ِّ‬
‫لبي قال‪ :‬ثم‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬عن حممد بن‬
‫ِ‬
‫املقدس من إيلياء‪ ،‬وقد فشا‬ ‫املسجد احلرا ِم إىل املسجد األقىص‪ ،‬وهو ُ‬
‫بيت‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬ويف القبائل ك ِّلها‪.‬‬ ‫اإلسال ُم بمك َة يف‬

‫وأمر من أمر‬
‫ومتحيص‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫إسحاق‪ :‬وكان يف َمرساه‪ ،‬وما ُذ َ‬
‫كر عنه بال ٌء‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫وثبات ملن‬
‫ٌ‬ ‫وسلطانه‪ ،‬فيه عربة ألويل األلباب‪ ،‬وهدً ى ورمحة‬ ‫اهلل ‪ ‬يف قدرته ُ‬
‫فأرسى به سبحانه‬ ‫ٍ‬
‫آمن باهلل وصدَّ ق‪ ،‬وكان من أمر اهلل سبحانه وتعاىل عىل يقني‪َ ،‬‬
‫وسلطانه‬ ‫كيف شا َء‪ُ ،‬لري َيه من آياتِه ما أرا َد‪ ،‬حتى عاين ما عاين من ِ‬
‫أمره ُ‬ ‫وتعاىل َ‬
‫العظيم‪ ،‬وقدرته التي َيصنع هبا ما يريدُ ‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬بينام أنا‬ ‫ِ‬
‫احلسن أنه قال‪ :‬قال‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ُ :‬حدِّ ثت عن‬ ‫قال اب ُن‬
‫فجلست فلم َأر شيئا‪ ،‬فعدت إىل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جربيل‪ ،‬فهمزين بقدَ مه‪،‬‬ ‫احلجر‪ ،‬إذ جاءين‬ ‫نائم يف ِ‬

‫بقدمه‪ ،‬فجلست فلم َأر شيئا‪ ،‬ف ُعدت إىل‬ ‫ِ‬ ‫َمضجعي‪ ،‬فجاءين الثاني َة فهمزين‬
‫ِ‬
‫دي‪ ،‬فقمت معه‪،‬‬ ‫َمضجعي‪ ،‬فجاءين الثالث َة فهمزين بقدمه‪ ،‬فجلست‪ ،‬فأخذ ب َع ُض َّ‬
‫فخذيه جناحان‬ ‫واحلامر‪ ،‬يف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البغل‬ ‫أبيض‪ ،‬بني‬ ‫ِ‬
‫املسجد‪ ،‬فإذا دابة ُ‬ ‫فخرج يب إىل باب‬
‫‪ | 76‬خمتصر السرية النبوية‬

‫طرفه‪ ،‬فحملني عليه‪ ،‬ثم خرج معي ال يفو ُتني‬ ‫حيف ُز هبام ِرجليه‪ُ ،‬‬
‫يضع يدَ ه يف ُمنتهى ْ‬
‫وال أفوته»‪.‬‬
‫ُ‬
‫جربيل عليه السال ُم معه‪ ،‬حتى انتهى به إىل‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ومىض‬ ‫ُ‬ ‫فمىض‬
‫ِ‬
‫األنبياء‪ ،‬فأ َّمهم‬ ‫إبراهيم وموسى وعيسى يف ٍ‬
‫نفر من‬ ‫ِ‬
‫املقدس‪ ،‬فوجد فيه‬ ‫ِ‬
‫بيت‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فصىل هبم‪ ،‬ثم ُأيت بإناءين‪ :‬يف أحدمها ٌ‬
‫مخر‪ ،‬ويف اآلخر لب ٌن‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َّ‬
‫اللبن ِ‬
‫فرشب منه‪ ،‬وترك إنا َء اخلمر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إنا َء‬ ‫قال‪ :‬فأخذ‬

‫وح ِّرمت‬ ‫ديت للفطرة‪ِ ،‬‬ ‫ُ‬


‫وهد َيت أ َّمتك يا حممدُ ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫جربيل‪ُ :‬ه َ‬ ‫قال‪ :‬فقال له‬
‫اخلمر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عليكم‬
‫ٍ‬
‫قريش فأخربهم‬ ‫أصبح غدَ ا عىل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل م َّك َة‪ ،‬فلام‬ ‫ثم انرصف‬
‫رب‪.‬‬
‫اخل َ‬
‫شهرا من‬
‫العري ل ُتطر ُد ً‬
‫َ‬ ‫البني‪ ،‬واهلل إن‬
‫ِّ ُ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫الناس‪ :‬هذا واهلل اإل ْم ُر‬ ‫فقال أكثر‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬ويرجع‬ ‫مك َة إىل الشأم مدبر ًة‪ ،‬وشهرا مقبل ًة‪ ،‬أفيذهب ذلك حممدٌ يف ٍ‬
‫ليلة‬ ‫ُ‬ ‫ً ُ‬ ‫ُ‬
‫إىل مك َة؟!‬
‫الناس إىل أيب ٍ‬
‫بكر‪ ،‬فقالوا له‪ :‬هل‬ ‫أسلم‪ ،‬وذهب‬ ‫كثري ممن كان‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬فارتد ٌ‬
‫ِ‬
‫املقدس وصىل فيه‬ ‫يزعم أنه قد جاء هذه الليل َة َ‬
‫بيت‬ ‫ُ‬ ‫لك يا أبا ٍ‬
‫بكر يف صاحبِك‪،‬‬
‫ورجع إىل م َّك َة‪.‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬اإل ْمر‪ :‬العجب املنكر‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪77‬‬

‫قال‪ :‬فقال َلم أبو بكر‪ :‬إنكم َت ِ‬


‫كذبون عليه‪ .‬فقالوا‪ :‬بىل‪ ،‬ها هو ذاك يف‬
‫الناس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املسجد حيدث به َ‬
‫َ‬
‫صدق‪ ،‬فام ُيعج ُب ُكم من ذلك؟! فواهلل‬ ‫فقال أبو بكر‪ :‬واهلل لئن كان قاله لقد‬
‫ليل أو ٍ‬
‫هنار‬ ‫ٍ‬
‫ساعة من ٍ‬ ‫ِ‬
‫األرض يف‬ ‫إنه ليخربين أن اخلرب ليأتيه من اهلل من الس ِ‬
‫امء إىل‬ ‫َ‬
‫ف ُأصدِّ قه‪ ،‬فهذا أبعدُ مما َتعجبون منه‪.‬‬

‫نبي اهلل‪ ،‬أحدَّ ثت هؤالء‬ ‫ِ‬ ‫ثم َ‬


‫أقبل حتى انتهى إىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا َّ‬
‫ِ‬
‫املقدس هذه الليل َة؟‬ ‫بيت‬
‫القو َم أنك جئت َ‬
‫قال‪« :‬نعم»‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا نبي اهلل‪ِ ،‬‬
‫فصفه يل‪ ،‬فإين قد جئته‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫نظرت إليه»‪ ،‬فجعل‬
‫ُ‬ ‫سن‪ :‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ُ « :‬فرفِ َع ل حتى‬
‫قال احل ُ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ك َّلام وصف‬
‫ُ‬ ‫صدقت‪ ،‬أشهدُ أنك‬
‫َ‬ ‫اهلل ﷺ َيص ُفه أليب بكر‪ ،‬ويقول أبو بكر‪:‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬حتى إذا انتهى‪ ،‬قال‬ ‫له منه شي ًئا‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬أشهد أنك‬
‫الصديق‪.‬‬ ‫سامه‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫الصديق»‪ ،‬فيومئذ َّ‬
‫ُ‬ ‫أليب بكر‪« :‬وأنت يا أبا بكر‬

‫إسالمه لذلك‪( :‬ﭱ ﭲ‬ ‫ِ‬ ‫قال احلس ُن‪ :‬وأنزل اهللُ تعاىل فيمن ارتدَّ عن‬
‫ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ) [اإلرساء‪.]64:‬‬
‫‪ | 78‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ -17‬قصةُ املِعراجِ‬
‫دري ‪ ‬أنه‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وحدثني من ال َّأهتم عن أيب سعيد اخلُ ِّ‬ ‫قال اب ُن‬
‫قدس‪ُ ،‬أ َت‬
‫ِ‬ ‫فرغت مما كان يف ِ‬
‫بيت املَ‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬ملا‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬سمعت‬
‫أحسن منه‪ ،‬وهو الذي َي ُمدُ إليه م ِي ُتكم عينيه إذا حرض‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بامل ِعراجِ ‪ ،‬ومل أر شيئا قط‬
‫باب‬ ‫السامء‪ُ ،‬‬‫ِ‬ ‫فأصعدين صاحبي فيه‪ ،‬حتى انتهى يب إىل ٍ‬
‫يقال له‪ُ :‬‬ ‫باب من أبواب‬
‫ألف ٍ‬
‫ملك‪،‬‬ ‫عش َ‬ ‫ُ‬
‫إسامعيل‪ ،‬حتت يديه اثنا َ‬ ‫ِ‬
‫املالئكة‪ُ ،‬يقال له‪:‬‬ ‫احل َفظة‪ ،‬عليه َملك من‬
‫يدي ُك ٍل ملك منهم اثنا عش َ‬
‫ألف ملك»‪.‬‬ ‫حتت ْ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ حني حدَّ ث هبذا احلديث‪(« :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫قال‪ :‬يقول‬
‫ُ‬
‫جربيل؟ قال‪ :‬هذا حممد‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ﯣ) [املدَّ ثر‪ ،]35:‬فلام َدخل يب‪ ،‬قال‪ :‬من هذا يا‬
‫أوقد ُبعث؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فدعا ل بِ ٍ‬
‫خري»‪.‬‬

‫السامء‬
‫َ‬ ‫دخلت‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ملا‬ ‫اخلدري يف حديثه‪ :‬إن‬
‫ُّ‬ ‫قال أبو سعيد‬
‫أرواح بني آد َم‪ ،‬فيقول لبعضها إذا‬
‫ُ‬ ‫الدنيا‪ ،‬رأيت هبا رجال جالسا ُتعرض عليه‬
‫ب‪ ،‬ويقول‬ ‫ٍ‬
‫جسد ط ِي ٍ‬ ‫ُعرضت عليه خريا و ُيس به‪ ،‬ويقول‪ :‬روح طيبة خرجت من‬
‫لبعضها إذا ُعرضت عليه‪ُ :‬أَ‪ ،‬ويع َبس بوجهه ويقول‪ :‬روح خبيثة خرجت من‬
‫ٍ‬
‫خبيث»‪.‬‬ ‫جسد‬
‫ُ‬
‫جربيل؟‬ ‫قال‪« :‬قلت‪ :‬من هذا يا‬

‫قال‪ :‬هذا أبوك آد ُم‪ُ ،‬تعرض عليه أرواح ُذر َّيته‪ ،‬فإذا مرت به روح املؤمن منهم‬
‫روح الكافر منهم‬ ‫ٍ‬
‫مرت به ُ‬ ‫س هبا‪ ،‬وقال‪ :‬روح طيبة خرجت من جسد طيب‪ ،‬وإذا َّ‬ ‫ُ َّ‬
‫ٍ‬
‫خبيث»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جسد‬ ‫وساء ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬روح خبيثة خرجت من‬ ‫َّ‬
‫أفف منها وكرهها‪،‬‬
‫َ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪79‬‬

‫كمشافر اإلبل(‪ ،)1‬يف أيدهيم ِق َطع من نار‬


‫ِ‬ ‫شافر‬
‫قال‪« :‬ثم رأيت رجاال مهم َم ُ‬
‫ِ‬
‫أدبارهم‪ .‬فقلت‪َ :‬م ْن هؤالء يا‬ ‫خرج من‬ ‫ِ‬ ‫كاألَ ْف ِ (‪ِ )2‬‬
‫هار ‪َ ،‬يقذفوهنا يف أفواههم‪ ،‬ف َت ُ‬
‫ُ‬
‫جربيل؟‬

‫قال‪ :‬هؤالء أ َك َلة أموال اليتامى ُظلام»‪.‬‬

‫قال‪« :‬ثم رأيت رجاال مهم بطون مل أر مثلها قط بسبيل آل فِرعون‪ ،‬يمرون‬
‫ومة(‪ )3‬حني ُيعرضون عىل ِ‬
‫النار‪َ ،‬يطؤوهنم ال َيقدرون عىل أن‬ ‫عليهم كاإلبل املَهي ِ‬
‫ُْ‬
‫ِ‬
‫مكاهنم ذلك»‪.‬‬ ‫يتحولوا من‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫جربيل؟‬ ‫ِ‬
‫هؤالء يا‬ ‫قال‪« :‬قلت‪ :‬من‬

‫قال‪ :‬هؤالء أك َل ُة الربا»‪.‬‬


‫رأيت رجاال بني أيدهيم حلم ثمني طيب‪ ،‬إىل جنبه حلم ي‬
‫غث ُمنتن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قال‪« :‬ثم‬
‫السمني الطيب»‪.‬‬
‫َ‬ ‫يأكلون من ِ‬
‫الغث املنتن‪ ،‬و َيتكون‬
‫ُ‬
‫جربيل؟‬ ‫ِ‬
‫هؤالء يا‬ ‫قال‪« :‬قلت‪ :‬من‬

‫حرم‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ :‬هؤالء الذين َيتكون ما َّ‬


‫أحل اهلل مهم من النساء‪ ،‬ويذهبون إىل ما َّ‬
‫منهن»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اهلل عليهم‬
‫ُ‬
‫جربيل؟‬ ‫رأيت نساء ُمع َّلقات ب ُث ِ‬
‫دهي َّن‪ ،‬فقلت‪ :‬من هؤالء يا‬ ‫ُ‬ ‫قال‪« :‬ثم‬
‫ِ‬
‫أوالدهم»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرجال َمن ليس من‬ ‫ِ‬
‫هؤالء الالت َأدخلن عىل‬ ‫قال‪:‬‬

‫(‪ِ )1‬م ْش َفر اإلبل‪ :‬شفته‪.‬‬


‫(‪ )2‬األَ ْفهار‪ :‬مجع فِ ْهر وهو‪ :‬احلجر قدر ملء الكف‪.‬‬
‫(‪ )3‬اإلبل املَهيومة‪ِ :‬‬
‫العطاش منها‪.‬‬ ‫ُْ َ‬
‫‪ | 81‬خمتصر السرية النبوية‬

‫مريم‪،‬‬ ‫بن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫قال‪« :‬ثم أصعدين إىل السامء الثانية‪ ،‬فإذا فيها ابنا اخلالة‪ :‬عيسى ا ُ‬
‫بن زكريا»‪.‬‬
‫وحييى ُ‬
‫ِ‬
‫القمر‬ ‫ِ‬
‫كصورة‬ ‫ِ‬
‫الثالثة‪ ،‬فإذا فيها رجل صور ُته‬ ‫قال‪« :‬ثم أص َعدين إىل السامء‬
‫ِ‬
‫البدر»‪.‬‬ ‫ليل َة‬
‫ُ‬
‫جربيل؟‬ ‫قال‪« :‬قلت‪ :‬من هذا يا‬

‫يعقوب»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وسف بن‬ ‫قال‪ :‬هذا أخوك ُي‬
‫ِ‬
‫الرابعة‪ ،‬فإذا فيها رجل فسألته‪ :‬من هو؟‬ ‫ِ‬
‫السامء‬ ‫قال‪« :‬ثم أصعدين إىل‬

‫إدريس»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬هذا‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪(« :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [مريم‪.»]17:‬‬ ‫قال‪ :‬يقول‬

‫أبيض الرأس وال ِلحية‪،‬‬ ‫ِ‬


‫اخلامسة‪ ،‬فإذا فيها كهل ُ‬ ‫ِ‬
‫السامء‬ ‫قال‪« :‬ثم أصعدين إىل‬
‫ُ‬
‫جربيل؟‬ ‫أمجل منه»‪ ،‬قال‪« :‬قلت‪ :‬من هذا يا‬ ‫عظيم ال ُع ْثنُ ِ‬
‫ون(‪ ،)1‬مل أر كهال َ‬ ‫َ‬
‫هارون بن ِعمران»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬هذا املُحبب يف قومه‬
‫ِ‬
‫السادسة‪ ،‬فإذا فيها رجل آ َد ُم(‪ )2‬طويل أقنى(‪،)3‬‬ ‫ِ‬
‫السامء‬ ‫قال‪« :‬ثم أصعدين إىل‬
‫ُ‬
‫جربيل؟‬ ‫كأنه من رجال َشنوء َة‪ ،‬فقلت له‪ :‬من هذا يا‬

‫قال‪ :‬هذا أخوك ُموسى بن ِعمران‪.‬‬

‫(‪)1‬عظيم الع ْثنُ ِ‬


‫ون‪ :‬عظيم اللحية‪.‬‬ ‫َ ُ‬
‫(‪ )2‬اآل َدم‪ :‬األسمر‪.‬‬
‫(‪ )3‬ال َقنَا‪ :‬ارتفاع يف أعىل األنف بني القصبة واملارن‪ ،‬من غري قبح‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪80‬‬

‫السامء الساب َع ِة‪ ،‬فإذا فيها َكهل جالس عىل كريس إىل باب‬
‫ِ‬ ‫ثم أصعدين إىل‬
‫ألف ٍ‬
‫ملك‪ ،‬ال يرجعون فيه إىل يو ِم القيامة‪،‬‬ ‫عمور‪ ،‬يدخله ُك َّل يوم سبعون َ‬‫ِ‬ ‫البيت املَ‬
‫ِ‬
‫بصاحبِكم‪ ،‬وال صاح ُبكم أش َبه به منه»‪.‬‬ ‫مل أر رجال أش َبه‬
‫ُ‬
‫جربيل؟‬ ‫قال‪« :‬قلت‪ :‬من هذا يا‬

‫إبراهيم»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬هذا أبوك‬
‫قال‪« :‬ثم دخل يب اجلنَّ َة‪ ،‬فرأيت فيها جارية لعساء(‪ ،)1‬فسألتها‪ :‬ملن ِ‬
‫أنت؟‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ زيدَ‬ ‫وقد أعج َبتني حني رأي ُتها‪ ،‬فقالت‪ :‬لزيد ِ‬
‫بن حارث َة»‪َ َّ ،‬‬
‫فبرش هبا‬
‫بن حارث َة‪.‬‬

‫النبي ﷺ ‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬


‫إسحاق‪ :‬ومن حديث عبد اهلل بن مسعود ‪ ،‬عن ِّ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫ُ‬
‫ستأذن‬ ‫جربيل مل يصعد به إىل ٍ‬
‫سامء من الساموات إال قالوا له حني َي‬ ‫َ‬ ‫فيام بلغني‪َّ :-‬‬
‫أن‬
‫جربيل؟ فيقول‪ :‬حممدٌ ‪ .‬فيقولون‪َ :‬أو َقد ُبعث؟ فيقول‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫دخوَلا‪َ :‬من هذا يا‬ ‫يف‬
‫ِ‬
‫السابعة‪ ،‬ثم انتهى‬ ‫فيقولون‪ :‬ح َّياه اهلل من أخٍ وصاحب! حتى انتهى به إىل السام ِء‬
‫به إىل ر ِّبه‪ ،‬ففرض عليه َمخسني صال ًة يف ُك ِّل يوم‪.‬‬

‫مررت بموسى بن ِعمران‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬فأقبلت راجعا‪ ،‬فلام‬ ‫قال‪ :‬قال‬
‫الصاحب كان لكم‪ -‬سألني كم ُف َ‬
‫رض عليك من الصالة؟‬ ‫ُ‬ ‫ونعم‬
‫‪َ -‬‬
‫فقلت‪ :‬مخسني صالة َّ‬
‫كل يوم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ال َّل ْعس‪ :‬لون الشفة إذا كانت تضب إىل السمرة ً‬
‫قليال‪.‬‬
‫‪ | 82‬خمتصر السرية النبوية‬

‫فقال‪ :‬إن الصالة ثقيلة‪ ،‬وإن أمتك ضعيفة‪ ،‬فارجع إىل َ‬


‫ربك‪ ،‬فاسأله أن‬
‫ُي ِفف عنك وعن ُأ َّمتك‪.‬‬

‫فوضع عني عشا‪.‬‬


‫َ‬ ‫فرجعت فسألت ريب أن ُي ِفف عني وعن أمتي‪،‬‬
‫ُ‬
‫ريب‪،‬‬ ‫فمررت عىل موسى فقال ل َ‬
‫مثل ذلك‪ ،‬فرجعت فسألت ِ‬ ‫ُ‬ ‫انِصفت‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫فوضع عني عشا‪.‬‬
‫فمررت عىل موسى‪ ،‬فقال ل َ‬
‫مثل ذلك‪ ،‬فرجعت فسألته‬ ‫ُ‬ ‫ثم انِصفت‬
‫فوضع عنِي عشا‪.‬‬
‫َ‬
‫رجعت إليه‪ ،‬قال‪ :‬فارجع فاسأل‪ ،‬حتى‬
‫ُ‬ ‫ثم مل يزل ُ‬
‫يقول ل مثل ذلك‪ ،‬كلام‬
‫ٍ‬
‫وليلة‪.‬‬ ‫مخس صلوات يف ِ‬
‫كل يوم‬ ‫ضع ذلك عني‪ ،‬إال َ‬
‫انتهيت إىل أن ُو َ‬
‫ُ‬
‫راجعت ريب وسأل ُته‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مثل ذلك‪ ،‬فقلت‪ :‬قد‬ ‫رجعت إىل موسى‪ ،‬فقال ل َ‬ ‫ُ‬ ‫ثم‬
‫هبن‪ ،‬واحتسابا مهن‪ ،‬كان‬
‫اهن منكم إيامنا َّ‬ ‫ٍ‬
‫بفاعل‪ ،‬فمن أ َّد َّ‬ ‫استحييت منه‪ ،‬فام أنا‬
‫ُ‬ ‫حتى‬
‫أجر مخسني صالة مكتوبة»‪.‬‬
‫له ُ‬
‫‪ -18‬كفايةُ اهلل أمرَ املُستهزِئني‬

‫صابرا ُحمتس ًبا‪،‬‬


‫ً‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل ِ‬
‫أمر اهلل تعاىل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فأقام‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫واالستهزاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التكذيب واألذى‬ ‫ُمؤد ًيا إىل قومه النصيح َة عىل ما يلقى منهم من‬

‫ورشف يف‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫أسنان‬ ‫قومهم‪ ،‬وكانوا ذوي‬ ‫نفر من ِ‬‫وكان عظام ُء املُستهزئني مخس َة ٍ‬
‫رسول اهلل ﷺ ‪-‬فيام بلغني‪ -‬قد دعا عليه مل ِا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املطلب‪ ،‬وكان‬ ‫قومهم‪ :‬األسو ُد ب ُن‬
‫بِصه‪ ،‬وأثكِله و َلده»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كان يب ُلغه من أذاه واستهزائه به‪ ،‬فقال‪َّ « :‬‬
‫اللهم أع ِم َ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪83‬‬

‫ُ‬
‫احلارث‬‫العاص بن وائل‪ ،‬و‬ ‫ِ‬
‫املغرية‪ ،‬و‬ ‫َ‬
‫يغوث‪ ،‬والوليدُ بن‬ ‫واألسو ُد بن عبد‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الطلة‪.‬‬ ‫بن ال ُط‬

‫أنزل اهللُ تعاىل عليه‪:‬‬ ‫ِ‬


‫برسول اهلل ﷺ االستهزا َء‪َ ،‬‬ ‫الرش‪ ،‬وأكثروا‬
‫فلام متادوا يف ِّ‬
‫(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) ِ‬
‫[احلجر‪.]26-20:‬‬

‫‪ -19‬وفاةُ أبي طالبٍ وخدجيةَ‬


‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم إن خدجي َة بنت خ ٍ‬
‫ويلد وأبا طالب هلكا يف عا ٍم‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صدق عىل‬ ‫املصائب ُهبلك خدجي َة ‪-‬وكانت له َ‬
‫وزير‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فتتابعت عىل‬
‫وحرزا يف أمره‪،‬‬
‫ً‬ ‫عضدً ا‬
‫عمه أيب طالب‪ ،‬وكان له ُ‬ ‫اإلسالم يشكو إليها‪ -‬و ُهبلك ِّ‬
‫ِ‬
‫مهاجره إىل املدينة بثالث سنني‪.‬‬ ‫ونارصا عىل قومه‪ ،‬وذلك قبل‬ ‫و َمنع ًة‬
‫ً‬
‫رسول اهلل ﷺ من األذى ما مل تكن‬‫ِ‬ ‫فلام هل َك أبو طالب نالت ٌ‬
‫قريش من‬
‫تطمع به يف ِ‬
‫حياة أيب طالب‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قريشا ثقله‪ ،‬قالت ٌ‬
‫قريش‬ ‫طالب‪ ،‬وبلغ ً‬ ‫ٍ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وملا اشتكى أبو‬
‫ٍ‬
‫قريش ك ِّلها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قبائل‬ ‫بعضها لبعض‪ :‬إن محز َة وعمر قد أسلام‪ ،‬وقد فشا أمر ٍ‬
‫حممد يف‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ابن أخيه‪ ،‬وليعطِه منا‪ ،‬واهلل ما نأم ُن أن‬
‫فليأخ ْذ لنا عىل ِ‬
‫ُ‬ ‫فانطلِقوا بنا إىل أيب طالب‪،‬‬
‫أمرنا‪.‬‬
‫يبتزونا َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن ابن عباس قال‪ :‬مشوا إىل أيب طالب فك َّلموه‪ ،‬وهم‬
‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫جهل ب ُن هشام‪ ،‬وأمي ُة بن‬ ‫أرشاف قومه‪ :‬عتب ُة بن ربيع َة‪ ،‬وشيب ُة بن ربيع َة‪ ،‬وأبو‬
‫ُ‬
‫سفيان ب ُن حرب‪ ،‬يف رجال من أرشافِهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا طالب‪ ،‬إنك‬ ‫َ‬ ‫خلف‪ ،‬وأبو‬
‫‪ | 84‬خمتصر السرية النبوية‬

‫علمت الذي بيننا‬


‫َ‬ ‫علمت‪ ،‬وقد حضك ما ترى‪َ ،‬‬
‫وخت َّوفنا عليك‪ ،‬وقد‬ ‫َ‬ ‫منا ُ‬
‫حيث قد‬
‫كف عنه‪،‬‬‫ليكف عنا‪ ،‬و َن َّ‬
‫َّ‬ ‫وخذ لنا منه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فادعه؛ ُ‬
‫فخذ له منا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وبني ِ‬
‫ابن أخيك‪،‬‬
‫وليد ْعنا ودينَنا‪ ،‬وندَ ْعه ودينَه‪.‬‬

‫أرشاف قومك‪ ،‬قد‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫ٍ‬
‫طالب‪ ،‬فجاءه‪ ،‬فقال‪ :‬يا اب َن أخي‪:‬‬ ‫فبعث إليه أبو‬
‫ُ‬
‫وليأخذوا منك‪.‬‬ ‫اجتمعوا لك‪ ،‬ل ُيعطوك‪،‬‬

‫العرب‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬نعم‪ ،‬كلمة واحدة ُتعطونيها تَ لكون هبا‬ ‫قال‪ :‬فقال‬
‫العجم»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫و َتدين لكم هبا‬

‫وعرش كلامت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫جهل‪ :‬نعم وأبيك‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فقال أبو‬

‫وتلعون ما َتعبدون من دونِه»‪.‬‬


‫قال‪ :‬تقولون‪« :‬ال إله إال اهلل‪َ ،‬‬

‫قال‪ :‬فص َّفقوا بأيدُم‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬أ ُتريد يا حممدُ أن َ‬


‫تعل اآلَل َة إَل ًا واحدً ا‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫لعجب!‬
‫ٌ‬ ‫أمرك‬

‫بمعطيكم شي ًئا مما‬ ‫ُ‬


‫الرجل ُ‬ ‫بعضهم لبعض‪ :‬إنه واهلل ما هذا‬
‫قال‪ :‬ثم قال ُ‬
‫حيكم اهلل بينَكم وبينه‪.‬‬ ‫ُتريدون‪ ،‬فانطلِقوا وامضوا عىل دين ِ‬
‫آبائكم‪ ،‬حتى‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬ثم َت َف َّرقوا‪.‬‬

‫بن أخي‪ ،‬ما رأي ُتك سألتهم َش َط ًطا‪.‬‬ ‫ِ‬


‫لرسول اهلل ﷺ‪ :‬واهلل يا ا َ‬ ‫فقال أبو طالب‬

‫يقول له‪:‬‬ ‫ِ‬


‫إسالمه‪ ،‬فجعل ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫قال‪ :‬فلام قاَلا أبو طالب ِ‬
‫طمع‬
‫عم‪ ،‬فأنت‪ ،‬ف ُقلها أستحل لك هبا الشفاع َة يو َم القيامة»‪.‬‬
‫«أي ِ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪85‬‬

‫رسول اهلل ﷺ عليه‪ ،‬قال‪ :‬يا اب َن أخي‪ ،‬واهلل لوال‬ ‫ِ‬ ‫رص‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬فلام رأى ح َ‬
‫الس َّب ِة عليك وعىل َبني أبيك من بعدي‪ ،‬وأن َت ُظ َّن ٌ‬
‫قريش أين إنام قلتها جز ًعا‬ ‫خماف ُة ُّ‬
‫ألرسك هبا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من املوت لقل ُتها‪ ،‬ال أقوَلا إال ُّ‬
‫العباس إليه ُحي ِّرك ش َفتيه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املوت قال‪ :‬نظر‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫طالب‬ ‫تقارب من أيب‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬فلام‬
‫قال‪ :‬فأصغى إليه بأ ُذنه‪ ،‬قال‪ :‬فقال يا اب َن أخي‪ ،‬واهلل لقد قال أخي الكلم َة التي‬
‫أمر َته أن يقوَلا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫طالب‪.‬‬ ‫أسمع»‪ ،‬ثم هلك أبو‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬مل‬ ‫قال‪ :‬فقال‬
‫‪ -21‬سعي الرسولِ إىل ثقيفٍ يطلب النُّصرةَ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫لك أبو طالب نالت ٌ‬
‫قريش من‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وملا َه َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫طالب‪ ،‬فخرج‬ ‫عمه أيب‬ ‫ِ‬ ‫األذى ما مل تكن ُ‬
‫تنال منه يف حياة ِّ‬
‫ثقيف‪ ،‬واملَنع َة هبم من ِ‬
‫قومه‪ ،‬ورجا َء أن يقبلوا منه ما‬ ‫ٍ‬ ‫يلتمس النُّرص َة من‬ ‫ِ‬
‫الطائف‪،‬‬
‫ُ‬
‫جا َءهم به من اهلل ‪ ،‬فخرج إليهم وحدَ ه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫رظي قال‪ :‬ملا انتهى‬‫كعب ال ُق ِّ‬ ‫حممد بن‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن‬ ‫قال اب ُن‬
‫ثقيف وأرشا ُفهم‪ ،‬وهم إخو ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ ساد ُة‬ ‫نفر من ثقيف‪ ،‬هم‬ ‫ِ‬
‫الطائف‪ ،‬عمد إىل ٍ‬ ‫إىل‬
‫ٍ‬
‫قريش من‬ ‫أحدهم امرأ ٌة من‬‫ثالث ٌة‪ :‬عبدُ يال ِيل بن عمرو‪ ،‬ومسعود‪ ،‬وحبيب‪ ،‬وعند ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فدعاهم إىل اهلل‪ ،‬وك َّلمهم بام جا َءهم له‬‫ُ‬ ‫بني مجح‪ ،‬فجلس إليهم‬
‫من ُنرصتِه عىل اإلسال ِم‪ ،‬والقيا ِم معه عىل َمن خال َفه من قومه‪.‬‬
‫ِ‬
‫الكعبة إن كان اهللُ أرس َلك‪.‬‬ ‫فقال له أحدُ هم‪ :‬هو َي ْم ُرط(‪ )1‬ثياب‬

‫(‪َ )1‬ي ْم ُرط‪ :‬يمزق‪.‬‬


‫‪ | 86‬خمتصر السرية النبوية‬

‫غريك!‬
‫اآلخر‪ :‬أما وجدَ اهلل أحدً ا ُيرسله َ‬
‫ُ‬ ‫وقال‬
‫ً‬
‫رسوال من اهلل كام تقول‪ ،‬ألنت‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪ :‬واهلل ال أكلمك أبدً ا‪ ،‬لئن كنت‬ ‫وقال‬
‫كذب عىل اهلل‪ ،‬ما ينبغي يل أن‬
‫خطرا من أن أر َّد عليك الكال َم‪ ،‬ولئن كنت َت ُ‬
‫أعظم ً‬
‫ُ‬
‫أك ِّلمك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ثقيف‪ ،‬وقد قال َلم ‪-‬فيام‬ ‫رسول اهلل ﷺ من عندهم وقد يئس من ِ‬
‫خري‬ ‫ُ‬ ‫فقام‬
‫ذكر يل‪« :-‬إذا فعلتم ما فعل ُتم فاكتموا عنِي»‪.‬‬
‫رسول اهلل ﷺ أن َيب ُلغ قو َمه عنه‪ ،‬ف ُي ْذ ِئ ُرهم ذلك عليه(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫وكره‬
‫وأغروا به ُسفها َءهم وعبيدَ هم‪ ،‬يس ُّبونه ويصيحون به‪ ،‬حتى‬ ‫َ‬ ‫فلم َيفعلوا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حائط ل ُعتب َة بن ربيع َة وشيب َة بن ربيع َة ومها فيه‪،‬‬ ‫الناس‪ ،‬وأجلؤوه إىل‬ ‫اجتمع عليه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ظل ح َبلة من عنب‪ ،‬فجلس‬ ‫ثقيف من كان يتبعه‪ِ ،‬‬
‫فعمد إىل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ورجع عنه من ُسفهاء‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الطائف‪ ،‬وقد لقي‬ ‫فيه‪ ،‬وابنا ربيع َة ينظران إليه‪ ،‬ويريان ما ِلقي من س ِ‬
‫فهاء أهل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ‪-‬فيام ُذكر يل‪ -‬املرأ َة التي من بني ُ َ‬
‫مج ٍح فقال َلا‪« :‬ماذا لقينا من‬
‫أمحائِك؟»‬
‫رسول اهلل ﷺ قال ‪-‬فيام ُذكر يل‪« :-‬اللهم إليك أشكو َض َ‬
‫عف‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫اطمأن‬ ‫فلام‬
‫أرحم الرامحني‪ ،‬أنت رب املُستضعفني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وهواين عىل الناس‪ ،‬يا‬‫قوت‪ ،‬وق َّل َة حيلتي‪َ ،‬‬
‫يتجه ُمني؟ أم إىل عدو م َّلكته أمري؟ إن مل ي ُكن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وأنت ريب‪ ،‬إىل َمن َتك ُلني؟ إىل بعيد َّ‬
‫أوسع ل‪ ،‬أعوذ بنور وجهك الذي‬ ‫ُ‬ ‫ولكن عافي َتك هي‬
‫َّ‬ ‫عل غضب فال ُأبال‪،‬‬ ‫بك َّ‬
‫أمر الدنيا واآلخرة من أن ُتنزل يب غض َبك‪ ،‬أو‬ ‫وصلح عليه ُ‬
‫َ‬ ‫لامت‪،‬‬
‫أرشقت له الظ ُ‬
‫قو َة إال بك»‪.‬‬
‫عل سخطك‪ ،‬لك ال ُعتبى حتى ترىض‪ ،‬وال حول وال َّ‬ ‫َّ‬
‫حيل َّ‬

‫(‪ُ )1‬ي ْذئِ ُرهم ذلك عليه‪ :‬يريد حيرش بينهم‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪87‬‬

‫محهام‪ ،‬فدعوا‬ ‫قال‪ :‬فلام رآه ابنا ربيع َة‪ :‬عتب ُة وشيب ُة وما لقي؛ َّ‬
‫حتركت له ر ُ‬
‫ِ‬
‫العنب‪ ،‬فضعه يف‬ ‫غال ًما َلام نرصان ايا‪ُ ،‬يقال له‪ :‬عدَّ اس‪ ،‬فقاال له‪ُ :‬خذ ِقط ًفا من هذا‬
‫فقل له يأكل منه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرجل‪ْ ،‬‬ ‫اذهب به إىل ذلك‬
‫ْ‬ ‫هذا ال َّطبق‪ ،‬ثم‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ثم قال له‪:‬‬ ‫أقبل به حتى وض َعه بني يدي‬ ‫ففعل عدَّ اس‪ ،‬ثم َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ فيه يدَ ه قال‪« :‬باسم اهلل» ثم أكل‪.‬‬ ‫وضع‬
‫َ‬ ‫ُك ْل‪ ،‬فلام‬
‫أهل هذه‬ ‫ِ‬
‫وجهه‪ ،‬ثم قال‪ :‬واهلل إن هذا الكال َم ما يقوله ُ‬ ‫فنظر عدَّ اس يف‬
‫اس؟ وما دينُك؟»‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ومن ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أي البالد أنت يا َعدَّ ُ‬
‫أهل ِ‬ ‫البالد‪ ،‬فقال له‬
‫قال‪ :‬نرصاين‪ ،‬وأنا رجل من أهل نِينَوى‪.‬‬
‫يونس بن م َّتى»‪.‬‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جل الصالح َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬من قرية َّ‬ ‫فقال‬
‫عداس‪ :‬وما ُيدريك ما يو ُنس بن م َّتى؟‬
‫ٌ‬ ‫فقال له‬
‫نبي»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ذاك أخي‪ ،‬كان نبيا وأنا ي‬ ‫فقال‬
‫رأسه ويديه وقدميه‪.‬‬
‫عداس عىل رسول اهلل ﷺ يق ِّبل َ‬
‫ٌ‬ ‫كب‬
‫فأ َّ‬
‫قال‪ :‬يقول ابنا ربيع َة أحدُ مها لصاحبه‪ :‬أ َّما غال ُمك فقد أفسده عليك‪ ،‬فلام‬
‫ِ‬
‫الرجل ويديه‬ ‫عداس! ما لك ُتق ِّب ُل َ‬
‫رأس هذا‬ ‫ُ‬ ‫اس‪ ،‬قاال له‪ :‬ويلك يا‬ ‫جاءمها عدَّ ٌ‬
‫وقدميه؟‬
‫يعلمه‬ ‫ربين ٍ‬
‫بأمر ما ُ‬ ‫خري من هذا‪ ،‬لقد أخ َ‬
‫قال‪ :‬يا س ِّيدي‪ ،‬ما يف األرض يش ٌء ٌ‬
‫خري من‬ ‫ِ‬
‫عداس‪ ،‬ال يرصفنَّك عن دينك‪ ،‬فإن دينك ٌ‬
‫ُ‬ ‫حيك يا‬‫إال نبي‪ ،‬قاال له‪ :‬و َ‬
‫دينه‪.‬‬
‫‪ | 88‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ -21‬أمرُ اجلنِّ الذين استمَعوا له وآمنوا به‬

‫انرصف من ال َّطائف راج ًعا إىل مك َة حني َ‬


‫يئس‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫قال‪ :‬ثم إن‬
‫النفر من‬ ‫ِ‬
‫جوف الليل ُي ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ثقيف‪ ،‬حتى إذا كان بنخل َة قام من‬ ‫من ِ‬
‫صيل‪ ،‬فمر به ُ‬ ‫خري‬
‫اجل ِّن الذين َذ َك َرهم اهللُ تبارك وتعاىل‪ ،‬وهم ‪-‬فيام ُذكر يل‪ -‬سبع ُة ٍ‬
‫نفر من جن أهل‬
‫قومهم ُمنذرين قد آمنوا‬‫يبني‪ ،‬فاس َتمعوا له؛ فلام فر َغ من صالته و َّلوا إىل ِ‬
‫َن ِص َ‬
‫وأجابوا إىل ما سمعوا‪.‬‬

‫هلل ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ربهم عليه ﷺ‪ ،‬قال ا ُ‬ ‫ف َق َّ‬
‫ص اهلل خ َ‬
‫ﭗ ﭘ) إىل قوله تعاىل‪( :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [األحقاف‪-52:‬‬
‫‪ ]35‬وقال تبارك وتعاىل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [اجلن‪ ]5:‬إىل آخر‬
‫القصة من خربهم يف هذه السورة‪.‬‬

‫‪َ -22‬عرضُ رسولِ اهلل ﷺ نفسَه على القبائلِ‬


‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ م َّك َة‪ ،‬وقو ُمه أشدُّ ما كانوا عليه من‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم ِ‬
‫قدم‬ ‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫وفراق دينه‪ ،‬إال ً‬
‫قليال ُمستضعفني ممن آمن به‪.‬‬ ‫خالفِه‬
‫ِ‬
‫العرب‬ ‫ِ‬
‫قبائل‬ ‫ِ‬
‫املواسم إذا كانت عىل‬ ‫نفسه يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ َي ِ‬
‫ُ‬
‫عرض َ‬ ‫فكان‬
‫يبني‬ ‫ٌ‬
‫مرسل‪ ،‬ويسأَلم أن يصدقوه و َيمنعوه حتى ِّ‬ ‫وخيربهم أنه نبي‬
‫يدعوهم إىل اهلل‪ُ ،‬‬
‫َلم اهللُ ما بعثه به‪.‬‬
‫إسحاق‪ :‬عن ربيع َة بن عب ٍ‬
‫اد قال‪ :‬إين لغال ٌم شاب مع أيب بمنًى‬ ‫َ‬ ‫ابن‬
‫َّ‬ ‫قال ُ‬
‫ٍ‬
‫فالن‪ ،‬إين‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬فيقول‪« :‬يا بني‬ ‫ِ‬
‫القبائل من‬ ‫ِ‬
‫منازل‬ ‫يقف عىل‬ ‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ ُ‬
‫يأمركم أن َتعبدوا اهلل وال ُتشكوا به شيئا‪ ،‬وأن َتلعوا ما‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل إليكم‪ُ ،‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪89‬‬

‫ِ‬
‫األنداد‪ ،‬وأن ُتؤمنوا يب‪ ،‬و ُتصدِ قوا يب‪ ،‬وتنعوين‪ ،‬حتى‬ ‫َتعبدون من دونِه من هذه‬
‫أبني عن اهلل ما بعثني به»‪.‬‬
‫َِ‬
‫ِ‬
‫غديرتان‪ ،‬عليه ُح َّل ٌة عدَ نية‪ ،‬فإذا فر َغ‬ ‫أحول ويض ٌء‪ ،‬له‬‫ُ‬ ‫قال‪ :‬وخل َفه ٌ‬
‫رجل‬
‫ٍ‬
‫فالن‪ ،‬إن هذا إنام‬ ‫ُ‬
‫الرجل‪ :‬يا َبني‬ ‫رسول اهلل ﷺ من قول ِه وما دعا إليه‪ ،‬قال ذلك‬ ‫ُ‬
‫احلي من بني‬ ‫ِ‬
‫وحلفاءكم من ِّ‬ ‫الالت وال ُع َّزى من أعناقكم‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫َيدعوكم أن َتسلخوا‬
‫ِ‬
‫والضاللة؛ فال ُتطيعوه وال َتسمعوا منه‪.‬‬ ‫مالك بن ُأ َقيش إىل ما جاء به من البِدعة‬
‫فقلت أليب‪ :‬يا ِ‬
‫أبت‪ ،‬من هذا الذي يتب ُعه وير ُّد عليه ما يقول؟ قال‪ :‬هذا‬ ‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫عمه عبدُ ال ُع َّزى بن عبد املطلب أبو ٍ‬
‫َلب‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫‪ | 91‬خمتصر السرية النبوية‬

‫[ج ‪ -‬بيعة العقبة وبدء اهلجرة]‬


‫‪َ -1‬بدءُ إسالمِ األنصارِ‬

‫وإنجاز‬
‫َ‬ ‫وإعزاز نب ِّيه ﷺ‪،‬‬
‫َ‬ ‫إظهار دينه‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام أراد اهللُ ‪‬‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫األنصار‪،‬‬ ‫النفر من‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف املوس ِم الذي لق َيه فيه‬ ‫خرج‬ ‫م ِ‬
‫وعده له‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يصنع يف ُك ِّل موسم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬كام كان‬ ‫ِ‬
‫قبائل‬ ‫نفسه عىل‬
‫فعرض َ‬
‫خريا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اخلزرج أرا َد اهلل هبم ً‬ ‫لقي ره ًطا من‬
‫فبينام هو عند ال َعقبة َ‬
‫ِ‬
‫اخلزرج‪.‬‬ ‫نفر من‬
‫قال َلم‪« :‬من أنتم؟» قالوا‪ٌ :‬‬
‫قال‪« :‬أمن موال هيود؟»‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬

‫قال‪« :‬أفال َتلسون أك ِل ُمكم؟»‪.‬‬


‫قالوا‪ :‬بىل‪.‬‬

‫وعرض عليهم اإلسال َم‪ ،‬وتال عليهم‬


‫َ‬ ‫فجلسوا معه‪ ،‬فدعاهم إىل اهلل ‪،‬‬
‫َ‬
‫القرآن‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكان مما صنع اهللُ هبم يف اإلسال ِم‪ ،‬أن ُود كانوا معهم يف ِ‬
‫بالدهم‪،‬‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫أوثان‪ ،‬وكانوا قد‬ ‫وأصحاب‬ ‫ٍ‬
‫رشك‬ ‫وعلم‪ ،‬وكانوا هم َ‬
‫أهل‬ ‫كتاب ِ‬
‫ٍ‬ ‫وكانوا َ‬
‫أهل‬
‫َ‬
‫ٌ‬
‫مبعوث اآلن‪ ،‬قد‬ ‫ِ‬
‫ببالدهم‪ ،‬فكانوا إذا كان بينهم يش ٌء قالوا َلم‪ :‬إن نب ايا‬ ‫غزوهم‬
‫أظل زما ُنه‪ ،‬نتبعه فنق ُتلكم معه قتل ٍ‬
‫عاد وإرم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪90‬‬

‫بعضهم لبعض‪:‬‬
‫النفر‪ ،‬ودعاهم إىل اهلل‪ ،‬قال ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أولئك َ‬ ‫فلام كلم‬
‫توعدكم به ُو ُد‪ ،‬فال تسبقنَّكم إليه؛ فأجابوه‬
‫للنبي الذي َّ‬
‫ُّ‬ ‫يا قو ُم‪ ،‬تع َّلموا واهلل‪ ،‬إنه‬
‫عرض عليهم من اإلسال ِم‪.‬‬ ‫فيام دعاهم إليه‪ ،‬بأن صدَّ قوه وقبِلوا منه ما َ‬
‫والرش ما بينَهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العداوة‬ ‫وقالوا‪ :‬إنا قد تركنا قو َمنا‪ ،‬وال قو َم بينهم من‬
‫ِّ‬
‫عرض عليهم‬ ‫فعسى أن َجيم َعهم اهلل بك فسنَقدَ ُم عليهم‪ ،‬فندعوهم إىل ِ‬
‫أمرك‪ ،‬و َن ُ‬
‫أعز منك‪.‬‬ ‫الذي أجبناك إليه من هذا الدين‪ ،‬فإن مج َعهم اهللُ عليه فال َ‬
‫رجل َّ‬
‫راجعني إىل ِ‬
‫بالدهم‪ ،‬وقد آمنوا وصدَّ قوا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ثم انرصفوا عن‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ ود َعوهم إىل اإلسالم‬ ‫قدموا املدين َة إىل ِ‬
‫قومهم ذكروا َلم‬ ‫فلام ِ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ذكر من‬ ‫ِ‬
‫األنصار إال وفيها ٌ‬ ‫دار من ُدور‬
‫حتى فشا فيهم‪ ،‬فلم ت َبق ٌ‬
‫‪ -2‬العَقبةُ األوىل ومُصعبُ بن عُمريٍ‬
‫عرش ً‬
‫رجال‪ ،‬فلقوه‬ ‫ِ‬
‫األنصار اثنا َ‬ ‫املوسم من‬
‫َ‬ ‫حتى إذا كان العا ُم املُ ُ‬
‫قبل واِّف‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫فرتض عليهم‬
‫بيعة النساء ‪ ،‬وذلك قبل أن ُت َ‬ ‫َ‬ ‫بالعقبة‪ ،‬فبايعوا‬
‫احلرب‪.‬‬
‫ُ‬
‫حض العقب َة‬ ‫الصامت قال‪ :‬كنت فيمن‬‫ِ‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ُعباد َة بن‬‫َ‬ ‫ابن‬
‫َ‬ ‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫النساء‪ ،‬وذلك قبل‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل ِ‬
‫بيعة‬ ‫َ‬ ‫عرش ً‬
‫رجال‪ ،‬فبا َي ْعنا‬ ‫األوىل‪ ،‬وكنا اثني َ‬
‫قتل‬‫رسق‪ ،‬وال نزين‪ ،‬وال َن َ‬‫احلرب‪ ،‬عىل أال ُنرشك باهلل شي ًئا‪ ،‬وال َن َ‬ ‫ُ‬ ‫فرتض‬
‫أن ُت َ‬
‫ٍ‬
‫معروف‪ ،‬فإن‬ ‫وأرجلنا‪ ،‬وال َنعصيه يف‬ ‫هتان نفرتيه من بني أيدينا‬‫أوالدنا‪ ،‬وال نأيت بب ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬بيعة النساء‪ :‬أي ال قتال فيها‪ ،‬وقد ذكر اهلل تعاىل بيعة النساء يف القرآن‪ ،‬فقال‪ ( :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ) [املمتحنة‪.]55:‬‬
‫‪ | 92‬خمتصر السرية النبوية‬

‫فأمركم إىل اهلل ‪ ،‬إن شاء َّ‬ ‫ِ‬


‫عذب‬ ‫و َّفيتم فل ُكم اجلن ُة‪ ،‬وإن َغشيتم من ذلك شي ًئا ُ‬
‫وإن شاء َغ َف َر‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ معهم‬ ‫ُ‬ ‫انرصف عنه القو ُم‪ ،‬بعث‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫القرآن‪ ،‬و ُيع ِّلمهم اإلسال َم‪ ،‬و ُيف ِّق َه ُهم يف‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عمري‪ ،‬وأمره أن ُيقرئهم‬ ‫مصعب ب َن‬
‫َ‬
‫املقرئ باملدينة مصعب‪ ،‬وكان منز ُله عىل أسعدَ بن ُزرار َة‪.‬‬
‫َ‬ ‫الدين‪ ،‬فكان ُيسمى‬

‫‪ -3‬إسالمُ سعدِ بن مُعاذٍ وأسيدِ بن حُضريٍ‬


‫إسحاق‪ :‬حدَّ ثني ُعبيدُ اهلل بن املُغرية وعبدُ اهلل بن أيب ٍ‬
‫بكر‪ :‬أن أسعدَ‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ودار بني َظ َفر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األشهل‪َ ،‬‬ ‫دار بني عبد‬
‫بمصعب بن ُعمري يريد به َ‬ ‫ِ‬ ‫ب َن زرار َة خرج‬
‫وكان سعدُ بن معاذ اب َن خالة أسعدَ بن ُزرار َة‪ ،‬فدخل به حائ ًطا من حوائط بني‬
‫أسلم‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫رجال ممن‬ ‫بئر ُيقال َلا‪ :‬بئر م ٍ‬
‫رق‪ ،‬فجلسا يف احلائط‪ ،‬واجتمع إليهام‬ ‫َظ َفر عىل ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األشهل‪،‬‬ ‫قومهام من بني عبد‬ ‫معاذ‪ ،‬و ُأسيدُ بن حضري‪ ،‬يومئذ سيدَ ا ِ‬
‫ٍ‬ ‫وسعدُ بن‬
‫ُ‬
‫قومه‪ ،‬فلام سمعا به قال سعدُ بن ُمعاذ ألسيد بن ُح ٍ‬
‫ضري‪:‬‬ ‫رشك عىل دين ِ‬ ‫وكالمها ُم ٌ‬
‫ُ‬
‫انطلق إىل هذين الرجلني الل ِ‬
‫ذين قد أتيا دارينا ل ُيس ِّفها ُضعفا َءنا؛‬ ‫ْ‬ ‫ال أبا لك‪،‬‬
‫دارينا‪ ،‬فإ َّنه لوال أن أسعدَ بن زرار َة مني حيث قد‬
‫فازجرمها واهنهام عن أن يأتيا َ‬
‫ُ‬
‫علمت كفي ُتك ذلك‪ ،‬هو اب ُن خالتي‪ ،‬وال أجد عليه مقدَّ ًما‪.‬‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬فأخذ أسيدُ بن حضري حر َبته ثم أقبل إليهام‪ ،‬فلام رآه أسعدُ بن زرار َة‪،‬‬
‫مصعب‪ :‬إن‬ ‫هلل فيه‪ ،‬قال‬
‫قومه قد جاءك‪ ،‬فاصدُ ق ا َ‬ ‫عمري‪ :‬هذا سيدُ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صعب بن‬ ‫قال مل‬
‫ٌ‬
‫جيلس أك ِّل ْمه‪.‬‬

‫متشتام‪.‬‬
‫ً‬ ‫قال‪ :‬فوقف عليهام‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪93‬‬

‫ِ‬
‫اعتزالنا إن كانت لكام‬ ‫فقال‪ :‬ما جاء بكام إلينا‪ُ ،‬تس ِّفهان ُضعفا َءنا؟!‬
‫أمرا قبل َته‪ ،‬وإن‬
‫تلس فتسمع‪ ،‬فإن رضيت ً‬‫مصعب‪ :‬أو ُ‬ ‫ٌ‬ ‫بأن ُف ِسكام حاج ٌة‪ ،‬فقال له‬
‫كرهته ُك َّ‬
‫ف عنك ما تكره؟‬

‫مصعب باإلسال ِم‪ ،‬وقرأ‬


‫ٌ‬ ‫قال‪ :‬أنصفت‪ ،‬ثم ر َكز حر َبته وجلس إليهام‪ ،‬فك َّلمه‬
‫ِ‬
‫وجهه اإلسال َم قبل أن‬ ‫َ‬
‫القرآن‪ ،‬فقاال ‪-‬فيام يذكر عنهام‪ :-‬واهلل ل َعرفنا يف‬ ‫عليه‬
‫وتسهله‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إرشاقه‬ ‫يتك َّلم يف‬
‫ُّ‬
‫مجله! كيف َتصنعون إذا أردتم أن تدخلوا‬
‫ثم قال‪ :‬ما أحسن هذا الكال َم وأ َ‬
‫ِ‬
‫الدين؟‬ ‫يف هذا‬

‫شهدُ شهاد َة احلق‪ ،‬ثم ُتصيل‪.‬‬


‫طهر ثوبيك‪ ،‬ثم َت َ‬
‫فتطهر‪ ،‬و ُت ِّ‬ ‫قاال له‪َ :‬ت ُ‬
‫غتسل َّ‬
‫ِ‬
‫ركعتني‪ ،‬ثم‬ ‫شهد شهاد َة احلق‪ ،‬ثم قام فركع‬
‫وطهر ثوبيه‪ ،‬و َت َّ‬
‫فقام فاغتسل َّ‬
‫رجال إن ا َّتبعكام مل يتخ َّلف عنه أحدٌ من قومه‪ ،‬وسأرس ُله إليكام‬
‫قال َلام‪ :‬إن ورائي ً‬
‫جلوس يف‬ ‫ِ‬
‫وقومه وهم‬ ‫ٍ‬
‫سعد‬ ‫اآلن‪ ،‬سعدَ بن معاذ‪ ،‬ثم أخذ حر َبته وانرصف إىل‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫أحلف باهلل لقد جاءكم أسيدٌ بغري‬
‫ُ‬ ‫نادُم‪ ،‬فلام نظر إليه سعدُ بن معاذ ُم ً‬
‫قبال قال‪:‬‬
‫فعلت؟‬
‫َ‬ ‫الوجه الذي ذهب به من ِعندكم‪ ،‬فلام َ‬
‫وقف عىل النادي قال له سعدٌ ‪ :‬ما‬
‫بأسا‪ ،‬وقد هني ُتهام‪ ،‬فقاال‪ُ :‬‬
‫نفعل ما‬ ‫ِ‬
‫الرجلني‪ ،‬فواهلل ما رأيت هبام ً‬ ‫قال‪ :‬ك َّلمت‬
‫أحببت‪ ،‬وقد ُحدِّ ثت أن بني حارث َة قد خرجوا إىل أسعدَ بن زرار َة ليقتلوه‪ ،‬وذلك‬
‫َ‬
‫أهنم قد عرفوا أنه ابن خالتك‪ِ ،‬‬
‫ليخفروك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪ | 94‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ختو ًفا للذي ُذكر له من بني حارث َة‪ ،‬فأخذ‬


‫مبادرا‪ُّ ،‬‬
‫ً‬ ‫قال‪ :‬فقام سعدٌ ُمغض ًبا‬
‫احلرب َة من يده‪ ،‬ثم قال‪ :‬واهلل ما أراك أغنيت شي ًئا‪ ،‬ثم خرج إليهام‪ ،‬فلام رآمها سعدٌ‬
‫يسمع منهام‪ ،‬فوقف عليهام ُمتش ِّت ًام‪،‬‬
‫َ‬ ‫مطمئنني‪ ،‬عرف سعدٌ أن أسيدً ا إنام أراد منه أن‬
‫ِ‬
‫القرابة ما‬ ‫ثم قال ألسعدَ بن زرار َة‪ :‬يا أبا ُأمام َة‪ ،‬أما واهلل‪ ،‬لوال ما بيني وبينك من‬
‫بن زرار َة ملصعب بن‬ ‫نكره ‪-‬وقد قال أسعدُ ُ‬‫دار ْينا بام َ‬
‫مت هذا مني‪ ،‬أتغشانا يف َ‬‫ُر َ‬
‫عمري‪ :‬أي مصعب‪ ،‬جاءك واهلل سيدُ من وراءه من ِ‬
‫قومه‪ ،‬إن ي َّتبعك ال يتخ َّلف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ ْ‬
‫أمرا‬ ‫ِ‬
‫اثنان‪ -‬قال‪َ :‬‬
‫رضيت ً‬
‫َ‬ ‫مصعب‪ :‬أو تقعدُ فتسمع‪ ،‬فإن‬ ‫ٌ‬ ‫فقال له‬ ‫عنك منهم‬
‫كرهته عزلنا عنك ما تكر ُه؟‬‫ورغبت فيه قبِلته‪ ،‬وإن ِ‬

‫أنصفت‪.‬‬
‫َ‬ ‫قال سعدٌ ‪:‬‬
‫َ‬
‫القرآن‪.‬‬ ‫ثم ر َكز احلر َبة وجلس‪ ،‬فعرض عليه اإلسال َم‪ ،‬وقرأ عليه‬

‫وتسهله‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إلرشاقه‬ ‫فعرفنا واهلل يف ِ‬
‫وجهه اإلسال َم قبل أن يتك َّلم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫قاال‪َ :‬‬
‫ثم قال َلام‪ :‬كيف َتصنعون إذا أنتم أسلم ُتم ودخل ُتم يف هذا الدين؟‬

‫احلق‪ ،‬ثم تصيل‬


‫طهر ثوبيك‪ ،‬ثم َتشهدُ شهاد َة ِّ‬
‫طهر و ُت ِّ‬ ‫قاال‪َ :‬ت ُ‬
‫غتسل ف َت َّ‬
‫ركعتني‪.‬‬
‫احلق‪ ،‬ثم ركع ركعتني‪ ،‬ثم‬
‫وتشهد شهاد َة ِّ‬
‫َّ‬ ‫وطهر ثوبيه‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقام فاغتسل َّ‬
‫ٍ‬
‫حضري‪.‬‬ ‫فأقبل عامدً ا إىل نادي ِ‬
‫قومه ومعه أسيدُ بن‬ ‫أخذ حربته‪َ ،‬‬

‫قال‪ :‬فلام رآه قومه ُم ً‬


‫قبال‪ ،‬قالوا‪ :‬نحلف باهلل لقد رجع إليكم سعدٌ بغري‬
‫وقف عليهم قال‪ :‬يا بني ِ‬
‫عبد األشهل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الوجه الذي ذهب به من ِ‬
‫عندكم‪ ،‬فلام‬ ‫ِ‬
‫كيف تعلمون ِ‬
‫أمري فيكم؟‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪95‬‬

‫قالوا‪ :‬س ِّيدُ نا وأوصلنا وأفض ُلنا رأ ًيا‪ ،‬وأيمننا نقيب ًة‪.‬‬
‫عيل حرا ٌم حتى تؤمنوا باهلل وبرسول ِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬فإن كال َم رجالكم ونسائكم َّ‬
‫مسلام‬ ‫دار بني ِ‬
‫عبد األشه ِل ٌ‬
‫رجل وال امرأ ٌة إال‬ ‫قاال‪ :‬فواهلل ما أمسى يف ِ‬
‫ً‬
‫ومصعب إىل منزل أسعدَ بن زرار َة‪ ،‬فأقام عنده يدعو‬
‫ٌ‬ ‫ومسلم ًة‪ ،‬ورجع أسعدُ‬
‫ٌ‬
‫رجال ونسا ٌء‬ ‫ِ‬
‫األنصار إال وفيها‬ ‫الناس إىل اإلسال ِم‪ ،‬حتى مل تبق ٌ‬
‫دار من دور‬ ‫َ‬
‫مسلمون‪.‬‬

‫‪ -4‬أمرُ العقبةِ الثانيةِ‬

‫عمري رجع إىل م َّك َة‪ ،‬وخرج من خرج من‬ ‫ٍ‬ ‫مصعب بن‬
‫َ‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم إن‬‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫الرشك‪ ،‬حتى قدموا‬ ‫ِ‬ ‫جاج قومهم من أهل‬ ‫األنصار من املسلمني إىل املوس ِم مع ُح ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الترشيق‪ ،‬حني أرا َد اهلل هبم ما‬ ‫ِ‬
‫أوسط أيام‬ ‫رسول اهلل ﷺ العقب َة‪ ،‬من‬ ‫َ‬ ‫م َّك َة‪ ،‬فواعدوا‬
‫وإذالل الرشك وأهلِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وإعزاز اإلسالم ِ‬
‫وأهله‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والنرص لنب ِّيه‪،‬‬ ‫أرا َد من كرامتِه‪،‬‬

‫احلج‪ ،‬وكانت الليل ُة التي واعدنا‬


‫كعب‪ :‬فلام فرغنا من ِّ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬قال ٌ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫الليل‬ ‫رسول اهلل ﷺ َلا نِمنا تلك الليلة مع قومنا يف رحالنا‪ ،‬حتى إذا مىض ُث ُ‬
‫لث‬ ‫َ‬
‫ستخ ِفني‪ ،‬حتى‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬نتس َّل ُل تس ُّل َل ال َقطا ُم ْ‬ ‫خرجنا من ِرحالنا ملعاد‬
‫ِ‬
‫امرأتان من‬ ‫لعقبة‪ ،‬ونحن ثالثة وسبعون ً‬
‫رجال‪ ،‬ومعنا‬ ‫الشعب عند ا ِ‬ ‫اجتمعنا يف ِّ‬
‫ِ‬
‫نسائنا‪.‬‬

‫عمه‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬حتى جاءنا ومعه ُّ‬ ‫ننتظر‬
‫ُ‬ ‫الشعب‬‫قال‪ :‬فاجتمعنا يف ِّ‬
‫أمر ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أحب أن حيض َ‬
‫العباس ب ُن عبد املطلب‪ ،‬وهو يومئذ عىل دين قومه‪ ،‬إال أنه َّ‬
‫ُ‬
‫أخيه ويتو َّثق له‪.‬‬
‫‪ | 96‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫اخلزرج‬ ‫معرش‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املطلب‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫العباس بن عبد‬
‫ُ‬ ‫جلس كان َّأو َل متكل ٍم‬
‫فلام َ‬
‫اخلزرج‪ ،‬خزرجها‬
‫َ‬ ‫احلي من األنصار‪:‬‬
‫سمون هذا َ‬ ‫العرب إنام ُي ُّ‬
‫ُ‬ ‫– قال‪ :‬وكانت‬
‫قومنا‪ ،‬ممن هو عىل ِ‬
‫مثل‬ ‫وأوسها‪ :-‬إن حممدً ا منا حيث قد علم ُتم وقد منعناه من ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫االنحياز إليكم‬
‫َ‬ ‫نعة يف ِ‬
‫بلده‪ ،‬وإنه قد أبى إال‬ ‫قومه وم ٍ‬ ‫عز من ِ‬ ‫رأينا فيه‪ ،‬فهو يف ٍّ‬
‫َ‬
‫دعومتوه إليه‪ ،‬ومانِعوه ممن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫واللحوق بكم‪ ،‬فإن كنتم َترون أ َّنكم وافون له بام‬
‫حتمل ُتم من ذلك‪.‬‬
‫خالفه‪ ،‬فأنتم وما َّ‬
‫اخلروج به إليكم‪ِ ،‬‬
‫فمن اآلن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخاذلوه بعد‬ ‫وإن كنتم ترون أنكم ُمسلموه‬
‫ٍ‬
‫ومنعة من قومه وبلده‪.‬‬ ‫فدعوه؛ فإنه يف ِع ٍّز‬
‫فخذ ِ‬
‫لنفسك ولر ِّبك‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ُ ،‬‬ ‫فتكلم يا‬ ‫قلت‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقلنا له‪ :‬قد َسمعنا ما َ‬
‫ْ‬
‫أحببت‪.‬‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫َ‬
‫القرآن‪ ،‬ودعا إىل اهلل‪ ،‬ور َّغب يف اإلسال ِم‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فتال‬ ‫قال‪ :‬فتكلم‬
‫نساءكم وأبناءكم»‪.‬‬
‫نعون منه َ‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬أباي ُعكم عىل أن تَ نعوين مما تَ‬

‫باحلق نب ايا‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫بيده‪ ،‬ثم قال‪ :‬نعم‪ ،‬والذي بع َثك‬‫معرور ِ‬
‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬فأخذ الربا ُء بن‬
‫ِ‬
‫احلروب‪،‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬فنحن واهلل أبنا ُء‬ ‫زرنا(‪ِ ،)1‬‬
‫فبايعنا يا‬ ‫نمنع منه ُأ َ‬
‫ُ‬ ‫لنمنَ َعنَّك مما‬
‫كابرا عن ٍ‬
‫كابر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وأهل احللقة‪ ،‬ورثناها ً‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ -‬أبو اَليثم بن ال َّتي ِ‬
‫هان‪،‬‬ ‫َ‬ ‫القول ‪-‬والربا ُء يك ِّلم‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬فاعرتض‬
‫ِّ‬
‫قاطعوها ‪-‬يعني‪ :‬اليهو َد‪-‬‬ ‫باال‪ ،‬وإنا ِ‬
‫الرجال ِح ً‬
‫ِ‬ ‫فقال‪ :‬يا ر َ‬
‫سول اهلل‪ ،‬إن بينَنا وبني‬
‫ترجع إىل ِ‬
‫قومك وتدَ َعنا؟‬ ‫أظه َرك اهللُ أن ِ َ‬
‫ثم َ‬‫عسيت إن نحن ف َعلنا ذلك َّ‬
‫َ‬ ‫فهل‬

‫(‪ُ )1‬أ َ‬
‫زرنا‪ :‬من اإلزار‪ ،‬كناية عن النساء‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪97‬‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ثم قال‪« :‬بل الدَّ َم الدَّ َم‪ ،‬وامهدَ َم امهدَ َم‪ ،‬أنا منكم‬ ‫قال‪ :‬فتبسم‬
‫أحارب من حا َربتم‪ ،‬وأسامل ُ من سامل ُتم»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأنتم منِي‪،‬‬

‫إل منكم اثني َ َ‬


‫عش نقيبا‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ِ « :‬‬
‫أخرجوا َّ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬وقد كان َ‬
‫قال‬
‫ليكونوا عىل ِ‬
‫قومهم بام فيهم»‪.‬‬

‫عرش نقي ًبا‪ ،‬تسع ًة من اخلزرج‪ ،‬وثالث ًة من األوس‪.‬‬


‫فأخرجوا منهم اثنَي َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فحدثني عبدُ اهلل بن أيب بكر‪ ،‬أن‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫مريم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ككفالة احلواريني لعيسى ِ‬
‫ابن‬ ‫فالء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫للنُّقباء‪« :‬أنتم عىل قومكم بام فيهم ُك ُ‬
‫وأنا كفيل عىل قومي» ‪-‬يعني‪ :‬املسلمني‪ -‬قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬

‫صوت‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بأنفذ‬ ‫ِ‬
‫العقبة‬ ‫ِ‬
‫رأس‬ ‫ُ‬
‫الشيطان من‬ ‫َ‬
‫رصخ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فلام بايعنا‬
‫باجب‪ :‬املناز ُل‪ -‬هل لكم يف ُمذ َّم ٍم‬ ‫أهل ا ِ‬
‫والصبا ُة‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫جل‬ ‫قط‪ :‬يا َ ُ‬
‫جلباجب ‪-‬وا ُ‬ ‫سمعته ُّ‬
‫معه‪ ،‬قد اجتمعوا عىل حربِكم‪.‬‬
‫ِ‬
‫أتسمع‪ ،‬أي‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬هذا أزَ ب العقبة‪ ،‬هذا ابن َأ ْز َ‬
‫يب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فقال‬
‫ألفر َغ َّن لك»‪.‬‬
‫عدو اهلل‪ ،‬أما واهلل ُ‬
‫َّ‬
‫باحلق‪ ،‬إن شئت‬
‫ِّ‬ ‫بن نضل َة‪ :‬واهلل الذي بعثك‬‫العباس بن ُعباد َة ِ‬‫ُ‬ ‫فقال له‬
‫أهل ِمنًى غدً ا بأسيافِنا؟‬
‫لنُميل َّن عىل ِ‬

‫ارجعوا إىل ِرحالِكم»‪.‬‬


‫ؤمر بذلك‪ ،‬ولكن ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬مل ُن َ‬‫ُ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫فقال‬

‫ضاجعنا فن ِمنا عليها حتى أص َبحنا‪.‬‬


‫قال‪ :‬فرجعنا إىل م ِ‬
‫َ‬
‫‪ | 98‬خمتصر السرية النبوية‬

‫قريش‪ ،‬حتى جاءونا يف َم ِ‬


‫نازلنا‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬فلام أصبحنا غدَ ت علينا جل ُة‬
‫ِ‬
‫ستخرجو َنه من بني‬ ‫ِ‬
‫صاحبنا هذا َت‬ ‫اخلزرج‪ ،‬إنه قد ب َلغنا أنكم قد جئ ُتم إىل‬
‫ِ‬ ‫معرش‬ ‫يا‬
‫َ‬
‫أبغض إلينا أن‬
‫العرب ُ‬‫ِ‬ ‫حي من‬ ‫بايعونه عىل حربِنا‪ ،‬وإنه واهلل ما من ٍّ‬ ‫أظه ِرنا‪ ،‬و ُت ِ‬
‫ُ‬
‫احلرب بيننا وبينهم منكم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تنشب‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬فانبعث من هناك من مرشكي ِ‬
‫قومنا َحيلفون باهلل ما كان من هذا يش ٌء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫وما علِمناه‪.‬‬

‫قال‪ :‬وقد َصدقوا؛ مل يعلموه‪.‬‬

‫رب(‪ ،)1‬فوجدوه قد كان‪،‬‬ ‫الناس من منًى‪ ،‬فتن َّطس القو ُم اخل َ‬ ‫ُ‬ ‫ونفر‬
‫َ‬ ‫قال‪:‬‬
‫واملنذر بن عمرو أخا‬
‫َ‬ ‫بأذاخر‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫طلب القو ِم‪ ،‬فأدركوا سعدَ بن ُعباد َة‬ ‫َ‬
‫وخرجوا يف‬
‫ُ‬
‫وكالمها كان نقي ًبا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اخلزرج‪،‬‬ ‫َبني ساعد َة بن ِ‬
‫كعب بن‬

‫فأعجز القو َم‪ ،‬وأما سعدٌ فأخذوه‪ ،‬فربطوا يديه إىل ُع ِنقه بنِس ِع‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬ ‫املنذر‬
‫ُ‬ ‫فأما‬
‫شعر ٍ‬
‫كثري‪.‬‬ ‫بج َّمتِه‪ ،‬وكان ذا ٍ‬ ‫ِ‬
‫رحله‪ ،‬ثم أقبلوا به حتى أدخلوه م َّك َة َيضبو َنه‪َ ،‬‬
‫وجيذبو َنه ُ‬
‫سحبونني إذ أوى يل ٌ‬
‫رجل ممن كان م َعهم‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فواهلل‪ ،‬إين لفي أيدُم َي َ‬
‫جوار وال عهدٌ ؟‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫فقال وحيك! أما بينك وبني ٍ‬
‫أحد من‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫عدي بن نوفل بن‬ ‫جلبري بن ِ‬
‫مطعم بن‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬بىل واهلل‪ ،‬لقد كنت ُأ ِج ُري‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وللحارث بن حرب بن أم َّية‬ ‫لمهم ببالدي‪،‬‬ ‫عبد َمناف ُت َار ُه‪ ،‬وأمنعهم ممن أرا َد ُظ َ‬
‫شمس بن عبد ٍ‬
‫مناف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بن عبد‬

‫(‪َ )1‬تنَ َّط ُسوا اخلرب‪ :‬بالغوا يف البحث عنه‪.‬‬


‫(‪ )2‬النِّ ْسع‪ :‬سري مضفور جيعل زما ًما للبعري وغريه‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪99‬‬

‫ِ‬
‫الرجلني‪ ،‬واذكر ما بينَك وبينهام‪.‬‬ ‫حيك! فاهتِف باسم‬
‫قال‪ :‬و َ‬
‫ِ‬
‫الكعبة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املسجد عند‬ ‫ُ‬
‫الرجل إليهام‪ ،‬فوجدَ مها يف‬ ‫ففعلت؛ وخرج ذلك‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫باألبطح وُتِ ُ‬
‫ف بكام‪ ،‬ويذكر أن بينه‬ ‫ِ‬ ‫ضب‬
‫ُ‬ ‫اخلزرج َ‬
‫اآلن ُي‬ ‫ِ‬ ‫فقال َلام‪ :‬إن ً‬
‫رجال من‬
‫وارا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وبينكام ج ً‬
‫قاال‪ :‬ومن هو؟‬

‫قال‪ :‬سعدُ بن ُعبادة‪.‬‬

‫تارنا‪ ،‬ويمنعهم أن ُيظلموا ببلِده‪.‬‬


‫جري لنا َ‬ ‫َ‬
‫صدق واهلل‪ ،‬إن كان ل ُي ُ‬ ‫قاال‪:‬‬

‫قال‪ :‬فجاءا فخ َّلصا سعدً ا من أيدُم‪ ،‬فانطلق‪.‬‬

‫‪ -5‬شروطُ البيعةِ يف العقبةِ األخريةِ‬


‫ِ‬
‫القتال‬ ‫أذن اهلل لرسول ِه ﷺ يف‬
‫احلرب‪ ،‬حني ِ‬
‫ِ‬ ‫إسحاق‪ :‬وكان يف ِ‬
‫بيعة‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫العقبة األوىل‪.‬‬ ‫رشو ًطا سوى رشطِه عليهم يف‬

‫ذن لرسول ِه ﷺ يف‬ ‫كانت األوىل عىل ِ‬


‫بيعة النساء‪ ،‬وذلك أن اهللَ تعاىل مل يكن أ َ‬
‫ِ‬
‫حرب‬ ‫ِ‬
‫األخرية عىل‬ ‫ِ‬
‫العقبة‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫ُ‬ ‫احلرب‪ ،‬فلام أذن اهللُ له فيها وبايعهم‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫الوفاء‬ ‫َ‬
‫واشرتط عىل القوم لر ِّبه‪ ،‬وجعل َلم عىل‬ ‫واألسود‪ ،‬أخذ ِ‬
‫لنفسه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمحر‬
‫بذلك اجلنَّ َة‪.‬‬
‫ِ‬
‫النقباء‪ -‬قال‪ :‬بايعنا‬ ‫ِ‬
‫الصامت ‪-‬وكان أحدَ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن عباد َة بن‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫العقبة‬ ‫عرش الذين بايعوه يف‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ بيع َة‬
‫احلرب ‪-‬وكان ُعباد ُة من االثني َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والطاعة‪ ،‬يف ُعرسنا و ُيرسنا و َم َ‬
‫نشطنا‬ ‫ِ‬
‫النساء‪ -‬عىل السم ِع‬ ‫ِ‬
‫بيعة‬ ‫األوىل عىل‬
‫‪ | 011‬خمتصر السرية النبوية‬

‫نخاف‬ ‫باحلق أينام كنا‪ ،‬ال‬ ‫األمر أه َله‪ ،‬وأن َ‬


‫نقول ِّ‬ ‫نازع‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كرهنا‪ ،‬وأثرة علينا‪ ،‬وأال ُن َ‬
‫و َم َ‬
‫يف اهلل لوم َة الئ ٍم‪.‬‬

‫‪ -6‬نُزولُ األمرِ لرسولِ اهلل ﷺ يف القتالِ‬


‫ِ‬
‫العقبة مل ُيؤ َذن‬ ‫رسول اهلل ﷺ قبل ِ‬
‫بيعة‬ ‫ُ‬ ‫إسحاق املُ َّطلبي‪ :‬وكان‬
‫َ‬ ‫عن ِ‬
‫حممد بن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصرب عىل األ َذى‪،‬‬ ‫بالدعاء إىل اهلل‬ ‫احلرب ومل ُحت َّلل له الدما ُء‪ ،‬إنام ُي ُ‬
‫ؤمر‬ ‫له يف‬
‫املهاجرين حتى‬
‫َ‬ ‫قريش قد اضطهدت من ا َّتبعه من‬ ‫اجلاهل‪ ،‬وكانت ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصفح عن‬
‫فتون يف دينه‪ ،‬ومن بني‬‫بالدهم‪ ،‬فهم من بني م ٍ‬ ‫َفتنوهم عن دين ِهم ونفوهم من ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫احلبشة‪،‬‬ ‫رارا منهم‪ :‬منهم َمن بأرض‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُم َّ‬
‫هارب يف البالد ف ً‬ ‫عذب يف أيدُم‪ ،‬وبني‬
‫كل ٍ‬
‫وجه‪.‬‬ ‫ومنهم َمن باملدينة‪ ،‬ويف ِّ‬
‫ِ‬
‫الكرامة‪،‬‬ ‫قريش عىل اهلل ‪ ،‬ور ُّدوا عليه ما أرادهم به من‬ ‫ٌ‬ ‫فلام عتت‬
‫واعتصم بدينه‪ ،‬أذن‬
‫َ‬ ‫ووحده وصدق نب َّيه‬ ‫وعذبوا ونفوا من عبدَ ه َّ‬ ‫وكذبوا نب َّيه ﷺ‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫ظلمهم وبغى عليهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واالنتصار ممن َ‬
‫ِ‬
‫القتال‬ ‫اهللُ ‪ ‬لرسول ِه ﷺ يف‬

‫احلرب‪ ،‬وإحالل ِه له الدماء والقتال‪ ،‬ملن‬


‫ِ‬ ‫فكانت َّأو َل آية أنزلت يف إذنِه له يف‬
‫وغريه من الع ِ‬
‫لامء‪ُ ،‬‬
‫قول اهلل تبارك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزبري‬ ‫بغى عليهم ‪-‬فيام ب َلغني‪ -‬عن ُعرو َة بن‬
‫ُ‬
‫وتعاىل‪ ( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)‬
‫[احلج‪.]32:‬‬

‫احلي من‬
‫احلرب‪ ،‬وبايعه هذا ُّ‬ ‫ِ‬ ‫إسحاق‪ :‬فلام َ‬
‫أذن اهللُ تعاىل له ﷺ يف‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫األنصار عىل اإلسالم والنُّرصة له وملن ا َّتبعه وأوى إليهم من املسلمني‪ ،‬أمر‬
‫رسول اهلل ﷺ أصحابه من املهاجرين من ِ‬
‫قومه‪ ،‬ومن معه بم َّك َة من املسلمني‪،‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪010‬‬

‫ِ‬
‫األنصار‪ ،‬وقال‪« :‬إن‬ ‫ِ‬
‫بإخواهنم من‬ ‫ِ‬
‫واللحوق‬ ‫ِ‬
‫واَلجرة إليها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املدينة‬ ‫ِ‬
‫باخلروج إىل‬
‫اهللَ ‪ ‬قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون هبا»‪.‬‬
‫ينتظر أن َ‬
‫يأذن له ر ُّبه يف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بم َّك َة‬ ‫ً‬
‫أرساال(‪ ،)1‬وأقام‬ ‫فخرجوا‬
‫ِ‬
‫املدينة‪.‬‬ ‫اخلروج من م َّك َة‪ ،‬واَلجرة إىل‬
‫ِ‬

‫‪ِ -7‬ذكرُ املهاجرين إىل املدينةِ‬


‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من ا ُملهاجرين من‬ ‫ِ‬
‫أصحاب‬ ‫ِ‬
‫املدينة من‬ ‫فكان َّأو َل من هاجر إىل‬
‫قدمها من‬ ‫عبد األسد‪ ،‬ثم كان أو َل من ِ‬ ‫قريش‪ ،‬من بني َخمزوم‪ :‬أبو سلم َة بن ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫بنت أيب َحثم َة‪ ،‬ثم‬
‫عامر بن ربيع َة معه امرأ ُته ليىل ُ‬‫ُ‬ ‫املُهاجرين بعد أيب سلم َة‪:‬‬
‫بن اخلطاب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫احتمل ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عمر ُ‬
‫جحش‪ ،‬ثم خرج ُ‬ ‫بأهله وبأخيه عبدُ بن‬ ‫جحش‬ ‫عبدُ اهلل بن‬
‫تتابع املُهاجرون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اش بن أيب ربيع َة املخزومي‪ ،‬حتى قدما املدين َة‪ ،‬ثم َ‬ ‫وع َّي ُ‬

‫‪ِ -8‬هجرةُ الرسولِ ﷺ‬

‫ينتظر أن ُيؤ َذن له يف‬


‫ُ‬ ‫وأقام رسو ُل اهلل ﷺ بم َّك َة بعد أصحابِه من املُهاجرين‬
‫ِ‬
‫بس أو ُفتن‪ ،‬إال ُّ‬
‫عيل‬ ‫اَلجرة‪ ،‬ومل يتخ َّلف معه بم َّك َة أحدٌ من املهاجرين إال من ُح َ‬
‫كثريا ما‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بن أيب طالب‪ ،‬وأبو بكر ب ُن أيب قحافة الصدِّ ُيق ‪ ،‬وكان أبو بكر ً‬
‫عجل َّ‬
‫لعل اهللَ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال َت ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيقول له‬ ‫ِ‬
‫اَلجرة‪،‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫يستأذن‬
‫جيعل لك صاحبا»‪ ،‬فيطمع أبو ٍ‬
‫بكر أن يكو َن ُه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قد صارت له شيع ٌة‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وملا رأت ٌ‬
‫قريش أن‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫غريهم بغري ِ‬
‫بلدهم‪ ،‬ورأوا خروج أصحابِه من املُهاجرين إليهم‪،‬‬ ‫وأصحاب من ِ‬
‫ٌ‬

‫(‪َ )1‬أ ْر ً‬
‫ساال‪ :‬مجاعة يف إثر مجاعة‪.‬‬
‫‪ | 012‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫خروج‬
‫َ‬ ‫فح ِذروا‬
‫دارا‪ ،‬وأصابوا منهم َمنع ًة‪َ ،‬‬
‫عرفوا أهنم قد نزلوا ً‬
‫إليهم‪ ،‬وعرفوا أنه قد َأ َ‬
‫مج َع حلرهبم‪.‬‬

‫قريش ال‬ ‫قيص ِ‬


‫بن كالب التي كانت ٌ‬ ‫دار ِّ‬
‫فاج َتمعوا له يف دار الندوة ‪-‬وهي ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ حني‬ ‫أمرا إال فيها‪ -‬ي َتشاورون فيها ما َيصنعون يف ِ‬
‫أمر‬ ‫تقيض ً‬
‫خافوه‪.‬‬

‫عباس ‪ ‬قال‪ :‬ملا أمجعوا لذلك‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عبد اهلل بن‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫أمر رسول اهلل ﷺ‪َ ،‬غدوا يف‬ ‫ِ‬
‫الندوة ل َيتشاوروا فيها يف ِ‬ ‫وا َّتعدوا أن َيدخلوا يف دار‬
‫إبليس يف‬
‫ُ‬ ‫فاعرتضهم‬
‫َ‬ ‫اليوم الذي ا َّتعدوا له‪ ،‬وكان ذلك اليوم ُيسمى يو َم الزمحة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫جليل عليه َب ْت َل ٌة‪ ،‬فوقف عىل باب الدار‪ ،‬فلام رأوه واق ًفا عىل باهبا‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫هيئة شيخ‬
‫ُ‬
‫الشيخ؟‬ ‫َمن‬

‫فحض معكم ل َيسمع ما‬ ‫سمع بالذي ا َّتعدتم له‪،‬‬ ‫شيخ من أهل ٍ‬
‫نجد‬ ‫قال‪ٌ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صحا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تقولون‪ ،‬وعسى أال ُيعدمكم منه رأ ًيا و ُن ً‬
‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬ومن‬ ‫أرشاف‬
‫ُ‬ ‫فادخ ْل‪ ،‬فدخل معهم‪ ،‬وقد اجتمع فيها‬‫قالوا‪ :‬أجل‪ُ ،‬‬
‫وغريهم ممن ال ُيعدُّ من قر ٍ‬
‫يش‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كان معهم‬

‫أمره ما قد رأي ُتم‪ ،‬فإنا واهلل‬‫بعضهم لبعض‪ :‬إن هذا الرجل قد كان من ِ‬ ‫فقال ُ‬
‫غرينا؛ فأمجِعوا فيه رأ ًيا‪.‬‬
‫الوثوب علينا فيمن قد ا َّتبعه من ِ‬
‫ِ‬ ‫ما نأ َمنُه عىل‬
‫ِ‬
‫احلديد‪ ،‬وأغلِقوا عليه با ًبا‪ ،‬ثم‬ ‫قائل منهم‪ :‬احبِسوه يف‬‫قال‪ :‬فتشاوروا ثم قال ٌ‬
‫زهريا والنابغ َة ومن‬ ‫ِ‬
‫الشعراء الذين كانوا قب َله‪:‬‬ ‫أصاب أشبا َهه من‬ ‫َتر َّبصوا به ما‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫أصاهبم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املوت‪ ،‬حتى يصي َبه ما‬ ‫مىض منهم من هذا‬
‫َ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪013‬‬

‫النجدي‪ :‬ال واهلل‪ ،‬ما هذا لكم ٍ‬


‫برأي‪ ،‬واهلل لئن حبس ُتموه ‪-‬كام‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫فقال‬
‫وراء الباب الذي أغلق ُتم دو َنه إىل أصحابِه‪،‬‬‫ِ‬ ‫أمره من‬ ‫خرج َّن ُ‬
‫تقولون‪ -‬ل َي ُ‬
‫فألوشكوا أن َيثِبوا عليكم‪ ،‬ف َي ِنزعوه من أيديكم‪ ،‬ثم ُيكاثروكم به‪ ،‬حتى َيغلبوكم‬
‫برأي؛ فانظروا يف ِ‬
‫غريه‪ ،‬ف َتشاوروا‪.‬‬ ‫أمركم‪ ،‬ما هذا لكم ٍ‬ ‫عىل ِ‬

‫أظهرنا‪ ،‬فننفيه من بالدنا‪ ،‬فإذا ُأخرج عنا‬


‫خرجه من بني ُ‬ ‫ثم قال ٌ‬
‫قائل منهم‪ُ :‬ن ُ‬
‫أمرنا‬
‫فأصلحنا َ‬
‫ْ‬ ‫وفرغنا منه؛‬ ‫فواهلل ما ُنبايل أين ذهب‪ ،‬وال ُ‬
‫حيث وقع إذا غاب عنا َ‬
‫و ُألف َتنا كام كانت‪.‬‬

‫برأي‪ ،‬أمل تروا ُحس َن حديثِه‪،‬‬


‫النجدي‪ :‬ال واهلل‪ ،‬ما هذا لكم ٍ‬‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫فقال‬
‫الرجال بام يأيت به‪ ،‬واهلل لو فعل ُتم ذلك ما ِأمنتم‬
‫ِ‬ ‫وحالو َة م ِ‬
‫نطقه‪ ،‬و َغل َبته عىل ُقلوب‬ ‫َ‬
‫ب عليهم بذلك من قول ِه وحديثه حتى ُيتابعوه‬ ‫ِ‬
‫حي من العرب‪ ،‬فيغل َ‬ ‫حيل عىل ٍّ‬ ‫أن َّ‬
‫ِ‬
‫أمركم من أيديكم‪،‬‬ ‫سري هبم إليكم حتى َيط َأ ُكم هبم يف بالدكم‪ ،‬فيأخذ َ‬ ‫عليه‪ ،‬ثم َي ُ‬
‫ثم ُ‬
‫يفعل بكم ما أرا َد‪ ،‬د ِّبروا فيه رأ ًيا غري هذا‪.‬‬
‫ِ‬
‫جهل بن هشا ٍم‪ :‬واهلل إن يل فيه لرأ ًيا ما أراكم وقع ُتم عليه‬ ‫قال‪ :‬فقال أبو‬
‫بعدُ ‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬وما هو يا أبا احلكم؟‬

‫قبيلة ف ًتى شا ابا جليدً ا نسي ًبا وسي ًطا فِينا‪ ،‬ثم نعطي‬
‫نأخ َذ من كل ٍ‬
‫قال‪ :‬أرى أن ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫ُك َّل ف ًتى منهم سي ًفا صار ًما‪ ،‬ثم َيعمدوا إليه‪ ،‬ف َيضبوه هبا ضب َة‬
‫ِ‬
‫القبائل مجي ًعا‪ ،‬فلم َيقدر‬ ‫تفرق د ُمه يف‬
‫ف َيقتلوه؛ فنسرتيح منه‪ ،‬فإهنم إذا فعلوا ذلك َّ‬
‫ِ‬
‫بالعقل‪ ،‬فعقلناه َلم‪.‬‬ ‫فرضوا منا‬ ‫حرب ِ‬
‫قومهم مجي ًعا‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫بنو ِ‬
‫عبد مناف عىل‬
‫‪ | 014‬خمتصر السرية النبوية‬

‫الرأي الذي ال رأي‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجل‪ ،‬هذا‬ ‫القول ما َ‬
‫قال‬ ‫ُ‬ ‫النجدي‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫قال‪ :‬فقال‬
‫َ‬
‫فتفرق القو ُم عىل ذلك وهم ُلجمعون له‪.‬‬ ‫غريه‪،‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬ال َتبِ ْت هذه الليل َة عىل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫جربيل عليه السال ُم‬ ‫فأتى‬
‫تبيت عليه‪.‬‬
‫راشك الذي كنت ُ‬‫ف ِ‬

‫رصدونه متى ينام؛ ف َيثِبون‬ ‫ِ‬


‫الليل اجتمعوا عىل بابه َي ُ‬ ‫قال‪ :‬فلام كانت َع َتم ٌة من‬
‫عليه‪.‬‬

‫لعيل بن أيب طالب‪َ « :‬ن ْم عىل فِراش‬


‫مكاهنم‪ ،‬قال ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فلام رأى‬
‫تكره ُه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األخرض‪ ،‬فنَم فيه‪ ،‬فإنه لن َي ُل َص إليك شء‬ ‫رضمي‬
‫ِ‬ ‫و َت َس َّج ُبربدي هذا َ‬
‫احل‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ينا ُم يف ُبرده ذلك إذا نا َم‪.‬‬ ‫منهم»‪ ،‬وكان‬

‫القرظي قال‪ :‬ملا اج َتمعوا له‪ ،‬وفيهم‬ ‫ٍ‬


‫كعب‬ ‫ِ‬
‫حممد بن‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن‬ ‫ابن‬
‫ِّ‬ ‫قال ُ‬
‫وهم عىل بابه‪ :‬إن حممدً ا يزعم أنكم إن تابع ُتموه عىل‬ ‫ِ‬
‫جهل بن هشا ٍم‪ ،‬فقال ُ‬ ‫أبو‬
‫ٌ‬
‫جنان‬ ‫ملوك العرب وال َع َجم‪ ،‬ثم ُبعث ُتم من بعد موتِكم‪ ،‬فجعلت لكم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫أمره‪ ،‬كنتم‬
‫كجنان األُر ُد ِّن‪ ،‬وإن مل َتفعلوا كان له فيكم َذ ٌ‬
‫بح‪ ،‬ثم ُبعث ُتم من بعد َموتكم‪ ،‬ثم‬
‫نار ُحترقون فيها‪.‬‬
‫ُجعلت لكم ٌ‬
‫تراب يف ِ‬
‫يده‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأخذ َحفن ًة من‬ ‫وخرج عليهم‬ ‫قال‪:‬‬
‫َ‬
‫«أنا ُ‬
‫أقول ذلك‪ ،‬أنت أحدُ هم»‪.‬‬

‫الرتاب عىل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فجعل ين ُثر ذلك‬ ‫ِ‬
‫أبصارهم عنه‪ ،‬فال يرو َنه‪،‬‬ ‫وأخذ اهلل تعاىل عىل‬
‫اآليات من يس‪( :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) إىل‬ ‫ِ‬ ‫رءوسهم وهو يتلو هؤالء‬‫ِ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫قوله‪( :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [يس‪ ،]2-5:‬حتى فرغ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪015‬‬

‫انرصف إىل‬
‫َ‬ ‫رجل إال وقد وضع عىل ِ‬
‫رأسه ترا ًبا‪ ،‬ثم‬ ‫يبق منهم ٌ‬ ‫ِ‬
‫اآليات‪ ،‬ومل َ‬ ‫هؤالء‬
‫َ‬
‫يذهب‪.‬‬
‫َ‬ ‫حيث أراد أن‬
‫فأتاهم ٍ‬
‫آت ممن مل يكن معهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما َتنتظرون هاهنا؟‬
‫قالوا‪ :‬حممدً ا‪.‬‬
‫قال‪ :‬خ َّيبكم اهللُ! قد واهلل خرج عليكم حممدٌ ‪ ،‬ثم ما ترك منكم ً‬
‫رجال إال‬
‫حلاجته‪ ،‬أفام ترون ما بِكم؟‬ ‫ِ‬
‫وضع عىل رأسه ترا ًبا‪ ،‬وانط َل َق َ‬
‫َ‬ ‫وقد‬
‫تراب‪ ،‬ثم جعلوا‬ ‫كل رجل منهم يدَ ه عىل ِ‬
‫رأسه‪ ،‬فإذا عليه‬ ‫قال‪ :‬فوضع ُّ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فيقولون‪ :‬واهلل إن‬ ‫الفراش ُمتسج ًيا ُبرب ِد‬
‫ِ‬ ‫يتط َّلعون فريون عل ايا عىل‬
‫نائام عليه بر ُده‪.‬‬
‫هذا ملحمدٌ ً‬
‫الف ِ‬
‫راش فقالوا‪:‬‬ ‫فلم يربحوا كذلك حتى أصبحوا‪ ،‬فقام عيل ‪ ‬عن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واهلل لقد كان صدَ قنا الذي حدَّ ثنا‪.‬‬
‫ِ‬
‫اَلجرة‪.‬‬ ‫وأذن اهلل تعاىل لنب ِّيه ﷺ عند ذلك يف‬ ‫إسحاق‪ِ :‬‬ ‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫مال‪ ،‬فكان حني استأذن‬ ‫رجال ذا ٍ‬
‫بكر ‪ً ‬‬ ‫إسحاق‪ :‬وكان أبو ٍ‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال َتعجل‪ ،‬لعل اهللَ جيعل لك‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اَلجرة‪ ،‬فقال له‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف‬‫َ‬
‫نفسه حني قال له ذلك‪ ،‬فابتا َع‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إنام َيعني َ‬ ‫صاحبا» قد طمع بأن يكون‬
‫ِ‬
‫راحلتني فاح َتبسهام يف ِ‬
‫داره َيعلفهام إعدا ًدا لذلك‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عائش َة أ ِّم املؤمنني أهنا قالت‪ :‬كان ال ُخيطئ‬
‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫النهار‪ :‬إما ُبكر ًة‪ ،‬وإما عشي ًة‪ ،‬حتى إذا كان‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طريف‬ ‫بيت أيب ٍ‬
‫بكر أحدَ‬ ‫يت َ‬ ‫ﷺ أن يأ َ‬
‫هري‬ ‫واخلروج من م َّك َة من بني َظ َ‬
‫ِ‬ ‫اَلجر ِة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ يف‬ ‫اليو ُم الذي ُأذن فيه‬
‫ساعة كان ال يأيت فيها‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫باَلاجرة‪ ،‬يف‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬
‫قومه أتانا‬
‫‪ | 016‬خمتصر السرية النبوية‬

‫رسول اهلل ﷺ هذه الساع َة إال ٍ‬


‫ألمر حدَ َ‬
‫ث‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬فلام رآه أبو ٍ‬
‫بكر قال‪ :‬ما جاء‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسيره‪ ،‬فجلس‬ ‫تأخر له أبو ٍ‬
‫بكر عن‬ ‫قالت‪ :‬فلام دخل‪َّ ،‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬أ ِ‬
‫خرج‬ ‫ُ‬ ‫وليس عند أيب ٍ‬
‫بكر إال أنا وأختي أسام ُء بنت أيب بكر‪ ،‬فقال‬
‫عنِي َمن ِعندَ ك»‪.‬‬
‫َ‬
‫فداك أيب وأمي؟!‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إنام مها ابنتاي‪ ،‬وما ذاك‬ ‫فقال‪ :‬يا‬
‫ِ‬
‫وامهجرة»‪.‬‬ ‫أذن ل يف ُ‬
‫اخلروج‬ ‫هلل قد ِ‬‫فقال‪« :‬إن ا َ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪.‬‬ ‫قالت‪ :‬فقال أبو بكر‪ :‬الصحب َة يا‬
‫قال‪« :‬الصحب َة»‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فواهلل ما َش ُعرت ُّ‬
‫قط قبل ذلك اليو ِم أن أحدً ا َيبكي من َ‬
‫الفر ِح‪ ،‬حتى‬
‫ٍ‬
‫يومئذ‪.‬‬ ‫رأيت أبا ٍ‬
‫بكر يبكي‬
‫أعددهتام َلذا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫راحلتان قد كنت‬ ‫نبي اهلل‪َّ ،‬‬
‫إن هاتني‬
‫ُ‬ ‫ثم قال‪ :‬يا َّ‬
‫رجال من بني الدُّ ئل بن ٍ‬
‫بكر‪ ،‬وكانت أ ُّمه امرأ ًة‬ ‫فاستأجرا عبدَ اهلل بن ْأر َق َط ‪ً -‬‬
‫ِ‬
‫الطريق‪ ،‬فدفعا إليه راحل َتيهام‪،‬‬ ‫من بني سه ِم بن عمرو‪ ،‬وكان ُمرش ًكا‪ُّ -‬‬
‫يدَلام عىل‬
‫فكانتا عنده يرعامها مل ِ ِ‬
‫يعادمها‪.‬‬ ‫َ‬
‫بن أيب‬
‫اخلروج أتى أبا بكر َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫أمجع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام‬ ‫قال اب ُن‬
‫غار ٍ‬
‫بثور ‪ٍ -‬‬
‫جبل‬ ‫عمد إىل ٍ‬ ‫وخ ٍة أليب بكر يف ظهر بيتِه‪ ،‬ثم ِ‬
‫ُقحاف َة‪ ،‬فخرجا من َخ َ‬
‫َ‬
‫بأسفل مك َة‪ -‬فدخاله‪.‬‬
‫الناس فيهام‬
‫ُ‬ ‫يتسمع َلام ما ُ‬
‫يقول‬ ‫َّ‬ ‫وأمر أبو ٍ‬
‫بكر ابنَه عبدَ اهلل بن أيب بكر أن‬
‫يكون يف ذلك اليو ِم من ِ‬
‫اخلرب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أمسى بام‬
‫هناره‪ ،‬ثم يأتيهام إذا َ‬
‫َ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪017‬‬

‫حيها عليهام‪ ،‬يأتيهام إذا‬ ‫عامر بن ُفهري َة مواله أن يرعى غنَمه َ‬


‫هناره‪ ،‬ثم ُير ُ‬ ‫وأمر َ‬
‫أمسى يف ِ‬
‫الغار‪.‬‬

‫بنت أيب بكر تأتيهام من الطعا ِم إذا أمست بام ُيصلحهام‪.‬‬


‫وكانت أسام ُء ُ‬
‫وجعلت‬ ‫ِ‬
‫الغار ثال ًثا ومعه أبو بكر َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فأقا َم‬ ‫قال اب ُن‬
‫قريش فيه حني ف َقدوه مئ َة ٍ‬
‫ناقة ملن َير ُّده عليهم‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫هناره معهم يسمع ما َ‬
‫يأمترون به‪ ،‬وما‬ ‫ٍ‬
‫قريش َ‬ ‫ُ‬
‫يكون يف‬ ‫وكان عبدُ اهلل بن أيب بكر‬
‫رب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وأيب ٍ‬ ‫يقولون يف ِ‬
‫َ‬
‫ربمها اخل َ‬
‫أمسى ف ُيخ ُ‬
‫بكر‪ ،‬ثم يأتيهام إذا َ‬ ‫شأن‬
‫يرعى يف ر ِ‬
‫عيان أهل م َّك َة‪ ،‬فإذا‬ ‫عامر بن ُفهري َة ‪-‬موىل أيب بكر ‪َ -‬‬
‫ُ‬ ‫وكان ُ‬
‫غنم أيب بكر؛ فاح َتلبا وذ َبحا‪ ،‬فإذا عبدُ اهلل بن أيب بكر غدَ ا من‬
‫أمسى أراح عليهام َ‬
‫أثره بالغن ِم حتى ُي َع ِّفي عليه‪ ،‬حتى إذا مضت‬
‫عامر بن فهري َة َ‬‫عندمها إىل م َّك َة‪ ،‬ا َّتبع ُ‬
‫ٍ‬
‫وبعري له‪،‬‬ ‫ببعريُام‬ ‫استأجراه‬
‫َ‬ ‫الناس أتامها صاح ُبهام الذي‬
‫ُ‬ ‫الثالث‪ ،‬وسك َن عنهام‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫تعل َلا ِعصا ًما‪ ،‬فلام‬ ‫بكر رىض اهلل عنهام بس ِ‬
‫فرهتام‪ ،‬و َنسيت أن َ‬ ‫ُ‬ ‫وأتتهام أسام ُء بنت أيب ٍ‬
‫ارحتال ذهبت ل ُتع ِّل َق السفر َة فإذا ليس َلا ِعصا ٌم‪ ،‬فتحل نطا َقها فتجعله عصا ًما‪ ،‬ثم‬
‫ذات النطاق لذلك‪.‬‬
‫بنت أيب بكر‪ُ :‬‬ ‫ع َّلقتها به‪ ،‬فكان يقال ألسامء ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬
‫الراحلتني إىل‬ ‫قرب أبو بكر ‪‬‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام َّ‬ ‫قال اب ُن‬
‫اركب‪ ،‬فِداك أيب وأمي‪.‬‬
‫ْ‬ ‫قدَّ م له أفض َلهام‪ ،‬ثم قال‪:‬‬

‫أركب بعريا ليس ل»‪.‬‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ِ « :‬إين ال‬ ‫فقال‬

‫أنت وأ ِّمي‪.‬‬ ‫َ‬


‫رسول اهلل‪ ،‬بأيب َ‬ ‫قال‪ :‬فهي لك يا‬
‫الثمن الذي ابتع َتها به؟»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال «ال‪ ،‬ولكن ما‬
‫‪ | 018‬خمتصر السرية النبوية‬

‫قال‪ :‬كذا وكذا‪.‬‬


‫أخذتا به»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪« :‬قد‬

‫قال‪ :‬هي لك يا رسول اهلل‪.‬‬

‫عامر ب َن ُفهري َة مواله خل َفه؛‬ ‫وأردف أبو ٍ‬


‫بكر الصديق ‪َ ‬‬ ‫َ‬ ‫فركِبا وانطلقا‬
‫ِ‬
‫الطريق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ليخدمهام يف‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬حتى أقبل‬ ‫ثالث ٍ‬
‫ليال وما ندري أين وج ُه‬ ‫َ‬ ‫قالت‪ :‬فمكثنا‬
‫الناس‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬وإن‬ ‫شعر غناء‬ ‫ٍ‬
‫بأبيات من ٍ‬ ‫ِ‬
‫أسفل مك َة‪ ،‬يتغنى‬ ‫رجل من ِ‬
‫اجل ِّن من‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫لي َّتبعونه َيسمعون صو َته وما َيرونه حتى خرج من أعىل مك َة وهو يقول‪:‬‬

‫تي أ ِّم َمع َب ِد‬


‫خيم ْ‬
‫حال َ‬ ‫ِ‬
‫رفيقني َّ‬ ‫ِ‬
‫جزائه **‬ ‫خري‬ ‫ِ‬
‫الناس َ‬ ‫رب‬
‫جزى اهلل ُّ‬
‫بنت أيب بكر ‪ :‬فلام سمعنا قو َله عرفنا‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬قالت أسام ُء ُ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫املدينة‪.‬‬ ‫وجهه إىل‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأن َ‬ ‫حيث وج ُه‬

‫وعامر بن ُفهري َة‬


‫ُ‬ ‫الصديق ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأبو ٍ‬
‫بكر‬ ‫ُ‬ ‫وكانوا أربع ًة‪:‬‬
‫أرقط دلي ُلهام‪.‬‬
‫َ‬ ‫موىل أيب بكر‪ ،‬وعبدُ اهلل بن‬

‫رسول اهلل ﷺ من م َّك َة‬‫ُ‬ ‫مالك قال‪ :‬ملا خرج‬‫إسحاق‪ :‬عن رساق َة بن ٍ‬
‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫جالس‬ ‫قريش فيه مئ َة ٍ‬
‫ناقة ملن ر َّده عليهم‪ .‬قال‪ :‬فبينا أنا‬ ‫ِ‬
‫املدينة جعلت ٌ‬ ‫هاجرا إىل‬
‫ٌ‬ ‫ُم ً‬
‫رجل منا‪ ،‬حتى وقف علينا‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل لقد رأيت َرك َب ًة‬ ‫أقبل ٌ‬
‫يف نادي قومي إذ َ‬
‫عيل آن ًفا‪ ،‬إين ألُراهم حممدً ا وأصحا َبه‪ .‬قال‪ :‬فأومأت إليه بِعيني‪ :‬أن‬
‫ثالث ًة مروا َّ‬
‫سكت‪ .‬قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫قلت‪ :‬إنام هم بنو فالن َيبتغون ضال ًة َلم‪ .‬قال‪ :‬لع َّله‪ .‬ثم‬
‫اس ُكت‪ .‬ثم ُ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪019‬‬

‫أمرت بفريس ف ُق ِّيد يل إىل ِ‬


‫بطن‬ ‫ُ‬ ‫قمت فدخلت بيتي‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬ ‫مكثت ً‬
‫قليال‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬ ‫ثم‬
‫خرج يل من ُدبر ُحجريت‪ ،‬ثم أخذت ِقداحي التي‬ ‫مرت بسالحي ف ُأ َ‬
‫الوادي‪ ،‬وأ ُ‬
‫انطلقت فلبِست ألْ َمتي(‪ ،)1‬ثم أخرجت ِقداحي فاس َتقسمت هبا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أست ْق ِسم هبا‪ ،‬ثم‬
‫قريش‪،‬‬‫ٍ‬ ‫السهم الذي أكره‪« :‬ال َي ُرض ُه»(‪ .)2‬قال‪ :‬وكنت أرجو أن أر َّده عىل‬ ‫ُ‬ ‫فخرج‬
‫فسقطت‬
‫ُ‬ ‫فآخذ املئ َة الناقة‪ .‬قال‪ :‬فركبت عىل ِ‬
‫أثره‪ ،‬فبينام فريس َيشتدُّ يب َع َث َر يب؛‬
‫فخرج‬
‫َ‬ ‫عنه‪ .‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬ثم أخرجت ِقداحي فاس َتقسمت هبا‪،‬‬
‫أثره‪،‬‬ ‫يت إال أن أ َّتبعه‪ .‬قال‪ :‬فركبت يف ِ‬ ‫السهم الذي أكره‪« :‬ال َيرضه»‪ .‬قال‪ :‬فأ َب ُ‬
‫ُ‬
‫فسقطت عنه‪ .‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬ثم‬ ‫ُ‬ ‫فبينا فريس َيشتدُّ يب‪َ ،‬ع َثر يب؛‬
‫السهم الذي أكره‪« :‬ال َيرضه»‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫أخرجت ِقداحي فاستقسمت هبا فخرج‬
‫أثره‪ ،‬فلام بدا يل القو ُم ورأي ُتهم‪ ،‬ع َثر يب فريس‪،‬‬ ‫فأبيت إال أن أ َّتبعه‪ ،‬فركبت يف ِ‬‫ُ‬
‫ٌ‬
‫دخان‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬و َتبعهام‬ ‫انتزع يدَ يه من‬
‫َ‬ ‫وسقطت عنه‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض؛‬ ‫فذه َبت يداه يف‬
‫ظاهر‪ .‬قال‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫رأيت ذلك أنه قد ُمن ِ َع منِّي‪ ،‬وأنه‬
‫ُ‬ ‫فعرفت حني‬ ‫كاإلعصار‪ .‬قال‪َ :‬‬
‫عش ٍم‪ ،‬انظروين أك ِّل ْمكم‪ ،‬فواهلل ال أري ُبكم‪،‬‬
‫فناديت القو َم فقلت‪ :‬أنا رساق ُة بن ُج ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أليب بكر‪ُ « :‬ق ْل له‪ :‬وما‬‫ُ‬ ‫وال يأتيكم منِّي يش ٌء تكرهو َنه‪ .‬قال‪ :‬فقال‬
‫بتغي منَّا؟»‪ .‬قال‪ :‬فقال ذلك أبو بكر‪ .‬قال‪ :‬قل ُت‪ :‬تك ُتب يل كتا ًبا يكون آي ًة بيني‬ ‫َت ِ‬
‫ب له يا أبا ٍ‬
‫بكر»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وبينك‪ .‬قال‪« :‬اك ُت ْ‬
‫َ‬
‫أسفل‬ ‫َ‬
‫أرقط سلك هبام‬ ‫إسحاق‪ :‬فلام خرج هبام دلي ُلهام عبدُ اهلل بن‬
‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫الساحل‪.‬‬ ‫م َّك َة‪ ،‬ثم مىض هبام عىل‬

‫(‪ْ َّ )1‬‬
‫الأل َمة‪ :‬الدرع والسالح‪.‬‬
‫السهم الذي أكره «ال يضه»‪ :‬أي‪ :‬خرج السهم املكتوب فيه «ال يضه»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫(‪)2‬فخرج‬
‫‪ | 001‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ٍ‬
‫عوف الثن َتي عرش َة ليل ًة خلت من شهر‬ ‫ثم ِ‬
‫قدم هبام ُقبا َء عىل بني ِ‬
‫عمرو بن‬
‫الشمس تعتدل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ربي ٍع األول يو َم االثنني حني اشتدَّ َّ‬
‫الضحا ُء وكادت‬

‫رجال من قومي‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬


‫عويمر قال‪ :‬حدثني‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن عبد الرمحن بن‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من م َّك َة‪،‬‬ ‫بم ِ‬
‫خرج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أصحاب رسول اهلل ﷺ قالوا‪ :‬ملا سمعنا َ‬ ‫من‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ننتظر‬
‫ُ‬ ‫حرتنا‬ ‫ِ‬
‫ظاهر َّ‬ ‫الصبح‪ ،‬إىل‬
‫َ‬ ‫وتو َّكفنا(‪ُ )1‬قدو َمه‪ ،‬كنا نخرج إذا ص َّلينا‬
‫ﷺ‪.‬‬

‫الظالل فإذا مل نجد ِظ اال دخلنا‪،‬‬


‫ِ‬ ‫الشمس عىل‬
‫ُ‬ ‫نربح حتى َتغل َبنا‬
‫فواهلل ما ُ‬
‫ٍ‬
‫حارة‪.‬‬ ‫وذلك يف أيام‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬جلسنا كام كنا َنجلس‪،‬‬ ‫حتى إذا كان اليوم الذي ِ‬
‫قدم فيه‬ ‫ُ‬
‫يوت‪ ،‬فكان‬
‫رسول اهلل ﷺ حني دخلنا ال ُب َ‬‫ُ‬ ‫حتى إذا مل َي َبق ظل دخلنا بيو َتنا‪ ،‬وقدم‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫نصنع‪ ،‬وأنا ننتظر ُقدو َم‬ ‫اليهود وقد رأى ما كنا‬ ‫ِ‬ ‫َّأو َل من رآه ٌ‬
‫رجل من‬
‫ُ‬
‫فرصخ بأعىل صوتِه‪ :‬يا َبني َقي َل َة(‪ ،)2‬هذا جدُّ كم قد جاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫ﷺ علينا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫نخلة‪ ،‬ومعه أبو ٍ‬
‫بكر ‪‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهو يف ظِ ِّل‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬فخرجنا إىل‬
‫الناس(‪ )3‬وما‬
‫ُ‬ ‫ور ِك َب ُه‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قبل ذلك‪َ ،‬‬ ‫وأكثرنا مل يكن رأى‬
‫ُ‬ ‫يف ِمثل سنِّه‪،‬‬
‫بكر فأظ َّله‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقام أبو ٍ‬ ‫َيعرفو َنه من أيب ٍ‬
‫بكر‪ ،‬حتى زال ال ِّظ ُّل عن‬
‫ِ‬
‫بردائه؛ فعرفناه عند ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬توكفنا‪ :‬استشعرنا وانتظرنا‪.‬‬


‫(‪ )2‬بنو َق ْي َلة‪ :‬يعني األنصار‪ ،‬وهو اسم جدة كانت َلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬أي‪ :‬ازدمحوا عليه‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪000‬‬

‫ٍ‬
‫عوف‪ ،‬يو َم‬ ‫رسول اهلل ﷺ ب ُقبا َء يف َبني ِ‬
‫عمرو بن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فأقام‬ ‫قال اب ُن‬
‫وأسس مسجدَ ه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اخلميس‪َّ ،‬‬ ‫االثنني ويو َم الثالثاء ويو َم األربعاء ويوم‬
‫ٍ‬
‫عوف يزعمون‬ ‫عمرو بن‬ ‫ِ‬
‫اجلمعة‪ ،‬وبنو ِ‬ ‫أظهرهم يو َم‬
‫هلل من بني ُ‬
‫ثم أخرجه ا ُ‬
‫أي ذلك كان‪.‬‬
‫هلل أعلم َّ‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬فا ُ‬
‫أنه َمكث فيهم َ‬
‫عوف‪َّ ،‬‬
‫فصالها يف املسجد‬ ‫ٍ‬ ‫رسول اهلل ﷺ اجلمع ُة يف بني سامل بن‬ ‫َ‬ ‫فأدركت‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫باملدينة‪.‬‬ ‫مج ٍ‬
‫عة صالها‬ ‫الذي يف ِ‬
‫بطن الوادي‪ ،‬وادي رانونا َء‪ ،‬فكانت َّأو َل ُ ُ‬
‫رسول اهلل‪ِ ،‬أقم عندنا يف الع ِ‬
‫دد‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫رجال من بني ساملِ بن عوف‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬ ‫فأتاه‬
‫َ‬
‫والعدَّ ة وا َمل ِ‬
‫نعة‪.‬‬
‫قال‪« :‬خلوا سبيلها‪ ،‬فإهنا مأمورة» لناقته‪ ،‬فخلوا سبي َلها‪ ،‬فانطلقت حتى إذا‬
‫رسول اهلل‪َ :‬ه ُل َّم‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫رجال من بني بياض َة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬ ‫دار بني بياض َة؛ تل َّقاه‬ ‫وازنت َ‬
‫ِ‬
‫واملنعة‪.‬‬ ‫إلينا‪ ،‬إىل ال َعدد وال ُعدة‬
‫قال‪« :‬خلوا سبي َلها فإهنا مأمورة»‪ ،‬فخلوا سبيلها‪ ،‬فانطل َق ْت‪ ،‬حتى إذا مرت‬
‫رسول اهلل‪َ ،‬ه ُل َّم إلينا‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫رجال من بني ساعد َة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬ ‫بدار بني ساعد َة‪ ،‬اعرتضه‬
‫إىل العدد والعدَّ ِة واملَ ِ‬
‫نعة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فانطلقت‪ ،‬حتى إذا‬
‫ْ‬ ‫قال‪« :‬خلوا سبي َلها‪ ،‬فإهنا مأمورة»‪ ،‬فخلوا سبي َلها‪،‬‬
‫ِ‬
‫اخلزرج‬ ‫ِ‬
‫احلارث بن‬ ‫رجال من بني‬‫ٌ‬ ‫اعرتضه‬ ‫احلارث بن اخلزرج‬ ‫ِ‬ ‫دار بني‬
‫َ‬ ‫وازنت َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫واملنعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والعدة‬ ‫رسول اهلل‪َ ،‬ه ُل َّم إلينا إىل ال َعدد‬
‫َ‬ ‫فقالوا‪ :‬يا‬
‫فانطلقت‪ ،‬حتى إذا‬
‫ْ‬ ‫قال‪« :‬خلوا سبي َلها‪ ،‬فإهنا مأمورة»‪ ،‬فخلوا سبيلها‪،‬‬
‫عدي بن النجار‪ ،‬وهم أخوا ُله ‪-‬أ ُّم عبد امل َّطلب‪ :‬سلمى ُ‬
‫بنت‬ ‫ِّ‬ ‫مرت بدار َبني‬
‫َّ‬
‫‪ | 002‬خمتصر السرية النبوية‬

‫َ‬
‫رسول‬ ‫عدي بن النجار‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫رجال من بني‬ ‫اعرتضه‬
‫َ‬ ‫عمرو‪ ،‬إحدى نسائهم‪-‬‬
‫ِ‬
‫واملنعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العدد وال ُعدة‬ ‫اهلل‪َ ،‬ه ُل َّم إىل أخوال ِك‪ ،‬إىل‬
‫فانطلقت‪ ،‬حتى إذا أتت‬
‫ْ‬ ‫قال‪« :‬خلوا سبي َلها فإهنا مأمورة»‪ ،‬فخلوا سبي َلها‪،‬‬
‫يومئذ ِمر َبدٌ‬
‫ٍ‬ ‫مسجده ﷺ‪ ،‬وهو‬‫ِ‬ ‫مالك بن النجار‪َ ،‬بركت عىل ِ‬
‫باب‬ ‫ِ‬ ‫دار بني‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫النجار‪.‬‬ ‫النجار‪ ،‬ثم من بني ِ‬
‫مالك بن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتيمني من بني‬ ‫لغالمني‬
‫َ‬
‫ينزل ‪-‬وثبت فسارت غري ٍ‬
‫بعيد‪،‬‬ ‫ورسول اهلل ﷺ عليها مل ْ‬ ‫ُ‬ ‫فلام بر َكت ‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خلفها‪ ،‬فرجعت إىل‬‫ورسول اهلل ﷺ واضع َلا زمامها ال يثنيها به‪ ،‬ثم التفتت إىل ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ووضعت ِجراهنا(‪،)4‬‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬ ‫ربكها أو َل ٍ‬
‫مرة‪ ،‬فربكت فيه‪ ،‬ثم َ َحت ْل َح َل ْت(‪ )2‬و َر َز َم ْت‬ ‫م ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫زيد رح َله‪ ،‬فوضعه يف بيتِه‪،‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فاحتمل أبو أيوب خالدُ بن ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فنزل عنها‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وسأل عن امل ِربد‪« :‬ملن هو؟»‬ ‫ُ‬ ‫ونزل عليه‬
‫وس ٍ‬
‫هيل ابني عمرو‪ ،‬ومها‬ ‫ٍ‬
‫لسهل ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫فقال له معا ُذ بن َعفرا َء‪ :‬هو يا‬
‫يتيامن يل‪ ،‬وس ُأرضيهام منه‪َّ ،‬‬
‫فاختذه مسجدً ا‪.‬‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل أيب‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ أن ُيبنَى مسجدً ا‪َ ،‬‬
‫ونزل‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فأمر به‬
‫ُ‬ ‫أيوب حتى بني مسجدُ ه ومساكنه‪ِ ،‬‬
‫ب املسلمني يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ ُلري ِّغ َ‬ ‫فعمل فيه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫واألنصار‪ ،‬ودأبوا فيه‪.‬‬ ‫العمل فيه‪ِ ،‬‬
‫فعمل فيه املُهاجرون‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلم َيبق بم َّك َة‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫هاجرون إىل‬ ‫وتالحق املُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫قال اب ُن‬
‫بوس‪.‬‬ ‫منهم أحدٌ ‪ ،‬إال َم ٌ‬
‫فتون أو َحم ٌ‬

‫(‪ )1‬امل ِ ْر َبد‪ :‬املوضع الذي جيفف فيه التمر‪.‬‬


‫(‪َ َ )2‬حت ْل َح َل ْت‪ :‬حتركت وانزجرت‪.‬‬
‫(‪َ )3‬رزَ َم ْت‪ :‬قامت من اإلعياء واَلزال ومل تتحرك‪.‬‬
‫اجل َران‪ :‬ما يصيب األرض من صدر الناقة وباطن حلقها‪.‬‬ ‫(‪ِ )4‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪003‬‬

‫[القسم الثاني‪ :‬العهد املدني]‬


‫‪ | 004‬خمتصر السرية النبوية‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪005‬‬

‫[أوال‪ :‬تأسيس الدولة]‬

‫‪ -1‬كتابُه ﷺ بني املُهاجرين واألنصار ومُوادعة يهودَ‬

‫وادع‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫واألنصار‬ ‫رسول اهلل ﷺ كتا ًبا بني املُهاجرين‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكتب‬ ‫قال اب ُن‬
‫َ‬
‫واشرتط عليهم‪.‬‬ ‫َ‬
‫ورشط َلم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وأمواَلم‪،‬‬ ‫وأقرهم عىل دينِهم‬
‫فيه ُو َد وعاهدهم‪َّ ،‬‬
‫‪ -2‬املُؤاخاةُ بني املهاجرين واألنصا ِر‬
‫رسول اهلل ﷺ بني أصحابِه من املُهاجرين‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وآخى‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫واألنصار‪.‬‬
‫‪ -3‬األعداءُ من يهودَ‬
‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ العداو َة‪،‬‬ ‫أحبار ُود‬ ‫إسحاق‪ :‬ونصبت عند ذلك‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫أخذه رسو َله منهم‪،‬‬‫وضغنًا؛ ملا خص اهلل تعاىل به العرب من ِ‬ ‫بغيا وحسدً ا ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫يس عىل جاهليته فكانوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫األوس واخلزرج‪ ،‬ممن كان َع َ‬ ‫رجال من‬ ‫وانضاف إليهم‬
‫قهرهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أهل ٍ‬‫َ‬
‫نفاق عىل دين آبائهم من الرشك والتكذيب بال َبعث‪ ،‬إال أن اإلسال َم َ‬
‫ِ‬
‫القتل ونافقوا‬ ‫قومهم عليه‪ ،‬فظهروا باإلسالم‪ ،‬واختذوه ُجنَّ ًة من‬ ‫بظهوره واجتام ِع ِ‬
‫ِ‬
‫وجحودهم اإلسال َم‪.‬‬
‫هواهم مع ُو َد؛ لتكذيبهم النب َّي ﷺ‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الرس‪ ،‬وكان‬
‫يف ِّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ ويتعنَّتونه‪ ،‬ويأتونه‬ ‫أحبار ُو َد هم الذين َيسألون‬ ‫ُ‬ ‫وكانت‬
‫القرآن ينزل فيهم فيام يسألون عنه‪ ،‬إال ً‬
‫قليال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالباطل‪ ،‬فكان‬ ‫بال َّلبس؛ ل َيلبسوا َّ‬
‫احلق‬
‫ِ‬
‫احلالل واحلرام كان املُسلمون َيسألون عنها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املسائل يف‬ ‫من‬
‫‪ | 006‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ وأصحابِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والعداوة‬ ‫ِ‬
‫الرشور‬ ‫ِ‬
‫اليهود و ُ‬
‫أهل‬ ‫أحبار‬ ‫فهؤالء‬
‫ُ‬
‫ألمر اإلسالم الرشور ليطفئوه‪ ،‬إال ما كان من ِ‬
‫عبد‬ ‫وأصحاب املسألة‪ ،‬والنصب ِ‬
‫َ ُ‬
‫وخم ٍ‬
‫رييق‪.‬‬ ‫اهلل بن سالم ُ‬

‫‪َ -4‬من اجتمع إىل يهودَ من مُنافقي األنصارِ‬

‫انضاف إىل ُو َد‪ ،‬من ُس ِّمي لنا من املنافقني من‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان ممن‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫األوس واخلزرج‪.‬‬
‫َ‬
‫أحاديث املسلمني‪،‬‬ ‫وكان هؤالء املنافقون َحيضون املسجدَ فيستمعون‬
‫ناس‪ ،‬فرآهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويسخرون ويستهزؤون بدينهم‪ ،‬فاجتمع يو ًما يف املسجد منهم ٌ‬
‫ٍ‬
‫ببعض‪ ،‬فأمر‬ ‫بعضهم‬
‫أصواهتم‪ ،‬قد لصق ُ‬‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يتحدَّ ثون بينهم‪ ،‬خافِيض‬
‫ُ‬
‫إخراجا عني ًفا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املسجد‬ ‫رسول اهلل ﷺ ف ُأخرجوا من‬
‫ُ‬ ‫هبم‬
‫ً‬
‫صدر‬
‫ُ‬ ‫نزل‬ ‫ِ‬
‫األوس واخلزرج‪َ -‬‬ ‫ففي هؤالء ‪-‬من أحبار ُو َد واملنافقني من‬
‫أعلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سورة البقرة إىل املئة منها ‪-‬فيام بلغني‪ -‬واهلل ُ‬
‫‪ِ -5‬ذكرُ من اعتلَّ من أصحابِ رسولِ اهلل ﷺ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عائش َة ‪ ،‬قالت‪ :‬ملا ِ‬
‫قدم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫وسقم‪،‬‬ ‫حل َّمى‪ ،‬فأصاب أصحابه منها بال ٌء‬ ‫ِ‬ ‫قدمها وهي أوب ُأ‬‫املدين َة‪ِ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫أرض اهلل من ا ُ‬
‫فرصف اهلل تعاىل ذلك عن نب ِّيه ﷺ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وبالل ‪َ -‬م ْوليا أيب بكر‪ -‬مع أيب بكر‬ ‫وعامر بن ُفهري َة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قالت فكان أبو بكر‪،‬‬
‫ضب‬ ‫فدخلت عليهم َأ ُعو ُدهم‪ ،‬وذلك قبل أن ُي‬ ‫حل َّمى‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يف بيت واحد‪ ،‬فأصابتهم ا ُ‬
‫احلجاب‪ ،‬وهبم ما ال يعلمه إال اهللُ من شدَّ ِة الوعك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫علينا‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪007‬‬

‫احلمى؛ فقال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫فقلت لرسول اهلل ﷺ‪ :‬إهنم ل َيهذون وما َيعقلون من شدة َّ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬اللهم ح ِبب إلينا املدين َة كام حب َّبت إلينا م َّك َة أو أشد‪ِ ،‬‬
‫وبارك لنا يف‬ ‫ُ‬
‫ُمدِ ها وصاعها‪ ،‬وان ُقل وباءها إىل َم ْهيع َة»‪ .‬ومهيع ُة‪ :‬ا ُ‬
‫جلحفة‪.‬‬

‫‪ -6‬تاريخُ اهلجرةِ‬
‫ِ‬
‫وكادت‬ ‫الضحاء‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدين َة يو َم االثنني‪ ،‬حني اشتدَّ َّ‬ ‫ِ‬
‫قدم‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ‬ ‫األو ِل‪،‬‬
‫الشمس تعتدل لثنتي عرش َة ليل ًة مضت من شهر ربي ٍع َّ‬ ‫ُ‬
‫يومئذ اب ُن ثالث ومخسني سن ًة‪ ،‬وذلك بعد أن بعثه اهللُ ‪ ‬بثالث عرش َة سنة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫وشعبان‪،‬‬ ‫ومجاديني‪ ،‬ورج ًبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اآلخر‪ُ ،‬‬ ‫فأقام هبا بقي َة شهر ربي ٍع األول‪ ،‬وشهر ربي ٍع‬
‫وو ِ َيل تلك احلج َة املرشكون‪-‬‬
‫احلجة ‪َ -‬‬
‫َّ‬ ‫وشواال‪ ،‬وذا القعدة‪ ،‬وذا‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫رمضان‪،‬‬ ‫وشهر‬
‫واملحرم‪.‬‬
‫‪ | 008‬خمتصر السرية النبوية‬

‫[ثانيا‪ :‬الغزوات والسرايا والبعوث]‬

‫‪َ -1‬غزوةُ ودَّان وهي أول غزواته عليه الصالةُ والسالم‬

‫شهرا من َمقدَ مه املدين َة حتى‬


‫عرش ً‬ ‫رأس اثني َ‬ ‫ِ‬ ‫ثم خرج غاز ًيا يف صفر عىل‬
‫قريشا وبني ضمر َة بن بكر‪ ،‬فواد َعته فيها بنو‬ ‫ِ‬
‫األبواء‪ -‬يريد ً‬ ‫َ‬
‫ودان ‪-‬وهي غزو ُة‬ ‫بلغ‬
‫ِ‬
‫املدينة ومل يلق كيدً ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل‬ ‫ضمر َة‪ ،‬ثم رجع‬

‫‪َ -2‬سريةُ عبيدة بن احلارثِ وهي أول رايةٍ عقدها عليه الصالةُ والسالم‬

‫بن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫رسول اهلل ﷺ يف ُمقامه ذلك باملدينة ُعبيد َة َ‬ ‫إسحاق‪ :‬وبعث‬ ‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫األنصار أحدٌ ‪ ،‬فسار‬ ‫احلارث يف س ِّتني أو ثامنني راك ًبا من املهاجرين‪ ،‬ليس فيهم من‬
‫قريش‪ ،‬فلم يكن‬ ‫ٍ‬ ‫عظيام من‬
‫ً‬ ‫حتى بلغ ما ًء باحلجاز بأسفل ثنية املُ َّر ِة‪ ،‬فلقي هبا مج ًعا‬
‫يومئذ بسهم‪ ،‬فكان َّأو َل سهم ُر ِم َي‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وقاص قد َرمى‬ ‫بينهم ٌ‬
‫قتال‪ ،‬إال أن سعدَ بن أيب‬
‫به يف اإلسالم‪ ،‬ثم انرصف القو ُم عن القو ِم‪ ،‬وللمسلمني حامي ٌة‪.‬‬

‫‪َ -3‬غزوةُ َس َف َوانَ وهي غزوة بدرٍ األوىل‬


‫ِ‬
‫غزوة ال ُعشرية‬ ‫قدم من‬ ‫رسول اهلل ﷺ باملدينة حني ِ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ومل ُيقم‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫رس ِح‬ ‫ٍ ِ‬ ‫قالئل ال تب ُلغ‬
‫َ‬
‫هري عىل َ ْ‬‫جابر الف ُّ‬ ‫بن‬‫العرش‪ ،‬حتى أغار ُكرز ُ‬ ‫إال ليايل‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫ان‪ ،‬من ناحية‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف طلبِه حتى بلغ واد ًيا ُيقال له‪َ :‬س َف َو ُ‬ ‫ُ‬ ‫املدينة‪ ،‬فخرج‬
‫جابر‪ ،‬فلم يدركه‪ ،‬وهي غزو ُة بدر األوىل‪.‬‬ ‫كرز بن ٍ‬ ‫بدر‪ ،‬وفاته ُ‬ ‫ٍ‬

‫الرسح‪ :‬مرعى األنعام‪.‬‬


‫(‪ْ َّ )1‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪009‬‬

‫‪ -4‬سريةُ عبدِ اهلل بنِ َجحشٍ‬


‫ٍ‬
‫رجب‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ عبدَ اهلل ب َن جحش بن رئاب األسدي يف‬ ‫ُ‬ ‫وبعث‬
‫رهط من املُهاجرين‪ ،‬ليس فيهم من‬‫ٍ‬ ‫َمقف َله من ٍ‬
‫بدر األوىل‪ ،‬وبعث معه ثامني َة‬
‫ِ‬
‫يومني ثم ينظر فيه‬ ‫يسري‬ ‫ينظر فيه حتى‬
‫وأمره أال َ‬ ‫األنصار أحدٌ ‪ ،‬وكتب له كتا ًبا َ‬
‫َ‬
‫أمره به‪ ،‬وال َيستكره من أصحابه أحدً ا‪.‬‬ ‫ف َيميض ملا َ‬
‫الكتاب فنظر فيه فإذا فيه‪« :‬إذا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫يومني فتح‬ ‫ٍ‬
‫جحش‬ ‫فلام سار عبدُ اهلل بن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فامض حتى َ‬
‫تنزل نخل َة‪ ،‬بني مك َة والطائف‪ُ ،‬‬
‫فتصد هبا قريشا‬ ‫نظرت يف كتايب هذا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أخبارهم»‪.‬‬ ‫وتعلم لنا من‬
‫َ‬
‫جحش يف الكتاب قال‪ :‬سم ًعا وطاع ًة‪ ،‬ثم قال‬ ‫ٍ‬ ‫فلام نظر عبدُ اهلل بن‬
‫يض إىل نخل َة‪ ،‬أرصدَ هبا ً‬
‫قريشا‪ ،‬حتى آتيه‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أن أم َ‬ ‫ألصحابه‪ :‬قد أمرين‬
‫بخرب‪ ،‬وقد هناين أن أستكره أحدً ا منكم‪ ،‬فمن كان منكم يريد الشهاد َة‬ ‫ٍ‬ ‫منهم‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ٍ‬
‫فامض ألمر‬ ‫فلريجع‪ ،‬فأما أنا‬
‫ْ‬ ‫فلينطلق‪ ،‬ومن كره ذلك‬ ‫ْ‬ ‫ويرغب فيها‬
‫ُ‬
‫ﷺ‪ ،‬فمىض ومىض معه أصحا ُبه مل يتخ َّلف عنه منهم أحدٌ ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لقريش‬ ‫جحش وأصحا ُبه حتى نزل بنخل َة‪ ،‬فمرت به ِع ٌري‬
‫ٍ‬ ‫ومىض عبدُ اهلل بن‬
‫حتمل زبي ًبا وأد ًما وتار ًة من تارة قريش فيها عمرو ب ُن احلضمي‪.‬‬
‫فلام رآهم القو ُم هابوهم وقد نزلوا قري ًبا منهم‪ ،‬وتشاور القو ُم فيهم وذلك‬
‫رجب فقال القو ُم‪ :‬واهلل لئن تركتم القو َم هذه الليل َة ل َي ُ‬
‫دخل َّن‬ ‫ٍ‬ ‫يف آخر يو ٍم من‬
‫احلر َم‪َ ،‬ف َل َي ْمتَن ِ ُع َّن منكم به‪ ،‬ولئن قتلتموهم َل َت ْق ُت ُلن َُّه ْم يف الشهر احلرا ِم‪ ،‬فرتدد القو ُم‬
‫قتل من قدروا‬ ‫أنفسهم عليهم‪ ،‬وأمجعوا عىل ِ‬ ‫شجعوا َ‬ ‫وهابوا اإلقدا َم عليهم‪ ،‬ثم َّ‬
‫ِ‬
‫وأخذ ما معهم‪.‬‬ ‫عليه منهم‬
‫‪ | 021‬خمتصر السرية النبوية‬

‫واستأرس‬ ‫عمرو بن احلضم ِّي بسهم فقتله‪،‬‬ ‫فرمى واقدُ بن ِ‬


‫َ‬ ‫التميمي َ‬
‫ُّ‬ ‫عبد اهلل‬
‫كيسان‪ ،‬وأفلت القو ُم َ‬
‫نوفل بن عبد اهلل فأعجزهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫واحلكم بن‬
‫َ‬ ‫بن عبد اهلل‪،‬‬ ‫َ‬
‫عثامن َ‬
‫بالعري وباألسريين‪ ،‬حتى ِ‬
‫قدموا عىل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫جحش وأصحا ُبه‬ ‫وأقبل عبدُ اهلل بن‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدين َة‪.‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدين َة قال‪« :‬ما أمر ُتكم‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام قدموا عىل‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫بقتال يف الشهر احلرا ِم»‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫َ‬
‫يأخذ من ذلك شي ًئا‪ ،‬فلام قال ذلك‬ ‫فو َّقف َ‬
‫العري واألسريين‪ ،‬وأبى أن‬
‫إخواهنم من‬
‫ُ‬ ‫قط يف أيدي القو ِم‪ ،‬وظنوا أهنم قد َه َلكوا‪ ،‬وعنَّفهم‬
‫اهلل ﷺ ُس َ‬
‫املسلمني فيام صنعوا‪.‬‬

‫الشهر احلرا َم‪ ،‬وسفكوا فيه الد َم‪،‬‬


‫َ‬ ‫َّ‬
‫استحل حممدٌ وأصحا ُبه‬ ‫وقالت ٌ‬
‫قريش قد‬
‫َ‬
‫الرجال‪ ،‬فقال من َي ُر ُّد عليهم من املسلمني ممن‬ ‫َ‬
‫األموال‪ ،‬وأرسوا فيه‬ ‫وأخذوا فيه‬
‫َ‬
‫شعبان‪.‬‬ ‫كان بم َّك َة‪ :‬إنام أصابوا ما أصابوا يف‬

‫الناس يف ذلك أنزل اهللُ عىل رسول ِه ﷺ‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬


‫ُ‬ ‫فلام أكثر‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة‪.]557:‬‬

‫وفرج اهللُ تعاىل عن املسلمني ما كانوا فيه من‬ ‫ِ‬


‫األمر‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫القرآن هبذا من‬ ‫فلام نزل‬
‫العري واألسريين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫قبض‬
‫الشفق َ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪020‬‬

‫‪ -5‬صرفُ القبلةِ إىل الكعبةِ‬


‫عرش‬ ‫ِ‬
‫رأس ثامنية َ‬ ‫َ‬
‫شعبان عىل‬ ‫إسحاق‪ :‬ويقال‪ُ :‬رصفت القبل ُة يف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدينة‪.‬‬ ‫هرا من َمقدَ م‬
‫ش ً‬
‫‪َ -6‬غزوةُ بدرٍ الكُربى‬
‫سفيان بن حرب ُم ً‬
‫قبال من‬ ‫َ‬ ‫سمع بأيب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم إن‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٌ‬
‫أموال لقريش وتار ٌة من تاراهتم‪ ،‬وفيها‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‪ ،‬فيها‬ ‫ٍ‬
‫لقريش‬ ‫الشأم يف ِع ٍري‬
‫ٍ‬
‫قريش أو أربعون‪.‬‬ ‫ثالثون ً‬
‫رجال من‬

‫قبال من الشأم‪ ،‬ندب‬‫فيان ُم ً‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ بأيب ُس َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ملا سمع‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫أموامهم فاخرجوا إليها لعل اهللَ‬ ‫ٍ‬
‫قريش فيها‬ ‫املسلمني إليهم وقال‪« :‬هذه ِع ُري‬
‫ُين ِفل ُكموها»‪.‬‬

‫بعضهم وث ُقل ُ‬
‫بعضهم‪ ،‬وذلك أهنم مل يظنوا أن‬ ‫الناس‪ ،‬فخف ُ‬
‫ُ‬ ‫فان ُتدب‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ يلقى َحر ًبا‪.‬‬

‫األخبار ويسأل من لقي من‬


‫َ‬ ‫يتحس ُس‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫احلجاز‬ ‫وكان أبو سفيان حني دنا من‬
‫ِ‬
‫الركبان أن حممدً ا قد‬ ‫ربا من بعض‬ ‫ِ‬ ‫ختو ًفا عىل أمر‬
‫الناس‪ ،‬حتى أصاب خ ً‬ ‫الركبان ُّ‬
‫ُّ‬
‫مضم بن ٍ‬
‫عمرو‬ ‫َ‬ ‫فح ِذ َر عند ذلك؛ فاستأجر َض‬ ‫ِ‬
‫استنفر أصحا َبه لك ولعريك‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫فيستنف َرهم إىل أمواَلم‪ ،‬وخيربهم أن‬ ‫الغفاري‪ ،‬فبعثه إىل مك َة‪ ،‬وأمره أن يأيت ً‬
‫قريشا‬ ‫َّ‬
‫حممدً ا قد عرض َلا يف أصحابِه‪.‬‬
‫‪ | 022‬خمتصر السرية النبوية‬

‫أيظن حممدٌ وأصحا ُبه أن تكون كعري ابن‬‫ُّ‬ ‫الناس ِرس ً‬


‫اعا وقالوا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فتجهز‬
‫ٍ‬
‫خارج‪ ،‬وإما باعث‬ ‫غري ذلك‪ ،‬فكانوا بني رجلني‪ :‬إما‬
‫احلضمي‪ ،‬كال واهلل ليعلمن َ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫قريش ‪ ،‬فلم يتخلف من أرشافها أحدٌ ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بت ٌ‬ ‫مكانه ً‬
‫رجال‪ ،‬وأو َع ْ‬
‫املسري ذكرت‬
‫َ‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عرو َة بن الزبري قال‪ :‬ملا أمجعت ٌ‬
‫قريش‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫إبليس يف صورة‬ ‫ُ‬ ‫الذي كان بينها وبني بني ٍ‬
‫بكر‪ ،‬فكاد ذلك يثنيهم‪ ،‬فتبدَّ ى َلم‬
‫عشم املُدجلي‪ ،‬وكان من أرشاف بني كِنان َة‪ ،‬فقال َلم‪ :‬أنا‬ ‫ُرساق َة بن مالك بن ُج ُ‬
‫بيشء تكرهونه؛ فخرجوا رسا ًعا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جار من أن تأتيكم كنان ُة من خلفكم‬ ‫لكم ٌ‬
‫َ‬
‫رمضان يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ٍ‬
‫ليال مضت من شهر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وخرج‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫عمرو بن أم َمكتو ٍم عىل املدينة‪.‬‬
‫أصحابه‪ ،‬واستعمل َ‬
‫أبيض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صعب بن عمري وكان َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ودفع اللوا َء إىل ُم‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫رايتان سوداوان‪ :‬إحدامها مع‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان أما َم‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫بعض األنصار‪ ،‬وكانت راي ُة‬ ‫عيل بن أيب طالب ُيقال َلا‪ :‬ال ُعقاب‪ ،‬واألخرى مع‬ ‫ِّ‬
‫األنصار مع ِ‬
‫سعد بن ُمعاذ‪ ،‬فيام قال اب ُن هشام‪.‬‬
‫بعريا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫إسحاق‪ :‬وكانت ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إبل أصحاب رسول اهلل ﷺ يومئذ سبعني ً‬ ‫قال اب ُن‬
‫فاعتقبوها‪.‬‬
‫الناس‪،‬‬
‫َ‬ ‫عريهم‪ ،‬فاستشار‬ ‫ٍ‬
‫قريش بمسريهم ليمنعوا َ‬ ‫رب عن‬
‫وأتاه اخل ُ‬
‫عمر بن‬
‫الصديق فقال وأحسن‪ ،‬ثم قام ُ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬فقام أبو بكر‬ ‫وأخربهم عن‬
‫اخلطاب فقال وأحسن‪.‬‬

‫(‪َ )1‬أ ْو َع َب ْت قريش‪ :‬حشدت‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪023‬‬

‫ِ‬
‫امض ملا أراك اهللُ فنحن معك‪،‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪،‬‬ ‫ثم قام امل ِقدا ُد بن عمرو فقال‪ :‬يا‬
‫واهلل ال نقول لك كام قالت بنو إرسائيل ُملوسى‪( :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ) [املائدة‪ ،]50:‬ولكن اذهب أنت ور ُّبك فقاتال إنا َمعكام‬
‫الغامد(‪ )1‬جلالدنا معك َمن‬‫رست بنا إىل بر ِك ِ‬
‫َ‬ ‫باحلق لو‬
‫ِّ‬ ‫مقاتلون‪ ،‬فوالذي بعثك‬
‫َْ‬
‫خريا‪ ،‬ودعا له به‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫دو َنه حتى تب ُل َغه‪ ،‬فقال له‬
‫نصار‪ ،‬وذلك‬
‫الناس» وإنام يريد األ َ‬ ‫عل أهيا ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬أشريوا َّ‬‫ُ‬ ‫ثم قال‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إنا برا ٌء من‬ ‫الناس‪ ،‬وأهنم حني بايعوه بال َع َقبة قالوا‪ :‬يا‬‫ِ‬ ‫أهنم عد ُد‬
‫وصلت إلينا‪ ،‬فأنت يف ذ َّمتنا نمن ُعك مما نمنع‬ ‫َ‬ ‫ذمامك حتى َ‬
‫تصل إىل ديارنا‪ ،‬فإذا‬ ‫ِ‬
‫منه أبناءنا ونسا َءنا‪.‬‬
‫رصه إال ممن‬ ‫األنصار ترى عليها َن َ‬
‫ُ‬ ‫ف أال تكون‬‫يتخو ُ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فكان‬
‫ِ‬
‫عدو من بالدهم‪.‬‬
‫يسري هبم إىل ٍّ‬
‫عدوه‪ ،‬وأن ليس عليهم أن َ‬ ‫ََ‬
‫دمه ُه باملدينة من ِّ‬
‫ٍ‬
‫معاذ‪ :‬واهلل لكأنك تريدُ نا يا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ؛ قال له سعدُ بن‬ ‫فلام قال ذلك‬
‫َ‬
‫رسول اهلل؟‬
‫قال‪َ « :‬أ َج ْل»‪.‬‬
‫احلق وأعطيناك عىل‬
‫جئت به هو ُّ‬ ‫قال‪ :‬فقد آمنا بك وصدَّ قناك ِ‬
‫وشهدنا أن ما َ‬
‫أردت فنحن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ملا‬ ‫ِ‬
‫والطاعة؛ فامض يا‬ ‫ذلك ُعهو َدنا ومواثيقنا عىل السم ِع‬
‫فخضته خلضناه معك‪،‬‬ ‫البحر ُ‬
‫َ‬ ‫استعر ْضت بنا هذا‬
‫َ‬ ‫باحلق‪ ،‬لو‬
‫ِّ‬ ‫معك‪ ،‬فوالذي بع َثك‬
‫ِ‬
‫احلرب‪،‬‬ ‫لص ُرب يف‬
‫رجل واحدٌ ‪ ،‬وما نكره أن َتلقى بنا عدونا غدً ا‪ ،‬إنا ُ‬‫ما خت َّلف منا ٌ‬
‫فرس بنا عىل بركة اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اللقاء‪ ،‬لعل اهلل يريك منا ما َتقر به عينُك؛ ِ‬ ‫ُصدُ ٌق يف‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬

‫(‪َ )1‬ب ْرك الغامد‪ :‬موضع باليمن‪.‬‬


‫‪ | 024‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ونشطه ذلك‪ ،‬ثم قال‪« :‬سريوا وأبشوا‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫سعد‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بقول‬ ‫فرس‬
‫ُ َّ‬
‫أنظر إىل َمصار ِع القو ِم»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الطائفتني‪ ،‬واهلل لكأين اآلن ُ‬ ‫فإن اهللَ تعاىل قد وعدين إحدى‬
‫وقف عىل ٍ‬
‫شيخ‬ ‫َ‬ ‫ورجل من أصحابِه حتى‬
‫ٌ‬ ‫نزل ﷺ قري ًبا من بدر‪ ،‬فركب هو‬
‫قريش‪ ،‬وعن حممد وأصحابِه‪ ،‬وما بلغه عنهم‪ ،‬فقال‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬فسأله عن‬ ‫من‬
‫ربكام حتى ُخترباين ممن أنتام؟‬ ‫ُ‬
‫الشيخ‪ :‬ال أخ ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إذا أخرب َتنا أخربناك»‪.‬‬ ‫فقال‬

‫قال‪ :‬أذاك بذاك؟‬

‫قال‪« :‬نعم»‪.‬‬

‫قال الشيخ‪ :‬فإنه بل َغني أن حممدً ا وأصحا َبه خرجوا يو َم كذا وكذا‪ ،‬فإن كان‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للمكان الذي به‬ ‫ِ‬
‫بمكان كذا وكذا‪،‬‬ ‫صدَ َق الذي أخربين‪ ،‬فهم اليو َم‬
‫وبلغني أن ً‬
‫قريشا خرجوا يو َم كذا وكذا‪ ،‬فإن كان الذي أخربين صدَ قني فهم اليو َم‬
‫قريش‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للمكان الذي فيه ٌ‬ ‫بمكان كذا وكذا‬
‫فلام فرغ من ِ‬
‫خربه قال‪ :‬مم َّن أنتام؟‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬نحن من ٍ‬
‫ماء» ثم انرصف عنه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫الشيخ‪ :‬ما من ماء‪ ،‬أمن ماء ِ‬
‫العراق؟!‬ ‫ُ‬ ‫قال يقول‬

‫رسول اهلل ﷺ إىل أصحابِه‪ ،‬فلام أمسى بعث َّ‬


‫عيل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم رجع‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫العوام‪ ،‬وسعدَ بن أيب وقاص‪ ،‬يف ٍ‬
‫نفر من أصحابه‪ ،‬إىل‬ ‫والزبري بن َّ‬ ‫بن أيب طالب‪،‬‬
‫َ‬
‫ماء ٍ‬
‫بدر‪ ،‬يلتمسون اخلرب له عليه ‪-‬كام حدَّ ثني يزيدُ بن رومان‪ ،‬عن عرو َة بن‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪025‬‬

‫ريض أبو ٍ‬
‫يسار‬ ‫أسلم ‪-‬غال ُم بني احلجاج‪ -‬و َع ٌ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫لقريش فيها‬ ‫الزبري‪ -‬فأصابوا راوي ًة‬
‫قائم ُيصيل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫ورسول اهلل ﷺ ٌ‬ ‫سعيد‪ -‬فأتوا هبام فسألومها‪،‬‬ ‫‪-‬غال ُم بني العاص بن‬
‫قريش‪ ،‬بعثونا َنسقيهم من ِ‬
‫املاء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فقاال‪ :‬نحن ُسقا ُة‬

‫ربمها‪ ،‬ورجوا أن يكونا أليب سفيان؛ فضبومها‪ ،‬فلام أذلقومها‬


‫فكره القو ُم خ َ‬
‫َ‬
‫سفيان؛ فرتكومها‪.‬‬ ‫قاال‪ :‬نحن أليب‬

‫رسول اهلل ﷺ وسجد سجد َتيه‪ ،‬ثم س َّلم‪ ،‬وقال‪« :‬إذا َصدَ قاكم‬ ‫ُ‬ ‫وركع‬
‫لقريش‪ِ ،‬‬
‫أخرباين عن‬ ‫ٍ‬ ‫رضبتمومها‪ ،‬وإذا َك َذباكم ترك ُتمومها‪ ،‬صد َقا واهلل‪ ،‬إهنام‬
‫ٍ‬
‫قريش؟»‬

‫والكثيب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكثيب الذي ترى بال ُعدوة ال ُقصوى ‪-‬‬ ‫قاال‪ :‬هم واهلل ورا َء هذا‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬كم القو ُم؟»‪.‬‬ ‫ال َع ُ‬
‫قنقل‪ -‬فقال َلام‬

‫كثري‪.‬‬
‫قاال‪ٌ :‬‬
‫قال‪« :‬ما ِعدَّ ُتم؟»‪.‬‬

‫قاال‪ :‬ال ندري‪.‬‬


‫قال‪« :‬كم َينحرون َّ‬
‫كل يوم؟»‪.‬‬

‫عرشا‪.‬‬
‫قاال‪ :‬يو ًما تس ًعا‪ ،‬ويو ًما ً‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬القوم فيام بني التسع ِ‬
‫مئة واأللف»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫قريش؟»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أرشاَ‬ ‫ثم قال َلام‪« :‬فمن فيهم من‬
‫‪ | 026‬خمتصر السرية النبوية‬

‫وحكيم بن‬
‫ُ‬ ‫قاال‪ :‬عتب ُة بن ربيع َة‪ ،‬وشيب ُة بن ربيع َة‪ ،‬وأبو ال َبخرتي بن هشام‪،‬‬
‫عدي بن‬‫ِّ‬ ‫واحلارث بن عامر بن نوفل‪ ،‬و ُطعيم ُة بن‬
‫ُ‬ ‫ِحزام‪ ،‬ونوفل بن ُخويلد‪،‬‬
‫نوفل‪ ،‬والنض بن احلارث‪ ،‬وزمع ُة بن األسود‪ ،‬وأبو جهل بن هشام‪ ،‬وأمي ُة بن‬
‫وسهيل بن عمرو‪ ،‬وعمرو بن عبد ُو ٍّد‪.‬‬
‫خلف‪ ،‬و ُن َبيه و ُمن ِّبه ابنا احلجاج‪ُ ،‬‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل الناس فقال‪« :‬هذه م َّك ُة قد ألقت إليكم أفال َذ‬
‫ُ‬ ‫فأقبل‬
‫كبِدها»‪.‬‬

‫الزغباء قد مضيا‬
‫وعدي بن أيب َّ‬
‫ُّ‬ ‫سبس بن عمرو‪،‬‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان َب ُ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫قريب من ِ‬
‫املاء‪ ،‬ثم أخذا َشناا َلام يستقيان فيه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بدرا‪ ،‬فأناخا إىل تل‬
‫حتى نزال ً‬
‫جلهني عىل املاء‪.‬‬
‫دي بن عمرو ا ُ‬
‫ولج ُّ‬
‫َ‬
‫وبسبس جاريتني من جواري احلاض‪ ،‬ومها يتالزمان عىل‬ ‫ٌ‬ ‫فسمع عدي‬
‫املاء‪ ،‬واملَلزوم ُة تقول لصاحبتها‪ :‬إنام تأيت العري غدً ا أو بعد ٍ‬
‫غد‪ ،‬فأعمل َلم‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬
‫َأقضيك الذي لك‪.‬‬
‫قال لجدي‪ :‬صدَ ِ‬
‫قت‪ ،‬ثم خلص بينهام‪.‬‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫وبسبس‪ ،‬فجلسا عىل ِ‬
‫بعريُام‪ ،‬ثم انطلقا حتى أتيا‬ ‫ٌ‬ ‫وسمع ذلك عدي‬
‫اهلل ﷺ‪ ،‬فأخرباه بام ِ‬
‫سمعا‪.‬‬
‫سفيان بن حرب حتى تقدم العري ِ‬
‫حذ ًرا‪ ،‬حتى ور َد املاء‪ ،‬فقال‬ ‫َ‬ ‫وأقبل أبو‬
‫َ‬
‫ملجدي بن عمرو‪ :‬هل أحسست أحدً ا؟‬
‫ِّ‬
‫فقال‪ :‬ما رأيت أحدً ا أنكره‪ ،‬إال أين قد رأيت راكبني قد أناخا إىل هذا ِّ‬
‫التل‪،‬‬
‫ثم استقيا يف َش ٍّن َلام‪ ،‬ثم انطلقا‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪027‬‬

‫ناخهام‪ ،‬فأخذ من أبعار بعريُام‪ ،‬فف َّته‪ ،‬فإذا فيه النوى؛‬ ‫َ‬
‫سفيان ُم َ‬ ‫فأتى أبو‬
‫يثرب‪ ،‬فرجع إىل أصحابه رسي ًعا‪ ،‬فضب وجه ِ‬
‫عريه عن‬ ‫َ‬ ‫عالئف‬
‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬هذه واهلل‬
‫أرسع‪.‬‬ ‫فساح َل هبا ‪ ،‬وترك ً‬
‫بدرا بيسار‪ ،‬وانطلق حتى‬ ‫الطريق‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫قريش‪:‬‬ ‫عريه‪ ،‬أرسل إىل‬ ‫َ‬
‫سفيان أنه قد أحرز َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وملا رأى أبو‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫نجاها اهلل؛ ِ‬‫عريكم ورجا َلكم وأموا َلكم‪ ،‬فقد َّ‬
‫فارجعوا‪.‬‬ ‫إنكم إنام َخرج ُتم لتمنعوا َ‬
‫موسام‬
‫ً‬ ‫بدر‬
‫بدرا ‪-‬وكان ٌ‬ ‫نرجع حتى ِنرد ً‬
‫ُ‬ ‫جهل بن هشا ٍم‪ :‬واهلل ال‬‫ِ‬ ‫فقال أبو‬
‫كل عام‪ -‬فنقيم عليه ثال ًثا‪ ،‬فننحر ا ُ‬
‫جلزر‪،‬‬ ‫سوق َّ‬
‫من مواسم العرب‪ ،‬جيتمع َلم به ٌ‬
‫العرب وبمسرينا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القيان‪ ،‬وتسمع بنا‬ ‫اخلمر‪ِ ،‬‬
‫وتعزف علينا‬ ‫َ‬ ‫و ُنطعم الطعا َم‪ ،‬ونسقي‬
‫ِ‬
‫ومجعنا؛ فال يزالون َُابوننا أبدً ا بعدها‪ ،‬فامضوا‪.‬‬

‫الثقفي ‪-‬وكان حلي ًفا لبني زهر َة وهم با ُ‬


‫جلحفة‪:-‬‬ ‫ُّ‬ ‫األخنس بن َرشيق‬
‫ُ‬ ‫وقال‬
‫نجى اهللُ لكم أموالكم‪ ،‬وخ َّلص لكم صاحبكم‪َ :‬خمرم َة بن نوفل‪،‬‬
‫يا بني زهر َة‪ ،‬قد َّ‬
‫وإنام نفرتم ل َتمنعوه وما َله‪ ،‬فاجعلوا يب ُجبنها وارجعوا‪ ،‬فإنه ال حاج َة لكم بأن‬
‫ٍ‬
‫جهل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ضيعة‪ ،‬ال ما يقول هذا‪ ،‬يعني‪ :‬أبا‬ ‫َخترجوا يف ِ‬
‫غري‬

‫طاعا‪.‬‬
‫فرجعوا‪ ،‬فلم َيشهدها ُزهري واحدٌ ‪ ،‬أطاعوه وكان فيهم ُم ً‬
‫عدي بن‬
‫ِّ‬ ‫ناس‪ ،‬إال بني‬
‫نفر منهم ٌ‬ ‫ومل يكن بقي من قريش بط ٌن إال وقد َ‬
‫األخنس بن َرش ٍيق‪ ،‬فلم‬
‫ِ‬ ‫كعب‪ ،‬مل خيرج منهم ٌ‬
‫رجل واحدٌ ‪ ،‬فرجعت بنو زهر َة مع‬
‫بدرا من هاتني القبيلتني أحدٌ ‪ ،‬ومىض القوم‪.‬‬
‫يشهد ً‬

‫اح َل‪ :‬أخذها جهة الساحل‪.‬‬


‫(‪َ )1‬س َ‬
‫‪ | 028‬خمتصر السرية النبوية‬

‫دوة ال ُقصوى من الوادي‪،‬‬ ‫قريش حتى نزلوا بالع ِ‬


‫إسحاق‪ :‬ومضت ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫وال ُق ُلب(‪ٍ )1‬‬
‫ببدر يف ال ُعدوة الدنيا‪ ،‬وبعث اهللُ السامء‪ ،‬وكان الوادي َد ْه ًسا(‪،)2‬‬
‫ِ‬
‫السري‪،‬‬ ‫األرض ومل يمنعهم عن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ وأصحا ُبه منها ما ل َّبدَ َلم‬ ‫فأصاب‬
‫يرحتلوا معه‪.‬‬‫قريشا منها ما مل يقدروا عىل أن ِ‬
‫وأصاب ً‬

‫بدر نزل‬ ‫املاء‪ ،‬حتى إذا جاء أدنى ٍ‬


‫ماء من ٍ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يبادرهم إىل ِ‬
‫ُ‬ ‫فخرج‬
‫ُ‬
‫به‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫فحدِّ ثت عن رجال من بني سلم َة‪ ،‬أهنم ذكروا‪ :‬أن ا ُ‬
‫حلباب‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ُ :‬‬ ‫قال اب ُن‬
‫أمنزال َأ ْن َز َل َك ُه اهللُ ليس‬
‫ً‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬أرأيت هذا َ‬
‫املنزل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جلموح قال‪ :‬يا‬
‫ب َن املنذر بن ا َ‬
‫الرأي واحلرب واملكيد ُة؟‬
‫ُ‬ ‫نتأخر عنه‪ ،‬أم هو‬
‫َ‬ ‫لنا أن نتقدمه‪ ،‬وال‬

‫واحلرب واملكيد ُة؟»‪.‬‬


‫ُ‬ ‫الرأي‬
‫ُ‬ ‫قال‪« :‬بل هو‬

‫يت أدنى‬ ‫ِ‬


‫بالناس حتى نأ َ‬ ‫ٍ‬
‫بمنزل‪ ،‬فاهنض‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬فإن هذا ليس‬ ‫َ‬ ‫فقال‪ :‬يا‬
‫حوضا فنملؤه‬ ‫ب‪ ،‬ثم نبني عليه‬ ‫ٍ‬
‫ماء من القو ِم‪ ،‬فننزله‪ ،‬ثم ُن َغ ِّو ُر ما ورا َءه من ال ُق ُل ِ‬
‫ً‬
‫ما ًء‪ ،‬ثم نق ُ‬
‫اتل القو َم‪ ،‬فنرشب وال يرشبون‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالرأي»‪.‬‬ ‫أرشت‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬لقد‬ ‫فقال‬
‫الناس‪ ،‬فسار حتى إذا أتى أدنى ٍ‬
‫ماء من‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ومن معه من‬ ‫ُ‬ ‫فنهض‬
‫َ‬
‫حوضا عىل ال َقليب الذي نزل‬
‫ً‬ ‫أمر بال ُق ُل ِ‬
‫ب ف ُغ ِّورت‪ ،‬وبنى‬ ‫القو ِم نزل عليه‪ ،‬ثم َ‬
‫فملئ ما ًء ثم قذفوا فيه اآلني َة‪.‬‬
‫عليه‪ُ ،‬‬

‫(‪ )1‬ال ُق ُلب‪ :‬مجع قليب‪ ،‬وهو البئر‪.‬‬


‫(‪ )2‬الدَّ ْهس‪ :‬املكان السهل اللني ال يبلغ أن يكون رمال وليس هو برتاب أو طني‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪029‬‬

‫ٍ‬
‫معاذ‬ ‫إسحاق‪ :‬فحدثني عبدُ اهلل ب ُن أيب بكر أنه ُحدِّ َ‬
‫ث أن سعدَ بن‬ ‫َ‬ ‫ق َال اب ُن‬
‫ً‬
‫عريشا(‪ )1‬تكون فيه‪ ،‬و ُنعد عندك ركائ َبك‪ ،‬ثم نلقى‬ ‫نبي اهلل‪ ،‬أال نبني لك‬
‫قال‪ :‬يا َّ‬
‫عدونا كان ذلك ما أحببنا‪ ،‬وإن كانت‬ ‫ِّ‬ ‫عدونا‪ ،‬فإن أعزنا اهللُ وأظهرنا عىل‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫األخرى‪ ،‬جلست عىل ركائبك فلحقت بمن وراءنا‪ ،‬فقد خت َّلف عنك أقوا ٌم يا َّ‬
‫نبي‬
‫اهلل‪ ،‬ما نحن بأشدَّ لك ح ابا منهم‪ ،‬ولو ظنوا أنك تلقى حر ًبا ما ختلفوا عنك‪،‬‬
‫خريا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫وجياهدون معك‪ ،‬فأثنى عليه‬
‫هلل هبم‪ ،‬يناصحونك ُ‬ ‫َيمنعك ا ُ‬
‫ودعا له بخري‪.‬‬
‫ٌ‬
‫عريش‪ ،‬فكان فيه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‬ ‫ثم ُبني‬
‫ٌ‬
‫قريش حني أصبحت‪ ،‬فأقبلت‪ ،‬فلام رآها‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وقد ارحتلت‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫قنقل ‪-‬وهو الكثيب الذي جاءوا منه إىل الوادي‪-‬‬ ‫تص َّو ُب من ال َع ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬
‫كذب رسو َلك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وفخرها‪ُ ،‬حتادك و ُت ِ‬ ‫اللهم هذه قريش قد أقبلت بخُ يالئها‬
‫قال‪َّ « :‬‬
‫أحنهم(‪ )2‬الغدا َة»‪.‬‬ ‫اللهم فنِصك الذي وعدتني‪ ،‬اللهم ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بعض‪ ،‬وقد أمر‬ ‫بعضهم من‬
‫الناس ودنا ُ‬
‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم تزاحف‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أصحا َبه أن ال حيملوا حتى يأمرهم‪ ،‬وقال‪« :‬إن اكتنفكم القو ُم‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ يف العريش معه أبو بكر الصديق‪.‬‬ ‫فانضحوهم عنكم بالنَّبل»‪،‬‬
‫َ‬
‫رمضان‪.‬‬ ‫فكانت وقع ُة ٍ‬
‫بدر يو َم اجلمعة صبيح َة سبع عرشة من شهر‬

‫(‪ )1‬ال َع ِر ْيش‪ :‬شبه اخليمة يستظل به‪.‬‬


‫(‪َ )2‬أ ِحنهم‪ :‬أي‪ :‬أهلكهم‪.‬‬
‫‪ | 031‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫العريش‬ ‫الصفوف‪ ،‬ورجع إىل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم عدل‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫غريه‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ يناشد ر َّبه‬‫فدخله‪ ،‬ومعه فيه أبو بكر الصديق‪ ،‬ليس معه فيه ُ‬
‫اللهم إن ْتلِك هذه العصاب ُة اليو َم ال‬ ‫ِ‬
‫النرص‪ ،‬ويقول فيام يقول‪َّ « :‬‬ ‫ما وعده من‬
‫ُتعبد»‪.‬‬

‫منجز لك ما‬
‫ٌ‬ ‫بعض مناشدتِك ر َّبك‪ ،‬فإن اهلل‬
‫وأبو بكر يقول‪ :‬يا نب َّي اهلل‪َ :‬‬
‫وعدك‪.‬‬

‫أبرش يا‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ َخفق ًة وهو يف العريش‪ ،‬ثم انتبه فقال‪ْ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وقد خ َف َق‬
‫النقع(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫فرس يقوده‪ ،‬عىل ثناياه‬ ‫آخذ بعنان‬ ‫ُ‬
‫جربيل ٌ‬ ‫نرص اهلل‪ ،‬هذا‬
‫أبا بكر‪ ،‬أتاك ُ‬
‫نفس‬
‫فحرضهم وقال‪« :‬والذي ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل الناس َّ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬ثم خرج‬
‫غري مدبر‪ ،‬إال أدخله‬ ‫ِ‬
‫حممد بيده‪ ،‬ال يقاتلهم اليو َم رجل ف ُيقتل صابرا حمتسبا‪ُ ،‬مقبال َ‬
‫اهلل اجلن َة»‪.‬‬

‫بعضهم من‬
‫الناس‪ ،‬ودنا ُ‬
‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عبد اهلل بن ثعلب َة أنه ملا التقى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫عرف‪ِ ،‬‬
‫فأحنْه‬ ‫اللهم أ ْق َط َعنا للرح ِم‪ ،‬وآتانا بام ال ُي ُ‬ ‫بعض‪ ،‬قال أبو جهل بن هشام‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬
‫الغدا َة‪ .‬فكان هو املستفتِ َح(‪.)3‬‬
‫رسول اهلل ﷺ أخذ حفنة من احل ِ‬
‫صباء فاستقبل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم إن‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫شاهت الوجو ُه»‪ ،‬ثم َنفحهم هبا‪ ،‬وأمر أصحا َبه فقال‪:‬‬ ‫ً‬
‫قريشا هبا‪ ،‬ثم قال‪« :‬‬

‫(‪َ )1‬خ َف َق‪ :‬نام نوما يسريا‪.‬‬


‫(‪ )2‬النَّ ْقع‪ :‬الغبار‪.‬‬
‫(‪ )3‬املُ ْس َت ْفتِح‪ :‬أي‪ :‬احلاكم عىل نفسه هبذا الدعاء‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪030‬‬

‫يش‪ ،‬وأرس من‬ ‫ِ‬


‫صناديد قر ٍ‬ ‫«شدوا»‪ ،‬فكانت اَلزيم ُة‪ ،‬فقتل اهللُ تعاىل من قتل من‬
‫أرس من أرشافِهم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جهل أن‬ ‫عدوه‪ ،‬أمر بأيب‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ من ِّ‬ ‫إسحاق‪ :‬فلام فر َغ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫لتمس يف القتىل‪.‬‬
‫ُي َ‬
‫قال عبدُ اهلل بن مسعود‪ :‬فوجد ُته بآخر ٍ‬
‫رمق فعرفته‪ ،‬فوضعت رجيل عىل‬
‫ُع ِنقه ‪-‬قال‪ :‬وقد كان َض َب َث يب مر ًة بمك َة‪ ،‬فآذاين ولكزين‪ -‬ثم ُ‬
‫قلت له‪ :‬هل‬ ‫(‪)1‬‬

‫عدو اهلل؟‬
‫أخزاك اهللُ يا َّ‬
‫رجل قتلتموه‪ِ ،‬‬
‫أخربين ملن الدائر ُة اليو َم؟‬ ‫ٍ‬ ‫أعمد من‬
‫قال‪ :‬وبامذا أخزاين‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬هلل ولرسول ِه‪.‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪،‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬ ‫رأسه ثم جئت به‬
‫قال‪ :‬ثم احتززت َ‬
‫ٍ‬
‫جهل‪.‬‬ ‫عدو اهلل أيب‬
‫رأس ِّ‬
‫هذا ُ‬
‫يمني‬
‫ُ‬ ‫غريه» ‪-‬قال‪ :‬وكانت‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬آهلل‪ ،‬الذي ال إله ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فقال‬
‫رأسه بني يدي‬ ‫ِ‬
‫غريه‪ ،‬ثم ألقيت َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ -‬قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬واهلل الذي ال إله ُ‬
‫هلل‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ِ ،‬‬
‫فحمد ا َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بالقتىل أن ُيطرحوا‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عائش َة قالت‪ :‬ملا أمر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫خلف‪ ،‬فإنه انتفخ يف ِدرعه فمألها‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫القليب؛ ُطرحوا فيه إال ما كان من أمي َة بن‬ ‫يف‬
‫ِ‬
‫الرتاب‬ ‫حلمه؛ فأقروه‪ ،‬وألقوا عليه ما غ َّيبه من‬
‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫فذهبوا ل ُيحركوه‪ ،‬فتزا َي َل‬
‫ِ‬
‫واحلجارة‪.‬‬

‫(‪َ )1‬ض َب َث‪ :‬قبض عليه‪.‬‬


‫(‪َ )2‬تزا َي َل‪َّ :‬‬
‫تفرق‪.‬‬
‫‪ | 032‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫القليب‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪« :‬يا َ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬ ‫فلام ألقاهم يف القليب‪ ،‬وقف عليهم‬
‫وجدت ما وعدين ريب حقا»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هل وجد ُتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإين قد‬

‫رسول اهلل‪ ،‬أتك ِّلم قو ًما موتى؟ فقال َلم‪« :‬لقد‬


‫َ‬ ‫قالت‪ :‬فقال له أصحا ُبه‪ :‬يا‬
‫علموا أن ما وعدَ هم رهبم حقا»‪.‬‬

‫فجمع‪ ،‬فاختلف‬
‫الناس ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العسكر مما َمج َع‬ ‫أمر بام يف‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ثم إن‬
‫املسلمون فيه‪.‬‬

‫فقسمه رسول اهلل ﷺ بني‬ ‫َ‬


‫إسحاق‪ :‬قال ُعبادة بن الصامت‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫املسلمني عن ب ٍ‬
‫واء(‪.)1‬‬ ‫َ‬
‫قافال إىل املدينة‪ ،‬ومعه األُسارى من املرشكني‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫ثم أقبل‬
‫رسول اهلل ﷺ معه َ‬
‫النفل‬ ‫ُ‬ ‫والنض بن احلارث‪ ،‬واحتمل‬
‫ُ‬ ‫وفيهم ُعقب ُة بن أيب ُمعيط‪،‬‬
‫الذي ُأصيب من املرشكني‪.‬‬
‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن ع َّباد بن عبد اهلل بن الزبري قال‪ :‬ناحت ٌ‬
‫قريش عىل‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫فيشمتوا بكم‪ ،‬وال ت ْبعثوا يف‬
‫َ‬ ‫قتالهم‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬ال تفعلوا فيب ُلغ حممدً ا وأصحا َبه‪،‬‬
‫أرساكم حتى تس َتأنوا(‪ )2‬هبم؛ ال َي ْأ ُر ُب(‪ )3‬عليكم حممدٌ وأصحا ُبه يف الفداء‪.‬‬

‫قريش يف فداء األُسارى‪.‬‬


‫قال‪ :‬ثم بعثت ٌ‬

‫(‪َ )1‬ب َواء‪ :‬سواء‪.‬‬


‫(‪ )2‬حتى َت ْس َت ْأ ُنوا هبم‪ :‬معناه‪ :‬تؤخرون فداءهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬ال َي ْأ ُرب‪ :‬ال يشتد‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪033‬‬

‫ٍ‬
‫يومئذ أربع َة آالف دره ٍم للرجل‪ ،‬إىل‬ ‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬كان فدا ُء املرشكني‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ عليه‪.‬‬ ‫ألف دره ٍم‪ ،‬إال من ال يش َء له‪َ ،‬‬
‫فم َّن‬

‫بدرا من املسلمني من املُهاجرين‬


‫فجميع من شهد ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫ثالث مئة رجل‬ ‫ِ‬
‫بسهمه وأجره‪،‬‬ ‫واألنصار‪ ،‬من ِ‬
‫شهدها منهم ومن ُضب له‬
‫ً‬
‫رجال‪ ،‬ومن األوس واحدٌ‬ ‫رجال‪ ،‬من املهاجرين ثالث ٌة وثامنون‬
‫ً‬ ‫عرش‬
‫َ‬ ‫وأربع َة‬
‫رجال‪ ،‬ومن اخلزرج مئ ٌة وسبعون ً‬
‫رجال‪.‬‬ ‫وستون ً‬

‫‪ -7‬غزوةُ السَّويق‬

‫سفيان بن حرب غزو َة‬ ‫َ‬ ‫عن حممد بن إسحاق ا ُمل َّطلبي قال‪ :‬ثم غزا أبو‬
‫احلج َة املرشكون من تلك السنة‪ ،‬فكان أبو‬ ‫ِ‬
‫احلجة‪ ،‬وو َيل تلك‬ ‫السويق يف ذي‬
‫َّ‬
‫رأسه ما ٌء‬
‫مس َ‬ ‫سفيان حني رجع إىل م َّك َة‪ ،‬ورجع َف ُّل(‪ )1‬قريش من ٍ‬
‫بدر‪ ،‬نذر أن ال َي َّ‬ ‫َ‬
‫رب يمينَه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قريش؛ لي َّ‬ ‫ٍ‬
‫راكب من‬ ‫يغزو حممدً ا ﷺ‪ ،‬فخرج يف مئتي‬ ‫من جنابة حتى َ‬
‫ِ‬
‫الليل‪ ،‬حتى أتى َّ‬
‫سال َم بن‬ ‫املدينة عىل ب ٍ‬
‫ريد أو نحوه‪ ،‬ثم خرج من‬ ‫ِ‬ ‫فنزل من‬
‫َ‬
‫وصاحب َك ِنزهم‪ ،‬فاستأذن عليه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫النضري يف زمانه ذلك‪،‬‬ ‫ِمشك ٍم‪ ،‬وكان س ِّيد بني‬
‫ِ‬
‫الناس‪.‬‬ ‫ذن له‪َ ،‬ف َقراه وسقاه‪ ،‬و َب َط َن(‪ )2‬له من ِ‬
‫خرب‬ ‫ف َأ َ‬
‫ٍ‬
‫قريش إىل‬ ‫ً‬
‫رجاال من‬ ‫َ‬
‫فبعث‬ ‫عقب ليلته حتى أتى أصحا َبه‪،‬‬‫ثم خرج يف ِ‬

‫رجال من‬ ‫ٍ‬


‫أصوار من نخل هبا‪ ،‬ووجدوا هبا ً‬ ‫املدينة‪ ،‬فأتوا ناحي ًة منها‪َ ،‬‬
‫فحرقوا يف‬
‫ٍ‬
‫حرث َلام فقتلومها‪ ،‬ثم انرصفوا راجعني‪.‬‬ ‫وحلي ًفا له يف‬ ‫ِ‬
‫األنصار َ‬

‫(‪ )1‬ال َف ُّل‪ :‬القوم املنهزمون‪.‬‬


‫(‪َ )2‬ب َط َن له‪ :‬أي‪ :‬علم له من رسهم‪ ،‬ومنه بطانة الرجل‪.‬‬
‫‪ | 034‬خمتصر السرية النبوية‬

‫انرصف راج ًعا وقد فاته أبو سفيان‬


‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ط َلبهم‪ ،‬ثم‬‫ُ‬ ‫فخرج‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫احلرث يتخ َّففون منها‬ ‫ِ‬
‫أزواد القوم قد طرحوها يف‬ ‫وأصحا ُبه‪ ،‬وقد رأوا أزوا ًدا من‬
‫أتطمع لنا أن‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ :‬يا‬ ‫جاء‪ ،‬فقال املسلمون حني رجع هبم‬ ‫للنَّ ِ‬
‫ُ‬
‫تكون غزو ًة؟‬

‫قال «نعم»‪.‬‬

‫أكثر‬
‫سميت غزو َة السويق ‪-‬فيام حدثني أبو عبيد َة‪ -‬أن َ‬ ‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬وإنام ِّ‬
‫فس ِّميت‬ ‫الس ِو ْي َق(‪ ،)1‬فهجم املسلمون عىل سويق ٍ‬
‫كثري؛ ُ‬ ‫ما طرح القو ُم من أزوادهم َّ‬
‫غزو َة السويق‪.‬‬

‫‪ -8‬أمرُ بين قَينُقاعَ‬

‫قينقاع‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بسوق بني‬ ‫قينقاع أن رسول اهلل ﷺ َمجعهم‬
‫َ‬ ‫وكان من حديث بني‬
‫بقريش من النِ ِ‬
‫قمة‪ ،‬وأسلموا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫معش هيو َد‪ ،‬احذروا من اهلل َ‬
‫مثل ما نزل‬ ‫قال‪« :‬يا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وعهد اهلل إليكم»‪.‬‬ ‫نبي مرسل‪ ،‬تدون ذلك يف كتابكم‬ ‫عرفتم أين ي‬
‫فإنكم قد َ‬
‫قالوا‪ :‬يا حممدُ ‪ ،‬إنك ُترى أ َّنا قو ُمك! ال يغر َّنك أنك لقيت قو ًما ال علم َلم‬
‫فأصبت منهم ُفرص ًة‪ ،‬إنا واهلل لئن حاربناك ل َتعلم َّن أنا نحن ُ‬
‫الناس‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫باحلرب‪،‬‬

‫قاع كانوا َّأو َل‬


‫عمر بن قتاد َة أن بني قينُ َ‬
‫عاصم بن َ‬
‫إسحاق‪ :‬وحدثني ُ‬‫َ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫بدر و ُأ ُح ٍد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وحاربوا فيام بني ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُود نقضوا ما بينهم وبني‬

‫الس ِو ْي ق‪ :‬هو أن حتمص احلنطة أو الشعري أو نحو ذلك‪ ،‬ثم تطحن ثم يسافر هبا‪ ،‬وقد متزج باللبن‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫والعسل والسمن تلت به‪ ،‬فإن مل يكن يشء من ذلك مزج باملاء‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪035‬‬

‫قينقاع أن امرأة من‬


‫َ‬ ‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬عن أيب عون قال‪ :‬كان من ِ‬
‫أمر بني‬
‫قاع‪ ،‬وجلست إىل صائ ٍغ هبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بسوق بني قينُ َ‬ ‫العرب قدمت بج َل ٍ‬
‫ب(‪َ )1‬لا‪ ،‬فباعته‬
‫طرف ثوهبا فعقده‬ ‫ُ‬ ‫كشف وجهها فأبت‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الصائغ إىل َ‬ ‫فعمد‬ ‫ريدوهنا عىل‬
‫َ‬ ‫فجعلوا ُي‬
‫رجل من‬ ‫فضحكوا هبا‪ ،‬فصاحت؛ فوثب ٌ‬ ‫ِ‬ ‫سوأهتا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ظهرها‪ ،‬فلام قامت انكشفت‬ ‫إىل ِ‬
‫املسلمني عىل الصائغ فقتله‪ ،‬وكان ُود ايا‪ ،‬وشدت اليهو ُد عىل املسلم فقتلوه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاسترصخ ُ‬
‫الرش بينهم‬
‫ب املسلمون‪ ،‬فوقع ُّ‬ ‫أهل املسل ِم املسلمني عىل اليهود‪ ،‬فغض َ‬
‫قينقاع‪.‬‬
‫َ‬ ‫وبني بني‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫عمر بن قتاد َة قال‪ :‬فحارصهم‬ ‫عاصم بن َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وحدثني‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫اهلل ﷺ حتى نزلوا عىل ُحكمه‪ ،‬فقام إليه عبدُ اهلل بن ُأ ِّ‬
‫يب ابن َسلول‪ ،‬حني أمكنه اهللُ‬
‫أحسن يف َموا َّيل‪ ،‬وكانوا حلفا َء اخلزرج‪ ،‬قال‪ :‬فأبط َأ عليه‬ ‫منهم‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممدُ ‪ِ ،‬‬

‫موايل‪ ،‬قال‪ :‬فأعرض عنه‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممدُ ‪ِ ،‬‬
‫أحسن يف‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال له‬ ‫ِ‬
‫جيب در ِع‬ ‫فأدخل يدَ ه يف‬
‫ِ‬
‫لوجهه ُظ ً‬
‫لال‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ حتى رأوا‬ ‫وغضب‬ ‫« ِ‬
‫أرس ْلني»‪،‬‬
‫َ‬
‫ثم قال‪« :‬وحيك! ِ‬
‫أرس ْلني»‪.‬‬ ‫َ‬
‫حارس(‪ )2‬وثالث ِ‬
‫مئة‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬ال واهلل ال ُأرس ُلك حتى ُحتسن يف موايل‪ ،‬أربع ِ‬
‫مئة‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬إين واهلل امرؤ‬ ‫ٍ‬
‫غداة‬ ‫حتصدهم يف‬ ‫ِ‬ ‫دار ٍع قد منعوين من‬
‫األمحر واألسود‪ُ ،‬‬
‫الدوائر‪ ،‬قال‪ :‬فقال رسو ُل اهلل ﷺ‪ُ « :‬هم لك»‪.‬‬
‫َ‬ ‫أخشى‬

‫(‪ )1‬اجلَ َلب‪ :‬كل ما جيلب لألسواق ليباع فيها من إبل وغنم وغريمها‪.‬‬
‫(‪ )2‬احل ِ‬
‫ارس‪ :‬من ال درع له‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ | 036‬خمتصر السرية النبوية‬

‫مخس عرشة ليل ًة‪.‬‬


‫ابن هشا ٍم‪ :‬وكانت حمارص ُته إياهم َ‬
‫قال ُ‬
‫‪ -9‬غزوة أُحُ ٍد‬
‫ِ‬
‫القليب‪ ،‬ورجع َف ُّلهم إىل‬ ‫أصحاب‬
‫ُ‬ ‫بدر ‪-‬من ِ‬
‫كفار قريش‪-‬‬ ‫أصيب يو َم ٍ‬
‫َ‬ ‫ملا‬
‫مك َة‪ ،‬ورجع أبو سفيان بن حرب بِ ِ‬
‫عريه‪ ،‬مشى عبدُ اهلل بن أيب ربيع َة‪ ،‬وعكرم ُة بن‬
‫قريش‪ ،‬ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رجال من‬ ‫ُ‬
‫وصفوان بن أمية يف‬ ‫أيب جهل‬
‫حرب‪ ،‬ومن كانت له يف تلك ِ‬
‫العري من‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫سفيان بن‬ ‫بدر‪ ،‬فكلموا أبا‬ ‫وإخواهنم يو َم ٍ‬
‫ُ‬
‫خياركم‪ ،‬فأعينونا‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬إن حممدً ا قد َو َتركم‪ ،‬وقتل َ‬ ‫معرش‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫قريش تار ٌة فقالوا‪ :‬يا‬
‫هبذا ِ‬
‫املال عىل حربِه‪ ،‬فلع َّلنا ُندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا؛ ففعلوا‪.‬‬

‫بن‬
‫فعل ذلك أبو سفيان ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ حني َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلرب‬ ‫ٌ‬
‫قريش‬ ‫فاجتمعت‬
‫قبائل كنان َة‪ ،‬وأهل ِهتام َة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وأصحاب العري بأحابِيشها‪ ،‬ومن أطا َعها من‬
‫ُ‬ ‫حرب‪،‬‬

‫بحدِّ ها وجدِّ ها وحديدها وأحابِيشها‪ ،‬ومن تابعها من بني‬ ‫فخرجت قريش َ‬


‫احلفيظة وأال َي ِف ُّروا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫التامس‬
‫َ‬ ‫كنان َة‪ ،‬وأهل هتام َة‪ ،‬وخرجوا معهم بال ُّظ ُع ِن(‪)1‬؛‬
‫ِ‬
‫السبخة من قناة عىل َشفري الوادي‪-‬‬ ‫فأقبلوا حتى نزلوا بعينني ‪ٍ -‬‬
‫بجبل ببطن‬
‫ِ‬
‫املدينة‪.‬‬ ‫ُم َ‬
‫قابل‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ واملسلمون قد نزلوا حيث نزلوا‪ ،‬قال‬ ‫فلام سمع هبم‬
‫رأيت واهلل خريا‪ ،‬رأيت بقرا‪ ،‬ورأيت يف ُذباب سيفي‬ ‫ُ‬ ‫للمسلمني‪« :‬إين قد‬
‫اهلل ﷺ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َث ْلام‪ ،‬ورأيت أين أدخلت يدي يف در ٍع حصينة‪َّ ،‬‬
‫فأول ُتها املدين َة»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ال ُظ ُعن‪ :‬مجع ظعينة‪ ،‬وهو اَلودج كانت فيه امرأة أو مل تكن‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪037‬‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬رأيت‬ ‫بعض أهل العل ِم أن‬
‫قال ابن هشا ٍم‪ :‬وحدثني ُ‬
‫بقرا ل ُتذبح»‪.‬‬

‫رأيت يف‬
‫ُ‬ ‫البقر فهي ناس من أصحايب ُيقتلون‪ ،‬وأما ال َّث ُ‬
‫لم الذي‬ ‫قال‪« :‬فأما ُ‬
‫ذباب سيفي فهو رجل من ِ‬
‫أهل بيتي ُيقتل»‪.‬‬
‫ِ‬
‫باملدينة وتدعوهم حيث نزلوا‪ ،‬فإن‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فإن رأي ُتم أن ُتقيموا‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫رش ُمقا ٍم‪ ،‬وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها‪ ،‬وكان ُ‬
‫رأي عبد اهلل بن‬ ‫أقاموا أقاموا َب ِّ‬
‫خيرج إليهم‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬يرى رأ َيه يف ذلك‪ ،‬وأال َ‬ ‫سلول مع رأي‬ ‫ٍ‬ ‫يب ابن‬
‫أ ِّ‬
‫هلل بالشهادة‬ ‫ٌ‬
‫رجال من املسلمني ‪-‬ممن أكرم ا ُ‬ ‫روج‪ ،‬فقال‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يكره اخلُ َ‬
‫ِ‬
‫أعدائنا‪ ،‬ال يرون‬ ‫اخرج بنا إىل‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫رسول اهلل‪ُ ،‬‬ ‫بدر‪ :-‬يا‬
‫يو َم أحد وغريه ممن كان فاته ٌ‬
‫أنا جبنا عنهم وض ُعفنا؟‬

‫رج إليهم‪،‬‬ ‫َ‬


‫رسول اهلل‪ ،‬أقم باملدينة ال خت ْ‬ ‫ٍ‬
‫سلول‪ :‬يا‬ ‫فقال عبدُ اهلل بن ُأيب ابن‬
‫أصاب منا‪ ،‬وال دخلها علينا إال أصبنا‬
‫َ‬ ‫عدو لنا ُّ‬
‫قط إال‬ ‫فواهلل ما خرجنا منها إىل ٍّ‬
‫برش َحم ٍ‬
‫بس‪ ،‬وإن دخلوا قا َت َلهم‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬فإن أقاموا‪ ،‬أقاموا َ ِّ‬ ‫فدعهم يا‬
‫ُ‬ ‫منه‪،‬‬
‫فوقهم‪ ،‬وإن رجعوا‬ ‫باحلجارة من ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والصبيان‬ ‫ُ‬
‫الرجال يف وجههم‪ ،‬ورماهم النسا ُء‬
‫بني كام جاءوا‪.‬‬
‫رجعوا خائ َ‬

‫ب لقاء القو ِم‪-‬‬ ‫ِ‬


‫برسول اهلل ﷺ ‪-‬الذين كان من أمرهم ُح ُّ‬ ‫الناس‬
‫ُ‬ ‫فلم يزل‬
‫رسول اهلل ﷺ بيته‪ ،‬فلبِس ألْ َمته‪ ،‬وذلك يو َم اجلمعة حني فر َغ من‬
‫ُ‬ ‫حتى دخل‬
‫الصالة‪ ،‬وقد مات يف ذلك اليو ِم ٌ‬
‫رجل من األنصار ُيقال له‪ُ :‬‬
‫مالك بن عمرو أحدُ‬
‫‪ | 038‬خمتصر السرية النبوية‬

‫الناس‪ ،‬وقالوا‪:‬‬ ‫ول اهلل ﷺ ثم خرج عليهم وقد ِ‬


‫ندم‬ ‫فصىل عليه رس ُ‬
‫بني النجار‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ومل يكن لنا ذلك‪.‬‬ ‫استكرهنا‬
‫َ‬
‫استكرهناك ومل يكن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قالوا‪ :‬يا‬ ‫فلام خرج عليهم‬
‫هلل عليك‪.‬‬
‫ذلك لنا‪ ،‬فإن شئت فاق ُعد صىل ا ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما ينبغي لنبي إذا لبس ألْ َمته أن يض َعها حتى َ‬
‫يقاتل»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫فخرج رسول اهلل ﷺ يف ٍ‬
‫ألف من أصحابِه‪.‬‬

‫املدينة و ُأ ُح ٍد‪ ،‬انخذل عنه‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالشوط بني‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬حتى إذا كانوا‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫الناس‪ ،‬وقال‪ :‬أطاعهم وعصاين‪ ،‬ما ندري عال َم‬ ‫ِ‬ ‫يب ابن سلول ب ُثلث‬
‫عبدُ اهلل بن أ ِّ‬
‫يب‪،‬‬ ‫والر ِ‬ ‫ِ‬ ‫قومه من ِ‬ ‫نقتل أنفسنا هاهنا أُا الناس‪ ،‬فرجع بمن ا َّتبعه من ِ‬
‫أهل النفاق َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫واتبعهم عبدُ اهلل بن عمرو بن حرا ٍم أخو بني سلم َة‪ ،‬يقول‪ :‬يا قو ِم‪ ،‬أذ ِّكركم اهللَ أال‬
‫َختذلوا قو َمكم ونب َّيكم عندما حض من ِّ‬
‫عدوهم‪.‬‬
‫نعلم أنكم ُتقاتلون ملا أسلمنا ُكم‪ ،‬ولكنا ال نرى أنه يكون ٌ‬
‫قتال‪.‬‬ ‫فقالوا‪ :‬لو ُ‬
‫االنرصاف عنهم قال‪ :‬أبعدَ كم اهللُ أعدا َء‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬فلام استعصوا عليه وأبوا إال‬
‫فسيغني اهلل عنكم نب َّيه‪.‬‬
‫اهلل‪ُ ،‬‬
‫الشعب من ٍ‬ ‫رسول اهلل ﷺ حتى َ‬ ‫ُ‬
‫أحد‪ ،‬يف ُعدوة الوادي إىل‬ ‫نزل ِّ َ‬ ‫قال‪ :‬ومىض‬
‫ٍ‬
‫ظهره وعس َك َره إىل ُأ ُحد‪ ،‬وقال‪« :‬ال يقاتلن أحد منكم حتى ُ‬
‫نأم َره‬ ‫ِ‬
‫اجلبل‪ ،‬فجعل َ‬
‫بالقتال»‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪039‬‬

‫قريش ال َّظهر وال ُكراع(‪ )1‬يف زرو ٍع كانت بالص ِ‬


‫مغة(‪ ،)2‬من قناة‬ ‫رسحت ٌ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقد َّ‬
‫للمسلمني‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رجل‪ ،‬وأ َّمر عىل الرماة‬ ‫للقتال‪ ،‬وهو يف سب ِع ِ‬
‫مئة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫وتع َّبى‬
‫ٍ‬
‫بيض‪ ،‬والرماة‬ ‫ٍ‬
‫بثياب‬ ‫ٍ‬
‫عوف وهو ُمع َّل ٌم يومئذ‬ ‫عبدَ اهلل بن ٍ‬
‫جبري أخا بني عمرو بن‬
‫مخسون ً‬
‫رجال‪.‬‬

‫خلفنا‪ ،‬إن كانت لنا أو علينا‪،‬‬‫بالنبل‪ ،‬ال يأتونا من ِ‬


‫ِ‬ ‫َ‬
‫اخليل عنا‬ ‫فقال‪« :‬انضح‬
‫ني من ِقبلك»‪.‬‬
‫فاث ُبت مكا َنك ال ُنؤ َت َ َّ‬
‫ٍ‬
‫عمري‬ ‫ِ‬
‫صعب بن‬ ‫ودفع اللوا َء إىل ُم‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ بني ِد ِ‬
‫رعني(‪،)3‬‬ ‫ُ‬ ‫وظاهر‬
‫َ‬
‫أخي بني عبد ِ‬
‫الدار‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رجل‪ ،‬ومعهم مئتا‬ ‫قريش‪ ،‬وهم ثالث ُة آالف‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وتع َّبأت‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الوليد‪ ،‬وعىل َميرسهتا‬ ‫ِ‬
‫اخليل خالدَ بن‬ ‫ِ‬
‫ميمنة‬ ‫فرس قد جنَبوها(‪ ،)4‬فجعلوا عىل‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫جهل‪.‬‬ ‫عكرم َة بن أيب‬
‫ٌ‬
‫رجال‪،‬‬ ‫السيف بح ِقه؟» فقا َم إليه‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يأخذ هذا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬من‬ ‫وقال‬
‫فأمسكه عنهم‪ ،‬حتى قام إليه أبو ُدجان َة ِس ُ‬
‫امك بن َخ َرش َة أخو بني ساعد َة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫نحني»‪.‬‬
‫العدو حتى َي َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل؟ قال‪« :‬أن َترض َب به‬ ‫وما ح ُّقه يا‬

‫(‪ )1‬ال َّظهر‪ :‬اإلبل‪ .‬وال ُك َراع‪ :‬اخليل‪.‬‬


‫الصم َغة‪ :‬اسم موضع قريب من أحد‪.‬‬
‫(‪َّ )2‬‬
‫(‪َ )3‬ظ َ‬
‫اه َر بني درعني‪ :‬أي‪ :‬لبس درعا فوق درع‪.‬‬
‫(‪َ )4‬جنَبوها‪ :‬أي قادوها‪ ،‬واجلنيب‪ :‬الفرس الذي يقاد‪.‬‬
‫‪ | 041‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ً‬
‫رجال‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل بح ِّقه‪ ،‬فأعطاه إياه‪ ،‬وكان أبو دجان َة‬ ‫قال‪ :‬أنا آخذه يا‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بعصابة له محرا َء فاعتصب هبا‬ ‫احلرب إذا كانت‪ ،‬وكان إذا ُأ َ‬
‫علم‬ ‫شجا ًعا خيتال عند‬
‫أخرج عصاب َته‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫السيف من ِ‬
‫يد‬ ‫لناس أنه سيقاتِل‪ ،‬فلام أخذ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫علم ا ُ‬
‫ِ‬
‫الصفني‪.‬‬ ‫رت بني‬
‫رأسه‪ ،‬وجعل يتبخ ُ‬ ‫تلك‪ ،‬فعصب هبا َ‬
‫عمر بن‬ ‫إسحاق‪ :‬فحدثني جعفر بن ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أسلم موىل َ‬
‫َ‬ ‫عبد اهلل بن‬ ‫ُ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ حني رأى‬ ‫ِ‬
‫األنصار من بني سلم َة قال‪ :‬قال‬ ‫رجل من‬‫ٍ‬ ‫اخلطاب‪ ،‬عن‬
‫أبا ُدجان َة يتبخرت‪« :‬إهنا مل ِشية ُيبغضها اهللُ‪ ،‬إال يف مثل هذا ا َمل ِ‬
‫وطن»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ يو َم ُأ ُحد‪ :‬أم ْت‪ ،‬أم ْت‪ ،‬فيام قال ُ‬
‫ابن‬ ‫عار أصحاب‬
‫وكان ش ُ‬
‫هشام‪.‬‬

‫احلرب‪ ،‬وقاتل أبو ُدجانة حتى‬


‫ُ‬ ‫الناس حتى َمحيت‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فاقتتل‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫الناس‪.‬‬ ‫أمعن يف‬
‫قتل أرطا َة بن عبد ُرش َ‬
‫حبيل وكان أحدَ‬ ‫وقاتل محز ُة بن عبد امل ِ‬
‫طلب حتى َ‬ ‫َ‬
‫النفر الذين حيملون اللوا َء‪.‬‬

‫الناس‬
‫َ‬ ‫ألنظر إىل محز َة َ ُُدُّ‬
‫ُ‬ ‫قال وحيش ‪-‬غال ُم ُجبري بن ُمطعم‪ :-‬واهلل إين‬
‫سباع بن عبد ال ُع َّزى‪،‬‬ ‫اجلمل األَ ْو َر ِق(‪ )1‬إذ تقدمني إليه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بسيفه ما ُيليق به شي ًئا‪ ،‬مثل‬
‫ُ‬
‫رضيت منها َدفع ُتها‬ ‫ُ‬ ‫وهززت حر َبتي حتى إذا‬
‫ُ‬ ‫رأسه‪،‬‬‫فضبه ضب ًة‪ ،‬فكأن ما أخط َأ َ‬
‫فوقع‪،‬‬
‫َ‬ ‫فأقبل نحوي‪ ،‬ف ُغلب‬ ‫فوقعت يف ُثنَّتِ ِه(‪ )2‬حتى خرجت من بني ِرجليه‪َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫عليه‪،‬‬

‫(‪ )1‬األَ ْو َرق‪ :‬من اإلبل‪ ،‬وهو الذي يف لونه بياض إىل السواد‬
‫(‪ )2‬ال ُّثنَّة‪ :‬ما بني أسفل البطن إىل العانة‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪040‬‬

‫ِ‬
‫العسكر‪ ،‬ومل تكن يل‬ ‫تنحيت إىل‬
‫ُ‬ ‫فأخذت حربتي‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫وأمه ْل ُته حتى إذا مات ُ‬
‫جئت‬
‫ٍ‬
‫بيشء حاج ٌة َ‬
‫غريه‪.‬‬
‫عمري دون رسو ِل اهلل ﷺ حتى ُق َتل‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫مصعب بن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وقاتل‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫فرجع إىل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫الليثي‪ ،‬وهو يظن أنه‬
‫ُّ‬ ‫وكان الذي قتله اب ُن َقمئ َة‬
‫فقال‪ :‬قتلت حممدً ا‪.‬‬
‫عيل ب َن أيب طالب‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ اللوا َء َّ‬ ‫مصعب بن عمري أعطى‬
‫ُ‬ ‫فلام ُقتل‬
‫ٌ‬
‫ورجال من املسلمني‪.‬‬ ‫عيل بن أيب طالب‬
‫وقاتل ُّ‬
‫نرصه عىل املسلمني وصدَ قهم وعدَ ه‪،‬‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم أنزل اهللُ َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫العسكر‪ ،‬وكانت اَلزيم ُة ال شك فيها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالسيوف حتى كشفوهم عن‬ ‫(‪)1‬‬
‫فحسوهم‬
‫ُّ‬
‫الزبري أنه قال‪ :‬واهلل لقد رأي ُتني أنظر إىل َخدَ م ِ‬
‫هند‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫هوارب‪ ،‬ما دون أخذه َّن ٌ‬ ‫ِ‬
‫كثري إذ مالت‬
‫قليل وال ٌ‬ ‫َ‬ ‫شمرات‬‫بنت عتب َة وصواحبها ُم ِّ‬
‫للخيل؛ ف ُأتينا من ِ‬
‫خلفنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ظهورنا‬ ‫ِ‬
‫العسكر‪ ،‬حني كشفنا القو َم عنه وخلوا‬ ‫الرما ُة إىل‬
‫َ‬
‫صارخ‪ :‬أال إن حممدً ا قد ُقتل‪ ،‬فانكفأنا وانكفأ علينا القو ُم بعد أن أصبنا‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ورصخ‬
‫ِ‬
‫اللواء حتى ما يدنو منه أحدٌ من القو ِم‪.‬‬ ‫أصحاب‬
‫َ‬
‫وانكشف املسلمون‪ ،‬فأصاب فيهم العدو‪ ،‬وكان يوم ٍ‬
‫بالء‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫العدو إىل‬
‫ُّ‬ ‫ص‬ ‫هلل فيه من أكر َم من املسلمني بالشهادة‪ ،‬حتى خ ُل َ‬ ‫ومتحيص أكرم ا ُ‬
‫وش َّج يف‬ ‫وقع لش ِّقه‪ ،‬فأصيبت َرباعي ُته‪ُ ،‬‬
‫ث باحلجارة حتى َ‬
‫(‪)2‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فدُ َّ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫وقاص‪.‬‬ ‫وجهه‪ ،‬و ُكلِمت َشف ُته‪ ،‬وكان الذي أصا َبه عتب ُة بن أيب‬

‫(‪َ )1‬ح ُّسوهم‪ :‬قتلوهم‪.‬‬


‫(‪ُ )2‬د َّ‬
‫ث‪ :‬التوى بعض جسده‪.‬‬
‫‪ | 042‬خمتصر السرية النبوية‬

‫النبي ﷺ يو َم‬ ‫ٍ‬


‫مالك قال‪ُ :‬كرست َرباعي ُة‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬
‫أنس بن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِّ‬
‫يمسح الد َم وهو‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وجعل‬ ‫ُ‬
‫يسيل عىل وجهه‪،‬‬ ‫ُأ ُح ٍد‪ُ ،‬‬
‫وش َّج يف وجهه‪ ،‬فجعل الد ُم‬
‫رهبم؟!» فأنزل اهلل‬
‫يقول‪« :‬كيف ُيفلح قوم خضبوا وج َه نب ِيهم‪ ،‬وهو يدعوهم إىل ِ‬
‫‪ ‬يف ذلك‪ ( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)‬
‫[آل عمران‪.]552:‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫دون رسول اهلل ﷺ أبو دجان َة بنفسه‪ُ ،‬‬
‫يقع النبل يف‬ ‫إسحاق‪ :‬و َت َّر َس َ‬
‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫وقاص دو َن‬ ‫نحن عليه‪ ،‬حتى ك ُثر فيه ُ‬
‫النبل‪ ،‬ورمى سعدُ بن أيب‬ ‫ظهره وهو ُم ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫فداك أيب‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال سعد‪ :‬فلقد رأي ُته ُيناولني َ‬
‫النبل وهو يقول‪« :‬ار ِم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫فيقول‪« :‬ار ِم به»‪.‬‬ ‫السهم ما له ٌ‬
‫نصل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وأمي» حتى إنه ليناو ُلني‬

‫عدي‬
‫ِّ‬ ‫القاسم ب ُن عبد الرمحن بن راف ٍع أخو بني‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وحدثني‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫عمر بن اخلطاب‪،‬‬
‫عم أنس بن مالك‪ ،‬إىل َ‬ ‫ِ‬
‫النض ُّ‬ ‫أنس بن‬
‫بن النجار قال‪ :‬انتهى ُ‬
‫ِ‬
‫واألنصار‪ ،‬وقد َأ ْل َقوا بأيدُم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رجال من املهاجرين‬ ‫وطلح َة بن ِ‬
‫عبيد اهلل‪ ،‬يف‬

‫فقال‪ :‬ما ُجيلسكم؟‬


‫ِ‬
‫باحلياة بعدَ ه؟ قوموا فموتوا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‪ :‬فامذا َتصنعون‬ ‫قالوا‪ُ :‬ق َتل‬
‫َ‬
‫فقاتل حتى ُقتل‪ ،‬وبه ُس ِّمي‬ ‫َ‬
‫استقبل القو َم‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ثم‬‫ُ‬ ‫مات عليه‬ ‫عىل ما َ‬
‫أنس بن ٍ‬
‫مالك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫يومئذ‬ ‫بأنس بن ا ِ‬
‫لنض‬ ‫ِ‬ ‫أنس بن مالك قال‪ :‬لقد وجدنا‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫سبعني ضب ًة‪ ،‬فام عرف ُه إال أخ ُته‪ ،‬عرفته ب َبنانِه‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪043‬‬

‫وقول‬ ‫ِ‬
‫اَلزيمة ‪ُ -‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ بعد‬ ‫عرف‬
‫َ‬ ‫إسحاق‪ :‬وكان َّأو َل من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫مالك‪ ،‬قال‪ :‬عرفت عينَيه تزهران من حتت‬ ‫كعب بن‬ ‫ُ‬ ‫الناس‪ُ :‬قتل‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ُ -‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫معرش املسلمني‪ ،‬أبرشوا‪ ،‬هذا‬ ‫فناديت بأعىل صويت‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫امل ِ ِ‬
‫غفر‪،‬‬
‫َ‬
‫أنصت‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ أن ِ‬
‫ُ‬ ‫فأشار إ َّيل‬
‫َ‬
‫وهنض معهم‬‫رسول اهلل ﷺ هنضوا به‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫عرف املسلمون‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫طالب‪ ،‬وطلح ُة‬ ‫وعيل بن أيب‬ ‫وعمر بن اخلطاب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الصديق‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عب معه أبو ٍ‬
‫بكر‬ ‫الش ِ‬ ‫نحو ِّ‬
‫ُّ‬
‫ورهط من املسلمني‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫واحلارث بن الص ِ‬
‫مة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫والزبري بن العوا ِم‪،‬‬ ‫بن ِ‬
‫عبيد اهلل‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫خلف وهو يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫يب بن‬ ‫الش ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ِّ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فلام ُأسندَ‬
‫عب أدركه أ ُّ‬
‫رجل‬‫أيعطف عليه ٌ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫نجوت‪ ،‬فقال القو ُم‪ :‬يا‬ ‫َ‬ ‫نجوت إن‬ ‫ُ‬ ‫أي حممدُ ‪ ،‬ال‬
‫ْ‬
‫منا؟‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ احلرب َة من‬ ‫َ‬
‫تناول‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬دعوه»‪ ،‬فلام دنا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫رسول اهلل ﷺ منه‬‫ُ‬ ‫بعض القو ِم‪ ،‬فيام ذكر يل‪ :‬فلام أخذها‬ ‫مة‪ ،‬يقول ُ‬ ‫ارث بن الص ِ‬ ‫احل ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫راء(‪ )1‬عن ِ‬ ‫الشع ِ‬
‫البعري إذا انتفض هبا‪،‬‬ ‫ظهر‬ ‫انتفض هبا انتفاض ًة‪ ،‬تطايرنا عنه تطا ُي َر َّ ْ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫ثم استقبله فطعنه يف ُعنقه طعن ًة َتد ْأ َدأ منها عن فرسه م ً‬
‫رارا‪.‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ بم َّك َة‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫خلف‪ ،‬يلقى‬ ‫يب بن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان أ ُّ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫كل يوم فر ًقا من ُذ ٍ‬ ‫فرسا أعلفه َّ‬
‫رة‪ ،‬أقتلك عليه‪ ،‬فيقول‬ ‫يا حممدُ إن عندي ال َعو َذ‪ً ،‬‬
‫هلل»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬بل أنا أق ُتلك إن شاء ا ُ‬

‫(‪َّ )1‬‬
‫الش ْع َراء‪ :‬ذباب أزرق يقع عىل ظهر البعري‪.‬‬
‫‪ | 044‬خمتصر السرية النبوية‬

‫خدشا غري ٍ‬
‫كبري‪ ،‬فاحتقن الد ُم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قريش وقد خدشه يف ُعنقه‬ ‫ٍ‬ ‫فلام رجع إىل‬
‫قال‪ :‬قتلني واهلل حممدٌ ! قالوا له‪ :‬ذهب واهلل فؤا ُدك! واهلل إِ ْن بك من ٍ‬
‫بأس‪.‬‬

‫قال‪ :‬إنه قد كان قال يل بم َّكة‪« :‬أنا أق ُتلك»‪ ،‬فواهلل لو بصق َّ‬
‫عيل لقتلني‪،‬‬
‫ٍ‬
‫برسف وهم قافلون به إىل مك َة‪.‬‬ ‫عدو اهلل‬
‫فامت ُّ‬
‫َ‬
‫عيل بن أيب طالب حتى‬
‫خرج ُّ‬‫فم الشعب َ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فلام انتهى‬
‫ليرشب منه‪ ،‬فوجد له‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫هراس(‪ ،)1‬فجاء به إىل‬ ‫ِ‬ ‫مأل در َقته ماء من امل ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫رحيا‪ ،‬فعافه فلم يرشب منه‪ ،‬وغسل عن وجهه الدم‪ ،‬وصب عىل ِ‬
‫رأسه وهو يقول‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫دمى وج َه نب ِيه»‪.‬‬
‫غضب اهلل عىل من َّ‬ ‫ُ‬ ‫«اشتد‬

‫النفر من‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالشعب معه أولئك‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فبينا‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫اللهم إنه ال‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َّ « :‬‬ ‫َ‬
‫اجلبل‪ ،‬فقال‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪:‬‬ ‫أصحابِه‪ ،‬إذ علت عالي ٌة من‬
‫ٌ‬
‫ورهط معه من املهاجرين حتى‬ ‫عمر بن اخلطاب‬ ‫َ‬
‫فقاتل ُ‬ ‫َينبغي مهم أن َيعلونا!»‬
‫ِ‬
‫اجلبل‪.‬‬ ‫أهبطوهم من‬
‫ِ‬
‫اجلبل ل َيعلوها‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬
‫صخرة من‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وهنض‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ستطع‪،‬‬
‫ْ‬ ‫لينهض ﷺ مل َي‬
‫َ‬ ‫ذهب‬
‫َ‬ ‫وظاهر بني درعني‪ ،‬فلام‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫كان َبدَّ َن‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫فجلس حتته طلح ُة بن ُع ِ‬
‫بيد اهلل‪ ،‬فنهض به حتى استوى عليها‪ ،‬فقال‬
‫أوجب(‪ )3‬طلح ُة»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ﷺ‪« :‬‬

‫(‪ )1‬امل ِ ْهراس‪ :‬ماء بأحد‪ .‬وقيل‪ :‬حجر ينقر وجيعل إىل جانب البئر‪ ،‬ويصب فيه املاء لينتفع به الناس‪.‬‬
‫(‪َ )2‬بدَّ َن‪ :‬أسن‪.‬‬
‫(‪َ )3‬أ ْو َج َ‬
‫ب‪ :‬أي‪ :‬وجبت له اجلنة‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪045‬‬

‫قال ابن هشا ٍم‪ :‬وذكر عمر موىل ُغفر َة أن النبي ﷺ صىل الظهر يوم ٍ‬
‫أحد‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلراح التي أصابته‪ ،‬وصىل املسلمون خلفه ُقعو ًدا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قاعدً ا من‬
‫ِ‬
‫اجلبل‪ ،‬ثم‬ ‫أرشف عىل‬
‫َ‬ ‫االنرصاف‪،‬‬
‫َ‬ ‫حرب‪ ،‬حني أراد‬‫ٍ‬ ‫َ‬
‫سفيان بن‬ ‫ثم إن أبا‬
‫سجال‪ ،‬يو ٌم بيوم‪َ ،‬أ ِ‬
‫عل‬ ‫ٌ‬ ‫احلرب‬
‫َ‬ ‫أنعمت َفعال(‪ ،)1‬وإن‬
‫َ‬ ‫رصخ بأعىل صوتِه فقال‪:‬‬
‫َ‬
‫عمر ِ‬
‫فأج ْبه‪ ،‬فقل‪ :‬اهلل أعىل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ُ « :‬قم يا ُ‬ ‫ُه َبل ‪-‬أي‪ِ :‬‬
‫أظهر دينَك‪ -‬فقال‬
‫وأجل‪ ،‬ال سواء؛ قتالنا يف ِ‬
‫اجلنة‪ ،‬وقتال ُكم يف النار»‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫سفيان‪ ،‬قال له أبو سفيان‪َ :‬ه ُل َّم إ َّيل يا ُ‬
‫عمر‪ ،‬فقال‬ ‫َ‬ ‫عمر أبا‬
‫فلام أجاب ُ‬
‫اهلل ﷺ لعمر‪« :‬ائتِه فانظر ما شأ ُنه»‪.‬‬

‫فجاءه‪ ،‬فقال له أبو سفيان‪ :‬أ ْن ُشدك اهللَ يا عمر‪ ،‬أق َتلنا حممدً ا؟‬
‫ُ‬
‫أصدق عندي من‬ ‫سمع كال َمك اآلن‪ ،‬قال‪ :‬أنت‬
‫عمر‪ :‬اللهم ال‪ ،‬وإنه ل َي ُ‬
‫قال ُ‬
‫ابن َقمئ َة وأبر‪ .‬ل ِ ِ‬
‫قول ابن قمئ َة َلم‪ :‬إين قد ُ‬
‫قتلت حممدً ا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫سفيان‪ :‬إنه قد كان يف قتالكم ُم ُث ٌل‪ ،‬واهلل ما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم نادى أبو‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫أمرت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫سخطت‪ ،‬وما َهنيت‪ ،‬وما‬
‫ُ‬ ‫رضيت‪ ،‬وما‬

‫بدر للعام القابِ ِل‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬


‫وملا انرصف أبو سفيان ومن معه نادى‪ :‬إن موعدَ كم ٌ‬
‫لرجل من أصحابِه‪« :‬قل‪ :‬نعم‪ ،‬هو بيننا وبينكم موعد»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬

‫فانظر‬
‫ْ‬ ‫رسول اهلل ﷺ عيل بن أيب طالب فقال‪« :‬اخرج يف ِ‬
‫آثار القو ِم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ثم بعث‬
‫َّ‬
‫اخليل‪ ،‬وامتطوا َ‬
‫اإلبل‪ ،‬فإهنم ُيريدون‬ ‫ماذا َيصنعون وما ُيريدون فإن كانوا قد َجنَّبوا َ‬

‫(‪َ )1‬أن َع َ‬
‫مت َفعال‪ :‬يعني به احلرب والوقيعة‪ ،‬يفتخر هبا‪.‬‬
‫‪ | 046‬خمتصر السرية النبوية‬

‫اإلبل‪ ،‬فإهنم يريدون املدين َة‪ ،‬والذي نفيس ِ‬


‫بيده‪ ،‬لئن‬ ‫اخليل وساقوا َ‬‫مك َة‪ ،‬وإن ركبوا َ‬
‫ُ‬
‫زهنم»‪.‬‬ ‫ألسرين إليهم فيها‪ ،‬ثم ألُ ِ‬
‫ناج َّ‬ ‫َّ‬ ‫أرادوها‬
‫أنظر ماذا َيصنعون‪ ،‬فجنَّبوا َ‬
‫اخليل‪ ،‬وامتطوا‬ ‫قال عيل‪ :‬فخرجت يف ِ‬
‫آثارهم ُ‬
‫َ‬
‫اإلبل‪ ،‬ووجهوا إىل مك َة‪.‬‬

‫ينظر ل ما فعل سعدُ‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬من رجل ُ‬ ‫وفر َغ ُ‬
‫الناس لقتالهم‪ ،‬فقال‬
‫ِ‬
‫األموات؟»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األحياء هو أم يف‬ ‫بن الربي ِع؟ أيف‬
‫رسول اهلل ما َ‬
‫فعل سعدٌ ‪ ،‬فنظر‬ ‫َ‬ ‫أنظر لك يا‬ ‫ِ‬
‫األنصار‪ :‬أنا ُ‬ ‫رجل من‬‫فقال ٌ‬
‫مق‪.‬‬
‫حيا يف القتىل وبه َر ٌ‬
‫فوجده جر ً‬
‫رسول اهلل ﷺ َأمرين أن أن ُظر‪ ،‬أيف األحي ِ‬
‫اء أنت أم يف‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬فقلت له‪ :‬إن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األموات؟‬

‫رسول اهلل ﷺ عني السال َم‪ ،‬وقل له‪ :‬إن سعدَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فأبلغ‬ ‫ِ‬
‫األموات‪،‬‬ ‫قال‪ :‬أنا يف‬
‫خري ما جزى نب ايا عن أ َّمتِه‪ ،‬وأبلغ قو َمك عني‬
‫بن الربي ِع يقول لك‪ :‬جزاك اهللُ عنا َ‬
‫السال َم‪ ،‬وقل َلم‪ :‬إن سعدَ بن الربي ِع يقول لكم‪ :‬إنه ال ُع َ‬
‫ذر لكم عند اهلل إن‬
‫طرف‪.‬‬ ‫عني َت ِ‬
‫َخ ُلص إىل نب ِّيكم ﷺ ومنكم ٌ‬
‫ربه‪.‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فأخرب ُته خ َ‬ ‫فجئت‬
‫ُ‬ ‫مات‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أبرح حتى َ‬
‫قال‪ :‬ثم مل َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فيام بلغني‪ ،‬يلتمس محز َة بن ِ‬
‫عبد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وخرج‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫دع أن ُفه وأذناه‪.‬‬
‫فج َ‬‫ببطن الوادي قد ُبقر بطنُه عن كبِده‪ ،‬و ُم ِّثل به‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫املطلب‪ ،‬فوجده‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪047‬‬

‫رسول اهلل ﷺ قال حني رأى ما رأى‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬


‫جعفر بن الزبري أن‬ ‫فحدثني حممدُ بن‬
‫يكون يف بطون السبا ِع‪،‬‬
‫َ‬ ‫زن صف َّي ُة ويكون سنَّة من بعدي؛ لتك ُته حتى‬‫«لوال أن َحت َ‬
‫ٍ‬
‫موطن من املواطن ألم ِثلن بثالثني‬ ‫ٍ‬
‫قريش يف‬ ‫ِ‬
‫الطري‪ ،‬ولئن أظهرين اهللُ عىل‬ ‫ِ‬
‫وحواصل‬
‫رجال منهم»‪.‬‬

‫بعمه ما فعل‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ وغي َظه عىل من َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬


‫فعل ِّ‬ ‫حزن‬ ‫فلام رأى املسلمون‬
‫ِ‬
‫الدهر لنُم ِّثلن هبم ُمثل ًة مل ُيم ِّثلها أحدٌ من‬ ‫هلل هبم يو ًما من‬
‫أظفرنا ا ُ‬
‫قالوا‪ :‬واهلل لئن َ‬
‫العرب‪.‬‬
‫إسحاق‪ :‬عن ابن عباس أن اهللَ ‪َ ‬‬
‫أنزل يف ذلك‪ ،‬من قول‬ ‫َ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫وقول أصحابِه‪( :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النحل‪]557-556:‬؛ فعفا‬
‫وصرب وهنى عن املُ ِ‬
‫ثلة‪.‬‬ ‫َ‬
‫فس ِّج َي‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بحمز َة ُ‬ ‫ٍ‬
‫عباس قال‪ :‬أمر‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن ابن‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫فيوضعون إىل محز َة‪ ،‬فصىل‬ ‫سبع تكبريات‪ ،‬ثم ُأ َ‬
‫يت بال َقتىل َ‬ ‫ُبربدة ثم صىل عليه‪ ،‬فكرب َ‬
‫عليهم وعليه معهم‪ ،‬حتى صىل عليه ِ‬
‫ثنتني وسبعني صال ًة‪.‬‬
‫ِ‬
‫املدينة‪،‬‬ ‫ناس من املسلمني قتالهم إىل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان قد احتمل ٌ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عن ذلك‪ ،‬وقال‪« :‬ادفنوهم حيث ُرصعوا»‪.‬‬ ‫فدفنوهم هبا‪ ،‬ثم هنى‬

‫أرشف عىل‬ ‫َ‬


‫رسول اهلل ﷺ ملا‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬
‫عبد اهلل بن ثعلب َة أن‬ ‫َ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫قال ُ‬
‫ٍ‬
‫القتىل يو َم ُأ ُحد قال‪« :‬أنا شهيد عىل هؤالء‪ ،‬إنه ما من جريحٍ ُجي ُ‬
‫رح يف اهلل إال واهللُ‬
‫‪ | 048‬خمتصر السرية النبوية‬

‫أكثر‬
‫ريح مسك‪ ،‬انظروا َ‬ ‫اللون لون د ٍم والريح ُ‬
‫ُ‬ ‫رحه‪،‬‬
‫يبعثه يو َم القيامة َيدمي ُج ُ‬
‫للقرآن‪ ،‬فاجعلوه أما َم أصحابِه يف القرب» وكانوا َيدفنون االث ِ‬
‫نني‬ ‫ِ‬ ‫هؤالء مجعا‬
‫ِ‬
‫الواحد‪.‬‬ ‫والثالث َة يف ِ‬
‫القرب‬
‫ِ‬
‫السبت للنصف من شوال‪.‬‬ ‫أحد يو َم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان يو ُم ُ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫قال‪ :‬فلام كان الغدُ من يوم األحد لست عرش َة ليل ًة مضت من شوال‪ ،‬أ َّذن‬
‫العدو‪ ،‬فأذن مؤذ ُنه أال َخيرجن معنا أحدٌ إال‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫بطلب‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف الناس‬ ‫ُ‬
‫مؤذن‬
‫عبد اهلل بن عمرو بن َحرا ٍم فقال‪ :‬يا‬ ‫باألمس‪ ،‬فك َّلمه جابر بن ِ‬
‫ِ‬ ‫حض يومنا‬ ‫أحدٌ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إن أيب كان خ َّلفني عىل أخوات يل سب ٍع‪ ،‬وقال‪ :‬يا ُب َّ‬
‫ني‪ ،‬إنه ال ينبغي يل‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫باجلهاد مع‬ ‫َ‬
‫أوثرك‬ ‫رجل فيهن‪ ،‬ولست بالذي‬ ‫وال لك أن َ‬
‫نرتك هؤالء النسو َة ال َ‬
‫فتخلفت عليهن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ف عىل أخواتِك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل نفيس‪ ،‬فتخ َّل ْ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُمره ًبا‬ ‫فخرج معه‪ ،‬وإنام خرج‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫فأذن له‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫أصاهبم مل يوهنهم‬
‫َ‬ ‫قو ًة‪ ،‬وأن الذي‬ ‫للعدو‪ ،‬وليب ِّل َغهم أنه َ‬
‫خرج يف طلبهم‪ ،‬ليظنوا به َّ‬ ‫ِّ‬
‫عدوهم‪.‬‬
‫عن ِّ‬
‫ِ‬
‫األسد‪ ،‬وهي‬ ‫ِ‬
‫محراء‬ ‫رسول اهلل ﷺ حتى انتهى إىل‬‫ُ‬ ‫فخرج‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫أميال‪ ،‬فأقام هبا االثنني والثالثاء واألربعاء‪ ،‬ثم رجع إىل‬ ‫ِ‬
‫ثامنية‬ ‫ِ‬
‫املدينة عىل‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫املدينة‪.‬‬
‫مسلمهم‬ ‫اخلزاعي‪ ،‬وكانت خزاع ُة‪،‬‬ ‫قال‪ :‬وقد مر به معبدُ بن أيب م ٍ‬
‫عبد‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫لرسول اهلل ﷺ بتِهام َة‪ ،‬صفق ُتهم معه(‪ ،)2‬ال خيفون عنه‬
‫ِ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫ومرشكهم َع ْي َب َة ُن ٍ‬
‫صح‬

‫(‪َ )1‬ع ْي َبة ُنصح‪ :‬أي‪ :‬موضع رسه‪.‬‬


‫(‪َ )2‬ص ْف َق ُتهم معه‪ :‬من تصافق القوم إذا تبايعوا‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪049‬‬

‫عز علينا ما‬


‫مرشك‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممدُ ‪ ،‬أما واهلل لقد َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ‬ ‫شي ًئا كان هبا‪ ،‬ومعبدٌ‬
‫ِ‬
‫بحمراء األسد‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ‬ ‫خرج‬ ‫هلل عافاك فيهم‪ ،‬ثم‬‫أصا َبك‪ ،‬ولوددنا أن ا َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫ِ‬
‫بالروحاء‪ ،‬وقد أمجعوا الرجع َة إىل‬ ‫حرب ومن معه‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫سفيان بن‬ ‫حتى لقي أبا‬
‫نرجع قبل‬
‫ُ‬ ‫اهلل ﷺ وأصحابِه‪ ،‬وقالوا‪ :‬أصبنا حدَّ أصحابِه وأرشا َفهم وقا َدهتم‪ ،‬ثم‬
‫ِ‬
‫أن نستأص َلهم! لنَ ُك َر َّن عىل بقيتهم‪ ،‬فلنَ ُ‬
‫فرغ َّن منهم‪.‬‬
‫خرج يف‬
‫فلام رأى أبو سفيان َمعبدً ا‪ ،‬قال‪ :‬ما ورا َءك يا معبدُ ؟ قال‪ :‬حممدٌ قد َ‬
‫اجتمع معه من‬
‫َ‬ ‫أصحابه يطل ُبكم يف مج ٍع مل َأر مث َله قط‪َّ ،‬‬
‫يتحرقون عليكم حتر ًقا‪ ،‬قد‬
‫حل ِنق عليكم يش ٌء مل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كان ختلف عنه يف يومكم‪ ،‬وندموا عىل ما صنعوا‪ ،‬فيهم من ا َ‬
‫َأر مث َله قط‪ ،‬قال‪ :‬وحيك! ما ُ‬
‫تقول؟‬

‫مجعنا‬ ‫ِ‬
‫اخليل‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل لقد أ َ‬ ‫نوايص‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬واهلل ما أرى أن َت َ‬
‫رحتل حتى أرى‬
‫َ‬
‫أهناك عن ذلك‪.‬‬ ‫َ‬
‫لنستأصل بق َّيتهم‪ :‬قال‪ :‬فإين‬ ‫الكر َة عليهم‪،‬‬
‫َّ‬
‫قلت فيهم أبيا ًتا من ٍ‬
‫شعر‪.‬‬ ‫رأيت عىل أن ُ‬
‫قال‪ :‬واهلل لقد محلني ما ُ‬
‫قلت؟‬
‫قال‪ :‬وما َ‬
‫قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫ِ‬
‫األبابيل‬ ‫األرض باجل ِ‬
‫رد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫سالت‬ ‫إذ‬ ‫**‬ ‫األصوات ِ‬
‫راحلتي‬ ‫ِ‬ ‫كادت ُ َهتدُّ من‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫معازيــل‬ ‫يــل‬ ‫ِ‬
‫اللقــاء وال ِم ٍ‬ ‫عنــد‬ ‫**‬ ‫ــد كـــرا ٍم ال تَنابِلـ ٍ‬
‫ــة‬ ‫َتـــردي ب ُأسـ ٍ‬

‫َ‬
‫سفيان ومن معه‪.‬‬ ‫فثنى ذلك أبا‬
‫ومر به ركب من ِ‬
‫عبد القيس‪ ،‬فقال‪ :‬أين ُتريدون؟ قالوا‪ُ :‬نريد املدين َة؟‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫‪ | 051‬خمتصر السرية النبوية‬

‫قال‪ :‬ومل؟‬
‫قالوا‪ُ :‬نريد امل ِري َة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهل أنتم ُمب ِّلغون عني حممدً ا رسال ًة أرس ُلكم هبا إليه‪ ،‬و ُأ ُ‬
‫محل لكم هذه‬
‫كاظ إذا وافيتموها؟‬ ‫غدً ا زبيبا بع ٍ‬
‫ً ُ‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ِ‬
‫لنستأص َل‬ ‫السري إليه وإىل أصحابِه‬ ‫قال‪ :‬فإذا وافي ُتموه فأخربوه أ َّنا قد أمجعنا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األسد‪ ،‬فأخربوه بالذي قال أبو‬ ‫ِ‬
‫بحمراء‬ ‫برسول اهلل ﷺ وهو‬‫ِ‬ ‫الركب‬ ‫فمر‬
‫ُ‬ ‫بق َّيتهم‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫الوكيل»‪.‬‬ ‫ونعم‬
‫َ‬ ‫سفيان‪ ،‬فقال‪« :‬حسبنا اهللُ‬
‫ٍ‬
‫ومصيبة ومتحيص‪ ،‬اخترب اهللُ به‬ ‫حد يوم ٍ‬
‫بالء‬ ‫إسحاق‪ :‬كان يوم ُأ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالكفر يف‬ ‫ٍ‬
‫ستخف‬ ‫َ‬
‫اإليامن بلسانه‪ ،‬وهو ُم‬ ‫ظهر‬
‫وحم َ َن به املنافقني ممن كان ُي ُ‬‫املؤمنني‪َ ،‬‬
‫أهل واليتِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالشهادة من ِ‬ ‫قلبِه‪ ،‬ويو ًما أكر َم اهلل فيه من أرا َد كرامته‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫املسلمني مع‬
‫َ‬ ‫فجميع من استشهدَ من‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫املُهاجرين واألنصار مخس ٌة وستون ً‬
‫رجال‪.‬‬
‫هلل تبارك وتعاىل يوم ٍ‬
‫أحد من املرشكني‬ ‫فجميع من َقتل ا ُ‬ ‫َ‬
‫سحاق‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن إ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اثنان وعرشون ً‬
‫رجال‪.‬‬

‫‪ -11‬ذكرُ يومِ الرجيع يف سنةِ ثالثٍ‬

‫عاصم بن عمر بن قتاد َة قال‪:‬‬ ‫حممد بن إسحاق امل َّطلبي قال‪ :‬حدثني‬‫ِ‬ ‫عن‬
‫ُ‬
‫والقار ِة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسو َل اهلل‪،‬‬
‫َّ‬ ‫رهط من َع َض ٍل‬
‫ٌ‬ ‫أح ٍد‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ بعدَ ُ‬
‫ِ‬
‫قدم عىل‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪050‬‬

‫قرئوننا‬‫نفرا من أصحابِك ُيف ِّقهوننا يف الدين‪ ،‬و ُي ِ‬ ‫إن فينا إسال ًما‪ ،‬فابعث معنا ً‬
‫نفرا ست ًة من أصحابِه‪،‬‬‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫ُ‬ ‫رشائع اإلسالم؛ فبعث‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‪ ،‬و ُيعلموننا‬
‫مرثد الغنوي‪ ،‬وخالدُ بن البكري الليثي‪ ،‬وعاصم بن ِ‬
‫ثابت بن‬ ‫وهم‪ :‬مرثدُ بن أيب ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫عدي‪ ،‬وزيد بن الدَّ ثِ ِنة بن معاوي َة‪ ،‬وعبدُ اهلل بن طارق‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫بيب بن‬
‫وخ ُ‬ ‫األقلح‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫أيب‬

‫الغنوي‪ ،‬فخرج مع القو ِم‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل القو ِم مرثدَ بن أيب ٍ‬
‫مرثد‬ ‫ُ‬ ‫وأ َّمر‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫صدور اَلد َأة َغدروا‬ ‫ِ‬
‫احلجاز‪ ،‬عىل‬ ‫حتى إذا كانوا عىل الرجي ِع‪ٍ :‬‬
‫ماء َل ُ ٍ‬
‫ذيل بناحية‬
‫ُ‬
‫الرجال‬ ‫ذيال‪ ،‬فلم َي ُرع القو َم وهم يف رحاَلم إال‬‫هبم‪ ،‬فاسترصخوا عليهم ُه ً‬
‫غشوهم‪ ،‬فأخذوا أسيا َفهم ل ُيقاتلوهم فقالوا َلم‪ :‬إنا واهلل ما‬
‫السيوف قد َ‬
‫ُ‬ ‫بأيدُم‬
‫ُنريد قت َلكم‪ ،‬ولكنا نريدُ أن ُنصيب بكم شي ًئا من أهل م َّك َة ولكم عهدُ اهلل وميثا ُقه‬
‫أال نق ُت َلكم‪.‬‬
‫مرثد‪ ،‬وخالدُ بن البكري‪ ،‬وعاصم بن ٍ‬
‫ثابت فقالوا‪ :‬واهلل ال‬ ‫فأما مرثدُ بن أيب ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مرشك عهدً ا وال عقدً ا أبدً ا‪ ،‬ثم قاتل القو َم حتى ُقتل و ُقتِ َل صاحباه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫نقبل من‬

‫سعد بن‬‫رأسه‪ ،‬ليبيعوه من سالف َة بنت ِ‬ ‫ذيل أخذ ِ‬ ‫عاصم أرادت ُه ٌ‬ ‫فلام ُقتل‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫رأس‬ ‫أح ٍد‪ :‬لئن قدرت عىل‬ ‫ُشهيد‪ ،‬وكانت قد نذرت حني أصاب ابنيها يو َم ُ‬
‫الدبر‬
‫ُ‬ ‫اخلمر‪ ،‬فمن َع ْته الدَّ ْب ُر(‪ ،)1‬فلام حالت بينه وبينَهم‬
‫َ‬ ‫عاص ٍم لترش َب َّن يف ِق ْح ِفه‬
‫عاصام‪،‬‬
‫ً‬ ‫فنأخذه‪ ،‬فبعث اهلل الوادي‪ ،‬فاحتمل‬ ‫َ‬ ‫ذهب عنه‬‫قالوا‪ :‬دعوه ُيميس ف َت ُ‬
‫يمس‬ ‫ٌ‬
‫مرشك‪ ،‬وال َّ‬ ‫يمسه‬
‫هلل عهدً ا أن ال َّ‬
‫عاصم قد أعطى ا َ‬
‫ٌ‬ ‫فذهب به‪ ،‬وقد كان‬
‫مرش ًكا أبدً ا ُّ‬
‫تنج ًسا‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدَّ ْبر‪ :‬مجاعة النحل‪.‬‬


‫‪ | 052‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ُ‬
‫حيفظ اهللُ‬ ‫عمر بن اخلطاب ‪ ‬يقول‪ :‬حني بلغ ُه أن الدبر من َعته‪:‬‬
‫فكان ُ‬
‫يمس مرش ًكا أبدً ا يف حياته‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫مرشك‪ ،‬وال َّ‬ ‫يمسه‬
‫نذر أال َّ‬‫عاصم َ‬‫ٌ‬ ‫العبدَ املؤمن‪ ،‬كان‬
‫امتنع منه يف حياتِه‪.‬‬
‫َ‬ ‫فمنعه اهللُ بعد وفاتِه‪ ،‬كام‬

‫عدي وعبدُ اهلل بن طارق‪ ،‬فالنوا ورقوا‬ ‫ٍّ‬ ‫وخبيب بن‬ ‫وأما زيدُ بن الدَّ ثِ ِنة ُ‬
‫احلياة‪ ،‬فأعطوا بأيدُم ف َأرسوهم‪ ،‬ثم خرجوا إىل م َّك َة‪ ،‬ل َيبيعوهم هبا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورغبوا يف‬
‫ران‪ ،‬ثم أخذ سي َفه‪،‬‬ ‫الق ِ‬‫طارق يدَ ه من ِ‬
‫ٍ‬ ‫انتزع عبدُ اهلل بن‬ ‫حتى إذا كانوا بال َّظهران‬
‫َ‬
‫هران‪ ،‬وأما‬ ‫ِ‬
‫باحلجارة حتى َقتلوه‪ ،‬فقربه ‪ ‬بال َّظ ِ‬ ‫واستأخر عنه القو ُم‪ ،‬فرموه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بيب بن عدي وزيد بن الدَّ ثنة فقدموا هبام م َّك َة‪.‬‬
‫ُخ ُ‬
‫التميمي لعقب َة بن‬
‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫إهاب‬ ‫فابتاع ُخبي ًبا ُح ُ‬
‫جري بن أيب‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫عامر أل ِّمه‪ ،‬ليقت َله‬ ‫ِ‬
‫احلارث بن‬ ‫ِ‬
‫عامر بن نوفل‪ ،‬وكان أبو إهاب أخا‬ ‫احلارث بن‬
‫بأبيه‪.‬‬

‫صفوان بن أمي َة ل َيق ُتله بأبيه أمي َة‬


‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬وأما زيدُ بن الدَّ ِ‬
‫ثنة فابتاعه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫سطاس إىل التنعي ِم‪،‬‬ ‫صفوان بن أمي َة مع موىل له‪ ،‬يقال له‪ :‬نِ‬
‫ُ‬ ‫خلف‪ ،‬وبعث به‬ ‫ٍ‬ ‫بن‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫سفيان بن‬ ‫رهط من قريش‪ ،‬فيهم أبو‬ ‫ٌ‬ ‫وأخرجوه من احلر ِم ل َيقتلوه‪ ،‬واجتمع‬
‫حرب‪ ،‬فقال له أبو سفيان حني ُقدِّ م ل ُيق َتل‪ُ :‬‬
‫أنشدك اهللَ يا زيد‪ ،‬أحتب أن حممدً ا‬
‫نضب ُعن َقه‪ ،‬وأنك يف أهلك؟‬‫ُ‬ ‫اآلن يف مكانِك‬
‫عندنا َ‬

‫قال‪ :‬واهلل ما أحب أن حممدً ا اآلن يف مكانِه الذي هو فيه ُتصيبه شوك ٌة‬
‫جالس يف أهيل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫تؤذيه‪ ،‬وأنى‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪053‬‬

‫ِ‬
‫أصحاب‬ ‫حيب أحدً ا كحب‬ ‫ِ‬
‫الناس أحدً ا ُّ‬ ‫رأيت من‬
‫قال‪ :‬يقول أبو سفيان‪ :‬ما ُ‬
‫ٍ‬
‫حممد حممدً ا‪ ،‬ثم قتله نسطاس يرمحه اهلل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إهاب ‪-‬وكانت قد‬ ‫ِ‬
‫موالة ُحجري بن أيب‬ ‫عدي‪ ،‬فعن ِ‬
‫ماو َّي َة‬ ‫وأما ُخبيب بن‬
‫ٍّ‬
‫خبيب عندي‪ُ ،‬حبس يف بيتي‪ ،‬فلقد اطلعت عليه يو ًما‪ ،‬وإن‬
‫ٌ‬ ‫أسلمت‪ -‬قالت‪ :‬كان‬
‫ِ‬
‫أرض اهلل عن ًبا‬ ‫أعلم يف‬
‫ُ‬ ‫يأكل منه‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬
‫رأس الرجل ُ‬ ‫يف يده َل ِقط ًفا من ِ‬
‫عنب مثل‬
‫ُيؤكل‪.‬‬
‫إسحاق‪ :‬وعنها أهنا قالت‪ :‬قال يل حني حض ُه ُ‬
‫القتل‪ :‬ابعثي إ َّيل‬ ‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫للقتل‪ ،‬قالت‪ :‬فأعطيت غال ًما من احلي املُوسى‪ ،‬فقلت‪ :‬ادخل‬ ‫أتطهر هبا‬ ‫ٍ‬
‫بحديدة َّ‬
‫فقلت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫البيت‪ ،‬قالت‪ :‬فواهلل‪ ،‬ما هو إال أن َّ‬
‫وىل الغال ُم هبا إليه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الرجل‬ ‫هبا عىل هذا‬
‫ٍ‬
‫برجل‪ ،‬فلام‬ ‫رجال‬ ‫ثأره ِ‬
‫بقتل هذا الغال ِم‪ ،‬فيكون ً‬ ‫ُ‬
‫الرجل َ‬ ‫صنعت! أصاب واهلل‬ ‫ُ‬ ‫ماذا‬
‫ِ‬
‫أخذها من يده ثم قال‪َ :‬ل ُ‬
‫عمرك‪ ،‬ما خافت أ ُّمك غدري حني بع َث ْتك‬ ‫ناوله احلديد َة َ‬
‫خىل سبيله‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلديدة إ َّيل! ثم َّ‬ ‫هبذه‬
‫بخ ٍ‬
‫بيب‪ ،‬حتى إذا جاءوا به إىل‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬قال عاصم‪ :‬ثم خرجوا ُ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫أركع ركعتني فافعلوا‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫َ‬ ‫التنعي ِم ل َيصلبوه‪ ،‬قال َلم‪ :‬إن رأيتم أن َتدعوين حتى‬
‫فاركع‪ ،‬فركع ركعتني أمت َّهام وأحسنَهام‪ ،‬ثم َ‬
‫أقبل عىل القو ِم فقال‪ :‬أما واهلل‬ ‫ْ‬ ‫دو َنك‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫الستكثرت من‬ ‫ِ‬
‫القتل‬ ‫طولت جز ًعا من‬
‫ُ‬ ‫لوال أن تظنُّوا أين إنام َّ‬
‫ِ‬
‫الركعتني عند القت ِل‬ ‫عدي َّأو َل من س َّن هاتني‬
‫ٍّ‬ ‫خبيب بن‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فكان‬
‫للمسلمني‪.‬‬
‫‪ | 054‬خمتصر السرية النبوية‬

‫اللهم إ َّنا قد ب َّلغنا رسال َة‬ ‫ٍ‬


‫خشبة‪ ،‬فلام أوثقوه قال‪:‬‬ ‫قال‪ :‬ثم رفعوه عىل‬
‫َّ‬
‫رسولك‪ ،‬فب ِّلغه الغدا َة ما يصنع بنا‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم ِ‬
‫أحصهم عد ًدا‪ ،‬واق ُتلهم َبد ًدا‪،‬‬ ‫ُ ُ‬
‫وال ُتغادر منهم أحدً ا‪ .‬ثم قتلوه ‪.‬‬

‫‪ -11‬حديثُ بئرِ َمعونةَ يف صفر سنةَ أربع‬

‫العب األسنَّ ِة عىل‬ ‫ٍ‬


‫مالك ُم‬ ‫عامر بن‬ ‫قدم أبو ٍ‬
‫براء‬ ‫وكان من حديثِهم أن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ اإلسال َم‪ ،‬ودعاه إليه‪ ،‬فلم‬ ‫رسول اهلل ﷺ املدين َة‪ ،‬ف َعرض عليه‬ ‫ِ‬
‫رجاال من أصحابِك إىل ِ‬
‫أهل‬ ‫ً‬ ‫ُيسلِم ومل َيب ُعد من اإلسال ِم‪ ،‬وقال‪ :‬يا حممدُ ‪ ،‬لو َبعثت‬
‫أمرك‪َ ،‬رجوت أن يستجيبوا لك‪.‬‬ ‫نجد‪ ،‬فدعوهم إىل ِ‬ ‫ٍ‬

‫أهل ٍ‬
‫نجد»‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إين أخشى عليهم َ‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫الناس إىل ِ‬
‫أمرك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فابعثهم فليدعوا َ‬
‫ُ‬ ‫جار‪،‬‬
‫قال أبو براء‪ :‬أنا َلم ٌ‬
‫رجال من أصحابِه من ِ‬
‫خيار‬ ‫أربعني ً‬
‫َ‬ ‫املنذر بن عمرو يف‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فبعث‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫ِ‬
‫بكتاب‬ ‫َ‬
‫لحان‬ ‫ببئر َمعون َة‪ ،‬فلام نزلوها بعثوا َحرا َم بن ِم‬
‫فساروا حتى نزلوا ِ‬
‫عدو اهلل ِ‬
‫عامر بن ال ُّط ِ‬
‫فيل‪ ،‬فلام أتاه مل ينظر يف كتابه حتى عدا عىل‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل ِّ‬
‫ِ‬
‫الرجل فقتل ُه‪.‬‬
‫استرصخ عليهم بني ٍ‬
‫عامر‪ ،‬فأبوا أن ُجييبوه إىل ما دعاهم إليه وقالوا‪ :‬لن‬ ‫َ‬ ‫ثم‬
‫وارا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُنخفر أبا براء‪ ،‬وقد عقدَ َلم عقدً ا وج ً‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪055‬‬

‫فاسترصخ عليهم قبا َئل من بني ُسلي ٍم فأجابوه إىل ذلك‪ ،‬فخرجوا حتى‬ ‫َ‬
‫حاَلم‪ ،‬فلام رأوهم أخذوا ُسيو َفهم‪ ،‬ثم قا َتلوهم‬ ‫غشوا القوم‪ ،‬فأحاطوا هبم يف ِر ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫دينار بن‬ ‫هلل‪ -‬إال كعب بن ٍ‬
‫زيد أخا بني‬ ‫محهم ا ُ‬ ‫حتى ُقتلوا من عند ِ‬
‫آخرهم ‪َ -‬ير ُ‬
‫َ‬
‫فعاش حتى ُقتل يو َم‬‫َ‬ ‫فار ُت َّث(‪ )1‬من بني القتىل‪،‬‬
‫رمق‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫النجار‪ ،‬فإهنم تركوه وبه ٌ‬
‫ِ‬
‫اخلندق شهيدً ا‪ ،‬رمحه اهلل‪.‬‬
‫ِ‬
‫األنصار أحدُ بني‬ ‫ٌ‬
‫ورجل من‬ ‫مري‪،‬‬ ‫عمرو بن أمي َة َّ‬
‫الض ُّ‬ ‫رسح القو ِم ُ‬
‫وكان يف ِ‬
‫ٍ‬
‫عوف‪.‬‬ ‫عمرو بن‬

‫الطري حتو ُم عىل‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أصحاهبام إال‬ ‫بم ِ‬
‫صاب‬ ‫إسحاق‪ :‬فلم ُينْبئهام ُ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫الطري لشأ ًنا‪ ،‬فأقبال لين ُظرا‪ ،‬فإذا القوم يف ِ‬
‫دمائهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العسكر‪ ،‬فقاال‪ :‬واهلل إن َِلذه‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫وإذا ُ‬
‫اخليل التي أصابتهم واقف ٌة‪.‬‬
‫ِ‬
‫برسول اهلل‬ ‫لحق‬
‫األنصاري لعمرو بن أمية‪ :‬ما ترى؟ قال‪ :‬أرى أن َن َ‬
‫ُّ‬ ‫فقال‬
‫رب‪.‬‬
‫ربه اخل َ‬
‫ﷺ‪ ،‬فنخ َ‬
‫املنذر بن‬
‫ُ‬ ‫ألرغب بنفيس عن َم ٍ‬
‫وطن ُقتل فيه‬ ‫َ‬ ‫األنصاري‪ :‬لكني ما كنت‬
‫ُّ‬ ‫فقال‬
‫قاتل القو َم حتى ُق َتل‪ ،‬وأخذوا َ‬
‫عمرو‬ ‫الرجال‪ ،‬ثم َ‬
‫ُ‬ ‫ربين عنه‬
‫كنت ل ُتخ َ‬
‫عمرو‪ ،‬وما ُ‬
‫وجز ناصي َته‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الطفيل‪َّ ،‬‬ ‫عامر بن‬
‫ض‪ ،‬أطلقه ُ‬ ‫ربهم أنه من ُم َ‬ ‫بن أمي َة ً‬
‫أسريا‪ ،‬فلام أخ َ‬
‫وأع َت َقه عن ٍ‬
‫رقبة زعم أهنا كانت عىل أ ِّمه‪.‬‬
‫ِ‬
‫رجالن من‬ ‫رقرة من صدر ٍ‬
‫قناة‪ ،‬أقبل‬ ‫فخرج عمرو بن أمي َة حتى إذا كان بال َق ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ظل هو فيه‪ ،‬وكان مع العامر َّي ْني عقدٌ من‬ ‫بني ٍ‬
‫عامر‪ ،‬حتى نزال معه يف ٍّ‬

‫(‪ْ )1‬ار ُت َّث‪ :‬أي‪ُ :‬محل من املعركة مثخنا ضعيفا‪.‬‬


‫‪ | 056‬خمتصر السرية النبوية‬

‫عمرو بن أمي َة‪ ،‬وقد سأَلام حني نزال‪« :‬مم َّن أنتام؟» فقاال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وار‪ ،‬مل يعلم به ُ‬
‫ﷺ وج ٌ‬
‫أصاب‬
‫َ‬ ‫من بني ٍ‬
‫عامر‪ ،‬فأمه َل ُهام حتى إذا ناما عدا عليهام فقت َلهام‪ ،‬وهو يرى أنه قد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هبام ُثؤر ًة من بني ٍ‬
‫عمرو بن‬‫أصحاب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلام َقدم ُ‬ ‫عامر فيام أصابوا من‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫قتيلني‪،‬‬ ‫قتلت‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬لقد‬ ‫رب‪ ،‬قال‬ ‫أم َّي َة عىل رسول اهلل ﷺ فأخ َ‬
‫ربه اخل َ‬
‫براء‪ ،‬قد كنت مهذا كارها‬ ‫عمل أيب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬هذا‬ ‫ُ‬ ‫ألَ ِد َينَّ ُهام!»‪ ،‬ثم قال‬
‫أصحاب‬ ‫أصاب‬ ‫ٍ‬
‫عامر إياه‪ ،‬وما‬ ‫إخفار‬ ‫فشق عليه‬ ‫م َتخوفا»‪ ،‬فبلغ ذلك أبا ٍ‬
‫براء‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ‬
‫ِ‬
‫وجواره‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ بسببه‬

‫‪ -12‬أمرُ إجالءِ بين النضري يف سنةِ أربعٍ‬

‫النضري َيستعينُهم يف ِدية‬


‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل بني‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم خرج‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫وار الذي‬‫الضمري؛ للج ِ‬
‫ُّ‬ ‫عمرو بن أمي َة‬ ‫ٍ‬
‫عامر اللذين َق َتل ُ‬ ‫َذينَك القتيلني من بني‬
‫لف‪.‬‬
‫وح ٌ‬‫عامر عقدٌ ِ‬ ‫ِ‬
‫النضري وبني بني ٍ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عقدَ َلام‪ ،‬وكان بني بني‬ ‫كان‬
‫رسول اهلل ﷺ يس َتعينُهم يف ِ‬
‫دية ذينَك القتيلني‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬يا أبا‬ ‫ُ‬ ‫فلام أتاهم‬
‫َ‬
‫أحببت‪ ،‬مما است َعنت بنا عليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫القاس ِم‪ُ ،‬نعينُك عىل ما‬

‫الرجل عىل مثل حال ِه هذه ‪-‬‬


‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ببعض‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنكم لن َتدوا‬ ‫بعضهم‬ ‫ثم خال ُ‬
‫رجل يعلو عىل هذا‬‫فمن ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جدار من بيوهتم قاعدٌ ‪َ -‬‬ ‫جنب‬ ‫ورسول اهلل ﷺ إىل‬
‫فريحينا منه؟‬ ‫ِ‬
‫البيت‪ ،‬ف ُيلقي عليه صخر ًة؛ ُ‬
‫ِ‬
‫فصعد‬ ‫عمرو بن َج َّحاش بن ٍ‬
‫كعب أحدُ هم‪ ،‬فقال‪ :‬أنا لذلك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فان ُتد َب لذلك ُ‬
‫نفر من أصحابِه فيهم أبو ٍ‬
‫بكر‬ ‫ورسول اهلل ﷺ يف ٍ‬
‫ُ‬ ‫ل ُيلقي عليه صخر ًة كام قال‪،‬‬
‫وعمر وعيل ِرضوان اهلل عليهم‪.‬‬‫ُ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪057‬‬

‫ِ‬
‫السامء بام أرا َد القو ُم‪ ،‬فقام وخرج راج ًعا إىل‬ ‫رب من‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ اخل ُ‬ ‫فأتى‬
‫قبال من‬ ‫النبي ﷺ أصحا ُبه‪ ،‬قاموا يف طلبِه‪ ،‬فلقوا رجال ُم ً‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪ ،‬فلام استل َب َث‬
‫َّ‬
‫اخال املدين َة‪.‬‬
‫املدينة‪ ،‬فسألوه عنه‪ ،‬فقال‪ :‬رأي ُته د ً‬

‫رب بام‬
‫أصحاب رسول اهلل ﷺ حتى ان َتهوا إليه ﷺ‪ ،‬فأخربهم اخل َ‬‫ُ‬ ‫فأقبل‬
‫ِ‬
‫والسري‬ ‫ِ‬
‫حلرهبم‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ بالته ُّي ِؤ‬
‫ُ‬ ‫وأمر‬ ‫ِ‬
‫الغدر به‪َ ،‬‬ ‫كانت اليهو ُد أرا َدت من‬
‫إليهم‪.‬‬

‫نزل هبم‪.‬‬ ‫ِ‬


‫بالناس حتى َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم سار‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫األو ِل‪ ،‬فحارصهم ست ٍ‬
‫ليال‪ ،‬ونزل‬ ‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬وذلك يف شهر ربي ٍع َّ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫اخلمر‪.‬‬ ‫حتريم‬

‫رسول اهلل ﷺ بقط ِع‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬


‫احلصون‪ ،‬فأمر‬ ‫فتحصنوا منه يف‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫الفساد‪ ،‬و َتعي ُبه عىل‬ ‫ِ‬
‫والتحريق فيها‪ ،‬فنا َدوه‪ :‬أن يا حممدُ ‪ ،‬قد كنت َتنهى عن‬ ‫ِ‬
‫النخيل‬
‫ِ‬
‫وحتريقها؟‬ ‫ِ‬
‫النخل‬ ‫بال قط ِع‬‫من صنَعه‪ ،‬فام ُ‬

‫عدو اهلل عبدُ اهلل بن أيب ابن‬ ‫ِ‬ ‫وقد كان ٌ‬


‫رهط من بني عوف بن اخلزرج‪ ،‬منهم ُّ‬
‫وداعس قد بعثوا إىل بني النضري‪ :‬أن‬
‫ٌ‬ ‫وسويدٌ‬‫وقل ُ‬ ‫َسلول ووديع ُة ومالك بن أيب َق ٍ‬
‫سلمكم‪ ،‬إن قوتِلتم قا َتلنا معكم‪ ،‬وإن ُأخرج ُتم خرجنا‬ ‫اث ُبتوا ومتنَّعوا‪ ،‬فإنا لن ُن َ‬
‫الرعب‪،‬‬
‫َ‬ ‫نرصهم‪ ،‬فلم َيفعلوا‪ ،‬وقذف اهللُ يف قلوهبم‬ ‫معكم‪ ،‬فرت َّبصوا ذلك من ِ‬
‫محلت ُ‬
‫اإلبل‬ ‫ِ‬ ‫ف عن ِ‬
‫دمائهم‪ ،‬عىل أن َلم ما‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ أن ُجيل َيهم و َي ُك َّ‬ ‫وسألوا‬
‫حل ْلق َة(‪ ،)1‬ففعل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من أمواَلم إال ا َ‬

‫(‪ )1‬احلَ ْلقة‪ :‬الدروع‪.‬‬


‫‪ | 058‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ُ‬
‫الرجل منهم ُد ُم بي َته عن‬ ‫فاحتملوا من أمواَلم ما استق َّلت به ُ‬
‫اإلبل‪ ،‬فكان‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫رب‪ ،‬ومنهم من‬
‫نجاف بابه‪ ،‬فيض ُعه عىل ظهر بعريه فينطلق به‪ ،‬فخرجوا إىل خي َ‬
‫سار إىل الشأ ِم‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ خاص ًة‪َ ،‬يض ُعها‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬فكانت‬ ‫َ‬
‫األموال‬ ‫وخلوا‬
‫ِ‬
‫األنصار‪ ،‬إال أن‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل املُهاجرين األولني َ‬
‫دون‬ ‫ُ‬ ‫فقسمها‬
‫حيث يشا ُء‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سهل بن ح ٍ‬
‫نيف وأبا ُدجان َة‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫سامك بن َخرشة ذكرا ً‬
‫فقرا؛ فأعطامها‬ ‫ُ‬
‫‪ -13‬غزوةُ بدرٍ اآلخرةُ يف شعبان سنةَ أربعٍ‬

‫مليعاد أيب سفيان‪ ،‬حتى نزله‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫شعبان إىل ٍ‬


‫بدر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم خرج يف‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫وخرج أبو سفيان يف ِ‬
‫أهل م َّك َة حتى َ‬
‫نزل َلجنَّ َة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سفيان‪،‬‬ ‫فأقام عليه ثامين ٍ‬
‫ليال ينتظر أبا‬ ‫َ‬
‫سفان‪ ،‬ثم بدا له يف الرجو ِع‪ ،‬فقال‪:‬‬‫وبعض الناس يقول‪ :‬قد بلغ ُع َ‬ ‫من ناحية الظهران‪ُ ،‬‬
‫الشجر‪ ،‬وترشبون فيه‬‫َ‬ ‫صلحكم إال عا ٌم َخ ٌ‬
‫صيب ترعون فيه‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬إنه ال ُي ُ‬ ‫معرش‬
‫َ‬ ‫يا‬
‫الناس‪ .‬فسامهم ُ‬
‫أهل‬ ‫راجع فارجعوا؛ فرجع ُ‬
‫ٌ‬ ‫اللبن‪ ،‬وإن عا َمكم هذا عا ُم َج ٍ‬
‫دب‪ ،‬وإين‬ ‫َ‬
‫ويق‪.‬‬ ‫مك َة َ‬
‫جيش السويق‪ ،‬يقولون‪ :‬إنام خرج ُتم َترشبون الس َ‬
‫‪ -14‬غزوةُ اخلندقِ يف شوال سنةَ مخس‬
‫ِ‬
‫اليهود‪ ،‬منهم‪َّ :‬‬
‫سالم بن أيب احلُقيق‬ ‫نفرا من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إنه كان من حديث اخلندق أن ً‬
‫حزبوا‬
‫وائل ‪-‬وهم الذين َّ‬ ‫ونفر من بني ٍ‬ ‫ِ‬
‫النضري ٍ‬ ‫نفر من بني‬‫أخطب يف ٍ‬
‫َ‬ ‫وح َيي بن‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫قريش مك َة‪ ،‬فدَ عوهم إىل‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ -‬خرجوا حتى ِ‬
‫قدموا عىل‬ ‫ِ‬ ‫األحزاب عىل‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقالوا‪ :‬إ َّنا سنكون معكم عليه‪ ،‬حتى َن ِ‬
‫ستأص َله‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حرب‬

‫(‪ )1‬النِّ َجاف‪ :‬العتبة وهي أسكفة الباب‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪059‬‬

‫ِ‬
‫الكتاب األول والعل ِم بام‬ ‫معرش ُو َد‪ ،‬إنكم ُ‬
‫أهل‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫قريش‪ :‬يا‬ ‫فقالت َلم‬
‫خري أم دينُه؟‬
‫نختلف فيه نحن وحممدٌ ‪ ،‬أفدينُنا ٌ‬
‫ُ‬ ‫أصبحنا‬
‫باحلق منه‪ ،‬فهم الذين َ‬
‫أنزل اهلل‬ ‫ِّ‬ ‫خري من دينه‪ ،‬وأنتم أوىل‬
‫قالوا‪ :‬بل دينُكم ٌ‬
‫تعاىل فيهم‪ ( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ) إىل قوله تعاىل‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [النساء‪.]11-15:‬‬
‫ِ‬
‫حرب‬ ‫رسهم َ‬
‫ونشطوا ملا َدعوهم إليه من‬ ‫ٍ‬
‫لقريش‪َّ ،‬‬ ‫قال‪ :‬فلام قالوا ذلك‬
‫النفر من ُو َد حتى‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فاج َتمعوا لذلك وا َّتعدوا له‪ ،‬ثم خرج أولئك ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأخربوهم‬ ‫ِ‬
‫حرب‬ ‫َ‬
‫عيالن‪ ،‬فدعوهم إىل‬ ‫ِ‬
‫قيس‬ ‫جاءوا غ َط َ‬
‫فان من‬
‫أهنم سيكونون معهم عليه‪ ،‬وأن ً‬
‫قريشا قد تابعوهم عىل ذلك؛ فاجتمعوا معهم‬
‫فيه‪.‬‬

‫سفيان بن حرب‪ ،‬وخرجت‬ ‫َ‬ ‫قريش وقائدها أبو‬‫إسحاق‪ :‬فخرجت ٌ‬ ‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫ٍ‬
‫حصن يف بني َفزار َة‪ ،‬واحلارث بن عوف يف بني ُم َّر َة‪،‬‬ ‫غطفان ِ‬
‫وقائدها عيين ُة بن‬ ‫ُ‬
‫أشجع‪.‬‬ ‫ومسعر بن رخيل َة فيمن تابعه من ِ‬
‫قومه من‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫اخلندق عىل‬ ‫ضب‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ وما أمجعوا له من‬ ‫فلام سمع هبم‬
‫األجر‪ِ ،‬‬
‫وعمل معه املسلمون‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َترغي ًبا للمسلمني يف‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪ ،‬فعمل فيه‬
‫فدأب فيه ودأبوا‪.‬‬
‫َ‬ ‫فيه‪،‬‬

‫رجال من‬‫ٌ‬ ‫عملهم ذلك‬‫رسول اهلل ﷺ وعن املسلمني يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأبطأ عن‬
‫العمل‪ ،‬ويتس َّللون إىل أهليهم ِ‬
‫بغري عل ٍم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالضعيف من‬ ‫وجعلوا ُيورون‬
‫املنافقني‪َ ،‬‬
‫من رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وال ٍ‬
‫إذن‪.‬‬
‫‪ | 061‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ُ‬
‫الرجل من املسلمني إذا نابته النائب ُة من احلاجة التي ال ُبدَّ له منها‪،‬‬ ‫وجعل‬
‫فيأذن له‪ ،‬فإذا قىض‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اللحوق بحاجته؛‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ و َيستأذ ُنه يف‬ ‫َيذكر ذلك‬
‫رجع إىل ما كان فيه من عملِه رغب ًة يف ِ‬
‫اخلري واحتسا ًبا له‪.‬‬ ‫حاج َته َ‬
‫ُ‬
‫أحاديث بلغتني‪ ،‬فيها من اهلل تعاىل‬ ‫ِ‬
‫اخلندق‬ ‫إسحاق‪ :‬وكان يف ِ‬
‫حفر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫نبوته‪ ،‬عاين ذلك املسلمون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وحتقيق َّ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تصديق‬ ‫عرب ٌة يف‬
‫ِ‬
‫اخلندق‪ ،‬أقبلت ٌ‬
‫قريش حتى‬ ‫رسول اهلل ﷺ من‬‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬وملا فر َغ‬
‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫ٍ‬ ‫جل ُر ِف َ‬
‫وزغاب َة يف عرشة‬ ‫ِ‬
‫آالف من‬ ‫جتم ِع األسيال من ُروم َة بني ا ُ‬ ‫بم َ‬
‫نزلت ُ‬
‫وأهل ِهتام َة‪ ،‬وأقبلت غ َط ُ‬
‫فان ومن تبعهم من‬ ‫ِ‬ ‫يشهم‪ ،‬ومن تبِعهم من بني ِكنا َن َة‬ ‫أحابِ ِ‬

‫أح ٍد‪.‬‬
‫بذ َنب َنقمى إىل جانب ُ‬ ‫نجد حتى نزلوا َ‬‫أهل ٍ‬ ‫ِ‬

‫ظهورهم إىل َس ْل ٍع‪ ،‬يف ثالثة‬


‫َ‬ ‫وخرج ر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ واملسلمون حتى جعلوا‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫واخلندق بينه وبني القو ِم‪.‬‬ ‫عسكره‪،‬‬ ‫فضب هنالك‬ ‫ٍ‬
‫آالف من املسلمني‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كعب بن أسد‬‫َ‬ ‫النضي‪ ،‬حتى أتى‬‫ُّ‬ ‫أخطب‬
‫َ‬ ‫يي بن‬ ‫عدو اهلل ُح ُّ‬
‫قال‪ :‬وخرج ُّ‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫وعهدهم‪ ،‬وكان قد وا َد َع‬ ‫عقد بني قريظ َة‬‫القرظي صاحب ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أغلق دونه‬
‫أخطب َ‬ ‫بحيي بن‬ ‫ِ‬
‫قومه‪ ،‬وعا َقدَ ه عىل ذلك وعاهده‪ ،‬فلام سمع‬
‫َ‬ ‫كعب ُ‬
‫ٌ‬
‫كعب‪ ،‬افتح يل!‬ ‫ِ ِ‬
‫يفتح له؛ فناداه حيي‪ :‬وحيك يا ُ‬ ‫باب حصنه‪ ،‬فاستأذن عليه فأبى أن َ‬
‫امرؤ مشئو ٌم‪ ،‬وإين قد عاهدت حممدً ا‪ ،‬فلست‬
‫يي‪ ،‬إنك ٌ‬ ‫قال‪ :‬وحيك يا ُح ُّ‬
‫ٍ‬
‫بناقض ما بيني وبينه‪ ،‬ومل َأر منه إال وفا ًء وصد ًقا‪.‬‬

‫قال‪ :‬وحيك افتح يل أك ِّل ْمك‪.‬‬


‫ٍ‬
‫بفاعل‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ما أنا‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪060‬‬

‫أغلقت دوين إال عن َجشيشتِك(‪ )1‬أن َ‬


‫آكل معك منها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬واهلل إن‬

‫ف َأح َف َظ ُ‬
‫الرج َل(‪)2‬؛ ففتح له‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بقريش عىل‬ ‫ٍ‬
‫وببحر طا ٍّم‪ ،‬جئتك‬ ‫ِ‬
‫الدهر‬ ‫بعز‬
‫كعب‪ ،‬جئ ُتك ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وحيك يا‬ ‫فقال‪:‬‬
‫األسيال من روم َة‪ ،‬وبغطفان عىل ِ‬
‫قادهتا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسادهتا‪ ،‬حتى أنزلتهم بمجتم ِع‬ ‫قادهتا‬
‫ُ‬
‫أح ٍد‪ ،‬قد عاهدوين وعاقدوين عىل أن‬ ‫ِ‬
‫وسادهتا حتى أنزلتهم َ‬
‫بذ َنب نقمى إىل جانب ُ‬
‫َ‬
‫ستأصل حممدً ا ومن معه‪.‬‬ ‫ال َيربحوا حتى َن‬
‫وبجها ٍم(‪ )3‬قد َ‬
‫هراق ماءه‪ ،‬فهو‬ ‫ِ‬
‫الدهر‪َ ،‬‬ ‫بذ ِّل‬
‫كعب‪ :‬جئتني واهلل ُ‬
‫قال‪ :‬فقال له ٌ‬
‫يي! فدعني وما أنا عليه‪ ،‬فإين مل َأر من‬
‫ربق‪ ،‬ليس فيه يش ٌء‪ ،‬وحيك يا ُح ُّ‬
‫َيرعد و َي ُ‬
‫حممد إال صد ًقا ووفا ًء‪.‬‬
‫ِ‬
‫والغارب حتى سمح له عىل أن أعطاه‬ ‫ِ‬
‫الذروة‬ ‫حيي بكعب َيفتله يف‬
‫فلم يزل ُّ‬
‫َ‬
‫أدخل‬ ‫قريش وغ َط ُ‬
‫فان‪ ،‬ومل َيصيبوا حممدً ا أن‬ ‫عهدً ا من اهلل وميثا ًقا‪ :‬لئن َ‬
‫رج َعت ٌ‬
‫كعب بن أسد عهدَ ه‪ ،‬وبرئ مما‬ ‫ِ ِ‬
‫معك يف حصنك حتى ُيصيبني ما أصا َبك‪ ،‬فنقض ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫كان بينه وبني‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ سعدَ‬ ‫رب وإىل املسلمني بعث‬ ‫ِ‬
‫فلام انتهى إىل رسول اهلل ﷺ اخل ُ‬
‫ِ‬
‫اخلزرج‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ سيد‬ ‫ِ‬
‫األوس‪ -‬وسعدَ بن ُعباد َة ‪-‬وهو‬ ‫بن م ٍ‬
‫عاذ ‪-‬وهو يومئذ س ِّيدُ‬ ‫ُ‬
‫أحق ما‬
‫ات بن ُجبري‪ ،‬فقال‪« :‬انطلقوا حتى َتنظروا‪ ،‬ي‬ ‫ومعهام عبدُ اهلل بن رواحة َ‬
‫وخ َّو ُ‬
‫بلغنا عن هؤالء القو ِم أم ال؟»‬

‫(‪ )1‬اجلَ ِش َ‬
‫يشة‪ :‬طحن الرب وغريه طحنًا غلي ًظا‪.‬‬
‫َ‬
‫الرجل‪ :‬أي‪ :‬أغضبه‪ ،‬واحلفيظة الغضب‪.‬‬ ‫(‪َ )2‬أح َف َظ‬
‫(‪ )3‬اجلَ َهام‪ :‬السحاب الذي ال ماء فيه‪.‬‬
‫‪ | 062‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حلنوا يل حلنًا(‪ )1‬أعر ُفه‪ ،‬وال َت ُف ُّتوا يف‬


‫الناس‪ ،‬وإن‬ ‫أعضاد‬ ‫فإن كان ح اقا فا َ‬
‫ِ‬
‫للناس‪.‬‬ ‫فاجهروا به‬ ‫ِ‬
‫الوفاء فيام بينَنا وبينهم‬ ‫كانوا عىل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أخبث ما َبل َغهم عنهم‪ ،‬ثم َ‬
‫أقبل‬ ‫قال‪ :‬فخرجوا حتى َأ َتوهم‪ ،‬فوجدوهم عىل‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فس َّلموا عليه‪ ،‬ثم قالوا‪َ :‬ع َض ٌل‬ ‫سعدٌ وسعدٌ ومن معهام إىل‬
‫خبيب وأصحابِه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫والقار ِة بأصحاب الرجي ِع‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫كغدر َع َض ٍل‬ ‫والقار ُة‪ ،‬أي‪:‬‬
‫َّ‬
‫معش املسلمني»‪.‬‬
‫َ‬ ‫أكرب‪ ،‬أبشوا يا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬اهلل ُ‬ ‫فقال‬
‫اخلوف‪ ،‬وأتاهم عدوهم من ِ‬
‫فوقهم‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬وع ُظم عند ذلك البال ُء‪ ،‬واشتدَّ‬
‫ِ‬
‫بعض املنافقني‪.‬‬ ‫ُ‬
‫النفاق من‬ ‫ونجم‬
‫َ‬ ‫أسفل منهم‪ ،‬حتى ظن املؤمنون ُك َّل ظ ٍّن‪،‬‬
‫ومن َ‬

‫رسول اهلل ﷺ وأقا َم عليه املرشكون بِض ًعا وعرشين ليلة‪ ،‬قري ًبا من‬
‫ُ‬ ‫فأقا َم‬
‫ِ‬
‫بالنبل واحلصار‪.‬‬ ‫الر ِّميا‬
‫حرب إال ِّ‬
‫ٌ‬ ‫شهر‪ ،‬مل تكن بينهم‬
‫ٍ‬
‫حصن‪ ،‬وإىل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل ُعيين َة بن‬ ‫فلام اشتدَّ عىل الناس البال ُء بعث‬
‫ِ‬
‫املدينة عىل أن َيرجعا بمن‬ ‫ثلث ِ‬
‫ثامر‬ ‫غطفان فأعطامها َ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عوف‪ ،‬ومها قائدا‬ ‫ِ‬
‫احلارث بن‬
‫الكتاب ومل تقع‬
‫َ‬ ‫الصلح حتى كتبوا‬‫ُ‬ ‫معهام عنه وعن أصحابِه‪ ،‬فجرى بينه وبينهام‬
‫الشهاد ُة وال عزيم ُة الصلح‪ ،‬إال املراوض ُة يف ذلك‪.‬‬
‫ِ‬
‫وسعد بن عباد َة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫معاذ‬ ‫يفعل‪ ،‬بعث إىل ِ‬
‫سعد بن‬ ‫رسول اهلل ﷺ أن َ‬
‫ُ‬ ‫فلام أراد‬
‫أمرا ُحت ُّبه فنصنعه‪ ،‬أم شي ًئا‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ً ،‬‬ ‫واستشارمها فيه‪ ،‬فقاال له‪ :‬يا‬
‫َ‬ ‫فذكر ذلك َلام‪،‬‬
‫أمرك اهللُ به ال بد لنا من العمل به‪ ،‬أم شي ًئا َتصن ُعه لنا؟‬

‫(‪ )1‬فاحلَنُوا يل حلنًا‪ :‬أي‪ :‬أعلموين بذلك يف اخلفاء‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪063‬‬

‫العرب قد‬
‫َ‬ ‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫أصنع ذلك إال ألنني‬
‫ُ‬ ‫قال‪« :‬بل شء أصن ُعه لكم‪ ،‬واهلل ما‬
‫أكس عنكم من‬ ‫جانب‪ ،‬فأردت أن ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬وكا َل ُبو ُكم من ِ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫قوس‬ ‫َرمت ُكم عن‬
‫َ‬
‫شوكتِهم إىل أمر ما»‪.‬‬
‫ِ‬
‫الرشك‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬قد كنا نحن وهؤالء القو َم عىل‬ ‫فقال له سعدُ بن معاذ‪ :‬يا‬
‫ِ‬
‫األوثان‪ ،‬ال نعبد اهللَ وال نعر ُفه‪ ،‬وهم ال َيطمعون أن يأكلوا منها متر ًة‬ ‫ِ‬
‫وعبادة‬ ‫باهلل‬
‫وأعزنا بك وبه‪ُ ،‬نعطيهم‬ ‫َّ‬ ‫إال ِق ًرى أو بي ًعا‪ ،‬أفحني أكرمنا اهللُ باإلسال ِم وهدانا له‬
‫كم اهللُ بيننا‬ ‫ٍ‬ ‫أموا َلنا! واهلل ما لنا هبذا من‬
‫السيف حتى َحي َ‬ ‫َ‬ ‫حاجة‪ ،‬واهلل ال ُنعطيهم إال‬
‫وبينهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬فأنت وذاك»‪.‬‬ ‫قال‬
‫ِ‬
‫الكتاب‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫فتناول سعدُ بن معاذ الصحيف َة‪ ،‬فمحا ما فيها من‬
‫ل ِ َيجهدوا علينا‪.‬‬
‫رسول اهلل ﷺ واملسلمون‪ ،‬وعدوهم ِ‬
‫حمارصوهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فأقام‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫للقتال‪ ،‬ثم خرجوا عىل‬ ‫ٍ‬
‫قريش تل َّبسوا‬ ‫قتال إال أن ِ‬
‫فوار َس من‬ ‫ومل يكن بينهم ٌ‬
‫فاقتح َمت منه‪،‬‬ ‫اخلندق‪ ،‬فضبوا خي َلهم‬ ‫ِ‬ ‫تيمموا مكا ًنا ضي ًقا من‬
‫َ‬ ‫خيلهم‪ ،‬ثم َّ‬
‫عيل بن أيب طالب عليه السالم يف ن َف ٍر معه من املسلمني حتى أخذوا عليهم‬ ‫وخرج ُّ‬
‫َ‬
‫الفرسان ُتعنِق نحوهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الثغر َة التي أقحموا منها خي َلهم وأقبلت‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫أشار به عىل‬ ‫الفاريس‬ ‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬يقال‪ :‬إن سلامن‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫سلامن منا‪ ،‬وقالت‬ ‫بعض أهل العل ِم‪ :‬أن املهاجرين يو َم اخلندق قالوا‪:‬‬
‫وحدثني ُ‬
‫سلامن منَّا َ‬
‫أهل البيت»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬‬ ‫األنصار‪ :‬سلامن منا‪ ،‬فقال‬
‫ُ‬
‫‪ | 064‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫أصحاب رسول اهلل ﷺ يو َم اخلندق وبني قريظ َة‪ :‬حم‪ ،‬ال ُي َ‬
‫نرصون‪.‬‬ ‫عار‬
‫وكان ش ُ‬
‫ِ‬
‫اخلوف‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ وأصحا ُبه فيام وصف اهللُ من‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وأقام‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫فوقهم ومن َ‬
‫أسفل منهم‪.‬‬ ‫وإتياهنم إياهم من ِ‬
‫ِ‬ ‫عدوهم عليهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والشدَّ ِة؛‬
‫لتظاهر ِّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إين قد‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬يا‬ ‫ٍ‬
‫مسعود أتى‬ ‫عيم بن‬
‫قال‪ :‬ثم إن ُن َ‬
‫شئت‪.‬‬
‫فمرين بام َ‬
‫أسلمت‪ ،‬وإن قومي مل َيعلموا بإسالمي‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫فخ ِذ ْل عنا إن استطعت‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إنام أنت فينا رجل واحد‪َ ،‬‬ ‫فقال‬
‫احلرب ُخدعة»‪.‬‬
‫َ‬ ‫فإن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلاهلية‪،‬‬ ‫فخرج ُنعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظ َة وكان َلم ً‬
‫نديام يف‬
‫عرفتم ُو ِّدي إياكم‪ ،‬وخاص َة ما بيني وبينكم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا بني قريظ َة‪ ،‬قد َ‬
‫بم َّتهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬صدقت‪ ،‬لست عندنا ُ‬
‫وغطفان ليسوا كأنتم‪ ،‬البلدُ بلدُ كم‪ ،‬فيه أموا ُلكم‬
‫َ‬ ‫فقال َلم‪ :‬إن ق ً‬
‫ريشا‬
‫َ‬
‫وغطفان‬ ‫غريه‪ ،‬وإن ً‬
‫قريشا‬ ‫وأبناؤكم ونساؤكم‪ ،‬ال َتقدرون عىل أن َحت َّولوا منه إىل ِ‬
‫ُ‬
‫ظاهرمتوهم عليه‪ ،‬وبلدُ هم وأمواَلم‬ ‫حممد وأصحابِه‪ ،‬وقد‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حلرب‬ ‫قد جاءوا‬
‫ونساؤهم ِ‬
‫بغريه‪ ،‬فليسوا كأنتم‪ ،‬فإن رأوا ُهن َز ًة(‪ )1‬أصابوها‪ ،‬وإن كان غري ذلك‬
‫ِ‬
‫الرجل ببلدكم‪ ،‬وال طاق َة لكم به إن خال بكم؛‬ ‫ِ‬
‫ببالدهم وخلوا بينكم وبني‬ ‫حلقوا‬
‫فال ُتقاتلوا مع القو ِم حتى تأخذوا منهم ُر ُهنًا من أرشافِهم‪ ،‬يكونون بأيديكم ثِق ًة‬
‫لكم عىل أن ُتقاتلوا معهم حممدً ا حتى ُتناجزوه‪.‬‬

‫(‪ُ )1‬هن ْزَ ة‪ :‬فرصة‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪065‬‬

‫أرشت بالرأي‪.‬‬
‫َ‬ ‫فقالوا له‪ :‬لقد‬
‫ِ‬
‫رجال‬ ‫ٍ‬
‫حرب ومن معه من‬ ‫َ‬
‫سفيان بن‬ ‫ثم خرج حتى أتى ً‬
‫قريشا‪ ،‬فقال أليب‬
‫عيل ح اقا‬
‫أمر قد رأيت َّ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ :‬قد عرفتم ُو ِّدي لكم وفراقي حممدً ا‪ ،‬وإنه قد َبلغني ٌ‬
‫نصحا لكم فاكتموا عنِّي‪.‬‬
‫ً‬ ‫أن ُأبلغ ُكموه‪،‬‬

‫فقالوا‪ :‬نفعل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حممد‪،‬‬ ‫معرش ُو َد قد ندموا عىل ما صنَعوا فيام بينهم وبني‬ ‫قال‪َ :‬ت َع َّلموا أن‬
‫َ‬
‫نأخذ لك من‬‫َ‬ ‫ندمنا عىل ما فعلنا‪ ،‬فهل ُيرضيك أن‬ ‫وقد أرسلوا إليه‪ :‬إ َّنا قد ِ‬

‫ضب أعنا َقهم‬‫َ‬ ‫رجاال من أرشافِهم فنُعطيكهم‪ ،‬ف َت‬


‫ً‬ ‫َ‬
‫وغطفان‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫القبيلتني‪ ،‬من‬
‫ثم نكون معك عىل من بقي منهم حتى َنستأص َلهم؟‬

‫فأرسل إليهم‪ :‬أن نعم‪ ،‬فإن بع َث ْت إليكم ُو ُد يلتمسون منكم ُر ُهنًا من‬
‫رجالكم فال تدفعوا إليهم منكم ً‬
‫رجال واحدً ا‪.‬‬

‫أص ِيل وعشرييت‪،‬‬


‫معرش غطفان‪ ،‬إنكم ْ‬
‫َ‬ ‫ثم خرج حتى أتى غ َط َ‬
‫فان‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫إيل‪ ،‬وال أراكم تتهموين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الناس َّ‬ ‫ب‬
‫وأح ُّ‬
‫َ‬
‫بم َّتهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬صدقت‪ ،‬ما أنت عندنا ُ‬
‫قال‪ :‬فاكتموا عنِّي‪.‬‬

‫أمرك؟‬
‫قالوا‪ :‬نفعل‪ ،‬فام ُ‬
‫وحذرهم ما َّ‬
‫حذرهم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لقريش َّ‬ ‫ثم قال َلم َ‬
‫مثل ما قال‬
‫‪ | 066‬خمتصر السرية النبوية‬

‫مخس‪ ،‬وكان من ُصنع اهلل لرسول ِه ﷺ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫السبت من شوال سن َة‬ ‫فلام كانت ليل ُة‬
‫غطفان إىل بني قريظ َة ِعكرم َة بن أيب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سفيان بن حرب ورؤوس‬ ‫َ‬
‫أرسل أبو‬ ‫أن‬
‫وغطفان‪ ،‬فقالوا َلم‪ :‬إنا لسنا ِ‬
‫بدار ُمقا ٍم‪ ،‬قد هلك اخلُ ُّ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫جهل‪ ،‬يف ٍ‬
‫نفر من‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫للقتال حتى ُنناجز حممدً ا‪ ،‬و ُنفر َغ مما بيننا وبينه‪.‬‬ ‫واحلافر‪ ،‬فاغدوا‬
‫ُ‬
‫فأرسلوا إليهم‪ :‬إن اليو َم يو ُم السبت‪ ،‬وهو يو ٌم ال نعمل فيه شي ًئا‪ ،‬وقد كان‬
‫ف عليكم‪ ،‬ولسنا مع ذلك بالذين ُ‬
‫نقاتل‬ ‫خي َ‬‫بعضنا حد ًثا‪ ،‬فأصابه ما مل َ ْ‬
‫أحدث فيه ُ‬
‫معكم حممدً ا حتى تعطونا ُر ُهنًا من رجالكم‪ ،‬يكونون بأيدينا ثِق ًة لنا حتى ُنناجز‬
‫نش ِمروا إىل‬ ‫ُ‬
‫القتال أن َت َ‬ ‫احلرب‪ ،‬واشتد عليكم‬ ‫ُ‬ ‫ض َس ْتكم‬
‫حممدً ا‪ ،‬فإنا نخشى إن َ َّ‬
‫والرجل يف بلدنا‪ ،‬وال طاق َة لنا بذلك منه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بالدكِم وترتكونا‪،‬‬
‫قريش وغ ُ‬
‫طفان‪ :‬واهلل‬ ‫ُ‬
‫الرسل بام قالت بنو ُقريظ َة‪ ،‬قالت ٌ‬ ‫فلام رجعت إليهم‬
‫ندفع‬
‫ُ‬ ‫فأرسلوا إىل بني قريظ َة‪ :‬إنا واهلل ال‬
‫عيم بن مسعود حلق‪َ ،‬‬ ‫إن الذي حدَّ ثكم ُن ُ‬
‫َ‬
‫القتال فاخرجوا فقاتلوا‪.‬‬ ‫رجال واحدً ا من رجال ِنا‪ ،‬فإن كنتم ُتريدون‬
‫إليكم ً‬

‫الرسل إليهم هبذا‪ :‬إن الذي َذكر لكم ُنعيم بن‬‫ُ‬ ‫فقالت بنو ُقريظ َة حني انتهت‬
‫ٍ‬
‫مسعود حلَق‪ ،‬ما ُيريد القو ُم إال أن يقاتلوا‪ ،‬فإن رأوا ُفرص ًة انتهزوها‪ ،‬وإن كان َ‬
‫غري‬
‫ذلك انشمروا إىل بالدهم‪ ،‬وخ ُّلوا بينكم وبني الرجل يف بلدكم‪ ،‬فأرسلوا إىل‬
‫وغطفان‪ :‬إنا واهلل ال ُ‬
‫نقاتل معكم حممدً ا حتى ُتعطونا ُر ُهنًا‪ ،‬فأبوا عليهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬
‫ِ‬
‫شديدة الربد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫باردة‬ ‫ٍ‬
‫شاتية‬ ‫الريح يف ٍ‬
‫ليال‬ ‫هلل عليهم‬
‫هلل بينهم‪ ،‬وبعث ا ُ‬ ‫وخذ َل ا ُ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫قدورهم‪ ،‬وتطرح أبنيتهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫فجعلت تكف ُأ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪067‬‬

‫أمرهم‪ ،‬وما َّفرق اهللُ من‬ ‫ِ‬


‫رسول اهلل ﷺ ما اختلف من ِ‬ ‫قال‪ :‬فلام انتهى إىل‬
‫مجاعتهم‪ ،‬دعا حذيف َة ب َن اليامن‪ ،‬فبعثه إليهم؛ لين ُظ َر ما فعل القو ُم ً‬
‫ليال‪ ،‬فقال‪« :‬يا‬
‫ِ‬
‫فانظر ماذا َيصنعون‪ ،‬وال ُحتد َّ‬
‫ثن شيئا حتى تأتينا»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫حذيف ُة‪ ،‬اذهب ُ‬
‫فادخل يف القو ِم‪،‬‬

‫والريح وجنو ُد اهلل تفعل هبم ما َتفعل‪ ،‬ال‬


‫ُ‬ ‫فذهبت فدخلت يف القو ِم‬‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫نارا وال بناء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫درا وال ً‬
‫ُتقر َلم ق ً‬
‫جليسه؟‬
‫ُ‬ ‫امرؤ َمن‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ :‬ل َينظر ٌ‬ ‫معرش‬
‫َ‬ ‫فقام أبو سفيان‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫ِ‬
‫الرجل الذي كان إىل جنبي‪ ،‬فقلت‪َ :‬من أنت؟‬ ‫قال حذيف ُة‪ :‬فأخذت بيد‬
‫قال‪ُ :‬‬
‫فالن بن فالن‪.‬‬
‫قريش‪ ،‬إنكم واهلل ما أص َبحتم ِ‬
‫بدار ُمقا ٍم‪ ،‬لقد‬ ‫ٍ‬ ‫معرش‬ ‫ثم قال أبو سفيان‪ :‬يا‬
‫َ‬
‫ف‪ ،‬وأخلفتنا بنو قريظ َة‪ ،‬وبلغنا عنهم الذي نكره‪ ،‬ولقينا من‬ ‫خل ُّ‬ ‫هلك ال ُك ُ‬
‫راع وا ُ‬
‫نار‪ ،‬وال يستمسك لنا بنا ٌء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫در‪ ،‬وال تقوم لنا ٌ‬
‫الريح ما ترون‪ ،‬ما تطمئ ُّن لنا ق ٌ‬ ‫شدة‬
‫معقول‪ ،‬فجلس عليه‪ ،‬ثم ض َبه‪ ،‬فوثب‬‫ٌ‬ ‫رحتل‪ ،‬ثم قام إىل َمجلِه وهو‬ ‫ِ‬
‫فارحتلوا فإين ُم ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫به عىل ثالث‪ ،‬فواهلل ما َأطلق عقا َله إال وهو ٌ‬
‫قائم‪ ،‬ولوال عهدُ رسول اهلل ﷺ إيل‬
‫«أن ال ُحت ِدث شيئا حتى تأتيني» ثم شئت‪ ،‬لقتلته بسهم‪.‬‬

‫رط(‪ )1‬لبعض‬‫رسول اهلل ﷺ وهو قائم يصيل يف ِم ٍ‬


‫ِ‬ ‫قال حذيف ُة‪ :‬فرجعت إىل‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫املرط‪ ،‬ثم ركع‬ ‫طرف‬ ‫عيل َ‬
‫نسائه ُم َر َّحل‪ ،‬فلام رآين أدخلني إىل رجليه‪ ،‬وطرح َّ‬
‫ٌ‬
‫قريش‪،‬‬ ‫ُ‬
‫غطفان بام فعلت‬ ‫وسمعت‬ ‫رب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫سلم أخرب ُته اخل َ‬
‫وسجدَ ‪ ،‬وإين لفيه‪ ،‬فلام َ‬
‫فانشمروا راجعني إىل ِ‬
‫بالدهم‪.‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬امل ِ ْرط‪ :‬كساء من صوف أو خز كان يؤتزر هبا‪.‬‬


‫‪ | 068‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫اخلندق راج ًعا إىل‬ ‫انرصف عن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫أصبح‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وملا‬ ‫بن‬ ‫َ‬
‫قال ا ُ‬
‫السالح‪.‬‬
‫َ‬ ‫املدينة واملسلمون‪ ،‬ووضعوا‬

‫‪ -15‬غزوةُ بين قريظةَ يف سنةِ مخس‬


‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫إستربق‪،‬‬ ‫عتجرا بعاممة من‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ُ ،‬م ً‬ ‫جربيل‬ ‫فلام كانت ال ُّظ ُ‬
‫هر أتى‬
‫السالح يا‬
‫َ‬ ‫ديباج‪ ،‬فقال‪َ :‬أ َو َقد َ‬
‫وض ْعت‬ ‫ٍ‬ ‫عىل بغلة عليها ِرحال ٌة‪ ،‬عليها قطيف ٌة من‬
‫َ‬
‫رسول اهلل؟‬

‫قال‪« :‬نعم»‪.‬‬

‫السالح بعد‪ ،‬وما رجعت اآلن إال من‬ ‫ِ‬


‫وضعت املالئك ُة‬ ‫ُ‬
‫جربيل‪ :‬فام‬ ‫فقال‬
‫َ‬
‫يأمرك يا حممدُ باملَ ِ‬
‫سري إىل بني قريظ َة‪ ،‬فإين عامدٌ إليهم‬ ‫هلل ‪ُ ‬‬ ‫ِ‬
‫طلب القو ِم‪ ،‬إن ا َ‬
‫فم ٌ‬
‫زلزل هبم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الناس‪ :‬من كان سام ًعا ُمطي ًعا‪ ،‬فال ُيص ِّلني‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُمؤ ِّذنا فأذن يف‬ ‫فأمر‬
‫َ‬
‫العرص إال ببني قريظ َة‪.‬‬
‫َ‬
‫طالب برايتِه إىل بني‬
‫ٍ‬ ‫عيل بن أيب‬
‫رسول اهلل ﷺ َّ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وقدَّ َم‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫قريظ َة‪ ،‬وابتدَ َرها ُ‬
‫الناس‪.‬‬
‫ِ‬
‫ناحية أمواَلم‬ ‫بئر من ِ‬
‫آبارها من‬ ‫رسول اهلل ﷺ بني قريظ َة‪ :‬نزل عىل ٍ‬‫ُ‬ ‫وملا أتى‬
‫بئر ُأنا‪.‬‬
‫ُيقال َلا‪ُ :‬‬
‫احلصار‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مخسا وعرشين ليل ًة حتى َج ِهدهم‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫وحارصهم‬
‫َ‬ ‫قال‪:‬‬
‫الرعب‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقذف اهللُ يف قلوهبم‬
‫َ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪069‬‬

‫أخطب دخل مع بني قريظ َة يف ِحصن ِهم حني رجعت‬ ‫َ‬ ‫يي بن‬
‫وقد كان ُح ُّ‬
‫طفان‪ ،‬وفاء لكعب بن ٍ‬
‫أسد بام كان عاهده عليه‪ ،‬فلام أيقنوا بأن‬ ‫قريش و َغ ُ‬‫عنهم ٌ‬
‫ً‬
‫معرش‬ ‫ناجزهم‪ ،‬قال كعب بن ٍ‬
‫أسد َلم‪ :‬يا‬ ‫منرصف عنهم حتى ُي َ‬ ‫ٍ‬ ‫غري‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ُ‬
‫عارض عليكم ِخالال ثال ًثا‪ ،‬فخذوا‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫األمر ما َترون‪ ،‬وإين‬ ‫نزل بكم من‬‫ُو َد‪ ،‬قد َ‬
‫َّأُا شئتم‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬وما هي؟‬


‫ٌ‬
‫مرسل‪ ،‬وأنه‬ ‫َ‬
‫الرجل ونصدِّ قه فواهلل لقد تبني لكم أنه لنبي‬ ‫قال‪ :‬نتابع هذا‬
‫ِ‬
‫وأبنائكم ونسائكم‪.‬‬ ‫دمائكم وأموال ِكم‬
‫ل َّلذي َتدونه يف كتابِكم‪ ،‬فتأمنون عىل ِ‬

‫غريه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫نستبدل به َ‬ ‫حكم التوراة أبدً ا‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫قالوا‪ :‬ال ُن ُ‬
‫فارق‬
‫ٍ‬
‫حممد‬ ‫فه ُل َّم فلنق ُتل أبنا َءنا ونساءنا‪ ،‬ثم َنخرج إىل‬
‫عيل هذه‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬فإذا أبيتم َّ‬
‫السيوف‪ ،‬مل نرتك وراءنا َث َق ًال‪ ،‬حتى َحيكم ا ُ‬
‫هلل بيننا وبني‬ ‫َ‬ ‫رجاال ُمصلتني‬‫ً‬ ‫وأصحابِه‬
‫نسال نخشى عليه‪ ،‬وإن َنظهر ف َلعمري‬ ‫حممد‪ ،‬فإن َهنلِك َهنلِك ومل نرتك وراءنا ً‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬
‫لنجدن النسا َء واألبنا َء‪.‬‬
‫ِ‬
‫العيش بعدَ هم؟‬ ‫خري‬ ‫قالوا‪ُ :‬‬
‫نقتل هؤالء املساكني! فام ُ‬
‫السبت‪ ،‬وإنه عسى أن يكون حممدٌ‬ ‫ِ‬ ‫عيل هذه‪ ،‬فإن الليل َة ليل ُة‬
‫قال‪ :‬فإن أبيتم َّ‬
‫حممد وأصحابِه ِغ َّر ًة‪.‬‬
‫فانزلوا لعلنا نصيب من ٍ‬
‫ُ‬ ‫وأصحا ُبه قد َأ ِمنونا فيها‪ِ ،‬‬

‫حدث فيه ما مل ُحي ِد ُ‬


‫ث َمن كان قب َلنا إال من قد‬ ‫ُ‬ ‫قالوا‪ُ :‬نفسد سبتنا علينا‪ ،‬و ُن‬
‫ِ‬
‫املسخ!‬ ‫ف عليك من‬
‫خي َ‬
‫علمت‪ ،‬فأصابه ما مل َ ْ‬
‫َ‬
‫‪ | 071‬خمتصر السرية النبوية‬

‫قال‪ :‬ما بات ٌ‬


‫رجل منكم منذ ولد ُته أ ُّمه ليل ًة واحد ًة من الدهر حاز ًما‪.‬‬
‫بن ِ‬
‫عبد املنذر‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ :‬أن ابعث إلينا أبا ُلباب َة ِ‬ ‫قال‪ :‬ثم إهنم َبعثوا إىل‬
‫ستشريه يف أمرنا؛ فأرسله‬ ‫ِ‬
‫األوس‪ ،‬لنَ‬ ‫عوف‪ ،‬وكانوا ُحلفاء‬‫ٍ‬ ‫عمرو بن‬‫أخا بني ِ‬
‫َ‬
‫والص ُ‬
‫بيان‬ ‫ِّ‬ ‫وج َهش إليه النسا ُء‬ ‫ُ‬
‫الرجال‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إليهم‪ ،‬فلام رأوه قام إليه‬
‫يبكون يف ِ‬
‫وجهه؛ َفر َّق َلم‪.‬‬
‫ننزل عىل حكم ٍ‬
‫حممد؟‬ ‫وقالوا له‪ :‬يا أبا ُلباب َة! أترى أن َ‬

‫الذبح‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬وأشار بيده إىل َح ْل ِقه أنه‬
‫ِ‬
‫عرفت أين قد ُخنت‬ ‫قال أبو لباب َة‪ :‬فواهلل ما زالت َقدماي من مكاهنام حتى َ‬
‫رسول اهلل ﷺ حتى ار ُتبِط‬
‫َ‬ ‫وجهه ومل ِ‬
‫يأت‬ ‫انطلق أبو لباب َة عىل ِ‬
‫َ‬ ‫اهللَ ورسو َله ﷺ‪ ،‬ثم‬
‫عمود من ُع ُم ِده‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املسجد إىل‬ ‫يف‬

‫صنعت‪ ،‬وعاهدَ اهلل‪ :‬أال‬


‫ُ‬ ‫عيل مما‬
‫يتوب اهلل َّ‬
‫َ‬ ‫أبرح مكاين هذا حتى‬
‫وقال‪ :‬ال ُ‬
‫أطأ بني قريظ َة أبدً ا‪ ،‬وال ُأرى يف ٍ‬
‫بلد ُخنت اهللَ ورسو َله فيه أبدً ا‪.‬‬

‫ربه ‪-‬وكان قد استبط َأ ُه‪ -‬قال‪:‬‬ ‫َ‬


‫رسول اهلل ﷺ خ ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام َ‬
‫بلغ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫فعل‪ ،‬فام أنا بالذي ُأطلِقه من‬‫فعل ما َ‬‫الستغفرت له‪ ،‬فأما إذ قد َ‬
‫ُ‬ ‫«أما إنه لو جاءين‬
‫يتوب اهللُ عليه»‪.‬‬
‫َ‬ ‫مكانِه حتى‬
‫عبد اهلل بن ُق ٍ‬
‫سيط أن توب َة أيب لباب َة نزلت‬ ‫إسحاق‪ :‬فحدثني يزيدُ بن ِ‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ من السح ِر‪ ،‬وهو يف ِ‬
‫بيت أم سلم َة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬
‫َّ َ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪070‬‬

‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬أقام أبو لباب َة مرتب ًطا باجلذ ِع ست ٍ‬


‫ليال‪ ،‬تأتيه امرأ ُته يف كل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫للصالة‪ ،‬ثم يعو ُد فريتبط باجلذ ِع‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صالة‪ ،‬ف َت ُح ُّله‬ ‫وقت‬

‫األوس فقالوا‪ :‬يا‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فتوا َثبت‬ ‫قال فلام أص َبحوا نزلوا عىل ُحكم‬
‫ِ‬
‫باألمس ما قد‬ ‫اخلزرج‪ ،‬وقد ف َع ْلت يف موايل إخواننا‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إهنم موالينا دون‬
‫قاع‪ ،‬وكانوا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ قبل بني ُقريظ َة قد حارص بني قينُ َ‬ ‫علمت ‪-‬وقد كان‬ ‫َ‬
‫كمه‪ ،‬فسأله إياهم عبدُ اهلل بن ُأيب ابن س ٍ‬
‫لول‪،‬‬ ‫حلفاء اخلزرج‪ ،‬فنزلوا عىل ح ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األوس‬ ‫معش‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬أال َترضون يا‬ ‫األوس قال‬
‫ُ‬ ‫فوهبهم له‪ -‬فلام ك َّل َمته‬
‫أن حي ُكم فيهم رجل منكم؟»‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬بىل‪.‬‬
‫سعد بن ٍ‬
‫معاذ»‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬فذاك إىل ِ‬
‫ُ‬ ‫قال‬

‫أسلم‪ُ ،‬يقال‬ ‫ٍ‬


‫المرأة من‬ ‫ٍ‬
‫خيمة‬ ‫جعل سعدَ بن ٍ‬
‫معاذ يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ قد َ‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫َ‬
‫وحتتسب بنفسها عىل ِخدمة من‬
‫ُ‬ ‫جلرحى‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َلا‪ُ :‬رفيد ُة ‪-‬يف مسجده‪ -‬كانت ُتداوي ا َ‬
‫كانت به ضيع ٌة من املسلمني‪.‬‬
‫ِ‬
‫باخلندق‪« :‬اجعلوه يف‬ ‫السهم‬ ‫رسول اهلل ﷺ قد قال ِ‬
‫لقومه حني أصابه‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫قريب»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫خيمة ُرفيد َة حتى أعو َده من‬
‫فح َملوه عىل ٍ‬
‫محار قد َو َّطئوا‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف بني ُقريظ َة‪ ،‬أتاه قو ُمه َ‬‫ُ‬ ‫فلام َح َّكمه‬
‫ول اهلل ﷺ وهم‬ ‫مجيال‪ ،‬ثم أق َبلوا معه إىل رس ِ‬ ‫جسيام ً‬ ‫ٍ‬
‫بوسادة من أ َد ٍم‪ ،‬وكان رجال‬ ‫له‬
‫ً‬
‫والك ذلك ل ُتحس َن‬ ‫رسول اهلل ﷺ إنام َّ‬ ‫َ‬ ‫أحسن يف مواليك‪ ،‬فإن‬ ‫عمرو‪ِ ،‬‬‫يقولون‪ :‬يا أبا ٍ‬
‫تأخ َذه يف اهلل لوم ُة الئ ٍم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لسعد أال ُ‬ ‫فيهم‪ ،‬فلام أكثروا عليه قال‪ :‬لقد َأ َنى‬
‫‪ | 072‬خمتصر السرية النبوية‬

‫األشه ِل‪ ،‬فنعى َلم‬ ‫دار بني عبد‬ ‫بعض من كان معه من ِ‬
‫قومه إىل ِ‬ ‫فرجع ُ‬
‫َ‬
‫يصل إليهم سعدٌ ‪ -‬عن كلمتِه التي سمع منه‪.‬‬
‫رجال بني قريظ َة ‪-‬قبل أن َ‬
‫َ‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬قوموا‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ واملسلمني‪ ،‬قال‬ ‫فلام انتهى سعدٌ إىل‬
‫إىل س ِيدكم»‪.‬‬

‫أمر مواليك‬ ‫رسول اهلل ﷺ قد َّ‬


‫والك َ‬ ‫َ‬ ‫فقاموا إليه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا ٍ‬
‫عمرو‪ ،‬إن‬
‫لتح ُكم فيهم‪.‬‬

‫احلكم فيهم ملَا‬ ‫ٍ‬


‫معاذ‪ :‬عليكم بذلك عهدُ اهلل وميثا ُقه َّ‬
‫أن‬ ‫فقال سعدُ بن‬
‫َ‬
‫حكمت؟‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهو‬ ‫قالوا‪ :‬نعم‪ :‬وعىل من ها هنا؟ ‪-‬يف الناحية التي فيها‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬نعم»‪.‬‬ ‫ً‬
‫إجالال له‪ -‬فقال‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫عرض عن‬ ‫ُم ٌ‬
‫ُ‬
‫األموال‪ ،‬و ُتسبى‬ ‫قسم‬ ‫ُ‬
‫الرجال‪ ،‬و ُت َّ‬ ‫قال سعدٌ ‪ :‬فإين أحكم فيهم أن ُت َ‬
‫قتل‬
‫الذراري والنسا ُء‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫الليثي قال‪ :‬قال‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫وقاص‬ ‫إسحاق‪ :‬عن علقم َة بن‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫أرقعة»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سبعة‬ ‫بحك ِم اهلل من فوق‬ ‫ٍ‬
‫لسعد‪« :‬لقد َحكمت فيهم ُ‬
‫دار بنت‬ ‫ِ‬
‫باملدينة يف ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم اس ُت ِنزلوا‪ ،‬فح َبسهم‬ ‫َ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫املدينة التي هي‬ ‫ِ‬
‫سوق‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل‬ ‫ُ‬ ‫خرج‬ ‫ِ‬
‫النجار‪ ،‬ثم‬ ‫ٍ‬
‫امرأة من بني‬ ‫ِ‬
‫احلارث‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اخلنادق‪،‬‬ ‫فضب أعنا َقهم يف تلك‬ ‫خنادق‪ ،‬ثم بعث إليهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فخندَ َق هبا‬
‫سو ُقها اليو َم‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫رأس القوم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫وكعب بن أسد ُ‬ ‫ُ‬ ‫أخطب‬
‫َ‬ ‫يي بن‬
‫عدو اهلل ُح ُّ‬
‫أرساال‪ ،‬وفيهم ُّ‬ ‫ُخي َر ُج هبم إليه‬
‫الثامن م ٍئة والتسع مئة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مئة أو سبع مئة‪ ،‬وامل َك ِّث ُر َلم يقول‪ :‬كانوا بني‬ ‫وهم ست ٍ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪073‬‬

‫َ‬
‫أموال بني قريظ َة ونسا َءهم‬ ‫قسم‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم إن‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الرجال‪،‬‬ ‫وسهامن‬ ‫لم يف ذلك اليو ِم ُس َ‬
‫هامن اخليل ُ‬ ‫وأبنا َءهم عىل املسلمني‪ ،‬وأ ْع َ‬
‫للفارس ثالث ُة أسه ٍم‪ :‬للفرس س ِ‬
‫ِ‬
‫سهم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫هامن ولفارسه‬ ‫َ‬ ‫و ُأخرج منها اخلُ ُ‬
‫مس‪ ،‬فكان‬
‫اخليل يوم بني قريظ َة ست ًة وثالثني‬‫سهم‪ ،‬وكانت ُ‬
‫ٌ‬ ‫فرس‪-‬‬
‫وللراجل ‪َ -‬من ليس له ٌ‬
‫السهامن‪ ،‬و ُأخرج منها اخلمس‪ ،‬فعىل ُسنَّتِها وما‬
‫ُ‬ ‫فرسا‪ ،‬وكان َّأو َل ْيف ٍء وقعت فيه‬
‫ً‬
‫املقاسم‪ ،‬ومضت السن ُة يف املغازي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ فيها وقعت‬ ‫مىض من‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫شأن بني قريظ َة انفجر بسعد بن معاذ ُج ُ‬
‫رحه‬ ‫إسحاق‪ :‬فلام ان َقىض ُ‬
‫َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫فامت منه شهيدً ا‪.‬‬

‫شئت من‬
‫رقي قال‪ :‬حدثني من ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬حدثني معا ُذ بن رفاع َة ُّ‬
‫الز ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫بض سعدُ بن ٍ‬
‫معاذ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ حني ُق َ‬ ‫جربيل عليه السال ُم أتى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫رجال قومي‪ :‬أن‬
‫ٍ‬
‫إستربق‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممدُ ‪ ،‬من هذا امل ِّي ُت الذي‬ ‫ٍ‬
‫بعاممة من‬ ‫معتجرا‬ ‫ِ‬
‫جوف الليل‬ ‫من‬
‫ً‬
‫جير‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُفتحت له‬
‫العرش؟ قال‪ :‬فقام رسول اهلل ﷺ رسي ًعا ُّ‬ ‫واهتز له‬
‫َّ‬ ‫السامء‪،‬‬ ‫أبواب‬
‫ُ‬
‫سعد فوجده قد مات‪.‬‬ ‫ثوبه إىل ٍ‬
‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ومل ُيستشهد من املسلمني يو َم اخلندق إال ست ُة ٍ‬
‫نفر‪ ،‬و ُق َتل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫من املرشكني ثالث ُة ٍ‬
‫نفر‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ‪-‬فيام بلغني‪:-‬‬ ‫ِ‬
‫اخلندق‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬
‫اخلندق عن‬ ‫أهل‬‫وملا انرصف ُ‬
‫غزوهنم»‪ ،‬فلم تغزهم ٌ‬
‫قريش بعد‬ ‫ِ‬
‫«لن َتغزوكم قريش بعد عامكم هذا‪ ،‬ولكنكم َت َ‬
‫هلل عليه م َّك َة‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬وكان هو الذي َيغزوها‪ ،‬حتى فتح ا ُ‬
‫‪ | 074‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ -16‬إسالمُ عمرِو بن العاصِ وخالدِ بن الوليدِ‬


‫زاب عن‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬
‫عمرو بن العاص قال‪ :‬ملا انرصفنا مع األح ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬كانوا َيرون رأيي‪ ،‬ويسمعون منِّي‪ ،‬فقلت َلم‪:‬‬ ‫ً‬
‫رجاال من‬ ‫مجعت‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اخلندق‬
‫أمرا‪ ،‬فام‬ ‫ٍ‬
‫رأيت ً‬
‫ُ‬ ‫نكرا‪ ،‬وإين قد‬
‫علوا ُم ً‬
‫األمور ا‬
‫َ‬ ‫حممد يعلو‬ ‫أمر‬
‫َتعلمون واهلل أين أرى َ‬
‫ترون فيه؟‬

‫رأيت؟‬
‫قالوا‪ :‬وماذا َ‬
‫ظهر حممدٌ عىل قومنا كنا‬ ‫َ‬
‫فنكون عنده‪ ،‬فإن َ‬ ‫بالنجايش‬
‫ِّ‬ ‫نلحق‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬رأيت أن‬
‫ٍ‬
‫حممد‪،‬‬ ‫َ‬
‫نكون حتت يدي‬ ‫أحب إلينا من أن‬ ‫حتت يديه‬
‫النجايش‪ ،‬فإنا أن نكون َ‬ ‫عند‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫خري‪.‬‬
‫وإن ظهر قو ُمنا فنحن َمن قد َعرفوا‪ ،‬فلن يأتينا منهم إال ٌ‬
‫الرأي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قالوا‪ :‬إن هذا‬
‫قلت‪ :‬فامجعوا لنا ما هنديه له‪ ،‬وكان أحب ما ُدى إليه من ِ‬
‫أرضنا األ َد ُم‪.‬‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫فجمعنا له أدما كثريا‪ ،‬ثم خرجنا حتى ِ‬
‫قدمنا عليه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ قد‬ ‫الضمري‪ ،‬وكان‬
‫ُّ‬ ‫فواهلل إنا لعند ُه إذ جاءه عمرو بن أمي َة‬
‫ٍ‬
‫جعفر وأصحابِه‪.‬‬ ‫بع َثه إليه يف ِ‬
‫شأن‬

‫خرج ِمن عنده‪.‬‬ ‫َ‬


‫فدخل عليه ثم َ‬ ‫قال‪:‬‬

‫دخلت عىل‬
‫ُ‬ ‫عمرو بن أمي َة الضمري‪ ،‬لو قد‬ ‫فقلت ألصحايب‪ :‬هذا ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫فعلت ذلك رأت ٌ‬
‫قريش أين قد‬ ‫ُ‬ ‫فضبت ُعنُ َقه‪ ،‬فإذا‬
‫ُ‬ ‫النجايش وسأل ُته إياه فأعطانيه‪،‬‬
‫ِّ‬
‫رسول ٍ‬
‫حممد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قتلت‬
‫أجزأت عنها حني ُ‬ ‫ُ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪075‬‬

‫أصنع‪ ،‬فقال‪ :‬مرح ًبا بصديقي‪،‬‬


‫ُ‬ ‫فسجدت له كام كنت‬
‫ُ‬ ‫فدخلت عليه‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫أهديت إيل من ِ‬
‫بالدك شي ًئا؟‬ ‫َ َّ‬
‫كثريا‪.‬‬
‫أهديت إليك أد ًما ً‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬أُا ُ‬
‫امللك‪ ،‬قد‬

‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫قلت له‪ :‬أُا ُ‬
‫امللك‪ ،‬إين قد‬ ‫قربته إليه‪ ،‬فأعج َبه واش َتهاه‪ ،‬ثم ُ‬‫قال‪ :‬ثم َّ‬
‫عدو لنا‪ ،‬فأعطنيه ألقت َله‪ ،‬فإنه قد أصاب‬ ‫ٍ‬
‫رجل ٍّ‬ ‫ُ‬
‫رسول‬ ‫رجال خرج من عندك‪ ،‬وهو‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫وخيارنا‪.‬‬ ‫من أرشافِنا‬

‫ظننت أنه قد كرسه‪ ،‬فلو‬


‫ُ‬ ‫فضب هبا أن َفه ضب ًة‬ ‫قال‪ِ :‬‬
‫فغضب‪ ،‬ثم مد يدَ ه‬
‫َ‬
‫لدخلت فيها َف َر ًقا منه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫انش َّقت يل ا ُ‬
‫ألرض‬

‫ظننت أنك تكر ُه هذا ما سأل ُت َكه‪.‬‬


‫ُ‬ ‫ثم قلت له‪ :‬أُا ُ‬
‫امللك‪ ،‬واهلل لو‬

‫رب الذي كان يأيت‬


‫الناموس األك ُ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫رجل يأتيه‬ ‫َ‬
‫رسول‬ ‫قال‪ :‬أتسأ ُلني أن أعط َيك‬
‫موسى ل َتق ُت َله!‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬أُا امللك‪َ ،‬أ َك َ‬
‫ذاك هو؟‬
‫َّ‬
‫ظهرن عىل من‬‫احلق‪ ،‬ول َي‬
‫عمرو أطعني وا َّتبعه‪ ،‬فإنه واهلل لعىل ِّ‬
‫حيك يا ُ‬‫قال‪ :‬و َ‬
‫ِ‬
‫وجنوده‪.‬‬ ‫ظهر موسى عىل فِرعون‬
‫خالفه‪ ،‬كام َ‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬أف ُت ِ‬
‫بايعني له عىل اإلسال ِم؟‬

‫خرجت إىل أصحايب وقد‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫فبسط يدَ ه‪ ،‬فبايع ُته عىل اإلسال ِم‪ ،‬ثم‬ ‫قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫وكتمت أصحايب إسالمي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حال رأيي عام كان عليه‪،‬‬
‫‪ | 076‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫ثم خرجت عامدً ا إىل رسول اهلل ﷺ ألُ َ‬
‫سلم‪ ،‬فلقيت خالدَ بن الوليد‪ ،‬وذلك‬
‫الفتح‪ ،‬وهو ُم ٌ‬
‫قبل من مك َة‪ ،‬فقلت‪ :‬أين يا أبا سليامن؟‬ ‫ِ‬ ‫ُقبيل‬

‫فأسلم‪ ،‬فحتى‬ ‫أذهب واهلل‬ ‫قال‪ :‬واهلل لقد استقام املَ ِ‬


‫نس ُم‪ ،‬وإن الرجل لنبي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫متى؟‬

‫جئت إال ألسلم‪.‬‬


‫قال‪ :‬قلت‪ :‬واهلل ما ُ‬
‫فأسلم وبايع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فتقد َم خالدُ بن الوليد‬ ‫قال‪ِ :‬‬
‫فقدمنا املدين َة عىل‬
‫َ‬
‫غفر يل ما تقدم من ذنبي‪ ،‬وال‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إين أباي ُعك عىل أن ُي َ‬ ‫دنوت‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫أذكر ما تأخر‪.‬‬
‫ُ‬
‫جيب ما كان قبله‪،‬‬
‫عمرو‪ ،‬بايع؛ فإن اإلسال َم َ ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬يا ُ‬ ‫قال‪ :‬فقال‬
‫وإن امهجر َة َ ُتب ما كان قبلها»‪ ،‬قال‪ :‬فبايعته‪ ،‬ثم انرصفت‪.‬‬

‫‪ -17‬غزوةُ بين املُصطَِلق‬

‫رسول اهلل ﷺ أن بني املُصطلِق َجي َمعون له‪ ،‬وقائدُ هم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬بلغ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫سمع‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلام‬ ‫ِ‬
‫احلارث ِ‬
‫زوج‬ ‫احلارث بن أيب ِضار أبو جويري َة بنت‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ريسيع‪ ،‬من‬ ‫رسول اهلل ﷺ هبم خرج إليهم‪ ،‬حتى لقيهم عىل ٍ‬
‫ماء َلم ُيقال له‪ :‬املُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هلل بني املصطلِق‪ ،‬و ُقتل‬ ‫الناس واقتتلوا‪ ،‬فهز َم ا ُ‬ ‫ديد إىل الساحل‪ ،‬فتزاحف‬ ‫ناحية ُق ٍ‬
‫ُ‬
‫وأمواَلم‪ ،‬فأفاءهم عليه‪.‬‬‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ أبناءهم ونساءهم‬‫ُ‬ ‫من قتل منهم‪َ ،‬‬
‫ونفل‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪077‬‬

‫عمر ِ‬
‫بن‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل ذلك ِ‬ ‫ُ‬
‫الناس‪ ،‬ومع َ‬ ‫املاء‪ ،‬ور َدت وارد ُة‬ ‫فبينا‬
‫فرسه‪ ،‬فازدحم‬ ‫ٍ‬
‫غفار يقال له‪َ :‬جهجاه ب ُن مسعود يقود َ‬ ‫أجري له من بني‬ ‫اخلطاب‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫وسنان بن وبر اجلهني حليف بني عوف بن اخلزرج عىل املاء‪ ،‬فاقتتال‪،‬‬ ‫جهجاه‬
‫معرش املهاجرين‪ ،‬فغضب‬ ‫َ‬ ‫معرش األنصار‪ ،‬ورصخ َجهجاه‪ :‬يا‬ ‫َ‬ ‫اجلهني‪ :‬يا‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫فرصخ‬
‫أرقم ‪-‬غالم حدث‪-‬‬ ‫سلول وعنده ٌ‬ ‫ٍ‬
‫رهط من قومه فيهم زيدُ بن َ‬ ‫عبدُ اهلل بن أيب ابن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قريش‬ ‫البيب‬
‫َ‬ ‫فقال‪َ :‬أو َقد فعلوها‪ ،‬قد نا َفرونا وكا َثرونا يف بالدنا‪ ،‬واهلل ما َأ ُعدُّ نا َ‬
‫وج‬
‫سمن كل َبك يأك ْلك‪ ،‬أما واهلل لئن رجعنا إىل املدينة ل ُيخرجن‬
‫األو ُل‪ِّ :‬‬
‫إال كام قال َّ‬
‫األعز منها َ‬
‫األذل‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫بأنفسكم‪،‬‬ ‫ثم أقبل عىل من حضه من ِ‬
‫قومه‪ ،‬فقال َلم‪ :‬هذا ما فعل ُتم‬ ‫ُ‬
‫وقاسمتموهم أموا َلكم‪ ،‬أما واهلل لو أمسك ُتم عنهم ما‬
‫َ‬ ‫أحللتموهم بال َدكم‪،‬‬
‫غري ِ‬
‫داركم‪.‬‬ ‫بأيديكم لتحولوا إىل ِ‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وذلك عند فرا ِغ‬ ‫ِ‬ ‫أرقم‪ ،‬فمشى به إىل‬
‫فسمع ذلك زيدُ بن َ‬
‫ِ‬
‫اخلطاب‪ ،‬فقال‪ُ :‬مر به َع َّبا َد‬ ‫عمر بن‬ ‫ِ‬
‫رب وعنده ُ‬ ‫ربه اخل َ‬
‫عدوه‪ ،‬فأخ َ‬
‫رسول اهلل ﷺ من ِّ‬
‫بن ٍ‬
‫برش فليق ُتله‪.‬‬
‫حتدث الناس أن حممدا ُ‬
‫يقتل‬ ‫َ‬ ‫عمر إذا‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬فكيف يا ُ‬ ‫ُ‬ ‫فقال له‬
‫ُ‬
‫يرحتل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ٍ‬
‫ساعة مل يكن‬ ‫ِ‬
‫بالرحيل»‪ ،‬وذلك يف‬ ‫أصحا َبه! ال‪ ،‬ولكن أ ِذن‬
‫الناس‪.‬‬
‫فيها‪ ،‬فارحتل ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ حني بلغ ُه أن زيدَ بن‬ ‫وقد مشى عبدُ اهلل بن أيب ابن سلول إىل‬
‫قلت ما َ‬
‫قال‪ ،‬وال تكلمت به‪.‬‬ ‫سمع منه‪ ،‬فحلف باهلل‪ :‬ما ُ‬
‫َ‬ ‫أرقم قد ب َّلغه ما‬
‫َ‬
‫‪ | 078‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫األنصار من‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫حض‬ ‫عظيام‪ ،‬فقال من‬
‫ً‬ ‫وكان يف قومه رشي ًفا‬
‫َ‬
‫أوهم يف حديثِه‪ ،‬ومل حيفظ ما‬
‫رسول اهلل‪ ،‬عسى أن يكون الغال ُم قد َ‬‫َ‬ ‫أصحابِه‪ :‬يا‬
‫ٍ‬
‫سلول‪ ،‬ودفعا عنه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الرجل‪ ،‬حد ًبا عىل ابن أيب ابن‬ ‫قال‬
‫ٍ‬
‫حضري‪،‬‬ ‫وسار‪ ،‬لقيه ُأسيدُ بن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َّ‬
‫استقل‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫حت يف ساعة‬
‫نبي اهلل‪ ،‬واهلل لقد ُر َ‬ ‫ِ‬
‫فح َّياه بتحية النبوة وسلم عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا َ‬
‫كنت تروح يف مثلها‪.‬‬
‫نكرة‪ ،‬ما َ‬ ‫م ٍ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬أو ما بلغك ما قال صاح ُبكم؟»‬ ‫فقال له‬
‫َ‬
‫رسول اهلل؟‬ ‫وأي صاحب يا‬
‫قال‪ُّ :‬‬
‫قال‪« :‬عبدُ اهلل بن أيب»‪.‬‬

‫قال‪ :‬وما قال؟‬

‫األذل»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املدينة ل ُيخرجن األعز منها َّ‬ ‫رجع إىل‬
‫قال‪« :‬زعم أنه إن َ‬
‫ُ‬
‫الذليل وأنت‬ ‫رسول اهلل واهلل ُخترجه منها إن َ‬
‫شئت‪ ،‬هو واهلل‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬فأنت يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ارفق به‪ ،‬فواهلل لقد جا َءنا اهللُ بك‪ ،‬وإن قو َمه‬ ‫َ‬ ‫العزيز‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫ُ‬
‫اخلرز ليتوجوه‪ ،‬فإنه َلريى أنك قد استلب َته ُمل ًكا‪.‬‬
‫َ‬ ‫لينظِمون له‬
‫ِ‬
‫بالناس يو َمهم ذلك حتى أمسى‪ ،‬ولي َلتهم حتى‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ثم مشى‬
‫ِ‬
‫بالناس‪ ،‬فلم َيلبثوا أن‬ ‫الشمس‪ ،‬ثم َ‬
‫نزل‬ ‫أصبح وصدر ِ‬
‫يومهم ذلك حتى آذهتم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫الناس‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ل َي َ‬
‫شغل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض فوقعوا نيا ًما‪ ،‬وإنام فعل ذلك‬ ‫مس‬‫وجدوا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عن احلديث الذي كان باألمس من حديث عبد اهلل ابن ُأ ٍّ‬
‫يب‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪079‬‬

‫وبلغ عبدَ اهلل بن عبد اهلل بن أيب الذي كان من ِ‬


‫أمر أبيه‪.‬‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫عاصم بن عمر ِ‬
‫بن قتاد َة أن عبد اهلل أتى‬ ‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬فحدثني‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫قتل ِ‬
‫عبد اهلل بن أيب فيام بلغك عنه‪،‬‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬إنه بلغني أنك ُتريد َ‬
‫َ‬ ‫اهلل ﷺ فقال‪ :‬يا‬
‫اخلزرج ما‬
‫ُ‬ ‫رأسه‪ ،‬فواهلل لقد علمت‬ ‫فمرين به‪ ،‬فأنا ُ‬
‫أمحل إليك َ‬ ‫فإن كنت ال بد ً‬
‫فاعال ُ‬
‫تأمر به غريي فيقت َله‪ ،‬فال تدعني‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أبر بوالده مني‪ ،‬وإين أخشى أن َ‬ ‫رجل َّ‬ ‫كان َلا من‬
‫قتل ً‬
‫رجال مؤمنًا‬ ‫بد اهلل بن أيب َيميش يف الناس؛ فأقتله ف َأ ُ‬‫قاتل ع ِ‬
‫أنظر إىل ِ‬
‫نفيس ُ‬
‫النار‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بكافر‪ ،‬فأدخل َ‬
‫حسن ُصح َبته ما بقي معنا»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬بل نت َّفق به‪ ،‬و ُن‬ ‫فقال‬

‫احلدث كان قو ُمه هم الذين ُيعاتِبونه ويأخذونه‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫أحدث‬ ‫وجعل بعد ذلك إذا‬
‫اخلطاب حني بلغه ذلك من ِ‬
‫شأهنم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫لعمر بن‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫و ُيعنِّفونه‪ ،‬فقال‬
‫َ‬
‫قلت ل‪ :‬اق ُتله‪ ،‬ألُ ِ‬
‫رعدَ ت له آ ُنف‪ ،‬لو‬ ‫عمر‪ ،‬أما واهلل لو قتل ُته يوم َ‬
‫«كيف َترى يا ُ‬
‫أمرتا اليو َم بقتله لقتلته»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أعظم برك ًة من أمري‪.‬‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫علمت َألَ ُ‬
‫مر‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬قال عمر‪ :‬قد واهلل‬

‫منصور‪ِ ،‬أم ْت‬


‫ُ‬ ‫شعار املسلمني يو َم بني املصطلِق‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫ابن هشا ٍم‪ :‬وكان‬
‫قال ُ‬
‫ِأم ْت‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ناس‪ ،‬و َق َتل ُّ‬
‫عيل بن أيب‬ ‫وأصيب من بني املصطلق يومئذ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫رجال من فرساهنم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عوف ً‬ ‫وقتل عبدُ الرمحن بن‬ ‫طالب منهم َر ِ‬
‫جلني‪ ،‬مال ًكا وابنه‪َ ،‬‬
‫أمحر‪ ،‬أو ُأحيمر‪.‬‬
‫ُيقال له‪ُ :‬‬
‫‪ | 081‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ -18‬خربُ اإلفك يف غزوةِ بين املُصطلِق سنةَ ست‬


‫أقر َع‬
‫سفرا َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا أرا َد ً‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عائش َة قالت‪ :‬كان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫سهمها خرج هبا معه‪ ،‬فلام كانت غزو ُة بني ا ُملصطلِق أقرع‬
‫بني نسائه‪ ،‬فأ َّي َتهن خرج ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫فخرج يب‬ ‫يصنع‪ ،‬فخرج َسهمي عليهن معه‪،‬‬ ‫بني ِ‬
‫نسائه‪ ،‬كام كان‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اللحم فيثقلن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬وكان النسا ُء إذ ذاك إنام يأ ُكلن ال ُع َلق(‪ )1‬مل ُُيجه َّن‬
‫رحلون يل‬‫وكنت إذا ُر ِّحل يل بعريي َجلست يف َهو َدجي‪ ،‬ثم يأيت القو ُم الذين ُي ِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫البعري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ظهر‬ ‫فريفعو َنه‪ ،‬ف َيضعونه عىل‬ ‫ِ‬
‫اَلودج َ‬ ‫ِ‬
‫بأسفل‬ ‫وحيملونني‪ ،‬ف َيأخذون‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫البعري‪ ،‬فينطلقون به‪.‬‬ ‫ِ‬
‫برأس‬ ‫ف َيشدُّ ونه بحبال ِه‪ ،‬ثم يأخذون‬

‫قافال حتى إذا كان‬ ‫وجه ً‬ ‫سفره ذلك‪َّ ،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ من ِ‬
‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬فلام فر َغ‬
‫ِ‬
‫بالرحيل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الناس‬ ‫ِ‬
‫الليل‪ ،‬ثم أ َّذن يف‬ ‫بعض‬ ‫املدينة نزل ً‬
‫منزال‪ ،‬فبات به َ‬ ‫ِ‬ ‫قري ًبا من‬
‫وخرجت لبعض حاجتي‪ ،‬ويف ُعنقي ِعقدٌ يل‪ ،‬فيه َج ْز ُع َظ ِ‬
‫فار(‪،)2‬‬ ‫ُ‬ ‫الناس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فارحتل‬
‫ألتمسه يف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرحل ذهبت‬ ‫جعت إىل‬
‫انسل من ُعنقي وال أدري‪ ،‬فلام َر ُ‬ ‫فرغت َّ‬‫ُ‬ ‫فلام‬
‫جعت إىل مكاين الذي ذهبت‬ ‫ِ‬
‫الرحيل‪َ ،‬فر ُ‬ ‫الناس يف‬
‫ُ‬ ‫عنقي‪ ،‬فلم أجدْ ه‪ ،‬وقد َ‬
‫أخذ‬
‫البعري‪-‬‬ ‫رحلون يل‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫إليه‪ ،‬فالتمس ُته حتى وجد ُته‪ ،‬وجاء القو ُم خاليف ‪-‬الذين كانوا ُي ِّ‬
‫أصنع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ودج‪ ،‬وهم َيظنون أين فيه‪ ،‬كام كنت‬ ‫وقد فرغوا من رحلته‪ ،‬فأخذوا اَل َ َ‬
‫ِ‬
‫البعري‪ ،‬فانطلقوا‬ ‫ِ‬
‫برأس‬ ‫ِ‬
‫البعري‪ ،‬ومل يشكوا أين فيه‪ ،‬ثم أخذوا‬ ‫فاح َتملوه فشدُّ وه عىل‬
‫انطلق الناس‪.‬‬
‫َ‬ ‫يب‪ ،‬قد‬ ‫ِ‬
‫العسكر وما فيه من دا ٍع وال ُلج ٍ‬ ‫جعت إىل‬
‫به َفر ُ‬

‫(‪ )1‬ال ُع َلق‪ :‬ما فيه بلغة من الطعام إىل وقت الغداء‪.‬‬
‫(‪ )2‬اجلَزْ ع‪ :‬نوع من اخلرز فيه بياض وسواد‪ .‬و َظفار‪ :‬موضع باليمن‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪080‬‬

‫اضطجعت يف مكاين‪ ،‬وعرفت أن لو قد‬


‫ُ‬ ‫فت ِ‬
‫بجلبايب‪ ،‬ثم‬ ‫قالت‪ :‬فتل َّف ُ‬
‫إيل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اف ُتقدت ُلرجع َّ‬
‫السلمي‪ ،‬وقد كان‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫املعطل‬ ‫ُ‬
‫صفوان بن‬ ‫قالت‪ :‬فواهلل إين ملُضطجع ٌة إذ مر يب‬
‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬فرأى َسوادي‪ ،‬فأقبل‬ ‫ِ‬
‫لبعض حاجته‪ ،‬فلم يبت مع‬ ‫ِ‬
‫العسكر‬ ‫ختلف عن‬
‫َ‬
‫احلجاب‪ ،‬فلام رآين قال‪ :‬إنا‬
‫ُ‬ ‫ضب علينا‬
‫َ‬ ‫عيل‪ ،‬وقد كان يراين قبل أن ُي‬
‫حتى وقف َّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ!‬ ‫هلل وإنا إليه ِ‬
‫راجعون‪ ،‬ظعين ُة‬

‫وأنا متلفف ٌة يف ثيايب‪ ،‬قال‪ :‬ما خلفك ير ُ‬


‫محك اهللُ؟‬
‫َ‬
‫واستأخر عني‪.‬‬ ‫البعري‪ ،‬فقال‪ :‬اركبي‪،‬‬
‫َ‬ ‫قر َب‬
‫قالت‪ :‬فام كلمته‪ ،‬ثم َّ‬
‫الناس‪ ،‬فواهلل ما‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫البعري‪ ،‬فانطلق رسي ًعا‪ ،‬يط ُل ُ‬ ‫ِ‬
‫برأس‬ ‫َ‬
‫وأخذ‬ ‫فركبت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قالت‪:‬‬
‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫طلع‬
‫الناس‪ ،‬فلام اطمأنوا َ‬
‫ُ‬ ‫أصبحت‪ ،‬ونزل‬
‫ُ‬ ‫قدت حتى‬
‫الناس‪ ،‬وما اف ُت ُ‬
‫أدركنا َ‬
‫ٍ‬
‫بيشء من‬ ‫العسكر‪ ،‬وواهلل ما أعلم‬ ‫عج‬ ‫أهل ِ‬ ‫يقو ُد يب‪ ،‬فقال ُ‬
‫اإلفك ما قالوا فار َت َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫اشتكيت شكوى شديد ًة‪ ،‬وال َيبلغني من‬ ‫ُ‬ ‫قدمنا املدين َة‪ ،‬فلم ألبث أن‬ ‫ثم ِ‬

‫وي ال َيذكرون يل منه‬ ‫ِ‬


‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وإىل َأ َب َّ‬ ‫ُ‬
‫احلديث إىل‬ ‫ذلك يش ٌء‪ ،‬وقد انتهى‬
‫بعض ُل ِ‬
‫طفه يب‪ ،‬كنت إذا‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬‫ِ‬ ‫نكرت من‬ ‫كثريا‪ ،‬إال أ ِّين قد َأ‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫قليال وال ً‬
‫فأنكرت ذلك‬
‫ُ‬ ‫رمحني ولطف يب‪ ،‬فلم َيفعل ذلك يب يف شكواي تلك‪،‬‬ ‫اشتكيت ِ‬
‫ُ‬
‫عيل وعندي أ ِّمي ُمترضني قال‪« :‬كيف تِي ُكم؟» ال يزيد عىل‬ ‫منه‪ ،‬كان إذا دخل َّ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬ار َت َع َج‪ :‬اضطرب‪.‬‬


‫‪ | 082‬خمتصر السرية النبوية‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ‪-‬حني‬ ‫وجدت يف نفيس‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬قالت‪ :‬حتى‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫فانتقلت إىل أ ِّمي‪ ،‬فمرضتني؟‬
‫ُ‬ ‫رأيت من جفائه يل‪ :-‬لو ِ‬
‫أذنت يل‪،‬‬ ‫رأيت ما ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫قال‪« :‬ال عليك»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وجعي‬ ‫علم يل بيشء مما كان‪ ،‬حتى ِنق ُ‬
‫هت من َ‬ ‫فانتقلت إىل أ ِّمي‪ ،‬وال َ‬
‫ُ‬ ‫قالت‪:‬‬
‫الكنف التي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫نتخذ يف بيوتنا هذه‬ ‫بعد بض ٍع وعرشين ليل ًة‪ ،‬وكنا قو ًما َ‬
‫عر ًبا‪ ،‬ال‬
‫ِ‬ ‫نذهب يف ُف َسح‬
‫املدينة‪ ،‬وإنام كانت‬ ‫ُ‬ ‫األعاجم؛ َنعا ُفها و َن ُ‬
‫كرهها‪ ،‬إنام كنا‬ ‫ُ‬ ‫تتخذها‬
‫حاجتي ومعي أ ُّم‬ ‫جت ليل ًة لبعض‬ ‫حوائجهن‪ ،‬فخر ُ‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫ليلة يف‬ ‫النسا ُء خيرج َن َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ٍ‬
‫سطح!‬ ‫سطح‪ ،‬فواهلل إهنا لتميش معي إذ ع ُثرت يف مرطها فقالت‪َ :‬تعس م ٌ‬
‫عوف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ومسطح لقب واسمه‪:‬‬
‫ٌ‬
‫بدرا‪،‬‬ ‫لرجل من املهاجرين قد ِ‬
‫شهد ً‬ ‫ٍ‬ ‫لعمر اهلل ما قلت‬
‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬قلت‪ :‬بئس‬
‫بنت أيب بكر؟‬
‫رب يا َ‬
‫قالت‪َ :‬أو ما بلغك اخل ُ‬
‫رب؟‬
‫قالت‪ :‬قلت‪ :‬وما اخل ُ‬
‫ِ‬
‫اإلفك‪.‬‬ ‫فأخربتني بالذي كان من ِ‬
‫قول ِ‬
‫أهل‬

‫قالت‪ :‬قلت‪َ :‬أوقد كان هذا؟‬

‫قالت‪ :‬نعم واهلل لقد كان‪.‬‬

‫زلت أبكي‬
‫ورجعت‪ ،‬فواهلل ما ُ‬ ‫حاجتي‬ ‫قالت‪ :‬فواهلل ما ِ‬
‫ُ‬ ‫أقيض َ‬
‫َ‬ ‫رت عىل أن‬
‫قد ُ‬
‫صدع كبِدي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حتى ظننت أن البكا َء س َي‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪083‬‬

‫الناس بام َحتدَّ ثوا به‪ ،‬وال َتذ ُكرين‬


‫ُ‬ ‫يغفر اهلل لك‪ ،‬حتدَّ ث‬
‫قالت‪ :‬وقلت أل ِّمي‪ُ :‬‬
‫يل من ذلك شي ًئا!‬
‫َ‬
‫الشأن‪ ،‬فواهلل لقلام كانت امرأ ٌة حسنا ُء عند‬ ‫أي ُبنية‪ ،‬خ ِّفيض عليك‬
‫قالت‪ْ :‬‬
‫ضائر إال ك َّثرن وكثر ُ‬
‫الناس عليها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رجل ُحي ُّبها َلا‬
‫ِ‬
‫فحمد‬ ‫ِ‬
‫الناس خي ُطبهم وال أعلم بذلك‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫قالت‪ :‬وقد قام‬
‫ٍ‬
‫رجال ُيؤذونني يف أهل‪ ،‬ويقولون‬ ‫الناس‪ ،‬ما ُ‬
‫بال‬ ‫ُ‬ ‫اهللَ وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪« :‬أهيا‬
‫ٍ‬
‫لرجل واهلل ما‬ ‫احلق‪ ،‬واهلل‪ ،‬ما َعلمت منهم إال خريا‪ ،‬ويقولون ذلك‬‫غري ِ‬
‫عليهم َ‬
‫علمت منه إال خريا‪ ،‬وما َيدخل بيتا من بيوت إال وهو معي»‪.‬‬
‫ِ‬
‫اخلزرج‬ ‫يب ابن َسلول يف رجال من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رب ذلك عند عبد اهلل بن أ ِّ‬
‫قالت‪ :‬وكان ك ُ‬
‫ومحن ُة بنت جحش‪.‬‬
‫سطح َ‬ ‫ِ‬
‫مع الذي قال م ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إن‬ ‫رسول اهلل ﷺ تلك املقال َة‪ ،‬قال ُأسيد بن ُحضري‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫فلام قال‬
‫فمرنا ِ‬
‫بأمرك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كف َكهم‪ ،‬وإن يكونوا من إخواننا من‬ ‫األوس َن ِ‬
‫ِ‬
‫اخلزرج‪ُ ،‬‬ ‫يكونوا من‬
‫فواهلل إهنم ٌ‬
‫ألهل أن ُتضب أعنا ُقهم‪.‬‬
‫ً‬
‫رجال صاحلًا‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫قالت‪ :‬فقام سعدُ بن عباد َة‪ ،‬وكان قبل ذلك ُيرى‬
‫قلت هذه املقال َة إال أنك قد‬
‫لعمر اهلل‪ ،‬ال َنضب أعنا َقهم‪ ،‬أما واهلل ما َ‬
‫ُ‬ ‫كذبت‬
‫َ‬
‫قلت هذا‪.‬‬
‫قومك ما َ‬ ‫اخلزرج‪ ،‬ولو كانوا من ِ‬
‫ِ‬ ‫عرفت أهنم من‬
‫منافق ُت ُ‬
‫ادل عن املنافقني‪.‬‬ ‫لعمر اهلل‪ ،‬ولكنك ٌ‬
‫كذبت ُ‬
‫َ‬ ‫فقال أسيدٌ ‪:‬‬
‫‪ | 084‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫األوس‬ ‫الناس حتى كاد يكون بني هذين احل َّيني من‬
‫ُ‬ ‫وتساور‬
‫َ‬ ‫قالت‪:‬‬
‫واخلزرج رش‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وعندي أبواي‪ ،‬وعندي امرأ ٌة من‬ ‫ُ‬ ‫عيل‬


‫قالت‪ :‬ثم دخل َّ‬
‫األنصار‪ ،‬وأنا أبكي وهي َتبكي معي‪ ،‬فجلس ِ‬
‫فحمد اهللَ وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪« :‬يا‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫قارفت‬ ‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬فا َّتقي اهللَ‪ ،‬وإن كنت قد‬ ‫عائش ُة‪ ،‬إنه قد كان ما قد بل َغك من ِ‬
‫قول‬
‫الناس فتويب إىل اهلل‪ ،‬فإن اهللَ ُ‬
‫يقبل التوب َة عن عباده»‪.‬‬ ‫سوءا مما ُ‬
‫يقول ُ‬

‫قال يل ذلك‪ ،‬ف َق ُلص دمعي‪ ،‬حتى ما ُأ ُّ‬


‫حس منه‬ ‫قالت‪ :‬فواهلل ما هو إال أن َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلم َيت َك َّلام‪.‬‬
‫َ‬ ‫وانتظرت أبوي أن ُجييبا عنِّي‬
‫ُ‬ ‫شي ًئا‪،‬‬
‫وأصغر شأ ًنا من أن ُي َ‬
‫نزل اهلل َّيف‬ ‫َ‬ ‫أحقر يف نفيس‪،‬‬
‫َ‬ ‫كنت‬
‫وايم اهلل ألنا ُ‬
‫قالت‪ُ :‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫صىل به‪ ،‬ولكني قد كنت أرجو أن َيرى‬ ‫ِ‬
‫املساجد‪ ،‬و ُي َّ‬ ‫قرآ ًنا ُيقرأ به يف‬
‫قرآن ينزل‬‫ربا‪ ،‬فأما ٌ‬ ‫ِ‬
‫رب خ ً‬ ‫كذب به اهللُ عني‪ ،‬ملا َيعلم من براءيت‪ ،‬أو ُخي َ َ‬
‫يف نومه شي ًئا ُي ُ‬
‫أحقر عندي من ذلك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َّيف! فواهلل‪َ ،‬لنَفيس كانت‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ؟‬ ‫أبوي يتكلامن؛ قلت َلام‪ :‬أال ُتيبان‬
‫قالت‪ :‬فلام مل َأر َّ‬
‫قالت‪ :‬فقاال‪ :‬واهلل ما ندري بامذا ُنجيبه‪.‬‬

‫بكر يف‬ ‫دخل عىل ِ‬


‫آل أيب ٍ‬ ‫أهل بيت دخل عليهم ما َ‬
‫أعلم َ‬ ‫قالت‪ :‬وواهلل ما‬
‫ُ‬
‫تلك األيا ِم‪.‬‬

‫استعربت فبكيت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عيل‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فلام أن استعجام َّ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪085‬‬

‫ألعلم لئن أقررت بام‬


‫ُ‬ ‫ذكرت أبدً ا‪ ،‬واهلل إين‬
‫َ‬ ‫أتوب إىل اهلل مما‬
‫ُ‬ ‫ثم قلت‪ :‬واهلل ال‬
‫أنكرت ما‬
‫ُ‬ ‫الناس ‪-‬واهلل يعلم أين منه بريئ ٌة‪ -‬ألقولن ما مل يكن‪ ،‬ولئن أنا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يقول‬
‫يقولون ال ُتصدقونني‪.‬‬
‫ُ‬
‫سأقول كام قال‬ ‫يعقوب فام أذ ُك ُره‪ ،‬فقلت‪ :‬ولكن‬
‫َ‬ ‫اسم‬
‫التمست َ‬
‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬ثم‬
‫يوسف‪ ( :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يوسف‪.]52:‬‬
‫َ‬ ‫أبو‬

‫تغشاه من اهلل ما كان‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ‬


‫لجلسه حتى َّ‬ ‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬فواهلل‪ ،‬ما َب ِرح‬
‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫تغشاه‪ ،‬فسجي بثوبه ووضعت له وساد ٌة من أدم حتت ِ‬
‫رأسه‪ ،‬فأما أنا حني‬ ‫َي َّ‬
‫َ‬ ‫ُ ِّ‬
‫باليت‪ ،‬قد َعرفت أين بريئ ٌة‪ ،‬وأن اهللَ‬
‫ُ‬ ‫فزعت وال‬ ‫رأيت‪ ،‬فواهلل ما ِ‬
‫ُ‬ ‫من ذلك ما‬
‫نفس عائش َة بيده‪ ،‬ما ُ ِّ‬
‫رسي عن رسول اهلل‬ ‫غري ظاملي‪ ،‬وأما أبواي‪ ،‬فوالذي ُ‬
‫‪ُ ‬‬
‫حتقيق ما قال الناس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أنفسهام َف َر ًقا من أن يأيت من اهلل‬
‫خر َج َّن ُ‬
‫ﷺ حتى ظننت ل َت ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فجلس وإنه ليتحدَّ ر منه مثل اجل ِ‬
‫امن يف‬ ‫ِ‬ ‫رسي عن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قالت‪ :‬ثم ُ ِّ‬
‫أبشي يا عائش ُة‪ ،‬فقد َ‬
‫أنزل‬ ‫العرق عن جبين ِه ويقول‪ِ « :‬‬
‫َ‬ ‫شات‪ ،‬فجعل َيمسح‬‫ٍ‬ ‫يوم‬
‫براءتك»‪.‬‬
‫اهللُ َ‬
‫الناس فخط َبهم‪ ،‬وتال عليهم ما َ‬
‫أنزل‬ ‫ِ‬ ‫خرج إىل‬
‫َ‬ ‫قالت‪ :‬قلت‪ :‬بحمد اهلل‪ ،‬ثم‬
‫ومحن َة‬ ‫وحسان بن ٍ‬
‫ثابت‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫سطح بن ُأثاث َة‪،‬‬
‫بم ِ‬ ‫القرآن يف ذلك‪ ،‬ثم أمر ِ‬
‫ِ‬ ‫اهللُ عليه من‬
‫َ‬
‫فضبوا حدَّ هم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالفاحشة؛ ُ‬ ‫أفصح‬ ‫ٍ‬
‫جحش‪ ،‬وكانوا ممن‬ ‫بنت‬
‫َ‬
‫‪ | 086‬خمتصر السرية النبوية‬

‫[ثالثا‪ :‬احلديبية وفتح مكة]‬


‫‪ -1‬أمرُ احلديبيَة يف آخر سنةِ ست‬
‫ً‬
‫وشواال‪،‬‬ ‫َ‬
‫رمضان‬ ‫شهر‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ باملدينة َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم أقام‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫عتمرا‪ ،‬ال ُيريد حر ًبا‪.‬‬
‫وخرج يف ذي القعدة ُم ً‬
‫ِ‬
‫األعراب‬ ‫العرب ومن حو َله من أهل البوادي من‬‫َ‬ ‫واستنفر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫بحرب أو‬ ‫عرضوا له‬ ‫قريش الذي صنَعوا‪ ،‬أن َي ِ‬
‫ٍ‬ ‫ل َيخرجوا معه‪ ،‬وهو َخيشى من‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بمن معه‬ ‫ِ‬
‫األعراب‪ ،‬وخرج‬ ‫كثري من‬ ‫ِ‬
‫يصدوه عن البيت‪ ،‬فأبطأ عليه ٌ‬
‫اَلدي‪ ،‬وأحر َم‬
‫َ‬ ‫وساق معه‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫العرب‪،‬‬ ‫واألنصار ومن ِحلق به من‬
‫ِ‬ ‫من املُهاجرين‬
‫زائرا َلذا البيت‬
‫خرج ً‬‫َ‬ ‫الناس أنه إنام‬
‫ُ‬ ‫وليعلم‬
‫َ‬ ‫الناس من حربه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بال ُعمرة ليأم َن‬
‫و ُمع ِّظ ًام له‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عا َم احلديبية ُيريد زيار َة البيت‪ ،‬ال‬ ‫خرج‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫رجل‪ ،‬فكانت‬ ‫اَلدي سبعني بدن ًة‪ ،‬وكان الناس َ‬
‫سبع مئة‬ ‫َ‬ ‫ُيريدُ ً‬
‫قتاال‪ ،‬وساق معه‬
‫أصحاب‬ ‫جابر بن عبد اهلل ‪-‬فيام بلغني‪ -‬يقول‪ :‬كنا‬ ‫كل ٍ‬
‫بدنة عن عرشة ٍ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫نفر‪ ،‬وكان ُ‬
‫أربع عرشة مئة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلديبية َ‬

‫سفان لقيه بِ ُ‬
‫رش بن‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ حتى إذا كان ب ُع َ‬ ‫قال الزهري‪ :‬وخرج‬
‫بمسريك‪َ ،‬‬
‫فخرجوا‬ ‫قريش قد سمعت َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬هذه ٌ‬ ‫الكعبي‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫ُّ‬ ‫س َ‬
‫فيان‬
‫معهم ال ُعو ُذ املَ ُ‬
‫طافيل(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ال ُعو ُذ املَطافِ ُيل‪ :‬اإلبل مع أوالدها‪ ،‬كناية عن خروج النساء والصبيان معهم‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪087‬‬

‫احلرب‪ ،‬ماذا عليهم لو‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬


‫قريش! لقد أ َك َل ُتهم‬ ‫ويح‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬يا َ‬‫ُ‬ ‫فقال‬
‫أظهرين اهللُ‬
‫العرب‪ ،‬فإن هم أصابوين كان الذي أرادوا‪ ،‬وإن َ‬ ‫ِ‬ ‫خ َّلوا بيني وبني ِ‬
‫سائر‬
‫عليهم َدخلوا يف اإلسال ِم وافِرين‪ ،‬وإن مل َيفعلوا قا َتلوا وهبم قوة‪ ،‬فام تظن قريش‪،‬‬
‫فواهلل ال ُ‬
‫أزال أجاهدُ عىل الذي بعثني اهللُ به حتى ُيظهره اهللُ أو تنفر َد هذه السالف ُة»‪.‬‬
‫طريق ِ‬
‫غري َطريقهم التي هم هبا؟»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ثم قال‪َ « :‬من رجل َيرج بنا عىل‬

‫أسلم قال‪ :‬أنا‬


‫َ‬ ‫رجال من‬ ‫إسحاق‪ :‬فحدثني عبدُ اهلل بن أيب ٍ‬
‫بكر‪ :‬أن ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪.‬‬ ‫يا‬
‫ِ‬
‫طريقهم‪ ،‬رجعوا‬ ‫قد خا َلفوا عن‬ ‫ِ (‪)1‬‬ ‫ٍ‬
‫قريش َق َرت َة اجليش‬ ‫فلام رأت ُ‬
‫خيل‬
‫ٍ‬
‫قريش‪.‬‬ ‫راكِضني إىل‬
‫رسول اهلل ﷺ حتى إذا سلك يف َثن َّي ِة املُ ِ‬
‫رار بركت ناق ُته‪ ،‬فقالت‬ ‫ُ‬ ‫وخرج‬
‫َ‬
‫أل ِ‬
‫ت(‪ )2‬الناق ُة‪.‬‬ ‫الناس‪َ :‬خ َ‬
‫ُ‬
‫حابس الفيل عن م َّك َة‪ ،‬ال‬
‫ُ‬ ‫لق‪ ،‬ولكن َح َبسها‬‫قال‪« :‬ما خألت وما هو مها بخُ ٍ‬
‫تدعوين قريش اليوم إىل ُخ ٍ‬
‫طة يسألونني فيها صل َة الرح ِم إال أعطي ُتهم إياها»‪.‬‬ ‫َ‬
‫زاعي يف‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أتاه ُبديل بن ورقا َء اخلُ ُّ‬ ‫قال الزهري‪ :‬فلام اطمأن‬
‫رجال من خزاع َة‪ ،‬فكلموه وسألوه‪ :‬ما الذي جاء به؟‬

‫(‪َ )1‬ق َرتة اجليش‪ :‬غباره‪.‬‬


‫ت‪ :‬أي بركت من غري علة‪.‬‬ ‫(‪َ )2‬خ َ َ‬
‫أل ْ‬
‫‪ | 088‬خمتصر السرية النبوية‬

‫للبيت‪ ،‬و ُمع ِّظ ًام حلر َمتِه‪،‬‬


‫ِ‬ ‫زائرا‬
‫فأخربهم أنه مل يأت ُيريد حر ًبا‪ ،‬وإنام جاء ً‬
‫حممد‪ ،‬إن حممدً ا مل‬ ‫ٍ‬ ‫قريش‪ ،‬إنكم َتعجلون عىل‬ ‫ٍ‬ ‫معرش‬ ‫ٍ‬
‫قريش فقالوا‪ :‬يا‬ ‫َفرجعوا إىل‬
‫َ‬
‫وج َّبهوهم(‪ )1‬وقالوا‪ :‬وإن كان جاء‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فاهتموهم َ‬ ‫زائرا للبيت‪َ َّ ،‬‬
‫يأت لقتال‪ ،‬وإنام جاء ً‬
‫العرب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قتاال‪ ،‬فواهلل ال َيدخلها علينا ُعنوة أبدً ا‪ ،‬وال ُ َحتدِّ ث بذلك عنا‬
‫وال ُيريد ً‬

‫مسلمها ومرش ُكها‪،‬‬ ‫ِ‬


‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫قال الزهري‪ :‬وكانت ُخزاع ُة َعيب َة ُن ِ‬
‫صح‬
‫ُ‬
‫ال ُخيفون عنه شي ًئا كان بم َّك َة‪.‬‬
‫عامر بن ٍ‬
‫لؤي‪ ،‬فلام‬ ‫ِ‬
‫األخيف أخا بني ِ‬ ‫ِ‬
‫حفص بن‬ ‫كر َز بن‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬ثم بعثوا إليه م َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫قبال قال‪« :‬هذا رجل غادر»‪ ،‬فلام انتهى إىل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُم ً‬ ‫رآه‬
‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫ديل وأصحابِه‪ ،‬فرجع إىل‬‫نحوا مما قال ل ُب ٍ‬
‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫ُ‬ ‫وك َّلمه‪ ،‬قال له‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ربهم بام قال له‬
‫فأخ َ‬
‫حلليس بن علقم َة أو ابن ز َّبان‪ ،‬وكان يومئذ س ِّيد‬‫الزهري‪ :‬ثم بعثوا إليه ا ُ‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫األحابيش‪ ،‬وهو أحدُ بني احلارث ِ‬
‫بن عبد منا َة بن كنان َة‪ ،‬فلام رآه‬ ‫ِ‬
‫اَلدي‬
‫َ‬ ‫امهدي يف ِ‬
‫وجهه حتى يراه»‪ ،‬فلام رأى‬ ‫َ‬ ‫قال‪« :‬إن هذا من قو ٍم َي َّ‬
‫تأمهون‪ ،‬فابعثوا‬
‫ِ‬
‫احلبس عن‬ ‫ِ‬
‫طول‬ ‫أوباره من‬ ‫أكل‬ ‫ِ‬
‫قالئده‪ ،‬وقد َ‬ ‫رض الوادي يف‬ ‫يسيل عليه من ُع ِ‬‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ إعظا ًما ملا رأى‪ ،‬فقال َلم ذلك‪.‬‬ ‫قريش‪ ،‬ومل َيصل إىل‬‫ٍ‬ ‫َحم ِّله‪ ،‬رجع إىل‬

‫اجلس‪ ،‬فإنام أنت أعرايب ال علم لك‪.‬‬


‫ْ‬ ‫قال‪ :‬فقالوا له‪:‬‬

‫(‪َ )1‬ج َّب ُهوهم‪ :‬أي استقبلوهم باملكروه‪.‬‬


‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪089‬‬

‫غضب عند ذلك‬ ‫َ‬ ‫ليس‬


‫حل َ‬ ‫إسحاق‪ :‬فحدثني عبدُ اهلل بن أيب ٍ‬
‫بكر‪ :‬أن ا ُ‬ ‫َ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬واهلل ما عىل هذا حالفنا ُكم‪ ،‬وال عىل هذا عاقدناكم‪ ،‬أ ُيصدُّ‬ ‫معرش‬
‫َ‬ ‫وقال‪ :‬يا‬
‫عن بيت اهلل من جاء مع ِّظام له! والذي نفس احلليس ِ‬
‫بيده‪ ،‬ل ُتخ ُّل َّن بني حممد وبني‬ ‫ُ‬ ‫ُ ً‬ ‫َ‬
‫ف عنا يا‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬قال‪ :‬فقالوا له‪ :‬مه‪ُ ،‬ك َّ‬ ‫ِ‬
‫باألحابيش نفر َة رجل‬ ‫ما جاء له‪ ،‬أو ِ‬
‫ألنفرن‬
‫نأخ َذ ألنفسنا ما نرىض به‪.‬‬
‫حليس حتى ُ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫قريش‪،‬‬ ‫معرش‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ عرو َة بن مسعود الثقفي‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫ثم بعثوا إىل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وسوء‬ ‫ِ‬
‫التعنيف‬ ‫ٍ‬
‫حممد إذ جا َءكم من‬ ‫إين قد رأيت ما يلقى منكم من َبعثتموه إىل‬
‫بنت عبد شمس‪-‬‬‫اللفظ‪ ،‬وقد عرفتم أنكم والدٌ وأين ولد ‪-‬وكان عرو ُة لسبيع َة ِ‬
‫َ‬
‫فجمعت من أطاعني من قومي‪ ،‬ثم جئ ُتكم حتى‬
‫ُ‬ ‫وقد سمعت بالذي نا َبكم‪،‬‬
‫آسي ُت ُكم بنفيس‪.‬‬

‫بم َّتهم‪.‬‬
‫صدقت‪ ،‬ما أنت عندنا ُ‬
‫َ‬ ‫قالوا‪:‬‬

‫جلس بني يديه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا حممدُ ‪ ،‬أمجعت‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫فخرج حتى أتى‬
‫قريش قد خرجت‬ ‫ٌ‬ ‫بيضتِك لت ُف َّضها هبم‪ ،‬إهنا‬ ‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬ثم جئت هبم إىل َ‬ ‫شاب‬
‫أو َ‬
‫معها ال ُعوذ املَ ُ‬
‫طافيل‪ ،‬قد لبسوا جلو َد النمور‪ ،‬يعاهدون اهللَ ال ُ‬
‫تدخلها عليهم ُعنو ًة‬
‫وايم اهلل‪ ،‬لكأين هبؤالء قد انكشفوا عنك غدً ا‪.‬‬
‫أبدً ا‪ُ ،‬‬
‫امصص َب ْظ َر‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ قاعدٌ ‪ ،‬فقال‪ُ :‬‬ ‫خلف‬
‫َ‬ ‫الصديق‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬وأبو بكر‬
‫ننكشف عنه؟!‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الالت‪ ،‬أنحن‬

‫قال‪ :‬من هذا يا حممدُ ؟‬

‫قال‪« :‬هذا ابن أيب ُقحاف َة»‪.‬‬


‫‪ | 091‬خمتصر السرية النبوية‬

‫قال‪ :‬أما واهلل لوال َيدٌ كانت لك عندي لكافأ ُتك هبا‪ ،‬ولكن هذه هبا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫واقف‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وهو يك ِّلمه‪ ،‬قال‪ :‬واملغري ُة بن شعبة‬ ‫ثم جعل َيتناول ِحلي َة‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫َ‬
‫تناول حلي َة‬ ‫يقر ُع يدَ ه إذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رأس رسول اهلل ﷺ يف احلديد‪ ،‬قال‪ :‬فجعل َ‬ ‫عىل‬
‫رسول اهلل ﷺ قبل أال َت ِص َل إليك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اهلل ﷺ‪ ،‬ويقول‪ :‬اك ُف ْ‬
‫ف يدَ ك عن وجه‬
‫ٍ‬
‫بنحو مما كلم به أصحا َبه‪ ،‬وأخربه أنه مل يأت ُيريد‬ ‫فكلمه رسو ُل اهلل ﷺ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وقد رأى ما َيصنع به أصحا ُبه‪ ،‬ال يتوض ُأ إال‬ ‫حر ًبا‪ ،‬فقام من عند‬
‫ُ‬
‫يسقط من شعره يش ٌء إال‬ ‫بصق ُبصا ًقا إال ابتدروه‪ ،‬وال‬
‫ابتدروا َوضو َءه‪ ،‬وال َي ُ‬
‫أخذوه‪.‬‬

‫لكه‪،‬‬ ‫قريش‪ ،‬إين قد جئت كرسى يف م ِ‬ ‫ٍ‬ ‫معرش‬ ‫ٍ‬


‫قريش‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫فرجع إىل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مثل‬‫والنجايش يف ملكِه‪ ،‬وإين واهلل ما رأيت َمل ًكا يف قوم قط َ‬ ‫َّ‬ ‫وقيرص يف ملكه‪،‬‬ ‫َ‬
‫رأيت قو ًما ال ُيسلمونه ليشء أبدً ا‪َ ،‬ف ُروا َرأ َيكم‪.‬‬
‫حممد يف أصحابه‪ ،‬ولقد ُ‬ ‫ٍ‬

‫راش‬ ‫رسول اهلل ﷺ دعا ِخ َ‬ ‫َ‬ ‫بعض أهل العل ِم أن‬ ‫إسحاق‪ :‬وحدثني ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫الثعلب‪ ،‬ل ُي َب ِّل َغ‬
‫ُ‬ ‫بعري له ُيقال له‪:‬‬ ‫قريش بم َّك َة‪ ،‬ومحله عىل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بن أمي َة اخلُ َّ‬
‫زاعي‪ ،‬فبعثه إىل‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأرادوا قت َله‪ ،‬فمنعته‬ ‫ِ‬ ‫أرشا َفهم عنه ما جا َء له‪ ،‬فعقروا به َ‬
‫مجل‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫األحابيش‪ ،‬فخلوا سبي َله حتى أتى‬ ‫ُ‬
‫قريشا كانوا بعثوا أربعني ً‬
‫رجال منهم أو‬ ‫ٍ‬
‫عباس أن ً‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن ابن‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ل ُيصيبوا َلم من‬ ‫ِ‬
‫بعسكر‬ ‫ً‬
‫رجال‪ ،‬وأمروهم أن ُيطيفوا‬ ‫مخسني‬
‫وخىل سبي َلهم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فعفا عنهم‪َّ ،‬‬ ‫أصحابِه أحدً ا‪ ،‬ف ُأخذوا ً‬
‫أخذا‪ ،‬فأيت هبم‬
‫بل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باحلجارة والنَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫وقد كانوا َرموا يف عسكر‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪090‬‬

‫أرشاف قريش ما جاء له‪،‬‬


‫َ‬ ‫عمر بن اخلطاب ليبع َثه إىل م َّك َة‪ ،‬ف ُي َب ِّلغ عنه‬
‫ثم دعا َ‬
‫عدي بن‬
‫ِّ‬ ‫قريشا عىل نفيس‪ ،‬وليس بم َّك َة من بني‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إين أخاف ً‬ ‫َ‬ ‫فقال‪ :‬يا‬
‫وغل َظتي عليها‪ ،‬ولكني‬ ‫قريش عداويت إياها‪ِ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫كعب أحدٌ َيمنعني‪ ،‬وقد عرفت‬
‫َ‬
‫عثامن بن عفان‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رجل أعز هبا مني‪،‬‬ ‫أد ُّلك عىل‬
‫ٍ‬
‫قريش؛‬ ‫ِ‬
‫وأرشاف‬ ‫َ‬
‫سفيان‬ ‫َ‬
‫عثامن بن عفان‪ ،‬فبعثه إىل أيب‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فدعا‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫زائرا َلذا البيت‪ ،‬و ُمع ِّظ ًام ُ‬
‫حلرمته‪.‬‬ ‫حلرب‪ ،‬وأنه إنام جاء ً‬ ‫ُخيربهم أنه مل يأت‬
‫ِ‬
‫سعيد بن العاص‬ ‫عثامن إىل مك َة‪ ،‬فلقيه ُ‬
‫أبان بن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فخرج‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫أجاره حتى ب َّلغ رسال َة‬
‫دخلها‪ ،‬فحمله بني يديه‪ ،‬ثم َ‬ ‫حني دخل مك َة‪ ،‬أو قبل أن َي ُ‬
‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬فب َّلغهم عن‬ ‫َ‬
‫سفيان وعظام َء‬ ‫ُ‬
‫عثامن حتى أتى أبا‬ ‫فانطلق‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسالة‬ ‫لعثامن حني فر َغ من‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ما أرس َله به‪ ،‬فقالوا‬
‫تطوف بالبيت ف ُط ْ‬
‫ف‪.‬‬ ‫َ‬ ‫شئت أن‬
‫إليهم‪ :‬إن َ‬
‫ٌ‬
‫قريش‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬واحتبسته‬ ‫يطوف به‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ألفعل حتى‬ ‫فقال‪ :‬ما كنت‬
‫عثامن بن عفان قد ُقتل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ واملسلمني أن‬ ‫عندها‪ ،‬فبلغ‬

‫‪ -2‬بيعةُ الرِّضوان‬

‫رسول اهلل ﷺ قال حني‬ ‫َ‬ ‫بكر‪ :‬أن‬‫إسحاق‪ :‬فحدثني عبدُ اهلل بن أيب ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫عثامن قد ُقتل‪« :‬ال ُ‬
‫نربح حتى ُنناجز القو َم»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫بل َغه أن‬
‫ِ‬
‫الشجرة‪،‬‬ ‫البيعة‪ ،‬فكانت بيع ُة الرضوان حتت‬ ‫ِ‬ ‫الناس إىل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فدعا‬
‫َ‬
‫املوت‪ ،‬وكان جابر بن ِ‬
‫عبد اهلل‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل‬ ‫ُ‬ ‫الناس يقولون‪ :‬با َيعهم‬ ‫فكان‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ مل يباي ْعنا عىل املوت‪ ،‬ولكن باي َعنا عىل أن ال َن ِف َّر‪.‬‬
‫َ‬ ‫يقول‪ :‬إن‬
‫‪ | 092‬خمتصر السرية النبوية‬

‫الناس‪ ،‬ومل يتخلف عنه أحدٌ من املسلمني َح َضها إال‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫فبايع‬
‫َ‬
‫جابر بن عبد اهلل يقول‪ :‬واهلل َلكأين أنظر إليه‬
‫قيس أخو بني سلم َة‪ ،‬فكان ُ‬ ‫اجلدُّ بن ٍ‬
‫ِ‬
‫الناس‪.‬‬ ‫الص ًقا ِ‬
‫بإبط ناقته‪ ،‬قد ض َب َأ إليها‪ ،‬يسترت هبا من‬
‫عثامن ٌ‬
‫باطل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ أن الذي ُذكر من أمر‬ ‫ثم أتى‬

‫‪ -3‬أمرُ اهلدنةِ‬
‫َ‬
‫سهيل بن عمرو أخا بني‬ ‫الزهري‪ :‬ثم بعثت ٌ‬
‫قريش‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬قال‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقالوا له‪ :‬ائت حممدً ا فصاحله‪ ،‬وال يكن يف‬ ‫لؤي إىل‬ ‫ِ‬
‫عامر بن ٍّ‬
‫العرب عنا أنه دخلها علينا‬
‫ُ‬ ‫ُصلحه إال أن يرجع عنا عا َمه هذا‪ ،‬فواهلل ال ُحتدِّ ُ‬
‫ث‬
‫ُعنو ًة أبدً ا‪.‬‬

‫قبال‪ ،‬قال‪« :‬قد أراد القو ُم‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ ُم ً‬ ‫فأتاه ُسهيل بن عمرو‪ ،‬فلام رآه‬
‫َ‬
‫الرجل»‪.‬‬ ‫الصلح حني بعثوا هذا‬
‫َ‬
‫َ‬
‫فأطال الكال َم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ تك َّلم‬ ‫ُ‬
‫سهيل بن عمرو إىل‬ ‫فلام انتهى‬
‫الصلح‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وتراجعا‪ ،‬ثم جرى بينهام‬
‫َ‬

‫الكتاب و َثب ُ‬
‫عمر بن اخلطاب‪ ،‬فأتى أبا بكر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يبق إال‬
‫األمر ومل َ‬
‫ُ‬ ‫فلام ال َت َأ َم‬
‫ِ‬
‫برسول اهلل؟‬ ‫فقال‪ :‬يا أبا ٍ‬
‫بكر‪ ،‬أليس‬

‫قال‪ :‬بىل‪.‬‬

‫قال‪َ :‬أولسنا باملسلمني؟‬

‫قال‪ :‬بىل‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪093‬‬

‫قال‪َ :‬أوليسوا باملرشكني؟‬


‫قال‪ :‬بىل‪.‬‬

‫قال‪ :‬فعال َم ُنعطى الدن َّية يف ديننا؟‬


‫ُ‬
‫رسول اهلل‪.‬‬ ‫غرزه‪ ،‬فإين أشهدُ أنه‬
‫قال أبو بكر‪ :‬يا ُعمر‪ ،‬الزم َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‪.‬‬ ‫قال عمر‪ :‬وأنا أشهد أنه‬
‫ِ‬
‫برسول اهلل؟‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ألست‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬يا‬ ‫ثم أتى‬

‫قال‪« :‬بىل»‪.‬‬

‫قال‪ :‬أولسنا باملسلمني؟‬

‫قال‪« :‬بىل»‪.‬‬

‫قال‪ :‬أوليسوا باملرشكني؟‬


‫قال‪« :‬بىل»‪.‬‬

‫قال‪ :‬فعال َم ُنعطى الدني َة يف ديننا؟‬

‫أمره‪ ،‬ولن يضيعني!»‪.‬‬ ‫َ‬


‫أخالف َ‬ ‫قال‪« :‬أنا عبدُ اهلل ورسو ُله‪ ،‬لن‬

‫زلت أتصدَّ ق وأصو ُم وأصيل و ُأ ُ‬


‫عتق‪ ،‬من الذي‬ ‫قال‪ :‬فكان عمر يقول‪ :‬ما ُ‬
‫خريا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ خماف َة كالمي الذي‬
‫رجوت أن يكون ً‬‫ُ‬ ‫تكلمت به‪ ،‬حتى‬
‫ُ‬ ‫صنعت‬
‫ُ‬
‫طالب ِرضوان اهلل عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫عيل بن أيب‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َّ‬ ‫قال‪ :‬ثم دعا‬
‫«اك ُتب‪ :‬بس ِم اهلل الرمحن الرحيم»‪.‬‬
‫‪ | 094‬خمتصر السرية النبوية‬

‫اللهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باسمك‬ ‫قال‪ :‬فقال ُس ٌ‬
‫هيل‪ :‬ال أعرف هذا‪ ،‬ولكن اكتب‪:‬‬
‫َّ‬
‫اللهم»‪ ،‬فكتبها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬اك ُتب‪ :‬باسمك‬ ‫فقال‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ُس َ‬
‫هيل بن عمرو»‪.‬‬ ‫صالح عليه حممد‬
‫َ‬ ‫ثم قال‪« :‬اك ُتب‪ :‬هذا ما‬

‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬


‫رسول اهلل مل أقاتلك‪ ،‬ولكن اك ُت ُ‬ ‫شهدت أنك‬
‫ُ‬ ‫سهيل‪ :‬لو‬ ‫قال‪ :‬فقال‬
‫اسمك واسم أبيك‪.‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬اك ُتب‪ :‬هذا ما صالح عليه حممدُ بن ِ‬
‫عبد اهلل‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فقال‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫يأمن فيهن‬
‫عش سنني‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الناس ْ َ‬ ‫ِ‬
‫احلرب عن‬ ‫ُس َ‬
‫هيل بن عمرو‪ ،‬اصطلحا عىل وض ِع‬
‫ٍ‬
‫قريش بغري إذن ول ِيه‬ ‫بعضهم عن بعض‪ ،‬عىل أنه من أتى حممدا من‬ ‫الناس وي ُكف ُ‬
‫ُ‬
‫رده عليهم‪ ،‬ومن جاء قريشا ممن مع ٍ‬
‫حممد مل يردوه عليه‪ ،‬وإن بيننا َعيبة َمكفوفة(‪،)1‬‬ ‫َّ‬
‫وعهده دخل‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حممد‬ ‫َ‬
‫يدخل يف عقد‬ ‫أحب أن‬ ‫َ‬
‫إغالل(‪ ،)2‬وأنه من‬ ‫َ‬
‫إسالل وال‬ ‫وأنه ال‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وعهدهم دخل فيه»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫يدخل يف ِ‬
‫عقد‬ ‫َ‬ ‫فيه‪ ،‬ومن أحب أن‬
‫ِ‬
‫وعهده‪ ،‬وتواثبت بنو ٍ‬
‫بكر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حممد‬ ‫فتواثبت ُخزاع ُة فقالوا‪ :‬نحن يف ِ‬
‫عقد‬
‫ِ‬
‫وعهدهم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫فقالوا‪ :‬نحن يف ِ‬
‫عقد‬
‫تدخل علينا مك َة‪ ،‬وأنه إذا كان عا ُم ٍ‬
‫قابل‬ ‫ُ‬ ‫رجع عنا عا َمك هذا‪ ،‬فال‬
‫وأنك َت ُ‬
‫السيوف‬
‫ُ‬ ‫ب‬‫سالح الراكِ ِ‬
‫ُ‬ ‫خرجنا عنك فدَ َخلتها بأصحابِك‪ ،‬فأقمت هبا ثال ًثا‪ ،‬معك‬
‫يف ال ُق ِ‬
‫رب‪ ،‬ال تدخلها بغريها‪.‬‬

‫ونكف عنك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تكف عنا‬
‫ّ‬ ‫(‪َ )1‬ع ْي َب ًة َمكفوف ًة‪ :‬استعارة‪ ،‬وإنام يريد أنك‬
‫اإلس َالل‪ :‬الرسقة اخلفية‪ .‬واإل ْغ َالل‪ :‬اخليانة‪.‬‬
‫(‪ْ )2‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪095‬‬

‫وسهيل بن عمرو‪ ،‬إذ جاء أبو َج ِ‬


‫ندل‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب هو‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يك ُتب‬ ‫فبينا‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقد كان‬ ‫ِ‬
‫احلديد‪ ،‬قد انفلت إىل‬ ‫يرسف يف‬ ‫ِ‬
‫سهيل بن عمرو ُ‬ ‫بن‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫الفتح‪ ،‬لرؤيا رآها‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َخرجوا وهم ال يش ُّكون يف‬ ‫أصحاب‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫الصلح والرجو ِع‪ ،‬وما َّ‬
‫حتمل عليه‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ‪ ،‬فلام رأوا ما رأوا من‬
‫ٌ‬
‫سهيل‬ ‫عظيم‪ ،‬حتى كادوا َُلِكون‪ ،‬فلام رأى‬ ‫أمر‬ ‫ِ‬ ‫نفسه؛ َ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫الناس من ذلك ٌ‬ ‫دخل عىل‬
‫ٍ‬
‫جلت‬‫وجهه‪ ،‬وأخذ ب َت ْلبيبه ثم قال‪ :‬يا حممدُ ‪ ،‬قد َّ‬ ‫َ‬ ‫ضب‬
‫َ‬ ‫جندل قام إليه ف‬ ‫أبا‬
‫القضي ُة(‪ )1‬بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا‪.‬‬
‫قريش‪ ،‬وجعل أبو َج ٍ‬
‫ندل‬ ‫ٍ‬ ‫نرته بتلبيبِه‪ ،‬و ُ‬
‫جي ُّره لري َّده إىل‬ ‫صدقت‪ ،‬فجعل َي ُ ُ‬
‫ْ‬ ‫قال‪:‬‬
‫معرش املسلمني‪ ،‬أ ُأ َر ُّد إىل املرشكني َيفتنوين يف ديني؟‬ ‫َ‬ ‫يرصخ بأعىل صوتِه‪ :‬يا‬
‫ُ‬

‫اصرب‬ ‫ٍ‬
‫جندل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬يا أبا‬ ‫الناس إىل ما هبم‪ ،‬فقال‬
‫َ‬ ‫فزاد ذلك‬
‫ْ‬
‫ومرجا‪ ،‬إنا قد‬ ‫واحتسب‪ ،‬فإن اهللَ جاعل لك وملن معك من املُستضعفني فرجا َ‬
‫ْ‬
‫َعقدنا بيننا وبني القو ِم ُصلحا‪ ،‬وأعطيناهم عىل ذلك‪َ ،‬‬
‫وأع َطونا عهدَ اهلل‪ ،‬وإنا ال‬
‫غدر هبم»‪.‬‬ ‫َن ِ‬

‫رب يا‬ ‫ٍ‬ ‫عمر بن اخلطا ِ‬


‫ب مع أيب َجندل يميش إىل جنبه‪ ،‬ويقول‪ :‬اص ْ‬ ‫قال‪ :‬فوثب ُ‬
‫ندل‪ ،‬فإنام هم املرشكون‪ ،‬وإنام دم ِ‬
‫أحدهم د ُم ٍ‬
‫كلب‪.‬‬ ‫أبا َج ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫السيف منه‪.‬‬ ‫قائم‬
‫قال‪ :‬و ُيدين َ‬
‫فضن‬
‫َّ‬ ‫فيضب به أباه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫السيف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يأخذ‬ ‫رجوت أن‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬يقول عمر‪:‬‬
‫ُ‬
‫الرجل بأبيه‪ ،‬ونفذت القضي ُة‪.‬‬

‫(‪ )1‬جلَّت القضي ُة‪ :‬أي‪َ :‬و َج َب ْت‪.‬‬


‫‪ | 096‬خمتصر السرية النبوية‬

‫صيل يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ مضطربا يف ِ‬


‫احل ِّل(‪ ،)1‬وكان ُي ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ً‬
‫رأسه‪ ،‬وكان‬ ‫الصلح ِ‬
‫ِ‬ ‫احلر ِم‪ ،‬فلام فر َغ من‬
‫فحلق َ‬
‫َ‬ ‫جلس‬
‫َ‬ ‫فنحره‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫قدم إىل هديه‬
‫اخلزاعي‪ ،‬فلام‬
‫ُّ‬ ‫الذي حلقه ‪-‬فيام بلغني‪ -‬يف ذلك اليوم ِخراش بن أمي َة بن الفضل‬
‫وح َل َق توا َثبوا ينحرون وحيلِقون‪.‬‬
‫نحر َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قد َ‬ ‫الناس أن‬
‫رأى ُ‬
‫‪ -4‬ما جرى عليه أمرُ قومٍ من املستضعفني بعد الصلحِ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدين َة أتاه أبو َب ٍ‬
‫صري ُعتب ُة بن أسيد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قد َم‬‫إسحاق‪ :‬فلام ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫رسول اهلل ﷺ كتب فيه أزهر بن ِ‬
‫عبد عوف‬ ‫ِ‬ ‫وكان ممن ُحبس بمك َة‪ ،‬فلام قدم عىل‬
‫ُ‬
‫لؤي‪ ،‬ومعه‬
‫عامر بن ٍّ‬ ‫رجال من بني ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وبعثا ً‬ ‫ِ‬ ‫واألخنس بن َرش ٍيق إىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألخنس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األزهر‬ ‫ِ‬
‫بكتاب‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬‫ِ‬ ‫ً‬
‫موىل َلم‪ ،‬فقدما عىل‬

‫علمت‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء القو َم ما قد‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬يا أبا َب ٍ‬
‫صري‪ ،‬إنا قد أعطينا‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫الغدر‪ ،‬وإن اهلل جاعل لك وملن معك من املستضعفني فرجا‬ ‫ُ‬ ‫وال يص ُلح لنا يف دين ِنا‬
‫ومرجا‪ ،‬فان َطلِق إىل ِ‬
‫قومك»‪.‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أتر ُّدين إىل املرشكني يفتِنونني يف ديني؟!‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬يا‬
‫ُ‬
‫سيجعل لك وملن معك من‬ ‫هلل تعاىل‬
‫انطلق‪ ،‬فإن ا َ‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫بصري‪،‬‬ ‫قال‪« :‬يا أبا‬
‫املستضعفني فرجا ومرجا»‪.‬‬

‫وجلس معه‬ ‫ٍ‬


‫جدار‪،‬‬ ‫جلس إىل‬ ‫فانطلق معهام‪ ،‬حتى إذا كان بذي احل ِ‬
‫ليفة‪،‬‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بصري‪ :‬أصار ٌم سي ُفك هذا يا أخا بني عامر؟‬ ‫صاحباه‪ ،‬فقال أبو‬

‫(‪ )1‬مضطربا يف ِ‬
‫احل ِّل ‪ :‬معناه أن أبنيته كانت مضوبة يف احلل وكانت صالته يف احلرم؛ وهذا لقرب احلديبية‬ ‫ً‬
‫من احلرم‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪097‬‬

‫فقال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫أنظر إليه؟‬
‫قال‪ُ :‬‬
‫شئت‪.‬‬
‫انظر‪ ،‬إن َ‬
‫قال‪ْ :‬‬
‫وخرج املوىل رسي ًعا حتى أتى‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بصري‪ ،‬ثم عاله به حتى قت َله‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فاست َّله أبو‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ طال ًعا قال‪« :‬إن هذا‬ ‫ِ‬
‫املسجد‪ ،‬فلام رآه‬ ‫جالس يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ وهو‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫حيك! ما لك؟»‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‪« :‬و َ‬ ‫ِ‬ ‫الرج َل قد رأى فزعا» فلام انتهى إىل‬
‫ٍ‬
‫بصري ُم ِّ‬
‫توش ًحا‬ ‫قال‪ :‬قتل صاح ُبكم صاحبي‪ ،‬فواهلل ما ِبرح حتى َ‬
‫طلع أبو‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬و َف ْت ذ َّم ُتك‪ ،‬وأ َّدى‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫بالسيف‪ ،‬حتى وقف عىل‬‫ِ‬

‫امتنعت بديني أن ُأفتن فيه‪ ،‬أو ُيعبث يب‪.‬‬


‫ُ‬ ‫اهللُ عنك‪ ،‬أس َلمتني بيد القو ِم وقد‬
‫ٍ‬
‫حرب لو كان معه رجال!»‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ويل أ ِمه‪ِ ،‬مـ َحش‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ُ « :‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فقال‬
‫ِ‬
‫ساحل‬ ‫روة‪ ،‬عىل‬ ‫العيص‪ ،‬من ناحية ذي املَ ِ‬ ‫ثم خرج أبو بصري حتى نزل ِ‬
‫َ‬
‫ريش التي كانوا يأخذون عليها إىل الشأم‪ ،‬وبلغ املسلمني الذين‬ ‫البحر‪ ،‬بطريق ُق ٍ‬
‫ٍ‬
‫حرب لو‬ ‫حمش‬ ‫ويل أ ِمه‪َ ِ ،‬‬
‫قول رسول اهلل ﷺ أليب بصري‪ُ « :‬‬ ‫كانوا اح ُتبسوا بم َّك َة ُ‬
‫قريب من‬ ‫يص‪ ،‬فاجتمع إليه منهم‬ ‫صري ِ‬
‫بالع ِ‬ ‫كان معه رجال!»‪ ،‬فخرجوا إىل أيب َب ٍ‬
‫ٌ‬
‫بأحد منهم إال َقتلوه‪ ،‬وال‬ ‫قريش‪ ،‬ال يظفرون ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سبعني ً‬
‫رجال‪ ،‬وكانوا قد ض َّيقوا عىل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بأرحامها إال‬ ‫سأل‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َت ُ‬ ‫قريش إىل‬‫عري إال اق َتطعوها‪ ،‬حتى كتبت ٌ‬ ‫متر هبم ٌ‬ ‫ُّ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ِ ،‬‬
‫فقدموا عليه املدين َة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫آواهم‪ ،‬فال حاج َة َلم هبم؛ فآواهم‬

‫ٍ‬
‫حرب‪ :‬أي موقد حرب ومهيجها‪.‬‬ ‫(‪ِ )1‬مـ َح ُّش‬
‫‪ | 098‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ -5‬أمرُ املُهاجرات بعد اهلُدنةِ‬


‫ِ‬
‫الزبري قال‪ :‬دخلت عليه‬ ‫الزهري‪ ،‬عن ُعرو َة بن‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فحدثني‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫الوليد بن عبد امللك‪ ،‬وكتب إليه‬ ‫ِ‬
‫صاحب‬ ‫وهو يكتب كتا ًبا إىل ابن أبى ُهنيد َة‪،‬‬
‫قول اهلل تعاىل‪ ( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)‬ ‫يسأ ُله عن ِ‬
‫صالح ً‬
‫قريشا‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ كان‬ ‫َ‬ ‫[املمتحنة‪ ،]54:‬فكتب إليه ُعرو ُة بن الزبري‪ :‬إن‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫هاجر النسا ُء إىل‬ ‫بغري ِ‬
‫إذن ول ِّيه‪ ،‬فلام‬ ‫ِ‬
‫احلديبية عىل أن ير َّد عليهم من جاء ِ‬ ‫يو َم‬
‫َ‬
‫اهلل ﷺ وإىل اإلسال ِم‪ ،‬أبى اهللُ أن ُي ْر َد ْد َن إىل املرشكني إذا هن ام ُت ِح َّن بمحنة‬
‫اإلسال ِم‪ ،‬فعرفوا أهنن إنام جئن رغب ًة يف اإلسالم‪ ،‬وأمر بر ِّد صدُ ِ‬
‫قاهت َّن إليهم إن‬
‫َ‬
‫صداق من ُحبسوا عنهم من نسائهم‬ ‫احت َبسن عنهم‪ ،‬إن هم ر ُّدوا عىل املسلمني‬
‫( ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [املمتحنة‪.]54:‬‬
‫َ‬
‫الرجال‪ ،‬وسأل الذي أمره اهللُ به أن‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ النسا َء ور َّد‬ ‫فأمسك‬
‫نساء من ُحبسوا منهن‪ ،‬وأن يردوا عليهم َ‬
‫مثل الذي َير ُّدون‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫يسأل من َصدُ قات‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫هلل به من هذا احلك ِم َلر َّد‬
‫عليهم ‪-‬إن هم فعلوا‪ -‬ولوال الذي َحكم ا ُ‬
‫ٍ‬
‫قريش يو َم‬ ‫النسا َء كام ر َّد الرج َال‪ ،‬ولوال اَلدن ُة والعهدُ الذي كان بينه وبني‬
‫يصنع بمن جا َءه من‬
‫ُ‬ ‫ألمسك النسا َء‪ ،‬ومل َير ُد ْد َلن صدا ًقا‪ ،‬وكذلك كان‬
‫َ‬ ‫احلديبية‬
‫ِ‬
‫العهد‪.‬‬ ‫املسلامت قبل‬

‫‪ -6‬بُشرى فتحِ مكَّ َة وتعجُّ ِل بعضِ املسلمني‬


‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال له‬ ‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬حدثنا أبو ُعبيد َة أن َ‬
‫بعض من كان مع‬
‫ُ‬
‫تدخل م َّك َة آمنا؟‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل إنك‬ ‫ملا ِ‬
‫قدم املدين َة‪ :‬أمل تقل يا‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪099‬‬

‫قال‪« :‬بىل‪ ،‬أ َف ُ‬


‫قلت لكم من عامي هذا؟»‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ال‪.‬‬
‫ُ‬
‫جربيل عليه السال ُم»‪.‬‬ ‫قال‪« :‬فهو كام قال ل‬

‫‪ِ -7‬ذكرُ املَسري إىل خيربَ يف املُحرَّم سنةَ سبع‬

‫رجع من‬ ‫ِ‬


‫باملدينة حني‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم أقام‬ ‫قال حممدُ بن‬
‫َ‬
‫وبعض املحرم‪ِ ،‬‬
‫وويل تلك احلج َة املرشكون‪ ،‬ثم خرج يف بقية‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫احلجة‬ ‫ِ‬
‫احلديبية‪ ،‬ذا‬
‫رب‪.‬‬
‫املحرم إىل خي َ‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫ِ‬
‫مالك قال‪ :‬كان‬ ‫أهتم عن ِ‬
‫أنس بن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وحدثني من ال ُ‬ ‫قال اب ُن‬
‫يصبح‪ ،‬فإن سمع أذا ًنا أمسك‪ ،‬وإن مل‬
‫َ‬ ‫اهلل ﷺ إذا غزا قو ًما مل ُي ِغر عليهم حتى‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬حتى إذا أصبح مل يسمع‬ ‫ُ‬ ‫رب ً‬
‫ليال‪ ،‬فبات‬ ‫يسمع أذا ًنا أغار‪ ،‬فنزلنا خي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول‬ ‫خلف أيب طلح َة‪ ،‬وإن قدمي َل ُّ‬
‫تمس قد َم‬ ‫َ‬ ‫ب وركبنا معه‪ ،‬فركبت‬ ‫أذا ًنا‪َ ،‬فرك َ‬
‫ساحيهم و َمكاتِلهم(‪.)1‬‬
‫اهلل ﷺ‪ ،‬واستقب ْلنا عام َل خيرب غادين‪ ،‬قد خرجوا بم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫واخلميس(‪ )2‬معه! فأدبروا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫واجليش‪ ،‬قالوا‪ :‬حممدٌ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فلام رأوا‬
‫فساء‬ ‫ِ‬
‫بساحة قوم‬ ‫خيرب‪ ،‬إنا إذا نزلنا‬ ‫هلل أكرب‪َ ،‬خ ِربت‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ا ُ‬ ‫ُه َّرا ًبا‪ ،‬فقال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صباح املُ َنذرين»‪.‬‬
‫ُ‬

‫احي‪ :‬مجع ِم ْسحاة وهي كاملجرفة ولكنها من حديد‪ .‬واملَكَاتِل مجع ِم ْك َتل وهو‪ :‬القفة الكبرية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬املَس ِ‬
‫َ‬
‫وامليرسة‪ ،‬والساق‪.‬‬ ‫وامليمنة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )2‬اخلَميس‪ :‬اجليش؛‏ألهنم َمخ ُْس ف َر ٍق‪ :‬املقدمة‪ ،‬والقلب‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ | 211‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فبلغني أن َغ َ‬


‫طفان ملا سمعت بمنزل رسول اهلل ﷺ من َخي َ‬
‫رب مجعوا له‪ ،‬ثم‬
‫خرجوا لي ِ‬
‫ظاهروا ُو َد عليه‪ ،‬حتى إذا ساروا َمنْ َق َل ًة(‪ )1‬سمعوا َخل َفهم يف أمواَلم‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أعقاهبم‪ ،‬فأقاموا يف‬ ‫وأهليهم ِح اسا‪ ،‬ظنوا أن القو َم قد خالفوا إليهم‪َ ،‬فرجعوا عىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أهليهم وأمواَلم‪ ،‬وخ َّلوا بني رسول اهلل ﷺ وبني خي َ‬
‫رب‪.‬‬

‫ماال‪ ،‬ويفتتحها ِحصنًا‬ ‫ماال ً‬


‫يأخذها ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫األموال‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫(‪)2‬‬
‫و َتد َّنى‬
‫ِحصنًا‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ من ِحصوهنم ما افتتح‪ ،‬وحاز من‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫إسحاق‪ :‬وملا افتتح‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫حصون أهل‬ ‫والسالملِ‪ ،‬وكان َ‬
‫آخر‬ ‫ِ‬
‫الوطيح ُّ‬ ‫حاز‪ ،‬انتهوا إىل ِحصنَيهم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األموال ما َ‬
‫عرش َة ليل ًة‪.‬‬
‫بضع ْ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫فحارصهم‬
‫َ‬ ‫افتتاحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫رب‬
‫خي َ‬
‫والسالملِ‪ ،‬حتى إذا‬ ‫ِ‬
‫الوطيح ُّ‬ ‫رب يف حصنيهم‪:‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬
‫أهل خي َ‬ ‫ُ‬ ‫وحارص‬
‫أيقنوا باَلل َك ِة‪ ،‬سألوه أن يسريهم وأن ِ‬
‫حيق َن َلم دما َءهم؛ ففعل‪.‬‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫األموال ُك َّلها‪َّ :‬‬
‫الش َّق ونطا َة والكتيب َة ومجيع‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ قد حاز‬ ‫وكان‬
‫ح ِ‬
‫صوهنم‪ ،‬إال ما كان من ذينك احلصنني‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فلام سمع هبم ُ‬
‫أهل َفدَ ك قد صنعوا ما صنعوا‪ ،‬بعثوا إىل‬
‫األموال؛ َ‬
‫ففعل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫سريهم‪ ،‬وأن حيق َن دما َءهم‪ ،‬وخيلوا له‬
‫يسألونه أن ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ؛ ألهنم‬ ‫رب في ًئا بني املسلمني‪ ،‬وكانت َفدَ ُك خالص ًة‬
‫فكانت خي ُ‬
‫بخيل وال ِر ٍ‬
‫كاب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مل ُجيلبوا عليها‬

‫(‪َ )1‬منْ َق َلة‪ :‬مرحلة من مراحل السفر‪.‬‬


‫(‪َ )2‬تدَ َّنى‪ :‬أي دنا منها شيئا بعد يشء‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪210‬‬

‫‪ -8‬أمرُ الشاةِ املَسمومةِ‬


‫سالم بن‬‫بنت احلارث ‪-‬امرأ ُة َّ‬
‫زينب ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أهدت له‬ ‫َّ‬
‫اطمأن‬ ‫فلام‬
‫ِ‬ ‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫أحب إىل‬
‫ُّ‬ ‫مشك ٍم‪ -‬شا ًة َم ْصل َّي ًة ‪ ،‬وقد سألت‪َّ :‬‬
‫أي عضو من الشاة‬
‫ﷺ؟‬
‫ِ‬
‫الشاة‪ ،‬ثم جاءت‬ ‫سائر‬
‫الس ِّم‪ ،‬ثم سمت َ‬ ‫الذراع؛ فأكثرت فيها من ُّ‬
‫ُ‬ ‫فقيل َلا‪:‬‬
‫الذراع‪ ،‬فالك منها ُمضغ ًة‪ ،‬فلم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تناول‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫هبا‪ ،‬فلام وضعتها بني يدي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأما‬‫ُ‬ ‫الرباء بن َمعرور قد أخذ منها كام أخذ‬ ‫ُيسغها‪ ،‬ومعه بِ ُ‬
‫رش بن‬
‫العظم ل ُيخربين أنه‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ فل َفظها ثم قال‪« :‬إن هذا‬ ‫بِ ٌ‬
‫رش فأسا َغها‪ ،‬وأما‬
‫َمسموم»‪ ،‬ثم دعا هبا‪ ،‬فاعرتفت‪.‬‬

‫ف عليك‪،‬‬
‫خي َ‬
‫لغت من قومي ما مل َ ْ‬‫محلك عىل ذلك؟» قالت‪َ :‬ب َ‬ ‫فقال‪« :‬ما َ‬
‫اسرتحت منه‪ ،‬وإن كان نب ايا فس ُيخرب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فقلت‪ :‬إن كان َملِ ًكا‬

‫أكل‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ومات بِ ٌ‬


‫رش من أكلته التي َ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فتجاوز عنها‬

‫رسول اهلل ﷺ قد قال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫عثامن قال‪ :‬كان‬ ‫ُ‬
‫مروان بن‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وحدثني‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫مرضه الذي تويف فيه‪ ،‬ودخلت أ ُّم ٍ‬
‫برش بنت الرباء بن معرور تعو ُده‪« :‬يا أ َّم بش‪،‬‬ ‫يف ِ‬

‫انقطاع َأ َهبري(‪ )2‬من األك َلة التي أكلت مع أخيك‬ ‫َ‬ ‫وجدت فيه‬
‫ُ‬ ‫إن هذا األوان‬
‫خيرب»‪.‬‬‫ِ‬
‫ب َ‬

‫(‪َ )1‬م ْصلِ َّية‪ :‬مشوية‪.‬‬


‫(‪ )2‬األَ ْ َهبر‪ :‬عرق إذا انقطع مات صاحبه‪.‬‬
‫‪ | 212‬خمتصر السرية النبوية‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ مات شهيدً ا‪ ،‬مع ما أكرمه‬ ‫قال‪ :‬فإن كان املسلمون َلريون أن‬
‫ِ‬
‫النبوة‪.‬‬ ‫اهللُ به من‬

‫‪ِ -9‬ذكرُ قدوم جعفرَ بن أبي طالب من احلبشةِ وحديث املهاجرين إىل احلبشةِ‬

‫جعفر بن أيب طالب ‪ ،‬قدم عىل‬ ‫َ‬ ‫الشعبي‪ :‬أن‬


‫ِّ‬ ‫قال ابن هشا ٍم‪ :‬عن‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بني عينيه‪ ،‬والتز َمه وقال‪« :‬ما‬ ‫رب‪ ،‬فق َّبل‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ يو َم فتح خي َ‬
‫جعفر؟»‪.‬‬ ‫خيرب‪ ،‬أم بقدوم‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫بأهيام أنا أ َس‪ :‬بفتح َ‬
‫أدري ِ‬
‫‪ -11‬عُمرةُ القضاء يف ذي القعدة سنةَ سبع‬

‫رب‪ ،‬أقام هبا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫رسول اهلل ﷺ إىل املدينة من خي َ‬ ‫إسحاق‪ :‬فلام رجع‬ ‫قال اب ُن‬
‫ً‬
‫وشواال‪ ،‬يبعث فيام بني ذلك من‬ ‫َ‬
‫ورمضان‬ ‫شهري ربي ٍع ُ‬
‫ومجاديني ورج ًبا وشعبان‬
‫ِ‬
‫القعدة يف الشهر الذي صدَّ ه فيه املرشكون‬ ‫َغزوه ورساياه ﷺ‪ ،‬ثم خرج يف ذي‬
‫عتمرا عمر َة القضاء‪ ،‬مكان عمرتِه التي صدوه عنها‪.‬‬
‫ُم ً‬
‫وخرج معه املسلمون ممن كان ُصدَّ معه يف عمرتِه تلك‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫قريش بينها أن حممدً ا‬ ‫سمع به ُ‬
‫أهل م َّك َة خرجوا عنه‪ ،‬وحتدَّ ثت ٌ‬ ‫َ‬ ‫وهي سن َة سبع‪ ،‬فلام‬
‫ٍ‬
‫وشدة‪.‬‬ ‫وأصحا َبه يف ُعرسة وجهد‬

‫إسحاق‪ :‬عن ابن عباس قال‪ :‬ص ُّفوا له عند دار الندوة ل َينظروا إليه‬ ‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫بردائه‪ ،‬وأخرج َع ُضدَ ه‬ ‫ِ‬ ‫اضطبع‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ املسجدَ‬ ‫وإىل أصحابِه‪ ،‬فلام َ‬
‫دخل‬
‫َ‬
‫الركن‪ ،‬وخرج‬ ‫نفسه قوة»‪ ،‬ثم استلم‬‫اليمنى ثم قال‪« :‬رحم اهلل امرأ أراهم اليوم من ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اليامين‪ ،‬مشى‬
‫َّ‬ ‫الركن‬
‫َ‬ ‫واستلم‬
‫َ‬ ‫البيت منهم‪،‬‬
‫ُُرول وُرول أصحا ُبه معه‪ ،‬حتى إذا واراه ُ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫هرول كذلك ثالث َة أطواف‪ ،‬ومشى َ‬
‫سائرها‪.‬‬ ‫حتى يستلم الركن األسو َد‪ ،‬ثم‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪213‬‬

‫تزوج ميمون َة َ‬
‫بنت‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ َّ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن ابن عباس أن‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫العباس بن عبد‬ ‫زوجه إياها‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫احلارث يف سفره ذلك وهو حرا ٌم‪ ،‬وكان الذي َّ‬
‫املطلب‪.‬‬

‫ويطب بن عبد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بم َّك َة ثالثا‪ ،‬فأتاه ُح‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فأقام‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫الثالث‪ ،‬وكانت ٌ‬
‫قريش قد و َّكلته بإخراج‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قريش يف اليوم‬ ‫ال ُع َّزى يف ٍ‬
‫نفر من‬
‫النبي ﷺ‪:‬‬
‫فاخرج عنا‪ ،‬فقال ُّ‬
‫ُ‬ ‫اهلل ﷺ من م َّك َة‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إنه قد انقىض أج ُلك‪،‬‬
‫وصنَعنا لكم طعاما‬
‫أظهركم‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فأعرست بني‬
‫ُ‬ ‫«وما َعليكم لو َترك ُتموين‬
‫فحرضتوه»‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫قالوا‪ :‬ال حاج َة لنا يف طعامك‪ُ ،‬‬
‫فاخرج عنا‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وخ َّلف أبا راف ٍع مواله عىل ميمون َة‪ ،‬حتى أتاه هبا‬
‫ُ‬ ‫فخرج‬
‫ِ‬
‫املدينة يف‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل‬ ‫انرصف‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ هنالك‪ ،‬ثم‬ ‫رس ٍ‬
‫ف‪ ،‬فبنى هبا‬ ‫بِ َ ِ‬
‫ِ‬
‫احلجة‪.‬‬ ‫ذي‬

‫‪ِ -11‬ذكرُ غزوةِ مُؤتةَ يف جُمادى األوىل سنةَ مثان‬


‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بع َث ُه إىل‬ ‫ِ‬
‫الزبري قال‪ :‬بعث‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن ُعرو َة بن‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫أصيب‬
‫َ‬ ‫ُمؤت َة يف ُمجادى األوىل سنة ثامن‪ ،‬واستعمل عليهم زيدَ بن حارث َة وقال‪ :‬إن‬
‫جعفر فعبد اهلل بن رواح َة عىل‬
‫ٌ‬ ‫أصيب‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬فإن‬ ‫فجعفر بن أيب طالب عىل‬
‫ُ‬ ‫زيدٌ‬
‫الناس‪.‬‬

‫خروجهم‬
‫ُ‬ ‫للخروج‪ ،‬وهم ثالث ُة آالف‪ ،‬فلام حض‬
‫ِ‬ ‫الناس ثم هتيئوا‬
‫ُ‬ ‫فتجهز‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وسلموا عليهم‪.‬‬ ‫الناس أمرا َء‬
‫ودع ُ‬
‫‪ | 214‬خمتصر السرية النبوية‬

‫رقل قد نزل‬‫الناس أن ِه َ‬
‫َ‬ ‫أرض الشأم‪ ،‬فبلغ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫معان من‬ ‫ثم مضوا حتى نزلوا‬
‫ِ ٍ‬
‫مآب من أرض ال َبلقاء‪ ،‬يف مئة ألف من الروم‪ ،‬وانضم إليهم من خلْ ٍم ُ‬
‫وجذا َم‬ ‫َ‬
‫رجل من َب ِ ٍّيل ثم أحدُ إراش َة‪ُ ،‬يقال له‪:‬‬ ‫والقني وهبراء وب ِيل مئ ُة ٍ‬
‫ألف منهم عليهم ٌ‬ ‫َ ْ َ َ ٍّ‬
‫ِ‬
‫مالك بن زافل َة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ليلتني يفكرون يف ِ‬
‫أمرهم وقالوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫فلام بلغ ذلك املسلمني أقاموا عىل َمعان‬
‫عدونا‪ ،‬فإما أن َيمدَّ نا بالرجال‪ ،‬وإما أن‬
‫ربه بعدد ِّ‬ ‫ِ‬
‫نكتب إىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فنُخ ُ‬
‫ُ‬
‫يأ ُم َرنا بأمره؛ فنميض له‪.‬‬

‫الناس عبدُ اهلل بن رواح َة‪ ،‬وقال‪ :‬يا قو ِم‪ ،‬واهلل إن التي َتكرهون‬
‫َ‬ ‫فشجع‬
‫قال‪َّ :‬‬
‫ٍ‬
‫كثرة‪ ،‬ما‬ ‫بعدد وال ٍ‬
‫قوة وال‬ ‫ٍ‬ ‫الناس‬ ‫للتي خرج ُتم َتطلبون‪ :‬الشهاد َة‪ ،‬وما ُنقاتل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫هلل به‪ ،‬فان َطلقوا فإنام هي إحدى ا ُ‬
‫حلسنَيني‪ :‬إما‬ ‫أكرمنا ا ُ‬
‫ُنقاتلهم إال هبذا الدين الذي َ‬
‫ظهور وإما شهاد ٌة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ابن رواح َة‪ .‬فمىض الناس‪.‬‬ ‫َ‬
‫صدق ُ‬ ‫الناس‪ :‬قد واهلل‬
‫قال‪ :‬فقال ُ‬
‫مجوع‬
‫ُ‬ ‫الناس‪ ،‬حتى إذا كانوا ب ُتخو ِم ال َبلقاء لق َيتهم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فمىض‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫العدو‪،‬‬ ‫شارف‪ ،‬ثم دنا‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بقرية من قرى ال َبلقاء ُيقال َلا‪َ :‬م‬ ‫هرقل‪ ،‬من الرو ِم والعرب‪،‬‬‫َ‬
‫ُّ‬
‫الناس عندها‪ ،‬فتع َّبأ َلم‬ ‫ٍ‬
‫قرية ُيقال َلا‪ُ :‬مؤت ُة‪ ،‬فالتقى‬ ‫وانحاز املسلمون إىل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫رجال من بني ُعذر َة ُيقال له‪ُ :‬قطب ُة بن قتاد َة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يمنتهم‬
‫فجعلوا عىل َم َ‬‫املسلمون‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫األنصار ُيقال له‪ُ :‬عباي ُة بن مالك‪.‬‬ ‫وعىل ميرسهتم ً‬
‫رجال من‬
‫ِ‬
‫براية‬ ‫َ‬
‫فقاتل زيدُ بن حارث َة‬ ‫الناس واقتتلوا‪،‬‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم التقى‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫رماح القو ِم‪.‬‬
‫شاط يف ِ‬‫رسول اهلل ﷺ حتى َ‬‫ِ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪215‬‬

‫ٍ‬
‫فرس له‬ ‫اقتحم عن‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬
‫القتال‬ ‫فقاتل هبا‪ ،‬حتى إذا َأ ْ َ‬
‫حل َم ُه‬ ‫َ‬ ‫جعفر‬
‫ٌ‬ ‫ثم أخذها‬
‫قاتل القو َم حتى ُقتل‪ ،‬فكان جعفر َّأو َل رجل من املسلمني َع َ‬
‫قر‬ ‫شقرا َء ف َعقرها‪ ،‬ثم َ‬
‫يف اإلسالم‪.‬‬

‫رش املسلمني‬ ‫ثم أخذ الراي َة ُ‬


‫ثابت بن أقر َم أخو بني العجالن‪ ،‬فقال‪ :‬يا مع َ‬
‫الناس عىل‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بفاعل‪ ،‬فاصطلح‬ ‫ٍ‬
‫رجل منكم‪ ،‬قالوا‪ :‬أنت‪ ،‬قال‪ :‬ما أنا‬ ‫اصطلِحوا عىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وانحيز عنه‪،‬‬ ‫انحاز‬
‫َ‬ ‫خالد بن الوليد‪ ،‬فلام أخذ الراي َة َ‬
‫دافع القو َم‪ ،‬وحاشى هبم‪ ،‬ثم‬
‫ِ‬
‫بالناس‪.‬‬ ‫انرصف‬
‫َ‬ ‫حتى‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ‪-‬فيام بلغني‪« :-‬أخذ‬ ‫أصيب القو ُم قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وملا‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫الراي َة زيدُ بن حارث َة فقاتل هبا حتى ُق َ‬
‫تل شهيدا‪ ،‬ثم أخذها جعفر فقاتل هبا حتى‬
‫ُقتل شهيدا»‪.‬‬
‫ِ‬
‫األنصار‪ ،‬وظنوا أنه قد‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ حتى تغريت وجوه‬ ‫قال‪ :‬ثم صمت‬
‫كان يف ِ‬
‫عبد اهلل بن رواح َة بعض ما َيكرهون‪.‬‬

‫ثم قال‪« :‬ثم أخذها عبدُ اهلل بن رواح َة فقاتل هبا حتى ُقتل شهيدا»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ذهب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلنة ‪-‬فيام يرى النائم‪ -‬عىل ُس ٍر من‬ ‫إل يف‬
‫ثم قال‪« :‬لقد ُرفعوا َّ‬
‫عم هذا؟‬ ‫سير ِ‬
‫ِ‬
‫ي صاح َبيه‪ ،‬فقلت‪َّ :‬‬‫سير ْ‬
‫َ‬ ‫عبد اهلل بن رواحة ازورارا عن‬ ‫فرأيت يف‬
‫ِ‬
‫التدد‪ ،‬ثم مىض»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فقيل ل‪ :‬مض َيا وتردد عبدُ اهلل َ‬
‫بعض‬
‫انرصف خالدٌ بالناس أقبل هبم ً‬
‫قافال‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فلام‬

‫ُ‬
‫القتال‪ :‬احتوشه وأرهقه‪.‬‬ ‫(‪َ )1‬أ ْ َ‬
‫حل َم ُه‬
‫‪ | 216‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫املدينة تل َّقاهم‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن ُعرو َة بن الزبري قال‪ :‬ملا دنوا من حول‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ واملسلمون‪.‬‬
‫قبل مع القو ِم عىل ٍ‬
‫دابة‬ ‫ورسول اهلل ﷺ ُم ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصبيان َيشتدُّ ون‪،‬‬ ‫قال‪ :‬ولقيهم‬
‫ٍ‬
‫جعفر»‪.‬‬ ‫ابن‬‫الصبيان فامحلوهم‪ ،‬وأعطوين َ‬
‫َ‬ ‫فقال‪« :‬خذوا‬

‫ف ُأ َ‬
‫يت بعبد اهلل فأخذه فحم َله بني يديه‪.‬‬

‫فرار‪ ،‬فررتم يف‬


‫الرتاب‪ ،‬ويقولون‪ :‬يا َ‬
‫َ‬ ‫الناس َحيثون عىل اجليش‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬وجعل‬
‫ِ‬
‫سبيل اهلل!‬

‫هلل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ليسوا بال ُف َّرار‪ ،‬ولكنهم ال ُك َّر ُار إن شاء ا ُ‬ ‫قال‪ :‬فيقول‬
‫تعاىل»‪.‬‬

‫‪ -12‬فتحُ مكةَ يف شهر رمضانَ سنة مثان‬

‫رسول اهلل ﷺ بعد بعثِه إىل مؤت َة ُمجادى اآلخرة‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم أقام‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ورج ًبا‪.‬‬
‫ِ‬
‫بأسفل مك َة‬ ‫بكر بن عبد مناة عدَ ت عىل ُخزاع َة‪ ،‬وهم عىل ٍ‬
‫ماء َلم‬ ‫ثم إن بني ِ‬
‫َ َ‬
‫رجال من بني‬ ‫ً‬ ‫وخزاع َة أن‬
‫بكر ُ‬ ‫هاج ما بني بني ٍ‬
‫ُيقال له‪ :‬الوتري‪ ،‬وكان الذي َ‬
‫احلضمي يومئذ إىل األسود بن َر ْزن‪-‬‬ ‫لف‬
‫وح ُ‬‫احلضمي واسمه مالك بن عباد ‪ِ -‬‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫دت‬ ‫أرض ُخزاع َة‪ ،‬عدوا عليه ف َقتلوه‪ ،‬وأخذوا ما َله‪ ،‬ف َع ْ‬‫تاجرا‪ ،‬فلام توسط َ‬
‫خرج ً‬
‫ٍ‬
‫رجل من خزاع َة ف َقتلوه‪ ،‬ف َعدت خزاع ُة قبيل اإلسالم عىل َبني‬ ‫بنو بكر عىل‬
‫وذؤيب‬
‫ٌ‬ ‫نخر بني كنان َة وأرشا ُفهم‪ :‬سلمى و ُكلثو ٌم‬
‫ييل‪ ،‬وهم َم ُ‬‫األسود بن رزن الدِّ ِّ‬
‫ِ‬
‫أنصاب احلر ِم‪.‬‬ ‫فقتلوهم بعرف َة عند‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪217‬‬

‫إسحاق‪ :‬فبينا بنو ٍ‬


‫بكر وخزاع ُة عىل ذلك حجز بينهم اإلسال ُم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬كان‬ ‫ِ‬
‫احلديبية بني رسول اهلل ﷺ وبني‬ ‫الناس به‪ ،‬فلام كان صلح‬ ‫َ‬
‫وتشاغل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫يدخل يف ِ‬
‫عقد‬ ‫َ‬ ‫أحب أن‬ ‫َ‬
‫ورشط َلم‪ :‬أنه من‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‬ ‫فيام َرشطوا‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وعهدهم فليدخل‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫فليدخ ْل فيه‪ ،‬ومن أحب أن يدخل يف ِ‬
‫عقد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وعهده‬ ‫ﷺ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫وعهدهم‪ ،‬ودخلت خزاع ُة يف عقد‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫بكر يف ِ‬
‫عقد‬ ‫فيه؛ فدخلت بنو ٍ‬
‫ِ‬
‫وعهده‪.‬‬ ‫ﷺ‬
‫ِ‬
‫الديل من بني بكر من‬ ‫إسحاق‪ :‬فلام كانت اَلدن ُة اغ َتنَمها بنو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ثأرا بأولئك النف ِر الذين أصابوا منهم ببني‬ ‫خزاع َة‪ ،‬وأرادوا أن ُيصيبوا منهم ً‬
‫ِ‬
‫الديل‪ ،‬وهو يومئذ‬ ‫نوفل بن معاوية الدييل يف بني‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األسود بن َر ْز ٍن‪ ،‬فخرج‬
‫بكر تابعه حتى بيت خزاع َة وهم عىل الوتري ‪ٍ -‬‬
‫ماء َلم‪-‬‬ ‫َ َّ‬ ‫كل بني ٍ َ‬ ‫قائدُ هم‪ ،‬وليس ُّ‬
‫ِ‬
‫بالسالح‪ ،‬وقاتل‬ ‫بكر ٌ‬
‫قريش‬ ‫ورفدت بني ٍ‬ ‫رجال‪َ ،‬‬
‫وحتاوزوا واقتتلوا‪َ ،‬‬ ‫فأصابوا منهم ً‬
‫ٍ‬
‫قريش من قاتل بالليل ُمستخف ًيا‪ ،‬حتى حازوا خزاع َة إىل احلر ِم‪.‬‬ ‫معهم من‬
‫فلام انتهوا إليه‪ ،‬قالت بنو ٍ‬
‫بكر‪ :‬يا ُ‬
‫نوفل‪ ،‬إنا قد دخلنا احلر َم‪ ،‬إَل َك إَل َك‪،‬‬
‫ثأركم‪ ،‬ف َلعمري إنكم‬ ‫فقال كلم ًة عظيم ًة‪ :‬ال إله له اليو َم‪ ،‬يا بني ٍ‬
‫بكر أصيبوا َ‬
‫ل َترسقون يف احلر ِم‪ ،‬أفال ُتصيبون ث َأركم فيه‪ ،‬وقد أصابوا منهم ليل َة َب َّيتوهم بالوتري‬
‫ً‬
‫رجال ُيقال له‪ُ :‬من ِّبه‬
‫فلام دخلت خزاع ُة مك َة‪ ،‬جلئوا إىل دار ُب ِ‬
‫ديل بن ورقا َء‪ ،‬ودار ً‬
‫موىل َلم ُيقال‬
‫رافع‪.‬‬
‫له‪ٌ :‬‬
‫‪ | 218‬خمتصر السرية النبوية‬

‫وقريش عىل خزاع َة‪ ،‬وأصابوا منهم‬


‫ٌ‬ ‫إسحاق‪ :‬فلام تظاهرت بنو ٍ‬
‫بكر‬ ‫َ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫وامليثاق بام‬ ‫ِ‬
‫العهد‬ ‫رسول اهلل ﷺ من‬‫ِ‬ ‫ما أصابوا‪ ،‬و َنقضوا ما كان بينهم وبني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلزاعي‪ ،‬ثم‬
‫ُّ‬ ‫استحلوا من ُخزاع َة‪ ،‬وكان يف عقده وعهده‪ ،‬خرج ُ‬
‫عمرو بن سامل‬
‫ِ‬ ‫كعب‪ ،‬حتى ِ‬‫ٍ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدين َة‪ ،‬وكان ذلك مما هاج َ‬
‫فتح‬ ‫قدم عىل‬ ‫أحدُ بني‬‫َ‬
‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املسجد بني ظهراين‬ ‫جالس يف‬ ‫م َّك َة‪ ،‬فوقف عليه وهو‬
‫ٌ‬
‫رب إين ناشـــــدٌ حممـــــدً ا‬ ‫يـــــا ِّ‬
‫ِحلـ َ‬
‫ـــف أبينــــا وأبيــــه األتلــــدا‬
‫قـــد كنـــتم ولـــدً ا وكنـــا والـــدً ا‬
‫ــت أســـلمنا فلـــم ننـ ِ‬
‫ــزع يـــدا‬ ‫ُث َّمـ َ‬
‫نصـــرا أعتــدا‬
‫ً‬ ‫فانصـــر هــداك اهللُ‬
‫وادع عبـــــا َد اهلل يـــــأتوا مـــــددا‬
‫ُ‬
‫بن ساملٍ»‪.‬‬
‫عمرو َ‬
‫ِصت يا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ُ « :‬ن‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فقال‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ثم خرج ُبديل بن ورقا َء يف ٍ‬
‫نفر من خزاع َة حتى قدموا عىل‬
‫قريش بني ٍ‬
‫بكر عليهم‪ ،‬ثم انرصفوا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ظاهرة‬ ‫وبم‬ ‫املدين َة‪ ،‬فأخربوه بام‬
‫أصيب منهم‪ُ ،‬‬‫َ‬
‫جاءكم‬ ‫سفيان قد َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫للناس‪« :‬كأنكم بأيب‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫راجعني إىل مك َة‪ ،‬وقد قال‬
‫ليشدَّ العقدَ ‪ ،‬ويزيدَ يف ِ‬
‫املدة»‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدين َة‪ ،‬فكلمه‪ ،‬فلم ُير َّد‬ ‫رج أبو سفيان حتى قد َم عىل‬ ‫ثم َخ َ‬
‫عليه شي ًئا‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪219‬‬

‫ٍ‬
‫بفاعل‪.‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬ما أنا‬ ‫ثم ذهب إىل أيب ٍ‬
‫بكر‪ ،‬فك َّلمه أن يكلم له‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ؟!‬ ‫أشفع لكم إىل‬ ‫عمر بن اخلطاب فك َّلمه‪ ،‬فقال‪ :‬أأنا‬
‫ُ‬ ‫ثم أتى َ‬
‫فواهلل لو مل أجد إال َّ‬
‫الذ َّر جلاهد ُتكم به‪.‬‬

‫رضوان اهلل عليه‪ ،‬وعنده فاطم ُة ُ‬


‫بنت‬ ‫ُ‬ ‫عيل بن أيب طالب‬
‫ثم خرج فدخل عىل ِّ‬
‫يدب بني يدُا‪ -‬فقال‪:‬‬ ‫عيل ‪-‬غال ٌم ُ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وريض عنها‪ ،‬وعندها حس ُن بن ٍّ‬
‫جئت‬ ‫حاجة‪ ،‬فال أرجعن كام‬ ‫ٍ‬ ‫محا‪ ،‬وإين قد جئت يف‬ ‫أمس القو ِم يب ر ً‬
‫ُ‬ ‫عيل‪ ،‬إنك ُّ‬
‫يا ُّ‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫َ‬
‫سفيان! واهلل لقد عز َم‬ ‫حيك يا أبا‬ ‫ِ‬
‫خائ ًبا‪ ،‬فاشفع يل إىل رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬و َ‬
‫اهلل ﷺ عىل ٍ‬
‫أمر ما َنستطيع أن نك ِّل َمه فيه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فالتفت إىل فاطم َة فقال‪ :‬يا ابن َة حممد‪ ،‬هل لك أن تأ ُمري ُبن َّيك هذا ف ُي َ‬
‫جري‬
‫ِ‬
‫الدهر؟‬ ‫ِ‬
‫العرب إىل آخر‬ ‫بني الناس‪ ،‬فيكون س ِّيدَ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬وما جيري أحدٌ عىل‬ ‫جيري بني‬
‫ني ذاك أن َ‬
‫قالت‪ :‬واهلل ما بلغ ُب َّ‬
‫ﷺ‪.‬‬

‫عيل؛ فانصحني‪.‬‬
‫األمور قد اشتدت َّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫احلسن‪ ،‬إين أرى‬ ‫قال‪ :‬يا أبا‬

‫أعلم لك شي ًئا ُيغني عنك شي ًئا‪ ،‬ولكنك س ِّيدُ بني كنان َة‪ ،‬فقم‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬واهلل ما‬
‫بأرضك‪.‬‬ ‫فأجر بني الناس‪ ،‬ثم احلق ِ‬

‫قال‪ :‬أو ترى ذلك ُمغن ًيا عني شي ًئا؟‬

‫غري ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬ما أظنه‪ ،‬ولكني ال أجدُ لك َ‬
‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬ثم‬ ‫رت بني‬
‫أج ُ‬
‫الناس‪ ،‬إين قد َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سفيان يف املسجد‪ ،‬فقال‪ :‬أُا‬ ‫فقام أبو‬
‫‪ | 201‬خمتصر السرية النبوية‬

‫بعريه فانطلق‪.‬‬
‫ركب َ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫هاز‪ ،‬وأمر أه َله أن ُجي ِّهزوه‪ ،‬ثم إن‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ‬
‫باجل ِ‬ ‫ُ‬ ‫وأمر‬
‫العيون‬
‫َ‬ ‫سائر إىل مك َة‪ ،‬وأمرهم باجلدِّ والته ُّيؤ‪ ،‬وقال‪َّ « :‬‬
‫اللهم خذ‬ ‫الناس أنه ٌ‬
‫َ‬ ‫أعلم‬
‫الناس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فتجهز‬
‫َّ‬ ‫واألخبار عن قريش حتى نبغ َتها يف بالدها»‪،‬‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ٍ‬
‫عباس قال‪ :‬ثم مىض‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن عبد اهلل بن‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫لعرش‬ ‫فاري‪ ،‬وخرج‬ ‫املدينة أبا ره ٍم ُكلثوم بن ح ٍ ِ‬
‫ِ‬ ‫لس َفره‪،‬‬
‫صني الغ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫واستخلف عىل‬
‫َ‬
‫َ‬
‫رمضان‪.‬‬ ‫مضني من‬
‫ٍ‬
‫آالف من‬ ‫ِ‬
‫الظهران يف عرشة‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم مىض حتى نزل َم َّر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫قريش‪،‬‬ ‫األخبار عن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َم َّر الظهران‪ ،‬وقد ُع ِّميت‬ ‫املسلمني‪ ،‬فلام َ‬
‫نزل‬
‫وخرج يف تلك الليايل‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وال يدرون ما هو ٌ‬
‫فاعل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رب عن‬
‫َ‬ ‫فلم يأهتم خ ٌ‬
‫األخبار‪،‬‬
‫َ‬ ‫وحكيم بن ِحزام و ُبديل بن ورقا َء يتحسسون‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫سفيان بن حرب‬ ‫أبو‬
‫ِ‬
‫املطلب لقي‬ ‫العباس بن عبد‬
‫ُ‬ ‫ربا أو َيسمعون به‪ ،‬وقد كان‬ ‫وينظرون هل َجيدون خ ً‬
‫ِ‬
‫الطريق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ببعض‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬
‫ِ‬
‫املطلب‪ :‬فقلت‪:‬‬ ‫العباس بن عبد‬ ‫ِ‬
‫الظهران‪ ،‬قال‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َم َّر‬ ‫فلام نزل‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ م َّك َة ُعنو ًة قبل أن يأتوه ف َيستأمنوه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬واهلل لئن دخل‬ ‫واصباح‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الدهر‪.‬‬ ‫قريش إىل ِ‬
‫آخر‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫َلالك‬ ‫إنه‬
‫ِ‬
‫البيضاء‪ ،‬فخرجت عليها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فجلست عىل ِ‬
‫بغلة‬ ‫قال‪:‬‬
‫ُ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪200‬‬

‫صاحب لبن أو‬ ‫بعض احل َّط ِ‬


‫ابة أو‬ ‫َ‬
‫األراك‪ ،‬فقلت‪َ :‬ل َع ِّيل أجد َ‬ ‫جئت‬
‫قال‪ :‬حتى ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ليخرجوا إليه فيستأمنوه َ‬ ‫ٍ‬
‫قبل‬ ‫ذا حاجة يأيت م َّك َة‪ ،‬فيخ َ‬
‫ربهم بمكان‬
‫أن َيدخلها عليهم ُعنو ًة‪.‬‬

‫خرجت له‪ ،‬إذ سمعت كال َم أيب‬


‫ُ‬ ‫وألتمس ما‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فواهلل إين ألسري عليها‪،‬‬
‫ِ‬
‫كالليلة‬ ‫َ‬
‫سفيان يقول‪ :‬ما رأيت‬ ‫سفيان و ُبديل بن ورقا َء‪ ،‬ومها يرتاجعان‪ ،‬وأبو‬
‫عسكرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫نريا ًنا قط وال‬

‫احلرب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫محشتها‬ ‫قال‪ :‬يقول ُب ٌ‬
‫ديل‪ :‬هذه واهلل ُخزاع ُة َ‬
‫نرياهنا‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وأقل من أن تكون هذه‬ ‫سفيان‪ُ :‬خزاع ُة ُّ‬
‫أذل‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬يقول أبو‬
‫وعسكرها‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال‪ :‬فعرفت صو َته‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا حنظل َة‪ ،‬فعرف صويت‪ ،‬فقال‪ :‬أبو الفضل!‬

‫قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ما لك؟ فداك أيب وأمي‪.‬‬

‫واصباح‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫حيك يا أبا ُس َ‬
‫فيان‪ ،‬هذا‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬و َ‬
‫ُق ٍ‬
‫ريش واهلل‪.‬‬

‫قال‪ :‬فام احليل ُة؟ فداك أيب وأمي‪.‬‬


‫ِ‬
‫البغلة‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬واهلل لئن ِ‬
‫ظفر بك ل َيضبن ُعن َقك‪ ،‬فاركب يف َع ُجز هذه‬
‫ِ‬
‫فأستأمنُه لك‪.‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫يت بك‬
‫حتى آ َ‬
‫قال‪ :‬فركب خلفي ورجع صاحباه‪.‬‬
‫‪ | 202‬خمتصر السرية النبوية‬

‫بنار من نريان املسلمني قالوا‪ :‬من هذا؟ فإذا‬ ‫مررت ٍ‬‫ُ‬ ‫فجئت به‪ ،‬كلام‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل بغلته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وأنا عليها‪ ،‬قالوا‪َ :‬ع ُّم‬ ‫رأوا بغل َة‬

‫عمر بن اخلطاب ‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا؟‬ ‫حتى مررت ِ‬


‫بنار َ‬
‫عدو اهلل!‬ ‫ِ‬
‫وقام إ َّيل‪ ،‬فلام رأى أبا سفيان عىل َع ُجز الدابة‪ ،‬قال‪ :‬أبو سفيان ُّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫خرج يشتدُّ نحو‬ ‫عقد وال ٍ‬
‫عهد‪ ،‬ثم‬ ‫بغري ٍ‬
‫احلمد هلل الذي أمكن منك ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫الرجل البطيء‪.‬‬ ‫ﷺ‪ ،‬وركضت البغل ُة‪ ،‬فسبقته بام تسبق الداب ُة البطيئة‬

‫عمر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫فاقتحمت عن البغلة‪ ،‬فدخلت عىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ودخل عليه ُ‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫عقد وال ٍ‬
‫عهد‪ ،‬فدعني‬ ‫هلل منه بغري ٍ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬هذا أبو سفيان قد أمكن ا ُ‬ ‫فقال‪ :‬يا‬
‫فألضب عن َقه‪.‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫جلست إىل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إين قد أجر ُته‪ ،‬ثم‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫عمر يف شأنِه‪،‬‬
‫أكثر ُ‬
‫رجل‪ ،‬فلام َ‬
‫فأخذت ِ‬
‫برأسه‪ ،‬فقلت‪ :‬واهلل ال يناجيه الليل َة دوين ٌ‬ ‫ُ‬
‫قلت هذا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كعب ما َ‬ ‫عدي بن‬
‫ِّ‬ ‫عمر‪ ،‬فواهلل أن لو كان من بني‬ ‫مهال يا ُ‬‫قال‪ :‬قلت‪ً :‬‬
‫ناف‪.‬‬‫رجال بني عبد م ٍ‬
‫ِ‬ ‫عرفت أنه من‬
‫َ‬ ‫ولكنك قد‬
‫َ‬
‫إيل من‬ ‫أحب َّ‬
‫َّ‬ ‫أسلمت كان‬
‫َ‬ ‫عباس‪ ،‬فواهلل إلسال ُمك يو َم‬
‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬مهال يا‬
‫أحب إىل‬
‫َّ‬ ‫عرفت أن إسال َمك كان‬
‫ُ‬ ‫أسلم‪ ،‬وما يب إال أين قد‬
‫َ‬ ‫إسال ِم اخلطاب لو‬
‫ِ‬
‫اخلطاب لو أسلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من إسال ِم‬

‫عباس إىل رحلِك‪ ،‬فإذا أصبحت فأتني‬


‫ُ‬ ‫اذهب به يا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ْ « :‬‬ ‫فقال‬
‫به»‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪203‬‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫غدوت به إىل‬
‫ُ‬ ‫أصبح‬
‫َ‬ ‫فذهبت به إىل رحيل‪ ،‬فبات عندي‪ ،‬فلام‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫تعلم أنه ال‬
‫يأن لك أن َ‬ ‫سفيان‪ ،‬أمل ِ‬
‫َ‬ ‫حيك يا أبا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‪« :‬و َ‬ ‫ﷺ‪ ،‬فلام رآه‬
‫إله إال اهللُ؟»‬

‫وأوصلك‪ ،‬واهلل لقد ظننت أن‬


‫َ‬ ‫أحلمك وأكر َمك‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬بأيب أنت وأمي‪ ،‬ما‬
‫غريه لقد أغنى عني شي ًئا بعد‪.‬‬
‫لو كان مع اهلل إل ٌه ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل؟»‬ ‫تعلم أين‬
‫فيان! أمل يأن لك أن َ‬
‫قال‪« :‬وحيك يا أبا ُس َ‬
‫أحلمك وأكر َمك وأوص َلك! أما هذه واهلل فإن يف‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬بأيب أنت وأمي‪ ،‬ما‬
‫النفس منها حتى اآلن شي ًئا‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫العباس‪ :‬وحيك! أسلِم واشهد أن ال إل َه إال اهلل‪ ،‬وأن حممدً ا‬
‫ُ‬ ‫فقال له‬
‫ضب عن ُقك‪.‬‬
‫َ‬ ‫اهلل قبل أن ُت‬

‫احلق‪ ،‬فأسلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فشهد شهاد َة ِّ‬

‫الفخر‪،‬‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬إن أبا ُسفيان ٌ‬
‫رجل حيب هذا‬ ‫َ‬ ‫العباس‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫قال‬
‫فاجعل له شي ًئا‪.‬‬

‫فيان فهو آمن‪ ،‬ومن أغلق بابه فهو آمن‪ ،‬ومن‬


‫دار أيب ُس َ‬
‫قال‪« :‬نعم‪ ،‬من دخل َ‬
‫دخل املسجدَ فهو آمن»‪.‬‬
‫بم ِ‬
‫ضيق الوادي‬ ‫عباس‪ ،‬احبِسه َ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬يا‬ ‫ُ‬ ‫فلام ذهب لينرصف قال‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫تر به جنو ُد اهلل فرياها»‪.‬‬
‫اجلبل ‪ ،‬حتى َّ‬ ‫عند َخ ْط ِم‬

‫(‪َ )1‬خ ْطم اجلبل‪ :‬ما خرج منه‏ونتأ من بعض حجارته‪.‬‬


‫‪ | 204‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أن‬ ‫بم ِ‬
‫ضيق الوادي‪ ،‬حيث أمرين‬ ‫قال‪ :‬فخرجت حتى حبس ُته َ‬
‫أحبسه‪.‬‬
‫َ‬
‫عباس‪ ،‬من هذه؟‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القبائل عىل راياهتا‪ ،‬كلام مرت قبيل ٌة قال‪ :‬يا‬ ‫ومرت‬
‫قال‪َّ :‬‬
‫عباس‪ ،‬من‬ ‫ُ‬ ‫متر القبيل ُة فيقول‪ :‬يا‬
‫ليم‪ ،‬فيقول‪ :‬ما يل ولسليم؟! ثم ُّ‬ ‫فأقول‪ُ :‬س ٌ‬
‫ُ‬
‫القبائل‪ ،‬ما متر به قبيل ٌة‬ ‫هؤالء؟ فأقول‪ُ :‬مزين ُة‪ ،‬فيقول‪ :‬ما يل وملزين َة؟! حتى نفدت‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫مر‬
‫إال يسألني عنها‪ ،‬فإذا أخرب ُته هبم‪ ،‬قال‪ :‬ما يل ولبني فالن؟! حتى َّ‬
‫حل ُ‬
‫دق‬ ‫ﷺ يف كتيبته اخلضاء فيها املهاجرون واألنصار ‪ ،‬ال ُيرى منهم إال ا َ‬
‫عباس‪ ،‬من هؤالء؟‬ ‫َ‬
‫سبحان اهلل! يا‬ ‫ِ‬
‫احلديد‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف املُهاجرين واألنصار‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬هذا‬

‫أصبح ملك ابن‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفضل‪ ،‬لقد‬ ‫ألحد هبؤالء ِق ٌبل وال طاق ٌة‪ ،‬واهلل يا أبا‬
‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬ما‬
‫ظيام‪.‬‬
‫أخيك الغدا َة ع ً‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا أبا سفيان‪ ،‬إهنا النبو ُة‪ .‬قال‪ :‬فنعم إذن‪.‬‬

‫معرش‬ ‫َ‬
‫رصخ بأعىل صوته‪ :‬يا‬ ‫قومك‪ ،‬حتى إذا جاءهم‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬النَّجاء إىل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫سفيان فهو‬ ‫قريش‪ ،‬هذا حممدٌ قد جا َءكم فيام ال ق َب َل لكم به‪ ،‬فمن دخل َ‬
‫دار أيب‬
‫آم ٌن‪.‬‬

‫دارك‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬قاتلك اهلل! وما ُتغني عنا ُ‬
‫فتفرق‬ ‫أغلق عليه با َبه فهو آم ٌن‪ ،‬ومن َ‬
‫دخل املسجد فهو آمن‪َّ ،‬‬ ‫قال‪ :‬ومن َ‬
‫ِ‬
‫املسجد‪.‬‬ ‫الناس إىل ِ‬
‫دورهم وإىل‬ ‫ُ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪205‬‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ ملا انتهى إىل‬ ‫بكر أن‬ ‫إسحاق‪ :‬فحدثني عبدُ اهلل بن أيب ٍ‬ ‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬‫َ‬ ‫رد ِح َرب ٍة محراء‪ ،‬وإن‬
‫بش َّق ِة ب ِ‬
‫ُ ُ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫ذي ُط َوى وقف عىل راحلته معتج ًرا‬
‫ِ‬
‫الفتح‪ ،‬حتى إن ُعثنو َنه ليكاد‬ ‫هلل به من‬
‫أكرمه ا ُ‬ ‫رأسه تواض ًعا هلل حني رأى ما َ‬
‫ضع َ‬ ‫ل َي ُ‬
‫ِ‬
‫الرحل‪.‬‬ ‫مس واسط َة‬
‫َي ُّ‬
‫جيح أن رسول اهلل ﷺ حني‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وحدثني عبدُ اهلل بن أيب َن ٍ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بعض الناس من‬ ‫الزبري بن العوا ِم أن يدخل يف‬‫َ‬ ‫جيشه من ذي ُطوى أمر‬ ‫َّفرق َ‬
‫ِ‬
‫الزبري عىل ا ُملجنِّبة ال ُيرسى‪َ ،‬‬
‫وأمر سعدَ بن ُعباد َة أن يدخل يف بعض‬ ‫ُ‬ ‫ُكدً ى‪ ،‬وكان‬
‫ِ‬
‫الناس من َكداء‪.‬‬
‫ً‬
‫داخال قال‪:‬‬ ‫بعض أهل العلم أن سعدً ا حني ُو ِّجه‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فزعم ُ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫اليو ُم يو ُم املَلحمة‪ ،‬اليو ُم ُتستحل ا ُ‬
‫حلرمة‪.‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬اسمع ما قال سعدُ بن‬ ‫فسمعها رجل من املهاجرين فقال‪ :‬يا‬
‫ٍ‬
‫قريش صول ٌة‪.‬‬ ‫عباد َة‪ ،‬ما نأمن أن يكون له يف‬
‫طالب‪ِ « :‬‬
‫أدر ْكه‪ ،‬فخذ الراي َة منه فكن أنت‬ ‫ٍ‬ ‫لعيل بن أيب‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ِّ‬ ‫فقال‬
‫ُ‬
‫تدخل هبا»‪.‬‬ ‫الذي‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫جيح يف حديثه أن‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وقد حدثني عبدُ اهلل بن أيب َن ٍ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫َ‬
‫أسفل م َّك َة‪ ،‬يف بعض الناس‪ ،‬وكان‬ ‫فدخل من ال ِّل ِ‬
‫يط‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الوليد‪،‬‬ ‫ﷺ أمر خالدَ بن‬
‫ُ‬
‫وقبائل من‬ ‫وجهين ُة‬ ‫ِ‬ ‫خالدٌ عىل املُجنِّ ِبة ال ُيمنى‪ ،‬وفيها‬
‫أسلم وسليم وغفار و ُمزينة ُ‬
‫ُ‬
‫قبائل العرب‪.‬‬

‫(‪ )1‬اال ْعتِ َجار‪ :‬لف العاممة عىل الرأس‪.‬‬


‫‪ | 206‬خمتصر السرية النبوية‬

‫اجلراح بالصف من املسلمني ينصب مل َّك َة بني يدي‬


‫بن َّ‬‫وأقبل أبو عبيد َة ُ‬
‫وضبت‬‫أذاخر‪ ،‬حتى نزل بأعىل م َّك َة‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ودخل‬
‫َ‬
‫له هنالك ُق َّبته‪.‬‬
‫جيح وعبدُ اهلل بن أيب بكر أن‬‫إسحاق‪ :‬وحدثني عبدُ اهلل بن أيب َن ٍ‬ ‫َ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ناسا‬
‫وسهيل بن عمرو كانوا قد مجعوا ً‬ ‫جهل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫صفوان بن أم َّية وعكرم َة بن أيب‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫سالحا قبل دخول‬ ‫اس بن ٍ‬
‫قيس ُيعد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫باخلَند َمة ل ُيقاتلوا‪ ،‬وقد كان مح ُ‬
‫وس ٍ‬
‫هيل وعكرم َة‪ ،‬فلام لق َيهم املسلمون‬ ‫َ‬
‫صفوان ُ‬ ‫و ُيصلح منه‪ ،‬ثم شهد اخلَندم َة مع‬
‫الوليد‪ ،‬ناوشوهم شي ًئا من ٍ‬
‫قتال‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أصحاب ِ‬
‫خالد بن‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫رسول اهلل ﷺ قد ِ‬
‫عهدَ إىل أمرائه من املسلمني ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬وكان‬ ‫َ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫عهدَ يف ٍ‬
‫نفر‬ ‫حني أمرهم أن يدخلوا م َّك َة‪ -‬أن ال ُيقاتلوا إال من قا َتلهم‪ ،‬إال أنه قد ِ‬
‫ِ‬
‫أستار الكعبة‪.‬‬ ‫سامهم أمر بقتلهم‪ ،‬وإن ُوجدوا حتت‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ ملا نزل م َّك َة‬ ‫إسحاق‪ :‬عن صفية بنت َشيب َة أن‬ ‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫يستلم الرك َن‬
‫ُ‬ ‫راحلتِه‪،‬‬
‫فطاف به سبعا عىل ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫البيت‪،‬‬
‫َ‬ ‫خرج حتى جاء‬ ‫الناس‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫واطمأن‬
‫ِ‬
‫الكعبة‪،‬‬ ‫مفتاح‬ ‫عثامن بن طلح َة فأخذ منه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بم ْح َج ٍن(‪ )1‬يف يده‪ ،‬فلام قىض طوا َفه‪ ،‬دعا‬
‫َ‬
‫ِ ٍ‬
‫طر َحها‪ ،‬ثم‬ ‫رسها بيده ثم َ‬ ‫ف ُفتحت له‪ ،‬فدَ َخلها‪ ،‬فوجد فيها َمحام ًة من عيدان ف َك َ َ‬
‫ِ‬
‫املسجد‪.‬‬ ‫الناس(‪ )2‬يف‬ ‫الكعبة وقد اس ُتكِ َّ‬
‫ِ‬ ‫وقف عىل ِ‬
‫ف له ُ‬ ‫باب‬

‫رسول اهلل ﷺ قام عىل باب‬ ‫َ‬ ‫بعض أهل العلم أن‬
‫إسحاق‪ :‬فحدثني ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ونِص عبدَ ه‪ ،‬وهز َم‬ ‫َ‬
‫رشيك له‪َ ،‬صدق وعدَ ه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكعبة فقال‪« :‬ال إله إال اهللُ وحدَ ه ال‬
‫َ‬
‫املعوجة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )1‬امل ِ ْح َجن‪ :‬العصا‬
‫َف القو ُم حول اليشء‪ :‬أي أحاطوا به ينظرون إليه‪.‬‬
‫اس َتك َّ‬
‫(‪ْ )2‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪207‬‬

‫األحزاب وحدَ ه‪ ،‬أال كل مأ ُث ٍ‬


‫رة أو د ٍم أو مال ُيدَّ عى فهو حتت َقدَ َم َّي هاتني إال‬ ‫َ‬
‫سدان َة البيت ِ‬
‫وسقاي َة احلاج‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالسوط والعصا‪ ،‬ففيه الدي ُة ُمغ َّلظة‪ ،‬مئة من‬ ‫وقتيل اخلطأ ِش ِ‬
‫به العمد‬ ‫ُ‬ ‫أال‬
‫اإلبل‪ ،‬أربعون منها يف بطوهنا أوالدها‪.‬‬
‫ِ‬
‫اجلاهلية‪ ،‬وتعظ َمها باآلباء‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬إن اهللَ قد أذهب عنكم نخو َة‬ ‫معش‬ ‫يا‬
‫َ‬
‫تراب»‪ ،‬ثم تال هذه اآلية‪(« :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫الناس من آد َم‪ ،‬وآد ُم من ٍ‬
‫ُ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) ُ‬
‫[احل ُجرات‪»]13:‬‬
‫اآلية كلها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬ما ترون أين فاعل فيكم؟»‪.‬‬ ‫معش‬
‫َ‬ ‫ثم قال‪« :‬يا‬

‫أخ كريم‪ ،‬واب ُن أخ كري ٍم‪.‬‬


‫خريا‪ٌ ،‬‬
‫قالوا‪ً :‬‬
‫لقاء»‪.‬‬
‫قال‪« :‬اذهبوا فأنتم الط ُ‬
‫فتاح‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫طالب وم ُ‬ ‫عيل بن أيب‬
‫رسول اهلل ﷺ يف املسجد‪ ،‬فقام إليه ُّ‬ ‫ثم جلس‬
‫ِ‬
‫سقاية صىل اهلل عليك‪،‬‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬امجع لنا ِ‬
‫احلجاب َة مع ال‬ ‫َ‬ ‫الكعبة يف يده‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫مفتاحك يا‬‫َ‬ ‫عثامن بن طلح َة؟»‪ ،‬فدُ عي له‪ ،‬فقال‪« :‬هاك‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬أين‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫ٍ‬
‫ووفاء»‪.‬‬ ‫عثامن‪ ،‬اليو َم يو ُم بر‬
‫ُ‬
‫النبي ﷺ حني افتتح م َّك َة‬ ‫ٍ‬
‫سعيد أن‬ ‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬وبلغني عن حي َيى بن‬
‫َّ‬
‫األنصار‪ ،‬فقالوا فيام بينهم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ودخلها‪ ،‬قام عىل الصفا يدعو اهللَ‪ ،‬وقد أحدقت به‬
‫أرضه وبلده يقيم هبا؟‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬إذ فتح اهللُ عليه َ‬ ‫أترون‬
‫‪ | 208‬خمتصر السرية النبوية‬

‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬فلم يزل‬ ‫فلام فرغ من دعائه قال‪« :‬ماذا قل ُتم؟»‪ ،‬قالوا‪ :‬ال يش َء يا‬
‫واملامت مما ُتكم»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫النبي ﷺ‪َ « :‬معا َذ اهلل! املحيا حميا ُكم‪،‬‬
‫هبم حتى أخربوه‪ ،‬فقال ُّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ م َّك َة يوم الفتح عىل‬ ‫ِ‬
‫عباس قال‪ :‬دخل‬ ‫قال ابن هشا ٍم‪ :‬عن ابن‬
‫النبي ﷺ‬
‫راحلته‪ ،‬فطاف عليها وحول البيت أصنا ٌم مشدود ٌة بالرصاص‪ ،‬فجعل ُّ‬
‫َ‬
‫الباطل كان‬ ‫ُ‬
‫الباطل إن‬ ‫هق‬ ‫ٍ‬
‫بقضيب يف يده إىل األصنا ِم ويقول‪« :‬جاء احلق و َز َ‬ ‫يشري‬
‫ُ‬
‫وقع لقفا ُه‪ ،‬وال أشار إىل َقفا ُه إال وقع‬
‫زهوقا»‪ ،‬فام أشار إىل صن ٍم منها يف وجهه إال َ‬
‫وقع‪.‬‬
‫صنم إال َ‬
‫بقي منها ٌ‬ ‫لوجهه‪ ،‬حتى ما َ‬‫ِ‬

‫فتح م َّك َة من املسلمني عرش ُة آالف‪.‬‬


‫مجيع من شهد َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان ُ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫َ‬
‫رمضان سنة‬ ‫شهر‬ ‫لعرش ٍ‬
‫ليال بقني من ِ‬ ‫ِ‬ ‫فتح مك َة‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وكان ُ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ثامن‪.‬‬

‫‪ -13‬غزوةُ حُننيٍ يف سنة مثان بعد الفتحِ‬

‫فتح اهلل عليه من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬وملا ِ‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫برسول اهلل ﷺ وما َ‬ ‫هوازن‬ ‫سم َعت‬ ‫قال اب ُن‬
‫ثقيف ك ُّلها‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫هوازن‬ ‫فاجتمع إليه مع‬ ‫النرصي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عوف‬ ‫ُ‬
‫مالك بن‬ ‫م َّك َة‪ ،‬مجعها‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫هالل ‪-‬وهم ٌ‬
‫قليل‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫وناس من بني‬
‫ٌ‬ ‫وجشم كلها‪ ،‬وسعدُ بن بكر‪،‬‬ ‫واجتمعت نرص ُ‬
‫َ‬
‫عيالن إال هؤالء‪.‬‬ ‫ومل َيشهدها من ِ‬
‫قيس‬
‫نبي اهلل ﷺ َ‬
‫بعث إليهم عبدَ اهلل بن أيب‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وملا سمع هبم ُّ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫علمهم‪ ،‬ثم‬
‫يعلم َ‬ ‫فيقيم فيهم حتى َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪،‬‬ ‫َ‬
‫يدخل يف‬ ‫األسلمي‪ ،‬وأمره أن‬
‫َّ‬ ‫َحدْ ر َد‬
‫يأتيه بخربهم‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪209‬‬

‫فدخل فيهم‪ ،‬فأقام فيهم‪ ،‬حتى سمع ِ‬


‫وعلم ما قد‬ ‫َ‬ ‫ابن أيب حدر َد‪،‬‬
‫َ‬ ‫فانطلق ُ‬
‫َ‬
‫هوازن ما هم عليه‪ ،‬ثم‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وسمع من ٍ‬
‫مالك وأمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حرب‬ ‫أمجعوا له من‬
‫َ‬
‫رب‪.‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأخربه اخل َ‬ ‫أقبل حتى أتى‬
‫ٍ‬
‫آالف من‬ ‫عرش ِة‬ ‫ِ‬
‫ألفان من أهل م َّك َة مع ْ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ معه‬ ‫قال‪ :‬ثم خرج‬
‫َ‬
‫واستعمل‬ ‫عرش أل ًفا‪،‬‬
‫هلل هبم م َّك َة‪ ،‬فكانوا اثني َ‬‫ففتح ا ُ‬
‫أصحابه الذين خرجوا معه َ‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫أمريا عىل من ختلف عنه من الناس‪ ،‬ثم‬ ‫اب بن أسيد عىل م َّك َة ً‬ ‫رسول اهلل ﷺ ع َّت َ‬
‫َ‬
‫هوازن‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل وجهه ُيريد لقا َء‬‫ُ‬ ‫مىض‬
‫َ‬
‫احلارث ب َن مالك قال‪ :‬خرجنا مع‬ ‫الليثي‪ ،‬أن‬ ‫إسحاق‪ :‬عن أيب ٍ‬
‫واقد‬ ‫َ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫قال ُ‬
‫فرسنا معه إىل ُحنني‪،‬‬ ‫عهد باجلاهلية‪ ،‬قال‪ِ :‬‬‫نني ونحن حديثو ٍ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل ُح ٍ‬
‫ِ‬
‫العرب شجر ٌة عظيمة خضا ُء‪ُ ،‬يقال‬ ‫ٍ‬
‫قريش ومن سواهم من‬ ‫قال‪ :‬وكانت ل ِ‬
‫كفار‬
‫َ‬
‫ويذبحون عندها‪،‬‬ ‫أنواط‪ ،‬يأتوهنا كل ٍ‬
‫سنة‪ ،‬ف ُيعلقون أسلح َتهم عليها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬
‫َلا‪ُ :‬‬
‫ويع ُكفون عليها يو ًما‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ ِسدر ًة َخضا َء عظيم ًة‪ ،‬قال‪:‬‬


‫ِ‬ ‫نسري مع‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فرأينا ونحن‬
‫ذات‬ ‫ٍ‬
‫أنواط كام َلم ُ‬ ‫ذات‬ ‫ْ‬
‫اجعل لنا َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪،‬‬ ‫ف َتنادينا من جن ِ‬
‫بات الطريق‪ :‬يا‬
‫أنواط‪.‬‬

‫نفس حممد بيده كام قال قو ُم‬


‫أكرب‪ ،‬قلتم والذي ُ‬
‫هلل ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ا ُ‬ ‫قال‬
‫موسى ملوسى‪ ( :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [األعراف‪،]532:‬‬
‫نن من كان قب َلكم»‪.‬‬
‫بن َس َ‬
‫نن‪ ،‬لت ُك َّ‬
‫الس ُ‬
‫إهنا َّ‬
‫‪ | 221‬خمتصر السرية النبوية‬

‫جابر بن ِ‬
‫عبد اهلل قال‪ :‬ملا استقبلنا وادي ُحنني انحدَ رنا‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫الصبح‪ ،‬وكان القو ُم قد سبقونا إىل الوادي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫واد من أودية ِهتام َة‪ ،‬ويف َعامية‬‫يف ٍ‬
‫ضايقه‪ ،‬وقد أمجعوا وهت َّيئوا وأعدوا‪ ،‬فواهلل ما‬‫فكمنوا لنا يف ِشعابه وأحنائه و َم ِ‬ ‫َّ‬
‫وانش َم َر‬ ‫ٍ‬
‫رجل واحد‪َ ،‬‬ ‫الكتائب قد شدوا علينا شد َة‬
‫ُ‬ ‫راعنا ونحن ُمنح ُّطون إال‬
‫الناس(‪ )1‬راجعني‪ ،‬ال يلوي أحدٌ عىل ٍ‬
‫أحد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫إل‪ ،‬أنا‬
‫الناس؟ َهلموا َّ‬
‫ذات اليمني‪ ،‬ثم قال‪« :‬أين أهيا ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫وانحاز‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أنا حممدُ بن عبد اهلل»‪.‬‬
‫الناس‪ ،‬إال أنه قد‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بعض‪ ،‬فانطلق‬ ‫بعضها عىل‬ ‫قال‪ :‬فال يش َء‪ ،‬محلت ُ‬
‫اإلبل ُ‬
‫ِ‬
‫وأهل بيته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واألنصار‬ ‫نفر من املهاجرين‬ ‫ِ‬
‫بقي مع رسول اهلل ﷺ ٌ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫الناس‪ ،‬ورأى من كان مع‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام اهنز َم‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬ ‫َ‬
‫الض ْغ ِن‪.‬‬ ‫رجال منهم بام يف ِ‬
‫أنفسهم من ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ج ِ‬
‫فاة أهل م َّك َة اَلزيم َة‪ ،‬تكلم‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الدار‪:‬‬ ‫إسحاق‪ :‬وقال شيب ُة بن عثامن بن أيب طلح َة أخو بني عبد‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫أح ٍد‪ ،‬اليو َم أقتل حممدً ا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قلت‪ :‬اليو َم ُأ ُ‬
‫درك ثأري من حممد‪ ،‬وكان أبوه ُق َتل يوم ُ‬
‫تغشى فؤادي‪ ،‬فلم ِ‬
‫أط ْق‬ ‫قال‪ :‬ف َأ ُ‬
‫درت برسول اهلل ألقت َله‪ ،‬فأقبل يشء حتى َّ‬
‫ممنوع مني‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ذاك‪ ،‬وعلمت أنه‬
‫رسول اهلل ﷺ قال حني‬ ‫َ‬ ‫بعض أهل م َّك َة‪ ،‬أن‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وحدثني ُ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬ ‫فصل من م َّك َة إىل ُح ٍ‬
‫َ‬
‫نني‪ ،‬ورأى كثر ًة من معه من جنود اهلل‪« :‬لن ُن َ‬
‫غلب اليو َم من‬
‫رجال من بني ٍ‬
‫بكر قاَلا‪.‬‬ ‫بعض الناس أن ً‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وزعم ُ‬ ‫ِقلة»‪َ ،‬‬
‫قال اب ُن‬

‫الناس‪ :‬أرسعوا‪.‬‬ ‫(‪َ )1‬‬


‫انش َم َر ُ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪220‬‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫العباس ِ‬
‫بن عبد املطلب قال‪ :‬إين ملع‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫سيام شديدَ‬
‫شجرهتا هبا ‪ ،‬قال‪ :‬وكنت امرأ َج ً‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫مة بغلتِه البيضاء قد‬‫آخذ بح َك ِ‬
‫ٌ َ‬
‫ِ‬
‫الصوت‪.‬‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ يقول حني رأى ما رأى من الناس‪« :‬أين أهيا‬ ‫قال‪:‬‬
‫الناس؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫الناس يلوون عىل يشء‪.‬‬
‫فلم أر َ‬
‫معش أصحاب السمرة»‪.‬‬
‫َ‬ ‫معش األنصار‪ :‬يا‬
‫َ‬ ‫عباس‪ ،‬ارصخ‪ ،‬يا‬
‫ُ‬ ‫فقال‪« :‬يا‬
‫لبيك‪َ ،‬‬
‫لبيك!‬ ‫قال‪ :‬فأجابوا‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫فيأخذ در َعه‪ ،‬فيقذفها‬ ‫يقدر عىل ذلك‪،‬‬
‫بعريه‪ ،‬فال ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجل ل ُيثني َ‬ ‫قال‪ :‬فيذهب‬
‫الصوت‪،‬‬
‫َ‬ ‫ويقتحم عن بعريه‪ ،‬وخييل سبي َله‪ ،‬فيؤ َّم‬ ‫ويأخذ سي َفه و ُترسه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يف ِ‬
‫عنقه‪،‬‬
‫ُ‬
‫الناس‪،‬‬
‫َ‬ ‫اجتمع إليه منهم مئ ٌة‪ ،‬استقبلوا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬حتى إذا‬ ‫حتى ينتهي إىل‬
‫أخريا‪ :‬يا‬
‫ً‬ ‫فاقتتلوا‪ ،‬وكانت الدعوى َّأو َل ما كانت‪ :‬يا لألنصار‪ ،‬ثم خلصت‬
‫رسول اهلل ﷺ يف ِ‬
‫ركائبه فنظر إىل‬ ‫ُ‬ ‫فأرشف‬ ‫ربا عند احلرب‪،‬‬
‫َ‬ ‫للخزرج‪ ،‬وكانوا ُص ُ ً‬
‫الوطيس»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُلجتلد القو ِم وهم جيتلدون‪ ،‬فقال‪« :‬اآلن محِ َي‬
‫ِ‬
‫هزيمة القوم‬ ‫جبري بن ُمطعم قال‪ :‬لقد رأيت قبل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫السامء حتى سقط بيننا وبني‬ ‫ِ‬ ‫جاد(‪ )2‬األسود‪ ،‬أقبل من‬‫والناس يقتتلون مثل البِ ِ‬
‫ُ‬
‫أشك أهنا املالئك ُة‪ ،‬ثم مل‬
‫مبثوث قد مأل الوادي‪ ،‬مل َّ‬‫ٌ‬ ‫القو ِم‪ ،‬فنظرت‪ ،‬فإذا ٌ‬
‫نمل أسود‬
‫يكن إال هزيم ُة القو ِم‪.‬‬

‫فتحت فاها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫شجرهتا هبا‪ :‬أي َض ْبتُها بلجامها َأ ُك ُّفها حتى‬
‫ُ‬ ‫َمة بغلتِه البيضاء قد‬
‫آخذ بحك ِ‬
‫(‪َ ٌ )1‬‬
‫(‪ )2‬البِ َجاد‪ :‬كساء خمطط من أكسية األعراب‪.‬‬
‫‪ | 222‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ٍ‬
‫عوف‪،‬‬ ‫الطائف ومعهم ُ‬
‫مالك بن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وملا اهنز َم املرشكون‪ ،‬أتوا‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫بعضهم نحو نخل َة‪ ،‬ومل يكن فيمن توجه نحو‬‫س‪ ،‬وتوجه ُ‬ ‫بعضهم بأوطا ٍ‬ ‫وعسكر ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من سلك يف نخل َة من‬ ‫وتبعت ُ‬
‫خيل‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫ثقيف‪،‬‬ ‫نخل َة إال بنو ِغري َة من‬
‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬ومل تتبع من سلك الثنايا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أوطاس أبا‬ ‫توجه ِق َبل‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ِ‬
‫آثار من َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وبعث‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫َ‬
‫القتال‪ُ ،‬فرمي أبو‬ ‫بعض من اهنز َم‪ ،‬فناوشوه‬
‫اس َ‬‫األشعري‪ ،‬فأدرك من الن ِ‬
‫َّ‬ ‫عامر‬
‫عمه‪ ،‬فقاتلهم‪،‬‬
‫األشعري‪ ،‬وهو ابن ِّ‬
‫ُّ‬ ‫عامر بسه ٍم ف ُقتل‪ ،‬فأخذ الراي َة أبو موسى‬
‫وهز َمهم‪.‬‬
‫ففتح اهللُ عىل يديه َ‬
‫فوارس من قومه‪ ،‬عىل ثن َّية‬ ‫ِ‬
‫اَلزيمة‪ ،‬فوقف يف‬ ‫ُ‬
‫مالك بن عوف عند‬ ‫وخرج‬
‫َ‬
‫من الطريق‪ ،‬وقال ألصحابِه‪ِ :‬قفوا حتى متيض ضعفاؤكم‪ ،‬وتلحق ُأخراكم‪.‬‬
‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬فلام انتهى‬ ‫ِ‬
‫نهزمة‬ ‫حلق هبم من ُم‬
‫فوقف هناك حتى مىض َمن كان َ‬
‫طاعنُهم حتى أزاحهم‬‫الثنية أبرص القوم‪ ،‬فصمد َلم‪ ،‬فلم يزل ي ِ‬
‫ِ‬ ‫الزبري إىل أصل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عنها‪.‬‬

‫نني وأمواَلا‪ ،‬وكان عىل املغانم َمسعو ُد‬ ‫ِ‬


‫رسول اهلل ﷺ سبايا ُح ٍ‬ ‫عت إىل‬
‫ثم ُمج ْ‬
‫فحبست‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألموال إىل ِ‬ ‫ُ‬
‫اجلعرانة‪ُ ،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ بالسبايا‬ ‫الغفاري‪ ،‬وأمر‬
‫ُّ‬ ‫بن عمرو‬
‫هبا‪.‬‬

‫‪ -14‬ذكر غزوةِ الطائف بعد حُننيٍ يف سنةِ مثان‬

‫الصنائع‬ ‫الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها‪ ،‬وصنعوا‬


‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ثقيف‬ ‫وملا ِ‬
‫قدم َف ُّل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫للقتال‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪223‬‬

‫نني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الطائف حني فرغ من ُح ٍ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل‬ ‫ثم سار‬
‫قرن‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫اليامنية‪ ،‬ثم عىل ٍ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل نخل َة‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فسلك‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫حرة الر ِ‬
‫غاء من ل ِ َّي َة‪ ،‬فابتنى هبا مسجدً ا فصىل فيه‪.‬‬ ‫عىل املليح‪ ،‬ثم عىل ب ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫يومئذ ب ُبحر َة الرغاء ‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫شعيب أنه أقاد‬ ‫عمرو بن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فحدثني ُ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ليث قتل ً‬
‫رجال‬ ‫رجل من بني ٍ‬ ‫حني نزَلا‪ -‬بدَ ٍم ‪-‬وهو أول دم ُأقيدَ به يف اإلسالم‪ٌ -‬‬
‫من ُهذيل‪ ،‬فقتله به‪.‬‬

‫فهد َم‪ ،‬ثم سلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ‪-‬وهو بلِ َّي َة‪-‬‬‫ُ‬
‫بحصن مالك بن عوف ُ‬ ‫وأمر‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ سأل عن اسمها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫الض ْي َق ُة‪ ،‬فلام توجه فيها‬ ‫ٍ‬
‫طريق ُيقال َلا‪َّ :‬‬ ‫يف‬
‫فقيل له‪ :‬الضيقة‪.‬‬ ‫الطريق؟» ِ‬
‫ِ‬ ‫اسم هذه‬ ‫«ما ُ‬
‫فقال‪« :‬بل هي ال ُيسى»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫سدرة ُيقال َلا‪ :‬الصادر ُة‪ ،‬قري ًبا من‬ ‫ب‪ ،‬حتى نزل حتت‬ ‫نخ ٍ‬‫ثم خرج منها عىل ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ترج‪ ،‬وإما أن ُن َ‬
‫خرب‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إما أن‬ ‫فأرسل إليه‬ ‫ثقيف‪،‬‬ ‫رجل من‬ ‫مال‬
‫عليك حائِطك»‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ حتى‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ بإخرابِه‪ ،‬ثم مىض‬ ‫ُ‬ ‫فأبى أن َخيرج‪ ،‬فأمر‬
‫ِ‬ ‫ناس من أصحابِه‬ ‫ِ‬
‫بالنبل‪،‬‬ ‫نزل قري ًبا من الطائف‪ ،‬فضب به عسكره‪ ،‬ف ُقتل به ٌ‬
‫ِ‬
‫يقدر‬ ‫الطائف‪ ،‬فكانت ُ‬
‫النبل تناَلم‪ ،‬ومل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حائط‬ ‫اقرتب من‬ ‫العسكر‬ ‫وذلك أن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫النفر من‬ ‫ِ‬
‫دوهنم‪ ،‬فلام أصيب أولئك ُ‬ ‫املسلمون عىل أن َيدخلوا حائطهم؛ أغلقوه َ‬
‫فحارصهم‬ ‫ِ‬
‫طائف اليو َم‪،‬‬ ‫عسكره عند مسجده الذي بال‬ ‫ِ‬
‫بالنبل وضع‬ ‫أصحابِه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بالنبل‪.‬‬ ‫بض ًعا وعرشين ليل ًة‪ ،‬وقاتلهم ِق ً‬
‫تاال شديدً ا‪ ،‬وتراموا‬
‫‪ | 224‬خمتصر السرية النبوية‬

‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أعطني‬ ‫ثم إن خويل َة بنت حكي ٍم ‪-‬وهي امرأ ُة عثامن‪ -‬قالت‪ :‬يا‬
‫ِ‬
‫الفارعة بنت َعقيل‪،‬‬ ‫حيل بادي َة بنت غيالن‪ ،‬أو حيل‬
‫الطائف‪َ -‬‬
‫َ‬ ‫فتح اهللُ عليك‬
‫‪-‬إن َ‬
‫ٍ‬
‫ثقيف‪.‬‬ ‫وكانتا من أحىل نساء‬
‫ٍ‬
‫ثقيف يا خويل ُة؟»‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال َلا‪« :‬وإن كان مل ُيؤذن ل يف‬ ‫ُ‬
‫فذكر يل أن‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب‪ ،‬فدخل عىل‬ ‫لعمر بن‬ ‫فخرجت خويل ُة‪ ،‬فذكرت ذلك‬
‫َ‬
‫حديث حدَّ ثتنيه ُخويل ُة‪ ،‬زعمت أنك ُقلته؟ قال‪« :‬قد‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ما‬ ‫ﷺ‪ ،‬فقال يا‬
‫قل ُته»‬
‫َ‬
‫رسول اهلل؟‬ ‫قال‪ :‬أوما أذن لك فيهم يا‬
‫قال‪« :‬ال»‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفال أؤ ِّذ ُن بالرحيل؟‬
‫قال‪« :‬بىل»‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأذن عمر بالرحيل‪.‬‬
‫‪ -15‬أمرُ أموالِ َهوازنَ وسباياها‬
‫اجلعران َة فيمن معه من الناس‪ ،‬ومعه من‬ ‫رسول اهلل ﷺ حتى نزل ِ‬
‫ُ‬ ‫خرج‬
‫َ‬ ‫ثم‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫ٍ‬
‫ثقيف‪ :‬يا‬ ‫رجل من أصحابِه يو َم ظعن عن‬‫كثري‪ ،‬وقد قال له ٌ‬ ‫َ‬
‫سبي ٌ‬‫هوازن ٌ‬
‫وأت هبم» ثم أتاه وفد‬ ‫اللهم اهد ثقيفا ْ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َّ « :‬‬ ‫اهلل‪ ،‬اد ُع عليهم‪ ،‬فقال‬
‫ٍ‬
‫آالف من‬ ‫هوازن ست ُة‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ من سبي‬ ‫ِ‬ ‫باجل ِ‬
‫عرانة‪ ،‬وكان مع‬ ‫هوازن ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والشاء ما ال ُيدرى ما ِعدَّ ته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والنساء‪ ،‬ومن اإلبل‬ ‫الذراري‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪225‬‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬
‫هوازن أتوا‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن عبد اهلل بن عمرو أن وفد‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫البالء ما مل‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬إنا ٌ‬
‫أصل وعشري ٌة‪ ،‬وقد أصابنا من‬ ‫َ‬ ‫وقد أس َلموا‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫ف عليك‪ ،‬فامنُن علينا‪َ ،‬م َّن اهلل عليك‪.‬‬
‫خي َ‬
‫َْ‬

‫هري‪ُ ،‬يكنى‬ ‫َ‬


‫هوازن ثم أحدُ بني سعد بن بكر ُيقال له‪ُ :‬ز ٌ‬ ‫قال‪ :‬وقام ٌ‬
‫رجل من‬
‫عام ُتك وخاالتك وحواضنُك الاليت‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إنام يف احلظائر َّ‬ ‫رصد‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫أبا ُ َ‬
‫ِ‬
‫املنذر‪ ،‬ثم نزل منا‬ ‫ِ‬
‫للنعامن بن‬ ‫كن َيك ُفلنك‪ ،‬ولو أنا َملحنا للحارث بن أيب ِش ٍ‬
‫مر‪ ،‬أو‬
‫بمثل الذي نزلت به‪َ ،‬رجونا عط َفه وعائد َته علينا‪ ،‬وأنت ُ‬
‫خري املكفولني‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟»‪.‬‬ ‫فقال‬

‫خريتنا بني أموال ِنا وأحسابِنا‪ ،‬بل َت ُر َّد إلينا نساءنا‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪َّ ،‬‬ ‫فقالوا‪ :‬يا‬
‫أحب إلينا‪.‬‬
‫وأبناءنا‪ ،‬فهو ُّ‬
‫فقال َلم‪« :‬أما ما كان ل ولبني ِ‬
‫عبد املطلب فهو لكم‪ ،‬وإذا ما أنا ص َّليت‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫برسول اهلل إىل املسلمني‪ ،‬وباملسلمني‬ ‫ستشفع‬
‫ُ‬ ‫الظهر بالناس‪ ،‬فقوموا فقولوا‪ :‬إنا َن‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وأسأل لكم»‪.‬‬ ‫فسأعطيكم عند ذلك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل يف أبنائنا ونسائنا‪ُ ،‬‬ ‫إىل‬

‫أمرهم به‪،‬‬
‫الظهر‪ ،‬قاموا فتكلموا بالذي َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالناس‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فلام صىل‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬وأما ما كان ل ولبني ِ‬
‫عبد املطلب فهو لكم»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫فقال املهاجرون‪ :‬وما كان لنا فهو‬
‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫نصار‪ :‬وما كان لنا فهو‬
‫وقالت األ ُ‬
‫ٍ‬
‫حابس‪ :‬أما أنا وبنو متي ٍم فال‪.‬‬ ‫األقرع بن‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫‪ | 226‬خمتصر السرية النبوية‬

‫وقال عيين ُة بن ِحصن‪ :‬أما أنا وبنو فزار َة فال‪.‬‬


‫تسك منكم بح ِقه من هذا السبي فله ِ‬
‫بكل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬أما من َّ‬ ‫فقال‬
‫ِ‬
‫الناس أبناءهم ونساءهم»‪.‬‬ ‫َ‬
‫فرائض‪ ،‬من أول سبي أصي ُبه‪ُ ،‬فردوا إىل‬ ‫ست‬
‫إنسان ُ‬
‫عوف «ما فعل؟»‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫مالك بن‬ ‫َ‬
‫هوازن‪ ،‬وسأَلم عن‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ‬
‫لوفد‬ ‫ُ‬ ‫وقال‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬أخربوا مالكا أنه إن أتاين‬ ‫بالطائف مع َث ٍ‬
‫قيف‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬ ‫فقالوا‪ :‬هو‬
‫ددت عليه أه َله وماله‪ ،‬وأعطي ُته مئة من اإلبل»‪.‬‬
‫ُمسلام َر ُ‬
‫مالك خاف ثقي ًفا عىل‬
‫ف‪ ،‬وقد كان ٌ‬ ‫مالك بذلك‪ ،‬فخرج إليه من الطائ ِ‬ ‫ف ُأتى ٌ‬
‫ِ‬
‫فهيئت‬ ‫رسول اهلل ﷺ قال له ما قال‪ ،‬فيحبِسوه‪َ ،‬‬
‫فأمر براحلته ُ‬ ‫َ‬ ‫نفسه أن َيعلموا أن‬
‫فرسه‪ ،‬فركضه‬ ‫ليال‪ ،‬فجلس عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫الطائف‪ ،‬فخرج ً‬ ‫بفرس له‪ ،‬ف ُأيت به إىل‬
‫ٍ‬ ‫له‪ ،‬وأمر‬
‫ِ‬
‫برسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأدركه‬ ‫مر هبا أن ُحتبس فرك َبها‪ ،‬فلحق‬ ‫حتى أتى راحل َته حيث َأ َ‬
‫فحسن‬ ‫باجل ِ‬
‫عرانة أو بم َّك َة‪ ،‬فر َّد عليه أه َله وماله‪ ،‬وأعطاه مئ ًة من اإلبل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وأسلم ُ‬
‫َ‬
‫إسال ُمه‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ من ر ِّد سبايا ُحنني إىل أهلها‬‫ُ‬ ‫َ‬


‫إسحاق‪ :‬وملا فرغ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫رسول اهلل‪ِ ،‬‬
‫اقسم علينا في َئنا من اإلبل والغن ِم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الناس يقولون‪ :‬يا‬ ‫ركب‪ ،‬واتبعه‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫الناس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حتى أجلئوه إىل شجرة‪ ،‬فاخ َت َط َفت عنه ردا َءه فقال‪« :‬أدوا َّ‬
‫عل ردائي أهيا‬
‫ِ‬
‫بعدد شجر ِتام َة َن َعام لقسم ُته عليكم‪ ،‬ثم ما ألفيتموين بخيال‬ ‫فواهلل أن لو كان لكم‬
‫وال جبانا وال كذابا»‪.‬‬
‫َ‬
‫فأخذ وبر ًة من َسنامه‪ ،‬فجعلها بني أص ُبعيه‪ ،‬ثم‬ ‫ثم قام إىل جنب ٍ‬
‫بعري‪،‬‬
‫مس‪،‬‬ ‫الناس‪ ،‬واهلل ما ل من فيئِكم وال هذه الوبرة إال ُ‬
‫اخل ُ‬ ‫ُ‬ ‫رفعها‪ ،‬ثم قال‪« :‬أهيا‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪227‬‬

‫اخلياط وامل ِخْ َيط‪ ،‬فإن ال ُغلول يكون عىل أهلِه عارا‬
‫َ‬ ‫واخلمس مردود عليكم؛ فأدوا‬
‫ونارا وشنارا يو َم القيامة»‪.‬‬

‫قلوهبم‪ ،‬وكانوا أرشا ًفا من‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ املؤلف َة ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وأعطى‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫رشاف الناس‪ ،‬يتأل ُفهم ويتألف هبم قو َمهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أ‬

‫رجل من بني‬‫عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال‪ :‬جاء ٌ‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬


‫َ‬ ‫قال اب ُن‬‫َ‬
‫الناس‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممدُ ‪ ،‬قد‬ ‫ِ‬
‫اخلويرصة‪ ،‬فوقف عليه وهو ُيعطي‬ ‫متي ٍم ُيقال له‪ :‬ذو‬
‫َ‬
‫صنعت يف هذا اليوم‪.‬‬
‫َ‬ ‫رأيت ما‬
‫ُ‬
‫رأيت؟»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬أجل‪ ،‬فكيف‬ ‫فقال‬

‫فقال‪ :‬مل أرك َعدَ لت‪.‬‬


‫ُ‬
‫العدل عندي‪ ،‬فعند َمن‬ ‫النبي ﷺ ثم قال‪« :‬وحيك! إذا مل يكن‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬فغضب ُّ‬
‫يكون؟!»‪.‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أال أقتله؟‬ ‫عمر بن اخلطاب‪ :‬يا‬
‫فقال ُ‬
‫سيكون له شيعة يتعمقون يف الدين حتى َيرجوا منه كام‬ ‫ُ‬ ‫فقال‪« :‬ال‪ ،‬دعه فإنه‬
‫السهم من الرم َّي ِة»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫رج‬
‫َي ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ما‬ ‫ُ‬ ‫اخلدري قال‪ :‬ملا أعطى‬ ‫ٍ‬
‫سعيد‬ ‫قال ابن هشام‪ :‬عن أيب‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫األنصار منها‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬ومل يكن يف‬ ‫ِ‬
‫قبائل‬ ‫ٍ‬
‫قريش ويف‬ ‫أعطى من تلك العطايا‪ ،‬يف‬
‫أنفسهم‪ ،‬حتى كثرت منهم القال ُة حتى قال‬ ‫األنصار يف ِ‬
‫ِ‬ ‫احلي من‬ ‫يش ٌء‪َ ،‬و َجدَ هذا ُّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ قو َمه‪ ،‬فدخل عليه سعدُ بن ُعباد َة‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫قائ ُلهم‪ :‬لقد َل ِقي واهلل‬
‫‪ | 228‬خمتصر السرية النبوية‬

‫صنعت يف‬ ‫األنصار قد وجدوا عليك يف ِ‬


‫أنفسهم‪ ،‬ملا‬ ‫ِ‬ ‫احلي من‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬إن هذا َّ‬
‫ِ‬
‫قبائل‬ ‫قومك‪ ،‬وأعطيت عطايا ِعظا ًما يف‬
‫أصبت‪ ،‬قسمت يف ِ‬ ‫ِ‬
‫الفيء الذي‬ ‫هذا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫احلي من األنصار منها يش ٌء‪.‬‬
‫العرب‪ ،‬ومل يك يف هذا ِّ‬
‫قال‪« :‬فأين أنت من ذلك يا سعدُ ؟!»‪.‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ما أنا إال من َقومي‪.‬‬ ‫قال‪ :‬يا‬
‫ِ‬
‫احلظرية»‪.‬‬ ‫قومك يف هذه‬
‫قال‪« :‬فامجع ل َ‬
‫ِ‬
‫احلظرية‪.‬‬ ‫األنصار يف تلك‬ ‫فجمع‬ ‫قال‪ :‬فخرج سعدٌ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫آخرون فر َّدهم‪.‬‬ ‫فرتكهم‪ ،‬فدخلوا‪ ،‬وجاء‬ ‫ٌ‬
‫رجال من املهاجرين َ َ‬ ‫قال‪ :‬فجاء‬
‫ِ‬
‫األنصار‪،‬‬ ‫فلام اجتمعوا له أتاه سعدٌ ‪ ،‬فقال‪ :‬قد اجتمع لك هذا احل ُّي من‬
‫معش‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فحمد اهللَ وأثنى عليه بام هو أه ُله‪ ،‬ثم قال‪« :‬يا‬
‫ُ‬ ‫فأتاهم‬
‫ِ‬
‫عل يف أنفسكم؟! أمل آتكم‬ ‫األنصار‪ ،‬ما قا َلة بلغتني عنكم‪ ،‬وجدَ ة وجدتوها َّ‬
‫ُض َّالال فهداكم اهللُ‪ ،‬وعالة فأغناكم اهللُ‪ ،‬وأعداء فأ َّلف اهللُ بني قلوبكم!»‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬بىل‪ ،‬اهلل ورسو ُله أ َم ُّن وأفضل‪.‬‬


‫ِ‬
‫األنصار؟»‪.‬‬ ‫معش‬ ‫ثم قال‪« :‬أال ُتيبونني يا‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫والفضل‪.‬‬ ‫املن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل؟ هلل ولرسوله ُّ‬ ‫قالوا‪ :‬بامذا نجي ُبك يا‬
‫ولصدِ قتم‪ :‬أتي َتنا ُم َّ‬
‫كذبا‬ ‫قال ﷺ‪« :‬أما واهلل لو شئتم ل ُقل ُتم؛ َ‬
‫فلصدق ُتم ُ‬
‫ومذوال فنِصناك‪ ،‬وطريدا فآويناك‪ ،‬وعائال فآسيناك‪ ،‬أوجدتم يا‬
‫فصدَّ قناك‪َ ،‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪229‬‬

‫تألفت هبا قوما ل ُيسلموا‪،‬‬‫ُ‬ ‫معش األنصار يف أنفسكم يف ُلعا َع ٍة(‪ )1‬من الدنيا‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بالشاة‬ ‫الناس‬ ‫ِ‬
‫األنصار‪ ،‬أن يذهب‬ ‫معش‬ ‫رضون يا‬ ‫ِ‬
‫إسالمكم‪ ،‬أال َت َ‬ ‫ووك ْل ُتكم إىل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حممد بيده‪ ،‬لوال‬ ‫برسول اهلل ﷺ إىل ِرحالكم؟ فوالذي ُ‬
‫نفس‬ ‫ِ‬
‫والبعري و َترجعوا‬
‫األنصار ِشعبا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وس َل َكت‬ ‫ِ‬
‫الناس شعبا َ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلك‬ ‫ِ‬
‫األنصار‪ ،‬ولو‬ ‫امهجر ُة لكنت امرأ من‬
‫ِ‬
‫أبناء‬ ‫وأبناء‬ ‫ِ‬
‫األنصار‪،‬‬ ‫وأبناء‬ ‫األنصار‪،‬‬ ‫اللهم ارح ِم‬ ‫عب األنصار‪،‬‬ ‫ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫لسلكت ش َ‬
‫ِ‬
‫األنصار»‪.‬‬

‫قس ًام‬ ‫ِ‬


‫أخضلوا حلاهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬رضينا برسول اهلل ْ‬
‫قال‪ :‬فبكى القو ُم حتى َ‬
‫وح اظا‪.‬‬

‫وتفرقوا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َّ ،‬‬ ‫ثم انرصف‬

‫عتمرا‪ ،‬وأمر ببقايا‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ من ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫اجلعرانة ُم ً‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم خرج‬ ‫قال اب ُن‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ من ُعمرته انرصف‬ ‫الفيء فحبس ِ‬
‫بمجنَّ َة‪ ،‬بناحية َم ِّر الظهران‪ ،‬فلام فرغ‬ ‫ُ‬
‫بن أسيد عىل م َّك َة‪ ،‬وخ َّلف معه معا َذ بن ٍ‬
‫جبل‪،‬‬ ‫اب َ‬
‫راج ًعا إىل املدينة‪ ،‬واستخلف ع َّت َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ببقايا الفيء‪.‬‬ ‫َ‬
‫القرآن‪ ،‬وا ُّتبع‬ ‫الناس يف الدين‪ ،‬و ُيع ِّلمهم‬
‫يف ِّقه َ‬
‫‪ -16‬غزوةُ تبوكَ يف رجب سنةَ تسع‬
‫ِ‬
‫باملدينة ما بني ذي‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬
‫إسحاق املطلبي قال‪ :‬ثم أقا َم‬ ‫عن حممد بن‬
‫زمان من ُعرسة الناس‪،‬‬ ‫رجب‪ ،‬ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم‪ ،‬وذلك يف ٍ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫احلج ِة إىل‬
‫َّ‬
‫والناس حيبون املُقا َم يف‬ ‫الثامر‪،‬‬ ‫ب من البالد وحني طابت‬ ‫وجدْ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وشدَّ ة من احلر‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫الزمان الذي هم عليه‪.‬‬ ‫الشخوص عىل احلال من‬ ‫ِ‬
‫وظالَلم‪ ،‬ويكرهون‬ ‫ثامرهم‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬ال ُّل َعا َعة‪ :‬الكأل اخلفيف‪ ،‬كناية عن هبرج الدنيا وزينتها‪.‬‬
‫‪ | 231‬خمتصر السرية النبوية‬

‫غري‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ قلام خيرج يف غزوة إال كنَّى عنها‪ ،‬وأخرب أنه يريد َ‬ ‫وكان‬
‫الش َّق ِة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫تبوك‪ ،‬فإنه ب َّينها للناس؛ ل ُبعد ُّ‬ ‫ِ‬
‫غزوة‬ ‫يصمد له‪ ،‬إال ما كان من‬
‫الوجه الذي ُ‬
‫الناس لذلك ُأ ْه َب َته‪ ،‬فأمر‬ ‫العدو الذي يصمد له‪ ،‬ليتأهب‬ ‫ِ‬
‫وكثرة‬ ‫وشدَّ ِة الزمان‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫الناس باجلهاز‪ ،‬وأخربهم أنه ُيريد الرو َم‪.‬‬

‫احلر‪ ،‬زها َد ًة يف اجلهاد‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫لبعض‪ :‬ال َتنفروا يف ِّ‬ ‫بعضهم‬
‫وقال قو ٌم من املنافقني ُ‬
‫هلل تبارك وتعاىل فيهم‪( :‬ﭻ ﭼ‬ ‫ِ‬
‫برسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأنزل ا ُ‬ ‫احلق‪ ،‬وإرجا ًفا‬
‫وش اكا يف ِّ‬
‫ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [التوبة‪.]25-25:‬‬

‫الناس باجلهاز‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ َجدَّ يف ِ‬
‫سفره‪ ،‬وأمر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم إن‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫ٌ‬
‫رجال‬ ‫حلمالن يف سبيل اهلل‪ ،‬فحمل‬‫أهل الغنى عىل النفقة وا ُ‬ ‫ِ‬
‫واالنكامش‪ ،‬وحض َ‬
‫عثامن ب ُن عفان يف ذلك نفق ًة عظيم ًة‪ ،‬مل ينفق أحدٌ‬
‫ُ‬ ‫من ِ‬
‫أهل الغنى واح َتسبوا‪ ،‬وأنفق‬
‫مث َلها‪.‬‬

‫عذرون من األعراب‪ ،‬فاعتذروا إليه‪ ،‬فلم‬ ‫إسحاق‪ :‬وجاءه املُ ِّ‬


‫َ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬ ‫َ‬
‫نفر من بني ِغ ٍ‬
‫فار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َيعذرهم اهللُ تعاىل‪ ،‬وقد ُذكر يل أهنم ٌ‬
‫نفر من املسلمني‬ ‫ِ‬
‫السري‪ ،‬وقد كان ٌ‬
‫َ‬ ‫وأمجع‬
‫َ‬ ‫سفره‪،‬‬
‫ثم استتب برسول اهلل ﷺ ُ‬
‫ٍ‬
‫ارتياب‪،‬‬ ‫غري ٍّ‬
‫شك وال‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ حتى ختلفوا عنه‪ ،‬عن ِ‬ ‫أبطأت هبم الن َّي ُة عن‬
‫ُ‬
‫وهالل بن أمي َة‪ ،‬وأبو‬ ‫كعب بن مالك بن أيب كعب‪ ،‬و ُمرار ُة بن الربي ِع‪،‬‬‫ُ‬ ‫منهم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫إسالمهم‪.‬‬ ‫صدق‪ ،‬ال ُيتهمون يف‬ ‫َخيثم َة‪ ،‬وكانوا َ‬
‫نفر‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪230‬‬

‫رسول اهلل ﷺ ضب عسكره عىل ِ‬


‫ثنية الودا ِع‪ ،‬وضب عبدُ اهلل‬ ‫ُ‬ ‫خرج‬ ‫فلام‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بأقل العسكرين‪،‬‬ ‫أسفل منه‪ ،‬وكان فيام َيزعمون ليس ِّ‬
‫َ‬ ‫عسكره‬ ‫بن أيب معه عىل ِح ٍ‬
‫دة‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫وأهل‬ ‫سار رسول اهلل ﷺ ختلف عنه عبد اهلل بن أيب‪ ،‬فيمن ختلف من املنافقني‬‫فلام َ‬
‫الريب‪.‬‬
‫رسول اهلل ﷺ حني مر ِ‬
‫باحلجر نزَلا‪ ،‬واستقى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وقد كان‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫َ َّ‬ ‫قال ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال تشبوا من مائها شيئا‪ ،‬وال‬ ‫الناس من بئرها‪ ،‬فلام راحوا قال‬
‫ُ‬
‫عجني عجنتموه فاعلِفوه َ‬
‫اإلبل‪ ،‬وال تأكلوا منه‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫تتوضؤوا منه للصالة‪ ،‬وما كان من‬
‫يرجن أحد منكم الليل َة إال ومعه صاحب له»‪.‬‬
‫شيئا‪ ،‬وال ُ‬
‫ُ‬
‫الرجل‪ ،‬فيقولون‪ :‬يا‬ ‫سائرا‪ ،‬فجعل يتخلف عنه‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ثم مىض‬
‫فالن‪ ،‬فيقول‪« :‬دعوه‪ ،‬فإن ُ‬
‫يك فيه خري فس ُيلحقه اهللُ تعاىل بكم‪،‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ختلف ٌ‬
‫أراح ُكم اهللُ منه»‪.‬‬
‫غري ذلك فقد َ‬
‫وإن يك َ‬
‫رهط من املنافقني منهم‪ :‬وديع ُة بن ثابت‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وقد كان‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫بعضهم‬
‫تبوك‪ ،‬فقال ُ‬ ‫َ‬ ‫نطلق إىل‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وهو ُم ٌ‬ ‫و ُخم ِّش ُن بن ُ َ‬
‫مح ِّري‪ ،‬يشريون إىل‬
‫بعضا! واهلل لكأنا بكم‬
‫بعضهم ً‬ ‫األصفر ِ‬
‫كقتال العرب ِ‬ ‫ِ‬ ‫أحتسبون ِجالد بني‬ ‫لبعض‪ِ :‬‬

‫مقرنني يف احلبال؛ إرجا ًفا وترهي ًبا للمؤمنني‪.‬‬


‫غدً ا َّ‬
‫لوددت أين أقايض عىل أن ُيضب ُّ‬
‫كل رجل منا‬ ‫ُ‬ ‫فقال ُخم ِّش ُن بن ُ َ‬
‫مح ِّري‪ :‬واهلل‬
‫قرآن ملقا َلتِكم هذه‪.‬‬
‫ننفلت أن ينزل فينا ٌ‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫جلدة‪ ،‬وإنا‬ ‫مئ َة‬

‫يارس‪« :‬أدرك القو َم‪ ،‬فإهنم قد‬ ‫ِ‬


‫لعامر بن ٍ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ‪-‬فيام بلغني‪-‬‬ ‫وقال‬
‫احتقوا‪ ،‬فس ْل ُهم عام قالوا‪ ،‬فإن أنكروا ف ُقل‪ :‬بىل‪ ،‬قلتم كذا وكذا»‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ | 232‬خمتصر السرية النبوية‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ َيعتذرون إليه‪ ،‬فقال‬ ‫عامر‪ ،‬فقال ذلك َلم‪ :‬فأتوا‬
‫فانطل َق إليهم ٌ‬
‫واقف عىل ناقته فجعل يقول وهو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫آخذ‬ ‫ٌ‬ ‫ورسول اهلل ﷺ‬ ‫ثابت ‪-‬‬ ‫وديع ُة ُ‬
‫بن‬
‫ونلعب‪ ،‬فأنزل اهللُ ‪( :‬ﮃ‬ ‫ُ‬ ‫نخوض‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إنام كنا‬ ‫بِ َح َقبها‪ :-‬يا‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [التوبة‪.]61:‬‬

‫واسم أيب‪ ،‬وكأن الذي‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬قعد يب ِ‬


‫اسمي‬ ‫َ‬ ‫وقال ُخم ِّش ُن بن ُ َ‬
‫مح ِّري‪ :‬يا‬
‫ُ‬
‫هلل تعاىل أن‬ ‫ُعفي عنه يف هذه اآلية ُخم ِّشن بن ُ َ‬
‫مح ِّري‪ ،‬فتسمى عبدَ الرمحن‪ ،‬وسأل ا َ‬
‫ِ‬
‫يق ُت َله شهيدً ا ال ُيعلم بمكانه‪ ،‬ف ُقتل يو َم الياممة‪ ،‬فلم يوجد له ٌ‬
‫أثر‪.‬‬

‫صاحب أ ْي َل َة‪ ،‬فصالح‬


‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل َ‬
‫تبوك‪ ،‬أتاه ُحينَّ ُة بن ُرؤب َة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وملا انتهى‬
‫ذرح‪ ،‬فأعطوه اجلزي َة‪ ،‬فكتب‬ ‫أهل َجرباء و َأ ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأعطاه اجلزي َة‪ ،‬وأتاه ُ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َلم كتا ًبا‪ ،‬فهو عندهم‪.‬‬
‫انرصف ً‬
‫قافال‬ ‫َ‬ ‫بضع عرش َة ليل ًة‪ ،‬مل جياوزها‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بتبوك‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فأقام‬
‫ِ‬
‫املدينة‪.‬‬ ‫إىل‬

‫‪ -17‬أمرُ مسجدِ الضرار عند القُفول من غزوة تبوكَ‬


‫أوان ‪ٍ -‬‬
‫بلد بينه‬ ‫ٍ‬ ‫رسول اهلل ﷺ حتى نزل ِ‬
‫بذي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم أقبل‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫مسجد الضار قد كانوا أتوه وهو‬‫ِ‬ ‫أصحاب‬ ‫وبني املدينة ساع ٌة من هنار‪ -‬وكان‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إنا قد بنينا مسجدً ا لذي العلة واحلاجة‬ ‫َ‬
‫تبوك‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬ ‫يتجهز إىل‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الشاتية‪ ،‬وإنا نحب أن تأت َينا‪ ،‬فتصيل لنا فيه فقال‪« :‬إين عىل‬ ‫ِ‬
‫والليلة‬ ‫والليلة املَ ِ‬
‫طرية‬ ‫ِ‬

‫هلل ألتيناكم‪،‬‬ ‫شغل ‪-‬أو كام قال ﷺ‪ -‬ولو قد ِ‬


‫قدمنا إن شاء ا ُ‬ ‫ٍ‬ ‫سفر‪ ،‬وحال‬ ‫َجناح ٍ‬
‫فص َّلينا لكم فيه»‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪233‬‬

‫َ‬
‫مالك بن‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬
‫املسجد‪ ،‬فدعا‬ ‫رب‬ ‫ٍ‬
‫فلام نزل بذي أوان‪ ،‬أتاه خ ُ‬
‫بن عدي‪ ،‬فقال‪« :‬انطلقا إىل هذا‬
‫عاصم َ‬
‫َ‬ ‫عدي‪ ،‬أو أخاه‬
‫ٍّ‬ ‫ومعن بن‬
‫َ‬ ‫خشم‪،‬‬ ‫الدُّ ُ‬
‫ِ‬
‫املسجد الظامل أه ُله‪ ،‬فاهدماه َّ‬
‫وحرقاه»‪.‬‬
‫ُ‬
‫الدخشم‪،‬‬ ‫رهط ِ‬
‫مالك بن‬ ‫عوف‪ ،‬وهم ُ‬‫ٍ‬ ‫فخرجا رسيعني حتى أتيا بني ساملِ بن‬
‫أخر َج إليك بنار من أهيل‪ ،‬فدخل إىل أهلِه‪ ،‬فأخذ سع ًفا‬ ‫مالك ٍ‬
‫ملعن‪ :‬أنظرين حتى ُ‬ ‫فقال ٌ‬
‫من النخل‪ ،‬فأشعل فيه ن ًارا‪ ،‬ثم خرجا يشتدان حتى دخاله وفيه أه ُله‪َّ ،‬‬
‫فحرقاه‬
‫القرآن ما نزل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫ِ‬ ‫وتفرقوا عنه‪ ،‬ونزل فيهم من‬
‫وهدماه‪َّ ،‬‬
‫ﭕﭖﭗﭘ) [التوبة‪ ]547:‬إىل آخر القصة‪.‬‬

‫‪ -18‬أمرُ وفدِ ثقيفٍ وإسالمها يف شهرِ رمضانَ سنةَ تسع‬


‫َ‬
‫رمضان‪ ،‬وقدم‬ ‫َ‬
‫تبوك يف‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدين َة من‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وقدم‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٍ‬
‫ثقيف‪.‬‬ ‫عليه يف ذلك الشهر وفدُ‬
‫َ‬
‫عثامن بن أيب‬ ‫كتاهبم‪ ،‬أ َّم َر عليهم‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ُ‬ ‫فلام أسلموا وكتب َلم‬
‫أحرصهم عىل التف ُّقه يف اإلسال ِم‪،‬‬‫َ‬ ‫العاص‪ ،‬وكان من أحدَ ثِهم سناا‪ ،‬وذلك أنه كان‬
‫وتع ُّلم القرآن‪.‬‬

‫‪ -19‬حجُّ أبي بكر بالناس سنةَ تسعٍ‬


‫َ‬
‫رمضان وشواال وذا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بق َّية شهر‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ثم أقام‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫أمريا عىل احلج من سنة تس ٍع‪ ،‬ليقيم للمسلمني َّ‬
‫حجهم‪،‬‬ ‫القعدة‪ ،‬ثم بعث أبا بكر ً‬
‫بكر ‪ ‬ومن معه‬ ‫حجهم‪ ،‬فخرج أبو ٍ‬ ‫والناس من أهل الرشك عىل ِ‬
‫منازَلم من ِّ‬ ‫ُ‬
‫من املسلمني‪.‬‬
‫‪ | 234‬خمتصر السرية النبوية‬

‫عيل رضوان اهلل عليه‪ ،‬أنه قال‪ :‬ملا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن أيب جعفر حممد بن ٍّ‬ ‫قال اب ُن‬
‫ليقيم للناس‬ ‫الصديق‬
‫َ‬ ‫بكر‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقد كان بعث أبا ٍ‬ ‫نزلت براء ٌة عىل‬
‫َ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬لو بعثت هبا إىل أيب بكر‪ ،‬فقال‪« :‬ال ُيؤدي عني إال‬ ‫احلج‪ ،‬قيل له‪ :‬يا‬
‫َّ‬
‫رجل من أهل بيتي»‪.‬‬
‫القص ِة من‬ ‫ُ‬
‫رضوان اهلل عليه‪ ،‬فقال له‪« :‬اخرج هبذه َّ‬ ‫بن أيب طالب‬‫عيل َ‬
‫ثم دعا َّ‬
‫ٍ‬
‫براءة‪ ،‬وأذن يف الناس يو َم النحر إذا اجتمعوا بمنى‪ ،‬أنه ال يدخل اجلن َة كافر‪،‬‬ ‫صدر‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫وال حيج بعد العام مشك‪ ،‬وال يطوَ بالبيت عريان‪ ،‬ومن كان له عند‬
‫ﷺ عهد فهو له إىل ُمدَّ ته»‪.‬‬
‫أهل‬ ‫ٍ‬
‫براءة فيمن كان من أهل الرشك من ِ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فكان هذا من‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫األجل املسمى‪.‬‬ ‫العهد العا ِّم‪ ،‬وأهل املدة إىل‬
‫أهل الرشك‪ ،‬ممن نقض من‬‫إسحاق‪ :‬ثم أمر اهللُ رسو َله ﷺ بجهاد ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ِ‬
‫األشهر التي‬ ‫ِ‬
‫األربعة‬ ‫اخلاص‪ ،‬ومن كان من ِ‬
‫أهل العهد العا ِّم‪ ،‬بعد‬ ‫ِ‬
‫العهد‬ ‫أهل‬
‫ِّ‬
‫أجال إال أن يعدو فيها ٍ‬
‫عاد منهم‪ ،‬ف ُيقتل ب َعدائه‪.‬‬ ‫ضب َلم ً‬

‫‪ِ -21‬ذكرُ سنةِ تسع وتسميتُها‪ :‬سنة الوفودِ‬


‫َ‬
‫تبوك‪ ،‬وأسلمت‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ م َّك َة‪ ،‬وفرغ من‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬ملا افتتح‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫كل وجه‪.‬‬ ‫ثقيف وبايعت‪ ،‬ضبت إليه وفو ُد العرب من ِّ‬
‫ٌ‬

‫ص باإلسالم َأ ْم َر هذا ِّ‬


‫احلي من‬ ‫العرب تر َّب ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬وإنام كانت‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وأهل‬ ‫قريشا كانوا إما َم الناس وهادُم‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وذلك أن ً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قريش وأ ْم َر‬
‫َ‬
‫إسامعيل بن إبراهيم عليهام السال ُم‪ ،‬وقاد َة العرب ال‬ ‫البيت احلرام‪ ،‬ورصيح ِ‬
‫ولد‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ وخالفِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قريش هي التي نص َبت حلرب‬ ‫ُين َكرون ذلك‪ ،‬وكانت ٌ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪235‬‬

‫العرب أنه‬
‫ُ‬ ‫ودوخها اإلسال ُم‪ ،‬وعرفت‬ ‫فلام اف ُتتحت مك ُة‪ ،‬ودانت له ٌ‬
‫قريش‪َّ ،‬‬
‫رسول اهلل ﷺ وال عداوتِه‪ ،‬فدخلوا يف دين اهلل‪ ،‬كام قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحرب‬ ‫ال طاق َة َلم‬
‫ٍ‬
‫وجه‪ ،‬يقول اهلل تعاىل لنب ِّيه ﷺ‪( :‬ﭱ‬ ‫‪( :‬ﭽ)‪ِ ،‬‬
‫يضبون إليه من ِّ‬
‫كل‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النرص‪ ]3-5:‬أي‪ :‬فامحد ا َ‬
‫هلل‬
‫فره إنه كان توا ًبا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أظهر من دينك‪ ،‬واستغ ْ‬
‫عىل ما َ‬
‫‪ | 236‬خمتصر السرية النبوية‬

‫[رابعا‪ :‬حجة الوداع وابتداء شكوى رسول اهلل ﷺ]‬

‫‪َ -1‬حجَّةُ الوَداعِ‬


‫تهز للحج‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ذو ال َقعدة‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فلام دخل عىل‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫الناس باجلهاز له‪.‬‬
‫وأمر َ‬
‫الناس‬
‫َ‬ ‫حجه‪ ،‬فأرى‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬ثم مىض‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫الناس ُخطبته التي َّبني فيها ما بني‪،‬‬
‫َ‬ ‫حجهم‪ ،‬وخطب‬ ‫وأعلمهم ُسنن ِّ‬
‫َ‬ ‫مناس َكهم‪،‬‬
‫الناس‪ ،‬اسمعوا قول؛ فإين ال أدري ِ‬
‫لعل ال‬ ‫ُ‬ ‫فحمد اهللَ وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪« :‬أهيا‬
‫ِ‬
‫املوقف أبدا‪.‬‬ ‫ألقاكم بعد عامي هذا هبذا‬

‫دماءكم وأموا َلكم عليكم حرام إىل أن تل َقوا ربكم‪ُ ،‬‬


‫كحرمة‬ ‫الناس‪ ،‬إن َ‬
‫ُ‬ ‫أهيا‬
‫ِ‬
‫وكحرمة ِ‬
‫شهركم هذا‪ ،‬وإنكم ستلقون ر َّبكم‪ ،‬فيسألكم عن أعاملكم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يومكم هذا‪،‬‬
‫وقد بلغت‪ ،‬فمن كانت عندَ ه أمانة فليؤ ِدها إىل من ائتمنه عليها‪.‬‬
‫رءوس أموالِكم ال َتظلمون وال ُتظلمون‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كل ربا موضوع‪ ،‬ولكن لكم‬ ‫وإن َّ‬
‫ِ‬
‫عباس بن عبد املطلب موضوع كله‪.‬‬ ‫قىض اهلل أنه ال ربا‪ ،‬وإن ربا‬
‫ِ‬
‫وإن كل د ٍم كان يف اجلاهلية موضوع‪ ،‬وإن َّأو َل دمائكم ُ‬
‫أضع د َم ابن ربيع َة‬
‫املطلب‪ ،‬وكان مستضعا يف بني ٍ‬
‫ليث‪ ،‬فقتلته ُهذيل‪ ،‬فهو أول‬ ‫ِ‬ ‫بن احلارث بن عبد‬
‫ُ‬
‫ما أبدأ به من ِ‬
‫دماء اجلاهلية‪.‬‬
‫ِ‬
‫بأرضكم هذه أبدا‪،‬‬ ‫الشيطان قد يئس من أن ُيعبدَ‬
‫َ‬ ‫الناس‪ ،‬فإن‬ ‫أما بعدُ ‪ ،‬أهيا‬
‫ُ‬
‫ض به مما َحت ِقرون من أعاملِكم‪ ،‬فاحذروه عىل‬ ‫ولكنه إن ُي َطع فيام سوى ذلك فقد َر َ‬
‫دين ِكم‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪237‬‬

‫النيسء زيادة يف الكفر‪ُ ،‬يضل به الذين كفروا‪ُ ،‬حيلونه عاما‬


‫َ‬ ‫الناس إن‬
‫ُ‬ ‫أهيا‬
‫وحي ِرموا ما أحل‬‫حر َم اهلل‪ ،‬ف ُيحلوا ما حرم اهللُ‪ُ ،‬‬
‫وحيرمونه عاما‪ ،‬ليواطئوا عدَّ َة ما َّ‬‫ُ‬
‫َ‬
‫واألرض‪ ،‬وإن عدَّ َة‬ ‫ِ‬
‫السموات‬ ‫الزمان قد استدار كهيئتِه يو َم خلق اهللُ‬
‫َ‬ ‫اهللُ‪ ،‬وإن‬
‫مرض‪،‬‬ ‫ورجب َ‬
‫ُ‬ ‫عش شهرا‪ ،‬منها أربعة حرم‪ ،‬ثالثة متوالية‪،‬‬ ‫الشهور عند اهلل اثنا َ‬
‫وشعبان‪.‬‬
‫َ‬ ‫الذي بني ُمجادى‬

‫الناس‪ ،‬فإن لكم عىل نسائكم حقا‪ ،‬ومهن عليكم حقا‪ ،‬لكم‬ ‫ُ‬ ‫أما بعدُ ‪ ،‬أهيا‬
‫ٍ‬
‫بفاحشة ُمبينة‪ ،‬فإن‬ ‫عليهن أال يوطِئن ُف ُرشكم أحدا تكرهونه‪ ،‬وعليهن أن ال يأتني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ربح‪،‬‬ ‫فعلن فإن اهللَ قد أذن لكم أن َت ُجروهن يف املضاج ِع و َترضبوهن رضبا َ‬
‫غري ُم ِ‬
‫ِ‬
‫باملعروَ‪ ،‬واستوصوا بالنساء خريا‪ ،‬فإهنن‬ ‫وكسوتن‬
‫ُ‬ ‫فإن انتهني فلهن رز ُقهن‬
‫ِ‬
‫بأمانة اهلل‪،‬‬ ‫عوان ال يملِكن ألنفسهن شيئا‪ ،‬وإنكم إنام أخذتوهن‬
‫ٍ‬ ‫عندكم‬
‫واستح َلل ُتم ُفروجهن بكلامت اهلل‪.‬‬

‫تركت فيكم ما إن اعتصم ُتم‬


‫ُ‬ ‫الناس قول‪ ،‬فإين قد ب َّلغت‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬ ‫فاعقلوا أهيا‬
‫كتاب اهلل وسن َة نب ِيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫به فلن تضلوا أبدا‪ ،‬أمرا ب ِينا‪:‬‬
‫ِ‬
‫واعقلوه‪َ ،‬تع َل ُم َّن أن ُك َّل مسلم أخ للمسلم‪ ،‬وأن‬ ‫الناس‪ ،‬اسمعوا قول‬ ‫أهيا‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫نفس منه‪ ،‬فال‬ ‫المرئ من أخيه إال ما أعطاه عن طِ ِ‬
‫يب‬ ‫ٍ‬ ‫املسلمني إخوة‪ ،‬فال حيل‬
‫اللهم هل ب َّل ُ‬
‫غت؟»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أنفسكم‪،‬‬
‫ظلم َّن َ‬
‫َت ُ‬
‫اللهم نعم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الناس قالوا‪:‬‬ ‫ُ‬
‫فذكر يل أن َ‬
‫اللهم اشهد»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َّ « :‬‬ ‫فقال‬
‫‪ | 238‬خمتصر السرية النبوية‬

‫‪ -2‬خروجُ رسلِ رسولِ اهلل إىل امللوكِ‬


‫رس ًال من أصحابِه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بعث إىل امللوك ُ‬ ‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬وقد كان‬
‫وكتب معهم إليهم يدعوهم إىل اإلسال ِم‪.‬‬
‫فبعث ِدحي َة بن خليف َة الكلبي إىل قيرص ِ‬
‫ملك الروم‪ ،‬وبعث عبدَ اهلل بن‬ ‫َّ‬
‫الضمري إىل‬
‫َّ‬ ‫فارس‪ ،‬وبعث عمرو ب َن أمية‬ ‫َ‬ ‫السهمي إىل كرسى ملك‬
‫َّ‬ ‫ُحذاف َة‬
‫ِ‬
‫ملك‬ ‫ِ‬
‫املقوقس‬ ‫حاطب بن أيب َبلتع َة إىل‬ ‫ملك احلبشة‪ ،‬وبعث‬‫ِ‬ ‫النجايش‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫جل ُلندى‬ ‫ٍ‬ ‫السهمي إىل َج ٍ‬
‫يفر وع َّياد ابني ا ُ‬ ‫َّ‬ ‫عمرو بن العاص‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬وبعث َ‬
‫ليط بن ٍ‬
‫عمرو أحدَ بني عامر بن لؤي‪ ،‬إىل ُثامم َة بن‬ ‫امن‪ ،‬وبعث َس َ‬‫األزديني ملكي ُع َ‬
‫احلضمي إىل املُ ِ‬
‫نذر‬ ‫ِ‬
‫الياممة‪ ،‬وبعث العال َء بن‬ ‫عيل احلنفيني ملكي‬ ‫ُأ ٍ‬
‫ِّ‬ ‫وهوذ َة بن ٍّ‬ ‫ثال َ‬
‫األسدي إىل احلارث بن‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫وهب‬ ‫العبدي ملك البحرين‪ ،‬وبعث ُش َ‬
‫جاع بن‬ ‫ِّ‬ ‫بن َساوى‬
‫ِ‬
‫اين ملك ُختوم الشأم‪.‬‬ ‫أيب ش ْم ٍر َّ‬
‫الغس ِّ‬
‫الغساين‪ ،‬وبعث‬
‫ِّ‬ ‫جاع بن وهب إىل جبل َة بن األُ ِم‬
‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬بعث ُش َ‬
‫ِ‬
‫اليمن‪.‬‬ ‫مريي ملك‬ ‫عبد ُك ٍ ِ‬‫املُهاجر بن أيب أمي َة املخزومي إىل احلارث بن ِ‬
‫الل احل ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪َ -3‬بعثُ أسامةَ بن زيدٍ إىل أرضِ فلسطني وهو آخرُ البعوثِ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أسام َة ب َن زيد بن حارث َة إىل الشأم‪،‬‬ ‫إسحاق‪ :‬وبعث‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫الناس‪،‬‬ ‫البلقاء والدارو ِم من أرض فلسطني‪ ،‬فتجهز‬ ‫ِ‬ ‫اخليل ُختو َم‬ ‫وأمره أن ي ِ‬
‫وط َئ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأوعب مع أسام َة املهاجرون األولون‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪239‬‬

‫‪ -4‬ابتداءُ شكوى رسولِ اهلل ﷺ‬


‫رسول اهلل ﷺ ب َش ِ‬
‫كوه الذي‬ ‫ُ‬ ‫الناس عىل ذلك اب ُتدئ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬فبينا‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫صفر‪ ،‬أو يف ِ‬
‫أول‬ ‫ٍ‬ ‫هلل فيه‪ ،‬إىل ما أرا َد به من كرامتِه ورمحته‪ ،‬يف ٍ‬
‫ليال بقني من‬ ‫قبضه ا ُ‬
‫ِ‬
‫شهر ربي ٍع األول‪ ،‬فكان َّأو َل ما اب ُتدئ به من ذلك ‪-‬فيام ُذكر يل‪ -‬أنه َ‬
‫خرج إىل بقي ِع‬
‫رجع إىل أهلِه‪ ،‬فلام أصبح ابتدئ‬ ‫فاستغفر َلم‪ ،‬ثم‬ ‫جوف الليل‪،‬‬‫ِ‬ ‫رقد‪ ،‬من‬ ‫ال َغ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بوجعه من ِ‬
‫يومه ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عائش َة ِ‬
‫زوج النبي ﷺ قالت‪ :‬رجع‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫داعا يف رأيس‪ ،‬وأنا أقول‪ :‬وا رأساه‪ ،‬فقال‪« :‬بل أنا‬
‫ال َبقيع فوجدين وأنا أجد ُص ً‬
‫واهلل يا عائش ُة وا َرأساه»‪.‬‬
‫فقمت عليك وك َّفنتك‪ ،‬وص َّليت‬
‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬ثم قال‪« :‬وما رض ِك لو ُم ِ‬
‫ت قبل‪،‬‬
‫عليك ودفن ُتك؟»‪.‬‬
‫رجعت إىل بيتي‪،‬‬
‫َ‬ ‫فعلت ذلك‪ ،‬لقد‬‫َ‬ ‫قالت‪ :‬قلت‪ :‬واهلل لكأين بك‪ ،‬لو قد‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وتتا َّم به وج ُعه‪ ،‬وهو‬‫ُ‬ ‫نسائك‪ ،‬قالت‪ :‬فتبسم‬ ‫ببعض ِ‬
‫ِ‬ ‫فأعرست فيه‬
‫َ‬
‫بيت َميمون َة‪ ،‬فدعا نسا َءه‪ ،‬فاستأذهنن‬‫نسائه‪ ،‬حتى اس ُت ِع َّز به(‪ ،)1‬وهو يف ِ‬
‫يدور عىل ِ‬
‫ُ‬
‫مرض يف بيتي‪ ،‬ف َأ ِذ َّن له‪.‬‬ ‫يف أن ُي َّ‬
‫‪ِ -5‬ذكرُ أزواجِه ﷺ أمَّهاتِ املؤمنني‬

‫بكر‪ ،‬وحفص ُة بنت َ‬


‫عمر بن‬ ‫بنت أيب ٍ‬ ‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬وكن تس ًعا‪ :‬عائش ُة ُ‬
‫ٍ‬
‫حرب‪ ،‬وأ ُّم سلم َة بنت أيب أمي َة بن املغرية‪،‬‬ ‫اخلطاب‪ ،‬وأ ُّم حبيب َة ُ‬
‫بنت أيب سفيان بن‬

‫(‪ )1‬اس ُت ِعزَّ به‪ :‬أي غلبه وج ُعه‪.‬‬


‫‪ | 241‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ٍ‬
‫رئاب‪ ،‬وميمون ُة ُ‬
‫بنت احلارث‬ ‫ِ‬
‫جحش بن‬ ‫بنت‬
‫وزينب ُ‬
‫ُ‬ ‫بنت زمع َة بن قيس‪،‬‬
‫وسود ُة ُ‬
‫أخطب‪.‬‬
‫َ‬ ‫يي بن‬ ‫بنت احلارث بن أيب ِضار‪ ،‬وصفي ُة ُ‬
‫بنت ُح ِّ‬ ‫بن حزن‪ ،‬وجويري ُة ُ‬
‫َ‬
‫ثالث عرش َة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫تزوج‬
‫مجيع من َّ‬
‫وكان ُ‬
‫ِ‬
‫ثنتان‪:‬‬ ‫عرش َة‪ ،‬فامت قبله منهن‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إحدى ْ‬ ‫فهؤالء الاليت بنى هبن‬
‫وزينب بنت ُخزيم َة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫خدجي ُة ُ‬
‫بنت خويلد‪،‬‬

‫وثنتان مل يدخل هبام‪ :‬أسام ُء بنت النعامن الكندي ُة‪ ،‬تزوجها فوجد هبا‬
‫ياضا(‪ ،)1‬فم َّتعها وردها إىل أهلِها‪ ،‬و َعمر ُة بنت يزيدَ الكالبية وكانت حديث َة ٍ‬
‫عهد‬ ‫َب ً‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬استعا َذت من‬ ‫ِ‬ ‫بكفر‪ ،‬فلام قدمت عىل‬‫ٍ‬
‫اهلل ﷺ‪َ « :‬منيع عائذ اهلل»‪ ،‬فردها إىل أهلِها‪.‬‬

‫‪َ -6‬تمريضُ رسولِ اهلل يف بيت عائشةَ‬

‫رسول اهلل ﷺ‬‫ُ‬ ‫فخرج‬


‫َ‬ ‫زوج النبي ﷺ قالت‪:‬‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عائش َة ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫ٌ‬
‫ورجل آخر‪ ،‬عاص ًبا‬ ‫ُ‬
‫الفضل بن العباس‪،‬‬ ‫يميش بني َرجلني من أهلِه‪ :‬أحدُ مها‪:‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬واشتدَّ به وج ُعه‪،‬‬ ‫خت ُّط قدماه‪ ،‬حتى دخل بيتي‪ ،‬ثم ُغمر‬ ‫رأسه‪ُ ،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الناس فأعهدَ إليهم»‪.‬‬ ‫أخرج إىل‬ ‫سبع ِقرب من ٍ‬
‫آبار ش َّتى‪ ،‬حتى‬ ‫عل َ‬
‫َ‬ ‫فقال‪« :‬هريقوا َّ‬
‫ب(‪ )2‬حلفص َة بنت عمر‪ ،‬ثم صببنا عليه املا َء حتى‬ ‫قالت‪ :‬فأقعدناه يف ِخم َض ٍ‬
‫طفق يقول‪« :‬حس ُبكم حس ُبكم»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ال َب َياض‪ :‬الربص‪.‬‬


‫(‪ )2‬امل ِ ْخ َضب‪ :‬املركن‪ ،‬وهو إناء يغتسل فيه‪.‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪240‬‬

‫رأسه‬
‫خرج عاص ًبا َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫إسحاق‪ :‬عن أيوب بن ٍ‬
‫بشري أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫أح ٍد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أصحاب ُ‬ ‫جلس عىل املِنرب‪ ،‬ثم كان أول ما تك َّلم به أنه صىل عىل‬ ‫َ‬ ‫حتى‬
‫خريه اهللُ بني‬ ‫ِ‬
‫فأكثر الصال َة عليهم‪ ،‬ثم قال‪« :‬إن عبدا من عباد اهلل َّ‬
‫َ‬ ‫واستغفر َلم‪،‬‬
‫َ‬
‫الدنيا وبني ما عند ُه‪ ،‬فاختار ما عند اهلل»‪.‬‬

‫نفسه ُيريد‪ ،‬ف َبكى وقال‪ :‬بل نحن َنفديك‬


‫وعرف أن َ‬ ‫قال‪ :‬ففهمها أبو بكر‪َ ،‬‬
‫وأبنائنا‪ ،‬فقال‪« :‬عىل ِرسلِك يا أبا بكر»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأنفسنا‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫بيت أيب‬
‫املسجد ‪ ،‬ف ُسدوها إال َ‬ ‫الالفِظ َة يف‬
‫األبواب َّ‬
‫َ‬ ‫ثم قال‪« :‬انظروا هذه‬
‫ِ‬
‫الصحبة عندي يدا منه»‪.‬‬ ‫َ‬
‫أفضل يف‬ ‫أعلم أحدا كان‬
‫بكر‪ ،‬فإين ال ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬ ‫وغريه من العلامء‪ ،‬أن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن ُعرو َة بن الزبري‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫و َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫رأسه حتى‬ ‫الناس يف بعث أسام َة بن زيد‪ ،‬وهو يف وجعه‪ ،‬فخرج عاص ًبا َ‬ ‫َ‬ ‫استبطأ‬
‫إمرة أسام َة‪ :‬أ َّم َر غال ًما حد ًثا عىل ِج َّل ِة‬
‫جلس عىل امل ِنرب‪ ،‬وقد كان الناس قالوا يف ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫واألنصار‪.‬‬ ‫املهاجرين‬
‫أنفذوا َ‬
‫بعث‬ ‫أهل‪ ،‬ثم قال‪« :‬أهيا الناس‪ِ ،‬‬ ‫فحمد اهللَ وأثنى عليه بام هو له ٌ‬
‫ُ‬
‫إمارة أبيه من قبلِه‪ ،‬وإنه خلليق‬
‫ِ‬ ‫أسام َة‪ ،‬ف َلعمري‪ ،‬لئن ُقلتم يف إمارته لقد قل ُتم يف‬
‫ِ‬
‫لإلمارة‪ ،‬وإن كان أبوه خلليقا مها»‪.‬‬

‫واستعز‬
‫َّ‬ ‫يف جهازهم‪،‬‬ ‫الناس‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وانكمش‬
‫(‪)2‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫قال‪ :‬ثم َ‬
‫نزل‬
‫رف من‬
‫جل َ‬ ‫ِ‬
‫برسول اهلل ﷺ َوج ُعه‪ ،‬فخرج أسام ُة‪ ،‬وخرج ُ‬
‫جيشه معه حتى نزلوا ا ُ‬

‫الالفِ َظة يف املسجد‪ :‬يعني النافذة إليه‪.‬‬


‫(‪َّ )1‬‬
‫(‪ )2‬ان َك َم َش الناس‪ :‬أرسعوا‪.‬‬
‫‪ | 242‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫الناس‪ ،‬و َث ُقل‬
‫ُ‬ ‫عسكره‪ ،‬وتتا َّم إليه‬
‫َ‬ ‫فضب به‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫فرسخ‪،‬‬ ‫املدينة عىل‬
‫قاض يف رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫والناس؛ ل َين ُظروا ما اهللُ‬
‫ُ‬ ‫فأقام أسام ُة‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال ‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫مالك أن‬ ‫ِ‬
‫كعب بن‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬
‫عبد اهلل بن‬ ‫َ‬ ‫و َ‬
‫قال اب ُن‬
‫أمرهم ما ذكر مع مقالتِه يومئذ‪:-‬‬
‫أح ٍد‪ ،‬وذكر من ِ‬ ‫ِ‬
‫ألصحاب ُ‬ ‫واستغفر‬
‫َ‬ ‫يو َم صىل‬
‫ألنصار‬
‫َ‬ ‫الناس َيزيدون‪ ،‬وإن ا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫باألنصار خريا‪ ،‬فإن‬ ‫معش املهاجرين‪ ،‬استوصوا‬ ‫«يا‬
‫َ‬
‫فأحسنوا إىل ُحم ِسنهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أويت إليها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عىل هيئتها ال َتزيدُ ‪ ،‬وإهنم كانوا َعيبتي التي‬
‫وتاوزوا عن ُمسيئِهم»‪.‬‬

‫كثريا ما أسم ُعه‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عائش َة قالت‪ :‬كان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫يريه»‪.‬‬
‫يقول‪« :‬إن اهللَ مل يقبض نبيا حتى ِ‬
‫آخر كلمة سمع ُتها منه وهو يقول‪« :‬بل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ كان ُ‬ ‫قالت‪ :‬فلام ُحض‬
‫الرفيق األعىل من ِ‬
‫اجلنة»‪.‬‬ ‫َ‬
‫تارنا‪ ،‬وعرفت أنه الذي كان يقول لنا‪« :‬إن‬
‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬إذن‪ ،‬واهلل ال َخي ُ‬
‫نبيا مل ُيقبض حتى ُي َّري»‪.‬‬

‫صل‬ ‫ِ‬
‫برسول اهلل ﷺ قال‪ُ « :‬مروا أبا ٍ‬
‫بكر فل ُي ِ‬ ‫عن عائش َة قالت‪ :‬ملا اس ُت َّ‬
‫عز‬
‫بالناس»‪.‬‬
‫أنس بن ٍ‬
‫مالك أنه ملا كان يو ُم االثنني الذي قبض اهللُ فيه‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫فخرج‬
‫َ‬ ‫الباب‪،‬‬
‫الصبح‪ ،‬فرفع السرت‪ ،‬وفتح َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس وهم ُيص ُّلون‬ ‫رسو َله ﷺ‪ ،‬خرج إىل‬
‫ِ‬
‫برسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫صالهتم‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقا َم عىل باب عائش َة‪ ،‬فكاد املسلمون َيفتتنون يف‬ ‫ُ‬
‫فأشار إليهم أن اث ُبتوا عىل صالتِكم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ﷺ حني رأوه َف َر ًحا به‪ ،‬وتفرجوا‪،‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪243‬‬

‫ِ‬
‫صالهتم‪ ،‬وما رأيت‬ ‫رسورا ملا رأى من هيئتهم يف‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫قال‪ :‬فتبسم‬
‫ً‬
‫الناس وهم‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ أحس َن هيئ ًة منه تلك الساع َة‪ ،‬قال‪ :‬ثم رجع وانرصف‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫نح‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ قد أ ْف َر َق من وجعه‪ ،‬فرجع أبو بكر إىل أهله ُّ‬
‫بالس ِ‬ ‫يرون أن‬
‫(‪)1‬‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف ذلك اليو ِم‬ ‫إسحاق‪ :‬عن عائش َة قالت‪ :‬رجع إ َّيل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫عيل ٌ‬
‫رجل من آل أيب بكر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حني دخل من املسجد‪ ،‬فاضطجع يف حجري‪ ،‬فدخل َّ‬
‫نظرا عرفت أنه‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إليه يف يده ً‬ ‫فنظر‬
‫أخض‪ ،‬قالت‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫سواك‬ ‫ويف يده‬
‫يريدُ ه‪.‬‬
‫َ‬
‫السواك؟‬ ‫ب أن أعط َيك هذا‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أحت ُّ‬ ‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬يا‬

‫قال‪« :‬نعم»‪.‬‬

‫فاستن به‬
‫َّ‬ ‫قالت‪ :‬فأخذته فمضغ ُته له حتى ل َّين ُته‪ ،‬ثم أعطي ُته إياه‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫بسواك قط‪ ،‬ثم وضعه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كأشد ما رأي ُته يستن‬
‫ِ‬
‫وجهه‪ ،‬فإذا‬ ‫أنظر يف‬
‫فذهبت ُ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يث ُقل يف ِحجري‪،‬‬
‫َ‬ ‫ووجدت‬
‫الرفيق األعىل من ِ‬
‫اجلنة»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫برصه قد َش َخص‪ ،‬وهو يقول‪« :‬بل‬
‫ُ‬
‫باحلق‪.‬‬
‫فاخرتت والذي بعثك ِّ‬
‫َ‬ ‫قالت‪ :‬فقلت‪ُ :‬خ ِّري َت‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫قالت‪ :‬و ُقبض‬

‫(‪َ )1‬أ ْف َر َق‪ :‬أي أقبل‪.‬‬


‫‪ | 244‬خمتصر السرية النبوية‬

‫عمر بن‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ قام ُ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن أيب هرير َة قال‪ :‬ملا تويف‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ويف‪ ،‬وإن‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قد ُت ِّ‬ ‫رجاال من املنافقني َيزعمون أن‬ ‫ً‬ ‫اخلطاب‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫ذهب موسى بن ِعمران‪ ،‬فقد‬ ‫َ‬ ‫ذهب إىل ر ِّبه كام‬
‫َ‬ ‫مات‪ ،‬ولكنه‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ ما َ‬
‫مات‪ ،‬وواهلل لريجع َّن‬
‫رجع إليهم بعد أن قيل‪ :‬قد َ‬ ‫غاب عن ِ‬
‫قومه أربعني ليل ًة‪ ،‬ثم‬
‫َ‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫ٍ‬
‫رجال وأرج َلهم زعموا أن‬ ‫رجع موسى‪ ،‬فل َيقطع َّن أيدي‬ ‫رسول اهلل ﷺ كام َ‬‫ُ‬
‫اهلل ﷺ مات‪.‬‬

‫وعمر يكلم‬ ‫رب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بكر حتى َ‬ ‫قال‪ :‬وأقبل أبو ٍ‬


‫ُ‬ ‫نزل عىل باب املسجد حني بلغه اخل ُ‬
‫بيت عائش َة‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫دخل عىل‬‫َ‬ ‫يشء حتى‬‫ٍ‬ ‫الناس‪ ،‬فلم يلتفت إىل‬
‫َ‬
‫البيت‪ ،‬عليه ُبر ُد ِح َرب ٍة‪ ،‬فأقبل حتى كشف عن‬ ‫ِ‬ ‫سجى يف ناحية‬ ‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ ُم ا‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‪ :‬ثم أقبل عليه فق َّبله‪ ،‬ثم قال‪ :‬بأيب أنت وأمي‪ ،‬أما املوت ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجه‬
‫كتب اهللُ عليك فقد ُذق َتها‪ ،‬ثم لن تصي َبك بعدها موت ٌة أبدً ا‪.‬‬
‫التي َ‬
‫الناس‪،‬‬
‫َ‬ ‫وعمر يكلم‬
‫ُ‬ ‫الرب َد عىل وجه رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ثم خرج‬ ‫قال‪ :‬ثم رد ُ‬
‫فقال‪ :‬عىل ِرسلِك يا عمر‪ِ ،‬‬
‫أنصت‪ ،‬فأبى إال أن يتك َّلم‪ ،‬فلام رآه أبو بكر ال ُي ُ‬
‫نصت‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫عمر‪ ،‬فحمدَ اهللَ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫الناس كال َمه أقبلوا عليه وتركوا َ‬ ‫ُ‬ ‫سمع‬
‫َ‬ ‫الناس‪ ،‬فلام‬ ‫أقبل عىل‬
‫الناس‪ ،‬إنه من كان يعبدُ حممدً ا فإن حممدً ا قد مات‪ ،‬ومن‬
‫ُ‬ ‫وأثنى عليه ثم قال‪ :‬أُا‬
‫كان يعبد اهللَ فإن اهلل حي ال يموت‪ ،‬قال‪ :‬ثم تال هذه اآلية‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [آل عمران‪.]500:‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪245‬‬

‫الناس مل يعلموا أن هذه اآلي َة نزلت حتى تالها أبو بكر‬


‫َ‬ ‫قال‪ :‬فواهلل لكأن‬
‫الناس عن أيب ٍ‬
‫بكر‪ ،‬فإنام هي يف أفواههم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ‪ ،‬قال‪ :‬وأخذها ُ‬
‫عمر‪ :‬واهلل ما هو إال أن َس ِم ُ‬
‫عت أبا بكر تالها‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فقال أبو هرير َة‪ :‬قال ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬
‫األرض ما حتم ُلني رجالي‪ ،‬وعرفت أن‬ ‫وقعت إىل‬
‫ُ‬ ‫ف َع ِق ْر ُت حتى‬
‫قد مات‪.‬‬

‫‪ -7‬أمرُ َسقيفةِ بين ساعدةَ‬


‫ِ‬
‫األنصار إىل‬ ‫احلي من‬
‫انحاز هذا ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫بض‬ ‫إسحاق‪ :‬وملا ُق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫العوام‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والزبري بن َّ‬
‫ُ‬ ‫عيل بن أيب طالب‬
‫واعتزل ُّ‬ ‫سقيفة بني ساعد َة‪،‬‬ ‫سعد بن ُعباد َة يف‬
‫وانحاز‬
‫َ‬ ‫وانحاز بق َّي ُة املهاجرين إىل أيب ٍ‬
‫بكر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وطلح ُة بن عبيد اهلل يف بيت فاطم َة‪،‬‬
‫وعمر‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬ ‫عبد األشهل‪ ،‬فأتى ٍ‬
‫آت إىل أيب ٍ‬
‫بكر‬ ‫معهم ُأسيدُ بن حضري يف بني ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سقيفة بني ساعد َة قد انحازوا إليه‪،‬‬‫ِ‬ ‫سعد بن عباد َة يف‬ ‫األنصار مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلي من‬‫هذا َّ‬
‫ورسول اهلل ﷺ يف‬‫ُ‬ ‫الناس حاج ٌة فأدركوا قبل أن َيتفاقم ُ‬
‫أمرهم‬ ‫ِ‬ ‫فإن كان لكم ِ‬
‫بأمر‬
‫الباب أه ُله‪.‬‬
‫َ‬ ‫أمره قد َأغلق دونه‬ ‫بيته مل ُيفرغ من ِ‬
‫ِ‬
‫األنصار‪ ،‬حتى‬ ‫عمر‪ :‬فقلت أليب بكر‪ :‬انطلق بنا إىل إخوانِنا هؤالء من‬
‫قال ُ‬
‫نن ُظر ما هم عليه‪.‬‬

‫اخلطاب‪ :‬فانطلقنا َنؤ ُّمهم حتى ِلق َينا منهم‬


‫ِ‬ ‫عمر بن‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬قال َ‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫معرش‬
‫َ‬ ‫رجالن صاحلان‪ ،‬فذكرا لنا ما متاأل عليه القو ُم‪ ،‬وقال‪ :‬أين ُتريدون يا‬
‫املهاجرين؟‬
‫‪ | 246‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫األنصار‪ ،‬قاال‪ :‬فال عليكم أن ال َتقربوهم يا‬ ‫قلنا‪ُ :‬نريد إخواننا هؤالء من‬
‫أمركم‪.‬‬
‫معرش املهاجرين‪ ،‬اقضوا َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫سقيفة بني ساعد َة‪ ،‬فإذا‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬واهلل لنأتينَّهم‪ ،‬فانطلقنا حتى أتيناهم يف‬
‫رجل ُم َّز ِّم ٌل فقلت‪ :‬من هذا؟‬
‫بني َظهرانيهم ٌ‬

‫فقالوا‪ :‬سعدُ بن عباد َة‪.‬‬

‫فقلت‪ :‬ما له؟‬

‫فقالوا‪َ :‬و ِج ٌع‪.‬‬


‫تشهدَ خطي ُبهم‪ ،‬فأثنى عىل اهلل بام هو له ٌ‬
‫أهل‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما بعد‪،‬‬ ‫فلام جلسنا َّ‬
‫معرش املهاجرين رهط منا‪ ،‬وقد َد َّف ْت‬
‫َ‬ ‫أنصار اهلل وكتيب ُة اإلسال ِم‪ ،‬وأنتم يا‬
‫ُ‬ ‫فنحن‬
‫غصبونا‬ ‫أصلنا‪ ،‬وي ِ‬
‫ِ‬ ‫قومكم‪ ،‬قال‪ :‬وإذا هم ُيريدون أن َحيتازونا من‬ ‫داف ٌة(‪ )1‬من ِ‬
‫َ‬
‫أتكلم‪ ،‬وقد َز َّو ْر ُت يف نفيس َمقال ًة(‪ )2‬قد أعجبتني‪،‬‬
‫َ‬ ‫أردت أن‬
‫ُ‬ ‫األمر‪ ،‬فلام سكت‬
‫َ‬
‫بعض احلدِّ ‪.‬‬
‫بكر‪ ،‬وكنت أداري منه َ‬ ‫أريدُ أن أقدِّ َمها بني يدي أيب ٍ‬

‫عمر‪ ،‬فكرهت أن ُأغض َبه‪ ،‬فتكلم‪ ،‬وهو كان‬ ‫فقال أبو بكر‪ :‬عىل ِرسلك يا ُ‬
‫كلمة أعجبتني من َتزويري إال قاَلا يف بدُتِه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وأوقر‪ ،‬فواهلل ما َ‬
‫ترك من‬ ‫َ‬ ‫أعلم منى‬
‫َ‬
‫أفضل‪ ،‬حتى سكت‪.‬‬‫َ‬ ‫أو مث َلها أو‬
‫العرب هذا‬
‫ُ‬ ‫عرف‬
‫أهل‪ ،‬ولن َت َ‬ ‫خري‪ ،‬فأنتم له ٌ‬‫قال‪ :‬أما ما ذكرتم فيكم من ٍ‬
‫رضيت لكم‬
‫ُ‬ ‫ودارا‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫العرب نس ًبا ً‬ ‫ُ‬
‫أوسط‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬هم‬ ‫احلي من‬
‫األمر إال َلذا ِّ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬الدَّ ا َفة‪ :‬اجليش َيد ُّفون نحو العدو أي يدبون‪ ،‬كناية‪.‬‬
‫ت مقال ًة‪ :‬حسنتها وقومتها‪.‬‬
‫(‪ )2‬زَ َّو ْر ُ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪247‬‬

‫ِ‬
‫اجلراح‪،‬‬ ‫أحدَ هذين الرجلني‪ ،‬فبايعوا َّأُام شئتم‪ ،‬وأخذ بيدي وبيد أيب عبيد َة بن‬
‫فتضب ُعنقي‪،‬‬
‫َ‬ ‫غريها‪ ،‬كان واهلل أن ُأقدَّ َم‬ ‫جالس بيننا‪ ،‬ومل أكره شي ًئا مما َ‬
‫قال َ‬ ‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫ال ُيقربني ذلك إىل إث ٍم‪َّ ،‬‬
‫أحب إ َّيل من أن أتأ َّمر عىل قو ٍم فيهم أبو بكر‪.‬‬

‫ب(‪ ،)2‬منا‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬


‫األنصار‪ :‬أنا ُج َذ ْي ُلها املُ َح َّك ُك و ُعذي ُقها املُ َر َّج ُ‬ ‫فقال ٌ‬
‫قائل من‬
‫ٍ‬
‫قريش‪.‬‬ ‫معرش‬
‫َ‬ ‫أمري يا‬
‫أمري ومنكم ٌ‬
‫ٌ‬
‫االختالف‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫َ‬ ‫ختوفت‬
‫ُ‬ ‫األصوات‪ ،‬حتى‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وارتفعت‬ ‫قال‪ :‬فك ُثر ال َّل ُ‬
‫غط‪،‬‬
‫األنصار‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ابسط يدك يا أبا ٍ‬
‫بكر‪ ،‬فبسط يدَ ه‪ ،‬فبايع ُته‪ ،‬ثم بايعه املهاجرون‪ ،‬ثم بايع ُه‬ ‫ُ‬
‫سعد بن عباد َة(‪ ،)3‬فقال ٌ‬
‫قائل منهم‪ :‬ق َتل ُتم سعدَ بن عباد َة‪.‬‬ ‫و َنزونا عىل ِ‬

‫قال‪ :‬فقلت‪ :‬قتل اهللُ سعدَ بن ُعبادة‪.‬‬


‫ِ‬
‫السقيفة وكان‬ ‫ويع أبو بكر يف‬ ‫إسحاق‪ :‬عن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أنس بن مالك قال‪ :‬ملا ُب َ‬ ‫قال اب ُن‬
‫بكر عىل امل ِنرب‪ ،‬فقام عمر‪ ،‬فتكلم قبل أيب بكر‪ِ ،‬‬
‫فحمد اهللَ وأثنى‬ ‫جلس أبو ٍ‬ ‫الغدُ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫باألمس َمقال ًة ما كانت‬ ‫قلت لكم‬
‫الناس‪ ،‬إين كنت ُ‬
‫ُ‬ ‫عليه بام هو أه ُله‪ ،‬ثم قال‪ :‬أُا‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ولكني قد‬ ‫إيل‬
‫وجدهتا يف كتاب اهلل‪ ،‬وال كانت عهدً ا عهده َّ‬
‫ُ‬ ‫مما‬
‫آخرنا‪ ،‬وإن اهلل قد أبقى‬
‫أمرنا‪ ،‬يقول‪ :‬يكون َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ س ُيد ِّبر َ‬ ‫كنت أرى أن‬
‫فيكم كتا َبه الذي به هدى اهللُ رسو َله ﷺ‪ ،‬فإن اعتصمتم به هداكم اهللُ ملا كان هداه‬

‫(‪ُ )1‬ج َذ ْي ُلها املُ َحك ُ‬


‫َّك‪ :‬اجلذيل تصغري جذل واجلذل هنا عود يكون يف وسط مربك اإلبل حتتك به وتسرتيح‬
‫إليه‪ ،‬فتضب به العرب املثل للرجل يستشفى برأيه‬
‫(‪ )2‬ع َُذ ْي ُقها ا ُمل َر َّج ُ‬
‫ب‪ :‬عذيق تصغري عذق وهي النخلة بنفسها واملرجب الذي تبنى إىل جانبه دعامة ترفده لكثرة‬
‫محله ولعزه عىل أهله‪ ،‬وتضب به العرب املثل يف الرجل الرشيف الذي يعظمه قومه‪.‬‬
‫(‪َ )3‬نزَ ْو َنا عىل سعد بن عبادة‪ :‬أي وثبنا عليه‪.‬‬
‫‪ | 248‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ثاين اثنني إذ ُمها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أمركم عىل ِ‬


‫صاحب رسول اهلل ﷺ‪َ ،‬‬ ‫خريكم‪،‬‬ ‫مجع َ‬
‫له‪ ،‬وإن اهللَ قد َ‬
‫ِ‬
‫السقيفة‪.‬‬ ‫بكر بيع َة العامة‪ ،‬بعد ِ‬
‫بيعة‬ ‫الناس أبا ٍ‬ ‫فبايع‬ ‫يف ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الغار‪ ،‬فقوموا فبايعوه‪َ ،‬‬
‫‪ِ -8‬جهازُ رسولِ اهلل ﷺ ودفنُه‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫الناس عىل جهاز‬
‫ُ‬ ‫إسحاق‪ :‬فلام ُبويع أبو بكر ‪َ ،‬‬
‫أقبل‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن‬‫َ‬
‫وغريمها من‬ ‫وحسني بن عبد اهلل‬ ‫بكر‬ ‫ِ‬
‫الثالثاء‪ ،‬فحدثني عبدُ اهلل بن أيب ٍ‬ ‫اهلل ﷺ يو َم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫العباس‪،‬‬ ‫َ‬
‫والفضل بن‬ ‫عبد املطلب‪،‬‬‫أصحابنا‪ :‬أن عيل بن أيب طالب‪ ،‬والعباس بن ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬هم الذين َو ُلوا‬ ‫ِ‬ ‫وش َ‬
‫قران موىل‬ ‫زيد‪ُ ،‬‬‫العباس‪ ،‬وأسام َة بن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫و ُق َث َم بن‬
‫ِ‬
‫لعيل بن أيب طالب‪:‬‬ ‫اخلزرج‪ ،‬قال ِّ‬‫ِ‬ ‫عوف بن‬ ‫أوس بن َخو ٍّيل أحدَ بني‬ ‫َغس َله‪ ،‬وأن َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫أوس من أصحاب‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان ٌ‬ ‫عيل وح َّظنا من‬ ‫ُ‬
‫أنشدك اهللَ يا ُّ‬
‫وأهل ٍ‬
‫بدر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ‬

‫عيل بن‬ ‫ِ‬ ‫وحض َ‬


‫غسل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأسنده ُّ‬ ‫َ‬ ‫فجلس‪،‬‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬ادخل‪ ،‬فدخل‬
‫ثم يق ِّلبونه معه‪ ،‬وكان أسام ُة بن‬ ‫ُ‬
‫والفضل و ُق ُ‬ ‫العباس‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫طالب إىل صدره‪ ،‬وكان‬ ‫أيب‬
‫غسله‪ ،‬قد أسنده إىل‬ ‫وعيل ُي ِّ‬
‫ُّ‬ ‫وشقران مواله‪ ،‬مها اللذان يصبان املا َء عليه‪،‬‬ ‫زيد ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وعيل‬ ‫صدره‪ ،‬وعليه قميصه يد ِّل ُكه به من ورائه‪ ،‬ال يفىض ِ‬
‫بيده إىل‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ يش ٌء مما‬ ‫يقول‪ :‬بأيب أنت وأمي‪ ،‬ما أطي َبك ح ايا ومي ًتا! ومل ُير من‬
‫ُيرى من امل ِّيت‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أثواب‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ثالثة‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُك ِّفن يف‬ ‫ِ‬
‫غسل‬ ‫إسحاق‪ :‬فلام ُفر َغ من‬
‫َ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬
‫قال ُ‬
‫ِ ِ ٍ‬
‫إدراجا‪.‬‬ ‫ثوبني ُصحار َّيني و ُبرد ح َربة‪ُ ،‬أ َ‬
‫درج فيها‬ ‫(‪)1‬‬
‫ً‬

‫(‪ُ )1‬ص َحار َّيني‪ :‬نسبة إىل «صحار»‪ ،‬وهي مدينة من اليمن‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪249‬‬

‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عباس قال‪ :‬ملا أرادوا أن َحيفروا‬ ‫َ‬
‫إسحاق‪ :‬عن ابن‬ ‫َ‬
‫قال اب ُن‬
‫أهل م َّك َة‪ ،‬وكان أبو طلحة زيدُ بن‬ ‫ض ُح(‪ )1‬كحفر ِ‬ ‫وكان أبو عبيد َة بن اجلراح َي َ‬
‫العباس رجلني‪ ،‬فقال‬ ‫لحدُ ‪ ،‬فدعا‬ ‫ِ‬ ‫سهل هو الذي ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ألهل املدينة‪ ،‬فكان َي َ‬ ‫حيفر‬
‫اذهب إىل أيب طلح َة‪ ،‬اللهم‬ ‫ِ‬
‫ولآلخر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ألحدمها‪ :‬اذهب إىل أيب عبيد َة بن اجلراح‪،‬‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫لرسول‬ ‫صاحب أيب طلحة أبا طلح َة‪ ،‬فجاء به‪َ ،‬‬
‫فلحدَ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬فوجد‬ ‫ِخ ْر‬
‫اهلل ﷺ‪.‬‬
‫رسيره يف بيتِه وقد‬
‫ِ‬ ‫ضع عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فلام ُفر َغ من‬
‫رسول اهلل ﷺ يو َم الثالثاء‪ُ ،‬و َ‬ ‫جهاز‬
‫قائل‪ :‬بل ندفنه‬ ‫ِ‬
‫مسجده وقال ٌ‬ ‫كان املسلمون اختلفوا يف دفن ِه‪ ،‬فقال ق ٌ‬
‫ائل‪ :‬ندفنه يف‬
‫رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬ما ُقبض نبي إال‬ ‫َ‬ ‫مع أصحابِه‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬إين سمعت‬
‫فحفر له حت َته‪.‬‬
‫ويف عليه‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ الذي ُت ِّ‬ ‫ُدفن حيث ُيقبض» ُفرفع ُ‬
‫فراش‬
‫ُ‬
‫الرجال‪،‬‬ ‫ً‬
‫أرساال‪ ،‬دخل‬ ‫الناس عىل رسول اهلل ﷺ ُيص ُّلون عليه‬ ‫ُ‬ ‫ثم دخل‬
‫ُ‬
‫الصبيان‪.‬‬ ‫حتى إذا فرغوا ُأدخل النسا ُء‪ ،‬حتى إذا فرغ النسا ُء ُأدخل‬
‫أحدٌ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫الناس عىل‬
‫ومل يؤم َ‬
‫ِ‬
‫الليل ليل َة األربعاء‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ من وس ِ‬
‫ط‬ ‫ُ‬ ‫ثم ُدفن‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫والفضل بن‬ ‫عيل بن أيب طالب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكان الذين نزلوا يف قرب رسول اهلل ﷺ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫وشقران موىل‬ ‫عباس‪ ،‬و ُق ُ‬
‫ثم بن عباس‪ُ ،‬‬

‫أنشدك اهللَ‪ ،‬وح َّظنَا من‬


‫عيل‪ُ ،‬‬ ‫أوس بن َخو ٍّيل ِّ‬
‫لعيل بن أيب طالب‪ :‬يا ُّ‬ ‫وقد قال ُ‬
‫انز ْل‪َ ،‬‬
‫فنزل مع القو ِم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال له‪ِ :‬‬

‫ض ُح‪ :‬من الضيح‪ ،‬وهو الشق يف وسط القرب‪ ،‬وال َّل ْحد‪ :‬الشق يف اجلانب‪.‬‬
‫(‪َ )1‬ي ْ َ‬
‫‪ | 251‬خمتصر السرية النبوية‬

‫رسول اهلل ﷺ ع ُظمت به مصيب ُة املسلمني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ويف‬ ‫َ‬


‫إسحاق‪ :‬وملا ُت ِّ‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬‫َ‬
‫العرب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ارتدَّ ت‬ ‫فكانت عائش ُة ‪-‬فيام بلغني‪ -‬تقول‪ :‬ملا ُت ِّ‬
‫ويف‬
‫النفاق‪ ،‬وصار املسلمون كال َغنم املَ ِ‬
‫طرية يف‬ ‫ُ‬ ‫ت اليهودية والنرصانية‪ ،‬و َن َج َم‬ ‫وارشأب ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫بكر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الشاتية‪ ،‬لف ْقد نب ِّيهم ﷺ‪ ،‬حتى مجعهم اهللُ عىل أيب ٍ‬ ‫الليلة‬

‫‪ -9‬شعرُ حسَّانَ بن ثابتٍ يف مَ َّ‬


‫رثيته الرسولَ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فيام حدَّ ثنا اب ُن هشام‪ ،‬عن أيب‬ ‫ان بن ٍ‬
‫ثابت َيبكي‬ ‫حس ُ‬
‫وقال َّ‬
‫األنصاري‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫زيد‬
‫ِّ‬
‫نري وقـد تَعفـو الرسـو ُم وهتمـدُ‬ ‫ِ‬ ‫بطيبــ َة‬
‫ُم ٌ‬ ‫**‬ ‫للرســول و َمعهــدُ‬ ‫رســم‬
‫ٌ‬
‫دار ح ٍ‬
‫رب اَلادي الذي كـان َيصـ َعدُ‬
‫هبا من ُ‬ ‫**‬ ‫رمـة‬ ‫اآليات من ِ ُ‬
‫ُ‬ ‫وال َمتتحي‬
‫ــع لــه فيــه ُم ا‬
‫صــىل و َمســجدُ‬ ‫ور ْب ٌ‬
‫َ‬ ‫**‬ ‫ــح آثـ ٍ‬
‫ــار وبـــاقي َمعـــاملٍ‬ ‫وواضـ ُ‬
‫نــور ُيستضــا ُء و ُيوقــدُ‬ ‫ٌ‬ ‫مــن اهلل‬ ‫**‬ ‫نـزل َو ْسـ َطها‬ ‫رات كـان َي ُ‬ ‫هبا ُح ُج ٌ‬
‫فــاآلي منهــا َتــدَّ ُد‬ ‫أتاهــا الــبِىل‬ ‫**‬ ‫العهد ُآُـا‬‫ِ‬ ‫ُطمس عىل‬
‫ُ‬ ‫عارف مل ت ْ‬‫ُ‬ ‫َم‬
‫بم ِ‬ ‫ِ‬
‫لحـدُ‬ ‫الـرت ِ ُ‬
‫ربا هبـا واراه يف ُ ْ‬ ‫و َق ً‬ ‫**‬ ‫الرسـول وعهـدَ ه‬ ‫سم‬
‫فت هبا َر َ‬ ‫عر ُ‬‫َ‬
‫فـن ت ِ‬
‫ُسـعدُ‬ ‫جل ِ‬ ‫ُع ٌ ِ‬ ‫الرسول ف َأس َع ْ‬ ‫َ‬ ‫َظلِ ْل ُت هبا أبكي‬
‫يون ومثالها من ا َ‬ ‫**‬ ‫دت‬
‫َلـا ُحمصـ ًيا نفـــيس فنَفـــيس تَب َّلــدُ‬ ‫**‬ ‫الرســول ومــا أرى‬ ‫ِ‬ ‫ُي َ‬
‫ــذكِّرن آال َء‬
‫نضــدُ‬ ‫عليــه بنــا ٌء مــن َص ٍ‬
‫ــفيح ُم َّ‬ ‫**‬ ‫ـم َن ط ِّي ًبــا‬‫ـورك حلــدٌ منــك ُضـ ِّ‬ ‫و ُبـ ِ‬
‫غـارت بـذلك أسـ َعدُ‬ ‫ـرتب أيـ ٍ‬ ‫ُهتيـ ُ‬
‫عليه وقـد َ‬ ‫**‬ ‫ـني‬
‫ـد وأعـ ُ ٌ‬ ‫ـل عليــه الـ ُ َ‬
‫وراحوا بِ ٍ‬
‫منهم ُظ ٌ‬
‫هور وأ ْع ُضـدُ‬ ‫ُ‬ ‫وقد وهن َْت‬ ‫**‬ ‫حزن ليس فـيهم نبـ ُّيهم‬
‫رز َّيــ َة يــو ٍم مــات فيــه حممــدُ ؟‬ ‫**‬ ‫ٍ‬
‫هالـك‬ ‫عـدلت يو ًمـا رز َّيـ ُة‬
‫ْ‬ ‫وهل‬
‫ـور َيغــور و ُي ِ‬
‫وقــد كــان ذا ُنـ ٍ‬
‫نجــدُ‬ ‫ُ‬ ‫**‬ ‫تَق َّطــع فيــه ُمنـ َـز ُل الــوحي عـ ُ‬
‫ـنهم‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪250‬‬

‫رشـدُ‬ ‫نقذ مـن هـو ِل اخلزايـا وي ِ‬ ‫و ُي ُ‬ ‫**‬ ‫َي ُّ‬


‫دل عىل الـرمحن َمـن َيقتـدي بـه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫صدق إن ُيطيعـوه َيسـ َعدوا‬ ‫ٍ‬ ‫علم‬
‫ُم ُ‬ ‫**‬ ‫ـق جاهــدً ا‬
‫ـدُم احلـ َّ‬
‫إمــا ٌم َلــم َُـ ُ‬
‫ـاخلري أجــو ُد‬ ‫وإن ُحي ِســنوا فــاهللُ بـ ِ‬ ‫**‬ ‫ـذرهم‬ ‫الـزالت َي ُ‬
‫قبـل ُع َ‬ ‫َعفو عن َّ‬
‫َيســري مــا َيتشــدَّ ُد‬ ‫فمــن عنــده ت‬ ‫ِ‬ ‫**‬ ‫ـاب أمـ ٌـر مل يقومــوا بِ َحملِــه‬
‫ُ‬ ‫وإن نـ َ‬
‫جيمـدُ‬‫الدهر دم ُعـك ُ‬ ‫َ‬ ‫وال أعرفنَّك‬ ‫**‬ ‫ـني َعــرب ًة‬
‫ـول اهلل يــا عـ ُ‬ ‫ف َب ِّكــي رسـ َ‬
‫يتغمــدُ‬ ‫ـاس منهــا سـ ٌ‬ ‫عــىل النـ ِ‬ ‫لك ال تَبكني ذا الن ِ‬ ‫وما ِ‬
‫ـابغ َّ‬ ‫**‬ ‫ِّعمـة التـي‬
‫وجـدُ‬ ‫الـدهر ُي َ‬
‫َ‬ ‫لفقد الذي ال ِمث ُله‬‫ِ‬ ‫**‬ ‫فجودي عليـه بالـدمو ِع وأ ْع ِ‬
‫ـويل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫القيامــة ُيف َقــدُ‬ ‫وال مث ُلــه حتــى‬ ‫**‬ ‫ٍ‬
‫حممــد‬ ‫ومــا َف َقــدَ املاضــون َ‬
‫مثــل‬
‫ً‬
‫نـــائال ال ُين َّكـــدُ‬ ‫وأقـــرب منـــه‬ ‫**‬ ‫ــف وأوِّف ذمـــ ًة بعـــد ذمـ ٍ‬
‫ــة‬ ‫أعـ َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫إذا ضــ َّن ِمعطــا ٌء بــام كــان ُيت َلــدُ‬ ‫**‬ ‫ــف وتالـ ٍ‬
‫ــد‬ ‫ــذل منـــه لل َّطريـ ِ‬
‫وأبـ َ‬
‫وأكرم ِصيتًا يف الب ِ‬
‫ــو ُد‬‫وأكـــرم ِجـــدا ا أ ْب َطح ايـــا ُيسـ َّ‬ ‫**‬ ‫يوت إذا انتَمـى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ــاهقات تُشـــ َّيدُ‬‫ٍ‬ ‫ــائم ِعـ ٍّ‬
‫ــز شـ‬ ‫ٍ‬ ‫ـع ِذ‬
‫دعـ َ‬ ‫**‬ ‫وأثبــت يف ال ُعــال‬
‫َ‬ ‫روات‬ ‫وأمنـ َ‬
‫ـزن فـالعو ُد أ ْغ َيـدُ‬ ‫ـذا ُه املُ ُ‬
‫وعو ًدا َغ َ‬ ‫**‬ ‫ـت فر ًعــا يف ال ُفــرو ِع و َمنب ًتــا‬‫وأثبـ َ‬
‫ـريات رب ُمم َّجــدُ‬ ‫عــىل أكــر ِم اخلـ ِ‬ ‫**‬ ‫فاســـتتم َمتا ُمـــه‬ ‫ر َّبـــاه وليـــدً ا‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الرأي يفنَـدُ‬
‫ُ‬ ‫بوس وال‬ ‫العلم َحم ٌ‬‫ُ‬ ‫فال‬ ‫**‬ ‫تناهــت َوصــا ُة املســلمني بِك ِّفــه‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫العقل ُمب َعـدُ‬ ‫عازب‬ ‫ِ‬
‫الناس إال‬ ‫من‬ ‫**‬ ‫ــب‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫أقــول وال ُيلقــى لقــويل عائ ٌ‬
‫أخ ُلــدُ‬
‫لــد ْ‬‫جنــة اخل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫لعــيل بــه يف‬ ‫**‬ ‫ولــيس هــواي ناز ًعــا عــن َث ِ‬
‫نائــه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ويف ن ِ‬ ‫ِ‬
‫َيل ذاك اليو ِم أس َعى ْ‬
‫وأج َهـدُ‬ ‫**‬ ‫مع املُصطفى أرجو بـذاك ج َ‬
‫ـواره‬
‫‪ | 252‬خمتصر السرية النبوية‬

‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫التعريف بموسوعة حممد رسول اهلل ﷺ‪7.........................................................‬‬
‫علم السرية النبوية‪2...............................................................................‬‬
‫ترمجة ابن هشام (ت‪552‬هـ) ‪54 ........................................................ ‬‬
‫التعريف بكتاب السرية النبوية البن هشام (ت‪552‬هـ) ‪55 .......................................‬‬

‫خمتصر السرية النبوية‬


‫[القسم األول‪ :‬العهد املكي]‬
‫[أوال‪ :‬قبل الرسالة والنبوة]‬
‫الزكي من حممد صىل اهلل عليه وآلِه وسلم‪52 ..............................‬‬ ‫ِّ‬ ‫كر رسد النسب‬ ‫ذ ُ‬
‫ِ‬ ‫‪-1‬‬
‫ولده ‪54 .........................................................‬‬ ‫ِذكر نذر عبد املطلب ذبح ِ‬ ‫‪-2‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫زواج عبد اهلل من آمنة بنت وهب ‪53 ......................................................‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫‪-3‬‬
‫ُ‬
‫موت عبد اهلل ‪53 ..........................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫ِ‬
‫ورضاعتُه‪53 ........................................................‬‬ ‫والد ُة رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫‪-5‬‬
‫الرضاع ‪50 ..............................................................‬‬ ‫نسب أبيه ﷺ يف َّ‬ ‫ُ‬ ‫‪-6‬‬
‫الرضاع ‪50 ................................................................‬‬ ‫إخوتُه ﷺ من َّ‬ ‫‪-7‬‬
‫ِ‬
‫حليمة عام رأت ُه من اخلري بعد تَس ُّلمها له ‪50 ........................................‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حديث‬ ‫‪-8‬‬
‫شقا بطنَه ﷺ ‪56 ...................................................‬‬ ‫حديث ا َمللكني اللذين َّ‬ ‫‪-9‬‬
‫حليمة به ﷺ إىل ُأ ِّمه ‪57 ...........................................................‬‬ ‫َ‬ ‫رجوع‬ ‫‪-11‬‬
‫الغنم ‪57 ...........................................................‬‬ ‫َ‬ ‫هو واألنبيا ُء قب َله َرعَ وا‬ ‫‪-11‬‬
‫واسرتضاعه يف بني ٍ‬
‫سعد‪52 ..........................................‬‬ ‫ِ‬ ‫اعتزازُ ه ﷺ ُبقرش َّيته‬ ‫‪-12‬‬
‫ِ‬
‫وحال رسول اهلل ﷺ مع جدِّ ه عبد املطلب بعدها ‪52 .............................‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫وفاة َ‬
‫آمنة‬ ‫‪-13‬‬
‫عبد املطلب‪52 .......................................................................‬‬ ‫وفا ُة ِ‬ ‫‪-14‬‬
‫زمزم ‪52 .........................................................‬‬ ‫َ‬ ‫والية الع َّباس عىل ِسقاية‬ ‫ُ‬ ‫‪-15‬‬
‫لرسول اهلل ﷺ ‪52 .......................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫طالب‬ ‫كفالة أيب‬‫ُ‬ ‫‪-16‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طالب ورسول اهلل ﷺ ب َبح ْ َريى ‪52 ..............................................‬‬ ‫ٍ‬ ‫نزول أيب‬ ‫ُ‬ ‫‪-17‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حدي ُثه ﷺ عن عصمة اهلل له يف طفولته ‪35 ................................................‬‬ ‫‪-18‬‬
‫جار‪35 ..........................................................................‬‬ ‫الف ِ‬ ‫حرب ِ‬ ‫‪-19‬‬
‫ُ‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪253‬‬

‫خدجية ‪33 .........................................‬‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫تزويج‬ ‫ُ‬
‫حديث‬ ‫‪-21‬‬
‫خدجية ‪30 .................................................................‬‬ ‫َ‬ ‫أوال ُده ﷺ من‬ ‫‪-21‬‬
‫إبراهيم ‪31 .............................................................................‬‬ ‫َ‬ ‫ُأ ُّم‬ ‫‪-22‬‬
‫[ثانيا‪ :‬إرهاصات النبوة]‬
‫ورقة فيه ﷺ ‪36 ....................................‬‬ ‫دق نبوءة َ‬ ‫وص ِ‬ ‫ورقة ِ‬ ‫خدجية مع َ‬ ‫َ‬ ‫حديث‬ ‫‪-1‬‬
‫ِ‬
‫احلجر‪36 .......................‬‬ ‫ريش يف وضع‬ ‫وحكم رسول اهلل ﷺ بني ُق ٍ‬ ‫حديث ُبنيان الكعبة ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ان من العرب‪ ،‬واألحبار من ُود‪ ،‬والرهبان من النصارى ‪37 ........................‬‬ ‫ِ‬ ‫إخبار الكه ِ‬ ‫‪-3‬‬
‫ُ َّ‬
‫إنذار ُود برسول اهلل ‪32 .................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫‪-4‬‬
‫ُ‬
‫[ثالثا‪ :‬من البعثة إىل اهلجرة]‬
‫[أ ‪ -‬الدعوة السرية]‬
‫تسليام‪32 ........................................‬‬ ‫ً‬ ‫النبي صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم‬ ‫بعث ِّ‬ ‫َم ُ‬ ‫‪-1‬‬
‫الصادقة ‪32 ............................................‬‬ ‫ُ‬ ‫الرسول ﷺ الرؤيا‬ ‫ُ‬ ‫دئ به‬ ‫َّأو ُل ما ُب َ‬ ‫‪-2‬‬
‫والشجر عليه ﷺ‪04 ......................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫تسليم احلجارة‬ ‫ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫ابتدا ُء نزول جربيل عليه السالم ‪04 ........................................................‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫‪-4‬‬
‫َ‬
‫جربيل معه ‪05 ............................‬‬ ‫خدجية ما كان من أمر‬ ‫َ‬ ‫ص عىل‬ ‫رسول اهلل ﷺ َي ُق ُّ‬ ‫ُ‬ ‫‪-5‬‬
‫حديث رسول اهلل ﷺ ‪05 .....................................‬‬ ‫َ‬ ‫ورقة ُحتدِّ ثه‬ ‫خدجية بني يدي َ‬ ‫ُ‬ ‫‪-6‬‬
‫تنزيل القرآن‪03 .....................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ابتدا ُء‬ ‫‪-7‬‬
‫خدجية بنت ُخويلد‪00 ..............................................................‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫إسالم‬ ‫‪-8‬‬
‫ُ‬
‫ونزول سورة الضحى ‪00 .....................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الوحي‬ ‫ِ‬ ‫فرت ُة‬ ‫‪-9‬‬
‫فرض الصالة ‪01 ...................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابتدا ُء‬ ‫‪-11‬‬
‫ِ‬
‫جربيل أوقات الصالة للرسول ﷺ‪01 ..............................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تَعينيُ‬ ‫‪-11‬‬
‫أسلم ‪06 .....................................‬‬ ‫عيل بن أيب طالب ‪َّ ‬أو ُل َذك ٍَر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫كر أن َّ‬ ‫ذ ُ‬ ‫‪-12‬‬
‫حارثة ثان ًيا ‪06 ..............................................................‬‬ ‫َ‬ ‫زيد بن‬ ‫إسالم ِ‬ ‫‪-13‬‬
‫ُ‬
‫بكر الصدِّ ِيق ‪ ‬وشأنُه‪06 ................................................‬‬ ‫إسالم أيب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫‪-14‬‬
‫بكر ‪07 .................................... ‬‬ ‫بدعوة أيب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصحابة‬ ‫أسلم من‬ ‫من‬ ‫ِذك ُْر‬ ‫‪-15‬‬
‫َ‬
‫[ب ‪ -‬الدعوة اجلهرية]‬
‫رسول اهلل ﷺ قو َمه‪ ،‬وما كان منهم‪02 ..............................................‬‬ ‫ِ‬ ‫مبادا ُة‬ ‫‪-1‬‬
‫ِ‬
‫بتهم عىل اإليامن ‪15 ....................................‬‬ ‫قريش املؤمنني َّ‬ ‫كر ما َفتنت به ٌ‬ ‫ِ‬
‫وعذ ُ‬ ‫ذ ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫القرآن‪15 ...............................................‬‬ ‫َ‬ ‫صف به‬ ‫الوليد بن املغرية فيام َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫َحت ُّ ُري‬ ‫‪-3‬‬
‫ِ‬
‫واخلزرج ‪13 ............................‬‬ ‫ِ‬
‫األوس‬ ‫القبائل‪ ،‬وال س َّيام يف‬ ‫ِ‬ ‫الرسول يف‬ ‫ِ‬ ‫انتشار ِ‬
‫ذكر‬ ‫‪-4‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ من قومه‪10 ....................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِذكر ما لق َي‬ ‫ِ‬ ‫‪-5‬‬
‫‪ | 254‬خمتصر السرية النبوية‬

‫إسالم محز َة ‪11 .................................................................. ‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-6‬‬


‫ِ‬
‫قول عتبة بن ربيعة يف أمر رسول اهلل ﷺ ‪16 ..............................................‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪-7‬‬
‫ِ‬
‫بالرسول ﷺ ‪17 ............................................‬‬ ‫قريش عن أن يؤمنوا‬ ‫ٍ‬ ‫استكبار‬ ‫‪-8‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أرض احلبشة‪12 .....................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫كر اَلجرة األوىل إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذ ُ‬ ‫‪-9‬‬
‫قريش إىل احلبشة يف طلب ا ُملهاجرين إليها ‪12 .......................................‬‬ ‫ٍ‬ ‫إرسال‬ ‫ُ‬ ‫‪-11‬‬
‫اخلطاب ‪60 ................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫عمر بن‬ ‫إسالم َ‬ ‫ُ‬ ‫‪-11‬‬
‫ِ‬
‫رب الصحيفة ‪67 .........................................................................‬‬ ‫َخ ُ‬ ‫‪-12‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من قومه من األذى ‪62 .........................................‬‬ ‫ُ‬ ‫كر ما لقي‬ ‫ِ‬
‫ذ ُ‬ ‫‪-13‬‬
‫إسالم أهل َ‬
‫مكة‪75 .................................‬‬ ‫بلغهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أرض احلبشة ملا ُ‬ ‫كر من عا َد من‬ ‫ذ ُ‬ ‫‪-14‬‬
‫الصحيفة ‪75 ................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫نقض‬ ‫ِ‬ ‫حديث‬ ‫ُ‬ ‫‪-15‬‬
‫عراج ‪71 ..................................................................‬‬ ‫كر اإلرساء واملِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذ ُ‬ ‫‪-16‬‬
‫عراج ‪72 ...........................................................................‬‬ ‫قصة املِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪-17‬‬
‫ستهزئني‪25 ................................................................‬‬ ‫أمر ا ُمل ِ‬ ‫كفاية اهلل َ‬ ‫ُ‬ ‫‪-18‬‬
‫وخدجية ‪23 ................................................................‬‬ ‫َ‬ ‫طالب‬ ‫ٍ‬ ‫وفا ُة أيب‬ ‫‪-19‬‬
‫سعي الرسول إىل ثقيف يطلب النُّرص َة ‪21 .................................................‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫‪-21‬‬
‫استمعوا له وآمنوا به‪22 ....................................................‬‬ ‫اجلن الذين َ‬ ‫أمر ِّ‬ ‫ُ‬ ‫‪-21‬‬
‫ِ‬
‫لقبائل ‪22 ................................................‬‬ ‫نفسه عىل ا‬ ‫ﷺ‬ ‫اهلل‬ ‫ِ‬
‫رسول‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫عَرض‬ ‫‪-22‬‬
‫َ‬
‫[ج ‪ -‬بيعة العقبة وبدء اهلجرة]‬
‫األنصار ‪24 ....................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫َبد ُء إسال ِم‬ ‫‪-1‬‬
‫ٍ‬
‫صعب بن عُ مري‪25 ........................................................‬‬ ‫ُ‬ ‫قبة األوىل و ُم‬ ‫ال َع ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫ضري‪25 ..................................................‬‬ ‫ِ‬
‫إسالم سعد بن ُمعاذ وأسيد بن ُح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫‪-3‬‬
‫ُ‬
‫أمر العقبة الثانية ‪21 .......................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-4‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫رشوط البيعة يف العقبة األخرية‪22 .........................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪-5‬‬
‫ِ‬
‫ُزول األمر لرسول اهلل ﷺ يف القتال ‪544 ................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫‪-6‬‬
‫ِ‬
‫كر املهاجرين إىل املدينة ‪545 .............................................................‬‬ ‫ِ‬
‫ذ ُ‬ ‫‪-7‬‬
‫الرسول ﷺ‪545 ..................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِهجر ُة‬ ‫‪-8‬‬
‫[القسم الثاني‪ :‬العهد املدني]‬
‫[أوال‪ :‬تأسيس الدولة]‬
‫كتا ُبه ﷺ بني ا ُملهاجرين واألنصار و ُموادعة ُو َد‪551 .....................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫واألنصار ‪551 .....................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ا ُملؤاخا ُة بني املهاجرين‬ ‫‪-2‬‬
‫األعدا ُء من ُو َد‪551 .....................................................................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫خمتصر السرية النبوية‏|‏‪255‬‬

‫ِ‬
‫األنصار‪556 ...............................................‬‬ ‫َمن اجتمع إىل ُو َد من ُمنافقي‬ ‫‪-4‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ‪556 ...........................................‬‬ ‫ِ‬
‫أصحاب‬ ‫اعتل من‬ ‫كر من َّ‬ ‫ِ‬
‫ذ ُ‬ ‫‪-5‬‬
‫اَلجرة ‪557 ........................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تاريخ‬ ‫‪-6‬‬
‫[ثانيا‪ :‬الغزوات والسرايا والبعوث]‬
‫َغزو ُة و َّدان وهي أول غزواته عليه الصال ُة والسالم‪552 ...................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫احلارث وهي أول ٍ‬
‫راية عقدها عليه الصال ُة والسالم ‪552 .......................‬‬ ‫ِ‬ ‫َرس ُية عبيدة بن‬ ‫‪-2‬‬
‫بدر األوىل ‪552 ..................................................‬‬ ‫ان وهي غزوة ٍ‬ ‫َغزو ُة َس َف َو َ‬ ‫‪-3‬‬
‫حش ‪552 .............................................................‬‬ ‫بن َج ٍ‬ ‫عبد اهلل ِ‬ ‫رسية ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫ِ‬
‫رصف القبلة إىل الكعبة ‪555 ..............................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪-5‬‬
‫بدر الكُربى‪555 ....................................................................‬‬ ‫َغزو ُة ٍ‬ ‫‪-6‬‬
‫السويق‪533 ........................................................................‬‬ ‫غزو ُة َّ‬ ‫‪-7‬‬
‫ُقاع ‪530 .......................................................................‬‬ ‫أمر بني َقين َ‬ ‫ُ‬ ‫‪-8‬‬
‫غزوة ُأ ُح ٍد ‪536 ...........................................................................‬‬ ‫‪-9‬‬
‫ثالث ‪514 ........................................................‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذكر يو ِم الرجيع يف ِ‬
‫سنة‬ ‫‪-11‬‬
‫ُ‬
‫سنة أربع ‪510 ..................................................‬‬ ‫عونة يف صفر َ‬ ‫حديث بئر َم َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪-11‬‬
‫ِ‬
‫أمر إجالء بني النضري يف سنة أرب ٍع‪516 ....................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫‪-12‬‬
‫ُ‬
‫بدر اآلخر ُة يف شعبان َ‬
‫سنة أرب ٍع‪512 .................................................‬‬ ‫غزو ُة ٍ‬ ‫‪-13‬‬
‫سنة مخس‪512 .....................................................‬‬ ‫اخلندق يف شوال َ‬ ‫ِ‬ ‫غزو ُة‬ ‫‪-14‬‬
‫قريظة يف سنة مخس ‪562 ........................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫غزو ُة بني‬ ‫‪-15‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العاص وخالد بن الوليد ‪570 ............................................‬‬ ‫ِ‬ ‫إسالم عمرو بن‬ ‫ِ‬ ‫‪-16‬‬
‫ُ‬
‫غزو ُة بني ا ُملص َطلق ‪576 ..................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫‪-17‬‬
‫سنة ست ‪524 ..........................................‬‬ ‫غزوة بني ا ُملصطلِق َ‬ ‫ِ‬ ‫رب اإلفك يف‬ ‫خ ُ‬ ‫‪-18‬‬
‫[ثالثا‪ :‬احلديبية وفتح مكة]‬
‫سنة ست ‪526 ........................................................‬‬ ‫أمر احلديبية يف آخر ِ‬ ‫‪-1‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الرضوان‪525 ........................................................................‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫بيعة‬ ‫‪-2‬‬
‫أمر اَلدنة‪525 ............................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫‪-3‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الصلح‪526 ....................................‬‬ ‫أمر قو ٍم من املستضعفني بعد‬ ‫ما جرى عليه ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫ِ‬
‫أمر ا ُملهاجرات بعد اَلُدنة ‪522 ............................................................‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ُ‬
‫بعض املسلمني ‪522 ..............................................‬‬ ‫ِ‬ ‫وتعج ِل‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫َّة‬
‫ك‬ ‫م‬ ‫فتح‬ ‫ِ‬ ‫رشى‬ ‫ُب‬ ‫‪-6‬‬
‫حرم َ‬ ‫ِ‬
‫سنة سبع ‪522 ...............................................‬‬ ‫رب يف ا ُمل َّ‬ ‫كر ا َملسري إىل خي َ‬ ‫ذ ُ‬ ‫‪-7‬‬
‫أمر الشاة ا َملسمومة‪545 ...................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-8‬‬
‫ُ‬
‫‪ | 256‬خمتصر السرية النبوية‬

‫ِ‬
‫احلبشة‪545 ......................‬‬ ‫ِ‬
‫احلبشة وحديث املهاجرين إىل‬ ‫جعفر بن أيب طالب من‬ ‫كر قدوم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫‪ -9‬ذ ُ‬
‫سنة سبع‪545 .................................................‬‬ ‫‪ -11‬عُ مر ُة القضاء يف ذي القعدة َ‬
‫سنة ثامن‪543 .............................................‬‬ ‫ؤتة يف ُمجادى األوىل َ‬ ‫غزوة ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫كر‬ ‫ِ‬
‫‪ -11‬ذ ُ‬
‫رمضان سنة ثامن‪546 ....................................................‬‬ ‫َ‬ ‫مكة يف شهر‬ ‫فتح َ‬ ‫ُ‬ ‫‪-12‬‬
‫لفتح ‪552 ....................................................‬‬ ‫‪ -13‬غزو ُة ُحنني يف سنة ثامن بعد ا ِ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫نني يف سنة ثامن ‪555 .............................................‬‬ ‫غزوة الطائف بعد ُح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -14‬ذكر‬
‫وازن وسباياها‪550 ...........................................................‬‬ ‫أمر أموال َه َ‬ ‫ِ‬
‫‪ُ -15‬‬
‫سنة تسع‪552 ........................................................‬‬ ‫تبوك يف رجب َ‬ ‫‪ -16‬غزو ُة َ‬
‫تبوك‪535 ........................................‬‬‫القفول من غزوة َ‬ ‫مسجد الضار عند ُ‬ ‫ِ‬ ‫أمر‬ ‫‪ُ -17‬‬
‫سنة تسع ‪533 ...................................‬‬ ‫رمضان َ‬
‫َ‬ ‫أمر وفد ثقيف وإسالمها يف ِ‬
‫شهر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫‪ُ -18‬‬
‫سنة تس ٍع ‪533 ........................................................‬‬ ‫حج أيب بكر بالناس َ‬ ‫ُّ‬ ‫‪-19‬‬
‫ِ‬
‫كر سنة تسع وتسميتُها‪ :‬سنة الوفود ‪530 .................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -21‬ذ ُ‬
‫[رابعا‪ :‬حجة الوداع وابتداء شكوى رسول اهلل ﷺ]‬
‫الودا ِع ‪536 .........................................................................‬‬ ‫َح َّج ُة َ‬ ‫‪-1‬‬
‫ِ‬
‫رسل رسول اهلل إىل امللوك ‪532 ....................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خروج‬ ‫‪-2‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫آخر البعوث ‪532 ..............................‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫‪َ -3‬ب ُ‬
‫أرض فلسطني وهو ُ‬ ‫أسامة بن زيد إىل‬ ‫عث‬
‫ِ‬
‫‪ -4‬ابتدا ُء شكوى رسول اهلل ﷺ ‪532 ........................................................‬‬
‫هات املؤمنني‪532 .....................................................‬‬ ‫أزواجه ﷺ أم ِ‬ ‫ِ‬ ‫كر‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫‪ -5‬ذ ُ‬
‫عائشة ‪504 .....................................................‬‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل يف بيت‬ ‫ِ‬ ‫‪َ -6‬مت ُ‬
‫ريض‬
‫أمر َسقيفة بني ساعد َة‪501 ................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫‪-7‬‬
‫ُ‬
‫‪ -8‬جهازُ رسول اهلل ﷺ ودفنُه ‪502 ..........................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫الرسول‪514 ...............................................‬‬ ‫ثابت يف َمرث َّيته‬ ‫ان بن ٍ‬ ‫حس َ‬ ‫شعر َّ‬ ‫ُ‬ ‫‪-9‬‬
‫فهرس املوضوعات ‪515 .........................................................................‬‬

You might also like