‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪى )اﳉﺰء اﻷول(‬

‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪى )اﳉﺰء اﻷول(‬

‫ﻋﺜﻤﺎن‬

‫ﺗﺄﻟﻴﻒ‬
‫ﻃﻪ ﺣﺴني‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ ل(‬
‫ﻃﻪ ﺣﺴني‬

‫رﻗﻢ إﻳﺪاع ‪٢٠١٣ / ٢١٩٢٦‬‬

‫ﺗﺪﻣﻚ‪٩٧٨ ٩٧٧ ٧١٩ ٥٦٧ ٦ :‬‬
‫ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪا ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬
‫ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬ ‫ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪا‬
‫املﺸﻬﺮة ﺑﺮﻗﻢ ‪ ٨٨٦٢‬ﺑﺘﺎرﻳﺦ ‪٢٠١٢ / ٨ / ٢٦‬‬
‫إ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪا ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ أﻓﻜﺎر‬
‫إﻧﻤﺎ ﱢ‬
‫ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ‬
‫‪ ٥٤‬ﻋﻤﺎرات اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﺣﻲ اﻟﺴﻔﺎرات‪ ،‬ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ‪ ،١١٤٧١‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‬
‫ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬
‫ﻓﺎﻛﺲ‪+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ :‬‬ ‫ﺗﻠﻴﻔﻮن‪+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ :‬‬
‫اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰ ﻧﻲ‪hindawi@hindawi.org :‬‬
‫املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰ ﻧﻲ‪http://www.hindawi.org :‬‬

‫ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف‪ :‬إﻳﻬﺎب ﺳﺎﻟﻢ‪.‬‬

‫ﻳُﻤﻨَﻊ ﻧﺴﺦ أ اﺳﺘﻌﻤﺎ أ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺄﻳﺔ ﺳﻴﻠﺔ ﺗﺼﻮﻳﺮﻳﺔ أ‬
‫إﻟﻜﱰ ﻧﻴﺔ أ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ‪ ،‬ﻳﺸﻤﻞ ذﻟﻚ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ اﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻋﲆ‬
‫أﴍﻃﺔ أ أﻗﺮاص ﻣﻀﻐﻮﻃﺔ أ اﺳﺘﺨﺪا أﻳﺔ ﺳﻴﻠﺔ ﻧﴩ أﺧﺮ ‪ ،‬ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ‬
‫ﺣﻔﻆ املﻌﻠﻮﻣﺎت اﺳﱰﺟﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬د إذ ٍ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﴍ‪.‬‬
‫‪Cover Artwork and Design Copyright © 2014 Hindawi‬‬
‫‪Foundation for Education and Culture.‬‬
‫‪Copyright © Taha Hussein 1952.‬‬
‫‪All rights reserved.‬‬
 ‫اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت‬

‫‪7‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷ‬

‫‪13‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‬
‫‪23‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬
‫‪45‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ‬
‫‪57‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ‬
‫‪69‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس‬
‫‪77‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ‬
‫‪87‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ‬
‫‪99‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ‬
‫‪103‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺎﴍ‬
‫‪107‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎد ﻋﴩ‬
‫‪111‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ‬
‫‪115‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ‬
‫‪121‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ‬
‫‪125‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ‬
‫‪127‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ‬
‫‪129‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ‬
‫‪133‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ‬
‫‪139‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ‬
‫‪143‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﴩ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫‪147‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎد اﻟﻌﴩ‬

‫‪151‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻌﴩ‬
‫‪157‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻌﴩ‬
‫‪167‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻌﴩ‬
‫‪169‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻌﴩ‬
‫‪177‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس اﻟﻌﴩ‬
‫‪179‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻌﴩ‬
‫‪189‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ اﻟﻌﴩ‬
‫‪193‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ اﻟﻌﴩ‬
‫‪197‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﻼﺛﻮ‬
‫‪199‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎد اﻟﺜﻼﺛﻮ‬
‫‪203‬‬ ‫ﻣﻠﺤﻘﺎت‬
‫‪209‬‬ ‫ﺑﻌﺾ املﺮاﺟﻊ‬

‫‪6‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول‬

‫ﱢ‬
‫ﻟﻠﺤﻖ ﺣﺪ ‪ ،‬أ أﺗﺤ ﱠﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﺼﻮاب‬ ‫ﱢ‬
‫ﻟﻠﺤﻖ ﻣﺎ ﺳﻌﻨﻲ إﺧﻼﺻﻪ‬ ‫ﻫﺬا ﺣﺪﻳﺚ أرﻳﺪ أ أﺧﻠﺼﻪ‬
‫ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺖ إﱃ ﺗﺤ ﱢﺮ اﻟﺼﻮاب ﺳﺒﻴﻼ‪ ،‬أ أﺣﻤﻞ ﻧﻔﴘ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ اﻹﻧﺼﺎ ﻻ أﺣﻴﺪ ﻋﻨﻪ ﻻ‬
‫أﻣﺎﻟﺊ ﻓﻴﻪ ﺣﺰﺑﺎ ﻣﻦ أﺣﺰاب املﺴﻠﻤني ﻋﲆ ﺣﺰب‪ ،‬ﻻ أﺷﺎﻳﻊ ﻓﻴﻪ ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ اﺧﺘﺼﻤﻮا‬
‫ﻋﺜﻤﺎﻧﻲ اﻟﻬﻮ ‪ ،‬ﻟﺴﺖ ﺷﻴﻌﺔ ﻟﻌﲇﱟ‪ ،‬ﻟﺴﺖ أﻓﻜﺮ ﰲ‬‫ﱠ‬ ‫ﰲ ﻗﻀﻴﺔ ﻋﺜﻤﺎ د ﻓﺮﻳﻖ؛ ﻓﻠﺴﺖ‬
‫ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﴏ ا ﻋﺜﻤﺎ اﺣﺘﻤﻠﻮا ﻣﻌﻪ ﺛﻘﻠﻬﺎ ﺟﻨﻮا ﻣﻌﻪ أ‬
‫ﺑﻌﺪ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ‪.‬‬
‫أﻧﺎ أﻋﻠﻢ أ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ زاﻟﻮا ﻳﻨﻘﺴﻤﻮ ﰲ أﻣﺮ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ إﱃ اﻵ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا‬
‫اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ اﻟﺬ ﻻ ﻳﻌﺪ ﺑﻌﺜﻤﺎ أﺣﺪا ﻣﻦ‬
‫ﱡ‬ ‫ﻳﻨﻘﺴﻤﻮ ﻓﻴﻬﺎ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ رﺣﻤﻪ ﷲ؛ ﻓﻤﻨﻬﻢ‬
‫اﻟﺸﻴﻌﻲ اﻟﺬ ﻻ ﻳﻌﺪ ﺑﻌﲇ ﱟ رﺣﻤﻪ ﷲ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﱡ‬ ‫أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺑﻌﺪ اﻟﺸﻴﺨني‪ ،‬ﻣﻨﻬﻢ‬
‫أﺣﺪا‪ ،‬ﻻ ﻳﺴﺘﺜﻨﻲ اﻟﺸﻴﺨني ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺮﺟﻮ ملﻜﺎﻧﻬﻤﺎ ﻗﺎرا؛ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﱰدد ﺑني ﻫﺬا ذا ‪،‬‬
‫ﻳﻘﺘﺼﺪ ﰲ ﻋﺜﻤﺎﻧﻴﱠﺘﻪ ﺷﻴﺌﺎ أ ﻳﻘﺘﺼﺪ ﰲ ﺗﺸﻴﱡﻌﻪ ﻟﻌﲇ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬ﻓﻴﻌﺮ ﻷﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻛﻠﻬﻢ‬
‫ﻳﻔﻀﻞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺣﺪا ﻣﻨﻬﻢ ﻋﲆ‬‫ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﻢ‪ ،‬ﻳﻌﺮ ﻷﺻﺤﺎب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺳﺎﺑﻘﺘﻬﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﻻ ﱢ‬
‫اﻵﺧﺮ‪ ،‬ﻳﺮ أﻧﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻗﺪ اﺟﺘﻬﺪ ا ﻧﺼﺤﻮا هلل ﻟﺮﺳﻮﻟﻪ ﻟﻺﺳﻼ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻓﺄﺧﻄﺄ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ أﺧﻄﺄ أﺻﺎب ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ أﺻﺎب‪ ،‬ﻷ ﻟﺌﻚ ﻫﺆﻻء أﺟﺮﻫﻢ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻤﺪ ا ﺧﻄﻴﺌﺔ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻘﺼﺪ ا إﱃ إﺳﺎءة‪ .‬ﻛﻞ ﻫﺆﻻء إﻧﻤﺎ ﻳﺮ آراءﻫﻢ ﻫﺬ ﻳﺴﺘﻤﺴﻜﻮ ﺑﻬﺎ ﻳﺬ د ﻋﻨﻬﺎ‬
‫ﻳﺘﻔﺎﻧﻮ ﰲ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻔﻜﺮ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﺗﻔﻜريا دﻳﻨﻴٍّﺎ‪ ،‬ﻳﺼﺪر ﻓﻴﻪ ﻋﻦ‬
‫اﻹﻳﻤﺎ ‪ ،‬ﻳﺒﺘﻐﻮ ﺑﻪ ﻣﺎ ﻳﺒﺘﻐﻲ املﺆﻣﻦ ﻣﻦ املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ دﻳﻨﻪ اﻻﺳﺘﻤﺴﺎ ﺑﻴﻘﻴﻨﻪ‪ ،‬اﺑﺘﻐﺎء‬
‫رﺿﻮا ﷲ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﰲ ذﻟﻚ أ ﻳﻘﻮ ‪.‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫أﻧﺎ أرﻳﺪ أ أﻧﻈﺮ إﱃ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻧﻈﺮة ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻣﺠﺮدة‪ ،‬ﻻ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻋﺎﻃﻔﺔ ﻻ‬
‫ﻫﻮ ‪ ،‬ﻻ ﺗﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎ ﻻ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻈﺮة املﺆرخ اﻟﺬ ﻳﺠ ﱢﺮد ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺠﺮﻳﺪا‬
‫ﻛﺎﻣﻼ ﻣﻦ اﻟﻨﺰﻋﺎت اﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻷﻫﻮاء‪ ،‬ﻣﻬﻤﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ ﻣﺼﺎدرﻫﺎ ﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻗﴣ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﻦ ﺧﻴﺎر املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻧﺤﺒﻬﻢ ﻗﺒﻞ أ ﺗﺤﺪث ﻫﺬ‬
‫اﻟﻘﻀﻴﺔ ﺗﺜﺎر ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻨﻘﺺ ﻫﺬا ﻣﻦ إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﻻ ﻣﻦ أﻗﺪارﻫﻢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫ﻋﺼﻤﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﻬﺔ ﺟﻨﺒﻬﻢ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺰﻟﻞ‪ ،‬ﻓﻤﻀﻮا ﺑﺨري ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﷲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻧﺠﻮا‬
‫ﻣﻦ ﴍ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ؛ ﻋﺎش ﻗﻮ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﺣني ﺣﺪﺛﺖ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﺣني‬
‫اﺧﺘﺼﻢ املﺴﻠﻤﻮ ﺣﻮﻟﻬﺎ أﻋﻨﻒ ﺧﺼﻮﻣﺔ ﻋﺮﻓﻬﺎ ﺗﺎرﻳﺨﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺸﺎرﻛﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﺘﻤﻠﻮا‬
‫ﻣﻦ أﻋﺒﺎﺋﻬﺎ ﻗﻠﻴﻼ ﻻ ﻛﺜريا‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﻋﺘﺰﻟﻮا املﺨﺘﺼﻤني ﻓﺮ ا ﺑﺪﻳﻨﻬﻢ إﱃ ﷲ؛ ﻗﺎ ﻗﺎﺋﻠﻬﻢ‬
‫ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص رﺣﻤﻪ ﷲ‪ :‬ﻻ أﻗﺎﺗﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﺄﺗﻮﻧﻲ ﺑﺴﻴﻒ ﻳﻌﻘﻞ ﻳﺒﴫ ﻳﻨﻄﻖ ﻓﻴﻘﻮ ‪:‬‬
‫أﺻﺎب ﻫﺬا أﺧﻄﺄ ذا !‬
‫ﻓﺄﻧﺎ أرﻳﺪ أ أذﻫﺐ ﻣﺬﻫﺐ ﺳﻌﺪ أﺻﺤﺎﺑﻪ رﺣﻤﻬﻢ ﷲ‪ ،‬ﻻ أﺟﺎد ﻋﻦ أ ﻟﺌﻚ ﻻ ﻋﻦ‬
‫ﻫﺆﻻء‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﺣﺎ أ أﺗﺒني ﻟﻨﻔﴘ أﺑني ﻟﻠﻨﺎس اﻟﻈﺮ اﻟﺘﻲ دﻓﻌﺖ أ ﻟﺌﻚ ﻫﺆﻻء‬
‫إﱃ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻣﺎ اﺳﺘﺘﺒﻌﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻓ ﱠﺮﻗﺘﻬﻢ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﻔ ﱢﺮﻗﻬﻢ إﱃ اﻵ ‪،‬‬
‫ﺳﺘﻈﻞ ﺗﻔ ﱢﺮﻗﻬﻢ ﰲ أﻛﱪ اﻟﻈﻦ إﱃ آﺧﺮ اﻟﺪﻫﺮ‪ .‬ﺳري اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺮء ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ أ اﻷﻣﺮ‬
‫ﻛﺎ أﺟ ﱠﻞ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲇ ﱟ ﻣﻤﻦ ﺷﺎﻳﻌﻬﻤﺎ ﻗﺎ ﻣﻦ د ﻧﻬﻤﺎ‪ ،‬أ ﻏري ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻮ ﱄ ﺧﻼﻓﺔ‬
‫املﺴﻠﻤني ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻈﺮ اﻟﺘﻲ ﻟﻴﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺘﻌ ﱠﺮض ملﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﻌﺮض ﻟﻪ ﻣﻦ ﴐ ب‬
‫املﺤﻦ اﻟﻔﺘﻦ‪ ،‬ﻣﻦ اﺧﺘﺼﺎ اﻟﻨﺎس ﺣﻮﻟﻪ اﻗﺘﺘﺎﻟﻬﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻴﻪ‪.‬‬
‫أﻛﺎد أﻋﺘﻘﺪ أ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻬﻤﻬﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺟﺮﻳﺌﺔ‬
‫ﺗﻮﺷﻚ أ ﺗﻜﻮ ﻣﻐﺎﻣﺮة‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪ إﱃ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﺗﻨﺘﻬﻲ إﱃ‬
‫ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ أﺟﺮﻳﺖ ﰲ ﻏري اﻟﻌﴫ اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﻤﻜﻦ أ ﺗﺠﺮ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﺳﺒﻖ ﺑﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ‬
‫ﺳﺒﻘﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ‪.‬‬
‫ﻣﺎ رأﻳﻚ ﰲ أ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ إﱃ اﻵ ‪ ،‬ﻋﲆ ﻣﺎ ﺟﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﺗﺠﺎرب ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻦ‬
‫رﻗﻲ‪ ،‬ﻋﲆ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻦ ﻓﻨﻮ اﻟﺤﻜﻢ ﺻﻮر اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت‪ ،‬أ ﺗﻨﺸﺊ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴٍّﺎ ﻳﺘﺤﻘﻖ‬
‫ﻓﻴﻪ اﻟﻌﺪ اﻟﺴﻴﺎﳼ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑني اﻟﻨﺎس ﻋﲆ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬ ﻛﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻳﺮﻳﺪا أ‬
‫ﻳﺤﻘﻘﺎ !‬
‫ﻗﺪ ذﻫﺒﺖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﺬاﻫﺒﻬﺎ املﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻓﻜﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻜﻢ املﻠﻮ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا‬
‫ﻳﺮ أﻧﻔﺴﻬﻢ آﻟﻬﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻜﻢ املﻠﻮ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻇﻼﻻ ﻟﻶﻟﻬﺔ‪ ،‬ﺛﻢ‬

‫‪8‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷ‬

‫ﻛﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻜﻢ املﻠﻮ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻇﻼﻻ ﻹﻟﻪ اﺣﺪ‪ .‬ﻫﺆﻻء املﻠﻮ ﺟﻤﻴﻌﺎ‬
‫ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ ﻣﺨﻠﺼني أ ﻏري ﻣﺨﻠﺼني أ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺄﺗﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﺄﺗﻴﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫آﺑﺎﺋﻬﻢ اﻵﻟﻬﺔ إ رأ ا أﻧﻔﺴﻬﻢ آﻟﻬﺔ‪ ،‬ﻳﺄﺗﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻹﻟﻪ أ ﻣﻦ اﻵﻟﻬﺔ اﻟﺬﻳﻦ اﺗﺨﺬ ﻫﻢ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ‬
‫ﻇﻼﻻ اﺳﺘﺨﻠﻔﻮﻫﻢ ﻋﲆ ﻋﺒﺎدﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس؛ ﻓﻜﺎ ﻫﺆﻻء املﻠﻮ ﻳﺼﺪر ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺄﻣﺮ‬
‫ﻣﺎ ﻳﻨﻬﻮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺄﺗﻮ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ،‬ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻬﻢ أ ﻳﺮﴇ اﻟﻨﺎس أ ﻳﺴﺨﻄﻮا‪،‬‬
‫ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻨﺎس أ ﻳﺮﺿﻮا أ ﻳﺴﺨﻄﻮا‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ أ ﻳﺬﻋﻨﻮا‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﺄ رﺿﺎﻫﻢ‬
‫أ ﺳﺨﻄﻬﻢ أ ﻳﻐري ﻣﻦ ﺳرية ﻣﻠﻮﻛﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ؛ ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﺗﺮﴇ ﻋﻦ اﻟﺸﻤﺲ ﺣني‬
‫ﺗﴤء‪ ،‬ﺗﺴﺨﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣني ﺗﺤﺘﺠﺐ‪ ،‬ﻓﻠﻦ ﻳﻐﺮﻳﻬﺎ رﺿﺎ ﺑﺎﻹﴍا ‪ ،‬ﻟﻦ ﻳﻤﻨﻌﻬﺎ ﺳﺨﻄﻚ‬
‫ﻋﻦ اﻻﺣﺘﺠﺎب‪.‬‬
‫ﻋﺮﻓﺖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺣﻜﻢ ﻫﺆﻻء املﻠﻮ ﻓﺴﻌﺪت ﺑﻪ ﻗﻠﻴﻼ ﺷﻘﻴﺖ ﺑﻪ ﻛﺜريا‪ ،‬ﺣﺎ ﻟﺖ أ‬
‫ﺗﻐري ﻓﺄﺗﻴﺢ ﻟﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺘﻐﻴري ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻈﺮ ؛ ﻓﻌﺮﻓﺖ ﺣﻜﻢ اﻟﻘﻠﺔ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻌﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ د اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻋﺮﻓﺖ ﺣﻜﻢ اﻟﻄﻐﺎة اﻟﺬﻳﻦ أﻗﺒﻠﻮا ﻟﻴﻨﻘﺬ ا‬
‫اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ ﻫﺬ اﻟﻘﻠﺔ اﺳﺘﺌﺜﺎرﻫﺎ‪ ،‬ﻟﻴﺸﻴﻌﻮا اﻟﻌﺪ ﺑني اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻻ ﻳﻔﺮﻗﻮ ﺑني‬
‫اﻷﻗﻮﻳﺎء اﻟﻀﻌﻔﺎء‪ ،‬ﻻ ﺑني اﻷﻏﻨﻴﺎء اﻟﻔﻘﺮاء‪ ،‬ﻻ ﺑني اﻟﻘﺎدرﻳﻦ اﻟﻌﺎﺟﺰﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﻬﻢ‬
‫إﻻ أ ﻳﺸﻴﻌﻮا اﻟﻈﻠﻢ ﺑني اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬أ ﻳﺬﻟﻮا اﻟﻘﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﻜﺜﺮة ﻳﺮ ﱡد ﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﻌﺔ‬
‫اﻟﻬﻮا ‪ ،‬إﱃ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺣﺎ ﻟﺖ أ ﺗﺨﺮج ﻣﻨﻪ أ إﱃ ﴍ ﻣﻤﺎ ﺣﺎ ﻟﺖ أ ﺗﺨﺮج ﻣﻨﻪ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻋﺮﻓﺖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﻢ اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﻇﻨﺖ أﻧﻪ ﻣﻦ ﺧري اﻟﻨﻈﻢ أرﻗﺎﻫﺎ‬
‫أﻗﻮﻣﻬﺎ أﻣﺜﻠﻬﺎ أﺟﺪرﻫﺎ أ ﻳﺤﻘﻖ اﻟﻌﺪ اﻟﺴﻴﺎﳼ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑني اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻫﻮ ﻫﺬا‬
‫اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺬ ﻳﺮد إﱃ اﻟﺸﻌﺐ أﻣﻮر اﻟﺸﻌﺐ ﻳﴫﱢﻓﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎء ﻳﺪﺑﺮﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺐ‪ .‬ﻟﻜﻦ‬
‫اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺟﺮﺑﺖ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ﻓﻨﺎﻟﺖ ﺑﻪ ﻗﺴﻄﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺪ ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﻨﻞ ﺑﻪ اﻟﻌﺪ ﻛﻠﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻢ ﺗﻨﻞ‬
‫ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺪ إﻻ أﻳﴪ أﻫﻮﻧﻪ ﺷﺄﻧﺎ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﻠﻨﺎس إﱃ اﻵ أ ﻳﺘﻔﻘﻮا ﻋﲆ رأ ﻻ أ‬
‫ﻳﺠﺘﻤﻌﻮا ﻋﲆ ﻫﻮ ‪ ،‬ﻻ أ ﺗﺘﺤﺪ ﻟﻬﻢ ﻛﻠﻤﺔ أ ﻳﻠﺘﺌﻢ ﻟﻬﻢ ﺷﻤﻞ‪ ,‬ﻫﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻳﺮ أﻣﺮ‬
‫اﻟﺸﻌﺐ إﱃ اﻟﺸﻌﺐ ﰲ ﻇﺎﻫﺮ اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﺼﻨﻌﻮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺷﻴﺌﺎ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ‪ :‬ﻳﺴﺘﻔﺘﻮ‬
‫اﻟﺸﻌﺐ ﰲ أﻣﺮ ؛ ﻓﺈذا ﻛﺎ اﻻﺧﺘﻼ — ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ أ ﻳﻜﻮ اﻻﺧﺘﻼ — أﻧﻔﺬ ا أﻣﺮ اﻟﻜﺜﺮة‬
‫أﻫﺪر ا أﻣﺮ اﻟﻘﻠﺔ‪ ،‬أﺗﺎﺣﻮا ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻸﻛﺜﺮﻳﻦ أ ﻳﺴﺘﺬﻟﻮا اﻷﻗ ﱢﻠني‪ ،‬أ أ ﻳﺤﻜﻤﻮﻫﻢ ﻋﲆ ﻏري‬
‫ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ؛ ﻟﻮ ﻗﺪ ﺿﻤﻦ ﻟﻸﻛﺜﺮﻳﻦ أ ﻳﺤﻜﻤﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ،‬أ ﻳﺤﻜﻤﻮا اﻷﻗ ﱢﻠني ﻟﻜﺎ ﻫﺬا‬
‫اﻟﻨﻈﺎ ﻣﻘﺎرﺑﺎ ﻟﻠﻌﺪ ﻣﺒﺎﻋﺪا ﻟﻠﻈﻠﻢ املﻨﻜﺮ إﱃ ﺣﺪ ﻣﺎ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻷﻛﺜﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﺤﻜﻤﻮ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ‬
‫ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ أ ﻳﺤﻜﻤﻮا ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻳﻜﻠﻮ أﻣﺮ اﻟﺤﻜﻢ إﱃ ﻣﻤﺜﻠني ﻟﻬﻢ ﻳﺨﺘﺎر ﻧﻬﻢ ﻟﺬﻟﻚ‬

‫‪9‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫اﺧﺘﻴﺎرا‪ ،‬ﻳﻜ ﱢﻠﻔﻮﻧﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻜﻠﻴﻔﺎ‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﺨﻠﺺ ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻴﺎر ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻒ اﻹﻏﺮاء‪،‬‬
‫ﻣﻦ اﻟﺮﻏﺐ اﻟﺮﻫﺐ‪ ،‬أ ﻻ ﻳﺨﻠﺺ؛ ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻫﺆﻻء املﻤﺜﻠني اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻜﻞ‬
‫اﻟﻜﺜﺮة إﻟﻴﻬﻢ أﻣﻮر اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﻧﺎس ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻘﻮة ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻀﻌﻒ‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ اﻟﺸﺪة‬
‫ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻠني‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻄﻤﻊ‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ اﻹﻳﺜﺎر ﻓﻴﻬﻢ اﻷﺛﺮة؛ ﻓﻬﻢ ﻣﻌﺮﺿﻮ ﻷ‬
‫ﻳﺠﻮر ا ﻋﻦ اﻟﻘﺼﺪ‪ ،‬ﻳﻨﺤﺮﻓﻮا ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ‪ ،‬ﻳﺤﻤﻠﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮا اﻟﻨﺎس ﻣﻌﻬﻢ ﻋﲆ‬
‫ﻏري اﻟﺠﺎدة‪ ،‬ﻳﺘﻮرﻃﻮا ﻛﻤﺎ ﺗﻮرط املﻠﻮ املﺴﺘﺒﺪ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺗﻮرﻃﺖ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ املﺴﺘﺄﺛﺮة‪،‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﺗﻮرط اﻟﻄﻐﺎة املﺴﺘﻌﻠﻮ ﰲ اﻟﻈﻠﻢ اﻟﺠﻮر‪.‬‬
‫ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻟﻢ ﻧﺘﺠﺎ ز اﻟﻌﺪ اﻟﺴﻴﺎﳼ‪ ،‬ﻓﻜﻴﻒ إذا ﻗﺼﺪﻧﺎ إﱃ اﻟﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺬ ﻳﺮاد‬
‫ﻣﻨﻪ أﻻ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﺳﻮاء أﻣﺎ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﺳﻮاء أﻣﺎ اﻟﺜﻤﺮات اﻟﺘﻲ‬
‫ﻗﺪﱢر ﻟﻠﻨﺎس أ ﻳﻌﻴﺸﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺠﺰت ﻧﻈﻢ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻋﲆ اﺧﺘﻼ‬
‫اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺒﻴﺌﺎت اﻟﻈﺮ ‪ ،‬ﻋﻦ أ ﺗﺤﻘﻖ ﻫﺬا اﻟﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺗﺤﻘﻴﻘﺎ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﺎﻟﻨﺎس‬
‫إﱃ اﻃﻤﺌﻨﺎ ﻻ ﻳﺸﻮﺑﻪ ﻗﻠﻖ‪ ،‬رﺿﺎ ﻻ ﻳﺸﻮﺑﻪ ﺳﺨﻂ‪ ،‬أﻣﻦ ﻻ ﻳﺸﻮﺑﻪ ﺧﻮ ‪ .‬اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‬
‫املﻌﺎﴏة ﺗﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ أ ﻧﻄﻴﻞ اﻟﻘﻮ ﻓﻴﻪ؛ ﻓﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻗﺪ ﺿﻤﻨﺖ‬
‫ﻟﻠﻨﺎس ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺔ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ ﻣﺴﺎ اة أﻣﺎ اﻟﻘﺎﻧﻮ ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﺗﻀﻤﻦ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺷﻴﺌﺎ؛ اﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﻗﺪ ﺿﻤﻨﺖ ﻟﻠﻨﺎس ﻗﻠﻴﻼ أ ﻛﺜريا ﻣﻦ اﻟﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪،‬‬
‫ﻓﺄﻟﻐﺖ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺮ ‪ ،‬أﺗﺎﺣﺖ ﻟﻠﻌﺎﻣﻠني ﻣﻨﻬﻢ أ ﻳﻌﻤﻠﻮا ﻳﻨﺘﻔﻌﻮا ﺑﺜﻤﺮة أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ‪،‬‬
‫أﺗﺎﺣﺖ ﻟﻠﻌﺎﺟﺰﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ أ ﻳﻌﻴﺸﻮا ﻏري ﻣﻌ ﱠﺮﺿني ﻟﺬﻟﺔ أ ﺿﻌﺔ أ ﻫﻮا ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺿﺤﱠ ﺖ‬
‫ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ذﻟﻚ ﺑﺤﺮﻳﺘﻬﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﺪع ﻟﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬أ ﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﺗﺪع ﻟﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ؛‬
‫اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ ﻗﺪ ﺿﺤﺖ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻌﺪ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﺬﻟﺖ اﻟﻨﺎس ﻟﺴﻠﻄﺎ اﻟﺪ ﻟﺔ اﺳﺘﺬﻻﻻ‬
‫ﺑﻌﻴﺪ املﺪ ‪ ،‬اﺳﺘﻐﻠﺘﻬﻢ ﻟﻘﻮة اﻟﺪ ﻟﺔ أﺑﺸﻊ اﺳﺘﻐﻼ أﺷﻨﻌﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﺗﺮ ﱠد ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ‬
‫ﻋﻤﻠﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﺤﻔﻆ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ ﻗﻠﻴﻼ ﻻ ﻛﺜريا‪.‬‬
‫ﺳﻠﻜﺖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻛﻞ ﻫﺬ اﻟﻄﺮ ‪ ،‬ﺟﺮﺑﺖ ﻛﻞ ﻫﺬ اﻟﻨﻈﻢ‪،‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﺗﻨﺘﻪ إﱃ ﻏﺎﻳﺔ‪ ،‬ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺸﻜﻮ اﻟﻈﻠﻢ اﻟﺠﻮر‪ ،‬ﺗﻀﻴﻖ ﺑﺎﻻﺳﺘﺬﻻ اﻻﺳﺘﻐﻼ ‪ ،‬ﺗﺒﺤﺚ‬
‫ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺎ اﻟﻘﻮﻳﻢ اﻟﺬ ﻳﻀﻤﻦ ﻟﻠﻨﺎس اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻌﺪ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ اﻟﻘﻮﻳﻢ ﻫﻮ‬
‫اﻟﺬ ﺣﺎ ﻟﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﻌﻬﺪ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ أ ﺗﻨﺸﺌﻪ‪ ،‬ﻓﻤﺎت أﺑﻮ ﺑﻜﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺒﺪأ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ‪ ،‬ﻗﺘﻞ ﻋﻤﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ ﻗﺪ ﺧﻄﺎ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺧﻄﻮات اﺳﻌﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺮض ﻋﻨﻬﺎ أ ﻻ؛ ﻓﻘﺪ ر ﻋﻨﻪ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ﰲ آﺧﺮ ﺧﻼﻓﺘﻪ‪» :‬ﻟﻮ اﺳﺘﻘﺒﻠﺖ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻣﺎ‬
‫اﺳﺘﺪﺑﺮت‪ ،‬ﻷﺧﺬت ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻓﻀﻮ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻓﺮددﺗﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮاء‪ «.‬ﻓﻘﺪ رأ ﻋﻤﺮ إذ‬

‫‪10‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷ‬

‫أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﺮﻳﺪ‪ ،‬ﻓﻜﻴﻒ ﻟﻢ ﻳﻌﺮ املﺴﻠﻤﻮ ﻻ ﻏري‬
‫املﺴﻠﻤني أﻣريا ﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺪ ﻣﺎ ﺣﺎ ﻋﻤﺮ ﺣﻘﻖ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﺣﻘﻖ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺮض اﻟﻨﺎس‬
‫ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻋﻤﺮ ﰲ أﻳﺎﻣﻪ ﺛﺎﻧﻴﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻬﺎﺑﻮﻧﻪ ﻳﺸﻔﻘﻮ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻳﻌﻄﻴﻪ أﻛﺜﺮﻫﻢ‬
‫ﺧﻮﻓﺎ رﻫﺒﺎ؛ ﻛﺎ أﺷ ﱡﺪ اﻟﻨﺎس ﺣﺒٍّﺎ ﻟﻌﻤﺮ أﺷﺪ اﻟﻨﺎس ﺣﺒٍّﺎ إﱃ ﻋﻤﺮ ﻳﺒﺘﻐﻮ إﻟﻴﻪ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ‬
‫ﻟريﻓﻖ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺑﻬﻢ ﺑﻌﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس ﻓﻼ ﻳﺒﻠﻐﻮ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﺆﺛﺮ اﻟﻌﺪ ﻋﲆ ﻛﻞ‬
‫ﳾء‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺮض املﻐﻠﻮﺑﻮ ﻋﻦ ﻫﺬ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ آﺧﺮ اﻷﻣﺮ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ أﻧﻬﻢ ﻳﻜﻠﻔﻮ‬
‫ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺒﻮ ﻓﻮ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻄﻴﻘﻮ ‪ ،‬ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ أﻧﻬﻢ أﺻﺤﺎب ﺳﺎﺑﻘﺔ ﰲ اﻟﺤﻀﺎرة‪ ،‬أ‬
‫اﻟﻌﺮب ﻃﺎرﺋﻮ ﻋﲆ ﻫﺬ اﻟﺤﻀﺎرة‪ ،‬أ ﻣﻤﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ أﻫﻮاء ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ أ ﻳﺘﺴﻠﻂ اﻟﺒﺎد‬
‫ﻋﲆ اﻟﺤﺎﴐﻳﻦ‪ .‬ﻗﺪ ﻗﺘﻞ ﻋﻤﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺴﺨﻂ؛ ﻗﺘﻠﻪ أﺣﺪ ﻫﺆﻻء املﻐﻠﻮﺑني‬
‫اﻟﺬ ﺷﻜﺎ إﻟﻴﻪ ﺷﺪة ﺳﻴﺪ املﻐرية ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻘﻖ ﺷﻜﺎﺗﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺘﺒﻪ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ‬
‫ذﻟﻚ أ ﻃﻌﻦ ﻫﻮ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺼﻼة‪.‬‬
‫ﻋﲆ أ ﻣﻦ اﻹﴎا أ ﻧﻘﴤ ﰲ ﻫﺬ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺠﺮﻳﺌﺔ ﺑﻬﺬ اﻟﴪﻋﺔ اﻟﴪﻳﻌﺔ‪ ،‬ﻓﻤﻦ‬
‫ﺣﻘﻬﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ أ ﻧﻘﻒ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻗﻔﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﳾء ﻣﻦ ﺗﻤﻬﻞ أﻧﺎة‪ ،‬ﻟﻨﺮ أﻛﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ‬
‫ﺗﺒﻘﻰ‪ ،‬ﻟﻨﺮ أﻛﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﺗﻨﺠﺢ ﺗﺒﻠﻎ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻧﺤﻘﻖ ﺑﻬﺬ اﻟﻮﻗﻔﺔ املﺘﻤﻬﻠﺔ‬
‫املﺴﺘﺄﻧﻴﺔ ﻣﺎ أﺧﺬﻧﺎ ﺑﻪ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻦ اﻹﻧﺼﺎ أ ﻻ‪ ،‬ﻗﺪ ﺗﻌﻴﻨﻨﺎ ﻫﺬ اﻟﻮﻗﻔﺔ املﺘﻤﻬﻠﺔ املﺴﺘﺄﻧﻴﺔ‬
‫ﻋﲆ أ ﻧﻔﻘﻪ ﻫﺬ املﺸﻜﻼت اﻟﻜﺜرية اﻟﺘﻲ ﺛﺎرت ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬أ أﺛريت أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻻ ﻷ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎ ﻫﻮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻷ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎ ﻗﺪ آ ﻟﻴﺜﻮر ﺑﻌﺾ ﻫﺬ املﺸﻜﻼت ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء‬
‫ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻟﻴﺜري اﻟﻨﺎس ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻵﺧﺮ‪.‬‬

‫‪11‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﲏ‬

‫ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﻈﺎ ﺣﻜﻤﻬﻤﺎ‪ ،‬ﻫﻲ أ ﻳﺴريا ﺳرية‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﰲ املﺴﻠﻤني ﻣﺎ ﺟﺪ ا إﱃ ذﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼ‪ .‬ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ ﰲ املﺴﻠﻤني ﻣﻌﺮ ﻓﺔ إﱃ أﺑﻌﺪ‬
‫ﺣﺪ ﻣﻤﻜﻦ‪ .‬ﻛﺎ ﻗﻮا ﻫﺬ اﻟﺴرية ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻌﺪ اﻟﺨﺎﻟﺺ املﻄﻠﻖ ﺑني اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻣﺎ ﻧﺤﺘﺎج‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻈﻦ أ ﻧﻘﻴﻢ ﻋﲆ ذﻟﻚ دﻟﻴﻼ‪ ،‬ﺣﺴﺒﻨﺎ أ ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺬﻛﺮ أ اﻹﺳﻼ إﻧﻤﺎ ﺟﺎء ﻗﺒﻞ‬
‫ﻛﻞ ﳾء ﺑﻘﻀﻴﺘني اﺛﻨﺘني؛ أ ﻻﻫﻤﺎ‪ :‬اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ﺛﺎﻧﻴﺘﻬﻤﺎ‪ :‬املﺴﺎ اة ﺑني اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ‬
‫ﻳﻘﻮ ‪﴿ :‬ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ اﻟﻨﱠﺎس إﻧﱠﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎﻛﻢ ﻣﱢ ﻦ ذﻛﺮ أﻧﺜ ٰﻰ ﺟﻌﻠﻨﺎﻛﻢ ﺷﻌﻮﺑﺎ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻟﺘﻌﺎرﻓﻮا ۚ إ ﱠ‬
‫أﻛﺮﻣﻜﻢ ﻋﻨﺪ ﷲ أﺗﻘﺎﻛﻢ ۚ إ ﱠ ﷲ ﻋﻠﻴﻢ ﺧﺒري﴾‪.‬‬
‫ﻛﺎ أﻏﻴﻆ ﻣﺎ ﻏﺎظ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ دﻋﻮﺗﻪ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻌﺪ إﱃ‬
‫ﻫﺬ املﺴﺎ اة‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻔﺮ ﺑني اﻟﺴﻴﺪ املﺴﻮد‪ ،‬ﻻ ﺑني اﻟﺤﺮ اﻟﻌﺒﺪ‪ ،‬ﻻ ﺑني اﻟﻘﻮ‬
‫اﻟﻀﻌﻴﻒ‪ ،‬ﻻ ﺑني اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻔﻘري‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﱃ أ ﻳﻜﻮ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺳﻮاء‬
‫ﻛﺄﺳﻨﺎ املﺸﻂ‪ ،‬ﻻ ﻳﻤﺘﺎز ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ‪ ،‬ﻻ ﻳﺴﺘﻌﲇ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ‪ .‬ﻗﺪ ﻳﻘﺎ ‪:‬‬
‫إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻠﻎ اﻟﺮ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ أ ﻳﻤﻠﻚ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ! ﻟﻜﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻔﻘﻬﻮ اﻹﺳﻼ‬
‫ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻪ ﺣﻖ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻻ ﻳﻨﻜﺮ أ ﻫﺬ اﻟﺨﻄﻮة اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﻄﺎﻫﺎ اﻹﺳﻼ ﺣني ﺳ ﱠﻮ‬
‫ﺑني اﻟﺤﺮ اﻟﻌﺒﺪ أﻣﺎ ﷲ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺪﻫﺎ ﺣﺪﺛﺎ ﺧﻄريا ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﺣﺪﺛﺎ ﺧﻄريا ﻟﻪ ﻣﺎ‬
‫ﺑﻌﺪ ﻟﻮ ﻣﻀﺖ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني ﻋﲆ ﺟﻬﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﱰﺿﻬﺎ ﻣﺎ اﻋﱰﺿﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻦ املﺤﻦ‬
‫اﻟﺨﻄﻮب؛ ﻓﺎهلل ﻗﺪ ﻓﺮض اﻟﺼﻼة ﻋﲆ اﻷﺣﺮار اﻟﺮﻗﻴﻖ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺼﻮ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ‬
‫ﻓﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ أ ﻳﺨﻠﺼﻮا ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻟﻪ؛ ﷲ ﻗﺪ ﻋﺼﻢ دﻣﺎء أ ﻟﺌﻚ ﻫﺆﻻء ﻋﲆ اﻟﺴﻮاء؛ ﷲ‬
‫ﻗﺪ ﴍع دﻳﻨﻪ اﺣﺪا ﻷ ﻟﺌﻚ ﻫﺆﻻء‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﴩع ﺑﻌﻀﻪ ﻟﻸﺣﺮار ﺑﻌﻀﻪ ﻟﻠﻌﺒﻴﺪ‪ .‬ﻫﺬا ﺣﺪ‬
‫ﺧﻠﻴﻖ ﻟﻮ ﻣﻀﺖ اﻷﻣﻮر ﻋﲆ ﺟﻬﻬﺎ أ ﻳﻤﺤﻮ اﻟﺮ ﻣﺤﻮا ﻳﺤ ﱢﺮﻣﻪ ﺗﺤﺮﻳﻤﺎ؛ ﻓﻜﻴﻒ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﷲ ﻓ ﱠﻚ اﻟﺮﻗﺒﺔ إﻋﺘﺎ اﻟﺮﻗﻴﻖ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﻴﻬﺎ املﺴﻠﻤﻮ ‪ ،‬ﻳﺪﺧﺮ ﺑﻬﺎ اﻷﺟﺮ‬
‫ﻣﻦ ﷲ املﺜﻮﺑﺔ ﻋﻨﺪ ‪ ،‬ﻛﻴﻒ ﷲ ﻗﺪ ﻓﺘﺢ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ أﺑﻮاﺑﺎ ﻛﺜرية ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻠﺠﻬﺎ اﻟﺮﻗﻴﻖ ﺣﺘﻰ‬
‫ﻳﻌﺘﻖ‪ ،‬ﷲ ﻗﺪ ﻣﺪ ﰲ أﺳﺒﺎب اﻹﻋﺘﺎ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ملﻦ ﺷﺎء أ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺠﻌﻞ اﻹﻋﺘﺎ —‬
‫ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ آﻧﻔﺎ — ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺼﺪ إﻟﻴﻬﺎ املﺴﻠﻢ‪ ،‬ﺟﻌﻞ اﻹﻋﺘﺎ ﻛﻔﺎرة‬
‫ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺪع ﺳﻴﻠﺔ ﺗﻴﴪ اﻹﻋﺘﺎ ﺗﻐﺮ ﺑﻪ ﺗﻌني ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻔﺮﺿﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻓﺮﺿﺎ إﻻ دﻋﺎ إﻟﻴﻬﺎ رﻏﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﴍﻋﻬﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺳﺨﻄﺖ ﻗﺮﻳﺶ أﺷﺪ اﻟﺴﺨﻂ أﻋﻨﻔﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻤﺎ أﻇﻬﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻷﻛﺎد‬
‫أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﻟﻮ ﻗﺪ دﻋﺎﻫﺎ إﱃ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ د أ ﻳﻌﺮض ﻟﻠﻨﻈﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد ‪ ،‬د‬
‫أ ﻳﺴﻮ ﺑني اﻟﺤﺮ اﻟﻌﺒﺪ ﺑني اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻔﻘري ﺑني اﻟﻘﻮ اﻟﻀﻌﻴﻒ‪ ،‬د أ ﻳﻠﻐﻲ ﻣﺎ‬
‫أﻟﻐﻰ ﻣﻦ اﻟﺮﺑﺎ‪ ،‬د أ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻟريد ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮاء — أﻗﻮ ‪ :‬ﻟﻮ ﻗﺪ دﻋﺎﻫﻢ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫إﱃ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺣﺪ د أ ﻳﻤﺲ ﻧﻈﺎﻣﻬﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد ‪ ،‬ﻷﺟﺎﺑﺘﻪ ﻛﺜﺮﺗﻬﻢ ﰲ ﻏري‬
‫ﻣﺸﻘﺔ ﻻ ﺟﻬﺪ؛ ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﺆﻣﻨﺔ ﺑﺄ ﺛﺎﻧﻬﺎ إﻳﻤﺎﻧﺎ ﺧﺎﻟﺼﺎ‪ ،‬ﻻ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﺣﺮﻳﺼﺔ‬
‫ﻋﲆ آﻟﻬﺘﻬﺎ ﺣﺮﺻﺎ ﺻﺎدﻗﺎ‪ ،‬ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺶ إﻻ ﺷﺎ ﱠﻛﺔ ﺳﺎﺧﺮة‪ ،‬ﺗﺘﺨﺬ اﻷ ﺛﺎ ﺳﻴﻠﺔ ﻻ ﻏﺎﻳﺔ‪،‬‬
‫ﺳﻴﻠﺔ إﱃ اﺳﺘﻬﻮاء اﻟﻌﺮب اﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ — أ ﻷﺟﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ أﺟﺎب‪ ،‬اﻣﺘﻨﻊ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻣﺘﻨﻊ‪ ،‬د أ ﻳﻠﻘﻰ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺸﻘﺔ أ ﻋﻨﺘﺎ‪ ،‬إﻻ أ ﻳﻜﻮ ﺣﺮص ﻗﺮﻳﺶ ﻋﲆ آﻟﻬﺘﻬﺎ‬
‫ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺣﺮﺻﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب اﻧﺘﻔﺎﻋﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺠﻠﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﻤﺮات‪ .‬ﻣﻬﻤﺎ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء ﻓﻘﺪ ﺳﺨﻄﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﻷﻧﻪ ﻋﺮض ﻟﻨﻈﺎﻣﻬﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺪ ﻻ ﻳﻼﺋﻢ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﺳﺎدﺗﻬﺎ ﻛﱪاﺋﻬﺎ‪ ،‬أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺳﺨﻄﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻷﻧﻪ ﻋﺎب آﻟﻬﺘﻬﺎ‬
‫دﻋﺎﻫﺎ إﱃ أ ﺗﻠﻐﻲ اﻟﻮاﺳﻄﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑني ﷲ‪.‬‬
‫اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻳﻌﻠﻤﻮ أ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ رﺑﻤﺎ رﻓﻖ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺴﺎدة ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻃﻤﻌﺎ ﰲ‬
‫أ ﻳﺴﺘﻤﻴﻠﻪ إﱃ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻓﻴﻜﻮ ذﻟﻚ ﻗﻮة ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻟﺠﺪﻳﺪة‪ ،‬رﺑﻤﺎ دﻋﺎ ﻫﺬا اﻟﺮﻓﻖ إﱃ ﳾء‬
‫ﻣﻦ اﻹﻋﺮاض ﻋﻦ ﺑﻌﺾ املﺴﺘﻀﻌﻔني‪ ،‬ﻓﻼﻣﻪ ﷲ ﰲ ذﻟﻚ أﺷﺪ اﻟﻠﻮ أﻋﻨﻔﻪ‪ ،‬أﻧﺰ ﷲ ﰲ‬
‫ذﻟﻚ ﻗﺮآﻧﺎ‪ ،‬ﻣﺎ زا اﻟﻨﺎس ﻳﻘﺮء ﻣﺎ أﻧﺰ ﷲ ﰲ ﻗﺼﺔ اﺑﻦ أ ﻣﻜﺘﻮ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﻋﺰ ﺟﻞ‪:‬‬
‫ﻮﱃ ٰ * أ ﺟﺎء اﻷﻋﻤ ٰﻰ * ﻣﺎ ﻳﺪرﻳﻚ ﻟﻌ ﱠﻠﻪ ﻳ ﱠﺰ ﱠﻛ ٰﻰ * أ ﻳﺬﱠ ﱠﻛﺮ ﻓﺘﻨﻔﻌﻪ اﻟﺬﱢﻛﺮ ٰ‬
‫﴿ﻋﺒﺲ ﺗ ﱠ‬
‫* أﻣﱠ ﺎ ﻣﻦ اﺳﺘﻐﻨ ٰﻰ * ﻓﺄﻧﺖ ﻟﻪ ﺗﺼ ﱠﺪ ٰ * ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻚ أ ﱠﻻ ﻳ ﱠﺰ ﱠﻛ ٰﻰ * أﻣﱠ ﺎ ﻣﻦ ﺟﺎء ﻳﺴﻌ ٰﻰ *‬
‫ﴙ * ﻓﺄﻧﺖ ﻋﻨﻪ ﺗﻠﻬﱠ ٰﻰ * ﻛ ﱠﻼ إﻧﱠﻬﺎ ﺗﺬﻛﺮة * ﻓﻤﻦ ﺷﺎء ذﻛﺮ * ﰲ ﺻﺤﻒ ﻣﱡ ﻜ ﱠﺮﻣﺔ‬ ‫ﻫﻮ ﻳﺨ ٰ‬
‫* ﻣﱠ ﺮﻓﻮﻋﺔ ﻣﱡ ﻄﻬﱠ ﺮة﴾‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺘﺴﻮﻳﺔ ﺑني اﻟﻨﺎس إذ ﻫﻲ ﻣﻈﻬﺮ أﺣﺪ اﻷﺳﺎﺳني اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻗﺎ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻫﻤﺎ‬
‫اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻌﺪ ؛ ﻗﺪ ﺳﺎر اﻟﻨﺒﻲ ﰲ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﻤﻜﺔ ﺛﻢ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﺳرية ﻗﻮاﻣﻬﺎ اﻟﻌﺪ ﰲ اﻟﺠﻠﻴﻞ‬

‫‪14‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‬

‫ﻣﻦ أﻣﺮﻫﻢ اﻟﺨﻄري‪ ،‬ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻘﺮ ﰲ ﻧﻔﻮس املﺴﻠﻤني أ اﻟﻌﺪ رﻛﻦ أﺳﺎﳼ ﻣﻦ أرﻛﺎ‬
‫اﻹﺳﻼ ‪ ،‬أ اﻻﻧﺤﺮا ﻋﻨﻪ اﻧﺤﺮا ﻋﻦ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬اﻹﺧﻼ ﺑﻪ إﺧﻼ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ؛ ﻣﻦ أﺟﻞ‬
‫ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﱰدد ﺑﻌﺾ املﺴﻠﻤني ﰲ أ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ رأ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻢ ﺣني‬
‫ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻘﺴﻢ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﺑﻌﺪ ﺣﻨني‪ ،‬ﻳﺘﺄﻟﻒ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻛﺎ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﻓﻴﻌﻄﻴﻬﻢ‬
‫أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﻘﻬﻢ ﰲ اﻟﻐﻨﻴﻤﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻟﻪ‪ :‬اﻋﺪ ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ‪ .‬ﻗﺪ أﻋﺮض اﻟﻨﺒﻲ ﷺ‬
‫ﻋﻨﻪ أ اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ أﻋﺎد ﻛﻠﻤﺘﻪ أﻋﺎدﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻈﻬﺮ اﻟﻐﻀﺐ ﰲ ﺟﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺎ ‪ » :‬ﻳﺤﻚ!‬
‫ﻓﻤﻦ ﻳﻌﺪ إذا ﻟﻢ أﻋﺪ ؟!«‬
‫ﱠ‬
‫ﻫ ﱠﻢ ﺑﻌﺾ املﺴﻠﻤني أ ﻳﺒﻄﺸﻮا ﺑﻬﺬا اﻟﺮﺟﻞ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻛﻔﻬﻢ ﻋﻨﻪ ﻷﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﺤﻔﻆ‬
‫ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ ﺣﻘﻬﻢ ﰲ املﺸﻮرة اﻻﻋﱰاض اﻟﻨﻘﺪ‪ .‬اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ‬
‫ﺗﺄﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب إﻻ ﻋﻦ ﺣﻲ ﻣﻦ ﷲ إذ ﰲ اﻟﻘﺮآ ؛ ﻓﺎهلل ﻗﺪ أذ ﻟﻪ ﰲ ﺳﻮرة »ﺑﺮاءة«‬
‫أ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻗﻠﻮب ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ أﻣﻮا اﻟﺼﺪﻗﺔ‪ ،‬ﺟﻌﻞ ﺗﺄﻟﻒ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻠﻮب ﻣﴫﻓﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻣﺼﺎر اﻟﺼﺪﻗﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻬﻮ إذ ﻟﻢ ﻳﺠﺮ ﻋﻦ اﻟﻘﺼﺪ ﺣني أﻋﻄﻰ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻴﻤﺔ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ أذ‬
‫ﷲ ﻟﻪ ﰲ أ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ؛ ﻟﻴﺲ أد ﻋﲆ أ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﴣ ﰲ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﻌﺪ إﱃ أﺑﻌﺪ ﺣﺪ‬
‫اﻟﺴﻨﱠﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻨﱠﻬﺎ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺄﺣﺐ اﻟﺨﻠﻔﺎء أ ﻳﺴﻨﱡﻮﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﰲ اﻟﻨﺎس‬ ‫ﻣﻤﻜﻦ‪ ،‬ﻣﻦ ﻫﺬ ﱡ‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻠﻐﻮا ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ أراد ا؛ ﻓﻘﺪ أﻗﺺ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬زﻋﻢ ﻋﻤﺮ أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺘﻪ أ أ‬
‫ﻋﺎﻣﻞ آذ ﺑﻌﺾ رﻋﻴﺘﻪ ﺑﻐري اﻟﺤﻖ ﻓﻬﻮ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻘﺼﺎص‪ ،‬ﻳﻘﺎ إ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﻋﻴﺔ‬
‫ﺷﻜﺎ إﱃ ﻋﻤﺮ ﰲ املﻮﺳﻢ أ ﻋﺎﻣﻠﻪ ﻗﺪ ﴐﺑﻪ ﺑﻐري اﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﺒﺎ ﻇﻠﻢ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻟﻌﻤﺮ‬
‫ﻗﴣ ﺑﺄ ﻳﻘﺘﺺ ﻣﻨﻪ ﺷﺎﻛﻴﻪ‪ ،‬ﻓﺰع اﻟﻌﻤﺎ إﱃ ﻋﻤﺮ ﻳﻄﻠﺒﻮ إﻟﻴﻪ أ ﻳﻘﻴﻞ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻣﻦ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺎص؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻐﺾ ﻣﻦ ﻫﻴﺒﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎ ‪ ،‬ﻳﻄﻤﻊ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﰲ أﻣﺮاﺋﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﻨﻬﻢ‬
‫ﻋﻤﺮ ﻋﲆ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ أﻟﺤﻮا‪ ،‬ﺛﻢ رﴈ آﺧﺮ اﻷﻣﺮ أ ﻳﻌﻔﻲ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺎص إذا أرﴇ‬
‫ﺷﺎﻛﻴﻪ‪ ،‬ﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎع ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻣﻞ أ ﻳﺮﴈ ﺷﺎﻛﻴﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻬﺬا اﻟﻘﺼﺎص؛ ﻛﺎﻧﺖ‬
‫أﻗﺺ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﻮ ﺧري أﻣﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻼ ﻋﲆ ﻏري ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻮﻻة‬ ‫ﺣﺠﺔ ﻋﻤﺮ أ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ ﱠ‬
‫ﻳﻘﺺ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻫﻢ ﻛﺎرﻫﻮ ‪ .‬ﻗﺪ اﺣﺘﺞ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﱡ‬
‫ﻳﻘﺼﻮا ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻦ رﺿﺎ أ أ‬ ‫أ‬
‫ﺧﺼﻮ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺈﻗﺼﺎص اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﺑﻤﺎ أراد ﻋﻤﺮ ﻣﻦ إﻗﺼﺎص اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻣﻦ‬
‫ﻻﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻃﻠﺒﻮا إﻟﻴﻪ أ ﻳﻘﺺ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺒﻬﻢ إﱃ ﻣﺎ أراد ا‪ .‬اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺮء ا ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﺳﻨﺘﻪ ﻳﻌﻠﻤﻮ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺆﺛﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺨري د أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬إﻻ أ ﻳﺆﺛﺮ ﷲ ﺑﻬﺬا اﻟﺨري‬
‫ﰲ أﻣﺮ ﻳﻮﺣﻴﻪ إﻟﻴﻪ ﰲ اﻟﻘﺮآ ؛ ﻓﻬﻮ ﻛﺎ ﻳﺸﺎ رﻫﻢ ﻳﻨﺰ ﻋﻨﺪ ﻣﺸﻮرﺗﻬﻢ‪ ،‬ﻫﻮ ﻛﺎ ﻳﺤﺎرب‬

‫‪15‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻣﻌﻬﻢ إذا ﺣﺎرﺑﻮا ﻳﺴﺎﻟﻢ ﻣﻌﻬﻢ إذا ﺳﺎملﻮا‪ ،‬ﻫﻮ ﻛﺎ ﻳﺒﻨﻲ ﻣﻌﻬﻢ املﺴﺠﺪ ﻳﺤﻔﺮ ﻣﻌﻬﻢ‬
‫اﻟﺨﻨﺪ ﻳﺘﻐﻨﻰ ﻣﻌﻬﻢ ﻫﻢ ﻳﺘﻐﻨﻮ ‪ ،‬ﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ﻋﲆ ﻣﺸﻘﺔ اﻟﺤﻔﺮ اﻟﺒﻨﺎء‪ ،‬ﻫﻮ‬
‫ﻛﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻌﻬﻢ اﻷﺣﺠﺎر اﻟﱰاب‪ ،‬ﻳﺮ ﻧﻔﺴﻪ اﺣﺪا ﻣﻨﻬﻢ ﻗﺪ آﺛﺮ ﷲ ﺑﺎﻟﻮﺣﻲ اﻟﻨﺒﻮة‪،‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﺆﺛﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ آﺛﺮ ﷲ ﺑﻪ‪ ،‬اﻟﺴرية اﻟﺴﻨﻦ ﺗﺮ أﻧﻪ ﺣني ﻣﺮض ﻣﺮﺿﻪ اﻟﺬ‬
‫ﺧﺮج ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺄ ﻋﻦ ﳾء ﻣﻦ ذﻫﺐ ﻛﺎ ﻗﺪ ﺑﻘﻲ ﻋﻨﺪ ﻣﻦ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺟﻲء‬
‫ﺑﻪ أﺧﺮﺟﻪ إﱃ اﻟﻨﺎس ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬ﺗﻮﰲ ﻫﻮ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻴﻀﺎء ﻻ ﺻﻔﺮاء‪.‬‬
‫ﻗﺪ اﺷﺘﺪ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬اﺷﺘﺪ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻪ أﻳﻀﺎ‪ ،‬إذ ﻛﺎ ﻻ ﻳﻨﻄﻖ ﻋﻦ اﻟﻬﻮ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ‬
‫ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺎﻻرﺗﻔﺎع ﻋﻦ أ ﻳﺆﺛﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﴚء ﻣﻦ د أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﺑﻰ إﻻ أ ﻳﺴري ﰲ‬
‫أﻫﻠﻪ ﺳريﺗﻪ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ‪» :‬ﻧﺤﻦ ﻣﻌﺎﴍ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻻ ﻧﻮرث؛ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﻨﺎ ﺻﺪﻗﺔ‪ «.‬ﻗﺪ ﺟﺎءت‬
‫ﻓﺎﻃﻤﺔ رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻄﻠﺐ إﱃ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻣرياث أﺑﻴﻬﺎ‪ :‬ﻓﺪ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺒﻬﺎ إﱃ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﺖ ر‬
‫ﻟﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ إذ ﻋﲆ اﻟﻌﺪ ﺑني اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻜﻮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني أﻧﻔﺴﻬﻢ‪،‬‬
‫ﻋﲆ اﻟﻌﺪ ﺑني اﻟﻨﺎس ﺑني ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻋﲆ اﻟﻌﺪ ﺑني اﻟﻨﺎس ﺑني أﻫﻠﻪ أﻳﻀﺎ‪ .‬اﺟﺘﻬﺪ‬
‫ﺻﺎﺣﺒﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ أ ﻳﺬﻫﺒﺎ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻳﺴريا ﺳريﺗﻪ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼ؛ ﺑﻞ ﻫ ﱠﻢ أﺑﻮ‬
‫ﺑﻜﺮ أ ﻳﻜﻠﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻮ ﻣﺎ ﺗﻄﻴﻖ‪ ،‬ﻓﺄراد أ ﻳﻜﻮ إﻣﺎﻣﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻳﻨﻈﺮ ﰲ أﻣﺮﻫﻢ ﻳﻘﻒ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻗﺘﻪ ﺟﻬﺪ ‪ ،‬أ ﻳﺴﻌﻰ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻴﻜﺴﺐ ﻗﻮﺗﻪ ﻗﻮت أﻫﻠﻪ‪ ،‬رآ املﺴﻠﻤﻮ ذات‬
‫ﻳﻮ ﻳﺤﻤﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺮ ض ﻳﺴﻌﻰ ﺑﻬﺎ إﱃ اﻟﺴﻮ ﻟﻴﺒﻴﻊ ﻳﺸﱰ ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﻗﺒﻞ أ‬
‫ﻳﺴﺘﺨﻠﻒ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﻳﻔﻌﻠﻮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ؛ ﻟﻜﻦ املﺴﻠﻤني أﺷﻔﻘﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ‪،‬‬
‫أ أﺣﺲ ﻫﻮ اﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ أ ﻳﻜﻮ ﻛﺎﺳﺒﺎ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﰲ ﻗﺖ اﺣﺪ‪ ،‬ﻋﲆ اﺧﺘﻼ ﰲ اﻟﺮ اﻳﺎت؛‬
‫ﻓﺮزﻗﻪ املﺴﻠﻤﻮ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ؛ ﻟﻢ ﻳﻴﴪ ا ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﻟﺮز ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻋﻄﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﻴﻢ أ د أ د‬
‫أﻫﻠﻪ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺳﺎر أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻓﺘﺤﺮج أ ﻳﻤﻮت ﻋﻨﺪ ﻣﻦ أﻣﻮا املﺴﻠﻤني‬
‫ﳾء‪ ،‬أ ﴅ آ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ أ ﻳﺮد ا ﻋﲆ ﻋﻤﺮ ﻫﻨﺎت ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ ﻣﻦ أﻣﻮا املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻗﺪ‬
‫ردت ﻫﺬ اﻟﻬﻨﺎت ﻋﲆ ﻋﻤﺮ ﻓﺒﻜﻰ ﻫ ﱠﻢ أ ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻧﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ذﻟﻚ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻋﻤﺮ أﺑﻰ إﻻ أ ﻳﺘﺤﺮج ﰲ ذات ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﺤ ﱠﺮج ﻫﻮ ﰲ ذات ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻛﺮ أ ﻳﻠﻘﻰ‬
‫أﺑﻮ ﺑﻜﺮ رﺑﻪ ﻓﻴﺴﺄﻟﻪ ﻋﻤﺎ ﺑﻘﻲ ﻋﻨﺪ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﻬﻨﺎت‪ ،‬ﻛﺮ أ ﻳﻘﻮ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻟﺮﺑﻪ‪ :‬ردﻫﺎ‬
‫أﻫﲇ‪ ،‬أﺑﻰ ﻋﻤﺮ أ ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻠﻎ ﺣﺮص اﻟﻨﺒﻲ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﲆ اﻟﻌﺪ أ ﻳﺘﺄﺛﱠﻤﺎ ﻣﻤﺎ ﻻ إﺛﻢ ﻓﻴﻪ‪ ،‬أ ﻳﺘﺤ ﱠﺮﺟﺎ‬
‫ﻣﻤﺎ ﻻ ﺗﺘﺤﺮج ﻣﻨﻪ ﺿﻤﺎﺋﺮ اﻷﺗﻘﻴﺎء‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻃﺎﻟﺖ ﺧﻼﻓﺔ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻟﺮأﻳﻨﺎ ﻣﻨﻪ ﰲ ذﻟﻚ‬

‫‪16‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‬

‫اﻷﻋﺎﺟﻴﺐ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﺟﺎ زت ﻋﴩ ﺳﻨني‪ ،‬ﻓﺄراﻧﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺼﺪﻗﻪ‬

‫اﻟﻨﻔﻮس‪ .‬ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻳﺰﻋﻢ أ اﻟﺮ اة ﻗﺪ ﺗﻜﺜﱠﺮ ا ﻋﲆ ﻋﻤﺮ‪ ،‬أﺿﺎﻓﻮا إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﺪة أﻛﺜﺮ‬
‫ﻣﻤﺎ ﻛﺎ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺮء ﺳرية ﻋﻤﺮ ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﺴﻨﻦ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﺮﻗﻮ‬
‫ﰲ ﻏري ﻣﺸﻘﺔ ﺑني ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﻜﻮ اﻟﺮ اة ﻗﺪ ﺗﻜﻠﻔﻮ ﺑني ﻣﺎ ﻳﻼﺋﻢ ﺳرية ﻋﻤﺮ ﻃﺒﻌﻪ‬
‫ﻣﺰاﺟﻪ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث اﻟﻮاﻗﻌﺎت؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﺷﺪﻳﺪا ﻋﲆ اﻟﻨﺎس إﱃ أﻗﴡ ﺣﺪ د اﻟﺸﺪة‬
‫ﰲ ذات ﷲ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ أﺷﺪ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻣﺎ أﻋﺮ أ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻛﻠﻪ‬
‫ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﺠﺪ ﻟﻌﻤﺮ ﻧﻈريا ﰲ ﻫﺬا اﻟﻀﻤري اﻟﺤﻲ اﻟﺤﺴﺎس املﺘﺤﺮج املﺘﺄﺛﻢ اﻟﺬ ﻳﺨﺎ‬
‫ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺨﺎ ‪ ،‬ﻳﻨﻜﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻨﻜﺮ‪ ،‬ﻳﺄﺧﺬ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﴐ ب اﻟﺸﺪة‬
‫اﻟﻌﻨﻒ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ إﻻ أ ﻳﻜﻮ ﻣﻦ أ ﱄ اﻟﻌﺰ ‪ .‬اﻟﻨﺎس ﻳﻌﻠﻤﻮ أ ﻋﻤﺮ‬
‫رأ اﻟﺸﺪة اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﺎملﺴﻠﻤني ﰲ ﻋﺎ اﻟﺮﻣﺎدة‪ ،‬ﻓﺄﺑﻰ إﻻ أ ﻳﺸﺎر اﻟﻨﺎس ﰲ ﺷﺪﺗﻬﻢ‪،‬‬
‫ﻈﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ اﻟﻀﻴﻖ‪.‬‬ ‫أﺑﻰ إﻻ أ ﻳﺸﺎر ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﰲ ﻫﺬ اﻟﺸﺪة أﻋﻈﻤﻬﻢ ﺣ ٍّ‬
‫ﻋﺮ أ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻻ ﻳﺠﺪ اﻟﺴﻤﻦ‪ ،‬ﻓﺤ ﱠﺮ اﻟﺴﻤﻦ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﺻﱪﻫﺎ‬
‫ﻋﲆ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﺠﺎ اﻟﺰﻳﺖ؛ ﺛﻢ ﺷﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺰﻳﺖ‪ ،‬ﻓﺨﻴﻞ إﻟﻴﻪ أﻧﻪ ﻟﻮ ﻃﺒﺦ ﻻﻧﻜﴪت ﺣﺪﺗﻪ‬
‫ﻟﻜﺎ أﻳﴪ إﺳﺎﻏﺔ ﻫﻀﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺘﻘﺪ إﱃ ﻣﻮﻻ ﰲ أ ﻳﻄﺒﺦ ﻟﻪ اﻟﺰﻳﺖ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻃﻌﻤﻪ ﻣﻄﺒﻮﺧﺎ‬
‫ﻛﺎ أ ﺟﻊ ﻟﻪ أﺷﺪ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻗﺪ أﺛﺮ ذﻟﻚ ﰲ ﺻﺤﺘﻪ ﻓﺘﻐري ﻟﻪ ﻟﻮﻧﻪ‪ ،‬ﻋﺮ املﺴﻠﻤﻮ ذﻟﻚ ﻓﻠﻢ‬
‫ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮا أ ﻳﺮد ﻋﻨﻪ؛ ﻷﻧﻪ أﺑﻰ أ ﻳﺨﺼﺐ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺼﺐ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ املﺴﻠﻤني‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﻗﻂ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺪﺑﺮ ﻫﺬ اﻟﺪ ﻟﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ ذات اﻵﻓﺎ‬
‫اﻟﻮاﺳﻌﺔ اﻟﻔﺘﺢ اﻟﺒﻌﻴﺪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺮ ﻻﻳﺘﻪ ﻋﺠﺒﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺐ‬
‫ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺮاﺋﺐ‪ ،‬ﻳﻘﻮ ﻟﻨﻔﺴﻪ إذا ﺧﻼ إﻟﻴﻬﺎ‪ :‬ﺑﺦ ﺑﺦ ﻳﺎﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب؛ أﺻﺒﺤﺖ أﻣري‬
‫املﺆﻣﻨني! ﻣﺎ ﻳﺰا ﻳﺬﻛﺮ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼ ﺗﺮﻋﻴﱠﺔ ﻳﺮﻋﻰ ﻋﲆ أﺑﻴﻪ اﻟﺨﻄﺎب ﻏﻨﻴﻤﺔ‪،‬‬
‫ﻳﺤﺪﱢث اﻟﻨﺎس ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺤﺪﺛﻬﻢ ﺑﺎملﻜﺎ اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﺮﻋﻰ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻳﺤﺪﺛﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻠﻘﻰ ﻣﻦ‬
‫ﻄﺎب ﰲ ﻋﻤﻠﻪ ذا ﻣﻦ اﻟﺸﺪة اﻟﺠﻬﺪ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﺒﺨﻞ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻋﲆ ﻋﻤﻞ ﻣﻦ أﻋﻤﺎ‬ ‫اﻟﺨ ﱠ‬
‫ﺷﺎﻗﺎ‪ ،‬ﻗﺪ رﺋﻲ ذات ﻳﻮ ﰲ ﺣﻈرية إﺑﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻳﺤﴢ ﻫﺬ‬ ‫املﺴﻠﻤني ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻋﺴريا ٍّ‬
‫اﻹﺑﻞ ﻳﺼﻔﻬﺎ ﺻﻔﺎ دﻗﻴﻘﺎ ﻣﺴﺘﻘﴡ‪ ،‬ﻳﻘﻮ ذﻟﻚ ﻟﻌﲇ ﻳﺆد ﻋﲇ ﻋﻨﻪ ذﻟﻚ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ‪،‬‬
‫ﻓﻴﻜﺘﺒﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ اﻟﺼﺤﻒ‪ ،‬ﺣﺘﻰ أﻋﺠﺐ ﻋﲇ ﱞ ﻣﻨﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺘﻼ ﻣﺎ ﺟﺎء ﰲ اﻟﻘﺮآ ﻋﲆ ﻟﺴﺎ‬
‫اﺑﻨﺔ ﺷﻌﻴﺐ ﰲ ﻣﻮﳻ‪﴿ :‬ﻳﺎ أﺑﺖ اﺳﺘﺄﺟﺮ ۖ إ ﱠ ﺧري ﻣﻦ اﺳﺘﺄﺟﺮت اﻟﻘﻮ ﱡ اﻷﻣني﴾‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎ ‪:‬‬
‫ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻘﻮ اﻷﻣني‪ .‬رأ اﻟﻨﺎس ﻋﻤﺮ ﻳﻄﲇ إﺑﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﺑﺎﻟﻘﻄﺮا ﻳﻬﻨﺄ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮاﺿﻊ‬
‫اﻟﻨﻘﺐ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺮﻋﺎة املﺴﺘﻀﻌﻔﻮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻻ ﻳﺠﺪ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺸﻘﺔ ﻻ ﻳﺮ ﻣﻨﻪ‬

‫‪17‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺑﺄﺳﺎ؛ ﻛﺎ ﺑﻌﺪ ﺷﺪﺗﻪ ﻫﺬ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺸﺘﺪ ﻋﲆ أﻫﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺮﻫﻘﻬﻢ ﻣﻦ أﻣﺮﻫﻢ‬
‫ﻋﴪا‪ ،‬ﻛﺎ إذا ﻧﻬﻰ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﳾء ﺣﺬرﻫﻢ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ إ ﻓﻌﻠﻮ ‪ ،‬ﺟﻤﻊ إﻟﻴﻪ أﻫﻠﻪ ﻗﺎ‬
‫ﻟﻬﻢ‪ :‬إﻧﻲ ﻗﺪ ﻧﻬﻴﺖ املﺴﻠﻤني ﻋﻦ ﻛﺬا ﺣﺬرﺗﻬﻢ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ إ أﺗﻮ ‪ ،‬إ اﻟﻨﺎس ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻜﻢ‬
‫ملﻜﺎﻧﻜﻢ ﻣﻨﻲ؛ ﻓﻼ أﻋﺮﻓﻦ أ أﺣﺪﻛﻢ ﻗﺪ أﺗﻰ ﻣﺎ ﻧﻬﻴﺖ ﻋﻨﻪ اﻟﻨﺎس إﻻ أﺿﻌﻔﺖ ﻟﻪ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﰲ ﻋﺎ اﻟ ﱠﺮﻣﺎدة ﻳﺘﺘﺒﻊ ﻃﻌﺎ أﻫﻠﻪ ﺗﺘﺒﻌﺎ دﻗﻴﻘﺎ؛ ﻓﺈ رأ ﻋﻨﺪ أﺣﺪﻫﻢ ﻳﴪا أ‬
‫ﺳﻌﺔ رد ﻋﻦ ذﻟﻚ ردٍّا ﻋﻨﻴﻔﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻛﺎ ﺑﻌﺪ أ ﻳﻌﻨﻒ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺑﺄﻫﻠﻪ ﻫﺬا اﻟﻌﻨﻒ ﻻ ﻳﺘﺤﺮج‬
‫ﰲ أ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻨﺎس ﺑﺴﻴﺎﺳﺘﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺻﻔﻬﺎ ﺣني ﻗﺎ ‪» :‬ﺷﺪة ﰲ ﻏري ﻋﻨﻒ‪ ،‬ﻟني ﰲ ﻏري‬
‫ﺿﻌﻒ‪«.‬‬
‫ر أﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﻘﺴﻢ ﻣﺎﻻ ﺑني املﺴﻠﻤني ذات ﻳﻮ ﻗﺪ ازدﺣﻢ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺒﻞ ﺳﻌﺪ‬
‫ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص رﺣﻤﻪ ﷲ‪ ،‬ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ‪ ،‬ﺑﻼؤ ﰲ ﻓﺘﺢ ﻓﺎرس ﺑﻼؤ ‪ ،‬ﻓﺰاﺣﻢ‬
‫اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ زﺣﻤﻬﻢ ﺧﻠﺺ إﱃ ﻋﻤﺮ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ إﻻ أ ﻋﻼ ﺑﺎﻟ ﱢﺪ ﱠرة‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬ﻟﻢ ﺗﻬﺐ‬
‫ﺳﻠﻄﺎ ﷲ ﰲ اﻷرض‪ ،‬ﻓﺄردت أ أﻋﻠﻤﻚ أ ﺳﻠﻄﺎ ﷲ ﻻ ﻳﻬﺎﺑﻚ!‬
‫ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎ ﺣﺮص ﻋﻤﺮ ﻋﲆ أ ﻳﺴﻮ ﺑني اﻟﻨﺎس ﺑني أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ،‬ﻋﲆ أ ﻳﺴﻮ ﺑني‬
‫اﻟﻨﺎس ﺑني ﻧﻔﺴﻪ أﻫﻠﻪ‪ .‬ﻛﻞ ﻫﺬا ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ ﺳريﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎ ﻳﺴريﻫﺎ ﰲ ﻛﻞ‬
‫ﻳﻮ ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻫﺬ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة ﻋﻤﺮ أﻳﴪ اﻟﻨﻮاﺣﻲ أﻫﻮﻧﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺪة‬
‫اﻟﺠﻬﺪ؛ ﻓﻬﻨﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺬ ﻋﻤﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻬﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻟﺨﻼﻓﺘﻪ ﴍﻳﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎﺟﺎ؛‬
‫أ ذﻟﻚ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ أﻋﻼ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر؛ ﻓﻬﺆﻻء‬
‫ﻫﻢ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﰲ اﻹﺳﻼ أﺻﺤﺎب املﻜﺎﻧﺔ املﻤﺘﺎزة ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬إﻟﻴﻬﻢ اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ‬
‫ﰲ ﻛﻞ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻳﺆد إﻟﻴﻬﻢ ﻋﻤﺮ ﺣﺴﺎﺑﻪ ﻋﻦ ﺗﴫﻓﻪ ﰲ ﻛﻞ أﻣﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﻌﺎﻣﺔ‪،‬‬
‫ﻳﺴﺘﺸريﻫﻢ ﰲ اﻟﺠﻠﻴﻞ اﻟﺨﻄري ﻣﻦ املﺼﺎﻟﺢ‪ ،‬ﻳﺮ أﻧﻪ ﻗﺪ ﱢﱄ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻟﻴﺲ ﺧريﻫﻢ‪ ،‬ﻓﻤﺎ‬
‫ﻋﴗ أ ﺗﻜﻮ ﺳريﺗﻪ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻊ ذﻟﻚ؟ ﻣﺎ ﻋﴗ أ ﺗﻜﻮ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﻟﻬﻢ؟ أﺧﺬﻫﻢ ﺑﺎﻟﺤﺰ‬
‫اﻟﺮﻓﻖ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻓﺠﻌﻠﻬﻢ ﻧﻈﺮاء ﺧﺎﺻﺘﻪ أﺻﻔﻴﺎء ذ ﻣﺸﻮرﺗﻪ؛ ﻟﻜﻨﻪ ﺧﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ ،‬ﺧﺎ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻔﺘﻨﺔ أﻳﻀﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺴﻜﻬﻢ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻻ ﻳﺨﺮﺟﻮ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﺑﺈذﻧﻪ‪ ،‬ﺣﺒﺴﻬﻢ‬
‫ﻋﻦ اﻷﻗﻄﺎر املﻔﺘﻮﺣﺔ ﻻ ﻳﺬﻫﺒﻮ إﻟﻴﻬﺎ إﻻ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻨﻪ‪ .‬ﺧﺎ ﻣﻨﻬﻢ أ ﻳﻔﺘﺘﻦ ﺑﻬﻢ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﺧﺎ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ أ ﻳﻐﺮﻫﻢ اﻓﺘﺘﺎ اﻟﻨﺎس ﺑﻬﻢ‪ ،‬ﺧﺎ ﻋﲆ اﻟﺪ ﻟﺔ أﻋﻘﺎب ﻫﺬا اﻻﻓﺘﺘﺎ ‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ‬
‫ﰲ أ ﻫﺬا ﻗﺪ ﺷﻖ ﻋﲆ ﻛﺜري ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﺧﺎﺻﺔ‪.‬‬
‫آﻳﺔ ذﻟﻚ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺘﻮﱃ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني ﺣﺘﻰ ﻓ ﱠﻚ ﻋﻨﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﻌﻘﺎ أذ ﻟﻬﻢ‬
‫ﻓﺘﻔﺮﻗﻮا ﰲ اﻷرض‪ ،‬ﻓﺮﺿﻮا ﻋﻨﻪ ﻛﻞ اﻟﺮﺿﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﺗﻤﺾ أﻋﻮا ﺣﺘﻰ ﺿﺎﻗﻮا ﺑﻪ أﺷﺪ اﻟﻀﻴﻖ‪،‬‬

‫‪18‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‬

‫ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﴚ ﻋﻤﺮ أ ﺗﻜﻮ ‪ .‬ﺛﻢ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﻓﺮض ﻟﻜﻞ اﺣﺪ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻄﺎء ﻋﲆ ﻣﻜﺎﻧﺎﺗﻬﻢ ﺳﺎﺑﻘﺎﺗﻬﻢ ﰲ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻋﲆ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ ﻗﺮاﺑﺘﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ‪،‬‬
‫ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﺮ أ ﻓﻴﻤﺎ ﻓﺮض ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻄﺎء ﻣﺎ ﻳﻐﻨﻴﻬﻢ ﻳﻜﻔﻴﻬﻢ اﻟﺴﻌﻲ اﻻﻛﺘﺴﺎب‪،‬‬
‫ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻣﻊ ذﻟﻚ اﻛﺘﺴﺒﻮا اﺗﺠﺮ ا‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺿﺎرب‪ ،‬ﻓﻌﻈﻢ ﺛﺮاؤﻫﻢ ﻛﺜﺮت أﻣﻮاﻟﻬﻢ‪،‬‬
‫ﻓﺘﻮﺳﻌﻮا ﰲ اﻟﻐﻨﻰ ﺗﻮﺳﻌﻮا ﰲ اﻟﻌﻄﺎء أﻳﻀﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻋﻤﺮ أ ﻳﻤﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ أ‬
‫ﻳﻜﺘﺴﺒﻮ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻠﻢ ﻳﺮدﻫﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺎرة ﻻ‬ ‫ﻳﺮدﻫﻢ ﻋﻨﻪ؛ ﻓﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﺠﺮ‬
‫ﻋﻦ اﻻﻛﺘﺴﺎب‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻋﻤﺮ رأ ﺛﺮاءﻫﻢ ﺛﺮاء ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺑﻔﻀﻞ ﻣﺎ أﻓﺎء ﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫ﻣﻦ ﻏﻨﺎﺋﻢ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬ اﻷﻋﻄﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮزع ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﻞ ﻋﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺮض ﻋﻦ‬
‫ذﻟﻚ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﻄﺐ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻟﻮ اﺳﺘﻘﺒﻠﺖ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻣﺎ اﺳﺘﺪﺑﺮت‪ ،‬ﻷﺧﺬت‬
‫ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻓﻀﻮ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻓﺮددﺗﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮاء‪ «.‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻣ ﱠﺪ ﻟﻌﻤﺮ ﰲ أﺳﺒﺎب اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻜﺎ‬
‫ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﻳﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻨﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﻋﺠﺒﺎ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻛﺜﺮت أﻣﻮا املﺴﻠﻤني ﺑﻔﻀﻞ اﻟﻔﺘﺢ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻮﻗﻒ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺗﻬﺎ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺤرية‬
‫اﻟﺴﻨﱠﺔ املﻮر ﺛﺔ ﻻ ﻳﻼﺋﻢ ﺗﻄﻮر اﻟﺤﻴﺎة‪،‬‬‫أ ﻻ ﺷﺎ ر أﺻﺤﺎﺑﻪ؛ ﻓﺄﻣﺎ ﻋﲇ ﱞ ﻓﺄﺷﺎر ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻼﺋﻢ ﱡ‬
‫ﻓﻘﺎ ﻟﻪ‪ :‬ﺗﻘﺴﻢ ﻣﺎ ﻳﺮد ﻣﻦ اﻷﻣﻮا ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا ﺣﺎ اﻟﺤﻮ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ درﻫﻢ ﻻ‬
‫دﻳﻨﺎر إﻻ ذﻫﺐ إﱃ ﻣﺴﺘﺤﻘﻪ‪ .‬أﻣﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻘﺎ ﻟﻪ‪ :‬أر ﻣﺎﻻ ﻛﺜريا‪ ،‬إذا ﻟﻢ ﻳﻀﺒﻂ ﺧﺸﻴﺖ‬
‫أ ﻳﻨﺘﴩ اﻷﻣﺮ‪ .‬ﺛﻢ اﻧﺘﻬﻰ ﻋﻤﺮ ﰲ اﻟﻘﺼﺔ املﻌﺮ ﻓﺔ إﱃ أ د ﱠ اﻟﺪ ا ﻳﻦ‪ ،‬ﻓﺮض ﻟﻠﻨﺎس‬
‫أﻋﻄﻴﺎﺗﻬﻢ‪ ،‬أﻣﺴﻚ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ملﺼﺎﻟﺢ املﺴﻠﻤني اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﺎ ﻳﺘﺠﺎ ز ﻫﺬ اﻷﻋﻄﻴﺎت‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ اﻟﺤﻮادث أ أﻇﻬﺮت ﺻﻮاب ﻫﺬا اﻟﺮأ اﻟﺬ أﺷﺎر ﺑﻪ ﻋﺜﻤﺎ اﻟﺬ ﻛﺎ‬
‫ﻳﻼﺋﻢ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﺷﻴﺎء ﰲ د ﻟﺔ ﻣﺘﺤﴬة أ ﺗﺮﻳﺪ أ ﺗﺘﺤﴬ؛ ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎ ﻋﺎ اﻟﺮﻣﺎدة ﺟﺪ‬
‫ﻋﻤﺮ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻣﺎ أﺗﺎح ﻟﻪ أ ﻳﻘﻴﻢ أﻣﺮ اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻴﻪ اﻟﻐﻮث ﻣﻦ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫ﻳﻘﻮ ‪ :‬ﻧﻄﻌﻢ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ أدﺧﻠﻨﺎ ﻋﲆ ﻛﻞ أﻫﻞ ﺑﻴﺖ‬
‫ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻣﺜﻠﻬﻢ ﻣﻦ املﺤﺘﺎﺟني‪ ،‬ﻣﺎ ﻧﺰا ﻧﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﻄﻌﻢ املﺴﻠﻤﻮ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪.‬‬
‫ﻋﲆ أ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ املﺎ ﻛﺎ أﻳﴪ ﻣﺎ ذﻫﺐ إﻟﻴﻪ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻫﻮ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻗﻴﱢﻢ‬
‫ﻟﻪ ﺣﻈﻪ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﻦ إﻳﺜﺎر اﻟﻌﺪ اﻟﺮﻓﻖ ﺑﺎﻟﻨﺎس‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎ ﻣﺬﻫﺒﺎ ﻟﻌﻤﺮ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ املﺎ‬
‫ذﻫﺐ إﻟﻴﻪ ﻣﴣ ﻓﻴﻪ إﱃ ﻣﺪ ﺑﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻳﺨﻴﻞ إﱄ ﱠ أ اﻷﻣﻢ املﺘﺤﴬة ﺗﺤﺎ اﻵ أ ﺗﺬﻫﺐ‬
‫إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺘﺎح ﻟﻬﺎ ذﻟﻚ إﻻ ﰲ ﻣﺸﻘﺔ ﺷﺎﻗﺔ‪ ،‬ﻋﴪ ﻋﺴري‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﺮ ﻳﻌﻠﻦ أ ﻫﺬا املﺎ اﻟﺬ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﻔﻲء ﻣﻦ ﺟﺒﺎﻳﺔ اﻟﺠﺰﻳﺔ‬
‫اﻟﺨﺮاج‪ ،‬ﻣﻠﻚ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻻ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﻪ اﺣﺪ د اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻻ ﻳﺴﺘﺎﺛﺮ ﺑﻪ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ‬

‫‪19‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫اﻟﻨﺎس د ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﺮ أﻧﻪ املﺴﺌﻮ اﻷ اﻷﺧري ﻋﻦ ﺣﻔﻆ ﻫﺬا املﺎ‬
‫أ ﻻ‪ ،‬ﻋﻦ رد إﱃ أﻫﻠﻪ ﺛﺎﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ‪ :‬ﻟﻮ ﻧ ﱠﺪ ﺟﻤﻞ ﻣﻦ إﺑﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﰲ أﺑﻌﺪ اﻷرض‬
‫أ أﺻﺎﺑﻪ ﻣﻜﺮ ﻟﺨﺸﻴﺖ أ ﻳﺴﺄﻟﻨﻲ ﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﻮ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪ .‬ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ‪ :‬إ ﻋﺸﺖ ﻟﻴﺄﺗني‬
‫اﻟﺮاﻋﻲ ﰲ ﺟﺒﻞ ﺻﻨﻌﺎء ﻧﺼﻴﺒﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا املﺎ ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻗﺪ ﻓﺮض ﻟﻠﻨﺎس أﻋﻄﻴﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا املﺎ ؛ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻋﻄﺎؤ ‪ ،‬ﻟﻠﻤﺮأة ﻋﻄﺎؤﻫﺎ‪،‬‬
‫ﻟﻠﻄﻔﻞ ﻋﻄﺎؤ ‪ ،‬ﻟﻠﺸﻴﺦ اﻟﻔﺎﻧﻲ ذ اﻟﻌﺎﻫﺔ ﻋﻄﺎؤ ‪ .‬ﻛﺎ ﻳﺤﺴﺐ أﻧﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻌﺪ ﻣﺎ أراد‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺮ ذات ﻟﻴﻠﺔ ﻓﺴﻤﻊ ﺻﺒﻴٍّﺎ ﻳﺒﻜﻲ‪ ،‬ﻓﻤﴣ ﻟﺸﺄﻧﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﺮ ﺑﻪ ﺛﺎﻧﻴﺔ‬
‫ﻓﺴﻤﻌﻪ ﻳﺒﻜﻲ‪ ،‬ﻓﺴﺄ أﻣﻪ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﺟﻮاﺑﺎ ﻣﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺮ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﺴﻤﻌﻪ ﻳﺒﻜﻲ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫أﻟﺢ ﻋﲆ أﻣﻪ ﰲ اﻟﺴﺆا أﻧﺒﺄﺗﻪ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﺮﻳﻐﻪ ﻋﻦ اﻟﺮﺿﺎع‪ :‬ﻷ ﻋﻤﺮ ﻻ ﻳﻔﺮض ﻟﻸﻃﻔﺎ إﻻ ﺣني‬
‫ﻳﻔﻄﻤﻮ ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻋﻤﺮ ذﻟﻚ ﺟﺰع ﻟﻪ ﺟﺰﻋﺎ ﺷﺪﻳﺪا‪ .‬ﺛﻢ أﺻﺒﺢ ﻓﺄﻣﺮ ﻣﻦ أذﱠ ﰲ اﻟﻨﺎس‪ :‬ﻻ‬
‫ﺗﻌﺠﻠﻮا ﺑﻔﻄﺎ أﻃﻔﺎﻟﻜﻢ‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻔﺮض ﻷﻃﻔﺎ املﺴﻠﻤني ﻣﻨﺬ ﻳﻮﻟﺪ ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﻨﻔﺬ أﻣﺮ ﷲ ﰲ أﺧﺬ اﻟﺼﺪﻗﺎت‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎ ﻳﺘﺤﺮج ﰲ أﺧﺬﻫﺎ ﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ‬
‫ﺗﺤﺮﺟﺎ ﺷﺪﻳﺪا‪ ،‬اﻟﻨﺎس ﻳﻌﻠﻤﻮ أ أﻋﺮاﺑﻴٍّﺎ ﺳﺄ اﻟﻨﺒﻲ ذات ﻳﻮ ‪ :‬آهلل أﻣﺮ أ ﺗﺄﺧﺬ ﻫﺬ‬
‫اﻷﻣﻮا ﻣﻦ أﻏﻨﻴﺎﺋﻨﺎ ﻓﱰدﻫﺎ ﻋﲆ ﻓﻘﺮاﺋﻨﺎ؟ ﻓﻘﺎ ﻟﻪ اﻟﻨﺒﻲ‪ :‬اﻟﻠﻬﻢ ﻧﻌﻢ‪.‬‬
‫ﻓﻜﺎ ﻋﻤﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ ﻳﻌﺰ ﻋﲆ ﺳﻌﺎﺗﻪ أ ﻳﺘﺤﺮ ا اﻟﻌﺪ ﰲ أﺧﺬ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﻲ‬
‫ﻣﻦ أﺣﻴﺎء اﻟﻌﺮب‪ ،‬أ ﻳﺮد ا ﺻﺪﻗﺔ ﻛﻞ ﺣﻲ ﻋﲆ ﻓﻘﺮاﺋﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻐﻨﻮا ﻋﻦ املﺴﺄﻟﺔ‪ ،‬أ‬
‫ﻳﻌﻮد ا ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻔﻀﻞ ذﻟﻚ؛ ﻓﺈذا ﻋﺎد ا ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﻔﻀﻞ ﺣﺒﺴﻪ ﻋﲆ املﺼﺎر اﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﻬﺎ‬
‫ﷲ ﰲ اﻟﻘﺮآ ‪ ،‬ﻓﺄﻋﺎ ﺑﻬﺎ اﻟﻔﻘري املﺴﻜني اﺑﻦ اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﻐﺎرﻣني‪ ،‬ﻣﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻫﺬ‬
‫املﺼﺎر اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﻫﺎ ﷲ ﰲ آﻳﺔ اﻟﺼﺪﻗﺎت‪.‬‬
‫ﻣﺎ أذﻛﺮ اﻻﺷﱰاﻛﻴﺔ ﻣﺎ أذﻛﺮ اﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﺷﱰاﻛﻴﺔ ﻻ ﺷﻴﻮﻋﻴﺔ؛‬
‫ﻷﻧﻪ أﻗﺮ املﻠﻚ ﻛﻤﺎ أﻗﺮ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻘﺮآ ‪ ،‬ﻷﻧﻪ أذ ﰲ اﻟﻐﻨﻰ ﻛﻤﺎ أذ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻘﺮآ ‪ .‬ﻟﻜﻦ‬
‫أذﻛﺮ اﻟﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺬ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﰲ ﻏري إﻟﻐﺎء ﻟﻠﻤﻠﻚ ﻻ ﺗﺤﺮﻳﻢ ﻟﻠﻐﻨﻰ‪،‬‬
‫اﻟﺬ ﺗﺤﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ أ ﺗﺤﻘﻘﻪ ﻣﺤﺘﻔﻈﺔ ﻟﻠﻤﺎﻟﻜني ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻜﻮ ‪،‬‬
‫ﻟﻸﻏﻨﻴﺎء ﺑﻜﺜري ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻤﻌﻮ ‪.‬‬
‫أذﻛﺮ ﻣﴩ ع ﺑﻴڨﺮدج اﻟﺬ ﺣﺎ أ ﺗﻜﻔﻞ اﻟﺪ ﻟﺔ ﻟﻠﻨﺎس ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺻﺤﺘﻬﻢ‬
‫ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ ﻛﺮاﻣﺘﻬﻢ‪ ،‬د أ ﺗﻀﻄﺮﻫﻢ إﱃ أ ﻳﺴﺘﺬﻟﻮا أ ﻳﺴﺘﻐﻠﻮا‪ ،‬د أ ﺗﻐﺮﻳﻬﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﺘﺒﻄﻞ اﻟﻔﺮاغ‪.‬‬

‫‪20‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‬

‫أذﻛﺮ ﻃﻤﻮح اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ﻗﺼﻮرﻫﺎ ﻋﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺎ ﺗﻄﻤﺢ إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫أذﻛﺮ ﻣﺎ ﺣﺎ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺣﻘﻖ‪ ،‬ﻓﻼ أﺗﺮدد ﰲ أ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬ رﺛﺎ إﻧﻤﺎ أﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﺑﺎﻟﺤﻖ ﺣني ﻗﺎ ‪:‬‬

‫ﻳ ﺪ اﻟ ﻠ ﻪ ﻓ ﻲ ذا اﻷدﻳ ﻢ اﻟ ﻤ ﻤ ﺰ‬ ‫ﺟﺰ اﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮا ﻣﻦ إﻣﺎ ﺑﺎرﻛﺖ‬

‫ﻟ ﻴ ﺪر ﻣ ﺎ أدرﻛ ﺖ ﺑ ﺎﻷﻣ ﺲ ﻳ ﺴ ﺒ ﻖ‬ ‫ﻓﻤﻦ ﻳﺠﺮ أ ﻳﺮﻛﺐ ﺟﻨﺎﺣﻲ ﻧﻌﺎﻣﺔ‬
‫ﺑ ﻮاﺋ ﻖ ﻓ ﻲ أﻛ ﻤ ﺎﻣ ﻬ ﺎ ﻟ ﻢ ﺗ ﻔ ﺘ ﻖ‬ ‫ﻗ ﻀ ﻴ ﺖ أﻣ ﻮرا ﺛ ﻢ ﻏ ﺎدرت ﺑ ﻌ ﺪﻫ ﺎ‬

‫ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ رﻓﻴﻘﺎ ﺑﻌﻤﺎﻟﻪ ﻻﺗﻪ ﻻ ﻣﺴﻤﺤﺎ ﻟﻬﻢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺮاﻗﺒﻬﻢ أﺷﺪ‬
‫املﺮاﻗﺒﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﻻ ﻳﻮﱄ ﻋﺎﻣﻼ إﻻ أﺣﴡ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎﻟﻪ ﺣني اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ أﺣﺼﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺣني اﻟﻌﺰ ‪،‬‬
‫ﻓﺈ ﺟﺪ ﻓﺮﻗﺎ ﻗﺎﺳﻢ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻫﺬا اﻟﻔﺮ ‪ ،‬ﻓﱰ ﻟﻪ ﺷﻄﺮا رد اﻟﺸﻄﺮ اﻵﺧﺮ إﱃ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪،‬‬
‫ﴎا إﻋﻼﻧﺎ‬ ‫ﺛﻢ ﻛﺎ ﻳﺘﺘﺒﻊ ﺳرية ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ ﰲ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﺟﺪٍّا‪ ،‬ﻳﻌﺰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ٍّ‬
‫أﻻ ﻳﺆذ ا املﺴﻠﻤني ﰲ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻻ ﰲ أﺑﺸﺎرﻫﻢ ﻻ ﰲ أﺷﻌﺎرﻫﻢ ﻻ ﰲ أﻣﻮاﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﻠﻮ‬
‫ﺑﻌﺾ ﻻﺗﻪ ﰲ ﺑﻌﺾ ذﻟﻚ ﻓﻴﻘﻮ ‪» :‬ﻣﺘﻰ اﺳﺘﻌﺒﺪﺗﻢ اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﻟﺪﺗﻬﻢ أﻣﻬﺎﺗﻬﻢ أﺣﺮارا؟!«‬
‫ﻛﺎ ﻳﺸﺎ ر ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻮب ﻛﻞ ﻳﻮ ‪،‬‬
‫ﻳﴬب ﻟﻌﻤﺎﻟﻪ ﻣﻮﻋﺪا إذا ﻛﺎ املﻮﺳﻢ‪ ،‬ﻓﻴﺤﺞ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎ ﰲ أﻣﺮ اﻟﺮﻋﻴﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﰲ أﻣﺮ اﻟﻌﻤﺎ ‪ ،‬ﻳﺮد اﻷﻣﺮ ﰲ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ إﱃ ﻧﺼﺎﺑﻪ‪ .‬أﻛﺎد أﻋﺘﻘﺪ أ ﻋﻤﺮ ﻟﻮ‬
‫ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻪ أﺳﺒﺎب اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻨﻈﻢ اﻟﺸﻮر ﰲ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻣﺴﺘﻘ ٍّﺮا ﺑﺎﻗﻴﺎ‪ ،‬ﻳﻌﺼﻤﻬﻢ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻻﺧﺘﻼ ‪ ،‬ﻳﻜﻒ اﻟﻮﻻة ﻋﻦ اﻟﻈﻠﻢ اﻻﺳﺘﻌﻼء‪.‬‬
‫ﻟﻢ أﺗﺤﺪث ﻋﻦ ﺑﻼء ﻋﻤﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ ﻓﻴﻤﺎ دﺑﺮ ﻣﻦ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺤﻮا اﻷﻗﻄﺎر‬
‫ﻣﴫ ا اﻷﻣﺼﺎر أﻧﺸﺌﻮا ﻫﺬ اﻟﺪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ‪ ،‬ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ أﺣﺎ أ أﻛﺘﺐ‬
‫ﺗﺎرﻳﺦ ﻋﻤﺮ ﻻ أ أﻟﻢ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ إملﺎﻣﺎ ﻳﺴريا‪ ،‬إﻧﻤﺎ أردت إﱃ أ أﺑني أ اﻟﺴرية اﻟﺘﻲ ﺳﺎرﻫﺎ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ اﺟﺘﻬﺪ ﺻﺎﺣﺒﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﰲ أ ﻳﺘﺒﻌﺎﻫﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳرية ﻗﻮاﻣﻬﺎ اﻟﻌﺪ اﻟﺨﺎﻟﺺ‬
‫املﻄﻠﻖ اﻟﺬ ﻻ ﻳﺨﴙ ﰲ اﻟﺤﻖ ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ‪ ،‬اﻟﺬ ﻳﻌﻠﻢ أ ﷲ ﻳﺮاﻗﺒﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﰲ ﻛﻞ‬
‫ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺎت اﻟﻠﻴﻞ اﻟﻨﻬﺎر‪ ،‬ﻳﺮاﻗﺐ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻳﺮاﻗﺐ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﺧﻔﻲ ﻳﺴﺄ ﻣﻨﻪ‬
‫ﻋﻦ ﻛﻞ ﳾء‪ ،‬ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ أ اﻟﻨﺎس ﻳﺮاﻗﺒﻮﻧﻪ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪة أذ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻞ‬
‫ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﺮﺿﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻣﻜﻠﻔﻮ أ ﻳﻄﻴﻌﻮا اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﺎ اﺳﺘﻘﺎ ‪ ،‬أ ﻳﻘﻮﱢﻣﻮ إ اﻋﻮج‪،‬‬
‫أ ﻳﺴﺄﻟﻮ ﻋﻤﺎ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺳريﺗﻪ ﻟﻴﺘﺒﻌﻮ ﻋﻦ ﻋﻠﻢ‪ ،‬ﻳﺸري ا ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻦ ﺑﺼرية‬
‫ﻳﺨﺎﻟﻔﻮ ﻋﻦ ﻋﺰﻳﻤﺔ إﻋﺬار‪.‬‬

‫‪21‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻓﻬﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ اﻟﺴرية اﻟﺘﻲ ﺳﺎرﻫﺎ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬اﺟﺘﻬﺪ ﺻﺎﺣﺒﺎ ﰲ أ ﻳﺴرياﻫﺎ ﻣﺎ‬
‫اﺳﺘﻄﺎﻋﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼ‪ ،‬ﻣﻼﺋﻤﺔ ملﺎ ﻓﻄﺮ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﺛﺮة اﻟﻄﻤﻊ اﻟﺤﺮص ﻋﲆ‬
‫املﻨﺎﻓﻊ اﻟﻌﺎﺟﻠﺔ؟ ﻫﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ اﻟﺴرية ﻗﺎدرة ﻋﲆ أ ﺗﺒﻘﻰ ﺣﺘﻰ ﺗﻐري ﻣﻦ ﻃﺒﺎع اﻟﻨﺎس‬
‫ﻓﱰﻗﻰ ﺑﻬﻢ إﱃ املﺜﻞ اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﺘﻲ دﻋﺎ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﺎ ؟‬

‫‪22‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫أ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﺘﺒﻴﻨﻪ ﻟﻨﺴﺘﻄﻴﻊ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺆا ﻫﻮ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻫﺬ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺘﻲ‬

‫ﺣﻜﻤﺖ املﺴﻠﻤني ﻣﻨﺬ أﺳﺴﺖ اﻟﺪ ﻟﺔ ﺣني ﻫﺎﺟﺮ اﻟﻨﺒﻲ أﺻﺤﺎﺑﻪ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ أ ﻗﺘﻞ‬
‫ﻋﻤﺮ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻳﻈﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺨﺪﻋﻬﻢ ﻇﻮاﻫﺮ اﻷﻣﻮر أ ﻫﺬ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ‪،‬‬
‫أ ﺑﻌﺒﺎرة أد أ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺼري‪ ،‬ﻗﺪ ﻛﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﺛﻴﻮﻗﺮاﻃﻴٍّﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ‬
‫ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﳾء ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﳾء ﻋﲆ اﻟﺪﻳﻦ‪ .‬ملﺎ ﻛﺎ اﻟﺪﻳﻦ ﰲ ﻫﺬ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ دﻳﻨﺎ‬
‫ﺳﻤﺎ ﻳٍّﺎ ﻣﻨﺰﻻ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻳﻈﻦ أﺻﺤﺎب ﻫﺬا اﻟﺮأ أ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻜﻢ املﺴﻠﻤني ﰲ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﷲ‪ ،‬ﻣﻦ ﷲ ﺣﺪ ‪ ،‬ﻻ ﺗﺮ أ ﻟﻠﻨﺎس ﺷﺄﻧﺎ‬
‫ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎ ‪ ،‬ﻻ ﺗﺮ أ ﻣﻦ ﺣﻘﻬﻢ أ ﻳﺸﺎرﻛﻮا ﻓﻴﻪ‪ ،‬أ ﻳﻌﱰﺿﻮا ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬أ ﻳﻨﻜﺮ ا‬
‫ﻣﻨﻪ ﻗﻠﻴﻼ أ ﻛﺜريا‪ .‬ﻗﺪ ﻳﺨﻴﻞ إﱃ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺬﻫﺒﻮ ﻫﺬا املﺬﻫﺐ أ ﻣﻦ أﴏح اﻟﺪﻻﺋﻞ ﻋﲆ‬
‫ذﻟﻚ أﺻﺪﻗﻬﺎ‪ ،‬أ اﻟﻨﺒﻲ ﻫﻮ اﻟﺬ أﺳﺲ ﻫﺬ اﻟﺪ ﻟﺔ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ‪ ،‬ﻓﺎهلل أﻣﺮ أ‬
‫ﻳﻬﺎﺟﺮ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﷲ دﻋﺎ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ أﻫﻞ ﻣﻜﺔ إﱃ أ ﻳﻬﺎﺟﺮ ا ﻣﻌﻪ‪ ،‬ﷲ أ ﺣﻰ إﱃ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﺑﻤﺠﻤﻼت ﻣﻔﺼﻼت ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﷲ ﻗﺎ ﰲ ﺳﻮرة اﻟﻨﺠﻢ‪﴿ :‬ﻣﺎ ﺿ ﱠﻞ ﺻﺎﺣﺒﻜﻢ ﻣﺎ‬
‫ﻏﻮ ٰ * ﻣﺎ ﻳﻨﻄﻖ ﻋﻦ اﻟﻬﻮ ٰ * إ ﻫﻮ إ ﱠﻻ ﺣﻲ ﻳﻮﺣ ٰﻰ﴾‪.‬‬
‫ﷲ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني أ ﻳﻄﻴﻌﻮا ﷲ رﺳﻮﻟﻪ‪ ،‬ﺑني ﻟﻬﻢ أﻧﻬﻢ ﻟﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮا ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻜﻤﻮا‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﺷﺠﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﻀﻴﻔﻮ إﱃ ذﻟﻚ أ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻔﺔ رﺳﻮ ﷲ‪ ،‬أ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻔﺔ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻨﺰ اﻟﺤﻜﻢ إذ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ إﱃ ﻫﺬﻳﻦ اﻹﻣﺎﻣني اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ‪ ،‬اﻟﻨﺒﻲ‬
‫إﻧﻤﺎ ﺗﻠﻘﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻣﻦ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ؛ ﻓﻨﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ إذ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﻨﻈﺎ‬
‫اﻹﻟﻬﻲ ﻻ أﻛﺜﺮ ﻻ أﻗﻞ‪ .‬ﻻ أﺷﻚ ﰲ أ ﻫﺬا اﻟﺮأ أﺑﻌﺪ اﻵراء ﻋﻦ اﻟﺼﻮاب؛‬ ‫ﱡ‬ ‫اﻟﺘﻴﻮﻗﺮاﻃﻲ‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎ اﻹﺳﻼ ﻣﺎ زا دﻳﻨﺎ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﳾء ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﳾء‪ ،‬ﺟﻪ اﻟﻨﺎس إﱃ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﰲ‬
‫اﻟﺪﻧﻴﺎ ﰲ اﻵﺧﺮة ﺑﻤﺎ ﺑني ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺪ د اﻷﺣﻜﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺘﻮﺣﻴﺪ أ ﻻ‪ ،‬ﺑﺘﺼﺪﻳﻖ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﻠﺒﻬﻢ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻤﻠﻚ‬ ‫اﻟﻨﺒﻲ ﺛﺎﻧﻴﺎ‪ ،‬ﺑﺘﻮﺧﻲ اﻟﺨري ﰲ اﻟﺴرية ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‪،‬‬
‫د اﻟﺘﻲ رﺳﻤﻬﺎ ﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺤﺺ ﻋﻠﻴﻬﻢ‬ ‫ﻋﻠﻴﻬﻢ أﻣﺮﻫﻢ ﻛﻠﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﺮ ﻟﻬﻢ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ ﰲ اﻟﺤﺪ‬
‫إﻧﻤﺎ ﺗﺮ ﻟﻬﻢ ﻋﻘﻮﻻ ﺗﺴﺘﺒﴫ‪ ،‬ﻗﻠﻮﺑﺎ‬ ‫ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻔﻌﻠﻮا‪ ،‬ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﱰﻛﻮا‪،‬‬
‫املﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ املﺼﺎﻟﺢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﺎ‬ ‫ﺗﺴﺘﺬﻛﺮ‪ ،‬أذ ﻟﻬﻢ ﰲ أ ﻳﺘﻮﺧﻮا اﻟﺨري اﻟﺼﻮاب‬
‫ﺟﺪ ا إﱃ ذﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼ‪.‬‬
‫ﻗﺪ أﻣﺮ ﷲ ﻧﺒﻴﻪ أ ﻳﺸﺎ ر املﺴﻠﻤني ﰲ اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻛﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﺘﻨﺰﻻ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء‬
‫ﻷﻣﴣ اﻟﻨﺒﻲ ﻛﻞ ﳾء ﺑﺄﻣﺮ رﺑﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﺎ ر ﻓﻴﻪ أﺣﺪا ﻟﻢ ﻳﺆاﻣﺮ ﻓﻴﻪ ﻟﻴٍّﺎ ﻣﻦ أ ﻟﻴﺎﺋﻪ‪ ،‬ﻓﻜﻴﻒ‬
‫ﻈﺎ ﻏﻠﻴﻆ اﻟﻘﻠﺐ ﻻﻧﻔ ﱡﻀﻮا ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻚ ۖ ﻓﺎﻋﻒ ﻋﻨﻬﻢ اﺳﺘﻐﻔﺮ‬ ‫ﷲ ﻳﻘﻮ ﻟﻪ‪ ﴿ :‬ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻓ ٍّ‬
‫ﻟﻬﻢ ﺷﺎ رﻫﻢ ﰲ اﻷﻣﺮ﴾‪ .‬ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻫﺬ اﻵﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﺰ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآ ﺑﻌﺪ ﻣﺤﻨﺔ‬
‫أﺣﺪ‪ ،‬ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺸﻮرة أﺻﺤﺎﺑﻪ ﰲ ﻏﺰ ة ﺑﺪر ﺣني ﻧﺰ ﺑﻬﻢ ﻣﻨﺰﻻ ﻓﺴﺄﻟﻪ ﺑﻌﻀﻬﻢ‪ :‬أﻋﻦ‬
‫أﻣﺮ ﻣﻦ ﷲ ﻧﺰ ﺑﻬﻢ ﻫﺬا املﻨﺰ ‪ ،‬أ ﻫﻮ اﻟﺮأ املﻜﻴﺪة؟ ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﺑﻞ ﻫﻮ اﻟﺮأ املﻜﻴﺪة‪.‬‬
‫ﻓﺄﺷري ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬ أ ﻳﻤﴤ ﺑﺎملﺴﻠﻤني ﻋﻦ ﻫﺬا املﻨﺰ اﻟﺬ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻼﺋﻢ ﺧﻄﻂ اﻟﺤﺮب‬
‫ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺰ ﺑﻬﻢ ﰲ املﻨﺰ املﻼﺋﻢ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻦ املﺎء‪ .‬ﺛﻢ ﻗﺒﻞ رأ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﻌﺪ ﻗﻌﺔ ﺑﺪر ﻓﻴﻤﺎ‬
‫ﻛﺎ ﻣﻦ أﻣﺮ اﻷﴎ ‪ ،‬ﺗﻌﺮض ﰲ ذﻟﻚ ملﺎ أﺻﺎﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻠﻮ اﻟﺬ ﻧﺰ ﺑﻪ اﻟﻘﺮآ ﰲ ﻗﻮ ﷲ‬
‫ﻋﺰ ﺟﻞ‪﴿ :‬ﻣﺎ ﻛﺎ ﻟﻨﺒ ﱟﻲ أ ﻳﻜﻮ ﻟﻪ أﴎ ٰ ﺣﺘﱠ ٰﻰ ﻳﺜﺨﻦ ﰲ اﻷرض ۚ ﺗﺮﻳﺪ ﻋﺮض اﻟﺪﱡﻧﻴﺎ‬
‫ﷲ ﻳﺮﻳﺪ اﻵﺧﺮة﴾‪ .‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺮ ﺣني ﺑﻠﻐﻪ ﺳري ﻗﺮﻳﺶ إﻟﻴﻪ ﰲ ﻗﻌﺔ أﺣﺪ أ ﻳﻘﻴﻢ‬
‫ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻻ ﻳﺨﺮج ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻪ ﻟﻠﻘﺎء ﻗﺮﻳﺶ ﺑﺎﻟﻌﺮاء‪ ،‬أ ﻳﺬ د ﻗﺮﻳﺸﺎ إ ﻫﺎﺟﻤﺖ املﺪﻳﻨﺔ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬اﻷﻧﺼﺎر ﻣﻨﻬﻢ ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬أﻟﺤﻮا ﰲ اﻟﺨﺮ ج إﱃ ﻋﺪ ﻫﻢ‪ ،‬ﻓﻨﺰ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻨﺪ‬
‫رأﻳﻬﻢ‪ ،‬ﺛﻢ دﺧﻞ ﻟﻴﻠﺒﺲ ﻷﻣﺘﻪ‪ ،‬ﻧﺪ املﺴﻠﻤﻮ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ﻷﻧﻬﻢ اﺳﺘﻜﺮﻫﻮا رﺳﻮ ﷲ ﻋﲆ ﻣﺎ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺤﺐ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮج إﻟﻴﻬﻢ ﰲ ﺳﻼﺣﻪ اﻋﺘﺬر ا إﻟﻴﻪ اﺳﺘﺄذﻧﻮ ﰲ اﻟﺮﺟﻮع إﱃ رأﻳﻪ‪ ،‬ﻓﺄﺑﻰ‬
‫ﻣﴣ ﻋﲆ ﻋﺰﻳﻤﺘﻪ‪ .‬ﻟﻮ ﻛﺎ اﻟﺤﻜﻢ إﻟﻬﻴٍّﺎ ﻳﺘﻨﺰ داﺋﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ملﺎ اﺳﺘﻄﺎع املﺴﻠﻤﻮ‬
‫أ ﻳﺴﺘﻜﺮﻫﻮا رﺳﻮ ﷲ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ‪ ،‬ملﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻨﻬﻢ ذﻟﻚ ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻜﻦ اﻟﻈﺮ ‪.‬‬
‫ﻋﻦ املﺸﻮرة اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ رأ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺻﺪر اﻟﻨﺒﻲ ﺣني أﻣﺮ ﺑﺤﻔﺮ اﻟﺨﻨﺪ ﰲ ﻏﺰ ة‬
‫اﻷﺣﺰاب‪.‬‬
‫ﻓﻔﻲ ﻫﺬ املﻮاﻃﻦ ﻛﻠﻬﺎ ﰲ ﻣﻮاﻃﻦ أﺧﺮ ﺷﺎ ر اﻟﻨﺒﻲ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻗﺒﻞ رأﻳﻬﻢ ﻋﻦ‬
‫رﺿﺎ‪ ،‬أ ﻧﺰ ﻋﻨﺪ رأﻳﻬﻢ إﻳﺜﺎرا ﻟﺮﺿﺎﻫﻢ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻮ اﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ ﺷﺎ ر اﻟﻨﺒﻲ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﻌﺪ‬
‫أ ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﺎ ﻋﺮﺿﺖ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻮع ﻋﻦ ﻣﻜﺔ ﻋﺎﻣﻪ ذا د أ ﻳﺰ ر اﻟﺒﻴﺖ‪،‬‬
‫ﻓﻜﺮ أﺻﺤﺎﺑﻪ إﺟﺎﺑﺔ ﻗﺮﻳﺶ إﱃ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﺖ‪ ،‬أﻟﺢﱠ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺿﺎ ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎﺑﻪ‬

‫‪24‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ﺑﻬﺬا اﻹﻟﺤﺎح‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻗﺎ ﻟﻪ ﻋﻤﺮ‪ :‬ﻟﻢ ﻧﻌﻄﻲ اﻟﺪﱠﻧﻴﱠﺔ ﰲ دﻳﻨﻨﺎ؟! ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻇﻬﺮ اﻟﻐﻀﺐ ﰲ ﺟﻪ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬أﻧﺎ رﺳﻮ ﷲ ﻋﺒﺪ ‪ .‬ﻓﻌﻠﻢ املﺴﻠﻤﻮ أ اﻷﻣﺮ ﻟﻴﺲ أﻣﺮ ﻣﺸﻮرة ﻣﻔﺎ ﺿﺔ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﻫﻮ أﻣﺮ ﻗﺪ ﻧﺰ ﺑﻪ اﻟﻮﺣﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء‪ ،‬ﻓﺘﺎﺑﻮا إﱃ ﷲ ﺛﺎﺑﻮا إﱃ ﻧﺒﻴﻬﻢ‪ ،‬أﻧﺰ ﷲ ﰲ‬
‫ذﻟﻚ‪﴿ :‬إﻧﱠﺎ ﻓﺘﺤﻨﺎ ﻟﻚ ﻓﺘﺤﺎ ﻣﱡ ﺒﻴﻨﺎ﴾ إﱃ آﺧﺮ اﻵﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻮ أردﻧﺎ أ ﻧﺴﺘﻘﴢ املﻮاﻃﻦ اﻟﺘﻲ ﺷﺎ ر ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻟﻄﺎ ﺑﻨﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ إﱃ‬
‫أﺑﻌﺪ ﻣﻤﺎ ﻧﺮﻳﺪ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﰲ ﻫﺬ اﻷﺣﺪاث اﻟﻴﺴرية اﻟﺘﻲ ر ﻳﻨﺎﻫﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻹﺛﺒﺎت أ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ‬
‫أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﻨﺰ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﰲ ﺟﻤﻠﺘﻪ ﺗﻔﺼﻴﻠﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﻟﻮﺣﻲ ﻛﺎ ﻳﻮﺟﻪ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫أﺻﺤﺎﺑﻪ إﱃ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ د أ ﻳﺤﻮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني ﻫﺬ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻬﻢ أ ﻳﺪﺑﺮ ا أﻣﺮﻫﻢ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺤﺒﻮ ﰲ ﺣﺪ د اﻟﺤﻖ اﻟﺨري اﻟﻌﺪ ‪ .‬رﺑﻤﺎ ﻛﺎ‬
‫ﻣﻦ أﺻﺪ اﻷدﻟﺔ أﻗﻄﻌﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻧﺬﻫﺐ إﻟﻴﻪ أ اﻟﻘﺮآ ﻟﻢ ﻳﻨﻈﻢ أﻣﻮر اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎ‬
‫ﻣﺠﻤﻼ أ ﻣﻔﺼﻼ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺪ اﻹﺣﺴﺎ إﻳﺘﺎء ذ اﻟﻘﺮﺑﻰ ﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻔﺤﺸﺎء‬
‫املﻨﻜﺮ اﻟﺒﻐﻲ‪ ،‬رﺳﻢ ﻟﻬﻢ ﺣﺪ دا ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺮ ﻟﻬﻢ ﺗﺪﺑري أﻣﻮرﻫﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺒﻮ ﻋﲆ أﻻ‬
‫ﻳﺘﻌﺪ ا ﻫﺬ اﻟﺤﺪ د‪ ،‬أ اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻢ ﻳﺮﺳﻢ ﺑﺴﻨﱠﺘﻪ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻣﻌﻴﻨﺎ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻻ ﻟﻠﺴﻴﺎﺳﺔ‪،‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺨﻠﻒ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني أﺣﺪا ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﻌﻬﺪ ﻣﻜﺘﻮب أ ﻏري ﻣﻜﺘﻮب ﺣني ﺛﻘﻞ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ املﺮض‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻣﺮ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻓﺼﲆ ﺑﺎﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻗﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‪ :‬رﺿﻴﻪ رﺳﻮ‬
‫ﷲ ﻷﻣﻮر دﻳﻨﻨﺎ ﻓﻤﺎ ﻳﻤﻨﻌﻨﺎ أ ﻧﺮﺿﺎ ﻷﻣﻮر دﻧﻴﺎﻧﺎ؟! ﻟﻮ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻧﻈﺎ ﺳﻴﺎﳼ‬
‫ﻣﻨﺰ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻟﺮﺳﻤﻪ اﻟﻘﺮآ أ ﻟﺒني اﻟﻨﺒﻲ ﺣﺪ د أﺻﻮﻟﻪ‪ ،‬ﻟﻔﺮض ﻋﲆ املﺴﻠﻤني‬
‫اﻹﻳﻤﺎ ﺑﻪ اﻹذﻋﺎ ﻟﻪ ﰲ ﻏري ﻣﺠﺎدﻟﺔ ﻻ ﻣﻨﺎﺿﻠﺔ ﻻ ﻣﻤﺎراة‪.‬‬
‫أﺧﺮ ﺗﺪ ﻋﲆ أ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ إﻟﻬﻴٍّﺎ ﻣﻨﺰﻻ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺴﻤﺎء‪ ،‬ﻫﻲ اﻟﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻨﻬﺎ رﺳﻮ ﷲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﺣﺘﻰ ﰲ أﻳﺎﻣﻪ ﻫﻮ‪ ،‬اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ‬
‫ﻳﻌﻠﻤﻮ أﻧﻪ اﺳﺘﻨﻔﺮ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻟﻮﻗﻌﺔ ﺑﺪر ﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮﻫﻢ ﺑﻬﺎ أﻣﺮا‪ ،‬إﻧﻤﺎ دﻋﺎﻫﻢ إﻟﻴﻬﺎ رﻏﺒﻬﻢ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺪﻫﻢ ﺑﺄﻣﺮ ﷲ إﺣﺪ اﻟﺤﺴﻨﻴني‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﻌﻬﺪ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني اﻷﻧﺼﺎر أﻻ ﻳﺨﺮﺟﻬﻢ‬
‫ﻟﻘﺘﺎ ‪ ،‬أ ﻳﺪاﻓﻌﻮا ﻋﻨﻪ إذا ﺗﻌﺮض ﻟﻸذ ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺰ ة ﺑﺪر ﺷﺎ ر أﺻﺤﺎﺑﻪ اﻧﺘﻈﺮ‬
‫أ ﻳﺪﻟﻮا إﻟﻴﻪ ﺑﺂراﺋﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻤﺾ ﺑﻬﻢ إﱃ اﻟﻘﺘﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﺎ ﻟﻪ زﻋﻤﺎء اﻷﻧﺼﺎر‪ :‬ﻟﻮ ﺳﻠﻜﺖ‬
‫ﺑﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺮ ﻻﺗﺒﻌﻨﺎ ‪ ،‬ﻓﻌﺮ أﻧﻬﻢ ﻳﺮﺿﻮ أ ﻳﺨﺮﺟﻮا ﻣﻌﻪ ﻟﻠﻘﺘﺎ ‪ .‬اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ‬
‫ﻳﻌﻠﻤﻮ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﻘﺘﺎ ﻗﺮﻳﺶ ﺣني ﺑﻠﻐﻪ أﻧﻬﺎ ﻣﻜﺮت ﺑﻌﺜﻤﺎ ﻳﻮ اﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﻧﺪﺑﻬﻢ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺒﺎﻳﻌﻮ ﻋﲆ املﻮت‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﺷﺎء أﺣﺪﻫﻢ أﻻ ﻳﺒﺎﻳﻊ ﻟﻜﺎ ﻟﻪ ﻣﺨﺮج‪،‬‬
‫ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺑﺎﻳﻌﻮ ﺟﻤﻴﻌﺎ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺆﻣﻨﻮ ﺑﻪ ﺑﺎهلل اﻟﺬ أرﺳﻠﻪ ﻳﺴﺘﺠﻴﺒﻮ إذا دﻋﺎﻫﻢ‪.‬‬

‫‪25‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻗﺪ أﻧﺰ ﷲ ﰲ ﻫﺬ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﻔﺘﺢ‪﴿ :‬إ ﱠ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﺎﻳﻌﻮﻧﻚ إﻧﱠﻤﺎ ﻳﺒﺎﻳﻌﻮ ﷲ ﻳﺪ‬
‫ﷲ ﻓﻮ أﻳﺪﻳﻬﻢ﴾‪ .‬ﰲ اﻟﻘﺮآ آﻳﺎت ﻛﺜرية ﺗﺮ ﱢﻏﺐ املﺆﻣﻨني ﰲ اﻟﺠﻬﺎد ﺗﺪﻋﻮﻫﻢ إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﺗﺬﻛﺮ‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺨﻠﻔﻮا ﻋﻦ اﻟﺠﻬﺎد ﻓﻌﺬرﻫﻢ ﷲ رﺳﻮﻟﻪ‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺨﻠﻔﻮا ﺗﻜﻠﻔﻮا اﻷﻋﺬار ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻞ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻌﺎﻗﺒﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﺮض ﻟﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﺮﻫﻮ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﺮ أﻣﺮﻫﻢ‬
‫إﱃ ﷲ إ ﺷﺎء ﻋﺬﺑﻬﻢ إ ﺷﺎء ﺗﺎب ﻋﻠﻴﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻟﻴﺲ أﻗﻞ ﻣﻦ ﻫﺬا ﺧﻄﺮا أ أﻣﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻛﻠﻪ ﻗﺎ ﻋﲆ اﻟﺒﻴﻌﺔ‪ ،‬أ ﻋﲆ رﺿﺎ اﻟﺮﻋﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻘﺪا ﺑني اﻟﺤﺎﻛﻤني املﺤﻜﻮﻣني‪ ،‬ﻳﻌﻄﻲ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻢ اﻟﻌﻬﺪ أ‬
‫ﻳﺴﻮﺳﻮا املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻟﺤﻖ اﻟﻌﺪ ‪ ،‬أ ﻳﺮﻋﻮا ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ‪ ،‬أ ﻳﺴري ا ﻓﻴﻬﻢ ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﻣﺎ ﺳﻌﻬﻢ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻳﻌﻄﻲ املﺴﻠﻤﻮ ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻢ اﻟﻌﻬﺪ أ ﻳﺴﻤﻌﻮا ﻳﻄﻴﻌﻮا أ ﻳﻨﺼﺤﻮا‬
‫ﻳﻌﻴﻨﻮا‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﺎء املﺴﻠﻤني ﻣﺎ ﻛﺎ ﻟﻴﻔﺮض ﻧﻔﺴﻪ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫ﻓﺮﺿﺎ‪ ،‬إﻻ أ ﻳﻌﻄﻴﻬﻢ ﻋﻬﺪ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻬﺪﻫﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻤﴤ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻤﻘﺘﴣ ﻫﺬا‬
‫اﻟﻌﻘﺪ املﺘﺒﺎد ﺑﻴﻨﻪ ﺑﻴﻨﻬﻢ‪ .‬ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻮرث اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ راﺛﺔ؛ ﻟﻢ ﻳﺮﺛﻪ‬
‫ﻋﻨﻪ أﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺮﺛﻪ ﻋﻨﻪ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﻠﻘﻰ ﻫﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺑﺎﻳﻌﺘﻪ ﺑﻪ اﺋﺘﻤﻨﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺮث أﺑﻨﺎء أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻨﻪ اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺮﺛﻬﺎ ﻋﻨﻪ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻣﺎ ﻛﺎ اﺳﺘﺨﻼ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻟﻌﻤﺮ إﻻ ﻣﺸﻮرة ﻋﲆ املﺴﻠﻤني‪ ،‬آﻳﺔ ذﻟﻚ أ ﻋﻬﺪ‬
‫أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻟﻢ ﻳﻨﻔﺬ ﻟﻢ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﻤﺮ ﺧﻠﻴﻔﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ أ ﺑﺎﻳﻌﻪ املﺴﻠﻤﻮ رﺿﺎ ﺑﺮأ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‬
‫ﻗﺒﻮﻻ ملﺸﻮرﺗﻪ‪ ،‬آﻳﺔ ذﻟﻚ أﻳﻀﺎ أ ﻋﺜﻤﺎ ﺧﺮج ﺑﻌﻬﺪ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ إﱃ اﻟﻨﺎس ﻣﺨﺘﻮﻣﺎ أﺑﻮ‬
‫ﺑﻜﺮ ﻟﻢ ﻳﻤﺖ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻟﻬﻢ‪ :‬أﺗﺒﺎﻳﻌﻮ ملﻦ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب؟ ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻧﻌﻢ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺜﻘﻮ‬
‫ﺑﺄﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻳﺮﺿﻮ رأﻳﻪ ﻳﺮ أﻧﻪ ﻟﻬﻢ ﻧﺎﺻﺢ ﺑﻬﻢ رء ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺮث أﺑﻨﺎء ﻋﻤﺮ ﻋﻨﻪ‬
‫اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻛﺮ ﻋﻤﺮ أ ﺗﻜﻮ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪ ﰲ أﺣﺪ ﻣﻦ ﻟﺪ ‪ ،‬أﴍ اﺑﻨﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﰲ‬
‫اﻟﺸﻮر ﻋﲆ أﻻ ﻳﻜﻮ ﻟﻪ ﰲ اﻷﻣﺮ ﳾء‪ ،‬ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ أﻳﻀﺎ ﺳﺨﻂ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ املﺴﻠﻤني ﻋﲆ‬
‫ﺗﻮرﻳﺚ اﻟﺴﻠﻄﺎ ﰲ أﻳﺎ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﻗﺎ ﻗﺎﺋﻠﻬﻢ‪ :‬إﻧﻪ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻫﺮﻗﻠﻴﺔ أ ﻛﴪ ﻳﺔ‪ .‬ﻓﺈذا د‬
‫ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻋﲆ ﳾء‪ ،‬ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺪ ﻋﲆ أ اﻟﺤﻜﻢ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻔﺮ ﺿﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻻ‬
‫رأ ﻟﻠﻨﺎس ﻓﻴﻪ‪ .‬إذا ﻛﺎ اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﺘﻨﺰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬ﻓﺄﺣﺮ‬
‫أ ﻳﻜﻮ اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ أﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ ﺑﻌﺪ أ ﺗﻘﻄﻊ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس ﺧﱪ اﻟﺴﻤﺎء‪.‬‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﻨﻮ أ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪر ﻣﻦ ﺣﻴﺎة املﺴﻠﻤني ﻛﺎ إﻟﻬﻴٍّﺎ‪ ،‬ﻳﺨﺪﻋﻮ‬
‫ﻋﻦ رأﻳﻬﻢ ﻫﺬا ﺑﻤﺎ ﻳﺠﺪ ﰲ أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﺧﻄﺒﻬﻢ‪ ،‬ﰲ أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻨﺎس ﻋﻨﻬﻢ إﻟﻴﻬﻢ‬

‫‪26‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ﻣﻦ ذﻛﺮ ﷲ أﻣﺮ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﻃﺎﻋﺘﻪ؛ ﻳﺤﺴﺒﻮ أ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻳﺪ ﻋﲆ أ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ‬
‫ﻣﻨﺰ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺪ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ إﻻ ﻋﲆ ﳾء ﻳﺴري ﺧﻄري ﰲ ﻗﺖ اﺣﺪ‪،‬‬
‫ﻫﻮ أ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻬﺪ ﺑني املﺴﻠﻤني ﺧﻠﻔﺎﺋﻬﻢ‪ ،‬أ ﷲ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني ﺑﺄ ﻳﻮﻓﻮا ﺑﻌﻬﺪ ﷲ‬
‫إذا ﻋﺎﻫﺪ ا ﺳﻮاء أﻛﺎ ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ ﻣﺘﺼﻼ ﺑﺸﺌﻮ اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬أ ﻣﺘﺼﻼ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ‪،‬‬
‫أ ﻣﺘﺼﻼ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮ ﺑني اﻷﻓﺮاد ﻣﻦ اﻟﻌﻬﻮد املﻮاﺛﻴﻖ؛ ﻓﺎهلل ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﺣﱰا اﻟﻌﻬﻮد‪ ،‬ﷲ‬
‫ﺷﺎﻫﺪ ﻋﲆ ﺿﻤﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎس ﺣني ﻳﻮﻓﻮ ﺑﺎﻟﻌﻬﻮد أ ﻳﻨﻜﺜﻮﻧﻬﺎ‪ ،‬ﷲ ﻳﺜﻴﺐ ﻣﻦ ﰱ ﺑﺎﻟﻌﻬﺪ‬
‫ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻣﻦ ﻧﻜﺜﻪ ﻋﻘﺎﺑﺎ ﺷﺪﻳﺪا‪.‬‬
‫ﻓﻠﻴﺲ ﺑني اﻹﺳﻼ ﺑني املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻣﺜﻼ ﻓﺮ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ؛ ﻓﺎﻹﺳﻼ دﻳﻦ ﻳﺄﻣﺮ‬
‫ﻳﻨﻬﻰ ﻋﻦ املﻨﻜﺮ‪ ،‬ﻳﻮﺟﻪ إﱃ اﻟﺨري ﻳﺼﺪ ﻋﻦ اﻟﴩ‪ ،‬ﻳﺮﻳﺪ أ ﺗﻘﻮ أﻣﻮر‬ ‫ﺑﺎملﻌﺮ‬
‫اﻟﻨﺎس ﻋﲆ اﻟﻌﺪ ﺗﱪأ ﻣﻦ اﻟﺠﻮر‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺨﲇ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني أﻣﻮرﻫﻢ ﻳﺪﺑﺮ ﻧﻬﺎ ﻛﻤﺎ‬
‫ﻳﺮ ﻣﺎ داﻣﻮا ﻳﺮﻋﻮ ﻫﺬ اﻟﺤﺪ د‪ .‬ﻻ ﺗﺰﻳﺪ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا ﻻ ﺗﻨﻘﺺ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻷﻣﺮ ﻣﺎ‬
‫ﻗﺎ ﻋﻴﴗ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺟﺎدﻟﻮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ‪» :‬أﻋﻄﻮا ﻣﺎ ﻟﻘﻴﴫ ﻟﻘﻴﴫ ﻣﺎ هلل‬
‫هلل‪ «.‬ﻣﺎ أﺷﻚ ﰲ أ ﻋﻴﴗ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼ ﻟﻢ ﻳﺮد أ ﻳﻌﻄﻲ ﻣﺎ ﻟﻘﻴﴫ ﻟﻘﻴﴫ ﺑﻐري ﺣﻘﻪ‪،‬‬
‫أ أ ﺗﻘﻮ اﻟﺼﻠﺔ ﺑني ﻗﻴﴫ ﺑني اﻟﻨﺎس ﻋﲆ اﻟﻈﻠﻢ اﻟﺠﻮر اﻟﺨﻮ ‪.‬‬
‫ﺳﻨﺮ ﰲ ﻏري ﻫﺬا املﻮﺿﻊ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ أ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ أﻧﻜﺮ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ‬
‫اﻟﻌﻤﺎ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﻮﻟﻬﻢ‪ :‬إ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﻔﻲء ﻳﺠﻨﻰ ﻣﻦ اﻟﺨﺮاج ﻣﺎ ﷲ‪ ،‬ﻗﺎﻟﻮا‪:‬‬
‫ﻫﻮ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺗﻌﺮﺿﻮا ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ذﻟﻚ ﻟﺒﻌﺾ اﻷذ ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻓﻬﻢ املﺴﻠﻤﻮ ﻧﻈﺎ‬
‫اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺪر ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻧﻈﺎ إﻟﻬﻲ‪ ،‬ملﺎ أﻧﻜﺮ ا أ ﻳﻘﺎ ﻣﺎ ﷲ؛ ﻟﺬﻟﻚ‬
‫اﻋﺘﺬر ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺒري ﺣني أﻧﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺑﺄ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻣﻠﻜﻮا هلل‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻋﺒﺎد ﷲ‬
‫ﻣﺎﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﷲ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ إذ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺗﻴﻮﻗﺮاﻃﻴﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ أﻣﺮا ﻣﻦ أﻣﻮر‬
‫اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺼﻮاب‪ ،‬ﻳﺘﺎح ﻟﻠﻨﺎس أ ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻣﻨﻪ أ ﻳﻨﻜﺮ ا أ ﻳﺮﺿﻮا‬
‫ﻋﻨﻪ ﻳﺴﺨﻄﻮا ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻳﻈﻦ آﺧﺮ أ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴٍّﺎ‪،‬‬
‫ﻫﺬا ﺗﺠﻮﱡز ﰲ اﻷﻟﻔﺎظ ﺧﺮ ج ﺑﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ‪ .‬ﻗﺪ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﺘﺒني ﻣﻌﻨﻰ‬
‫اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺑﺎﻟﺪﻗﺔ ﻗﺒﻞ أ ﻧﻘﻮ إ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﻫﺬا ﻛﺎ أ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴٍّﺎ‪.‬‬
‫اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻟﻔﻆ ﻳﺪ ﺑﻪ ﻋﲆ ﺣﻜﻢ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﻟﺸﻌﺐ ﻟﻠﺸﻌﺐ‪ ،‬أ ﻋﲆ أ ﻳﺨﺘﺎر‬
‫اﻟﺸﻌﺐ ﺣﻜﺎﻣﻪ اﺧﺘﻴﺎرا ﺣ ٍّﺮا‪ ،‬ﻳﺮاﻗﺒﻬﻢ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﺣﺮة؛ ﻟﻴﺘﺒني أﻧﻬﻢ ﻳﺤﻜﻤﻮﻧﻪ ملﺼﻠﺤﺘﻪ ﻫﻮ‬
‫ﻻ ملﺼﻠﺤﺘﻬﻢ ﻫﻢ‪ ،‬ﻳﻌﺰﻟﻬﻢ إ ﻟﻢ ﻳﺮض ﻋﻦ ﺣﻜﻤﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻄﻤﱧ إﱃ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﻬﻢ‪.‬‬

‫‪27‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻬﻤﺖ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻴﻮﻧﺎ ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻔﻬﻢ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ‬
‫ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻋﻨﺪ اﻷﻣﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻄﻨﻊ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ‪ ،‬ﻋﲆ اﺧﺘﻼ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﰲ ﻓﻬﻢ‬
‫ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺸﻌﺐ؛ ﻓﻬﺬ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﻴﻖ ﰲ أﻳﺎ اﻟﻴﻮﻧﺎ ﻣﺜﻼ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺪ إﻻ ﻋﲆ ﺟﻤﺎﻋﺔ‬
‫ﺿﺌﻴﻠﺔ ﻣﻦ املﻮاﻃﻨني ﻟﻬﻢ ﺣﺪﻫﻢ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮ ﻳﺴﺘﻮ ﻓﻴﻬﺎ أﻣﺎ اﻟﻘﺎﻧﻮ ‪ ،‬ﻋﲆ ﺣني ﻻ‬
‫ﺗﺴﺘﻤﺘﻊ اﻟﻜﺜﺮة اﻟﻜﺜرية ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﺤﻘﻮ ﺑﴚء ﻻ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻨﺼﻴﺐ‪ .‬ﻛﺎ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻠﻔﻆ ﻳﺘﺴﻊ ﺑﻌﺪ اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ إﱃ ﺣﻴﺚ ﻳﺸﻤﻞ ﻋﺪدا ﺿﺨﻤﺎ ﻣﻦ املﻮاﻃﻨني ﻳﻜﻮ‬
‫ﻟﻬﻢ اﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﺎﻟﺤﻘﻮ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺸﻤﻠﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ؛ ﻓﻬﻮ ﻣﺤﺪد ﺑﻤﻠﻚ ﻣﻘﺪار ﻣﻦ‬
‫املﺎ ‪ ،‬أ أداء ﻣﻘﺪار ﻣﻌني ﻣﻦ اﻟﴬاﺋﺐ‪ ،‬أ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﻗﺪر ﻣﻌني ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ .‬ﺛﻢ اﺗﺴﻊ ﰲ‬
‫آﺧﺮ اﻟﻘﺮ املﺎﴈ ﺣﺘﻰ ﺷﻤﻞ املﻮاﻃﻨني ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎ ﻣﻨﺬ ﻳﺒﻠﻐﻮ اﻟﺮﺷﺪ‪ ،‬ﺛﻢ اﺗﺴﻊ‬
‫ﰲ ﻫﺬا اﻟﻘﺮ ﺣﺘﻰ ﺷﻤﻞ املﻮاﻃﻨني ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻨﺬ ﻳﺒﻠﻐﻮ اﻟﺮﺷﺪ‪ .‬ﻟﻠﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ‬
‫ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺖ ﺿﻴﻘﺔ أ اﺳﻌﺔ‪ ،‬ﻧﻈﻢ ﻣﻘﺮرة ﺗﻜﻔﻞ اﺳﺘﻤﺘﺎع اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺤﻘﻮﻗﻪ‬
‫اﺧﺘﻴﺎر ﻟﺤﻜﺎﻣﻪ ﻣﺮاﻗﺒﺘﻪ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﺤﻜﺎ ‪.‬‬
‫ﻓﺈذا ﻓﻬﻤﺖ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا املﻌﻨﻰ اﻟﺪﻗﻴﻖ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ‬
‫ﰲ اﻟﺼﺪر اﻷ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة املﺴﻠﻤني ﻟﻢ ﻳﻜﻦ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴٍّﺎ؛ ﻓﺎﻟﺸﻌﺐ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺨﺘﺎر ﺣﻜﺎﻣﻪ‬
‫ﺑﻬﺬا املﻌﻨﻰ اﻟﺪﻗﻴﻖ‪ ،‬ﻟﻴﺲ اﻟﺸﻌﺐ ﻫﻮ اﻟﺬ اﺧﺘﺎر اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻴﺒﻠﻐﻪ رﺳﺎﻻت رﺑﻪ ﻟﻴﻘﻴﻢ اﻷﻣﺮ‬
‫ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﻘﺴﻂ اﻟﻌﺪ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﷲ أرﺳﻞ رﺳﻮﻟﻪ ﻓﺎﺗﺒﻌﻪ ﻣﻦ اﺗﺒﻌﻪ ﺧﺎﻟﻒ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻒ‬
‫ﻋﻨﻪ‪ ،‬إذا ﻗﻠﻨﺎ إ اﻟﺬﻳﻦ اﺗﺒﻌﻮا اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻗﺪ اﺧﺘﺎر ﻟﻴﻜﻮ ﻟﻬﻢ ﺣﺎﻛﻤﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻢ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺨﺘﺎر ﻋﲆ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬ ﻳﺨﺘﺎر ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﻜﺎ ﰲ اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ‪ ،‬ﻫﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا‬
‫ﻳﺮاﻗﺒﻮﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺎﺳﺒﻮﻧﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺴﺘﺸريﻫﻢ ﻓﻴﺸري ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸري‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺴﺒﺔ أﺣﻴﺎﻧﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﻨﻬﻢ أ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺪﻗﺔ ﰲ ﳾء أ ﻳﻘﺎ إ‬
‫ﺣﻜﻢ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﻛﺎ ﺣﻜﻤﺎ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴٍّﺎ ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺘﺪﻗﻴﻖ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻛﻞ املﺴﻠﻤني ﻗﺪ‬
‫اﺧﺘﺎر ا أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻷﻣﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﺧﺘﺎرﻫﻤﺎ ﻓﺮﻳﻖ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻫﻢ أ ﻟﻮ‬
‫اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬ﻋﲆ ﻣﺎ ﻛﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﺧﺘﻼ أ اﻷﻣﺮ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺄﻣﺮ اﻟﻌﺮب اﻟﺬﻳﻦ ﻣﺎت اﻟﻨﺒﻲ ﻫﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮ ﻣﻦ أﻫﻞ ﻣﻜﺔ اﻟﻄﺎﺋﻒ اﻟﺒﺎدﻳﺔ‬
‫ﰲ اﺧﺘﻴﺎر أﺑﻲ ﺑﻜﺮ أ ﻋﻤﺮ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﺧﺘﺎرﻫﻤﺎ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻓﺴﻤﻊ ﻟﻬﻤﺎ ﺳﺎﺋﺮ املﺴﻠﻤني‬
‫أﻃﺎﻋﻮا؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﺮﻳﺒﺎ ﻗﻮ ﻣﻦ ﻗﺎ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺮدﱠة‪:‬‬

‫‪28‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ﻓ ﻴ ﺎ ﻟ ﻌ ﺒ ﺎد اﻟ ﻠ ﻪ ﻣ ﺎ ﻷﺑ ﻲ ﺑ ﻜ ﺮ‬ ‫أﻃﻌﻨﺎ رﺳﻮ اﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻛﺎ ﺑﻴﻨﻨﺎ‬

‫ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﺸﻌﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺬا اﻟﻔﺮﻳﻖ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬ﻧﻈﺎ ﻣﻌني‬
‫ﻣﻘﺮر ﻣﺤﺪد ﻳﺮاﻗﺒﻮ ﺑﻪ ﺳرية اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻳﺤﺎﺳﺒﻮﻧﻬﻢ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻮ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫ﻛﺎ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻳﺴﺘﺸري ﻧﻬﻢ ﻓﻴﺸري ﻋﻠﻴﻬﻢ؛ ﻳﺴﺘﺸري ﻧﻬﻢ ﻣﺠﺘﻤﻌني ﺣﻴﻨﺎ ﻣﺘﻔﺮﻗني ﺣﻴﻨﺎ‬
‫آﺧﺮ‪ .‬ﻛﺎ ملﻦ ﺷﺎء ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر أ ﻳﺸري ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺣﺴﺒﺔ‪ ،‬ﻓﻴﻘﺒﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‬
‫ﻣﻨﻪ أ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ؛ إذ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺪر ﻣﻦ ﺣﻴﺎة املﺴﻠﻤني ﻧﻈﺎﻣﺎ‬
‫دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴٍّﺎ ﺑﻤﻌﻨﺎ اﻟﺪﻗﻴﻖ ﰲ اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺪﺳﺘﻮر ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺪﻣﺎء أ املﺤﺪﺛني‪.‬‬
‫ﻓﺈذا أﻃﻠﻖ ﻟﻔﻆ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا املﻌﻨﻰ اﻟﻌﺎ اﻟﺬ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﺤﻜﺎ إﱃ‬
‫رﺿﺎ اﻟﺸﻌﺐ ﻋﻨﻬﻢ ﺛﻘﺔ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﻬﻢ‪ ،‬أﺧﺬ اﻟﺤﻜﺎ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺄ ﻳﺴري ا ﰲ اﻟﺸﻌﺐ ﺳرية‬
‫ﺗﻘﻮ ﻋﲆ اﻟﻌﺪ املﺴﺎ اة‪ ،‬ﺗﱪأ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﻠﻂ اﻻﺳﺘﻌﻼء؛ ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﺗﻘﻮ ‪ :‬إ‬
‫ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ اﻟﺼﺪر اﻷ ﻟﻺﺳﻼ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴٍّﺎ ﺑﻬﺬا املﻌﻨﻰ اﻟﻌﺎ اﻟﺬ‬
‫ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﻘﺎﻳﻴﺲ ﻻ ﻣﻌﺎﻳري ﻻ ﺣﺪ د‪ ،‬ﺳﱰ أﺛﺮ ذﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺮض ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻣﻦ أﻣﻮر‬
‫اﻟﻔﺘﻨﺔ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﻗﻮ آﺧﺮ ﻗﺪ ﻳﻈﻨﻮ أ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺪر ﻣﻦ اﻹﺳﻼ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻧﻈﺎ‬
‫اﻟﺴﻠﻄﺎ اﻟﻔﺮد اﻟﻌﺎد ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﻻ ﻟﺼﺎﺣﺒﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﴍﻛﺎء ﰲ اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫ﻛﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻬﻢ ﻣﺸري ﻻ ﻳﻠﺰﻣﻮ ﺑﻤﺸﻮرﺗﻬﻢ أﺣﺪا‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ ﻛﺎﻧﻮا‬
‫ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻳﺘﻮﺧﻮ اﻟﻌﺪ ﻻ ﻳﺘﻮﺧﻮ ﻏري ‪ .‬ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜري ﻳﻘ ﱢﺮب ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ‬
‫إﱃ ﺣﺪ ﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺬ ﻋﺮﻓﻪ اﻟﺮ ﻣﺎ أﻳﺎ املﻠﻮ اﻟﻘﻴﺎﴏة؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻣﻠﻮ ر ﻣﺎ‬
‫ﻗﻴﺎﴏﺗﻬﺎ ﻻ ﻳﺘﻮارﺛﻮ اﻟﺤﻜﻢ ﺣﺘﻤﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﻨﺘﺨﺐ أﻛﺜﺮﻫﻢ ﻟﻪ اﻧﺘﺨﺎﺑﺎ‪ ،‬ﻛﺎ أﺣﺪﻫﻢ إذا‬
‫اﻧﺘﺨﺐ ﱄ اﻷﻣﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ إﻻ أ ﺗﺨﻠﻌﻪ ﻣﻨﻪ ﺛﻮرة أ اﻧﺘﻘﺎض‪ .‬ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﻮ ﻣﻦ اﻟﻔﺮ‬
‫ﺑني ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻲ ﺑني اﻟﻨﻈﺎ اﻹﺳﻼﻣﻲ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‪ ،‬ﻫﻮ أ اﻟﻌﺪ ﻛﺎ‬
‫ﺣﺪ ﻗﻮا اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺮ املﺴﻠﻤﻮ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ؛ ﻋﲆ ﺣني ﻛﺎ ﻣﻠﻮ اﻟﺮ ﻣﺎ‬
‫ﻗﻴﺎﴏﺗﻬﻢ ﻳﺘﺠﺎ ز اﻟﻌﺪ اﻟﻘﺴﻂ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎ ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻫﺬا اﻟﺮأ أﻛﺜﺮ دﻗﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺮأﻳني اﻟﺴﺎﺑﻘني‪.‬‬
‫ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻌﻠﻢ أ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﰲ اﺧﺘﻴﺎر املﻠﻮ اﻟﻘﻴﺎﴏة ﻋﻨﺪ اﻟﺮ ﻣﺎ ‪،‬‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻜﻮ ﻣﻦ ﺳرية ﻫﺆﻻء املﻠﻮ اﻟﻘﻴﺎﴏة‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﻔﺮ ﺑني اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻲ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻫﻮ اﻟﻔﺮ ﺑني دﻳﻦ دﻳﻦ‪ ،‬ﻛﻤﺎ أﻧﻪ اﻟﻔﺮ ﺑني ﺟﻨﺲ ﺟﻨﺲ ﺑني ﺑﻴﺌﺔ ﺑﻴﺌﺔ؛‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﺪﻳﻦ اﻟﺬ ﺳﻴﻄﺮ ﻋﲆ ﻣﻠﻮ اﻟﺮ ﻣﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﻋﲆ ﻗﻴﺎﴏﺗﻬﻢ إﱃ ﺣﺪ ﻣﺎ‪،‬‬

‫‪29‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺎء اﻟﺴﻤﻮ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻧﻘﺎء اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺴﻤﺎ ﻳﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ أ ﺑﻌﻴﺪ‪ .‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ دﻳﻦ‬
‫اﻟﺮ ﻣﺎ ﻳﻘﻮ ﻋﲆ اﻟﻌﻴﺎﻓﺔ اﻟﺰﺟﺮ اﺳﺘﻄﻼع ﺿﻤﺎﺋﺮ اﻟﻐﻴﺐ ﺑﻄﺮ ﻧﻘﺮؤﻫﺎ اﻵ ﻓﻨﺒﺘﺴﻢ‬
‫ﻟﻬﺎ ﻧﻀﺤﻚ ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ﺗﻄﻮر اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺴﺎذﺟﺔ اﻷ ﱃ إﱃ ﺣﻴﺎﺗﻪ‬
‫املﻌﻘﺪة ﻣﺒﺎﻋﺪا ﻛﻞ اﻟﺒﻌﺪ ﻟﺘﻄﻮر اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﺟﺎﻫﻠﻴﺘﻪ إﱃ إﺳﻼﻣﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ اﻟﺘﻄﻮر‬
‫اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻲ ﻣﺎدﻳٍّﺎ‪ ،‬إ ﺻﺢ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺒري‪ ،‬ﻧﺸﺄ ﻣﻦ ﺗﻘﺪ اﻟﺤﻀﺎرة ﻗﻠﻴﻼ ﻗﻠﻴﻼ؛ ﻋﲆ ﺣني ﻛﺎ‬
‫اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻌﻨﻮﻳٍّﺎ‪ ،‬ﻧﺸﺄ ﻣﻦ ﺗﻐري اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺘﺄﺛري اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻓﻜﺄﻧﻪ ﻛﺎ ﺗﻄﻮرا‬
‫ﻣﻦ داﺧﻞ إﱃ ﺧﺎرج‪ ،‬ﺗﻐريت اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺘﻐريت اﻟﺤﻴﺎة املﺎدﻳﺔ ﻟﻠﻌﺮب؛ ﻋﲆ ﺣني ﻛﺎ‬
‫اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺧﺎرج إﱃ داﺧﻞ‪ ،‬ﺗﻐريت ﻇﺮ اﻟﺮ ﻣﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻓﺘﻄﻮرت ﻧﻔﻮس‬
‫اﻟﺮ ﻣﺎ ﺿﻤﺎﺋﺮﻫﻢ‪.‬‬
‫اﻟﺒﻴﺌﺘﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺨﺘﻠﻔﺘﺎ ﺑﻤﻘﺪار ﻣﺎ ﻳﻜﻮ اﻻﺧﺘﻼ ﺑني إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ اﻟﺤﺠﺎز‪:‬‬
‫ﻓﻠﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒﺎ أﻻ ﻳﻜﻮ ﻫﻨﺎ ﺗﺸﺎﺑﻪ ﺑني ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻲ أﻳﺎ املﻠﻮ أﻳﺎ اﻟﻘﻴﺎﴏة‪،‬‬
‫ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ اﻟﺼﺪر اﻷ ﻟﻺﺳﻼ ‪.‬‬
‫أﻛﺎد أﺗﺼﻮر ﺗﺸﺎﺑﻬﺎ ﺑﻌﻴﺪا أ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﺑني ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻲ أﻳﺎ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ‬
‫ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻌﺪ ﻓﺎة اﻟﻨﺒﻲ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻴﻮ ﻳﺨﺘﺎر ﻗﻨﺎﺻﻠﻬﻢ ﻋﲆ‬
‫ﻧﺤﻮ ﻳﻮﺷﻚ أ ﻳﺸﺒﻪ اﺧﺘﻴﺎر املﺴﻠﻤني ﻟﺨﻠﻔﺎﺋﻬﻢ‪ ،‬إﱃ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻧﺤﺎ اﻷﻧﺼﺎر ﺣني ﻗﺎﻟﻮا‬
‫ﻟﻠﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪ :‬ﻣﻨﺎ أﻣري ﻣﻨﻜﻢ أﻣري‪ .‬ﺛﻢ ﻛﺎ ﺳﻠﻄﺎ اﻟﻘﻨﺼﻞ ﺑﻌﺪ اﺧﺘﻴﺎر ﻳﺸﺒﻪ ﰲ ﻋﻤﻮﻣﻪ‬
‫ﺷﻤﻮﻟﻪ ﺳﻠﻄﺎ اﻟﺨﻠﻔﺎء‪ ،‬إﻻ أ ﺳﻠﻄﺎ اﻟﻘﻨﺼﻞ ﻛﺎ ﻣﻮﻗﻮﺗﺎ ﺑﺴﻨﺔ اﺣﺪة‪ ،‬ﻛﺎ ﺳﻠﻄﺎ‬
‫اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻳﻤﺘﺪ ﻣﺪ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻌﺪ اﺧﺘﻴﺎر اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﺳﻠﻄﺎ اﻟﻘﻨﺼﻞ ﻣﻘﻴﺪا ﺑﺎﻟﻘﻮاﻧني‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪرﻫﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻘﺮارات اﻟﺘﻲ ﻳﺼﺪرﻫﺎ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻴﻮخ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﺳﻠﻄﺎ‬
‫اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻘﻴﺪا ﺑﺎﻟﺤﺪ د اﻟﺘﻲ رﺳﻤﻬﺎ اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﺑﻤﺎ ﻳﺮ ﻛﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ رأ ‪ ،‬ﺑﻤﺎ ﺗﻤﻴﻞ‬
‫إﻟﻴﻪ أ ﺗﻨﺤﺮ ﻋﻨﻪ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ املﺴﻠﻤني‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬ ﻛﻠﻬﺎ ﺟﻮ ﻟﻠﺘﺸﺎﺑﻪ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻜﻠﻒ‬
‫اﻟﺘﺼﻨﻊ اﻹﺑﻌﺎد‪ ،‬ﻓﺈذا أﺿﻔﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻘﻨﺼﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ‬
‫ﻳﺤﻴﻂ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﳾء‪ .‬إذا أﺿﻔﻨﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻈﻢ اﻟﺘﻲ اﻗﺘﻀﺘﻬﺎ ﻇﺮ‬
‫اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻴﺔ ﻟﺘﻘﻴﻴﺪ ﺳﻠﻄﺎ اﻟﻘﻨﺼﻞ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺗﺤﻜﻤﻪ‪ ،‬ﻛﻨﻈﺎ اﻟﺰﻋﻤﺎء‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﻫﻤﺎء ﺗﻨﺘﺨﺒﻬﻢ ﻟﻴﻜﻔﻮا ﻋﻨﻬﺎ ﺟﻮر اﻟﻘﻨﺼﻞ إ ﻫ ﱠﻢ اﻟﻘﻨﺼﻞ ﺑﴚء ﻣﻦ اﻟﺠﻮر‬
‫— أﻗﻮ ‪ :‬إذا أﺿﻔﻨﺎ ﻫﺬ اﻟﻔﺮ إﱃ ﺟﻮ اﻟﺸﺒﻪ ﺗﻠﻚ املﺘﻜﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أ ﻟﻴﺲ‬
‫ﻫﻨﺎ ﺻﻠﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ أ ﺑﻌﻴﺪة ﺑني ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺼري ﺑني ﻧﻈﻢ‬
‫اﻟﺮ ﻣﺎ ﰲ ﻋﻬﺪ املﻠﻮ أ ﻋﻬﺪ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ أ ﻋﻬﺪ اﻟﻘﻴﺎﴏة‪.‬‬

‫‪30‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ املﺴﻠﻤني ﻗﺪ اﻗﺘﺒﺴﻮا ﻛﺜريا ﻣﻦ ﻧﻈﻢ اﻟﻘﻴﺎﴏة اﻷﻛﺎﴎة ﰲ‬

‫اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻹدارة اﻟﺤﺮب‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻻﻗﺘﺒﺎس ﺟﺎء ﻣﺘﺄﺧﺮة ﺟﺪٍّا ﻋﻦ اﻟﻌﴫ اﻟﺬ ﻧﺘﺤﺪث‬
‫ﻓﻴﻪ؛ ﻓﻠﻨﻨﴫ إذ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ اﻟﺬ ﻻ ﻳﻘﻮ ﻋﲆ أﺳﺎس ﻣﺘني‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ إذ ﻧﻈﺎ ﺣﻜﻢ ﻣﻄﻠﻖ‪ ،‬ﻻ ﻧﻈﺎﻣﺎ‬
‫دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻋﺮ اﻟﻴﻮﻧﺎ ‪ ،‬ﻻ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻣﻠﻜﻴٍّﺎ أ ﺟﻤﻬﻮرﻳٍّﺎ أ ﻗﻴﴫﻳٍّﺎ ﻣﻘﻴﺪا ﻋﲆ‬
‫ﺑني اﻹﺳﻼ ﻟﻪ ﺣﺪ د اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ‬ ‫ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻋﺮ اﻟﺮ ﻣﺎ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻋﺮﺑﻴٍّﺎ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﱠ‬
‫ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﺣﺎ املﺴﻠﻤﻮ أ ﻳﻤﻠﺌﻮا ﻣﺎ ﺑني ﻫﺬ اﻟﺤﺪ د ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻗﻠﺖ ﰲ ﺑﻌﺾ أﺣﺎدﻳﺜﻲ ﻋﻦ ﻧﺸﺄة اﻟﻨﺜﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب‪ :‬إ اﻟﻘﺮآ ﻟﻴﺲ ﺷﻌﺮا ﻻ‬
‫ﻧﺜﺮا‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻗﺮآ ﻟﻪ ﻣﺬاﻫﺒﻪ أﺳﺎﻟﻴﺒﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﰲ اﻟﺘﻌﺒري اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻷداء‪ ،‬ﻓﻴﻪ ﻣﻦ‬
‫ﻗﻴﻮد املﻮﺳﻴﻘﻰ ﻣﺎ ﻳﺨﻴﻞ إﱃ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﺬاﺟﺔ أﻧﻪ ﺷﻌﺮ‪ ،‬ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﻮد اﻟﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﺨﻴﻞ‬
‫إﻟﻴﻬﻢ أﻧﻪ ﺳﺠﻊ‪ ،‬ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻻﻧﻄﻼ اﻟﱰﺳﻞ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺨﻴﻞ إﱃ ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﺴﺬاﺟﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ أﻧﻪ ﻧﺜﺮ؛ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬا ﺧﺪع املﴩﻛﻮ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا إﻧﻪ ﺷﻌﺮ‪،‬‬
‫ﻛﺬﱢﺑﻮا ﰲ ذﻟﻚ ﺗﻜﺬﻳﺒﺎ ﺷﺪﻳﺪا‪ ،‬ﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬا ﺧﺪع ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ املﺘﺘﺒﻌني ﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻨﺜﺮ‬
‫ﻓﻈﻨﻮا أﻧﻪ أ اﻟﻨﺜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،‬ﺗﻜﺬﱢﺑﻬﻢ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺗﻜﺬﻳﺒﺎ ﺷﺪﻳﺪا‪ .‬ﻓﻠﻮ ﻗﺪ ﺣﺎ‬
‫ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ — ﻗﺪ ﺣﺎ ﺑﻌﻀﻬﻢ ذﻟﻚ — أ ﻳﺄﺗﻮا ﺑﻤﺜﻠﻪ ملﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا إﻻ أ‬
‫ﻳﺄﺗﻮا ﺑﻤﺎ ﻳﻀﺤﻚ ﻳﺜري اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻗﻠﺖ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ اﻟﻘﺮآ ‪ ،‬أرﻳﺪ أ أﻗﻮ ﺷﻴﺌﺎ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ ﻧﻈﺎ‬
‫اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻠﻜﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺆذ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‬
‫ﳾء ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺆذﻳﻬﻢ أ ﻳﻈﻦ ﺑﻬﻢ املﻠﻚ‪ ،‬ﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺟﻤﻬﻮرﻳٍّﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻧﻌﺮ ﰲ ﻧﻈﻢ‬
‫اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ املﻨﺘﺨﺐ أ ﻳﺮﻗﻰ إﱃ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻼ ﻳﻨﺰﻟﻪ ﻋﻨﻪ إﻻ املﻮت‪ ،‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻗﻴﴫﻳٍّﺎ ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺬ ﻋﺮﻓﻪ اﻟﺮ ﻣﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺠﻴﺶ ﻫﻮ اﻟﺬ ﻳﺨﺘﺎر اﻟﺨﻠﻔﺎء‪ ،‬ﻓﻬﻮ‬
‫إذ ﻧﻈﺎ ﻋﺮﺑﻲ إﺳﻼﻣﻲ ﺧﺎﻟﺺ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ اﻟﻌﺮب إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻘ ﱠﻠﺪ ا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻫﺬا‬
‫ﻻ ﻳﻌﻔﻴﻨﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﻦ أ ﻧﺤﻠﻠﻪ ﻧﺘﺒني دﻗﺎﺋﻘﻪ ﻟﻨﺮ أﻛﺎ ﻗﺎدرا ﻋﲆ اﻟﺒﻘﺎء أ ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ‬
‫أ ﻳﺘﻐري ﻣﺘﻰ ﺗﻐريت اﻟﻈﺮ اﻟﺘﻲ أﺣﺎﻃﺖ ﺑﻨﺸﺄﺗﻪ ﺛﻢ ﺑﺘﻄﻮر ‪.‬‬
‫أ ﻣﺎ ﻧﻼﺣﻆ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﺘﻲ ﻛﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ﻳﺄﺗﻠﻒ ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬اﻟﻌﻨﴫ اﻟﺪﻳﻨﻲ؛ ﻓﻠﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ آﻧﻔﺎ‪ ،‬ﻧﻈﺎﻣﺎ ﺳﻤﺎ ﻳٍّﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎ إﻧﺴﺎﻧﻴٍّﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ‬
‫ﺗﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ إﱃ ﺣﺪ ﺑﻌﻴﺪ ﺟﺪٍّا‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﺼﺪر ﻋﻦ ﺣﻲ أ ﳾء ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻮﺣﻲ ﰲ‬
‫ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﺎ ﻳﺪع‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻛﺎ ﻣﻘﻴﺪا ﺑﻤﺎ أﻣﺮ ﷲ ﺑﻪ ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﻖ إﻗﺮار‬
‫اﺟﺘﻨﺎب املﻨﻜﺮ اﻟﺼﺪ د ﻋﻦ اﻟﺒﻐﻲ‪.‬‬ ‫اﻟﻌﺪ إﻳﺜﺎر املﻌﺮ‬

‫‪31‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻫﺬا اﻟﻮﺣﻲ اﻟﺬ اﺗﺼﻞ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﴩﻳﻦ ﻋﺎﻣﺎ ﻳﺼﺎﺑﺢ املﺴﻠﻤني ﻳﻤﺎﺳﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻳﻨﺰ‬
‫ﻗﺮآﻧﺎ ﻣﺮة‪ ،‬ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﺣﺪﻳﺜﺎ ﻣﺮة أﺧﺮ ‪ ،‬ﻳﺠﺮﻳﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺴريﺗﻪ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﺘﺒﻌﺔ‬
‫ﻣﺮة ﺛﺎﻟﺜﺔ‪ ،‬ﻗﺪ أﻳﻘﻆ ﰲ ﻧﻔﻮس املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﺿﻤريا دﻳﻨﻴٍّﺎ ﻗﻮﻳٍّﺎ دﻗﻴﻘﺎ ﺣﻴٍّﺎ إﱃ‬
‫أﺑﻌﺪ ﻏﺎﻳﺎت اﻟﻘﻮة اﻟﺪﻗﺔ اﻟﺤﻴﺎة‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ املﺴﻠﻢ ﰲ ﻗﻮ أ‬
‫ﻋﻤﻞ أ ﺗﻔﻜري‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﻳﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ ﰲ ﻳﻘﻈﺔ أ ﻧﻮ ‪ ،‬ﻓﺼﻠﺘﻪ ﺑﺎﻟﺮﻋﻴﺔ‬
‫إ ﻛﺎ ﺣﺎﻛﻤﺎ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺤﺎﻛﻢ إ ﻛﺎ رﻋﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻨﻈﺮاﺋﻪ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ؛ ﻣﺘﺄﺛﺮة داﺋﻤﺎ ﺑﻬﺬا‬
‫اﻟﻀﻤري‪ ،‬ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺬ ﻳﺨﻴﱢﻞ ﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ ﻛﺎ‬
‫ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻳﺘﻨﺰ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء إﱃ اﻷرض؛ ﻟﻴﺲ اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﺪ ر ﻣﻊ ﻣﻘﺪار ﻣﺎ‬
‫ﻳﻜﻮ ﻟﻀﻤري اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ رﻋﻴﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻌﻨﴫ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﺘﻲ اﺋﺘﻠﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻋﻨﴫ‬
‫اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ املﻮﻟﺪ ﻻ ﻋﲆ اﻟﺜﺮ ة ﻻ ﻋﲆ ارﺗﻔﺎع املﻜﺎﻧﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬
‫ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﺸﺎﺋﻊ اﻟﻌﺎ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﳾء آﺧﺮ أﻫﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ‪ :‬ﻫﻮ اﻻﺗﺼﺎ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ‬
‫أﻳﺎ ﺣﻴﺎﺗﻪ‪ ،‬اﻹذﻋﺎ ملﺎ ﻛﺎ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ ﻳﻨﻬﻰ ﻋﻨﻪ ﰲ ﻏري ﺗﺮدد ﻻ ﳾء ﻳﺸﺒﻪ اﻟﱰدد‪،‬‬
‫اﻹﺑﻼء ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﰲ أ ﻗﺎت اﻟﺴﻠﻢ اﻟﺤﺮب ﺟﻤﻴﻌﺎ‪.‬‬
‫ﻫﺬ اﻟﺨﺼﺎ أﻧﺸﺄت ﻣﻨﺬ ﻇﻬﺮ اﻹﺳﻼ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻤﺘﺎزة ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﺴﺘﺄﺛﺮ ﻣﻦ‬
‫د ﻧﻬﻢ ﺑﺤﻖ ﻣﻦ ﺣﻘﻮ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﺠﻦ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻋﺎﺟﻠﺔ أ آﺟﻠﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ آﺛﺮﻫﺎ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﺑﺤﺒﻪ أﻋﻠﻦ إﻟﻴﻬﺎ إﱃ اﻟﻨﺎس أ ﷲ ﻗﺪ آﺛﺮﻫﺎ ﺑﺤﺒﻪ أﻳﻀﺎ؛ ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮا إﱃ اﻹﺳﻼ ‪،‬‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺬﺑﻮا ﰲ ﷲ‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ ﻫﺎﺟﺮ ا ﺑﺪﻳﻨﻬﻢ إﱃ ﺑﻼد اﻟﺤﺒﺸﺔ ﺛﻢ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ آ ا‬
‫ﻧﴫ ا‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎﻫﺪ ا ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ ﻟﺰﻣﻮا اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺴﻤﻌﻮ‬
‫ﻟﻪ ﻳﻜﺘﺒﻮ ﻋﻨﻪ — ﻛﻞ أ ﻟﺌﻚ ﻛﻮﱠﻧﻮا ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﺒﻬﺎ ﷲ رﺳﻮﻟﻪ أﻛﱪﺗﻬﺎ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ‬
‫املﺴﻠﻤني‪ .‬ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ أﺣﻖ ﺑﺎﻻﻣﺘﻴﺎز ﻻ أﺟﺪر ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﻼء‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﻐريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻛﺎ ﺗﻮاﺿﻌﻬﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺰﻳﺪﻫﺎ ﺣﺒٍّﺎ ﻋﻨﺪ رﺳﻮ ﷲ‪،‬‬
‫ﻳﺮﻓﻌﻬﺎ درﺟﺎت ﻋﻨﺪ ﷲ‪ ،‬ﻳﻌﲇ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ ﰲ ﻧﻔﻮس ﻋﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ‬
‫ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ذ املﻮﻟﺪ املﻤﺘﺎز اﻟﻨﺴﺐ اﻟﴫﻳﺢ اﻟﺜﺮاء اﻟﻌﺮﻳﺾ ﺣﺪﻫﻢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻫﺆﻻء ﻣﻦ آﺧﺮﻳﻦ ﻛﺎ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺬ ﻓﺘﻦ ﰲ دﻳﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺻﺎد ﻣﻦ‬
‫املﺴﻠﻤني ﻣﻦ اﺷﱰا أﻋﺘﻘﻪ‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻀﻌﻴﻒ اﻟﺬ أﻗﺒﻞ ﻣﺴﺘﺠريا ﺑﻤﻜﺔ ﻳﻌﻴﺶ ﰲ‬
‫ﺣﻤﻰ ﺣﻠﻒ ﻋﻘﺪﻫﺎ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﺤﻲ أ ذا ﻣﻦ أﺣﻴﺎء ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﻌﻈﻴﻢ أ ذا ﻣﻦ‬
‫ﻋﻈﻤﺎﺋﻬﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ أﻗﺒﻞ ﻋﲆ ﻣﻜﺔ ذات ﻳﻮ ﻓﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ أﻣﻨﺎ ﻣﻜﺴﺒﺎ ﻓﺄﻗﺎ ؛ ﺛﻢ ﻛﺎ‬

‫‪32‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﴏح ﻧﺴﺒﻪ ﺣﺴﻦ ﻣﻮﻟﺪ ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎ ﻗﺼري اﻟﻴﺪ ﻗﻠﻴﻞ املﺎ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﰲ ﻋﺰة ﻣﻦ‬
‫ﻗﻮﻣﻪ ﻟﻜﻨﻪ ﰲ ﺿﻴﻖ ﻣﻦ ﻋﻴﺸﻪ ﻳﻜﺴﺐ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﻞ ﻫﺆﻻء‪ ،‬ﻛﻞ ﻫﺆﻻء ﺳ ﱠﻮ ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻹﺳﻼ ﰲ اﻟﺤﻘﻮ اﻟﻮاﺟﺒﺎت‪ ،‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﻔﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ إﻻ ﰲ ﺣﻈﻮﻇﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬اﻟﺼﱪ ﻋﲆ املﻜﺮ ﺣني‬
‫ﻳﻠﻢ املﻜﺮ ‪ ،‬ﻣﺆازرة اﻟﻨﺒﻲ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﺎﻟﻪ ﺣني ﻳﺤﺘﺎج اﻟﻨﺒﻲ إﱃ املﺆازرة ﺑﺎﻷﻧﻔﺲ اﻷﻣﻮا ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﺪ اﻹﺳﻼ ﻳﻨﺘﴩ ﺣﺘﻰ اﻣﺘﺎزت ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ ﰲ ﻧﻔﻮس املﺴﻠﻤني اﻣﺘﻴﺎزا ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ‪،‬‬
‫ﺣﺘﻰ أﻋﻄﺎﻫﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻲ ﺗﻌﻄﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻋﻀﺎؤﻫﺎ ﻛﺎﻧﻮا‬
‫ﻳﻌ ﱢﻠﻤﻮ اﻟﻨﺎس دﻳﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻳﺸري ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﻢ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ‪ .‬ﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﺣﻴﺎء‬
‫اﻟﻌﺮب ﺗﻄﻠﺐ إﱃ اﻟﻨﺒﻲ أ ﻳﺮﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﻔﻘﻬﻬﺎ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻴﺨﺘﺎر ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﻣﻌﻠﻤﺎ‬
‫ﻓﻘﻴﻬﺎ إﻣﺎﻣﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﺗﻜﺪ اﻟﺸﻬﻮر ﺗﻤﴤ ﻋﲆ ﻫﺠﺮة اﻟﻨﺒﻲ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺰ ة ﺑﺪر اﻟﺘﻲ‬
‫رﻓﻌﺖ ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻹﺳﻼ ﰲ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ﺟﻌﻠﺖ ﻟﻪ ﺷﻮﻛﺔ ﺗﺮﻫﺐ ﺗﺨﺎ ‪ ،‬ﻻ ﻳﻜﺎد اﻟﺰﻣﻦ‬
‫ﻳﻤﴤ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﺎرﻛﻮا ﰲ ﻫﺬ اﻟﻐﺰ ة ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻤﺘﺎزة ﺑني املﺴﻠﻤني؛ ﻓﺈذا أﺗﻴﺢ‬
‫ﻟﻬﻢ أ ﻳﺸﻬﺪ ا ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ املﺸﺎﻫﺪ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﻬﻢ أﺷﺪ اﻣﺘﻴﺎزا؛ ﻓﺈذا أﺗﻴﺢ ﻟﻬﻢ أ ﻳﺜﺒﺘﻮا‬
‫ﰲ اﻟﻘﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺛﺒﺘﺖ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻮ أﺣﺪ‪ ،‬ﻓﻬﻢ أﺷﺪ اﻣﺘﻴﺎزا أﻳﻀﺎ؛ ﻓﺈذا أﺗﻴﺢ ﻟﻬﻢ أ ﻳﺜﻨﻲ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﻟﻐريﻫﻢ ﻗﺪ ة إﻣﺎﻣﺎ‪ ،‬ﻳﺒﴩﻫﻢ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ‪ ،‬ﻳﻌﻠﻦ أﻧﻪ ﻋﻨﻬﻢ راض‪،‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺑﻠﻐﻮا أرﻗﻰ درﺟﺎت اﻻﻣﺘﻴﺎز‪ .‬ﻟﻴﺲ ﰲ ﳾء ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻏﺮاﺑﺔ أ ﻋﺠﺐ؛ ﻓﻬﺬا ﻛﻠﻪ‬
‫ﻣﻼﺋﻢ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻷﺷﻴﺎء‪ ،‬إﻧﻤﺎ املﻬﻢ ﻫﻮ أ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ املﻤﺘﺎزة ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻋﲆ‬
‫ﻣﺎ ﻳﻜﻮ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻔﺎ ت ﰲ اﻻﻣﺘﻴﺎز‪ ،‬ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﺑﻌﺪ ﻓﺎة اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ‬
‫ﰲ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪ أ ﻣﴣ اﻟﻨﺒﻲ إﱃ رﺑﻪ اﻧﻘﻄﻊ اﻟﻮﺣﻲ ﻋﺎد ﻣﺎ ﺑني اﻟﺴﻤﺎء‬
‫اﻷرض إﱃ اﻟﺒﻌﺪ ﺑﻌﺪ اﻟﻘﺮب‪.‬‬
‫ﻓﻤﻦ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ ﺣﺪﻫﺎ ﻳﺨﺘﺎر ﻣﻦ ﻳﺨﻠﻒ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ أﻣﺘﻪ‪ ،‬ﻋﲆ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ ﺣﺪﻫﺎ‬
‫ﻳﻌﺘﻤﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﰲ أ ﻳﺴﻤﻊ ﻟﻪ اﻟﻨﺎس ﻳﻄﻴﻌﻮا‪ ،‬إﱃ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ ﺣﺪﻫﺎ ﻳﻠﺠﺄ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‬
‫ﺣني ﻳﺤﺘﺎج إﱃ اﻟﺘﺸﺎ ر إدارة اﻟﺮأ ‪.‬‬
‫ﻋﲆ أ اﻷﻣﺮ ﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا ﺑﻌﺪ ﻓﺎة اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﻜﺪ ﺗﻤﴤ أﻳﺎ ﺑﻞ ﺳﺎﻋﺎت ﻋﲆ‬
‫ﻓﺎة اﻟﻨﺒﻲ ﺣﺘﻰ ﻋﺮ اﻹﺳﻼ ﻧﻮﻋﺎ ﺟﺪﻳﺪا ﻣﻦ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻧﻔﺴﻪ اﺗﺼﺎﻻ‬
‫ﺷﺪﻳﺪا؛ ذﻟﻚ ﺣني ﺗﺤﺪث املﺴﻠﻤﻮ ﰲ أﻣﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺎ اﻷﻧﺼﺎر‪ :‬ﻣﻨﺎ أﻣري ﻣﻨﻜﻢ أﻣري‪.‬‬
‫ر أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ أﻧﻪ ﻗﺎ ‪ :‬اﻷﺋﻤﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎ ﻟﻸﻧﺼﺎر‪ :‬ﻧﺤﻦ اﻷﻣﺮاء أﻧﺘﻢ‬
‫اﻟﻮزراء‪ .‬ﻗﺒﻞ اﻷﻧﺼﺎر ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﺎد ا ﻳﻌﺎرﺿﻮ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺄﺑﻪ ﻣﻨﻬﻢ إﻻ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎدة‪،‬‬
‫رﺣﻤﻪ ﷲ‪.‬‬

‫‪33‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﺸﺄت ﰲ اﻹﺳﻼ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻗﻮاﻣﻬﺎ اﻟﻘﺮب ﻣﻦ رﺳﻮ ﷲ؛ ﻓﺄﺻﺒﺢ‬
‫اﻟﺤﻜﻢ إﱃ ﻗﺮﻳﺶ ﺣﺪﻫﺎ‪ ،‬أﺻﺒﺤﺖ املﺸﻮرة إﱃ اﻷﻧﺼﺎر‪ .‬املﺸﻮرة ﺣﻖ ﻋﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﺴﻠﻢ؛‬
‫ﻓﻠﻘﺮﻳﺶ أ ﺗﺤﻜﻢ‪ ،‬ﻟﻘﺮﻳﺶ أ ﺗﺸري‪ ،‬ﻟﻸﻧﺼﺎر ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب أ ﻳﺸري ا‪ ،‬ﻟﻴﺲ‬
‫ﻟﻬﻢ أ ﻳﺤﻜﻤﻮا‪ .‬ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﺴﺘﺄﻧﻲ ﰲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻛﻤﺎ‬
‫ﻓﻬﻤﻬﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻓﻬﻤﺘﻬﺎ ﻗﺮﻳﺶ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؛ ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ‬
‫أ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ أﺑﺎ ﻋﺒﻴﺪة ﺑﻦ اﻟﺠﺮاح ﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ ا ﰲ إﻃﻼ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻟﻘﺮﻳﺶ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻐري‬
‫ﺗﺤﺪﻳﺪ‪ ،‬أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أﻧﻬﻢ إﻧﻤﺎ ﻓﻜﺮ ا ﰲ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮا إﱃ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻓﺂﻣﻨﻮا ﻗﺒﻞ‬
‫أ ﻳﺆﻣﻦ ﻏريﻫﻢ‪ ،‬آزر ا اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻋﲆ ﻧﴩ دﻋﻮﺗﻪ ﰲ ﻣﻜﺔ أﻳﺎ اﻟﺠﻬﺪ‬
‫اﻟﺸﺪة اﻟﻀﻴﻖ؛ ﻓﺎﻟﻜﺜﺮة اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻗﺮﺷﻴﺔ‪ ،‬املﻬﺎﺟﺮ ﻳﺬﻛﺮ ﻣﻊ‬
‫اﻷﻧﺼﺎر ﰲ اﻟﻘﺮآ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﲆ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻴﺒﺪأ ﺑﻬﻢ ﻳﺜﻨﱢﻲ ﺑﺎﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬ﻣﺎ أر إﻻ‬
‫أ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ إﻧﻤﺎ ﻗﺼﺪ إﱃ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ املﻤﺘﺎزة ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ؛ ﻃﺒﻘﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮا إﱃ اﻹﺳﻼ‬
‫ﺟﺎﻫﺪ ا ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ أﺛﻨﺎء اﻟﻔﺘﻨﺔ ﰲ ﻣﻜﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺟﺎﻫﺪ ا ﻣﻌﻪ ﺟﺎﻫﺪ ﻣﻌﻬﻢ اﻷﻧﺼﺎر أﺛﻨﺎء اﻟﻘﻮة‬
‫ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻮ أ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ أﺑﺎ ﻋﺒﻴﺪة ﻓﻜﺮ ا ﰲ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ اﻟﺤﻲ اﻟﺬ ﻳﺘﺼﻞ‬
‫ﻧﺴﺒﻪ ﺑﻨﺴﺐ رﺳﻮ ﷲ‪ ،‬أ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ؛ ﻻﻗﺘﻀﺎﻫﻢ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﻜري أ ﻳﺆﺛﺮ ا‬
‫ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ أﻗﺮب ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ رﺳﻮ ﷲ‪ ،‬أ ﻳﺮﺷﺤﻮا ﻟﻬﺎ اﻟﻌﺒﺎس ﻋﻤﻪ أ ﻋﻠﻴٍّﺎ اﺑﻦ ﻋﻤﻪ‬
‫ﺻﺎﺣﺐ ﺻﻬﺮ رﺑﻴﺒﻪ ﺣني ﻛﺎ ﺻﺒﻴٍّﺎ‪ .‬ﻓﺄﺑﻮ ﺑﻜﺮ أﺻﺤﺎﺑﻪ إذ ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻤﻮا ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‬
‫إﻻ ﻫﺬا املﻌﻨﻰ اﻟﺬ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎملﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪ ،‬ﺑﺄﺻﺤﺎب اﻟﺴﺒﻖ اﻟﻔﻀﻞ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺧﺎﺻﺔ‪،‬‬
‫ﻣﻦ أﺣﻤﻖ اﻟﺤﻤﻖ أ ﻳﻘﻮ ﻗﺎﺋﻞ إ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻜﺮ ا ﰲ ﻗﺮاﺑﺔ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ‪،‬‬
‫ﺟﻌﻠﻮا ﻫﺬ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻣﺼﺪر اﻣﺘﻴﺎز ﻗﺮﻳﺶ ﺑﺎﻹﻣﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻮ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻫﺬا ﻟﻜﺎ اﻟﻄﻠﻘﺎء ﻣﻦ‬
‫ﻗﺮﻳﺶ أﺣﻖ ﺑﺎﻹﻣﺎﻣﺔ ﻋﻨﺪ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ أﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪة ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ آ ا ﻧﴫ ا‪ ،‬ﻟﻜﺎ أﺑﻮ‬
‫ﺳﻔﻴﺎ أ ﺻﻔﻮا ﺑﻦ أﻣﻴﺔ أ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﻫﺸﺎ ‪ ،‬أﺣﻖ ﺑﺎﻹﻣﺎﻣﺔ ﻣﻦ أﻋﻼ اﻷﻧﺼﺎر اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﺗﺒﻮء ا اﻟﺪار اﻹﻳﻤﺎ ؛ ﻟﻜﻦ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻓﻬﻤﺖ ﻗﻮ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﲆ ﻏري ﻣﺎ أراد ﻫﻮ ﻋﲆ ﻏري‬
‫ﻣﺎ ﻓﻬﻤﻪ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﻴﻘﻨﺖ أ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﺣﻖ ﻟﻬﺎ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻌﺪ ﻫﺎ إﱃ‬
‫ﻏريﻫﺎ‪ ،‬أﻧﻬﺎ ﺣﻖ ﻟﻬﺎ ملﻜﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﻬﻢ ﺧﺎﻃﺌﺔ ﻣﺘﻜﻠﻔﺔ‪،‬‬
‫ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻚ‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﺻﺢ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﺗﺄ ﻳﻠﻬﺎ ﻟﻈﻬﺮت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺠﺔ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ‪ ،‬ﻟﻜﺎ ﺑﻨﻮ‬
‫ﻫﺎﺷﻢ أﺣﻖ املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻹﻣﺎﻣﺔ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أ ﻳﻨﻬﻀﻮا ﺑﺄﻋﺒﺎﺋﻬﺎ‪.‬‬

‫‪34‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ذﻟﻚ إﱃ أ اﻹﺳﻼ ﻟﻢ ﻳﻘﺪ أﺣﺪا ﻋﲆ أﺣﺪ ﺑﻤﻮﻟﺪ ﻻ ﺑﻤﻜﺎﻧﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬

‫ﻓﺎﺿﻞ ﺑني اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪ ﷲ ﺑﺎﻟﺘﻘﻮ ‪ ،‬ﻓﺎﺿﻞ ﺑني اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺘﻘﻮ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ‬
‫ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء‪.‬‬
‫ﻳﺪ ﻋﲆ ﺻﻮاب ﻣﺎ ﻧﺬﻫﺐ إﻟﻴﻪ أ ﻋﻤﺮ ﺣني ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻪ أ ﻳﺴﺘﺨﻠﻒ ﻗﺎ ‪ :‬ﻟﻮ ﻛﺎ‬
‫أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة ﺣﻴٍّﺎ ﻻﺳﺘﺨﻠﻔﺘﻪ‪ ،‬ﻟﻮ ﻛﺎ ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻮﱃ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺣﻴٍّﺎ ﻻﺳﺘﺨﻠﻔﺘﻪ‪ .‬ﺳﺎﻟﻢ ﻣﻮﱃ‬
‫أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺮﺷﻴٍّﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻧﺴﺐ ﰲ اﻟﻌﺮب‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺟﻠﺐ ﺻﺒﻴٍّﺎ ﻣﻦ إﺻﻄﺨﺮ‪،‬‬
‫ﻓﺄﻋﺘﻘﺘﻪ اﻣﺮأة ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻠﻜﻪ‪ ،‬ﺗﻮﱃ ﻫﻮ ﻻء أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻗﺪ ﻛﺎ‬
‫املﺴﻠﻤﻮ ﻳﻘﺪﻣﻮﻧﻪ ﰲ أﻣﻮر دﻳﻨﻬﻢ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ؛ ﻓﻬﻮ ﻛﺎ ﻳﺆ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﰲ اﻟﺼﻼة‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ‬
‫ﻋﻤﺮ‪ ،‬أﺛﻨﺎء اﻧﺘﻈﺎرﻫﻢ ملﻘﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﲆ املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬ﻗﺪ ﻗﺘﻞ ﺑﺎﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ﰲ ﺣﺮب اﻟﺮدة ﰲ ﺧﻼﻓﺔ‬
‫أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﺆﺑﻪ ملﺎ ﻗﻴﻞ ﻣﻦ أ ﺳﺎملﺎ ﻛﺎ ﻗﺮﺷﻴٍّﺎ ﺑﺎﻟﻮﻻء‪ ،‬ﻓﻠﻮ ﻗﺪ ﻋﺎش اﺳﺘﺨﻠﻔﻪ‬
‫ﻋﻤﺮ ملﺎ ﺧﺮﺟﺖ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪ .‬ﻓﻬﺬا ﻛﻠﻪ ﻛﻼ ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ‪ ،‬ﻧﺤﻦ ﻧﻌﻠﻢ أ اﻟﻮﻻء ﻋﲆ‬
‫ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻌﻘﺪ ﺑني املﻮاﱄ ﻣﻦ اﻟﺼﻼت ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟريﻓﻊ املﻮاﱄ إﱃ ﻃﺒﻘﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮﻟﻮﻧﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫اﻷﺣﺮار‪ .‬ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻌﺮب ﺗﻌﺮ ﻟﺴﺎﻟﻢ ﻧﺴﺒﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺪﻋﻮ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ ﻷﺑﻴﻪ‬
‫ﺣني أﻣﺮ ﷲ أ ﻳﺪﻋﻰ املﻮاﱄ إﱃ آﺑﺎﺋﻬﻢ‪ ،‬ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮ إ ﺳﺎملﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﺎﻟﺤني؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﻌﺮﻓﻮ ﻟﻪ أﺑﺎ ﺑﻌﺪ أ أﻟﻐﻰ اﻹﺳﻼ ﺗﺒﻨﻲ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ إﻳﺎ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ إذ ﻳﻮد‬
‫ﻟﻮ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني رﺟﻼ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب إﻻ ﺑﺎﻟﻮﻻء‪ ،‬ﻻ ﻳﺮ‬
‫ﺑﺬﻟﻚ ﺑﺄﺳﺎ‪ .‬ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻣﺼﻴﺒﺎ ﰲ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻫﺬا ﻣﻮاﻓﻘﺎ ﻷﺻﻮ اﻹﺳﻼ اﻟﺬ ﻻ ﻳﻔﻀﻞ أﺣﺪا‬
‫ﻋﲆ أﺣﺪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺐ املﻮﻟﺪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﻔﺎﺿﻞ ﺑني اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻜﻔﺎﻳﺔ اﻟﺘﻘﻮ ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء‪ ،‬ﻗﺪ‬
‫ﻛﺎ ﺳﺎﻟﻢ ﺗﻘﻴٍّﺎ ﻛﺎﻓﻴﺎ ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء‪.‬‬
‫ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء ﻓﻘﺪ ﻧﺸﺄت ﻫﺬ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ ﻓﺠﺎءة ﻋﲆ ﻏري ﺣﺴﺎب‬
‫ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻗﺪ ﻏﻠﻂ ﺑﻬﺎ‪ :‬أراد أﺑﻮ ﺑﻜﺮ أ ﺗﻜﻮ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﰲ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‬
‫ﻣﺎ ﺟﺪ ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﻜﻒء اﻟﻘﻮ ﻋﲆ اﻟﻨﻬﻮض ﺑﻬﺎ‪ .‬ﻓﺤﻮﻟﺖ ﻗﺮﻳﺶ ذﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ إﱃ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ‬
‫ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬ﺧﺮﺟﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻦ أﺻﻞ ﺧﻄري ﻣﻦ أﺻﻮ اﻹﺳﻼ ﻫﻮ املﺴﺎ اة ﺑني املﺴﻠﻤني‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﻗﺮﻳﺶ ﺗﺨﻄﻮ ﻫﺬ اﻟﺨﻄﻮة ﺣﺘﻰ أﺗﺒﻌﺘﻬﺎ ﺧﻄﻮة أﺧﺮ ﻛﺎ ﻟﻬﺎ أﺑﻌﺪ اﻷﺛﺮ‬
‫ﰲ ﺣﻴﺎة املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻫﻲ ﺗﻔﻀﻴﻞ اﻟﻌﺮب ﻋﲆ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ اﻋﺘﻨﻘﻮا اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ‬
‫ﻟﻬﻢ ﰲ اﻟﻌﺮب ﻧﺴﺐ ﴏﻳﺢ‪ .‬اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻳﻌﻠﻤﻮ أ اﺳﺘﺌﺜﺎر ﻗﺮﻳﺶ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﺟﺮ ﻋﲆ‬
‫املﺴﻠﻤني ﻛﺜريا ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻦ‪ ،‬أ اﺳﺘﺌﺜﺎر اﻟﻌﺮب ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎ اﻟﻔﻀﻞ أدا ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ﻟﺒﻨﻲ‬
‫اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻔﻀﻞ ﻣﻦ ﻧﺎﴏﻫﻢ ﻣﻦ املﻮاﱄ‪.‬‬

‫‪35‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻓﻠﻨﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪر ﰲ اﻹﺳﻼ ﻋﻨﴫا ﻣﺘﻤﻴﺰا إذ ‪ :‬أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﻌﻨﻮ ‪،‬‬
‫ﻫﻮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺪ املﻌﺮ ﻳﻔﺮﺿﻬﻤﺎ ﻋﲆ اﻟﺮﻋﺎة اﻟﺮﻋﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬اﻵﺧﺮ‬
‫ﻫﺬ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎ أﻣﺮﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ اﻟﺘﻘﻮ ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء اﻻﺗﺼﺎ‬
‫ﺑﺮﺳﻮ ﷲ‪ ،‬اﻟﺘﻲ اﻧﺤﺮﻓﺖ ﺑﻬﺎ ﻗﺮﻳﺶ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ‪ .‬اﺿﺢ ﺟﺪٍّا أ ﻫﺬﻳﻦ‬
‫اﻟﻌﻨﴫﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﻤﺎ أ ﻳﻄﺎ ﻻ ﻣﺮ اﻟﺪﻫﺮ‪ ،‬ﺗﻘﻠﺐ اﻟﺨﻄﻮب ﺗﺘﺎﺑﻊ اﻷﺣﺪاث؛‬
‫ﻓﺄﻣﺎ أ ﻟﻬﻤﺎ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﻀﻤري اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﻘﻮ اﻟﻴﻘﻆ اﻟﺤﻲ‪ ،‬ﻓﴚء ﻳﺘﺎح ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻟﻴﺲ‬
‫ﻣﻦ املﻜﻔﻮ ﻻ ﻣﻦ املﺤﺘﻮ أ ﻳﺮﺛﻪ ﻋﻨﻬﻢ اﻷﺑﻨﺎء اﻟﺤﻔﺪة‪ ،‬ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ اﺗﺼﻠﻮا ﺑﺮﺳﻮ ﷲ‬
‫اﺗﺼﺎﻻ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮا ﻣﻨﻪ ﺗﺄدﺑﻮا ﺑﺄدﺑﻪ‪ ،‬ﺧﻠﻴﻘﻮ أ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﰲ ﺳريﺗﻪ أ ﻳﺘﻤﺜﻠﻮ ﻛﻠﻤﺎ‬
‫ﻋﻤﻠﻮا أ ﻗﺎﻟﻮا أ ﻓﻜﺮ ا‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ اﻷﺟﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﺑﻨﺎء اﻟﺤﻔﺪة ﻓﻘﺪ ﻳﺘﺄﺛﺮ‬
‫ﺑﻬﻢ ﻗﺪ ﻻ ﻳﺘﺄﺛﺮ ‪ ،‬ﻫﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﺼﻠﻮا ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ إﻻ ﻗﻠﻴﻼ أ ﻟﻢ ﻳﺘﺼﻠﻮا ﺑﻪ أﺻﻼ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒﺎ‬
‫أﻻ ﻳﺘﺎح ﻟﻀﻤﺎﺋﺮﻫﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻴﻘﻈﺔ اﻟﻘﻮة اﻟﺤﻴﺎة ﻣﺎ أﺗﻴﺢ ﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻔﻮة‬
‫أﺻﺤﺎﺑﻪ اﻷﻗﺮﺑني‪.‬‬
‫أﺧﺮ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﺗﻔﻮﺗﻨﺎ‪ ،‬ﻫﻲ أ أﻣﻮر اﻟﺤﻜﻢ إﻧﻤﺎ ﺗﺴﺘﻘﻴﻢ ﺣني ﻳﻜﻮ اﻟﺘﻌﺎ‬
‫اﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ﺑني اﻟﺤﺎﻛﻤني املﺤﻜﻮﻣني ﰲ اﻷﺻﻮ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﻈﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻳﻜﻔﻲ أ‬
‫ﻳﻜﻮ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻳﻘﻆ اﻟﻀﻤري ﻣﺆﺛﺮا ﻟﻠﻌﺪ ﻣﺼﻄﻨﻌﺎ ﻟﻠﻤﻌﺮ ﺣﺮﻳﺼﺎ ﻋﲆ رﺿﺎ ﷲ ﻛﺎﻓﻴﺎ‬
‫ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ملﺸﻜﻼت اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺧ ﱠﺮاﺟﺎ ﻣﻨﻬﺎ إذا ادﻟﻬﻤﺖ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﺠﺐ أ ﻳﻜﻮ ﻟﺮﻋﻴﺘﻪ ﺣﻆ‬
‫اﻟﺤﺮص ﻋﲆ رﺿﺎ ﷲ‪.‬‬ ‫ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻀﻤري اﻟﺤﻲ اﻟﻴﻘﻆ‪ ،‬ﻣﻦ ﺣﺐ اﻟﻌﺪ إﻳﺜﺎر املﻌﺮ‬
‫ﻫﺬ ﻫﻲ املﺸﻜﻠﺔ اﻷ ﱃ اﻟﺘﻲ اﺟﻬﺖ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻌﺮب ﻛﻠﻬﻢ‬
‫أﺻﺤﺎب رﺳﻮ ﷲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﻌﺮب ﻗﺪ ﺻﺎﺣﺒﺖ اﻟﻨﺒﻲ اﺗﺼﻠﺖ ﺑﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ‬
‫أﺻﺤﺎب رﺳﻮ ﷲ ﻛﺎﻟﺸﻌﺮة اﻟﺒﻴﻀﺎء ﰲ اﻟﺜﻮر اﻷﺳﻮد‪ ،‬أ ﻛﺎﻟﺸﻌﺮة اﻟﺴﻮداء ﰲ اﻟﺜﻮر‬
‫اﻷﺑﻴﺾ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ إﻳﻤﺎ اﻟﻌﺮب ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻄﺎﺑﻘﺎ أ ﻣﻘﺎرﺑﺎ ﻹﻳﻤﺎ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ ﻣﻦ‬
‫أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﻣﻦ ﺣﺴﻦ إﻳﻤﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ أﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ‪ ،‬ﻛﻤﺎ‬
‫ﺟﺎء ﰲ اﻟﻘﺮآ ‪﴿ :‬ﻗﺎﻟﺖ اﻷﻋﺮاب آﻣﻨﱠﺎ ۖ ﻗﻞ ﱠﻟﻢ ﺗﺆﻣﻨﻮا ﻟﻜﻦ ﻗﻮﻟﻮا أﺳﻠﻤﻨﺎ ﻟﻤﱠ ﺎ ﻳﺪﺧﻞ اﻹﻳﻤﺎ‬
‫ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ۖ إ ﺗﻄﻴﻌﻮا ﷲ رﺳﻮﻟﻪ ﻻ ﻳﻠﺘﻜﻢ ﻣﱢ ﻦ أﻋﻤﺎﻟﻜﻢ ﺷﻴﺌﺎ ۚ إ ﱠ ﷲ ﻏﻔﻮر ﱠرﺣﻴﻢ﴾‪.‬‬
‫ﺑﻞ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﻣﻦ ﺟﺮت ﻛﻠﻤﺔ اﻹﺳﻼ ﻋﲆ ﻟﺴﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ اﺣﺘﻔﻆ ﺑﺠﺎﻫﻠﻴﺘﻪ ﻛﺎﻣﻠﺔ‬
‫ﰲ ﻗﻠﺒﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺿﻤري ‪ ،‬ﷲ ﻳﻘﻮ ﰲ ﺑﻌﺾ ﻫﺆﻻء‪﴿ :‬اﻷﻋﺮاب أﺷ ﱡﺪ ﻛﻔﺮا ﻧﻔﺎﻗﺎ أﺟﺪر‬
‫أ ﱠﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮا ﺣﺪ د ﻣﺎ أﻧﺰ ﷲ﴾‪.‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﻮاز ﺑني اﻟﺤﺎﻛﻢ املﺤﻜﻮ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﻀﺎﻣﻦ ﺻﺤﻴﺢ ﺑني‬
‫اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻜﺜﺮة اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻣﻦ رﻋﻴﺘﻪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ اﻟﺘﻀﺎﻣﻦ اﻟﺘﻮاز ﻗﺎﺋﻤني ﺑني‬

‫‪36‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ املﻤﺘﺎزة ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﻀﺎﻣﻦ اﻟﺘﻮاز اﺳﺘﻄﺎع‬
‫أﺑﻮ ﺑﻜﺮ أ ﻳﻌﻴﺪ اﻟﻌﺮب إﱃ اﻹﺳﻼ ﺑﻌﺪ أ ارﺗﺪ ا‪ ،‬أ ﻳﺸﻐﻠﻬﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﺟﻬﻬﻢ‬
‫إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻮح‪ .‬أﺧﺮ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﻨﺴﺎﻫﺎ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻀﻴﻖ ﺑﻬﺎ املﺘﺤﺮﺟﻮ اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﻳﻐﻠﻮ ﰲ ﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎ ‪ ،‬ﻫﻲ أ ﻫﺬا اﻟﻀﻤري اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺤﻲ اﻟﻴﻘﻆ ﻗﺪ ﻳﺘﻌﺮض‬
‫ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ املﺤﻨﺔ‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﻠﻘﻰ أﺧﻄﺎرا ﻛﺜرية ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث اﻟﺨﻄﻮب‪ ،‬ﻓﻤﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺨﻠﺺ‬
‫اﻹﻧﺴﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﻠﺒﻪ ﺿﻤري ﻟﻠﺤﻖ اﻟﺨري اﻟﻌﺪ اﻹﺣﺴﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻠﻢ ﺑﻪ أﺳﺒﺎب اﻟﻔﺘﻨﺔ‬
‫ﺗﻠﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﴪ ﰲ اﻹﻟﺤﺎح ﺣﺘﻰ ﺗﻀﻄﺮ إﱃ أ ﻳﺘﺄ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﺎ ﻳﺰا‬
‫ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻞ إﱃ ﺗﻌﻠﻞ ﻣﻦ ﺗﺤﻠﻞ إﱃ ﺗﺤﻠﻞ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻈﺮ ذات ﻳﻮ‬ ‫ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺗﺄ إﱃ ﺗﺄ‬
‫ﻓﺈذا ﺑﻴﻨﻪ ﺑني اﻹﺧﻼص اﻷ أﻣﺪ ﺑﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬا أﻟﺢ اﻟﻘﺮآ أﻟﺢ اﻟﻨﺒﻲ أﻟﺢ‬
‫اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺼﺎﻟﺤﻮ ﰲ ﺗﺤﺬﻳﺮ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻏﺮ رﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﻤﺪ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﻔﺘﻦ‬
‫ﻣﺎ ﺗﻌﺮﺿﻬﻢ ﻟﻪ ﻣﻦ ﴐ ب املﺤﻦ‪ ،‬ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﺎت‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻴﺎت اﻷﻋﻤﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﻛﻞ اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت ﻛﻤﺎ ﺗﺄﻛﻞ اﻟﻨﺎر اﻟﺤﻄﺐ؛ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻐﺮﻳﺐ ﰲ‬
‫ﳾء أ ﻳﺘﻌﺮض ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺼﺎﻟﺤني ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻷﺳﺒﺎب اﻟﻔﺘﻦ د اﻋﻲ‬
‫اﻟﻐﺮ ر‪ ،‬أ ﻳﻄﺮأ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث اﻟﺨﻄﻮب ﻣﺎ ﻳﺒﺎﻋﺪ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني ﻋﻬﺪﻫﻢ اﻷ ﺣني‬
‫ﻏﻀﺎ‪ ،‬ﺣني ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﺼﻠﻮ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ ﻣﺼﺒﺤني ﻣﻤﺴني‪ ،‬ﺣني ﻛﺎﻧﻮا إذا ذﻛﺮ ا‬ ‫ﻛﺎ اﻹﺳﻼ ٍّ‬
‫ﷲ ﺟﻠﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ‪ ،‬إذا ﺗﻠﻴﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ آﻳﺎﺗﻪ زادﺗﻬﻢ إﻳﻤﺎﻧﺎ ﻋﲆ رﺑﻬﻢ ﻳﺘﻮﻛﻠﻮ ‪.‬‬
‫ﺳﻨﺮ أ أﺳﺒﺎب اﻟﻔﺘﻦ د اﻋﻲ اﻟﻐﺮ ر ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜرية ﻗﻮﻳﺔ ﺧﻼﺑﺔ‪ ،‬ﻻ ﻳﺜﺒﺖ ﻟﻬﺎ إﻻ‬
‫أ ﻟﻮ اﻟﻌﺰ ‪ ،‬أ ﻟﻮ اﻟﻌﺰ ﻗﻠﺔ ﰲ ﻛﻞ زﻣﺎ ﻣﻜﺎ ‪.‬‬
‫ﻣﺎ أرﻳﺪ أ أﺗﺰﻳﺪ ﻻ أ أﺗﻜﻠﻒ‪ ،‬ﻻ أ أ ذ ﺑﻌﺾ اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ‪ ،‬ﻻ أ أﺣﻔﻆ‬
‫ﺑﻌﺾ اﻟﺼﺪ ر‪ ،‬ﻟﻜﻨﻲ ﻣﻊ ذﻟﻚ أﻻﺣﻆ أ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ ﺣﺴﻦ ﺑﻼؤﻫﻢ‬
‫ﰲ اﻹﺳﻼ ﺣﺘﻰ رﴈ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻨﻬﻢ ﺑﴩﻫﻢ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ أ ﺿﻤﻨﻬﺎ ﻟﻬﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﻃﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺰﻣﻦ‬
‫اﺳﺘﻘﺒﻠﻮا اﻷﺣﺪاث اﻟﺨﻄﻮب‪ ،‬اﻣﺘﺤﻨﻮا ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎ اﻟﻀﺨﻢ اﻟﻌﻈﻴﻢ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺜﺮاء اﻟﻮاﺳﻊ‬
‫اﻟﻌﺮﻳﺾ‪ ،‬ﻓﻔﺴﺪت ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻷﻣﻮر‪ ،‬ﻗﺎﺗﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ‪ ،‬ﻗﺘﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ‪ ،‬ﺳﺎء ﻇﻦ‬
‫ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ إﱃ أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﺴﻮء ﻇﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻋﴗ أ ﻳﻜﻮ ﻣﻮﻗﻔﻨﺎ‬
‫ﻧﺤﻦ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء؟ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻧﺮﴇ ﻋﻦ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﻧﻠﻐﻲ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﺣﺪﻫﺎ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﻧﻠﻐﻲ ﻣﻌﻬﺎ أﺻﻮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺪ اﻹﺣﺴﺎ ﺗﻨﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻔﺤﺸﺎء املﻨﻜﺮ‬
‫اﻟﺒﻐﻲ‪ ،‬ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻧﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻋﲆ ﻣﻦ ﻧﻈﻦ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺧﻄﺊ؛ ملﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫أ ﻻ‪ ،‬ملﺎ ﺑﴩﻫﻢ ﺑﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ رﺿﺎ ﷲ ﺛﺎﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻟﺤﺴﻦ ﻇﻨﻬﻢ ﺑﺎهلل رﺳﻮﻟﻪ ﺛﻘﺘﻬﻢ‬

‫‪37‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺑﻤﺎ ﻋﺪ ﷲ رﺳﻮﻟﻪ‪ ،‬إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﴩ ا ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻣﺎ ﻧﺤﺐ أ ﻧﺬﻫﺐ ﰲ أﻣﺮﻫﻢ‬
‫ﻣﺬﻫﺐ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﺻﻮرﻫﻢ ﻣﻦ ﺧﺼﻮﻣﻬﻢ أﻧﺼﺎرﻫﻢ‪ ،‬ﻓﻨﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺎﻟﺨري‪ ،‬ﻧﺤﻜﻢ‬
‫ﻋﲆ ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻵﺧﺮ ﺑﺎﻟﴩ؛ ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﴏ ﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر اﻟﺨﺼﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﴍﻛﺎءﻫﻢ ﻓﻴﻤﺎ‬
‫أﻟ ﱠﻢ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺮﺿﻮ أ ﻳﺴﺨﻄﻮ ﺣﺴﺐ ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﻦ أ ﻟﺌﻚ أ ﻫﺆﻻء‪ .‬أﻣﺎ‬
‫ﻧﺤﻦ ﻓﻠﺴﻨﺎ ﻧﻌﺎﴏﻫﻢ ﻻ ﻧﺸﺎرﻛﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺷﺠﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻼ ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻣﻦ املﻌﻘﻮ‬
‫ﻟﺬﻟﻚ أ ﻧﻘﺤﻢ ﻋﻮاﻃﻔﻨﺎ ﰲ أﻣﺮﻫﻢ إﻗﺤﺎﻣﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺳﺒﻴﻠﻨﺎ أ ﻧﻨﻈﺮ ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ أﻗﻮاﻟﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫ﻄﺊ ﻧﺼﻮﱢب ﻣﻦ ﻧﺼﻮﱢب‬ ‫ﻄﺊ ﻣﻦ ﻧﺨ ﱢ‬
‫ﺣﻴﺚ ﺻﻠﺘﻬﺎ ﺑﺤﻴﺎة اﻟﻨﺎس أﺣﺪاث اﻟﺘﺎرﻳﺦ‪ ،‬أ ﻧﺨ ﱢ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﺠﻬﺔ ﺣﺪﻫﺎ د أ ﻧﻘﴤ ﰲ أﻣﺮ دﻳﻨﻬﻢ ﺑﴚء؛ ﻓﺈ اﻟﺪﻳﻦ هلل‪ ،‬د أ‬
‫ﻧﺴﺘﺒﻴﺢ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ أ ﻧﻘﻮ ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ أﻧﺼﺎرﻫﻢ ﺧﺼﻮﻣﻬﻢ‪ :‬ﻫﺆﻻء ﻣﺆﻣﻨﻮ ﻫﺆﻻء‬
‫ﻛﺎﻓﺮ ‪ ،‬ﻫﺆﻻء ﰲ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺑني ﺑني‪ ،‬ﻫﺆﻻء ﰲ اﻟﺠﻨﺔ ﻫﺆﻻء ﰲ اﻟﻨﺎر؛ ذﻟﻚ ﳾء ﻻ ﻧﺨﻮض‬
‫ﻓﻴﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ أ ﻧﺨﻮض ﻓﻴﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻣﺮ إﱃ ﷲ ﺣﺪ ‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ اﻟﺬ إﻟﻴﻨﺎ ﻓﻬﻮ أ ﻧﺘﺒني‬
‫ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ أﻗﻮاﻟﻬﻢ ﺳريﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻼﺋﻢ اﻟﺤﻖ اﻟﻌﺪ اﻟﺼﻮاب ﻣﺎ ﻻ ﻳﻼﺋﻤﻬﺎ‪ ،‬ﻫﺬا ﰲ‬
‫ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺜري‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻤﺎ ﻟﻴﺲ ﻣﻨﻪ ﺑﺪ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻌﻨﴫ اﻷ إذ ﻣﻦ ﻋﻨﴫ ﻧﻈﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺪر ﻣﻦ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻫﻮ‬
‫اﻟﻀﻤري اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﻴﻘﻆ اﻟﺤﻲ‪ ،‬ﻣﻌ ﱠﺮض ﻛﻤﺎ رأﻳﺖ ﻟﻜﻞ ﻫﺬ اﻷﺧﻄﺎء‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻋﺼﻢ أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ أﻣﻨﻮا اﻟﺘﻌﺮض ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ اﺳﺘﻘﺎﻣﺖ ﻟﻬﻢ أﻣﻮرﻫﻢ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻼﺋﻢ ﺗﻠﻚ‬
‫اﻟﻌﺼﻤﺔ ﻫﺬا اﻷﻣﻦ‪ ،‬ﻟﻤﺎ ﻛﺎ ﺑ ﱞﺪ ﻣﻦ أ ﻳﺘﻌﺮض أﺑﻨﺎؤﻫﻢ ﺣﻔﺪﺗﻬﻢ ﻟﴬ ب اﻟﻔﺘﻦ املﺤﻦ‬
‫اﻟﻐﺮ ر‪.‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺪ إذ ﻣﻦ أ ﻳﺼﻞ املﺴﻠﻤﻮ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﴫ إﱃ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ أﻻ ﻳﱰﻛﻮا‬
‫أﻣﻮرﻫﻢ إﱃ ﺣﺴﺎب اﻟﻀﻤري ﺣﺪ ‪ ،‬أ إﱃ ﻣﺎ ﺑني اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺑني ﷲ‪ ،‬إﱃ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫أ ﻳﻀﻌﻮا اﻟﻨﻈﺎ املﻘﺮر املﻜﺘﻮب اﻟﺬ ﻳﺒني ﺣﺪ د اﻟﺤﻜﻢ ﺟﻤﻠﺔ ﺗﻔﺼﻴﻼ‪ ،‬ﻳﺒني ﻟﻠﺨﻠﻔﺎء‬
‫ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ أ ﻳﻔﻌﻠﻮا‪ ،‬ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ أ ﻳﱰﻛﻮا‪ ،‬ﻣﺎ ﻳﺠﻮز ﻟﻬﻢ أ ﻳﱰﺧﺼﻮا ﻓﻴﻪ‪،‬‬
‫ﻳﺒني ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺣﻘﻮﻗﻪ اﺟﺒﺎﺗﻪ ﻣﻔﺼﻠﺔ‪ ،‬اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻳﺨﺘﺎر ﺑﻬﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﺮاﻗﺒﻪ ﺑﻬﺎ‬
‫ﺑﻌﺪ اﺧﺘﺒﺎر ﻳﻌﺎﻗﺒﻪ ﺑﻬﺎ إ ﺣﺎد ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ؛ ﻛﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ أ ﻳﻨﺸﺌﻮا‬
‫ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ ﺣﺪ د اﻟﻘﺮآ اﻟﺴﻨﺔ دﺳﺘﻮرا ﻣﻜﺘﻮﺑﺎ ﻣﺒني اﻟﺤﺪ د اﻷﻋﻼ ﻳﻌﺼﻤﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻔﺮﻗﺔ اﻻﺧﺘﻼ ‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻓﻌﻠﻮا ﻟﻤﺎ ﺗﻌﺮﺿﻮا ﻟﻤﺎ ﺗﻌﺮﺿﻮا ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﴩ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫اﻧﻈﺮ إﱃ ﻫﺬا املﺜﻞ اﻟﺬ ﻳﻘﻒ اﻟﻨﺎس أﻣﺎﻣﻪ ﺣﺎﺋﺮﻳﻦ ﻳﺮﴇ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺮاﴈ ﻳﺴﺨﻂ ﻣﻨﻬﻢ‬
‫اﻟﺴﺎﺧﻂ؛ ﻓﻘﺪ ﻛ ﱢﻠﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻴﻤﺎ أﻋﻄﻰ ﻟﺬ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻓﻘﺎ ‪» :‬إ ﻋﻤﺮ ﻛﺎ‬

‫‪38‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ﻳﺤﺮ ﻗﺮاﺑﺘﻪ اﺣﺘﺴﺎﺑﺎ هلل‪ ،‬أﻧﺎ أﻋﻄﻲ ﻗﺮاﺑﺘﻲ اﺣﺘﺴﺎﺑﺎ هلل‪ ،‬ﻣﻦ ﻟﻨﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻋﻤﺮ؟« ﻓﻘﺪ ﻛﺎ‬
‫ﻋﻤﺮ إذ ﻣﺤﺴﻨﺎ ﺣني ﻛﺎ ﻳﺤﺮ ذ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺤﺴﻨﺎ ﺣني‬
‫ﻛﺎ ﻳﺼﻞ أرﺣﺎﻣﻪ ﻣﻦ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني؛ ﻷ ﷲ أﻣﺮ أ ﺗﻮﺻﻞ اﻷرﺣﺎ ‪.‬‬
‫ﻓﻬﺬا ﻛﻼ ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺎ ﻟﻮ أ ﻳﺘﺄ ﻟﻮا ﰲ اﻟﻔﻘﻪ؛ ﻓﺄﻣﺎ املﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬
‫ﻓﻼ ﺗﺤﺘﻤﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺄ ‪ ،‬ﻓﺎﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ إﻣﺎ أ ﺗﻜﻮ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﻓﻼ ﻳﺤﻞ ﻟﻺﻣﺎ أ ﻳﺘﴫ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ إﻻ ﺑﺈذﻧﻪ‪ ،‬إﻣﺎ أ ﺗﻜﻮ ﻟﻺﻣﺎ ﻓﻼ ﻳﺤﻞ ﻟﻠﺸﻌﺐ أ ﻳﻌﱰض ﻋﻠﻴﻪ إ ﺗﴫ ﻓﻴﻬﺎ؛‬
‫ﻓﺄﻣﺎ أ ﻳﺘﻘﺮب ﺑﻌﺾ اﻷﺋﻤﺔ إﱃ ﷲ ﺑﺤﻔﻈﻬﺎ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني‪ ،‬أ ﻳﺘﻘﺮب ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻵﺧﺮ إﱃ‬
‫ﷲ ﺑﺼﻠﺔ رﺣﻤﻪ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻓﻬﺬا ﳾء ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ‪ .‬اﺿﺢ أﻧﺎ ﻧﺬﻫﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺬﻫﺐ ﻋﻤﺮ؛ ﻷﻧﻪ‬
‫ﺣﺪ ﻳﻼﺋﻢ اﻟﺤﻖ اﻟﻌﺪ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻸﺋﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻔﻒ‪ ،‬ﻳﻼﺋﻢ ﻓﻘﻪ اﻷﻣﻮر اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻛﻤﺎ‬
‫ﻧﻔﻬﻤﻪ اﻵ ‪.‬‬
‫ﻣﺜﻞ آﺧﺮ ﻳﺮ ﻳﻪ املﺆرﺧﻮ ‪ ،‬ﻣﺎ ﻧﺪر أﻧﻘﻒ ﻣﻨﻪ ﻣﻮﻗﻒ اﻹﻋﺠﺎب أ ﻧﻘﻒ ﻣﻨﻪ‬
‫ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻌﺠﺐ؟ ﻓﻘﺪ ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺨﺼﻮﻣﻪ ﺣني اﺷﺘﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺼﺎر‪» :‬إ رأﻳﺘﻢ ﰲ ﻛﺘﺎب‬
‫ﷲ أ ﺗﻀﻌﻮا رﺟﲇ ﰲ اﻟﻘﻴﺪ ﻓﺎﻓﻌﻠﻮا‪ «.‬أﻗﺎ ﻫﺬا ﻣﻌﺘﺒﺎ ﻟﻬﻢ ﻧﺎزﻻ ﻋﻨﺪ ﺣﻜﻢ ﷲ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ؟‬
‫إذ ﻓﺄﻳﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺬ ﻳﺒﻴﺢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني أ ﻳﻀﻌﻮا رﺟﲇ إﻣﺎﻣﻬﻢ ﰲ اﻟﻘﻴﺪ؟ أ ﻗﺎ‬
‫ﻫﺬا ﻣﺘﺤﺪﻳﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ أ ﻟﻴﺲ ﰲ ﻛﺘﺎب ﷲ ﻧﺺ ﻳﺒﻴﺢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني أ ﻳﻀﻌﻮا رﺟﲇ إﻣﺎﻣﻬﻢ‬
‫ﰲ اﻟﻘﻴﺪ ﺣني ﻳﺨﻄﺊ أ ﺣني ﻳﻨﺤﺮ ﻋﻦ اﻟﺠﺎدة ﻋﻦ ﻋﻤﺪ؛ ﻷ اﻟﻘﺮآ ﻟﻢ ﻳﻌﺮض ﻟﴚء‬
‫ﻣﻦ ﻫﺬا؟ إذ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻔﺮض ﻳﺮ أ ﻟﻴﺲ ﻟﺨﺼﻮﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺒﻴﻞ ﻣﻦ‬
‫ﻛﺘﺎب ﷲ‪ ،‬أ ﻟﻪ أ ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ د أ ﻳﻜﻮ ﻗﺪ ﻗﺎر ذﻧﺒﺎ أ ﺗﻮرط ﰲ إﺛﻢ‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ‬
‫ﻛﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ املﻜﺘﻮب ﻟﻌﺮ املﺴﻠﻤﻮ ﰲ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ‬
‫ﻳﺪﻋﻮ د أ ﺗﻜﻮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﺮﻗﺔ أ ﺧﻼ ‪.‬‬
‫رﺑﻤﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ أ ﺿﺢ اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻋﲆ ﺣﺎﺟﺔ املﺴﻠﻤني ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ‬
‫املﻜﺘﻮب ﻣﺎ ﻳﺮ ﻣﻦ أ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﺣني ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ أ ﻳﺒﺎﻳﻌﻪ ﻋﲆ‬
‫أ ﻳﻠﺰ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺴﻨﺔ ﺳرية اﻟﺸﻴﺨني ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬أﺑﻰ أ ﻳﻌﻄﻲ ﻣﺎ‬
‫ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻬﺪ ﻗﺎ ‪» :‬اﻟﻠﻬﻢ ﻻ‪ ،‬ﻟﻜﻦ أﺟﺘﻬﺪ ﰲ ذﻟﻚ رأﻳﻲ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺖ‪ «.‬ﻳﺮﻳﺪ أﻧﻪ‬
‫ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﻠﺘﺰ ﻣﺎ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ اﻟﺘﺰاﻣﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘﺮآ ﻣﻜﺘﻮب ﻣﺤﻔﻮظ ﰲ اﻟﺼﺪ ر‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻌﺮض ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ﺗﻔﺼﻴﻠﻬﺎ ﻗﺎﺋﻌﻬﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺳﻨﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻌﺮ ﻓﺔ ﰲ ﺟﻤﻠﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺠﻬﻠﻪ اﻟﺤﺎﴐ ﻳﺤﻔﻈﻪ اﻟﻐﺎﺋﺐ‪،‬‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ذﻫﺐ ﻣﻊ ﻣﻦ ذﻫﺐ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ ﺣﺮب اﻟﺮدة اﻟﻔﺘﻮح‪،‬‬

‫‪39‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺳرية اﻟﺸﻴﺨني ﻛﺴﻨﺔ اﻟﻨﺒﻲ؛ ﻣﻨﻬﺎ املﻌﻠﻮ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮ اﻟﻨﺴﻴﺎ ﻋﺮض ﻟﻪ‪ ،‬ﻟﻌﲇ ﱟ‬
‫ﺑﻌﺪ اﻟﺤﻖ ﻛﻞ اﻟﺤﻖ ﰲ أ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﻋﻦ ﺳرية اﻟﺸﻴﺨني إ ﺗﻐري اﻟﺰﻣﻦ أ رأ ﰲ املﺨﺎﻟﻔﺔ‬
‫ﻋﻦ ﻫﺬ اﻟﺴرية ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻟﻠﺮﻋﻴﺔ ﻧﺼﺤﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺮض ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ ﻋﲆ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺒﻠﻪ أﻋﻄﻰ ﻣﺜﻠﻪ ﻗﺎ ‪» :‬اﻟﻠﻬﻢ ﻧﻌﻢ!« ﻳﺮﻳﺪ أﻧﻪ ﺳﻴﺠﺘﻬﺪ ﰲ إﻧﻔﺎذ ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﻨﺔ‬
‫ﻧﺒﻴﻪ ﺳرية اﻟﺸﻴﺨني‪ ،‬أﻧﻪ ﻣﺘﻰ اﺟﺘﻬﺪ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻓﻘﺪ اﻟﺘﺰ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺴﻨﺔ ﻧﻬﺞ‬
‫اﻟﺸﻴﺨني‪ .‬ﻗﺪ أﺻﺎب ﻋﲇ ﱞ ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻚ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺒﻌﺪ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻧﻈﺮ إﱃ ﻣﺎ ﺣﺪث‬
‫ﺑﻌﺪ أ ﻣﻀﺖ أﻋﻮا ﻋﲆ إﻣﺮة ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ذﻫﺐ ﰲ أﻣﻮا املﺴﻠﻤني ﻣﺬﻫﺒﺎ ﻣﺨﺎﻟﻔﺎ ملﺬﻫﺐ ﻋﻤﺮ‬
‫ﺳريﺗﻪ؛ ﻓﺄﻣﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺎﻳﻌﻮ ﻋﲆ اﻟﺘﺰا ﻫﺬ اﻟﺴرية ﻓﻴﻤﺎ اﻟﺘﺰ ﻓﻘﺪ رأ ا أﻧﻪ ﺧﺎﻟﻒ ﻋﻨﻬﺎ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻒ ﺑﺎﻟﻌﻬﺪ ﻛﺎﻣﻼ‪ ،‬أﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﺮأ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺑﺤﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﻮا ؛ ﻷ ﻗﻮا ﺳرية‬
‫ﻋﻤﺮ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺘﻘﺮب إﱃ ﷲ‪ ،‬ﻫﻮ ﻗﺪ ﺻﻞ رﺣﻤﻪ ﺗﻘﺮﺑﺎ إﱃ ﷲ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻘﺮب إﱃ ﷲ ﻛﻤﺎ‬
‫ﻛﺎ ﻋﻤﺮ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻳﻔﻌﻼ ‪ ،‬ﻻ ﻋﻠﻴﻪ أ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺳﺎﺋﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺮب إﱃ ﷲ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻛﺎ‬
‫ﺑني اﻟﺤﺪ د اﺿﺢ اﻷﻋﻼ ‪ ،‬ﻟﻤﺎ أﺑﻰ ﻋﲇ ﱞ أ ﻳﺒﺎﻳﻊ‬‫ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻈﺎ ﻣﻜﺘﻮب ﱢ‬
‫ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺪﺳﺘﻮر‪ ،‬ﻟﻤﺎ اﺣﺘﺎج ﻋﺜﻤﺎ إﱃ أ ﻳﺒﺎﻳﻊ ﺛﻢ ﻳﺘﺄ ‪ ،‬ملﺎ اﻧﻘﺴﻢ اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‬
‫ﻓﺮﻳﻘني‪ :‬ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻳﺸﺘﺪ ﻳﺘﺤﺮج ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺮج ﻋﲇ ﱞ ﻣﻦ ﻻﻣﻮا ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻳﺘﺄ ﻛﻤﺎ ﺗﺄ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﻧﻌﻢ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻳﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﻧﻨﴗ أ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﻗﺘﻞ ﺳﻨﺔ ﺛﻼث ﻋﴩﻳﻦ ﻟﻠﻬﺠﺮة‪ ،‬أ ﻗﺒﻞ أ‬
‫ﻳﻤﴤ ﻋﲆ اﻟﻬﺠﺮة ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﺪ ﻟﺔ رﺑﻊ ﻗﺮ ‪ ،‬أ ﻫﺬ املﺪة اﻟﻘﺼرية ﻟﻢ ﺗﻨﻔﻖ ﰲ ﺣﻴﺎة‬
‫ﻫﺎدﺋﺔ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ ﻗﺪ اﺳﺘﻘﺮت ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻣﻮر ﻓﺮغ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﺎ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻧﻔﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﴩة أﻋﻮا‬
‫ﰲ ﺣﻤﻞ اﻟﻌﺮب ﻋﲆ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﺛﻢ أﻧﻔﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺎ ﺑﻌﺾ ﻋﺎ ﰲ رد اﻟﻌﺮب إﱃ اﻹﺳﻼ‬
‫ﺑﻌﺪ أ اﻧﺘﻘﻀﻮا ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺛﻢ أﻧﻔﻖ ﺳﺎﺋﺮﻫﺎ ﰲ دﻓﻊ اﻟﻌﺮب إﱃ ﻧﴩ اﻹﺳﻼ ﰲ أﻗﻄﺎر اﻷرض‪:‬‬
‫ﰲ اﻹداﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮس‪ ،‬إﺧﺮاج اﻟﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺎ ﻣﴫ‪ ،‬ﺛﻢ ﰲ ﺗﻤﺼري اﻷﻣﺼﺎر ﺗﺠﻨﻴﺪ‬
‫اﻷﺟﻨﺎد‪ ،‬ﺿﻊ اﻟﻨﻈﻢ اﻷ ﱃ ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺤﺮب اﻟﺴﻠﻢ‪ ،‬ﻟﻺدارة ﺧﺎرج ﺑﻼد اﻟﻌﺮب داﺧﻞ‬
‫ﺑﻼد اﻟﻌﺮب؛ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺪ ﻻ ﻣﻦ اﻹﻧﺼﺎ أ ﻳﻘﺎ إ املﺴﻠﻤني ﰲ ﺻﺪرﻫﻢ ذا ﻗﺪ‬
‫ﻗﴫ ا أ ﺗﺨﻠﻔﻮا أ ﺗﺮﻛﻮا ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﻔﻌﻠﻮا د أ ﻳﻔﻌﻠﻮ ‪.‬‬
‫ﻓﺈذا أﺿﻔﺖ إﱃ ذﻟﻚ أ اﻟﺸﻴﺨني إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺒﺘﻜﺮا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻘﺒﻼ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﻨﻈﻴﻢ‬
‫أﻣﻮر اﻟﺤﻜﻢ اﺑﺘﻜﺎرا ﰲ ﻫﺬ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺒﺪ ﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘﺔ ذات ﺧﻄﺮ‬
‫ﰲ اﻹدارة أ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أ اﻟﺤﻀﺎرة ﺑﻮﺟﻪ ﻋﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻳﺒﺘﻜﺮا ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ‬
‫ﻳﺴﻮﺳﺎ ﻗﻮﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻮد ا أ ﻳﺴﺎﺳﻮا‪ ،‬ﻳﺤ ﱢﴬا ﻗﻮﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﴬ ا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ‪ ،‬ﻋﺮﻓﺖ أ‬

‫‪40‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ﻣﻦ اﻟﺸﻄﻂ أ ﻳﻘﺎ إ اﻟﺸﻴﺨني ﻟﻢ ﻳﻀﻌﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻣﻦ اﻟﻨﻈﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ‬

‫أ ﻳﻀﻌﺎ‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺳﻌﻪ اﻻﺟﺘﻬﺎد‪ ،‬ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻌﺮ ﻣﻦ‬
‫ﻧﻈﻢ اﻷﻣﻢ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺖ إﱃ اﻟﺤﻀﺎرة ﺷﻴﺌﺎ إﻻ اﺳﺘﻘﺼﺎ اﺳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﻼﺋﻢ املﺰاج‬
‫اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،‬ﻣﺎ ﻳﻼﺋﻢ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻣﺎ ﻳﻼﺋﻢ ﻫﺬ اﻟﺪ ﻟﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ اﻟﺘﻲ أﴎﻋﺖ إﱃ اﻟﻨﻤﻮ اﻻﻧﺘﺸﺎر‬
‫إﴎاﻋﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺳﺒﻘﺖ ﺑﻪ ﺗﻔﻜري املﻔﻜﺮﻳﻦ ﺗﺪﺑري املﺪﺑﺮﻳﻦ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻌﻨﴫ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﴏ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺴﻴﺎﳼ‪ ،‬ﻫﻮ ﻫﺬ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ املﻤﺘﺎزة‬
‫ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﺑﻄﺒﻌﻪ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻟﻠﺰ ا ﺣني ﻳﻤﴤ اﻟﺰﻣﻦ ﻳﺒﻠﻎ اﻟﻜﺘﺎب أﺟﻠﻪ‪،‬‬
‫ﺗﻨﺸﺄ أﺟﻴﺎ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﺠﻴﻞ ﻣﻦ اﻻﻣﺘﻴﺎز‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أ‬
‫ﻳﻮﺿﻊ ﻟﻬﺬ اﻷﺟﻴﺎ اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺬ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﻛﻴﻒ ﺗﺨﺘﺎر ﺧﻠﻔﺎءﻫﺎ ﻛﻴﻒ ﺗﺮاﻗﺒﻬﻢ ﺗﺤﺎﺳﺒﻬﻢ‬
‫ﺗﻌﺎﻗﺒﻬﻢ إ ﺗﻌﺮﺿﻮا ملﺎ ﻳﻘﺘﴤ اﻟﻌﻘﺎب‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﺿﻊ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ملﺎ ﺗﻔ ﱠﺮ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني‬
‫ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬ ﻋﺮﻓﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ‪ ،‬ملﺎ ذﻫﺐ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﺬﻫﺐ‬
‫املﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﻬﻮﺟﺎء ﻋﲆ ﺳﻨﺔ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺸﻴﺨني‪ :‬ﻫﻢ اﻟﺨﻮارج‪ ،‬ﻓﺮﻳﻖ آﺧﺮ ﻣﺬﻫﺐ املﺤﺎﻓﻈﺔ‬
‫ﻋﲆ أ ﺗﻜﻮ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﰲ آ ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﺮﻳﻖ ﺛﺎﻟﺚ ﻋﲆ أ ﺗﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻠﻜﺎ ﻗﻴﴫﻳٍّﺎ‬
‫أ ﻛﴪ ﻳٍّﺎ‪ ،‬ﻓﺮﻳﻖ راﺑﻊ إﱃ أ ﻳﻜﻮ اﻷﻣﺮ ﺷﻮر ﺑني املﺴﻠﻤني د أ ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻟﻬﺬ‬
‫اﻟﺸﻮر ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻻ ﺣﺪ دا‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ اﻟﻌﻨﴫ اﻷ ﻧﻘﻮﻟﻪ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس‬
‫إﱃ ﻫﺬا اﻟﻌﻨﴫ اﻟﺜﺎﻧﻲ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﻠﺸﻴﺨني أﺻﺤﺎﺑﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻻ ﻣﻦ اﻟﻔﺮاغ اﻟﺪﻋﺔ‬
‫ﻻ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮر اﻻﺗﺼﺎ ﺑﺄﺳﺒﺎب اﻟﺤﻀﺎرة ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ أ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺿﻊ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ‪ .‬إﻧﻤﺎ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻋﲆ اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎء ا ﺑﻌﺪﻫﻢ ﻓﺄﺗﻴﺤﺖ ﻟﻬﻢ اﻟﺴﻌﺔ اﻟﺪﻋﺔ اﻟﻔﺮاغ‪،‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ ا ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﰲ أ ﻳﻀﻌﻮا ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻟﺘﺪا اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﻻ ﰲ أ ﻳﻀﻌﻮا ﻧﻈﺎﻣﺎ‬
‫ﻳﻜﻔﻞ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﻌﺪ اﻟﺴﻴﺎﳼ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻫﻤﻠﻮا ذﻟﻚ إﻫﻤﺎﻻ آﺛﺮ ا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ‬
‫اﻟﻐﻠﺐ اﻻﺳﺘﻌﻼء‪.‬‬
‫ﺑﻌﺪ ﻓﻬﺆﻻء أﻳﻀﺎ ﺧﻠﻴﻘﻮ أﻻ ﻳﻼﻣﻮا؛ ﻓﻘﺪ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﺴﺄ أﻧﻔﺴﻨﺎ‪ :‬ﻣﺘﻰ ﻋﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺿﻊ اﻟﺪﺳﺎﺗري؟ ﻗﺪ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﻼﺣﻆ أ ﺿﻊ اﻟﻨﻈﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ املﻜﺘﻮﺑﺔ ذات اﻷﻋﻼ‬
‫اﻟﻮاﺿﺤﺔ اﻟﺤﺪ د اﻟﺒﻴﻨﺔ ﻇﺎﻫﺮة ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ إﻻ ﰲ ﻋﺼﻮر ﻣﺘﺄﺧﺮة ﺟﺪٍّا‪،‬‬
‫أﻧﺎ أﻋﻠﻢ أ ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﻤﺪ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻧﻈﻢ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ‪ ،‬أﻋﺮ ﻛﺬﻟﻚ أ‬
‫ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺮ ﻣﺎ ﻧﻈﻢ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻘﺮرة؛ ﻟﻜﻨﻲ أﻋﺮ أ املﻠﻚ ﰲ اﻟﴩ اﻟﻐﺮب ﻗﺪ أﻟﻐﻰ‬
‫ﻫﺬ اﻟﺪﺳﺎﺗري ﺑﺎﻋﺪ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑني اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻧﺴﻴﺘﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻧﺴﻴﺎﻧﺎ ﻳﻮﺷﻚ أ ﻳﻜﻮ‬
‫ﺗﺎﻣٍّ ﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻜﺸﻔﻬﺎ إﻻ ﻗﻠﻴﻼ ﻗﻠﻴﻼ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﻬﻀﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ اﻟﺤﺪﻳﺚ‪.‬‬

‫‪41‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻋﲆ أ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ أ ﻧﻼﺣﻆ ﺷﻴﺌﺎ أﴍت إﻟﻴﻪ ﰲ ﺑﻌﺾ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻫﻮ أ ﻋﻤﺮ‬
‫رﺣﻤﻪ ﷲ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻳﻠﻘﻰ ﻋﻤﺎﻟﻪ أﻫﻞ أﻗﺎﻟﻴﻤﻪ ﰲ املﻮﺳﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎ ‪ ،‬ﻓﻴﺴﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎ‬
‫ﰲ أﻣﺮ اﻟﺮﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﰲ أﻣﺮ اﻟﻌﻤﺎ ‪ .‬ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻫﺬا ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻣﻘﺮرا‪ ،‬ﻓﻜﺎ‬
‫ﻳﺤﺞ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻃﻮ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻟﻴﻠﻘﻰ املﺴﻠﻤني ﰲ ﻣﻮﺳﻤﻬﻢ؛ ﻻ ﻧﺴﺘﺜﻨﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ إﻻ اﻟﻌﺎ‬
‫اﻷ ﻟﺨﻼﻓﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻮ ﻗﺪ ﻣﺪﱠت أﺳﺒﺎب اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻌﻤﺮ ﻟﻜﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ‪ ،‬ﻫﻮ ﻣﻦ ﻧﻌﺮ ﰲ‬
‫ﺣﺪة اﻟﺬﻛﺎء ﺗﻮﻗﺪ اﻟﺬﻫﻦ ﻧﻔﺎذ اﻟﺒﺼرية ﺑﻌﺪ اﻟﺮأ اﻟﻨﺼﺢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬أ ﻳﺘﻄﻮر ﻫﺬا‬
‫اﻻﺟﺘﻤﺎع املﻮﺳﻤﻲ ﺑني ﻋﻤﺎ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻣﻦ أﻫﻞ ﻫﺬ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ إﱃ ﻧﻈﺎ ﺛﺎﺑﺖ إﻻ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻫﻮ اﻟﻨﻈﺎ اﻟﱪملﺎﻧﻲ اﻟﺬ ﻋﺮﻓﻪ اﻟﻘﺪﻣﺎء أ اﻟﺬ اﺳﺘﻨﺒﻄﻪ املﺤﺪﺛﻮ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻨﻪ‬
‫ﻗﺮﺑﺎ ﺷﺪﻳﺪا‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﻬﺬا اﻻﺟﺘﻤﺎع املﻮﺳﻤﻲ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺴﺘﻘﴢ‬
‫أﻣﻮر اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﺳﻌﻪ اﻻﺳﺘﻘﺼﺎء‪ :‬ﻳﺴﺘﻘﴢ ذﻟﻚ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺣني ﻳﻠﻘﻰ‬
‫أﻫﻞ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﰲ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ‪ ،‬ﻳﺴﺘﻘﴢ ذﻟﻚ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻋﻤﺎﻟﻪ أﻣﻨﺎﺋﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎ ﻳﺮﺳﻠﻬﻢ‬
‫ﺑني ﺣني ﺣني ﻟﺘﺘﺒﻊ أﻣﻮر اﻟﻌﻤﺎ ‪ ،‬ﻳﺴﺘﻘﴢ ذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺮﻓﻊ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﻨﺎس؛‬
‫ﻳﺮﻓﻌﻪ إﻟﻴﻪ اﻟﻌﻤﺎ ﺣﻴﻨﺎ اﻟﺮﻋﻴﺔ أﺣﻴﺎﻧﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻛﺎ رﺣﻤﻪ ﷲ ﻳﻔﻜﺮ ﰲ آﺧﺮ أﻳﺎﻣﻪ ﰲ زﻳﺎرات‬
‫ﺗﻔﺘﻴﺸﻴﺔ ﻟﻸﻗﺎﻟﻴﻢ؛ ﻓﻜﺎ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﺄ ﻟﻮ ﻋﺎش ﻟﺘﻨﻘﻞ ﻓﺄﻗﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻣﴫ ﺷﻬﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻳﺮ‬
‫ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻛﻴﻒ ﻳﻌﻤﻞ اﻟﻮﻻة ﻛﻴﻒ رﺿﺎ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻋﻤﺎ ﻳﻌﻤﻠﻮ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ املﻮت أﻋﺠﻠﻪ ﻋﻦ ﻫﺬا‬
‫ﻛﻠﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﺪ رﺣﻤﻪ ﷲ ﻳﻮار ﰲ ﻗﱪ ﻣﻊ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺳﻠﻜﺖ ﺳﻴﺎﺳﺔ املﺴﻠﻤني ﻃﺮﻳﻘﺎ‬
‫ﻏري اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﻮﻫﺎ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻳﻜﻮ ﻣﻦ اﻹﻧﺼﺎ إذا أردﻧﺎ أ ﻧﺴﺘﻮﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ أ ﻧﻼﺣﻆ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻟﻬﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ املﻤﺘﺎزة ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أﻣﺴﻜﻬﺎ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ آﻧﻔﺎ؛ ﻟﻢ ﻳﺄذ‬
‫ﻟﻬﺎ ﰲ أ ﺗﺘﻔﺮ ﰲ اﻷرض‪ ،‬ﺧﻮﻓﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻨﻬﺎ‪ .‬ﻓﻜﺎ راﺷﺪا ﰲ ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻛﻞ‬
‫اﻟﺮﺷﺪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻻ ﻧﺴﻤﻲ اﻷﺷﻴﺎء ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﺎ؟ أ ﻟﻢ ﻻ ﻧﱰﺟﻤﻬﺎ ﺑﻠﻐﺔ اﻟﻌﴫ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻨﻘﻮ إ‬
‫ﻋﻤﺮ إﻧﻤﺎ أﻣﺴﻚ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ املﻤﺘﺎزة ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺿﻨٍّﺎ ﺑﻬﺎ ﺿﻨٍّﺎ ﺑﺎملﺴﻠﻤني ﻋﲆ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ‬
‫ﰲ ﻫﺬ اﻷﻳﺎ ﺑﺎﺳﺘﻐﻼ اﻟﻨﻔﻮذ؛ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻘﺎﻣﺖ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني أﻣﻮر ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ‬
‫ﻣﺎ أﻣﺴﻜﻬﺎ ﻋﻤﺮ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻗﻔﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺣﺪ د ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻻﺿﻄﺮاب‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﱃ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﺧﲆ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑني اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ اﻟﻔﺘﻨﺔ أ ﻣﻸت اﻷرض ﴍٍّا‪ ،‬ﻻ ﻷ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ‬
‫أرادت اﻟﴩ أ ﻋﻤﺪت إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻷﻧﻬﺎ اﺳﺘﻜﺜﺮت ﻣﻦ املﺎ اﻷﻧﺼﺎر ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻷ اﻟﻨﺎس‬
‫اﻓﺘﺘﻨﻮا ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻟﻜﻞ اﺣﺪ ﻣﻦ زﻋﻤﺎﺋﻬﺎ ﻣﻮاﻟﻴﻪ أﻧﺼﺎر ﺷﻴﻌﺘﻪ‪ .‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﺤﺐ أ ﻳﻌﻄﻲ ﻣﻦ أﻣﻮا املﺴﻠﻤني ﻓﻼﻧﺎ أ ﻓﻼﻧﺎ ﺻﻠﺔ ﻣﻨﻪ ﻟﻪ أ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻣﻨﻪ‬

‫‪42‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ﺑﻪ أ ﺗﺄﻟﻔﺎ ﻣﻨﻪ إﻳﺎ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻔﺮض ﻟﻜﻞ اﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻄﺎء ﻳﺒﻴﺢ ﻟﻬﻢ‬
‫ﻣﺎ ﺑﺎح ﷲ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻻﻛﺘﺴﺎب‪ ،‬ﻻ ﻳﻀﻴﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ ذﻟﻚ إﻻ ﺑﻬﺬا املﻘﺪار اﻟﺬ ﻋﺮﻓﻨﺎ ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻔﺘﺢ ﻟﻬﻢ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺻﻠﻬﻢ أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﺼﻼت‬
‫اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﻓﻴﻘﺎ إﻧﻪ أﻋﻄﻰ اﻟﺰﺑري ذات ﻳﻮ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪ ،‬أﻋﻄﻰ ﻃﻠﺤﺔ‬
‫ذات ﻳﻮ ﻣﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ‪ ،‬إذا ﻛﺜﺮ املﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻟﻔﺮﻳﻖ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬أﺗﻴﺢ ﻟﻬﻢ‬
‫أ ﻳﺸﱰ ا اﻟﻀﻴﺎع ﰲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ ،‬ﻳﺘﺨﺬ ا اﻟﺪ ر ﰲ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬ﻳﺘﺨﺬ ا اﻟﻘﺼﻮر ﰲ اﻟﺤﺠﺎز‪،‬‬
‫ﻳﺴﺘﻜﺜﺮ ا ﻣﻦ املﻮاﱄ اﻷﺗﺒﺎع اﻷﺷﻴﺎع ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎ ؛ ﻓﻘﺪ ﻓﺘﺤﺖ ﻟﻬﻢ أﺑﻮاب اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻋﲆ‬
‫ﻣﺼﺎرﻳﻌﻬﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻦ أﻋﴪ اﻟﻌﴪ ﻋﻠﻴﻬﻢ أ ﻳﺘﺠﻨﺒﻮا اﻟﻮﻟﻮج ﰲ ﻫﺬ اﻷﺑﻮاب‪ ،‬ﻗﺪ ﺗﺠﻨﺒﻬﺎ‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺘﺠﻨﺒﻮ ‪ :‬ﺗﺠﻨﺒﻬﺎ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص اﻟﺬ ﻟﻢ ﻳﺸﺎر ﰲ ﻓﺘﻨﺔ إﻧﻤﺎ اﻋﺘﺰ اﻟﻨﺎس‬
‫ﺣني أﺧﺬﻫﻢ اﻟﴩ‪ ،‬ﺗﺠﻨﺒﻬﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ اﻟﺬ ﻳﻘﺎ إﻧﻪ ﻧﺪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ‬
‫اﺧﺘﻴﺎر ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ ،‬اﻟﺬ أﻗﺎ ﰲ دار اﻟﻬﺠﺮة ﻣﴫﻓﺎ ﺗﺠﺎرﺗﻪ ﰲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻣﺘﺼﺪﻗﺎ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ‬
‫رﻳﻌﻪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻔﻌﻞ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ أﻳﺎ اﻟﺸﻴﺨني‪ ،‬ﺗﺠﻨﺒﻬﺎ ﻋﲇ ﱞ رﺣﻤﻪ ﷲ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻧﻌﻠﻢ أﻧﻪ‬
‫اﺗﺠﺮ أ اﺗﺨﺬ اﻟﻀﻴﺎع اﻟﺪ ر ﰲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻗﺎ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﻴﺚ ﺑﻮأ رﺳﻮ ﷲ‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫ﻟﻪ ﻣﺎ ﰲ ﻳﻨﺒﻊ ﻳﺬﻫﺐ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺣني إﱃ ﺣني‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻟﻌﲇ ﱟ ﻗﺼﺔ أﺧﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮ اﻟﻘﺎﺋﻠﻮ ‪.‬‬
‫ﻣﻐﺰ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ أ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﺣﻤﻰ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ املﻤﺘﺎزة‪ ،‬ﺣﻤﻰ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ اﺳﺘﻐﻼ‬
‫اﻟﻨﻔﻮذ‪ ،‬أﻣﺴﻚ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ دﻳﻨﻬﻢ‪ ،‬ﺣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺑني اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ ،‬اﺗﺨﺬ ﻣﻦ ﺧﺎﺻﺔ‬
‫أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺠﻠﺴﺎ ﻳﻮﺷﻚ أ ﻳﻜﻮ ﻣﺠﻠﺲ ﺷﻮرا ‪ ،‬ﻟﻮ ﻣ ﱠﺪ ﻟﻪ ﰲ اﻟﻌﻴﺶ ﻟﻜﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ‬
‫أ ﻳﻀﻄﺮﻫﻢ إﱃ أ ﻳﺮﺿﻮا ﺑﻬﺬ املﻨﺰﻟﺔ ﻓﻴﻜﻮﻧﻮا أﺻﺤﺎب اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ؛ ﻳﺸري ﻋﲆ‬
‫اﻟﺨﻠﻔﺎء د أ ﻳﺪﺧﻠﻮا ﰲ أﻣﻮر اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺘﻔﺼﻴﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ أ ﺑﻌﻴﺪ‪.‬‬
‫ﻓﻬﺬ اﺣﺪة‪ ،‬اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أ ﻋﻤﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ ﺣني أﺣﺲ أﻧﻪ ﻣﻴﺖ ﻗﺪ اﻗﺘﺪ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﺨﻠﻒ ﺷﺨﺼﺎ ﺑﻌﻴﻨﻪ‪ ،‬اﻗﺘﺪ ﺑﺄﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻓﻠﻢ ﻳﱰ املﺴﻠﻤني د أ ﻳﺸري ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫ﻳﻨﺼﺢ ﻟﻬﻢ؛ ﻓﺎﺧﺘﺎر أﺻﺤﺎب اﻟﺸﻮر ملﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﻦ رﺿﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻨﻬﻢ‪ ،‬ملﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﻦ زﻋﺎﻣﺔ‬
‫املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪ ،‬ملﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﻦ زﻋﺎﻣﺔ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﺛﻢ ملﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﻦ رﺿﺎ املﺴﻠﻤني ﻋﻨﻬﻢ ﺛﻘﺔ املﺴﻠﻤني‬
‫ﺑﻬﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺮ ﻟﻬﻢ أ ﻳﺨﺘﺎر ا ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺧﻠﻴﻔﺔ‪.‬‬
‫ﺳﻨﺮ أ ﻧﻈﺎ اﻟﺸﻮر ﻫﺬا ﻛﻤﺎ ﺿﻌﻪ ﻋﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺎﻓﻴﺎ ﻻ ﻣﻘﻨﻌﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻦ املﻬﻢ‬
‫ﻫﻮ أ ﻋﻤﺮ ﻓﻜﺮ ﰲ اﻟﺸﻮر اﺗﺨﺬﻫﺎ أﺻﻼ ﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﺨﻠﻔﺎء‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﺑﺎﻟﴚء اﻟﻘﻠﻴﻞ‪.‬‬
‫ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﻨﴗ أ ﻋﻤﺮ إﻧﻤﺎ ﺿﻊ ﻧﻈﺎ اﻟﺸﻮر ﻫﺬا ﺑﻌﺪ أ ﻃﻌﻦ؛ ﺿﻌﻪ ﰲ ﻫﺬا‬
‫اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﺨﺮج ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ إﱃ اﻵﺧﺮة‪ ،‬ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ‬

‫‪43‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫املﻄﻌﻮ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ‪ ،‬ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ املﴩ ﻋﲆ املﻮت ﺣني ﻳﻜﻮ ﻟﻪ ﺿﻤري ﻳﻘﻆ‬
‫ﺣﻲ دﻗﻴﻖ ﻛﻀﻤري ﻋﻤﺮ ﻣﻦ ﺧﻮ ﷲ‪ ،‬اﻹﺷﻔﺎ ﻣﻦ ﺣﺴﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻣﻦ ﺣﺴﺎب ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ ﻣﺎ‬
‫ﻗﺪ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻴﻞ اﻟﺨﻄري‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﺪﺑري أﻣﺮ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫أﻫﻠﻪ اﻻﺣﺘﻴﺎط ﻟﻬﻢ ﻣﻦ أ ﻳﺤﺘﻤﻠﻮا ﻣﻦ اﻷﻋﺒﺎء ﻣﺜﻞ ﻣﺎ اﺣﺘﻤﻞ‪ ،‬اﻻﺣﺘﻴﺎط ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻦ‬
‫أ ﻳﻠﻘﻰ ﷲ ﰲ ذﻣﺘﻪ ﳾء ﻣﻦ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺛﻢ ﻫﻮ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺘﻔﻜري ﰲ اﻻﺣﺘﻴﺎط ﻟﻘﱪ ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﺣﺮﻳﺼﺎ ﻋﲆ أ ﻳﺪﻓﻦ ﻣﻊ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‪ ،‬ﻋﲆ أ ﻳﺪﻓﻦ‬
‫ﻣﻌﻬﻤﺎ ﺑﺈذ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬ دﻓﻦ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻋﲆ أ ﻳﻄﻤﱧ إﱃ أﻧﻬﺎ ﻗﺪ أذﻧﺖ‬
‫ﻟﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﺒﻞ أ ﻳﻤﻮت‪ ،‬ﻋﲆ أ ﻳﻄﻤﱧ إﱃ أ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺳﻴﺴﺘﺄذ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﰲ‬
‫إدﺧﺎﻟﻪ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ أ ﻳﻤﻮت — ﰲ أﺛﻨﺎء ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻓﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﰲ ﻧﻈﺎ اﻟﺸﻮر ‪ ،‬ﻓﺎﺣﺘﺎط‬
‫ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻣﺎ ﺳﻌﻪ اﻻﺣﺘﻴﺎط‪.‬‬
‫ﻛﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﺧﻠﻴﻘني ﺑﻌﺪ أ ﻣﺎت ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﺑﻌﺪ أ اﺧﺘﺎر ا ﺧﻠﻴﻔﺘﻬﻢ أ ﻳﻔﻜﺮ ا‬
‫ﰲ ﻧﻈﺎ اﻟﺸﻮر ﻫﺬا‪ ،‬ﻓﻴﻘﻴﻤﻮ ﻋﲆ أﺳﺎس ﺛﺎﺑﺖ ﻣﻀﻄﺮد ﻣﺘني‪ ،‬ﻳﺆﻣﱢ ﻨﻬﻢ اﻟﻔﺮﻗﺔ أ ﻻ‪،‬‬
‫ﻳﺆﻣﱢ ﻨﻬﻢ أ ﺗﻌﺠﻞ اﻷﺣﺪاث ﺧﻠﻴﻔﺘﻬﻢ ﻋﻦ أ ﻳﻌﻬﺪ ﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻋﻬﺪ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬ﻋﻦ أ ﻳﺸري‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﻤﺎ أﺷﺎر ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﻐﺮﻳﺐ أﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ ا ﰲ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ‬
‫ﻳﴪ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﴪ ﻋﻠﻴﻬﻢ‬ ‫ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺴﺘﺨﻠﻒ ﺣﺘﻰ زاد ﰲ اﻟﻌﻄﺎء‪ ،‬ﱠ‬
‫ﻋﻤﺮ‪ ،‬أذ ﻟﻬﻢ ﻓﺘﻔﺮﻗﻮا ﰲ اﻷرض‪ ،‬ﺛﻢ أذ ﻟﻬﻢ ﻓﺎﺳﺘﻜﺜﺮ ا ﻣﻦ املﺎ اﻷﻧﺼﺎر‪.‬‬
‫ﻧﻈﻦ أ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺬ ﻗﺪ ﺗﺮا ﻃﻮﻳﻼ‪ ،‬ﻣﺎ أرا إﻻ ﻗﺼريا ﻣﴪﻓﺎ ﰲ اﻟﻘﴫ‪ ،‬ﻗﺪ‬
‫ﻣﻬﺪ ملﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﻌﺮض ﻟﻪ اﻵ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻣﺎ أﺛري ﰲ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ‪،‬‬
‫ﻣﺎ أﺛري ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﺟﺪا ‪ .‬ﻣﺎ ﻧﻈﻦ إﻻ أ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻋﲆ ﻃﻮﻟﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﺮ ﻋﲆ‬
‫ﻗﴫ ﻓﻴﻤﺎ أر ‪ ،‬ﻳﺪ ﻣﻨﺬ اﻵ ﻋﲆ أ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ أﻛﱪ أ ﺳﻊ أﺿﺨﻢ ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﺷﺎرﻛﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ أ ﺑﻌﻴﺪ؛ ﻓﻤﺎ‬
‫ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻼ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬا أ ذا ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﺗﻼ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻈﺮ إ ﻛﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ‬
‫أ ﻣﻦ املﻌﻘﻮ أ ﺗﻼ اﻟﻈﺮ ‪.‬‬

‫‪44‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ‬

‫ﻋﺜﻤﺎ ﻛﻐري ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ :‬ذﻫﺐ اﻟﺼﺪر اﻷ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻋﲆ‬

‫اﻟﺘﺎرﻳﺦ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺤﻔﻆ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻘﻬﻢ اﻹﺳﻼ ﺧﻠﻘﺎ ﺟﺪﻳﺪا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺣﻴﺎة‬
‫ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺧﻠﻘﻬﻢ ﺧﻠﻘﺎ ﺟﺪﻳﺪا ﰲ ﺗﺎرﻳﺨﻬﻢ أﻳﻀﺎ؛ ﻓﺠﺐﱠ‬
‫ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻗﺒﻞ أ ﻳﺴﻠﻤﻮا‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻟﺪ ا ﺣني أﺳﻠﻤﻮا‪ .‬ﻛﺎ ﻳﻘﺎ إ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻟﺪ ﰲ اﻟﻌﺎ اﻟﺴﺎدس ﺑﻌﺪ ﻗﻌﺔ اﻟﻔﻴﻞ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﻘﺎ ﻛﺬﻟﻚ إﻧﻪ ﻟﺪ ﺑﺎﻟﻄﺎﺋﻒ؛ ﻟﻌﻞ ﻫﺬا‬
‫ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻔﻆ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻪ اﻷ ﻋﲆ ﻏري ﺛﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ر ‪ .‬ﻟﻴﺲ أد ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﻦ‬
‫اﻻﺧﺘﻼ ﰲ ﺳﻨﱢﻪ ﺣني ﻗﺘﻞ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻗﻮ ﻳﺮ أﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻫﻮ اﺑﻦ ﺧﻤﺲ ﺳﺒﻌني ﺳﻨﺔ‪،‬‬
‫ﻛﺎ ﻗﻮ آﺧﺮ ﻳﺮ أﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻫﻮ اﺑﻦ ﺗﺴﻌني أ ﺛﻤﺎ ﺛﻤﺎﻧني أ ﺳﺖ ﺛﻤﺎﻧني ﺳﻨﺔ‪،‬‬
‫ﻛﺎ آﺧﺮ ﻳﺮﺟﺤﻮ أﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﰲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ اﻟﺜﻤﺎﻧني ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ‪ .‬ﻟﻮ أﻧﻬﻢ ﻋﺮﻓﻮا‬
‫ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﻮﻟﺪ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ملﺎ اﺧﺘﻠﻔﻮا ﰲ ﺳﻨﻪ ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻤﺎ ﻗﺎ ﻗﺎﺋﻞ ﻣﻨﻬﻢ‪ :‬إﻧﻪ ﻗﺘﻞ‬
‫ﻫﻮ اﺑﻦ ﺛﻼث ﺳﺘني ﺳﻨﺔ؛ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺬﻟﻚ أ ﻳﻠﺤﻘﻪ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ ﺧﻠﻴﻔﺘﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﺧﺘﺎرﻫﻢ ﷲ‬
‫ﻟﺠﻮار ﰲ ﻫﺬ اﻟﺴﻦ‪ ،‬ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻻﺧﺘﻼ ﰲ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ ﻋﻤﺮ‪.‬‬
‫ﻻ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺮ اة ﻣﻦ أﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﺟﺎﻫﻠﻴﺘﻪ إﻻ ﻧﺴﺒﻪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ اﺑﻦ ﻋﻔﺎ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻌﺎص‬
‫ﺑﻦ أﻣﻴﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎ ﺑﻦ ﻗﴢ‪ .‬ﻓﻬﻮ ﻳﻠﺘﻘﻲ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻗﺒﻞ أﺑﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻠﺘﻘﻲ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻣﻪ ﻟﻘﺎء أﻗﺮب ﻣﻦ ﻫﺬا؛ ﻓﺄﻣﻪ أر ﺑﻨﺖ ﻛﺮﻳﺰ‪،‬‬
‫أ أر ﻫﻲ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ أر إذ ﺑﻨﺖ ﻋﻤﺔ اﻟﻨﺒﻲ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺗﻌﻠﻖ اﻷﻣﻮﻳﻮ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﲆ ﻋﲇ ﱟ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﻬﺬ اﻟﺮﺣﻢ‪ ،‬ﻓﻼﻣﻮا‬
‫ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻷﻧﻪ ﺧﺬ اﺑﻦ ﻋﻤﺘﻪ اﺑﻦ ﻋﻤﻪ‪ ،‬ﻫﻮ اﺑﻦ ﻋﻤﺘﻪ ملﺎ رأﻳﺖ‪ ،‬ﻫﻮ اﺑﻦ ﻋﻤﻪ ﻻﻟﺘﻘﺎﺋﻪ ﻣﻊ‬
‫ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﰲ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎ اﻟﺬ ﻟﺪ ﻫﺎﺷﻤﺎ ﺟﺪ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴني ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ ﺟﺪ اﻷﻣﻮﻳني‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻋﻔﺎ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎ أﺑﻮ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﺑﻨﻮ أﻣﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﺑﻨﻮ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺜﺮة‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﺻﺎﺣﺐ ﺗﺠﺎرة ﻳﺨﺮج ﻓﻴﻬﺎ إﱃ اﻟﺸﺎ ‪ .‬ﻗﺪ ﻣﺎت ﰲ إﺣﺪ ﺧﺮﺟﺎﺗﻪ ﺗﺮ ﻻﺑﻨﻪ‬
‫ﺛﺮاء ﺣﺴﻨﺎ‪ .‬ذﻫﺐ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺬﻫﺐ أﺑﻴﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﺬﻫﺐ ﻗﻮﻣﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة‪ ،‬ﻓﺄﻓﺎد ﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﻣﺎﻻ ﻛﺜريا‪.‬‬
‫ﻋﺎد ﻣﻦ اﻟﺸﺎ ذات ﻳﻮ ‪ ،‬ﻓﺴﻤﻊ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ أﺧﺬ ﻳﺪﻋﻮﻫﺎ‪:‬‬
‫ﺳﻤﻊ ﺑﺬﻟﻚ ﰲ أﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ ﰲ ﺣﺪﻳﺚ ﻃﻮﻳﻞ ﻳﺮ ﻳﻪ املﺤﺪﺛﻮ أﺻﺤﺎب اﻟﺴري؛ ﻓﻘﺪ زﻋﻤﻮا أ‬
‫ﺧﺎﻟﺘﻪ ﺳﻌﺪ أﻧﺒﺄﺗﻪ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻨﺒﻲ ر ﱠﻏﺒﺘﻪ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﻫﻨﺔ‪ ،‬زﻋﻤﻮا ﻛﺬﻟﻚ أﻧﻪ أﻧﺒﺊ ﺑﺄﻣﺮ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ أﺛﻨﺎء ﻋﻮدﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﺎ ﻣﻊ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ‪ .‬ﺳﻤﻊ ﻫﻮ ﺑني اﻟﻨﺎﺋﻢ اﻟﻴﻘﻈﺎ‬
‫ﻣﻨﺎدﻳﺎ ﻳﻨﺒﺊ ﺑﺨﺮ ج أﺣﻤﺪ ﰲ ﻣﻜﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺎد إﱃ ﻣﻜﺔ أﻧﺒﺊ اﻟﻨﺒﺄ ﻓﻮﻗﻊ ﰲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻨﻪ ﳾء‪.‬‬
‫اﻟﺬ ﻳﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮ اة ﻫﻮ أﻧﻪ ﻟﻘﻲ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻓﺘﺤﺪث إﻟﻴﻪ ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻪ‪ ،‬دﻋﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ إﱃ‬
‫اﻹﺳﻼ ﻓﻤﺎ ﻗﻠﺒﻪ إﻟﻴﻪ‪ .‬ﺛﻢ ﺻﺤﺐ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ إﱃ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﺪﻋﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻈﻪ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﺠﺎب ﻟﻪ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﻋﻨﻪ إﻻ ﺑﻌﺪ أ أﺳﻠﻢ‪ .‬ﻳﻘﺎ إ ﻃﻠﺤﺔ أﺳﻠﻢ ﻣﻌﻪ ﰲ ذﻟﻚ املﺠﻠﺲ‪ ،‬ﻳﻘﺎ إﻧﻬﻤﺎ‬
‫أﺳﻠﻤﺎ‪ ،‬ﰲ أﺛﺮ اﻟﺰﺑري ﺑﻦ اﻟﻌﻮا ‪ .‬ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻘني إﱃ‬
‫اﻹﺳﻼ ؛ ﻛﺎ أﺣﺪ اﻟﻌﴩة اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮا إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻛﺎ إﺳﻼﻣﻪ ﻗﺒﻞ أ‬
‫ﻳﺴﺘﻘﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺪﻋﻮﺗﻪ ﰲ دار اﻷرﻗﻢ‪.‬‬
‫ﺛﻢ أﺻﻬﺮ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﺘﺰ ج اﺑﻨﺘﻪ رﻗﻴﺔ‪ ،‬أﺻﺒﺢ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﺼﻬﺮ ﻣﻦ أﻗﺮب‬
‫اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻪ آﺛﺮﻫﻢ ﻋﻨﺪ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ املﺤﻨﺔ؛ أﺻﺎﺑﺘﻪ ﻛﻤﺎ أﺻﺎﺑﺖ ﻏري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫ﻗﻴﻞ‪ :‬إ ﻋﻤﻪ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻌﺎص ملﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﺈﺳﻼﻣﻪ ﻋﻨﻔﻪ ﺗﻌﻨﻴﻔﺎ ﺷﺪﻳﺪا أ ﺛﻘﻪ‪ ،‬أﻗﺴﻢ ﻻ‬
‫ﻳﻀﻊ ﻋﻨﻪ ﺛﺎﻗﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد إﱃ دﻳﻦ آﺑﺎﺋﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ رأ ﺗﺸﺪد ﻋﺜﻤﺎ ﰲ دﻳﻨﻪ رد إﻟﻴﻪ ﺣﺮﻳﺘﻪ‪.‬‬
‫ﻳﻘﺎ ﻛﺬﻟﻚ إ أﻣﻪ أﻋﺮﺿﺖ ﻋﻨﻪ إﻋﺮاﺿﺎ ﺷﺪﻳﺪا‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻐﻦ ﻋﻨﻬﺎ ذﻟﻚ ﺷﻴﺌﺎ ﺛﺎﺑﺖ إﻟﻴﻪ‪.‬‬
‫ملﺎ أذ اﻟﻨﺒﻲ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ ﰲ اﻟﻬﺠﺮة إﱃ اﻟﺤﺒﺸﺔ ﻫﺎﺟﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻌﻪ ز ﺟﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻋﺎد ﺑﻬﺎ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻫﺎﺟﺮ ﻣﻌﻬﺎ اﻟﻬﺠﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ اﻟﺤﺒﺸﺔ أﻳﻀﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻫﺎﺟﺮ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﺣني اﺗﺨﺬﻫﺎ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﻟﻺﺳﻼ دارا‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮج اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻪ إﱃ ﺑﺪر ﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﻣﻌﻪ ﻋﺜﻤﺎ ؛ ﻛﺎﻧﺖ ز ﺟﻪ رﻗﻴﺔ‬
‫ﻣﺮﻳﻀﺔ ﻓﺄﻗﺎ ﻋﲆ ﺗﻤﺮﻳﻀﻬﺎ‪ ،‬أﻧﺰ ﷲ ﻧﴫ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﻳﻮ ﺑﺪر‪ ،‬ﻓﺄﺳﻬﻢ ﻟﻪ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﻣﻊ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪ ا املﻮﻗﻌﺔ ﻋ ﱠﺪ ﻣﻨﻬﻢ‪ .‬ﻣﺎﺗﺖ رﻗﻴﺔ ﻓﺠﺰع ملﻮﺗﻬﺎ ﺟﺰﻋﺎ ﺷﺪﻳﺪا ﻻﻧﻘﻄﺎع‬
‫اﻟﺼﻬﺮ ﺑﻤﻮﺗﻬﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﻨﺒﻲ ز ﺟﻪ أﺧﺘﻬﺎ أ ﻛﻠﺜﻮ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﻠﺒﺚ ﻋﻨﺪ إﻻ‬
‫ﻗﻠﻴﻼ ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ‪.‬‬
‫ﻗﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮ أﺻﺤﺎب اﻟﺴري‪ :‬ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪﻧﺎ أﺧﺮ ﻟﺰ ﺟﻨﺎﻫﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﻛﺎﻧﺖ رﻗﻴﺔ ﻗﺪ ﻟﺪت ﻟﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺎت ﰲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ‪ .‬ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎد ﻋﺜﻤﺎ‬

‫‪46‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ‬

‫أ ﻳﻌﻘﺐ ﻣﻦ إﺣﺪ ﺑﻨﺎت اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻋﺎش اﺑﻨﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﻟﻜﺎ ﻟﻪ ﻷﺑﻴﻪ ﺷﺄ أ ﺷﺄ ‪،‬‬
‫ﻟﻜﺎ أﻣﺮ ﻏري ﺑﻌﻴﺪ ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﺴني اﺑﻨﻲ ﻓﺎﻃﻤﺔ‪ ،‬رﺣﻤﻬﻢ ﷲ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪.‬‬
‫ﺷﻬﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ أﺣﺪا‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻣﻊ اﻟﻘﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺛﺒﺘﺖ ﻣﻌﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻓﺮ‬
‫ﻣﻊ ﻛﺜﺮة املﺴﻠﻤني اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺖ‪ ،‬ﻓﺄﻧﺰ ﷲ ﻋﻔﻮ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ‪﴿ :‬إ ﱠ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ ﺗﻮ ﱠﻟﻮا‬
‫اﻟﺸﻴﻄﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻣﺎ ﻛﺴﺒﻮا ۖ ﻟﻘﺪ ﻋﻔﺎ ﷲ ﻋﻨﻬﻢ ۗ‬ ‫ﻣﻨﻜﻢ ﻳﻮ اﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﻤﻌﺎ إﻧﱠﻤﺎ اﺳﺘﺰ ﱠﻟﻬﻢ ﱠ‬
‫إ ﱠ ﷲ ﻏﻔﻮر ﺣﻠﻴﻢ﴾‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﺷﻬﺪ املﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻊ رﺳﻮ ﷲ ﻛﻤﺎ ﺷﻬﺪﻫﺎ ﻏري ﻣﻦ ﻛﺒﺎر أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎ‬
‫ﻛﺮﻳﻤﺎ ﺳﺨﻲ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻴﺪ ﺑﻤﺎﻟﻪ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬ﻓﻌﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﻏري ﻣﻦ أﻏﻨﻴﺎء‬
‫املﺴﻠﻤني ﺣﻴﻨﺌﺬ‪ ،‬ﻓﻬﻮ اﺷﱰ ﺑﱤ ر ﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ﺑﺄﻟﻮ ﻛﺜرية ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻳﺪﱄ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻟﻮ ‪ ،‬ﻋﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺨري ﻣﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺠﻨﺔ‪ .‬ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ اﺷﱰ أرﺿﺎ ﺳﻊ ﺑﻬﺎ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ املﺴﺠﺪ ﺣني ﺿﺎ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻋﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺧريا ﻣﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺠﻨﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺰ ة ﺗﺒﻮ‬
‫اﺷﺘﺪ اﻟﻌﴪ ﻧﺪب اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻨﺎس إﱃ اﻹﻧﻔﺎ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺘﺠﻬﻴﺰ اﻟﺠﻴﺶ‪،‬‬
‫ﻓﻘﻴﻞ‪ :‬إﻧﻪ ﺣﻤﻞ املﺴﻠﻤني ﻋﲆ ﻣﺎ اﺣﺘﺎﺟﻮا أ ﻳﺤﻤﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻹﺑﻞ اﻟﺨﻴﻞ‪ ،‬ﻗﻴﻞ‪ :‬إﻧﻪ‬
‫أﻗﺒﻞ ﺑﺄﻟﻒ دﻳﻨﺎر ﻓﻮﺿﻌﻬﺎ ﰲ ﺣﺠﺮ اﻟﻨﺒﻲ اﺳﺘﻌﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ ﺗﺠﻬﻴﺰ اﻟﺠﻴﺶ‪ ،‬دﻋﺎ‬
‫ﻟﻌﺜﻤﺎ أ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻪ ﷲ ﻣﺎ ﺗﻘﺪ ﻣﻦ ذﻧﺒﻪ ﻣﺎ ﺗﺄﺧﺮ ﻋﺪ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ أﺑﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻨﺎس‪ ،‬أرﻓﻖ املﺴﻠﻤني ﺑﺎملﺴﻠﻤني أﺣﺮﺻﻬﻢ ﻋﲆ ﺻﻠﺔ‬
‫اﻟﺮﺣﻢ أﺳﺨﺎﻫﻢ ﻳﺪا أﺳﻤﺤﻬﻢ ﻧﻔﺴﺎ أﻋﻈﻤﻬﻢ ﺣﻠﻤﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﺼﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻴﺰ ﺑﻬﺎ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻴﻤﺎ ر املﺤﺪﺛﻮ أﺻﺤﺎب اﻟﺴري‪ ،‬ﺻﺪ اﻟﺤﻴﺎء‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻘﻮ ‪ :‬إ املﻼﺋﻜﺔ‬
‫ﻟﺘﺴﺘﺤﻴﻲ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻠﻘﻰ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﺘﻔﻀﻼ ﻏري ﻣﺘﻜﻠﻒ‪ ،‬ﻓﺈذا أذ ﻟﻌﺜﻤﺎ‬
‫اﺣﺘﺸﻢ ﻗﺎ ‪ :‬ﻛﻴﻒ ﻻ ﻧﺴﺘﺤﻴﻲ ﻣﻦ رﺟﻞ ﺗﺴﺘﺤﻴﻲ ﻣﻨﻪ املﻼﺋﻜﺔ‪ .‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻌﻠﻞ‬
‫اﺣﺘﺸﺎﻣﻪ ﺣني ﻳﺄذ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﺑﺄﻧﻪ إ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ اﺳﺘﺤﻴﺎ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﺜﺒﺖ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ أ‬
‫ﻳﺒﻠﻐﻪ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﻳﺄﺧﺬ ﺣﻈﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪث إﻟﻴﻪ‪ .‬ملﺎ ﻛﺎ ﻳﻮ اﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ اﺧﺘﺎر اﻟﻨﺒﻲ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﺳﻔريا إﱃ ﻗﺮﻳﺶ؛ ملﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ‪ ،‬ملﻨﺰﻟﺘﻪ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻟﻠﻴﻨﻪ ﺳﻤﺎﺣﺔ ﺧﻠﻘﻪ ﺣﺴﻦ‬
‫ﺗﺄﺗﻴﻪ ملﺎ ﻛﺎ ﻳﺮاد ﻣﻦ اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎء اﻟﺨﱪ إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺄ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻗﺪ ﻛﺎدت ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺑﺎﻳﻊ‬
‫أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻋﲆ اﻟﺠﻬﺎد ﻟﻨﴫ ‪ ،‬أﻧﺰ ﷲ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﺮآﻧﺎ‪﴿ :‬إ ﱠ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﺎﻳﻌﻮﻧﻚ إﻧﱠﻤﺎ ﻳﺒﺎﻳﻌﻮ‬
‫ﷲ ﻳﺪ ﷲ ﻓﻮ أﻳﺪﻳﻬﻢ ۚ ﻓﻤﻦ ﻧﱠﻜﺚ ﻓﺈﻧﱠﻤﺎ ﻳﻨﻜﺚ ﻋﲆ ٰ ﻧﻔﺴﻪ ۖ ﻣﻦ أ ﰱ ٰ ﺑﻤﺎ ﻋﺎﻫﺪ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﷲ ﻓﺴﻴﺆﺗﻴﻪ أﺟﺮا ﻋﻈﻴﻤﺎ﴾‪ ،‬ﺑﺎﻳﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺈﺣﺪ ﻳﺪﻳﻪ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻗﺪ ر املﺤﺪﺛﻮ‬
‫أﺻﺤﺎب اﻟﺴري أﺣﺎدﻳﺚ ﻛﺜرية‪ ،‬ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺼﺤﻴﺢ اﻟﻈﺎﻫﺮ اﻟﺼﺤﺔ‪ ،‬ﻣﻨﻬﺎ املﻮﺿﻮع اﻟﺬ‬

‫‪47‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻳﻈﻬﺮ ﺿﻌﻪ‪ ،‬ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﺮض ﻟﺸﻚ ﻗﻠﻴﻞ أ ﻛﺜري‪ ،‬ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺤﺪث ﺑﺄ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎ ﻋﻨﺪ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﺒﺒﺎ إﱃ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻘﺮﺑﺎ إﻟﻴﻪ ﺑني املﻘﺮﺑني إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺧﺎﺻﺔ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬ﺑﺄ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ‬
‫ﺑﴩ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﻏري ﻣﺮة‪ ،‬أﻧﺒﺄ ﺑﺮﺿﺎ ﷲ ﻋﻨﻪ ﻏري ﻣﺮة أﻳﻀﺎ‪ .‬ﻗﺪ ﺗﺤﺪث ﻋﺒﺪ ﷲ‬
‫ﺑﻦ ﻋﻤﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ ﺑﺄ املﺴﻠﻤني ﻛﺎﻧﻮا ﰲ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻘﺪﻣﻮ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﻻ ﻳﻔﺎﺿﻠﻮ ﺑني أﺻﺤﺎب رﺳﻮ ﷲ؛ ﻓﻬﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ اﻟﺜﻼﺛﺔ — إ ﺻﺢ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ —‬
‫ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ﻃﻠﻴﻌﺔ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﰲ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺴﻪ‪ .‬ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء ﻓﻘﺪ ﻛﺎ اﻟﺴﻠﻒ‬
‫ﻳﺴﻤﻮ ﻋﴩة ﺿﻤﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻬﻢ اﻟﺠﻨﺔ‪ ،‬ﻫﻢ‪ :‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲇ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ‬
‫ﻗﺎص ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟﺰﺑري ﺑﻦ اﻟﻌﻮا ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة ﺑﻦ‬
‫اﻟﺠﺮاح ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ زﻳﺪ ﺑﻦ ﻧﻔﻴﻞ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ إذ أﺣﺪ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﴩة‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني إﻻ ﻣﻦ ﻋﺮ ﻟﻌﺜﻤﺎ‬
‫ﺳﺎﺑﻘﺘﻪ ﰲ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬إﺻﻬﺎر إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺮﺗني‪ ،‬ﺣﺴﻦ ﺑﻼﺋﻪ ﰲ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﺎﻟﻪ ﰲ‬
‫ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪.‬‬
‫ملﺎ اﻧﺘﻘﻞ اﻟﻨﺒﻲ إﱃ ﺟﻮار رﺑﻪ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻷﺑﻲ ﺑﻜﺮ‪ ،‬ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﴎﻋﻮا‬
‫إﱃ ﻫﺬ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻧﺼﺤﻮا ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻫﻮ اﻟﺬ ﻛﺘﺐ ﻋﻬﺪ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ إﱃ املﺴﻠﻤني ﺑﺎﺳﺘﺨﻼ‬
‫ﻋﻤﺮ؛ أﻣﲆ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻛﺘﺐ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻳﻘﺎ إ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ أﺧﺬﺗﻪ أﺛﻨﺎء اﻹﻣﻼء إﻏﻤﺎءة ﻗﺪ ﺻﻞ‬
‫إﱃ ﻗﻮﻟﻪ‪» :‬إﻧﻲ اﺳﺘﺨﻠﻔﺖ ﻋﻠﻴﻜﻢ«‪ ،‬ﻓﺄﺗﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﺟﻤﻠﺔ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺳﻤﻰ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ أﻓﺎ أﺑﻮ‬
‫ﺑﻜﺮ ﻣﻦ ﻏﺸﻴﺘﻪ ﻃﻠﺐ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﻘﺮأ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ أﻣﲆ‪ ،‬ﻓﻘﺮأ ﺣﺘﻰ أﺗﻰ ﻋﲆ اﺳﻢ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻜﱪ‬
‫أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺟﺰا ﺧريا ﻋﻦ اﻹﺳﻼ املﺴﻠﻤني ﻗﺎ ‪ :‬ﺧﺸﻴﺖ أﻻ أﻓﻴﻖ ﻓﺴﺒﻘﺖ إﱃ ﻣﺎ أرﻳﺪ‪،‬‬
‫إﻧﻚ ﻟﻬﺎ ﻷﻫﻞ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻮﻳﻊ ﻋﻤﺮ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ أ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺎﻳﻌﻮ ‪ ،‬أﻧﻔﻖ أﻳﺎﻣﻪ ﻧﺎﺻﺤﺎ‬
‫ﻟﻪ ﻣﺸريا ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا ﻃﻌﻦ ﻋﻤﺮ ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻪ املﺴﻠﻤﻮ أ ﻳﻌﻬﺪ ﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺮد أ ﻳﻌﻬﺪ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺮد أ ﻳﱰﻛﻬﻢ ﺑﻐري ﻣﺸﻮرة ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺎﻗﱰح ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻧﻈﺎ اﻟﺸﻮر ﺟﻌﻠﻬﺎ ﰲ ﻫﺆﻻء‬
‫اﻟﺴﺘﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﺎت اﻟﻨﺒﻲ ﻫﻮ ﻋﻨﻬﻢ راض‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺮد أ ﻳﻀﻢ إﻟﻴﻬﻢ اﺑﻦ ﻋﻤﻪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ زﻳﺪ‬
‫ﺑﻦ ﻧﻔﻴﻞ‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﴩة اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎ اﻟﻨﺎس ﻳﺮ أ رﺳﻮ ﷲ ﻗﺪ ﺿﻤﻦ ﻟﻬﻢ اﻟﺠﻨﺔ؛‬
‫ﻷﻧﻪ ﻛﺮ أ ﺗﻜﻮ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﰲ ﻋﺪ ﱟ ﻣﺮﺗني‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺤﴬ اﻟﺸﻮر ﻷﻧﻪ ﺧﺎ أ ﻳﻤﻴﻞ إﻟﻴﻪ‬
‫ﺑﻌﺾ أﻫﻞ اﻟﺸﻮر ﻟﺮﺿﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻨﻪ ملﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ‪ .‬أﺣﴬ اﺑﻨﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟﺸﻮر ﻟﻢ‬
‫ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺷﻴﺌﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺮ أ ﻳﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ آ اﻟﺨﻄﺎب رﺟﻼ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻛﺎ‬
‫ﻳﺮ ﰲ اﺑﻨﻪ ﺿﻌﻔﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﻬﻮض ﺑﺄﻋﺒﺎء اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪.‬‬
‫أﺣﺴﺐ أ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻟﻮ ﻋﻤﱢ ﺮ أدر ﻣﺎ أﺗﻴﺢ ﻟﻌﻤﺮ أ ﻳﺪر ﻣﻦ اﻟﻔﺘﺢ اﺗﺴﺎع‬
‫رﻗﻌﺔ اﻟﺪ ﻟﺔ ﺗﺸﻌﺐ أﻣﻮرﻫﺎ ﺗﻌﻘﺪ املﺼﺎﻟﺢ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻫﺬ املﺸﻜﻼت اﻟﻜﺜرية اﻟﺨﻄرية اﻟﺘﻲ‬

‫‪48‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ‬

‫ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺸﺄ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮ ‪ ،‬ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺸﺌﻮ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‪ ،‬ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺸﺌﻮ اﻹدارة‪،‬‬
‫ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺎملﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﺪﻳﻦ دﻗﺎﺋﻘﻪ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻌﻨﻴﻒ اﻟﺬ ﻛﺎ‬
‫ﻳﻄﺮأ ﻋﲆ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني ﺑني ﻳﻮ ﻳﻮ — أﻗﻮ ‪ :‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻋﻤﱢ ﺮ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺷﻬﺪ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ‬
‫ﻣﺎ ﺷﻬﺪ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻟﻜﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﻘﻒ املﻮﻗﻒ اﻟﺬ ﻗﻔﻪ ﻋﻤﺮ أ ﻳﱰدد ﺑني اﻻﺳﺘﺨﻼ‬
‫ﺗﺮ اﻻﺳﺘﺨﻼ ﻛﻤﺎ ﺗﺮدد‪ .‬ﻟﻌﻠﻪ ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﻘﱰح ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺬ اﻗﱰﺣﻪ‬
‫ﻋﻤﺮ ﻻﻧﺘﺨﺎب اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺷﺒﻬﺎ ﻗﻮﻳٍّﺎ أ ﺿﻌﻴﻔﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻣﺎت أﺑﻮ ﺑﻜﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني‬
‫ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ‪ :‬ﻗﺪ أﻋﺎد اﻟﻌﺮب إﱃ اﻹﺳﻼ ﺑﻌﺪ أ ارﺗﺪت ﻋﻨﻪ‪،‬‬
‫ﺛﻢ رﻣﻰ ﺑﻬﺎ إﱃ اﻷﻗﻄﺎر اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻓﺒﺪأت اﻟﻔﺘﺢ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻤﻌﻦ ﻓﻴﻪ‪ .‬أﻣﺎ ﰲ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻓﻘﺪ ﺑﺪأ املﺴﻠﻤﻮ ﺳرية ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻪ؛ أﻣﻌﻨﻮا ﰲ اﻟﻔﺘﺢ إﻣﻌﺎﻧﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺄﺧﺮﺟﻮا‬
‫اﻟﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺎ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻣﴫ‪ ،‬ﻧﻘﻀﻮا ﺳﻠﻄﺎ اﻟﻔﺮس ﰲ ﺑﻼدﻫﻢ ﻧﻘﻀﺎ‪ ،‬اﺣﺘﻠﻮا ﺟﺰءا‬
‫ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﺒﻼد‪ ،‬ﻧﻈﺮ ا ﻓﺈذا ﻫﻢ ﻣﻀﻄﺮ ﺑﺤﻜﻢ اﻹﻣﻌﺎ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ إﱃ أ‬
‫ﻳﺰداد ا ﻓﻴﻪ إﻣﻌﺎﻧﺎ‪ ،‬ﻳﺸﺪد ﺿﻐﻄﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺮﺟﻮا ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﴩﻗﻲ‬
‫ﻟﻠﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺸﺌﻮا ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺣﺪ دا ﻳﻤﻜﻦ اﻻﻃﻤﺌﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻐﻮا‬
‫ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﻳﺰﻳﻠﻮا ﻣﻠﻚ اﻟﺮ ﻛﻤﺎ أزاﻟﻮا ﻣﻠﻚ اﻟﻔﺮس‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻴﻤﻀﻮا ﰲ ﻓﺘﺤﻬﻢ ﺑﻼد اﻟﻔﺮس‬
‫ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺴﻤﻮا أﻣﺮﻫﻢ ﺣﺴﻤﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻌﺪ ا ﺣﺪ د اﻟﺪ ﻟﺔ ﰲ اﻟﴩ إﱃ أﻗﴡ ﻣﺎ ﻛﺎ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ أ ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﺠﻴﻮش‪ ،‬ﻗﺪ اﺿﻄﺮﻫﻢ ﻫﺬا إﱃ أ ﺗﻜﻮ ﻟﻬﻢ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺣﺮﺑﻴﺔ ﻣﺴﺘﻘﺮة‬
‫ﻣﻄﺮدة ﺗﻼﺋﻢ اﻟﺘﻮﺳﻊ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ اﻻﻧﺘﺸﺎر ﰲ اﻷرض؛ ﻓﻘﺪ ﻳﺠﺐ أ ﻳﻨﺸﺌﻮا ﻟﻬﺬا اﻟﻔﺘﺢ‬
‫املﺘﺼﻞ أداﺗﻪ اﻟﺪاﺋﻤﺔ‪ ،‬ﻫﻲ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺘﻲ ﺗﻤﴤ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺖ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻫﺬ اﻟﺠﻴﻮش‬
‫ﻳﺠﺐ أ ﺗﺄﺗﻠﻒ ﻣﻦ ﻫﺬ املﺎدة اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺄﻟﻒ اﻟﺤﺮب املﻨﻈﻤﺔ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻣﻦ ﻫﺆﻻء‬
‫اﻟﻌﺮب اﻟﺒﺎدﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺮﻓﻮا اﻟﻐﺎرات أﺗﻘﻨﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﺠﻴﻮش املﻨﻈﻤﺔ‬
‫املﺪرﺑﺔ ﰲ أرض ﻻ ﻋﻠﻢ ﻟﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﻻ ﺧﱪة ﻟﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ املﺼﺎﻋﺐ اﻟﻌﻘﺎب‪.‬‬
‫ﻧﺤﻦ ﻧﻘﺮأ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻨﻌﺠﺐ ﺑﻪ‪ ،‬ﻳﺒﻬﺮﻧﺎ ﻣﺎ أﺗﻴﺢ ﻟﻠﻌﺮب ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﻮة‬
‫ﴎﻋﺔ ﻣﻀﺎء‪ ،‬ﺛﻢ ﻧﺮﻳﺢ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻻﺳﺘﻘﺼﺎء‪ ،‬ﻓﻨﺮد أﻣﺮ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ‬
‫إﱃ ﺗﺼﺪﻳﻖ اﻟﻮﻋﺪ اﻟﺬ ﻗﺪﻣﻪ ﷲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﻘﺮآ ‪ ،‬إﱃ اﻹﻳﻤﺎ اﻟﺬ اﺳﺘﻘﺮ ﰲ ﻗﻠﻮب‬
‫املﺴﻠﻤني ﻓﺪﻓﻌﻬﻢ إﱃ ﻣﻮاﺟﻬﺔ املﺼﺎﻋﺐ ﻋﻦ ﺛﻘﺔ ﺑﺎهلل اﻃﻤﺌﻨﺎ إﱃ ﺗﺼﺪﻳﻖ ﻋﺪ إﻧﺰا‬
‫ﻧﴫ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ املﻮاﻃﻦ ﻛﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﺣﻖ‪ ،‬ﰲ أ املﺴﻠﻤني ﻗﺪ اﻧﺪﻓﻌﻮا إﱃ ﻓﺘﻮﺣﻬﻢ ﺑﻬﺬا اﻹﻳﻤﺎ‬
‫اﻟﻘﻮ اﻟﺬ ﻳﻘﻬﺮ املﺼﺎﻋﺐ‪ ،‬ﻳﺬﻟﻞ اﻟﻌﻘﺒﺎت ﻳﺤﻞ املﺸﻜﻼت‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻟﻜﻞ ﳾء أﺳﺒﺎﺑﻪ‬

‫‪49‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺳﺎﺋﻠﻪ‪ ،‬ﻫﺬ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻗﺪ اﺣﺘﺎﺟﺖ إﱃ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺪ‪ ،‬إﱃ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺘﺪﺑري‬
‫اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ إﻋﻤﺎ اﻟﺮأ ﻟﺘﺠﺘﻤﻊ ﻫﺬ اﻟﻘﻠﻮب املﻔﱰﻗﺔ أ ﻻ‪ ،‬ﻟﺘﻨﺪﻓﻊ إﱃ ﻣﻐﺎﻣﺮاﺗﻬﺎ ﺧﺎرج‬
‫ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ﺛﺎﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻟﺘﻬﺎﺟﻢ ﻫﺬ اﻟﻘﻮ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ املﻨﻈﻤﺔ ﺑﻘﻮ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ أﻳﻀﺎ؛ ﻓﻠﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺴﻬﻠﺔ ﻻ ﻣﻦ املﺸﻜﻼت اﻟﻴﺴرية‪ ،‬إﻧﺸﺎء ﻫﺬ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﻘﻮﻳﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ‬
‫املﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﻲ رﻣﻰ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﺑﻬﺎ أﻗﻄﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ ﻻ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻬني إﻣﺴﺎ ﻫﺬ اﻟﺠﻴﻮش ﰲ ﻣﻮاﻗﻔﻬﺎ ﺑﻌﺪ املﻮاﻗﻊ ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﺼﺎر أﻋﻮاﻣﺎ ﻣﺘﺼﻠﺔ‪ ،‬ﻣﻊ ﻣﺎ‬
‫ﻧﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻋﺎدة اﻟﻌﺮب ﰲ ﻏﺎراﺗﻬﺎ ﺣﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺎرب ﻟﺘﻨﺘﴫ ﺗﻐﻨﻢ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻟﺘﻌﻮد ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﴪﻋﺔ إﱃ ﻣﻨﺎزﻟﻬﺎ ﻓﺘﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﻐﻨﻴﻤﺔ اﻟﺴﻠﻢ‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ أ ﺗﻘﺪ ﻋﲆ ﺣﺮب‬
‫ﺗﻌﺮ أ ﻟﻬﺎ ﻻ ﺗﺮ آﺧﺮﻫﺎ‪ ،‬ﻫﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻻ ﺗﺸﺒﻪ ﻣﺎ أﻟﻔﺖ ﻣﻦ ﺣﺮ ﺑﻬﺎ ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ‬
‫ﻣﻦ ﻏﺰ اﺗﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﻦ ﺣﺮ ﺑﻬﺎ أﻳﺎ اﻟﺮدة؛ ﻓﻬﺬا ﻫﻮ اﻟﴚء اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬ اﺣﺘﺎج إﱃ‬
‫ﺟﻬﺪ ﻻ ﻧﻜﺎد ﻧﺘﺼﻮر ‪ .‬ﻗﺪ ﺑﺬ ﻋﻤﺮ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻗﺎدﺗﻪ ﻫﺬا اﻟﺠﻬﺪ ﻣﻘﺪﻣني ﻏري ﻣﺤﺠﻤني‪،‬‬
‫ﺣﺎزﻣني ﻏري ﻣﱰددﻳﻦ؛ ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﻤﻨﻮا ﻣﻦ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ‪ ،‬ﻳﻜﻔﻲ أ ﻧﺘﺼﻮر ﺗﻤﺼري‬
‫اﻷﻣﺼﺎر إﻧﺰا اﻟﺠﻴﻮش ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻨﻈﻴﻢ املﻨﺎ ﺑﺎت ﺑني ﻫﺬ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻘﺮت ﰲ ﻫﺬ‬
‫اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬أ ﻧﺘﺼﻮر أ ﻫﺬ اﻟﺠﻴﻮش ﻗﺪ أﻟﻔﺖ ﻣﻦ ﻗﻮ ﺑﺎدﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺄﻟﻔﻮا اﻟﺤﻀﺎرة أ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺄﻟﻒ ﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺤﻀﺎرة — ﻳﻜﻔﻲ أ ﻧﺘﺼﻮر ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻟﻨﻘﺪر ﺑﻌﺾ املﺸﻜﻼت اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ‬
‫اﻟﺨﻄرية اﻟﺘﻲ ﻧﻔﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻤﺮ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻧﻔﻮذا ٍّ‬
‫ﺣﻘﺎ‪.‬‬
‫ﻧﺤﻦ ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻘﺮأ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺗﺪ ﻳﻦ اﻟﺪ ا ﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻨﻤﺮ ﺑﻪ ﻣﴪﻋني ﻣﻌﺠﺒني‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ‬
‫ﻗﻔﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﻗﻔﺔ ﻗﺼرية ﺗﺒﻴﻨﺎ أ ﻫﺬ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻘﺼرية ﻻ ﺗﺪ ﻋﲆ أﻗﻞ ﻣﻦ إﺣﺼﺎء‬
‫دﻗﻴﻖ ﻟﻠﻤﺤﺎرﺑني ﻗﺒﺎﺋﻠﻬﻢ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ أﴎﻫﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻮﻟﻮﻧﻬﺎ أ ﻳﻨﺒﻐﻲ‬
‫أ ﺗﻌﻮﻟﻬﺎ اﻟﺪ ﻟﺔ ﻋﻨﻬﻢ — ﻟﻮ ﻗﺪ ﻓﻌﻠﻨﺎ ﻫﺬا ﻟﻌﺮﻓﻨﺎ أ ﻫﺬا اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ اﻟﺨﻄري ﰲ ﺣﻴﺎة أﻣﺔ‬
‫ﺑﺎدﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﻻ ﺣﺴﺎﺑﺎ ﻻ إﺣﺼﺎء؛ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻬﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺮ‬
‫اﻟﻨﺎس ﺑﻬﺎ ﻣﴪﻋني‪ .‬ﻓﺈذا ﺻﺤﺒﻨﺎ ﻫﺬ اﻟﺠﻴﻮش ﰲ ﻣﺴريﻫﺎ إﱃ اﻟﺤﺮب‪ ،‬ﺛﻢ ﰲ اﺳﺘﻘﺮارﻫﺎ‬
‫ﺑﺎﻷﻣﺼﺎر ﺑﻌﺪ أ ﻛﺎﻧﺖ املﺼﺎدﻣﺎت اﻟﻜﱪ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑني ﺟﻴﻮش اﻟﻔﺮس اﻟﺮ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻓﻜﺮﻧﺎ‬
‫ﰲ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺮاﺋﻊ اﻟﺬ ﺿﻌﻪ ﻋﻤﺮ ﻋﻦ اﺳﺘﺸﺎرة أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ املﻨﺎ ﺑﺔ ﺑني ﻫﺬ‬
‫اﻟﺠﻴﻮش املﺴﺘﻘﺮة ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻐﻴﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﰲ اﻟﻐﺰ أ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻋﻦ‬
‫أﻫﻠﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ‪ ،‬ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ اﻟﺘﺠﻤري — ﻫﻮ ﺗﺠﺎ ز ﻫﺬ املﺪة ﺑﺎملﺤﺎرﺑني —‬
‫إﺛﻤﺎ ﻻ ﻳﺼﺢ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎ أ ﻳﺘﻮرط ﻓﻴﻪ — ﻋﺮﻓﻨﺎ ﻣﻘﺪار ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ أﻋﻮاﻧﻪ أ‬
‫ﻳﻨﻔﻘﻮا ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻮد املﺎدﻳﺔ املﻌﻨﻮﻳﺔ املﺘﺼﻠﺔ املﻠﺤﺔ ﻟﻴﻮاﺟﻬﻮا ﻣﺸﻜﻼت اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬

‫‪50‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ‬

‫ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺸﻜﻼت ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻐﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ أﻋﻮاﻧﻪ ﻣﺸريﻳﻪ؛‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎ ﻣﺸﻜﻼت إدارﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ أﻗﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﻄﺮا ﻻ أﻫﻮ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺄﻧﺎ‪ ،‬ﻓﻬﺬ اﻟﺒﻼد‬
‫اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﺖ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻼدا ﻟﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﰲ اﻟﺤﻀﺎرة‪ ،‬ﺗﻔ ﱡﻮ ﰲ اﻟﻌﻤﺮا ‪ ،‬ﻟﻬﺎ‬
‫ﻧﻈﻤﻬﺎ املﺄﻟﻮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺒﺎﻳﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﺘﺒﺎﻳﻦ اﻷﻗﻄﺎر اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺪ ﻟﻬﺬ اﻟﺒﻼد‬
‫ﻣﻦ أ ﺗﺪار ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﺢ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪار ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﺘﺢ ﺗﺨﺮﻳﺐ‬
‫ﺗﺪﻣري‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻓﺘﺢ ﺗﺄﻣني ﺗﻌﻤري‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﻳﺼﺒﺢ اﻟﻌﺮب ﻓﺠﺄة ﻣﻬﺮة ﰲ‬
‫اﻹدارة ﻣﺘﻘﻨني ﻟﻠﺴﻴﺎﺳﺔ ﻗﺎدرﻳﻦ ﻋﲆ أ ﻳﻜﻔﻮا ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﴍ املﻐﻠﻮﺑني ﻣﻦ راﺋﻬﻢ‪،‬‬
‫ﻳﺆﻣﻨﻮا ﻫﺆﻻء املﻐﻠﻮﺑني ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻢ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻣﺮاﻓﻘﻬﻢ‪ ،‬ﻳﺄﺧﺬ ا ﻣﻦ ﻫﺆﻻء املﻐﻠﻮﺑني‬
‫ﻣﺎ ﻳﻤ ﱢﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ إﻗﺮار اﻷﻣﻦ املﴤﱢ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻻﺗﺴﺎع ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﻢ ﺑﺪ إذ ﻣﻦ‬
‫أ ﻳﺤﺘﻔﻈﻮا ﺑﺎﻹدارات اﻟﺘﻲ ﺟﺪ ﻫﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﺣني أﺧﻀﻌﻮﻫﺎ ﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻬﻢ‪ ،‬ﻣﻦ أ‬
‫ﻳﺮاﻗﺒﻮا ﻫﺬ اﻹدارات ﻣﺮاﻗﺒﺔ دﻗﻴﻘﺔ ﻣﺘﺼﻠﺔ ﺗﻜﻔﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أ ﺗﻘﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻏﺶ ﻟﻬﻢ‬
‫أ ﻣﻜﺮ ﺑﻬﻢ أ ﺗﺄﻟﻴﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﳾء ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﻴﺴري‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻫﻨﺎ ﻣﺸﻜﻼت أﺧﺮ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺒﻼد اﻟﻌﺮب ﻧﻔﺴﻬﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎ أ ﻳﺠﺪ‬
‫اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻀﺒﻂ ﺑﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺒﺎد اﻟﺬ ﻟﻢ ﻳﺄﻟﻒ اﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻮد اﻟﺨﻀﻮع‪،‬‬
‫أ ﻳﻀﺒﻄﻪ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬ ﻳﺄﺧﺬ ﻓﻴﻪ ﺷﺒﺎﺑﻪ أ ﱄ اﻟﻘﻮة ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻪ؛ ﻟريﺳﻠﻬﻢ إﱃ أﻣﺎﻛﻦ‬
‫ﻧﺎﺋﻴﺔ ﻗﺪ ﻳﻌﻮد ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻌﻮد ‪ .‬ﻧﺤﻦ ﻧﻘﺮأ ﰲ ﻏري ﻣﺸﻘﺔ أﻧﺒﺎء اﻟﺘﻌﺒﺌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺣني‬
‫ﺗﻔﺮﺿﻬﺎ اﻟﻈﺮ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺤﺪﻳﺚ أ ذا ‪ ،‬ﻓﻨﻌﺠﺐ ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻌﺠﺐ ﺑﻪ‪ .‬ﻟﻜﻨﺎ ﻻ‬
‫ﻧﺘﻌﻤﻖ ﰲ دﻗﺎﺋﻖ اﻟﺘﻌﺒﺌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﺸﻜﻼﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻻ ﻧﻘﺪر أ ﻟﻬﺬ اﻟﺘﻌﺒﺌﺔ ﰲ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ‬
‫ﻧﻈﻤﺎ ﻣﻘﺮرة ﻣﺘﻘﻨﺔ ﻟﻢ ﺗﺮﺗﺠﻞ ارﺗﺠﺎﻻ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺻﻨﻌﺖ ﺻﻨﻌﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ املﺮاس‬
‫اﻟﻄﻮﻳﻞ‪ ،‬ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺄﻣﺔ ﺑﺎدﻳﺔ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺮ ب اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺳﻨﺔ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻌﺒﺌﺔ املﻨﻈﻤﺔ‬
‫ﻋﻬﺪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﻮاﺟﻪ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻟﻠﻤﺮة اﻷ ﱃ ﻣﻦ ﻏري ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻻ ﻣﻐﺎﻻة ﻻ ﻣﻌﺎﻧﺎة ﻻ‬
‫اﺧﺘﺒﺎر!‬
‫ﻫﺬ أﻟﻮا ﻳﺴرية ﻣﻦ املﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ اﺟﻬﺖ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻠﻴﻘﺔ أ ﺗﻮاﺟﻪ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ‬
‫ﻟﻮ ﻣﺪﱠت ﻟﻪ أﺳﺒﺎب اﻟﺤﻴﺎة‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﺗﻮ ﺑﻌﺪ ﻋﻤﺮ‪.‬‬
‫ﻓﺄ ﻏﺮاﺑﺔ ﰲ أ ﻳﺸﻘﻰ ﻋﻤﺮ ﺑﺨﻼﻓﺘﻪ ﺷﻘﺎء ﻋﻈﻴﻤﺎ! أ ﻏﺮاﺑﺔ ﰲ أ ﻳﺤﺰ أﻣﺮ ﻳﻤﴤ‬
‫ﻋﺰﻣﻪ ﻳﺸﻤﺮ ﻋﻦ ﺟﺪ ﻫﺎﺋﻞ ﻓﻼ ﻳﻨﺎ ﻻ ﻳﻨﻴﻢ! ﺛﻢ أ ﻏﺮاﺑﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ أ ﻳﻠﺘﻤﺲ ﺑني‬
‫أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻌﺎﴏﻳﻪ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﻌﻬﺪ إﻟﻴﻪ ﺑﻤﻮاﺟﻬﺔ ﻫﺬ املﺸﻜﻼت ﻣﺎ ﻫﻮ أﻋﴪ‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﻋﴪا أﺷﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻌﻘﻴﺪا‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻜﺎد ﻳﻈﻔﺮ ﺑﻪ أ ﻳﻄﻤﱧ إﻟﻴﻪ!‬

‫‪51‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫املﺸﻜﻠﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺸﻜﻠﺔ إدارة ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺣﺮب ﻟﻴﺲ ﻏري‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ‬
‫ﺗﺘﻌﻘﺪ ﺑﻬﺬا اﻟﱰاث اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺬ ﻳﺠﺐ أ ﻳﻘﻮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻴﺤﻤﻴﻪ ﻳﺤﻔﻈﻪ ﻳﺼﻮﻧﻪ‪،‬‬
‫ﻳﻤﴤ ﺑﻪ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ ﻣﴣ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ رﺑﻪ‪ .‬ﻓﻠﻮ ﻗﺪ ﻛﺎ اﻷﻣﺮ أﻣﺮ ﻓﺘﻮح‬
‫إدارة ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻟﻴﺲ ﻏري‪ ،‬ملﴣ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺮب ﻛﻤﺎ ﻣﴣ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ اﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺒﺪا ة إﱃ اﻟﺤﻀﺎرة‪ ،‬ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ إﱃ اﻟﻘﻮة‪ ،‬ﻣﻦ اﻟﺨﻀﻮع إﱃ اﻟﺘﺴﻠﻂ اﻻﺳﺘﻌﻼء؛‬
‫ﻟﻜﻦ اﻷﻣﺮ أﻣﺮ ﻓﺘﺢ ﰲ ﺣﺪ د ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻗﺪ رﺳﻤﻬﺎ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻗﻮاﻣﻬﺎ رﻓﻊ املﻐﻠﻮﺑني إﱃ ﻣﻜﺎﻧﺔ‬
‫اﻟﻐﺎﻟﺒني ﺑﺈذاﻋﺔ اﻟﻌﺪ اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﺸﺎﻣﻞ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني اﻟﺬﻳﻦ ﻗﻬﺮ ﻫﻢ ﻣﻦ‬
‫ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻔﺘﺢ ﻛﻤﺎ ﺻﻮر اﻹﺳﻼ ﻛﻤﺎ ﺗﺼﻮر اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﺎ ﻓﺘﺢ ﺗﻐﻠﺐ‬
‫ﺟﺒﺎﻳﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻓﺘﺢ إﺻﻼح ﻫﺪاﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺪ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ إذ ﻣﻦ أ ﻳﺠﻤﻊ إﱃ ﻛﻔﺎﻳﺘﻪ ﰲ أﻣﻮر اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻹدارة اﻟﺤﺮب‬
‫ﻛﻔﺎﻳﺔ أﺧﺮ ﻫﻲ أﺷﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺸﻘﺔ أﻋﴪ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﴪا‪ ،‬ﻫﻲ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﰲ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺪﻳﻦ‬
‫ﺣﻴﺎﻃﺘﻪ ﺻﻴﺎﻧﺘﻪ ﻣﻦ أ ﻳﻜﻴﺪ ﻟﻪ املﻐﻠﻮب أ ﻳﺴﺘﻐﻠﻪ اﻟﻐﺎﻟﺐ أ ﻳﻔﱰ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﺎﺋﻤﻮ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﻻ ﻳﺨﺸﻮا ﰲ ﺣﻴﺎﻃﺘﻪ ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ‪.‬‬
‫أﺿﻒ إﱃ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﺗﺮاﺛﺎ آﺧﺮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺪ ﻟﻌﻤﺮ ﻣﻦ أ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ أ ﻳﻼﺋﻢ‬
‫ﺑﻴﻨﻪ ﺑني ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﻨﺎس ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻫﻮ ﻫﺬ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ أﺗﻴﺤﺖ‬
‫ﻟﻠﻌﺮب ﰲ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ املﻤﺘﺎزة ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ أ ﻻ‪ ،‬ﰲ ﻫﺆﻻء اﻟﻘﻮاد املﻈﻔﺮﻳﻦ ﺛﺎﻧﻴﺎ‪:‬‬
‫أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺟﺎءت ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻔﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺟﺎءت ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻔﺮﻳﻖ‬
‫آﺧﺮ‪ ،‬أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺟﺎءت ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻟﻔﺮﻳﻖ ﺛﺎﻟﺚ‪.‬‬
‫ﻫﺬا اﻟﺼﺤﺎﺑﻲ اﻟﺬ ﺳﺒﻖ إﱃ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻫﺎﺟﺮ اﻟﻬﺠﺮﺗني‪ ،‬ﺷﻬﺪ املﺸﺎﻫﺪ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ‪،‬‬
‫ﺛﻢ أﻗﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻟﻪ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺘﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪ .‬ﻫﺬا اﻟﻘﺮﳾ أ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬ أﺳﻠﻢ‬
‫ﺑﺄﺧﺮة ﺛﻢ أﺑﲆ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ ﺑﻼء ﺣﺴﻨﺎ اﻣﺘﺎز ﺑني اﻟﻔﺎﺗﺤني‪ ،‬ﻟﻪ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺘﻪ اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ‪ .‬ﻫﺬا‬
‫اﻟﺼﺤﺎﺑﻲ اﻟﺬ ﺳﺒﻖ إﱃ اﻹﺳﻼ ﻫﺎﺟﺮ هلل ﻟﺮﺳﻮﻟﻪ ﺷﻬﺪ املﺸﺎﻫﺪ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ اﻣﺘﺎز‬
‫ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻟﻪ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬ﻻ ﺑﺪ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ إ أراد أ ﻳﻌﻬﺪ‬
‫ﻳﺴﺘﺨﻠﻒ ﻣﻦ أ ﻳﻼﺋﻢ ﺑني ﻫﺬ املﺼﺎﻟﺢ املﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﻫﺬ املﺸﻜﻼت املﻌﻀﻼت‬
‫إﱃ ﺣﻞ ﻳﺮﴈ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ آراء اﻟﻨﺎس ﰲ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ ﻧﻈﺮاﺋﻬﻢ‪ .‬ﻓﻠﻴﺲ اﻟﻌﺠﻴﺐ‬
‫أﻻ ﻳﺴﺘﺨﻠﻒ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻟﻴﺲ اﻟﻌﺠﻴﺐ أ ﻳﱰدد ﺣني ﻳﻄﻠﺐ إﻟﻴﻪ اﻻﺳﺘﺨﻼ ؛ إﻧﻤﺎ اﻟﻌﺠﻴﺐ‬
‫ﻫﻮ ﻧﻘﻴﺾ ﻫﺬا‪ ،‬ﻗﺪ اﺟﺘﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﻣﺎ ﺳﻌﻪ اﻻﺟﺘﻬﺎد‪ ،‬اﺟﺘﻬﺪ ﰲ أﻳﺎ ﺣﺮج ﺿﻴﻖ‪ ،‬أﻋﺠﻠﻪ‬
‫املﻮت ﻋﻦ أ ﻳﻄﻴﻞ اﻟﺘﻔﻜري ﻳﺸﺎ ر ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ زﻋﻤﺎء املﺴﻠﻤني‪.‬‬

‫‪52‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ‬

‫ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺬ ﺿﻌﻪ ﻟﻠﺸﻮر ﻗﺪ ﻛﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻧﻘﺺ‪،‬‬

‫ﻟﻌﻠﻪ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻧﻘﺺ ﺷﺪﻳﺪ‪ ،‬أ ﻣﺎ ﻧﻼﺣﻈﻪ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ﺿﻴﻖ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮر ؛‬
‫ﻓﻘﺪ اﺋﺘﻠﻒ ﻫﺬا املﺠﻠﺲ ﻣﻦ ﺳﺒﻌﺔ أﺣﺪﻫﻢ ﻳﺸري ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﰲ اﻷﻣﺮ ﳾء‪ :‬ﻫﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ‬
‫ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻫﻮ املﺸري اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬ ﻻ ﻣﻄﻤﻊ ﻟﻪ ﰲ ﳾء‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﺪ املﺸري ﻳﺠﺘﻤﻌﻮ‬
‫ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻴﻨﻮا اﻵﻓﺔ اﻟﺨﻄرية اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺷﻚ أ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻤﺠﻠﺴﻬﻢ ﻏري ﻣﺬﻫﺐ‪ ،‬ﻫﻲ أ‬
‫ﺳﺘﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺸريﻳﻦ‪ ،‬ﻛﺎﻧﻮا ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﺮﺷﺤني ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﻢ ﺑﺪ ﻣﻦ أ‬
‫ﻳﺤﻤﻠﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻌﻮد اﻟﻨﻔﻮس أ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻻ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺆﺛﺮ أﻧﻔﺴﻬﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎ ﺣﺒٍّﺎ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎ ﺣﺪ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺆﺛﺮ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎ ﻧﺼﺤﺎ ﻟﻺﺳﻼ‬
‫املﺴﻠﻤني‪ .‬ﻳﺮ ﻛﻞ اﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺨﻠﺼﺎ أﻧﻪ أﻗﺪر ﻋﲆ اﺣﺘﻤﺎ اﻟﻌﺐء أﺟﺪر أ ﻳﺮﻋﻰ‬
‫ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﻖ‪ ،‬ﻗﺪ ﻓﻮﺟﺊ املﺴﻠﻤﻮ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﻠﻔﻮا ﺣﺮاﺳﺔ ﻫﺆﻻء املﺸريﻳﻦ ﻣﻔﺎﺟﺄة‬
‫أﻟﻴﻤﺔ ﺣني رأ ا ﻫﺆﻻء املﺸريﻳﻦ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ﰲ ﻏري اﺋﺘﻼ ‪ ،‬ﻳﺘﻨﺎﻓﺴﻮ ﰲ ﻏري ﻓﺎ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ‬
‫ﻗﺎ أﺑﻮ ﻃﻠﺤﺔ رﺋﻴﺲ اﻟﺤﺮس‪ :‬ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ أ ﺗﺪاﻓﻌﻮﻫﺎ أﺧﻮ ﻣﻨﻲ ﻣﻦ أ ﺗﻨﺎﻓﺴﻮﻫﺎ‪.‬‬
‫ﻛﺎ رﺣﻤﻪ ﷲ ﰲ ﺳﺬاﺟﺘﻪ ﻃﻬﺎرة ﻗﻠﺒﻪ ﻳﺮ — ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺮ ﻋﻤﺮ — أ اﻟﺨﻼﻓﺔ‬
‫ﻋﺐء ﺛﻘﻴﻞ ﻳﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﻳﻄﻤﻊ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﺮﻏﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻨﻪ إﻳﺜﺎرا ﻟﻠﻌﺎﻓﻴﺔ ﰲ دﻳﻨﻪ‬
‫دﻧﻴﺎ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ املﺸريﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺮ ﻫﺬا اﻟﺮأ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ أ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﺟﺐ‬
‫ﻳﺠﺐ أ ﻳﺘﻨﺎﻓﺲ املﺘﻨﺎﻓﺴﻮ ﰲ اﻟﻨﻬﻮض ﺑﺄﻋﺒﺎﺋﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﺗﺜﻘﻞ‪ ،‬ﺗﻘﺮﺑﺎ هلل إ ﺣﺴﻨﺖ ﺑﻬﻢ‬
‫اﻟﻈﻨﻮ ‪ ،‬ﻳﺠﺐ أ ﺗﺤﺴﻦ ﺑﻬﻢ اﻟﻈﻨﻮ ‪ ،‬رﻓﻘﺎ ﺑﺎﻟﻨﺎس إ ﺻﺪﻗﺖ ﻓﻴﻬﻢ اﻵراء‪ ،‬ﻳﺠﺐ‬
‫أ ﺗﺼﺪ ﻓﻴﻬﻢ اﻵراء‪ .‬ﻛﺎ أﴎع املﺸريﻳﻦ إﱃ اﻟﺘﻨﺒﻪ ﻟﻬﺬ اﻵﻓﺔ ﻣﺤﺎ ﻟﺔ اﻟﻄﺐ ﻟﻪ‪،‬‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺮض ﻋﲆ أﺻﺤﺎﺑﻪ أ ﻳﺨﻠﻊ أﺣﺪﻫﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ أ‬
‫ﻳﺨﺘﺎر ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻓﺄﺳﻜﺘﻮا ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬أ ﻗﻞ أﺳﻜﺖ ﻣﻨﻬﻢ أرﺑﻌﺔ‪ ،‬ﻫﻢ‪ :‬ﻋﲇ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﺳﻌﺪ اﻟﺰﺑري‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺴﻜﺖ ﻃﻠﺤﺔ ﻟﻢ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻷﻧﻪ ﻛﺎ ﻏﺎﺋﺒﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﴬ اﻟﺸﻮر ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ رأ‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ أﻧﻬﻢ ﻗﺪ أﺳﻜﺘﻮا‪ ،‬أﻧﻬﻢ ﻻ ﺗﻄﻴﺐ ﻧﻔﺲ اﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﺧﻠﻊ ﻫﻮ‬
‫ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ أ ﻳﺨﺘﺎر ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺨﻤﺴﺔ ﻧﺎﺻﺤﺎ هلل ﻟﻠﻤﺆﻣﻨني‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻴﺴري أ ﻳﺮﴇ اﻷرﺑﻌﺔ ﻣﻨﻪ ﺑﻤﺎ ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﲇ ﱞ ﻳﺨﺎ أ ﻳﻤﻴﻞ ﻋﺒﺪ‬
‫اﻟﺮﺣﻤﻦ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺼﻬﺮ ﻛﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ﻏري ﻋﲇ ﱟ ﻳﺨﺎ أ ﻳﻤﻴﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ إﱃ‬
‫ﺳﻌﺪ ﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﻘﻮ ﺗﻌﺎﻃﻮا اﻟﻌﻬﻮد املﻮاﺛﻴﻖ ﻋﲆ أﻻ ﻳﺄﻟﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‬
‫املﺴﻠﻤني ﻧﺼﺤﺎ‪ ،‬ﻋﲆ أﻻ ﻳﻤﻴﻞ ﻣﻊ اﻟﻬﻮ ﻻ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻘﺮاﺑﺔ أ ﺻﻬﺮ‪ ،‬ﻋﲆ أ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻘﻮ‬
‫ﻣﻦ ﻳﺨﺘﺎر ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ‪.‬‬

‫‪53‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻟﻮ ﻗﺪ ﱠﺳﻊ ﻋﻤﺮ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮر أﻛﺜﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ أﻣﺜﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ أ ﻟﺌﻚ‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﴬ اﻟﺸﻮر ﻳﺸﺎرﻛﻮ ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﻳﻜﻮ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﳾء؛ ﻟﻜﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ‬
‫أﻻ ﻳﺘﻌﺮض ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮر ملﺎ ﺗﻌﺮض ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻚ اﻻﺧﺘﻼ ‪ .‬أﻛﺎد أﻋﺘﻘﺪ أ اﻟﺨري‬
‫ﻗﺪ ﻛﺎ ﻳﻜﻮ ﻟﻮ ﺗﺼﻮر ﻋﻤﺮ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮر ﻻ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻣﺠﻠﺲ ﻣﺆﻟﻒ ﻣﻦ املﺮﺷﺤني‬
‫أﻳﻬﻢ اﻧﺘﺨﺐ ﻓﻬﻮ ﺧﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻣﺠﻠﺲ ﻣﺆﻟﻒ ﻣﻦ املﺸريﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫أﺳﻤﺎء ﻫﺆﻻء اﻟﺴﺘﺔ ﻟﻴﺨﺘﺎر ا ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ رﺟﻼ ﻳﺴﺘﺨﻠﻔﻮﻧﻪ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻌﻤﺮ رﺣﻤﻪ ﷲ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﺑﻌﺪ أ اﻷﻧﺼﺎر ﻛﺎﻧﻮا ﺧﻠﻴﻘني أ ﻳﺸﻬﺪ ا اﻟﺸﻮر ‪ ،‬أ ﻳﻜﻮ ﻟﻬﻢ‬
‫أ ﻳﻘﻮﻟﻮا رأﻳﻬﻢ ﻳﺸﺎرﻛﻮا ﰲ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑني املﺮﺷﺤني‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻧﻌﻠﻢ أ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﰲ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﺎ‬
‫دا املﺴﻠﻤﻮ ﻗﺪ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﲆ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ أ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬ اﻟﻘﺎﻋﺪة أ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﺣﺪﻫﺎ‬
‫ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺎر اﻹﻣﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ اﻹﻣﺎ إﻣﺎﻣﺎ ﻟﻘﺮﻳﺶ ﺣﺪﻫﺎ ﻟﻜﻨﻪ إﻣﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﺟﻤﻴﻌﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺎملﺴﻠﻤﻮ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻻة ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻴﺎر ﻋﲆ أﻧﻬﻢ ﻣﻘﻴﺪ ﺑﺄ ﻳﻜﻮ اﻹﻣﺎ اﻟﺬ ﻳﺨﺘﺎر ﻧﻪ‬
‫ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻗﺪ اﺳﺘﻘﺮ ﰲ ﻧﻔﻮس املﺴﻠﻤني ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ أ اﻻﺧﺘﻴﺎر إﻧﻤﺎ‬
‫ﻳﻜﻮ ﻷﻫﻞ اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ‪ ،‬ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻢ أ اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺎ إﱃ ﻗﺮﻳﺶ ﺣﺪﻫﺎ أﻳﺎ أﺑﻲ‬
‫ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻗﺪ ﻗﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻟﻸﻧﺼﺎر‪ :‬ﻧﺤﻦ اﻷﻣﺮاء أﻧﺘﻢ اﻟﻮزراء‪ ،‬ﻓﺠﻌﻠﻬﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ‬
‫اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ؛ ﻷ اﻟﻮزراء ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ ﻳﺤﻠﻮ ﻳﻌﻘﺪ ‪ .‬ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ إذ أ ﻳﺸﻬﺪ‬
‫اﻷﻧﺼﺎر ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮر ﻳﺸﺎرﻛﻮا ﰲ اﺧﺘﻴﺎر اﻹﻣﺎ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أ ﻳﺄﺗﻠﻒ‬
‫ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮر ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺗﺘﺠﺎ ز ﻗﺮﻳﺸﺎ اﻷﻧﺼﺎر ﺗﺸﻤﻞ ﻗﻮﻣﺎ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ زﻋﻤﺎء‬
‫اﻟﻌﺮب ﻗﻮاد املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﺤﺮب ﻛﺒﺎر اﻟﻮﻻة اﻟﻌﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻮ ﻗﺪ اﺋﺘﻠﻒ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮر‬
‫ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻟﻜﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﺠﻨﺐ املﺴﻠﻤني ﻛﺜريا ﻣﻤﺎ ﺗﻌﺮﺿﻮا ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﴩ‪.‬‬
‫آﻓﺔ أﺧﺮ ﻧﺮاﻫﺎ ﰲ ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﺸﻮر ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ‪ ،‬ﻫﻲ أ ﺳﻠﻄﺎ املﺸريﻳﻦ‬
‫ﻛﺎ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎ ﻣﻮﻗﻮﺗﺎ ﺣﺪد ﻟﻪ ﻋﻤﺮ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎ ﻗﺒﻞ املﺴﻠﻤﻮ ﻣﻨﻪ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أ ﻳﺨﺘﺎر ا ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ رﺟﻼ أ ﻳﺴﺘﺨﻠﻔﻮ ‪ ،‬أ ﻳﺒﺎﻳﻌﻪ ﻣﻦ ﺣﴬ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪،‬‬
‫أ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﺒﻴﻌﺘﻪ إﱃ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬أ ﺑﻌﺒﺎرة أد ‪ :‬أ ﻳﻜﺘﺐ ﻫﻮ ﺑﺒﻴﻌﺘﻪ إﱃ اﻷﻣﺼﺎر ﻳﻨﻔﺬ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ أﻣﺮ ﻧﻬﻴﻪ ﺑﺤﻖ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺎﻳﻌﻮ ‪.‬‬
‫ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ أ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﺣﺪﻫﻢ ﺑﻤﻘﺘﴣ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ إذا‬
‫ﺑﺎﻳﻌﻮا أﻟﺰﻣﻮا املﺴﻠﻤني ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻗﻄﺎر اﻷرض‪ ،‬ﻋﻠﺔ ذﻟﻚ أ املﺪﻳﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻘﺮ أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻣﻮاﻃﻦ أﻫﻞ اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ‪ ،‬ﻋﻠﺔ ذﻟﻚ أﻳﻀﺎ أ اﻻﻧﺘﻈﺎر‬
‫اﻟﻄﻮﻳﻞ ﰲ اﺧﺘﻴﺎر اﻹﻣﺎ ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﺜري اﻟﻘﻠﻖ ﻳﺤﺪث اﻷﺣﺪاث‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ‬

‫‪54‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ‬

‫ﰲ أ ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ أ ﱄ اﻟﺮأ اﻟﺒﺼرية ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﺗﻔﺮﻗﻮا ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﻣﻮاﻃﻦ‬

‫اﻟﺤﺮب ﺑﺄﻣﺮ ﻋﻤﺮ أ ﻋﻦ إذﻧﻪ‪ ،‬ﻛﺎﻧﻮا ﺧﻠﻴﻘني ﻟﻮ اﺳﺘﺸري ا أ ﻳﺸري ا ﻳﻨﺼﺤﻮا‪.‬‬
‫ﻋﲆ أ اﻟﺨﻄﺮ ﻛﻞ اﻟﺨﻄﺮ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﻌﺠﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺪﻋﻮ إﻟﻴﻬﺎ املﺼﻠﺤﺔ‪،‬‬
‫ﻣﺎ ﻧﺸﻚ ﰲ أ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﻗﺪر ﻫﺬ املﺼﻠﺤﺔ ﻓﺄﺣﺴﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺨﻄﺮ ﻣﻦ أ‬
‫ﻫﺬا املﺠﻠﺲ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻣﻮﻗﻮﺗﺎ ﻳﻨﺤﻞ ﻣﺘﻰ ﺗﻢ اﺧﺘﻴﺎر اﻹﻣﺎ ‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﱢﺳﻊ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮر‬
‫أ ﻻ ﺟﻌﻞ ﻧﻈﺎﻣﺎ داﺋﻤﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﺠﻠﺲ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻟﻺﻣﺎ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪،‬‬
‫ﻣﺠﻠﺲ اﺧﺘﻴﺎر ﻟﻸﺋﻤﺔ ﻛﻠﻤﺎ اﺣﺘﺎج املﺴﻠﻤﻮ إﱃ اﺧﺘﻴﺎر اﻹﻣﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ ،‬ﻟﻜﺎ‬
‫املﺴﻠﻤﻮ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﻮا إﱃ اﻟﻨﻈﺎ اﻟﱪملﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻫﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﺧﻠﻴﻘني أ ﻳﺴﺒﻘﻮا إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ رأﻳﺖ‬
‫ﻣﻦ ﺳرية ﻋﻤﺮ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﺴﻌﻰ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ﺳﻌﻴﺎ ﺣﺜﻴﺜﺎ‪ .‬ﻟﻜﻨﻲ أﻋﻴﺪ ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻪ آﻧﻔﺎ ﻣﻦ‬
‫أ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ أﻋﺠﻞ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻣﺪﱠت ﻟﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻜﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﺟﺪٍّا‬
‫أ ﻳﻔﺮغ ﻟﻬﺬا اﻷﻣﺮ أ ﻳﺸﺎ ر ﻓﻴﻪ‪ ،‬أ ﻳﻨﺘﻬﻲ إﱃ ﻧﻈﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻫﺬا اﻟﺬ ﺻﻮرﻧﺎ ‪ .‬إذ‬
‫ملﺎ ﺣﺪﺛﺖ اﻷﺣﺪاث‪ ،‬ملﺎ ﻧﺸﺄت ﻫﺬ املﺸﻜﻠﺔ اﻟﺨﻄرية اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﺑني ﻋﺜﻤﺎ ﺑني اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﺛﺎر ا ﺑﻪ ﺧﺮﺟﻮا ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻫﻲ‪ :‬أﻳﺠﻮز ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني أ ﻳﺨﻠﻌﻮا إﻣﺎﻣﻬﻢ إ أﻧﻜﺮ ا ﺳريﺗﻪ أ ﻻ‬
‫ﻳﺠﻮز؟ ﺑﻞ أﻳﺠﻮز ﻟﻺﻣﺎ ﻧﻔﺴﻪ أ ﻳﺨﻠﻊ ﻧﻔﺴﻪ إ ﺿﺎﻗﺖ ﺑﻪ اﻟﺮﻋﻴﺔ أ ﻻ ﻳﺠﻮز؟‬
‫ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻞ املﺸري أﻣﺮﻫﻢ إﱃ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺛﻢ ﺗﻔﺮﻗﻮا ﻓﺄﻗﺎﻣﻮا‬
‫ﰲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ‪ ،‬ﺟﻌﻞ ﺻﻬﻴﺐ ﻳﺼﲇ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻛﻤﺎ أﻣﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻗﺎ أﺑﻮ ﻃﻠﺤﺔ أﺻﺤﺎﺑﻪ‬
‫ﻋﲆ ﺑﺎب ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺑﻪ اﻧﺘﻬﺎء اﻷﻳﺎ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻟﻴﺨﺘﺎر ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني إﻣﺎﻣﺎ‪ .‬ﻗﻴﻞ‪ :‬إ‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺘﻔﻜري ﺗﻘﺪﻳﺮ اﺳﺘﺨﺎرﺗﻪ ﷲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻳﺸﺎ ر‬
‫اﻟﻨﺎس ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻴﻬﻢ ﻳﺪﻋﻮﻫﻢ إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻻ ﻳﺴﺘﺸري اﻟﺮﺟﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﺴﺘﺸري ذ ات‬
‫اﻟﻔﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﰲ ﻃﻠﻴﻌﺘﻬﻦ أﻣﻬﺎت املﺆﻣﻨني‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎ ﻳﺴﺘﻮﰲ اﻷﻳﺎ اﻟﺜﻼﺛﺔ‬
‫أرﺳﻞ إﱃ ﻋﲇ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺪﻋﺎﻫﻤﺎ إﻟﻴﻪ ﺧﻼ ﺑﻬﻤﺎ اﺣﺪا ﰲ إﺛﺮ ﺻﺎﺣﺒﻪ‪ ،‬ﺳﺄ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻗﺎﺋﻼ‪:‬‬
‫أرأﻳﺘﻚ ﻟﻮ ﻟﻢ أ ﻟﻚ ﻓﻤﻦ ﺗﺸري ﻋﲇ ﱠ أ أﺧﺘﺎر؟ ﻓﻘﺎ ﻟﻪ‪ :‬ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﺛﻢ أﻟﻘﻰ اﻟﺴﺆا ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﺣني ﺧﻼ ﺑﻪ ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﻋﲇﱞ‪ .‬إ ﻛﺎ ﻫﺬا ﻣﻮﺿﻊ ﺷﻚ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺸﻬﺪ أﺣﺪ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑني ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‪ ،‬ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎ ﻓﻘﺪ ﺧﻼ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ إﱃ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‬
‫أﺣﺪﻫﻤﺎ ﰲ إﺛﺮ اﻵﺧﺮ‪ ،‬ﺛﻢ أﻣﺮ ﻓﻨﻮد ﰲ اﻟﻨﺎس‪ :‬اﻟﺼﻼة ﺟﺎﻣﻌﺔ‪ ،‬ﻓﺎزدﺣﻢ اﻟﻨﺎس إﱃ املﺴﺠﺪ‬
‫ﺣﺘﻰ اﻛﺘﻆ ﺑﻬﻢ‪ ،‬ﺻﻌﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ إﱃ ﻣﻨﱪ اﻟﻨﺒﻲ ﺟﻠﺲ ﻣﻨﻪ ﺣﻴﺚ ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ﻳﺠﻠﺲ‪ ،‬ﻛﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻗﺪ ﻧﺰ ﻋﻦ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﺒﻲ درﺟﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﻧﺰ ﻋﻦ ﻣﺠﻠﺲ‬
‫أﺑﻲ ﺑﻜﺮ درﺟﺔ أﺧﺮ ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺎ ‪ :‬إ ﻫﺬا ﻳﻄﻮ ‪ ،‬ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﺒﻲ‪.‬‬

‫‪55‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫رﻗﻰ إذ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ املﻨﱪ ﺟﻠﺲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻗﺪ اﻋﺘﻢ ﺑﻌﻤﺎﻣﺔ ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ‬
‫ﻋﻤﻤﻪ ﺑﻬﺎ ﰲ إﺣﺪ ﺧﺮﺟﺎﺗﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﻒ ﻓﺄﻃﺎ اﻟﻮﻗﻮ ‪ ،‬دﻋﺎ دﻋﺎء ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻪ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﻗﺎ ‪ :‬ﻫﻠﻢ إﱄ ﱠ ﻳﺎ ﻋﲇﱡ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻋﲇ ﻓﺴﻌﻰ إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻓﺒﺴﻂ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻳﺪ ﻓﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪ ﻋﲇ ﺛﻢ ﻗﺎ‬
‫ﻟﻪ‪ :‬ﻫﻞ أﻧﺖ ﻣﺒﺎﻳﻌﻲ ﻋﲆ ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ ﻓﻌﻞ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ؟ ﻗﺎ ﻋﲇ‪ :‬اﻟﻠﻬﻢ‬
‫ﻻ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻲ أﺣﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺟﻬﺪ ﻃﺎﻗﺘﻲ‪ .‬ﻓﺄرﺳﻞ ﻳﺪ ‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬ﻫﻠﻢ إﱄ ﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺒﻞ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﻒ ﻋﻨﺪ املﻨﱪ‪ ،‬ﺑﺴﻂ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻳﺪ ‪ ،‬ﻓﺄﺧﺬ ﻳﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺎ ﻟﻪ‪ :‬ﻫﻞ أﻧﺖ‬
‫ﻣﺒﺎﻳﻌﻲ ﻋﲆ ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ ﻓﻌﻞ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ؟ ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬اﻟﻠﻬﻢ ﻧﻌﻢ‪ .‬ﻗﺎ‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ :‬اﻟﻠﻬﻢ اﺷﻬﺪ‪ ،‬اﻟﻠﻬﻢ اﺷﻬﺪ‪ ،‬اﻟﻠﻬﻢ اﺷﻬﺪ‪ .‬ﺛﻢ ﻗﺎ اﻟﻨﺎس ﻓﺒﺎﻳﻌﻮا ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﺑﺎﻳﻊ ﻋﲇ ﻓﻴﻤﻦ ﺑﺎﻳﻊ ﻟﻢ ﻳﱰدد‪ .‬ﻳﻘﺎ إﻧﻪ ﺗﺮدد‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ :‬ﻳﺎ ﻋﲇ‪ ،‬ﻻ ﺗﺠﻌﻞ‬
‫ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻚ ﺳﺒﻴﻼ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻼ اﻵﻳﺔ‪﴿ :‬ﻓﻤﻦ ﻧﱠﻜﺚ ﻓﺈﻧﱠﻤﺎ ﻳﻨﻜﺚ ﻋﲆ ٰ ﻧﻔﺴﻪ ۖ ﻣﻦ أ ﰱ ٰ ﺑﻤﺎ ﻋﺎﻫﺪ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﷲ ﻓﺴﻴﺆﺗﻴﻪ أﺟﺮا ﻋﻈﻴﻤﺎ﴾‪ .‬ﻓﺄﻗﺒﻞ ﻋﲇ ﻓﺒﺎﻳﻊ‪ .‬أﻛﺎد أﻗﻄﻊ ﺑﺄ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻟﻢ ﻳﱰدد ﻟﻢ‬
‫ﻳﺤﺘﺞ إﱃ ﻣﻦ ﻳﺬﻛﺮ ﺑﺎﻟﻌﻬﺪ اﻟﺬ أﻋﻄﺎ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻓﻌﲇ أ ﰱ ﺑﺎﻟﻌﻬﺪ أﻛﺮ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ﻣﻦ أ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﻨﺒﻴﻪ‪ ،‬ﺳريﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻨﺒﺌﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻨﻘﺾ ﻫﺬا اﻟﻴﻮ ‪ ،‬ﻫﻮ اﻟﻴﻮ اﻷﺧري ﻣﻦ ذ اﻟﺤﺠﺔ ﺳﻨﺔ ﺛﻼث ﻋﴩﻳﻦ‪ ،‬ﺣﺘﻰ‬
‫ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ إﻣﺎﻣﺎ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﺨﻼﻓﺘﻪ املﺤﺮ ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ ﻋﴩﻳﻦ ﰲ أﺛﺒﺖ ﻣﺎ ر املﺆرﺧﻮ ‪.‬‬

‫‪56‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﳋﺎﻣﺲ‬

‫ﻛﺎ أ ﻣﺎ ﻋﺮض ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث ﻗﺒﻞ أ ﻳﺴﺘﺘﻢ اﻟﻴﻮ اﻷ ﻣﻦ أﻳﺎ ﺧﻼﻓﺘﻪ‪ ،‬ﻗﺼﺔ‬
‫ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ اﻟﺬ ﻗﺘﻞ اﻟﻬﺮﻣﺰا ﺟﻔﻴﻨﺔ ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﻟﺆﻟﺆة‪ ،‬ﻫﻲ ﻗﺼﺔ اﻣﺘﺤﻦ ﺑﻬﺎ‬
‫املﺴﻠﻤﻮ اﻣﺘﺤﺎﻧﺎ ﻋﺴريا‪ ،‬ﻓﺄﺑﻮ ﻟﺆﻟﺆة ﻫﻮ ﻗﺎﺗﻞ ﻋﻤﺮ؛ ﻃﻌﻨﻪ ﺑﺨﻨﺠﺮ ذ رأﺳني ﺣني ﻛﺎ‬
‫ﻳﺘﻘﺪ ﻟﻠﺼﻼة‪ ،‬ﻓﺘﻜﺎﺛﺮ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ أﺑﻲ ﻟﺆﻟﺆة ﻓﺄﺧﺬ ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺒﻞ أ ﻳﺴﺄ ﰲ‬
‫ذﻟﻚ أ ﻳﺠﻴﺐ‪ ،‬ﻗﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس‪ :‬إﻧﻪ رأ أﺑﺎ ﻟﺆﻟﺆة اﻟﻬﺮﻣﺰا ‪ ،‬ﻛﺎ ﻗﺪ أﺳﻠﻢ‪ ،‬ﺟﻔﻴﻨﺔ‬
‫ﻛﺎ ﻧﴫاﻧﻴٍّﺎ‪ ،‬ﻗﺪ ﺧﻠﺼﻮا ﻧﺠﻴٍّﺎ ﰲ أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﺨﻨﺠﺮ ﻳﻘﻠﺒﻮﻧﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ أﻗﺒﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻗﺎﻣﻮا‬
‫ﺳﻘﻂ اﻟﺨﻨﺠﺮ ﻣﻦ أﻳﺪﻳﻬﻢ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎت ﻋﻤﺮ أﻗﺒﻞ اﺑﻨﻪ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺷﺎﻫﺮا ﺳﻴﻔﻪ ﺣﺘﻰ أﺗﻰ‬
‫أﺣﺲ ﻋ ﱠﺾ اﻟﺴﻴﻒ ﻗﺎ ‪ :‬ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﷲ‪ .‬ﺛﻢ أﺗﻰ ﺟﻔﻴﻨﺔ‬‫اﻟﻬﺮﻣﺰا ﻓﻘﺘﻠﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻘﻮ اﻟﺮ اة إﻧﻪ ملﺎ ﱠ‬
‫أﺣﺲ املﻮت ﺻ ﱠﻠﺐ ﺑني ﻋﻴﻨﻴﻪ‪ .‬ﺛﻢ أﺗﻰ ﻣﻨﺰ أﺑﻲ ﻟﺆﻟﺆة ﻓﻘﺘﻞ‬
‫ﻓﻘﺘﻠﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻘﻮ اﻟﺮ اة إﻧﻪ ملﺎ ﱠ‬
‫اﺑﻨﺘﻪ‪ ،‬ﺑﻠﻎ اﻟﺨﱪ ﺻﻬﻴﺒﺎ ﻛﺎ ﻋﲆ ﺻﻼة اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﱡ‬
‫ﻳﻜﻔﻪ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪،‬‬
‫ﻗﺪ اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻴﻪ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص ﻓﺴﺎ ر ﻣﺎ زا ﺑﻪ ﺣﺘﻰ أﺧﺬ ﻣﻨﻪ اﻟﺴﻴﻒ‪ ،‬ﺛﻢ ﺣﺒﺲ‬
‫ﺣﺘﻰ ﻳﻘﴤ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﰲ أﻣﺮ ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﺗﻜﺪ ﺑﻴﻌﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﺗﺘﻢ ﺣﺘﻰ ﺷﺎ ر املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ ﺣﴬ ﰲ أﻣﺮ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﻫﺬا‬
‫اﻟﺬ ﺛﺄر ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺛﺄر ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻋﻦ ﻏري ﺑﻴﻨﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺘﻞ رﺟﻼ ﻣﺴﻠﻤﺎ ﻗﺘﻞ ذﻣﻴني ﺑﻐري‬
‫اﻟﺤﻖ د أ ﻳﺨﻮﱢﻟﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻗﺘﻠﻬﻤﺎ‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ أﻫﻞ اﻟﺒﺼرية اﻟﻔﻘﻪ ﻓﻴﻬﻢ ﻋﲇ ﱞ ﻓﺄﺷﺎر ا‬
‫ﺑﺎﻟﻘﻮد؛ ﻷ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﻗﺪ ﺗﻌﺪ ﺣﺪ د ﷲ ﻛﻤﺎ رأﻳﺖ‪ .‬ﻗﺎ ﻗﻮ ﻛﺜري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪ :‬ﻳﻘﺘﻞ‬
‫ﻋﻤﺮ أﻣﺲ ﻳﻘﺘﻞ اﺑﻨﻪ اﻟﻴﻮ ‪ ،‬زﻋﻤﻮا أ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻗﺎ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻗﺪ أﻋﻔﺎ ﷲ ﻣﻦ‬
‫ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺣﺪث ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻴﺲ ﻟﻚ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﺳﻠﻄﺎ ‪.‬‬
‫ﻗﺪ اﺧﺘﻠﻔﺖ اﻟﺮ اة ﰲ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺬ أﻣﻀﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ‪ :‬ﻓﻘﻮ ﻳﺰﻋﻤﻮ‬
‫أ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﴣ ﺑﺎﻟﻘﻮد دﻓﻊ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ إﱃ اﺑﻦ اﻟﻬﺮﻣﺰا ﻟﻴﻘﺘﻠﻪ ﺑﺄﺑﻴﻪ‪ .‬أﻛﺜﺮ املﺆرﺧني‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﱄ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ‪ ،‬ﻗﺪ ﻋﻔﻮت أدﻓﻊ‬ ‫ﻳﺰﻋﻤﻮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺎ ‪ :‬أﻧﺎ ﱄ اﻟﻬﺮﻣﺰا‬

‫دﻳﺔ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ ﻣﺎﱄ إﱃ ﺑﻴﺖ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‪ .‬ﻫﺬا أﺷﺒﻪ ﺑﺴرية ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻟﻴﺴﺘﻔﺘﺢ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺑﻘﺘﻞ ﻓﺘﻰ ﻣﻦ ﻓﺘﻴﺎ ﻗﺮﻳﺶ اﺑﻦ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻴﻬﺪر‬
‫د ﻣﺴﻠﻢ ذﻣﻴني‪ ،‬ﻫﻮ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ آﺛﺮ اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺄد دﻳﺔ اﻟﻘﺘﲆ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ اﻟﺨﺎص‬
‫إﱃ ﺑﻴﺖ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺣﻘﻦ د ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﰲ إﻣﻀﺎﺋﻪ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ‬
‫ﺳﻴﺎﺳﺔ رﺷﻴﺪة ﻟﻮ ﻧﻈﺮ اﻟﻨﺎس إﱃ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻧﻈﺮة ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ‪ .‬ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻌﺪ ﻣﻦ ﻗﺎ‬
‫ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪ :‬ﻳﻘﺘﻞ ﻋﻤﺮ أﻣﺲ ﻳﻘﺘﻞ اﺑﻨﻪ اﻟﻴﻮ ؟! ﻟﻮ ﻗﺪ ﻗﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻟﻐري ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﻠﻮب آ اﻟﺨﻄﺎب ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻨﻲ ﻋﺪ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻐري ﻗﻠﻮب‬ ‫ﰲ اﻟﻘﺼﺎص ﱠ‬
‫ﻗﺮﻳﺶ ﻛﻠﻬﺎ ﻗﻠﻮب ﻛﺜري ﻣﻦ ﻏري ﻗﺮﻳﺶ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻋﻔﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻘﻞ اﻟﻘﺘﲆ ﻟﻔﺘﺢ ﺑﺎﺑﺎ ﻣﻦ أﺑﻮاب‬
‫اﻟﻔﻮﴇ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ إﻏﻼﻗﻪ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻗﻀﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻗﻀﻴﺔ دﻳﻦ أ ﻻ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﻗﻀﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‪ .‬ﻣﻦ ﺣﻖ اﻹﻣﺎ أ ﻳﻌﻔﻮ ﺑﴩط أﻻ ﻳﻌﻄﻞ ﻋﻔﻮ ﺣﺪٍّا ﻣﻦ ﺣﺪ د‬
‫اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬
‫ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﻔﻬﻢ أ ﻛﺜريا ﻣﻦ املﺴﻠﻤني املﺘﺸﺪدﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺮﺿﻮا ﻋﻦ ﻗﻀﺎء ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬا؛‬
‫ﻓﻜﺎ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻣﻦ ﻟﺒﺚ ﻳﺬﻛﺮ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻬﺮﻣﺰا ﻳﻨﺬر ﺑﺎﻻﻗﺘﺼﺎص ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫زﻳﺎد ﺑﻦ ﻟﺒﻴﺪ اﻟﺒﻴﺎﴈ ﻛﻠﻤﺎ ﻟﻘﻴﻪ ﻗﺎ ﻟﻪ‪:‬‬

‫ﻻ ﺧﻔﺮ‬ ‫ﻻ ﻣﻠﺠﺄ ﻣﻦ اﺑﻦ أر‬ ‫أﻻ ﻳ ﺎ ﻋ ﺒ ﻴ ﺪ اﻟ ﻠ ﻪ ﻣ ﺎ ﻟ ﻚ ﻣ ﻬ ﺮب‬

‫ﺣﺮاﻣﺎ‪ ،‬ﻗﺘﻞ اﻟﻬﺮﻣﺰا ﻟﻪ ﺧﻄﺮ‬ ‫أﺻ ﺒ ﺖ دﻣ ﺎ اﻟ ﻠ ﻪ ﻓ ﻲ ﻏ ﻴ ﺮ ﺣ ﻠ ﻪ‬
‫أﺗ ﺘ ﻬ ﻤ ﻮ اﻟ ﻬ ﺮﻣ ﺰا ﻋ ﻠ ﻰ ﻋ ﻤ ﺮ‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺷﻲء ﻏﻴﺮ أ ﻗﺎ ﻗﺎﺋﻞ‬
‫ﻧ ﻌ ﻢ أﺗ ﻬ ﻤ ﻪ ﻗ ﺪ أﺷ ﺎر ﻗ ﺪ أﻣ ﺮ‬ ‫ﻓ ﻘ ﺎ ﺳ ﻔ ﻴ ﻪ اﻟ ﺤ ﻮادث ﺟ ﻤ ﺔ‬
‫ﻳ ﻘ ﻠ ﺒ ﻪ اﻷﻣ ﺮ ﺑ ﺎﻷﻣ ﺮ ﻳ ﻌ ﺘ ﺒ ﺮ‬ ‫ﻛﺎ ﺳﻼح اﻟﻌﺒﺪ ﻓﻲ ﺟﻮ ﺑﻴﺘﻪ‬

‫ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺜﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ زﻳﺎد ﺷﻜﺎ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﺪﻋﺎ ﻋﺜﻤﺎ زﻳﺎدا ﻓﻨﻬﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺘﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻗﺎ ﰲ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ‪:‬‬

‫ﻓﻼ ﺗﺸﻜﻚ‪ ،‬ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻬﺮﻣﺰا‬ ‫أﺑ ﺎ ﻋ ﻤ ﺮ ﻋ ﺒ ﻴ ﺪ اﻟ ﻠ ﻪ رﻫ ﻦ‬

‫أﺳﺒﺎب اﻟﺨﻄﺎ ﻓﺮﺳﺎ رﻫﺎ‬ ‫ﻓﺈﻧﻚ إ ﻏﻔﺮت اﻟﺠﺮ ﻋﻨﻪ‬

‫‪58‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ‬

‫ﻓﻤﺎ ﻟﻚ ﺑﺎﻟﺬ ﺗﺨﻠﻲ ﻳﺪا‬ ‫ﻟﺘﻌﻔﻮ إذ ﻋﻔﻮت ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ‬

‫ﻓﻐﻀﺐ ﻋﺜﻤﺎ زﺟﺮ زﻳﺎدا ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻰ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻗﻮﻣﺎ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻟﻢ ﻳﺮﺿﻮا ﻗﻀﺎء‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻳﻘﺎ ‪ :‬إ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء‪ ،‬ﻳﻘﺎ ‪ :‬إﻧﻪ ﻟﻮ ﻗﺪر ﻋﲆ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻷﻗﺎد‬
‫ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺧﺮج ﻣﻊ اﻟﻐﺎﺿﺒني ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻗﺎﺗﻞ ﻣﻊ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺑﺼﻔني ﻓﻘﺘﻞ ﻫﻨﺎ ‪.‬‬
‫اﻟﺬ أﺳﺨﻂ ﻫﺆﻻء املﺴﻠﻤني ﻣﺮاﻋﺎﺗﻬﻢ ﻟﻈﺎﻫﺮ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻲ أ ﻻ‪ ،‬ﺗﺤﺮﺟﻬﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‬
‫ﻣﻦ أ ﻳﻌﻔﻰ ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﻷﻧﻪ اﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻣﺴﻠﻤﺎ أﻋﺠﻤﻴٍّﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻬﺪ ﺑﺎﻹﺳﻼ‬
‫آﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺬﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﻔﻮ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ أ ﻳﻜﻮ ﺗﻤﻴﻴﺰا ﺑني املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺗﻤﻴﻴﺰا‬
‫ﺑني اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ‪ ،‬ﺑني اﻷﻋﺠﻤﻲ ﻫﻮ اﻟﻬﺮﻣﺰا ‪ ،‬ﷲ ﻟﻢ ﻳﻔﺮ ﺑني املﺴﻠﻤني‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﺿﻤﻦ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﺮﻣﺔ دﻣﺎﺋﻬﻢ أﻣﻮاﻟﻬﻢ أﻋﺮاﺿﻬﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ آﺑﺎؤﻫﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻜﻦ‬
‫أﺟﻨﺎﺳﻬﻢ‪ ،‬ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻔﻮ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ أ ﻳﻜﻮ إﻫﺪارا ﻟﺪﻣﺎء أﻫﻞ اﻟﺬﻣﺔ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﻘﺮر ﻟﻬﻢ ﰲ‬
‫اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻣﺔ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﺤﻘﻮ ‪ ،‬ﻟﻮ ﺗﺮ اﻷﻣﺮ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ أﺑﻴﺢ ﻷﺑﻨﺎء اﻟﺨﻠﻔﺎء‬
‫أﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﻛﺒﺎر اﻷﻧﺼﺎر املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ أ ﻳﺜﺄر ا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ،‬ﻳﺘﺒﻌﻮ ﰲ ذﻟﻚ‬
‫ﺷﻬﻮاﺗﻬﻢ ﻧﺰ اﺗﻬﻢ‪ ،‬ﻻ ﻳﺮﻓﻌﻮ أﻣﺮﻫﻢ إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎ ‪ ،‬ﻻ ﻳﻘﻴﻤﻮ اﻟﺒﻴﻨﺔ ﻋﲆ أﺻﺤﺎب‬
‫ﺛﺄرﻫﻢ‪ ،‬ﻟﻔﺴﺪ اﻷﻣﺮ ﺿﺎع اﻟﻌﺪ ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﻮﴇ ﻃﻤﺴﺖ آﻳﺎت اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬
‫ﻧﻌﻮد ﻓﻨﻘﻮ ‪ :‬إ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎ ﱄ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻟﻪ ﺑﺤﻜﻢ ﻫﺬ اﻟﻮﻻﻳﺔ أ ﻳﻌﻔﻮ‪،‬‬
‫ﻧﺰﻳﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﺣني ﻋﻔﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻄﻞ ﺣﺪٍّا ﻣﻦ ﺣﺪ د ﷲ ﻟﻢ ﻳﻬﺪر د اﻟﻬﺮﻣﺰا‬
‫ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أد دﻳﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ﻟﺒﻴﺖ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﺮﺛﻬﻢ ﺣﺪ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻣﻦ اﻟﻌﻔﻮ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻤﺎ ﻳﺮﻳﺐ املﺘﺸﺪدﻳﻦ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ؛ ﻓﻌﺒﻴﺪ ﷲ ﻟﻢ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻋﲆ‬
‫ﳾء ﻣﻤﺎ أﺗﻰ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﺣﺘﻤﻞ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻋﻨﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﺣني أد اﻟﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ﻫﻮ‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻋﻔﺎ‬
‫ﻓﺤﻘﻦ د ﻋﺒﻴﺪ ﷲ‪ ،‬ﺛﻢ ﻓﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﻋﲆ أﴎﺗﻪ دﻳﺔ اﻟﻘﺘﲆ؛ ﻷﻗﺎ اﻟﺤﺪ ﰲ ﻏري رﻳﺒﺔ‪ ،‬ملﺎ‬
‫اﺳﺘﻄﺎع أﺣﺪ أ ﻳﻨﻜﺮ ﻣﻦ ﻗﻀﺎﺋﻪ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬ﻟﻮ أﻧﻪ إذ أد اﻟﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ رﻓﻘﺎ ﺑﺂ اﻟﺨﻄﺎب‬
‫أﻣﺴﻚ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﰲ اﻟﺴﺠﻦ ﺗﻌﺰﻳﺮا ﻟﻪ ﺗﺄدﻳﺒﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻮب إﱃ ﷲ ﻣﻦ إﺛﻤﻪ‪ ،‬ﻳﻨﺪ ﻋﲆ‬
‫إراﻗﺔ اﻟﺪ ﰲ ﻏري ﺣﻘﻪ‪ ،‬ﻋﲆ اﻻﺳﺘﺨﻔﺎ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎ اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻠﺤﻔﻴﻈﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ — ﻟﻮ‬
‫ﻗﺪ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻟﻜﺎ ﻟﻪ ﻣﺨﺮج ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﺮج‪ ،‬ﻷﻋﻠﻢ ﻓﺘﻴﺎ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ أﻣﺜﺎ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ أ‬
‫دﻣﺎء املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻣﻴني أﻋﻈﻢ ﺣﺮﻣﺔ ﻋﻨﺪ ﷲ ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻣﻦ أ ﺗﺮا ﺑﻐري اﻟﺤﻖ ﺛﻢ‬
‫ﻻ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻣﻦ أراﻗﻬﺎ ﻋﻘﺎﺑﺎ ﻳﺴريا أ ﺧﻄريا‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﺨﲆ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني اﻟﺤﻴﺎة ﻳﺤﻴﺎﻫﺎ آﻣﻨﺎ‪،‬‬
‫ﻳﺨﲆ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني ﻃﻴﺒﺎت اﻟﺤﻴﺎة ﻳﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﰲ ﻏري رﻫﺐ ﻻ ﺧﻮ ‪.‬‬

‫‪59‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻘﺒﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺬ‬
‫ﻳﺼﻮر رﺣﻤﺘﻪ رأﻓﺘﻪ إﻳﺜﺎر ﻟﻠﻌﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﺗﺠﻨﺒﻪ ملﺎ ﻳﺤﻔﻆ اﻟﻘﻠﻮب؛ ﻗﻠﻮب اﻟﻌﺮب ﺧﺎﺻﺔ‪،‬‬
‫ﻗﻠﻮب ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ املﻤﺘﺎزة ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ أﺑﻨﺎء املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺑﻨﻮع أﺧﺺ‪ ،‬ﻓﺮﴈ ﻋﻦ ﻫﺬ‬
‫اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻗﻮ ﺳﺨﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ آﺧﺮ ‪ ،‬ﻛﺎ ﺑﺪء ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺤﺎﻃﺎ ﺑﴚء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﻚ‬
‫اﻻﺧﺘﻼ ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻣﻜﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ إﻟﻴﻪ ﻓﺘﻰ ﻣﻦ ﻓﺘﻴﺎ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ‬
‫أﺑﻮ ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻜﻦ ﻋﺸريﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻘﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﻘﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺠﺪ اﻟﺬ ﻻ ﺗﺄﺧﺬ ﰲ ﺣﺪ د‬
‫ﷲ ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻗﻀﺎء ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻗﺪ رﺳﻢ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺑﻤﺎ‬
‫ﻳﻤﻴﺰﻫﺎ ﺗﻤﻴﻴﺰا ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻫﻮ اﻟﺮﻓﻖ اﻟﻠني‪.‬‬
‫ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻓﺈ اﻟﻨﺎس ﻟﻢ ﻳﻌﺠﻠﻮا ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻣﺎ ﻛﺎ ﻟﻬﻢ أ ﻳﻌﺠﻠﻮا ﻫﻢ‬
‫أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻗﺪ اﻧﻘﺴﻤﻮا ﰲ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ‪ ،‬ملﻜﺎ ﻋﻤﺮ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ‪ ،‬ملﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ ﻧﻪ ﻣﻦ رﻋﺎﻳﺔ‬
‫ﺣﻘﻪ ﰲ أﻫﻠﻪ ﺑﻨﻴﻪ‪ .‬ﻗﺪ أﻣﺮ اﻟﻨﺒﻲ أ ﺗﺪرأ اﻟﺤﺪ د ﺑﺎﻟﺸﺒﻬﺎت‪ ،‬ﻓﻠﻌﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ درأ ﻫﺬا‬
‫اﻟﺤﺪ ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﺎﻟﺸﺒﻬﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻏﻀﺒﻪ ﻷﺑﻴﻪ اﻧﺪﻓﺎﻋﻪ ﻣﻊ ﺷﻬﻮﺗﻪ اﻟﺠﺎﻣﺤﺔ‪.‬‬
‫ﺟﺰاﻫﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺧريا‪.‬‬ ‫ﷲ ﻗﺪ ﺣﺒﺐ إﱃ املﺴﻠﻤني اﻟﻌﻔﻮ ﺣني ﻳﻘﺪر‬
‫ﻗﺪ ر املﺆرﺧﻮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺣﺘﻰ أﺻﺪر إﱃ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻛﺘﺒﺎ‪،‬‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺟﱢ ﻪ إﱃ اﻟﻌﻤﺎ ‪ ،‬ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺟﱢ ﻪ إﱃ ﻗﻮاد اﻟﺤﺮب‪ ،‬ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺟﱢ ﻪ إﱃ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﻨﺎس‪.‬‬
‫أﻗ ﱡﻞ ﻣﺎ ﺗﻮﺻﻒ ﺑﻪ ﻫﺬ اﻟﻜﺘﺐ أﻧﻬﺎ ﺗﺼﻮر اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻬﺎ‬
‫املﺴﻠﻤني اﻟﺘﻲ أﺧﺬﻫﻢ ﺑﻬﺎ ﺻﺪرا ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮ املﺆرﺧﻮ ‪ .‬ﻓﻤﻦ ﺣﻖ ﻫﺬ اﻟﻜﺘﺐ‬
‫أ ﺗﺮ ‪ ،‬أ ﻧﻘﻒ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻗﻔﺔ ﻣﺎ‪ ،‬ﻟﻨﺘﺒني إﱃ أ ﺣﺪ ﺗﻤﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺎ رﺳﻢ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﻣﻦ ﺧﻄﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺘﺐ إﱃ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻓﻴﻤﺎ ر اﻟﻄﱪ ﰲ أﺣﺪاث ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ ﻋﴩﻳﻦ ﻟﻠﻬﺠﺮة ﻳﻘﻮ ‪» :‬أﻣﺎ‬
‫ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺈ ﷲ أﻣﺮ اﻷﺋﻤﺔ أ ﻳﻜﻮﻧﻮا رﻋﺎة‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺘﻘﺪ إﻟﻴﻬﻢ أ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺟﺒﺎة‪ ،‬إ ﱠ ﺻﺪر‬
‫ﻫﺬ اﻷﻣﺔ ﺧﻠﻘﻮا رﻋﺎة ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻘﻮا ﺟﺒﺎة‪ ،‬ﻟﻴﻮﺷﻜﻦ أﺋﻤﺘﻜﻢ أ ﻳﺼري ا ﺟﺒﺎة ﻻ ﻳﻜﻮﻧﻮا‬
‫رﻋﺎة‪ .‬ﻓﺈذا ﻋﺎد ا ﻛﺬﻟﻚ اﻧﻘﻄﻊ اﻟﺤﻴﺎء اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﻮﻓﺎء‪ .‬أﻻ إ ﱠ أﻋﺪ اﻟﺴرية أ ﺗﻨﻈﺮ ا‬
‫ﰲ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني ﻓﻴﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺘﻌﻄﻮﻫﻢ ﻣﺎ ﻟﻬﻢ ﺗﺄﺧﺬ ﻫﻢ ﺑﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺜﻨﱡﻮا ﺑﺎﻟﺬﻣﺔ‬
‫ﻓﺘﻌﻄﻮﻫﻢ اﻟﺬ ﻟﻬﻢ ﺗﺄﺧﺬ ﻫﻢ ﺑﺎﻟﺬ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﺛﻢ اﻟﻌﺪ اﻟﺬ ﺗﻨﺘﺎﺑﻮ ﻓﺎﺳﺘﻔﺘﺤﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﻮﻓﺎء‪ «.‬ﻓﻬﺬا اﻟﻜﺘﺎب املﻮﺟﺰ اﻟﻴﺴري اﻟﺬ ﻛﺘﺐ أ أﻣﲇ ﰲ ﻏري ﺗﻜﻠﻒ ﻻ ﺗﺄﻧﻖ ﻻ ﺗﻔﻜري‬
‫ﰲ ﻏري اﻟﻌﺪ اﻟﺬ ﻓﺮض ﻋﲆ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻳﺄﻣﺮ اﻟﻌﻤﺎ ﺑﺨﺼﺎ أرﺑﻊ‪ :‬اﻷ ﱃ أ ﻳﻜﻮﻧﻮا رﻋﺎة‬
‫ﻻ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺟﺒﺎة‪ ،‬أ أ ﺗﻜﻮ ﻏﺎﻳﺘﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺮﻓﻖ ﺑﺎملﺤﻜﻮﻣني ﻻ إﻏﻨﺎء اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ‪،‬‬

‫‪60‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ‬

‫ﻻ إرﺿﺎء ﺣﺎﺟﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤني إﱃ اﻟﻐﻨﻰ‪ .‬ﻳﻠﺢﱡ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻫﺬ اﻟﺨﺼﻠﺔ إﻟﺤﺎﺣﺎ ﺷﺪﻳﺪا‪ ،‬ﻓﻴﻜﺮر‬
‫ﻛﻠﻤﺘﻲ اﻟﺮﻋﺎة اﻟﺠﺒﺎة ﺗﻜﺮﻳﺮا ﻳﺼﻮر ﻫﺬا اﻹﻟﺤﺎح‪ .‬ﻻ ﻏﺮاﺑﺔ ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﺒني‬
‫اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺼﺪ إﻟﻴﻬﺎ اﻹﺳﻼ ﺣني دﻓﻊ اﻟﻌﺮب إﱃ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻫﻮ اﻹﺻﻼح ﻗﺒﻞ‬
‫ﻛﻞ ﳾء‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ ﻓﺘﺢ ﻏﻠﺐ ﺗﺴﻠﻂ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﺘﺢ رﻋﺎﻳﺔ رﻓﻖ‬
‫إﺻﻼح‪.‬‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻘﺮر أ اﻷﺋﻤﺔ ﰲ ﺻﺪر ﻫﺬ اﻷﻣﺔ ﻛﺎﻧﻮا رﻋﺎة ﻻ ﺟﺒﺎة‪ ،‬ﻫﺆﻻء اﻷﺋﻤﺔ ﻫﻢ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻫﻮ ﻳﺸﻔﻖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ أ ﻳﺼﺒﺢ اﻷﺋﻤﺔ ﺟﺒﺎة ﻻ رﻋﺎة‪ ،‬ﻓﻴﻨﻘﻄﻊ‬
‫اﻟﺤﻴﺎء ﺗﻘﻮ ﻣﻘﺎﻣﻪ اﻟﻘﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻴﻊ اﻟﺤﻖ ﺗﺪﻓﻊ إﱃ اﻹﴏار ﻋﲆ اﻟﺒﺎﻃﻞ اﻻﺳﺘﻬﺘﺎر‬
‫ﺑﺎﻹﺛﻢ‪ .‬ﺗﻨﻘﻄﻊ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻳﻘﻮ ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ اﻟﻐﺶ اﻟﺬ ﻳﻀﻴﻊ ﺣﻘﻮ اﻷﺋﻤﺔ اﻟﺮﻋﺎة ﺟﻤﻴﻌﺎ‪،‬‬
‫ﻳﺸﻜﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﰲ ﺑﻌﺾ‪ ،‬ﻳﴘء ﻇﻨﻮ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ‪ ،‬ﻳﻘﻴﻢ اﻷﻣﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﲆ‬
‫املﺨﺎدﻋﺔ اﻟﺮﻳﺎء ﻻ ﻋﲆ املﺼﺎرﺣﺔ اﻹﺧﻼص‪ .‬ﻳﻨﻘﻄﻊ اﻟﻮﻓﺎء ﻳﻘﻮ ﻣﻘﺎﻣﻪ اﻟﻐﺪر اﻟﺬ‬
‫ﻳﺪﻓﻊ اﻟﻨﺎس إﱃ ﴍﱟ ﻻ آﺧﺮ ﻟﻪ‪ ،‬إﱃ أﺛﺮة ﻣﻨﻜﺮة‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺮﻋﻰ أﺣﺪ ﻷﺣﺪ ﺣﺮﻣﺔ ﻻ ﻳﺮﺟﻮ‬
‫أﺣﺪ ﻷﺣﺪ ﻗﺎرا‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻫﺬا اﻟﻬﺪ ﻫﻮ ﻫﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‪.‬‬
‫اﻟﺨﺼﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ إﻻ ﺗﻔﺼﻴﻼ ملﺎ ﺗﻘﺪ ﻓﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ ﻋﻤﺎﻟﻪ‪ ،‬ﻫﻲ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﻌﺪ‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻜﻮ ﻣﻦ اﻟﺼﻠﺔ ﺑني املﺴﻠﻤني ﺑني أﺋﻤﺘﻬﻢ أﻣﺮاﺋﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻈﻠﻢ املﺴﻠﻤﻮ‬
‫إرﺿﺎء ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ‪ ،‬ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﺗﻈﻠﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ إرﺿﺎء ﻟﻌﺎﻣﺔ املﺴﻠﻤني‪ .‬إﻧﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ‬
‫ﻳﺆﺧﺬ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ أ ﻳﺮ ﱠد إﻟﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻼ ﻇﻠﻢ ﰲ اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﻻ إﴎا ﻋﲆ‬
‫اﻟﻨﺎس ﰲ أﺧﺬ اﻟﺼﺪﻗﺎت ﺟﺒﺎﻳﺔ اﻟﺨﺮاج‪ ،‬ﻻ ﺗﺴ ﱡﻠﻂ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﰲ أ أﻣﺮ ﻣﻦ أﻣﻮرﻫﻢ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﻘﺴﻂ اﻟﺬ ﻻ ﻳﻀﺎر ﻓﻴﻪ ﺣﺎﻛﻢ ﻻ ﻣﺤﻜﻮ ‪.‬‬
‫اﻟﺨﺼﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻫﻲ اﻟﺨﺼﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺨﺺ املﻌﺎﻫﺪﻳﻦ ﻣﻦ أﻫﻞ‬
‫اﻟﺬﻣﺔ؛ ﻓﻬﻢ ﻛﺎملﺴﻠﻤني ﰲ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻬﻢ ﻟﻠﻌﺪ ‪ ،‬ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﺣﻖ‪ ،‬ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻋﲆ‬
‫املﺴﻠﻤني ﻣﻦ اﺟﺐ‪ .‬إذا ﻧﺼﺤﻮا أﺧﻠﺼﻮا أ ﻓﻮا ﺑﻤﺎ ﻋﺎﻫﺪ ا ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﺆﺧﺬ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﻓﻴﻈﻠﻤﻮا‪ ،‬ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﱰ ﻟﻬﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﻓﻴﻘﻊ اﻟﻈﻠﻢ ﻋﲆ‬
‫املﺴﻠﻤني‪.‬‬
‫اﻟﺨﺼﻠﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻌﺪ اﻟﺬ ﻳﻮاﺟﻪ ﻋﻤﺎ املﺴﻠﻤني ﰲ أﻣﺼﺎرﻫﻢ‪ ،‬ﻫﻲ ﻣﻦ‬
‫أر ع ﻣﺎ أ ﴅ ﺑﻪ اﻷﺋﻤﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺒﺘﻜﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺤﺐ اﻻﺑﺘﻜﺎر ﻛﻤﺎ‬
‫ﺳﱰ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﺗﺒﻊ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ أﻧﺰ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآ ﰲ ﺳﻮرة »ﺑﺮاءة« ﰲ ﻏريﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺄﻣﺮ ﻋﻤﺎﻟﻪ‬
‫أ ﻳﺴﺘﻔﺘﺤﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﻮﻓﺎء‪ .‬ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻬﻢ أ ﻳﻐﺪر ا ﺣﺘﻰ ﺑﺎﻟﻌﺪ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ أ‬

‫‪61‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻳﻌﺮﺿﻮا اﻟﺪﻋﻮة ﻓﺈ أﺟﺎﺑﻮا إﻟﻴﻬﺎ ﻓﺬا ‪ ،‬إ ﻳﻌﺮﺿﻮا اﻟﺼﻠﺢ ﻓﺈ أﺟﺎﺑﻮا إﻟﻴﻪ ﻓﺬا ‪ ،‬إ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺠﻴﺒﻮا أذﻧﻮا ﻋﲆ ﺳﻮاء‪.‬‬
‫ﻓﻬﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻌﻤﺎﻟﻪ ﻫﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺮآ‬
‫رﺳﻤﻬﺎ اﻷﺋﻤﺔ ﻗﺒﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ .‬ﻛﺘﺐ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻋﲆ اﻟﺨﺮاج‪:‬‬
‫»أﻣﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺈ ﷲ ﺧﻠﻖ اﻟﺨﻠﻖ ﺑﺎﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻘﺒﻞ إﻻ اﻟﺤﻖ‪ ،‬ﺧﺬ ا اﻟﺤﻖ أﻋﻄﻮا اﻟﺤﻖ‪،‬‬
‫اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻷﻣﺎﻧﺔ؛ ﻗﻮﻣﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻻ ﺗﻜﻮﻧﻮا أ ﻣﻦ ﻳﺴﻠﺒﻬﺎ ﻓﺘﻜﻮﻧﻮا ﴍﻛﺎء ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻛﻢ إﱃ‬
‫ﻣﺎ اﻛﺘﺴﺒﺘﻢ‪ .‬اﻟﻮﻓﺎء اﻟﻮﻓﺎء‪ ،‬ﻻ ﺗﻈﻠﻤﻮا اﻟﻴﺘﻴﻢ ﻻ املﻌﺎﻫﺪ؛ ﻓﺈ ﷲ ﺧﺼﻢ ملﻦ ﻇﻠﻤﻬﻢ‪«.‬‬
‫ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬ ﻳﻤﺘﺎز ﺑﺈﻳﺠﺎز اﻟﺮاﺋﻊ ﻳﻠﺢ ﻓﻴﻤﺎ أﻟﺢ ﻓﻴﻪ اﻟﻜﺘﺎب اﻷ ‪ ،‬ﻳﺤﺮص‬
‫ﻋﲆ ﻣﺎ ﺣﺮص ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺆد ذﻟﻚ ﰲ ﳾء ﻣﻦ اﻟﻘﻮة اﻟﺸﺪة ﻻ ﻧﻜﺎد ﻧﺠﺪﻫﻤﺎ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ‬
‫اﻷ ؛ ﻓﺎهلل ﻗﺪ ﺧﻠﻖ اﻟﺨﻠﻖ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ إﻻ اﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻸﺋﻤﺔ اﻟﻌﻤﺎ إﻻ‬
‫أ ﻳﺘﻘﺮﺑﻮا إﱃ ﷲ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺐ‪ ،‬ﻓﻴﺄﺧﺬ ا اﻟﺤﻖ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻻ ﻳﻨﻘﺼﻮ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻳﻌﻄﻮا‬
‫اﻟﺤﻖ ﻻ ﻳﻀﻴﻔﻮ إﻟﻴﻪ ﻻ ﻳﻨﺤﺮﻓﻮ ﻋﻨﻪ‪ .‬إذا ﻟﺰﻣﻮا اﻟﺤﻖ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ‪ ،‬ﻓﺄ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ أ ﻳﺮﻋﻮ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺠﺒﻮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻨﻔﻘﻮ ﻋﲆ ﻣﺮاﻓﻘﻬﻢ‪،‬‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺆد ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ اﻹﻣﺎ ﻟﻴﻨﻔﻖ ﰲ املﺮاﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺪ ﻟﺔ ﻛﻠﻬﺎ‪ .‬ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺤﺬﱢر ﻋﻤﺎ‬
‫اﻟﺨﺮاج ﻣﻦ أ ﻳﻜﻮﻧﻮا أ ﻣﻦ ﻳﻨﺤﺮ ﻋﻦ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻓﻴﺤﻤﻠﻮا إﺛﻢ اﻧﺤﺮاﻓﻬﻢ ﻋﻨﻬﺎ إﺛﻢ ﻣﻦ‬
‫ﻳﺬﻫﺐ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﻣﺬﻫﺒﻬﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻻﻧﺤﺮا ‪ .‬ﺛﻢ ﻳﺄﻣﺮﻫﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻮﻓﺎء‪ ،‬ﻳﺸﺪد‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻛﻤﺎ ﺷﺪد ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ اﻷﻣﺎﻧﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻨﻬﺎﻫﻢ ﻋﻦ ﻇﻠﻢ اﻟﻴﺘﺎﻣﻰ أﻫﻞ اﻟﺬﻣﺔ‪ ،‬ﻳﺤﺬﱢرﻫﻢ‬
‫ﻋﻘﺎب ﷲ اﻟﺬ ﻫﻮ ﺧﺼﻢ ملﻦ ﻇﻠﻤﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أﻳﻀﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ أﻧﺰﻟﻬﺎ ﷲ ﰲ اﻟﻘﺮآ ﺳﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺑﻌﺪ ‪ ،‬ﻓﻌﺜﻤﺎ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺰد ﰲ اﻟﻜﺘﺎب اﻷ ﻋﲆ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﻤﺎ ﺑﺎﻳﻊ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ ﻓﻌﻞ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻛﺘﺐ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ‬
‫أﻣﺮاء اﻟﺤﺮب ﰲ اﻟﺜﻐﻮر‪» :‬أﻣﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻜﻢ ﺣﻤﺎة املﺴﻠﻤني ذادﺗﻬﻢ‪ ،‬ﻗﺪ ﺿﻊ ﻟﻜﻢ ﻋﻤﺮ ﻣﺎ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻐﺐ ﻋﻨﺎ ﺑﻞ ﻛﺎ ﻋﻦ ﻣﻸ ﻣﻨﺎ‪ .‬ﻻ ﻳﺒﻠﻐﻨﻲ ﻋﻦ أﺣﺪ ﻣﻨﻜﻢ ﺗﻐﻴري ﻻ ﺗﺒﺪﻳﻞ‪ ،‬ﻓﻴﻐري ﷲ‬
‫ﻣﺎ ﺑﻜﻢ ﻳﺴﺘﺒﺪ ﺑﻜﻢ ﻏريﻛﻢ‪ .‬ﻓﺎﻧﻈﺮ ا ﻛﻴﻒ ﺗﻜﻮﻧﻮ ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻲ أﻧﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ أﻟﺰﻣﻨﻲ ﷲ اﻟﻨﻈﺮ‬
‫ﻓﻴﻪ اﻟﻘﻴﺎ ﻋﻠﻴﻪ‪«.‬‬
‫ﻓﺎﻧﻈﺮ إﱃ ﻣﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻦ اﻟﺸﺪة اﻟﺤﺰ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻼﺋﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻜﺘﺐ‬
‫إﱃ أﻣﺮاء اﻟﺤﺮب‪ .‬اﻧﻈﺮ ﺑﻨﻮع ﺧﺎص إﱃ اﻟﺘﺰا ﻋﺜﻤﺎ ﺳرية ﻋﻤﺮ ﻓﻴﻤﺎ رﺳﻢ ﻷﻣﺮاء اﻟﺤﺮب‬
‫ﻣﻦ ﻧﻈﺎ ؛ ﻷ ﻋﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﺮﺳﻢ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ إﻻ ﻋﻦ ﻣﻸ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر‪،‬‬

‫‪62‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ‬

‫ﻗﺪ ﺣﴬ ﻋﺜﻤﺎ رﺳﻢ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ ﺷﺎر ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﺮأ املﺸﻮرة‪ ،‬ﻫﻮ ﻳﻌﺰ ﻋﲆ اﻷﻣﺮاء‬
‫أﻻ ﻳﻐري ا ﻻ ﻳﺒﺪﻟﻮا ﻣﻤﺎ رﺳﻢ ﻋﻤﺮ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬ﻳﻨﺬرﻫﻢ ﺑﺎﻟﻌﺰ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ إ ﻏري ا أ ﺑﺪﻟﻮا؛‬
‫ﻷﻧﻪ ﻣﻜﻠﻒ أ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ أﻟﺰﻣﻪ ﷲ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﻴﺎ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻓﻌﺜﻤﺎ إذ ﻣﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ‬
‫ﺳرية ﻋﻤﺮ ﰲ اﻹدارة ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ املﺎ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺤﺮب‪ .‬ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ ﺳﻴﺎﺳﺔ‬
‫اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ املﻨﻜﺮ‪ ،‬اﻟﺘﺰا‬ ‫ﻋﻤﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻪ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺑﺎملﻌﺮ‬
‫اﻟﺴﻨﺔ املﻮر ﺛﺔ اﺟﺘﻨﺎب اﻟﺘﻜﻠﻒ اﻻﺑﺘﺪاع‪ .‬ﻳﺸﻬﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬ أﺻﺪر ﻟﻴﻘﺮأ ﻋﲆ‬
‫اﻟﻨﺎس ﰲ اﻷﻣﺼﺎر اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ ،‬ﻫﻮ‪» :‬أﻣﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻜﻢ إﻧﻤﺎ ﺑﻠﻐﺘﻢ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﺘﻢ ﺑﺎﻻﻗﺘﺪاء اﻻﺗﺒﺎع‪،‬‬
‫ﻓﻼ ﺗﻠﻔﺘﻨﻜﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻦ أﻣﺮﻛﻢ؛ ﻓﺈ أﻣﺮ ﻫﺬ اﻷﻣﺔ ﺻﺎﺋﺮ إﱃ اﻻﺑﺘﺪاع ﺑﻌﺪ اﺟﺘﻤﺎع ﺛﻼث‬
‫ﻓﻴﻜﻢ‪ :‬ﺗﻜﺎﻣﻞ اﻟﻨﻌﻢ‪ ،‬ﺑﻠﻮغ أ ﻻدﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﺒﺎﻳﺎ‪ ،‬ﻗﺮاءة اﻷﻋﺮاب اﻷﻋﺎﺟﻢ اﻟﻘﺮآ ‪ .‬ﻓﺈ‬
‫رﺳﻮ ﷲ ﷺ ﻗﺎ ‪ :‬اﻟﻜﻔﺮ ﰲ اﻟﻌﺠﻤﺔ‪ ،‬ﻓﺈذا اﺳﺘﻌﺠﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﻣﺮ ﺗﻜﻠﻔﻮا اﺑﺘﺪﻋﻮا‪«.‬‬
‫ﻓﻌﺜﻤﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻟﻴﺲ أﻗﻞ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﻋﲆ اﻟﺴﻨﺔ املﻮر ﺛﺔ‪ ،‬ﻟﻴﺲ أﻗﻞ‬
‫ﺗﻬﻴﺒﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﻟﻼﺑﺘﺪاع اﻟﺘﻜﻠﻒ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﻨﺒﻪ املﺴﻠﻤني إﱃ أﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻮا ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻮا ﻣﻦ ﺳﻌﺔ‬
‫اﻟﻔﺘﺢ ﺿﺨﺎﻣﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎ إﻻ ﺑﺎﻻﻗﺘﺪاء اﻻﺗﺒﺎع‪ ،‬ﻫﻮ ﻳﺤﺬرﻫﻢ ﻣﻦ أ ﺗﻠﻔﺘﻬﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻦ‬
‫أﻣﺮﻫﻢ‪ ،‬ﻳﺨﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻴﺎء‪ :‬أ ﻳﺒﻄﺮﻫﻢ ﺗﻜﺎﻣﻞ اﻟﻨﻌﻢ ازدﻳﺎد ﺣﻈﻬﻢ ﺑني ﻳﻮ‬
‫ﻳﻮ ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎء ﺑﺴﻄﺔ اﻟﻌﻴﺶ‪ ،‬أ ﻳﻔﺴﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﻣﺮﻫﻢ ﺑﻠﻮغ أ ﻻدﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﺒﺎﻳﺎ؛‬
‫ﻓﻬﺬا اﻟﺠﻴﻞ اﻟﻨﺎﺷﺊ اﻟﺬ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﺺ دﻣﻪ ﻟﻠﻌﺮب‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﻣﺘﺰج ﺑﺪﻣﻪ اﻟﻌﺮﺑﻲ د اﻷﻣﻬﺎت‬
‫اﻷﺟﻨﺒﻴﺎت‪ ،‬ﺧﻠﻴﻖ أ ﻳﺆﺛﺮ اﻻﺑﺘﺪاع اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻋﲆ اﻻﻗﺘﺪاء اﻻﺗﺒﺎع‪ ،‬اﻟﺜﺎﻟﺚ أ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﲆ‬
‫اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻣﻨﻪ‪ ،‬أ ﻳﺸﺎب اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺴﻤﺢ اﻟﻴﺴري ﺑﺎﻟﺠﻬﻞ اﻟﺘﻜﻠﻒ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺄﺗﻴﺎ ﻣﻦ‬
‫إﻗﺒﺎ اﻷﻋﺮاب اﻷﻋﺎﺟﻢ ﻋﲆ اﻹﺳﻼ ﻗﺮاءﺗﻬﻢ ﻟﻠﻘﺮآ ‪ ،‬ﻋﺠﺰﻫﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻦ أ ﻳﻔﻬﻤﻮا‬
‫اﻟﻨﺺ ﻋﲆ ﺟﻬﻪ‪ ،‬اﺿﻄﺮارﻫﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ اﻟﺘﻜﻠﻒ اﻟﺘﺰﻳﺪ‪ .‬ﻣﺎ أﻋﺮ أ أﺣﺪا ﺻﻮر‬
‫اﻵﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ﱠﺮض املﺴﻠﻤﻮ ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﺢ ﻛﻤﺎ ﺻﻮرﻫﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب؛ ﻓﻘﺪ‬
‫ﻛﺜﺮت اﻟﻨﻌﻤﺔ‪ ،‬ﻓﺘﻌ ﱠﺮض املﺴﻠﻤﻮ ﻟﻠﺒﻄﺮ اﻷﴍ اﻟﻄﻤﻊ‪ ،‬ﻧﺸﺄ ﻫﺬا اﻟﺠﻴﻞ املﻮ ﱠﻟﺪ‪ ،‬ﻓﻜﺎ‬
‫اﻟﺘﻜﻠﻒ اﻻﺑﺘﺪاع اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ رﻛﻮب اﻷﺣﺪاث اﻟﻌﻈﺎ ‪ .‬أﻗﺒﻞ ﻋﲆ اﻹﺳﻼ ﻗﻮ ﻟﻢ ﻳﻔﻘﻬﻮا‬
‫اﻟﻘﺮآ ﻋﲆ ﺟﻬﻪ‪ ،‬ﻓﻜﺎ اﻹﴎا ﰲ اﻟﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬اﻹﴎا ﰲ اﻟﺘﺸﺪد ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‬
‫أﺧﺮ ‪ ،‬ﺿﺎع اﻟﺤﻖ أ ﻛﺎد ﻳﻀﻴﻊ ﺑني املﺘﻬﺎ ﻧني املﺘﺸﺪدﻳﻦ‪.‬‬
‫ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺘﺐ إﻟﻴﻬﻢ ﻋﺜﻤﺎ إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻤﺎ ﻋﻤﺮ أﻗ ﱠﺮﻫﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ‬
‫أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻋﺎﻣﺎ ﺑﻮﺻﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أرﺷﺪ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﺘﻮﺻﻴﺔ ﻻ أدﻧﻰ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ‬
‫اﻟﺤﺰ اﻟﺮﻓﻖ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺷﻔﻖ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ أ ﻳﺘﻌﺠﻞ اﻹﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎ ‪،‬‬

‫‪63‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻓﻴﻌﺰ ﻳﻮﱄ ﻳﻘﻄﻊ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺎ اﺳﺘﺄﻧﻒ اﻟﻌﻤﺎ ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻳﻀﻄﺮب ﻟﺬﻟﻚ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني‬
‫ﰲ اﻷﻣﺼﺎر اﻟﺜﻐﻮر‪ .‬ﻗﺪ أﺟﺎز ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬ اﻟﻮﺻﻴﺔ اﻟﺘﺰﻣﻬﺎ‪ ،‬أﻟﺰ اﻟﻌﻤﺎ ﰲ ﻋﻬﺪ أ‬
‫ﰲ اﻟﻌﺎ اﻷ ﻣﻦ ﻋﻬﺪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﺄﺧﺬﻫﻢ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻫﺆﻻء ﻫﻢ اﻟﻌﻤﺎ اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﺟﺪﻫﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻓﺎﺣﺘﻤﻠﻬﻢ ﻋﺎﻣﺎ ﻛﺎﻣﻼ‪ ،‬ﻋﻠﻖ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺔ اﻟﻌﺰ ﺗﻌﻠﻴﻘﺎ‬
‫أﺛﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﻌﺎ ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﲆ ﻣﻜﺔ ﻧﺎﻓﻊ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﺎرث اﻟﺨﺰاﻋﻲ ﻫﻮ ﻏري ﻗﺮﳾ ﻛﻤﺎ ﺗﺮ ‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫ﻋﲆ اﻟﻄﺎﺋﻒ ﺳﻔﻴﺎ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟﺜﻘﻔﻲ ﻫﻮ أﻳﻀﺎ ﻏري ﻗﺮﳾ‪ ،‬اﻟﻄﺎﺋﻒ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺛﻘﻴﻒ‪،‬‬
‫ﻋﲆ ﺻﻨﻌﺎء ﻳﻌﲆ ﺑﻦ ﻣﻨﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﻗﺮﺷﻴٍّﺎ ﺻﻠﻴﺒﺔ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﻠﻴﻒ ﻟﺒﻨﻲ ﻧﻮﻓﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ‬
‫ﻣﻨﺎ ‪ ،‬ﻋﲆ اﻟﺠﻨﺪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﻫﻮ ﻗﺮﳾ ﻣﻦ ﻣﺨﺰ ‪ ،‬ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ املﻐرية ﺑﻦ‬
‫ﺷﻌﺒﺔ ﻫﻮ ﺛﻘﻔﻲ‪ ،‬ﻋﲆ اﻟﺒﴫة أﺑﻮ ﻣﻮﳻ اﻷﺷﻌﺮ ﻟﻴﺲ ﻗﺮﺷﻴٍّﺎ ﻻ ﻣﴬﻳٍّﺎ ﻻ ﻋﺪﻧﺎﻧﻴٍّﺎ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﻤﻨﻲ‪ ،‬ﻋﲆ ﻣﴫ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻫﻮ ﻗﺮﳾ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺳﻬﻢ‪ ،‬ﻋﲆ ﺣﻤﺺ‬
‫ﻋﻤري ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﻫﻮ أﻧﺼﺎر ‪ ،‬ﻋﲆ دﻣﺸﻖ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎ ﻫﻮ ﻗﺮﳾ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ‬
‫أﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻋﲆ ﻓﻠﺴﻄني ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻘﻤﺔ ﻫﻮ ﻛﻨﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻋﲆ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻣﺎ اﻻﻫﺎ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻌﺎص اﻟﺜﻘﻔﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻜﺜﺮة ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺮ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﻢ اﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﺪ رﻫﻂ‬
‫ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻘﴫ ﻋﻤﺮ ﺗﻮﻟﻴﺘﻪ ﻋﲆ املﴬﻳﺔ ﻻ ﻋﲆ اﻟﻌﺪﻧﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﺧﺘﺎر ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺴﻦ إﺳﻼﻣﻬﻢ ﺛﺒﺘﺖ ﻟﻪ ﻛﻔﺎﻳﺘﻬﻢ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﺮاﻗﺒﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﰲ أﻣﻮر اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ إذ أﺛﺮﻫﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﻤﺎرس ﻣﻦ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ اﻟﻌﺰ ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺟﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ ﻋﲆ أﻣﺼﺎرﻫﻢ ﻻﻳﺎﺗﻬﻢ‪ ،‬ﺟﺪ اﻟﻮﺻﻴﺔ ﺑﺈﺑﻘﺎﺋﻬﻢ ﰲ‬
‫ﻣﻨﺎﺻﺒﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻔﻌﻞ ﻟﻢ ﻳﺒﺎﴍ ﺗﻮﻟﻴﺔ ﻻ ﻋﺰﻻ ﰲ اﻟﻌﺎ اﻷ ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺘﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﺑﺎﴍ ﻣﺎ‬
‫ﻋﺪا ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺷﺌﻮ اﻟﺴﻠﻄﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬أ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺑﻌﺪ اﻟﻘﻀﺎء ﰲ أﻣﺮ ﻋﺒﻴﺪ‬
‫ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ اﻟﻬﺮﻣﺰا ‪ ،‬ﺑﻌﺪ إﺻﺪار ﻣﺎ أﺻﺪر ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ إﱃ ﻋﻤﺎ اﻟﺼﻼة اﻟﺨﺮاج‬
‫اﻟﺤﺮب إﱃ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ املﺴﻠﻤني‪ ،‬زﻳﺎدﺗﻪ ﰲ أﻋﻄﻴﺎت اﻟﻨﺎس؛ ﻓﻘﺪ زاد اﻟﻨﺎس ﰲ أﻋﻄﻴﺎﺗﻬﻢ ﻣﺎﺋﺔ‬
‫ﻣﺎﺋﺔ؟ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﻃﺮأ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺐ ﻫﺬ اﻟﺰﻳﺎدة ﺑني ﻣﻮت ﻋﻤﺮ اﺳﺘﺨﻼﻓﻪ‪ ،‬أ ﰲ أﻳﺎ ﻻ‬
‫ﺗﻜﺎد ﺗﺒﻠﻎ اﻷﺳﺒﻮع‪ ،‬ﻓﻘﺪ أراد ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻬﺬ اﻟﺰﻳﺎدة إذ أ ﻳﺴﺘﻬﻞ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺑﺎﻟﺘﻮﺳﻌﺔ ﻋﲆ‬
‫اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻟﺴﺖ أدر أﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺬا أ ﻳﺤﻤﱢ ﻞ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻫﺬ اﻟﻨﻔﻘﺎت‬
‫ﻳﻘﺘﻄﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻹﻧﻔﺎ ﻋﲆ املﺮاﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ د أ ﻳﻄﺮأ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ إﱃ‬
‫رﻓﻊ اﻟﻌﻄﺎء‪ ،‬أ د أ ﻳﻄﺮأ ﻋﲆ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ إﱃ أ ﻳﻮﺳﻊ‬
‫ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻓﻀﻮﻟﻪ‪.‬‬

‫‪64‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ‬

‫أﻗﻞ ﻣﺎ ﺗﻮﺻﻒ ﺑﻪ ﻫﺬ اﻟﺰﻳﺎدة أ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻟﻮ ﻳﺴريا ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮا ﻋﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ‬

‫ﻋﻤﺮ ﰲ اﻹﺑﻘﺎء ﻋﲆ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﰲ أﻻ ﻳﻨﻔﻖ ﻣﻨﻪ إﻻ ﺑﻤﻘﺪار اﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ اﻹﻧﻔﺎ ‪ .‬ﻗﺪ ﻳﻜﻮ‬
‫ﰲ ﻫﺬ اﻟﺰﻳﺎدة ﻣﺎ ﻳﻜﺎد ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺄ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺮ ﺗﺸﺪدا ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺮ املﺎﻟﻴﺔ‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫ﻳﻨﻜﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﺸﺪد ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﺮ أ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﻊ اﻟﻨﺎس أﻛﺜﺮ‬
‫ﻣﻤﺎ ﺳﻌﻬﻢ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ؛ ﻓﻬﻮ ﻧﻘﺪ ﻏري ﻣﺒﺎﴍ ﻟﺴرية ﻋﻤﺮ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻟﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﻤﻲ اﻷﺷﻴﺎء ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﺎ ﻻ ﻧﻘﻮ إ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﻘ ﱠﺮب ﺑﻬﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‬
‫اﻟﺠﺪﻳﺪة إﱃ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﺗﻘﺮب إﻟﻴﻬﻢ ﻋﲆ ﺣﺴﺎﺑﻬﻢ؛ ﻓﺒﻴﺖ املﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻴﺖ ﻣﺎ‬
‫اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﺑﻴﺖ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‪ .‬اﺿﺢ ﺟﺪٍّا أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎ ز ﺣﻘﻪ ﰲ ذﻟﻚ‪،‬‬
‫ﻓﻤﺎ دا املﺴﻠﻤﻮ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻮا ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺤﻖ ﰲ أ ﻳﻔﺮض ﻟﻬﻢ اﻟﻌﻄﺎء‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮ ﻟﻪ‬
‫اﻟﺤﻖ ﰲ أ ﻳﻨﻘﺺ ﻫﺬا اﻟﻌﻄﺎء إ اﻗﺘﻀﺖ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻧﻘﺼﻪ‪ ،‬أ ﻳﺰﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﻌﻄﺎء‬
‫إ ﺟﺪ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ﺳﻌﺔ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻳﻀﺎ أ ﻫﺬ اﻟﺰﻳﺎدة ﻣﻦ اﻟﻌﻄﺎء ﻗﺪ‬
‫ﻓﺘﺤﺖ ﺑﺎﺑﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ إﱃ إﻏﻼﻗﻪ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ‪ ،‬ﻓﻤﺎ دا اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﻮﺳﻊ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﺘﻮﺳﻌﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﻻ ﺣﺪ ﻟﻬﺎ‪ .‬ﻫﻮ إذا ﺳﻊ ﻋﲆ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﻨﺎس اﻟﻴﻮ ﻓﻘﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ‬
‫ﻳﻮﺳﻊ ﻋﲆ ﺧﺎﺻﺘﻬﻢ ﻏﺪا‪ .‬ﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ أ ﻳﻨﺸﺄ اﻹﻳﺜﺎر ﺗﻜﻮ املﺤﺎﺑﺎة‪ ،‬ﻳﻨﺸﺄ ﰲ أﺛﺮﻫﻤﺎ‬
‫اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺘﺰاﺣﻢ اﻟﺘﻄﺎﻣﻊ إﱃ أﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﺳﺨﻴٍّﺎ ﺑﻤﺎﻟﻪ ﻳﻨﻔﻖ ﻣﻨﻪ‬
‫ﺑﻐري ﺣﺴﺎب ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬ﻳﻨﻔﻖ ﻣﻨﻪ ﺑﻐري ﺣﺴﺎب ﰲ ﺻﻠﺔ اﻟﺮﺣﻢ ﺑﺮ اﻷﺻﺪﻗﺎء‪ .‬ﻟﻴﺲ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﺮج ﻻ ﺟﻨﺎح‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﺛﻮاب ﷲ ﺣﺴﻦ ﺟﺰاﺋﻪ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺴﻊ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻄﺎءﻫﻢ ﻣﻦ ﺻﻠﺐ ﻣﺎﻟﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺰد‬
‫ﻋﻄﺎءﻫﻢ ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻴﻔﺘﺢ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﺑﺎ ﻳﻌﺮﻓﻮ ﻛﻴﻒ ﻳﺪﺧﻠﻮ ﻣﻨﻪ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮ ﻛﻴﻒ ﻳﺨﺮﺟﻮ ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻴﺲ ﺻﺤﻴﺤﺎ إذ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ ﻟﺰ ﺳرية ﻋﻤﺮ ﻟﺰ ﻣﺎ دﻗﻴﻘﺎ ﰲ اﻟﺼﺪر اﻷ ﻣﻦ‬
‫ﺧﻼﻓﺘﻪ؛ ﻓﻠﻴﺲ ﰲ زﻳﺎدة اﻟﻌﻄﺎء ﻓﺠﺎءة — ﻻ ﻟﴚء إﻻ ﻷﻧﻪ ﺗﻮﱃ اﻟﺨﻼﻓﺔ — ﻟﺰ ﺳرية‬
‫ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻃﺒﻴﻌﻲ أﻻ ﻳﻨﻜﺮ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ زﻳﺎدﺗﻪ ﰲ أﻋﻄﻴﺎﺗﻬﻢ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﺑ ﱠﺮﻫﻢ ﺑﻬﺬ اﻟﺰﻳﺎدة‬
‫ﺳﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ اﻟﺮز ‪ .‬اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﻜﺮﻫﻮ أ ﻳﺰاد ﺣﻈﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺨري‪ ،‬ﺑﻞ ﻃﺒﻴﻌﻲ أ‬
‫ﻳﺘﻨﻔﺲ اﻟﻨﺎس اﻟﺼﻌﺪاء ﺣني ﻳﺘﻮﱃ ﻋﺜﻤﺎ أﻣﻮرﻫﻢ ﻳﺒﺪأ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺑﺰﻳﺎدة اﻟﻌﻄﺎء‪ ،‬ﻓﻴﻌﻔﻴﻬﻢ‬
‫ﻣﻦ ﺷﺪة ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻳﺄﺧﺬﻫﻢ ﺑﺎﻟﺴﻌﺔ‪ ،‬ﻻ أﻗﻮ ﺑﻌﺪ اﻟﻀﻴﻖ — ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻀﻴﻖ ﻋﲆ‬
‫املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﻌﻄﺎء — إﻧﻤﺎ أﻗﻮ ﻳﺄﺧﺬﻫﻢ ﺑﺎﻟﺴﻌﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﺑﻌﺪ أ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﺄﺧﺬﻫﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﺴﻌﺔ املﻘﺘﺼﺪة‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﰲ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻫﺬ‬

‫‪65‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآ ‪ ﴿ :‬ﻻ ﺗﺠﻌﻞ ﻳﺪ ﻣﻐﻠﻮﻟﺔ إﱃ ٰ ﻋﻨﻘﻚ ﻻ ﺗﺒﺴﻄﻬﺎ ﻛ ﱠﻞ اﻟﺒﺴﻂ‬

‫ﻓﺘﻘﻌﺪ ﻣﻠﻮﻣﺎ ﻣﱠ ﺤﺴﻮرا﴾‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺰﻳﺎدة اﻟﻌﻄﺎء‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻓﺪ اﻷﻣﺼﺎر ﻷ ﻣﺮة ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮ‬
‫املﺆرﺧﻮ ‪ .‬ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أﻧﻪ دﻋﺎ اﻷﻣﺼﺎر إﱃ أ ﺗﻮﻓﺪ إﻟﻴﻪ ﻓﻮدﻫﺎ ﻟﻠﻌﻄﺎء اﻹﺟﺎزة‪ ،‬ﻓﻜﺎ‬
‫ﻫﺬا ﺗﻮﺳﻌﺎ ﰲ اﻹﻧﻔﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻌﻤﺪ إﻟﻴﻪ أ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻟﻠﻨﺎس‬
‫ﺧﺎﺻﺎ‪ :‬درﻫﻤﺎ درﻫﻤﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮ ﻣﻦ أﻳﺎ اﻟﺼﻮ ‪ ،‬ﻷز اج اﻟﻨﺒﻲ‬ ‫ٍّ‬ ‫ﻣﻦ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻋﻄﺎء‬
‫ﻓﻀﻞ ﻋﻤﺮ ذﻟﻚ ﻋﲆ‬ ‫ﱠ‬ ‫درﻫﻤني درﻫﻤني‪ ،‬ﻳﻮﺳﻌﻮ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻄﺎء ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﲆ ﻋﻴﺎﻟﻬﻢ‪،‬‬
‫إﻃﻌﺎ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ املﻮاﺋﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ؛ إذ رأ ﰲ ﺧﻄﺘﻪ ﺗﻠﻚ رﻋﺎﻳﺔ ﻟﻜﺮاﻣﺘﻬﻢ ﺗﻴﺴريا ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ‬
‫ﻳﺤﺒﻮ ﻣﻦ اﻟﱪ ﺑﻤﻦ ﻳﻌﻮﻟﻮ ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﺜﻤﺎ أﻗﺒﻞ ﺷﻬﺮ اﻟﺼﻮ أﺟﺮ اﻟﻌﻄﺎء‬
‫اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﺠﺮﻳﻪ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺪ املﻮاﺋﺪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻠﻄﺎرﺋني ذ اﻟﺤﺎﺟﺔ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻫﺬا إﻣﻌﺎ ﰲ اﻟﱪ اﻟﺮﻓﻖ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ أﻳﻀﺎ أ ﰲ ﻫﺬا‬
‫إﻃﻤﺎﻋﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﰲ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬إﻏﻮاء ﻟﻜﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺰﻳﺪ ﰲ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻬﺬ اﻷﻣﻮا ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻴﺲ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﻗﺎدرا ﻋﲆ أ ﻳﺘﻌﻔﻒ ﻓﻼ ﻳﻐﴙ املﻮاﺋﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ إﻻ ﺣني ﻻ ﻳﻜﻮ ﻟﻪ ﻣﻦ‬
‫ﻏﺸﻴﺎﻧﻬﺎ ﺑﺪ‪ ،‬ﺑﻞ إ ﻛﺜريا ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﻜﺮﻫﻮ أ ﻳﻀﻴﻔﻮا ﻋﻄﺎء اﻟﺼﻮ إﱃ ﻋﻄﺎﺋﻬﻢ‬
‫اﻟﻌﺎ ﺛﻢ ﻳﻐﺸﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ املﻮاﺋﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻴﻄﻌﻤﻮ ﻛﻤﺎ ﻳﻄﻌﻢ اﻟﻄﺎرﺋﻮ ذ اﻟﺤﺎﺟﺎت‪.‬‬
‫ﻛﻞ ﻫﺬا ﻛﺎ ﺗﻮﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﻳﻜﻮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺨري‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ‬
‫ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻳﺨﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻷﺧﻼ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬ﺛﻢ ﻫﻲ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﱃ ﳾء‬
‫ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﻈﻦ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻓﻤﻦ ذا اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﻨﻘﺎد ﻣﻦ أ‬
‫ﻳﻘﻮﻟﻮا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮا ﻟﻠﻨﺎس إ ﰲ ﻫﺬ اﻟﺘﻮﺳﻌﺔ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻹذاﻋﺔ ﻳﺘﺤﺒﺐ ﺑﻬﺎ‬
‫اﻹﻣﺎ إﱃ رﻋﻴﺘﻪ ﻟﻴﻜﺘﺴﺐ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺑﻬﺬا اﻟﺴﺨﺎء؟‬
‫ﻋﲆ أ ﺳﺨﺎء ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ؛ إذ ﻟﻢ ﺗﻜﺪ اﻷﻳﺎ ﺗﺘﻘﺪ ﺑﺨﻼﻓﺘﻪ ﺣﺘﻰ‬
‫أﺧﺬ ﻳﺼﻞ اﻷﻋﻼ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺎﻟﺼﻼت ﻓﻮ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻄﺎء املﻔﺮ ض‪.‬‬
‫ﻓﻬﻮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮ اﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻗﺪ ﺻﻞ اﻟﺰﺑري ﺑﻦ اﻟﻌﻮﱠا ﺑﺴﺘﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪ ،‬ﺻﻞ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻤﺎﺋﺘﻲ‬
‫أﻟﻒ ﻧﺰ ﻟﻪ ﻋﻦ دﻳﻦ ﻛﺎ ﻋﻨﺪ ‪ .‬ﻳﻘﻮ اﺑﻦ ﺳﻌﺪ إ اﻟﺰﺑري ﺣني ﻗﺒﺾ ﻫﺬ اﻟﺼﻠﺔ ﺟﻌﻞ‬
‫ﻳﺴﺄ ﻋﻦ ﺧري املﺎ ﻟﻴﺴﺘﻐﻞ ﺻﻠﺘﻪ‪ ،‬ﻓﺪ ﻋﲆ اﺗﺨﺎذ اﻟﺪ ر ﰲ اﻷﻣﺼﺎر اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﻣﻦ ﺗﺠﺎ ز ﺳرية ﻋﻤﺮ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫ﺧﺎﻟﻒ ﻋﻦ ﻫﺬ اﻟﺴرية ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ أﺷﺪ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﺧﻄﺮا‪ ،‬ﻓﺄذ ﻟﻜﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﰲ أ‬
‫ﻳﺘﻔﺮﻗﻮا ﰲ اﻷرض ﻳﺨﺮﺟﻮا ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎز ﻳﻠﻤﻮا ﺑﺎﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ ،‬ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﺤﺒﺴﻬﻢ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‬

‫‪66‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ‬

‫ﻳﺄﺑﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺨﺮ ج إﱃ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ إﻻ ﺑﺈذ ﺧﺎص ﻣﻨﻪ‪ .‬ﻛﺎ ﻳﻘﻮ إﻧﻪ اﻗﻒ ﻟﻘﺮﻳﺶ‬
‫ﺑﺸﻌﺎب اﻟﺤ ﱠﺮة ﻓﺂﺧﺬ ﺑﺤﺠﺰﻫﺎ ﻓﺤﺎﺋﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑني اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ .‬ﻓﻘﺪ أﻟﻐﻰ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﺠﺮ‪.‬‬
‫إذا زاد ﻋﺜﻤﺎ ﰲ اﻟﻌﻄﺎء‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺠﺎ ز ذﻟﻚ إﱃ اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻟﺼﻼت‪ ،‬ﺛﻢ أذ ﻷﺻﺤﺎب‬
‫ﻫﺬ اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻟﺼﻼت أ ﻳﺘﻔﺮﻗﻮا ﰲ اﻷرض ﻳﺘﺼﻠﻮا ﺑﺎﻟﺠﻨﺪ اﻟﻐﺎﻟﺒني ﺑﺎﻟﺮﻋﻴﺔ املﻐﻠﻮﺑني‪،‬‬
‫ﻓﺄ ﻏﺮاﺑﺔ ﰲ أ ﻳﻌﻈﻢ ﺛﺮاء ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻳﻜﺜﺮ أﺗﺒﺎﻋﻬﻢ أﺷﻴﺎﻋﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‬
‫أﺧﺮ ‪ ،‬ﻳﺼﺒﺢ ﻛﻞ اﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ رﺋﻴﺲ ﺣﺰب ﻣﻦ اﻷﺣﺰاب ﻳﺮا أﺣﻖ اﻟﻨﺎس ﺑﻮﻻﻳﺔ أﻣﻮر‬
‫املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻳﻨﺘﻬﺰ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻴﻤ ﱢﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﻻﻳﺔ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني؟‬
‫ﻣﺎ ﻋﴗ أ ﻳﻜﻮ ﻣﺼﺪر ﻫﺬا اﻻﻧﺤﺮا ﻋﻦ ﺳرية ﻋﻤﺮ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻌﺪ أ‬
‫اﻟﺘﺰﻣﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻛﺘﺒﻪ اﻟﺘﻲ ر ﻳﻨﺎﻫﺎ آﻧﻔﺎ؟ اﻟﴚء املﺤﻘﻖ ﻫﻮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺪﻫﻦ ﰲ دﻳﻨﻪ‪،‬‬
‫اﻟﴚء املﺤﻘﻖ أﻳﻀﺎ ﻫﻮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺮ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﺗﻠﻚ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺧﻄرية أ ﻏري ﺧﻄرية‬
‫ﻟﺴرية اﻟﺸﻴﺨني؛ ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻤﺪ اﻟﺠﻮر ﻻ املﺤﺎﺑﺎة‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺳﻊ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﻬﻢ‪،‬‬
‫رأ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻏﻨﻰ ﻓﺂﺛﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﻪ ﻟﻢ ﻳﻐﻞ ﰲ اﻻدﺧﺎر‪ .‬أ ﺣﺮج ﰲ أ ﻳﺼﻞ أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﺑﴚء ﻣﻦ ﻫﺬا املﺎ ﻗﻠﻴﻞ أ ﻛﺜري ﻫﻢ أﺋﻤﺔ اﻹﺳﻼ ﺑﻨﺎة اﻟﺪ ﻟﺔ أﺻﺤﺎب اﻟﺒﻼء‬
‫اﻟﺤﺴﻦ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻫﻢ ﻗﺪ اﺣﺘﻤﻠﻮا ﻣﻦ اﻟﺸﺪة اﻟﺤﺮﻣﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻛﺜريا‪ .‬ﻗﺪ ﺻﺪ ﷲ ﻋﺪ‬
‫أﻛﺜﺮ اﻟﺨري‪ ،‬ﻓﺄ اﻟﻨﺎس أﺣﻖ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ أ ﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﴚء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺨري‬
‫اﻟﻜﺜري؟!‬
‫ﻧﻌﻢ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺸ ﱠﻚ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﻋﻦ اﻟﺴﻨﺔ املﻮر ﺛﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺟﺮ ﻋﲆ ﻃﺒﻌﻪ‬
‫اﻟﺴﺨﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﺳﻊ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ ،‬ﺻﻞ أﺻﺤﺎب رﺳﻮ ﷲ ﻣﻦ‬
‫ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﰲ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺄﺛﻢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺨري اﻟﱪ املﻌﺮ ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﺮ اﻟﻨﺎس — ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ — ﺑﴚء ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺑﺄﺳﺎ‪ ،‬ﺧري ﺟﺎءﻫﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺮﻫﻮ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺮ ﱡد ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺮ ﺑﺄﺳﺎ ﺑﺄ ﻳﻮﺻﻞ اﻟﺴﺎﺑﻘﻮ اﻷ ﻟﻮ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‬
‫ذ املﻜﺎﻧﺔ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ .‬أﺣﺴﺐ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻮ ﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺎء‬
‫اﻟﺘﻮﺳﻌﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس إﺟﺰا اﻟﺼﻼت ﻟﻸﻋﻼ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ملﺎ أﻧﻜﺮ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﺷﻴﺌﺎ‪ .‬ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﴪ اﻟﺬ ﻳﻔﴪ ﻣﺎ ﻳﻘﻮ املﺆرﺧﻮ ﻣﺠﻤﻌني ﻋﻠﻴﻪ ﻏري ﻣﺨﺘﻠﻔني ﻓﻴﻪ ﻣﻦ‬
‫أ اﻟﺼﺪر اﻷ ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎ ﺻﺪر رﺿﺎ ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ‪ ،‬ﻣﻦ أ املﺴﻠﻤني أﺣﺒﻮا‬
‫ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻠﻴﻨﻬﺎ ﻳﴪﻫﺎ ﺳﺨﺎﺋﻬﺎ إﺳﻤﺎﺣﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ أﺣﺒﻮا ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺮ ﻟﺸﺪﺗﻬﺎ‬
‫ﻗﺴﻮﺗﻬﺎ ﺣﺰﻣﻬﺎ اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺼﱪ ﺣﻤﻞ اﻟﻨﻔﻮس ﻋﲆ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻄﻴﻖ‬
‫إﻻ ﺑﺎﻟﺠﻬﺪ اﻟﻌﻨﻒ اﻟﻌﻨﻴﻒ‪.‬‬

‫‪67‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻗﺪ ﻳﻜﻮ ﻣﻦ اﻟﺨري أ ﻧﺪع ﻋﺜﻤﺎ ﰲ اﻟﻌﺎ اﻷ أ ﰲ اﻷﻋﻮا اﻷ ﱃ ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺘﻪ‬

‫ﻳﺒﺎﴍ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﻫﺬ اﻟﻴﺴرية اﻟﺴﻤﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺒﺒﺘﻪ إﱃ اﻟﻨﺎس‪ ،‬أ ﻧﻨﻈﺮ إﱃ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺄﻟﻔﻬﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻬﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺮﻗﻴﻘﺔ اﻟﺮﻓﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻟﻨﺮ أﻛﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﻳﺘﺄﻟﻔﻮا‬
‫ﺑﻬﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ د أ ﻳﻨﺘﻬﻲ أﻣﺮﻫﻢ إﱃ اﻻﺧﺘﻼط اﻻﻧﺘﺸﺎر‪.‬‬

‫‪68‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس‬

‫ﺗﺤﺪﱠث اﻟﻄﱪ ﻋﻦ اﻟﴪ ﱢ ﻋﻦ ﺷﻌﻴﺐ ﻋﻦ ﺳﻴﻒ ﻋﻦ ﻋﻤﺎرة ﺑﻦ اﻟﻘﻌﻘﺎع ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ‬

‫اﻟﺒﴫ ﻗﺎ ‪» :‬ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﻗﺪ ﺣﺠﺮ ﻋﲆ أﻋﻼ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻟﺨﺮ ج‬
‫ﱠ‬
‫ﺳﻦ‬ ‫ﰲ اﻟﺒﻠﺪا إﻻ ﺑﺈذ أﺟﻞ‪ ،‬ﻓﺸﻜﻮ ‪ ،‬ﻓﺒﻠﻐﻪ ﻓﻘﺎ ﻓﻘﺎ ‪ :‬أﻻ إﻧﻲ ﻗﺪ ﺳﻨﻨﺖ اﻹﺳﻼ‬
‫اﻟﺒﻌري‪ ،‬ﻳﺒﺪأ ﻓﻴﻜﻮ ﺟﺬﻋﺎ ﺛﻢ ﺛﻨﻴٍّﺎ ﺛﻢ رﺑﺎﻋﻴٍّﺎ ﺛﻢ ﺳﺪﻳﺴﺎ ﺑﺎزﻻ‪ .‬أﻻ ﻓﻬﻞ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺑﺎﻟﺒﺎز إﻻ‬
‫اﻟﻨﻘﺼﺎ ؛ أﻻ ﻓﺈ اﻹﺳﻼ ﻗﺪ ﺑﺰ ‪ ،‬أﻻ إ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﺘﺨﺬ ا ﻣﺎ ﷲ ﻣﻌﻮﻧﺎت‬
‫ﺣﻲ ﻓﻼ؛ إﻧﻲ ﻗﺎﺋﻢ د ﺷﻌﺐ اﻟﺤ ﱠﺮة آﺧﺬ ﺑﺤﻼﻗﻴﻢ‬ ‫د ﻋﺒﺎد ‪ ،‬أﻻ ﻓﺄﻣﺎ اﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﱞ‬
‫ﻗﺮﻳﺶ ﺣﺠﺰﻫﺎ أ ﻳﺘﻬﺎﻓﺘﻮا ﰲ اﻟﻨﺎر‪«.‬‬
‫ﻗﺎ اﻟﻄﱪ ﻣﺘﺤﺪﺛﺎ ﻋﻦ اﻟﴪ ﻋﻦ ﺷﻌﻴﺐ ﻋﻦ ﺳﻴﻒ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻃﻠﺤﺔ ﻗﺎﻻ‪» :‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫ﱄ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺄﺧﺬﻫﻢ ﺑﺎﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﺄﺧﺬﻫﻢ ﺑﻪ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﺎﻧﺴﺎﺣﻮا ﰲ اﻟﺒﻼد‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ رأ ﻫﺎ رأ ا‬
‫اﻟﺪﻧﻴﺎ رآﻫﻢ اﻟﻨﺎس‪ ،‬اﻧﻘﻄﻊ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻃﻮ ﻻ ﻣﺰﻳﱠﺔ ﰲ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻣﻐﻤﻮرا ﰲ‬
‫اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺻﺎر ا أ زاﻋﺎ إﻟﻴﻬﻢ أﻣﻠﻮﻫﻢ ﺗﻘﺪﻣﻮا ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻳﻤﻠﻜﻮ ﻓﻨﻜﻮ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻨﺎﻫﻢ‬
‫ﻫﻦ دﺧﻞ ﻋﲆ اﻹﺳﻼ أ ﻓﺘﻨﺔ‬ ‫ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﰲ اﻟﺘﻘﺮب اﻻﻧﻘﻄﺎع إﻟﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ذﻟﻚ أ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻴﺲ إﻻ ذﻟﻚ‪«.‬‬
‫ﺗﺤﺪث اﻟﻄﱪ أﻳﻀﺎ ﻋﻦ اﻟﴪ ﻋﻦ ﺷﻌﻴﺐ ﻋﻦ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻗﺎﻻ‪:‬‬
‫»ﻟﻢ ﻳﻤﺖ ﻋﻤﺮ رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻣ ﱠﻠﺘﻪ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻗﺪ ﻛﺎ ﺣﴫﻫﻢ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻓﺎﻣﺘﻨﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪،‬‬
‫ﻗﺎ ‪ :‬إ أﺧﻮ ﻣﺎ أﺧﺎ ﻋﲆ ﻫﺬ اﻷﻣﺔ اﻧﺘﺸﺎرﻛﻢ ﰲ اﻟﺒﻼد‪ .‬ﻓﺈ ﻛﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻴﺴﺘﺄذﻧﻪ‬
‫ﰲ اﻟﻐﺰ ﻫﻮ ﻣﻤﻦ ﺣﺒﺲ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ — ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﺑﻐريﻫﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ‬
‫ﻣﻜﺔ — ﻓﻴﻘﻮ ‪ :‬ﻗﺪ ﻛﺎ ﻟﻚ ﰲ ﻏﺰ ﻣﻊ رﺳﻮ ﷲ ﷺ ﻣﺎ ﻳﺒ ﱢﻠﻐﻚ‪ ،‬ﺧري ﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻐﺰ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺧﲆ ﻋﻨﻬﻢ ﻓﺎﺿﻄﺮﺑﻮا ﰲ اﻟﺒﻼد اﻧﻘﻄﻊ‬ ‫ﱠ‬ ‫اﻟﻴﻮ أﻻ ﺗﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﺗﺮا ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﱄ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫إﻟﻴﻬﻢ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻜﺎ أﺣﺐ إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ‪1 «.‬‬

‫ﻓﻨﺮﻳﺪ أ ﻧﺒﺪأ ﻣﻦ رﻋﻴﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻘﺮﻳﺶ‪ ،‬أ ﻧﱰﺟﻢ إﱃ ﻟﻐﺘﻨﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﺎ ر ﻣﻦ‬
‫ﺳرية ﻋﻤﺮ ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻓﻌﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﺨﻒ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻣﻦ أﺣﺪ ﻛﻤﺎ ﺧﺎﻓﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺨﻒ اﻟﻔﺘﻨﺔ‬
‫ﻋﲆ أﺣﺪ ﻛﻤﺎ ﺧﺎﻓﻬﺎ ﻋﲆ ﻗﺮﻳﺶ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﻌﺮ ﻫﺬا اﻟﺤﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﺣﻖ املﻌﺮﻓﺔ‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫ﻳﻌﺮ ﺑﻨﻮع ﺧﺎص ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﻘﻮة اﻟﻘﻮﻳﺔ ﻓﻴﻪ ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻌﺮ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﻀﻌﻒ اﻟﻀﻌﻴﻒ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺶ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻤﺮ ﻗﺒﻞ أ ﺗﺪﻋﻰ إﱃ اﻹﺳﻼ ﻣﻤﺘﺎزة ﺑﺎﻟﻘﻮة اﻟﻀﻌﻒ‬
‫ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮﺗﻬﺎ ﺗﺄﺗﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺣﻮ اﻟﺒﻴﺖ‪ ،‬اﺳﺘﺌﺜﺎرﻫﺎ ﺑﻤﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ ﺗﻘﻴﻤﻬﺎ‬
‫ﻟﻠﻌﺮب ﺗﺘﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺗﺮ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻣﺘﻴﺎزا ﻻ ﻳﺸﺎرﻛﻬﺎ‬
‫ﻓﻴﻪ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس؛ ﻓﻬﻲ ﺗﺰﻋﻢ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻣﺘﻔﻮﻗﺔ‪ .‬ﻗﺪ اﻋﱰ ﻟﻬﺎ اﻟﻌﺮب‬
‫ﺑﻬﺬ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﰲ ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ‪ ،‬ﻻ ﻟﺘﻔﻮﻗﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺮب ﻻ ﻟﺘﺴﻠﻄﻬﺎ ﺑﻘﻮة اﻟﺴﻴﻒ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ‬
‫ﻗﺮﻳﺶ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﺤﺎرﺑﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻻﺳﺘﺌﺜﺎرﻫﺎ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻣﺘﻴﺎزﻫﺎ ﰲ اﻟﺠﻠﻴﻞ اﻟﺨﻄري ﻣﻨﻪ‪ .‬ﺛﻢ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻮة ﺗﺄﺗﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﺎرﺗﻬﺎ اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮﻗﺖ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺗﺠﺎرة ﰲ اﻟﻌﺮب أ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺴﻠﻄﺖ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺗﺠﺎرة ﰲ اﻟﻌﺮب‪ .‬أﺗﺎح ﻟﻬﺎ ذﻟﻚ أﻣﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺮ اﺳﺘﻘﺮارﻫﺎ ﺣﻮ اﻟﺒﻴﺖ‪،‬‬
‫ﻣﻨﺤﻬﺎ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺎء اﻟﺪﻫﺎء ﻧﻔﺎذ اﻟﺒﺼرية ﺑﻌﺪ اﻟﻬﻤﺔ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﻐريﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ‬
‫اﻟﻌﺮب ﻻ ﻧﺴﺘﺜﻨﻲ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﺛﻘﻴﻔﺎ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﺻﻠﺔ ﺑني اﻟﴩ اﻟﺒﻌﻴﺪ اﻟﴩ اﻟﻘﺮﻳﺐ‬
‫ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﺻﻠﺔ ﺑني اﻟﴩ اﻟﻐﺮب‪ ،‬أ ﻗﻞ ﺑني اﻟﺮ اﻟﻬﻨﺪ‪ .‬ﻗﺪ أﻓﺎدت‬
‫ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎﻻ ﻛﺜريا‪ ،‬أﻓﺎدت ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ أﻓﺎدت ﻣﻦ املﺎ ‪ .‬ﻋﻠﻤﺘﻬﺎ ﻛﺜﺮة املﺎ‬
‫اﻟﺤﺮص ﺣﺴﻦ املﺤﺎﻓﻈﺔ دﻗﺔ اﻟﺘﺪﺑري اﻟﱪاﻋﺔ ﰲ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر‪ ،‬ﻋﻠﻤﺘﻬﺎ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ املﺘﺼﻠﺔ‬
‫ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻷﻣﻢ املﺨﺘﻠﻔﺔ زﻳﺎرة اﻷﻗﻄﺎر اﻟﻨﺎﺋﻴﺔ ﻣﻬﺎرة ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ املﺸﻜﻼت اﻟﻨﻔﻮذ ﻣﻨﻬﺎ‬
‫اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﺎﻫﺮة ﻣﺎﻛﺮة أﻣﻜﺮ اﻟﻌﺮب أﻣﻬﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﻏري ﺷﻚ‪.‬‬
‫ﻗﺪ دﻓﻌﻬﺎ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ إﱃ ﺑﻌﺪ اﻟﻬﻤﺔ اﻣﺘﺪاد أﺳﺒﺎب اﻟﻄﻤﻊ إﱃ ﻏري ﺣﺪ‪ ،‬اﻟﺼﱪ ﻋﲆ‬
‫املﻜﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬اﻟﺴﺨﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب ﺣﺘﻰ ﺗﺬﻟﻠﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻞ دﻓﻌﻬﺎ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ إﱃ ﻣﺎ ﻫﻮ‬
‫أﺷﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺧﻄﺮا‪ ،‬ﻫﻮ ازدراء اﻟﻘﻴﻢ املﻘﺮرة‪ ،‬اﻻﺳﺘﻬﺰاء ﺑﻤﺎ ﺗﻮاﺿﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ‪ ،‬اﺳﺘﺒﺎﺣﺔ ﻛﻞ ﳾء ﰲ ﺳﺒﻴﻞ املﻨﻔﻌﺔ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ اﻟﺒﻌﻴﺪة‪ ،‬ﺳﻌﺔ اﻟﺤﻴﻠﺔ‬

‫‪ 1‬ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻄﱪ ﰲ أﺣﺪاث ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺲ ﺛﻼﺛني‪.‬‬

‫‪70‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس‬

‫اﻟﺘﻲ أﺗﺎﺣﺖ ﻟﻬﺎ أ ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻠﻌﺮب أﻣﻴﻨﺔ ﻋﲆ اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﰲ ﳾء‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ‬
‫اﻟﺴﺎدة ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻋﲆ أﻗﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻳﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﲆ أﻧﻪ ﺳﻴﻠﺔ ﻻ ﻏﺎﻳﺔ‪ ،‬إﱃ ﻫﺬ‬
‫اﻷ ﺛﺎ املﻨﺼﻮﺑﺔ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ أﺳﺒﺎب ﻟﻜﺴﺐ اﻟﺮز ﺑﺴﻂ اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻻ أﻛﺜﺮ ﻻ أﻗﻞ‪ .‬ﻛﺎ‬
‫اﻟﺴﻴﺪ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ رﺟﻼ أﺛﺮا ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻄﻤﻊ ﺑﻌﻴﺪ اﻟﻬﻢ ﻋﻈﻴﻢ املﻜﺮ داﻫﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻠﻤﺎ ﺣﺰﺑﺘﻪ‬
‫املﺸﻜﻼت ﻋﺮ ﻛﻴﻒ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺎ ﺣﺰب ﻣﻦ اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﻛﻴﻒ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻪ ﺳﺎملﺎ ﻣﻌﺎﰱ ﻣﻮﻓﻮرا‪.‬‬
‫ﻋﺮ ﻋﻤﺮ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﰲ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أ ﺗﺨﺪﻋﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ‬
‫إﻗﺒﺎﻟﻬﺎ ﻋﲆ اﻹﺳﻼ إذﻋﺎﻧﻬﺎ ﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻪ أ ﻳﻐ ﱢريا رأﻳﻪ ﻓﻴﻬﺎ‪ .‬ﻫﻮ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬا آﺛﺮ اﻻﺣﺘﻴﺎط‬
‫ﻛﻞ اﻻﺣﺘﻴﺎط ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻠﻦ ﻟﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﻓﻖ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺨﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑني ﻃﻤﻌﻬﺎ‬
‫اﻟﺸﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻫﻤﱢ ﻬﺎ اﻟﺒﻌﻴﺪ اﻋﺘﺪادﻫﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ازدراﺋﻬﺎ ﻟﻐريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪.‬‬
‫ﻟﻌﻞ ﻋﻤﺮ أ ﻳﻜﻮ ﻗﺪ ﻋﺮ ﻟﻠﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻣﺎ ﻋﺮ ﻟﻬﻢ رﺳﻮ ﷲ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻞ‪،‬‬
‫ﻓﺄﻧﺰﻟﻬﻢ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ‪ ،‬اﺧﺘﺼﻬﻢ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ ﻋﻨﺎﻳﺘﻪ رﻋﺎﻳﺘﻪ؛ ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﺪﻓﻌﻪ إﱃ‬
‫اﻻﻃﻤﺌﻨﺎ اﻟﻬﺪ ء اﻟﺘﺨﻠﻴﺔ ﺑني ﻫﺆﻻء املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺑني ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﻳﺪ ﺣني اﺳﺘﺨﻠﻒ‬
‫ﻋﲆ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻟﻴﺲ أد ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺳريﺗﻪ ﻫﺬ ﰲ ﻗﺮﻳﺶ ﻗﻴﺎﻣﻪ ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺐ‬
‫اﻟﺤﺮة آﺧﺬا ﺑﺤﻼﻗﻴﻤﻬﺎ ﺣﺠﺰﻫﺎ أ ﺗﺘﻬﺎﻓﺖ ﰲ اﻟﻨﺎر‪ ،‬ﻗﻮﻟﻪ ملﻦ ﻛﺎ ﻳﺴﺘﺄذﻧﻪ ﰲ اﻟﻐﺰ‬
‫ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪» :‬ﻟﻘﺪ ﻛﺎ ﻟﻚ ﰲ ﻏﺰ ﻣﻊ رﺳﻮ ﷲ ﻣﺎ ﻳﺒﻠﻐﻚ‪ ،‬ﺧري ﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻐﺰ أﻻ‬
‫ﺗﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﺗﺮا ‪ «.‬رﺑﻤﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ أد اﻟﺪﻻﺋﻞ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ ﺷﺪﺗﻪ ﻋﲆ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ‬
‫اﻟﻮﻟﻴﺪ رﺣﻤﻪ ﷲ ﻋﺰﻟﻪ إﻳﺎ ﻣﺮاﻗﺒﺘﻪ ﻟﻪ‪ ،‬ﻣﻊ ﻣﺎ أﺑﲆ ﺧﺎﻟﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻼء اﻟﺤﺴﻦ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫أﻳﺎ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﰲ ﺣﺮب اﻟﻌﺮب اﻟﺮ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺬا ﻣﺼﺪر إﻻ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﻘﺮﻳﺶ ﺳﻮء‬
‫ﻇﻨﻪ ﺑﺤﺴﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ملﺎ أﺑﻴﺢ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻮة‪ ،‬ﺑﺤﺴﻦ اﻧﺘﺼﺎرﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻓﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺿﻌﻒ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻲ ﺻﻮرﻧﺎﻫﺎ ﻣﺼﺪر ﺿﻌﻒ ﻟﻘﺮﻳﺶ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻓﻌﻬﺎ‬
‫إﱃ أ ﺗﻐﺎﱄ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻓﺘﺘﻮرط ﰲ اﻟﻜﱪﻳﺎء‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻓﻌﻬﺎ إﱃ ﺣﺐ املﺎ اﻟﺤﺮص‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺘﺘﻌﺮض ﻷﺧﺬ ﺑﻐري ﺣﻘﻪ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻓﻌﻬﺎ إﱃ إﻳﺜﺎر أﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨري ﻓﺘﺘﻌﺮض‬
‫ﻟﻼﻧﻬﺰا أﻣﺎ املﻨﺎﻓﻊ اﻟﻌﺎﺟﻠﺔ أﻣﺎ اﻟﻠﺬات اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻹﺛﻢ أﺣﻴﺎﻧﺎ‪ .‬ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﺗﺪﻓﻌﻬﺎ إﱃ اﻟﻄﻤﻊ اﻟﺬ ﻻ ﺣﺪ ﻟﻪ ﻓﺘﻌ ﱢﺮﺿﻬﺎ ﻟﺘﺠﺎ ز اﻟﺤﺪ اﻟﻄﻤﻮح إﱃ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ‬
‫اﻟﻄﻤﻮح إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺮﺿﻬﺎ ﻟﻠﻈﻠﻢ اﻻﺳﺘﻌﻼء‪ .‬إذا أﺷﻔﻖ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس‬
‫إﱃ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻃﺎﻟﺖ ﺻﺤﺒﺘﻬﻢ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﺣﺴﻦ ﺑﻼؤﻫﻢ ﰲ املﻮاﻃﻦ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄﺣﺮ أ‬
‫ﻳﺸﻔﻖ ﻣﻨﻪ ﺑﻞ أ ﻳﺸﻔﻖ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ ﻣﻦ أﺳﻠﻢ ﺑﺄﺧﺮة ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻴﻮخ اﻟﻔﺘﻴﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﻠﻤﻮا ﻋﻦ رﻏﺒﺔ ﻻ ﻋﻦ رﺿﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﺳﻠﻤﻮا إﻣﺎ ﻃﻤﻌﺎ‬

‫‪71‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺣني ﺗﺒﻴﻨﻮا أ ﻛﻔﺔ اﻹﺳﻼ راﺟﺤﺔ‪ ،‬إﻣﺎ ﻗﻬﺮا ﺣني دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻜﺔ ﻣﻦ أﻗﻄﺎرﻫﺎ‪.‬‬
‫أ ﻟﺌﻚ ﻫﺆﻻء ﻟﻢ ﻳﻨﻈﺮ ا إﱃ اﻹﺳﻼ ﻋﲆ أﻧﻪ دﻳﻦ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻘﻠﻮب اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ‪ ،‬ﺗﺮﻋﻰ ﻓﻴﻪ‬
‫ﺣﺮﻣﺎت ﷲ ﺣﻘﻮﻗﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻧﻈﺮ ا إﻟﻴﻪ ﻋﲆ أﻧﻪ ﺻﻔﻘﺔ ﺧﻄرية ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻔﻘﺎت اﻟﺘﻲ‬
‫ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺒﺎﴍ ﻧﻬﺎ‪ ،‬ﻣﻐﺎﻣﺮة ﺟﺮﻳﺌﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﻐﺎﻣﺮات اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻐﺎﻣﺮ ﻧﻬﺎ داﺧﻞ ﺑﻼد‬
‫اﻟﻌﺮب ﺧﺎرﺟﻬﺎ‪ .‬ﻗﺪ ذﻛﺮ ا ﺣني أﺳﻠﻤﻮا أ ﺣني ﻫﻤﻮا ﺑﺎﻹﺳﻼ أ اﻟﻨﺒﻲ ﻛﺎ ﻗﺪ ﻋﺪ‬
‫ﻗﺮﻳﺸﺎ ﺣني دﻋﺎﻫﺎ إﱃ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻠﻚ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﻦ ﺛﻮاب اﻵﺧﺮة‪ ،‬ﻓﻔﻜﺮ ا ﺟﻤﻴﻌﺎ ﰲ‬
‫ﻣﻠﻚ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﰲ ﺛﻮاب اﻵﺧﺮة‪ ،‬دﻓﻌﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﻜري إﱃ أ ﻳﺴﻠﻤﻮا‪ ،‬ﺛﻢ إﱃ أ‬
‫ﻳﺤﺘﻤﻠﻮا ﻣﻦ أﺛﻘﺎ اﻟﺠﻬﺎد اﻟﻔﺘﺢ ﻣﺎ اﺣﺘﻤﻞ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ اﺣﺘﻤﻞ ﻏريﻫﻢ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪.‬‬
‫أراد ﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻦ ﻧﻴﺔ ﺻﺎدﻗﺔ أ ﻏري ﺻﺎدﻗﺔ أ ﻳﻌﻮﺿﻮا ﺑﺤﺴﻦ اﻟﺒﻼء ﰲ اﻟﻔﺘﻮح‬
‫ﻣﺎ ﻓﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ﻏﺰ اﺗﻪ‪ .‬ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺒﻄﺌﻮا ﺣني دﻓﻌﺖ‬
‫اﻟﻌﺮب إﱃ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻧﻔﺮ ا ﺧﻔﺎﻓﺎ ﺛﻘﺎﻻ‪ ،‬ﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪ ﻋﺮض اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﻢ‬
‫ﻳﺮﻳﺪ اﻵﺧﺮة‪ .‬ﻛﺎ زﻋﻤﺎؤﻫﻢ ﺳﺎدﺗﻬﻢ ﻳﺤﺴﻮ أﻧﻬﻢ اﻟﻄﻠﻘﺎء‪ ،‬أﻧﻬﻢ أﻗﻞ درﺟﺔ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮا إﱃ اﻹﺳﻼ أﺑﻠﻮا ﻓﻴﻪ ﺑﻼء ﺣﺴﻨﺎ؛ ﻓﻜﺎ ذﻟﻚ ﻳﻐﻴﻈﻬﻢ ﻳﺤﻔﻈﻬﻢ ﻳﺸﻌﺮﻫﻢ‬
‫ﺑﴚء ﻳﺸﺒﻪ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﺗﻌﻘﻴﺪ اﻟﻨﻘﺺ أ ﻣﺮﻛﺐ اﻟﻨﻘﺺ‪ .‬ﺛﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺮﻓﻮ رأ ﻋﻤﺮ ﺧﺎﺻﺔ‬
‫ﻓﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ذﻟﻚ ﻳﻐﻴﻈﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻳﺪﻋﻮﻫﻢ إﱃ أ ﻳﺤﺴﻨﻮا اﻟﺒﻼء ﰲ اﻟﺠﻬﺎد‪ ،‬ﻟﻴﻈﻬﺮ ا‬
‫ﻟﻌﻤﺮ أ رأﻳﻪ ﻓﻴﻬﻢ ﺟﺎﺋﺮ ﻋﻦ اﻟﻘﺼﺪ‪ ،‬ﻟﻴﻈﻬﺮ ا ذﻟﻚ ﻟﻠﻨﺎس‪ ،‬ﻟﻴﻈﻬﺮ ا ذﻟﻚ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻗﺒﻞ‬
‫أ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬
‫ﻫﺬا ﻫﻮ ﺗﺄ ﻳﻞ ﻣﺎ ر ﻣﻦ أ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ أﺗﻰ ﺑﻌﻜﺮﻣﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺟﻬﻞ‪ ،‬ﻗﺪ‬
‫ﴏع ﰲ ﻳﻮ ﻣﻦ أﻳﺎ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻓﻮﺿﻊ رأﺳﻪ ﻋﲆ ﻓﺨﺬ ﺟﻌﻞ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﻳﻘﻮ ‪» :‬زﻋﻢ اﺑﻦ‬
‫ﺣﻨﺘﻤﺔ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﺸﻬﺪ‪ «.‬اﺑﻦ ﺣﻨﺘﻤﺔ ﻫﻮ ﻋﻤﺮ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻋﻤﺮ إذ ﻳﺴﻮس ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ﻋﲆ ﻋﻠﻢ ﺑﺪﺧﺎﺋﻞ ﻧﻔﻮﺳﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻌﺪ‬
‫ﻫﻤﱢ ﻬﺎ ﺣﺮﺻﻬﺎ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻤﺴﺎ ﺑﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻮﺻﻮ إﱃ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺧﺎﺿﺖ‬
‫إﻟﻴﻪ اﻟﻐﻤﺮات ﺧﻮﺿﺎ‪ » .‬ﻗﺪ ر أ اﻟﻨﺒﻲ رﺧﺺ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ﰲ ﻟﺒﺲ اﻟﺤﺮﻳﺮ‬
‫ﻟﺤ ﱠﻜﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻘﺒﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ذات ﻳﻮ ﻋﲆ ﻋﻤﺮ ﻣﻌﻪ ﻓﺘﻰ ﻣﻦ ﺑﻨﻴﻪ ﻗﺪ ﻟﺒﺲ ﻗﻤﻴﺼﺎ‬
‫ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺮ‪ ،‬ﻓﻴﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﻋﻤﺮ ﺛﻢ ﻳﻘﻮ ‪ :‬ﻣﺎ ﻫﺬا؟ ﺛﻢ ﻳﺪﺧﻞ ﻳﺪ ﰲ ﺟﻴﺐ اﻟﻘﻤﻴﺺ ﻓﻴﺸﻘﻪ إﱃ‬
‫أﺳﻔﻠﻪ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ :‬أﻟﻢ ﺗﻌﻠﻢ أ رﺳﻮ ﷲ ﷺ ﻗﺪ رﺧﺺ ﱄ ﰲ ﻟﺒﺲ اﻟﺤﺮﻳﺮ؟ ﻗﺎ‬
‫ﻋﻤﺮ‪ :‬ﺑﲆ! ﻟﺸﻜﻮ ﺷﻜﻮﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ ﻟﺒﻨﻴﻚ ﻓﻼ‪«.‬‬

‫‪72‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس‬

‫ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﺸﻔﻖ ﻋﲆ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ أ ﻳﺘﻮﺳﻌﻮا ﻓﻴﻤﺎ رﺧﺺ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻪ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻳﺸﻔﻖ ﻋﲆ ﻏري املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ أ ﻳﺘﻮﺳﻌﻮا ﺣﺘﻰ ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﺧﺺ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺒﻲ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻗﺎ ﻋﻤﺮ د ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻳﺄﺑﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻏﺰ اﻟﺒﺤﺮ إﺷﻔﺎﻗﺎ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﻫﻮﻟﻪ‪ .‬أﻛﱪ‬
‫اﻟﻈﻦ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﺮ ﻏﺰ اﻟﺒﺤﺮ ﻫﺬا اﻟﺬ ﻛﺎ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻳﻠﺢ ﻓﻴﻪ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻣﻦ ﻫﺬ املﻐﺎﻣﺮات‬
‫اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﱰدد ﻗﺮﻳﺶ ﰲ رﻛﻮﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﺮ أ اﻟﺤﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني أ ﻳﺠﻨﺒﻬﻢ ﻣﻐﺎﻣﺮات‬
‫ﻓﺘﻴﺎ ﻗﺮﻳﺶ‪ .‬ﻗﺪ ﻗﺪﱠﻣﺖ أ ﺧﻼﻓﺔ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ أﺗﺎﺣﺖ ﻟﻘﺮﻳﺶ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ ﺟﺪﻳﺪة‬
‫ﻋﻮﺿﺘﻬﺎ ﻣﻦ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺘﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﺸﻔﻖ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻳﴬب‬
‫ﻟﻬﺎ اﻟﺤﺪ د‪ ،‬ﻳﺄﺑﻰ أ ﺗﻨﺪﻓﻊ إﱃ ﻏري ﻣﺪ ‪.‬‬
‫ﻫﺆﻻء ﺑﻌﺾ اﻟﺮﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺑﺘﲇ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻮﻻﻳﺔ أﻣﺮﻫﺎ‪ .‬ﻛﺎ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﺴﻠﻚ إﺣﺪ‬
‫ﺳﺒﻴﻠني ﻻ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻟﻬﻤﺎ‪ :‬ﻓﺈﻣﺎ أ ﻳﺸﺘﺪ ﻛﻤﺎ اﺷﺘﺪ ﻋﻤﺮ ﻓﻴﻤﺴﻚ زﻋﻤﺎء املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪،‬‬
‫ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻌﺎﻣﺔ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻬﺎ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﻈﻦ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻳﻘﻒ ﻓﺘﻴﺎ ﻗﺮﻳﺶ‬
‫ﻛﻬﻮﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻘﻔﻬﻢ ﻋﻤﺮ ﻋﻨﺪ ﺣﺪ د ﻻ ﻳﺘﻌﺪ ﻧﻬﺎ‪ ،‬ﻳﺠﻌﻞ أﻣﻮر اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻮﻻﻳﺔ ﻛﻤﺎ‬
‫ﻛﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻋﻤﺮ ﺷﺎﺋﻌﺔ ﺑني اﻟﻌﺮب ﺑﻞ ﺑني املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻻ ﻳﻨﻬﺾ ﺑﻬﺎ ﻣﻨﻬﻢ إﻻ اﻟﻘﺎدر‬
‫ﻋﲆ اﺣﺘﻤﺎ أﻋﺒﺎﺋﻬﺎ‪ ،‬إﻣﺎ أ ﻳﻠني ﻓﻴﺨﲇ ﺑني ﻗﺮﻳﺶ ﺑني اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﻤﴤ ﻓﻴﻬﺎ إﱃ ﻏري‬
‫ﻏﺎﻳﺔ‪ ،‬ﻻ ﺣﺪ ﻟﻄﻤﻌﻬﺎ ﻻ ﻟﺠﺸﻌﻬﺎ ﻻ ملﻐﺎﻣﺮاﺗﻬﺎ ﻻ ﻹﻳﺜﺎرﻫﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨري‪ .‬ﺳﻨﺮ أ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ اﺧﺘﺎر اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ راﺿﻴﺎ ﻋﻨﻬﺎ أ ﻣﻜﺮﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ رﻋﻴﺔ ﻋﺜﻤﺎ اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﰲ اﻹﺳﻼ ﻣﻌﺮ ‪ ،‬ﺛﻨﺎء ﷲ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ اﻟﻘﺮآ ﻣﺤﻔﻮظ‪ ،‬أﻣﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺮﻋﺎﻳﺘﻬﻢ ﻣﻮر ث‪ .‬ﻗﺪ رأﻳﺖ أ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻗﺪ ﴏﻓﺖ‬
‫ﻋﻨﻬﻢ ﺣني ر أﺑﻮ ﺑﻜﺮ أ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﰲ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬أ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻗﺎ ﻟﻬﻢ‪ :‬ﻧﺤﻦ اﻷﻣﺮاء أﻧﺘﻢ‬
‫اﻟﻮزراء‪ ،‬ﻗﺪ ﻛﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻳﺴﺘﺸريﻫﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﺘﺸري ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻛﺎ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻳﺴﺘﺸريﻫﻢ ﻛﺬﻟﻚ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻘﴫ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ اﺳﺘﺸﺎرﺗﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﺋﻤﺔ اﻟﺜﻼﺛﺔ إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا‬
‫ﻳﺴﺘﺸري أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻨﺎﺷﺌﻮ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﻢ ﺧﻄﺮ‬
‫ﻳﺬﻛﺮ أﻳﺎ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻗﺪ أﺧﺬ ا ﻳﻌﻘﻠﻮ أﻧﻔﺴﻬﻢ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﻋﺮﻓﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺣﻖ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ‬
‫أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ — ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﻢ ﺷﺄ ﻳﻤﻴﺰﻫﻢ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻗﺪ ﺳﻦ ﻋﻤﺮ ﰲ ﺗﻮﻟﻴﺔ‬
‫اﻟﻮﻻة اﺳﺘﻌﻤﺎ اﻟﻌﻤﺎ أﻻ ﻳﻠﺘﻤﺴﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﻗﺮﻳﺶ ﺣﺪﻫﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﻠﺘﻤﺴﻬﻢ ﰲ اﻟﻌﺮب ﻛﺎﻓﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ ﻟﻮ ﻋﺎش أ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻦ أﺑﻨﺎ اﻷﻧﺼﺎر أﻧﻬﻢ ﻛﻐريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻻ ﺗﻘﴫ اﻟﺪ ﻟﺔ ﺑﻬﻢ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﺣﻘﻬﻢ‪ ،‬ﻋﻦ ﺣﻘﻬﻢ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺔ اﻟﺤﻜﻢ ﺧﺎﺻﺔ‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺷﻚ ﰲ أ ﺷﻴﻮخ اﻷﻧﺼﺎر ذ املﻜﺎﻧﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻗﺪ أﺧﻠﺼﻮا اﻟﺮﺿﺎ ﺑﺮأ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺑﺴرية‬

‫‪73‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ اﻷﻧﺼﺎر اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻨﻬﻢ ﺧﺎﺻﺔ ﻗﺪ ﺿﺎﻗﻮا ﺑﻬﺬ‬

‫اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة‪ ،‬ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﴐﺑﻮا ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻋﲆ اﻹﺳﻼ ﰲ ﺑﺪر‪ ،‬ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ‬
‫دﺧﻠﻮا ﻣﻊ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻣﻜﺔ ﻣﻦ أﻗﻄﺎرﻫﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﻌﺰﻳﻬﻢ ﻋﻦ ﻫﺬا أ ﻋﻤﺮ ﻛﺎ ﻳﺸﺘﺪ ﻋﲆ‬
‫ﻗﺮﻳﺶ ﻻ ﻳﺆﺛﺮﻫﺎ ﺑﴚء ﻣﻦ د املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻣﻮﻗﻒ اﻷﻧﺼﺎر ﺑﻌﺪ أ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫رﻫﻴﻨﺎ ﺑﺴرية اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﰲ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻓﺈ ﺳﺎر ﻓﻴﻬﺎ ﺳرية ﻋﻤﺮ ﻧﺎ اﻷﻧﺼﺎر ﺣﻈﻬﻢ ﻣﻦ ﺷﺌﻮ‬
‫اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺎﻟﻪ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ املﺴﻠﻤني‪ ،‬إ آﺛﺮﻫﻢ ﺣﺎﺑﺎﻫﻢ ﻋﺮ اﻷﻧﺼﺎر أﻧﻬﻢ‬
‫اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺠﺎﻣﺤﺔ املﺴﺘﺄﺛﺮة‪ ،‬أ ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻜﺎ املﻐﻠﻮﺑني ﻻ ﻣﻜﺎ اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﻳﺸﺎرﻛﻮﻧﻬﻢ ﰲ ﻏري اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﴍﻛﺔ ﺳﻮاء‪ .‬ﺳﱰ أ ﻋﺜﻤﺎ آﺛﺮ ﻗﺮﻳﺸﺎ راﺿﻴﺎ أ‬
‫ﻛﺎرﻫﺎ‪ ،‬أ إﻳﺜﺎر ﻟﻘﺮﻳﺶ ﻗﻊ ﻣﻦ ﻧﻔﻮس اﻷﻧﺼﺎر ﻣﻮﻗﻌﺎ أﻟﻴﻤﺎ ﻛﺎ ﻟﻪ أﺛﺮ اﻟﺨﻄري ﰲ‬
‫اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻓﻴﻤﺎ اﺳﺘﺘﺒﻌﺘﻪ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﰲ رﻋﻴﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﻌﺮب‪ ،‬أ ﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ أﺳﻠﻤﻮا ﻃﻮﻋﺎ أ ﻛﺮﻫﺎ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫دﻓﻌﻬﻢ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ إﱃ اﻟﻔﺘﺢ ﻓﺒﻠﻐﻮا ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻮا‪ ،‬ﺛﻢ اﺳﺘﻘﺮ ا ﰲ أﻣﺼﺎرﻫﻢ ﺛﻐﻮرﻫﻢ‬
‫ردءا ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻳﺬ د ﻋﻨﻬﻢ اﻟﻌﺪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﺟﻨﺪا ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻳﻔﺘﺤﻮ ﻋﻠﻴﻬﻢ أرض‬
‫اﻟﻌﺪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ ،‬ﻫﺆﻻء اﻟﻌﺮب ﻗﺪ ﻋﺪﻫﻢ اﻹﺳﻼ املﺴﺎ اة اﻟﺘﺎﻣﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻻ ﻓﻀﻞ‬
‫ﻷﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﲆ آﺧﺮ إﻻ ﺑﺎﻟﺘﻘﻮ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء‪.‬‬
‫ﻫﻢ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻣﺎدة اﻹﺳﻼ ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﻘﻮ ‪ ،‬ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﺘﺤﻮا اﻷرض‪ ،‬أذﻟﻮا‬
‫اﻟﻌﺪ ‪ ،‬ﻧﴩ ا دﻳﻦ ﷲ ﰲ اﻵﻓﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻬﻢ ﺑﻬﺬا ﻛﻠﻪ اﻟﺤﻖ ﰲ أﻻ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻣﻦ د ﻧﻬﻢ‬
‫أﺣﺪ‪ .‬ﺛﻢ ﻫﻢ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﺣﺪﻳﺜﻮ ﻋﻬﺪ ﺑﺎﻹﺳﻼ ﻗﺮﻳﺒﻮ ﻋﻬﺪ ﺑﺎﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻨﺴﻮا ﻣﺎ‬
‫ﻛﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﺼﻮﻣﺔ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﺗﻔﺎﺧﺮ ﺗﻜﺎﺛﺮ ﺑﺎﻷﺣﺴﺎب اﻷﻧﺴﺎب‪ ،‬ﻗﺪ أﺿﺎﻓﻮا إﱃ‬
‫ﻣﻔﺎﺧﺮﻫﻢ اﻟﺘﻲ ﺣﻔﻈﻮﻫﺎ ﻋﻦ ﺟﺎﻫﻠﻴﺘﻬﻢ ﻣﻔﺎﺧﺮ ﺟﺪﻳﺪة أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﻄﺮا أرﻓﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺄﻧﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ املﻼﺋﻤﺔ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺴﻴﻬﻢ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﻢ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ أ ﻻ‪ ،‬ﺗﻨﺸﺌﻬﻢ‬
‫ﺗﻨﺸﺌﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﺛﺎﻧﻴﺎ‪ ،‬ﺗﺼﺪ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻋﺪﻫﻢ ﷲ ﻣﻦ املﺴﺎ اة ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﻌﺪ‬
‫ﻓﻴﻬﻢ‪ .‬ﻗﺪ ﺳﻠﻚ ﻋﻤﺮ ﻫﺬ اﻟﻄﺮ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻣﺎ ﺳﻌﺘﻪ ﻣﻘﺎ ﻣﺘﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﺧﺎ‬
‫اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺬﻛﺮ ﻣﺂﺛﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﺸﺌﻮ ﻳﺘﻨﺎﺷﺪ ‪ ،‬ﺟﻌﻞ ﰲ‬
‫اﻷﻣﺼﺎر ﻣﻌﻠﻤني ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻘﺮﺋﻮ أﻫﻠﻬﺎ اﻟﻘﺮآ ﻳﺒﴫ ﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ ﻳﻔﻘﻬﻮﻧﻬﻢ‬
‫ﰲ اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻳﻨﺸﺌﻮﻧﻬﻢ ﻫﺬ اﻟﺘﻨﺸﺌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ‪ .‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻤﻴﺰ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻋﲆ‬
‫ﻓﺮﻳﻖ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺆﺛﺮ ﺑﺄﻣﻮر اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﺣﻴٍّﺎ د ﺣﻲ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﺷﺎع ﻓﻴﻬﻢ املﺴﺎ اة اﻟﻌﺪ‬
‫اﻟﺤﺎز ‪ ،‬اﺧﺘﺎر ﻻﺗﻪ ﻣﻦ ﻣﴬ رﺑﻴﻌﺔ اﻟﻴﻤﻦ‪ ،‬راﻗﺐ ﻫﺆﻻء اﻟﻮﻻة ﺟﻤﻴﻌﺎ أﺷﺪ املﺮاﻗﺒﺔ‪.‬‬

‫‪74‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس‬

‫ﻗﺪ رأﻳﺖ ﻓﻴﻤﺎ ر ﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﻋﺜﻤﺎ أﻧﻪ ﻗﺪ أﺧﺬ ﻧﻔﺴﻪ ﻻﺗﻪ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻜﺘﺐ ﺑﺴرية ﻋﻤﺮ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻨﻚ ﺳﱰ أ ﺻﻴﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﺈﻗﺮار اﻟﻌﻤﺎ ﻋﲆ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻋﺎﻣﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﺗﺒﻠﻎ أﺟﻠﻬﺎ ﺣﺘﻰ‬
‫أﻗﺒﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ ﺳﻴﺎﺳﺔ أﺧﺮ راﺿﻴﺎ ﻋﻨﻬﺎ أ ﻣﻜﺮﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬إذا ﻗﺮﻳﺶ ﺗﻤﻴﺰ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب‬
‫ﺗﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﺗﺴﺘﺄﺛﺮ ﻣﻦ د ﻧﻬﻢ ﺑﺄﺟ ﱢﻞ اﻷﻣﺼﺎر ﺧﻄﺮا أرﻓﻊ املﻨﺎﺻﺐ ﺷﺄﻧﺎ‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ رﻋﻴﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﻢ ﻫﺆﻻء املﻐﻠﻮﺑﻮ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﺖ ﻋﲆ‬
‫املﺴﻠﻤني‪ .‬اﻟﺴﻨﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﻢ ﻣﻌﺮ ﻓﺔ‪ ،‬ﻫﻲ أ ﻳﺆﺧﺬ ا ﺑﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ‪،‬‬
‫ﻓﺈ أد ﻓﻠﻬﻢ ﻣﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻗﺪ ﻋﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬ اﻟﺴرية أﺧﺬ‬
‫ﻧﻔﺴﻪ ﻻﺗﻪ ﺑﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ر ﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺒﻪ آﻧﻔﺎ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻷﻫﻞ اﻟﺬﻣﺔ ﺷﺄ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﻼ ‪ ،‬ﻻ ﻷ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‬
‫املﺮﺳﻮﻣﺔ ﻗﺪ اﺗﺒﻌﺖ ﻓﻴﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﻬﺎ اﻧﺤﺮا ‪ ،‬ﺑﻞ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻐﻠﻮﺑني ﻟﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﻬﻢ‬
‫ﺑﻌﺪ أ ﻳﺸﺎرﻛﻮا ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ذات ﺧﻄﺮ‪ ،‬إﻻ ﻓﻘﺪ ﻧﺤﺐ أ ﻧﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﻛﺎ ﺑني‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻣﻦ اﻟﺤﻮار ذات ﻳﻮ ﺣني ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻌﻤﺮ ‪» :‬ﻗﺪ د ﱠرت ﺗﻠﻚ‬
‫اﻟﻠﻘﺎح ﺑﻌﺪ ﻳﺎ ﻋﻤﺮ ‪ «.‬ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﻋﻤﺮ ‪» :‬ﻧﻌﻢ ﻫﻠﻜﺖ ﻓﺼﺎﻟﻬﺎ‪ «.‬ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ إﻻ‬
‫ﻣﻌﻨﻰ اﺣﺪ ﻫﻮ أ ﺧﺮاج ﻣﴫ ﻗﺪ ﻋﺎد إﱃ ﺑﻴﺖ املﺎ أﻳﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺎ‬
‫ﻳﻌﻮد ﺑﻪ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص‪ ،‬ﻫﺬا ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬أ زﻳﺎدة اﻟﺪﺧﻞ ﻫﺬ ﻟﻢ ﺗﺄت‬
‫إﻻ ﻋﻦ إرﻫﺎ املﻌﺎﻫﺪﻳﻦ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺬﻣﺔ أﻳﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح‪ ،‬ﻫﺬا ﻣﺎ أراد إﻟﻴﻪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ‬
‫اﻟﻌﺎص‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻣﺨﺮج إﻻ إﺣﺪ اﺛﻨﺘني‪ :‬اﻷ ﱃ أ ﻳﻜﻮ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻗﺪ ﻛﺎ‬
‫ﻳﺤﺘﺠﺰ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺮاج د ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ .‬اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أ اﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻛﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ‬
‫املﻌﺎﻫﺪﻳﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ‪ .‬ﻛﻼ اﻷﻣﺮﻳﻦ ﴍ‪ .‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﻘﻒ اﻷﻣﺮ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﻫﺬ‬
‫اﻟﺤﺪ د اﻟﺘﻲ رﺳﻤﻨﺎﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﺷﺪﻳﺪا ﻋﲆ ﻗﺮﻳﺶ ﻛﻠﻬﺎ ﻳﺴﻮ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑني اﻟﻌﺮب ﻻ‬
‫ﻳﻤﻴﺰﻫﺎ ﻣﻨﻬﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﻤﻴﺰ ﺣﻴٍّﺎ ﻣﻦ أﺣﻴﺎﺋﻬﺎ ﻋﲆ ﻏري ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻬﺬ‬
‫املﺴﺎ اة‪ ،‬ﻓﺂﺛﺮ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻣﻦ د اﻟﻌﺮب ﻋﻦ ﻋﻤﺪ أ ﻏري ﻋﻤﺪ‪ .‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أ ﻳﺴﻮ ﺑني‬
‫ﻗﺮﻳﺶ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺂﺛﺮ ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻓﺮﻳﻖ راﺿﻴﺎ ﺑﺬﻟﻚ أ ﻛﺎرﻫﺎ ﻟﻪ‪ .‬ﻳﻘﺎ إ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ‬
‫ﺧﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻹﻳﺜﺎر‪ ،‬ﻓﺘﻘ ﱠﺪ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ إ ﱄ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني ﰲ أﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ‬
‫ﺑﻨﻲ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ ﻋﲆ رﻗﺎب اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﺗﻘﺪ إﱃ ﻋﲇ إ ﱄ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني ﰲ أﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﺑﻨﻲ‬
‫ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﻋﲆ رﻗﺎب اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻌﻤﺮ‪ ،‬ﻓﺤﻤﻞ‬
‫ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ آ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ ﻋﲆ رﻗﺎب اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻚ‪ .‬ﻗﻴﻞ‪ :‬إ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﺣني ﱄ‬
‫اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺠﺐ ﻟﻌﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻮﱄ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﻪ اﻟﻌﺒﺎس‪ ،‬اﻟﺒﴫة ﻣﻜﺔ اﻟﻴﻤﻦ‪ ،‬ﺣﺘﻰ‬

‫‪75‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻗﺎ ﻣﺎﻟﻚ اﻷﺷﱰ‪ :‬ﻓﻔﻴﻢ ﻗﺘﻠﻨﺎ اﻟﺸﻴﺦ إذ ! ﻟﻜﻨﻲ ﻋﲆ ذﻟﻚ أﻓﺮ أﺷﺪ اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ ﺑني ﻣﺎ ﺻﻨﻊ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺎ ﺻﻨﻊ ﻋﲇﱞ؛ ﻓﻘﺪ ﻻ ﻋﲇ ﱞ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أﻣﺮ اﻟﻮﻻة‪ ،‬ﻓﺎﺣﺘﺞ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺄ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ‬
‫ﱃ املﻐرية ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬املﻐرية ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎ ‪ ،‬ﺑﺄ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻘﺎ ﻟﻪ ﻋﲇ‪ :‬إ ﻋﻤﺮ ﻛﺎ ﻳﺮاﻗﺐ ﻻﺗﻪ ﻳﺨﻴﻔﻬﻢ‪ ،‬إ ﻻﺗﻚ ﻳﺴﺘﺒﺪ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻣﻦ د ﻧﻚ‪،‬‬
‫ﻳﺼﺪر اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮﻧﻪ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﻼ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻟﻪ ﺗﻐﻴريا‪ .‬ﻓﺴرية ﻋﲇ ﻣﻊ‬
‫ﻻﺗﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﻪ ﻫﻲ ﺳرية ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻛﺎ ﺷﺪﻳﺪا ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺮاﻗﺒﺎ ﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻻ ﻳﺘﺤﺮج ﻣﻦ ﻋﺰﻟﻬﻢ‬
‫إ ﻗﴫ ا أ اﻧﺤﺮﻓﻮا د أ ﻳﻜﺮﻫﻪ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻌﺰ أﺣﺪ‪ ،‬ﻋﲆ ﺣني ﻟﻢ ﻳﻌﺰ ﻋﺜﻤﺎ اﻟﻴﺎ‬
‫ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ آ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ إﻻ ﺣني أﻛﺮﻫﺘﻪ اﻷﻣﺼﺎر ﻋﲆ ذﻟﻚ إﻛﺮاﻫﺎ‪.‬‬
‫ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ رﻋﻴﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﻲ رﻋﻴﺔ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﺗﺘﻐري إﻻ ﻗﻠﻴﻼ‬
‫ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺪ اﻟﺰﻣﻦ ﺑﻌﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺮ ﻫﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻠﺢ‬
‫ﻟﻀﺒﻂ ﻫﺬ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﺗﺪﺑري أﻣﺮﻫﺎ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺠﺎدة‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ اﻟﻨﺎس ﻛﻠﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮ أ ﻳﺴري ا ﺳرية ﻋﻤﺮ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﻛﺒﻮا ﻛﻤﺎ رﻛﺐ‪،‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ أﺗﻴﺢ ﻟﻌﻤﺮ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﺸﺪة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺮ ﻫﻮادة ﰲ اﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻻ ﺗﺄﺧﺬﻫﺎ‬
‫ﰲ اﻟﻌﺪ املﺴﺎ اة ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ‪ .‬ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻌﺮ ذﻟﻚ ﺣﻖ املﻌﺮﻓﺔ! ﻓﻜﺎ ﻣﺮة‬
‫ﻳﻘﻮ ملﺤﺪﺛﻴﻪ إذا ﺣﴬ ا ﻃﻌﺎﻣﻪ اﻟﻠني‪ :‬ﻣﻦ ذا ﻳﻄﻴﻖ ﻣﺎ أﻃﺎ ﻋﻤﺮ! ﻛﺎ ﻣﺮة ﻳﻘﻮ‬
‫ﻟﻼﺋﻤﻴﻪ ﰲ ﺻﻠﺔ رﺣﻤﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ :‬ﻣﻦ ﻟﻨﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﺮة أﺧﺮ ﻳﻘﻮ ﻟﻌﺎﺋﺒﻴﻪ‬
‫ﻣﻦ ﻓﻮ ﻣﻨﱪ اﻟﻨﺒﻲ‪ :‬ﻟﻘﺪ ﻃﺌﻜﻢ اﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﺑﺮﺟﻠﻪ ﴐﺑﻜﻢ ﺑﻴﺪ ﻗﻤﻌﻜﻢ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ‪،‬‬
‫ﻓﺨﻔﺘﻤﻮ رﺿﻴﺘﻢ ﻣﻨﻪ ﺑﻤﺎ ﻻ ﺗﺮﺿﻮ ﻣﻨﻲ؛ ﻷﻧﻲ ﻛﻔﻔﺖ ﻋﻨﻜﻢ ﻳﺪ ﻟﺴﺎﻧﻲ‪ .‬ﻓﻬﻨﺎ ﻓﺮ‬
‫ﺧﻄري ﺑني اﻟﺮﺟﻠني ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ املﺰاج ﰲ اﻟﺴﻦ أﻳﻀﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﺮ أ ﻫﺬ اﻟﻔﺮ‬
‫ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﺪﻫﺎ ﻣﺼﺪر اﻟﴩ اﻟﻔﺮﻗﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻟﻠﴩ اﻟﻔﺮﻗﺔ ﻣﺼﺎدر أﺧﺮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻟﻬﺎ ﺗﻐﻴريا‪ .‬ﺳﻨﺮ ﺑﻌﺾ ﻫﺬ املﺼﺎدر ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻨﺴﺘﺄﻧﻒ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ‪.‬‬

‫‪76‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ‬

‫ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻨﻔﻖ اﻟﻌﺎ اﻷ ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻳﺨﺮج ﻣﻤﺎ اﻟﺘﺰ ﻣﻦ ﺻﻴﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﺈﻗﺮار‬
‫اﻟﻌﻤﺎ ﻋﺎﻣﺎ ﻋﲆ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺑﺎﴍ ﺳﻠﻄﺘﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﰲ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ اﻟﻌﺰ ‪ .‬ﻛﺎ ﰲ‬
‫ﻣﺒﺎﴍﺗﻪ ﻟﻬﺬ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﳾء ﻣﻦ اﻟﻌﺠﻠﺔ‪ ،‬ﻛﺜري ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻧﺎة‪ .‬ﻓﻬﻮ أ ﻻ ﻟﻢ ﻳﻠﻖ ﺑﺎﻻ‬
‫إﱃ اﻟﻌﻤﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﻬﻀﻮ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺧﻄﺮ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ أ‬
‫إدارة أ ﺣﺮب‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﺮ ﻋﻤﺎ ﻋﻤﺮ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻮﻻﻳﺎت‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻐري ﻣﻨﻬﻢ إﻻ ﻗﻠﻴﻼ ﺣني‬
‫دﻋﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺘﻐﻴري‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺤﺘﻔﻞ ﻟﻬﺬا اﻟﺘﻐﻴري ﻛﺜري اﺣﺘﻔﺎ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺳﺎرت ﻓﻴﻪ‬
‫ﺳرية ﻫﻴﻨﺔ ﺳﻮاء‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﻻﻳﺎت ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ اﺧﺘﻼﻓﺎ ﺷﺪﻳﺪا؛ ﻟﺒﻌﻀﻬﺎ ﺧﻄﺮ‬
‫ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻹدارة اﻟﺤﺮب‪ ،‬ﻫﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﺖ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني‪ ،‬اﻗﺘﻄﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺮ ﻏﻠﺐ اﻟﻔﺮس ﻋﲆ ﺳﺎﺋﺮﻫﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﺨﻄرية أرﺑﻌﺎ‪ :‬اﻟﺸﺎ ﻣﴫ‬
‫اﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﺒﴫة‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ أﻣﺎ ﻛﻞ اﺣﺪة ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﻮﻻﻳﺎت ﺛﻐﻮر ﻳﺠﺐ أ ﺗﺤﻤﻰ‪ ،‬دار‬
‫ﺣﺮب ﻳﺠﺐ أ ﻳﻤﻌﻦ ﻓﻴﻬﺎ املﺴﻠﻤﻮ ؛ ﻓﻜﺎ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻼد اﻟﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ أﻣﺎ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫اﻟﺒﺤﺮ ﺷﻤﺎ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺑﺈزاء ﻣﴫ‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﺎ ﻓﺘﺢ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻔﺮس أﻣﺎ‬
‫املﴫﻳﻦ اﻟﻌﺮاﻗﻴني‪ :‬اﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﺒﴫة‪.‬‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻷرﺑﻊ ﻣﻮﻃﻦ اﻟﻘﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻨﺪ املﻘﻴﻤﻮ ‪ ،‬ﺑﺈزاﺋﻬﺎ‬
‫اﻟﺜﻐﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺠﻨﺪ املﺤﺎرﺑﻮ ‪ .‬ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ اﻟﻮﻻﻳﺎت‬
‫اﻷرﺑﻊ ﻣﺼﺪر ﺛﺮاء املﺴﻠﻤني؛ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻀﺎرة املﺴﺘﻘﺮة املﱰﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻴﻬﺎ اﻷرض اﻟﺨﺼﺒﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﻐ ﱡﻞ ﻣﺎ ﺷﺎء ﷲ أ ﺗﻐ ﱠﻞ ﻣﻦ اﻟﺜﻤﺮات‪ ،‬ﺗﺆﺗﻲ ﻣﺎ ﺷﺎء ﷲ أ ﺗﺆﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﺮاج‪ ،‬ﻓﻴﻬﺎ‬
‫املﻌﺎﻫﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆد اﻟﺠﺰﻳﺔ‪ .‬ﺛﻢ ﻫﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺟﻮ اﻟﻔﺘﺢ ﻣﺼﺎدر ‪ ،‬إﻟﻴﻬﺎ ﺗﺠﻠﺐ‬
‫اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﻐﻨﻤﻬﺎ اﻟﻔﺎﺗﺤﻮ ﰲ ﻛﻞ ﻋﺎ ‪ ،‬ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺮﺳﻞ اﻷﺧﻤﺎس إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﺎ‬
‫اﻟﻌﺮب ﻣﺎدة اﻹﺳﻼ ﻣﺼﺪر ﻗﻮﺗﻪ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ اﻟﻮﻻﻳﺎت ﻣﺎدة اﻹﺳﻼ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻣﺼﺪر ﻗﻮﺗﻪ املﺎﻟﻴﺔ‪ .‬ﻓﻼ ﻏﺮاﺑﺔ ﰲ أ ﻳﻌﻨﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻻ ﺗﻘﺎس إﻟﻴﻬﺎ‬
‫ﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﺑﻐريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺮ اﻻﻣﺘﻴﺎز ارﺗﻔﺎع اﻟﺸﺄ ﻣﺎ ﻛﺎ‬
‫ﻟﻬﺬ اﻟﻮﻻﻳﺎت‪ .‬ﻓﻤﻜﺔ اﻟﻄﺎﺋﻒ اﻟﻴﻤﻦ ﻻﻳﺎت ﻟﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﻗﺪرﻫﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻮاﺟﻪ‬
‫ﺛﻐﻮرا ﻟﻠﺤﺮب‪ ،‬ﻻ ﺗﻐ ﱡﻞ ﻛﺜريا ﻣﻦ ﻣﺎ ‪ ،‬ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﻘﻮة اﻷﻳﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺰ ﺑﻬﺎ‬
‫اﻟﺪ ﻟﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻟﻬﺎ ﺧﻄﺮﻫﺎ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻗﺒﻞ أ ﺗﻔﺘﺢ ﺣني ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺠ ﱡﺪ ﰲ إﺧﻀﺎع ﺑﻼد اﻟﻌﺮب‬
‫ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻺﺳﻼ ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ اﻓﺘﺘﺤﺖ ﻋﺒﺪ ﷲ ﻓﻴﻬﺎ أﻣﻦ اﻹﺳﻼ ﴍﻫﺎ‪ ،‬أﺻﺒﺤﺖ ﻻﻳﺎت ﺛﺎﻧﻮﻳﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻠﻒ املﺴﻠﻤﻮ ﰲ ﻓﺘﺤﻬﺎ ﺗﻤﺼريﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻧﻔﺲ‬
‫اﻷﻣﻮا اﻟﺠﻬﻮد ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﺎس إﻟﻴﻪ ﻣﺎ ﺗﻜﻠﻔﻮا ﰲ ﻓﺘﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷ ﱃ‪.‬‬
‫ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻧﺮ املﺴﻠﻤني إذا أراد ا أ ﻳﺨﺮﺟﻮا ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ ا ﰲ‬
‫اﻟﺬﻫﺎب إﱃ ﻣﻜﺔ أ اﻟﻄﺎﺋﻒ أ اﻟﻴﻤﻦ‪ ،‬أ ﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ أﻛﺜﺮﻫﻢ ﰲ اﻟﺬﻫﺎب إﱃ ﻫﺬ اﻟﺒﻼد‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﻓﻜﺮ ا ﰲ اﻟﺬﻫﺎب إﱃ اﻟﻌﺮا أ اﻟﺸﺎ أ ﻣﴫ؛ ﰲ ﻫﺬ اﻟﺒﻼد ﻛﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﻮ ﻣﻨﻬﻢ‬
‫ﻳﻠﺘﻤﺴﻮ ﺛﻮاب اﻵﺧﺮة ﺑﺎﻟﺘﺰا اﻟﺜﻐﻮر اﻹﻣﻌﺎ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻛﺎ املﻜﺘﺴﺒﻮ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺒﺘﻐﻮ‬
‫ﻋﺮض اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻳﺘﺎﺟﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺘﺎﺟﺮ‪ ،‬ﻳﺰارع ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺰارع‪ ،‬ﻳﺘﻘﻠﺒﻮ ﰲ ﴐ ب‬
‫اﻟﻜﺴﺐ اﻟﻐﻨﻰ ﻋﲆ اﺧﺘﻼﻓﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻣﺎت ﻋﻤﺮ ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ املﻐرية ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ اﻟﺜﻘﻔﻲ‪ ،‬ﻋﲆ اﻟﺒﴫة أﺑﻮ ﻣﻮﳻ‬
‫اﻷﺷﻌﺮ ؛ ﻓﺄﻗﺮﻫﻤﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺎﻣﻪ اﻷ ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ اﻧﻘﴣ ﻫﺬا اﻟﻌﺎ ﻋﺰ املﻐرية ﻋﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ‬
‫ﱃ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص اﻟﺰﻫﺮ ﻋﻦ ﺻﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ اﻟﺬ ﺗﻘ ﱠﺪ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ‬
‫ﺑﻌﺪ إ أﺧﻄﺄت اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺳﻌﺪا أ ﻳﺴﺘﻌني ﺑﻪ‪ ،‬ﻗﺎﺋﻼ‪ :‬إﻧﻲ ﻟﻢ أﻋﺰﻟﻪ ﻋﻦ ﺧﻴﺎﻧﺔ‪ .‬ﻟﻜﻦ‬
‫ﺳﻌﺪا ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ إﻻ ﻋﺎﻣﺎ ﺑﻌﺾ ﻋﺎ ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ ﻋﺰﻟﻪ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺗﺤﺪﱠث املﺆرﺧﻮ ﺑﺄ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ اﺿﻄﺮ إﱃ ﻋﺰ ﺳﻌﺪ اﺿﻄﺮارا؛ ﺣﺪث ﺑﻴﻨﻪ‬
‫ﺑني ﺻﺎﺣﺐ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﺧﻼ أﻏﻀﺐ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻓﻬ ﱠﻢ‬
‫ﺑﻬﻤﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻛﻒ ﻋﻨﻬﻤﺎ اﻛﺘﻔﻰ ﺑﻌﺰ ﺳﻌﺪ‪.‬‬
‫ﺣﻘﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻗﻴﻞ‪ :‬إ ﺳﻌﺪا اﻗﱰض ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ‬ ‫ﻛﺎ أﺻﻞ ﻫﺬا اﻟﺨﻼ ﻏﺮﻳﺒﺎ ٍّ‬
‫أﻋﻄﻰ ﺑﻪ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﺻ ٍّﻜﺎ‪ ،‬ﻓﻄﻠﺐ إﻟﻴﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد أ ﻳﺆد دﻳﻨﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺘﻴﴪ ﻫﺬا‬
‫املﺎ ﻟﺴﻌﺪ‪ ،‬ﻓﻄﻠﺐ اﻟﻨﻈﺮة إﱃ ﻣﻴﴪة‪ ،‬أﺑﻰ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ ،‬اﺳﺘﻌﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻠني ﻋﲆ‬
‫ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ :‬ﻳﺮﻳﺪ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد أ ﻳﺴﺘﻌني ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻪ ﻋﲆ ﺳﻌﺪ ﻟﻴﺆد‬
‫دﻳﻨﻪ‪ ،‬ﻳﺮﻳﺪ ﺳﻌﺪ أ ﻳﺴﺘﻌني ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻪ ﻋﲆ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻟﻴﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﻴﴪة‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻠﺘﻘﻲ‬

‫‪78‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ‬

‫اﻟﺮﺟﻼ ﻣﻊ ﻛﻞ اﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻓﻴﺘﻼﺣﻴﺎ ‪ ،‬ﻳﻬﻢ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮ اﻟﺮ اة‪ ،‬أ‬
‫ﻳﺪﻋﻮ ﻋﲆ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ ،‬ﻓﻴﺠﺰع اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﻮﱄ ﻣﴪﻋﺎ؛ ﻟﻌﻠﻤﻪ ﺑﺄ اﻟﻨﺒﻲ ﻛﺎ‬
‫ﻗﺪ دﻋﺎ ﷲ أ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﺴﻌﺪ ﻛﻠﻤﺎ دﻋﺎ ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﺮ اة‪ :‬إ ﺳﻌﺪا رﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﻗﺎ ‪ :‬اﻟﻠﻬﻢ رب‬
‫اﻟﺴﻤﻮات اﻷرض‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻟﻪ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ :‬ﻳﻠﻚ! ﻗﻞ ﺧريا‪ .‬ﺛﻢ ﱃ ﻣﴪﻋﺎ‪ .‬ارﺗﻔﻊ اﻷﻣﺮ إﱃ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻐﻀﺐ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻫ ﱠﻢ ﺑﻬﻤﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻛﻒ‪ ،‬ﻋﺰ ﺳﻌﺪا أﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﻠﻴﻪ‪،‬‬
‫ﺗﺮ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻋﲆ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬أرﺳﻞ إﱃ اﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﻴﺎ ﺟﺪﻳﺪا‪.‬‬
‫اﻟﺮ اة ﻣﺘﻔﻘﻮ ﻋﲆ ﻫﺬ اﻟﻘﺼﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻲ أﻗﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺘﺤﻔﻆ اﻟﺸﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻓﻔﻴﻬﺎ‬
‫أﻣﻮر ﺗﺪﻋﻮ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻔﻆ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻘﺪ ﻋﻤﺮ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ أ ﻳﻮﱄ ﺳﻌﺪا ﻗﺎ إﻧﻪ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻌﺰﻟﻪ ﻋﻦ ﺧﻴﺎﻧﺔ‪ .‬أﻳﴪ ﻣﺎ ﺗﺼﻮر ﻟﻨﺎ ﻫﺬ اﻟﻘﺼﺔ أ ﺳﻌﺪا ﻗﺪ اﻗﱰض ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ‬
‫ﺛﻢ اﻟﺘﻮ ﺑﺪﻳﻨﻪ أ ﻣﺎﻃﻞ ﰲ أداﺋﻪ‪ .‬ﻣﺎ ﻫﻜﺬا ﻳﻜﻮ ﻣﻦ اﺧﺘﺎر ﻋﻤﺮ ﻟﻠﺸﻮر رﺷﺤﻪ‬
‫ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﺗﻘ ﱠﺪ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ إ ﴏﻓﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻦ ﺳﻌﺪ أ ﻳﺴﺘﻌني ﺑﻪ‪ .‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﻌﺮ أﺣﺪ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ أﻧﻪ أﻣﺮ أ ﻧﻬﻰ ﻟﻴﺆﺛﺮ أﺣﺪا ﺑﺨري ﻣﻦ د اﻟﻨﺎس‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻣﺮ ﻧﻬﻰ‬
‫داﺋﻤﺎ ﻟﻴﺆﺛﺮ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻟﺨري‪ .‬ﻓﻬﻮ ﺣني ﺗﻘﺪ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﰲ ﺗﻮﻟﻴﺔ ﺳﻌﺪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺮﻳﺪ‬
‫أ ﻳﺮﴈ ﺳﻌﺪا ﻻ أ ﻳﺤﺎﺑﻴﻪ ﻻ أ ﻳﻘﺪﱢﻣﻪ ﻋﲆ ﻏري ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻧﺼﺢ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ‬
‫ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني أﻣﺮﻫﻢ أ ﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮا ﺑﻜﻔﺎﻳﺔ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﺑﻜﻔﺎﻳﺘﻪ ﰲ أﻣﻮر اﻟﺤﺮب ﺧﺎﺻﺔ‪ .‬ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ‬
‫أﻣﻮر ﺑﻼد اﻟﻔﺮس ﻋﲆ ﺧري ﻣﺎ ﻳﺤﺐ املﺴﻠﻤﻮ ‪ ،‬ﻗﺪ أزﻳﻞ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﺷﻮﻛﺘﻬﺎ ﻟﻢ‬
‫ﺗﺨﻀﺪ ﺑﻌﺪ‪ .‬ﻓﻜﴪ ﻳﺰدﺟﺮد ﻗﺪ اﻧﻬﺰ ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﻞ ﻟﻢ ﻳﺆﴎ ﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﻼد ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻘﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﺑﺎﻟﻔﻠﻮ ﺑني أﻗﺎﻟﻴﻤﻬﺎ ﻣﺪﻧﻬﺎ دﺳﺎﻛﺮﻫﺎ‪ .‬ﰲ ﻫﺬ اﻟﺒﻼد ﻣﺪ‬
‫ﻛﺜرية‪ ،‬ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻪ املﺴﻠﻤﻮ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻗﺪ ﺻﺎﻟﺢ املﺴﻠﻤني ﻟﻜﻦ ﻋﲆ دﺧﻞ‪،‬‬
‫ﻓﻬﻮ ﻳﻨﺘﻬﺰ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻳﻨﺘﻘﺾ ﻛﻠﻤﺎ ﺟﺪ إﱃ اﻻﻧﺘﻘﺎض ﺳﺒﻴﻼ؛ ﻓﻘﺪ ﺑﺪئ ﻓﺘﺢ ﺑﻼد اﻟﻔﺮس‬
‫ﺗﻘ ﱠﺪ ﻣﴪﻋﺎ إﱃ ﻏﺎﻳﺘﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﻫﺬ اﻟﻐﺎﻳﺔ ﺑﻌﺪ‪ .‬ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص ﻫﻮ ﺑﻄﻞ‬
‫اﻟﻘﺎدﺳﻴﺔ‪ ،‬ﻫﻮ ﻗﺎﺻﻢ د ﻟﺔ اﻷﻛﺎﴎة؛ ﻓﻠﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒﺎ أ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﻋﻤﺮ ﻟﻴﺘﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﺢ ﻣﺎ‬
‫ﺑﺪأ‪ .‬أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أ ﻋﻤﺮ ﻟﻮ ﻋﺎش ﻟﺮ ﱠد ﺳﻌﺪا إﱃ اﻟﻜﻮﻓﺔ أﻣﺮ ﺑﺎملﴤ إﱃ ﻋﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ‬
‫ﷲ اﻟﻔﺘﺢ ﻋﲆ ﻳﺪﻳﻪ‪ .‬ﺳﻌﺪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ املﻌﺮ ﻓﺔ ﰲ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ‪ :‬ﷲ‬
‫ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أراﻧﻲ ﺛﻠﺚ اﻹﺳﻼ ‪ .‬ﻳﺮﻳﺪ أﻧﻪ أﺳﻠﻢ ﺑﻌﺪ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻓﻜﺎ ﺛﺎﻟﺚ ﺛﻼﺛﺔ؛ أ ﻟﻬﻢ اﻟﻨﺒﻲ‪،‬‬
‫ﺛﺎﻧﻴﻬﻢ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أ أﻧﻪ أﺳﻠﻢ ﺑﻌﺪ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﺛﺎﻟﺚ ﺛﻼﺛﺔ ﺳﺒﻘﻮا‬
‫ﺑﺎﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ إﱃ دﻋﻮة رﺳﻮ ﷲ‪ .‬ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻓﻴﻤﺎ اﺗﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮ اة املﺤﺪﺛﻮ ‪ ،‬أ ﻣﻦ رﻣﻰ‬
‫ﺑﺴﻬﻢ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﺣني ﺧﺮج ﰲ ﴎﻳﺔ ﻋﺒﻴﺪة ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ إﱃ ﺑﻄﻦ راﺑﻎ‪.‬‬

‫‪79‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺳﻌﺪ ﻫﻮ اﻟﺬ ﻓﺪﱠا رﺳﻮ ﷲ ﺑﺄﺑﻴﻪ أﻣﻪ ﻳﻮ أﺣﺪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺠﻤﻊ ﻷﺣﺪ ﺑني أﺑﻮﻳﻪ ﻏري ‪،‬‬
‫ذﻟﻚ ﺣني ﺛﺒﺖ ﺑني اﻟﺬﻳﻦ ﺛﺒﺘﻮا ﻣﻊ رﺳﻮ ﷲ ﺟﻌﻞ ﻳﻨﻀﺢ ﻋﻨﻪ ﺑﺴﻬﺎﻣﻪ‪ ،‬ﻛﺎ أرﻣﻰ‬
‫اﻟﻨﺎس ﺑﺴﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻜﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻘﻮ ﻟﻪ‪» :‬ار ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺪا أﺑﻲ أﻣﻲ‪ «.‬ﻓﻤﻦ أﺗﻴﺢ ﻟﻪ أ ﻳﻜﻮ‬
‫ﺛﺎﻟﺚ ﺛﻼﺛﺔ ﰲ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬أ را ﺑﺴﻬﻢ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬أ ﻳﻔﺪﱢﻳﻪ رﺳﻮ ﷲ ﺑﺄﺑﻴﻪ أﻣﻪ‪،‬‬
‫أ ﻳﺮﴇ ﻋﻨﻪ رﺳﻮ ﷲ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﰲ اﻟﻌﴩة اﻟﺬﻳﻦ ﺿﻤﻦ ﻟﻬﻢ اﻟﺠﻨﺔ‪ ،‬أ ﻳﻘﺼﻢ د ﻟﺔ‬
‫اﻟﻔﺮس ﻳﻨﺘﴫ ﻳﻮ اﻟﻘﺎدﺳﻴﺔ‪ ،‬أ ﻳﺤﴬ ﻋﻤﺮ اﻟﺸﻮر ﻳﺮﺷﺤﻪ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻳﺘﻘﺪ‬
‫ﰲ ﺗﻮﻟﻴﺘﻪ إ ﴏﻓﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻨﻪ — ﻣﻦ أﺗﻴﺢ ﻟﻪ ﻫﺬا اﻟﻔﻀﻞ ﻛﻠﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﻠﺘﻮ‬
‫ﻋﲆ ﺑﻴﺖ املﺎ ﺑﺪﻳﻦ ﻗ ﱠﻞ أ ﻛﺜﺮ‪ ،‬ﻻ أ ﻳﺸﻚ ﻓﻴﻪ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻫﺬا اﻟﺸﻚ‪ ،‬ﻻ أ ﻳﻐﻀﺐ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻴﻬ ﱠﻢ ﺑﻪ ﺛﻢ ﻳﻌﻔﻮ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪ أ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺘﻘﺪ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﰲ ﺗﻮﻟﻴﺔ ﺳﻌﺪ ﻻﻳﺔ ﻣﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﻘﺪ إﻟﻴﻪ ﰲ ﺗﻮﻟﻴﺔ ﺳﻌﺪ‬
‫اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺧﺎﺻﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ املﴫ اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﺠﺐ أ ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻓﻴﻪ ﺳﻌﺪ‪ ،‬أ ﻳﺘﺠﻪ ﻣﻨﻪ إﱃ‬
‫ﺣﻘﺎ أ ﻳﺴﻮء ﻇﻦ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‬ ‫إﺗﻤﺎ اﻟﻔﺘﺢ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﺟﻪ ﻣﻦ ﺟﻮ اﻟﺤﺮب‪ .‬إﻧﻪ ﻟﻐﺮﻳﺐ ٍّ‬
‫ﺑﺴﻌﺪ ﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﺳﺎﺑﻘﺘﻪ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ رأ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ‬
‫اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻣﻦ أﻟﺰ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻨﺒﻲ‪ ،‬أر اﻫﻢ ﻋﻨﻪ ﻟﻠﺴﻨﺔ‪ ،‬أﺣﻔﻈﻬﻢ ﻋﻨﻪ ﻟﻠﻘﺮآ ‪ ،‬أﻋﻠﻤﻬﻢ‬
‫ﺑﺮأﻳﻪ ﰲ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ .‬أﻏﺮب ﻣﻦ ذﻟﻚ أ ﻳﺸﻚ ﻓﻴﻪ ﻳﻠﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ أداء دﻳﻨﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا ﻫ ﱠﻢ‬
‫ﺳﻌﺪ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﻋﻠﻴﻪ أﺧﺬ اﻹﺷﻔﺎ اﻟﺠﺰع‪ ،‬ﻓﱰﺿﺎ ﱃ ﻣﴪﻋﺎ‪ .‬إﻧﻤﺎ ﻟﺰ ﺳﻌﺪ ﻣﻮﻗﻒ‬
‫اﻟﺤﻴﺎد ﺣني ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ ،‬أﺑﻰ أ ﻳﻘﺎﺗﻞ ﻣﻊ أ ﻟﺌﻚ أ ﻫﺆﻻء ﻣﻦ املﺨﺘﺼﻤني‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻮ‬
‫ﺑﺴﻴﻒ ﻣﺒﴫ ﻋﺎﻗﻞ ﻧﺎﻃﻖ ﻳﻨﺒﺌﻪ ﺑﺄ ﻫﺬا ﻣﺴﻠﻢ ﻫﺬا ﻛﺎﻓﺮ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻫﺬا ﻣﺼﺪرا‬
‫ﻟﻬﺬ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ اﻧﺤﺎز ﺳﻌﺪ ﻷﻧﺼﺎر ﻋﲇ ﱟ ﻟﺪاﻓﻌﺖ ﻋﻨﻪ اﻟﺸﻴﻌﺔ‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ اﻧﺤﺎز‬
‫ﻷﻧﺼﺎر ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺪاﻓﻌﺖ ﻋﻨﻪ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻗﻒ ﻣﻦ املﺨﺘﺼﻤني ﻣﻮﻗﻒ املﻌﺘﺰ ‪ ،‬ﻓﻮﻗﻒ‬
‫املﺨﺘﺼﻤﻮ ﻣﻨﻪ ﻫﺬا املﻮﻗﻒ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬
‫أﻛﺎد أﻋﺘﻘﺪ أ ﺟﻪ اﻟﺤﻖ ﰲ ﻋﺰ ﺳﻌﺪ‪ ،‬أ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ آ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻌﺠﻠﻮ‬
‫اﻟﻮﻻﻳﺔ ﻳﺤﺘﺎﻟﻮ ﰲ اﻟﻮﺻﻮ إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻳﻠﺤﻮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أ ﻳﻤﻬﺪ ﻟﻬﻢ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ‪.‬‬
‫آﻳﺔ ذﻟﻚ — ﻓﻴﻤﺎ أﻇﻦ — أ ﻋﺜﻤﺎ ﺣني ﻋﺰ ﺳﻌﺪا ﻟﻢ ﻳﻮ ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ أﺣﺪا ﻣﻦ ﻛﺒﺎر‬
‫أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻻ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻻ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺮﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻃﻠﺤﺔ ﻻ اﻟﺰﺑري ﻻ‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻻ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻻ أﺑﺎ ﻃﻠﺤﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ‬
‫أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ املﺴﻠﻤﻮ ﻳﻄﻤﺌﻨﻮ إﱃ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻏﺶ اﻟﻨﺒﻲ ﻛﺬب ﻋﻠﻴﻪ‪،‬‬
‫ﻛﻔﺮ ﺑﻌﺪ إﺳﻼ ‪ ،‬أﻧﺰ ﷲ ﻓﻴﻪ ﻗﺮآﻧﺎ ﻓﻘﺎ ‪﴿ :‬ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا إ ﺟﺎءﻛﻢ ﻓﺎﺳﻖ ﺑﻨﺒﺈ‬

‫‪80‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ‬

‫ﻓﺘﺒﻴﱠﻨﻮا أ ﺗﺼﻴﺒﻮا ﻗﻮﻣﺎ ﺑﺠﻬﺎﻟﺔ ﻓﺘﺼﺒﺤﻮا ﻋﲆ ٰ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻢ ﻧﺎدﻣني﴾‪ .‬ﻛﺎ ذﻟﻚ ﺣني أرﺳﻠﻪ‬
‫ﻣﺼﺪﱢﻗﺎ ﰲ ﺑﻨﻲ املﺼﻄﻠﻖ‪ ،‬ﻓﻌﺎد إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺰﻋﻢ أﻧﻬﻢ ﻣﻨﻌﻮ اﻟﺼﺪﻗﺔ‪ ،‬ﻓﺨﺮج اﻟﻨﺒﻲ‬ ‫اﻟﻨﺒﻲ ﱠ‬
‫إﻟﻴﻬﻢ ﻏﺎزﻳﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺒني ﻛﻴﺪ اﻟﻮﻟﻴﺪ أﻧﺒﺄ ﷲ ﺑﺠﻠﻴﺔ اﻷﻣﺮ‪ .‬ﻗﺪ ﻋﺎد اﻟﻮﻟﻴﺪ إﱃ إﺳﻼﻣﻪ ﺣني‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻮدة إﱃ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬أﺻﻠﺢ ﻣﻦ ﺳريﺗﻪ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع‪ .‬ﻗﻴﻞ‪ :‬إ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ‬
‫اﺳﺘﻌﻤﻠﻪ ﻋﲆ ﺻﺪﻗﺔ ﺑﻨﻲ ﺗﻐﻠﺐ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺮة‪ .‬اﻟﻔﺮ ﺑني أ ﻳﺮﺳﻠﻪ ﻋﻤﺮ أ ا ﻣﻦ ﻻة‬
‫ﺣﻲ ﻣﻦ ﻧﺼﺎر اﻟﻌﺮب اﻟﺒﺎدﻳﻦ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺮة‪ ،‬ﺑني أ ﻳﻮﻟﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﴫا‬ ‫ﻋﻤﺮ إﱃ ﺻﺪﻗﺔ ﱟ‬
‫ﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﻣﺼﺎر املﺴﻠﻤني أﻛﺜﺮﻫﺎ ﺛﻐﻮرا‪ ،‬أ ﻳﻮﻟﻴﻪ ﻣﻜﺎ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص؛ ﻫﺬا‬
‫اﻟﻔﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﺪٍّا‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ أﻧﻜﺮ ا ﺗﻮﻟﻴﺔ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻣﻜﺎ ﺳﻌﺪ ﻟﻢ ﻳﺒﻌﺪ ا؛ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ‬
‫ﻫﺬ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﺮا ﻋﻈﻴﻤﺎ‪.‬‬
‫ﻫﻨﺎ ﺳﺒﺐ آﺧﺮ ﻳﺪﻋﻮ إﱃ اﻟﺸﻚ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺖ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ ﻋﺰ ﺳﻌﺪ‬
‫ﺗﻮﻟﻴﺔ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻫﻮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ ﺳﺎر ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﺳرية أﻋﻈﻢ ﺧﻄﺮا‬
‫ﻣﻤﺎ ﻧﺴﺐ إﱃ ﺳﻌﺪ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أﻋﻄﻰ رﺟﻼ ﻣﻦ ذ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻣﻘﺪارا ﺿﺨﻤﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪،‬‬
‫اﺳﺘﻜﺜﺮ ﻋﺎﻣﻠﻪ ﻋﲆ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻫﺬا املﻘﺪار ﻓﻠﻢ ﻳﺨﺮﺟﻪ‪ ،‬ﻓﺄﻟﺢ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺄﺑﻰ اﻟﺨﺎز ‪ ،‬ﻓﻼﻣﻪ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺎ ﻟﻪ ﰲ ﻗﺼﺔ ﺳﻨﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﰲ إﺑﺎﻧﻬﺎ‪» :‬ﻣﺎ أﻧﺖ! إﻧﻤﺎ أﻧﺖ ﺧﺎز ﻟﻨﺎ‪ «.‬ﻗﺎ ﺻﺎﺣﺐ‬
‫ﺑﻴﺖ املﺎ ‪» :‬ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أر أﻧﻲ ﺧﺎز ﻟﻚ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺧﺎزﻧﻚ أﺣﺪ ﻣﻮاﻟﻴﻚ‪ ،‬ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أراﻧﻲ ﺧﺎزﻧﺎ‬
‫ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني«‪ ،‬ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﺑﻤﻔﺎﺗﻴﺢ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻓﻌﻠﻘﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻨﱪ اﻟﻨﺒﻲ ﺟﻠﺲ ﰲ دار ‪ .‬ﻓﺈذا ﺳﺎر‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻫﺬ اﻟﺴرية‪ ،‬ﻓﻐﺮﻳﺐ أ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﲆ ﺳﻌﺪ ﻣﺎ ﻳﻘﺎ ﻣﻦ أﻧﻪ اﻗﱰض ﻣﻦ‬
‫ﺑﻴﺖ املﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻃﻠﺐ اﻟﻨﻈﺮة ﰲ أداء ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ دﻳﻦ‪ .‬ﻛﻤﺎ أ ﻋﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﻌﺰ ﺳﻌﺪا‬
‫ﻋﻦ ﺧﻴﺎﻧﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻧﺮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺰ ﺳﻌﺪا ﻋﻦ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻻ ﻋﻦ ﳾء ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻧﺔ‬
‫ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ أ ﺑﻌﻴﺪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻧﻔﺬ ﺻﻴﺔ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﻋﺰ ﺳﻌﺪا ﻟﻴﺠﻌﻞ ﻣﻜﺎﻧﻪ رﺟﻼ ﻣﻦ آ أﺑﻲ‬
‫ﻣﻌﻴﻂ‪ .‬ﻳﺠﺐ أ ﻧﻘﺮر أ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻗﺪ ﺳﺎر أﺛﻨﺎء ﻻﻳﺘﻪ ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺳرية ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺜري ﺟﺪٍّا‬
‫ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎء ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء‪ .‬ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻘﴫ ﰲ ﺳﺪ اﻟﺜﻐﻮر اﻹﻣﻌﺎ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ‬
‫ذﻟﻚ ﻏﺎﻳﺔ ﻋﺮﻓﺖ ﻟﻪ ﺗﺤﺪﱠث ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ‪ .‬ﻫﻮ ﻗﺪ ﺳﺎس أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ‬
‫ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺣﺰ ﻋﺰ ﻣﻀﺎء‪ ،‬ﻓﺄﻗﺮ اﻷﻣﻦ‪ ،‬ﴐب ﻋﲆ أﻳﺪ املﻔﺴﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﻻ ﻳﺮﻋﻮ ﻟﻠﻨﻈﺎ ﺣﺮﻣﺔ ﻻ ﻳﺮﺟﻮ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻗﺎرا‪ .‬ﻋﺪا ﻧﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب ﻋﲆ ﻓﺘﻰ ﻣﻦ أﻫﻞ‬
‫اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻓﻘﺘﻠﻮ ‪ ،‬ﻓﺄﺧﺬﻫﻢ اﻟﻮﻟﻴﺪ أﻗﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺤﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺘﻠﻬﻢ ﻋﲆ ﺑﺎب ﻗﴫ اﻹﻣﺎرة‪ .‬ﻳﻘﻮ‬
‫ﺑﻌﺾ اﻟﺮ اة إ ﻫﺬا أﺣﻔﻆ ﻋﻠﻴﻪ آﺑﺎء ﻫﺆﻻء اﻟﻘﺎﺗﻠني املﻘﺘﻮﻟني‪ ،‬ﻓﺄﺧﺬ ا ﻳﺘﻠﻤﺴﻮ أﻏﻼﻃﻪ‬

‫‪81‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻳﺘﻜﻠﻔﻮ اﺗﻬﺎﻣﻪ ﻳﺸﻜﻜﻮ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﺎ زاﻟﻮا ﺑﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﻬﻢ داﺧﻞ‬
‫ﻓﺴﻤﺮ ﻋﻨﺪ ﺗﺄﺧﺮ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻨﴫ ﺣﺘﻰ ﻧﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻓﺎﺳﺘﻞ ﺧﺎﺗﻤﻪ ﻣﻦ أﺻﺒﻌﻪ ذﻫﺐ‬
‫ﻣﻊ ﺻﺎﺣﺐ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺨﺎﺗﻢ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺸﻬﺪا ﻋﻨﺪ ﻋﲆ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﴩب اﻟﺨﻤﺮ‪.‬‬
‫اﻟﺘﻜﻠﻒ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻘﺼﺔ أﻇﻬﺮ ﻣﻦ أ ﻧﺤﺘﺎج إﱃ ﺗﺒﻴﻨﻪ إﻃﺎﻟﺔ اﻟﻘﻮ ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻓﻤﺎ أﻣري‬
‫ﻳﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﺳﻤﺎر ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻤﻌﻦ ﰲ اﻟﻨﻮ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻞ ﺧﺎﺗﻤﻪ ﻣﻦ أﺻﺒﻌﻪ د أ ﻳﺤﺲ ذﻟﻚ‬
‫اﻻﺳﺘﺨﻔﺎ‬ ‫أ ﻳﺤﺴﻪ أﺣﺪ ﻣﻦ ﺧﺪاﻣﻪ ﺣﺠﺎﺑﻪ ﴍﻃﻪ! إذا ﻛﺎ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻬﺎ‬
‫ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺴﺘﻞ ﻣﻨﻪ ﺧﺎﺗﻤﻪ اﻟﺬ ﻳﻤﴤ ﺑﻪ اﻷﻣﺮ اﻟﻨﻬﻲ ﻳﻤﴤ ﺑﻪ ﻛﺘﺒﻪ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ إﱃ‬
‫ﻗﻮاد ﰲ اﻟﺜﻐﻮر‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﺤﺰ اﻟﻌﺰ اﻟﻔﻄﻨﺔ ﰲ ﳾء‪ .‬إﻧﻤﺎ اﻷﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺧﺼﻮ‬
‫اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﻌﺎﻗﺮ اﻟﺨﻤﺮ ﻣﻊ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺷﺎﻋﺮ أﺑﻲ زﺑﻴﺪ‪ ،‬ذﻟﻚ اﻟﺬ ﻋﺮﻓﻪ ﰲ ﺗﻐﻠﺐ‬
‫ﻣﺼﺪﱢﻗﺎ ﻓﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺄﻧﺼﻔﻪ ﻣﻦ أﺧﻮاﻟﻪ ﺑﻨﻲ ﺗﻐﻠﺐ آﺛﺮ ﺑﻤﻮدﺗﻪ‪ .‬ﻛﺎ أﺑﻮ زﺑﻴﺪ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﺣني ﻛﺎ‬
‫ﻃﺎﺋﻲ اﻷب ﺗﻐﻠﺒﻲ اﻷ ‪ ،‬ﻛﺎ ﻧﴫاﻧﻴٍّﺎ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﱄ اﻟﻮﻟﻴﺪ أﻣﺮ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻛﺎ ﻫﻮ ﻳﻔﺪ ﻋﻠﻴﻪ‪،‬‬
‫ﻓﻴﻘﻴﻢ ﻋﻨﺪ ﻳﺄﺧﺬ ﺟﻮاﺋﺰ ‪ .‬ﻣﺎ زا ﺑﻪ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺣﺘﻰ أﺳﻠﻢ ﻓﻘﺮب ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‪ .‬ﻣﺎ أر إﻻ‬
‫أ إﺳﻼ أﺑﻲ زﺑﻴﺪ ﻛﺎ رﻗﻴﻘﺎ ﻛﺈﺳﻼ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ .‬ﻳﺪ ﻋﲆ ﺻﺤﺔ ﻫﺬا املﺬﻫﺐ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻘﺼﺔ‬
‫أ ﻋﺜﻤﺎ أﻗﺎ اﻟﺤﺪ ﻋﲆ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬اﻟﺤﺪ د ﺗﺪرأ ﺑﺎﻟﺸﺒﻬﺎت‪ .‬ﻓﻠﻮ ﻗﺪ رأ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﺷﻬﺎدة‬
‫ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﺎﻫﺪﻳﻦ ﺷﺒﻬﺔ ﻗﻮﻳﺔ أ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﻟﺘﺤﺮج ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﺪ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻟﻴﺲ اﻟﺒﺄس ﻋﲆ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أ ﻳﺪرأ اﻟﺤﺪ ﺑﺎﻟﺸﺒﻬﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﻟﺒﺄس ﻛﻞ اﻟﺒﺄس ﰲ أ ﻳﻘﻴﻢ اﻟﺤ ﱠﺪ اﻟﺸﺒﻬﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ‬
‫ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﺣﻈﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ‪.‬‬
‫اﻟﻨﺎس ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ﻓﻴﻤﻦ أﻧﻔﺬ أﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﺪ ﻋﲆ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻓﻘﻮ ﻳﺮ أ‬
‫ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻫﻮ اﻟﺬ ﴐب اﻟﻮﻟﻴﺪ إﻧﻔﺎذا ﻷﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﺣني ﻧﻜﻞ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﴐﺑﻪ‪ .‬ﻓﺈ‬
‫ﺻﺤﺖ ﻫﺬ اﻟﺮ اﻳﺔ — ﻣﺎ ﻧﺮاﻫﺎ ﺗﺼﺢ — ﻓﻌﲇ ﱞ أﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ أﺣﻔﻆ ﻟﻠﺴﻨﻦ أﺷﺪ إﻳﺜﺎرا‬
‫ﻟﺮﺿﺎ ﷲ إﻧﻔﺎذ أﻣﺮ ﻣﻦ أ ﻳﻘﻴﻢ اﻟﺤﺪ اﻟﺸﺒﻬﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ‪ .‬زﻋﻢ أﻛﺜﺮ اﻟﺮ اة أ اﻟﺬ ﴐﺑﻪ‬
‫ﻫﻮ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص اﻷﻣﻮ ‪ .‬ﺳﻌﻴﺪ ﻗﺮﻳﺐ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ‬
‫ﻋﺼﺒﻴﺔ اﻋﺘﺪاد ﺑﻤﻜﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ رﻫﻄﻪ اﻷدﻧني اﻷﺑﻌﺪﻳﻦ‪ .‬ﻓﻠﻮ ﻗﺪ رأ ﺷﺒﻬﺔ ﻟﻜﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ‬
‫أ ﻳﺮاﺟﻊ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻗﻀﺎﺋﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﺧﻠﻴﻘﺎ إذ ﻟﻢ ﻳﻔﻠﺢ أ ﻳﻌﺘﺬر ﻣﻦ ﴐب اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ .‬ﻟﻜﻨﻪ‬
‫ﴐﺑﻪ‪ ،‬أ رث ﻫﺬا اﻟﴬب ﻋﺪا ة ﻣﺘﺼﻠﺔ ﰲ أﻋﻘﺎب اﻟﺮﺟﻠني‪.‬‬

‫‪82‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ‬

‫ﻗﺪ زﻋﻢ ﺧﺼﻮ اﻟﻮﻟﻴﺪ — ﻣﺎ ﻧﺤﺴﺒﻬﻢ إﻻ ﻣﺘﺰﻳﺪﻳﻦ — أ اﻟﻮﻟﻴﺪ أﺻﺒﺢ ذات ﻳﻮ‬
‫ﺳﻜﺮا ‪ ،‬ﻓﺼﲆ اﻟﺼﺒﺢ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﺛﻼﺛﺎ أ أرﺑﻌﺎ‪ ،‬ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻴﻬﻢ ﻗﺎ ‪ :‬إ ﺷﺌﺘﻢ زدﻧﺎﻛﻢ‪.‬‬
‫ﻓﺸﺘﻤﻪ ﻣﻦ ﺷﺘﻤﻪ ﺣﺼﺒﻪ ﻣﻦ ﺣﺼﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬اﺳﺘﻌﻔﻮا ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻨﻪ ﻓﺄﻋﻔﺎﻫﻢ‪ .‬ﺷﺎﻋﺖ‬
‫ﻓﻴﻪ ﻫﺬ اﻟﻘﺎﻟﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺪﱠر ﺑﻪ املﺘﻨﺪر ‪ ،‬ﻗﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء‪ ،‬ﻓﻘﺎ اﻟﺤﻄﻴﺌﺔ ﻓﻴﻤﺎ زﻋﻤﻮا‪:‬‬

‫أ اﻟ ﻮﻟ ﻴ ﺪ أﺣ ﻖ ﺑ ﺎﻟ ﻌ ﺬر‬ ‫ﺷﻬﺪ اﻟﺤﻄﻴﺌﺔ ﻳﻮ ﻳﻠﻘﻰ رﺑﻪ‬

‫أأزﻳ ﺪﻛ ﻢ؟ ﺛ ﻤ ﻼ ﻻ ﻳ ﺪر‬ ‫ﻧ ﺎد ﻗ ﺪ ﻧ ﻔ ﺪت ﺻ ﻼﺗ ﻬ ﻢ‪:‬‬
‫ﻣ ﻨ ﻪ ﻟ ﺰادﻫ ﻢ ﻋ ﻠ ﻰ ﻋ ﺸ ﺮ‬ ‫ﻟ ﻴ ﺰﻳ ﺪﻫ ﻢ ﺧ ﻴ ﺮا ﻟ ﻮ ﻗ ﺒ ﻠ ﻮا‬
‫ﻟ ﻘ ﺮﻧ ﺖ ﺑ ﻴ ﻦ اﻟ ﺸ ﻔ ﻊ اﻟ ﻮﺗ ﺮ‬ ‫ﻓ ﺄﺑ ﻮا أﺑ ﺎ ﻫ ﺐ ﻟ ﻮ ﻓ ﻌ ﻠ ﻮا‬
‫ﺧﻠﻮا ﻋﻨﺎﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺰ ﺗﺠﺮ‬ ‫ﺣﺒﺴﻮا ﻋﻨﺎﻧﻚ إذ ﺟﺮﻳﺖ ﻟﻮ‬

‫ﻫﺬ اﻟﻘﺼﺔ ﻣﺨﱰﻋﺔ ﻣﻦ أﺻﻠﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ أﻋﺘﻘﺪ‪ .‬ﻓﻠﻮ ﻗﺪ زاد اﻟﻮﻟﻴﺪ ﰲ اﻟﺼﻼة ملﺎ‬
‫ﺗﺒﻌﺘﻪ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ ﻧﻔﺮ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻘﺮاء‬
‫اﻟﺼﺎﻟﺤﻮ ‪ ،‬ملﺎ رﴈ املﺴﻠﻤﻮ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻤﺎ أﻗﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺪ اﻟﺨﻤﺮ؛ ﻓﺈ اﻟﺰﻳﺎدة ﰲ‬
‫اﻟﺼﻼة اﻟﻌﺒﺚ ﺑﻬﺎ أﻋﻈﻢ ﺧﻄﺮا ﻋﻨﺪ ﷲ ﻋﻨﺪ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﴍب اﻟﺨﻤﺮ‪.‬‬
‫ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ ﻟﻢ ﻳﻘﻠﻪ اﻟﺤﻄﻴﺌﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻗﺎ اﻟﺤﻄﻴﺌﺔ ﺷﻌﺮا آﺧﺮ ﻳﻤﺪح ﺑﻪ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻣﺪح‬
‫ﻣﺤﺐ ﻟﻪ ﺣﺮﻳﺺ ﻋﲆ رﺿﺎ ‪ ،‬ﻫﻮ‪:‬‬

‫أ اﻟ ﻮﻟ ﻴ ﺪ أﺣ ﻖ ﺑ ﺎﻟ ﻌ ﺬر‬ ‫ﺷﻬﺪ اﻟﺤﻄﻴﺌﺔ ﺣﻴﻦ ﻳﻠﻘﻰ رﺑﻪ‬

‫ﺗﺮﻛﻮا ﻋﻨﺎﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺰ ﺗﺠﺮ‬ ‫ﺧﻠﻌﻮا ﻋﻨﺎﻧﻚ إذ ﺟﺮﻳﺖ ﻟﻮ‬
‫ﻳﻌﻄﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﺴﻮر اﻟﻌﺴﺮ‬ ‫رأ ا ﺷ ﻤ ﺎﺋ ﻞ ﻣ ﺎﺟ ﺪ ﻣ ﺘ ﺒ ﺮع‬
‫ﺗ ﺮدد إﻟ ﻰ ﻋ ﻮز ﻻ ﻓ ﻘ ﺮ‬ ‫ﻓ ﻨ ﺰﻋ ﺖ ﻣ ﻜ ﺬ ﺑ ﺎ ﻋ ﻠ ﻴ ﻚ ﻟ ﻢ‬

‫ﻗﺪ ﻋﺎرض ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻴﻌﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻌﺮ؛ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﻄﻴﺌﺔ ﰲ ﻣﺪح اﻟﻮﻟﻴﺪ‪.‬‬
‫ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ اﻟﺤﻄﻴﺌﺔ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ أﻳﻀﺎ ﻫﺬ اﻷﺑﻴﺎت اﻷﺧﺮ ‪:‬‬

‫ﻋ ﻼﻧ ﻴ ﺔ ﺟ ﺎﻫ ﺮ ﺑ ﺎﻟ ﻨ ﻔ ﺎ‬ ‫ﺗ ﻜ ﻠ ﻢ ﻓ ﻲ اﻟ ﺼ ﻼة زاد ﻓ ﻴ ﻬ ﺎ‬
‫ﻧ ﺎد اﻟ ﺠ ﻤ ﻴ ﻊ إﻟ ﻰ اﻓ ﺘ ﺮا‬ ‫ﻣﺞﱠ اﻟﺨﻤﺮ ﻋﻦ ﺳﻨﻦ اﻟﻤﺼﻠﻲ‬
‫ﻓﻤﺎ ﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺧﻼ‬ ‫أزﻳ ﺪﻛ ﻢ ﻋ ﻠ ﻰ أ ﺗ ﺤ ﻤ ﺪ ﻧ ﻲ‬

‫‪83‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻓﻬﺬا اﻟﺸﻌﺮ ﻟﻴﺲ إﻻ ﺗﺰﻳﺪا ﻣﻦ ﺧﺼﻮ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ .‬ﻟﻠﺤﻄﻴﺌﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺷﻌﺮ ﺟﻴﺪ ﻳﻤﺪح‬
‫ﺑﻪ اﻟﻮﻟﻴﺪ أﺛﻨﺎء إﻣﺎرﺗﻪ‪ ،‬ﻗﺒﻞ أ ﻳﻔﻜﺮ أﺣﺪ ﰲ اﻻﺋﺘﻤﺎر ﺑﻪ اﻟﺘﺸﻨﻴﻊ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻫﻮ‪:‬‬

‫ردﱠت ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﺤ ﱢﻲ اﻟ ﺠ ﻤ ﻴ ﻊ ﺟ ﻤ ﺎﺋ ﻠ ﻪ‬
‫د اﻟﺠﻮ ﻳﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺬارع اﺷﻠﻪ‬
‫إذا اﺟ ﺘ ﻤ ﻌ ﺖ ﺳ ﻂ اﻟ ﺒ ﻴ ﻮت ﻣ ﻄ ﺎﻓ ﻠ ﻪ‬
‫ﻗ ﺘ ﺎ إذا ﻳ ﻠ ﻘ ﻰ اﻟ ﻌ ﺪ ﱠ ﻧ ﺎﺋ ﻠ ﻪ‬
‫ﺳ ﻨ ﺎ اﻟ ﱡﺮدﻳ ﻨ ﱢﻲ اﻷﺻ ﱢﻢ ﻋ ﺎﻣ ﻠ ﻪ‬
‫ﻳ ﺼ ﱡﻢ اﻟ ﻌ ﺪ ﺟ ﺮﺳ ﻪ ﺻ ﻮاﻫ ﻠ ﻪ‬
‫ﺑ ﺸ ﺒ ﻊ ﻣ ﻦ اﻟ ﺴ ﺨ ﻞ اﻟ ﻌ ﺘ ﺎ ﻣ ﻨ ﺎزﻟ ﻪ‬
‫ﻷﺧ ﺮا ﻓ ﻲ أﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﻴ ﻔ ﺎع أ اﺋ ﻠ ﻪ‬
‫ﻳ ﻘ ﻲ ﺣ ﺎﺟ ﺒ ﻴ ﻪ ﻣ ﺎ ﺗ ﺜ ﻴ ﺮ ﻗ ﻨ ﺎﺑ ﻠ ﻪ‬
‫ﻓ ﻠ ﻢ ﻳ ﺒ ﻖ إﻻ ﺣ ﻴ ﺔ أﻧ ﺖ ﻗ ﺎﺗ ﻠ ﻪ‬
‫إذا اﻟ ﻠ ﻴ ﻞ أدﺟ ﻰ ﻟ ﻢ ﺗ ﺠ ﺪ ﻣ ﻦ ﺗ ﺒ ﺎﻋ ﻠ ﻪ‬
‫رﺟ ﺎء اﻟ ﺮﺑ ﻴ ﻊ أﻧ ﺒ ﺖ اﻟ ﺒ ﻘ ﻞ اﺑ ﻠ ﻪ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺟﺰات اﻟﻨﻬﺾ ﺣﻤﺮ ﺣﻮاﺻﻠﻪ‬
‫ﻋ ﻔ ﺎ ﺗ ﻮء ﻣ ﻦ أﻫ ﻠ ﻪ ﻓ ﺠ ﻼﺟ ﻠ ﻪ‬
‫ﻋ ﺎﻟ ﻴ ﻦ ﻋ ﻘ ﻼ ﻓ ﻮ رﻗ ﻢ ﻛ ﺄﻧ ﻪ‬
‫ﻛ ﺄ ﱠ اﻟ ﻨ ﻌ ﺎج اﻟ ﻐ ﱠﺮ ﺳ ﻂ ﺑ ﻴ ﻮﺗ ﻬ ﻢ‬
‫أﺑ ﻰ ﻻﺑ ﻦ أر ﺧ ﻠ ﺘ ﺎ اﺻ ﻄ ﻔ ﺎﻫ ﻤ ﺎ‬
‫ﻓ ﺘ ﻰ ﻳ ﻤ ﻸ اﻟ ﺸ ﻴ ﺰ ﻳ ﺮ ﺑ ﻜ ﻔ ﻪ‬
‫ﻳ ﺆ ﱡ اﻟ ﻌ ﺪ ﺣ ﻴ ﺚ ﻛ ﺎ ﺑ ﺠ ﺤ ﻔ ﻞ‬
‫ﺗ ﺮ ﻋ ﺎﻓ ﻴ ﺎت اﻟ ﻄ ﻴ ﺮ ﻗ ﺪ ﺛ ﻘ ﺖ ﻟ ﻬ ﺎ‬
‫إذا ﺣ ﺎ ﻣ ﻨ ﻪ ﻣ ﻨ ﺰ اﻟ ﻠ ﻴ ﻞ أ ﻗ ﺪت‬
‫ﻳ ﻈ ﱡﻞ اﻟ ﺮداء اﻟ ﻌ ﺼ ﺐ ﻓ ﻮ ﺟ ﺒ ﻴ ﻨ ﻪ‬
‫ﻧ ﻔ ﻴ ﺖ اﻟ ﺠ ﻌ ﺎد اﻟ ﻐ ﺮ ﻋ ﻦ ﻋ ﻘ ﺮ دارﻫ ﻢ‬
‫ﻛ ﻢ ﻣ ﻦ ﺣ ﺼ ﺎ ذات ﺑ ﻌ ﻞ ﺗ ﺮﻛ ﺘ ﻬ ﺎ‬
‫إﻧ ﻲ ﻷرﺟ ﻮ إ ﻛ ﺎ ﻧ ﺎﺋ ﻴ ﺎ‬
‫ﻟ ﺰﻏ ﺐ ﻛ ﺄ ﻻد اﻟ ﻘ ﻄ ﺎ راث ﺧ ﻠ ﻘ ﻬ ﺎ‬

‫رﺑﻤﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﻠﻒ ﻣﺎ ر ﻣﻦ أ اﻟﻮﻟﻴﺪ أﺗﻰ ﺑﺴﺎﺣﺮ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﻔﺘﻰ ﻓﻴﻪ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪،‬‬

‫ﻓﻠﻤﺎ ﺗﺤﻘﻖ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد إﻳﻤﺎﻧﻪ ﺑﺎﻟﺴﺤﺮ أﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﻪ‪ ،‬ﺗﻌﺠﻞ رﺟﻞ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻓﻘﺘﻠﻪ‬
‫ﻋﻦ ﻏري أﻣﺮ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﺛﻢ ذﻫﺐ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻳﺸﻜﻮ اﻟﻮﻟﻴﺪ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺮدﱠﻫﻢ ﻗﺎ ‪ :‬ﺗﻘﺘﻠﻮ‬
‫اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻈﻦ!‬
‫ﻣﺎ أﺳﺘﺒﻌﺪ أ ﻳﻜﻮ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻗﺪ أﺗﻰ ﺑﻬﺬا اﻟﺴﺎﺣﺮ ﻓﻨﻈﺮ إﱃ ﻟﻌﺒﻪ‪ ،‬ﻏﻀﺐ ﻟﺬﻟﻚ‬
‫املﺘﺰﻣﺘﻮ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻌﺪ ا ﻋﲆ ذﻟﻚ املﺸﻌﻮذ املﺴﻜني ﻓﻘﺘﻠﻮ ‪ .‬ﻏﻀﺐ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻮﻟﻴﺪ‬
‫ﻏﻀﺐ ﻟﺬﻟﻚ ﻋﺜﻤﺎ ؛ ﻓﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻨﺎس أ ﻳﺮﻳﻘﻮا اﻟﺪﻣﺎء ﻋﻦ ﻏري أﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻻ أ‬
‫ﻳﺮﻳﻘﻮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻈﻨﺔ‪.‬‬
‫ﺟﻤﻠﺔ اﻟﻘﻮ أ اﻟﻮﻟﻴﺪ إﻧﻤﺎ ﻛﺎ رﺟﻼ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ أﺳﻠﻢ إﺳﻼﻣﺎ ﻇﺎﻫﺮا اﺣﺘﻔﻆ‬
‫ﺑﺠﺎﻫﻠﻴﺘﻪ ﻛﻠﻬﺎ‪ .‬ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻮ أ ﻣﻦ ﴍب اﻟﺨﻤﺮ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻪ اﻟﺬﻳﻦ أﺳﻠﻤﺖ‬
‫أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﻟﻢ ﺗﺆﻣﻦ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ إﻳﻤﺎﻧﺎ ﺧﺎﻟﺼﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﺮددت ﺑني اﻟﻜﻔﺮ اﻹﻳﻤﺎ ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻫﻮ‬
‫ﺑﺪﻋﺎ ﻣﻦ ﺣﺐ اﻟﺪﻋﺎﺑﺔ اﻟﻌﺒﺚ املﺠﻮ ﻳﺴﺘﱰ ﺑﻪ ﻻ ﻳﻈﻬﺮ ‪ .‬ﻣﺎ أﺳﺘﺒﻌﺪ أ ﻳﻜﻮ ﻗﺪ ﻟﻬﺎ‬

‫‪84‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ‬

‫ﺑﻠﻌﺐ ﻫﺬا اﻟﺴﺎﺣﺮ‪ ،‬أ ﺗﻜﻮ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻲ زﻋﻤﺖ ﺗﺪﺧﻞ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﰲ أﻣﺮ ﻗﺪ اﺧﱰﻋﺖ‬
‫ﺗﻜﻠﻔﺎ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ .‬ﻋﲆ أﻧﻲ أﻋﺘﻘﺪ أ ﴍب اﻟﺨﻤﺮ إ ﻛﺎ ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ املﺒﺎﴍ ﻟﻌﺰ‬
‫اﻟﻮﻟﻴﺪ؛ ﻓﺈ ﻟﻌﺰﻟﻪ أﺳﺒﺎﺑﺎ أﺧﺮ ﻟﻌﻠﻬﺎ أ ﺗﻜﻮ أﻋﻤﻖ أﺛﺮا أﺑﻌﺪ ﻣﺪ ﻣﻦ ﴍب اﻟﺨﻤﺮ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻠﻬﻮ ﺑﻠﻌﺐ اﻟﺴﺎﺣﺮ‪ ،‬ﻫﻲ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺴﻴﺎﺳﺘﻪ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻷﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺳريﺗﻪ ﻓﻴﻬﻢ‪ .‬ﻓﻘﺪ‬
‫ﻛﺎ ﻣﻌﻈﻢ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ املﴬﻳﺔ ﻓﻴﻬﻢ إﻻ ﻗﻠﺔ‪ .‬ﻛﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ رﺟﻼ‬
‫ﻗﺮﺷﻴٍّﺎ ﻣﻌﺘﺪٍّا ﺑﻘﺮﺷﻴﺘﻪ ﺑﻤﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻗﺪ ﻛﺎ أﺧﺎ ﻷﻣﻪ‪ .‬ﻓﻤﺎ أﺳﺘﺒﻌﺪ أ ﻫﺬ‬
‫اﻟﻜﺜﺮة اﻟﻴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻗﺪ ﺿﺎﻗﺖ ﺑﻬﺬا اﻷﻣري اﻟﻘﺮﳾ املﴬ ﱢ اﻟﺬ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺨﻔﻲ اﻋﺘﺪاد ﺑﻨﻔﺴﻪ‬
‫اﺳﺘﻌﻼء ﻋﲆ ﻏري ‪ ،‬ﻓﺘﻨﻜﺮ ا ﻟﻪ ﻗﻠﻴﻼ ﻗﻠﻴﻼ‪ .‬أﺣﺲ ﻫﻮ ﻣﻨﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﺘﻨﻜﺮ ﻓﻠﻢ ﻳﺤﺘﻤﻠﻪ إﻻ‬
‫ﻛﺎرﻫﺎ‪ ،‬ﻟﻌﻞ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻗﺪ ﻧﺎﻓﺲ ﻫﺬ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮ أﻧﻪ ﻣﺼﺪر ﻋﺰ ﻓﺨﺮ‬
‫ﻟﻬﻢ‪ .‬ﻓﻘﺪ ر أ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﴍاﻓﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﺎد ‪ :‬أﻻ إ ﻣﻦ ﻧﺰ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ‬
‫ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺰ ﻓﻤﻨﺰﻟﻪ ﻋﻨﺪ ﺑﻨﻲ ﻓﻼ ‪ .‬ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻨﺎﻓﺴﻮ ﰲ ذﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ‪ ،‬ﻳﺤﻴﻮ ﺑﻪ ﺳﻨﺔ‬
‫ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻣﺘﻮارﺛﺔ؛ ﻫﻲ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﰲ اﺳﺘﻘﺒﺎ اﻟﻀﻴﻒ اﻻﺳﺘﺒﺎ إﱃ إﻳﻮاﺋﻬﻢ ﻗﺮاﻫﻢ‪ .‬ﻓﺄﻧﺸﺄ‬
‫اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻋﻦ أﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻪ دار اﻟﻀﻴﺎﻓﺔ‪ ،‬أﻏﻠﻖ ﻋﲆ ﻫﺆﻻء اﻷﴍا ﺑﺎﺑﺎ ﻣﻦ‬
‫أﺑﻮاب اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺘﻔﺎﺧﺮ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ‪ 1 .‬ﻛﺎ أﺑﻮ زﺑﻴﺪ ﻳﻘﺒﻞ ﻓﻴﻨﺰ دار اﻷﺿﻴﺎ ﻫﺬ ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻮﻟﻴﺪ ﻳﻜﺜﺮ اﻻﺧﺘﻼ إﻟﻴﻪ‪ .‬ﻣﻦ ﻳﺪر ؟! ﻟﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺎد ﻣﺮة أ ﻏري ﻣﺮة‬
‫إﱃ ﻣﺜﻮا ﻗﺪ أﺧﺬت ﻣﻨﻪ اﻟﺨﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺤﺴﻦ أ ﻳﻤﺴﻚ ﻟﺴﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻓﻨﺒﻬﻬﻢ ذﻟﻚ إﱃ اﻟﺘﺠﺴﺲ‬
‫ﻋﲆ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻛﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ — ﻗﺪ أﺣﺲ ﺗﻨﻜﺮ اﻟﻨﺎس ﻟﻪ ﺗﻨﻤﺮﻫﻢ ﻋﻠﻴﻪ — ﻳﺴﺘﺄﻧﻒ ﺳﻴﺎﺳﺔ‬
‫ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ اﻟﺮﻓﻖ إﺷﺎﻋﺔ اﻟﺨري املﻌﺮ ‪ ،‬ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ اﻟﺘﺤﺒﺐ إﱃ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻘ ﱢﻮ ﺑﺎﻟﺪﻫﻤﺎء؛‬
‫ﻓﻔﺮض ﻟﻠﺮﻗﻴﻖ أﻋﻄﻴﺎت ﻳﺘﻮﺳﻌﻮ ﺑﻬﺎ‪ :‬ﺛﻼﺛﺔ دراﻫﻢ ﻟﻜﻞ اﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ‪ ،‬د أ‬
‫ﻳﻨﻘﺺ ذﻟﻚ ﻣﻦ أﻋﻄﻴﺎت ﺳﺎدﺗﻬﻢ ﻣﻮاﻟﻴﻬﻢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺆ ﱠد إﻟﻴﻬﻢ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻓﻀﻮ اﻷﻣﻮا ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻟﻸﻣﻮا إذ ﻓﻀﻮ ﻳﻤﻜﻦ أ ﺗﺮ ﱠد ﻋﲆ أﺻﺤﺎب اﻷﻋﻄﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮا ﻋﲆ‬
‫ﻫﺬا املﺎ أﻓﺎء ﷲ ﻋﲆ أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﻔﻲء‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻳﺮ ﱡد ﻫﺬ اﻟﻔﻀﻮ ﻋﲆ ﻫﺆﻻء‬
‫اﻟﻨﺎس‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻮﺳﻊ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻹﻣﺎء؛ ﻓﻜﺎ إذ ﻳﺮد ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻲء ﻋﲆ ﺑﻌﻀﻪ‪،‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻹﻣﺎء إﻻ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻲء‪ ،‬ﻓﻬﻢ أﺳﺎر ﻗﺪ ﻗﺴﻤﻮا ﺑني اﻟﻔﺎﺗﺤني‬
‫ﻛﻤﺎ ﻗﺴﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻔﻀﺔ ﻏري اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻔﻀﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ‪ .‬اﻟﺬ ﻳﻌﺮ اﻟﻨﻔﺲ‬

‫‪ 1‬اﻧﻈﺮ اﻟﻄﱪ ﰲ أﺣﺪاث ﺳﻨﺔ ﺛﻼﺛني‪.‬‬

‫‪85‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺣﺘﻤﻠﺖ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﺟﺎﻫﻠﻴﺘﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺨﺎﻟﻄﻬﺎ اﻹﺳﻼ إﻻ ﻣﺨﺎﻟﻄﺔ ﻇﺎﻫﺮة‪ ،‬ﻻ‬
‫ﻳﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺐ أ ﻳﻀﻴﻖ ﻫﺆﻻء اﻟﻴﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻘﺮﳾ اﻟﺬ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﻓﻴﺌﻬﻢ ﻟري ﱠد ﻋﲆ‬
‫ﻓﻴﺌﻬﻢ‪ ،‬ﻳﺄﺧﺬ ﻓﻀﻮ اﻷﻣﻮا ﻟﻴﻮﺳﻊ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻹﻣﺎء ﻓﻴﺘﻘﺮب إﻟﻴﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮ‬
‫ﺑﺤﺒﻬﻢ ﻟﻪ اﻧﺤﻴﺎزﻫﻢ إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻳﻮﺷﻚ أ ﻳﻨﺸﺊ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻗﻮة ﺗﻌﻴﻨﻪ ﻋﲆ ﺳﺎدﺗﻬﻢ‪ ،‬أ‬
‫ﺗﻌني اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻋﲆ ﻫﺆﻻء اﻟﺴﺎدة‪ ،‬إ اﺣﺘﺎج اﻟﺴﻠﻄﺎ إﱃ ﺑﻌﺾ املﻌﻮﻧﺔ‪ .‬ﻳﺘﺤﺪث اﻟﺮ اة‬
‫ﺑﺄ اﻹﻣﺎء اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻗﺪ اﺗﺨﺬ ا اﻟﺤﺪاد ﺣني ﻋﺰ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﻻﺋﺪ ﺗﻨﺸﺞ ﻓﻴﻤﺎ ر‬
‫اﻟﻄﱪ ﺑﻬﺬا اﻟﺮﺟﺰ‪:‬‬

‫ﺟ ﺎءﻧ ﺎ ﻣ ﺠ ﻮﱢﻋ ﺎ ﺳ ﻌ ﻴ ﺪ‬ ‫ﻳ ﺎ ﻳ ﻠ ﺘ ﺎ ﻗ ﺪ ﻋ ﺰ اﻟ ﻮﻟ ﻴ ﺪ‬
‫ﻓ ﺠ ﻮﱢع اﻹﻣ ﺎء اﻟ ﻌ ﺒ ﻴ ﺪ‬ ‫ﻳﻨﻘﺺ ﻓﻲ اﻟﺼﺎع ﻻ ﻳﺰﻳﺪ‬

‫ﺼﺎص ﻣﻦ أﻧﺼﺎر اﻟﻮﻟﻴﺪ‪،‬‬ ‫ﻣﺎ أﻇﻦ إﻻ أ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﺰ ﻣﻨﺤﻮ ﻣﺘﻜﻠﻒ‪ ،‬اﺧﱰﻋﻪ اﻟﻘ ﱠ‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻹﻣﺎء اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻣﻦ أﴎ اﻟﻔﺮس ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﻮا ﻣﻦ ﺣﺬ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﺗﻘﺎﻧﻬﺎ‬
‫أ ﻳﺮﺟﺰ ا ﺑﺎﻟﻮﻟﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎ اﻟﻌﺮب أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺧﻠﻴﻘني أ ﻳﻔﻌﻠﻮا‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﺰ‬
‫ﻳﺪ ﻋﲆ أ اﻟﺮﻗﻴﻖ اﻷﺣﺮار ﻣﻦ اﻟﻔﺮس ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺆﺛﺮ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻳﺤﺒﻮﻧﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺆﺛﺮﻫﻢ‬
‫ﻳﺴﺘﻬﻮﻳﻬﻢ‪ .‬ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎ اﻟﺮ اة إ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﺮﻳﻘني ﰲ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ :‬ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻌﻪ‪،‬‬
‫ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺬا ﻣﻌﻨﻰ إﻻ أ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻗﺪ ﺧﻔﺾ ﺟﻨﺎﺣﻪ ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻃﺊ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻃﺌﺎ‬
‫ﺷﺪﻳﺪا‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﺳﺎر اﻟﻮﻟﻴﺪ ﰲ ذﻟﻚ ﺳرية ﻋﻤﺮ ملﺎ أﻧﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﻪ ﳾء‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻳﺮﻓﻖ ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﺔ ﻳﻐﻠﻆ ﻋﲆ اﻟﺨﺎﺻﺔ؛ ﻳﻘﺎ ﰲ ﻫﺬ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻧﺰﻋﺘﻬﺎ إﱃ اﻷﺛﺮة اﺣﺘﻔﺎﻇﻬﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻃﻤﻮﺣﻬﺎ إﱃ اﻻﺳﺘﻌﻼء‪ .‬ﻣﺎ أر اﻟﻮﻟﻴﺪ ذﻫﺐ إﱃ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﻃﺎ ﻟﺘﻪ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻓﻄﺎ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻗﺎ ﻣﺘﻪ ﻓﻘﺎ ﻣﻬﺎ‪ ،‬دﺧﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑني رﻗﻴﻘﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻹﻣﺎء‪.‬‬
‫ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء ﻓﻘﺪ ﻋﺰ اﻟﻮﻟﻴﺪ ذ اﻟﺮأ ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺿﻴﻘﻮ ﺑﻪ ﺳﺎﺧﻄﻮ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻳﺒﻐﻀﻪ اﻟﺴﺎدة ملﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﻨ ﱡﻜﺮ ﻟﻬﻢ ﻣﻘﺎ ﻣﺘﻪ إﻳﺎﻫﻢ ﻣﺤﺎ ﻟﺘﻪ أ ﻳﻔﺴﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫رﻗﻴﻘﻬﻢ‪ .‬ﻳﻨﻜﺮ اﻟﻘﺮاء أﺻﺤﺎب اﻟﺼﻼح اﻟﻔﻘﻪ ﻟﺴريﺗﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺨﻞ ﻣﻦ‬
‫ﻋﺒﺚ ﻣﺠﻮ ﺗﻌ ﱟﺪ ﻟﺤﺪ د ﷲ‪.‬‬

‫‪86‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ‬

‫ﻗﺪ ﻓﻖ ﻋﺜﻤﺎ ﺣني ﻋﺰ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻟﻢ ﻳﺘﺸﺪد ﰲ اﺳﺘﺒﻘﺎﺋﻪ‪ ،‬ﺣني أﻗﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺪ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺤﻤﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﺮد أﻣﺮ اﻟﻜﻮﻓﺔ إﱃ رﺟﻞ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ أﻫﻞ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ‬
‫ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻻﺳﺘﺼﻠﺢ ﻫﺬا املﴫ ﻟﻢ ﻳﺪﻓﻊ أﻫﻠﻪ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ ﰲ‬
‫اﻟﻔﺮﻗﺔ اﻟﺨﻼ ‪ .‬ﻟﻜﻨﻪ ﻋﺰ ﻋﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ رﺟﻼ ﻣﻦ آ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ‪ ،‬أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﻢ رﺟﻼ‬
‫ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻗﺪ ﺣﺬﱠر ﻋﻤﺮ ﻣﻦ أ ﻳﺤﻤﻞ أ ﻟﺌﻚ ﻫﺆﻻء ﻋﲆ رﻗﺎب اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ‬
‫ﰲ أ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻠﻤﻮ ﺑﻤﺎ ﺗﻘ ﱠﺪ ﻓﻴﻪ ﻋﻤﺮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ .‬ﻫﻢ ﺑﻌﺪ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻮا‬
‫ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺮا ﺻﺎﻟﺤني رﺿﻮا ﻋﻦ ﺳريﺗﻬﻢ أﺣﺒﻮا ﺣﻜﻤﻬﻢ‪ .‬ﻗﺪ ﺗﺒني ﻟﻌﺜﻤﺎ‬
‫أﻧﻬﻢ ﺿﺎﻗﻮا ﺑﺎﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص‪ ،‬ﻗﺪ ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﺮﺳﻞ إﻟﻴﻬﻢ‬
‫رﺟﺎﻻ ﰲ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺳﻌﺪ ﻻ ﰲ ﻣﻨﺰﻟﺔ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻓﺘﻰ ﻣﻦ ﻓﺘﻴﺎ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻣﻌﺘﺪﻻ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ اﻟﺨﻠﻖ‪ ،‬أﺑﲆ‬
‫ﻓﺄﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء ﰲ ﻓﺘﺢ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ أﺑﲆ ﺑﻨﻮ أﺑﻴﻪ ﻓﺄﺣﺴﻨﻮا اﻟﺒﻼء أﻳﻀﺎ‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻳﺮﺑﱢﻴﻪ ﻳﺮﻋﺎ ﻗﺒﻞ أ ﻳﺴﺘﺨﻠﻒ‪ .‬ﺳﺄ ﻋﻨﻪ ﻋﻤﺮ ﺣني ﻛﺎ ﻳﺘﻔﻘﺪ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻓﺄﻧﺒﺊ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﻨﺪ‬
‫ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺮﻳﺾ ﻣﴩ ﻋﲆ املﻮت‪ ،‬ﻓﺄرﺳﻞ إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﰲ أ ﻳﺤﻤﻠﻪ إﻟﻴﻪ ﰲ رﻓﻖ‬
‫ﻋﻨﺎﻳﺔ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﺪ اﻟﻔﺘﻰ ﻳﺒﻠﻎ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﺘﻰ اﺳﱰد ﻗﻮة ﺻﺤﺔ ﻋﺎﻓﻴﺔ‪ .‬ﻗﺪ ﺗﻠﻘﺎ ﻋﻤﺮ ﻟﻘﺎء‬
‫ﺣﺴﻨﺎ‪ ،‬ﻓﺮ ﱠ ﻟﻪ ﻋﻄﻒ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻣﺎ زا ﺑﻪ ﺣﺘﻰ ز ﺟﻪ ﺟﻌﻠﻪ ﰲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻧﻈﺮاﺋﻪ ﻣﻦ ﺷﺒﺎب‬
‫ﻗﺮﻳﺶ أﴍاﻓﻬﺎ‪ .‬ﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻛﺎ ﻗﺮﻳﺸﻴٍّﺎ أﻣﻮﻳٍّﺎ ﻗﺮﻳﺐ املﻜﺎ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻛﺎ رﺟﻞ‬
‫ﺻﺪ ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻚ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎ ﻳﻌﺘ ﱡﺪ ﺑﻘﺮﻳﺶ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺑﺒﻨﻲ أﻣﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ‪ .‬ﻗﺪ ذﻫﺐ إﱃ‬
‫اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻣﺼﻤﻤﺎ ﻋﲆ أ ﻳﺼﻠﺢ ﻣﺎ أﻓﺴﺪ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻠﺖ ﰲ ذﻟﻚ اﻷﻗﺎ ﻳﻞ؛ ﻓﺰﻋﻢ ﺑﻌﺾ‬
‫اﻟﻘﺼﺎص أﻧﻪ ﻏﺴﻞ املﻨﱪ ﺗﺤﺮﺟﺎ ﻣﻦ آﺛﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬آذ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮﺷﻴني‪.‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫اﻟﴚء املﺤﻘﻖ ﻫﻮ أ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻗﺪ أﺣﺴﻨﻮا اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ‪ ،‬أﺣﺴﻦ ﻫﻮ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﻢ أ‬

‫اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﻓﺪرس ﺷﺌﻮ املﴫ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ‪ ،‬اﺧﺘﺎر ﺳﻤﱠ ﺎر ذ ﺧﺎﺻﺘﻪ ﻣﻦ ﺑني اﻟﺴﺎدة‬
‫اﻟﻘ ﱠﺮاء اﻟﺬﻳﻦ أﻏﻀﺒﻬﻢ اﻟﻮﻟﻴﺪ؛ ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ إﻻ ﻗﻠﻴﻼ ﺣﺘﻰ ﺑﴫ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ‬
‫أﻧﺒﺄ ﺑﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻛﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺚ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺗﺼﻮﻳﺮ دﻗﻴﻖ ﻻ ﻟﺤﺎ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺣﺪﻫﺎ‪،‬‬
‫ﺑﻞ ﻟﺤﺎ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺼﺎر ﻛﺬﻟﻚ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ رأ أ اﻟﻜﻮﻓﺔ إﻧﻤﺎ ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ ﻟﺴﺒﺒني‪:‬‬
‫أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺗﻀﺎؤ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺿﻌﻒ أﻣﺮﻫﻢ ﺑﻤﺮ ر اﻟﺰﻣﻦ‪ ،‬أﺻﺤﺎب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻫﺆﻻء‬
‫ﻣﴫ‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ اﻟﴩﻳﻒ اﻟﺬ‬ ‫ﻫﻢ اﻟﺴﺎدة اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮا إﱃ اﻟﻔﺘﺢ اﺳﺘﻘﺮ ا ﰲ املﴫ ﺣني ﱢ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ اﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﰲ ﻗﻮﻣﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻘﺎرئ اﻟﺬ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ املﻜﺎﻧﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻻﺗﺼﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ‬
‫أ ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻪ‪ .‬ﻗﺪ أﺧﺬ املﻮت ﻳﻨﺘﻘﺺ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﺴﻠﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪.‬‬
‫اﻵﺧﺮ ﺗﺰاﻳﺪ اﻟﻄﺎرﺋني اﻟﻨﺎﺷﺌني ﺟﻤﻴﻌﺎ؛ ﻓﻤﺎ أﻛﺜﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻄﺮء ﻋﲆ املﴫ‬
‫ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﻋﺮاب اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺒﻠﻮ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء أﻧﻔﺴﻬﻢ أ ﻳﺮﺳﻠﻬﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﺎدة ﻟﻠﺠﻨﺪ! ﻣﺎ‬
‫أﻛﺜﺮ اﻟﻄﺎرﺋني ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﴎ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎ اﻟﻔﺎﺗﺤﻮ ﻳﺄﺧﺬ ﻧﻬﻢ ﰲ املﻮاﻗﻊ ﻳﻘﺴﻤﻮ‬
‫ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﻐﻨﻴﻤﺔ ﻳﻌﻮد ﻣﻌﻬﻢ إﱃ املﴫ ﻟﻴﻘﻴﻤﻮا ﻓﻴﻪ! ﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻫﺬا اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ‬
‫اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﻮﻟﺪ ﰲ املﴫ ﻣﻦ اﻟﺤﺮاﺋﺮ أﻣﻬﺎت اﻷ ﻻد‪ ،‬ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻮﻟﺪ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء‬
‫اﻷﺣﺮار ﻏري اﻟﻌﺮب ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻌﺒﻴﺪ! ﻛﻞ ﻫﺬ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻗﺪ أﺧﺬت ﺗﻨﻤﻮ ﻳﻈﻬﺮ أﻣﺮﻫﺎ‬
‫ﻳﻜﻮ ﻟﻬﺎ أﺛﺮﻫﺎ ﰲ ﺣﻴﺎة املﴫ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻄﺎرﺋﻮ ﻣﻦ اﻷﻋﺮاب اﻟﻄﺎرﺋﻮ ﻣﻦ اﻷﻋﺎﺟﻢ اﻟﻨﺎﺷﺌﻮ ﻣﻦ أ ﻟﺌﻚ ﻫﺆﻻء ﻗﺪ‬
‫ﻛﺜﺮ ا ﰲ املﴫ ﺣﺘﻰ زﺣﻤﻮا أﻫﻞ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬ﻛﺎد ا ﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﻣﻦ د ﻧﻬﻢ ﺑﺎﻷﻣﺮ‪ .‬ﻛﻠﻬﻢ‬
‫ﺣﻈﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﻈﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻧﺼﻴﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﻐﻠﻈﺔ اﻟﺠﻔﻮة أﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻧﺼﻴﺒﻪ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺮﻗﺔ اﻟﻠني‪ .‬اﻷﻋﺮاب ﻳﻘﺒﻠﻮ ﺑﻤﺎ ﺣﻔﻈﻮا ﻣﻦ ﻏﻠﻈﻬﻢ ﺟﻔﻮﺗﻬﻢ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﻢ ﺟﻬﻠﻬﻢ‪.‬‬
‫اﻷﴎ ﻳﻘﺒﻠﻮ ﺑﻤﺎ رﺛﻮا ﻣﻦ ﺣﻀﺎرﺗﻬﻢ‪ ،‬ﺑﻤﺎ ﺗﺴﺘﺘﺒﻌﻪ اﻟﺤﻀﺎرة ﰲ أﻋﻘﺎب أﻣﺮﻫﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻀﻌﻒ اﻟﻔﺴﺎد‪ ،‬ﺑﻤﺎ ﺗﺴﺘﺘﺒﻌﻪ اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ اﻟﺮ ﻣﻦ اﻧﻜﺴﺎر اﻟﻨﻔﻮس ذﻟﺘﻬﺎ‪ ،‬ﺣﴪﺗﻬﺎ‬
‫ﻋﲆ ﻣﺎ ﻣﴣ‪ ،‬ﺑﺄﺳﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﺒﻞ‪ ،‬ﺑﻐﻀﻬﺎ ﻟﺴﻴﺪﻫﺎ ﺧﻮﻓﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﻣﻜﺮﻫﺎ ﺑﻪ ﻛﻴﺪﻫﺎ ﻟﻪ‪.‬‬
‫اﻟﻨﺎﺷﺌﻮ ﺑني أ ﻟﺌﻚ ﻫﺆﻻء ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺤﻈﻮﻇﻬﻢ ﻣﻦ أﺧﻼ أ ﻟﺌﻚ ﻫﺆﻻء‪ ،‬ﻓﺘﺨﺘﻠﻂ‬
‫اﻷﻣﻮر ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻳﻜﻮﻧﻮ ﻣﺼﺪرا ﻻﺧﺘﻼط اﻷﻣﻮر ﻋﲆ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ .‬ﺑﻬﺬا ﻛﻠﻪ ﺗﺘﻌﻘﺪ‬
‫أﻣﻮر اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺗﻌﻘﺪا ﺷﺪﻳﺪا‪ ،‬ﻳﺠﺪ اﻷﻣﺮاء اﻟﻮﻻة أﻧﻔﺴﻬﻢ أﻣﺎ ﻣﺸﻜﻼت ﻛﻠﻤﺎ ﺣ ﱡﻠﻮا ﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﻃﺮﻓﺎ ﻧﺠﻢ ﻃﺮ آﺧﺮ‪.‬‬
‫ﺑﴚء ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﺘﺐ ﺳﻌﻴﺪ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻴﻨﺒﺌﻪ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﰲ ﻣﴫ ‪ ،‬ﻓﺘﻘﺪ إﻟﻴﻪ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أ ﻳﺆﺛﺮ اﻟﺨري اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع‪ ،‬ﰲ أ ﻳﺠﻨﺐ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻨﺎس اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻣﺎ ﺟﺪ‬

‫‪88‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ‬

‫إﱃ ذﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼ‪ ،‬ﰲ أ ﻳﻘﺪ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺄﺳﺒﺎﺑﻬﻢ ﻋﲆ ﻏريﻫﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻨﺰ‬
‫اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﻻ ﻳﻈﻠﻢ ﻻ ﻳﺠﻮر‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﺷﻌﺮ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺄ أﻣﻮر اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﺗﻐريت‪ ،‬ﺑﺄ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻗﺪ أﺧﺬت‬
‫ﺗﻈﻬﺮ‪ ،‬ﺑﺄ اﻻﺣﺘﻴﺎط ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﺷﻴﺌﺎ ﻟﻴﺲ ﻣﻨﻪ ﺑﺪ‪ .‬ﻗﺪ ﺧﻄﺐ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫اﻟﻨﺎس ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻓﺄﻧﺒﺄﻫﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻋﻠﻢ‪ ،‬ﺣﺬرﻫﻢ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺧﻮﱠﻓﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬اﺳﺘﺸﺎرﻫﻢ‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻘ ﱠﺪ ﻓﻴﻪ إﱃ ﺳﻌﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺴرية اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﺄﻗﺮ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻟﻜﻨﻪ اﻗﱰح أﻣﺮا ﺧﻄريا‬
‫ﻓﺮح اﻟﻨﺎس ﻣﻦ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﻪ ﺣني ﺳﻤﻌﻮ ‪ ،‬اﺑﺘﻬﺠﻮا ﻟﻪ اﺑﺘﻬﺎﺟﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ‪ ،‬ﻇﻦ ﻫﻮ أﻧﻪ‬
‫ﺳﻴﺼﻠﺢ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻓﺴﺪ‪ .‬ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ اﻧﺘﴩ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ أد إﱃ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻌﻜﺴﻴﺔ ملﺎ أراد‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻫﺬا اﻷﻣﺮ اﻟﺬ اﻗﱰﺣﻪ ﻫﻮ أ ﻳﻨﻘﻞ إﱃ اﻟﻨﺎس ﻓﻴﺌﻬﻢ ﺣﻴﺚ أﻗﺎﻣﻮا ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب؛‬
‫ﻓﻼ ﻳﻘﻴﻢ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر إﻻ ﻣﻦ ﻛﺎ ﻟﻪ ﰲ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ أرب‪ ،‬ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﺠﻨﺪ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ‪ .‬ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ‬
‫إﻗﺎﻣﺘﻬﻢ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﺑﺪﱞ‪.‬‬
‫ﻗﺪ دﻫﺶ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﺣني ﺳﻤﻌﻮا ﻫﺬا اﻻﻗﱰاح ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻪ‪ :‬ﻛﻴﻒ ﺗﻨﻘﻞ‬
‫إﻟﻴﻨﺎ ﻣﺎ أﻓﺎء ﷲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ اﻷرض؟ ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ — ﻫﺬا ﻫﻮ ﻟﺐ اﻻﻗﱰاح‪ :‬ﻧﺒﻴﻌﻬﺎ ﻣﻤﻦ‬
‫ﺷﺎء ﺑﻤﺎ ﻛﺎ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎز‪ .‬ﻓﻔﺮﺣﻮا ﻓﺘﺢ ﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻪ أﻣﺮا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ ﺣﺴﺎﺑﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺎﻓﱰﻗﻮا‬
‫ﻗﺪ ﻓﺮﺟﻬﺎ ﷲ ﻋﻨﻬﻢ ﺑﻪ‪ 1 .‬ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺮض ﻋﲆ أﻫﻞ اﻟﺤﺠﺎز أ ﻻ ﺛﻢ ﻋﻤﻢ‬
‫ذﻟﻚ ﰲ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬أ ﻳﺴﺘﺒﺪﻟﻮا ﺑﻤﺎ ﻛﺎ ﻟﻬﻢ ﰲ اﻟﻌﺮا ﰲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻣﻦ‬
‫اﻷرض أرﺿﺎ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز أ ﰲ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب‪ .‬ﻓﺈذا ﻓﻌﻠﻮا ذﻟﻚ أﻗﺎﻣﻮا ﰲ ﺑﻼدﻫﻢ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻨﺘﻘﻠﻮا ﻋﻨﻬﺎ‪ ،‬أﻗﺎ ﻣﻌﻬﻢ أﻫﻠﻬﻢ ذ أﺳﺒﺎﺑﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺨﻒ اﻟﻀﻐﻂ ﻋﲆ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ ،‬ﻗ ﱠﻠﺖ‬
‫ﻫﺠﺮة اﻷﻋﺮاب إﻟﻴﻬﺎ‪ .‬ﺳﻴﺤﺘﺎج ﻫﺆﻻء‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﱰ أرض اﻟﺤﺠﺎز ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ﻣﻜﺎ‬
‫أرض اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ ،‬إﱃ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﻳﺪ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻻﺳﺘﺼﻼﺣﻬﺎ اﺳﺘﺜﻤﺎرﻫﺎ اﻟﻘﻴﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻴﻜﺜﺮ‬
‫اﺟﺘﻼب اﻟﺮﻗﻴﻖ املﻮاﱄ إﱃ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب‪ ،‬ﻳﺨﻔﻒ اﻟﻀﻐﻂ ﻋﲆ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﺳﺎر‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻄﺮء ﻋﲆ اﻷﻣﺼﺎر ﰲ ﻏري اﻧﻘﻄﺎع‪.‬‬
‫ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻐﺮﻳﺐ أ ﻳﻔﺮح اﻟﻨﺎس ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺒﺘﻬﺠﻮا ﻟﻪ؛ ﻓﺄرض اﻟﺤﺠﺎز أﺣﺐ إﱃ أﻫﻞ‬
‫اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻦ أرض اﻟﻌﺮا ‪ ،‬أرض اﻟﻴﻤﻦ أﺣﺐ إﱃ أﻫﻞ اﻟﻴﻤﻦ ﻣﻦ أرض اﻟﺸﺎ ﻣﴫ‪ ،‬ﻫﻲ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﻗﺮﻳﺐ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮ أ ﻳﻘﻮﻣﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻏري ﻣﺸﻘﺔ ﻻ ﻛﻠﻔﺔ ﻻ اﺣﺘﻴﺎج إﱃ‬
‫اﻟﺴﻔﺮ اﻟﻘﺼري أ اﻟﻄﻮﻳﻞ‪ ،‬ﻻ إﱃ اﻟﻬﺠﺮة ﻣﻦ أرض اﻵﺑﺎء اﻷﺟﺪاد‪.‬‬

‫‪ 1‬اﻟﻄﱪ أﺣﺪاث ﺳﻨﺔ ﺛﻼﺛني‪.‬‬

‫‪89‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﰲ اﻵﻓﺎ ‪ ،‬ﻓﻔﺘﺢ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﺑﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﻛﺎ ﻟﻪ أﺑﻌﺪ اﻷﺛﺮ ﰲ‬
‫ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪.‬‬
‫ﻟﻨﴬب ﻟﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺜﺎ ‪ :‬ﻓﻔﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻤﻠﻜﻮ ﻛﺜريا ﻣﻦ‬
‫املﺎ اﻟﺴﺎﺋﻞ اﻟﺠﺎﻣﺪ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز‪ ،‬ﻓﻤﺎ أﴎع ﻣﺎ أﻧﻔﻘﻮا ﻣﺎﻟﻬﻢ ﻫﺬا ﺳﺎﺋﻠﻪ ﺟﺎﻣﺪ ﰲ ﴍاء‬
‫اﻷرض ﰲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻠﻤﻮ أ أرض اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ أﺧﺼﺐ ﺗﺮﺑﺔ أﻛﺜﺮ ﺛﻤﺮة أﻳﴪ‬
‫اﺳﺘﻐﻼﻻ ﻣﻦ أرض اﻟﺤﺠﺎز؛ ﻓﻄﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﻛﺎ ﻗﺪ ﺟ ﱠﺪ اﺟﺘﻬﺪ دأب ﺣﺘﻰ اﺷﱰ‬
‫ﻋﺎﻣﱠ ﺔ أﺳﻬﻢ ﺧﻴﱪ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪ ا ﻓﺘﺤﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ أ ﻣﻦ رﺛﺘﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺘﺢ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬا‬
‫اﻟﺒﺎب ﺑﺎع ﻃﻠﺤﺔ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻦ أﺳﻬﻢ ﺧﻴﱪ ﻷﻫﻞ اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻤﻦ ﺷﻬﺪ ﻓﺘﺢ اﻟﻌﺮا‬
‫ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻤﻠﻜﻮ ﻫﻨﺎ ‪ .‬ﺛﻢ ﻛﺎ ﻟﻪ ﻣﺎ آﺧﺮ ﻛﺜري‪ ،‬ﻓﺎﺷﱰ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ أﻫﻞ اﻟﺤﺠﺎز‬
‫أرﺿﻬﻢ ﰲ اﻟﻌﺮا ‪ ،‬ﺑﺎع ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ أرﺿﺎ ﻛﺎ ﻳﻤﻠﻜﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﺮا ﺑﺄرض ﻛﺎ ﻫﻮ ﻳﻤﻠﻜﻬﺎ ﰲ‬
‫اﻟﺤﺠﺎز‪ .‬ﻓﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﻌﻠﻪ‪ ،‬ﻓﻜﻞ ﻣﻦ ﻛﺮ اﻟﻬﺠﺮة ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎز ﻟﻴﻘﻴﻢ ﺑﺄرﺿﻪ ﰲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‬
‫ﺑﺎع أرﺿﻪ ﺗﻠﻚ اﺷﱰ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ أرﺿﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﻴﻪ‪ .‬ﻧﺸﺄ ﻋﻦ ذﻟﻚ أ ﻻ أ ﻇﻬﺮت املﻠﻜﻴﺎت‬
‫اﻟﻀﺨﻤﺔ ﰲ اﻟﻌﺮا ﻏري ﻣﻦ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ .‬ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أ ﻳﻨﺘﻔﻌﻮا ﺑﻬﺬا اﻻﻗﱰاح إﻧﻤﺎ‬
‫ﻫﻢ أﺻﺤﺎب اﻷﻣﻮا اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮ أ ﻳﺸﱰ ا ﻣﻦ أﺻﺤﺎب املﻠﻜﻴﺎت‬
‫اﻟﺼﻐرية ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻜﻮ ؛ ﻓﺎﺷﱰ ﻃﻠﺤﺔ‪ ،‬اﺷﱰ اﻟﺰﺑري‪ ،‬اﺷﱰ ﻣﺮ ا ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ‪ .‬ﻛﺜﺮ‬
‫اﻟﻨﺸﺎط املﺎﱄ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﻊ ﴍاء اﻗﱰاض اﺳﺘﺒﺪا ﻣﻀﺎرﺑﺔ‪ .‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﴫ‬
‫ذﻟﻚ ﻋﲆ اﻟﺤﺠﺎز اﻟﻌﺮا ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺷﻤﻞ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ املﻔﺘﻮﺣﺔ‬
‫ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ .‬ﺟﺪت اﻹﻗﻄﺎﻋﺎت اﻟﻜﺒرية اﻟﻀﺨﻤﺔ‪ ،‬اﻟﻀﻴﺎع اﻟﻮاﺳﻌﺔ اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ‬
‫ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻗﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺎﻣﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺮﻗﻴﻖ املﻮاﱄ اﻷﺣﺮار ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ ،‬ﻓﻈﻬﺮت ﰲ‬
‫اﻹﺳﻼ ﻃﺒﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ :‬ﻫﻲ ﻃﺒﻘﺔ اﻟﺒﻠﻮﺗﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺎز إﱃ أرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺘﻬﺎ‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻴﻬﺎ ﻣﻦ املﻮﻟﺪ ﺑﻜﺜﺮة املﺎ ﺿﺨﺎﻣﺔ اﻟﺜﺮاء ﻛﺜﺮة اﻷﺗﺒﺎع أﻳﻀﺎ‪.‬‬
‫ﻧﺸﺄ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺛﺎﻧﻴﺎ أ اﻟﺬﻳﻦ اﺷﱰ ا اﻷرض ﰲ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ﻋﺎﻣﱠ ﺔ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز ﺧﺎﺻﺔ‬
‫ﻗﺪ أراد ا أ ﻳﺴﺘﻐﻠﻮا أرﺿﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺎﺟﺘﻠﺒﻮا اﻟﺮﻗﻴﻖ أﻛﺜﺮ ا ﻣﻦ اﺟﺘﻼﺑﻪ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻤﺾ ﻗﺖ‬
‫ﻃﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺤﺎ اﻟﺤﺠﺎز إﱃ ﺟﻨﺔ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ ﺟﻨﺎت اﻷرض أﺧﺼﺒﻬﺎ أﺣﺴﻨﻬﺎ ﺛﻤﺮا‬
‫أﻋﻮدﻫﺎ ﻋﲆ أﻫﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﻨﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺘﺒﻊ اﻟﻐﻨﻰ ﻣﻦ اﻟﱰ اﻟﻔﺮاغ‪ .‬ﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ أ ﺗﻨﺸﺄ‬
‫ﰲ اﻟﺤﺠﺎز ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﰲ ﻣﻜﺔ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،‬ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﻔﺎرﻏﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﻻ ﺗﻌﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﺟﻠﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﺮﻗﻴﻖ‪ ،‬اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﻖ ﻗﺘﻬﺎ ﰲ ﻓﻨﻮ اﻟﻠﻬﻮ‬
‫اﻟﻌﺒﺚ املﺠﻮ ‪.‬‬

‫‪90‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ‬

‫ﻧﺸﺄ ﻋﻦ ﻫﺬا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أ ﺟﻠﺒﺖ اﻟﺤﻀﺎرة ﺟﻠﺒﺎ إﱃ اﻟﺤﺠﺎز ﻏري ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب؛‬
‫ﻓﻜﺎ اﻟﱰ اﻟﺘﺒﻄﻞ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﻨﻮ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ اﻟﱰ اﻟﺘﺒﻄﻞ‪ ،‬ﻓﻜﺎ اﻟﻐﻨﺎء اﻹﻳﻘﺎع‬
‫اﻟﺮﻗﺺ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺬ ﻻ ﻳﺼﻮر ﺟﺪٍّا ﻻ ﻧﺸﺎﻃﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﺼﻮر ﺑﻄﺎﻟﺔ ﻓﺮاﻏﺎ ﺗﻬﺎﻟﻜﺎ ﻣﻦ‬
‫أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻋﲆ اﻟﻠﺬة أ ﻋﻜﻮﻓﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺲ ﺗﻌﻤﻘﺎ ملﺎ ﻳﻨﺘﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻬﻤﻢ‪.‬‬
‫إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﻔﺎرﻏﺔ ﻋﺎش اﻟﺮﻗﻴﻖ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻤﻠﻜﻮ ﺳﺎدﺗﻬﻢ‬
‫ﻳﺪﺑﺮ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ‪ .‬ﻣﺎ ﻳﻜﻮ ﰲ ﻫﺬ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺒﺎﻃﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﻮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻷﻫﻮاء‪ .‬ﺛﻢ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺴﺎدة اﻷرﻗﺎء‪ ،‬اﻷرﻗﺎء اﻟﺴﺎدة‪ ،‬ﻋﺎﺷﺖ ﻃﺒﻘﺔ أﺧﺮ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻌﺮب اﻟﺒﺎدﻳﻦ املﺤﺮ ﻣني ﻟﻢ ﺗﻤﻠﻚ ﻗﻂ أرﺿﺎ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز ﻟﺘﺒﻴﻌﻬﺎ ﺑﺄرض ﰲ اﻟﻌﺮا ‪ ،‬ﻟﻢ‬
‫ﺗﻤﻠﻚ ﻗﻂ أرﺿﺎ ﰲ اﻟﻌﺮا ﻟﺘﺸﱰ ﺑﻬﺎ أرﺿﺎ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻌﺜﻤﺎ رﺣﻤﻪ ﷲ ﺣني ﻓﻜﺮ ﰲ ﻫﺬا اﻻﻗﱰاح أ ﻓﻜﺮ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﺧﺎﺻﺘﻪ‬
‫ﻣﺸري ‪ ،‬ﳾء ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺒﻌﻴﺪة‪ ،‬إﻧﻤﺎ رأ ﴍٍّا ﻓﺄراد ﺣﺴﻤﻪ‪ ،‬أراد أ ﻳﺨﻔﻒ‬
‫اﻟﻬﺠﺮة ﻋﲆ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬ﻳﻤﺴﻚ اﻷﻋﺮاب ﰲ ﺑﻼدﻫﻢ‪ ،‬ﻳﺠﻠﺐ اﻷﴎ اﻟﺮﻗﻴﻖ إﱃ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب‪،‬‬
‫ﻳﺴﺘﺨﻠﺺ ﻷﻫﻞ اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻦ أﺻﺤﺎب املﻠﻜﻴﺎت اﻟﺼﻐرية ﰲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻣﺎ ﻟﻬﻢ ﻟﻴﺸﱰ ا ﺑﻪ‬
‫اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ‪ .‬ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ أراد‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﺿﺎ‬
‫ﴍٍّا إﱃ ﴍ ﻓﺴﺎدا إﱃ ﻓﺴﺎد‪ .‬ﻓﻠﺴﺖ أدر أ ﱢﻓﻖ ﻟﴫ اﻷﻋﺮاب ﻋﻦ اﻟﻬﺠﺮة إﱃ اﻷﻣﺼﺎر‬
‫أ ﻟﻮﻗﻒ ﻫﺬ اﻟﻬﺠﺮة ﻗﺘﺎ ﻣﺎ‪ ،‬أ ﻟﻢ ﻳﻮﻓﻖ؛ ﻓﺎﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻻ ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ ﺑﴚء ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ .‬ﺑﻞ أﻧﺎ‬
‫أﺷﻚ ﰲ أ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻗﺪ ﻓﻄﻦ ملﺎ أراد ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺸري ﺑﻬﺬا اﻻﻧﻘﻼب اﻟﺨﻄري ﰲ اﻟﺤﻴﺎة‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ .‬ﻣﺎ أﺷﻚ ﰲ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻮﻓﻖ ﰲ ﺗﺨﻔﻴﻒ اﻟﻀﻐﻂ ﻋﲆ اﻷﻣﺼﺎر ﻣﻦ‬
‫ﻫﺆﻻء اﻟﺮﻗﻴﻖ اﻷﺳﺎر اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎ ﻋﺪدﻫﻢ ﻳﺰداد ﻣﻦ ﺣني إﱃ ﺣني؛ ﻷ اﻟﻔﺘﻮح ﻟﻢ ﺗﻘﻒ‬
‫أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻣﻀﺖ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻋﺎزﻣﺔ ﺣﺎزﻣﺔ ﻏري ﻣﱰددة ﻛﻤﺎ ﺳﻨﺮ ‪ ،‬ﻷ أرﺑﻌﺔ‬
‫أﺧﻤﺎس اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺴﻢ ﺑني اﻟﻔﺎﺗﺤني‪ ،‬ﻫﺆﻻء اﻟﻔﺎﺗﺤﻮ ﻣﺴﺘﻘﺮ ﰲ أﻣﺼﺎرﻫﻢ ﻻ‬
‫ﻳﺨﺮج أﺣﺪﻫﻢ إﱃ اﻟﺜﻐﺮ اﻟﺬ ﻳﻠﻴﻪ إﻻ ﻣﺮة ﻛﻞ أرﺑﻌﺔ أﻋﻮا ‪ ،‬ﻻ ﻳﻘﻴﻢ ﰲ اﻟﺜﻐﺮ إﻻ ﺳﺘﺔ‬
‫أﺷﻬﺮ أ أﻗﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻠﻴﻼ أ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻠﻴﻼ؛ ﻓﻬﺬ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ إذ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮﻗﻴﻖ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺜﻮب‬
‫ﻣﻊ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ إﱃ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻋﺪد اﻟﺮﻗﻴﻖ ﰲ ازدﻳﺎد ﻣﺘﺼﻞ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ إﻻ‬
‫أ ﻳﻮﻗﻒ اﻟﻔﺘﺢ ﺗﻌﻴﺶ اﻟﺪ ﻟﺔ ﰲ ﻇﻞ ﺳﻠﻢ ﻣﺘﺼﻞ‪ ،‬ﻫﺬا ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﻬﺎ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ؛ ﻓﻘﺪ‬
‫ﻛﺎ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﺷﺪﻳﺪا ﺑني ﻻة اﻷﻣﺼﺎر أﻳﻬﻢ ﻳﻜﻮ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ أﺛﺮا ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪.‬‬
‫ﻛﺎ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﺷﺪﻳﺪا ﺑني ﻗﻮاد اﻟﺜﻐﻮر أﻳﻬﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﺻﺎﺣﺒﻪ إﱃ ﻟﻘﺎء اﻟﻌﺪ ﰲ ﻫﺬا‬
‫املﻴﺪا أ ذا ‪ ،‬إﱃ اﺣﺘﻼ ﻫﺬ املﺪﻳﻨﺔ أ ﺗﻠﻚ‪ ،‬إﱃ اﺣﺘﻴﺎز اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻸ ﻳﺪﻳﻪ‬

‫‪91‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻓﺘﴪ ﺟﻨﺪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﺗﴪ أﻣري ﻋﲆ املﴫ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ ،‬ﺗﴪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ‬
‫ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻋﺜﻤﺎ إذ أ ﻳﺨﻔﻒ ﺿﻐﻂ‬
‫املﺴﺘﻌﺮﺑني املﻐﻠﻮﺑني ﻋﲆ اﻷﻣﺼﺎر ﻋﺎﻣﱠ ﺔ ﻋﲆ املﴫﻳﻦ اﻟﻌﺮاﻗﻴني ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﻠﺬﻳﻦ‬
‫ﺑﺎﻋﻮا أرﺿﻬﻢ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر اﺷﱰ ا ﺑﻬﺎ أرﺿﺎ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز‪ ،‬أ ﻳﻨﻈﻤﻮا أﻣﻮرﻫﻢ ﻳﺠﻠﺒﻮا ﻣﺎ‬
‫ﻳﺤﺘﺎﺟﻮ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﻳﺪ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻴﻘﻞ ﻋﺪد اﻟﺮﻗﻴﻖ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر‪ .‬ﻓﻘﺪ أﺣﺪث ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬا‬
‫اﻻﻧﻘﻼب اﻻﻗﺘﺼﺎد ﺳﻨﺔ ﺛﻼﺛني ﻗﺘﻞ ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺲ ﺛﻼﺛني‪ ،‬اﺿﻄﺮﺑﺖ اﻷﻣﻮر ﺑني ﻫﺎﺗني‬
‫اﻟﺴﻨﺘني ﻓﻠﻢ ﻳﺆت اﻻﻧﻘﻼب ﺛﻤﺮﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺟﻰ ﻣﻨﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻘﺼري‪ ،‬إﻧﻤﺎ آﺗﻰ‬
‫ﺛﻤﺮ اﻟﺒﻐﻴﺾ اﻟﺨﻄري ﰲ أﻗﴫ ﻗﺖ ﻣﻤﻜﻦ؛ ﻷ رء س اﻷﻣﻮا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز‬
‫ﻣﺘﺸﻮﻓﺔ إﻟﻴﻪ ﻣﺘﻬﺎﻟﻜﺔ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ ﺣني اﺣﺘﺒﺲ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻗﺪ اﺣﺘﺒﺲ‬
‫أﺷﺨﺎﺻﻬﺎ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻗﺪ اﺣﺘﺒﺲ ﻣﻊ ﻫﺆﻻء اﻷﺷﺨﺎص رء س أﻣﻮاﻟﻬﻢ أﻳﻀﺎ إﱃ‬
‫ﺣﺪ ﺑﻌﻴﺪ‪ .‬ﻓﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﺠﺮ ﺑني اﻟﺤﺠﺎز اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﺗﺠﺎرات ﻋﻈﻴﻤﺔ اﺳﻌﺔ ﺗﻐﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫ﻣﺎﻻ ﻛﺜريا ﺳﺎﺋﻼ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮ أ ﻳﺴﺘﻐﻠﻮا ﻫﺬا املﺎ اﻟﺴﺎﺋﻞ اﻟﺬ ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ ﺳﻴﻠﻪ ﻳﻨﻘﻄﻊ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻴﺴري ﻋﻠﻴﻬﻢ أ ﻳﻮﻇﻔﻮ ﰲ اﻷﻋﻤﺎ اﻟﻜﱪ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮ‬
‫املﺤﺪﺛﻮ ‪ .‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ املﺎ ﻳﺠﺘﻤﻊ إﱃ املﺎ اﻟﻨﻘﺪ ﻳﻀﺎ إﱃ اﻟﻨﻘﺪ‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﻔﻘﺮاء أ ﺳﺎط‬
‫اﻟﻨﺎس ﻳﺮ ذﻟﻚ ﻓﻴﻌﺠﺒﻮ ﻟﻪ ﻳﻌﺠﺒﻮ ﺑﻪ‪ ،‬ﻗﺪ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻓﻴﻪ اﻷﻟﺴﻨﺔ ﻓﻴﻀﻄﺮ اﻷﻏﻨﻴﺎء‬
‫إﱃ أ ﻳﻜﻔﺮ ا ﻋﻦ ﺛﺮاﺋﻬﻢ ﺑﺎﻟﺼﺪﻗﺎت اﻟﻌﻄﺎء‪ ،‬ﻳﺒﺘﻐﻲ اﻷﺧﻴﺎر ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻬﺬا رﺿﺎ ﷲ رﺿﺎ‬
‫اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻳﺘﻘﻲ ﻏريﻫﻢ ﺑﻬﺬا ﻣﺎ ﻳﻜﻮ ﻣﻦ اﻟﺤﺴﺪ اﻟﺤﻘﺪ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻔﻮس‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ ﻋﻤﺮ إذ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻣﻦ أ ﺗﻜﺴﺐ املﺎ ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ إﱃ ذﻟﻚ ﺳﺒﻴﻞ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ‬
‫اﺳﺘﻴﻘﻦ أ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻳﻜﺴﺒﻮ ﻣﻦ املﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻬﻢ أ ﻳﻜﺴﺒﻮا؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎ ﰲ آﺧﺮ‬
‫ﺣﻴﺎﺗﻪ‪» :‬ﻟﻮ اﺳﺘﻘﺒﻠﺖ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻣﺎ اﺳﺘﺪﺑﺮت ﻷﺧﺬت ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻓﻀﻮ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻓﺮددﺗﻬﺎ‬
‫ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮاء‪ «.‬ﻗﺪ ر أ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ أﺻﺒﺤﻮا ذات ﻳﻮ ﻓﺴﻤﻌﻮا رﺟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ‪ ،‬ﻓﺴﺄﻟﺖ‬
‫ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻋﻦ ﻫﺬ اﻟﺮﺟﺔ‪ ،‬ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ‪ :‬إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻋري ﻟﻌﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ﻗﺪ أﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫ﺗﺠﺎرة ﻟﻪ‪ .‬ﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ‪ :‬أﻣﺎ إﻧﻲ ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮ ﷲ ﷺ ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻛﺄﻧﻲ ﺑﻌﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ‬
‫ﻋﻮ ﻋﲆ اﻟﴫاط ﻳﻤﻴﻞ ﺑﻪ ﻣﺮة ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ أﺧﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﻠﺖ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ‪ «.‬ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ ﻋﺒﺪ‬
‫اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﻫﻲ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺻﺪﻗﺔ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﺮ اة‪ :‬ﻛﺎ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻓﻀﻞ ﻣﻨﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌري ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ راﺣﻠﺔ‪2 .‬‬

‫‪ 2‬ﻃﺒﻘﺎت اﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻃﺒﻊ ﻟﻨﺪ ‪ ،‬اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺴﻢ اﻷ ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪.٩٣‬‬

‫‪92‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ‬

‫ﺗﺤﺪث اﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﻋﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ ﻋﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ‬
‫ﻣﺎﻟﻚ ﻋﻦ أﺑﻴﻪ ﻋﻦ ﻋﻄﺎء ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﺎح ﻋﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ﻋﻦ أﺑﻴﻪ‬
‫ﻋﻦ رﺳﻮ ﷲ ﷺ أﻧﻪ ﻗﺎ ‪» :‬ﻳﺎﺑﻦ ﻋﻮ ‪ ،‬إﻧﻚ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء‪ ،‬ﻟﻦ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ إﻻ زﺣﻔﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺄﻗﺮض ﷲ ﻳﻄﻠﻖ ﻟﻚ ﻗﺪﻣﻴﻚ‪ .‬ﻗﺎ اﺑﻦ ﻋﻮ ‪ :‬ﻣﺎ اﻟﺬ أﻗﺮض ﷲ ﻳﺎ رﺳﻮ ﷲ؟ ﻗﺎ ‪:‬‬
‫ﺗﺒﺪأ ﺑﻤﺎ أﻣﺴﻴﺖ ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻗﺎ ‪ :‬أﻣﻦ ﻛﻠﻪ أﺟﻤﻊ ﻳﺎ رﺳﻮ ﷲ؟ ﻗﺎ ‪ :‬ﻧﻌﻢ‪ .‬ﻗﺎ ‪ :‬ﻓﺨﺮج اﺑﻦ ﻋﻮ‬
‫ﻫﻮ ﻳﻬ ﱡﻢ ﺑﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻴﻪ رﺳﻮ ﷲ ﷺ‪ .‬ﻓﻘﺎ ‪ :‬إ ﺟﱪﻳﻞ ﻗﺎ ‪ :‬ﻣﺮ اﺑﻦ ﻋﻮ ﻓﻠﻴﻀﻒ‬
‫اﻟﻀﻴﻒ‪ ،‬ﻟﻴﻄﻌﻢ املﺴﻜني‪ ،‬ﻟﻴﻌﻂ اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻳﺒﺪأ ﺑﻤﻦ ﻳﻌﻮ ؛ ﻓﺈﻧﻪ إذا ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎ ﺗﺰﻛﻴﺔ‬
‫ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻴﻪ‪3 «.‬‬

‫ﻫﺬ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﺮ ة ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻗﺪ زادت أﺿﻌﺎﻓﺎ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﺑﺎﻟﺘﺜﻤري اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﺑﻤﺎ أﻓﺎء ﷲ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ .‬ﻗﻴﻞ‪ :‬إﻧﻪ‬
‫أ ﴅ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﺑﺨﻤﺴني أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ذﻫﺒﺎ‪ ،‬ﺗﺮ ﻣرياﺛﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻟﻪ أﻟﻒ ﺑﻌري‬
‫ﺛﻼﺛﺔ آﻻ ﺷﺎة‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﺰرع ﰲ اﻟﺠﺮ ﻋﲆ ﻋﴩﻳﻦ ﻧﺎﺿﺤﺎ‪ .‬ﺗﺮ أرﺑﻊ ز ﺟﺎت‪ ،‬ﻓﻜﺎ‬
‫ﻧﺼﻴﺐ ﻛﻞ اﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ﻣﻦ اﻟﺜﱡﻤﻦ ﻳﻘ ﱠﻮ ﺑﻤﺎ ﺑني اﻟﺜﻤﺎﻧني أﻟﻔﺎ إﱃ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﺮ اة‪:‬‬
‫ﺗﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ذﻫﺒﺎ ﻗﻄﻊ ﺑﺎﻟﻔﺌﻮس ﺣﺘﻰ ﻣﺠﻠﺖ أﻳﺪ اﻟﺮﺟﺎ ﻣﻨﻪ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺒﺪ‬
‫اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﺬٍّا ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ أﻣﺮ ﻓﻴﻪ ﻛﺄﻣﺮ ﻏري ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺳﺎدة ﻗﺮﻳﺶ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫أﺣﺪث ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬا اﻻﻧﻘﻼب اﻻﻗﺘﺼﺎد أﺗﺎح ﻟﻬﺆﻻء اﻷﻏﻨﻴﺎء أ ﻳﻮﻇﻔﻮا أﻣﻮاﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا‬
‫رﺟﺎ ﻣﺎ أﻋﻤﺎ ﻣﻌﺎ‪ .‬ﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ أ ﺗﻨﺸﺄ املﻠﻜﻴﺎت اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ‪ ،‬ﻳﺤﺪث ﰲ أ‬
‫ﺻﺪر اﻹﺳﻼ ﻣﺎ ﺣﺪث ﰲ آﺧﺮ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺬ »اﻟﻼﺗﻴﻔﻮﻧﺪﻳﺎ« اﻟﺘﻲ أﺿﺎﻋﺖ‬
‫اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﻼﺗﻴﻔﻮﻧﺪﻳﺎ اﻟﺘﻲ أﺿﺎﻋﺖ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ اﻟﺘﻲ أﺿﺎﻋﺖ‬
‫اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؛ ﻣﻠﻜﺖ ﻗﻠﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺮ ﻣﺎﻧﻴني أرض إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻧﻘﻄﻊ اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻬﺎ‬
‫أﺻﺒﺤﻮا أﺣﺰاﺑﺎ ﺷﻴﻌﺎ؛ ﻣﻠﻜﺖ ﻗﻠﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني أرض اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ ،‬ﻓﺎﻧﻘﻄﻊ اﻟﻨﺎس‬
‫إﻟﻴﻬﺎ اﻧﻘﺴﻤﻮا ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺷﻴﻌﺎ أﺣﺰاﺑﺎ‪ .‬ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ أ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎ اﻟﺬ اﺳﺘﺤﺪﺛﻪ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻋﻦ رأﻳﻪ ﻫﻮ‪ ،‬أ ﻋﻦ رأ ﻣﺸريﻳﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺣﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻣﻦ ﻧﺸﺄة ﻫﺬ‬
‫اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻐﻨﻴﺔ املﴪﻓﺔ ﰲ اﻟﻐﻨﻰ‪ ،‬اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻬﻮت اﻟﻨﺎس ﻓﺮﻗﺘﻬﻢ أﺣﺰاﺑﺎ ﺗﻨﺎزﻋﺖ اﻟﺴﻠﻄﺎ‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬ اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ‪ .‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ أﻳﻀﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﺑﻠﻎ ﻧﻈﺎ‬

‫‪ 3‬ﻃﺒﻘﺎت اﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻃﺒﻊ ﻟﻨﺪ ‪ ،‬اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺴﻢ اﻷ ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪.٩٣‬‬

‫‪93‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫اﻟﻄﺒﻘﺎت ﻏﺎﻳﺘﻪ ﺑﺤﻜﻢ ﻫﺬا اﻻﻧﻘﻼب‪ ،‬ﻓﻮﺟﺪت ﻃﺒﻘﺔ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ذات املﻮﻟﺪ اﻟﺜﺮاء‬
‫اﻟﻀﺨﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎ اﻟﻮاﺳﻊ‪ ،‬ﺟﺪت ﻃﺒﻘﺔ اﻟﺒﺎﺋﺴني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮ ﰲ اﻷرض ﻳﻘﻮﻣﻮ‬
‫ﻋﲆ ﻣﺮاﻓﻖ ﻫﺆﻻء اﻟﺴﺎدة‪ ،‬ﺟﺪت ﺑني ﻫﺎﺗني اﻟﻄﺒﻘﺘني املﺘﺒﺎﻋﺪﺗني ﻃﺒﻘﺔ ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ ﻫﻲ‬
‫ﻃﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻴﻤﻮ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﻳﻐري ﻋﲆ اﻟﻌﺪ ‪ ،‬ﻳﺤﻤﻮ‬
‫اﻟﺜﻐﻮر‪ ،‬ﻳﺬ د ﻋﻤﻦ راءﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻤﺎ راءﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺜﺮاء‪ .‬ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ املﺘﻮﺳﻄﺔ‬
‫ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎزﻋﻬﺎ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻓﻔ ﱠﺮﻗﻮﻫﺎ ﺷﻴﻌﺎ أﺣﺰاﺑﺎ‪ .‬اﻟﺬ ﻳﺘﺘﺒﻊ ﺗﺎرﻳﺦ املﺴﻠﻤني ﻳﻼﺣﻆ‬
‫أ اﻟﴫاع اﻷ إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﺑني اﻷﻏﻨﻴﺎء ﺛﻢ ﺑني ﻫﺬ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻫﺆﻻء اﻷﻏﻨﻴﺎء‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ‬
‫اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ؛ ﻃﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠني ﰲ اﻷرض اﻟﻘﺎﺋﻤني ﻋﲆ املﺮاﻓﻖ املﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻈﻬﺮ أﻣﺮﻫﺎ‬
‫إﻻ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻟﻬﺎ ﻗﺼﺔ أﺧﺮ ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻔﺘﻨﺔ إذ إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻧﺸﺄت ﻣﻦ ﺗﺰاﺣﻢ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻋﲆ اﻟﻐﻨﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎ ‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ﺣﺴﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻬﺆﻻء اﻷﻏﻨﻴﺎء‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻧﻈﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬا ﻳﺬاع ﻳﴪع اﻷﻏﻨﻴﺎء إﱃ‬
‫اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻪ؛ ﺣﺘﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﴩ‪ ،‬ﻇﻬﺮ ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻗﺒﻞ أ ﻳﻈﻬﺮ ﰲ أ ﻣﴫ آﺧﺮ‪ ،‬ﻇﻬﺮ‬
‫ﰲ ﻣﺠﻠﺲ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻧﻔﺴﻪ‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ ذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ﺛﻼث ﺛﻼﺛني‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﺳﻌﻴﺪ‪،‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ‪ ،‬ﺗﺨري ﺟﻮ اﻟﻨﺎس ﻗﺮاءﻫﻢ ذ اﻟﺼﻼح ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻴﺪﺧﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ إذا ﻟﻢ ﻳﺠﻠﺲ‬
‫ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻟﻴﺴﻤﺮ ا ﻋﻨﺪ إذا ﻛﺎ اﻟﻠﻴﻞ‪ .‬ﻓﻘﺎ ذات ﻳﻮ أ ذات ﻟﻴﻠﺔ‪ :‬إﻧﻤﺎ اﻟﺴﻮاد — ﺳﻮاد‬
‫اﻟﻜﻮﻓﺔ — ﺑﺴﺘﺎ ﻟﻘﺮﻳﺶ‪ .‬ﻓﺘﻐﺎﺿﺐ اﻟﻘﻮ ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜﺮﺗﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻴﻤﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ر ﱡد ا ﻋﻠﻴﻪ ﰲ‬
‫ذﻟﻚ ردٍّا ﻏﻠﻴﻈﺎ‪ ،‬ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ‪ :‬إﻧﻤﺎ اﻟﺴﻮاد ﰲء أﻓﺎء ﷲ ﻋﻠﻴﻨﺎ‪ ،‬ﻣﺎ ﻧﺼﻴﺐ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻨﻪ إﻻ‬
‫ﻛﻨﺼﻴﺐ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪ .‬ﻏﻀﺐ ﺻﺎﺣﺐ ﴍﻃﺔ ﺳﻌﻴﺪ؛ ﻷ اﻟﻘﻮ رد ا ﻋﲆ اﻷﻣري ردٍّا‬
‫ﻏﻠﻴﻈﺎ‪ ،‬ﻓﺰﺟﺮﻫﻢ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻣﻮا إﻟﻴﻪ ﻓﴬﺑﻮ ﺣﺘﻰ أﻏﻤﻲ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻓﻘﻄﻊ ﺳﻌﻴﺪ ﺳﻤﺮ اﺣﺘﺠﺐ‬
‫ﻋﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻠﺰﻣﻮا ﻣﺠﺎﻟﺴﻬﻢ أﻧﺪﻳﺘﻬﻢ‪ ،‬أﻃﻠﻘﻮا أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﰲ ﺳﻌﻴﺪ ﰲ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ‬
‫ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﺗﺴﺎﻣﻊ اﻟﻨﺎس ﺑﻬﻢ اﺟﺘﻤﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻬﻢ‪ .‬ﻓﻜﺘﺐ ﺳﻌﻴﺪ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻨﺒﺌﻪ‬
‫ﺑﺄﻣﺮﻫﻢ‪ ،‬ﻳﺬﻛﺮ أﻧﻪ ﻳﺨﺎﻓﻬﻢ أ ﻳﻔﺘﻨﻮا اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﺴريﻫﻢ إﱃ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻛﺘﺐ‬
‫إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻠﻘﺎﺋﻬﻢ اﺳﺘﺼﻼﺣﻬﻢ‪ .‬زﻋﻢ ر اة آﺧﺮ أ ﺳﻌﻴﺪا ﺟﻠﺲ ﻟﻠﻨﺎس‬
‫ﺣﴬ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮ اﻟﻘﺮاء‪ ،‬ﻓﺘﺤﺪﱠث اﻟﻨﺎس ﰲ ﺟﻮد ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ‬
‫ﷲ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﺳﻌﻴﺪ‪ :‬ﻣﻦ ﻛﺎ ﻟﻪ ﺛﺮاء ﻃﻠﺤﺔ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻦ اﻷرض ﺧﻠﻴﻖ أ ﻳﻜﻮ ﺟﺮادا‪،‬‬
‫ﻟﻮ ﻛﺎ ﱄ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻟﻄﻠﺤﺔ ﻷﻋﺸﺘﻜﻢ ﰲ رﻏﺪ‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻏﻼ ﻣﴬ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﺳﺪ‪ :‬ددت ﻟﻮ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻸﻣري أرض ﻛﺬا ﻋﲆ اﻟﻔﺮات — ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ اﻷرض ﻣﻠﻜﺎ ﻟﻠﺪ ﻟﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧﺖ إذ ﻣﻦ‬
‫ﰲء املﺴﻠﻤني — ﻓﻐﻀﺐ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ زﺟﺮ ا اﻟﻐﻼ ﺗﻘﺎ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ إﱃ‬

‫‪94‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ‬

‫اﻟﻐﻼ ﻓﴬﺑﻮ ﴐﺑﻮا أﺑﺎ ﺣﺘﻰ أﻏﻤﻲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ‪ ،‬ﻓﻐﻀﺒﺖ ﻟﺬﻟﻚ ﺑﻨﻮ أﺳﺪ‪ ،‬ﺣﺎ ﺳﻌﻴﺪ‬
‫أ ﻳﺮ ﱠد اﻷﻣﺮ إﱃ اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻠﺢ‪ .‬أﻟﺢﱠ ﻋﻠﻴﻪ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﰲ أ ﻳﺨﺮج ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس‪،‬‬
‫ﻓﺄﺧﺮﺟﻬﻢ ﺑﺄﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ اﻟﺸﺎ ‪.‬‬
‫اﻟﴚء املﻬﻢ ﻫﻮ أ ﺳﻌﻴﺪا ﻗﺪ ﻧﻔﻰ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﻋﻦ أرﺿﻬﻢ‪ .‬ﻟﺴﺖ أدر إﱃ أ‬
‫ﺣﺪ ﻳﺠﻮز ﻟﻸﻣري أ ﻳﻨﻔﻲ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ أرﺿﻬﻢ ﺳﻮاء ﻛﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﻔﻲ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﻧﻔﺴﻪ أ‬
‫ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‪ .‬ﻓﺈﺧﺮاج املﺴﻠﻤني ﻋﻦ أرﺿﻬﻢ إﻧﻤﺎ ﻳﺠﻮز إذا ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺒﻴﻨﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ‬
‫ﺣﺎرﺑﻮا ﷲ رﺳﻮﻟﻪ ﺳﻌﻮا ﰲ اﻷرض ﻓﺴﺎدا‪ ،‬ﻓﻬﻨﺎﻟﻚ ﻳﺠﻮز ﻟﻺﻣﺎ أ ﻳﻘﺘﻠﻬﻢ أ ﻳﺼﻠﺒﻬﻢ‬
‫ﻄﻊ أﻳﺪﻳﻬﻢ أرﺟﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻼ أ ﻳﻨﻔﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻷرض‪.‬‬ ‫أ ﻳﻘ ﱢ‬
‫ﻟﻢ ﺗﻘﻢ ﺑﻴﻨﺔ ﻋﲆ أ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﻣﻦ اﻟﻘﺮاء اﻟﺼﺎﻟﺤني أﺻﺤﺎب اﻟﺒﻼء ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪،‬‬
‫ﻗﺪ ﺣﺎرﺑﻮا ﷲ رﺳﻮﻟﻪ أ ﺳﻌﻮا ﰲ اﻷرض ﻓﺴﺎدا؛ ﻓﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻌﻮا ﻳﺪا ﻣﻦ ﻃﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﻨﻜﺮ ا ﺳﻠﻄﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻻ ﺳﻠﻄﺎ اﻟﻴﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸﻬﺪ اﻟﺼﻼة ﻣﻊ ﻫﺬا‬
‫اﻷﻣري ﻳﺆد ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ‪ .‬ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﺄﺧﺬ ا ﺑﻪ ﻫﻮ أﻧﻬﻢ ﻧﻘﺪ ا ﺳرية‬
‫اﻷﻣري أ ﺑﻌﺾ ﻗﻮﻟﻪ‪ ،‬ﺗﺠﺎ ز ا ﺣﺪﻫﻢ‪ ،‬ﻓﴬﺑﻮا ذا اﻟﻐﻼ أ ﴐﺑﻮا ﺻﺎﺣﺐ ﴍﻃﺔ‬
‫اﻷﻣري‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ ﻧﻘﺪﻫﻢ أﻋﻤﺎ اﻷﻣري أﻗﻮاﻟﻪ ﻓﺤﻖ ﻟﻬﻢ ﻻ ﻳﻨﺎزﻋﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻨﺎزع‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﺸﻴﺨﺎ‬
‫ﻳﻄﻠﺒﺎﻧﻪ إﱃ اﻟﻨﺎس ﻗﺒﻞ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻌﺎﻗﺒﻮا ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬أﻣﺎ ﴐﺑﻬﻢ اﻟﻐﻼ أ ﺻﺎﺣﺐ‬
‫اﻟﴩﻃﺔ ﻓﺎﻋﺘﺪاء ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﻌﺎﻗﺒﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄﻳﴪ اﻟﺘﻌﺰﻳﺮ‪ ،‬ﺑﺎﻟﻠﻮ أ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ أ ﺑﺈﻗﺼﺎص‬
‫اﻟﺮﺟﻠني ﻣﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ ﻧﻔﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻷرض ﻓﺄﻣﺮ ﻋﻈﻴﻢ‪ .‬ﻗﺪ ﻗﺎ ﻗﺎﺋﻠﻮ ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﻘﺪﻳﻢ‪ :‬إ‬
‫ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﻧﻔﻰ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ﺑﻦ ﺣﺠﺎج ﺣني ﺧﺎ ﻣﻨﻪ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﺴﺎء‪ ،‬ﻓﺠﺎﺋﺰ ﻟﻌﺜﻤﺎ‬
‫أ ﻟﻌﺎﻣﻠﻪ أ ﻳﻨﻔﻲ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺣني ﺧﺎ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني‪ .‬ﻟﻜﻦ‬
‫ﻧﻔﻲ ﻧﴫ ﺑﻦ ﺣﺠﺎج ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻧﻔﻴﺎ ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻟﻬﺬ اﻟﻜﻠﻤﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻘﻮﺑﺔ‪ .‬ﻓﻨﴫ ﺑﻦ‬
‫ﺣﺠﺎج ﻟﻢ ﻳﻘﱰ إﺛﻤﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻤﻨﺢ ﻗﺪ ﻣﺎ ﻣﻨﺤﻪ ﷲ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺪا ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻎ ﻋﲆ ﺟﻬﻪ ﻣﺎ‬
‫ﻳﻔﺘﻦ ﺑﻪ‪ .‬ﻣﺎ أر إﻻ أ ﻋﻤﺮ ﺣﺒﺐ إﻟﻴﻪ‬ ‫ﱠ‬ ‫أﺳﺒﻎ ﷲ ﻣﻦ ﺟﻤﺎ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻐﺮ اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺄ ﻳﺘﺒﻌﻨﻪ‬
‫اﻟﺨﺮ ج ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ دﻋﺎ إﻟﻴﻪ أﻋﺎﻧﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎملﺎ ‪ ،‬ﺗﻘ ﱠﺪ إﻟﻴﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﺑﻠﻬﺠﺘﻪ اﻟﺤﺎزﻣﺔ‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻌﻨﻒ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻨﻔﺎ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﻗﺪ رﴈ ﻋﻦ إزﻋﺎج ﻋﻤﺮ ﻟﻬﺬا اﻟﻔﺘﻰ‬
‫ﻋﻦ أرﺿﻪ‪ .‬أﻋﻮد ﻓﺄﻗﻮ إ ﻋﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﻨﻒ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ ﻟﻢ ﻳﻌﺎﻗﺒﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻏﺮا ﺑﺎﻟﺨﺮ ج‬
‫أﻋﺎﻧﻪ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻓﺄﻣﺎ ﺳﻌﻴﺪ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻐﺮ ﻫﺆﻻء اﻟﻘﻮ ﺑﺎﻟﺨﺮ ج ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻟﻢ ﻳﻌﻨﻬﻢ ﻋﲆ ذﻟﻚ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ أﺧﺮﺟﻬﻢ ﻣﻦ أرﺿﻬﻢ ﺑﻘﻮة اﻟﺴﻠﻄﺎ ‪ ،‬أرﺳﻠﻬﻢ إﱃ دار ﻏﺮﺑﺔ ﻻ ﻳﻄﻤﺌﻨﻮ إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻻ‬

‫‪95‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻳﺴﻜﻨﻮ إﱃ أﻫﻠﻬﺎ‪ ،‬أﺳﻠﻤﻬﻢ ﻫﻮ أ أﺳﻠﻤﻬﻢ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻟﻴﻤﺴﻚ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ‪،‬‬

‫ﻟﻴﺴﺘﺼﻠﺤﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﺮ اﺳﺘﺼﻼﺣﻬﻢ‪ .‬ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أﺧﺮﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﴫﻫﻢ أزﻋﺠﻬﻢ ﻋﻦ أﻫﻠﻬﻢ‬
‫ﻧﻘﻠﻬﻢ ﻣﻦ دﻳﻮاﻧﻬﻢ ﺳﻠﺒﻬﻢ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﻖ ﻗﻠﻴﻞ أ ﻛﺜري‪ .‬ﻗﺪ ﻳﻘﺎ ‪ :‬إﻧﻪ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻨﻔﻬﻢ ﻣﻦ اﻷرض ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻟﻬﺬ اﻟﻜﻠﻤﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أﺧﺮﺟﻬﻢ ﻣﻦ دار إﺳﻼ إﱃ دار‬
‫إﺳﻼ ‪ ،‬اﻷرض اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ دار ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻛﻠﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﴏ ا ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺑﻌني أﻧﻜﺮ ا ﻫﺬا اﻟﺘﺴﻴري ﻋﲆ‬
‫ﻛﻞ ﺣﺎ ‪ ،‬رأ ﻧﻔﻴﺎ ﻻ ﻳﺠﻮز‪ .‬ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻘﻞ اﻟﻘﺎﺋﻠﻮ ﻓﺈ ﻟﻺﻣﺎ أ ﻳﻌﺎﻗﺐ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ‬
‫أ ﻳﺘﺠﺎ ز ﺑﻌﻘﻮﺑﺘﻪ ﺣﺪ د اﻟﻌﺮ املﺄﻟﻮ ‪ .‬ﺳﻨﺮ أ ﻻة ﻋﺜﻤﺎ أﴎﻓﻮا ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻢ‬
‫ﻋﲆ إﻣﺎﻣﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ اﻟﺘﺴﻴري‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺗﻠﻘﻰ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ ﻓﺄﻧﺰﻟﻬﻢ ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ‪ ،‬أﺟﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻘﻴﻢ أ دﻫﻢ‪،‬‬
‫ﺟﻌﻞ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻴﻬﻢ ﻣﺮة ﻳﺪﺧﻠﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮة أﺧﺮ ؛ ﻳﻨﺎﻇﺮﻫﻢ ﻳﺆاﻣﺮﻫﻢ ﻳﻌﻈﻬﻢ ﻓﻼ‬
‫ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻨﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ‪ .‬ﻧﺎﻇﺮﻫﻢ ﰲ ﻓﻀﻞ ﻗﺮﻳﺶ ﻋﲆ اﻟﻌﺮب‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻟﻘﺮﻳﺶ ﻋﲆ اﻟﻌﺮب‬
‫ﻓﻀﻼ‪ .‬اﻹﺳﻼ ﻻ ﻳﻌﺮ ﻟﻘﺮﻳﺶ ﻓﻀﻼ ﻋﲆ اﻟﻌﺮب ﻻ ﻋﲆ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬إﻻ أ‬
‫ﻳﻜﻮ ﻫﺬا اﻟﻔﻀﻞ ﻫﻮ أ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ ﺑﻌﺚ ﻣﻨﻬﻢ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻧﺒﻌﺎث اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻻ ﻳﺒﻴﺢ‬
‫ﻟﻬﺎ أ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﰲ رﻗﺎب اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻻ أ ﺗﻤﺘﺎز ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﻤﺘﺎز ﰲ‬
‫أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻫﻮ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎ ﻻ ﻳﺒﻴﺢ ﻷﻣري ﻗﺮﳾ أ ﻳﻘﻮ ‪ :‬إﻧﻤﺎ اﻟﺴﻮاد ﺑﺴﺘﺎ ﻟﻘﺮﻳﺶ‪.‬‬
‫ﻧﺎﻇﺮﻫﻢ ﰲ اﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﻺﻣﺎ ﻻﺗﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻨﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ ا اﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﻺﻣﺎ ﻣﺎ‬
‫أﻗﺎ اﻟﻌﺪ أﻣﴣ اﻟﺤﻖ أﺣﻴﺎ اﻟﺴﻨﺔ أﻣﺎت اﻟﺒﺪﻋﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻧﻜﺮ ا ﻃﺎﻋﺔ اﻹﻣﺎ ﻻﺗﻪ إ‬
‫ﺟﺎر ا ﻋﻦ اﻟﻘﺼﺪ اﻧﺤﺮﻓﻮا ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ‪ .‬ﻧﺎﻇﺮﻫﻢ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻨﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬أﻧﻜﺮ ا‬
‫ﻋﻠﻴﻪ أ ﻳﻌﻈﻬﻢ أ ﻳﺴري ﻓﻴﻬﻢ ﺳرية اﻷﻣري‪ ،‬ﻃﻠﺒﻮا إﻟﻴﻪ أ ﻳﻌﺘﺰ اﻹﻣﺎرة ﻟﻴﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﻮ‬
‫أﻗﺪ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻹﺳﻼ ﻋﻬﺪا‪ ،‬أﻛﺮ ﻣﻨﻪ أﺑﺎ‪ ،‬أﺟﺪر ﻣﻨﻪ أ ﻳﻘﻴﻢ ﺣﺪ د اﻹﺳﻼ ‪.‬‬
‫ﻳﻈﻬﺮ أ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻴﺌﺲ ﻣﻦ إﺻﻼح ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺧﺎﻓﻬﻢ أﻳﻀﺎ‬
‫ﻋﲆ أﻫﻞ اﻟﺸﺎ ‪ .‬ﻛﺎ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻛﺜري اﻟﺨﻮ ﻋﲆ أﻫﻞ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻓﻜﺘﺐ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺴﺘﻌﻔﻴﻪ‬
‫ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺘﻬﻢ ﻋﻨﺪ ‪ ،‬ﻓﺄﻋﻔﺎ ‪ ،‬ﺗﻘﺪ إﻟﻴﻪ ﰲ أ ﻳﺮدﻫﻢ إﱃ ﻣﴫﻫﻢ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺎد ا ﻳﻌﻮد إﱃ‬
‫اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺣﺘﻰ أﻃﻠﻘﻮا أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﰲ ﺳﻌﻴﺪ ﰲ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﰲ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ اﻧﺘﴩت دﻋﻮﺗﻬﻢ‬
‫ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ‪ .‬ﻓﺄﻋﺎد ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺴﺘﻌﻔﻴﻪ ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺔ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﰲ ﻣﴫﻫﻢ‪،‬‬
‫ﻓﺄﻋﻔﺎ ﻋﺜﻤﺎ أﻣﺮ أ ﻳﻨﻔﻴﻬﻢ ﻣﺮة أﺧﺮ إﱃ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻋﻨﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ‬
‫اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻛﺎ أﻣريا ملﻌﺎ ﻳﺔ ﻋﲆ ﺣﻤﺺ اﻟﺠﺰﻳﺮة‪ .‬ﻓﺄرﺳﻠﻮا إﱃ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ ،‬ﺗﻠﻘﺎﻫﻢ أﺷﺪ‬

‫‪96‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ‬

‫ﻟﻘﺎء أﻋﻨﻔﻪ‪ ،‬ﺟﻌﻞ ﻳﺴﻮﻣﻬﻢ اﻟﺨﺴﻒ‪ ،‬ﻳﻌﻈﻢ ﻟﻬﻢ أﻣﺮ ﻧﻔﺴﻪ أﻣﺮ أﺑﻴﻪ أﻣﺮ ﻗﺮﻳﺶ‪،‬‬
‫ﻻ ﺑﺎملﻨﺎﻇﺮة اﻟﺤﺠﺎج‪ ،‬ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻘﻮ اﻟﻐﻠﻴﻆ‪ ،‬اﻟﺴرية اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﻏﻠﻆ ﻣﻦ اﻟﻘﻮ ‪ .‬ﺟﻌﻞ ﻻ‬
‫ﻳﺮﻛﺐ إﻻ أﻣﺸﺎﻫﻢ ﺣﻮ رﻛﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻳﺆﻧﺒﻬﻢ ﻳﺰﺟﺮﻫﻢ ﻳﺬﻟﻬﻢ ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﻟﻠﻨﺎس ﻧﻜﺎﻻ؛ ﻓﻠﻤﺎ‬
‫ﺷﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ذﻟﻚ أﻇﻬﺮ ا اﻟﻄﺎﻋﺔ أﻋﻠﻨﻮا اﻟﺘﻮﺑﺔ اﺳﺘﻘﺎﻟﻮ ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺎ ﻋﺜﺮﺗﻬﻢ‪ ،‬أرﺳﻞ اﻷﺷﱰ‬
‫اﺣﺪا ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺘﻮﺑﺘﻬﻢ ﻃﺎﻋﺘﻬﻢ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬أﻗﺒﻞ اﻷﺷﱰ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻘﺎ ﻟﻪ ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻪ‪.‬‬
‫أذ ﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أ ﻳﻨﺰ ﻣﻦ اﻷرض ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺎء‪ ،‬ﻓﺂﺛﺮ اﻟﺮﺟﻮع إﱃ أﺻﺤﺎﺑﻪ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻋﻨﺪ‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻟﻢ ﺗﻄﻞ؛ ﻓﻘﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻮﺛﺐ أﺻﺤﺎب املﻨﻔﻴني أ املﺴ ﱠريﻳﻦ أﺟﻤﻌﻮا أﻣﺮﻫﻢ أ ﻳﺤﻮﻟﻮا ﺑني ﺳﻌﻴﺪ ﺑني اﻟﺮﺟﻮع‬
‫إﻟﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻛﺘﺒﻮا إﱃ أﺻﺤﺎﺑﻬﻢ ﻳﺴﺘﻘﺪﻣﻮﻧﻬﻢ ﻓﺄﻗﺒﻠﻮا ﻣﴪﻋني ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻮا اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬أﻗﺴﻤﻮا ﻻ‬
‫ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺳﻌﻴﺪ ﻣﺎ ﺣﻤﻠﻮا ﺳﻴﻮﻓﻬﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﺧﺮﺟﻮا ﰲ ﺟﻤﻊ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻘﻮدﻫﻢ اﻷﺷﱰ ﺣﺘﻰ‬
‫ﺑﻠﻐﻮا اﻟﺠﺮﻋﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻧﺘﻈﺮ ا ﺳﻌﻴﺪا ﺣﺘﻰ رد ‪ ،‬أﻛﺮﻫﻮا ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ أ ﻳﻌﺰﻟﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻳﻮﱄ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻏري ‪ ،‬اﺧﺘﺎر ا أﺑﺎ ﻣﻮﳻ اﻷﺷﻌﺮ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺪٍّا ﻣﻦ ﺗﻮﻟﻴﺘﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ .‬ﻛﺬﻟﻚ‬
‫أﻛﺮ ﻋﲆ أ ﻳﻌﺰ ﻋﺎﻣﻠﻪ ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻣﺮﺗني‪ :‬ﻋﺰ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻷﻧﻪ ﻟﻬﺎ ﻋﺒﺚ اﺳﺘﻌﲆ ﴍب‬
‫اﻟﺨﻤﺮ‪ ،‬ﻋﺰ ﺳﻌﻴﺪا ﻷﻧﻪ اﺷﺘﺪ ﻗﺴﺎ أﴎ ﰲ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻗﺮﻳﺶ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻘﱰح ﻋﻠﻴﻪ أﻫﻞ‬
‫اﻟﻜﻮﻓﺔ أﺣﺪا ﺣني ﻋﺰ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻓﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺳﻌﻴﺪا‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ أﻛﺮﻫﻮ ﻋﲆ ﻋﺰ ﺳﻌﻴﺪ ﻟﻢ ﻳﱰﻛﻮا‬
‫ﻟﻪ اﺧﺘﻴﺎر اﻷﻣري‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﺧﺘﺎر ﻫﻢ‪ ،‬اﺧﺘﺎر ا رﺟﻼ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻫﻮ إﱃ ذﻟﻚ‬
‫ﻳﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻮﱃ أﻣﺮﻫﻢ أﺑﻮ ﻣﻮﳻ اﻷﺷﻌﺮ ‪ ،‬ﺛﺎﺑﻮا إﱃ ﳾء ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻘﺮار‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﻘﺮار ﻟﻢ‬
‫ﻳﺪ إﻻ ﻗﻠﻴﻼ‪.‬‬

‫‪97‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ‬

‫ﻛﺎ أﺑﻮ ﻣﻮﳻ اﻷﺷﻌﺮ ﻋﺎﻣﻞ ﻋﻤﺮ ﻋﲆ اﻟﺒﴫة‪ ،‬ﻓﺄﻗﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ أﻋﻮاﻣﺎ‪ ،‬ﻳﻘﻮ ﺑﻌﺾ‬
‫اﻟﺮ اة إﻧﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ‪ ،‬ﻳﻘﻮ أﻛﺜﺮﻫﻢ إﻧﻬﺎ ﺳﺘﺔ‪ .‬اﻟﻜﺜﺮة ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﴫة ﻣﴬﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ‬
‫رﺑﻌﻴﻮ ﻛﺜري ‪ ،‬ﻓﻴﻬﻢ ﻗﻠﺔ ﻳﻤﺎﻧﻴﺔ‪ .‬ﻷﻣﺮ ﻣﺎ أﺣﺐ ﻋﻤﺮ أ ﻳﻮﱄ رﺟﻼ ﻣﻦ اﻟﻴﻤﻦ ﻋﲆ‬
‫اﻟﺒﴫة ﻛﺜﺮة أﻫﻠﻬﺎ ﻣﴬﻳﺔ‪ ،‬أ ﻳﻮﱄ ﺛﻘﻔﻴٍّﺎ ﻫﻮ املﻐرية ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻛﺜﺮة أﻫﻠﻬﺎ‬
‫ﻳﻤﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬أ ﻳﻮﱄ ﻗﺮﺷﻴني ﻣﴬﻳني ﻋﲆ اﻟﺸﺎ ﻣﴫ‪ ،‬ﻛﺜﺮة اﻟﻌﺮب ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻳﻤﺎﻧﻴﺔ أﻳﻀﺎ؛‬
‫ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﰲ أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أ ﻳﻘﺎ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺰﻳﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻴﺨﺎﻟﻒ ﺑني ﻋﺼﺒﻴﺔ اﻟﻮﻻة‬
‫ﻋﺼﺒﻴﺔ اﻟﺮﻋﻴﺔ‪ .‬ﻗﺪ اﺳﺘﻘﺎﻣﺖ أﻣﻮر اﻟﺒﴫة ﰲ ﻋﻬﺪ أﺑﻲ ﻣﻮﳻ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ أﻋﻮاﻣﺎ‪ ،‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﻨﻜﺮ أﻫﻠﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ أﻣريﻫﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ اﻷﻣري ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ رﻋﻴﺘﻪ‪ .‬ﻛﺎ أﺑﻮ ﻣﻮﳻ رﺟﻼ ﻣﻦ‬
‫أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻘﺪﱠﻣﺎ ﻓﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻛﺮﻳﻢ اﻟﺴرية ﺟﻤﻴﻞ اﻟﻬﺪ ﻣﻤﻌﻨﺎ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ‬
‫ﻇﻬﺮت أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺟﻌﻞ ﻛﻞ ﺣﻲ ﻣﻦ أﺣﻴﺎء اﻟﻌﺮب ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ﻧﻔﺴﻪ إﱃ ﺣﻈﻪ‪ .‬ﻧﻈﺮت‬
‫ﻗﺮﻳﺶ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻓﺈذا ﺛﻼث ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻷرﺑﻊ اﻟﻜﱪ ﻳﻠﻴﻬﺎ أﻣﺮاء ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‪:‬‬
‫اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎ ﰲ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻋﻤﺮ ﺑﻦ‬
‫اﻟﻌﺎص ﰲ ﻣﴫ ﺑﻌﺪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح‪.‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ إﻻ ﻣﴫ اﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻷﻣﺼﺎر اﻟﻜﱪ ﻟﻢ ﻳﻞ أﻣﺮ أﻣﻮ ﱞ ﻻ ﻗﺮﳾﱞ ﻻ‬
‫ﻣﴬ ﱞ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻟﻴﻪ رﺟﻞ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻴﻤﻦ‪ .‬ﻓﻜﺎ ﻣﺮﻛﺰ أﺑﻲ ﻣﻮﳻ ﺑني ﻫﺆﻻء اﻟﻮﻻة ﻏﺮﻳﺒﺎ‬
‫ﺷﺎذٍّا‪ ،‬ﻫﻮ اﻟﻴﻤﻨﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬ ﻳﲇ ﻣﴫا ذا ﺧﻄﺮ‪ ،‬ﻣﴫا ﻛﺜﺮة أﻫﻠﻪ ﻣﴬﻳﺔ‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ‬
‫ﰲ أ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﺗﻨﺒﻬﺖ ﻟﺬﻟﻚ‪ ،‬ﺗﻨﺒﻬﺖ ﻟﻪ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺗﻨﺒﻬﺖ ﻟﻪ املﴬﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﴫة‪.‬‬
‫ﻓﻴﻘﻮ ﺑﻌﺾ اﻟﺮ اة‪ :‬إ رﺟﻼ ﻣﴬﻳٍّﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺿﺒﺔ‪ ،‬ﻫﻮ ﻏﻴﻼ ﺑﻦ ﺧﺮﺷﺔ اﻟﻀﺒﻲ‪ ،‬ﺧﺮج‬
‫إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻦ ﻋﻔﺎ ﻓﻘﺎ ‪ :‬أﻣﺎ ﻟﻜﻢ ﺻﻐري ﻓﺘﺴﺘﺸﺒﱡﻮ ﻓﺘﻮﻟﻮ اﻟﺒﴫة؟ ﺣﺘﻰ ﻣﺘﻰ ﻳﲇ ﻫﺬا‬
‫اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺒﴫة؟ ﻳﻌﻨﻲ أﺑﺎ ﻣﻮﳻ‪ ،‬ﻛﺎ ﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت ﻋﻤﺮ ﺳﺖ ﺳﻨني‪ ،‬ﻓﻌﺰﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻳﻘﻮ آﺧﺮ ‪ :‬إ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻮر املﻔﺘﻮﺣﺔ اﻧﺘﻘﻀﺖ ﻋﲆ أﺑﻲ ﻣﻮﳻ‪ ،‬ﻓﺨﻄﺐ اﻟﻨﺎس ﻓﺮﻏﺒﻬﻢ‬
‫ﰲ اﻟﺠﻬﺎد ﺣﺒﺐ إﻟﻴﻬﻢ أ ﻳﺴﻌﻮا إﱃ ﻋﺪ ﻫﻢ راﺟﻠني‪ .‬ﻓﻘﺒﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ‪ ،‬ﺗﻠﺒﺚ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺣﺘﻰ‬
‫ﻳﺮ ﻣﺎ ﻳﺼﻨﻊ اﻷﻣري‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮج أﺑﻮ ﻣﻮﳻ ﻧﻈﺮ اﻟﻨﺎس ﻓﺈذا ﻫﻮ راﻛﺐ ﻗﺪ ﺣﻤﻞ أﺛﻘﺎﻟﻪ‬
‫ﻋﲆ أرﺑﻌني ﻣﻦ اﻟﺒﻐﺎ ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺒﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻪ‪ :‬اﺣﻤﻠﻨﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻔﻀﻮ ؛ ﻓﺰﺟﺮ اﻟﻨﺎس‬
‫ﺣﺘﻰ ارﺗﺪ ا ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﻢ أرﺳﻠﻮا ﻓﺪا إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺴﺘﻌﻔﻴﻪ ﻣﻦ أﺑﻲ ﻣﻮﳻ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺳﺄﻟﻬﻢ‬
‫ﻋﻤﻦ ﻳﺤﺒﻮ ﻟﻢ ﻳﻘﱰﺣﻮا أﺣﺪا‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻣﻦ ﺷﺌﺖ ﻓﻮ ﱢﻟﻪ؛ ﻓﺈ ﰲ أ اﻟﻨﺎس اﺧﱰﺗﻪ‬
‫ﻋﻮﺿﺎ ﻣﻨﻪ‪ .‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻣﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻢ ﻧﺤﺐ أ ﻧﻘﻮ ! اﺗﻬﻤﻮا أﺑﺎ ﻣﻮﳻ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺄﻛﻞ أرﺿﻬﻢ‬
‫ﻳﻄﻌﻢ رﻫﻄﻪ ﻣﻦ اﻷﺷﻌﺮﻳني‪ ،‬ﻓﻌﺰﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬اﺧﺘﺎر ﻟﻮﻻﻳﺔ اﻟﺒﴫة اﺑﻦ ﺧﺎﻟﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ‬
‫ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻛﺮﻳﺰ‪ ،‬ﻓﺪﺧﻞ اﻟﺒﴫة اﻟﻴﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻮ اﺑﻦ ﺧﻤﺲ ﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ‪.‬‬
‫ﺑﻠﻎ أﺑﺎ ﻣﻮﳻ ﺗﻮﻟﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ ﻓﻠﻢ ﻳﺤﺮج ﺻﺪر ﻟﺬﻟﻚ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻗﺎ ﻟﻠﻨﺎس‪» :‬ﻳﺄﺗﻴﻜﻢ‬
‫ﻏﻼ ﺧﺮاج ﱠﻻج ﻛﺮﻳﻢ اﻟﺠﺪﱠات اﻟﺨﺎﻻت اﻟﻌﻤﺎت ﻳﺠﻤﻊ ﻟﻪ اﻟﺠﻨﺪا ‪1 «.‬‬
‫ﱠ‬
‫ﱠ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺊ اﻟﺸﻴﺦ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻓﺘﻰ ﻣﻦ ﻓﺘﻴﺎ ﻗﺮﻳﺶ ﺧ ﱠﺮاﺟﺎ ﻻﺟﺎ‪،‬‬
‫ذا ﺣﺰ ﻋﺰ ﻗﻮة ﺑﺄس ﻧﻔﻮذ ﻣﻦ املﺸﻜﻼت‪ .‬ﺷﻐﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﺷﻐﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻟﻔﺘﺢ‪،‬‬
‫ﻧﺎﻓﺲ ﻓﻴﻪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻓﺴﺒﻘﻪ‪ ،‬ﺳﺎر ﰲ اﻟﻨﺎس ﺳرية ﺟ ﱟﺪ ﻛﺮ ﻣﻀﺎء‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻠﻖ‬
‫ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﴫة ﻣﺎ ﻟﻘﻲ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬ﻣﺎ ﻟﻘﻲ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ‬
‫ﴎح ﻣﻦ أﻫﻞ ﻣﴫ‪ .‬ﻣﺼﺪر ذﻟﻚ ﰲ أﻛﱪ اﻟﻈﻦ ﺳريﺗﻪ ﺣﺰﻣﻪ ﺑﻌﺪ رأﻳﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬أ‬
‫اﻟﻜﺜﺮة اﻟﻜﺜرية ﻣﻦ رﻋﻴﺘﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﴬﻳﺔ ﻳﲇ أﻣﺮﻫﺎ ﻣﴬ ﱞ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻨﻜﺮ ا ﻟﻢ ﻳﺸﻜﻮا‪ .‬ﻣﻊ‬
‫ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺴﻠﻢ ﻣﴫ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﴩ‪ .‬آﻳﺔ ذﻟﻚ أ ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﴫة‬
‫ﺷﺎرﻛﻮا ﰲ اﻟﺨﺮ ج ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا أﻗﻞ ﻣﻦ ﻏريﻫﻢ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻳﺪ ﻋﲆ أ املﴫ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ‬
‫ﻛﻠﻪ راﺿﻴﺎ ﻻ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻻ ﻋﻦ اﻟﻴﻪ‪ .‬ﻟﻢ ﺗﺨﻞ اﻟﺒﴫة ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﺷﻜﺖ ﻣﻨﻪ اﻟﻜﻮﻓﺔ؛‬
‫ﻓﻘﺪ ﺳري ﺑﻌﺾ أﻫﻠﻬﺎ إﱃ اﻟﺸﺎ ﻛﻤﺎ ﺳري إﱃ اﻟﺸﺎ ﺑﻌﺾ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﺗﺴﻴري ﻣﻦ‬
‫ﺳري ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﴫة ﻛﺎ ﻇﻠﻤﺎ ﺻﺎرﺧﺎ أﺧﺬ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﻈﻨﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ أ ﺗﺒني ﻣﺎ‬
‫ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻮر‪ .‬ﻓﻘﺪ ﺳﻌﻰ ﺳﺎع إﱃ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺄ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﻴﺲ ﻳﺨﺎﻟﻒ‬
‫املﺴﻠﻤني ﰲ أﻣﻮر أﺣﻠﻬﺎ ﷲ ﻟﻬﻢ؛ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺄﻛﻞ اﻟﻠﺤﻢ‪ ،‬ﻻ ﻳﺮ اﻟﺰ اج‪ ،‬ﻻ ﻳﺸﻬﺪ اﻟﺠﻤﻌﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺘﺐ ﻓﻴﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻗﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺮ اة‪ :‬إ ﻋﺜﻤﺎ اﺳﺘﻘﺪﻣﻪ إﱃ‬

‫‪ 1‬اﻟﻄﱪ ﰲ أﺣﺪاث ﺳﻨﺔ ﺗﺴﻊ ﻋﴩﻳﻦ‪.‬‬

‫‪100‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ‬

‫املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺗﺒني أﻧﻪ ﻣﻜﺬ ب ﻋﻠﻴﻪ رد إﱃ ﻣﴫ ﻣﻮﻓﻮرا‪ .‬ﻗﺎ آﺧﺮ ‪ :‬إ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺘﺐ‬
‫إﱃ ﻋﺎﻣﻠﻪ ﻋﲆ اﻟﺒﴫة أ ﻳﺴري إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ أدﺧﻞ ﻋﲆ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺟﺪ ﻋﻨﺪ ﻃﻌﺎﻣﺎ‬
‫ﻓﺸﺎر ﻓﻴﻪ ﺣني دﻋﻲ إﻟﻴﻪ‪ ،‬رآ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻳﺄﻛﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﻓﺘﺒني اﻟﻜﺬب ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬اﻣﺘﺤﻨﻪ ﻓﻴﻤﺎ‬
‫اﺗﻬﻢ ﺑﻪ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ‪ :‬إﻧﻪ أﻣﺴﻚ ﻋﻦ أﻛﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﻣﻦ ذﺑﺎﺋﺢ اﻟﻘﺼﺎﺑني ﻣﻨﺬ رأ ﻗﺼﺎﺑﺎ ﻳﻌﻨﻒ‬
‫ﺑﺸﺎة ﰲ ذﺑﺤﻬﺎ‪ ،‬أﻧﻪ ﻳﺸﻬﺪ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﰲ ﻣﺆﺧﺮ املﺴﺠﺪ ﻳﺨﺮج ﰲ أ اﻟﻨﺎس‪ ،‬أﻧﻪ أﺧﺮج‬
‫ﻣﻦ اﻟﺒﴫة ﺣني ﻛﺎ ﻳﺨﻄﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺘﺰ ﻳﺠﻪ‪ ،‬ﻓﺄراد ﻣﻌﺎ ﻳﺔ أ ﻳﺮد إﱃ ﻣﴫ ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ أﺑﻰ‬
‫أ ﻳﻌﻮد إﱃ ﺑﻠﺪ ﻳﺴﺘﺤﻞ أﻫﻠﻪ اﻟﻮﺷﺎﻳﺔ اﻟﺴﻌﺎﻳﺔ اﻟﻨﻔﻲ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺎ ﺑﺎﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻣﴣ ﰲ زﻫﺪ‬
‫ﻧﺴﻜﻪ‪ .‬أﺣﺒﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻻ ﻳﺮا إﻻ ﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻴﺠﻴﺐ‪ :‬ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﱄ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫أﻛﺜﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﻗﺎ ﻟﻪ ﻋﺎﻣﺮ‪ :‬اردد ﻋﲇ ﱠ ﺑﻌﺾ ﺣ ﱢﺮ اﻟﺒﴫة؛ ﻓﺈ اﻟﺼﻮ ﻳﺨﻒ ﻋﲇ ﱠ ﰲ‬
‫ﺑﻠﺪﻛﻢ‪ .‬ﻣﺎ أر أ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ أﺗﻴﺢ ﻟﻪ ا اﺳﺘﻄﺎع أ ﻳﻜﻔﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس إﻻ ﻋﺒﺪ‬
‫ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﰲ اﻟﺒﴫة ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﰲ اﻟﺸﺎ ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻨﺪع اﻟﻌﺮا ﺑﻌﺪ أ رأﻳﻨﺎ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻣﴫﻳﻪ ﻣﺎ رأﻳﻨﺎ‪ ،‬ﻟﻨﻨﺘﻘﻞ إﱃ اﻟﺸﺎ ﺑﻌﺪ أ‬
‫ﻧﻼﺣﻆ أ اﻟﻨﺎس ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻤﻮا ﻣﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ إﻻ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﺣﺪاﺛﺔ ﺳﻨﻪ‪ ،‬أﻧﻪ‬
‫ﺟﺎء ﺑﻌﺪ أﺑﻲ ﻣﻮﳻ‪ ،‬أﻧﻪ ﺳﺎر ﰲ اﻟﻨﺎس ﺳرية ﻗﺮﺷﻴﺔ ﻟﻌﻠﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻼﺋﻢ ﻫﺪ أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻءﻣﺖ ﻋﺼﺒﻴﺔ املﴬﻳني ﻃﻤﻮﺣﻬﻢ إﱃ اﻟﻔﺘﺢ ﴍﻫﻬﻢ إﱃ اﻟﻐﻨﻴﻤﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺄ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻳﻌﺮ ﻣﺎ ﻳﻨﻘﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ أﻣﺮ ﺗﻮﻟﻴﺘﻪ‪ ،‬ﻓﺤﺮص ﻋﲆ‬
‫أ ﻳﺒني ﻟﻠﻨﺎﻗﻤني أﻧﻪ ﻛﺎ ﻟﻠﻮﻻﻳﺔ أﻫﻼ ﺑﻬﺎ ﺟﺪﻳﺮا‪ .‬ﻟﻌﻠﻪ أﴎ ﺑﻌﺾ اﻹﴎا ﰲ أﻣﻮر‬
‫اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻗﻴﻞ‪ :‬إﻧﻪ أﻣﻌﻦ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ ﺑﻠﻎ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ أراد ﻣﺮة‪ .‬ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ‪ :‬ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ أﺣﺪ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻔﺘﺢ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﺖ‪ .‬ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﻻ ﺟﺮ ‪ ،‬ﻷﺟﻌﻠﻦ ﺷﻜﺮ هلل ﻋﲆ ذﻟﻚ أ أﺣﺮ ﺑﺎﻟﻌﻤﺮة ﻣﻦ ﺣﻴﺚ‬
‫اﻧﺘﻬﻴﺖ‪ .‬ﻻﻣﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ أ أﺣﺮ ﻣﻦ أﻋﻤﺎ ﻓﺎرس ﻋﲆ ﺣني أ ﻟﻺﺣﺮا أﻣﺎﻛﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ‬
‫ﻻ ﻳﺤﺮ ﻗﺒﻠﻬﺎ إﻻ ﻣﴪ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ‪ .‬ﻫﺬ اﻟﻘﺼﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﺪ ﻋﲆ ﻣﻘﺪار ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ‬
‫ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻳﺒﺬ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺪ ﻟﻴﺤﻤﺪ اﻟﻨﺎس ﺳريﺗﻪ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪.‬‬

‫‪101‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺎﴍ‬

‫ﻈﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﳾء أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﻴﺎ ﻟﻌﻤﺮ ﻋﲆ دﻣﺸﻖ‪،‬‬ ‫ﻛﺎ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ أﻋﻈﻢ اﻟﻮﻻة ﺣ ٍّ‬
‫ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎت أﺧﻮ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎ ﻛﺎ اﱄ ﻋﻤﺮ ﻋﲆ اﻷرد ‪ ،‬ﺿﻢ ﻋﻤﺮ إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‬
‫ﻋﻤﻞ أﺧﻴﻪ‪ ،‬ﺷﻜﺮ ذﻟﻚ ﻟﻪ أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎ ‪ :‬ﻟﻜﻦ ﻋﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﺤﺎب ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻟﻢ ﻳﺮد أ ﻳﻌﺰ‬
‫أﺑﺎ ﺳﻔﻴﺎ ﻋﻦ ﻣﻮت اﺑﻨﻪ ﺑﻀﻢ ﻋﻤﻠﻪ إﱃ أﺧﻴﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ رﴈ ﻋﻦ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ رأ ﻓﻴﻪ ﻛﻔﺎﻳﺔ‬
‫ﻋﺰﻣﺎ ﺣﺰﻣﺎ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﻜﻔﺎ اﻷرد ﻓﻜﻔﺎ ‪ ،‬ﻗﺪ ﻣﺎت ﻋﻤﺮ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻋﲆ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺠﻨﺪﻳﻦ‪،‬‬
‫ﻓﺄﻗﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ‪ ،‬ﻛﻤﺎ أﻗﺮ ﻋﻤﺎ ﻋﻤﺮ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻋﺎﻣﻪ اﻷ ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻘﻤﺔ‬
‫اﻟﻜﻨﺎﻧﻲ ﻋﺎﻣﻞ ﻋﻤﺮ ﻋﲆ ﻓﻠﺴﻄني ﻳﻤﻮت‪ ،‬ﻓﻴﻀﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻠﺴﻄني إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻤﺮض‬
‫ﻋﻤري ﺑﻦ ﺳﻌﺪ اﻷﻧﺼﺎر ﻋﺎﻣﻞ ﻋﻤﺮ ﻋﲆ ﺣﻤﺺ ﻳﺴﺘﻌﻔﻲ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻌﻔﻴﻪ‬
‫ﻳﻀﻢ ﺣﻤﺺ إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﻓﺘﺨﻠﺺ ﻟﻪ أرض اﻟﺸﺎ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻳﺼﺒﺢ أﻋﻈﻢ اﻟﻌﻤﺎ ﺧﻄﺮا‬
‫أﻋﻼﻫﻢ ﻗﺪرا أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻗﺪ اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻟﻪ اﻷﺟﻨﺎد اﻷرﺑﻌﺔ‪ ،‬أﺻﺒﺢ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﺮﻛﺰ‬
‫اﻟﺠﻐﺮاﰲ ﻗﻮﻳٍّﺎ إﱃ ﺣﺪ ﻏري ﻣﺄﻟﻮ ‪ .‬ﻗﺪ ﻗﻌﺖ ﻻﻳﺘﻪ ﺑني اﻟﺤﺠﺎز ﻓﻴﻪ أﻣري املﺆﻣﻨني‬
‫ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻣﴫ‪ ،‬ﻫﻲ اﻟﻮﻻﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺎد ﺗﺪاﻧﻲ ﻻﻳﺘﻪ ﻗﻮة ﺑﺄﺳﺎ إ زادت ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫ﺧﺼﺒﺎ ﺛﺮاء‪ .‬ﻫﻮ ﻋﲆ ﺳﺎﺣﻞ ﺑﺤﺮ اﻟﺮ ﻋﲆ ﺣﺪ د اﻟﺮ أﻳﻀﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ إ ﺷﺎء أ‬
‫ﻳﺴﺘﻤﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ إ ﺷﺎء أ ﻳﻤﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻛﺬﻟﻚ أ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﴫ‬
‫ﻳﻤﺪﻫﺎ‪ .‬ﺛﻢ أﻣﺎﻣﻪ ﺑﺎﺑﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﻣﻦ أﺑﻮاب اﻟﺠﻬﺎد‪ :‬اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﺛﻐﻮر اﻟﺮ ﰲ اﻟﱪ‬
‫ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ .‬ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﺮﻓﻊ ﺷﺄ اﻟﺪ ﻟﺔ ﻳﺮﻓﻊ ﺷﺄ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬أ ﻳﻌﲇ ﻛﻠﻤﺔ‬
‫اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻳﺒﻨﻲ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﺠﺪا ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎ أ ﻳﻄﺎ ﻟﻪ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻃﺎ ﻋﻬﺪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺑﺎﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻓﻌﺮﻓﻪ أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﻛﻠﻬﺎ أﻳﺎ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻗﺪ أﺣﺐ أﻫﻞ اﻟﺸﺎ أﺣﺒﻪ أﻫﻞ اﻟﺸﺎ رﴈ ﻋﻨﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺘﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬أﺻﺒﺢ ﻟﻄﻮ‬
‫ﻻﻳﺘﻪ ﺣﺴﻦ ﻣﺪﺧﻠﻪ إﱃ ﻧﻔﻮس رﻋﻴﺘﻪ أﺷﺒﻪ ﺑﺎملﻠﻚ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﻮاﱄ‪ .‬ﻓﻠﻴﺲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺨﻼﻓﺔ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻳﻌﺮ اﻟﻴﺎ أﺗﻴﺢ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻃﻮ اﻟﻮﻻﻳﺔ اﺗﺼﺎﻟﻬﺎ اﺳﺘﻘﺮارﻫﺎ ﺗﺪرﺟﻬﺎ ﰲ اﻻﺗﺴﺎع ﻣﺜﻞ ﻣﺎ‬
‫أﺗﻴﺢ ملﻌﺎ ﻳﺔ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒﺎ أ ﻳﺮﴇ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﻈﻪ ﺣني ﻳﺮ اﻟﻌﻤﺎ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ‬
‫ﻳﻌﺰﻟﻮ ﺑني ﺣني ﺣني أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻳﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺴﺘﻘ ٍّﺮا ﻻ ﻳﺮﻳﻢ‪ ،‬اﻟﻮﻻﻳﺎت‬
‫ﺗﻀﻢ إﻟﻴﻪ اﺣﺪة ﰲ إﺛﺮ اﻷﺧﺮ ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻣﻘﴫا ﰲ ﻋﻤﻠﻪ أ ﺟﺎﺋﺮا ﻋﲆ رﻋﻴﺘﻪ‬
‫ملﺎ أﻗ ﱠﺮ ﻋﻤﺮ ﻻ أﻋﻔﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺰ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ إ اﻗﺘﴣ اﻷﻣﺮ أ ﻳﻌﺎﻗﺐ‪ .‬أﻛﱪ اﻟﻈﻦ‬
‫أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻐري ﺳريﺗﻪ ﰲ أﻫﻞ اﻟﺸﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﺎة ﻋﻤﺮ اﺳﺘﺨﻼ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬رﴈ ﻋﻦ ﺳريﺗﻪ‬
‫ﺣني ﻛﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﺘﺸﺪدا ﻣﺘﺤﺮﺟﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺮ ﺑﺎﻹﻗﺎﻣﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄﺳﺎ ﺣني أﺻﺒﺢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻫﻴﻨﺎ‬
‫ﻟﻴﻨﺎ ﺳﻤﺤﺎ‪ .‬ﻟﻬﺬا ﻟﻢ ﻳﺸﺎر أﻫﻞ اﻟﺸﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺷﺎر ﻓﻴﻪ أﻫﻞ اﻷﻣﺼﺎر اﻷﺧﺮ ﻣﻦ اﺗﻬﺎ‬
‫ﻋﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟﺘﺸﻬري ﺑﻬﻢ اﻟﺨﻼ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎﴏ ا ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺪ ا ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ‬
‫اﻟﺒﴫة ﻣﴫ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺷﺎﻣﻲ اﺣﺪ‪ .‬ﻟﻬﺬا أﻳﻀﺎ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ إذا أراد أ ﻳﺴري‬
‫أﺣﺪا ﻣﻦ املﺨﺎﻟﻔني ﻋﻠﻴﻪ املﻨﻜﺮﻳﻦ ﻋﲆ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻧﻔﺎ إﱃ اﻟﺸﺎ ؛ ﻻ ﻳﺴﺘﺜﻨﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ أﻫﻞ‬
‫املﺪﻳﻨﺔ أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ .‬ﻓﺴﱰ أﻧﻪ ﺣني ﺿﺎ ﺑﺄﺑﻲ ذ ﱟر أﻣﺮ أ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﺪﻳﻮاﻧﻪ ﰲ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫أﺑﻮ ذ ﱟر ﻗﺪ ﺧﺮج إﱃ اﻟﺸﺎ ﻏﺎزﻳﺎ ﻓﻜﺘﺐ اﺳﻤﻪ ﰲ اﻟﺪﻳﻮا ﻫﻨﺎ ‪ ،‬ﻓﺮد ﻋﺜﻤﺎ إﱃ اﻟﺸﺎ‬
‫ﺧﻮﻓﺎ ﻋﲆ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻧﻪ أ ﻣﻦ ﻋﻮدﺗﻪ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﺣﺰ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ إذ ﻫﻮ املﻠﺠﺄ‬
‫اﻟﺬ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻠﺠﺄ إﻟﻴﻪ إذا أراد ﺗﺄدﻳﺐ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﴪﻓﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﲆ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﰲ املﻌﺎرﺿﺔ‪.‬‬
‫ﻳﺠﺐ أ ﻧﻌﱰ ﺑﺄ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻛﺎ ﺣﺎزﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻳﺘﻠﻘﻰ‬
‫املﻨﻔﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﺳﻠﻬﻢ إﻟﻴﻪ ﻳﺤﺎ إﺻﻼﺣﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺈذا أﻋﻴﺎ ذﻟﻚ ﻃﻠﺐ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﻌﻔﻴﻪ‬
‫ﻣﻦ ﻧﺰ ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺮد ﻟﻪ ﻃﻠﺒﺎ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻘﴫ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﰲ اﻧﺘﻬﺎز ﻣﺎ أﺗﻴﺢ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﻆ؛ ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﰲ اﻟﺸﺎ ادﻋﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨٍّﺎ‬
‫ﻳﺪﺑﺮ أﻣﺮ ﻻﻳﺘﻪ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻨﺎزﻋﻪ إﱃ اﻟﻔﺘﻮح ﻧﺰاﻋﺎ ﺷﺪﻳﺪا‪،‬‬
‫ﻛﺎ ﰲ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ أﺷﺒﻪ ﳾء ﺑﺎﻟﻔﺮس اﻟﺬ ﻳﻌﺾ ﺷﻜﻴﻤﺘﻪ ﺗﺤﺮﻗﺎ إﱃ اﻟﻌﺪ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻛﺎ ﻳﻤﺴﻜﻪ ﻳﺄﺑﻰ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻛﺎ اﻟﺒﺤﺮ ﻳﺪﻋﻮ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ دﻋﺎء ﻣﻠﺤٍّ ﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻳﺘﻮﺳﻞ إﱃ‬
‫ﻋﻤﺮ ﰲ أ ﻳﻐﺰﻳﻪ اﻟﺒﺤﺮ‪ ،‬ﻓﻴﺸﺘﺪ ﻋﻤﺮ ﰲ رﻓﺾ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻄﻠﺐ إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺣﺬﱠر ﻣﺮة ﻣﻦ أ‬
‫ﻳﻌﻮد إﻟﻴﻪ ﺑﺤﺪﻳﺚ اﻟﺒﺤﺮ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﺜﻤﺎ ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻄﻠﺐ إﱃ ﻋﻤﺮ‪،‬‬
‫ﻓﺄذ ﻟﻪ ﻋﲆ أﻻ ﻳﺨﺘﺎر ﻫﻮ اﻟﻐﺰاة ﻻ ﻳﻘﺮع ﺑني اﻟﺠﻨﺪ ﺑﻞ ﻳﺨري اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻤﻦ اﺧﺘﺎر ﻣﻨﻬﻢ‬
‫ﻏﺰ اﻟﺒﺤﺮ ﻗﺒﻠﻪ أﻋﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺨﱰ أﻗﺎ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻋﲆ ﻋﺎﻓﻴﺔ‪ .‬ﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ أ ﻳﺘﺨﺬ‬
‫ﻣﻌﺎ ﻳﺔ أﺳﻄﻮﻻ ﻳﻐﺰ ﰲ اﻟﺒﺤﺮ ﺧﻤﺴني ﻏﺰاة أ أﻛﺜﺮ‪ ،‬ﻓﻴﺜري ذﻟﻚ ﻏرية اﻟﻮاﱄ ﻋﲆ ﻣﴫ‬
‫ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح‪ ،‬ﻓﻴﺼﻨﻊ ﺻﻨﻴﻊ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮ املﺆرﺧﻮ ‪ :‬إ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‬
‫ﻏﺰا ﻗﱪص ﻣﻦ اﻟﺸﺎ ﻏﺰاﻫﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻣﻦ ﻣﴫ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﻴﺸﺎ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺮة‪.‬‬

‫‪104‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺎﴍ‬

‫ﻛﺎﻧﺖ إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺜﻐﻮر اﻟﱪﻳﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﲇ ﺑﻼد اﻟﺮ ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻳﻐري ﻋﲆ اﻟﻌﺪ ﰲ‬
‫ﻳﴪ اﻟﺠﻴﺶ ﻳﴪ ﺑﻴﺖ‬ ‫اﻟﺸﺘﺎء اﻟﺼﻴﻒ‪ .‬ﻛﺎ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ اﻟﻔﻲء ﻣﺎ ﱡ‬
‫املﺎ ‪.‬‬
‫ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺬ ﻣﻬﺪ ملﻌﺎ ﻳﺔ ﻣﺎ أﺗﻴﺢ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻧﻘﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ‬
‫ذات ﻳﻮ إﱃ آ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎ ﺗﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ﰲ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ‪ .‬ﻓﻌﺜﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺬ ﺳﻊ ﻋﲆ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‬
‫ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻀﻢ إﻟﻴﻪ ﻓﻠﺴﻄني ﺣﻤﺺ‪ ،‬أﻧﺸﺄ ﻟﻪ ﺣﺪة ﺷﺎﻣﻴﺔ ﺑﻌﻴﺪة اﻷرﺟﺎء‪ ،‬ﺟﻤﻊ‬
‫ﻟﻪ ﻗﻴﺎدة اﻷﺟﻨﺎد اﻷرﺑﻌﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺟﻴﻮﺷﻪ أﻗﻮ ﺟﻴﻮش املﺴﻠﻤني‪ .‬ﺛﻢ ﻣﺪ ﻟﻪ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺔ‬
‫أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻋﻤﺮ‪ ،‬أﻃﻠﻖ ﻳﺪ ﰲ أﻣﻮر اﻟﺸﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ أﻃﻠﻘﻬﺎ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻧﻈﺮ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻓﺈذا ﻫﻮ أﺑﻌﺪ اﻷﻣﺮاء ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺔ ﻋﻬﺪا أﻗﻮاﻫﻢ ﺟﻨﺪا أﻣﻠﻜﻬﻢ ﻟﻘﻠﺐ‬
‫رﻋﻴﺘﻪ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ‪ ،‬ﻟﻮ أراد أ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﺴرية ﻋﻤﺮ‪ ،‬أ ﻳﻘﺮ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻋﲆ دﻣﺸﻖ‬
‫اﻷرد ‪ ،‬ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﺤﻤﺺ ﻓﻠﺴﻄني ﻻﻳﺘني ﺗﺘﺒﻌﺎ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺒﺎﴍة‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ‬
‫ﻻﺣﺘﻔﻆ ﺑﺴرية ﻋﻤﺮ أ ﻻ‪ ،‬ﻷﺗﺎح ﻟﻠﻨﺎﺑﻬني ﻣﻦ ﺷﻴﻮخ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺷﺒﺎب اﻟﻌﺮب أﻋﻤﺎﻻ ﺗﺤﻮ‬
‫ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني اﻟﻔﺮاغ ﺗﺤﻮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني اﻟﺴﺨﻂ‪ ،‬ﺗﺤﻮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني اﻟﻐﻀﺐ اﻟﺜﻮرة‬
‫أ اﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﲆ اﻟﺜﻮرة‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻟﺤﺎ ﺑني ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺑني ﻣﺎ أﻗﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ‬
‫اﻻﺳﺘﺌﺜﺎر ﺣني أﴐﻣﺖ ﻧﺎر اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ ،‬ﻷﺗﺎح املﺴﻠﻤني أ ﻳﺤﺘﻔﻈﻮا ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺷﻮر ﺑﻴﻨﻬﻢ؛‬
‫ﻟﻜﻦ ﻫﺬا املﻠﻚ اﻟﻀﺨﻢ اﻟﻮاﺳﻊ املﺘﺼﻞ ﻣﻜﻦ ملﻌﺎ ﻳﺔ ﰲ اﻷرض‪ ،‬ﻳﴪ ﻟﻪ أ ﻳﺮﺳﻞ إﱃ‬
‫ﻣﴫ ﻣﻦ ﻳﻘﻄﻌﻬﺎ ﻋﻦ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬أ ﻳﺮﺳﻞ إﱃ اﻟﺤﺠﺎز ﺛﻢ إﱃ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ﻣﻦ‬
‫ﻳﺤﺘﺎزﻫﺎ ﻣﻦ د ﻋﲇﱟ‪ ،‬أ ﻳﻨﻈﺮ ﻋﲇ ﱞ ذات ﻳﻮ ﻓﺈذا ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻗﺪ اﺳﺘﺄﺛﺮ ﻣﻦ د ﻧﻪ ﺑﺨري‬
‫ﻣﺎ ﰲ اﻟﺪ ﻟﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺼﺎر اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻟﺬﻟﻚ ﻣﺼﺪر إﻻ ﻣﻬﺎرة ﻣﻌﺎ ﻳﺔ أ ﻻ‪ ،‬ﺿﺨﺎﻣﺔ‬
‫ﻻﻳﺘﻪ ﺛﺎﻧﻴﺎ‪.‬‬

‫‪105‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﳊﺎدي ﻋﴩ‬

‫ﻓﺈذا ﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﺸﺎ ﻣﻀﻴﻨﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻐﺮب اﻧﺘﻬﻴﻨﺎ إﱃ ﻣﴫ‪ .‬ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﺗﺮ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ‬
‫اﻟﻌﺎص اﻟﻴﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﻤﺎ أﻗﺮ ﻏري ﻣﻦ ﻋﻤﺎ ﻋﻤﺮ ﻗﺘﺎ ﻣﺎ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﻌﺎ اﻷ‬
‫ﻣﻦ ﻻﻳﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﻨﻘﴤ ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻠﺖ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﺗﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﴫ ﻧﻈﺮة ﻻ ﺗﺨﻠﻮ‬
‫ﻣﻦ ﻃﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻤﻮح إﻟﻴﻬﺎ‪ .‬اﻟﻨﺎس ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ﰲ ﻋﺰ ﻋﻤﺮ ﻋﻦ ﻣﴫ ﺗﻮﻟﻴﺔ ﻋﺒﺪ ﷲ‬
‫ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ :‬ﻓﻘﻮ ﻳﺰﻋﻤﻮ أ املﴫﻳني ﺷﻜﻮا ﻋﻤﺮا إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻌﺰﻟﻪ‬
‫ﻋﻨﻬﻢ‪ ،‬آﺧﺮ ﻳﺰﻋﻤﻮ أ ﻋﻤﺮا ﻟﻢ ﻳﻌﺰ ﻟﺴﺨﻂ املﴫﻳني ﻋﻠﻴﻪ أ ﺿﻴﻘﻬﻢ ﺑﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫ﻫﻮ اﻟﻜﻴﺪ ﻋﺰ أﻣريا ﱃ ﻣﻜﺎﻧﻪ أﻣريا آﺧﺮ‪ .‬اﻟﴚء اﻟﺒني ﻣﻦ أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺮ اة ﻫﻮ أ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻛﺎ ﻳﺮﺷﺢ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح أﺧﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺿﺎﻋﺔ ﻷﻣﺮ ﻋﻈﻴﻢ‪ .‬ﻓﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮ ‪:‬‬
‫إ ﻋﻤﺮا ﻛﺎ ﻗﺪ أﻏﺎر ﻋﲆ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻓﺄﺻﺎب ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻏﻨﻴﻤﺔ ﺛﻢ رﺟﻊ‪ .‬ﻓﻜﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ‬
‫ﻳﺨﲇ ﻋﺜﻤﺎ ﺑني اﻟﻴﻪ ﻋﲆ ﻣﴫ ﺑني ﻣﺎ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺜﻐﻮر ﻳﻐري ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻏﺎرة اﺳﺘﻄﻼع‬ ‫ﱢ‬ ‫أ‬
‫ﺛﻢ إﻏﺎرة ﻓﺘﺢ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎ اﻟﺸﺄ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ ﻏري ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎ ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﺒﴫة اﻟﺸﺎ ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﻒ ﻋﻤﺮا ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻐﺰ ‪ ،‬أرﺳﻞ إﱃ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺟﻴﺸﺎ ﻻ ﻳﺬﻋﻦ ﻟﺴﻠﻄﺎ اﻟﻮاﱄ‬
‫ﰲ ﻣﴫ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﻣﺒﺎﴍة ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻣﺘﺨﻄﻴﺎ ﻋﻤﺮا ﻋﲆ ﻏري املﺄﻟﻮ ‪ ،‬أﻣﱠ ﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ‬
‫ﻫﺬا اﻟﺠﻴﺶ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح‪ ،‬ﻗﺎ ﻟﻪ‪ :‬إ ﻓﺘﺤﺖ ﻋﻠﻴﻚ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻓﻠﻚ ﺧﻤﺲ‬
‫اﻟﺨﻤﺲ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻴﻤﺔ‪.‬‬
‫ﺧﺲ ﺑﻪ ﻋﻦ ﻧﻈﺮاﺋﻪ ﻣﻦ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻃﺒﻴﻌﻲ أ ﻳﻐﻀﺐ ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص؛ ﻷ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫اﻟﻌﻤﺎ ‪ .‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺮﺳﻞ اﻟﺠﻴﻮش ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﺒﺎﴍة إﱃ اﻟﺜﻐﻮر‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ذﻟﻚ إﱃ‬
‫اﻟﻌﻤﺎ ‪ ،‬ﻳﻐﺰ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ اﻟﺮ ﻳﻐﺰ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺒﴫة اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺑﻼد اﻟﻔﺮس‪ ،‬ﻳﺆاﻣﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‬
‫ﻄﻮ ﻻ ﻳﻔﺘﺎت ﻋﻠﻴﻬﻢ‪.‬‬ ‫ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻟﻬﻢ اﻟﺮﻳﺎﺳﺔ اﻹﴍا ‪ ،‬ﻻ ﻳﺘﺨ ﱠ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻗﺪ اﺣﺘﻔﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻔﺘﺢ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺮﻣﻰ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﺑﺎﻟﺮﺟﺎ‬
‫ﴎح ﻣﻌﻪ ﻧﻔﺮا ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺷﺒﺎب ﻗﺮﻳﺶ ﻋﺪدا ﻏري ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ‬ ‫ﱠ‬
‫اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬أﻣﺮ إذا ﻓﺮغ ﻣﻦ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ أ ﻳﺮﺳﻞ ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻦ ﺟﻴﺸﻪ ﻟﻐﺰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ‬
‫اﻟﺒﺤﺮ‪ .‬ﻗﺪ أﺗﻴﺢ ﻻﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻓﺘﺢ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ‪ ،‬أﺗﻴﺤﺖ ﻟﻪ ﻏﻨﺎﺋﻢ ﻛﺜرية ﻗﺴﻤﻬﺎ ﺑني اﻟﻨﺎس‪،‬‬
‫أﺧﺬ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺧﻤﺲ اﻟﺨﻤﺲ أرﺳﻞ ﺳﺎﺋﺮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻗﻴﻞ‪ :‬إ ﻣﺮ ا ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ اﺷﱰ‬
‫ﺧﻤﺲ اﻟﺨﻤﺲ ﺑﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر أ ﻣﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ‪ ،‬أ ﱠد ﺑﻌﺾ اﻟﺜﻤﻦ ﻫﺐ ﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﺳﺎﺋﺮ ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﺮ اة‪ :‬ﻓﺴﺨﻂ اﻟﺠﻴﺶ ﻟﻤﺎ آﺛﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح‪،‬‬
‫أرﺳﻠﻮا إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺪا ﻳﺮاﺟﻌﻪ ﰲ ذﻟﻚ‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻟﻬﻢ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬أﻧﺎ ﻧﻔﻠﺘﻪ ﻣﺎ أﺧﺬ‪ ،‬ﻓﺈ أﻗﺮرﺗﻤﻮ‬
‫ﻓﺬا ‪ ،‬إ ﺳﺨﻄﺘﻢ ﻓﻬﻮ ردﱞ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﻘﻮ ‪ :‬ﻗﺪ ﺳﺨﻄﻨﺎ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻓﻬﻮ ر ﱞد إذ ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﻘﻮ ‪:‬‬
‫ﻓﺎﻋﺰﻟﻪ ﻋﻨﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻦ ﺗﺤﺴﻦ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻴﻨﻪ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺬ ﻛﺎ ‪ .‬ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﻢ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ ﻣﺎ أراد ا‪،‬‬
‫ﻛﺘﺐ إﱃ ﻋﺒﺪ ﷲ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺮد ﻣﺎ أﺧﺬ ﻳﻌﺰﻟﻪ ﻋﻦ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ‪ .‬ﻋﺎد ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ ﻣﴫ‬
‫ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﳾء ﻣﻦ اﻟﺤﴪة ﺧﻴﺒﺔ اﻷﻣﻞ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻓﺘﺢ ﷲ ﻋﲆ ﻳﺪﻳﻪ إﻗﻠﻴﻤﺎ ذا ﺧﻄﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ر ﱠد‬
‫ﻫﻮ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﺬ ﻓﺘﺤﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﻪ ﺣﺘﻰ أ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﺎﻟﻨﻔﻞ اﻟﺬ ﻧﻔﻠﻪ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫إﻳﺎ ‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻏﻀﺒﺖ ﻟﻌﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬أﺑﺖ إﻻ أ ﺗﻌﻮﱢﺿﻪ ﻣﻤﺎ‬
‫ﻓﻘﺪ ﺧريا ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻓﻤﺎ زاﻟﺖ ﺑﻌﺜﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﱠﻻ ﺧﺮاج ﻣﴫ‪ ،‬ﺗﺮ ﻟﻌﻤﺮ ﺻﻼﺗﻬﺎ ﺣﺮﺑﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑ ﱞﺪ ﻣﻦ أ ﻳﻜﻮ اﻟﺨﻼ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻌﺎﻣﻠني‪ .‬ﻓﺠﺎﺋﺰ أ ﻳﻜﻮ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ أﻏﺮ‬
‫ﺑﻌﺒﺪ ﷲ ﺣﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ اﺳﱰد اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻧﻔﻠﻪ ﻋﺰﻟﻪ ﻋﻦ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ‪ .‬ﻣﻬﻤﺎ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺛﺎر اﻟﺨﻼ ﺑني اﻟﺮﺟﻠني‪ ،‬ﻓﻜﺘﺐ ﻋﺒﺪ ﷲ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻋﻤﺮا ﻗﺪ ﻛﴪ‬
‫ﻋﲇ ﱠ اﻟﺨﺮاج‪ .‬ﻛﺘﺐ ﻋﻤﺮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻋﺒﺪ ﷲ ﻗﺪ أﻓﺴﺪ ﻋﲇ ﱠ ﺣﻴﻠﺔ اﻟﺤﺮب‪ .‬ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﺪﻋﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻳﱰ ﻟﻌﻤﺮ ﻻﻳﺔ ﻣﴫ؛ ﻓﻘﺪ ﻣﺎت ﻋﻤﺮ ﻫﻮ راض‬
‫ﻋﻦ ﻻﻳﺘﻪ‪ .‬ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﻴري ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﻌﺰ اﻟﺮﺟﻠني ﺟﻤﻴﻌﺎ‬
‫ﻳﺠﻌﻞ أﻣﻮر ﻣﴫ إﱃ ﻏريﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ أ ﻣﻦ ﻏري ﻗﺮﻳﺶ‪ .‬ﻛﺎ ذﻟﻚ أﺣﺮ أ ﻳﺨﻔﻒ‬
‫ﻣﻦ ﺣﻔﻴﻈﺔ ﻋﻤﺮ ‪ ،‬أ ﻳﺆﺟﻞ اﻧﻘﺴﺎ ﻗﺮﻳﺶ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺰ ﻋﻤﺮا ﺟﻤﻊ ﻟﻌﺒﺪ ﷲ‬
‫ﺻﻼة ﻣﴫ ﺣﺮﺑﻬﺎ إﱃ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﲇ ﻣﻦ اﻟﺨﺮاج‪ ،‬ﻓﺎﺗﺨﺬ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﻋﺪ ٍّا‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻘﻒ أﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻊ ﻋﻤﺮ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ؛ ﻓﻘﺪ اﺗﻬﻤﻪ ﰲ أﻣﺎﻧﺘﻪ ﻣﻌ ﱢﺮﺿﺎ ﻣﺮة‬
‫ﻣﴫﺣﺎ ﻣﺮة أﺧﺮ ‪ .‬دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻤﺮ ذات ﻳﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﺒﺔ ﻣﺤﺸﻮة‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻣﺎ‬
‫ﺣﺸﻮ ﺟﺒﺘﻚ؟ ﻗﺎ ‪ :‬ﺣﺸﻮﻫﺎ ﻋﻤﺮ ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻣﺎ ﻋﻦ ﻫﺬا ﺳﺄﻟﺘﻚ ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻚ ﻓﻴﻬﺎ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﺳﺄﻟﺘﻚ أﺣﺸﻮﻫﺎ ﻗﻄﻦ أ ﻏري ؟‬

‫‪108‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎد ﻋﴩ‬

‫أرﺳﻞ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﴫ ﻣﺎﻻ ﻛﺜريا‪ ،‬ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻤﺮ‬

‫ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﺣني اﰱ ﻫﺬا املﺎ ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻫﻞ ﺗﻌﻠﻢ أ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻘﺎح ﻗﺪ د ﱠرت ﺑﻌﺪ ﻳﺎ‬
‫ﻋﻤﺮ ؟ ﻗﺎ ﻋﻤﺮ ‪ :‬ﻗﺪ ﻫﻠﻜﺖ ﻓﺼﺎﻟﻬﺎ‪ .‬أراد ﻋﺜﻤﺎ أ ﻋﻤﺮا ﻛﺎ ﻳﺤﺘﺠﻦ املﺎ ﻣﻦ د ﻧﻪ‪.‬‬
‫أراد ﻋﻤﺮ أ ﻋﺎﻣﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻜﻠﻒ أﻫﻞ ﻣﴫ ﻓﻮ ﻣﺎ ﻳﻄﻴﻘﻮ ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح رﺟﻞ ﺻﺪ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ املﺴﻠﻤﻮ ﻳﺮﺿﻮ‬
‫ﻋﻨﻪ؛ ﻓﻬﻮ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ اﺷﺘﺪ ا ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻲ أﴎﻓﻮا ﰲ اﻟﺴﺨﺮ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻗﺪ ﻧﺰ اﻟﻘﺮآ‬
‫ﺑﻜﻔﺮ ذﻣﻪ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﻳﻘﻮ ﺳﺎﺧﺮا ﻣﻦ اﻟﻘﺮآ ‪ :‬ﺳﺄﻧﺰ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ أﻧﺰ ﷲ‪.‬‬
‫ﻗﺪ أﻫﺪر اﻟﻨﺒﻲ د ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻳﻮ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ‬
‫ﻣﺴﻠﻤﺎ إﱃ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺒﻴﻼ‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﺳرية ﻋﺒﺪ ﷲ ﰲ ﻣﴫ ﻟﻢ‬
‫ﺗﻜﻦ رﺿﺎ ﻷﻫﻠﻬﺎ؛ ﻓﻬﻮ ﻛﺎ ﻳﻜﻠﻔﻬﻢ ﻓﻮ ﻣﺎ ﻳﻄﻴﻘﻮ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻋ ﱠﺮض ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص‪.‬‬
‫ﻫﻮ ﻛﺎ ﰲ أﻛﱪ اﻟﻈﻦ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﻄﺮﺳﺔ اﻟﻜﱪﻳﺎء ﻋﲆ ﻏري ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ ﻋﺮب ﻣﴫ ﻣﺎ‬
‫أﺣﻔﻈﻬﻢ أﺿﺠﺮﻫﻢ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺷﻜﻮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻛﺘﺐ إﻟﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻨﺬر ﻳﺄﻣﺮ أ‬
‫ﻳﻨﺰع ﻋﻤﺎ ﺗﻜﺮ اﻟﺮﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺤﻔﻞ ﺑﺬﻟﻚ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻋﺎﻗﺐ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻜﻮ ﴐب ﻣﻨﻬﻢ رﺟﻼ‬
‫ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻠﻪ ‪ 1‬ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻐﻀﺐ املﴫﻳﻮ ﺣﺪﻫﻢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻏﻀﺐ ﻣﻌﻬﻢ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪،‬‬
‫اﺷﺘﺪ ا ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻋﺰﻟﻪ‪ ،‬ﻛﺘﺐ ﺑﻌﻬﺪ ﻣﴫ ملﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أرﺳﻞ‬
‫ﻣﻌﻪ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻟﻴﺤﻘﻘﻮا ﻣﺎ ﺑني ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑني املﴫﻳني‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﲇ ﱞ ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻪ أ ﻳﻌﺰﻟﻪ أ ﻻ‪ ،‬أ ﻳﺤﻘﻖ ﻣﺎ اﺗﻬﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ ﺛﺎﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻓﺈ ﺛﺒﺘﺖ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺘﻬﻤﺔ أﻗﺎد ﻣﻨﻪ‪ .‬ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﻟﻴﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﴫ ﺷﺆﻣﺎ ﻋﲆ ﺟﻤﺎﻋﺔ املﺴﻠﻤني‪،‬‬
‫ﻓﻤﻦ ﻣﴫ ﺧﺮج اﻟﺜﺎﺋﺮ اﻷ ﻟﻮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ اﺟﺘﻤﻊ إﻟﻴﻬﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ‬
‫املﴫﻳني اﻵﺧﺮﻳﻦ ﰲ اﻟﻌﺮا ‪ .‬ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺷﺠﺎﻋﺎ ﺟﺮﻳﺌﺎ ﻣﻘﺪاﻣﺎ‬
‫ﻣﻮﻓﻘﺎ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أﺧﺮج اﻟﺮ ﻣﻦ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ‪ ،‬ﺷﺎر ﰲ ﻏﺰ ﻗﱪص‪ ،‬ﻫﺰ أﺳﻄﻮ‬
‫اﻟﺮ ﰲ ذات اﻟﺼﻮار ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎ ﺻﺎﺣﺐ دﻧﻴﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﺎﺣﺐ دﻳﻦ‪.‬‬

‫ﻟﻠﺒﻼذر ‪ ،‬ﻃﺒﻌﺔ اﻟﻘﺪس‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪.٢٦‬‬ ‫‪ 1‬أﻧﺴﺎب اﻷﴍا‬

‫‪109‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﲏ ﻋﴩ‬

‫ﻟﻦ ﻳﺘﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺎﻣﻠﻪ ملﴫ ﺣﺘﻰ ﻧﺬﻛﺮ ﻓﺘﻴني ﻣﻦ ﻓﺘﻴﺎ ﻗﺮﻳﺶ‬
‫ﻛﺎ ﻟﻬﻤﺎ ﻓﻴﻤﺎ اﻧﺘﻬﺖ إﻟﻴﻪ ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣﻦ اﻟﺜﻮرة أﺛﺮ أ ﱡ أﺛﺮ‪ ،‬ﻫﻤﺎ‪ :‬ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ‬
‫ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ؛ ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻓﺘﻰ ﴍﻳﻔﺎ ﻷب ﴍﻳﻒ‬
‫ﻛﺮﻳﻢ اﻟﻨﺴﺐ ﰲ ﻗﺮﻳﺶ ﻋﻈﻴﻢ املﻜﺎﻧﺔ ﺑني زﻋﻤﺎﺋﻬﺎ؛ ﻓﺄﺑﻮ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ رﺑﻴﻌﺔ أﺑﻮ ﻫﻨﺪ ز ج‬
‫أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎ أ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ أﺑﻮ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻘني إﱃ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬أﺳﻠﻢ ﻗﺒﻞ أ‬
‫ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻨﺒﻲ دار اﻷرﻗﻢ ﻳﺪﻋﻮ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻫﺎﺟﺮ ﺑﺎﻣﺮأﺗﻪ ﺳﻬﻠﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ إﱃ‬
‫ﺑﻼد اﻟﺤﺒﺸﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻫﺎﺟﺮ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻊ ﻏري ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪ .‬ﻫﻮ إﱃ ﺳﺎﺑﻘﺘﻪ ﻫﺠﺮﺗﻪ إﱃ‬
‫اﻟﺤﺒﺸﺔ ﺛﻢ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ أﺣﺪ اﻟﺬﻳﻦ أﺑﻠﻮا ﰲ اﻟﺪﻳﻦ أﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء أﻛﻤﻠﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‪،‬‬
‫ﺷﻬﺪﻫﺎ ﰲ ﺣﻤﺎﺳﺔ ﻳﻘني إﻳﻤﺎ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ دﻋﺎ أﺑﺎ ﰲ املﻮﻗﻌﺔ إﱃ املﺒﺎرزة‪ .‬ﺛﻢ ﻫﻮ ﻗﺪ ﺷﻬﺪ‬
‫املﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﺛﻢ ﻫﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻗﺪ ﻣﺎت ﺷﻬﻴﺪا ﰲ ﻣﻮﻗﻌﺔ اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ أﻳﺎ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻟﺪ ﻟﻪ اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﰲ اﻟﺤﺒﺸﺔ؛ ﻓﻜﺎ إذ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺴﻦ ﺣني ﻣﺎت ﻋﻨﻪ أﺑﻮ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ‬
‫ﻗﺪ ﺑﻠﻎ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﴩة أ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﴩة ﺑﻌﺪ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻛﻔﻠﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت أﺑﻴﻪ ﻓﻜﺎ رﺑﻴﺒﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻌﻬﺪ أﺛﻨﺎء ﺷﺒﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻇﻦ اﻟﻔﺘﻰ أ ﺳﻴﺼﻴﺒﻪ ﳾء ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺔ ﻛﻤﺎ أﺻﺎب ﻏري ﻣﻦ ﻓﺘﻴﺎ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ذ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻨﻮع ﺧﺎص‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﻔﺘﻰ‪ ،‬ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮ اﻟﺮ اة‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺷﺪﻳﺪ اﻻﺳﺘﻤﺴﺎ‬
‫ﺑﺪﻳﻨﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﻳﻘﺎ إﻧﻪ ﴍب اﻟﺨﻤﺮ‪ ،‬إ ﻋﺜﻤﺎ أﻗﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺪ‪ .‬ﻗﺪ ﻳﺜﺒﺖ ﻫﺬا ﻗﺪ ﻻ ﻳﺜﺒﺖ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻦ املﻬﻢ أ اﻟﻔﺘﻰ ﻃﻠﺐ ذات ﻳﻮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﻮﻟﻴﻪ ﻋﻤﻼ‪ ،‬ﻓﺄﺑﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ذﻟﻚ‪،‬‬
‫ﻗﺎ ﻟﻪ‪ :‬ﻟﻮ ﻋﺮﻓﺖ ﻓﻴﻚ ﻛﻔﺎﻳﺔ ﻟﻮﻟﻴﺘﻚ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻚ ﻟﺴﺖ ﻫﻨﺎ ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﻔﺘﻰ‪ :‬ﻓﺄﻋﻨﻲ إذ ﻋﲆ‬
‫اﻟﺨﺮ ج اﻻﺿﻄﺮاب ﰲ اﻷرض‪ .‬ﻓﺄﻋﺎﻧﻪ ﻋﺜﻤﺎ أﻋﻄﺎ ﻣﺎﻻ‪ ،‬أذ ﻟﻪ أ ﻳﺬﻫﺐ إﱃ ﺣﻴﺚ‬
‫ﺷﺎء ﻛﻐري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﺬﻫﺐ اﻟﻔﺘﻰ إﱃ ﻣﴫ‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أﻧﻪ ﺧﺮج ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﻋﺜﻤﺎ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻣﻐﺎﺿﺒﺎ ﻟﻪ‪ ،‬إﻣﺎ ﻷﻧﻪ أﻗﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺪ إ ﻛﺎ ﻗﺪ ﻓﻌﻞ‪ ،‬إﻣﺎ ﻷﻧﻪ أﺑﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻮﻻﻳﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺒﺨﻞ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺼﻞ إﱃ ﻣﴫ ﺣﺘﻰ أﻇﻬﺮ‬
‫املﻌﺎرﺿﺔ ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻋﺜﻤﺎ اﻟﺸﻐﺐ ﻋﲆ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻓﺤﺴﺒﻪ ﴍﻓﺎ أ ﻳﻜﻮ اﺑﻦ اﻟﺼﺪﱢﻳﻖ أﺧﺎ ﻋﺎﺋﺸﺔ أ املﺆﻣﻨني‪.‬‬
‫ﻫﻮ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻓﺘﻰ ﻗﺮﳾ ﻳﻌﺘﺰ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﺗﻌﺘﺰ ﺑﻪ‪ ،‬ﻳﻌﺘﺪ ﺑﻤﻜﺎﻧﺘﻪ ﻣﻦ أﺑﻴﻪ اﻟﺬ‬
‫ﻛﺎ آﺛﺮ اﻟﺮﺟﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻣﻦ أﺧﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ آﺛﺮ اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ أﻳﻀﺎ‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ‬
‫ﰲ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﻄﻤﻊ ﰲ أ ﻳﻌﺮ ﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬ املﻜﺎﻧﺔ ﻳﺮﻋﻰ ﺣﺮﻣﺔ أﺑﻴﻪ أﺧﺘﻪ‪ ،‬ﻳﻜﺮﻣﻪ‬
‫ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎ ﻳﻜﺮ ﺑﻬﺎ ﻗﻮﻣﺎ ﻣﻦ ذ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا أﻋﺰ ﻣﻨﻪ ﻧﻔﺮا ﻻ‬
‫أﺳﺒﻖ ﻣﻨﻪ ﺳﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﻟﻴﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﻔﻞ ﺑﻪ‪ .‬ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ‬
‫ﻳﻮﱄ ﺷﺒﺎب ﻗﺮﻳﺶ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻻ ﻛﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﻮﱄ اﻟﻜﺜﺮة ﻣﻦ ﺷﺒﺎب ﻗﺮﻳﺶ؛ ﻓﺎﻷﻋﻤﺎ‬
‫ﻣﺤﺪ دة ﻃﻼﺑﻬﺎ ﻛﺜري ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ أﺛﺎر ﰲ ﻧﻔﻮس ﻫﺆﻻء اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﴐ ﺑﺎ‬
‫ﻣﻦ املﻮﺟﺪة اﻟﻐرية اﻟﺤﺴﺪ ﺣني آﺛﺮ ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻨﻬﻢ د ﻓﺮﻳﻖ‪ .‬ﻓﺨﺮج ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‬
‫إﱃ ﻣﴫ ﻛﻤﺎ ﺧﺮج إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ‪ ،‬اﻟﺘﻘﻴﺎ ﻓﻴﻬﺎ أ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻬﻤﺎ إﻟﻴﻬﺎ‪ .‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﺎدا ﻳﻨﺰﻻ ﻣﴫ ﺣﺘﻰ أﺣﺲ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ أﻧﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻼ ﻟﺨري‪ ،‬ﻓﺄﻧﺬرﻫﻤﺎ ﺣﺬﱠرﻫﻤﺎ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﻔﻼ ﺑﻨﺬﻳﺮ ﻻ ﺑﺘﺤﺬﻳﺮ‪ .‬ﻛﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ أﻛﺜﺮﻫﻤﺎ ﴏاﺣﺔ ﰲ‬
‫اﻟﻨﻘﺪ‪ ،‬أﺷﺪﻫﻤﺎ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻴﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎ ﻻ ﻳﱰدد ﰲ أ ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﻮاﱄ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﺮ ‪،‬‬
‫ﻳﻮاﺟﻬﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﲆ ﻣﻸ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻗﺎ اﻟﺮ اة‪ :‬إﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﺠﻬﺮ ﺑﺎﻟﺘﻜﺒري ﺑﻌﺪ أ ﻳﻔﺮغ‬
‫اﻷﻣري ﻣﻦ ﺻﻼﺗﻪ؛ ﻟﻴﻠﻔﺖ اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻟﻴﺘﺤﺪ اﻷﻣري ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ .‬ﻳﻘﺎ ‪:‬‬
‫إ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ دﻋﺎ ﻓﻨﻬﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺘﻪ‪ ،‬ﻓﺤﻤﻘﻪ أﻧﺬر ﺑﺄ ﻳﻘﺎرب ﺑني ﺧﻄﻮ ‪،‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﻈﻬﺮ اﻟﻔﺘﻰ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺑﻪ أ اﻟﺘﻔﺎﺗﺎ إﻟﻴﻪ‪ .‬ﺧﺮج ﻋﺒﺪ ﷲ ﻟﻠﻘﺎء اﻟﺮ ﰲ ذات اﻟﺼﻮار ‪،‬‬
‫ﻓﺨﺮج ﻣﻌﻪ املﺤﻤﺪا ‪ .‬ﻟﻜﻨﻪ أﺷﻔﻖ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﲆ اﻟﺠﻴﺶ‪ ،‬ﻓﺎﺿﻄﺮﻫﻤﺎ إﱃ أ ﻳﺒﺤﺮا ﰲ ﺳﻔﻴﻨﺔ‬
‫ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻏريﻫﻤﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﻬﻤﺎ اﻷﻗﺒﺎط‪ .‬ﻳﻘﺎ ‪ :‬إ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ‬
‫ﺑﻜﺮ ﻣﺮض ﻓﺄﻗﺎ ﺑﻤﴫ ﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﺧﺮج ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ‪ .‬أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أ أﺣﺪﻫﻤﺎ‬
‫أﻗﺎ ﻟﻴﻔﺴﺪ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ راء ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬أ اﻵﺧﺮ ﺧﺮج ﻟﻴﻨﴩ دﻋﻮﺗﻪ ﰲ اﻟﺠﻴﺶ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻛﺘﺐ اﻟﻨﴫ ﰲ ﻫﺬ املﻮﻗﻌﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻋﺎد ﻋﺒﺪ ﷲ ﻇﺎﻓﺮا ﺑﻘﻬﺮ أﺳﻄﻮ اﻟﺮ ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻨﻪ ﻋﺎد ﻗﺪ أﻓﺴﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺟﻴﺸﻪ ﺑﻤﺎ أﻇﻬﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻜري ﻋﻠﻴﻪ ﻋﲆ ﺧﻠﻴﻔﺘﻪ‪،‬‬
‫ﺑﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ﻟﻠﻤﺤﺎرﺑني ﻣﻦ أﻧﻬﻢ ﻳﺴﻌﻮ إﱃ اﻟﺠﻬﺎد‪ ،‬اﻟﺠﻬﺎد راءﻫﻢ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﻴﺚ‬
‫ﻳﻘﻴﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻴﺴﻮس اﻷﻣﺔ ﻋﲆ ﻏري ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‪ ،‬ﻳﻌﺰ‬

‫‪112‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ‬

‫أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﻮﱄ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺴﺎ أﺻﺤﺎب املﺠﻮ ‪.‬‬
‫اﻧﻈﺮ ا إﱃ اﻟﻴﻜﻢ ﻗﺎﺋﺪﻛﻢ إﱃ اﻟﺠﻬﺎد؛ إﻧﻪ رﺟﻞ ﻧﺰ اﻟﻘﺮآ ﺑﻜﻔﺮ ‪ ،‬أﻫﺪر اﻟﻨﺒﻲ دﻣﻪ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻮﻟﻴﻪ أﻣﺮﻛﻢ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻷﻧﻪ أﺧﻮ ﰲ اﻟﺮﺿﺎﻋﺔ‪ .‬اﻧﻈﺮ ا إﱃ ﺳريﺗﻪ ﻓﻴﻜﻢ‪،‬‬
‫أﺗﺮ ﻧﻪ ﻳﻬﺘﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻬﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ؟ أﺗﺮ ﻧﻪ ﻻ ﻳﻐري ﻻ ﻳﺒﺪ ﻻ ﻳﻜﻠﻔﻜﻢ ﻣﻦ‬
‫أﻣﻮاﻟﻜﻢ أﻋﻤﺎﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻄﻴﻘﻮ ؟ ﻛﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻳﺬﻳﻊ ﻫﺬا ﰲ اﻟﺠﻴﺶ‪ ،‬ﻛﺎ اﺑﻦ‬
‫أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻳﺬﻳﻊ ﻫﺬا ﰲ املﴫ‪ .‬ﻗﺪ أﺧﺬ املﴫﻳﻮ ﺑﻌﺪ ﻋﻮدة اﻟﺠﻴﺶ ﻳﺠﺘﻤﻌﻮ إﻟﻴﻬﻤﺎ‬
‫ﻳﺴﻤﻌﻮ ﻣﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺄﺷﻔﻖ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﺷﻜﺎﻫﻤﺎ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ اﺳﺘﺄذﻧﻪ ﰲ‬
‫اﻟﺒﻄﺶ ﺑﻬﻤﺎ‪ .‬ﻳﻘﺎ إ ﻋﺜﻤﺎ أرﺳﻞ ﻋﻤﺎر ﺑﻦ ﻳﺎﴎ إﱃ ﻣﴫ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﻟﻪ ﻋﻠﻢ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻔﺘﻴني‪،‬‬
‫ﻟﻴﻨﺼﺢ ﻟﻬﻤﺎ ﻳﺮدﻫﻤﺎ إﱃ اﻟﻬﺪ ء‪ ،‬ﻟﻴﻌﻠﻢ ﻟﻪ ﻋﻠﻢ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﻧﻔﺴﻪ‪ .‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺪ ﻋﻤﺎر‬
‫ﻳﺼﻞ إﱃ ﻣﴫ ﺣﺘﻰ اﻧﻀﻢ إﱃ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻔﺘﻴني ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮ اﻟﺮ اة‪ ،‬ﺟﻌﻞ ﻳﺤ ﱢﺮض ﻣﻌﻬﻤﺎ‬
‫ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺿﺞ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻛﺘﺐ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﻠﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﻟﺒﻄﺶ‬
‫ﺑﺜﻼﺛﺘﻬﻢ‪ .‬ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻨﺬر ﻳﻠﻮﻣﻪ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺄ ﻳﺮﻓﻖ ﺑﻌﻤﺎر ﻳﺮد إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﻣﻜﺮﻣﺎ ﻣﻮﻓﻮرا‪ ،‬ﺑﺄ ﻳﱰ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻷﺑﻴﻪ اﻟﺼﺪﻳﻖ أﺧﺘﻪ أ املﺆﻣﻨني‪ ،‬ﺑﺄ‬
‫ﻳﱰ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻓﻬﻮ اﺑﻨﻪ رﺑﻴﺒﻪ ﻓﺮخ ﻗﺮﻳﺶ‪.‬‬
‫أﻛﺎد أﻗﻄﻊ ﺑﺄ ﻋﻤﺎرا ﻟﻢ ﻳﺮﺳﻞ إﱃ ﻣﴫ ﻟﻢ ﻳﺸﺎر ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻔﺘﻴني ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ‬
‫ﺑﺴﺒﻴﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺮﻳﺾ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻗﺼﺔ اﺧﱰﻋﻬﺎ اﻟﻌﺎذر ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني‬
‫ﻋﻤﺎر ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ أ ﺑﻌﺪ ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﺳﻨﺮا ﺑﻌﺪ ﺣني‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﴚء املﺤﻘﻖ ﻫﻮ أ املﺤﻤﺪﻳﻦ ﻧﺰﻻ‬
‫ﻣﴫ ﺣ ﱠﺮﺿﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺎﻣﻠﻪ‪ ،‬ﻫ ﱠﻢ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﱰﺿﺎﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﺮﻓﻖ‪ .‬ﻓﻴﻘﺎ ‪ :‬إﻧﻪ‬
‫أرﺳﻞ إﱃ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻣﺎﻻ ﻛﺴﻮة‪ ،‬ﻓﻌﺮض اﻟﻔﺘﻰ ذﻟﻚ ﰲ املﺴﺠﺪ ﻗﺎ ‪ :‬اﻧﻈﺮ ا‬
‫ﻳﺎ ﻣﻌﴩ املﺴﻠﻤني إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ؛ ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﺨﺪﻋﻨﻲ ﻋﻦ دﻳﻨﻲ ﺑﺎﻟﺮﺷﻮة‪.‬‬
‫ﻣﺎ زا املﺤﻤﺪا ﺑﺎملﴫﻳني ﻳﺬﻳﻌﺎ ﻓﻴﻬﻢ دﻋﻮة املﻌﺎرﺿﺔ‪ ،‬ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺠﺎب ﻟﻬﻤﺎ ﺧﻠﻖ‬
‫ﻛﺜري‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻛﺎ املﴫﻳﻮ أﺷﺪ اﻟﻨﺎس ﺧﻼﻓﺎ ﻟﻌﺜﻤﺎ اﻧﺘﻘﺎﺿﺎ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻟﺴﺨﻂ‬
‫ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻔﺘﻴني ﻣﺼﺪر ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻌﻠﻢ إﻻ ﻣﺎ أﺛﺎر ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻧﻔﻮس ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻘﺮﺷﻴني‬
‫ﻏري اﻟﻘﺮﺷﻴني ﻣﻦ اﻟﻐﻴﻆ املﻮﺟﺪة ﺣني آﺛﺮ ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎ د ﻓﺮﻳﻖ‪ ،‬ﺣني ﻗﴫ‬
‫ﺑﺬ املﻜﺎﻧﺔ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء ﻋﻦ املﻨﺎﺻﺐ اﻷﻋﻤﺎ ‪ ،‬اﺧﺘﺺ ﺑﺎملﻨﺎﺻﺐ اﻷﻋﻤﺎ‬
‫ﻗﻮﻣﺎ آﺧﺮﻳﻦ؛ ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻜﻦ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﻢ ﻛﻔﺎﻳﺘﻬﻢ ﻓﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮا ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻻ ﻣﻦ ذ‬
‫املﻜﺎﻧﺔ املﻤﺘﺎزة اﻟﺴرية اﻟﺤﻤﻴﺪة داﺋﻤﺎ‪ .‬ﻳﻜﻔﻲ أ ﺗﻘﺮأ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬ أرﺳﻠﻪ اﻷﺷﱰ‬
‫إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﺣني ردﱠت اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻛﺘﺐ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ أﻫﻠﻬﺎ ﻳﻌﻈﻬﻢ ﻳﺒﴫﻫﻢ‬

‫‪113‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻳﺴﺄﻟﻬﻢ ﻋﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ — ﻳﻜﻔﻲ أ ﺗﻘﺮأ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻟﱰ ﻣﺒﻠﻎ ﺳﺨﻂ اﻟﻨﺎس اﻟﺸﺒﺎب‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﺧﺎﺻﺔ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ؛ ﻷﻧﻪ آﺛﺮ ﺑﺎﻷﻣﻮر اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻦ ذ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻻ ﻳﻤﺘﺎز ﻣﻦ‬
‫ﻏريﻫﻢ ﺑﻘﻠﻴﻞ أ ﻛﺜري‪.‬‬
‫ﻛﺘﺐ اﻷﺷﱰ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ املﺒﺘﲆ اﻟﺨﺎﻃﺊ‬
‫اﻟﺤﺎﺋﺪ ﻋﻦ ﺳﻨﺔ ﻧﺒﻴﻪ اﻟﻨﺎﺑﺬ ﻟﺤﻜﻢ اﻟﻘﺮآ راء ﻇﻬﺮ ‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻗﺮأﻧﺎ ﻛﺘﺎﺑﻚ؛ ﻓﺎﻧﻪ ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻤﺎﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﻈﻠﻢ اﻟﻌﺪ ا ﺗﺴﻴري اﻟﺼﺎﻟﺤني‪،‬‬
‫ﻧﺴﻤﺢ ﻟﻚ ﺑﻄﺎﻋﺘﻨﺎ‪ .‬زﻋﻤﺖ أﻧﺎ ﻗﺪ ﻇﻠﻤﻨﺎ أﻧﻔﺴﻨﺎ‪ ،‬ذﻟﻚ ﻇﻨﻚ اﻟﺬ أردا ﻓﺄرا اﻟﺠﻮر‬
‫ﺣﻘﺎ‪ .‬أﻣﺎ ﻣﺤﺒﺘﻨﺎ ﻓﺄ ﺗﻨﺰغ ﺗﺘﻮب ﺗﺴﺘﻐﻔﺮ ﷲ ﻣﻦ ﺗﺠﻨﻴﻚ ﻋﲆ ﺧﻴﺎرﻧﺎ‪،‬‬ ‫ﻋﺪﻻ اﻟﺒﺎﻃﻞ ٍّ‬
‫ﺗﺴﻴري ﺻﻠﺤﺎءﻧﺎ‪ ،‬إﺧﺮاﺟﻚ إﻳﺎﻧﺎ ﻣﻦ دﻳﺎرﻧﺎ‪ ،‬ﺗﻮﻟﻴﺘﻚ اﻷﺣﺪاث ﻋﻠﻴﻨﺎ‪ ،‬أ ﺗﻮﱄ ﻣﴫﻧﺎ‬
‫ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ أﺑﺎ ﻣﻮﳻ اﻷﺷﻌﺮ ﺣﺬﻳﻔﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ رﺿﻴﻨﺎﻫﻤﺎ‪ .‬اﺣﺒﺲ ﻋﻨﺎ ﻟﻴﺪ‬
‫ﻣﻦ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴﻪ اﻟﻬﻮ ﻣﻦ أﻫﻞ ﺑﻴﺘﻚ إ ﺷﺎء ﷲ‪ .‬اﻟﺴﻼ ‪1 «.‬‬ ‫ﺳﻌﻴﺪ‬
‫ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺮ أ اﻷﺷﱰ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻊ ﻃﺎﻋﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ إﻣﺎﻣﺘﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﺗﻬﻤﻪ ﺑﺎﻟﺠﻮر‬
‫اﻻﻧﺤﺮا ﻋﻦ اﻟﺴﻨﺔ ﻧﺒﺬ اﻟﻘﺮآ راء ﻇﻬﺮ ‪ ،‬ﺗﻮﻟﻴﺔ اﻷﺣﺪاث‪ ،‬ﻧﻔﻰ ﻣﻦ ﻧﻔﻰ ﻣﻦ‬
‫املﺴﻠﻤني‪ .‬ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻪ أ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ‪ ،‬أ ﻳﻮﱄ ﻋﲆ ﺻﻼة اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺣﺮﺑﻬﺎ أﺑﺎ ﻣﻮﳻ‬
‫اﻷﺷﻌﺮ ﻋﲆ ﺧﺮاﺟﻬﺎ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺑﻦ اﻟﻴﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﺈ ﻓﻌﻞ ﻓﻠﻪ ﻃﺎﻋﺔ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻴﺪ ﻣﻦ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴﻪ اﻟﻬﻮ ﻣﻦ أﻫﻞ‬ ‫اﻧﻈﺮ إﱃ ﻗﻮﻟﻪ‪ » :‬اﺣﺒﺲ ﻋﻨﺎ ﺳﻌﻴﺪ‬
‫ﺑﻴﺘﻚ إ ﺷﺎء ﷲ«؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺼﻮر ﻣﺎ أﺣﻔﻆ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻏﺎﻇﻬﻢ ﻣﻦ إﻳﺜﺎر ﻋﺜﻤﺎ ﻷﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ‪،‬‬
‫ﺗﻨﺤﻴﺘﻪ ذ املﻜﺎﻧﺔ ﻣﻦ أﻣﺜﺎ أﺑﻲ ﻣﻮﳻ ﺣﺬﻳﻔﺔ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﺮ اة‪ :‬ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬا‬
‫اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬اﻟﻠﻬﻢ إﻧﻲ ﺗﺎﺋﺐ‪ .‬ﻛﺘﺐ إﱃ أﺑﻲ ﻣﻮﳻ ﺣﺬﻳﻔﺔ‪ :‬أﻧﺘﻤﺎ ﻷﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ رﺿﺎ ﻟﻨﺎ‬
‫ﺛﻘﺔ‪ ،‬ﻓﺘﻮﻟﻴﺎ أﻣﺮﻫﻢ ﻗﻮﻣﺎ ﺑﻪ ﺑﺎﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻏﻔﺮ ﷲ ﻟﻨﺎ ﻟﻜﻤﺎ‪ .‬ﺻﻞ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﻮ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ‬
‫اﻟﻮﻏﻞ‪:‬‬

‫أﻣﱢ ﺮ ﻋ ﻠ ﻴ ﻨ ﺎ اﻷﺷ ﻌ ﺮ ﻟ ﻴ ﺎﻟ ﻴ ﺎ‬ ‫اﺣﺘﺴﺐ‬ ‫ﺗﺼﺪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻳﺎ اﺑﻦ ﻋﻔﺎ‬

‫ﺑﻘﻴﺖ‪2 .‬‬ ‫ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﻧﻌﻢ! أﺷﻬﺮا إ‬

‫ﻟﻠﺒﻼذر ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪ ،٤٦‬ﻃﺒﻊ اﻟﻘﺪس‪.‬‬ ‫‪ 1‬أﻧﺴﺎب اﻷﴍا‬

‫ﻟﻠﺒﻼذر ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪ ،٤٧‬ﻃﺒﻊ اﻟﻘﺪس‪.‬‬ ‫‪ 2‬أﻧﺴﺎب اﻷﴍا‬

‫‪114‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ‬

‫ﻫﻨﺎ ﻗﺼﺔ أﻛﱪ اﻟﺮ اة املﺘﺄﺧﺮ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ أﴎﻓﻮا ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻘﺪﻣﺎء‬
‫املﺤﺪﺛني ﻣﺼﺪرا ملﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﻼ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ملﺎ أ رث ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼ ﻣﻦ ﻓﺮﻗﺔ ﺑني‬
‫املﺴﻠﻤني ﻟﻢ ﺗﻤﺢ آﺛﺎرﻫﺎ ﺑﻌﺪ‪ :‬ﻫﻲ ﻗﺼﺔ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ اﻟﺬ ﻳﻌﺮ ﺑﺎﺑﻦ اﻟﺴﻮداء‪ .‬ﻗﺎ‬
‫اﻟﺮ اة‪ :‬ﻛﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﻳﻬﻮدﻳٍّﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ ﺻﻨﻌﺎء ﺣﺒﴚﱠ اﻷ ‪ ،‬ﻓﺄﺳﻠﻢ ﰲ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﺟﻌﻞ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﻳﻜﻴﺪ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﻐﺮ ﺑﻪ ﻳﺤﺮض ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻳﺬﻳﻊ ﰲ اﻟﻨﺎس آراء‬
‫ﻣﺤﺪﺛﺔ أﻓﺴﺪت ﻋﻠﻴﻬﻢ رأﻳﻬﻢ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬ﻗﺎﻟﻮا إﻧﻪ ذﻫﺐ إﱃ اﻟﺒﴫة‪ ،‬ﻓﻠﻢ‬
‫ﻳﻜﺪ ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ رﻓﻊ أﻣﺮ إﱃ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻓﺄﺧﺮﺟﻪ ﻋﻨﻬﺎ‪ .‬ﻓﺬﻫﺐ إﱃ اﻟﺸﺎ ‪،‬‬
‫ﻫﻨﺎ ﻟﻘﻲ أﺑﺎ ذر‪ ،‬ﻓﻼ ﻋﻨﺪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﰲ ﻗﻮﻟﻪ ﻋﻦ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‪ :‬إﻧﻪ ﻣﺎ ﷲ‪ .‬ﺗﺄﺛﺮ أﺑﻮ‬
‫ذر ﺑﺤﺪﻳﺚ اﺑﻦ اﻟﺴﻮداء‪ ،‬ﻓﻜﻠﻢ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ .‬ﺛﻢ ﻟﻘﻲ ﻋﺒﺎدة ﺑﻦ اﻟﺼﺎﻣﺖ‪ ،‬أراد أ ﻳﺘﺤﺪث إﻟﻴﻪ‬
‫ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﺪث ﺑﻪ إﱃ أﺑﻲ ذر‪ ،‬ﻓﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ ﻋﺒﺎدة ﻗﺎد إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺧﻮﱠﻓﻪ ﴍ ﻋﲆ اﻟﺸﺎ ‪،‬‬
‫ﻓﺄﺧﺮﺟﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺎ ‪ .‬ﻓﺬﻫﺐ إﱃ ﻣﴫ ﰲ ﻣﴫ ﺟﺪ أرﺿﺎ ﺧﺼﺒﺔ ﻟﻜﻴﺪ ﻣﻜﺮ‬
‫ﺑﺪﻋﻪ؛ ﻓﻜﺎ ﻳﺘﺤﺪث إﱃ اﻟﻨﺎس ﺑﺄ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤﺪا أﺣﻖ ﺑﺎﻟﺮﺟﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻴﴗ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ‪،‬‬
‫ﻳﺬﻛﺮ ﻗﻮﻟﻪ ﻋﺰ ﺟﻞ‪﴿ :‬إ ﱠ ا ﱠﻟﺬ ﻓﺮض ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻘﺮآ ﻟﺮا ﱡد إﱃ ٰ ﻣﻌﺎد﴾‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻳﺘﺤﺪث إﻟﻴﻬﻢ ﺑﺄ ﻟﻜﻞ ﻧﺒﻲ ﺻﻴٍّﺎ‪ ،‬ﺑﺄ ﴆ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﻫﻮ ﻋﲇﱞ‪ ،‬ﺑﺄ ﻋﻠﻴٍّﺎ‬
‫ﺧﺎﺗﻢ اﻷ ﺻﻴﺎء ﻛﻤﺎ أ ﻣﺤﻤﺪا ﺧﺎﺗﻢ اﻷﻧﺒﻴﺎء‪ .‬إﱃ اﺑﻦ اﻟﺴﻮداء ﻳﻀﻴﻒ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻛﻞ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﺴﺎد اﻻﺧﺘﻼ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻳﺬﻫﺐ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﱃ‬
‫أﻧﻪ أﺣﻜﻢ ﻛﻴﺪ إﺣﻜﺎﻣﺎ‪ ،‬ﻓﻨﻈﻢ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﺟﻤﺎﻋﺎت ﺧﻔﻴﺔ ﺗﺴﺘﱰ ﺑﺎﻟﻜﻴﺪ ﺗﺘﺪاﻋﻰ ﻓﻴﻤﺎ‬
‫ﺑﻴﻨﻬﺎ إﱃ اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا ﺗﻬﻴﺄت ﻟﻬﺎ اﻷﻣﻮر ﺛﺒﺖ ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺮ ج‬
‫اﻟﺤﺼﺎر ﻗﺘﻞ اﻹﻣﺎ ‪.‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻳﺨﻴﻞ إﱄ ﱠ أ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﱪ ﻣﻦ أﻣﺮ اﺑﻦ ﺳﺒﺄ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﻳﴪﻓﻮ ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻢ‬
‫ﻋﲆ اﻟﺘﺎرﻳﺦ إﴎاﻓﺎ ﺷﺪﻳﺪا‪ .‬أ ﻣﺎ ﻧﻼﺣﻈﻪ أﻧﺎ ﻻ ﻧﺠﺪ ﻻﺑﻦ ﺳﺒﺄ ذﻛﺮا ﰲ املﺼﺎدر املﻬﻤﺔ‬
‫ﻗﺼﺖ أﻣﺮ اﻟﺨﻼ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﺬﻛﺮ اﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺣني ﻗﺺ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺔ‬ ‫اﻟﺘﻲ ﱠ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ اﻧﺘﻘﺎض اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮ اﻟﺒﻼذر ﰲ أﻧﺴﺎب اﻷﴍا ‪ ،‬ﻫﻮ ﻓﻴﻤﺎ أر‬
‫أﻫﻢ املﺼﺎدر ﻟﻬﺬ اﻟﻘﺼﺔ أﻛﺜﺮﻫﺎ ﺗﻔﺼﻴﻼ‪ .‬ذﻛﺮ اﻟﻄﱪ ﻋﻦ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻋﻨﻪ أﺧﺬ‬
‫املﺆرﺧﻮ اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎء ا ﺑﻌﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ‪.‬‬
‫ﻟﺴﺖ أدر أﻛﺎ ﻻﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﺧﻄﺮ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ‪ .‬ﻟﻜﻨﻲ أﻗﻄﻊ ﺑﺄ ﺧﻄﺮ ‪،‬‬
‫إ ﻛﺎ ﻟﻪ ﺧﻄﺮ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ذا ﺷﺄ ‪ .‬ﻣﺎ ﻛﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﰲ ﻋﴫ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻴﻌﺒﺚ ﺑﻌﻘﻮﻟﻬﻢ‬
‫آراﺋﻬﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﻢ ﻃﺎرئ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب أﺳﻠﻢ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺴﻠﻢ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﺪب‬
‫ﻟﻨﴩ اﻟﻔﺘﻨﺔ إذاﻋﺔ اﻟﻜﻴﺪ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻗﻄﺎر‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ أﺧﺬ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ أ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻄﺎرئ اﻟﺬ ﻛﺎ ﻳﻬﻮدﻳٍّﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻠﻢ إﻻ ﻛﺎﺋﺪا ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻟﻜﺘﺐ أﺣﺪﻫﻤﺎ أ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻓﻴﻪ‬
‫إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻟﺒﻄﺶ ﺑﻪ أﺣﺪﻫﻤﺎ أ ﻛﻼﻫﻤﺎ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ أﺧﺬ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح‬
‫ملﺎ أﻋﻔﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎد ﻳﻨﺰﻟﻬﺎ ﺑﺎملﺤﻤﺪﻳﻦ ﻟﻮﻻ ﺧﻮﻓﻪ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬اﻟﺬ ﻳﻜﺘﺐ إﱃ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺴﺘﺄذﻧﻪ ﰲ اﻟﺒﻄﺶ ﺑﺎﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻋﻤﺎر ﺑﻦ ﻳﺎﴎ ﰲ ﺑﻌﺾ‬
‫اﻟﺮ اﻳﺎت؛ ﺧﻠﻴﻖ أﻻ ﻳﻌﻔﻲ ﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺘﻪ رﺟﻼ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻗﺪ اﺗﺨﺬ اﻹﺳﻼ ﺳﻴﻠﺔ ﻹﺛﺎرة‬
‫اﻟﻔﺮﻗﺔ ﺑني املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺗﺸﻜﻴﻜﻬﻢ ﰲ إﻣﺎﻣﻬﻢ ﺑﻞ ﰲ دﻳﻨﻬﻢ ﻛﻠﻪ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻳﴪ ﻣﻦ أ‬
‫ﻳﺘﺘﺒﻊ اﻟﻮﻻة ﻫﺬا اﻟﻄﺎرئ ﻣﻦ أ ﻳﺄﺧﺬ ﻳﻌﺎﻗﺒﻮ ﻫﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻬﺮة ﰲ ﺗﺘﺒﻊ املﻌﺎرﺿني‬
‫إﺧﺮاﺟﻬﻢ ﻣﻦ دﻳﺎرﻫﻢ إرﺳﺎﻟﻬﻢ إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ أ إﱃ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪.‬‬
‫ﻣﻦ أﻏﺮب ﻣﺎ ﻳﺮ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﻫﺬا أﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﺬ ﻟﻘﻦ أﺑﺎ ذر ﻧﻘﺪ‬
‫ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ﻣﻦ أ املﺎ ﻫﻮ ﻣﺎ ﷲ‪ ،‬ﻋﻠﻤﻪ أ اﻟﺼﻮاب أ ﻳﻘﻮ ‪ :‬إﻧﻪ ﻣﺎ‬
‫املﺴﻠﻤني‪ .‬ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻠﻘني‪ ،‬إﱃ أ ﻳﻘﺎ إﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﺬ ﻟﻘﻦ أﺑﺎ ذر ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻛﻠﻪ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻷﻣﺮاء‬
‫اﻷﻏﻨﻴﺎء ﺗﺒﺸري اﻟﻜﺎﻧﺰﻳﻦ ﻟﻠﺬﻫﺐ اﻟﻔﻀﺔ ﺑﻤﻜﺎ ﻣﻦ ﻧﺎر ﺗﻜﻮ ﺑﻬﺎ ﺟﺒﺎﻫﻬﻢ ﺟﻨﻮﺑﻬﻢ‬
‫ﻇﻬﻮرﻫﻢ‪ .‬ﻻ ﻳﻮﺟﺪ أﻣﺪ ﺑﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻣﺎ أﻋﺮ إﴎاﻓﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻫﺬا اﻹﴎا ‪ .‬ﻓﻤﺎ ﻛﺎ أﺑﻮ ذر‬
‫ﰲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ ﻃﺎرئ ﻣﺤﺪث ﰲ اﻹﺳﻼ ﻟﻴﻌﻠﻤﻪ أ ﻟﻠﻔﻘﺮاء ﻋﲆ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﺣﻘﻮﻗﺎ‪ ،‬أ ﷲ‬
‫ﻳﺒﴩ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﻨﺰ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻔﻀﺔ ﻻ ﻳﻨﻔﻘﻮﻧﻬﺎ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﺑﻌﺬاب أﻟﻴﻢ‪ ،‬أ املﺎ‬
‫اﻟﺬ ﻳﻜﺴﺒﻪ املﺴﻠﻤﻮ ﺣني ﻳﻈﻬﺮ ﻋﲆ اﻟﻌﺪ ‪ ،‬أ اﻟﺬ ﻳﺆدﻳﻪ املﺴﻠﻤﻮ إﱃ ﺑﻴﺖ املﺎ‬
‫زﻛﺎة أ ﺧﺮاﺟﺎ‪ ،‬أ اﻟﺬ ﻳﺆدﻳﻪ اﻟﺬﻣﻴﻮ إﱃ ﺑﻴﺖ املﺎ ﺟﺰﻳﺔ أ ﺧﺮاﺟﺎ؛ ﻫﻮ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‬
‫ﻳﺠﺐ أ ﻳﻀﺎ إﻟﻴﻬﻢ ﰲ اﻟﻘﻮ أ ﻳﺮد ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺑﻮ ذر ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﻫﺬا‬

‫‪116‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ‬

‫اﻟﻄﺎرئ ﻟﻴﻌﻠﻤﻪ ﻫﺬ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻷ ﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬أﺑﻮ ذر ﺳﺒﻖ اﻷﻧﺼﺎر ﺟﻤﻴﻌﺎ‬
‫ﺳﺒﻖ ﻛﺜريا ﺟﺪٍّا ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ إﱃ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻫﻮ ﻗﺪ ﺻﺤﺐ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﺄﻃﺎ ﺻﺤﺒﺘﻪ‪ ،‬ﺣﻔﻆ‬
‫اﻟﻘﺮآ ﻓﺄﺣﺴﻦ ﺣﻔﻈﻪ‪ ،‬ر اﻟﺴﻨﺔ ﻓﺄﺗﻘﻦ ر اﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬ﺷﻬﺪ ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ ﺳرية ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‬
‫ﰲ اﻷﻣﻮا اﻟﺤﻘﻮ ‪ ،‬ﻋﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻼ اﻟﺤﺮا ﻣﺎ ﻋﺮ ﻏري ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﻟﺰﻣﻮ ﻓﺄﺣﺴﻨﻮا ﻟﺰ ﻣﻪ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰﻋﻤﻮ أ اﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﻗﺪ اﺗﺼﻞ ﺑﺄﺑﻲ ذر ﻓﺄﻟﻘﻰ إﻟﻴﻪ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎﻟﻪ‪ ،‬ﻳﻈﻠﻤﻮ‬
‫أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳﻈﻠﻤﻮ أﺑﺎ ذر‪ ،‬ﻳﺮﻗﻮ ﺑﺎﺑﻦ اﻟﺴﻮداء ﻫﺬا إﱃ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻄﻤﻊ ﰲ أ ﻳﺮﻗﻰ‬
‫إﻟﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫اﻟﺮ اة ﻳﻘﻮﻟﻮ ‪ :‬إ أﺑﺎ ذر ﻗﺎ ذات ﻳﻮ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﺑﻌﺪ رﺟﻮﻋﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﺎ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪:‬‬
‫ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ملﻦ أ ﱠد اﻟﺰﻛﺎة أ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻳﻄﻌﻢ اﻟﺠﺎﺋﻊ ﻳﻨﻔﻖ‬
‫ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ .‬ﻛﺎ ﻛﻌﺐ اﻷﺣﺒﺎر ﺣﺎﴐا ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﻣﻦ أد اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ‬
‫ﻓﺤﺴﺒﻪ‪ .‬ﻓﻐﻀﺐ أﺑﻮ ذر ﻗﺎ ﻟﻜﻌﺐ‪ :‬ﻳﺎ اﺑﻦ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ! ﻣﺎ أﻧﺖ ﻫﺬا؟ أﺗﻌﻠﻤﻨﺎ دﻳﻨﻨﺎ؟! ﺛﻢ‬
‫ﺟﺄ ﺑﻤﺤﺠﻨﻪ‪ .‬ﻓﺄﺑﻮ ذر ﻳﻨﻜﺮ ﻋﲆ ﻛﻌﺐ اﻷﺣﺒﺎر أ ﻳﻌﻠﻤﻪ دﻳﻨﻪ‪ ،‬ﺑﻞ أ ﻳﺪﺧﻞ ﰲ أﻣﻮر‬
‫املﺴﻠﻤني ﺣﺘﻰ ﺑﺈﺑﺪاء اﻟﺮأ ‪ ،‬ﻣﻊ أ ﻛﻌﺐ اﻷﺣﺒﺎر ﻣﺴﻠﻢ أﺑﻌﺪ ﻋﻬﺪا ﺑﺎﻹﺳﻼ ﻣﻦ اﺑﻦ ﺳﺒﺄ‪،‬‬
‫ﻛﺎ ﻣﺠﺎ را ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻳﺼﺒﺢ ﻳﻤﴘ ﺑني أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻌﺎﴍا ﻟﻌﻤﺮ ﻋﺜﻤﺎ ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻻ ﻳﺘﺤﺮج ﻣﻦ أ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻣﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ أﺻﻼ ﻣﻦ أﺻﻮ اﻹﺳﻼ ﺣﻜﻤﺎ ﻣﻦ‬
‫أﺣﻜﺎ اﻟﻘﺮآ ! ﻓﺎﻋﺠﺐ ﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﲆ ﻛﻌﺐ أ ﻳﺠﺎد ﰲ اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﻳﺘﻠﻘﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ!‬
‫أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﻫﺬا — إ ﻛﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺮ ﻋﻨﻪ ﺻﺤﻴﺤﺎ — إﻧﻤﺎ‬
‫ﻗﺎ ﻣﺎ ﻗﺎ دﻋﺎ ﻣﺎ دﻋﺎ إﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪ أ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻋﻈﻢ اﻟﺨﻼ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻗﺪ اﺳﺘﻐﻞ اﻟﻔﺘﻨﺔ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺜﺮﻫﺎ‪ .‬أﻛﱪ اﻟﻈﻦ ﻛﺬﻟﻚ أ ﺧﺼﻮ اﻟﺸﻴﻌﺔ أﻳﺎ اﻷﻣﻮﻳني اﻟﻌﺒﺎﺳﻴني ﻗﺪ ﺑﺎﻟﻐﻮا ﰲ‬
‫ﻻﺗﻪ‬ ‫أﻣﺮ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﻫﺬا؛ ﻟﻴﺸﻜﻜﻮا ﰲ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻧﺴﺐ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث إﱃ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ‪ ،‬ﻟﻴﺸﻨﻌﻮا ﻋﲆ ﻋﲇ ﱟ ﺷﻴﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮ ؛ ﻓريد ا ﺑﻌﺾ أﻣﻮر اﻟﺸﻴﻌﺔ إﱃ‬
‫ﻳﻬﻮد أﺳﻠﻢ ﻛﻴﺪا ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ .‬ﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﺷﻨﻊ ﺧﺼﻮ اﻟﺸﻴﻌﺔ ﻋﲆ اﻟﺸﻴﻌﺔ! ﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ‬
‫ﺷﻨﻊ اﻟﺸﻴﻌﺔ ﻋﲆ ﺧﺼﻮﻣﻬﻢ ﰲ أﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻏري أﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ !‬
‫ﻓﻠﻨﻘﻒ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺘﺤﻔﻆ اﻟﺘﺤﺮج اﻻﺣﺘﻴﺎط‪ ،‬ﻟﻨﻜﱪ املﺴﻠﻤني ﰲ ﺻﺪر‬
‫اﻹﺳﻼ ﻋﻦ أ ﻳﻌﺒﺚ ﺑﺪﻳﻨﻬﻢ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﻢ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ د ﻟﺘﻬﻢ رﺟﻞ أﻗﺒﻞ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﺎء ﻛﺎ‬
‫أﺑﻮ ﻳﻬﻮدﻳٍّﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻪ ﺳﻮداء‪ ،‬ﻛﺎ ﻫﻮ ﻳﻬﻮدﻳٍّﺎ ﺛﻢ أﺳﻠﻢ ﻻ رﻏﺒﺎ ﻻ رﻫﺒﺎ ﻟﻜﻦ ﻣﻜﺮا‬

‫‪117‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻛﻴﺪا ﺧﺪاﻋﺎ‪ .‬ﺛﻢ أﺗﻴﺢ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺠﺢ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﺒﺘﻐﻲ‪ ،‬ﻓﺤ ﱠﺮض املﺴﻠﻤني ﻋﲆ ﺧﻠﻴﻔﺘﻬﻢ ﺣﺘﻰ‬
‫ﻗﺘﻠﻮ ‪ ،‬ﻓ ﱠﺮﻗﻬﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺷﻴﻌﺎ أﺣﺰاﺑﺎ‪.‬‬
‫ﻫﺬ ﻛﻠﻬﺎ أﻣﻮر ﻻ ﺗﺴﺘﻘﻴﻢ ﻟﻠﻌﻘﻞ‪ ،‬ﻻ ﺗﺜﺒﺖ ﻟﻠﻨﻘﺪ‪ ،‬ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﺗﻘﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻣﻮر‬
‫اﻟﺘﺎرﻳﺦ‪.‬‬
‫إﻧﻤﺎ اﻟﴚء اﻟﻮاﺿﺢ اﻟﺬ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺷﻚ ﻫﻮ أ ﻇﺮ اﻟﺤﻴﺎة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ ذﻟﻚ‬
‫اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻄﺒﻌﻬﺎ ﺗﺪﻓﻊ إﱃ اﺧﺘﻼ اﻟﺮأ اﻓﱰا اﻷﻫﻮاء ﻧﺸﺄة املﺬاﻫﺐ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬
‫املﺘﺒﺎﻳﻨﺔ‪ .‬ﻓﺎملﺴﺘﻤﺴﻜﻮ ﺑﻨﺼﻮص اﻟﻘﺮآ ﺳﻨﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﺳرية ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ أﻣﻮرا‬
‫ﺗﻄﺮأ ﻳﻨﻜﺮ ﻧﻬﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻬﺎ‪ ،‬ﻳﺮﻳﺪ أ ﺗﻮاﺟﻪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﻮاﺟﻬﻬﺎ‪ ،‬ﰲ ﺣﺰ ﺷﺪة‬
‫ﺿﺒﻂ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺿﺒﻂ ﻟﻠﺮﻋﻴﺔ‪ .‬اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻨﺎﺷﺌﻮ ﰲ ﻗﺮﻳﺶ ﻏري ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ أﺣﻴﺎء اﻟﻌﺮب‬
‫ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻮ ﻫﺬ اﻷﻣﻮر اﻟﺠﺪﻳﺪة‪ ،‬ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻄﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻄﻤﻮح‪ ،‬ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺛﺮة ﻓﻴﻬﺎ‬
‫اﻷﻣﻞ اﻟﺒﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻬﻢ اﻟﺬ ﻻ ﻳﻌﺮ ﺣﺪٍّا ﻳﻘﻒ ﻋﻨﺪ ‪ ،‬ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ‬
‫اﻟﺘﺰاﺣﻢ ﻻ ﻋﲆ املﻨﺎﺻﺐ ﺣﺪﻫﺎ ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﲆ ﻛﻞ ﳾء ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ‪ .‬ﻫﺬ اﻷﻣﻮر اﻟﺠﺪﻳﺪة‬
‫ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻠﻴﻘﺔ أ ﺗﺪﻓﻊ اﻟﺸﻴﻮخ اﻟﺸﺒﺎب إﱃ ﻣﺎ دﻓﻌﻮا إﻟﻴﻪ‪ .‬ﻓﻬﺬ أﻗﻄﺎر اﺳﻌﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻷرض ﺗﻔﺘﺢ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻫﺬ أﻣﻮا ﻻ ﺗﺤﴡ ﺗﺠﺒﻰ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻷﻗﻄﺎر‪ ،‬ﻓﺄ ﻏﺮاﺑﺔ‬
‫ﰲ أ ﻳﺘﻨﺎﻓﺴﻮا ﰲ إدارة ﻫﺬ اﻷﻗﻄﺎر املﻔﺘﻮﺣﺔ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻬﺬ اﻷﻣﻮا املﺠﻤﻮﻋﺔ؟ ﻫﺬ‬
‫ﺑﻼد أﺧﺮ ﻟﻢ ﺗﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻛﻞ ﳾء ﻳﺪﻋﻮﻫﻢ إﱃ أ ﻳﻔﺘﺤﻮﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻓﺘﺤﻮا ﻏريﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻟﻬﻢ ﻻ‬
‫ﻳﺴﺒﻘﻮ إﱃ اﻟﻔﺘﺢ؟ ﻣﺎ ﻟﻬﻢ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﻓﺴﻮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻜﺴﺒﻪ اﻟﻔﺎﺗﺤﻮ ﻣﻦ املﺠﺪ اﻟﻐﻨﻴﻤﺔ إ‬
‫ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﻃﻼب اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻣﻦ اﻷﺟﺮ املﺜﻮﺑﺔ إ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﻃﻼب اﻵﺧﺮة؟ ﺛﻢ ﻣﺎ ﻟﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ‬
‫ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻫﺬا املﻠﻚ اﻟﻀﺨﻢ ﻫﺬا اﻟﺜﺮاء اﻟﻌﺮﻳﺾ؟ أ ﻏﺮاﺑﺔ ﰲ أ ﻳﻨﺪﻓﻊ‬
‫اﻟﻄﺎﻣﻌﻮ اﻟﻄﺎﻣﺤﻮ ﻣﻦ ﺷﺒﺎب ﻗﺮﻳﺶ إﱃ ﻫﺬ اﻷﺑﻮاب اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﺖ ﻟﻬﻢ ﻟﻴﻠﺠﻮا ﻣﻨﻬﺎ إﱃ‬
‫املﺠﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎ اﻟﺜﺮاء؟ أ ﻏﺮاﺑﺔ ﰲ أ ﻳﻬ ﱠﻢ ﺑﻤﻨﺎﻓﺴﺘﻬﻢ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﺒﺎب اﻷﻧﺼﺎر ﺷﺒﺎب‬
‫اﻷﺣﻴﺎء اﻷﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب‪ ،‬ﰲ أ ﺗﻤﺘﻠﺊ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﻮﺟﺪة ﺣﻔﻴﻈﺔ ﻏﻴﻈﺎ إذا رأ ا اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‬
‫ﻳﺤﻮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني ﻫﺬ املﻨﺎﻓﺴﺔ‪ ،‬ﻳﺆﺛﺮ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﺑﻌﻈﺎﺋﻢ اﻷﻣﻮر ﻳﺆﺛﺮ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ﺑﺄﻋﻈﻢ‬
‫ﻫﺬ اﻟﻌﻈﺎﺋﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر ﺧﻄﺮا أﺟﻠﻬﺎ ﺷﺄﻧﺎ؟‬
‫اﻟﴚء اﻟﺬ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺷﻚ ﻫﻮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ ﱃ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪا ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺑﻌﺪ أ‬
‫ﻋﺰ ﺳﻌﺪا‪ ،‬ﱃ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻋﲆ اﻟﺒﴫة ﺑﻌﺪ أ ﻋﺰ أﺑﺎ ﻣﻮﳻ‪ ،‬ﺟﻤﻊ اﻟﺸﺎ ﻛﻠﻬﺎ‬
‫ملﻌﺎ ﻳﺔ ﺑﺴﻂ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﱃ أﺑﻌﺪ ﺣﺪ ﻣﻤﻜﻦ ﺑﻌﺪ أ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﺎ ﻻﻳﺎت ﺗﺸﺎر ﰲ‬
‫إدارﺗﻬﺎ ﻗﺮﻳﺶ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ أﺣﻴﺎء اﻟﻌﺮب‪ ،‬ﱃ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻣﴫ ﺑﻌﺪ أ ﻋﺰ‬

‫‪118‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ‬

‫ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص‪ .‬ﻛﻞ ﻫﺆﻻء اﻟﻮﻻة ﻣﻦ ذ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺜﻤﺎ ؛ ﻣﻨﻬﻢ أﺧﻮ ﻷﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻨﻬﻢ‬
‫أﺧﻮ ﰲ اﻟﺮﺿﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻣﻌﻪ ﰲ ﻧﺴﺒﻪ اﻷدﻧﻰ إﱃ أﻣﻴﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ‪.‬‬
‫ﻛﻞ ﻫﺬ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ إﻧﻜﺎرﻫﺎ‪ .‬ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻢ أ اﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﻗﺪ أﻏﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺘﻮﻟﻴﺔ‬
‫ﻣﻦ ﱃ ﻋﺰ ﻣﻦ ﻋﺰ ‪ .‬ﻗﺪ أﻧﻜﺮ اﻟﻨﺎس ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺼﻮر ﻋﲆ املﻠﻮ اﻟﻘﻴﺎﴏة اﻟﻮﻻة‬
‫اﻷﻣﺮاء إﻳﺜﺎر ذ ﻗﺮاﺑﺘﻬﻢ ﺑﺸﺌﻮ اﻟﺤﻜﻢ‪ .‬ﻟﻴﺲ املﺴﻠﻤﻮ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا رﻋﻴﺔ ﻟﻌﺜﻤﺎ‬
‫ﺑﺪﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس؛ ﻓﻬﻢ ﻗﺪ أﻧﻜﺮ ا ﻋﺮﻓﻮا ﻣﺎ ﻳﻨﻜﺮ اﻟﻨﺎس ﻳﻌﺮﻓﻮ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺼﻮر‪.‬‬
‫اﻟﴚء اﻟﺬ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺷﻚ آﺧﺮ اﻷﻣﺮ ﻫﻮ أ ﻋﴫ ﻋﺜﻤﺎ ﺷﻬﺪ ﻟﻮﻧﺎ ﻣﻦ املﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺸﻬﺪ ﻋﴫ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ املﻌﺎرﺿﺔ ﺗﻜﻮ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر اﻟﺒﻌﻴﺪة‪ ،‬ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺻﻮرﻧﺎﻫﺎ‬
‫ﻟﻚ إﱃ اﻵ ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ املﻌﺎرﺿﺔ ﺗﻜﻮ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ‬
‫ﻧﺼﻮرﻫﺎ ﻟﻚ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻧﺮﻳﺪ أ ﻧﺼﻮرﻫﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻨﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻌﺪ أ ﻃﻮﱠﻓﻨﺎ ﻣﻌﻚ ﰲ‬
‫اﻷﻣﺼﺎر ذات اﻟﺨﻄﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻣﻌﻚ ﻋﻠﻤﻬﺎ ﻋﻠﻢ أﻫﻠﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث‪.‬‬
‫اﻟﺴﺆا اﻟﺬ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻠﻘﻰ أ ﻧﺠﺘﻬﺪ ﰲ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻨﻪ ﻫﻮ‪ :‬أﻳﻦ ﻧﺸﺄت املﻌﺎرﺿﺔ‬
‫ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻋﺜﻤﺎ ؛ أﻧﺸﺄت ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺴﺘﻘﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬أ ﻧﺸﺄت ﰲ اﻷﻣﺼﺎر؟ ﺑﻌﺒﺎرة أد ‪:‬‬
‫أﻧﺸﺄت املﻌﺎرﺿﺔ ﺑني أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻋﻨﻬﻢ إﱃ اﻟﺠﻨﺪ‬
‫املﺮاﺑﻄني ﰲ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬أ ﻧﺸﺄت ﰲ اﻟﺠﻨﺪ ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻨﻬﻢ إﱃ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ؟‬
‫اﺿﺢ ﺟﺪٍّا أ ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺆا ﺧﻄﺮا أ ﺧﻄﺮ؛ ﻓﺈ ﻧﺸﺄة املﻌﺎرﺿﺔ ﰲ‬
‫املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ أ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ ﻛﺎﻧﻮا أ ﻣﻦ أﻧﻜﺮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻌﺾ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﻓﺘﺒﻌﻬﻢ‬
‫اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻗﺘﺼﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ أﴎ ﰲ ﻫﺬا اﻻﺗﺒﺎع‪ .‬ﻧﺸﺄة املﻌﺎرﺿﺔ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر‬
‫ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ أ اﻟﺠﻨﺪ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮا إﱃ اﻟﺨﻼ ‪ ،‬ﺛﻢ أﻗﺤﻤﻮا ﻓﻴﻪ ﰲ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪،‬‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ رﴈ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻹﻗﺤﺎ ‪ ،‬ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﺨﻂ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﺳﱰ أﻧﺎ ﻧﻘﻒ ﰲ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ‬
‫ﻫﺬا اﻟﺴﺆا ﻣﻮﻗﻔﺎ ﺳﻄﺎ‪ ،‬أ ﻧﺮ املﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﺸﺄ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﺪﻫﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻧﺸﺄت‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﰲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻌﻠﻬﺎ ﻧﺸﺄت ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺛﻢ ﰲ أﻃﺮا اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﺣﻴﺚ اﻟﺜﻐﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﻮاﺟﻪ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﻋﺪ ﻫﻢ‪ .‬إذا ﺻﺢ ﻣﺎ ﻧﺬﻫﺐ إﻟﻴﻪ — ﻣﺎ ﻧﺮا إﻻ ﺻﺤﻴﺤﺎ — ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮ ﻫﺬا‬
‫دﻟﻴﻼ ﻋﲆ أ ﻫﺬ املﻌﺎرﺿﺔ — ﺳﻮاء أﻧﺸﺄت ﰲ املﺪﻳﻨﺔ أ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر — إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻇﺎﻫﺮة‬
‫ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﺤﺘﻮﻣﺔ دﻋﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻇﺮ اﻟﺤﻴﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ أ ﻻ‪ ،‬ﻇﺮ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬
‫ﺛﺎﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻇﺮ املﻼءﻣﺔ ﺑني أﺻﻮ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﻘﺎﺋﻘﻪ ﺑني ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺘﻲ اﺿﻄﺮ‬
‫املﺴﻠﻤﻮ إﱃ ﻟﻘﺎﺋﻬﺎ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻬﺎ آﺧﺮ اﻷﻣﺮ‪ .‬ﻣﺎ ﻛﺎ ﻟﻌﺜﻤﺎ أ ﻳﻘﺎ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﻴﺎة ﻻ‬
‫أ ﻳﻘﻬﺮ ﻫﺬ اﻟﻈﺮ ‪ .‬ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ أ ﻳﻮﺟﺪ ﺳﻠﻄﺎ ﺿﺨﻢ ﻛﻬﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎ اﻟﺬ‬

‫‪119‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫أﺗﻴﺢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﻜﻮ ﻓﻴﻪ ﺣﻜﻢ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﻜﻮ ﻓﻴﻪ ﴏاع ﺑني‬
‫ذﻟﻚ اﻟﺤﻜﻢ ﻫﺬ املﻌﺎرﺿﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﻜﻮ ﻓﻴﻪ آﺧﺮ اﻷﻣﺮ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻻﺻﻄﺪا اﻟﺬ اﻧﺘﻬﻰ‬
‫ﺑﺎملﺴﻠﻤني إﱃ أ ﻳﺴﻠﻜﻮا اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﺘﻬﺎ اﻷﻣﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ؛ ﻷ ﺗﻄﻮر‬
‫اﻟﻨﻈﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ أﺟﻠﻪ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ أﺟﻠﻪ إﱃ اﻵ ‪ ،‬ﻷ‬
‫اﻟﻌﻘﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺣﻈﻪ اﻷ ﰱ ﻣﻦ اﻟﺮﻗﻲ‪ ،‬ﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻪ إﱃ اﻵ ‪ .‬اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮ ﻣﺎ‬
‫ﻳﺤﺪث اﻵ ﻣﻦ اﻟﴫاع ﺑني اﻟﻨﻈﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺧﻠﻴﻘﻮ أﻻ ﻳﻨﻜﺮ ا ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﴫاع ﺣﻮ اﻟﻨﻈﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ اﻟﻘﺮ اﻷ ﻟﻠﻬﺠﺮة ﰲ اﻟﻘﺮ‬
‫اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻨﻌﺪ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬ﻟﻨﻘﻢ ﺑني ﻋﺜﻤﺎ أﺻﺤﺎﺑﻪ‬
‫ﻗﺘﺎ ﻣﺎ‪ ،‬ﻟﻨﺮ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﺳريﺗﻪ ﻓﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻣﺎذا ﻛﺎ رأﻳﻬﻢ ﻓﻴﻪ‪.‬‬

‫‪120‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ‬

‫أ ﻣﺎ ﻧﻼﺣﻆ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻠﺔ ﺑني ﻋﺜﻤﺎ ﺑني ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ اﻟﺨﻤﺴﺔ اﻟﺬﻳﻦ‬
‫اﺧﺘﺎر ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﻛﺎﻧﻮا أ ﻣﻦ ﺑﺎﻳﻌﻪ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﺎرﻛﻮ ﰲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮر ﺑﻌﻬﺪ‬
‫ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻛﻠﻬﻢ ﺳﺒﻖ إﱃ اﻹﺳﻼ ﻓﻜﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻘني اﻷ ﻟني‪ ،‬ﻛﻠﻬﻢ أﺑﲆ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻓﺄﺣﺴﻦ‬
‫اﻟﺒﻼء‪ ،‬ﻛﻠﻬﻢ رﴈ ﻋﻨﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺎت ﻫﻮ ﻋﻨﻪ راض‪ ،‬ﻛﻠﻬﻢ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﴩة‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ‪ .‬ﺛﻢ ﻫﻢ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻗﺮاﺑﺘﻬﻢ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﻢ ﺑني اﻟﻨﺎس ﺣﻈﻮﻇﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻧﻈﺮﻫﻢ إﻟﻴﻬﺎ‪ .‬أ ﻟﻬﻢ ﰲ رأ ﻋﻤﺮ‬
‫ﰲ رأ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ اﻟﻨﺎس ﰲ رأﻳﻬﻢ ﻫﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ‪ ،‬ﻛﺎ ﻗﺮﻳﺐ املﻜﺎﻧﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻣﻪ آﻣﻨﺔ ﺑﻨﺖ ﻫﺐ؛ ﻓﻬﻮ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ زﻫﺮة‪ .‬ﻛﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ‬
‫ﻋﺒﺪ ﻋﻤﺮ أ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﻌﺒﺔ‪ ،‬ﻓﺴﻤﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ .‬ﻛﺎ ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﺻﺎﺣﺐ ﺗﺠﺎرة‬
‫ﺑﺎرﻋﺎ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻇﻞ ﺑﻌﺪ إﺳﻼﻣﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﺗﺠﺎرة ﺑﺎرﻋﺎ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺣﺴﻦ اﻟﺘﺪﺑري ﻟﻠﻤﺎ ‪ ،‬ﻣﺎﻫﺮا أ‬
‫ﻣﻬﺎرة ﰲ اﻟﺘﻤﺎﺳﻪ اﻟﻈﻔﺮ ﺑﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﰲ اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻹﻧﻔﺎ ﻣﻨﻪ ﰲ ﺟﻮ اﻟﺨري‪.‬‬
‫ملﺎ ﻫﺎﺟﺮ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻧﺰ ﻋﲆ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻷﻧﺼﺎر ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻟﻪ ﺳﻌﺪ‪ :‬أﻧﺎ أﻛﺜﺮ‬
‫أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺎﻻ‪ ،‬ﻓﺎﻧﻈﺮ إﱃ ﺷﻄﺮ ﻣﺎﱄ ﻓﺨﺬ ‪ ،‬ﱄ ز ﺟﺘﺎ ﻓﺎﻧﻈﺮ إﱃ أﻳﻬﻤﺎ أﻋﺠﺐ إﻟﻴﻚ‬
‫ﻓﺄﻃﻠﻘﻬﺎ ﻟﻚ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ :‬ﺑﺎر ﷲ ﻟﻚ! ﻟﻜﻦ إذا أﺻﺒﺤﺖ ﻓﺪﻟﻮﻧﻲ ﻋﲆ ﺳﻮﻗﻜﻢ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫أﺻﺒﺢ ﻏﺪا ﻋﲆ اﻟﺴﻮ ‪ ،‬ﻓﺒﺎع اﺷﱰ رﺑﺢ ﻋﺎد ﻣﻊ املﺴﺎء ﻣﻌﻪ ﺳﻤﻦ أﻗﻂ‪ .‬أﻗﺎ ﰲ‬
‫املﺪﻳﻨﺔ ﻗﺘﺎ ﻣﺎ‪ ،‬ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ذات ﻳﻮ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻴﺎب ﻣﺰﻋﻔﺮة‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺳﺄﻟﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻦ‬
‫ذﻟﻚ ﻗﺎ ‪ :‬ﺗﺰ ﺟﺖ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﻨﺒﻲ‪» :‬ﻓﻤﺎ أﺻﺪﻗﺖ؟« ﻗﺎ ‪ » :‬ز ﻧﻮاة ﻣﻦ ذﻫﺐ« ﻗﺎ اﻟﻨﺒﻲ‪:‬‬
‫»ﻓﺄ ﻟﻢ ﻟﻮ ﺑﺸﺎة‪ «.‬ﻛﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻟﻘﺪ رأﻳﺘﻨﻲ ﻣﺎ أرﻓﻊ ﺣﺠﺮا إﻻ ﻇﻨﻨﺖ أﻧﻲ‬
‫ﺳﺄﺟﺪ ﺗﺤﺘﻪ ذﻫﺒﺎ أ ﻓﻀﺔ‪ «.‬ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻣﻮﻓﻘﺎ ﰲ اﻟﺴﻌﻲ إﱃ املﺎ ﻣﺴﺪدا ﰲ‬
‫اﻟﺘﻤﺎﺳﻪ‪ .‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﺗﺘﺼﻞ إﻗﺎﻣﺘﻪ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء‪ .‬ﻗﺪ ﻗﺪﻣﻨﺎ ﻣﺎ ر ﻣﻦ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻗﻮ اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻪ‪» :‬إﻧﻚ ﻏﻨﻲ‪ ،‬ﻣﺎ أرا ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ إﻻ زﺣﻔﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺮض ﷲ ﻗﺮﺿﺎ ﺣﺴﻨﺎ ﻳﻄﻠﻖ‬
‫ﻟﻚ ﻗﺪﻣﻴﻚ‪ «.‬ﻗﺪﻣﻨﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎ ر ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺣني أﻧﺒﺌﺖ ﺑﻤﻘﺪ ﻋري ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‬
‫ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ ﺗﺼﺪﻗﻪ ﺑﺎﻟﻌري ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺎ ﺣﻤﻠﺖ‪ .‬ﻗﺪﻣﻨﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎ ر ﻣﻦ أ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻗﺪ‬
‫ﺗﺮ ﻣرياﺛﺎ ﺿﺨﻤﺎ ﻛﺎ ﻣﻨﻪ أﻟﻒ ﺑﻌري ﺛﻼﺛﺔ آﻻ ﺷﺎة ﻣﺎﺋﺔ ﻓﺮس أرض ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰرع‬
‫ﻋﲆ ﻋﴩﻳﻦ ﻧﺎﺿﺤﺎ‪ ،‬ﻣﻦ أ إﺣﺪ ﻧﺴﺎﺋﻪ اﻷرﺑﻊ أﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻧﺼﻴﺒﻬﺎ ﻫﻮ رﺑﻊ اﻟﺜﱡﻤﻦ‪،‬‬
‫ﺑﻤﺎ ﺑني اﻟﺜﻤﺎﻧني أﻟﻔﺎ ﻣﺎﺋﺔ اﻷﻟﻒ‪ .‬ﻓﻜﻞ ﻫﺬا إ ﺻﻮر ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺼﻮر ﺛﺮ ة ﺿﺨﻤﺔ‬
‫ﻧﺎﻣﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﻘﺼﻬﺎ اﻟﺼﺪﻗﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ اﻟﱪ املﺘﺼﻞ داﺋﻤﺎ ﻷز اج اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﺬ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻣﻦ‬
‫ﺑﻨﻲ زﻫﺮة‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻐريﻫﻢ ﻣﻦ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ املﺴﻠﻤني‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﲆ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻣﻔﺮﻃﺎ ﰲ املﺎ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺪﺑﱢﺮ ﻳﺜﻤﱢ ﺮ‬
‫ﻳﺤﺮص ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺄﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﻜﻮ اﻟﺘﺪﺑري اﻟﺘﺜﻤري اﻟﺤﺮص‪ .‬ﻗﺪ ر اﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﺈﺳﻨﺎد‬
‫ﰲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻤﺮ أ ﻋﻤﺮ اﺣﺘﺎج إﱃ ﳾء ﻣﻦ املﺎ ‪ ،‬ﻓﺄرﺳﻞ إﱃ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻳﺴﺘﻘﺮﺿﻪ ﻣﻨﻪ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺎ ﻟﻠﺮﺳﻮ ‪ :‬ﻗﻞ ﻟﻪ ﻳﻘﱰض ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ .‬ﻟﻘﻴﻪ ﻋﻤﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻼﻣﻪ ﰲ دﻋﺎﺑﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ‪،‬‬
‫ﻗﺎ ‪ :‬أردت أ أﻗﱰض ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﻓﺈذا أدرﻛﻨﻲ املﻮت ﻟﻢ أر ﱠد ﻣﺎ اﻗﱰﺿﺖ ﺟﻌﻠﺘﻢ‬
‫ﺗﻘﻮﻟﻮ ‪ :‬دﻋﻮ ﻟﻌﻤﺮ آ ﻋﻤﺮ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ رﻓﻴﻘﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ آﺧﺬا ﺑﺤﻈﻪ ﻣﻤﺎ أﺑﺎح ﷲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﻃﻴﺒﺎت‬
‫اﻟﺤﻴﺎة‪ ،‬ﻳﺆد ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺣﻘﻪ ﻛﺄﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﻜﻮ أداء اﻟﺤﻖ‪ .‬ﻟﻜﻨﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ رﺟﻞ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‬
‫ﻳﻌﻴﺶ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﺗﺤﺐ أ ﺗﻌﻴﺶ‪ ،‬ﻻ ﻳﺸﺘﺪ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ اﻟﺰﻫﺪ‪ ،‬ﻻ ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة‬
‫اﻟﺨﺸﻨﺔ‪ .‬ﻗﺪ اﺳﺘﺄذ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ﻟﺒﺲ اﻟﺤﺮﻳﺮ ﻟﺤ ﱠﻜﺔ ﻛﺎ ﻳﺸﻜﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻓﺄذ ﻟﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ذﻟﻚ‪.‬‬
‫ﻫ ﱠﻢ أ ﻳﺴﺘﺒﻴﺢ اﻟﺤﺮﻳﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻟﺒﻨﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻋﻤﺮ ﻛﻔﻪ ﻋﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺷﻖ ﺛﻮﺑﺎ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺮ ﻛﺎ‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻗﺪ أﻟﺒﺴﻪ ﻷﺣﺪ ﺑﻨﻴﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ‪ .‬ﺛﻢ ﻛﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻛﻐري ﻣﻦ ﻣﻌﺎﴏﻳﻪ‬
‫ﻛﺜري اﻟﺰ اج ﻛﺜري اﻟﻮﻟﺪ‪ .‬ﻗﺪ أﺣﴡ ﻟﻪ اﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻀﻊ ﻋﴩة اﻣﺮأة ﻏري أﻣﻬﺎت اﻷ ﻻد‪،‬‬
‫ﻛﻠﻬﻦ ﻟﺪ ﻟﻪ اﻟﺒﻨني اﻟﺒﻨﺎت‪ ،‬ﻣﺎت ﻋﻨﺪ أرﺑﻊ ﻧﺴﻮة أ ﺛﻼث ﻧﺴﻮة‪ ،‬ﻋﲆ اﺧﺘﻼ ﰲ‬
‫ذﻟﻚ ﺑني اﻟﺮ اة‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﺰ ج ﰲ ﺣﻲ ﺑﻌﻴﻨﻪ أ ﺣﻴني أ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ أﺣﻴﺎء اﻟﻌﺮب‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺼﻬﺮ إﱃ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أﺻﻬﺮ إﱃ ﻏري ﺣﻲ ﻣﻦ أﺣﻴﺎء ﻗﺮﻳﺶ‪،‬‬
‫أﺻﻬﺮ إﱃ ﻏري ﺣﻲ ﻣﻦ أﺣﻴﺎء اﻟﻴﻤﻦ‪ ،‬أﺻﻬﺮ إﱃ رﺑﻴﻌﺔ ﰲ ﻏري ﺣﻲ ﻣﻦ أﺣﻴﺎﺋﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺎ‬
‫ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﻨني اﻟﺒﻨﺎت ﻣﻦ ﻳﻌ ﱡﺪ أﺧﻮاﻟﻪ ﰲ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻣﻦ ﻳﻌﺪ أﺧﻮاﻟﻪ ﰲ اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬ﻣﻦ ﻳﻌﺪ‬
‫أﺧﻮاﻟﻪ ﰲ اﻟﻴﻤﺎﻧﻴﺔ املﻘﻴﻤﺔ ﺑﺎﻟﻴﻤﻦ‪ ،‬ﻣﻦ ﻳﻌﺪ أﺧﻮاﻟﻪ ﰲ اﻟﻴﻤﺎﻧﻴﺔ املﻘﻴﻤﺔ ﺑني اﻟﺸﺎ اﻟﻌﺮا ‪،‬‬
‫ﻣﻦ ﻳﻌﺪ أﺧﻮاﻟﻪ ﰲ ﺗﻤﻴﻢ ﻣﻦ ﻣﴬ أ ﰲ ﺑﻜﺮ ﺗﻐﻠﺐ ﻣﻦ رﺑﻴﻌﺔ‪.‬‬

‫‪122‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ‬

‫ﻧﻈﺮة ﻳﺴرية إﱃ أﻧﺴﺎب اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﺗﺰ ﺟﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ر اﻫﺎ‬

‫اﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﺗﻜﻔﻲ ﻹﺛﺒﺎت أ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻗﺪ أﺻﻬﺮ إﱃ أﻛﺜﺮ أﺣﻴﺎء اﻟﻌﺮب ﻗﻮة أﺷﺪﻫﺎ‬
‫ﺑﺄﺳﺎ‪ .‬ﻓﻜﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ ﻟﻮ ﻧﻬﺾ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪ ﻋﻤﺮ أ ﻳﺠﻤﻊ ﺣﻮﻟﻪ ﻋﺼﺒﻴﺎت ﻛﺜرية‪ ،‬أ ﻳﻼﺋﻢ‬
‫ﺑني ﻫﺬ اﻟﻌﺼﺒﻴﺎت ﻣﻼءﻣﺔ ﺣﺴﻨﺔ‪ ،‬ﻟﻌﻠﻪ أ ﻳﻘﺮب ﻣﻨﻬﺎ ﺑني ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪا أﺷﺪ اﻟﺘﺒﺎﻋﺪ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻮ ﻧﻬﺾ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪ ﻋﻤﺮ أ ﻳﻘﻮ ﻋﲆ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ‬
‫ﻋﲆ أﻣﻮاﻟﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻓﻴﺪﺑﺮﻫﺎ ﻳﺜﻤﺮﻫﺎ ﻻ ﻳﻌﻄﻲ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺤﻖ‪ .‬ﻗﺪ ﺿﻌﻪ ﻋﻤﺮ ﰲ‬
‫ﺻﻒ ﻋﺒﺪ‬‫ﱠ‬ ‫اﻟﺸﻮر ‪ ،‬ﻣﻴﺰ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺣني ﻗﺎ ‪» :‬إ ﻛﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﻓﺎﺧﺘﺎر ا‬
‫اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ‪ «.‬ﻳﻮﺷﻚ ﻋﻤﺮ أ ﻳﻜﻮ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ رﺋﻴﺴﺎ ملﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮر‬
‫ﻣﺎ دا ﻗﺪ ﺟﻌﻞ رأﻳﻪ ﻣﺮﺟﺤﺎ ﻋﻨﺪ ﺗﺴﺎ اﻷﺻﻮات‪ .‬ﻛﺎ ﺑني أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ ﻛﺎ‬
‫ﻳﺮﺷﺤﻪ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻳﺮ ﰲ اﺳﺘﺨﻼﻓﻪ اﺗﻘﺎء ﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﴩ‪ ،‬ﺗﺠﺎﻓﻴﺎ ﻟﻠﻔﺮﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﺗﻨﺘﻈﺮ أ ﻳﻨﻬﺾ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻋﲇ أ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻳﻈﻬﺮ أ ﺑني أﻋﻀﺎء اﻟﺸﻮر أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻳﺮ ﺑﺎﺳﺘﺨﻼﻓﻪ ﺑﺄﺳﺎ‪ ،‬ﻟﻮ ﺧري ﻵﺛﺮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ملﻜﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻮ ﺧري ﻋﺜﻤﺎ ﻵﺛﺮ ﻋﲆ ﻋﲇ ملﻜﺎ ﻋﲇ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ‪ .‬ﻛﺎ ﺑني ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﺻﻬﺮ؛ ﻓﻬﻮ ﺗﺰ ج أ ﻛﻠﺜﻮ ﺑﻨﺖ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ أﺧﺖ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﻛﺎ ﺑني ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑني اﻟﻌﺒﺸﻤﻴني ﺻﻬﺮ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أﺻﻬﺮ إﱃ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ رﺑﻴﻌﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ‬
‫ﺷﻤﺲ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ إذ ﺧﺎﻟﺔ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ .‬ﺛﻢ أﺻﻬﺮ إﱃ ﺷﻴﺒﺔ ﺑﻦ رﺑﻴﻌﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ‪.‬‬
‫ﻫﻮ ﻗﺪ أﺻﻬﺮ ﻛﺬﻟﻚ إﱃ اﻷﻧﺼﺎر‪ .‬أﻣﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻫﻮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ زﻫﺮة‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ‬
‫أ ﻳﺠﻤﻊ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻗﺮﻳﺶ اﻷﻧﺼﺎر ﺟﻤﻴﻌﺎ إﱃ ﻋﺼﺒﻴﺎت اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻷﺧﺮ اﻟﺘﻲ أﺻﻬﺮ إﻟﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺮﺷﺢ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ملﻦ أﻟﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﱰﺷﻴﺢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫أﴎع ﻓﺄﺧﺮج ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ إﺧﺮاﺟﺎ‪ ،‬أراد أ ﻳﻜﻮ ﺣﻜﻤﺎ ﺑني املﺘﻨﺎﻓﺴني‪ .‬ﻗﺪ ﻗﺒﻞ‬
‫املﺘﻨﺎﻓﺴﻮ ﺣﻜﻤﻪ ﺑﻌﺪ أ أﺧﺬ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﲇ ﱞ ﻣﻮﺛﻘﺎ ﻣﻦ ﷲ ﻟﻴﻠﺰﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﻏري ﻣﺤﺎب ﻟﺼﻬﺮ أ‬
‫ﻗﺮاﺑﺔ‪ .‬ﻓﺄﻋﻄﻰ ﻫﺬا املﻮﺛﻖ ﻋﻦ رﺿﺎ‪ ،‬اﺳﺘﻘﺒﻞ اﻷﻣﺮ ﻋﲆ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬ ﺻﻔﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﴣ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻷ ﺗﻮﺿﻊ ﺣﺮﺑﺔ ﻋﲆ ﺣﻠﻘﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻔﺬ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ أﺣﺐ إﱄ ﻣﻦ أ‬
‫أﱄ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ‪«.‬‬
‫ﻓﻬﻮ إذ ﻗﺪ رﻓﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻈﻨﺔ اﻟﺸﺒﻬﺎت‪ ،‬أﻋﻔﻰ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺘﺒﻌﺎت‪ ،‬آﺛﺮ أ ﻳﻜﻮ رﺟﻼ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻳﻔﺮغ ﻟﺪﻳﻨﻪ‪ ،‬ﻳﻔﺮغ ﻟﺪﻧﻴﺎ ‪ ،‬ﻋﲆ أ ﺗﻜﻮ‬
‫دﻧﻴﺎ ﺳﺒﻴﻠﻪ إﱃ دﻳﻨﻪ‪ .‬ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺑﻌﺪ أ أﺻﺪر ﺣﻜﻤﻪ رﺷﺢ ﻋﺜﻤﺎ أﺧﺬ ﻟﻪ‬
‫اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ أﻋﻀﺎء اﻟﺸﻮر ‪ ،‬ﺣﻤﻞ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻣﺒﺎﻳﻌﺘﻪ أ ﻳﻜﻮ رﻗﻴﺒﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ‪.‬‬

‫‪123‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﰲ أ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻌﺎرﺿﺎ ﻟﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺆﻳﺪ ﻳﺮﻗﺒﻪ‪،‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻓﺴﻤﻊ ﻟﻬﻢ ﺗﺸﺪد ﰲ ﻣﺮاﻗﺒﺘﻪ‪ .‬ﻧﻈﺮ اﻟﻨﺎس ذات ﻳﻮ ﻓﺈذا ﻫﻮ أﺣﺪ‬
‫املﻌﺎرﺿني ﻟﻌﺜﻤﺎ ﰲ أﻣﻮر اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬ﺛﻢ ﻧﻈﺮ ا ذات ﻳﻮ ﻓﺈذا ﻫﻮ ﻻ ﻳﻘﻒ‬
‫ﻋﻨﺪ املﻌﺎرﺿﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﻘﺎﻃﻊ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻼ ﻳﺰ ر ﻻ ﻳﻜﻠﻤﻪ‪ .‬ﻗﺪ ﻳﻐﻠﻮ ﺑﻌﺾ اﻟﺮ اة ﻓﻴﺰﻋﻢ‬
‫أﻧﻪ ﻧﺪ ﻋﲆ ﺗﻮﻟﻴﺘﻪ‪ ،‬أﻧﻪ ﻗﺎ ﻟﻌﲇ ذات ﻳﻮ ‪ :‬إ ﺷﺌﺖ ﻓﺨﺬ ﺳﻴﻔﻚ آﺧﺬ ﺳﻴﻔﻲ ﺣﺘﻰ‬
‫ﻧﺠﺎﻫﺪ ‪ .‬أﻧﻪ ﻗﺎ ﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ ﺣﴬ ﻗﺒﻴﻞ ﻣﻮﺗﻪ‪ :‬ﻋﺎﺟﻠﻮ ﻗﺒﻞ أ ﻳﴪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻋﲆ‬
‫ﻧﻔﺴﻪ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬ اﻷﺧﺒﺎر ﺧﻠﻴﻘﺔ أﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﻠﻒ‪ ،‬اﻟﴚء اﻟﺬ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺷﻚ ﻫﻮ‬
‫أﻧﻪ ﻋﺎرض ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أﻣﻮر اﻟﺪﻳﻦ ﺣني أﺗﻢ اﻟﺼﻼة ﺣﻴﺚ ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﺎ ﻳﻘﴫ ﻧﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻋﺎرﺿﻪ ﻓﻴﻤﺎ أﻋﻄﻰ ﻟﻘﺮاﺑﺘﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﻮا ‪.‬‬

‫‪124‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﳋﺎﻣﺲ ﻋﴩ‬

‫ﻛﺎ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص زﻫﺮﻳٍّﺎ ﻛﻌﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ ،‬ﻗﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻨﻪ ذات ﻳﻮ ﻗﺪ رآ ﻣﻘﺒﻼ‪:‬‬
‫»ﻫﺬا ﺧﺎﱄ‪ «.‬ﻗﺪ ﻗﺪﱠﻣﻨﺎ أ ﺳﻌﺪا ﺳﺒﻖ إﱃ اﻹﺳﻼ ﻓﻴﻤﻦ ﺳﺒﻖ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻟﻘﺪ‬
‫رأﻳﺘﻨﻲ إﻧﻲ ﻟﺜﻠﺚ اﻹﺳﻼ ‪ «.‬ﺣﺘﻰ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻟﻘﺪ أﺳﻠﻤﺖ ﻣﺎ ﻓﺮض ﷲ اﻟﺼﻠﻮات‪«.‬‬
‫ﻗﺪ أﺑﲆ ﻓﺄﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء ﻛﻐري ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻛﺎ أ ﻣﻦ رﻣﻰ ﺑﺴﻬﻢ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪.‬‬
‫ﻓﺪﱠا اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺄﺑﻮﻳﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻳﻮ أﺣﺪ‪ .‬ﻛﺎ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﻘﺼﺔ أﺧﻴﻪ ﻋﻤري ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص اﻟﺬ‬
‫ﻫﺎﺟﺮ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻏﻼﻣﺎ ﺣﺪﺛﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻌﺮض اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺨﺎرﺟني ﻣﻌﻪ إﱃ ﺑﺪر رأ ﺳﻌﺪ أﺧﺎ‬
‫ﻋﻤريا ﻳﺴﺘﺨﻔﻲ‪ ،‬ﻓﺴﺄﻟﻪ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﻘﺎ ‪ :‬أﺧﴙ أ ﻳﺮاﻧﻲ رﺳﻮ ﷲ ﻓﻴﺴﺘﺼﻐﺮﻧﻲ ﻓريدﻧﻲ‪،‬‬
‫ﻌﲇ أ أﺳﺘﺸﻬﺪ‪ .‬ﻗﺪ رآ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﺎﺳﺘﺼﻐﺮ ﻓﺮ ﱠد ‪ ،‬ﺑﻜﻰ اﻟﻐﻼ ﻓﺄذ‬ ‫أﻧﺎ أﺣﺐ اﻟﺨﺮ ج ﻟ ﱢ‬
‫ﻟﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ اﻟﺨﺮ ج‪ ،‬ﻛﺎ ﺳﻌﺪ ﻳﻌﻘﺪ ﻟﻪ ﺧﻤﺎﺋﻞ ﺳﻴﻔﻪ ﻟﺼﻐﺮ ‪ ،‬ﻗﺪ رز اﻟﺸﻬﺎدة اﻟﺘﻲ‬
‫ﻃﻠﺒﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺘﻞ ﻓﻴﻤﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻳﻮ ﺑﺪر‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﺳﻌﺪ أﺛريا ﻋﻨﺪ رﺳﻮ ﷲ؛ ﻣﺮض ﺑﻤﻜﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﺢ ﻓﻌﺎد اﻟﻨﺒﻲ دﻋﺎ ﷲ أ‬
‫ﻳﺸﻔﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻤﻮت ﰲ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻫﺎﺟﺮ ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬ﺗﺤﺪث إﻟﻴﻪ ﰲ ﻣﺮﺿﻪ ذا ﺑﺤﺪﻳﺚ‬
‫اﻟﻮﺻﻴﺔ اﻟﺬ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺄﻻ ﻳﻮﴆ اﻹﻧﺴﺎ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻠﺚ ﻣﺎﻟﻪ‪ .‬ﺗﺮﻛﻪ ﰲ ﻣﻜﺔ ﺧﻠﻒ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫رﺟﻼ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻗﺎ ﻟﻪ‪ :‬إ ﻣﺎت ﺳﻌﺪ ﺑﻌﺪ ﻓﺎدﻓﻨﻪ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ‪ ،‬أﺷﺎر إﱃ ﻃﺮﻳﻖ املﺪﻳﻨﺔ‪.‬‬
‫ﻗﺎ ﻟﺴﻌﺪ‪» :‬إﻧﻲ ﻷرﺟﻮ أ ﻳﺮﻓﻌﻚ ﷲ ﻓﻴﻨﻔﻊ ﺑﻚ ﻗﻮﻣﺎ ﻳﴬ آﺧﺮﻳﻦ‪ «.‬ﻳﻘﺎ إ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﺗﻤﻨﻰ ﻋﲆ ﷲ أ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﺴﻌﺪ إذا دﻋﺎ‪ .‬ﻗﺪ اﺳﺘﺠﺎب ﷲ دﻋﺎء اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﱪئ ﺳﻌﺪ ﻣﻦ‬
‫ﻣﺮﺿﻪ ذا ‪ ،‬ﻋﺎش ﺣﺘﻰ ﻧﻜﺄ ﷲ ﺑﻪ ﻗﻮﻣﺎ ﻧﻔﻊ آﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺑﻄﻞ اﻟﻘﺎدﺳﻴﺔ‪ ،‬ﻫﺎز ﺟﻨﺪ‬
‫ﻛﴪ ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻪ ﻋﻤﺮ ﺑني اﻟﺴﺘﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﺟﻌﻞ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﺸﻮر ﰲ أﻣﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ؛ ﻓﻜﺎ ﻣﺮﺷﺤﺎ‬
‫ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ إذ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺧﻠﻌﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺧﻠﻊ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺴﻌﺪ ز ﺟﺎت ﻛﺜريات‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﻦ ﻛﻦ ﻣﺘﻔﺮﻗﺎت ﰲ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺘﺰ ج‬
‫ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ إﻻ اﻣﺮأة اﺣﺪة زﻫﺮﻳﺔ ﻣﺜﻠﻪ‪ .‬ﻛﺄ ﻗﻮﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸ ﱡﻜﻮ ﰲ ﻧﺴﺒﻪ ﻳﺆذ ﻧﻪ‬
‫ﺑﺬﻟﻚ‪ ،‬ﺣﺘﻰ أﻗﺒﻞ ذات ﻳﻮ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﻳﺎ رﺳﻮ ﷲ‪ ،‬ﻣﻦ أﻧﺎ؟ ﻓﻘﺎ ﻟﻪ اﻟﻨﺒﻲ‪» :‬أﻧﺖ‬
‫ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻫﻴﺐ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎ ﺑﻦ زﻫﺮة‪ ،‬ﻣﻦ ﻗﺎ ﻏري ذﻟﻚ ﻓﻌﻠﻴﻪ ﻟﻌﻨﺔ ﷲ‪ «.‬ﻫﺬا ﻓﻴﻤﺎ‬
‫أرﺟﺢ ﻫﻮ اﻟﺬ ﻗﻠﻞ إﺻﻬﺎر إﱃ ﻗﺮﻳﺶ‪ .‬ﻳﺰﻋﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﺮ اة أ ﺳﻌﺪا ﻛﺎ ﻫﻮا ﻣﻊ ﻋﲇ ﱟ‬
‫أﺛﻨﺎء اﻟﺸﻮر ‪ ،‬أﻧﻪ ﺗﺤﺪث ﰲ ذﻟﻚ إﱃ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻗﺪ ﻳﺼﺢ ﻗﺪ ﻻ ﻳﺼﺢ‪،‬‬
‫ﻗﺪ أ ﴅ ﻋﻤﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ إ ﴏﻓﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻦ ﺳﻌﺪ أ ﻳﻮﻟﻴﻪ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺰﻟﻪ‬
‫ﻋﻦ ﺧﻴﺎﻧﺔ‪ .‬ﻗﺪ أﻧﻔﺬ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬ اﻟﻮﺻﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻮﱃ ﺳﻌﺪا اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻋﺎﻣﺎ ﺑﻌﺾ ﻋﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻋﺰﻟﻪ‬
‫ﱃ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ .‬ﻗﺪ ﻗﺪﻣﻨﺎ رأﻳﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻲ دﻋﺖ إﱃ ﻋﺰ ﺳﻌﺪ‪ .‬ﻧﻀﻴﻒ‬
‫إﱃ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ أ اﻟﺨﻼ ﺑني ﺳﻌﺪ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ ،‬ﻋﲆ ﻣﺎ ﻛﺎ ﺳﻌﺪ ﻗﺪ اﻗﱰض ﻣﻦ ﺑﻴﺖ‬
‫املﺎ ‪ ،‬ﻳﺮ أﻧﻪ ﻗﻊ ﺑني اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﺑني ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ .‬ﻓﺄﻛﱪ اﻟﻈﻦ أ اﻟﺬﻳﻦ‬
‫أﺿﺎﻓﻮا ﻫﺬ اﻟﻘﺼﺔ إﱃ ﺳﻌﺪ ﻗﺪ ﺧﻠﻄﻮا ﺑني اﻟﺮﺟﻠني ﻋﻦ ﻋﻤﺪ أ ﻋﻦ ﺧﻄﺄ‪ .‬ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ‬
‫ﻣﻦ ﳾء ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﺳﻌﺪ ﻓﻴٍّﺎ ﺑﺒﻴﻌﺘﻪ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ .‬ﺳﻮاء أﻏﻀﺐ ﻟﻌﺰﻟﻪ إﻳﺎ أ ﻟﻢ ﻳﻐﻀﺐ ﻓﻠﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻋﻨﻴﻔﺎ ﰲ ﻣﻌﺎرﺿﺘﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺸﺎر ﰲ ﻫﺬ املﻌﺎرﺿﺔ إﻻ ﺣني ﻛﺎﻧﺖ رﻓﻴﻘﺔ ﻻ‬
‫ﺗﺘﺠﺎ ز اﻟﻨﺼﺢ اﻷﻣﺮ ﺑﺎملﻌﺮ ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮﺟﺖ املﻌﺎرﺿﺔ ﻋﻦ ﻃﻮرﻫﺎ ﻗﺎرﺑﺖ أ ﺗﻜﻮ‬
‫ﻛﻒ ﺳﻌﺪ ﻟﺰ اﻟﺤﻴﺎد‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺸﺎر ﰲ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻻ ﰲ أﻋﻘﺎﺑﻬﺎ‪ .‬ﻛﺎ إذا ﻛﻠﻢ ﰲ ذﻟﻚ‬ ‫ﺛﻮرة‪ ،‬ﱠ‬
‫ﺳﺌﻞ‪ :‬ﻟﻢ ﻻ ﺗﻘﺎﺗﻞ؟ ﻗﺎ ‪ :‬ﺣﺘﻰ ﺗﺄﺗﻮﻧﻲ ﺑﺴﻴﻒ ﻳﻨﻄﻖ ﻓﻴﻘﻮ ‪ :‬ﻫﺬا ﻣﺆﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﺎﻓﺮ‪ .‬ﻛﺄ‬
‫ﺳﻌﺪا ﺗﺤﺮج ﻣﻦ أ ﻳﻈﻬﺮ اﻟﻨﻜري ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻴﺘﻬﻢ ﺑﺄﻧﻪ إﻧﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻳﻨﻘﻢ ﻣﻦ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺰﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪.‬‬
‫ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻟﺰ ﺳﻌﺪ اﻟﺴرية اﻟﺘﻲ ﺳﺎرﻫﺎ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﺠﺎﻫﺪ ﻣﺎ ﻋﺮ‬
‫اﻟﺠﻬﺎد ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ أﺷﻜﻞ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻋﺘﺰ ﺗﺮ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻫﻢ ﻓﻴﻪ‪ .‬ملﺎ‬
‫ﻣﺎت ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺴني أ ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺲ ﺧﻤﺴني‪ ،‬ﻃﻠﺐ أز اج اﻟﻨﺒﻲ أ ﺗﻤﺮ ﺟﻨﺎزﺗﻪ ﻋﻠﻴﻬﻦ‪،‬‬
‫ﻓﻤ ﱠﺮ ﺑﻪ ﰲ املﺴﺠﺪ ﺻﻠني ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﱰ ﺳﻌﺪ ﺛﺮ ة ﺿﺨﻤﺔ ﺣني ﻣﺎت ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ‬
‫أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﺮ ﺑني ﻣﺎﺋﺘﻲ اﻷﻟﻒ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ اﻷﻟﻒ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﺑﺎﻟﴚء ذ اﻟﺨﻄﺮ‬
‫ﻛﻤﺎ رأﻳﺖ ﻛﻤﺎ ﺳﱰ ‪.‬‬

‫‪126‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ‬

‫ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﺰﺑري ﺑني اﻟﻌﻮا ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ‪ .‬ﻓﻬﻮ اﺑﻦ ﻋﻤﺘﻪ ﺻﻔﻴﺔ ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ‪،‬‬
‫ﻣﻦ ﺧﺪﻳﺠﺔ أ املﺆﻣﻨني‪ .‬ﻓﻬﻮ اﻟﺰﺑري ﺑﻦ اﻟﻌﻮا ﺑﻦ ﺧﻮﻳﻠﺪ ﺑﻦ أﺳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰ ﺑﻦ‬
‫ﻗﴢ؛ ﻓﺨﺪﻳﺠﺔ ﻋﻤﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻫﻮ اﺑﻦ ﻋﻤﺔ رﺳﻮ ﷲ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻋﻤﺘﻪ‪ .‬ﻗﺮاﺑﺔ‬
‫اﻟﺰﺑري ﻣﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻗﺮﻳﺒﺔ أﻳﻀﺎ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أﺻﻬﺮ إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻓﺘﺰ ج اﺑﻨﺘﻪ أﺳﻤﺎء ذات اﻟﻨﻄﺎﻗني‪،‬‬
‫ﻓﺰاد ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬أﺻﺒﺢ ﺳﻠﻔﻪ؛ ﻓﻌﺎﺋﺸﺔ أ املﺆﻣﻨني أﺳﻤﺎء ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‬
‫أﺧﺘﺎ ‪ .‬ﺑﺬﻟﻚ ﻛﺎ اﻟﺰﺑري ﻳﻮﺷﻚ أ ﻳﻜﻮ ﻣﻦ آ ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﺮﻳﺐ أ ﻳﻘﻮ‬
‫ﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻗﺪ اﺧﺘﺼﻤﺎ ذات ﻳﻮ ﻓﻘﺎ اﻟﺰﺑري‪ :‬أﻧﺎ اﺑﻦ ﺻﻔﻴﺔ‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻫﻲ أدﻧﺘﻚ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻈﻞ‪ ،‬ﻟﻮﻻﻫﺎ ﻟﻜﻨﺖ ﺿﺎﺣﻴﺎ‪ .‬ﻓﻬﻲ أدﻧﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻈﻞ ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻚ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻮﻻﻫﺎ ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ ﺿﺎﺣﻴﺎ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻋﺮ اﻟﺰﺑري ﻣﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ ﺑﺎﻟﻘﻮة اﻟﺒﺄس اﻹﻗﺪا ‪ ،‬ﺛﻢ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻘني إﱃ‬
‫اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا ﺛﺎﻧﻲ ﻓﺎرﺳني اﺛﻨني ﺷﻬﺪا ﻫﺬ املﻮﻗﻌﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻫﻮ ﺷﻬﺪ املﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻊ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ‪ .‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺪﻋﻮ ﺣﻮارﻳﻪ‪ ،‬ﻓﺪﻋﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺣﻮار رﺳﻮ ﷲ‪.‬‬
‫ﻟﺴﻨﺎ ﻧﻌﺮ ﻛﻴﻒ ﺑﺪأت ﺛﺮ ة اﻟﺰﺑري‪ ،‬ﻟﻜﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺤﺪﺛﺔ‪ .‬ﻓﻘﺪ رأﻳﺖ‬
‫أﻧﻪ ﻛﺎ أﺣﺪ ﻓﺎرﺳني اﺛﻨني ﰲ ﻏﺰ ة ﺑﺪر‪ ،‬ﻗﺪ ﻟﺰ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﻓﺎة اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺨﺮج‬
‫ﻣﻨﻬﺎ أﻳﺎ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ إﻻ ﺑﺈذ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ أ ﻟﻠﺤﺞ‪ .‬ﻗﺪ ﺿﻌﻪ ﻋﻤﺮ ﰲ اﻟﺸﻮر ﻓﻜﺎ‬
‫ﻣﺮﺷﺤﺎ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻴﻼ إﱃ أﺣﺪ املﺘﻨﺎﻓﺴني ﻋﲇ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﺳﻠﻢ اﻷﻣﺮ إﱃ‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﰲ ﻏري ﺟﻬﺪ‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺆﺛﺮ ﺑﻌﺪ أ اﺳﺘﺨﻠﻒ‪ .‬ﻳﺮ اﺑﻦ ﺳﻌﺪ‬
‫أﻧﻪ أﻋﻄﺎ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪ ،‬ﻓﺠﻌﻞ ﻳﺴﺄ ﻋﻦ أﺣﺴﻦ املﺎ ‪ ،‬ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ اﻷرض‪ ،‬ﻓﺎﺷﱰ أرﺿﺎ‬
‫ﰲ اﻟﻌﺮا ﰲ املﴫﻳﻦ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬اﺷﱰ أرﺿﺎ ﺑﻤﴫ‪ .‬ﻳﻘﻮ اﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ :‬إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺤﺐ‬
‫أ ﻳﻮدع اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪ اﻟﻮداﺋﻊ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ إذا أراد أﺣﺪ أ ﻳﻮدﻋﻪ ﻣﺎﻻ ﻗﺎ ‪ :‬إﻧﻤﺎ ﻫﻮ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻗﺮض‪ .‬ﻛﺎ ﻳﺨﺎ ﻋﲆ اﻟﻮدﻳﻌﺔ أ ﺗﻀﻴﻊ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻳﺴﺘﺒﻴﺢ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﺬﻟﻚ اﺳﺘﺜﻤﺎر ﻫﺬ‬
‫اﻟﻘﺮ ض ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ .‬ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻈﻤﺖ ﺛﺮ ﺗﻪ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﴬﺑﺎ ﻟﻸﻣﺜﺎ ‪ ،‬ﻋﻈﻢ‬
‫دﻳﻨﻪ ﻛﺬﻟﻚ‪ .‬أ ﴅ اﺑﻨﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﻳﻮ اﻟﺠﻤﻞ أ ﻳﺆد ﻋﻨﻪ دﻳﻨﻪ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ؛ ﻓﺈذا ﻓﺮغ ﻣﻦ‬
‫ذﻟﻚ أﺧﺬ ﺛﻠﺚ املرياث ﻟﻮﻟﺪ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺴﻢ ﺳﺎﺋﺮ ﺑني اﻟﻮرﺛﺔ‪ ،‬ﺗﻘﺪ إﻟﻴﻪ إ ﺗﻌﴪ ﻋﻠﻴﻪ أداء‬
‫ﳾء ﻣﻦ اﻟﺪﱠﻳﻦ أ ﻳﺴﺘﻌني ﷲ‪ .‬ﻓﻜﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري ﻳﺴﺘﻌني ﷲ ﻣﻮﱃ اﻟﺰﺑري ﻛﻠﻤﺎ ﺟﺪ‬
‫ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻣﺸﻘﺔ ﰲ أداء دﻳﻦ أﺑﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻫ ﱠﻢ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺪاﺋﻨني أ ﻳﱰﻛﻮا دﻳﻨﻬﻢ ﻟﻠﻮرﺛﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ أﺑﻰ أد اﻟﺪﱠﻳﻦ ﻛﻠﻪ إﱃ‬
‫أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻠﻴﻮﻧني ﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮ ﻣﻦ اﻟﺪراﻫﻢ‪ .‬اﻟﻨﺎس ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ﰲ ﻣﻘﺪار ﻣﺎ‬
‫ﻗﺴﻢ ﻋﲆ اﻟﻮرﺛﺔ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﺔ اﻟﺰﺑري ﺑﻌﺪ أ ﻟﺒﺚ ﻋﺒﺪ ﷲ أرﺑﻌﺔ أﻋﻮا ﻳﻨﺎد ﰲ اﻟﻨﺎس ﺑﺎملﻮﺳﻢ‬
‫ﻣﻦ ﻛﺎ ﻟﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺰﺑري دﻳﻦ ﻓﻠريﻓﻌﻪ إﻟﻴﻨﺎ‪ :‬ﻓﺎملﻘﻠﻠﻮ ﻳﻘﻮﻟﻮ إ اﻟﻮرﺛﺔ اﻗﺘﺴﻤﻮا ﻓﻴﻤﺎ‬
‫ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺧﻤﺴﺔ ﺛﻼﺛني ﻣﻠﻴﻮﻧﺎ‪ ،‬املﻜﺜﺮ ﻳﻘﻮﻟﻮ إﻧﻬﻢ اﻗﺘﺴﻤﻮا اﺛﻨني ﺧﻤﺴني ﻣﻠﻴﻮﻧﺎ‪،‬‬
‫املﻌﺘﺪﻟﻮ ﻳﻘﻮﻟﻮ إﻧﻬﻢ اﻗﺘﺴﻤﻮا أرﺑﻌني ﻣﻠﻴﻮﻧﺎ‪ .‬ﻻ ﻏﺮاﺑﺔ ﰲ ذﻟﻚ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﺰﺑري‬
‫ﺧﻄﻂ ﰲ اﻟﻔﺴﻄﺎط ﺧﻄﻂ ﰲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺧﻄﻂ ﰲ اﻟﺒﴫة ﺧﻄﻂ ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬إﺣﺪ‬
‫ﻋﴩة دارا ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻏﻼت ﻋﺮ ض أﺧﺮ ‪.‬‬
‫اﺿﺢ أ اﻟﺰﺑري ﻟﻢ ﻳﺸﺘﺪ ﰲ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻋﺜﻤﺎ أ اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺆﺛﺮ‬
‫ﻳﻌﻄﻴﻪ ﻋﲆ ﺧﺼﻮﻣﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻗﺘﺎ ﻣﺎ‪ .‬ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺤﺐ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري ﻳﺆﺛﺮ ‪،‬‬
‫ﻗﺪ أﻣﱠ ﺮ ﻋﲆ اﻟﺪار ﺣني ﻛﺎ ﻣﺤﺎﴏا‪ ،‬أﻋﻄﺎ ﺻﻴﺘﻪ ﻟﻴﺆدﻳﻬﺎ إﱃ أﺑﻴﻪ‪ ،‬ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ‬
‫أ ﴅ إﱃ اﻟﺰﺑري‪ .‬إﻧﻤﺎ ﺷﺎر اﻟﺰﺑري أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻮﺟﻬﻮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻧﻘﺪ ﻳﺴﻮﻗﻮ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﺼﺢ‪ ،‬ﻻ ﻧﻌﺮ أﻧﻪ اﺷﺘﺪ ﻋﻠﻴﻪ إﻻ أ ﻳﻜﻮ ﰲ ذﻟﻚ ﴍﻳﻜﺎ ﻟﻐري‬
‫ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪.‬‬

‫‪128‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ‬

‫ﻛﺎ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺗﻴﻤﻴٍّﺎ ﻣﻦ رﻫﻂ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‪ ،‬ﻛﺎ ﰲ ﺟﺎﻫﻠﻴﺘﻪ ﺗﺎﺟﺮا‪ ،‬ﻛﺎ ﺻﺪﻳﻘﺎ‬
‫ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺎ ﻗﺪ ﺧﺮﺟﺎ ﻣﻌﺎ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة إﱃ اﻟﺸﺎ ﰲ اﻟﻌﺎ اﻟﺬ أﺳﻠﻤﺎ ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ‬
‫ﻃﻠﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻘني اﻷ ﻟني ﻛﺄﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﴫﻓﻪ اﻹﺳﻼ ﻋﻦ ﺗﺠﺎرﺗﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺨﺮج‬
‫إﱃ اﻟﺸﺎ ﺑﻬﺎ‪ .‬ﻗﺪ ﻟﻘﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻬﺎﺟﺮا ﻣﻌﻪ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬ﻛﺎ ﻫﻮ‬
‫ﻋﺎﺋﺪا ﻣﻦ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻓﺄﻫﺪ إﻟﻴﻬﻤﺎ‪ ،‬أﻧﺒﺄﻫﻤﺎ ﺑﺄ املﺴﻠﻤني ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻳﺴﺘﺒﻄﺌﻮ اﻟﻨﺒﻲ‪ .‬ﻓﺄﻏﺬ‬
‫رﺳﻮ ﷲ اﻟﺴري ﻟﻴﺨﻔﻒ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﻧﺘﻈﺎر‪ .‬ﻣﴣ ﻃﻠﺤﺔ إﱃ ﻣﻜﺔ‪ ،‬ﻓﺄﺻﻠﺢ أﻣﺮ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﺤﻖ ﺑﺮﺳﻮ ﷲ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺎ ﻣﻌﻪ ﺑني أﺻﺤﺎﺑﻪ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا أﺣﺪا املﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬أﺑﲆ ﻓﺄﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء‪ ،‬داﻓﻊ ﰲ‬
‫أﺣﺪ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ دﻓﺎﻋﺎ ﺣﺴﻨﺎ‪ ،‬ﺗﻠﻘﻰ ﻋﻨﻪ ﺳﻬﻤﺎ ﺑﻴﺪ ﻓﺄﺻﺎب إﺻﺒﻌﺎ ﻣﻦ أﺻﺎﺑﻌﻪ ﻓﺸ ﱠﻠﺖ‪،‬‬
‫أﺻﺎﺑﺘﻪ ﰲ أﺣﺪ ﺟﺮاﺣﺎت ﰲ ﺟﺴﻤﻪ ﻛﻠﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻣﻦ ﴎ أ ﻳﺮ‬
‫رﺟﻼ ﻳﻤﴚ ﻋﲆ اﻷرض ﺑﻌﺪ أ ﻗﴣ ﻧﺤﺒﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻴﻨﻈﺮ إﱃ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ‪ «.‬ﻳﺮﻳﺪ أ‬
‫ﻃﻠﺤﺔ أﴍ ﻋﲆ املﻮت ﻳﻮ أﺣﺪ ﻓﻜﺎ ﺣﻜﻤﻪ ﺣﻜﻢ اﻟﺸﻬﺪاء‪ .‬ﻳﺸري ﰲ أﻛﱪ اﻟﻈﻦ إﱃ‬
‫ﴣ ﻧﺤﺒﻪ‬ ‫اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ‪﴿ :‬ﻣﱢ ﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨني رﺟﺎ ﺻﺪﻗﻮا ﻣﺎ ﻋﺎﻫﺪ ا ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ۖ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﱠ ﻦ ﻗ ٰ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﻣﱠ ﻦ ﻳﻨﺘﻈﺮ ۖ ﻣﺎ ﺑﺪﱠﻟﻮا ﺗﺒﺪﻳﻼ﴾‪ .‬ﻓﻜﺄ اﻟﻨﺒﻲ أراد أ ﻳﻠﺤﻖ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻤﻦ اﺳﺘﺸﻬﺪ ﻣﻦ‬
‫املﺴﻠﻤني ﻳﻮ أﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺣﻤﺰة ﻣﺼﻌﺐ ﺑﻦ ﻋﻤري‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻣﴣ ﻃﻠﺤﺔ ﰲ ﺗﺠﺎرﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﴫﻓﻪ ﻋﻨﻬﺎ إﻻ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻜﻮ ﻣﻦ ﺷﻬﻮد اﻟﻐﺰ‬
‫ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ‪ .‬أﻗﺎ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ أﻳﺎ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻛﻤﺎ أﻗﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻏري ﻣﻦ أﻋﻼ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪.‬‬
‫ﺿﻌﻪ ﻋﻤﺮ ﰲ اﻟﺸﻮر ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ ﻣﺎﻟﻪ ﻏﺎﺋﺒﺎ ﻋﻦ املﺪﻳﻨﺔ ﺣني‬
‫ﻣﺎت ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻗﺪ أرﺳﻞ أﺻﺤﺎﺑﻪ إﻟﻴﻪ ﻳﺘﻌﺠﻠﻮ ﻣﻘﺪﻣﻪ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺒﻞ ﻣﴪﻋﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﺑﻠﻎ املﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﻗﺪ ﺗﻤﺖ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻗﺪ أﻏﻀﺒﻪ أ ﻳﺘﻢ أﺻﺤﺎب اﻟﺸﻮر أﻣﺮﻫﻢ ﻣﻦ د ﻧﻪ‪ ،‬ﻓﺠﻠﺲ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﰲ دار ﻗﺎ ‪ :‬ﻣﺜﲇ ﻻ ﻳﻔﺘﺎت ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻳﻘﺎ إ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ﺳﻌﻰ إﻟﻴﻪ ﻓﻄﺎﻟﺒﻪ‬
‫ﺑﺎﻟﺒﻴﻌﺔ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﺣﺬر ﻋﺎﻗﺒﺔ اﻟﺨﻼ ‪ .‬ﻳﻘﺎ إ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﺳﻌﻰ إﻟﻴﻪ ﻗﺎ ﻟﻪ‪ :‬إ‬
‫ﺷﺌﺖ أ أر ﱠد اﻷﻣﺮ رددﺗﻪ‪ .‬ﻗﺎ ﻃﻠﺤﺔ‪ :‬أ ﺗﻔﻌﻞ؟ ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻧﻌﻢ! ﻗﺎ ﻃﻠﺤﺔ‪ :‬ﻓﺈﻧﻲ ﻻ أرد‬
‫اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﻓﺈ ﺷﺌﺖ ﺑﺎﻳﻌﺘﻚ ﰲ ﻣﺠﻠﺴﻚ ﻫﺬا‪ ،‬إ ﺷﺌﺖ ﺑﺎﻳﻌﺘﻚ ﰲ املﺴﺠﺪ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﺑﻨﻮ أﻣﻴﺔ ﻳﺸﻔﻘﻮ أ ﻳﺘﻠﻜﺄ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﺒﻴﻌﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺑﺎﻳﻊ اﻃﻤﺄﻧﻮا‪ ،‬ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻳﺼﻞ ﻃﻠﺤﺔ ﻓﻴﺤﺴﻦ ﺻﻠﺘﻪ‪ .‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬إ ﻃﻠﺤﺔ ﻛﺎ اﻗﱰض ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﺧﻤﺴني أﻟﻔﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎ‬
‫ﻟﻪ ذات ﻳﻮ ‪ :‬ﻗﺪ ﺣﴬ ﻣﺎﻟﻚ‪ ،‬ﻓﺄرﺳﻞ ﻣﻦ ﻳﻘﺒﻀﻪ‪ ،‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻫﻮ ﻟﻚ ﻣﻌﻮﻧﺔ ﻋﲆ ﻣﺮ ءﺗﻚ‪.‬‬
‫ﻳﻘﺎ ‪ :‬إ ﻋﺜﻤﺎ ﺻﻞ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻤﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ‪ .‬ﻛﺎﻧﺖ ﺑني ﻃﻠﺤﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺒﺎﻳﻌﺎت‪ :‬ﻳﺒﻴﻊ‬
‫ﻃﻠﺤﺔ ﻳﺸﱰ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز‪ ،‬ﻳﺒﻴﻊ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺸﱰ ﻃﻠﺤﺔ ﰲ اﻟﻌﺮا ‪ .‬ﻛﺎ ﻃﻠﺤﺔ‬
‫ﻛﺜري اﻟﺼﺪﻗﺔ‪ ،‬ﻻ ﻳﺤﺐ أ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﰲ دار املﺎ اﻟﺴﺎﺋﻞ‪ ،‬ﻓﻜﺎ إذا اﺟﺘﻤﻊ ﰲ دار ﻣﻨﻪ ﳾء‬
‫ﻛﺜري‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺴﱰح ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺨﻔﻒ ﻣﻨﻪ ﺑﺘﻘﺴﻴﻤﻪ ﰲ ذ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻣﻦ ﺗﻴﻢ‪ ،‬ﰲ ذ ﻣﻮدﺗﻪ ﻣﻦ‬
‫ﻗﺮﻳﺶ اﻷﻧﺼﺎر‪ .‬ﻛﺎ أﴎع اﻟﻨﺎس ﻣﻌﻮﻧﺔ ملﻦ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ املﻌﻮﻧﺔ‪ ،‬أداء ﻋﻤﻦ ﻳﺜﻘﻞ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫اﻟﺪﻳﻦ‪ .‬ﻛﺎ أﻋﻄﻰ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻤﺎ اﻟﻜﺴﻮة‪ ،‬أﺳﺨﺎﻫﻢ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎ ‪ .‬ﻛﺎﻧﺖ ﺛﺮ ﺗﻪ ﺑﻌﺪ ﻫﺬ‬
‫اﻟﻨﻔﻘﺎت اﻟﻀﺨﻤﺔ اﺳﻌﺔ ﺟﺪٍّا‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻛﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺛﺮاﺋﻪ ﻋﻄﺎﺋﻪ ﻣﺼﺪر اﺧﺘﻼ ﻋﲆ‬
‫ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ‪.‬‬
‫ﻃﻠﺤﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮ اﻟﺮ اة أ ﻣﻦ اﺳﺘﻨﺒﺖ اﻟﻘﻤﺢ ﰲ أرض اﻟﺤﺠﺎز‪ .‬ملﺎ ﻣﺎت ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﺗﺮﻛﺘﻪ ﺛﻼﺛني ﻣﻠﻴﻮﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﺪراﻫﻢ‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﻨﻘﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻠﻴﻮﻧني ﻣﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ درﻫﻢ ﻣﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ‬
‫دﻳﻨﺎر‪ ،‬ﻛﺎ ﺳﺎﺋﺮﻫﺎ ﻋﺮ ﺿﺎ ﻋﻘﺎرا‪1 .‬‬

‫ﻛﺎ ﻃﻠﺤﺔ — ﻛﻤﺎ رأﻳﺖ — ﻣﻌﺎرﺿﺎ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻴﻮ اﻷ ﻟﺨﻼﻓﺘﻪ؛ ﻷ اﻟﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﺗﻤﺖ ﻫﻮ ﻏﺎﺋﺐ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﺗﺮﺿﺎ ﻓﺎﺳﺘﻘﺎﻣﺖ اﻷﻣﻮر ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﺻﻠﻪ ﻓﺎزدادت اﻷﻣﻮر‬
‫اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻇﻬﺮ اﻟﺨﻼ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎ ﻃﻠﺤﺔ ﻣﻦ املﴪﻋني إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮ اﻟﺮ اة‪.‬‬
‫ملﺎ اﺷﺘﺪ اﻟﺨﻼ ﻛﺎ ﻃﻠﺤﺔ ﻣﻦ املﺆﻟﺒني‪ ،‬ملﺎ ﺣﻮﴏ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎ ﻃﻠﺤﺔ ﻣﻦ املﺸﺎرﻛني‬
‫ﰲ اﻟﺤﺼﺎر‪ ،‬ملﺎ ﻗﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎ ﻃﻠﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺠﺒﻮا ﻟﺤﺰ ﻋﲇ ﱟ ﻋﲆ ﻣﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ملﺎ ﺑﻮﻳﻊ ﻋﲇ ﻛﺎ ﻃﻠﺤﺔ ﻣﻦ املﺒﺎﻳﻌني ﻣﻊ اﻟﺰﺑري‪ ،‬ﺛﻢ ﺧﺮج ﻣﻊ اﻟﺰﺑري ﻣﻄﺎﻟﺒﺎ ﺑﺪ ﻋﺜﻤﺎ ‪،‬‬
‫ﻧﺎﻗﻀﺎ ﺑﻴﻌﺘﻪ ﻟﻌﲇ ﻗﺪ ﻗﺘﻞ ﰲ ﻳﻮ اﻟﺠﻤﻞ‪ ،‬ﻗﺘﻠﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮ اﻟﺮ اة‪ ،‬ﻣﺮ ا ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ‪،‬‬
‫رﻣﺎ ﺑﺴﻬﻢ ﻓﺄﺻﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻣﺮ ا ‪ :‬ﷲ ﻻ ﻃﺎﻟﺒﺖ ﺑﻌﺪ ﺑﺪ ﻋﺜﻤﺎ أﺑﺪا‪ .‬ﻛﺎ ﻣﺮ ا ﻳﺮ‬

‫‪ 1‬ﻃﺒﻘﺎت اﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ ،‬ﻃﺒﻊ ﻟﻨﺪ ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪ ،٨٥٨‬اﻟﻘﺴﻢ اﻷ ‪.‬‬

‫‪130‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ‬

‫أ ﻃﻠﺤﺔ أﺷﺪ املﺤﺮﺿني ﻋﲆ ﻗﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ملﺎ أﺻﻴﺐ ﻃﻠﺤﺔ ﺟﻌﻞ دﻣﻪ ﻳﻨﺰ ﻗﺎ ‪ :‬ﻫﺬا‬
‫ٍّ‬
‫ﺧﺎﺻﺎ‬ ‫ﺳﻬﻢ أرﺳﻠﻪ ﷲ! اﻟﻠﻬﻢ ﺧﺬ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻣﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﴇ‪ .‬ﻓﻜﺎ ﻃﻠﺤﺔ إذ ﻳﻤﺜﻞ ﻧﻮﻋﺎ‬
‫ﻣﻦ املﻌﺎرﺿﺔ‪ ،‬رﴈ ﻣﺎ أﺗﺎح اﻟﺮﺿﺎ ﻟﻪ اﻟﺜﺮاء املﻜﺎﻧﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻃﻤﻊ ﰲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻋﺎرض‬
‫ﺣﺘﻰ أﻫﻠﻚ ﻫﻠﻚ‪.‬‬

‫‪131‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﲇ ﱢ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ أﻇﻬﺮ ﻣﻦ أ ﻧﺒﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻋﻨﺪ ﻣﻤﺘﺎزة ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ‬
‫ﺷﻚ؛ ﻓﻌﻄﻒ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻌﺮ ‪ ،‬ﻗﻴﺎﻣﻪ د ﻧﻪ ﻳﺤﻤﻴﻪ ﻳﺤﻤﻲ دﻳﻨﻪ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ‬
‫ﻣﺴﺘﻔﻴﺾ‪ .‬ﻛﺎ أﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ ﻗﺪ ﻛﻔﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ﺻﺒﺎ ‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ ﻛﻔﻞ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﰲ ﺻﺒﺎ‬
‫ﺣني ﻛﺜﺮ اﻟﻮﻟﺪ ﻋﲆ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺿﺎﻗﺖ ذات ﻳﺪ ‪ .‬ﺑﻌﺚ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﲇ ﻋﻨﺪ ﺻﺒﻲ‪ ،‬ﻓﺄﺳﻠﻢ‬
‫ﻋﲇ ﱞ ﻫﻮ اﺑﻦ ﺗﺴﻊ ﺳﻨني أ اﺑﻦ إﺣﺪ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ‪ .‬ﻇﻞ ﺑﻌﺪ إﺳﻼﻣﻪ ﰲ ﺣﺠﺮ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﻳﻌﻴﺶ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني ﺧﺪﻳﺠﺔ أ املﺆﻣﻨني‪ .‬ﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﻘﻞ اﻷ ﺛﺎ ﻗﻂ‪ ،‬دﺧﻞ ﰲ اﻹﺳﻼ ﻗﺒﻞ أ‬
‫ﻳﻌﻘﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻣﺘﺎز ﺑني اﻟﺴﺎﺑﻘني اﻷ ﻟني ﺑﺄﻧﻪ ﻧﺸﺄ ﻧﺸﺄة إﺳﻼﻣﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ‪ ،‬اﻣﺘﺎز ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺄﻧﻪ‬
‫ﻧﺸﺄ ﰲ ﻣﻨﺰ اﻟﻮﺣﻲ ﺑﺄد ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻫﺬ اﻟﻜﻠﻤﺔ أﺿﻴﻘﻬﺎ‪ .‬ﺛﻢ اﺳﺘﺨﻠﻔﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﺣني ﻫﺎﺟﺮ‬
‫إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻦ اﻟﻮداﺋﻊ ﻟريدﻫﺎ إﱃ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺎ ﰲ ﻣﻜﺔ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ ﻓﺄدرﻛﻪ ﻗﺒﻞ أ ﻳﺘﺤﻮ ﻋﻦ ﻗﺒﺎء‪.‬‬
‫ﻳﻘﻮ ر اة اﻟﺴرية‪ :‬إﻧﻪ ﻧﺎ ﰲ ﻓﺮاش اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻴﻠﺔ اﺋﺘﻤﺮت ﻗﺮﻳﺶ ﺑﻪ ﻟﺘﻘﺘﻠﻪ‪ .‬ملﺎ ﻫﺎﺟﺮ‬
‫إﱃ املﺪﻳﻨﺔ آﺧﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺑني املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺛﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬آﺧﻰ ﺑني ﻋﲇ ﱟ ﺑني ﻧﻔﺴﻪ‪،‬‬
‫ﺛﻢ آﺧﻰ ﺑني ﻋﲇ ﱟ ﺑني ﺳﻬﻞ ﺑﻦ ﺣﻨﻴﻒ‪.‬‬
‫ﻓﻌﲇ إذ ﻫﻮ اﺑﻦ ﻋﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ اﻟﻨﺴﺐ رﺑﻴﺒﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻫﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺧﻮ ﰲ اﻟﻬﺠﺮة‪ .‬ﻗﺪ‬
‫ز ﺟﻪ اﻟﻨﺒﻲ اﺑﻨﺘﻪ ﻓﺎﻃﻤﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻘﺒﻪ إﱃ اﻵ ‪ .‬ﻛﺎ ﻋﲇ ﱞ ﺻﺎﺣﺐ ﻟﻮاء اﻟﻨﺒﻲ ﰲ‬
‫ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﻘﺘﺎ ‪ .‬ﻛﺎ ﺷﺠﺎﻋﺎ ﻣﻘﺪاﻣﺎ ﺟﺮﻳﺌﺎ ﻗﻮﻳٍّﺎ ﻗﻮة ﻏري ﻣﻌﻬﻮدة ﰲ اﻟﺮﺟﺎ ‪.‬‬
‫ملﺎ ﺧﺮج اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻐﺰ ة ﺗﺒﻮ اﺳﺘﺨﻠﻔﻪ ﰲ أﻫﻠﻪ‪ ،‬ﻓﻜﺮ ﻋﲇ ﱞ ذﻟﻚ أ ﺧﺎض ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺎس‪،‬‬
‫ﻓﻘﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻌﲇﱟ‪» :‬أﻣﺎ ﺗﺮﴇ أ ﺗﻜﻮ ﻣﻨﻲ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻫﺎر ﻣﻦ ﻣﻮﳻ! إﻻ أﻧﻪ ﻻ ﻧﺒﻲ‬
‫ﺑﻌﺪ ‪ «.‬ﻣﺎت اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻢ ﻳﺒني ﻋﻦ أﻣﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﴚء ﻣﻦ ﻧﺺ ﴏﻳﺢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻗﺎ أﺛﻨﺎء‬
‫ﻣﺮﺿﻪ‪» :‬ﻣﺮ ا أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻓﻠﻴﺼﻞ ﺑﺎﻟﻨﺎس‪ «.‬ﻓﻘﺎ اﻟﺬﻳﻦ اﺧﺘﺎر ا أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ‪ :‬رﺿﻴﻪ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫رﺳﻮ ﷲ ﻟﺪﻳﻨﻨﺎ أﻓﻼ ﻧﺮﺿﺎ ﻧﺤﻦ ﻟﺪﻧﻴﺎﻧﺎ! ﻣﺎ أرﻳﺪ أ أدﺧﻞ ﻓﻴﻤﺎ أﺛري ﻣﻦ اﻟﺨﻼ‬
‫ﺑني اﻟﺸﻴﻌﺔ ﺧﺼﻮﻣﻬﻢ ﺣﻮ ﺑﻴﻌﺔ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﺳﺠﻞ أ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﺑﺎﻳﻊ ﻫﺬﻳﻦ‬
‫اﻟﺨﻠﻴﻔﺘني ﻣﺨﻠﺼﺎ‪ ،‬ﻧﺼﺢ ﻟﻬﻤﺎ ﺻﺎدﻗﺎ‪ ،‬أﺷﺎر ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻛﻠﻤﺎ اﺣﺘﺎﺟﺎ إﱃ ﻣﺸﻮرﺗﻪ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ‬
‫ﻗﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﺑﻌﺪ ﻓﺎة اﻟﻨﺒﻲ‪ :‬إ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻛﺎ أﻗﺮب اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻛﺎ رﺑﻴﺒﻪ ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻔﺘﻪ‬
‫ﻋﲆ داﺋﻌﻪ‪ ،‬ﻛﺎ أﺧﺎ ﺑﺤﻜﻢ ﺗﻠﻚ املﺆاﺧﺎة‪ ،‬ﻛﺎ ﺧﺘﻨﻪ أﺑﺎ ﻋﻘﺒﻪ‪ ،‬ﻛﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﻟﻮاﺋﻪ‪،‬‬
‫ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻔﺘﻪ ﰲ أﻫﻠﻪ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ ﻣﻨﻪ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻫﺎر ﻣﻦ ﻣﻮﳻ ﺑﻨﺺ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺴﻪ — ﻟﻮ ﻗﺪ ﻗﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ اﺧﺘﺎر ا ﻋﻠﻴٍّﺎ ﺑﺤﻜﻢ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ملﺎ‬
‫أﺑﻌﺪ ا ﻻ اﻧﺤﺮﻓﻮا‪ .‬ﻳﻘﺎ ‪ :‬إ اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﻫ ﱠﻢ أ ﻳﺒﺎﻳﻊ ﻋﻠﻴٍّﺎ‪،‬ﻓﺄﺑﻰ ﻋﲇ ﱞ ﻛﺮ‬
‫اﻟﻔﺮﻗﺔ‪ .‬ﻣﻀﺖ اﻷﻣﻮر ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺔ اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﺛﻢ ﺿﻌﻪ‬
‫ﻋﻤﺮ ﰲ اﻟﺸﻮر ﻟﻢ ﻳﻌﻬﺪ إﻟﻴﻪ ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﻪ ﻗﺎ ‪» :‬ﻟﻮ ﻟﻮ ﻟﺤﻤﻠﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺠﺎدﱠة‪«.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻌﻬﺪ ﻋﻤﺮ إﱃ ﻋﲇ ﱟ ﻟﺨﺼﻠﺘني‪ :‬إﺣﺪاﻫﻤﺎ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮد أ ﻳﺘﺤﻤﻞ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني ﺣﻴٍّﺎ‬
‫ﻣﻴﺘﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺎ ‪ ،‬اﻷﺧﺮ أ اﻟﻜﺜﺮة ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﴫ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻋﻦ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ‬
‫ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ أ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻴﻬﻢ راﺛﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺼﻴﺐ ﺣﻴٍّﺎ ﻣﻦ أﺣﻴﺎﺋﻬﻢ إﱃ آﺧﺮ اﻟﺪﻫﺮ‪ .‬ﻓﻜﺎ ﺑﻨﻮ‬
‫ﻫﺎﺷﻢ ﻗﺪ أﺑﻌﺪ ا ﻋﻦ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻋﻤﺪا‪ ،‬أﺑﻌﺪﺗﻬﻢ ﻋﻨﻪ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﻗﺮﻳﺶ أ ﺗﻈﻞ ﻟﺒﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ‬
‫ﺣﻲ آﺧﺮ ﻣﻦ أﺣﻴﺎﺋﻬﺎ‪.‬‬
‫رﻋﻴﺔ‪ ،‬أﻻ ﺗﻜﻮ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﰲ ﱟ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻌﻬﺪ ﻋﻤﺮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺨﺼﻠﺘني أﻳﻀﺎ‪ :‬إﺣﺪاﻫﻤﺎ اﻹﺷﻔﺎ ﻣﻦ أ ﻳﺤﻤﻞ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني‬
‫ﺣﻴٍّﺎ ﻣﻴﺘﺎ‪ ،‬اﻷﺧﺮ ﺧﻮﻓﻪ أ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﻨﻮ أﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ د ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ أﺣﻴﺎء ﻗﺮﻳﺶ‪.‬‬
‫ﻗﻴﻞ‪ :‬إ اﻟﻌﺒﺎس أﺷﺎر ﻋﲆ ﻋﲇ ﱟ أﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﰲ اﻟﺸﻮر ‪ ،‬ﺿﻤﻦ ﻟﻪ إ ﻓﻌﻞ أﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﻫﺬ املﺸﻮرة‪ ،‬ﻗﺒﻞ ﻋﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﺒﻠﻪ ﻏري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪،‬‬
‫ﻓﻮﰱ ﺑﺒﻴﻌﺘﻪ ﻟﻌﻤﺮ ﺣﻴٍّﺎ ﻣﻴﺘﺎ‪ .‬ﻛﺎ ﻛﻞ ﳾء ﻳﺮﺷﺢ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت ﻋﻤﺮ‪ :‬ﻗﺮاﺑﺘﻪ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﺳﺎﺑﻘﺘﻪ ﰲ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﺑني املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺣﺴﻦ ﺑﻼﺋﻪ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬ﺳريﺗﻪ‬
‫اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺮ اﻟﻌﻮج ﻗﻂ‪ ،‬ﺷﺪﺗﻪ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻘﻬﻪ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب اﻟﺴﻨﺔ‪ ،‬اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ رأﻳﻪ ﰲ‬
‫ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﺮض ﻣﻦ املﺸﻜﻼت‪.‬‬
‫ﻟﱧ ﺗﺤ ﱠﺮج املﺴﻠﻤﻮ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﻋﲆ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎ رﻓﻴﻊ املﻜﺎﻧﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﺛﺎﻧﻲ اﺛﻨني ﰲ اﻟﻐﺎر‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﺧﻠﻒ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﲆ اﻟﺼﻼة ﺑﺎﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻟﱧ ﺗﺤﺮج املﺴﻠﻤﻮ ﻣﻦ‬
‫ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﻋﲆ ﻋﻤﺮ ملﻜﺎﻧﺔ ﻋﻤﺮ أ ﻻ ﻟﻌﻬﺪ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ إﻟﻴﻪ ﺛﺎﻧﻴﺎ؛ ﻟﻘﺪ ﻛﺎ املﺴﻠﻤﻮ‬
‫ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮ أ ﻳﺨﺘﺎر ا ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﻻ ﻳﺠﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﺄﺳﺎ ﻻ ﻳﻠﻘﻮ ﻓﻴﻪ ﺣﺮﺟﺎ‪ .‬ﻓﻌﻤﺮ‬
‫ﻗﺪ رﺷﺤﻪ‪ ،‬ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﺗﺮﺷﺤﻪ‪ .‬ﺛﻢ ﻫﻮ ﻛﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﻮة اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺮب ﻋﺎﻣﱠ ﺔ ﰲ‬

‫‪134‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ‬

‫ﻗﺮﻳﺶ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎملﻨﺰﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أﺻﻬﺮ إﱃ ﻗﺮﻳﺶ‪،‬‬
‫أﺻﻬﺮ إﱃ رﺑﻴﻌﺔ‪ ،‬أﺻﻬﺮ إﱃ اﻟﻴﻤﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﻟﻪ ﺑﻨﻮ ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺋﻪ ﻋﲆ اﺧﺘﻼ ﻗﺒﺎﺋﻠﻬﻦ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻮ ﻗﺪ ﱃ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻗﺒﻞ أ ﻳﻔﱰ اﻟﻨﺎس ﻟﻜﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﻘﺎرب ﺑني اﻟﻌﺼﺒﻴﺎت املﺘﺒﺎﻋﺪة‪،‬‬
‫أ ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻃﺎﻋﺘﻪ‪ ،‬أ ﻳﺤﻤﻠﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺠﺎدﱠة‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻗﺎ ﻋﻤﺮ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ املﺴﻠﻤني ﻟﻢ ﻳﺨﺘﺎر ﻷﻣﺮﻳﻦ‪ :‬أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺧﻮ ﻗﺮﻳﺶ أ ﺗﺴﺘﻘﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﰲ‬
‫ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ إ ﺻﺎرت إﱃ أﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ‪ .‬ﻗﺪ ﺑﻴﻨﺖ اﻟﺤﻮادث أ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴﻨﻘﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﻮراﺛﺔ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﺳﺎر ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ ﺳرية ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻌﻬﺪ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ‪.‬‬
‫اﻵﺧﺮ أ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﺎ ﻋﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﻦ أ ﻳﺒﺎﻳﻊ ﻋﲆ ﻛﺘﺎب ﷲ‬
‫ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ ﻓﻌﻞ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺗﺤ ﱠﺮج ﻋﲇ ﻣﻦ أ ﻳﻌﻄﻲ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ ﻣﺨﺎﻓﺔ أ ﺗﻀﻄﺮ اﻟﻈﺮ إﱃ أ ﻳﻘﴫ ﻋﻦ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﻪ ﻛﺎﻣﻼ‪ ،‬ﻓﻌﺮض أ‬
‫ﻳﺒﺎﻳﻊ ﻋﲆ أ ﻳﻠﺰ ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ ﺳرية اﻟﺸﻴﺨني ﺑﻘﺪر ﺟﻬﺪ ﻃﺎﻗﺘﻪ‪ .‬ﻛﺎ‬
‫ﺗﺤﺮﺟﻪ ﻫﺬا ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﻌﻄﻒ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺮﻏﺒﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻳﺪﻓﻌﻬﻢ إﱃ ﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﻪ‬
‫ﺟﻤﻴﻞ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﺈﺧﻼﺻﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮد أ ﻳﻠﺘﺰ إﻻ ﻣﺎ أﻃﺎ ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻛﺎ ﻛﻐري‬
‫ﻣﻦ املﺴﻠﻤني دﻗﻴﻖ اﻟﺤﺲ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺸﺌﻮ اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺄﻧﻪ أﺷﻔﻖ أ ﻳﻜﻮ ﺗﺤﻔﻆ‬
‫ﻋﲇ ﱟ ﻣﻈﻬﺮا ﻟﴚء ﻣﻦ اﻷﺛﺮة‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ أﻋﻄﺎ ﻋﺜﻤﺎ اﻟﻌﻬﺪ ﻋﲆ اﻟﺘﺰا ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ‬
‫ﻓﻌﻞ اﻟﺸﻴﺨني ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺑﺎﻳﻌﻪ ﻣﻄﻤﺌﻨٍّﺎ‪ .‬ﻗﺪ أﻇﻬﺮت اﻟﺤﻮادث ﻓﻴﻤﺎ‬
‫ﺑﻌﺪ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻄﻖ ﻣﺎ أﻃﺎ اﻟﺸﻴﺨﺎ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أ ﻳﻠﺰ ﺳريﺗﻬﻤﺎ‪ .‬ﻛﻤﺎ أﻇﻬﺮت‬
‫اﻟﺤﻮادث أﻳﻀﺎ أ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻗﺪ أﻃﺎ أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺘﻪ اﻟﻘﺼرية ﻣﺎ أﻃﺎ اﻟﺸﻴﺨﺎ أﺷﺪ ﻣﻤﺎ أﻃﺎ‬
‫اﻟﺸﻴﺨﺎ ‪ .‬ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﺳﺎر ﺳرية ﻋﻤﺮ ﻣﻊ رﻋﻴﺔ أﺷﺪ أﻋﴪ أرﻏﺐ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ رﻋﻴﺔ ﻋﻤﺮ‪.‬‬
‫ﻫﻮ ﻗﺪ ﺳﺎر ﺳرية ﻋﻤﺮ ﻣﻊ اﻓﱰا اﻟﺸﻤﻞ اﺧﺘﻼ اﻟﺮأ اﻧﺸﻘﺎ اﻟﻌﺼﺎ ﻛﺜﺮة اﻟﻔﺘﻦ‬
‫ﻣﺎ اﺳﺘﺘﺒﻌﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺮ ب‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻋﺎش ﻋﲇ ﱞ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺘﻮح ﻛﻤﺎ ﻋﺎش ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﻮح‪ ،‬ﻋﻴﺸﺔ ﻫﻲ إﱃ اﻟﺨﺸﻮﻧﺔ اﻟﺸﻈﻒ‬
‫أﻗﺮب ﻣﻨﻬﺎ إﱃ اﻟﺮﻗﺔ اﻟﻠني‪ .‬ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺠﺮ ﻟﻢ ﻳﺘﺴﻊ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﻗﺘﴫ ﻋﲆ ﻋﻄﺎﺋﻪ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻨﻪ‬
‫ﻳﺮز أﻫﻠﻪ‪ ،‬ﻳﺴﺘﺜﻤﺮ ﻓﻀﻮﻟﻪ ﰲ ﻣﺎ اﺷﱰا ﺑﻴﻨﺒﻊ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺰد ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ملﺎ ﻣﺎت ﻟﻢ ﺗﺤﺺ‬
‫ﺗﺮﻛﺘﻪ ﺑﺎﻷﻟﻮ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻋﴩاﺗﻬﺎ أ ﻣﺌﺎﺗﻬﺎ أ املﻼﻳني‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎ‬
‫اﻟﺤﺴﻦ اﺑﻨﻪ ﰲ ﺧﻄﺒﺔ ﻟﻪ‪ :‬ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ درﻫﻢ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﺸﱰ ﺑﻬﺎ ﺧﺎدﻣﺎ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻋﲇ ﱞ أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺘﻪ اﻟﻘﺼرية ﻳﻠﺒﺲ ﺧﺸﻦ اﻟﺜﻴﺎب املﺮﻗﻊ ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺪرة‬
‫ﻳﻤﴚ ﰲ اﻷﺳﻮا ‪ ،‬ﻓﻴﻌﻆ أﻫﻠﻬﺎ ﻳﺆدﺑﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻓﻜﺎ ﻫﺬا دﻟﻴﻼ ﻋﲆ أ‬
‫ﻋﻤﺮ ﻛﺎ ﺻﺎد اﻟﻔﺮاﺳﺔ ﺣني ﻗﺎ ‪» :‬ﻟﻮ ﱠﻟﻮا اﻷﺟﻠﺢ ﻟﺤﻤﻠﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺠﺎدة‪«.‬‬

‫‪135‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫اﺿﺢ أ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻛﺎ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﺮﻛﺰ ﻣﻌﺎرﺿﺎ ﰲ ﺟﻌﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ إﱃ ﻏري ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴٍّﺎ ﺑﺄد املﻌﻨﻰ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻬﺬ اﻟﻜﻠﻤﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﻨﺪ ﺷﻴﺌﺎ‬
‫ﻳﻮرث‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻠﻴﻔﺎ ﻳﺘﻠﻘﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ أ ﱄ اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ ﺑني املﺴﻠﻤني ﻋﻦ ﺗﺮاض‬
‫ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﻴﻨﻪ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺪ أ ﻟﻮ اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ إﻟﻴﻪ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻗﺪﱠﻣﻮﻫﺎ إﱃ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺛﻢ‬
‫إﱃ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻧﺰ ﻋﻨﺪ رأﻳﻬﻢ ﺑﺎﻳﻊ اﻟﺸﻴﺨني ﰱ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﺤﻀﻬﻤﺎ اﻟﻨﺼﺢ أﺧﻠﺺ ﻟﻬﻤﺎ‬
‫ﰲ املﺸﻮرة‪ .‬ﻫ ﱠﻢ أ ﻳﻠﻔﺖ اﻟﻨﺎس إﱃ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت ﻋﻤﺮ ﺣني ﻛﺎ أﺻﺤﺎب اﻟﺸﻮر‬
‫ﻳﺄﺗﻤﺮ ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻋﲆ اﺳﺘﺤﻴﺎء ﺷﺪﻳﺪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أ ﻛﻒ ﺟﻌﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﻐري‬
‫ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﺄﺧﺬ ﻣﻮﺛﻖ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﲆ اﻟﻨﺼﺢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني أﻋﻄﻰ ﻣﻮﺛﻘﻪ ﻋﲆ اﻟﺴﻤﻊ‬
‫اﻟﻄﺎﻋﺔ‪ .‬ﻳﻘﻮ املﺘﻜﻠﻔﻮ ﻣﻦ اﻟﺮ اة إﻧﻪ ﺗﻠﻜﺄ ﰲ ﺑﻴﻌﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﺣﺬر ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‬
‫أﻧﺬر ‪ .‬ﻟﻜﻦ ر اة آﺧﺮﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮ ﻣﺎ ﻫﻮ أﺷﺒﻪ ﺑﺴرية ﻋﲇ ﱟ أﺷﺪ ﻣﻼءﻣﺔ ﻟﺨﻠﻘﻪ‪ .‬ﻳﻘﻮﻟﻮ ‪:‬‬
‫إﻧﻪ ﺣني أﺑﻰ أ ﻳﻌﻄﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺬ ﻃﻠﺒﻪ ﺣني أﻋﻄﻰ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ‪،‬‬
‫ﻗﺎ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ :‬ﻗﺪ أﻋﻄﺎ أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟﺮﺿﺎ ﻓﺒﺎﻳﻌﻪ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﺗﻠﻜﺄ ﻋﲇ ﱞ ﺑﺎﻟﺒﻴﻌﺔ ﻟﻢ‬
‫ﻳﻌﻄﻬﺎ إﻻ ﻛﺎرﻫﺎ ﻟﻜﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﻠﺰ دار أ ﻳﻘﺎﻃﻊ ﻋﺜﻤﺎ أﻫﻞ اﻟﺸﻮر ﻗﺘﺎ ﻳﻘﴫ‬
‫أ ﻳﻄﻮ ‪ .‬ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻠﺰ دار ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺷﻬﺪ ﻣﺠﻠﺲ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أﻣﺮ ﺑﻴﻌﺘﻪ‪ ،‬أﺷﺎر ﻋﻠﻴﻪ ﰲ‬
‫ﻗﺼﺔ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﺄ ﻳﻘﺘﺺ ﻣﻨﻪ ملﻘﺘﻞ اﻟﻬﺮﻣﺰا ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻋﲇ ﱞ ﻣﻌﺎرﺿﺎ ﻟﻠﺨﻠﻔﺎء اﻟﺜﻼﺛﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﺸﻴﺨني ﻟﻢ ﻳﺄﺗﻴﺎ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﱃ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺮﻓﻴﻖ‬
‫ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺸﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﻈﻬﺮ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻋﲇ ﱟ ﻟﻬﻤﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻨﺼﺢ ﻣﻊ اﻟﻨﺎﺻﺤني‬
‫ﻳﺸري ﻣﻊ املﺸريﻳﻦ‪ ،‬ﻳﺴﻤﻊ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﻄﻴﻊ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﻏري ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‬
‫اﻷﻧﺼﺎر‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﺜﻤﺎ اﺷﺘﺪت ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻋﲇ ﱟ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﺸﻮر ﺛﻢ ﺛﺎب إﱃ‬
‫ﺳريﺗﻪ ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺨني‪ ،‬ﻓﻨﺼﺢ أﺷﺎر ﺳﻤﻊ أﻃﺎع‪ .‬ﻟﻜﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﺜﻤﺎ دﻓﻌﺘﻪ إﱃ ﳾء‬
‫ﻣﻦ اﻟﺸﺪة ﰲ املﻌﺎرﺿﺔ؛ ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﺮ ﻣﺎ رآ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﺛﻢ ﻟﻢ‬
‫ﺗﻠﺒﺚ اﻟﺤﻮادث أ دﻓﻌﺘﻪ إﱃ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﺷﺪﺗﻬﺎ ﺗﺰداد ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻛﻞ‬
‫ﺣﺎ ﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻗﻂ ﻋﻦ ﻃﻮر املﻌﺎرﺿﺔ اﻟﺮﺷﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻠني ﺗﻌﻨﻒ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻠﺰ ﺣﺪ د‬
‫اﻟﻨﺼﺢ املﺸﻮرة اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ ﻣﻦ ﻋﻘﺎب ﷲ‪ .‬ﻣﺎ زاﻟﺖ اﻷﺣﺪاث ﺗﺸﺘﺪ ﺗﺘﻔﺎﻗﻢ ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮ‬
‫ﻋﲇ ﱞ ذات ﻳﻮ أ ﻳﻮاﺟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﴚء ﻣﻦ املﻘﺎ ﻣﺔ ﻋﲆ ﻣﻸ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻛﺎ ذﻟﻚ ﺣني أﻋﻠﻦ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻏري ﺗﺤﻔﻆ أﻧﻪ ﺳﻴﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﻫﺬا املﺎ ﺣﺎﺟﺘﻪ إ رﻏﻤﺖ أﻧﻮ اﻟﻜﺎرﻫني ﻟﺬﻟﻚ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺎ ﻟﻪ ﻋﲇﱞ‪ :‬إذ ﺗﻤﻨﻊ ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ .‬ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎ ﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﻋﲇ ﱞ ﻗﻂ ﰲ ﺳريﺗﻪ ﻣﻊ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺼﺢ املﺸﻮرة اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺸﺪﻳﺪ أﺣﻴﺎﻧﺎ‪ .‬ﻫﻮ ﻛﺎ ﻳﺘﻮﺳﻂ ﺑني ﻋﺜﻤﺎ ﺑني‬

‫‪136‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ‬

‫اﻟﻨﺎﻗﻤني ﻣﻨﻪ اﻟﺨﺎرﺟني ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻳﺒﴫ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺎﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻳﺮد اﻟﻨﺎس ﻋﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ .‬ﺣﺘﻰ إذا‬
‫اﺳﺘﻴﺄس ﻣﻦ ﻣﻘﺎ ﻣﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻷﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ‪ ،‬ﻟﺰ دار ﻟﻢ ﻳﺘﻮﺳﻂ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني اﻟﻨﺎس‪ .‬ﺛﻢ ﻫﻮ‬
‫ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻇﻞ ﺑﺎ ٍّرا ﺑﻌﺜﻤﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺼﺎر‪ ،‬ﻓﺄﻧﻔﺬ إﻟﻴﻪ املﺎء أرﺳﻞ اﺑﻨﻴﻪ ملﻘﺎ ﻣﺔ املﺤﺎﴏﻳﻦ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻳﻨﻜﺮ أﺣﺪ أ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑني ﻋﲇ ﱟ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ اﺗﺼﻞ أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﻠﻬﺎ‪ .‬ﻟﻜﻦ‬
‫اﻟﴚء اﻟﺬ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ ﻫﻮ أ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ أﺧﺎﻓﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﲇ ﱟ إﱃ أﺑﻌﺪ‬
‫ﺣﺪ ﻣﻤﻜﻦ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﺳﺎر ﻋﺜﻤﺎ ﺳرية ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﺪﺧﻞ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني اﻟﻨﺎس؛‬
‫ﻟﻜﺎ ﻣﻦ ﻏري املﺸﻜﻮ ﻓﻴﻪ أ ﻳﺴري ﻣﻌﻪ ﻋﲆ ﺳريﺗﻪ ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺨني ﻣﻦ ﻗﺒﻞ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﺳﺎر‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﺳرية ﻋﻤﺮ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﺪﺧﻞ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني اﻟﻨﺎس؛ ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ ،‬ملﺎ اﺣﺘﺠﻨﺎ إﱃ‬
‫إﻣﻼء ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب‪.‬‬
‫اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﲆ أ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ أﻓﺴﺪت اﻷﻣﺮ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني ﻋﲇ ﱟ ﺣﺘﻰ ﻫ ﱠﻢ ذات‬
‫ﻳﻮ أ ﻳﺒﻄﺶ ﺑﻪ‪ ،‬ﻣﺎ ر ا اﻟﺒﻼذر ﰲ »أﻧﺴﺎب اﻷﴍا « ﺑﺈﺳﻨﺎد ﻣﻦ أ اﻟﻌﺒﺎس ﺗﻮﺳﻂ‬
‫ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ :‬أذﻛﺮ ﷲ ﰲ أﻣﺮ اﺑﻦ ﻋﻤﻚ اﺑﻦ ﺧﺎﻟﻚ ﺻﻬﺮ ﺻﺎﺣﺒﻚ ﻣﻊ‬
‫رﺳﻮ ﷲ ﷺ؛ ﻓﻘﺪ ﺑﻠﻐﻨﻲ أﻧﻚ ﺗﺮﻳﺪ أ ﺗﻘﻮ ﺑﻪ ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻪ‪ .‬ﻓﻘﺎ ‪» :‬أ ﱠ ﻣﺎ أﺟﻴﺒﻚ ﺑﻪ‬
‫ﺷﻔﻌﺘﻚ‪ .‬إ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻟﻮ ﺷﺎء ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺪ ﻋﻨﺪ إﻻ د ﻧﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ أﺑﻰ إﻻ رأﻳﻪ‪ «.‬ﺛﻢ ﻗﺎ‬‫أﻧﻲ ﻗﺪ ﱠ‬
‫ﻟﻌﲇ ﱟ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻋﲇﱞ‪» :‬ﻟﻮ أﻣﺮﻧﻲ ﻋﺜﻤﺎ أ أﺧﺮج ﻣﻦ دار ﻟﺨﺮﺟﺖ‪1 «.‬‬

‫ﻟﻜﻦ ﻫﺬ اﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﻟﻢ ﺗﻐﻦ ﺷﻴﺌﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻣﴣ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ‪ ،‬ﻣﴣ ﻋﲇ ﱞ ﰲ‬

‫ﻣﻌﺎرﺿﺘﻪ‪ ،‬ﻣﻀﺖ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ إﻓﺴﺎد اﻷﻣﺮ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ اﺷﺘﺪ اﻟﺤﺮج‪ .‬ﻓﺮ اﻟﺒﻼذر‬
‫ﺑﺈﺳﻨﺎد أﻳﻀﺎ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس‪» :‬أ ﻋﺜﻤﺎ ﺷﻜﺎ ﻋﻠﻴٍّﺎ إﱃ اﻟﻌﺒﺎس‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻟﻪ‪ :‬ﻳﺎ ﺧﺎ ‪،‬‬
‫إ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻗﻄﻊ رﺣﻤﻲ أ ﱠﻟﺐ اﻟﻨﺎس اﺑﻨﻚ‪ .‬ﷲ ﻟﱧ ﻛﻨﺘﻢ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ أﻗﺮرﺗﻢ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ‬
‫ﰲ أﻳﺪ ﺑﻨﻲ ﺗﻤﻴﻢ ﻋﺪ ﱟ ‪ ،‬ﻓﺒﻨﻮ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎ أﺣﻖ أﻻ ﺗﻨﺎزﻋﻮﻫﻢ ﻓﻴﻪ ﻻ ﺗﺤﺴﺪ ﻫﻢ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻗﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس‪ :‬ﻓﺄﻃﺮ أﺑﻲ ﻃﻮﻳﻼ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎ ‪ :‬ﻳﺎ اﺑﻦ أﺧﺖ‪ ،‬ﻟﱧ ﻛﻨﺖ ﻻ ﺗﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴٍّﺎ‬
‫ﻓﻤﺎ ﻳﺤﻤﺪ ﻟﻪ‪ ،‬إ ﺣﻘﻚ ﰲ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻟﻠﺤﻖ اﻟﺬ ﻻ ﻳﺪﻓﻊ ﻻ ﻳﺠﺤﺪ‪ .‬ﻓﻠﻮ رﻗﻴﺖ‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻄﺄﻃﺄ أ ﺗﻄﺄﻃﺄت ﻓﻴﻤﺎ رﻗﻲ ﺗﻘﺎرﺑﺘﻤﺎ‪ ،‬ﻛﺎ ذﻟﻚ أ ﺻﻞ أﺟﻤﻞ‪ .‬ﻗﺎ ‪ :‬ﻗﺪ ﺻريت‬
‫اﻷﻣﺮ ﰲ ذﻟﻚ إﻟﻴﻚ‪ ،‬ﻓﻘﺮب اﻷﻣﺮ ﺑﻴﻨﻨﺎ‪ .‬ﻗﺎ ‪ :‬ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮ ا ﻓﺄزاﻟﻪ‬
‫ﻋﻦ رأﻳﻪ‪ .‬ﻓﻤﺎ ﻟﺒﺜﻨﺎ أ ﺟﺎء رﺳﻮ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ رﺟﻊ ﻗﺎ ‪ :‬ﻳﺎ ﺧﺎ أﺣﺐ أ‬

‫ﻟﻠﺒﻼذر ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪ ،١٤‬ﻃﺒﻊ اﻟﻘﺪس‪.‬‬ ‫‪ 1‬أﻧﺴﺎب اﻷﴍا‬

‫‪137‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺗﺆﺧﺮ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ اﻷﻣﺮ اﻟﺬ أﻟﻘﻴﺖ إﻟﻴﻚ ﺣﺘﻰ أر ﻣﻦ رأﻳﻲ‪ .‬ﻓﺨﺮج أﺑﻲ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ‬
‫إﱄ ﱠ ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻟﻴﺲ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ أﻣﺮ ﳾء‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎ ‪ :‬اﻟﻠﻬﻢ اﺳﺒﻖ ﺑﻲ اﻟﻔﺘﻦ ﻻ‬
‫ﺗﺒﻘﻨﻲ إﱃ ﻣﺎ ﻻ ﺧري ﱄ ﰲ اﻟﺒﻘﺎء إﻟﻴﻪ‪ .‬ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻤﻌﺔ ﺣﺘﻰ ﻫﻠﻚ‪2 «.‬‬

‫ﻓﻘﺪ ﺳﻔﺮ اﻟﻌﺒﺎس إذ ﺳﻔﺎرة اﻟﺨري ﺑني اﻟﺮﺟﻠني ﻓﻮﻓﻖ ﻟﻠﻨﺠﺢ‪ .‬ﻫ ﱠﻢ ﻋﺜﻤﺎ أ‬
‫ﻳﺴﻔﺮ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﺼﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﻨﺠﺢ ﻣﺎ أﺻﺎب ﰲ املﺮة اﻷ ﱃ‪ ،‬ﻟﻜﻦ‬
‫ﻣﺮ ا ﴏﻓﻪ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺮأ ‪ ،‬ﻓﺠﻌﻠﺖ اﻷﻣﻮر ﺗﻤﴤ ﻣﻦ ﻓﺴﺎد إﱃ ﻓﺴﺎد ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﻨﺔ‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻗﻌﻬﺎ اﻟﻌﺒﺎس‪.‬‬
‫ﻗﺪ رأﻳﺖ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻔﺼﻮ اﻟﺨﻤﺴﺔ اﻷﺧرية أﻃﺮاﻓﺎ ﻣﻦ ﺳرية أﺻﺤﺎب اﻟﺸﻮر ﻣﻦ‬
‫ﻣﻮﻗﻔﻬﻢ ﺑﺈزاء ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﺨﻼﻓﻪ‪ .‬ﻟﻌﻞ ﺧري ﻣﺎ ﻧﺨﺘﻢ ﺑﻪ ﻫﺬ اﻟﻔﺼﻮ ﻣﺎ ﻳﺮ ﻣﻦ‬
‫رأ ﻋﻤﺮ ﰲ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ‪ .‬ﺳﻮاء أﺻﺤﺖ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺮ اﻳﺔ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ أ ﻟﻢ ﺗﺼﺢ؛ ﻓﺈ ﻫﺬا‬
‫اﻟﺮأ ﻳﺼﻮر ﻣﺎ اﺳﺘﻘﺮ ﰲ ﻧﻔﻮس اﻟﻨﺎس ﰲ ﻧﻔﻮس اﻟﺮ اة املﺆرﺧني أﺻﺤﺎب اﻟﺤﺪﻳﺚ‬
‫ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﺻﻮرﻫﻢ‪.‬‬
‫ر اﻟﺒﻼذر ﺑﺈﺳﻨﺎد ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﻗﺎ ‪» :‬ﻗﺎ ﻋﻤﺮ‪ :‬ﻻ أدر ﻣﺎ أﺻﻨﻊ ﺑﺄﻣﺔ‬
‫ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬ذﻟﻚ ﻗﺒﻞ أ ﻳﻄﻌﻦ‪ .‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬ﻟﻢ ﺗﻬﺘﻢ أﻧﺖ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﺗﺴﺘﺨﻠﻔﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ؟ ﻗﺎ ‪:‬‬
‫أﺻﺎﺣﺒﻜﻢ؟ — ﻳﻌﻨﻲ ﻋﻠﻴٍّﺎ — ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻧﻌﻢ‪ ،‬ﻫﻮ أﻫﻞ ﻟﻬﺎ ﰲ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﺑﺮﺳﻮ ﷲ ﷺ‪ ،‬ﺻﻬﺮ‬
‫ﺳﺎﺑﻘﺘﻪ ﺑﻼﺋﻪ‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻋﻤﺮ‪ :‬إ ﻓﻴﻪ ﺑﻄﺎﻟﺔ ﻓﻜﺎﻫﺔ‪ .‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬ﻓﺄﻳﻦ أﻧﺖ ﻋﻦ ﻃﻠﺤﺔ؟ ﻗﺎ ‪:‬‬
‫ﻓﺄﻳﻦ اﻟﺰﻫﻮ اﻟﻨﺨﻮة؟ ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ؟ ﻗﺎ ‪ :‬ﻫﻮ رﺟﻞ ﺻﺎﻟﺢ ﻋﲆ ﺿﻌﻒ‪.‬‬
‫ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻓﺴﻌﺪ؟ ﻗﺎ ‪ :‬ذا ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻘﻨﺐ ﻗﺘﺎ ‪ ،‬ﻻ ﻳﻘﻮ ﺑﻘﺮﻳﺔ ﻟﻮ ﺣﻤﱢ ﻞ أﻣﺮﻫﺎ‪ .‬ﻗﻠﺖ‪:‬‬
‫ﻓﺎﻟﺰﺑري؟ ﻗﺎ ‪ :‬ﻟﻘﻴﺲ ﻣﺆﻣﻦ اﻟﺮﺿﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻓﺮ اﻟﻐﻀﺐ ﺷﺤﻴﺢ‪ .‬إ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﺼﺢ إﻻ ﻟﻘﻮ ﱟ‬
‫ﰲ ﻏري ﻋﻨﻒ‪ ،‬رﻓﻴﻖ ﰲ ﻏري ﺿﻌﻒ‪ ،‬ﺟﻮاد ﰲ ﻏري ﴎ ‪ .‬ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻓﺄﻳﻦ أﻧﺖ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎ ؟ ﻗﺎ ‪:‬‬
‫ﻟﻮ ﻟﻴﻬﺎ ﻟﺤﻤﻞ ﺑﻨﻲ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ ﻋﲆ رﻗﺎب اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻟﻮ ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻟﻘﺘﻠﻮ ‪3 «.‬‬

‫ﻟﻠﺒﻼذر ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪ ،١٤-١٣‬ﻃﺒﻊ اﻟﻘﺪس‪.‬‬ ‫‪ 2‬أﻧﺴﺎب اﻷﴍا‬

‫ﻟﻠﺒﻼذر ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪ ،١٧-١٦‬ﻃﺒﻊ اﻟﻘﺪس‪.‬‬ ‫‪ 3‬أﻧﺴﺎب اﻷﴍا‬

‫‪138‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ‬

‫ﻋﲆ أ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺸﻮر ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ إﻻ أﻳﴪ املﻌﺎرﺿﺔ؛‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻟﻪ ﻣﻌﺎرﺿﻮ آﺧﺮ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﻦ أﻋﻼ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻨﻪ‬
‫ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺧﻄﻮب ﺣﻔﻈﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ‪ ،‬ﺗﻜﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻓﺄﻛﺜﺮ ا اﻟﻜﻼ ‪ ،‬اﺧﺘﻠﻔﻮا ﻓﺄﻛﺜﺮ ا‬
‫اﻻﺧﺘﻼ ‪ .‬ﻣﻦ ﻫﺆﻻء املﻌﺎرﺿني ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد اﻟﻬﺬﱄ ﺣﻠﻴﻒ ﺑﻨﻲ زﻫﺮة‪ .‬ﻛﺎ ﻋﺒﺪ‬
‫ﷲ ﺣني ﻟﻘﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﻷ ﻣﺮة ﻏﻼﻣﺎ ﻳﺮﻋﻰ ﻏﻨﻤﺎ ﻟﻌﻘﺒﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ‪ ،‬ﻓﺄﺗﺎ اﻟﻨﺒﻲ أﺑﻮ‬
‫ﺑﻜﺮ ذات ﻳﻮ ﻓﺎﺳﺘﺴﻘﻴﺎ ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﻐﻼ ‪ :‬ﻻ أﺳﻘﻴﻜﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻲ ﻣﺆﺗﻤﻦ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﻨﺒﻲ‪ :‬ﻓﻬﻞ ﻋﻨﺪ‬
‫ﺷﺎة ﻟﻢ ﻳﻨﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻔﺤﻞ؟ ﻓﺪﻓﻊ اﻟﻐﻼ إﻟﻴﻪ ﺷﺎة‪ ،‬ﻓﻤﺴﺢ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﲆ ﴐﻋﻬﺎ ﻓﺎﺣﺘﻔﻞ‪،‬‬
‫ﺟﺎء أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﺼﺨﺮة ﻣﺘﻘﻌﺮة‪ ،‬ﻓﺎﺣﺘﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﴍب ﴍب أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ .‬ﺛﻢ ﻗﺎ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﻟﻠﴬع‪ :‬اﻗﻠﺺ‪ ،‬ﻓﻌﺎد ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ‪ .‬ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ أﺳﻠﻢ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻟﺰ اﻟﻨﺒﻲ‪ .‬ﻛﺎ‬
‫أﺣﻔﻆ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻟﻠﻘﺮآ أر اﻫﻢ ﻟﻪ أﺷﺪﻫﻢ ﻟﻪ إﻇﻬﺎرا ﺑﻤﻜﺔ‪ .‬ﻫﺎﺟﺮ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد إﱃ ﺑﻼد‬
‫اﻟﺤﺒﺸﺔ ﺛﻢ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻓﺂﺧﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني اﻟﺰﺑري ﺑﻦ اﻟﻌﻮا ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪ ،‬آﺧﻰ ﺑﻴﻨﻪ‬
‫ﺑني ﻣﻌﺎذ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر‪ .‬ﺷﻬﺪ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﺑﺪرا أﺣﺪا املﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ‪.‬‬
‫ﻫﻮ اﻟﺬ اﺣﺘﺰ رأﺳﻪ أﺑﻲ ﺟﻬﻞ ﺑﻌﺪ أ ﴏع ﻳﻮ ﺑﺪر‪ .‬ﻟﺰ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد اﻟﻨﺒﻲ ﻟﺰ ﻣﺎ‬
‫ﻣﺘﺼﻼ ﰲ ﺳﻔﺮ إﻗﺎﻣﺘﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻛﺎد ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ‪ .‬ﻓﻜﺎ أﺛﻨﺎء إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺐ‬
‫إذﻧﻪ‪ ،‬ﻛﺎ إذا ﻗﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻴﺨﺮج أﻟﺒﺴﻪ ﻧﻌﻠﻴﻪ ﻣﴙ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ﺑﺎﻟﻌﺼﺎ‪ ،‬ﻓﺈذا ﺑﻠﻎ ﻣﺠﻠﺴﻪ‬
‫ﺧﻠﻊ ﻧﻌﻠﻴﻪ ﻓﻮﺿﻌﻬﻤﺎ ﰲ ﻛﻤﻪ دﻓﻊ إﻟﻴﻪ اﻟﻌﺼﺎ ﻗﺎ ﻋﲆ إذﻧﻪ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﰲ اﻟﺴﻔﺮ ﺻﺎﺣﺐ ﻓﺮاش اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺐ ﺿﻮﺋﻪ‪ .‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺤﺒﻪ ﺣﺒٍّﺎ ﺷﺪﻳﺪا‬
‫ﻳﻮﴆ ﺑﺤﺒﻪ‪ .‬رآ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺮﻗﻰ ﺷﺠﺮة ذات ﻳﻮ ‪ ،‬ﻓﻀﺤﻜﻮا ﻣﻦ د ﱠﻗﺔ ﺳﺎﻗﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺎ اﻟﻨﺒﻲ‪» :‬إﻧﻬﻤﺎ ﻷﺛﻘﻞ ﰲ املﻴﺰا ﻳﻮ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺟﺒﻞ أﺣﺪ‪ «.‬ملﺎ ﺗﻮﰲ اﻟﻨﺒﻲ دﻓﻊ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫املﺴﻠﻤﻮ إﱃ اﻟﻔﺘﺢ ﺧﺮج اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻏﺎزﻳﺎ إﱃ اﻟﺸﺎ راﺑﻂ ﰲ ﺣﻤﺺ‪ ،‬ﻓﻨﻘﻠﻪ ﻋﻤﺮ إﱃ‬
‫اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬أ ﴅ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ أ ﻳﺄﺧﺬ ا ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻗﺎ ‪» :‬إﻧﻲ آﺛﺮﺗﻜﻢ ﺑﻪ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ‪«.‬‬
‫ﻗﺪ ﺷﻬﺪ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻣﻘﺘﻞ ﻋﻤﺮ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ أﴎع إﱃ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﻬﺎ‬
‫ﺧﻄﺐ اﻟﻨﺎس ﻓﻘﺎ ‪ :‬إﻧﺎ اﺧﱰﻧﺎ ﺧري ﻣﻦ ﺑﻘﻲ ﻟﻢ ﻧﺄ ‪ ،‬ﺛﻢ ﺣﺜﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﺗﻮﱃ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﺑﻴﺖ املﺎ ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺣني ﻛﺎ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص اﻟﻴﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺰ ﺳﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻇﻞ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻋﲆ ﺑﻴﺖ املﺎ ﺻﺪرا ﻣﻦ أﻳﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ‪.‬‬
‫ﺛﻢ اﺳﺘﻘﺮض اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻓﺄﻗﺮﺿﻪ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ ،‬ﻛﺎ ﻫﺬا ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺄﻟﻮﻓﺎ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫ﺣﻞ اﻷﺟﻞ ﻃﻠﺐ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد إﻟﻴﻪ اﻷداء‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﻮ ‪ ،‬ﻓﺄﻟﺢ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻓﻜﺘﺐ اﻟﻮﻟﻴﺪ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺸﻜﻮ‬
‫اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ .‬ﻛﺘﺐ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪» :‬إﻧﻤﺎ أﻧﺖ ﺧﺎز ﻟﻨﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﻌﺮض ﻟﻠﻮﻟﻴﺪ ﻓﻴﻤﺎ‬
‫أﺧﺬ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ «.‬ﻓﻐﻀﺐ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد أﻟﻘﻰ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬أﻗﺎ ﰲ دار ﻳﻌﻆ‬
‫اﻟﻨﺎس ﻳﻌﻠﻤﻬﻢ‪ .‬ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺪأت ﻣﻌﺎرﺿﺔ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻟﻌﺜﻤﺎ ﰲ أﻣﻮر اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‬
‫ﰲ أﻣﻮر املﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ازدادت ﻣﻌﺎرﺿﺘﻪ ﺗﻌﻘﺪا ﺣني ﺣﱠ ﺪ ﻋﺜﻤﺎ املﺼﺤﻒ ﺟﻌﻞ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ إﱃ‬
‫ﻧﻔﺮ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻋﻠﻴﻬﻢ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ‪ ،‬ﺗﻘ ﱠﺪ ﰲ إﺣﺮا ﻏري ﻣﻦ املﺼﺎﺣﻒ‪ .‬ﻓﺄﻧﻜﺮ اﺑﻦ‬
‫ﻣﺴﻌﻮد أﻧﻜﺮ ﻣﻌﻪ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ ﺗﺤﺮﻳﻖ املﺼﺎﺣﻒ‪ .‬اﺷﺘﺪ ﻧﻘﺪ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‬
‫ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﺨﻄﺐ اﻟﻨﺎس ﻳﻮ اﻟﺨﻤﻴﺲ ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ أﺳﺒﻮع‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮ ‪» :‬إ‬
‫أﺻﺪ اﻟﻘﻮ ﻛﺘﺎب ﷲ‪ ،‬أﺣﺴﻦ اﻟﻬﺪ ﻫﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ‪ ،‬ﴍ اﻷﻣﻮر ﻣﺤﺪﺛﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻛﻞ‬
‫ﻣﺤﺪﺛﺔ ﺑﺪﻋﺔ‪ ،‬ﻛﻞ ﺑﺪﻋﺔ ﺿﻼﻟﺔ‪ ،‬ﻛﻞ ﺿﻼﻟﺔ ﰲ اﻟﻨﺎر‪ «.‬ﻓﻜﺘﺐ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﺬﻟﻚ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻗﺎ ‪ :‬إﻧﻪ ﻳﻌﻴﺒﻚ ﻳﻄﻌﻦ ﻋﻠﻴﻚ‪ .‬ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺈﺷﺨﺎﺻﻪ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬ﻓﺄﺷﺨﺺ‬
‫إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺧﺮج ﻣﻌﻪ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻣﺸﻴﻌني ﻣﻮدﻋني أﺣﺴﻦ اﻟﺘﺸﻴﻴﻊ أﺣ ﱠﺮ اﻟﺘﻮدﻳﻊ‪ .‬ﺑﻠﻎ اﺑﻦ‬
‫ﻣﺴﻌﻮد املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻓﺪﺧﻞ املﺴﺠﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺨﻄﺐ ﻋﲆ ﻣﻨﱪ اﻟﻨﺒﻲ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ رأ ﻣﺪﺧﻠﻪ ﻗﺎ ‪ :‬أﻻ‬
‫إﻧﻪ ﻗﺪ ﻗﺪﻣﺖ ﻋﻠﻴﻜﻢ د ﻳﺒﺔ ﺳﻮء ﻣﻦ ﻳﻤﴚ ﻋﲆ ﻃﻌﺎﻣﻪ ﻳﻘﻲء ﻳﺴﻠﺢ‪ .‬ﻓﻘﺎ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪:‬‬
‫ﻟﺴﺖ ﻛﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻲ ﺻﺎﺣﺐ رﺳﻮ ﷲ ﷺ ﻳﻮ ﺑﺪر ﻳﻮ ﺑﻴﻌﺔ اﻟﺮﺿﻮا ‪ .‬ﻧﺎدت ﻋﺎﺋﺸﺔ‪:‬‬
‫أ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬أﺗﻘﻮ ﻫﺬا ﻟﺼﺎﺣﺐ رﺳﻮ ﷲ ﷺ! ﺛﻢ أﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻪ ﻓﺄﺧﺮج ﻣﻦ املﺴﺠﺪ‬
‫إﺧﺮاﺟﺎ ﻋﻨﻴﻔﺎ‪ ،‬ﴐﺑﺖ ﺑﻪ اﻷرض ﻓﺪﻗﺖ ﺿﻠﻌﻪ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﲇ ﱞ ﻓﻼ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﺎ ‪:‬‬
‫ﺗﻔﻌﻞ ﻫﺬا ﺑﺼﺎﺣﺐ رﺳﻮ ﷲ ﷺ ﻋﻦ ﻗﻮ اﻟﻮﻟﻴﺪ! ﻓﻘﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻣﺎ ﻋﻦ ﻗﻮ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻓﻌﻠﺖ‬
‫ﻫﺬا‪ ،‬ﻟﻜﻦ أرﺳﻠﺖ زﺑﻴﺪ ﺑﻦ ﻛﺜري ﻓﺴﻤﻌﻪ ﻳﺤ ﱡﻞ دﻣﻲ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﲇﱞ‪ :‬زﺑﻴﺪ ﻏري ﺛﻘﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎ ﻋﲆ‬
‫أﻣﺮ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﺣﺘﻰ ﺣﻤﻞ إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻪ‪.‬‬

‫‪140‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ‬

‫ﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻗﻄﻊ ﻋﻄﺎء اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﺣﻈﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺨﺮ ج‬
‫ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬أﺣﺐ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد أ ﻳﺨﺮج ﻏﺎزﻳﺎ ﰲ أﻫﻞ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻓﺄﺑﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ذﻟﻚ‬
‫اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻘﻮ ﻣﺮ ا ‪ :‬إﻧﻪ أﻓﺴﺪ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﺪﻋﻪ ﻳﻔﺴﺪ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﺸﺎ ‪.‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ اﻧﺘﻘﻞ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﺑﻤﻌﺎرﺿﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬أﻗﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺬﻳﻌﺎ‬
‫ملﻌﺎرﺿﺘﻪ ﻫﺬ ﻋﺎﻣني أ ﺛﻼﺛﺔ أﻋﻮا ‪ ،‬ﺛﻢ ﺣﴬﺗﻪ اﻟﻮﻓﺎة‪ .‬ﻳﻘﻮ اﻟﺮ اة‪ :‬إ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺎد ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؛ ﻓﻴﻘﻮ ﺑﻌﻀﻬﻢ‪ :‬إ ﻋﺜﻤﺎ اﻋﺘﺬر ﻻﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻔﱰ اﻟﺮﺟﻼ‬
‫ﺣﺘﻰ ﺗﺮاﺿﻴﺎ اﺳﺘﻐﻔﺮ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ‪ ،‬ﻣﺎت اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻓﺼﲆ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻳﻘﻮ‬
‫آﺧﺮ ‪ :‬إ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻟﻢ ﻳﺤﺴﻦ ﻟﻘﺎء ﻋﺜﻤﺎ ﺣني ﻋﺎد ‪ ،‬ﺳﺄﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺎ ﺗﺸﻜﻮ؟ ﻗﺎ ‪:‬‬
‫ذﻧﻮﺑﻲ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻓﻤﺎ ﺗﺸﺘﻬﻲ؟ ﻗﺎ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ :‬رﺣﻤﺔ رﺑﻲ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬أأﻟﺘﻤﺲ‬
‫ﻟﻚ ﻃﺒﻴﺒﺎ؟ ﻗﺎ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ :‬اﻟﻄﺒﻴﺐ أﻣﺮﺿﻨﻲ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬أر ﱡد ﻋﻠﻴﻚ ﻋﻄﺎء ‪ .‬ﻗﺎ اﺑﻦ‬
‫ﻣﺴﻌﻮد‪ :‬ﺣﺒﺴﺘﻪ ﻋﻨﻲ ﺣني اﺣﺘﺠﺖ إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﺗﺮ ﱡد إﱄ ﱠ ﺣني ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﱄ ﺑﻪ! ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻳﻜﻮ‬
‫ﻷﻫﻠﻚ‪ .‬ﻗﺎ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ :‬رزﻗﻬﻢ ﻋﲆ ﷲ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻓﺎﺳﺘﻐﻔﺮ ﱄ ﻳﺎ أﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ .‬ﻗﺎ‬
‫اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ :‬أﺳﺄ ﷲ أ ﻳﺄﺧﺬ ﱄ ﻣﻨﻚ ﺑﺤﻘﻲ‪ .‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﺧﺮج ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﺄ ﴅ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‬
‫ﱠأﻻ ﻳﺼﲇ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻣﺎت ﻓﻠﻢ ﻳﺆذ أﺣﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻤﻮﺗﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺻﲆ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻤﺎر ﺑﻦ ﻳﺎﴎ ﺛﻢ‬
‫دﻓﻦ‪ .‬ﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﺪ ﺑﻘﱪ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻓﺴﺄ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﻴﻞ‪ :‬إﻧﻪ ﻗﱪ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ ،‬ﻓﻐﻀﺐ‬
‫ﻓﺄﴎﻫﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺎ ‪ :‬ﺳﺒﻘﺘﻤﻮﻧﻲ ﺑﻪ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﻤﺎر‪ :‬ﻓﺈﻧﻪ أ ﴅ أﻻ ﺗﺼﲇ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﻏﻀﺒﻪ ﻋﲆ ﻋﻤﺎر‪.‬‬
‫ﻇﺎﻫﺮ أ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﺘﻜﻠﻒ ﻣﺼﻨﻮع‪ ،‬اﻷﺷﺒﻪ ﺑﺴرية اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد أﻧﻪ ﻋﻔﺎ‬
‫اﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﻟﻔﻮ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻘﻮﻟﻮ إﻧﻪ‬
‫دﻻ ﺳﻤﺘﺎ ﺑﺮﺳﻮ ﷲ‪ .‬اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻛﺎ ﻣﻦ أﻗﺮأ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻘﺮآ‬ ‫ﻛﺎ أﺷﺒﻪ اﻟﻨﺎس ﻫﺪﻳﺎ ٍّ‬
‫أﻋﻤﻠﻬﻢ ﺑﻪ‪ ،‬ﻫﻮ ﻣﻦ ﻏري ﺷﻚ ﻗﺪ ﻗﺮأ ﻗﻮ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ‪ ﴿ :‬ﻟﻤﻦ ﺻﱪ ﻏﻔﺮ إ ﱠ ٰذﻟﻚ ﻟﻤﻦ‬
‫ﻋﺰ اﻷﻣﻮر﴾‪ .‬ﻫﻮ أﺣﺮ أ ﻳﻜﻮ ﺻﱪ ﻏﻔﺮ آﺛﺮ ﻋﺰ اﻷﻣﻮر‪.‬‬

‫‪141‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﴩون‬

‫ﻛﺎ أﺑﻮ ذ ﱟر رﺟﻼ ﻏﻔﺎرﻳٍّﺎ ﻣﻦ ﻛﻨﺎﻧﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﰲ ﺟﺎﻫﻠﻴﺘﻪ ﻣﻨﻘﻄﻌﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻌﺘﺰﻻ ﻟﻬﻢ‪،‬‬
‫ﻛﺄﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﺘﺼﻌﻠﻚ‪ .‬أﻗﺒﻞ ﻋﲆ ﻣﻜﺔ ذات ﻳﻮ ﺳﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﺄﻟﻢ ﺑﻪ ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻪ‬
‫أﺳﻠﻢ‪ .‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻄﻞ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﺑﻤﻜﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺪ أ ﻫﺎﺟﺮ إﻟﻴﻬﺎ‪ .‬ﻓﻬﻮ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮا إﱃ اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﺣﺒﻬﻢ اﻟﻨﺒﻲ أﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﺣﺴﻦ اﻟﺜﻨﺎء‪ ،‬ﻓﻜﺎ‬
‫ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻣﺎ أﻗﻠﺖ اﻟﻐﱪاء ﻻ أﻇﻠﺖ اﻟﺨﴬاء رﺟﻼ أﺻﺪ ﻟﻬﺠﺔ ﻣﻦ أﺑﻲ ذر‪ «.‬ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ‪:‬‬
‫»ﻳﺒﻌﺚ أﺑﻮ ذر أﻣﺔ ﺣﺪ ‪ «.‬ﻛﺎ أﺑﻮ ذر ﻳﺮ أ اﻟﻨﺒﻲ أﻣﺮ أ ﻳﱰ املﺪﻳﻨﺔ إذا ﺑﻠﻎ‬
‫اﻟﺒﻨﺎء ﺳﻠﻌﺎ‪ .‬ﻓﺄﻗﺎ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ أﻳﺎ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﺻﺪرا ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ رأ اﻟﺒﻨﺎء‬
‫ﻳﺒﻠﻎ ﺳﻠﻌﺎ ﻓﺎﺳﺘﺄذ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أ ﻳﻬﺎﺟﺮ إﱃ اﻟﺸﺎ ﻏﺎزﻳﺎ‪ .‬ﻳﻘﺎ إﻧﻪ ﺧﺮج إﱃ اﻟﺸﺎ أﻳﺎ‬
‫ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﰲ اﻟﺪﻳﻮا ﻫﻨﺎ ‪ ،‬ﻓﻜﺎ أﺑﻮ ذر ﻳﻘﺪ ﺣﺎﺟٍّ ﺎ‪ ،‬ﻳﻠ ﱡﻢ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻳﺴﺘﺄذ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ‬
‫أ ﻳﺠﺎ ر ﻗﱪ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺘﺎ ﻓﻴﺄذ ﻟﻪ‪ .‬ﻧﻈﺮ ذات ﻳﻮ ﻓﺈذا ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻌﻄﻲ ﻣﺮ ا ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ‬
‫ﻣﺎﻻ ﻛﺜريا‪ ،‬ﻳﻌﻄﻲ أﺧﺎ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﺛﻠﺜﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ‪ ،‬ﻳﻌﻄﻲ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ‬
‫اﻷﻧﺼﺎر ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ‪ .‬ﻓﻴﻨﻜﺮ ذﻟﻚ ﻳﺴﺘﻜﺜﺮ ‪ ،‬ﻳﻘﻮ ‪ :‬ﺑﴩ اﻟﻜﺎﻧﺰﻳﻦ ﺑﺎﻟﻨﺎر‪ ،‬ﻳﺘﻠﻮ‬
‫ﺒﴩﻫﻢ‬ ‫ﻗﻮ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ‪ ﴿ :‬ا ﱠﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﻨﺰ اﻟﺬﱠﻫﺐ اﻟﻔ ﱠﻀﺔ ﻻ ﻳﻨﻔﻘﻮﻧﻬﺎ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻓ ﱢ‬
‫ﺑﻌﺬاب أﻟﻴﻢ﴾‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺷﻜﺎ ﻣﺮ ا ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻘﺎﻟﺔ أﺑﻲ ذ ﱟر ﻫﺬ ‪ ،‬ﻓﺄرﺳﻞ ﻋﺜﻤﺎ إﻟﻴﻪ ﻣﻮﱃ‬
‫ﻟﻪ ﻳﻨﻬﺎ ‪ .‬ﻓﻘﺎ أﺑﻮ ذر‪ :‬أﻳﻨﻬﺎﻧﻲ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻦ ﻗﺮاءة ﻛﺘﺎب ﷲ ﻋﻴﺐ ﻣﻦ ﺗﺮ أﻣﺮ ﷲ! ﻷ‬
‫أرﴈ ﷲ ﺑﺴﺨﻂ ﻋﺜﻤﺎ أﺣﺐ إﱄ ﱠ ﻣﻦ أ أرﴈ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺴﺨﻂ ﷲ‪ .‬ﻗﺪ ﺻﱪ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻦ أﺑﺎ ذر أﻟﺢ ﰲ ﻧﻘﺪ ﻋﻴﺒﻪ‪ ،‬دﻋﻮﺗﻪ إﱃ اﻟﻘﺼﺪ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ‪ .‬ﺗﺒﻐﻴﻀﻪ ﺟﻤﻊ املﺎ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ‬
‫ﻛﺎ ﻳﻮﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﻌﺐ اﻷﺣﺒﺎر ﺣﺎﴐ‪ .‬ﻓﻴﻘﻮ ﺑﻌﺾ اﻟﺮ اة‪ :‬إ ﻋﺜﻤﺎ ﺳﺄ ‪ :‬أﻳﺤ ﱡﻞ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻟﻺﻣﺎ أ ﻳﻘﱰض ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﻓﺈذا أﻳﴪ رد ﻣﺎ اﻗﱰض؟ ﻓﻘﺎ ﻛﻌﺐ‪ :‬ﻻ أر ﺑﺬﻟﻚ‬
‫ﺑﺄﺳﺎ‪ .‬ﻓﻐﻀﺐ أﺑﻮ ذر ﻗﺎ ﻟﻜﻌﺐ‪ :‬ﻳﺎﺑﻦ اﻟﻴﻬﻮدﻳني أﺗﻌﻠﻤﻨﺎ دﻳﻨﻨﺎ! ﻏﻀﺐ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺬﻟﻚ‪،‬‬
‫ﻓﺄﻣﺮ أﺑﺎ ذر أ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﺎﻟﺸﺎ ‪ .‬ﻳﻘﻮ آﺧﺮ ‪ :‬إ أﺑﺎ ذر ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ملﻦ‬
‫أ ﱠد اﻟﺰﻛﺎة أ ﻳﻘﻨﻊ ﺣﺘﻰ ﻳﻄﻌﻢ اﻟﺠﺎﺋﻊ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻳﱪﱠ اﻟﺠريا ‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻛﻌﺐ‪ :‬ﻣﻦ‬
‫أد اﻟﻔﺮﻳﻀﺔ ﻓﺤﺴﺒﻪ‪ .‬ﻓﻐﻀﺐ أﺑﻮ ذر آذ ﻛﻌﺒﺎ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﻳﺪ ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﻠﺤﻖ‬
‫ﺑﻤﻜﺘﺒﻪ ﰲ اﻟﺸﺎ ‪.‬‬
‫ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ذﻫﺐ أﺑﻮ ذ ﱟر إﱃ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ إﻗﺎﻣﺘﻪ ﻫﻨﺎ ﻟﻢ ﺗﻄﻞ‪ .‬ﺟﻌﻞ‬
‫ﻳﻘﻮ ﰲ اﻟﺸﺎ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬أﻧﻜﺮ ﻋﲆ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ أﺷﻴﺎء‪ :‬أﻧﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ أ ﻳﻘﻮ ﻣﺎ‬
‫ﷲ‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‪ .‬أﻧﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻨﺎء اﻟﺨﴬاء‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬إ ﻛﻨﺖ إﻧﻤﺎ ﺑﻨﻴﺘﻬﺎ‬
‫ﻣﻦ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني ﻓﻬﻲ اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ‪ ،‬إ ﻛﻨﺖ إﻧﻤﺎ ﺑﻨﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﴪ ‪ .‬ﻛﺎ‬
‫ﻳﻘﻮ ‪ :‬ﻳﻞ ﻟﻸﻏﻨﻴﺎء ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮاء! ﻛﺎ اﻟﻨﺎس ﻳﺠﺘﻤﻌﻮ إﻟﻴﻪ ﻳﺴﻤﻌﻮ ﻣﻨﻪ ﻳﺆﻣﻨﻮ ﻟﻪ‪،‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﺧﺎ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻋﲆ أﻫﻞ اﻟﺸﺎ ﻣﻦ دﻋﻮة أﺑﻲ ذر ﻫﺬ ‪ ،‬ﻓﻜﺘﺐ ﻳﺸﻜﻮ ﻣﻨﻪ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﻛﺘﺐ ﻋﺜﻤﺎ إﻟﻴﻪ أ أﺷﺨﺺ إﱄ ﱠ ﺟﻨﺪﺑﺎ ﻋﲆ أﻏﻠﻆ ﻣﺮﻛﺐ أ ﻋﺮ ‪ .‬ﻓﺄرﺳﻠﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ إﱃ‬
‫ﺑﴩ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﺑﻤﻜﺎ‬ ‫ﺣﻔﻲ ﺑﻪ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻎ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﴣ ﰲ دﻋﻮﺗﻪ‪ ،‬ﺟﻌﻞ ﻳﻘﻮ ‪ :‬ﱢ‬
‫ﱟ‬ ‫املﺪﻳﻨﺔ ﻏري‬
‫ﻣﻦ ﻧﺎر ﺗﻜﻮ ﺑﻬﺎ ﺟﺒﺎﻫﻬﻢ ﺟﻨﻮﺑﻬﻢ ﻇﻬﻮرﻫﻢ‪ .‬ﺟﻌﻞ ﻳﻄﻌﻦ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ! ﻷﻧﻪ أﻃﻠﻖ‬
‫ﻳﺪ ﰲ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني‪ ،‬اﺳﺘﻌﻤﻞ اﻷﺣﺪاث‪ ،‬ﱃ أﺑﻨﺎء اﻟﻄﻠﻘﺎء‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺿﺎ ﺑﻪ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻟﺮ اة ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻴﻘﻮ ﺑﻌﻀﻬﻢ‪ :‬إ ﻋﺜﻤﺎ أﻣﺮ أ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﻓﻴﻘﻴﻢ ﺣﻴﺚ ﺷﺎء‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻨﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺎب إﱃ اﻟﺸﺎ أ إﱃ أﺣﺪ املﴫﻳﻦ ﰲ اﻟﻌﺮا أ‬
‫إﱃ ﻣﻜﺔ‪ .‬ﻓﺎﺧﺘﺎر أﺑﻮ ذر أ ﻳﺬﻫﺐ إﱃ اﻟ ﱠﺮﺑﺬة‪ ،‬ﻓﺄذ ﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﺬﻫﺐ إﻟﻴﻬﺎ أﻗﺎ ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﺣﺘﻰ ﻣﺎت‪ .‬ﻳﻘﻮ آﺧﺮ ‪ :‬إ أﺑﺎ ذر ﻟﻢ ﻳﺨﱰ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺳري ﻋﺜﻤﺎ إﱃ اﻟﺮﺑﺬة ﻣﻨﻔﻴٍّﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺎ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﺎت ﻏﺮﻳﺒﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻋﺠﺰت اﻣﺮأﺗﻪ ﻋﻦ دﻓﻨﻪ‪ .‬ﻓﺪﻓﻨﻪ ﻗﻮ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻌﺮا أﻗﺒﻠﻮا‬
‫ﺣﺎﺟني أ ﻣﻌﺘﻤﺮﻳﻦ‪ .‬ﺑﻠﻎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻮﺗﻪ ﻓﺎﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻪ‪ ،‬ﺿﻢ أﻫﻠﻪ إﱃ ﻋﻴﺎﻟﻪ‪ .‬أﻇﻬﺮ ﻋﻤﺎر‬
‫ﺑﻦ ﻳﺎﴎ رﻗﺔ ﻷﺑﻲ ذ ﱟر ﻋﻄﻔﺎ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻈﻦ ﻋﺜﻤﺎ أﻧﻪ إﻧﻤﺎ ﻳﻠﻮﻣﻪ ﻋﲆ ﻧﻔﻴﻪ أﺑﺎ ذر‪ ،‬ﻓﻐﻀﺐ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ أﻣﺮ أ ﻳﺬﻫﺐ ﻫﻮ أﻳﻀﺎ إﱃ اﻟﺮﺑﺬة ﻣﻨﻔﻴٍّﺎ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻬﻴﺄ ﻋﻤﺎر ﻟﻠﺨﺮ ج ﻏﻀﺒﺖ ﺑﻨﻮ‬
‫ﻣﺨﺰ ﻛﺎ ﻋﻤﺎر ﻟﻬﻢ ﺣﻠﻴﻔﺎ‪ ،‬ﻏﻀﺐ ﻋﲇ ﱞ أﻗﺒﻞ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻼﻣﻪ ﰲ ﻧﻔﻲ أﺑﻲ ذر‪،‬‬
‫ﻳﻜﻒ ﻋﻦ ﻋﻤﺎر‪ .‬ﺗﻼﺣﻰ اﻟﺮﺟﻼ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻌﲇﱟ‪ :‬ﻣﺎ أﻧﺖ ﺑﺄﻓﻀﻞ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻪ أ‬
‫ﻣﻦ ﻋﻤﺎر‪ ،‬ﻣﺎ أﻧﺖ أﻗﻞ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎ ﻟﻠﻨﻔﻲ ﻣﻨﻪ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﲇ ﱞ ﻣﺘﺤﺪﻳﺎ‪ :‬ر ذﻟﻚ إ ﺷﺌﺖ‪ .‬ﻗﺎ‬
‫املﻬﺎﺟﺮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻼﻣﻮ ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻛﻠﻤﺎ ﻏﻀﺒﺖ ﻋﲆ رﺟﻞ ﻧﻔﻴﺘﻪ؛ ﻓﺈ ﻫﺬا أﻣﺮ ﻻ ﻳﺴﻮغ‪.‬‬
‫ﻓﻜﻒ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻦ ﻋﻤﺎر ﻋﻦ ﻋﲇ ﱟ أﻳﻀﺎ‪.‬‬ ‫ﱠ‬

‫‪144‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﴩ‬

‫ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎرﺿﺔ أﺑﻲ ذ ﱟر ﻛﻤﺎ رأﻳﺖ ﺗﺘﺼﻞ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﳾء ﺑﺎﻟﻨﻈﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ .‬ﻛﺎ‬
‫ﻳﻜﺮ أ ﻳﻐﻨﻰ اﻟﻐﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻨﺰ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻔﻀﺔ‪ ،‬أ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﻔﻘري ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺠﺪ ﻣﺎ‬
‫ﻳﻨﻔﻖ‪ .‬ﺛﻢ ﻛﺎ ﻳﻜﺮ أ ﻳﻌﻄﻲ اﻹﻣﺎ ﻣﺎ املﺴﻠﻤني ﻟﻸﻏﻨﻴﺎء ﺑﻐري ﺣﻘﻪ‪ ،‬ﻓﻴﺰﻳﺪﻫﻢ ﻏﻨﻰ‬
‫ﻳﺰﻳﺪ اﻟﻔﻘﺮاء ﻓﻘﺮا‪ ،‬ﻳﺆﺛﺮ املﺎ ﻗﻮﻣﺎ ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﺑﻬﻢ إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻳﴫ ﻫﺬا املﺎ ﻋﻦ املﺼﺎﻟﺢ‬
‫اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ .‬ﺛﻢ ﻛﺎ ﻻ ﻳﺮ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺤﻖ ﰲ أ ﻳﻜﻔﻪ ﻋﻦ اﻟﻨﻘﺪ أ ﻳﻌﺎﻗﺒﻪ ﻋﲆ املﻌﺎرﺿﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻳﺮ أ رﺿﺎ ﷲ ﺑﺈﺳﺨﺎط اﻟﺴﻠﻄﺎ أﺣﺐﱡ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ رﺿﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎ ﺑﺈﺳﺨﺎط ﷲ‪ .‬ﺛﻢ‬
‫ﺗﻌﻘﺪت ﻣﻌﺎرﺿﺘﻪ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﻠﻮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻮﻻة ﰲ إﻧﻔﺎﻗﻬﻢ أﻣﻮا‬
‫املﺴﻠﻤني ﰲ ﻏري ﺟﻬﻬﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﰲ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ اﻟﻌﺰ إﻳﺜﺎر‬
‫اﻷﺣﺪاث أﺑﻨﺎء اﻟﻄﻠﻘﺎء‪ .‬ﻫﻮ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻫﺬ املﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺛﺎﺋﺮا ﻻ ﻧﺎزﻋﺎ ﻳﺪا ﻣﻦ ﻃﺎﻋﺔ‪،‬‬
‫ﻻ ﻣﻤﺘﻨﻌﺎ ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ إ ﻋﺎﻗﺒﻪ أ أراد ﺑﻪ املﻜﺮ ‪ .‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎرﺿﺘﻪ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﺗﻜﺘﻔﻲ‬
‫ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ اﻟﻼذع اﻟﻨﺼﺢ اﻟﻌﻨﻴﻒ‪ .‬ﻫﻮ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ذﻫﺐ إﱃ اﻟﺸﺎ ﺣني أﻣﺮ أ ﻳﺬﻫﺐ إﱃ‬
‫اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﺳﺎر إﱃ اﻟﺮﺑﺬة ﺣني أﻣﺮ أ ﻳﺴري إﱃ اﻟﺮﺑﺬة‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬أﻣﺮت أ أﻃﻴﻊ إ أﻣﱢ ﺮ ﻋﲇ ﱠ‬
‫ﻋﺒﺪ ﻣﺠﺪﱠع‪ .‬ﻗﺎ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻃﻠﺒﻮا إﻟﻴﻪ أ ﻳﻘﻮدﻫﻢ إﱃ املﻘﺎ ﻣﺔ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ‪ :‬ﻟﻮ ﺻﻠﺒﻨﻰ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻋﲆ ﻃﻮ ﺟﺬع ﻣﻦ ﺟﺬ ع اﻟﻨﺨﻞ ملﺎ ﻋﺼﻴﺖ‪.‬‬
‫ﻛﺎ إذ ﻳﺮ أ ﻣﻦ ﺣﻘﻪ أ ﻳﻌﺎرض ﻣﺎ ﺳﻌﺘﻪ املﻌﺎرﺿﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﰲ ﺣﺪ د اﻟﻄﺎﻋﺔ‬
‫ﺗﺠﻨﺐ اﻟﺨﺮ ج ﻋﲆ اﻹﻣﺎ ‪.‬‬

‫‪145‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﳊﺎدي واﻟﻌﴩون‬

‫ﻳﻤﻨﻲ ﺣﻠﻴﻒ ﻟﺒﻨﻲ ﻣﺨﺰ ‪،‬‬‫ﱞ‬ ‫ﻛﺎ ﻋﻤﺎر ﺑﻦ ﻳﺎﴎ ﻣﻦ املﺴﺘﻀﻌﻔني ﰲ ﻣﻜﺔ‪ .‬أﺑﻮ ﻳﺎﴎ‬
‫أﻣﻪ ﺳﻤﻴﺔ أﻣﺔ ﻣﻦ إﻣﺎﺋﻬﻢ‪ .‬ﻗﺪ دﺧﻞ ﻋﻤﺎر ﻣﻊ ﺻﻬﻴﺐ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﺄﺳﻠﻢ ﺑﻌﺪ ﻧﻴﻒ‬
‫ﺛﻼﺛني رﺟﻼ‪ ،‬ﺛﻢ أﺳﻠﻢ أﺑﻮا ‪ ،‬ﻓﺄ ﻟﻌﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﺑﺘﻌﺬﻳﺒﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬ﻋﺬﱢب ﻋﻤﺎر ﺑﺎﻟﻘﻴﻆ ﰲ‬
‫رﻣﻀﺎء ﻣﻜﺔ ﺣ ﱢﺮ ﺑﺎﻟﻨﺎر‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﺗﻌﺬﱢﺑﻪ ﻻ ﺗﻌﻔﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺬاب ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺬﻛﺮ آﻟﻬﺘﻬﺎ ﺑﺨري‪ .‬ﺷﻜﺎ ذﻟﻚ إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻘﺎ ﻟﻪ‪» :‬ﻓﺈ ﻋﺎد ا ﻓﻌﺪ‪ «.‬أﻧﺰ ﷲ ﰲ‬
‫ﻋﻤﺎر ﻏري آﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآ ‪ .‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺮ ﱡ ﻟﻪ ﻷﺑﻮﻳﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻤﺮ ﺑﻬﻢ ﻫﻢ ﻳﻌﺬﱠﺑﻮ ﻓريﺣﻤﻬﻢ‬
‫ﻳﺴﺘﻐﻔﺮ ﻟﻬﻢ ﻳﺒﴩﻫﻢ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻗﺎ ﻳﻮﻣﺎ‪» :‬اﻟﻠﻬﻢ اﻏﻔﺮ ﻵ ﻳﺎﴎ ﻗﺪ ﻓﻌﻠﺖ‪«.‬‬
‫ﻫﺎﺟﺮ ﻋﻤﺎر إﱃ أرض اﻟﺤﺒﺸﺔ ﺛﻢ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬ﻛﺎ أ ﻣﺎ اﺗﺨﺬ ﰲ ﺑﻴﺘﻪ ﺑﻤﻜﺔ ﻣﺴﺠﺪا‬
‫ﻳﺼﲇ ﻓﻴﻪ‪ .‬ﺷﺎر ﰲ ﺑﻨﺎء ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺣﺴﻨﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﻳﺤﻤﻞ ﻛﻞ اﺣﺪ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﻟﺒﻨﺔ ﻟﺒﻨﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﻫﻮ ﻳﺤﻤﻞ ﻟﺒﻨﺘني ﻟﺒﻨﺘني‪ .‬ﻛﺎ ﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ﻳﺘﻐﻨﻰ‪» :‬ﻧﺤﻦ املﺴﻠﻤﻮ‬
‫ﻧﺒﺘﻨﻲ املﺴﺎﺟﺪا«‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺮﺟﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺾ ﻏﻨﺎﺋﻪ ﻓﻴﻘﻮ ‪» :‬املﺴﺎﺟﺪا‪ «.‬ﺷﺎر ﻛﺬﻟﻚ‬
‫ﰲ ﺣﻔﺮ اﻟﺨﻨﺪ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺣﺴﻨﺔ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻤﺴﺢ اﻟﱰاب ﻋﻨﻪ‪ .‬ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا أﺣﺪا‬
‫املﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ‪ .‬ﻗﺎﺗﻞ ﻳﻮ اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ أر ع ﻗﺘﺎ ‪ .‬رآ ﺑﻌﺾ املﺴﻠﻤني ﻋﲆ ﺻﺨﺮة‬
‫ذﻟﻚ اﻟﻴﻮ ﻫﻮ ﻳﺼﻴﺢ‪ :‬أﻳﻬﺎ املﺴﻠﻤﻮ ‪ ،‬أﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ ﺗﻔﺮ ! ﱠﻻ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب أﻣريا‬
‫ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬ﺟﻌﻞ ﻣﻌﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻋﲆ ﺑﻴﺖ املﺎ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺑﻦ اﻟﻴﻤﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﻮاد‪،‬‬
‫رزﻗﻬﻢ ﺷﺎة ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮ ﻟﻌﻤﺎر ﻧﺼﻔﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺣﺬﻳﻔﺔ رﺑﻌﻬﺎ‪ .‬ملﺎ ﻋﺰﻟﻪ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻋﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺳﺄﻟﻪ‪ :‬أﺳﺎء ﻋﺰﻟﻨﺎ إﻳﺎ ؟ ﻓﻘﺎ ‪ :‬أﻣﺎ إذ ﻗﻠﺖ ذا ﻓﻘﺪ ﺳﺎءﻧﻲ ﺣني اﺳﺘﻌﻤﻠﺘﻨﻲ‪،‬‬
‫ﺳﺎءﻧﻲ ﺣني ﻋﺰﻟﺘﻨﻲ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺑﺎﻳﻊ ﻋﻤﺎر ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻊ ﻏري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻷﺣﺪاث ﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﺗﺤﺪث ﺣﺘﻰ‬
‫ﻇﻬﺮت ﻣﻌﺎرﺿﺘﻪ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﺣﺎدة‪ ،‬ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻠﻬﺞ ﺑﻪ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺗﺤﺪﱠث اﻟﻨﺎس‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ذات ﻳﻮ ﺑﺄ ﻋﺜﻤﺎ أﺧﺬ ﻣﻦ ﺟﻮﻫﺮ ﻛﺎ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻓﺤﲆ ﺑﻪ ﺑﻌﺾ أﻫﻠﻪ‪ ،‬ﻓﻐﻀﺐ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻟﺬﻟﻚ ﻻﻣﻮا ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ أﻏﻀﺒﻮ ‪ ،‬ﻓﺨﻄﺐ ﻓﻘﺎ ‪» :‬ﻟﻨﺄﺧﺬ ﱠ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻲء‬
‫إ رﻏﻤﺖ أﻧﻮ أﻗﻮا ‪ «.‬ﻓﻘﺎ ﻟﻪ ﻋﲇﱞ‪ :‬إذ ﺗﻤﻨﻊ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﺤﺎ ﺑﻴﻨﻚ ﺑﻴﻨﻪ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﻤﺎر‬
‫ﺑﻦ ﻳﺎﴎ‪ :‬أﺷﻬﺪ ﷲ أ أﻧﻔﻲ أ راﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬أﻋﲇ ﻳﺎﺑﻦ املﺘﻜﺎء ﺗﺠﱰئ!‬
‫ﺧﺬ ‪ .‬ﻓﺄﺧﺬ‪ ،‬دﺧﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺪﻋﺎ ﺑﻪ ﻓﴬﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﻏﴚ ﻋﻠﻴﻪ‪ 1 .‬ﺛﻢ أﺧﺮج ﻣﺤﻤﻮﻻ ﺣﺘﻰ‬
‫أﺗﻲ ﺑﻪ ﻣﻨﺰ أ ﺳﻠﻤﺔ ز ج اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻇﻞ ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻨﻬﺎر ﻓﻔﺎﺗﺘﻪ اﻟﻈﻬﺮ اﻟﻌﴫ‬
‫املﻐﺮب‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ أﻓﺎ ﺗﻮﺿﺄ ﺻﲆ‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬اﻟﺤﻤﺪ هلل! ﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬ أ ﻣﺮة أ ذﻳﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﰲ ﷲ‪.‬‬
‫ﻳﻘﺎ ‪ :‬إ أ ﺳﻠﻤﺔ أ ﻋﺎﺋﺸﺔ أﺧﺮﺟﺖ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﺛﻮﺑﺎ ﻣﻦ ﺛﻴﺎﺑﻪ ﻧﻌﻼ ﻣﻦ‬
‫ﻧﻌﺎﻟﻪ‪ ،‬ﻗﺎﻟﺖ‪ :‬ﻫﺬا ﺷﻌﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﺛﻮﺑﻪ ﻧﻌﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻞ أﻧﺘﻢ ﺗﻌﻄﻠﻮ ﺳﻨﺘﻪ‪ .‬ﺿﺞﱠ اﻟﻨﺎس‪،‬‬
‫ﺧﺮج ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻦ ﻃﻮر ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺪر ﻣﺎ ﻳﻘﻮ ‪.‬‬
‫اﺷﱰ ﻋﻤﺎر ﻣﺮة أﺧﺮ ﻣﻊ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ﻛﺘﺎب ﻛﺘﺒﻮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻳﻠﻮﻣﻮﻧﻪ ﻳﻌﻈﻮﻧﻪ‪ ،‬أﻗﺒﻞ ﻋﻤﺎر ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب ﻓﺪﺧﻞ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺮأ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺪرا ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻓﺸﺘﻤﻪ‬
‫اﻟﺨﻒ ﺣﺘﻰ أﺻﺎﺑﻪ اﻟﻔﺘﻖ ﻛﺎ ﺷﻴﺨﺎ ﺿﻌﻴﻔﺎ‪.‬‬ ‫ﱢ‬ ‫ﻋﺜﻤﺎ ﴐﺑﻪ ﺑﺮﺟﻠﻴﻪ ﻫﻤﺎ ﰲ‬
‫ﻗﺪ ﻗﺪﱠﻣﻨﺎ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻒ ﻋﻤﺎر ﰲ ﺷﺄ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﰲ ﺷﺄ أﺑﻲ ذر‪ ،‬ﻣﺎ ﻗﻴﻞ‬
‫ﻛﻒ ﻋﻨﻪ‪ .‬ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﻤﺎر ﻣﻦ أﺷﺪ اﻟﻨﺎس‬ ‫ﻣﻦ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻫ ﱠﻢ ﺑﻨﻔﻴﻪ ﺛﻢ ﱠ‬
‫ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻌﺜﻤﺎ أﻛﺜﺮﻫﻢ ﺗﺸﻬريا ﺑﻪ ﻃﻌﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻳﺸﺎر ﰲ ذﻟﻚ املﻌﺘﺪﻟني ﻣﻦ أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻳﺸﺎر ﻓﻴﻪ اﻟﻐﻼة ﻣﻦ اﻟﻄﺎرﺋني ﻋﲆ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻟﻘﻲ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻟﻘﻲ ﻣﻦ اﻷذ ‪.‬‬
‫ﻫﺆﻻء ﻫﻢ زﻋﻤﺎء املﻌﺎرﺿﺔ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻛﻠﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺮ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ أﻋﻼ‬
‫املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ اﻷﻧﺼﺎر ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺘﺼﺪر املﻌﺎرﺿﺔ ﻷﻧﻬﻢ أﺑﻌﺪ ا ﻋﻦ اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﻢ‬
‫ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸﺎرﻛﻮ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺎر اﻟﺠﻤﺎﻫري‪ .‬ﻗﺪ ﻳﻘﻮ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﻠﻤﺔ ﻫﻨﺎ ﻫﻨﺎ ‪،‬‬
‫ﻛﺎﻟﺬ ر ﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ زﻳﺎد اﻟﺒﻴﺎﴈ ﰲ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜﺮة اﻷﻧﺼﺎر ﻣﻨﺤﺮﻓﺔ‬
‫ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻮاﻟﻴﻪ ﻣﻨﻬﻢ إﻻ ﻧﻔﺮ ﻗﻠﻴﻞ‪ ،‬ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ ﻛﻌﺐ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ‬
‫ﺣﺴﺎ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ‪ .‬ﻛﺎ ﻛﺒﺎر اﻷﻧﺼﺎر رﺑﻤﺎ ﺗﻮﺳﻄﻮا ﺑني ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻌﺎرﺿﻴﻪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺳﱰ‬
‫ﻣﻦ ﺗﻮﺳﻂ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﺑني ﻋﺜﻤﺎ املﴫﻳني‪ .‬ﻗﺪ ﻧﺸﺄت ﰲ املﺪﻳﻨﺔ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺧﻔﻴﺔ ﺗﺠﺮ ﺑﻬﺎ اﻷﻟﺴﻨﺔ ﻻ ﻳﻌﺮ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻟﺬ ﻛﺎ ﺣني ﺳﻊ‬

‫ﻟﻠﺒﻼذر ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪ ،٤٨‬ﻃﺒﻊ اﻟﻘﺪس‪.‬‬ ‫‪ 1‬أﻧﺴﺎب اﻷﴍا‬

‫‪148‬‬
 ‫اﻟﻌﴩ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎد‬

‫ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﻘﺎ اﻟﻨﺎس‪ :‬ﻳﻮﺳﻊ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﱰ ﺳﻨﺘﻪ‪ .‬ﻛﺎﻟﺬ ﻛﺎ ﺣني‬
‫ﻛﺜﺮ اﻟﺤﻤﺎ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ أﻗﺒﻞ اﻟﺸﺒﺎب ﻋﲆ اﻟﺮﻣﻲ‪ ،‬ﻓﺘﻘ ﱠﺪ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ اﻟﻨﺎس ﰲ ذﺑﺢ اﻟﺤﻤﺎ‬
‫ﱃ رﺟﻼ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺮﻣﻲ ﺑﺎﻟﺒﻨﺪ ‪ .‬ﻓﻘﺎ اﻟﻨﺎس‪ :‬ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺬﺑﺢ اﻟﺤﻤﺎ ﻳﺌﻮ ﻃﺮﻳﺪ رﺳﻮ‬
‫ﷲ! ﻳﺸري إﱃ إﻳﻮاء ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻌﺎص ﺑﻨﻴﻪ‪.‬‬
‫أﻇﻦ أﻧﻲ ﻗﺪ ﺻﻮرت ﻟﻚ ﺗﺼﻮﻳﺮا ﻣﻘﺎرﺑﺎ ﺣﺎ اﻟﻨﺎس ﺣني ﺣﺪﺛﺖ اﻷﺣﺪاث أﻳﺎ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺣﺎ املﻌﺎرﺿﺔ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬أﺻﺒﺢ ﻣﻦ اﻟﻴﺴري اﻵ أ ﻧﺴﺘﻘﺒﻞ ﻫﺬ‬
‫اﻷﺣﺪاث ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻨﻌﺮﺿﻬﺎ ﻧﻌﺮض رأ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻧﻘﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺮأﻳﻨﺎ ﻧﺤﻦ‪،‬‬
‫ﻻ ﻧﺘﻮﺧﻰ إﻻ اﻟﺤﻖ اﻟﻘﺼﺪ اﻟﺼﻮاب ﻣﺎ ﺟﺪﻧﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼ‪.‬‬

‫‪149‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﲏ واﻟﻌﴩون‬

‫ﻧﺤﺐ أ ﻧﻼﺣﻆ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﳾء أ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﺑﻮا ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻘﺪ ا ﺳريﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻟﻢ‬
‫ﻳﻌﺮﺿﻮا ﰲ ﻋﻴﺒﻬﻢ ﻧﻘﺪﻫﻢ ﻟﺴﻴﺎﺳﺘﻪ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﺟﺮت ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻋﲆ‬
‫اﻟﻨﻬﺞ اﻟﺬ ﺟﺮت ﻋﻠﻴﻪ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ‪ ،‬اﻟﺬ أﺧﺬ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻪ ﻗﻮﱠاد ﺣني اﺳﺘﺨﻠﻒ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب‬
‫اﻟﺬ ر ﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ‪ .‬اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺘﺒﻌﻮ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﺘﺢ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻼﺣﻈﻮ أ ﻋﻤﺎﻟﻪ‬
‫ﻗﻮاد ﻗﺪ أﺑﻠﻮا ﰲ ذﻟﻚ أﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء‪ ،‬أﻏﻨﻮا ﻓﻴﻪ أﺟﻤﻞ اﻟﻐﻨﺎء‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻮر‬
‫اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﺖ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ ﺗﻨﺘﻘﺾ أ ﺗﺤﺎ اﻻﻧﺘﻘﺎض‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻠﺒﺚ اﻟﻌﻤﺎ اﻟﻘﻮاد أ‬
‫ﻳﺮ ﱡد ﻫﺎ إﱃ اﻟﻄﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮب ﻏﺎﻟﺒﺎ‪ ،‬ﺑﺈﻇﻬﺎر اﻟﻘﻮة اﻟﺒﺄس أﺣﻴﺎﻧﺎ‪.‬‬
‫ﻣﺎت ﻋﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ اﻓﺘﺘﺎح ﺑﻼد اﻟﻔﺮس ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﻣﺎت ﻋﻤﺮ ﻣﺎ زا ﻛﴪ ﻳﺰدﺟﺮد‬
‫ﺣﻴٍّﺎ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﺑﺎﻟﻬﺰﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﻛﻮرة إﱃ ﻛﻮرة ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻳﺠﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻪ ﻫﻨﺎ‬
‫ﻳﺘﻔﺮﻗﻮ ﻋﻨﻪ ﻫﻨﺎ ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻗﺎﺋﻢ ﻳﻌﺘﺰ ﺑﻤﺎ رث ﻣﻦ ﺣﻘﻪ ﰲ املﻠﻚ اﻟﺴﻠﻄﺎ ‪،‬‬
‫ﺑﻤﺎ ﻟﻪ ﰲ أﻋﻨﺎ املﻐﻠﻮﺑني املﻘﺎ ﻣني اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ اﻟﺤﺮب إﱃ أﻗﻄﺎرﻫﻢ ﺑﻌﺪ ﻣﻦ‬
‫ﺟﻮب اﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﻪ اﻻﻋﱰا ﺑﺤﻘﻪ‪ .‬ﻓﻤﺎ زا ﻋﻤﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﻮاد ﰲ اﻟﺜﻐﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﲇ‬
‫اﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﺒﴫة ﻳﻮﻏﻠﻮ ﰲ اﻷرض‪ ،‬ﻳﻤﻀﻮ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻳﺘﺘﺒﻌﻮ أﻧﺼﺎر ﻳﻔﺮﻗﻮﻧﻬﻢ‬
‫ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻳﻘﺘﻄﻌﻮ املﺪ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎ ﻟﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻠﻄﺎ ﻓﻌﲇ أ ﻫﻤﻲ‪ ،‬ﺣﺘﻰ أﻟﺠﺌﻮ‬
‫إﱃ أ ﻳﻤﴤ ﻫﺎرﺑﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻧﺼري ﻻ ﻋﻮ ‪ ،‬اﻧﺘﻬﻰ أﻣﺮ إﱃ ا ﻗﺘﻞ‪ .‬اﻧﻘﺮﺿﺖ ﺑﺬﻟﻚ‬
‫د ﻟﺔ اﻷﻛﺎﴎة ﰲ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﺛﻢ ﻣﴣ ﻗﻮاد ﻋﻤﺎﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻮا أرض اﻟﱰ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺧﻄﻮب‪ .‬ﰲ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺘﺤﺖ إرﻣﻴﻨﻴﺔ‪ ،‬ﰲ أﻳﺎﻣﻪ ﻛﺬﻟﻚ اﻣﺘ ﱠﺪ ﺳﻠﻄﺎ‬
‫اﻟﺪ ﻟﺔ ﰲ املﻐﺮب‪ ،‬ﻓﻔﺘﺤﺖ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻐﺎرة ﻋﲆ اﻷﻧﺪﻟﺲ‪ .‬ﰲ أﻳﺎﻣﻪ أﻗﺪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‬
‫ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻋﲆ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﻳﻘﺪ ﻋﻠﻴﻪ ا أ ﻋﺎﻣﻞ‬
‫ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﺤﺮ ﺣﺘﻰ أﺧﺬت ﻣﻨﻬﻢ ﻗﱪس‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ أﺳﻄﻮ‬ ‫ﰲ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻐﺰ ا اﻟﺮ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫املﺴﻠﻤني ﻣﻀﻴﻖ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺣﺘﻰ اﻧﺘﴫ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ اﻧﺘﺼﺎرا ﺣﺎﺳﻤﺎ ﻋﲆ‬
‫أﺳﻄﻮ اﻟﺮ ﰲ اﻗﻌﺔ ذات اﻟﺼﻮار ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ أﺗﻴﺢ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ أﺗﻴﺢ ﻟﻌﻤﺮ‪ ،‬أﺗﻴﺢ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺳﻊ ﰲ‬
‫اﻟﻔﺘﺢ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﲆ د ﻟﺔ اﻷﻛﺎﴎة إذﻻ اﻟﺮ ﰲ اﻟﱪ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﻌﻤﺮ‪ .‬ﻟﻜﻦ‬
‫ﻫﺬا ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺎ ﻣﺼﺪرا ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺨﻼ ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ اﻟﻔﺘﺢ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻣﻦ‬
‫اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ اﻟﻔﻲء ﺷﻴﺌﺎ ﻛﺜريا‪ ،‬ﻛﺎ ﺗﴫ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﻫﺬا اﻟﻔﻲء رﺑﻤﺎ‬
‫أﺣﻔﻆ اﻟﺠﻨﺪ‪ ،‬ﻛﺎﻟﺬ ﻛﺎ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﻣﺮ ا ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ﻓﺘﺢ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ‪،‬‬
‫رﺑﻤﺎ أﺣﻔﻆ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻛﺎﻟﺬ ﻛﺎ ﻣﻦ ﺗﴫ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻛﺎ ﰲ ﺑﻴﺖ‬
‫املﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻮﻫﺮ اﻟﺤﲇ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻻﻣﻪ املﺴﻠﻤﻮ أﻏﻀﺒﻮ ‪ ،‬ﻓﺨﻄﺐ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻬﺖ‬
‫ﺑﴬب ﻋﻤﺎر ﺑﻦ ﻳﺎﴎ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﴚء اﻟﺬ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺷﻚ ﻫﻮ أ ﺳﻠﻄﺎ اﻟﺪ ﻟﺔ ﻟﻢ ﻳﻀﻌﻒ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ازداد ﻗﻮة إﱃ ﻗﻮة ﺑﺄﺳﺎ إﱃ ﺑﺄس أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﻳﺠﺐ أ ﻧﻼﺣﻆ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أ اﻟﻨﺎس ﻗﻔﻮا ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻧﺼﻴﺐ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮاﻗﻒ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ أﺷﺪ اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ‪ :‬ﻓﻘﻮ أراﺣﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺟﻤﻠﺔ‪ ،‬ﻗﺎﻟﻮا إ‬
‫أﻛﺜﺮ ﻫﺬ اﻷﺣﺪاث ﻣﻜﺬ ب ﻣﺼﻨﻮع ﻟﻢ ﻳﺼﺢ ﻗﻮﻋﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﻜﻠﻔﻪ املﺘﻜﻠﻔﻮ ‪ ،‬أراد ﺑﻌﻀﻬﻢ‬
‫ﺑﻪ اﻟﻜﻴﺪ ﻟﻺﺳﻼ ‪ ،‬دﻓﻊ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﻟﻴﻪ ﺑﻤﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ﺑني اﻷﺣﺰاب‪ .‬ﻫﻢ‬
‫ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻳﺮﻓﻀﻮ أﻛﺜﺮ اﻷﺣﺪاث‪ ،‬ﻳﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﺒﻠﻮ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ أﻣﻮر ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺬات‬
‫ﺧﻄﺮ‪ ،‬ذﻫﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻹﻣﺎ ﻣﺬﻫﺐ اﻻﺟﺘﻬﺎد‪ ،‬ﻓﺈ أﺻﺎب ﻓﻠﻪ أﺟﺮا ‪ ،‬إ أﺧﻄﺄ ﻓﻠﻪ أﺟﺮ‬
‫اﺣﺪ‪ ،‬ﻫﻮ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎ ﻟﻢ ﻳﺮد إﻻ اﻟﺨري‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﺮﻳﺪ إﻻ اﻟﺨري‪ .‬ﻫﻢ‬
‫ﻳﺮ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺮأ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﺒﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺮ اﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﺑﺒﻌﺾ ﻣﺎ ﻛﺎ ﺑني ﻋﺜﻤﺎ‬
‫أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ‪ .‬أﻛﺜﺮ ﻫﺬ اﻟﺮ اﻳﺎت ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻜﺬ ب ﻣﺼﻨﻮع‪ ،‬ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﻳﻘﺒﻞ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻣﴣ ﻣﻦ اﻟﺘﺄ ‪ ،‬أ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻻﺟﺘﻬﺎد؛ ﻣﻦ اﺟﺘﻬﺪ ﻓﺄﺻﺎب ﻓﻠﻪ‬
‫أﺟﺮا ‪ ،‬ﻣﻦ اﺟﺘﻬﺪ ﻓﺄﺧﻄﺄ ﻓﻠﻪ أﺟﺮ اﺣﺪ‪.‬‬
‫أﻛﺜﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺬﻫﺒﻮ ﻫﺬا املﺬﻫﺐ إﻧﻤﺎ ﻳﺪﻓﻌﻮ إﻟﻴﻪ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻘﺪﺳﻮ ذﻟﻚ اﻟﻌﴫ‬
‫ﻣﻦ ﻋﺼﻮر اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻳﻜﺮﻫﻮ أ ﻳﺤﻤﻠﻮا ﻋﲆ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻋﺎدة ﻋﲆ اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻮ أﻣﻮر اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻤﺎ ﰲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻣﻦ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﺴﺔ اﻻﺻﻄﺮاع ﺣﻮ أﻋﺮاض‬
‫أﻏﺮاض ﻻ ﺗﻼﺋﻢ ﻗﻮﻣﺎ ﺻﺤﺒﻮا رﺳﻮ ﷲ‪ ،‬أﺑﻠﻮا ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ أﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء‪ ،‬أﺳﺴﻮا‬
‫اﻟﺪ ﻟﺔ ﺑﻤﺎ أﻧﻔﻘﻮا ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ دﻣﺎﺋﻬﻢ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﺟﻬﻮدﻫﻢ‪ .‬ﻓﻬﻢ ﻳﺨﻄﺌﻮ ﻳﺼﻴﺒﻮ ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﺠﺘﻬﺪ داﺋﻤﺎ‪ ،‬ﻳﴪﻋﻮ إﱃ اﻟﺨري داﺋﻤﺎ‪ .‬ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﺘﻮرﻃﻮا ﰲ اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﻻ‬

‫‪152‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻌﴩ‬

‫أ ﻳﺤﺪﺛﻮا إﻻ ﻫﺬ اﻟﺼﻐﺎﺋﺮ اﻟﺘﻲ ﻳﻐﻔﺮﻫﺎ ﷲ ﻟﻠﻤﺤﺴﻨني ﻣﻦ ﻋﺒﺎد ‪ .‬ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮ‬

‫ﻫﺬا اﻟﺮأ ﻳﺬﻫﺒﻮ ﻫﺬا املﺬﻫﺐ ﻳﺪﻓﻌﻮ إﱃ ذﻟﻚ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻜﺴﻞ اﻟﻌﻘﲇ اﻟﺬ ﻳﻤﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺪرس اﻻﺳﺘﻘﺼﺎء‪.‬‬
‫ﻗﻮ آﺧﺮ ﻳﺮﻳﺤﻮ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻧﻮﻋﺎ آﺧﺮ ﻣﻦ اﻹراﺣﺔ‪ ،‬ﻓﻴﺴﺘﺒﻌﺪ أ ﺗﻘﻊ ﻫﺬ‬
‫اﻷﺣﺪاث اﻟﻔﺘﻦ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻳﺮ أﻧﻬﺎ ﻣﺆاﻣﺮات دﺑﱠﺮﻫﺎ اﻟﻜﺎﺋﺪ ﻟﻺﺳﻼ ‪ ،‬ﻛﻌﺒﺪ‬
‫ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ ﻣﻦ ﱠ‬
‫ﻟﻒ ﻟﻔﻪ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻏري أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب‪.‬‬
‫اﺿﺢ ﺟﺪٍّا أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻧﺬﻫﺐ ﻫﺬا املﺬﻫﺐ أ ذا ؛ ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺤﺐ اﻟﻜﺴﻞ ﻻ‬
‫ﻧﻄﻤﱧ إﱃ اﻟﺮاﺣﺔ‪ ،‬ﻻ ﻧﻐﻠﻮ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﻨﺎس إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ اﻟﺒﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻻ ﻧﺮ ﰲ أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺮ ﰲ أﻧﻔﺴﻬﻢ؛ ﻓﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ أﻧﻬﻢ ﺑﴩ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮ ملﺎ ﻳﺘﻌﺮض‬
‫ﻟﻪ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻵﺛﺎ ‪ .‬ﻫﻢ ﺗﻘﺎذﻓﻮا اﻟﺘﻬﻢ اﻟﺨﻄرية‪ ،‬ﻛﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﺮﻳﻖ ﺗﺮاﻣﻮا‬
‫ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ اﻟﻔﺴﻮ ؛ ﻓﻘﺪ ر أ ﻋﻤﺎر ﺑﻦ ﻳﺎﴎ ﻛﺎ ﻳﻜﻔﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤ ﱡﻞ دﻣﻪ ﻳﺴﻤﻴﻪ‬
‫ﻧﻌﺜﻼ‪ .‬ر أ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻛﺎ ﻳﺴﺘﺤ ﱡﻞ د ﻋﺜﻤﺎ أﻳﺎ ﻛﺎ ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬ﻫﻮ ﻛﺎ‬
‫ﻳﺨﻄﺐ اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻘﻮ ‪» :‬إ ﴍﱠ اﻷﻣﻮر ﻣﺤﺪﺛﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻛﻞ ﻣﺤﺪث ﺑﺪﻋﺔ‪ ،‬ﻛﻞ ﺑﺪﻋﺔ ﺿﻼﻟﺔ‪،‬‬
‫ﻛﻞ ﺿﻼﻟﺔ ﰲ اﻟﻨﺎر‪ «.‬ﻳﻌ ﱢﺮض ﰲ ذﻟﻚ ﺑﻌﺜﻤﺎ ﻋﺎﻣﻠﻪ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪.‬‬
‫ر أ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ﻗﺎ ﻟﻌﲇﱟ‪ :‬إ ﺷﺌﺖ أﺧﺬت ﺳﻴﻔﻚ آﺧﺬ ﺳﻴﻔﻲ؛‬
‫ﻓﺈﻧﻪ ﺧﺎﻟﻒ ﻣﺎ أﻋﻄﺎﻧﻲ‪ .‬ر ﻛﺬﻟﻚ أﻧﻪ ﻗﺎ ﻟﺒﻌﺾ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﰲ املﺮض اﻟﺬ ﻣﺎت ﻓﻴﻪ‪:‬‬
‫ﻋﺎﺟﻠﻮ ﻗﺒﻞ أ ﻳﻄﻐﻰ ﻣﻠﻜﻪ‪.‬‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎﴏ ا ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ أ ﺧﺼﻮﻣﻬﻢ ﻗﺪ ﺧﺮﺟﻮا ﻋﲆ‬
‫اﻟﺪﻳﻦ ﺧﺎﻟﻔﻮا ﻋﻦ أﻣﺮ ‪ ،‬ﻫﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻗﺪ اﺳﺘﺤﻠﻮا أ ﻳﻘﺎﺗﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ‪،‬‬
‫ﻗﺎﺗﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻳﻮ اﻟﺠﻤﻞ ﻳﻮ ﺻﻔني‪ ،‬إﻻ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻣﻦ ﺳﻌﺪ أﺻﺤﺎﺑﻪ‬
‫اﻟﻘﻠﻴﻠني اﻟﺬﻳﻦ اﻋﺘﺰﻟﻮا ﻓﻠﻢ ﻳﺸﺎرﻛﻮا ﰲ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻟﻢ ﻳﺪﻓﻌﻮا إﱃ اﻟﺤﺮب‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎ ﺳﻌﺪ‬
‫ﻳﺼﻮر رأﻳﻬﻢ أﺣﺴﻦ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﺣني ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ‪ :‬ﻻ أﻗﺎﺗﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﺄﺗﻮﻧﻲ ﺑﺴﻴﻒ ﻳﻘﻮ ‪ :‬ﻫﺬا‬
‫ﻣﺆﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﺎﻓﺮ‪ .‬إذا دﻓﻊ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ أﻧﻔﺴﻬﻢ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺨﻼ ﺗﺮاﻣﻮا ﺑﺎﻟﻜﺒﺎﺋﺮ‬
‫ﻗﺎﺗﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻜﻮ رأﻳﻨﺎ ﻓﻴﻬﻢ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ رأﻳﻬﻢ‬
‫ﻫﻢ ﰲ أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ،‬ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﺬﻫﺐ ﻣﺬﻫﺐ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺬﱢﺑﻮ أﻛﺜﺮ اﻷﺧﺒﺎر اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻠﺖ إﻟﻴﻨﺎ‬
‫ﻣﺎ ﻛﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ اﺧﺘﻼ ‪ .‬ﻓﻨﺤﻦ إ ﻓﻌﻠﻨﺎ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻧﺰد ﻋﲆ أ ﻧﻜﺬﱢب اﻟﺘﺎرﻳﺦ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﻠﻪ ﻣﻨﺬ ﺑﻌﺚ اﻟﻨﺒﻲ؛ ﻷ اﻟﺬﻳﻦ ر ا أﺧﺒﺎر ﻫﺬ اﻟﻔﺘﻦ ﻫﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ر ا‬
‫أﺧﺒﺎر اﻟﻔﺘﺢ أﺧﺒﺎر املﻐﺎز ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺨﻠﻔﺎء‪ .‬ﻓﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﺼﺪﱢﻗﻬﻢ ﺣني ﻳﺮ‬

‫‪153‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﺠﺒﻨﺎ‪ .‬ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﺼ ﱢﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺎرﻳﺦ‬ ‫ﻣﺎ ﻳﺮ ﻗﻨﺎ‪ ،‬أ ﻧﻜﺬﱢﺑﻬﻢ ﺣني ﻳﺮ‬
‫ﻧﻜﺬﱢب ﺑﻌﻀﻪ اﻵﺧﺮ‪ ،‬ﻻ ﻟﴚء إﻻ ﻷ ﺑﻌﻀﻪ ﻳﺮﺿﻴﻨﺎ ﺑﻌﻀﻪ ﻳﺆذﻳﻨﺎ‪ .‬ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻛﺬﻟﻚ أ‬
‫ﻧﺼﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺮ أ ﻧﻜﺬﱢب ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺮ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ اﻟﺮ اة أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻧﺎس ﻣﻦ اﻟﻨﺎس؛ ﻳﺠﻮز‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺼﻮاب‪ ،‬ﻳﺠﻮز ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺼﺪ اﻟﻜﺬب‪ .‬اﻟﻘﺪﻣﺎء أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻮا ذﻟﻚ‬
‫ﺗﻬﻴﺌﻮا ﻟﻪ ﺿﻌﻮا ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻌﺪﻳﻞ اﻟﺘﺠﺮﻳﺢ اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ اﻟﺘﻜﺬﻳﺐ‪ ،‬ﺗﺮﺟﻴﺢ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ‬
‫ﺗﺮﺟﻴﺤﻪ‪ ،‬إﺳﻘﺎط ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ إﺳﻘﺎﻃﻪ‪ ،‬اﻟﺸﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺠﺐ اﻟﺸﻚ ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻓﻠﻴﺲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺄس ﻣﻦ‬
‫أ ﻧﺴﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﻮﻫﺎ‪ ،‬أ ﻧﻀﻴﻒ إﱃ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻮﻫﺎ ﻣﺎ ﻋﺮ املﺤﺪﺛﻮ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻨﺼﻮص ﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ ﻓﻘﻬﻬﺎ‪.‬‬
‫اﻟﴚء اﻟﺬ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻠﺸﻚ ﻫﻮ أ املﺴﻠﻤني ﻗﺪ اﺧﺘﻠﻔﻮا ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬أ‬
‫ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼ ﻗﺪ اﻧﺘﻬﻰ إﱃ ﺛﻮرة ﻗﺘﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬أ ﻫﺬ اﻟﺜﻮرة ﻗﺪ ﻓ ﱠﺮﻗﺖ املﺴﻠﻤني‬
‫ﺗﻔﺮﻳﻘﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺘﻤﻌﻮا ﺑﻌﺪ إﱃ اﻵ ‪.‬‬
‫ﻓﻼ ﺑ ﱠﺪ ﻟﻬﺬا اﻻﺧﺘﻼ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب‪ ،‬ﻻ ﺑﺪ ﻟﻬﺬ اﻟﺜﻮرة ﻣﻦ ﻣﻘﺪﻣﺎت‪ .‬ﻓﻌﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﻞ‬
‫ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻢ ﻳﻘ ﱢﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﺿﺤﻴﺔ ﻟﻘﺎﺗﻠﻴﻪ‪ .‬اﻟﺬﻳﻦ اﺧﺘﻠﻔﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﺛﺎر ا ﺑﻪ ﻗﺘﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻠﻮا‬
‫ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻏري ﻋﻠﺔ أ ﺳﺒﺐ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎ أﻣﻮر أﻧﻜﺮ ﻫﺎ ﻣﺨﻄﺌني أ ﻣﺼﻴﺒني‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫دﻋﺎﻫﻢ إﻧﻜﺎرﻫﺎ إﱃ اﻻﺧﺘﻼ اﻟﺜﻮرة إﺣﺪاث ﻫﺬا اﻟﺤﺪث اﻟﺬ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻘﻮا إﻟﻴﻪ؛ ﻫﻮ ﻗﺘﻞ‬
‫اﻹﻣﺎ ﻋﻨﻮة اﻗﺘﺪارا‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻧﻼﺣﻆ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ذا أ إﻣﺎﻣﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻚ؛ ﻓﺎملﺴﻠﻤﻮ‬
‫ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻗﺪ ﺑﺎﻳﻌﻮ رﺿﻮا إﻣﺎﻣﺘﻪ ﺳﻤﻌﻮا ﻟﻪ أﻃﺎﻋﻮا‪ .‬ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻘﻞ اﻟﻘﺎﺋﻠﻮ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﺔ‬
‫اﺧﺘﻴﺎر املﺴﻠﻤني ﻟﺨﻠﻔﺎﺋﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺈ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺎ ﺻﺤﻴﺤﺎ ﻣﺠﻤﻌﺎ ﻋﻠﻴﻪ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﰲ‬
‫إﻣﺎﻣﺔ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ إﻻ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎدة ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﱃ ﺧﻼﻓﻪ أﺣﺪ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﰲ إﻣﺎﻣﺔ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ أﺣﺪ ﻣﺎ‪ .‬ﻗﺪ ﺑﻴﻨﺎ أ ﻣﺎ ﻳﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻜﺆ ﻋﲇ ﱟ ﰲ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻻ ﻳﻼﺋﻢ ﺳريﺗﻪ ﻻ ﺧﻠﻘﻪ ﻻ‬
‫ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺨني‪ ،‬ﻻ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺬ أﻋﻄﺎ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻻ ﺳريﺗﻪ ﻣﻊ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬
‫ﻗﺪﻣﻨﺎ أ ﻃﻠﺤﺔ ﻏﻀﺐ ﺟﻠﺲ ﰲ دار ؛ ﻷ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﺗﻤﺖ ﰲ ﻏﻴﺒﺘﻪ‪ ،‬ﻷ ﻣﺜﻠﻪ ﻻ ﻳﻔﺘﺎت‬
‫ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أ ﺑﺎﻳﻊ ﻛﻤﺎ ﺑﺎﻳﻊ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﺳﻤﻊ أﻃﺎع ﻛﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﻨﺎس‬
‫أﻃﺎﻋﻮا؛ ﻓﻜﺎﻧﺖ إﻣﺎﻣﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻣﺠﻤﻌﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺈﻣﺎﻣﺔ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ‪ .‬ﻓﻜﻞ‬
‫ﻣﺎ ﺻﺪر ﻋﻨﻪ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻧﻬﻲ ﻣﻦ ﻗﻮ ﻓﻌﻞ إﻧﻤﺎ ﺻﺪر ﻋﻦ إﻣﺎ ﺻﺤﱠ ﺖ ﺑﻴﻌﺘﻪ ﺟﺒﺖ‬
‫ﻃﺎﻋﺘﻪ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ ﻋﻘﺪ ﺑني اﻹﻣﺎ اﻟﺮﻋﻴﺔ؛ ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻠﺰ اﻹﻣﺎ ﺣﺪ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫ﺗﻠﺰ اﻟﻄﺮﻓني املﺘﻌﺎﻗﺪﻳﻦ‪ .‬اﻟﻌﻘﺪ اﻟﺬ ﻛﺎ ﺑني ﻋﺜﻤﺎ ﺑني املﺴﻠﻤني ﻫﻮ أ ﻳﻠﺰ ﻋﺜﻤﺎ‬

‫‪154‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻌﴩ‬

‫ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ ﻓﻌﻞ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬أ ﻳﺴﻤﻊ‬
‫املﺴﻠﻤﻮ ﻟﻪ ﻳﻄﻴﻌﻮا ﻣﺎ ﰱ ﺑﻌﻬﺪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻐري ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺴﻨﺔ ﺳرية اﻟﺸﻴﺨني‬
‫ﺷﻴﺌﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺎملﺴﺄﻟﺔ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﺪﻗﺔ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ‪ :‬أﺧﺎﻟﻒ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻦ ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ ﺳرية‬
‫اﻟﺸﻴﺨني؟ أ ﻟﺰ ذﻟﻚ ﻓﻠﻢ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﻋﻨﻪ ﰲ ﻗﻠﻴﻞ ﻻ ﰲ ﻛﺜري؟ ﻓﺈ ﺗﻜﻦ اﻷ ﱃ ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻟﻪ‬
‫ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﻃﺎﻋﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺧﺎﻟﻒ ﻓﻴﻪ ﻋﻬﺪ ‪ .‬إ ﺗﻜﻦ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني أ ﻳﻌﺼﻮا‬
‫أﻣﺮا ﻳﻘﺒﻠﻮا ﻋﲆ ﻣﺎ ﻧﻬﺎﻫﻢ ﻋﻨﻪ أ ﻳﻨﻜﺮ ا ﺳريﺗﻪ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺜﻮر ا ﺑﻪ‬
‫ﻳﺤﴫ ﻳﻘﺘﻠﻮ ‪.‬‬
‫ﻫﺬ ﻫﻲ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﺗﺼﻮﱠر أ ﺗﻌﺮض‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺗﺼﻮرﻫﺎ اﻟﻘﺪﻣﺎء‬
‫ﻋﺮﺿﻮﻫﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻨﻨﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﺗﺼﻮر اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻴﻒ ﻋﺮﺿﻮﻫﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﺗﻔﺼﻴﻼ‪.‬‬

‫‪155‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ واﻟﻌﴩون‬

‫ﻗﺪ ﻧﻈﺮ اﻟﻘﺪﻣﺎء إﱃ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﻛﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻴﺐ ﻋﺜﻤﺎ اﻻﺧﺘﻼ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻈﺮة‬
‫دﻳﻨﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﴏ ا ﻋﺜﻤﺎ ﺳﻮاء ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﺎﺻﻤﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﴏ ؛‬
‫ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﻈﺮ ﻫﺬ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ إﱃ ﻛﻞ ﳾء ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬ﻫﻢ‬
‫ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﺗﻜﻠﻤﻮا ﰲ اﻟﻜﻔﺮ اﻹﻳﻤﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻜﻠﻤﻮا ﰲ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺼﻮاب ﰲ املﻨﻔﻌﺔ‬
‫املﴬة‪ .‬ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﻧﺼﻮر آراءﻫﻢ ﻓﻠﻨﻨﻈﺮ إﱃ ﻫﺬ اﻷﺣﺪاث ﻧﻈﺮﺗﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﰲ ﳾء ﻣﻦ‬
‫اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺑني ﻫﺬ اﻷﺣﺪاث‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻷﺣﺪاث ﻣﺎ ﻳﻤﺲ اﻟﺸﺌﻮ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ‪ ،‬ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻨﺺ ﻣﻦ‬
‫ﻧﺼﻮص اﻟﻘﺮآ أ أﺛﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ اﻟﻨﺒﻲ‪ .‬ﻛﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺸﺌﻮ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ‬
‫أ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﻹﻣﺎ ﻓﻴﺨﻄﺊ ﻳﺼﻴﺐ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ دﻳﻨﻪ ﺑﺄس إ أﺧﻄﺄ ﻣﺎ دا‬
‫ﻣﺠﺘﻬﺪا‪ ،‬ﻟﻪ اﻟﻔﻀﻞ ﻛﻞ اﻟﻔﻀﻞ إ أﺻﺎب‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻷﺣﺪاث أﻳﻀﺎ أﺷﻴﺎء ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻮﺿﻮع‬
‫اﻻﺟﺘﻬﺎد ﻳﺨﻄﺊ اﻹﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﺼﻴﺐ‪ ،‬ﻟﻪ اﻟﻌﺬر إ أﺧﻄﺄ‪ ،‬اﻟﻔﻀﻞ إ أﺻﺎب‪ ،‬املﻘﻴﺎس‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻨﻈﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﻌﺪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬رﺿﺎ ﻛﺜﺮة املﺴﻠﻤني‬
‫ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻨﺒﺪأ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻷﺣﺪاث ﺑﻤﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺸﺌﻮ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ‪ .‬ﻓﻘﺪ أﻧﻜﺮ ﺧﺼﻮ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺒﺪأ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﻋﻄﻞ ﺣﺪٍّا ﻣﻦ ﺣﺪ د ﷲ ﺧﺎﻟﻒ ﻋﻦ ﻧﺼﻮص‬
‫اﻟﻘﺮآ ﺧﻼﻓﺎ ﺧﻄريا‪ ،‬ذﻟﻚ ﺣني ﻋﻔﺎ ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻘﺘﺺ ﻣﻨﻪ ﻟﻠﻬﺮﻣﺰا‬
‫ﺟﻔﻴﻨﺔ ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﻟﺆﻟﺆة‪ ،‬ﻓﻴﻤﺎ ذﻛﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﺮ اة‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ اﻟﻬﺮﻣﺰا أﻣريا ﻓﺎرﺳﻴٍّﺎ ﻣﺴﻠﻤﺎ‪،‬‬
‫ﺑني اﻟﺤﺪ د اﻟﺘﻲ‬ ‫ﻛﺎ اﻵﺧﺮا ذﻣﻴني‪ ،‬ﷲ ﻗﺪ ﻋﺼﻢ دﻣﺎء املﺴﻠﻤني دﻣﺎء اﻟﺬﻣﻴني‪ ،‬ﱠ‬
‫ﻳﺠﺐ أ ﺗﻘﺎ ﺣني ﻳﻌﺘﺪ أﺣﺪ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ أ ﻟﺌﻚ أ ﻫﺆﻻء؛ ﻓﻘﺎ ﰲ ﺳﻮرة اﻟﺒﻘﺮة‪:‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫﴿ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﻘﺼﺎص ﰲ اﻟﻘﺘﲆ ۖ اﻟﺤ ﱡﺮ ﺑﺎﻟﺤ ﱢﺮ اﻟﻌﺒﺪ ﺑﺎﻟﻌﺒﺪ اﻷﻧﺜ ٰﻰ‬
‫أداء إﻟﻴﻪ ﺑﺈﺣﺴﺎ ۗ ٰذﻟﻚ ﺗﺨﻔﻴﻒ‬ ‫ﺑﺎﻷﻧﺜ ٰﻰ ۚ ﻓﻤﻦ ﻋﻔﻲ ﻟﻪ ﻣﻦ أﺧﻴﻪ ﳾء ﻓﺎﺗﱢﺒﺎع ﺑﺎﻟﻤﻌﺮ‬
‫ﻣﱢ ﻦ ﱠرﺑﱢﻜﻢ رﺣﻤﺔ ۗ ﻓﻤﻦ اﻋﺘﺪ ٰ ﺑﻌﺪ ٰذﻟﻚ ﻓﻠﻪ ﻋﺬاب أﻟﻴﻢ * ﻟﻜﻢ ﰲ اﻟﻘﺼﺎص ﺣﻴﺎة ﻳﺎ أ ﱄ‬
‫اﻷﻟﺒﺎب ﻟﻌ ﱠﻠﻜﻢ ﺗﺘﱠﻘﻮ ﴾‪.‬‬
‫ﻗﺎ ﰲ ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء‪ ﴿ :‬ﻣﺎ ﻛﺎ ﻟﻤﺆﻣﻦ أ ﻳﻘﺘﻞ ﻣﺆﻣﻨﺎ إ ﱠﻻ ﺧﻄﺄ ۚ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﺆﻣﻨﺎ‬
‫ﻳﺼﺪﱠﻗﻮا ۚ ﻓﺈ ﻛﺎ ﻣﻦ ﻗﻮ ﻋﺪ ﱟ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﺧﻄﺄ ﻓﺘﺤﺮﻳﺮ رﻗﺒﺔ ﻣﱡ ﺆﻣﻨﺔ دﻳﺔ ﻣﱡ ﺴ ﱠﻠﻤﺔ إﱃ ٰ أﻫﻠﻪ إ ﱠﻻ أ‬
‫ﱠﻟﻜﻢ ﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ ﻓﺘﺤﺮﻳﺮ رﻗﺒﺔ ﻣﱡ ﺆﻣﻨﺔ ۖ إ ﻛﺎ ﻣﻦ ﻗﻮ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﱢ ﻴﺜﺎ ﻓﺪﻳﺔ ﻣﱡ ﺴ ﱠﻠﻤﺔ‬
‫إﱃ ٰ أﻫﻠﻪ ﺗﺤﺮﻳﺮ رﻗﺒﺔ ﻣﱡ ﺆﻣﻨﺔ ۖ ﻓﻤﻦ ﱠﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻓﺼﻴﺎ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻣﺘﺘﺎﺑﻌني ﺗﻮﺑﺔ ﻣﱢ ﻦ ﷲ ۗ ﻛﺎ‬
‫ﷲ ﻋﻠﻴﻤﺎ ﺣﻜﻴﻤﺎ * ﻣﻦ ﻳﻘﺘﻞ ﻣﺆﻣﻨﺎ ﻣﱡ ﺘﻌﻤﱢ ﺪا ﻓﺠﺰاؤ ﺟﻬﻨﱠﻢ ﺧﺎﻟﺪا ﻓﻴﻬﺎ ﻏﻀﺐ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻟﻌﻨﻪ أﻋ ﱠﺪ ﻟﻪ ﻋﺬاﺑﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ﴾‪ .‬ﻗﺎ ﰲ ﺳﻮرة املﺎﺋﺪة‪﴿ :‬ﻣﻦ أﺟﻞ ٰذﻟﻚ ﻛﺘﺒﻨﺎ ﻋﲆ ٰ ﺑﻨﻲ‬
‫إﴎاﺋﻴﻞ أﻧﱠﻪ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴﺎ ﺑﻐري ﻧﻔﺲ أ ﻓﺴﺎد ﰲ اﻷرض ﻓﻜﺄﻧﱠﻤﺎ ﻗﺘﻞ اﻟﻨﱠﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﻦ‬
‫أﺣﻴﺎﻫﺎ ﻓﻜﺄﻧﱠﻤﺎ أﺣﻴﺎ اﻟﻨﱠﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ ۚ ﻟﻘﺪ ﺟﺎءﺗﻬﻢ رﺳﻠﻨﺎ ﺑﺎﻟﺒﻴﱢﻨﺎت ﺛ ﱠﻢ إ ﱠ ﻛﺜريا ﻣﱢ ﻨﻬﻢ ﺑﻌﺪ‬
‫ٰذﻟﻚ ﰲ اﻷرض ﻟﻤﴪﻓﻮ ﴾‪ .‬ﻗﺎ ﰲ ﺳﻮرة اﻹﴎاء‪ ﴿ :‬ﻻ ﺗﻘﺘﻠﻮا اﻟﻨﱠﻔﺲ ا ﱠﻟﺘﻲ ﺣ ﱠﺮ ﷲ‬
‫إ ﱠﻻ ﺑﺎﻟﺤ ﱢﻖ ۗ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﻈﻠﻮﻣﺎ ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻟﻮﻟﻴﱢﻪ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎ ﻓﻼ ﻳﴪ ﱢﰲ اﻟﻘﺘﻞ ۖ إﻧﱠﻪ ﻛﺎ‬
‫ﻣﻨﺼﻮرا﴾‪.‬‬
‫ﻓﺎهلل ﻗﺪ ﺑني ﰲ ﻫﺬ اﻵﻳﺎت ﻛﻠﻬﺎ ﺣﺪ دا ﻻ ﻳﺠﻮز أ ﻳﺘﻌﺪاﻫﺎ املﺴﻠﻤﻮ ‪ ،‬ﺑﻌﻀﻬﺎ‬
‫ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﻋﻦ ﻋﻤﺪ‪ ،‬ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﻋﻦ ﺧﻄﺄ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻋﺒﻴﺪ‬
‫ﷲ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﻞ اﻟﻬﺮﻣﺰا ﺻﺎﺣﺒﻪ أ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ ﺧﻄﺄ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أراد ذﻟﻚ ﻋﻤﺪ إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻮ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺆﺧﺬ ﻣﻨﻪ اﻟﺴﻴﻒ ﻟﻜﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﻳﻘﺘﻞ ﻗﻮﻣﺎ آﺧﺮﻳﻦ‪ .‬ﻓﻘﺎ املﻌﺎرﺿﻮ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ :‬إ‬
‫إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤ ﱢﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﺟﺒﺔ ﺑﻨﺺ اﻟﻘﺮآ ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻗﺘﻞ أﺑﻮ أﻣﺲ أﻗﺘﻠﻪ اﻟﻴﻮ ! ﻳﻘﺎ‬
‫إ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻗﺎﻟﻮا ذﻟﻚ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ .‬املﻬﻢ ﻫﻮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻔﺎ ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ‪ .‬ﻗﺪ‬
‫أﺟﺎب ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ اﻋﱰاض املﻌﱰﺿني ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻓﻴﻬﻢ ﻋﲇ ﱞ ﺑﺄ اﻟﻬﺮﻣﺰا ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻻ‬
‫ﱄ ﱠ ﻟﻬﻤﺎ‪ ،‬ﺑﺄﻧﻪ ﻫﻮ ﻟﻴﻬﻤﺎ؛ ﻷ اﻹﻣﺎ ﱄ ﱡ ﻣﻦ ﻻ ﱄ ﱠ ﻟﻪ‪ .‬ﷲ ﻗﺪ أذ ﻟﻠﻮﱄ ﱢ ﰲ أ ﻳﻌﻔﻮ‪،‬‬
‫أﺛﺎﺑﻪ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻌﻔﻮ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻋﻔﺎ ﻋﺜﻤﺎ إذ ﻋﻦ إذ ﷲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻋﻦ رﻋﺎﻳﺔ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ‬
‫ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪ .‬ﻗﺪ ﺑﻴﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﴣ أ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻏري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻟﻢ ﻳﻘ ﱡﺮ ا ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا‬
‫اﻟﻌﻔﻮ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺮ ا أﻧﻪ ﻳﻤﻠﻜﻪ‪.‬‬

‫‪158‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻌﴩ‬

‫ﺧﺎض املﺘﻜﻠﻤﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ‪ :‬ﻓﺄﻣﺎ أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ املﻌﺘﺰﻟﺔ ﻓﺮأ ا رأ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻔﻮ ﺑﺄس؛ ﻓﻬﻮ ﱄ ﱡ املﻘﺘﻮﻟني‪ ،‬ﻣﻦ ﺣﻖ اﻟﻮﱄ ﱢ أ ﻳﻌﻔﻮ‪،‬‬
‫ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺣني ﻳﻜﻮ اﻟﻌﻔﻮ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻣﻼﺋﻤﺔ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ‪ .‬اﻟﻌﻔﻮ ﻫﻨﺎ ﻛﺎ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻣﻼﺋﻤﺔ‬
‫ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ املﺼﻠﺤﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺪﱠﻣﻨﺎ ﻣﻦ رﻋﺎﻳﺔ‬
‫املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬إذا ﻗﺎﻟﻮا ﻗﺘﻞ أﺑﻮ أﻣﺲ ﻧﻘﺘﻠﻪ اﻟﻴﻮ ! أﻣﺎ املﺼﻠﺤﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ‬
‫ﻓﻘﺪ ﻗﺎ أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ املﻌﺘﺰﻟﺔ‪ :‬ﻟﻮ ﻗﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﻟﺸﻤﺖ ﻋﺪ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻗﺘﻠﻮا‬
‫إﻣﺎﻣﻬﻢ أﻣﺲ ﺛﻢ ﻗﺘﻠﻮا اﺑﻨﻪ ﺑﻌﺪ ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﺸﻴﻌﺔ ﻓري رأ ﻋﲇ ﱟ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻳﻘﻮﻟﻮ ‪ :‬ﻣﺎ‬
‫ﻛﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻌﺜﻤﺎ أ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﰲ ﳾء ﺑﻴﱠﻨﻪ اﻟﻘﺮآ ﺑﻨﺼﻪ ﺗﴫﻳﺤﺎ‪ .‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ‬
‫أ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﱃ ﺷﻤﺎﺗﺔ اﻟﻌﺪ ؛ ﻓﺎﻟﻌﺪ ﺧﻠﻴﻖ أ ﻳﺸﻤﺖ إذا ﻋﺮ أ إﻣﺎ املﺴﻠﻤني ﻳﻌﻄﻞ‬
‫ﺣﺪ د اﻹﺳﻼ ‪ .‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬إ ﻋﻤﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ أ ﴅ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﺪ ﻋﲆ اﺑﻨﻪ إ ﺛﺒﺖ أﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ‬
‫ﻗﺘﻞ ﻇﻠﻤﺎ؛ ﻓﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻌﺜﻤﺎ أ ﻳﻨﻘﺾ أﻣﺮا أﺑﺮﻣﻪ اﻹﻣﺎ ﻗﺒﻠﻪ ﻫﻮ ﻳﻤﻠﻚ إﺑﺮاﻣﻪ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻨﺎ ﻧﻼﺣﻆ أ ﷲ ﻗﺪ ﺑني اﻟﺤ ﱠﺪ اﻟﺬ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻘﺎ ﻋﲆ اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻋﻤﺪا ﺑﺎﻟﻨﺺ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻨﻪ رﻏﺐ ﰲ اﻟﻌﻔﻮ دﻋﺎ إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﻨﺺ أﻳﻀﺎ‪ ،‬ﻓﻌﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻌ ﱠﺪ اﻟﻘﺮآ ﺣني ﻋﻔﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫اﻟﺘﺰﻣﻪ اﻟﺘﺰ ﻣﺎ رﻏﺐ ﷲ ﻓﻴﻪ دﻋﺎ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻔﻮ‪ .‬ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﻗﻮ ﻣﻦ ﻗﺎ إ ﻋﻤﺮ‬
‫ﻛﺎ ﻗﺪ أﺑﺮ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻌﺜﻤﺎ أ ﻳﻨﻘﻀﻪ؛ ﻷ ﻋﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﺰد — إ ﺻﺤﺖ اﻟﺮ اﻳﺔ‬
‫— ﻋﲆ أ أ ﴅ ﺑﻘﺘﻞ اﺑﻨﻪ إذا ﺛﺒﺖ أﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻇﻠﻤﺎ ﻓﻬﻮ إذ ﻟﻢ ﻳﺼﺪر ﺣﻜﻤﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻣﺮ‬
‫ﺑﺈﻧﻔﺎذ ﻛﺘﺎب ﷲ‪ ،‬ﺑﺄ ﺗﻨﻈﺮ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﺑﺎﻟﺤﻖ اﻟﻌﺪ ‪ .‬ﻣﻦ اﻟﺤﻖ اﻟﻌﺪ أ ﻳﻘﴤ‬
‫اﻹﻣﺎ ﺑﺎﻟﻘﺼﺎص‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻌﻔﻮ إ رأ ﰲ اﻟﻌﻔﻮ ﻣﺼﻠﺤﺔ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ أﺻﺪر ﻋﻤﺮ ﺣﻜﻤﺎ ﻣﱪﻣﺎ‬
‫ﺛﻢ ﻣﺎت د أ ﻳﺘﻮﱃ إﻧﻔﺎذ ‪ ،‬ﻟﻜﺎ ﻣﻦ ﺣﻖ اﻹﻣﺎ اﻟﺬ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ أ ﻳﻌﻔﻮ؛ ﻷ اﻟﻌﻔﻮ‬
‫ﻟﻴﺲ ﻧﻘﻀﺎ ﻟﻠﺤﻜﻢ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ إﻗﺮار ﻟﻪ ﺛﻢ ﻧﺰ ﻋﻦ اﻟﺤﻖ ﰲ إﻧﻔﺎذ ‪.‬‬
‫ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﻘﺎ إذ إ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ ﻋﻄﻞ اﻟﺤﺪ أ ﺧﺎﻟﻒ ﻋﻦ أﻣﺮ ﷲ ﰲ ﻫﺬ‬
‫اﻟﻘﻀﻴﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﻘﺎ إ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ أﺑﻌﺪ ﰲ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻌﻔﻮ ﺣني أ ﱠد اﻟﺪﻳﺔ ﻣﻦ‬
‫ﻣﺎﻟﻪ ﻫﻮ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻌ ﱢﺰر ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ اﻟﺬ ﻳﻘﴫ أ ﻳﻄﻮ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﺮزأ ﰲ ﻣﺎﻟﻪ ﻻ ﰲ‬
‫ﺣﺮﻳﺘﻪ‪ .‬ﻗﺪ ر ﺑﻌﺾ اﻟﺮ اة أ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻘﻢ ﻟﻌﺒﻴﺪ ﷲ‪ ،‬ﻓﺄرﺳﻠﻪ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫إﱃ اﻟﻜﻮﻓﺔ أﻗﻄﻌﻪ ﻓﻴﻬﺎ أرﺿﺎ دارا‪ .‬ﻓﻬﺬا ﻛﻠﻪ — إ ﺻﺢ — ﻏﻠﻮ ﰲ اﻟﻌﻔﻮ اﻟﺤﻠﻢ‪ ،‬ﻫﻮ‬
‫ﺧﻠﻴﻖ أ ﻳﺨﻴﻞ إﱃ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﻔﻞ ﺑﺪ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻘﺘﻴﻠني‪ ،‬أﻧﻪ ﻛﺎﻓﺄ اﻟﻘﺎﺗﻞ‬
‫ﻓﺄ ﱠد ﻋﻨﻪ اﻟﺪﻳﺔ ﺣﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻟﻢ ﻳﺴﺠﻨﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻗﻄﻌﻪ أرﺿﺎ دارا‪ .‬ﻫﺬا أﻳﻀﺎ‬
‫ﺧﻠﻴﻖ أ ﻳﺨﻴﻞ إﱃ اﻟﻨﺎس أ ﻋﺜﻤﺎ أراد أ ﻳﺮاﻋﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻳﱰﴇ ﻗﺮﻳﺸﺎ‪ ،‬ﻓﺄﴎ ﰲ‬
‫اﻷﻣﺮﻳﻦ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪.‬‬

‫‪159‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺛﻢ ﻋﺎب املﺴﻠﻤﻮ املﻌﺎﴏ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻪ ﻟﻠﺴﻨﺔ املﻌﺮ ﻓﺔ‬
‫املﺴﺘﻔﻴﻀﺔ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺨني ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﺻﺪر ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺘﻪ‪ ،‬ذﻟﻚ ﺣني‬
‫أﺗﻢ اﻟﺼﻼة ﰲ ﻣﻨﻰ ﻗﺪ ﻗﴫﻫﺎ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺸﻴﺨﺎ ﻗﴫﻫﺎ ﻋﺜﻤﺎ أﻳﻀﺎ أﻋﻮاﻣﺎ‪ .‬ﻗﺪ ذﻋﺮ‬
‫ﺣﻘﺎ ﺣني أﺗﻢ ﻋﺜﻤﺎ اﻟﺼﻼة ﰲ ﻣﻨﻰ‪ ،‬ﻓﺴﻌﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﱃ ﺑﻌﺾ ﻗﺎ ﺑﻌﻀﻬﻢ‬ ‫ٍّ‬ ‫املﺴﻠﻤﻮ‬
‫ﻟﺒﻌﺾ‪ ،‬ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻘﺎ ﻟﻪ‪ :‬أﻟﻢ ﺗﺼ ﱢﻞ ﻫﻨﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫رﻛﻌﺘني؟ ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﺑﲆ‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ :‬أﻟﻢ ﺗﺼ ﱢﻞ ﻣﻊ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ رﻛﻌﺘني؟‬
‫ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﺑﲆ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ :‬أﻟﻢ ﺗﺼ ﱢﻞ أﻧﺖ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎ رﻛﻌﺘني؟ ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﺑﲆ‪.‬‬
‫ﻗﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ :‬ﻓﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﺪث اﻟﺬ أﺣﺪﺛﺘﻪ؟ ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﻨﻲ أ اﻷﻋﺮاب‬
‫اﻟﺠﻔﺎة ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻴﻤﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮ ‪ :‬إ ﺻﻼة املﻘﻴﻢ اﺛﻨﺘﺎ ؛ ﻷﻧﻲ ﻗﺪ اﺗﺨﺬت ﺑﻤﻜﺔ أﻫﻼ‪ ،‬ﱄ‬
‫ﺑﺎﻟﻄﺎﺋﻒ ﻣﺎ ﻗﺪ أﻟ ﱡﻢ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﺼﺪر‪ ،‬ﻓﺨﺸﻴﺖ أ ﻳﻈﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس أ ﺻﻼة املﻘﻴﻢ‬
‫رﻛﻌﺘﺎ ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ :‬أﻣﺎ ﺧﻮﻓﻚ ﻋﲆ اﻷﻋﺮاب اﻟﺠﻔﺎة اﻟﺠﻬﺎ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺻﲆ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫رﻛﻌﺘني ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻹﺳﻼ ﻗﺪ ﻓﺸﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺎﻵ ﻗﺪ ﴐب اﻹﺳﻼ ﺑﺠﺮاﻧﻪ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻚ أ‬
‫ﺗﺨﺎ ‪ .‬أﻣﺎ أﻧﻚ اﺗﺨﺬت ﺑﻤﻜﺔ أﻫﻼ ﻓﺈ ﱠ ز ﺟﺘﻚ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺗﺨﺮج ﺑﻬﺎ إ ﺷﺌﺖ ﺗﱰﻛﻬﺎ‬
‫إ ﺷﺌﺖ‪ .‬أﻣﺎ أ ﻟﻚ ﰲ اﻟﻄﺎﺋﻒ ﻣﺎﻻ ﻓﺈ ﺑﻴﻨﻚ ﺑني اﻟﻄﺎﺋﻒ ﺛﻼث ﻟﻴﺎ ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪:‬‬
‫ﻫﺬا رأ رأﻳﺘﻪ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﺮ اة‪ :‬اﻧﴫ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﻠﻘﻲ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻟﻪ اﺑﻦ‬
‫ﻣﺴﻌﻮد‪ :‬أرأﻳﺖ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺼﲇ أرﺑﻌﺎ ﻗﺪ ﺻﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﲆ ﺻﺎﺣﺒﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ‬
‫ﻫﺬا املﻜﺎ اﺛﻨﺘني؟ ﻟﻘﺪ ﻋﻠﻤﺖ ذﻟﻚ ﻓﺼﻠﻴﺖ ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻲ أرﺑﻌﺎ ﻷﻧﻲ أﻛﺮ اﻟﻔﺮﻗﺔ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺒﺪ‬
‫اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ :‬ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ذﻟﻚ ﻓﺼﻠﻴﺖ ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻲ رﻛﻌﺘني‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ اﻵ ﻓﻬﻮ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ‪.‬‬
‫ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا أ اﻷﻋﻼ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ أﻧﻜﺮ ا ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ إﺗﻤﺎﻣﻪ اﻟﺼﻼة ﰲ ﻣﻨﻰ‬
‫ﻧﺎﻇﺮ ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ رأ ا أﻧﻪ ﻻ ﻳﻐري رأﻳﻪ ﺳﺎر ا ﺳريﺗﻪ ذﻫﺒﻮا ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻣﺨﺎﻓﺔ اﻻﺧﺘﻼ ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﻌﻠﻢ أ ﻣﺼﺪر ﻫﺬا اﻟﺬ أﺻﺎب أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﺣني رأ ا ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺘﻢ‬
‫اﻟﺼﻼة ﺑﻤﻨﻰ؛ ﻫﻮ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ اﻟﺴﻨﺔ املﻮر ﺛﺔ أ ﻻ‪ ،‬ﳾء آﺧﺮ ﻋﻈﻴﻢ اﻟﺨﻄﺮ ﺟﺪٍّا ﰲ ﻧﻔﻮس‬
‫املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻫﻮ أ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﻬﺠﺮة ﻗﺪ اﺗﺨﺬ املﺪﻳﻨﺔ ﻟﻪ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ دار إﻗﺎﻣﺔ‪ ،‬اﺗﺨﺬ‬
‫ﱠ‬
‫ﻳﻈﻦ‬ ‫ﻣﻜﺔ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ دار ﻏﺮﺑﺔ‪ ،‬ﻛﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ أ ﻳﻄﻴﻠﻮا اﻹﻗﺎﻣﺔ ﺑﻤﻜﺔ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻻ‬
‫أﻧﻬﻢ ﻳﺮﺟﻌﻮ أ ﻳﻬﻤﻮ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ أ ﻫﺎﺟﺮ ا ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻛﺮ أ ﻳﻤﻮت ﺑﻌﺾ‬
‫أﺻﺤﺎﺑﻪ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﰲ ﻣﻜﺔ‪ .‬أﺷﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺗﻤﻨﻰ ﻋﲆ ﷲ أﻻ ﻳﺘﻮﻓﺎﻫﻢ ﰲ اﻷرض‬
‫اﻟﺘﻲ ﻫﺎﺟﺮ ا ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬أ ﴅ ﻣﻦ اﺳﺘﺨﻠﻔﻪ ﻋﲆ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص ﺣني ﻛﺎ ﻣﺮﻳﻀﺎ ﺑﻤﻜﺔ‬
‫أﻻ ﻳﺪﻓﻨﻪ ﻓﻴﻬﺎ إ ﻣﺎت‪ ،‬أﻣﺮ أ ﻳﺪﻓﻨﻪ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺻﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻤﻨﻰ ﺻﻼة‬

‫‪160‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻌﴩ‬

‫اﻷﻧﺼﺎر ﻫﺬا ﻛﻠﻪ أﺷﻔﻘﻮا أ ﻳﻐري ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺎ ﺟﺮت ﺑﻪ ﺳﻨﺔ اﻟﻨﺒﻲ‬ ‫املﻘﻴﻢ ذﻛﺮ املﻬﺎﺟﺮ‬
‫أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﻦ اﺗﺨﺎذ ﻣﻜﺔ دار ﻏﺮﺑﺔ ﻻ دار ﻣﻘﺎ ‪ .‬ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺳﺎر ا ﺳرية‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﺄﺗﻤﻮا اﻟﺼﻼة ﺑﻤﻨﻰ ﻣﺎ أﺗﻤﻬﺎ ﻣﺨﺎﻓﺔ أ ﻳﻔﱰ اﻟﻨﺎس ﰲ ﺻﻼﺗﻬﻢ ﻫﻲ رﻛﻦ‬
‫ﺧﻄري ﻣﻦ أرﻛﺎ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬
‫ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺷﻚ ﰲ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ اﺟﺘﻬﺪ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬ﺧﺎ ﻋﲆ ﺟﻬﺎﻟﻬﻢ ﺟﻔﺎﺗﻬﻢ‬
‫أ ﻳﻔﺘﻨﻮا‪ .‬ﺳﻮاء أﺻﺎب ﰲ ﻫﺬا اﻻﺟﺘﻬﺎد أ أﺧﻄﺄ ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﺮد إﻻ اﻟﺨري‪ .‬ﻟﻴﺲ أد ﻋﲆ‬
‫ذﻟﻚ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺤ ﱠﻮ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ ﻣﻜﺔ ﻻ إﱃ ﻏريﻫﺎ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﺎ ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﺣني‬
‫اﺷﺘﺪت اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻣﻦ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﺑﻤﻜﺔ آﻣﻨﺎ ﻻ ﻳﺠﺮؤ ﻣﺴﻠﻢ أ ﻳﺼﻴﺒﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﺮ ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺮد أ ﻳﺴﺘﺒﺪ ﺑﺠﻮار رﺳﻮ ﷲ ﺷﻴﺌﺎ‪ .‬ﻟﻮ ﺷﺎء ﻟﻌﺎذ ﺑﻤﻜﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺄﺗﻴﻪ اﻷﻣﺪاد‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﺄس‪ .‬ﻓﺎﻟﴬ رة املﻠﺠﺌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ‪ ،‬ﻟﻮ ﺷﺎء ﻟﺘﺤ ﱠﻮ إﱃ اﻟﺸﺎ ﻛﻤﺎ ﻋﺮض‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻟﻜﻨﻪ أﺑﻰ‪ .‬ﻓﻬﻮ إذ ﻟﻢ ﻳﺤﺎ أ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ دار إﻗﺎﻣﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻧﺼﺢ‬
‫املﺴﻠﻤني ﻗﺒﻞ املﺴﻠﻤﻮ ذﻟﻚ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻓﺄﺗﻤﻮا ﺑﺈﺗﻤﺎﻣﻪ إ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﻨﻌﻮا ﺑﻤﺎ اﺣﺘﺞ ﺑﻪ ﻟﻬﺬا‬
‫اﻹﺗﻤﺎ ‪.‬‬
‫أﻧﻜﺮ ﺧﺼﻮ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ آﺧﺮ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺮﻛﻦ آﺧﺮ ﻣﻦ أرﻛﺎ اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا إﻧﻪ‬
‫أﺧﺬ اﻟﺰﻛﺎة ﻋﲆ اﻟﺨﻴﻞ‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ أﻋﻔﻰ ﻣﻦ زﻛﺎة اﻟﺨﻴﻞ اﻟﺮﻗﻴﻖ‪ ،‬ﺳﺎر اﻟﺸﻴﺨﺎ‬
‫ﺳريﺗﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﺜﻤﺎ أﺧﺬ اﻟﺰﻛﺎة ﰲ اﻟﺨﻴﻞ‪.‬‬
‫ﻧﻼﺣﻆ أ ﻻ أ اﻟﺮ اﻳﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﺘﻮاﺗﺮ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺮ اة‪ ،‬ﻧﻼﺣﻆ ﺑﻌﺪ‬
‫ذﻟﻚ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﺺ ﻣﻦ اﻟﺰﻛﺎة إﻧﻤﺎ زاد ﻓﻴﻬﺎ‪ .‬أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‬
‫إﻧﻤﺎ أﻋﻔﻮا ﻣﻦ زﻛﺎة اﻟﺨﻴﻞ ﺣني ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺣني ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻴﻮش املﺴﻠﻤني ﰲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ‬
‫اﻟﻔﺮﺳﺎ ‪ ،‬ﺣني ﻛﺎ املﺴﻠﻤﻮ إﻧﻤﺎ ﻳﻌﺪ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﻣﻦ ﻗﻮة ﻣﻦ رﺑﺎط اﻟﺨﻴﻞ‬
‫ﻟريﻫﺒﻮا ﺑﻪ ﻋﺪ ﱠ ﷲ ﻋﺪ ﱠﻫﻢ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎ اﻟﻔﺘﺢ أﻗﺒﻠﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺜﺮ املﺎ ‪ ،‬ﺟﻌﻞ املﺴﻠﻤﻮ‬
‫ﻳﺘﺨﺬ اﻟﺨﻴﻞ ﰲ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺗﺠﺎرة ﻣﺎﻻ‪ ،‬ﻓﺄﻧﻔﺬ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺎ أﻣﺮ ﷲ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺰﻛﺎة ﰲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﺨﺬ ﻟﻠﺮﺑﺢ اﻟﺜﺮاء‪.‬‬
‫ﻋﺎب املﺴﻠﻤﻮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ أﻧﻪ ﺣﻤﻰ اﻟﺤﻤﻰ‪ ،‬ﷲ رﺳﻮﻟﻪ ﻗﺪ أﺑﺎﺣﺎ اﻟﻬﻮاء املﺎء‬
‫اﻟﻜﻸ ﻟﻠﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬اﻟﺮ اة ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ‪ ،‬ﻓﻴﻘﻮ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﻧﻪ ﺣﻤﻰ اﻟﺤﻤﻰ ﻹﺑﻞ‬
‫اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻹﺑﻠﻪ ﺧﻴﻠﻪ إﺑﻞ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ﺧﻴﻠﻬﺎ‪ .‬ﻳﻘﻮ ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻵﺧﺮ ﻳﻘﻮ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ‪:‬‬
‫إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﻢ اﻟﺤﻤﻰ ﻹﺑﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ‪ .‬ﺛﻢ ﻳﻘﺎ إ املﺴﻠﻤني ﻻﻣﻮ ﰲ أﻧﻪ ﺣﻤﻰ اﻟﺤﻤﻰ ﻹﺑﻞ‬
‫اﻟﺼﺪﻗﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺣﺠﺘﻪ أﻧﻪ إﻧﻤﺎ أراد أﻻ ﻳﻜﻮ ﻫﻨﺎ اﺧﺘﻼ ﺑني اﻷﻓﺮاد اﻟﺪ ﻟﺔ ﻓﻴﻤﺎ‬

‫‪161‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎملﺮاﻋﻲ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أراد اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻚ‪ .‬ﻋﲆ أﻧﻪ ﺣني رأ ﺗﺤ ﱡﺮج املﺴﻠﻤني‬
‫ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺿﻴﻘﻬﻢ ﺑﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺸﺪد ﻓﻴﻪ إﻧﻤﺎ ﺗﺮﻛﻪ اﺳﺘﻐﻔﺮ ﷲ‪ .‬ﻓﻠﻴﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﺄس‬
‫أﻳﻀﺎ‪.‬‬
‫ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﺑﺴﺒﻴﻞ اﻟﺰﻛﺎة إﺑﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻨﺬﻛﺮ اﻋﱰاﺿﺎ آﺧﺮ ﺟﻬﻪ ﺧﺼﻮ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻫﻮ أﻧﻪ أﺧﺬ ﻣﻦ أﻣﻮا اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻓﺄﻧﻔﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺮب ﰲ ﻏري اﻟﺤﺮب ﻣﻦ املﺮاﻓﻖ‬
‫اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ .‬ﻗﺎ املﻌﱰﺿﻮ ‪ :‬إ ﻷﻣﻮا اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻣﺼﺎر ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﷲ ﰲ ﻗﻮﻟﻪ‪﴿ :‬إﻧﱠﻤﺎ‬
‫اﻟﺼﺪﻗﺎت ﻟﻠﻔﻘﺮاء اﻟﻤﺴﺎﻛني اﻟﻌﺎﻣﻠني ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﺆ ﱠﻟﻔﺔ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﰲ اﻟ ﱢﺮﻗﺎب اﻟﻐﺎرﻣني ﰲ‬
‫ﱠ‬
‫اﻟﺴﺒﻴﻞ ۖ ﻓﺮﻳﻀﺔ ﻣﱢ ﻦ ﷲ ۗ ﷲ ﻋﻠﻴﻢ ﺣﻜﻴﻢ﴾‪ .‬ﷲ ﻗﺪ ﺑني ﻫﺬ املﺼﺎر‬ ‫ﺳﺒﻴﻞ ﷲ اﺑﻦ ﱠ‬
‫ﺑﻬﺬا اﻟﻘﴫ اﻟﺬ ﻧﺼﻪ ﰲ أ اﻵﻳﺔ‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟﻪ‪﴿ :‬ﻓﺮﻳﻀﺔ ﻣﱢ ﻦ ﷲ﴾‪ .‬ﻓﻼ ﻳﺠﻮز ﻟﻺﻣﺎ أ‬
‫ﻳﻨﻔﻖ ﻣﻦ أﻣﻮا اﻟﺼﺪﻗﺔ إﻻ ﰲ املﺼﺎر اﻟﺘﻲ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ ﰲ ﻫﺬ اﻵﻳﺔ‪.‬‬
‫أﺟﺎب املﺘﻜﻠﻤﻮ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ املﻌﺘﺰﻟﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﻋﱰاض ﺑﺄ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ‬
‫ذﻟﻚ إﻻ ﺣني رأ ﰲ أﻣﻮا اﻟﺼﺪﻗﺔ ﺳﻌﺔ‪ ،‬ﺣني رأ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﺤﺮب إﱃ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻔﻘﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻗﱰض ﻣﻦ أﻣﻮا اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻟﻴﻨﻔﻖ ﻋﲆ اﻟﺤﺮب‪ ،‬ﻣﺰﻣﻌﺎ أ ﻳﺮ ﱠد ذﻟﻚ إذا اﺗﺴﻊ ﺑﻴﺖ املﺎ‬
‫ﻟﺮد ‪ .‬ﻣﻦ ﺣﻖ اﻹﻣﺎ أ ﻳﻘﱰض ﻣﻦ ﻣﴫ ملﴫ ‪ ،‬ﻻ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺪﻳﻦ ﻻ ﻳﻐري‬
‫ﺑﺬﻟﻚ ﺳﻨﺔ ﻣﻮر ﺛﺔ ﻣﺎ دا ﻣﺼﻤﻤﺎ ﻋﲆ أ ﻳﺮد ﻋﲆ أﻣﻮا اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻣﺎ أﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ‪ .‬ﻧﻘﻮ‬
‫ﻧﺤﻦ‪ :‬إ ﺟﻮاب املﺘﻜﻠﻤني ﻟﻴﺲ ﺑﻪ ﺑﺄس ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﺒﺄس ﻫﻮ أ ﻳﺄﺧﺬ اﻹﻣﺎ‬
‫ﻣﻦ ﻣﴫ ﻟﻴﻨﻔﻖ ﻋﲆ ﻣﴫ آﺧﺮ؛ ﻓﺈ ذﻟﻚ أﺣﺮ أ ﻳﺪ ﻋﲆ ﳾء ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﺘﺪﺑري‬
‫املﺎﱄ‪ ،‬ﻋﲆ إﴎا ﰲ أﻣﻮا اﻟﺤﺮب املﺮاﻓﻖ اﻷﺧﺮ ﺑﺈﻧﻔﺎﻗﻬﺎ ﰲ ﻏري اﺣﺘﻴﺎط ﻻ ﺗﺤﻔﻆ‪،‬‬
‫ﺑﺈﻋﻄﺎﺋﻬﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻬﺒﺔ ملﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻘﻬﺎ‪ .‬ﺳﻨﻌﻮد إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﰲ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ‬
‫ﻗﺮﻳﺐ‪.‬‬
‫ﻋﺎب ﺧﺼﻮ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ أﻧﻪ ﺣﻤﻞ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻣﺼﺤﻒ اﺣﺪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺤﻈﺮ ﻏري‬
‫ﻣﺎ ﺟﺎء ﰲ ﻫﺬا املﺼﺤﻒ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاءة ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﺣﺴﻢ اﻷﻣﺮ ﺣﺴﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺤ ﱠﺮ ﻣﺎ ﻋﺪا‬
‫ﻫﺬا املﺼﺤﻒ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﻒ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺮآ ‪ .‬ﻗﺎ املﻌﱰﺿﻮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬إ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﻗﺎ ‪» :‬ﻧﺰ اﻟﻘﺮآ ﻋﲆ ﺳﺒﻌﺔ أﺣﺮ ﻛﻠﻬﺎ ﻛﺎ ﺷﺎ ‪ «.‬ﻓﻌﺜﻤﺎ ﺣني ﺣﻈﺮ ﻣﺎ ﺣﻈﺮ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻘﺮاءة ﺣ ﱠﺮ ﻣﺎ ﺣﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﻒ إﻧﻤﺎ ﺣﻈﺮ ﻧﺼﻮﺻﺎ أﻧﺰﻟﻬﺎ ﷲ‪ ،‬ﺣ ﱠﺮ ﺻﺤﻔﺎ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ ﻗﺮآ أﺧﺬ املﺴﻠﻤﻮ ﻋﻦ رﺳﻮ ﷲ‪ .‬ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻺﻣﺎ أ ﻳﻠﻐﻲ ﻣﻦ‬
‫ﻧﺼﺎ‪ .‬ﻗﺼﺔ ﺟﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻣﺼﺤﻒ اﺣﺪ ﻟﻴﺴﺖ‬ ‫اﻟﻘﺮآ ﺣﺮﻓﺎ أ ﻳﺤﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻮﺻﻪ ٍّ‬
‫ﻳﺴرية إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ اﻟﺬ ﺗﺼﻮر ﺧﺼﻮ ﻋﺜﻤﺎ أﻧﺼﺎر ‪ .‬ﻓﻘﺪ ر ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ر اﻳﺎت‬

‫‪162‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻌﴩ‬

‫ﻣﺘﻈﺎﻫﺮة أﻧﻪ ﻗﺎ ‪» :‬ﻧﺰ اﻟﻘﺮآ ﻋﲆ ﺳﺒﻌﺔ أﺣﺮ ‪ «.‬ﻟﻜﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﺎ زاﻟﻮا ﻣﺨﺘﻠﻔني‬
‫ﰲ ﺗﺄ ﻳﻞ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ إﱃ اﻵ ‪ :‬ﻓﻘﻮ ﻳﺮ أ ﻫﺬ اﻷﺣﺮ ﻫﻲ املﻌﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎ ﻟﻬﺎ‬
‫اﻟﻘﺮآ ﻣﻦ اﻟﻮﻋﺪ اﻟﻮﻋﻴﺪ اﻷﻣﺮ اﻟﻨﻬﻲ اﻟﻮﻋﻆ اﻟﻘﺼﺺ‪ ،‬ﻗﻮ ﻳﺬﻫﺒﻮ ﺑﻬﺬ اﻷﺣﺮ‬
‫ﻣﺬﻫﺐ اﻟﺘﺼﻮ ‪ ،‬ﻗﻮ ﻳﺮ أ ﻫﺬ اﻷﺣﺮ ﻫﻲ أﻟﻔﺎظ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎﺧﺘﻼ‬
‫اﻟﻠﻐﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺮب ﺗﺘﻜﻠﻤﻬﺎ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺘﻔﻖ املﺴﻠﻤﻮ اﺗﻔﺎﻗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻋﲆ ﻣﻌﻨﻰ دﻗﻴﻖ ﻟﻬﺬا‬
‫اﻟﺤﺪﻳﺚ؛ ﻓﻼ ﻳﺼﺢ اﻻﺣﺘﺠﺎج ﺑﻪ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻔﻖ املﺨﺘﺼﻤﻮ اﻷﻧﺼﺎر ﻋﲆ ﻣﻌﻨﺎ ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺗﻈﺎﻫﺮت اﻟﺮ اﻳﺎت أﻳﻀﺎ ﺑﺄ املﺴﻠﻤني اﺧﺘﻠﻔﻮا ﰲ ﻗﺮاءة اﻟﻘﺮآ أﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ اﺧﺘﻼﻓﻬﻢ ﰲ اﻟﻠﻬﺠﺎت‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ اﺧﺘﻼﻓﻬﻢ ﰲ اﻷﻟﻔﺎظ د أ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻫﺬ‬
‫اﻷﻟﻔﺎظ‪ .‬ﻗﺪ اﺧﺘﺼﻢ املﺨﺘﻠﻔﻮ إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺄﺟﺎز ﻗﺮاءﺗﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ‬
‫ﺗﺨﺘﻠﻒ ﰲ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﰲ أﻟﻔﺎﻇﻬﺎ‪ .‬ﻗﺪ ﺟﻤﻊ اﻟﻘﺮآ أﻳﺎ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ‪،‬‬
‫ﺟﺎءت اﻟﺸﻜﻮ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺄ املﺴﻠﻤني ﰲ اﻷﻣﺼﺎر اﻟﺜﻐﻮر ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ﰲ ﻗﺮاءة اﻟﻘﺮآ ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻳﺨﺘﺼﻤﻮ ﺣﻮ ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼ ‪ ،‬ﻓﻴﻔﻀﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻗﺮآﻧﻪ ﻋﲆ ﻗﺮآ ﻏري ‪ ،‬ﺣﺘﻰ أ ﺷﻜﻮا‬
‫أ ﻳﻔﱰﻗﻮا‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻗﺎ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺑﻦ اﻟﻴﻤﺎ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ :‬أدر أﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻗﺒﻞ أ ﺗﺘﻔﺮ ﺣﻮ‬
‫اﻟﻘﺮآ ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أ ﻣﺎ أﻗﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ ﺗﻮﺣﻴﺪ املﺼﺤﻒ ﺣﺴﻢ ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼ‬
‫ﺣﻤﻞ املﺴﻠﻤني ﻋﲆ ﺣﺮ اﺣﺪ أ ﻟﻐﺔ اﺣﺪة ﻳﻘﺮء ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺮآ ‪ ،‬ﻋﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﻛﺜري ﻣﻦ‬
‫اﻟﺠﺮاءة‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﺮاءة‪ .‬ﻓﻠﻮ ﻗﺪ ﺗﺮ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫اﻟﻨﺎس ﻳﻘﺮء اﻟﻘﺮآ ﻗﺮاءات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻠﻐﺎت ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﰲ أﻟﻔﺎﻇﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻜﺎ ﻫﺬا ﻣﺼﺪر ﻓﺮﻗﺔ‬
‫ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻜﺎ ﻣﻦ املﺤﻘﻖ أ ﻫﺬ اﻟﻔﺮﻗﺔ ﺣﻮ اﻷﻟﻔﺎظ ﺳﺘﺆد إﱃ ﻓﺮﻗﺔ ﴍ‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻮ املﻌﺎﻧﻲ ﺑﻌﺪ أ ﻛﺎ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﺑﻌﺪ أ اﺳﺘﻌﺮب اﻷﻋﺎﺟﻢ‪ ،‬ﺑﻌﺪ أ أﺧﺬ اﻷﻋﺮاب‬
‫ﻳﻘﺮء اﻟﻘﺮآ ‪.‬‬
‫ﻟﻬﺬا ﻟﻢ ﻳﱰدد أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ املﻌﺘﺰﻟﺔ ﰲ إﻗﺮار ﻣﺎ ﻋﻤﻞ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﰲ اﻻﻋﱰا ﻟﻪ ﺑﻬﺬا‬
‫اﻟﻔﻀﻞ اﻟﻌﻈﻴﻢ؛ ﻷﻧﻪ ﺣﺎ ﺑني املﺴﻠﻤني ﺑني اﻟﻔﺮﻗﺔ‪ ،‬ﺟﻤﻌﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﴚء اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬ ﻻ‬
‫ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮا ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻻ ﻧﻌﻠﻢ أ ﻋﻠﻴٍّﺎ أﻧﻜﺮ ذﻟﻚ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻻ أ أﺣﺪا ﻣﻦ أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﺸﻮر أﻧﻜﺮ ‪ ،‬ﺑﻞ ر أ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻗﺎ ﰲ ﺧﻼﻓﺘﻪ‪» :‬ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻣﻜﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺤﻤﻠﺖ اﻟﻨﺎس ﰲ‬
‫أﻣﺮ اﻟﻘﺮآ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺣﻤﻠﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ‪ «.‬ﻓﻠﻴﺲ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺄس ﰲ دﻳﻨﻪ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ‪ .‬ﻗﺪ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﻌﱰض ﻋﻠﻴﻪ ﰲ أﻧﻪ ﻛ ﱠﻠﻒ ﻛﺘﺎﺑﺔ املﺼﺤﻒ ﻧﻔﺮا ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﺗﺮ‬
‫ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻤﻌﻮا ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺣﻔﻈﻮا ﻋﻨﻪ ﻋﻠﻤﻮا اﻟﻨﺎس ﰲ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬ﻛﺎ‬

‫‪163‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﺠﻤﻊ ﻫﺆﻻء اﻟﻘﺮاء ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻳﺠﻌﻞ إﻟﻴﻬﻢ ﻛﺘﺎﺑﺔ املﺼﺤﻒ‪ .‬ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﻔﻬﻢ ﻏﻀﺐ‬
‫اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻣﻦ أﺣﻔﻆ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻘﺮآ ‪ .‬ﻫﻮ‪ ،‬ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ‪ ،‬ﻗﺪ‬
‫أﺧﺬ ﻣﻦ ﻓﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺳﺒﻌني ﺳﻮرة ﻣﻦ اﻟﻘﺮآ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ اﻟﺤﻠﻢ‬
‫ﺑﻌﺪ‪ .‬ﻓﺈﻳﺜﺎر ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺗﺮﻛﻪ ﻻﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻏري ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮا‬
‫إﱃ اﺳﺘﻤﺎع اﻟﻘﺮآ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺣﻔﻈﻪ ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻗﺪ أﺛﺎر ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺾ اﻻﻋﱰاض‪ .‬ﻫﺬا ﳾء ﻳﻔﻬﻢ‬
‫ﻣﻦ ﻏري ﻣﺸﻘﺔ ﻻ ﻋﴪ‪.‬‬
‫رﺑﻤﺎ ﺗﺤ ﱠﺮج ﺑﻌﺾ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﺗﺤﺮﻳﻖ ﻣﺎ ﺣ ﱠﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ املﺼﺤﻒ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻠﻮا‬
‫اﻋﺘﺬار ﺑﺤﺴﻢ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻗﻄﻊ اﻟﺨﻼ ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻀﺎرة ﺗﻘﺪﱠﻣﺖ ﺑﺎملﺴﻠﻤني ﺷﻴﺌﺎ‬
‫ﻟﻜﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻬﺬ اﻟﺼﺤﻒ اﻟﺘﻲ ﺣ ﱠﺮﻗﻬﺎ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻧﺼﻮص ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬
‫ﻻ ﺗﺘﺎح ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﺗﻜﺎد ﺗﺘﺎح ﻟﻠﺨﺎﺻﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺻﺤﻒ ﺗﺤﻔﻆ ﺿﻨٍّﺎ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻀﻴﺎع‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ املﺴﻠﻤني ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻗﺪ ﺑﻠﻐﻮا ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﴫ ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرة ﻣﺎ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻬﻢ ﺗﻨﻈﻴﻢ‬
‫املﻜﺘﺒﺎت ﺣﻔﻆ املﺤﻔﻮﻇﺎت‪ .‬إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﺟﻨﺎح ﻓﻴﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺪﻳﻦ‬
‫ﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮ ﻟﻨﺎ أ ﻧﺄﳻ ﻟﺘﺤﺮﻳﻖ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﻒ؛ ﻷﻧﻪ إ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ‬
‫أﺿﺎع ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ دﻳﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺿﺎع ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺒﺎﺣﺜني ﻛﺜريا ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ‬
‫ﺑﻠﻐﺎت اﻟﻌﺮب ﻟﻬﺠﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻋﲆ أ اﻷﻣﺮ أﻋﻈﻢ ﺧﻄﺮا أرﻓﻊ ﺷﺄﻧﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺤﺚ‬
‫اﻟﺒﺎﺣﺜني ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻠﻬﺠﺎت‪.‬‬
‫أﻧﻜﺮ املﻨﻜﺮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﺧﺼﻠﺔ أﺧﺮ ﻣﺎ ﻧﻌﺮ أ اﻟﻌﺬر ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﻘﻮ ﻟﻪ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ‪ .‬ذﻟﻚ أﻧﻪ ر ﱠد ﻋﻤﻪ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻌﺎص أﻫﻠﻪ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ أﺧﺮﺟﻬﻢ‬
‫ﻣﻨﻬﺎ إﺧﺮاﺟﺎ ﻋﻨﻴﻔﺎ‪ .‬ﻛﺎ ﺑﻴﺖ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻌﺎص ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻣﺠﺎ را ﻟﺒﻴﺖ اﻟﻨﺒﻲ‪،‬‬
‫ﻓﻜﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﻳﺆذ ﺟﺎر اﻟﻜﺮﻳﻢ أﺷ ﱠﺪ اﻷذ أﻗﺒﺤﻪ‪ .‬اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻌﺎص ﻫﻮ اﻟﺬ‬
‫أﺧﺬ ﻋﺜﻤﺎ ﺣني أﺳﻠﻢ‪ ،‬ﻓﺸ ﱠﺪ ﺛﺎﻗﻪ أﻗﺴﻢ ﻻ ﻳﺨﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد إﱃ دﻳﻦ آﺑﺎﺋﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻄﻠﻘﻪ‬
‫إﻻ ﺣني اﺳﺘﻴﺄس ﻣﻨﻪ‪ .‬ﻗﺪ أﻗﺒﻞ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺴﻠﻤﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻦ إﺳﻼﻣﻪ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ إﻻ ﺟﻨﺔ ﻳﺘﻘﻲ ﺑﻬﺎ املﻮت‪ .‬آﻳﺔ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻇﻞ ﻳﺆذ رﺳﻮ ﷲ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻓﻌﻠﻪ‪ ،‬ﻓﻜﺎ‬
‫ﻳﺴﻌﻰ راء ﻳﻐﻤﺰ ﻳﻘﻠﺪ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ ﺳﺎﺧﺮا ﻣﻨﻪ‪ .‬اﻃﻠﻊ ذات ﻳﻮ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ﺣﺠﺮة‬
‫ﻣﻦ ﺣﺠﺮاﺗﻪ‪ ،‬ﻓﺨﺮج اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻐﻀﺒﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺮﻓﻪ ﻗﺎ ‪» :‬ﻣﻦ ﻋﺬﻳﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮزغ!« ﺛﻢ‬
‫أﺧﺮﺟﻪ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ﻗﺎ ‪» :‬ﻻ ﻳﺴﺎﻛﻨﻨﻲ ﻓﻴﻬﺎ أﺑﺪا‪ «.‬ﻗﺪ ﺷﻔﻊ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ إﻋﺎدﺗﻪ‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ‪ ،‬ﻃﻠﺐ ذﻟﻚ إﱃ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻓﺄﺑﻰ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻃﻠﺐ ذﻟﻚ إﱃ ﻋﻤﺮ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺎﻟﺮﻓﺾ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ زﺟﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﺣ ﱠﺮج ﻋﻠﻴﻪ أﻻ ﻳﻌﺎ د ﰲ أﻣﺮ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﺮة أﺧﺮ ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﺜﻤﺎ‬

‫‪164‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻌﴩ‬

‫أﻋﺎد اﻟﺤﻜﻢ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻓﺄﻧﻜﺮ املﺴﻠﻤﻮ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺳﻌﻰ إﻟﻴﻪ أﻋﻼ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻼﻣﻮ ﻓﻴﻪ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻨﻪ زﻋﻢ ﻟﻬﻢ أﻧﻪ ﻛﻠﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ر ﱢد اﻟﺤﻜﻢ ﻓﺄﻃﻤﻌﻪ ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻮﰲ ﻗﺒﻞ أ ﻳﺮ ﱠد ‪ .‬ﻳﻘﻮ‬
‫املﻌﺘﺬر ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ املﻌﺘﺰﻟﺔ‪ :‬إ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻳﺮ أ إﺧﺮاج اﻟﻨﺒﻲ‬
‫اﻟﺤﻜﻢ أﻫﻠﻪ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ﻟﻴﺲ ﴐﺑﺔ ﻻزب؛ ﻓﺈ ﺣﺎ املﻨﻔﻲ ﻗﺪ ﺗﺼﻠﺢ ﻋﲆ ﻣﺮ اﻟﺰﻣﻦ‪،‬‬
‫ﻓﻴﺠﻮز أ ﻳﻌﻔﻰ ﻋﻨﻪ أ ﻳﺮ ﱠد إﱃ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻧﻔﻲ ﻣﻨﻬﺎ‪ .‬ﻳﻘﻮﻟﻮ ﻛﺬﻟﻚ‪ :‬إ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻠﻢ‬
‫أ اﻟﻨﺒﻲ ﻛﺎ ﻳﺮﻳﺪ ر ﱠد اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﻨﻪ ذﻟﻚ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ؛ ﻷﻧﻪ اﻧﻔﺮد ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻠﻢ‬
‫ﻓﻠﻢ ﺗﺴﺘﻘﻢ ﺷﻬﺎدﺗﻪ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ ﻗﴣ ﺑﻌﻠﻤﻪ‪ ،‬ﻣﻦ ﺣﻖ اﻹﻣﺎ أ ﻳﻘﴤ ﺑﻌﻠﻤﻪ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﺧﺼﻮ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮ إ ﺳرية اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ﺟﺎﻫﻠﻴﺘﻪ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﺳريﺗﻪ ﺑﻌﺪ‬
‫إﺳﻼﻣﻪ املﺘﻜﻠﻒ ﻗﻮ اﻟﻨﺒﻲ‪» :‬ﻣﻦ ﻋﺬﻳﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮزغ!« ﻗﻮﻟﻪ‪» :‬ﻻ ﻳﺴﺎﻛﻨﻨﻲ ﻓﻴﻬﺎ‬
‫أﺑﺪا«؛ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻳﺤﻈﺮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﺮ ﱠد إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻟﻺﻣﺎ أ ﻳﻘﴤ ﺑﻌﻠﻤﻪ ﺣني‬
‫ﺗﻜﻮ ﻫﻨﺎ اﻟﺸﺒﻬﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻫﻢ أ اﻹﻣﺎ إﻧﻤﺎ ﻗﴣ ﺑﻤﺎ ﻗﴣ إﻳﺜﺎرا ﻟﻘﺮاﺑﺘﻪ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ‬
‫اﻟﺤﻜﻢ ﻋ ﱠﻢ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬ اﻟﺸﺒﻬﺔ ﺣﺪﻫﺎ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﻴﺘﺠﻨﺐ ﻋﺜﻤﺎ رد إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬ﻓﺈذا‬
‫أﺿﻔﻨﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﻗﻮ اﻟﻨﺒﻲ‪» :‬ﻻ ﻳﺴﺎﻛﻨﻨﻲ ﻓﻴﻬﺎ أﺑﺪا«‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ أﻳﴪ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﻟﺤﺮﻣﺔ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﻳﻘﺘﴤ أﻻ ﻳﺮ ﱠد ﻋﺜﻤﺎ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻟﻴﺴﺎﻛﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻴﺘﺎ ﺑﻌﺪ أ أﺑﻰ اﻟﻨﺒﻲ أ ﻳﺴﺎﻛﻨﻪ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴٍّﺎ‪.‬‬
‫ﻗﺪ دﻟﺖ ﺳرية ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻊ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻨﻴﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﲆ أﻧﻪ إﻧﻤﺎ ردﱠﻫﻢ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‬
‫إﻳﺜﺎرا ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺨري‪ ،‬ﺗﻜﺎﺛﺮا ﺑﻬﻢ ﻋﲆ ﻏري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪ ،‬اﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻬﻢ ﻋﲆ أﻣﻮر اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‬
‫اﻹدارة املﺎ ‪ .‬ﻓﻘﺪ أﻋﻄﻰ ﻋﺜﻤﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﺎﻻ ﻛﺜريا‪ ،‬ملﺎ ﻣﺎت اﻟﺤﻜﻢ ﴐب ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ‬
‫ﻗﱪ ﻓﺴﻄﺎﻃﺎ‪ .‬ﻗﺪ ﱃ ﻋﺜﻤﺎ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﺳﻮ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻓﺄﴎ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﺳﺎر ﺳرية ﻻ ﺗﻼﺋﻢ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻻ اﻟﺘﻮرع‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﻼﺋﻢ اﻟﺠﺸﻊ اﻟﻄﻤﻊ ﺣﺐ‬
‫اﻻﺳﺘﻜﺜﺎر ﻣﻦ املﺎ ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻋﻄﻰ اﻟﺤﺎرث ﻣﺎﻻ ﻛﺜريا ﻛﻤﺎ ﺳﻨﺮ ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫اﺧﺘﺺ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻤﺮ ا ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﻓﺄﻋﻄﺎ ﺣﺒﺎ اﺗﺨﺬ ﻟﻨﻔﺴﻪ زﻳﺮا ﻣﺸريا؛ ﻓﺪ ﻫﺬا‬
‫ﻛﻠﻪ ﻋﲆ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺪع اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻨﻴﻪ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ رﻗﺔ ﻟﻬﻢ ﻋﻄﻔﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫دﻋﺎﻫﻢ أﻳﻀﺎ ﻟﻴﻜﻮﻧﻮا ﻟﻪ ﻋﺪﱠة أﻋﻮاﻧﺎ‪.‬‬
‫ﻛﻞ ﻫﺬ أﻣﻮر ﻧﻘﻤﻬﺎ اﻟﻨﺎﻗﻤﻮ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أﻣﺮ دﻳﻨﻪ‪ .‬ﻗﺪ رأﻳﺖ أ ﻻ ﺑﺄس ﻋﲆ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ أﻛﺜﺮﻫﺎ‪ ،‬أ ﻗﺼﺔ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻨﻴﻪ ﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻌﺐ اﻟﺪﻓﺎع ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻫﻲ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪح ﰲ دﻳﻦ ﻋﺜﻤﺎ ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﺧﺎﻟﻒ‬

‫‪165‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻦ‪ ،‬ﺗﺄ ﱠ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺨﻄﺌﺎ أ ﻣﺼﻴﺒﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎ ﻟﻢ ﻳﻐري أﺻﻼ ﻣﻦ‬
‫أﺻﻮ اﻟﺪﻳﻦ ﻻ ﻫﺪ رﻛﻨﺎ ﻣﻦ أرﻛﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻫﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ رﺟﻞ ﻳﺨﻄﺊ ﻳﺼﻴﺐ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻛﻞ‬
‫اﻷﺋﻤﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﺴري ﺳرية أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ إ ﻋﺎﻫﺪ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ أ ﻳﺴري ﺳرية أﺑﻲ‬
‫ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ‪.‬‬
‫ﻳﻘﻴﻨﻨﺎ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻮ ﻗﻒ ﺑﺄﺣﺪاﺛﻪ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤ ﱢﺪ ملﺎ زاد املﺴﻠﻤﻮ ﻋﲆ أ ﻳﻨﺼﺤﻮا‬
‫ﻟﻪ ﻳﺸﺘﺪ ا ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﻟﻌﺘﺐ‪ ،‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﺘﺠﺎ ز ذﻟﻚ إﱃ ﻏري ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﻮﻧﻪ ﺗﺒﻌﺔ ﺳريﺗﻪ‬
‫ﻳﺨﻠﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني ﷲ ﻳﺤﺎﺳﺒﻪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻗ ﱠﺪ ﺣﺴﺎﺑﺎ ﻳﺴريا أ ﻋﺴريا‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﺑﺄﺣﺪاﺛﻪ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﺠﺎ زﻫﺎ ﻫﻮ ﻋﻤﺎﻟﻪ إﱃ أﺷﻴﺎء‬
‫أﺧﺮ ﺗﻤﺲ ﺣﻘﻮ اﻟﻨﺎس ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﺣﺮﻳﺎﺗﻬﻢ؛ ﻓﻜﺎ ﻫﺬا ﻣﺼﺪرا ﻟﴩ ﻋﻈﻴﻢ‪.‬‬

‫‪166‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﻌﴩون‬

‫ﻗﺪ ﻧﻘﻢ املﺴﻠﻤﻮ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﰲ اﻹدارة ﺳريﺗﻪ ﰲ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ اﻟﻌﺰ ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا‪ :‬إﻧﻪ‬
‫ﱠﱃ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث ﻻ ﻳﺼﻠﺤﻮ ﻟﻬﺎ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻻ ﻳﻨﺼﺤﻮ‬
‫ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻻ ﻳﺨﻠﺼﻮ هلل رﺳﻮﻟﻪ‪ ،‬ﻋﺰ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻦ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﻟﻮﺻﻴﺔ‬
‫ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﺤﻤﻞ ﺑﻨﻲ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ﻋﲆ رﻗﺎب اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻗﺪ ﻋﻮﺗﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺘﺐ‬
‫ﺣﺘﻰ ﻇﻬﺮ ﻓﺴﻖ ﻋﻤﺎﻟﻪ اﻧﺤﺮاﻓﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﺠﺎدﱠة ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺰ أﺣﺪا ﻣﻨﻬﻢ إﻻ ﻣﻀﻄ ٍّﺮا‪.‬‬
‫ﻓﻬﻮ ﱃ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻣﻜﺎ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص‪ ،‬ﱃ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻣﻜﺎ‬
‫أﺑﻲ ﻣﻮﳻ اﻷﺷﻌﺮ ‪ ،‬ﱃ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻣﻜﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص‪ ،‬آﺛﺮ‬
‫ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺑﺎﻟﺸﺎ ﻛﻠﻪ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻗﺪﱠﻣﻨﺎ ﰲ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ رأ ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻧﻼﺣﻆ ﻣﻊ ذﻟﻚ أ أﻧﺼﺎر ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ املﻌﺘﺰﻟﺔ ﻳﺘﻜﻠﻔﻮ ﰲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ أ ﺧﺼﻮﻣﻬﻢ ﻳﴪﻓﻮ ﰲ اﻟﻨﻌﻲ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻓﻈﺎﻫﺮ أ ﻗﻮ املﺪاﻓﻌني ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎ إ ﻋﺬر ﻗﺎﺋﻢ ﰲ ﺗﻮﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﱃ ﻣﻦ ﻋﻤﺎﻟﻪ؛ ﻷ‬
‫أﺣﻮاﻟﻬﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻮرة‪ ،‬ﻷ ﻇﺎﻫﺮ أﻣﺮﻫﻢ ﻛﺎ ﺣﺴﻨﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ ﺗﻮﻟﻴﺘﻬﻢ ﺑﺄس — ﻇﺎﻫﺮ‬
‫أ ﻫﺬا اﻟﻘﻮ ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﻣﻌﺮ ﻓﺔ ﻇﺎﻫﺮة‪ ،‬ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻓﻮﻻ ﺻﺪﻗﺎت‬ ‫ﻳﻌﻠﻢ أ ﷲ أﻧﺰ ﻓﻴﻪ ﻗﺮآﻧﺎ ﺳﻤﱠ ﺎ ﻓﺎﺳﻘﺎ‪ ،‬أ ﻋﻤﺮ ﻇﻦ أ أﻣﺮ ﻗﺪ ﺻﻠﺢ ﱠ‬
‫ﺗﻐﻠﺐ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أ ﻋﺰﻟﻪ ﺣني اﺳﺘﺒﺎ أﻧﻪ ﻣﺎ زا ﻋﲆ ﺟﺎﻫﻠﻴﺘﻪ‪ .‬ﻛﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻌﻠﻢ‬
‫ذﻟﻚ ﺣﻖ اﻟﻌﻠﻢ؛ ﻓﻘﺪ ر أﻧﻪ ﺣني دﺧﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﻴﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻜﺎ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻗﺎ ﻟﻪ ﺳﻌﺪ‪:‬‬
‫أزاﺋﺮا ﻳﺎ أﺑﺎ ﻫﺐ أ أﻣريا؟ ﻗﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ :‬ﺑﻞ أﻣريا ﻳﺎ أﺑﺎ إﺳﺤﺎ ‪ .‬ﻗﺎ ﺳﻌﺪ‪ :‬ﷲ ﻣﺎ أدر‬
‫أﺣﻤﻘﺖ ﺑﻌﺪ أ ﻛﺴﺖ ﺑﻌﺪ ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ :‬ﻣﺎ ﺣﻤﻘﺖ ﺑﻌﺪ ﻻ ﻛﺴﺖ ﺑﻌﺪ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﱄ‬
‫اﻟﻘﻮ اﻷﻣﺮ ﻓﺎﺳﺘﺄﺛﺮ ا‪ .‬ﻗﺎ ﺳﻌﺪ‪ :‬ﻣﺎ أرا إﻻ ﺻﺎدﻗﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻮ ﱠ‬
‫اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻷ أﻣﺮ ﺣﺴﻦ ﺑﻌﺪ ﻗﺒﺢ ﺻﻠﺢ ﺑﻌﺪ ﻓﺴﺎد‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﱄ ﻷ اﻟﻘﻮ ﻣﻠﻜﻮا ﻓﺎﺳﺘﺄﺛﺮ ا‪.‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺣﻖ اﻟﻌﻠﻢ أ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺷﺎب ﺣﺪث ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎ ز ﺳﻨﻪ‬
‫اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ اﻟﻌﴩﻳﻦ ﺑﻌﺪ‪ ،‬أ ﰲ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﻣﻦ ﻫﻢ أﻛﱪ ﻣﻨﻪ‬
‫ﺳﻨٍّﺎ‪ ،‬أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﺗﺠﺮﺑﺔ‪ ،‬أﻗﺪ ﻣﻨﻪ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ‪ .‬ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ أ ﷲ ﻗﺪ أﻧﺰ‬
‫ﻗﺮآﻧﺎ ﰲ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح‪ ،‬أ اﻟﻨﺒﻲ ﻛﺎ ﻗﺪ أﻫﺪر دﻣﻪ ﻳﻮ اﻟﻔﺘﺢ‪ .‬ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ‬
‫ﺣﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﻣﺴﺘﻮرة‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻇﻬﺮ ﻣﻦ أ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻇﺎﻫﺮ‬
‫ﻛﺬﻟﻚ أ ﻗﻮ أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ املﻌﺘﺰﻟﺔ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺰ ﻣﻦ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻇﻬﺮ ﻟﻪ ﻓﺴﻘﻪ أ ﻓﺴﺎد‬
‫أﻣﺮ ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ؛ ﻓﻌﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺰ اﻟﻮﻟﻴﺪ إﻻ ﺣني ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ ﻣﻨﺪ ﺣﺔ ﻋﻦ ﻋﺰﻟﻪ‪ .‬ﻟﺴﻨﺎ‬
‫ﻧﺰﻋﻢ أ ﻋﺜﻤﺎ ﺗﻠﻜﺄ ﰲ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﺪ ﻋﲆ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﺎ ﻧﻘﻄﻊ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺰﻟﻪ إﻻ ﺣني ﻇﻬﺮ‬
‫ﻣﻨﻪ اﻟﻔﺴﺎد ﻇﻬﻮرا ﻓﺎﺿﺤﺎ‪ ،‬ﺷﻬﺪ اﻟﺸﻬﻮد ﻋﻠﻴﻪ ﺑﴩب اﻟﺨﻤﺮ‪ ،‬ﺿﺞ ﻣﻨﻪ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪،‬‬
‫اﻷﻧﺼﺎر‪ .‬ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺰ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻋﻦ‬ ‫أﻟﺢ ﰲ ﻋﺰﻟﻪ املﻬﺎﺟﺮ‬
‫رﺿﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻛﺮ ﻋﲆ ﻋﺰﻟﻪ إﻛﺮاﻫﺎ ﺣني ﺳﺎر أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻓﺮ ﱡد ا ﺳﻌﻴﺪا ﺣﺎﻟﻮا ﺑﻴﻨﻪ ﺑني‬
‫دﺧﻮ ﻣﴫ‪ ،‬ﺧري ا ﻋﺜﻤﺎ ﺑني اﻟﺜﻮرة ﺑني أ ﻳﻮﱄ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﺑﺎ ﻣﻮﳻ اﻷﺷﻌﺮ ‪ .‬ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻌﺰ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻋﻦ رﺿﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻧﺬر املﴫﻳﻮ ﺑﺎﻟﺜﻮرة‪ ،‬أﻟﺢ‬
‫اﻷﻧﺼﺎر ﰲ ﻋﺰﻟﻪ‪ ،‬ﻃﺎﻟﺐ ﻋﲇ ﱞ ﺑﺄ ﻳﺤﻘﻖ ﻣﺎ اﺗﻬﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ؛ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻋﺰ‬ ‫املﻬﺎﺟﺮ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻛﺘﺐ ﺑﻌﻬﺪ ﻋﲆ ﻣﴫ ملﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‪ .‬ﻛﻞ ذﻟﻚ ﳾء ﻻ‬
‫ﺷﺒﻬﺔ ﻓﻴﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺸﺒﻬﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬ أرﺳﻞ ﺑﻘﺘﻞ‬
‫املﴫﻳني‪.‬‬
‫ﻓﻠﻴﺲ ﺻﺤﻴﺤﺎ إذ أ ﺣﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻮرة‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﺻﺤﻴﺤﺎ ﻛﺬﻟﻚ أ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺰﻟﻬﻢ ﺣني اﺳﺘﺒﺎ ﻟﻪ اﻋﻮﺟﺎج ﺳريﺗﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻇﺎﻫﺮ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ أ ﺧﺼﻮ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﴪﻓﻮ ﺣني ﻳﻘﻮﻟﻮ إ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا‬
‫أﺻﺤﺎب ﻛﻔﺎﻳﺔ ﻗﺪرة ﻋﲆ اﻟﻨﻬﻮض ﺑﺄﻣﻮر اﻟﺤﻜﻢ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ أ ﱄ ﻛﻔﺎﻳﺔ‬
‫ﻏﻨﺎء ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻚ‪ ،‬ﻳﺸﻬﺪ ﺑﺬﻟﻚ أﻧﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ أﺑﻠﻮا ﰲ اﻟﻔﺘﺢ أﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼء‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا‬
‫أ ﱄ ﻛﻔﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻳﻘﻮ أﻣﺮﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﻘﻮة اﻟﺒﺄس‪ ،‬ﻋﲆ اﻟﺠﱪﻳﺔ اﻟﻜﱪﻳﺎء‪،‬‬
‫ﻻ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻓﺮض اﻹﺳﻼ ﻣﻦ اﻟﻌﺪ اﻹﻧﺼﺎ املﺴﺎ اة اﻻﺳﺘﻤﺴﺎ ﺑﺎﻟﻌﻬﺪ اﻟﺬ أﻋﻄﺎ‬
‫ﻟﻴﻠﺘﺰﻣﻦ ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ ﺳرية اﻟﺸﻴﺨني ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﳾء ﻣﻦ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ‪،‬‬
‫ذﻟﻚ‪.‬‬
‫ﻓﺴﻴﺎﺳﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ اﻟﻌﺰ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻼﺋﻤﺔ ﻟﻠﻌﻬﺪ اﻟﺬ أﻋﻄﺎ ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ‬
‫ﰲ أ اﻟﺬﻳﻦ ﺿﺎﻗﻮا ﺑﻬﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ ﺛﺎر ا ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻧﻘﻤﻮا ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﺗﻮﻟﻴﺘﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا‬
‫ﻣﺨﻄﺌني‪.‬‬

‫‪168‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﳋﺎﻣﺲ واﻟﻌﴩون‬

‫اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ املﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺻﻄﻨﻌﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻨﺬ ﻧﻬﺾ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻮﺿﻮع ﻟﻠﻨﻘﻤﺔ‬
‫اﻹﻧﻜﺎر ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﴏ ا ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﺮ اة املﺆرﺧني‪ ،‬إ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻴﻤﺎ‬
‫ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﻟﻠﺠﺪ ﺑني املﺘﻜﻠﻤني‪ ،‬ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ املﻌﺘﺰﻟﺔ‪ ،‬ﻳﻨﻜﺮﻫﺎ اﻟﺸﻴﻌﺔ‬
‫اﻟﺨﻮارج ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬ﻳﻤﻜﻦ أ ﻧﺨﺘﴫ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﺜﻤﺎ املﺎﻟﻴﺔ ﰲ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﺮ أ ﻟﻺﻣﺎ‬
‫اﻟﺤﻖ ﰲ أ ﻳﺘﴫ ﰲ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﺮ أﻧﻪ املﺼﻠﺤﺔ‪ ،‬أﻧﻪ ﻣﺎ دا ﻗﺪ اﻧﻘﻄﻊ‬
‫ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻟﺘﺪﺑري أﻣﻮر املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻓﻠﻪ أ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺴﻌﻪ ﻳﺴﻊ أﻫﻠﻪ ذ‬
‫رﺣﻤﻪ ﻻ ﻳﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﺄﺳﺎ ﻻ ﺟﻨﺎﺣﺎ‪ .‬اﻟﴚء اﻟﺬ ﻟﻢ ﻳﻮﺿﺤﻪ املﺆرﺧﻮ ﺗﻮﺿﻴﺤﺎ ﻛﺎﻓﻴﺎ‪،‬‬
‫ﻫﻮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻗﺒﻞ أ ﻳﲇ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺳﺨﻴٍّﺎ ﺳﻤﺤﺎ ﻣﻌﻄﺎء‪ ،‬ﻛﺎ ﻛﺜري املﺎ ﺿﺨﻢ‬
‫اﻟﺘﺠﺎرة ﻛﺜري اﻻﻛﺘﺴﺎب‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻣﺎﻟﻪ ﻳﺴﻌﻪ ﻳﺴﻊ أﻫﻠﻪ ذ رﺣﻤﻪ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﱃ اﻟﺨﻼﻓﺔ‬
‫ﺷﻐﻠﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺎرة اﻻﻛﺘﺴﺎب‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺑﺪ ﻣﻦ أ ﻳﻨﻔﻖ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ أﻫﻠﻪ ذ‬
‫ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﻨﻔﻖ ﻗﺒﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻳﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ أ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻳﺠﺐ أﻻ ﺗﻐري‬
‫ﻣﻦ ﺳريﺗﻪ ﰲ املﺎ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﺴﻌﻔﻪ ﻣﺎﻟﻪ اﻟﺨﺎص ﺟﺐ أ ﺗﺴﻌﻔﻪ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ؛‬
‫ﻷ ﻣﺎﻟﻪ اﻟﺨﺎص ﻟﻢ ﻳﻘﴫ ﺑﻪ إﻻ ﻷﻧﻪ ﴏ ﻋﻦ ﺗﺪﺑري اﺳﺘﺜﻤﺎر ﺑﺘﻔﺮﻏﻪ ﻟﺘﺪﺑري ﻫﺬ‬
‫اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻷﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻗﺒﻞ ﺧﻼﻓﺘﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﺮاء ﻣﺎ ﻛﺎ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻓﻠﺴﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ أ‬
‫أﺣﺪا ﻣﻨﻬﻤﺎ اﺷﱰ ﺑﱤ ر ﻣﺔ أ اﺷﱰ اﻷرض اﻟﺘﻲ زﻳﺪت ﰲ املﺴﺠﺪ‪ ،‬أ ﺟﻬﱠ ﺰ اﻟﺠﻴﺶ‬
‫ﻟﻐﺰ ة ﺗﺒﻮ ؛ ﻻ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﺑﺨﻼ ﺑﺎملﺎ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻣﻦ ذ املﺎ اﻟﻜﺜري‪ .‬ﻫﻤﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻳﺘﻮﺳﻌﺎ ﰲ اﻹﻧﻔﺎ ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ أﻫﻠﻬﻤﺎ ذ رﺣﻤﻬﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺘﻮﺳﻊ؛‬
‫ﻷ ﺛﺮ ﺗﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻬﻤﺎ ذﻟﻚ‪ .‬ﻓﻬﻤﺎ إذ ﻟﻢ ﻳﻐريا ﺑﻌﺪ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺳريﺗﻬﻤﺎ ﻗﺒﻞ‬
‫اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬إﻻ أ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻗﺪ ﺗﺸﺪﱠدا ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ ﺗﺤ ﱡﺮﺟﺎ ﺗﺄﺛﻤﺎ‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻘﺪ ﻣﴣ ﺑﻌﺪ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﲆ ﺳريﺗﻪ اﻷ ﱃ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻠﺒﺚ ﻣﺎﻟﻪ ﰲ أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أ ﻗﴫ ﺑﻪ ﻓﺎﺳﺘﺒﺎح أ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ‬
‫أﻣﻮا املﺴﻠﻤني ﻣﺎ ﻳﻘﺎرب اﻟﺮﺑﺢ اﻟﺬ ﻛﺎ ﻣﺎﻟﻪ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﺪ ﱠر ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻮ أﻧﻔﻖ ﻗﺘﻪ ﺟﻬﺪ‬
‫ﰲ ﺗﺪﺑري ﺗﺜﻤري ‪ .‬ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻟﻪ أ اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أ اﺗﺴﻊ ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬أزﻟﻘﻪ‬
‫اﻟﺴﻠﻄﺎ إﱃ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻮد ﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺎء‪.‬‬
‫أﺧﺮ ﻳﺠﺐ أ ﻧﻼﺣﻈﻬﺎ ﰲ ﺗﻔﺴري اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ املﺎﻟﻴﺔ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻫﻲ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺮ‬
‫ﻳﻈﻦ أ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني اﻟﺤﻖ ﰲ أ ﻳﺮاﻗﺒﻮ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أ ﻳﻌﺎﻗﺒﻮ ‪ .‬ﻓﻬﻮ ﻗﺪ أﻋﻄﻰ اﻟﻌﻬﺪ‬ ‫ﱡ‬ ‫ﻓﻴﻤﺎ‬
‫اﻟﺬ أﻋﻄﺎ ‪ ،‬ﻫﻮ ﻣﺴﺌﻮ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ أﻣﺎ ﷲ ﻻ أﻣﺎ اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻳﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻗﺘﻨﺎﻋﻪ‬
‫ﺑﺄ اﻟﺬﻳﻦ ﻃﻠﺒﻮا إﻟﻴﻪ أ ﻳﺨﻠﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ ﻃﻠﺒﻮا إﻟﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ‪ ،‬ﻗﻮﻟﻪ ﻟﻬﺆﻻء ﻟﻐريﻫﻢ‪:‬‬
‫»ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﺧﻠﻊ ﻗﻤﻴﺼﺎ ﻗﻤﺼﻨﻴﻪ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ«‪ ،‬ﻗﻮﻟﻪ ﻟﻬﺆﻻء ﻟﻐريﻫﻢ‪» :‬ﻷ أﻗ ﱠﺪ ﻓﺘﴬب‬
‫ﻋﻨﻘﻲ أﺣﺐﱡ إﱄ ﱠ ﻣﻦ أ أﻧﺰع ﴎﺑﺎﻻ ﴎﺑﻠﻨﻴﻪ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ‪«.‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻨﺪ إذ ﺗﻜﻠﻴﻔﺎ ﺗﻠﻘﺎ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﺮ ﱠد ﻋﻠﻴﻬﻢ إ‬
‫ﺷﺎء ﻫﻮ أ ﺷﺎء ا ﻫﻢ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻨﺪ ﺛﻮﺑﺎ أﺳﺒﻐﻪ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻟﻪ أ ﻳﻨﺰﻋﻪ‬
‫ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻏري أ ﻳﻨﺰﻋﻪ ﻋﻨﻪ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﷲ ﺣﺪ ﻫﻮ اﻟﺬ ﻳﻤﻠﻚ ﺗﺠﺮﻳﺪ ﻣﻦ‬
‫ﻫﺬا اﻟﺜﻮب ﻳﻮ ﻳﺠ ﱢﺮد ﻣﻦ ﺛﻮب اﻟﺤﻴﺎة‪ .‬ﻋﺬر ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ أﻧﻪ رأ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ‬
‫ﻗﺪ ﻧﻬﻀﺎ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﻨﺰع ﻋﻦ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﺎ أﻗﺎ ﻋﲆ اﻟﺤﻴﺎة‪ .‬ﻓﻬﻮ إذ ﻣﺜﻠﻬﻤﺎ ﻗﺪ ﻧﻬﺾ‬
‫ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻳﺠﺐ أ ﻳﺴﺘﻤﺴﻚ ﺑﻬﺎ ﻣﺎ اﻣﺘﺪت ﻟﻪ أﺳﺒﺎب اﻟﺤﻴﺎة‪ .‬إذا ﻛﺎ ﻫﺬا رأﻳﻪ ﰲ‬
‫اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒﺎ أ ﻳﻀﻴﻖ ﺑﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺎدﻟﻮﻧﻪ ﰲ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ‪،‬‬
‫ﻳﺤﺎ ﻟﻮ أ ﻳﻜﻔﻮ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﺗﴫﻓﻪ ﰲ اﻹدارة أ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أ املﺎ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﺴﺌﻮﻻ‬
‫أﻣﺎ اﻟﻨﺎس‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺴﺌﻮ أﻣﺎ ﷲ ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺘﻜﻠﻒ ﻫﺬا اﻟﺮأ‬
‫ﺗﻜﻠﻔﺎ ﻻ ﻳﺼﻄﻨﻌﻪ درﻳﺌﺔ ﻳﺘﻘﻲ ﺑﻬﺎ ﻟﻮ اﻟﻼﺋﻤني ﻧﻘﻤﺔ اﻟﻨﺎﻗﻤني‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺮا ﻋﻦ‬
‫ﻧﻴﺔ ﺻﺎدﻗﺔ ﻋﻦ ﺑﺼرية ﺧﺎﻟﺼﺔ‪ .‬ﻟﻌﻞ ﻛﺜريا ﻣﻦ املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﴏ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮ ﰲ‬
‫اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﺜﻞ رأﻳﻪ‪ ،‬ﻳﺬﻫﺒﻮ ﰲ اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺬﻫﺒﻪ‪ .‬ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺬ ﻳﻔﴪ ﻟﻨﺎ أ ﺑﻌﺾ‬
‫اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﺴﺘﺒﻴﺤﻮ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ اﻟﺨﻼ ﻋﻦ أﻣﺮ ﺣﺘﻰ ﺣني ﻳﻨﺤﺮ ﻋﻦ اﻟﻘﺼﺪ‬
‫أ ﻳﺠﻮر ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ‪ .‬ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺄﺧﺬ اﻵﻳﺔ ﻋﲆ ﻇﺎﻫﺮ ﻧﺼﻬﺎ‪ ،‬ﻳﻜﺮﻫﻮ أ ﻳﺘﺄ ﻟﻮا ﰲ‬
‫ﻗﻮ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ‪﴿ :‬ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا أﻃﻴﻌﻮا ﷲ أﻃﻴﻌﻮا اﻟ ﱠﺮﺳﻮ أ ﱄ اﻷﻣﺮ ﻣﻨﻜﻢ﴾‪.‬‬
‫ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺆﺛﺮ إ أﺻﺎﺑﻬﻢ ﻣﻦ اﻹﻣﺎ ﻇﻠﻢ أ ﻳﺤﺘﻤﻠﻮا ﻫﺬا اﻟﻈﻠﻢ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻴﺜﺎﺑﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﰲ‬
‫ﻳﻔﻀﻠﻮ ذﻟﻚ ﻋﲆ أ ﻳﻘﺎ ﻣﻮا ﻓﻴﺘﻌﺮﺿﻮا ملﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾ اﻹﺛﻢ‪ ،‬ﻻ ﻋﻠﻴﻬﻢ‬ ‫اﻵﺧﺮة‪ ،‬ﱢ‬
‫أ ﻳﺼﻴﺒﻬﻢ اﻟﻈﻠﻢ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻳﻨﺎﻟﻬﻢ اﻟﺜﻮاب ﰲ اﻵﺧﺮة‪ ،‬أ ﻳﺤﺘﻤﻞ اﻹﻣﺎ ﺗﺒﻌﺔ أﻋﻤﺎﻟﻪ‬
‫ﻳﺆد ﺣﺴﺎﺑﻪ ﻋﻨﻬﺎ إﱃ ﷲ‪.‬‬

‫‪170‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻌﴩ‬

‫ﻫﺬا املﺬﻫﺐ ﻫﻮ اﻟﺬ ذﻫﺐ إﻟﻴﻪ أﺑﻮ ذ ﱟر ﺣني ﺳﻤﻊ أﻃﺎع ﻋﲆ إﻧﻜﺎر ﻟﻈﻠﻢ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫إﻳﺎ ‪ .‬ﻫﻮ اﻟﺬ ذﻫﺐ إﻟﻴﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﰲ أﻣﺮ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻣﺎ أﺻﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﻄﺶ ﻋﺜﻤﺎ ‪،‬‬
‫ﰲ أﻣﺮ اﻟﺪﻳﻦ ﺣني أﺗﻢ اﻟﺼﻼة ﻷ ﻋﺜﻤﺎ أﺗﻤﻬﺎ ﻣﻊ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻮاﻓﻖ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ إﺗﻤﺎﻣﻪ‬
‫ﻟﻠﺼﻼة‪.‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ ﻣﴣ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ إدارﺗﻪ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﻟﻠﺤﺮب املﺎ ؛ ﻳﺮ أ ﻣﻦ ﺣﻘﻪ اﻻﺟﺘﻬﺎد‪،‬‬
‫أﻧﻪ ﻣﺆ ﱟد ﺣﺴﺎﺑﻪ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻻﺟﺘﻬﺎد إﱃ ﷲ‪ ،‬أ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني أ ﻳﺴﻤﻌﻮا ﻟﻪ‬
‫ﻳﻄﻴﻌﻮا‪ ،‬أ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﻟﻬﻢ أ ﻳﻨﺼﺤﻮا ﻟﻪ ﻳﺸري ا ﻋﻠﻴﻪ؛ ﻓﺈ ﺷﺎء ﺳﻤﻊ ﻟﻬﻢ ﻗﺪ ﻓﻌﻞ‬
‫ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺪاث‪ ،‬إ ﺷﺎء أﺑﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻗﺪ ﻓﻌﻞ ﰲ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻵﺧﺮ‪ .‬ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ ﺗﺼﻮر‬
‫اﻟﺴﻠﻄﺎ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﺤﺪث؛ ﻓﻠﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﻷﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻻ ﻟﻌﻤﺮ أﻧﻪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎ‬
‫ﻣﻦ د املﺴﻠﻤني‪ .‬رﺑﻤﺎ اﺷﺘﺪ ﻋﻤﺮ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺛﻘﻞ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ،‬ﻛﺎﻟﺬ ر‬
‫ﻣﻦ أ ﻣﻠﻜﺔ اﻟﺮ أﻫﺪت إﱃ ز ﺟﻪ أ ﻛﻠﺜﻮ ﺑﻨﺖ ﻋﲇ ﱢ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻘﺪا ﻣﻦ ﺟﻮﻫﺮ‪،‬‬
‫ﻛﺎﻧﺖ أ ﻛﻠﺜﻮ ﻗﺪ أﻫﺪت إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺮاﺋﻒ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب‪ ،‬ﻓﻮﻗﻊ اﻟﻌﻘﺪ ﰲ ﻳﺪ ﻋﻤﺮ ﺣني‬
‫أﻗﺒﻞ ﺑﻪ اﻟﱪﻳﺪ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺸﺄ أ ﻳﺆدﻳﻪ إﱃ اﻣﺮأﺗﻪ ﺣﺘﻰ أﻣﺮ ﻓﻨﻮد ﰲ اﻟﻨﺎس‪ :‬اﻟﺼﻼة ﺟﺎﻣﻌﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻤﺎ اﺟﺘﻤﻊ إﻟﻴﻪ املﺴﻠﻤﻮ اﺳﺘﺸﺎرﻫﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻘﺪ‪ .‬ﻓﻜﻠﻬﻢ أﺷﺎر ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄ ﻳﺆدﻳﻪ إﱃ أ‬
‫ﻛﻠﺜﻮ ﻷﻧﻪ ﻣﻠﻜﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ ﺗﺤ ﱠﺮج ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﺣﻤﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﰲ ﺑﺮﻳﺪ املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺮد إﱃ‬
‫ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬أد إﱃ اﻣﺮأﺗﻪ ﻣﺎ أﻧﻔﻘﺖ ﰲ ﻫﺪﻳﺘﻬﺎ ملﻠﻜﺔ اﻟﺮ ‪ .‬ﻧﺤﻦ ﻧﻌﻠﻢ أ ﻫﺬ اﻟﺴرية‬
‫اﻟﺸﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﺴريﻫﺎ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ أﻫﻠﻪ ﻗﺪ ﺛﻘﻠﺖ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس‪ ،‬زﻫﺪت اﻟﻔﺘﻴﺎت‬
‫اﻟﻨﺴﺎء ﰲ اﻟﺘﺰ ج ﻣﻦ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﺣﻤﻠﺖ ﺑﻌﻀﻬﻦ ﻋﲆ رد ﺧﻄﺒﺘﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻧﻘﻴﺲ ﻫﺬ اﻟﺴرية‬
‫إﱃ ﺳرية ﻋﺜﻤﺎ ﺣني ﺣﲆ ﺑﻌﺾ أﻫﻠﻪ ﺑﺠﻮﻫﺮ ﻛﺎ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻛﻠﻢ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﺎ ‪:‬‬
‫»ﻟﻨﺄﺧﺬ ﱠ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻲء إ رﻏﻤﺖ أﻧﻮ أﻗﻮا ‪«.‬‬
‫ﻗﺪ ﻳﺸﻖ ﻋﻠﻴﻨﺎ أ ﻧﻼﺣﻆ أ ﻫﺬا املﺬﻫﺐ اﻟﺬ ذﻫﺒﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻫﻮ ﻧﻔﺲ‬
‫املﺬﻫﺐ اﻟﺬ ﻋﺮﺿﻪ زﻳﺎد ﰲ ﺧﻄﺒﺘﻪ املﺸﻬﻮرة ﺣني ﻗﺎ ‪» :‬أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس! إﻧﺎ ﻗﺪ أﺻﺒﺤﻨﺎ‬
‫ﻟﻜﻢ ﺳﺎﺳﺔ ﻋﻨﻜﻢ ذادة‪ ،‬ﻧﺴﻮﺳﻜﻢ ﺑﺴﻠﻄﺎ ﷲ اﻟﺬ أﻋﻄﺎﻧﺎ‪ ،‬ﻧﺬ د ﻋﻨﻜﻢ ﺑﻔﻲء ﷲ اﻟﺬ‬
‫ﺧﻮﱠﻟﻨﺎ‪ «.‬ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻻ ﻧﺮ ﻏﺮاﺑﺔ ﻓﻴﻤﺎ ر ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ‪» :‬إ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ ﻛﺎﻧﺎ‬
‫ﻳﻈﻠﻤﺎ أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ ﻗﺮاﺑﺘﻬﻤﺎ ﺗﻘﺮﺑﺎ إﱃ ﷲ‪ ،‬أﻧﺎ أﺻﻞ رﺣﻤﻲ ﺗﻘﺮﺑﺎ إﱃ ﷲ‪ «.‬اﺟﺘﻬﺪ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‬
‫ﻋﻤﺮ ﻓﻈﻠﻤﺎ أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ ﻗﺮاﺑﺘﻬﻤﺎ‪ ،‬اﺟﺘﻬﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻮﺻﻞ رﺣﻤﻪ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻟﻢ ﻳﻈﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬
‫ﻟﺴﻨﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ أ ﻧﻨﺎﻗﺶ ﰲ ﺻﺤﺔ ﻣﺎ ﺟﺎءت ﺑﻪ اﻟﺮ اﻳﺔ ﻣﻦ أﻧﻪ أﻋﻄﻰ‬
‫ﻣﺮ ا ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﺧﻤﺲ اﻟﻐﻨﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﻨﻤﻬﺎ املﺴﻠﻤﻮ ﰲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ أ ﺧﻤﺲ اﻟﺨﻤﺲ‪ ،‬أ‬

‫‪171‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻫﺐ ﻟﻪ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺛﻤﻦ اﻟﺨﻤﺲ‪ ،‬ﻣﻦ أﻧﻪ أﻋﻄﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻤﻪ‪ ،‬أﻋﻄﻰ اﺑﻨﻪ اﻟﺤﺎرث‬
‫ﺛﻠﺜﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪ ،‬أﻋﻄﻰ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ أﺳﻴﺪ اﻷﻣﻮ ﺛﻠﺜﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪ ،‬أﻋﻄﻰ ﻛﻞ اﺣﺪ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﺪ ا ﻣﻊ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪ ،‬ﺣﺘﻰ أﺑﻰ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻷرﻗﻢ‬
‫ﺻﺎﺣﺐ ﺑﻴﺖ املﺎ أ ﻳﻨﻔﺬ اﻷﻣﺮ اﺳﺘﻘﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ‪ ،‬أﻋﻄﻰ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻷرﻗﻢ ﻫﺬا ﺑﻌﺪ‬
‫اﺳﺘﻘﺎﻟﺘﻪ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ ﺗﻮرﻋﺎ زﻫﺪا‪ ،‬أﻋﻄﻰ اﻟﺰﺑري ﺑﻦ اﻟﻌﻮا ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪،‬‬
‫أﻋﻄﻰ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪ ،‬أﻋﻄﻰ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ‪ ،‬ز ﱠج ﺛﻼﺛﺎ‬
‫أ أرﺑﻌﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺗﻪ ﻟﻨﻔﺮ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻓﺄﻋﻄﻰ ﻛﻞ اﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ اﻟﺤﻖ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻄﺎء‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺒﻴﺢ ﻟﺼﺎﺣﺐ ﺑﻴﺖ املﺎ‬
‫أ ﻳﻌﴢ أﻣﺮ أ ﻳﺠﺎد ﻓﻴﻪ‪ .‬إذا اﺳﺘﺒﺎح ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻫﺬا اﻟﺴﺨﺎء ﻓﺄ ﱃ أ ﻳﺴﺘﺒﻴﺢ‬
‫ﻟﻨﻔﺴﻪ أ ﻳﻘﱰض ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا أﻳﴪ ﻗﴣ‪ .‬اﺿﺢ أ ﻋﻤﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ ﺳﺎر ا‬
‫ﰲ املﺎ ﺳرية إﻣﺎﻣﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺄﻋﻄﻮا اﻗﱰﺿﻮا اﻟﺘﻮ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺎﻟﺪﱠﻳﻦ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﻘﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ‬
‫ﻣﺴﻌﻮد ﰲ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻘﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻷرﻗﻢ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬إذا أﻃﻠﻖ اﻹﻣﺎ ﻳﺪ أﻃﻠﻖ‬
‫اﻟﻌﻤﺎ أﻳﺪﻳﻬﻢ ﰲ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﺮﻳﺒﺎ أ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﺠﻨﺪ إﱃ املﺎ‬
‫ﻓﻼ ﻳﺠﺪ ‪ ،‬أ ﻳﻀﻄﺮ اﻹﻣﺎ أ ﻳﻨﻔﻖ ﻋﲆ اﻟﺤﺮب ﻣﻦ أﻣﻮا اﻟﺼﺪﻗﺔ‪ ،‬ﻓﻴﻌ ﱢﺮض ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ملﺎ ﺗﻌ ﱠﺮض ﻟﻪ ﻣﻦ اﻹﻧﻜﺎر اﻟﺬ أﴍﻧﺎ إﻟﻴﻪ آﻧﻔﺎ‪ ،‬اﻟﺬ إ د ﻋﲆ ﳾء ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺪ ﻋﲆ أ‬
‫ﺳﻴﺎﺳﺔ املﺎ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ دﻗﻴﻘﺔ ﻻ ﻣﺤﻜﻤﺔ‪.‬‬
‫إذا أﻃﻠﻖ اﻹﻣﺎ ﻳﺪ ﰲ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ أﻃﻠﻖ اﻟﻌﻤﺎ أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ‪،‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﺮﻳﺒﺎ أ ﺗﻤﺘﺪ ﻫﺬ اﻷﻳﺪ إﱃ أﻣﻮا اﻟﺼﺪﻗﺔ‪ ،‬ﻻ ﻟﻺﻧﻔﺎ ﻋﲆ اﻟﺤﺮب ﺑﻞ ﻟﻠﻌﻄﺎء‬
‫ﺻﻠﺔ اﻟﺮﺣﻢ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ر أ ﻋﺜﻤﺎ أرﺳﻞ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﺼﺪﱢﻗﺎ ﻋﲆ ﻗﻀﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫ﺟﺎء ﺑﺼﺪﻗﺎﺗﻬﻢ ﻫﺒﻬﺎ ﻟﻪ‪ .‬ﺑﻞ إذا اﻣﺘﺪت اﻷﻳﺪ إﱃ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ‬
‫ﻏﺮﻳﺒﺎ أ ﻳﺤﺘﺎج ﺑﻴﺖ املﺎ إﱃ ﻣﺎ ﻳﻮاﺟﻪ ﺑﻪ ﻧﻔﻘﺎت اﻟﺤﺮب اﻟﺴﻠﻢ ﺳﺨﺎء اﻹﻣﺎ اﻟﻌﻤﺎ ‪،‬‬
‫ﻓﻴﺪﻋﻮ ذﻟﻚ إﱃ اﻟﺘﺸﺪد ﻋﲆ اﻟﺮﻋﻴﺔ اﻟﻌﻨﻒ ﺑﻬﺎ ﰲ ﺟﺒﺎﻳﺔ اﻟﺨﺮاج اﻟﺠﺰﻳﺔ اﻟﺰﻛﺎة‪ .‬ﻫﺬا‬
‫ﻳﻔﴪ ﻟﻨﺎ ﻣﺎ ر ﻣﻦ أ املﴫﻳني ﺷﻜﻮا ﻣﻦ ﻇﻠﻢ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻣﻦ ﻗﻮ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ‬
‫اﻟﻌﺎص ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ » :‬ﻫﻠﻜﺖ ﻓﺼﺎﻟﻬﺎ‪ «.‬ﻛﻤﺎ ﻳﻔﴪ ﻟﻨﺎ ﻣﺎ ر ﻣﻦ أ ﻋﻤﺎ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻛﺎﻧﻮا‬
‫ﻳﻈﻠﻤﻮ أﻫﻞ اﻟﺒﺎدﻳﺔ‪ ،‬ﻳﻨﺴﺐ ﻇﻠﻤﻬﻢ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺒﻠﻐﻪ ذﻟﻚ ﻓﻼ ﻳﻐري ﻣﻨﻪ‪ .‬ﻋﲆ أ ﻋﻄﺎء‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﴫ ﻋﲆ اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻣﻦ املﺎ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﺠﺎ ز إﱃ اﻟﺠﺎﻣﺪ أﻳﻀﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻧﻘﻢ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ أﻧﻪ ﻛﺎ ﻳﻘﻄﻊ اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ اﻟﻜﺜرية ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﻟﺒﻨﻲ أﻣﻴﺔ‪ .‬ﻗﺪ داﻓﻊ أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ‬
‫املﻌﺘﺰﻟﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻹﻗﻄﺎع ﺑﺄ ﻋﺜﻤﺎ إﻧﻤﺎ أﻗﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﺘﺼﻼﺣﺎ ﻟﻬﺬ اﻷرض ﻓﻨﺼﺢ ﺑﺬﻟﻚ‬

‫‪172‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻌﴩ‬

‫ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬ر ﱠد اﻟﺸﻴﻌﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺄ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻢ ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﺬا اﻟﺪﻓﺎع‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﻳﺮ ﱠد اﻟﺸﻴﻌﺔ أﻳﻀﺎ ﺑﺄ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا إﺧﺼﺎﺋﻴني ﻣﻦ د ﻗﺮﻳﺶ ﰲ‬
‫اﺳﺘﺼﻼح اﻷرض‪ ،‬ﺑﺄ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ إﺧﺼﺎﺋﻴﺔ ﻣﻦ د اﻟﻌﺮب ﰲ اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻀﻴﺎع‪،‬‬
‫ﺑﺄ اﻟﻌﺮب ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا إﺧﺼﺎﺋﻴني ﻣﻦ د ﺳﺎﺋﺮ املﺴﻠﻤني ﰲ إﺣﻴﺎء اﻷرض ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻬﺎ‪.‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﺟﺮت اﻷﻣﻮر ﻋﲆ ﻣﺎ ﻗﺪﱠﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﺼﻮر ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺤﻖ اﻹﻣﺎ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ‪ ،‬ﺗﴫﻓﻪ ﻃﺒﻘﺎ‬
‫ﻟﻬﺬ اﻷﺻﻮ اﻟﺘﻲ اﻗﺘﻨﻊ ﺑﻬﺎ‪ ،‬اﻗﺘﻨﻊ ﺑﻬﺎ ﻋﻤﺎﻟﻪ أﻳﻀﺎ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻗﺪﱠﻣﻨﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻻﻧﻘﻼب اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺬ أﺣﺪﺛﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﺣني أذ ملﻦ‬
‫أراد ﻣﻦ أﻫﻞ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب أ ﻳﺒﻴﻌﻮا ﻓﻴﺌﻬﻢ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﻳﺸﱰ ا ﻣﻜﺎﻧﻪ أرﺿﺎ ﰲ ﺟﺰﻳﺮة‬
‫اﻟﻌﺮب‪ ،‬ﺑﻴﱠﻨﱠﺎ أ ﻫﺬا اﻻﻧﻘﻼب ﻗﺪ أﻧﺸﺄ املﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﻘﺎرﻳﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ ﰲ اﻹﺳﻼ ‪ .‬ﻓﺈذا أﺿﻔﻨﺎ‬
‫إﱃ ذﻟﻚ ﺳﺨﺎء اﻹﻣﺎ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﺑﺎﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﺒﻨﻲ أﻣﻴﺔ ﻟﻘﺮﻳﺶ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬أ ﻫﺬا اﻟﺴﺨﺎء‬
‫ﻗﺪ أﺗﺎح ﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺷﻴني أ ﻳﺸﱰ ا اﻷرض ﰲ اﻷﻣﺼﺎر؛ د ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻋﲆ أ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‬
‫املﺎﻟﻴﺔ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻬﻲ إﱃ ﻧﺘﻴﺠﺘني ﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ ﴍ‪ :‬اﻷ ﱃ إﻧﻔﺎ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ ﰲ ﻏري‬
‫ﺣﻘﻬﺎ‪ ،‬ﻣﺎ ﻳﱰﺗﺐ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاب املﺎﱄ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ اﻟﺮﻋﻴﺔ‪ ،‬اﻷﺧﺮ إﻧﺸﺎء ﻫﺬ‬
‫اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻐﻨﻴﺔ املﴪﻓﺔ ﰲ اﻟﻐﻨﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻄﻤﻊ ﻻ ﺣ ﱠﺪ ﻟﻪ‪ ،‬ﻓﺘﺘﻮﺳﻊ ﰲ ﻣﻠﻚ اﻷرض‬
‫اﺳﺘﻐﻼ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺮ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ اﻻﻣﺘﻴﺎز ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺘﻨﺎﻓﺲ ﰲ‬
‫اﻟﺘﺴﻠﻂ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺮﻗﻰ إﱃ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﰲ اﻹﻣﺎرة ﰲ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻬﺎ اﻷﻣﺮ إﱃ ﻣﺎ‬
‫اﻧﺘﻬﻰ ﺑﻬﺎ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﻔﺘﻦ اﻟﺨﻄﻮب اﻟﺘﻲ أﻓﺴﺪت اﻷﻣﺮ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﻣﻨﺬ ﻗﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫إﱃ أ أدﻳﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ إﱃ ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس‪ .‬ﻃﺒﻴﻌﻲ أ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ‬
‫ﻳﺴﻊ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺴﺨﺎء‪ .‬ﻃﺒﻴﻌﻲ أ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺄﺧﺬ ا ﺣﻘﺪ ا ﻋﲆ اﻟﺬﻳﻦ أﺧﺬ ا‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﺣﻘﺪ ا ﻋﲆ اﻟﺬﻳﻦ أﻋﻄﻮﻫﻢ‪ ،‬ﻓﺴﺎءت اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني اﻹﻣﺎ اﻟﻮﻻة‪ ،‬ﺛﻢ ﻓﻜﺮ ا ﰲ‬
‫ﻫﺬا ﻛﻠﻪ‪ ،‬اﺳﺘﺤﴬ ا ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻠﺒﺜﻮا أ ﺗﺒﻴﻨﻮا أ ﰲ ﺳرية ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﺴﻨﺔ املﻮر ﺛﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﻇﻠﻤﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻃﻠﺐ أﻫﻞ اﻷﻣﺼﺎر‬
‫إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﺣني ﺛﺎر ا ﺑﻪ ﻗﺒﻞ أ ﻳﺤﴫ ‪ ،‬أ ﻳﺴﺘﺄﻧﻒ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ ﻣﺼﺎر اﻟﻔﻲء‪،‬‬
‫ﺑﺄﻻ ﻳﻌﻄﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻲء إﻻ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻴﻮخ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪.‬‬‫ﻃﺎﻟﺒﻮ ﱠ‬
‫ﱢ‬
‫ﺑﺎﻟﻜﻒ ﻋﻦ‬ ‫ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أﻧﻬﻢ رأ ا ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ أﴎ ﰲ إﻧﻔﺎ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻄﺎﻟﺒﻮ ﻻ‬
‫ﻫﺬا اﻹﴎا ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻮﺿﻊ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻐري ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﺴري ﰲ اﻟﻔﻲء ﺳرية ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ‪ :‬ﻳﻨﻔﺬ أﻣﺮ ﷲ ﻓﻴﺄﺧﺬ ﺧﻤﺲ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ‪ ،‬ﻳﻨﻔﺬ أﻣﺮ‬
‫ﷲ ﻓﻴﻘﺴﻢ اﻷﺧﻤﺎس اﻷرﺑﻌﺔ اﻷﺧﺮ ﺑني اﻟﺬﻳﻦ ﻏﻨﻤﻮﻫﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﻛﺎ ﻳﺠﻤﻊ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺨﻤﺲ‬

‫‪173‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻣﺎ ﻳﺠﺒﻰ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺮاج اﻟﺠﺰﻳﺔ‪ ،‬ﻳﻨﻔﻖ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻋﲆ املﺮاﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻔﺮض‬
‫اﻟﻌﻄﺎء ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني؛ ﻟﻠﺮﺟﺎ اﻟﻨﺴﺎء اﻷﻃﻔﺎ ‪ .‬ﻛﺎ اﻟﺠﻨﺪ ﻛﻐريﻫﻢ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‪،‬‬
‫ﻳﺄﺧﺬ ﻋﻄﺎءﻫﻢ إﱃ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺐ اﻟﻐﺎزﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﺣني ﺗﺘﺎح ﻟﻬﻢ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫رأ أﻫﻞ اﻷﻣﺼﺎر إﴎا اﻹﻣﺎ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﻃﺎﻟﺒﻮا ﺑﺄﻻ ﻳﻔﺮض‬
‫اﻟﻌﻄﺎء ﰲ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ إﻻ ملﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮا ﻋﲆ اﻟﻔﻲء ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ ﺳﻮاء ﻏﺰ ا أ ﻟﻢ ﻳﻐﺰ ‪ ،‬ﻳﻜﻮ‬
‫ﻋﻄﺎء اﻟﻐﺰاة ﻣﻨﻬﻢ أﺟﺮا ﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻋﻄﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺠﺰ ا ﻋﻦ اﻟﻐﺰ ﺷﻴﺌﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﰲ‬
‫ﻋﴫﻧﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ »املﻌﺎش«‪ .‬إﻻ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﺸﻴﻮخ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻗﺎﺗﻠﻮا ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﻏﺰا ﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﰲ اﻟﻔﺘﻮح‪ ،‬ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻟﻬﻢ اﻟﺤﻖ ﰲ أ ﻳﺮزﻗﻮا ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻲء ﻛﻐريﻫﻢ ﻣﻦ‬
‫ﱡ‬
‫اﻟﺴﻦ ﻓﺎﺳﺘﺤﻘﻮا املﻌﺎش‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻦ ﻋﺪاﻫﻢ‬ ‫اﻟﺠﻨﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮا‪ ،‬ﺛﻢ أﻋﺠﺰﺗﻬﻢ اﻟﺠﺮاﺣﺎت أ‬
‫ﻣﻦ املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮا ﻋﲆ اﻟﻔﻲء‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻬﻢ أ ﻳﺄﺧﺬ ا ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎ‪.‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ دﻓﻌﺖ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﺜﻤﺎ املﺎﻟﻴﺔ ﻫﺆﻻء اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ إﱃ أ ﻳﻠﺤﻮا ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﺗﻐﻴري‬
‫ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ .‬ﻣﺎ دا ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ ذﻫﺐ إﱃ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺗﻨﺤﺮ ﻋﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺮ ﺣﺘﻰ‬
‫أﺑﻌﺪ أﻧﺸﺄ ﻃﺒﻘﺔ »اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴني« اﻟﺬﻳﻦ أﴎﻓﻮا ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ املﻠﻚ اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻴﺲ‬
‫ﻫﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ ﻣﻦ أ ﻳﻜﻔﻮا ﻳﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻋﻦ ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ إ اﻗﺘﴣ‬
‫ذﻟﻚ اﻻﻧﺤﺮا ﻋﻦ ﺳرية ﻋﻤﺮ‪ .‬إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑ ﱞﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮ ﻋﲆ اﻷﺛﺮة ﻻ‬
‫ﻋﲆ اﻹﻳﺜﺎر‪ ،‬ﺗﻨﺤﺮ ﻋﻦ ﻫﺬ اﻻﺷﱰاﻛﻴﺔ املﻌﺘﺪﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻀﺖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ أﻣﻮر املﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻓﻼ‬
‫أﻗﻞ ﻣﻦ أ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﳾء ﻣﻦ اﻟﻌﺪ ﰲ ﻫﺬ اﻷﺛﺮة‪ ،‬ﻣﻦ أ ﻳﻜﻮ رأس املﺎ ﻣﻮﻗﻮﻓﺎ ﻋﲆ‬
‫اﻟﺬﻳﻦ اﻛﺘﺴﺒﻮ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﺑﺬﻟﻮا ﰲ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﺟﻬﻮدﻫﻢ دﻣﺎءﻫﻢ‪ .‬املﻬﻢ ﻫﻮ أ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ أراد ا‬
‫أ ﺗﻜﻮ »اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ« اﻟﺘﻲ أﺣﺪﺛﺘﻬﺎ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻋﺎدﻟﺔ ﺑﻤﻘﺪار ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أ‬
‫ﺗﺒﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﻮ اﻟﻌﺪ ‪ .‬ﺛﻢ ﻫﻢ رأ ا أ ﻛﺜريا ﻣﻦ ﺷﺒﺎب ﻗﺮﻳﺶ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻳﻌﻴﺸﻮ‬
‫ﻋﻴﺸﺔ ﺑﻄﺎﻟﺔ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ أﻋﻄﻴﺎﺗﻬﻢ‪ ،‬ﻗﺪ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮ إﱃ ﻫﺬ اﻷﻋﻄﻴﺎت‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا‪ :‬ﻣﻦ‬
‫ﻛﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻏﻨﻴٍّﺎ ﻓﻼ ﺣﻖ ﻟﻪ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﻣﻦ ﻛﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻘريا ﻓﻠﻴﻌﻤﻞ ﻟﻴﻜﺘﺴﺐ‪ ،‬ﻻ‬
‫ﻣﻌﻨﻰ ﻷ ﺗﻨﻔﻖ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﺎرﻏني املﺘﺒﻄﻠني‪ .‬ﻗﺪ أﺟﺎﺑﻬﻢ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﻮا‪،‬‬
‫ﺧﻄﺐ اﻟﻨﺎس ﻓﻘﺎ ﻟﻬﻢ‪ :‬ﻣﻦ ﻛﺎ ﻟﻪ زرع ﻓﻠﻴﻠﺤﻖ ﺑﺰرﻋﻪ‪ ،‬ﻣﻦ ﻛﺎ ﻟﻪ ﻋﻤﻞ ﻓﻠﻴﻜﺘﺴﺐ‬
‫ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ؛ ﻓﻠﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻋﻄﺎء إﻻ أ ﻳﻜﻮ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮا ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻔﻲء أ ﻣﻦ‬
‫ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻴﻮخ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب رﺳﻮ ﷲ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﻔﺬ ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‪ ،‬أﻋﺠﻠﺘﻪ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻋﻦ إﻧﻔﺎذﻫﺎ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﺳﺎر ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﰲ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺳرية ﻋﻤﺮ ﻓﻠﻢ ﻳﻨﻔﻖ املﺎ إﻻ ﺑﺤﻘﻪ؛ ﻟﺠﻨﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﺟﻨﺐ املﺴﻠﻤني ﴍٍّا‬

‫‪174‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻌﴩ‬

‫ﻋﻈﻴﻤﺎ‪ ،‬ﻟﻜﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أ ﻳﻨﺸﺊ اﻹﺳﻼ ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴٍّﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴٍّﺎ ﺻﺎﻟﺤﺎ‬
‫ﻳﺠﻨﺒﻬﺎ ﻛﺜريا ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاب اﻟﺬ اﺿﻄﺮت إﻟﻴﻪ‪ ،‬اﻟﻔﺴﺎد اﻟﺬ ﺗﻮرﻃﺖ ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻇﺮ‬
‫اﻟﺤﻴﺎة ﻛﺎﻧﺖ أﻗﻮ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻣﻦ ﻳﺪر ! ﻟﻌﻠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻮ أﻗﻮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ‬
‫ﻳﻌﺠﻠﻪ املﻮت‪.‬‬

‫‪175‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس واﻟﻌﴩون‬

‫أﻧﻜﺮ املﺴﻠﻤﻮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﻗﺪﻳﻪ ﻣﻌﺎرﺿﻴﻪ؛ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ اﻧﺤﺮ ﻋﻦ ﺳرية ﻋﻤﺮ‬
‫ﰲ ذﻟﻚ اﻧﺤﺮاﻓﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ؛ ﻓﻌﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﻨﻪ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻋﻦ ﳾء ﻛﻤﺎ ﻧﻬﺎﻫﻢ ﻋﻦ أ ﻳﺴﺘﻌﺒﺪ ا اﻟﻨﺎس‬
‫ﻗﺪ ﻟﺪﺗﻬﻢ أﻣﻬﺎﺗﻬﻢ أﺣﺮارا‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺤﺬﱢرﻫﻢ ﻣﻦ ﳾء ﻛﻤﺎ ﺣﺬﱠرﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻒ ﺑﺎﻟﺮﻋﻴﺔ‬
‫اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﲆ أﺑﺸﺎرﻫﺎ أﺷﻌﺎرﻫﺎ‪ .‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ إذ ﻳﺒﻴﺢ ﴐب اﻟﻨﺎس إﻻ ﰲ اﻟﺤﺪ د‪،‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﻔﻲ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎص إ ﺗﻌ ﱠﺪ ا ﻋﲆ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﺑﺎﻟﴬب ﰲ ﻏري ﺣ ﱟﺪ أ ﰲ ﻏري‬
‫ﺣﻖ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮ ‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ اﻋﺘﺬار أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ املﻌﺘﺰﻟﺔ ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ أﴎ‬
‫ﺗﺮ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻳﴪﻓﻮ ﰲ اﻟﻌﻨﻒ ﺑﺎﻟﺮﻋﻴﺔ ﴐﺑﺎ ﻧﻔﻴﺎ ﺣﺒﺴﺎ‪ .‬ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ ﴐب أ أﻣﺮ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ‪ :‬ﴐب ﻋﻤﺎر ﺑﻦ ﻳﺎﴎ ﺣﺘﻰ أﺻﺎﺑﻪ اﻟﻔﺘﻖ‪ ،‬أﻣﺮ‬ ‫ﱢ‬ ‫ﺑﴬب رﺟﻠني ﻣﻦ أﻋﻼ أﺻﺤﺎب‬
‫ﻣﻦ أﺧﺮج ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻲ إﺧﺮاﺟﺎ ﻋﻨﻴﻔﺎ ﺣﺘﻰ ﻛﴪ ﺑﻌﺾ أﺿﻼﻋﻪ‪.‬‬
‫ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺮﺟﻠني اﻟﺠﻠﻴﻠني ﻣﻦ ﻧﻘﺪﻫﻤﺎ ﻟﻪ ﺗﺸﻬريﻫﻤﺎ ﺑﻪ ﺗﺸﻨﻴﻌﻬﻤﺎ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻧﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﺣﺎﻛﻤﻬﻤﺎ أ أﻗﺎ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺤﺠﺔ أ أﺑﺎح ﻷﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪،‬‬
‫إﻧﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻗﻮ ﻋﻤﺎﻟﻪ أ ﻗﻮ ﺧﺎﺻﺘﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻋﺎﻗﺒﻬﻤﺎ د أ ﻳﻘﻴﻢ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺒﻴﻨﺔ‪،‬‬
‫ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﳾء‪.‬‬
‫ﻳﻘﻮ املﺪاﻓﻌﻮ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ املﻌﺘﺰﻟﺔ‪ :‬إ ﻟﻺﻣﺎ ﺣﻖ اﻟﺘﻌﺰﻳﺮ‪ .‬ﻟﻴﺲ‬
‫ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻚ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﺑﴩط أ ﻳﺄﺗﻲ املﺴﻠﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺘﻌﺰﻳﺮ‪ ،‬أ ﻳﻘﺎ‬
‫ﻟﻪ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻨﻪ ﺗﻘﻮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺒﻴﻨﺔ‪ .‬ﻣﺎ ﻧﻌﺮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﺣﺎﻛﻢ ﻋﻤﺎرا أ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد‪.‬‬
‫ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ ﺷﻖ ﻋﲆ أﺑﻲ ذ ﱟر ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺎ أ اﺿﻄﺮ إﱃ أ ﻳﻨﻔﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻷرض؛ ﻻ‬
‫ﻟﴚء إﻻ ﻷﻧﻪ أﻧﻜﺮ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﰲ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬أﻧﻜﺮ اﻟﻨﻈﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺬ أﻧﺸﺄ ﻃﺒﻘﺔ‬
‫اﻷﻏﻨﻴﺎء‪ ،‬أﺗﺎح ﻟﻬﻢ أ ﻳﻜﻨﺰ ا اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻔﻀﺔ‪ ،‬ﻳﺴﺘﻜﺜﺮ ا ﻣﻦ املﺎ إﱃ ﻏري ﺣﺪ‪ .‬ﺛﻢ ﻫﻮ‬
‫ﻗﺪ أذ ﻟﻌﻤﺎﻟﻪ أ ﻳﺨﺮﺟﻮا اﻟﻨﺎس ﻣﻦ دﻳﺎرﻫﻢ ﻛﻠﻤﺎ آﻧﺴﻮا ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻳﻜﺮﻫﻮ ‪ ،‬ﻓﺠﻌﻞ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻳﺘﻘﺎذﻓﻮ ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬ﻳﺮﺳﻠﻬﻢ ﺳﻌﻴﺪ إﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺮدﱡﻫﻢ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‬
‫إﱃ ﺳﻌﻴﺪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺮﺳﻠﻬﻢ ﺳﻌﻴﺪ إﱃ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ‪ ،‬د أ ﻳﺤﺎﻛﻤﻮا أ ﺗﻘﻮ ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫اﻟﺒﻴﻨﺔ أ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻨﻬﻢ دﻓﺎﻋﻬﻢ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ .‬أذ ﻟﻌﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﰲ أ ﻳﻨﻔﻲ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﻘﻴﺲ إﱃ اﻟﺸﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻳﺮا ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺒني أﻧﻪ ﻣﻈﻠﻮ ﻣﻜﺬ ب‬
‫ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬أراد أ ﻳﺮ ﱠد إﱃ اﻟﺒﴫة ﻓﺄﺑﻰ‪ .‬اﺟﱰأ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻋﲆ أ‬
‫ﻳﴬب ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻜﻮ إﱃ اﻹﻣﺎ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻰ ﺑﺄﺣﺪﻫﻢ إﱃ املﻮت‪ ،‬اﺿﻄ ﱠﺮ املﻬﺎﺟﺮ‬
‫اﻷﻧﺼﺎر أز اج اﻟﻨﺒﻲ إﱃ أ ﻳﻠﺤﻮا ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أ ﻳﻨﺼﻒ املﴫﻳني ﻣﻦ ﻋﺎﻣﻠﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻬ ﱠﻢ‬
‫ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﺎ أراد‪.‬‬
‫ﻓﻬﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻠﻂ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻋﲆ أﺑﺸﺎر اﻟﻨﺎس أﺷﻌﺎرﻫﻢ‪،‬‬
‫ﻋﲆ أﻣﻨﻬﻢ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ‪ ،‬ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ ﻻ ﻣﻦ ﺳرية اﻟﺸﻴﺨني ﰲ ﳾء‪ .‬ﻗﺪ اﺟﱰأ‬
‫ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻧﻘﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻗﺎ ﻟﻪ‪ :‬اﻋﺪ ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ‪ .‬ﻣﺮة‬
‫ﻣﺮة‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎﻟﻬﺎ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻟﻢ ﻳﺰد اﻟﻨﺒﻲ ﻋﲆ أ ﻗﺎ ‪ » :‬ﻳﺤﻚ! ﻓﻤﻦ ذا ﻳﻌﺪ إذا ﻟﻢ أﻋﺪ ؟!«‬
‫ﻫ ﱠﻢ املﺴﻠﻤﻮ أ ﻳﺒﻄﺸﻮا ﺑﻬﺬا اﻟﺮﺟﻞ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﻛﻔﻬﻢ ﻋﻦ ذﻟﻚ‪ .‬ﻗﺪ ﻳﻘﺎ إ املﺴﻠﻤني‬
‫أﺣﺪﺛﻮا ﰲ أﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ أﺣﺪاﺛﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ‪ ،‬ﻓﺴﺎر ﻓﻴﻬﻢ ﺳرية ﺗﻼﺋﻢ ﻫﺬ اﻷﺣﺪاث‪ .‬ﻫﺬا ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ‬
‫ﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﻗﺎ زﻳﺎد ﻷﻫﻞ اﻟﻌﺮا ‪ » :‬ﻗﺪ أﺣﺪﺛﺘﻢ أﺣﺪاﺛﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ‪ ،‬ﻗﺪ أﺣﺪﺛﻨﺎ ﻟﻜﻞ ذﻧﺐ‬
‫ﻻﺗﻪ ﺳﻴﺎﺳﺔ زﻳﺎد ﻣﺮﺗني‪.‬‬ ‫ﻋﻘﻮﺑﺔ‪ «.‬ﻏﺮﻳﺐ أ ﺗﺬﻛﺮﻧﺎ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫اﻵ ﻗﺪ اﺳﺘﻌﺮﺿﻨﺎ ﻫﺬ اﻷﺣﺪاث آراء املﺘﻜﻠﻤني ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻧﺴﺘﻘﺒﻞ‬
‫اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻣﻨﺬ ﺣﺪﺛﺖ‪ ،‬ﻧﻌﺮﺿﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ إﱃ أ اﻧﺘﻬﺖ إﱃ املﺮﺣﻠﺔ اﻷ ﱃ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻫﻮ‬
‫ﻫﺬا اﻟﺤﺪث اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬ ﻗﺘﻞ ﻓﻴﻪ اﻹﻣﺎ ﻋﻨﻮة ﻻ اﻏﺘﻴﺎﻻ‪.‬‬

‫‪178‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩون‬

‫املﺆرﺧﻮ ﻣﺠﻤﻌﻮ ﻋﲆ أ املﺴﻠﻤني اﺳﺘﻘﺒﻠﻮا ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎ راﺿني ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨني إﻟﻴﻬﺎ؛‬
‫ﻳﴪ ﻣﻦ أﻣﺮﻫﻢ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﻌﴪ‪ .‬ﻫﻮ ﻛﻤﺎ‬ ‫ﻷﻧﻪ ﺳﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﻀﻴﻖ‪ ،‬ﱠ‬
‫رأﻳﺖ ﻗﺪ زاد اﻟﻌﻄﺎء ملﺠﺮد ﻧﻬﻮﺿﻪ ﺑﺎﻷﻣﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﻫﻮ ﻗﺪ أﻻ ﻟﻠﻨﺎس ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ‪ ،‬ﺑﺴﻂ ﻟﻬﻢ‬
‫ﻳﺪ ﺑﺎﻟﻌﻄﺎء‪ ،‬أﺣﺲ اﻟﻨﺎس رﺧﺎء ﺳﻌﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺠﺪ ﻧﻬﻤﺎ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ‪ ،‬أﺣﺴﺖ ﻗﺮﻳﺶ‬
‫ﺑﻨﻮع ﺧﺎص ﺣﺮﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺠﺪﻫﺎ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻢ ﻟﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺐ اﻟﺤﺮة‪ ،‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺤﻼﻗﻴﻤﻬﺎ ﻣﺨﺎﻓﺔ أ ﺗﺘﻬﺎﻓﺖ ﰲ اﻟﻨﺎر‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺧﲆ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑني اﻟﺸﻌﺐ ﺗﻨﻔﺬ ﻣﻨﻪ إﱃ‬
‫ﺣﻴﺚ ﺷﺎءت ﻣﻦ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ اﻷﻣﺼﺎر‪ .‬ﻳﻜﺎد املﺆرﺧﻮ ﻳﺠﻤﻌﻮ ﻋﲆ أ اﻷﻋﻮا اﻟﺴﺘﺔ اﻷ ﱃ‬
‫ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻣ ﱠﺮت ﺑﺴﻼ ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻘﺒﻞ ﻋﺜﻤﺎ اﻟﺸﻄﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻇﻬﺮت‬
‫املﺼﺎﻋﺐ ﻗﺎﻣﺖ املﺸﻜﻼت‪.‬‬
‫ﻳﺨﻴﻞ إﱄ ﱠ أ املﺴﻠﻤني رﺿﻮا ﺑﺨﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﺳﺖ ﺳﻨني‪ ،‬ﺛﻢ اﺣﺘﻤﻠﻮﻫﺎ أرﺑﻊ ﺳﻨني‪.‬‬
‫ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎ ز ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺨﻼﻓﺘﻪ اﻷﻋﻮا اﻟﻌﴩة ﺟﻌﻞ املﺴﻠﻤﻮ ﻳﻀﻴﻘﻮ ﺑﻪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻠﻮ‬
‫ﺧﻼﻓﺘﻪ؛ ﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ ﳾء ﻣﻦ اﻟﺮﻓﻖ أ اﻷﻣﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﰲ ﳾء ﻣﻦ اﻟﺤﺪﱠة ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﰲ ﻋﻨﻒ ﺟﻌﻞ ﻳﺘﺰاﻳﺪ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻰ إﱃ ﻏﺎﻳﺘﻪ املﻨﻜﺮة ﻫﻲ ﻗﺘﻞ اﻹﻣﺎ ‪.‬‬
‫ﻟﻴﺲ ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻠﻖ ﻣﻌﺎرﺿﺔ أﺛﻨﺎء ﻫﺬ اﻷﻋﻮا اﻟﻌﴩة؛ ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮت‬
‫املﻌﺎرﺿﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻴﻮ اﻷ ﻟﺨﻼﻓﺘﻪ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ ﻗﻀﻴﺔ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻣﻌﻨﺎ أ‬
‫املﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ ﻃﻮر اﻟﺨﻄﻮرة إﻻ ﰲ اﻟﻌﺎﻣني اﻷﺧريﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬أﻛﺎد أﻋﺘﻘﺪ‬
‫أ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺸﺎؤ ﻗﺪ ﺷﺎع ﰲ ﻧﻔﻮس اﻟﻨﺎس ﻗﻠﻴﻼ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻨﺬ أﺿﺎع ﻋﺜﻤﺎ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﰲ ﺑﱤ أرﻳﺲ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻮارث اﻟﺸﻴﺨﺎ ﻫﺬا اﻟﺨﺎﺗﻢ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬أﻣﻀﻴﺎ ﺑﻪ أﻣﻮر اﻟﺪ ﻟﺔ ﻛﻠﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺠﺪا ﰲ ذﻟﻚ ﺧريا ﺑﺮﻛﺔ ﺗﺮاﺛﺎ ﻟﻪ ﺧﻄﺮ ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻤﻀﻴﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺨﺎﺗﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﻀﻴﺎ‬
‫ﻋﲆ أﻧﻬﻤﺎ ﺧﻠﻴﻔﺘﺎ ﻟﺮﺳﻮ ﷲ ﻳﻨﻔﺬا ﺳﻨﺘﻪ ﻳﻨﻬﺠﺎ ﻧﻬﺠﻪ‪ ،‬ﻳﻤﻀﻴﺎ ﺑﺨﺎﺗﻤﻪ اﻟﺬ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻛﺎ ﻳﻤﴤ ﺑﻪ اﻷﻣﻮر ﻗﺒﻞ أ ﻳﻔﺎر اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ .‬ﺗﻠﻘﻰ ﻋﺜﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﺨﺎﺗﻢ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺗﻠﻘﺎ‬
‫ﻋﻤﺮ ﻋﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺗﻠﻘﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻦ أﻫﻞ ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺣني اﺳﺘﺨﻠﻒ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻘﻂ‬
‫ﻫﺬا اﻟﺨﺎﺗﻢ ﻣﻦ ﻳﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ اﻟﺒﱤ ﺟﻌﻞ املﺴﻠﻤﻮ ﻳﻠﺘﻤﺴﻮﻧﻪ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﰲ اﻟﺘﻤﺎﺳﻪ د‬
‫أ ﻳﻈﻔﺮ ا ﺑﻪ ﻋﲆ ﻗﻠﺔ ﻣﺎ ﻛﺎ ﰲ اﻟﺒﱤ ﻣﻦ ﻣﺎء‪ ،‬ﻛﺮﻫﻮا ذﻟﻚ ﺗﻄري ا ﺑﻪ‪ ،‬اﺳﺘﺎء ﻟﺬﻟﻚ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ اﺳﺘﻴﺎء ﺷﺪﻳﺪا‪ ،‬ﻗﺪ اﺗﺨﺬ ﺧﺎﺗﻤﺎ ﺟﺪﻳﺪا ﻋﲆ ﺻﻮرة اﻟﺨﺎﺗﻢ اﻷ ﻧﻘﺶ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ‬
‫ﻛﺎ ﻣﻨﻘﻮﺷﺎ ﻋﲆ اﻟﺨﺎﺗﻢ اﻷ ‪» :‬ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮ ﷲ‪ «.‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺨﺎﺗﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﱠ‬
‫ﻳﻤﺲ‬
‫أﺻﺒﻊ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻤﺲ أﺻﺒﻊ اﻟﺸﻴﺨني‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﻣﺼﻨﻮع ﻟﻢ ﻳﻮرث ﻟﻢ ﺗﻤﺾ‬
‫ﺑﻪ اﻷﻣﻮر ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؛ ﻓﻜﺄ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ اﺳﺘﺄﻧﻒ ﻣﻨﺬ اﺗﺨﺬ ﻫﺬا اﻟﺨﺎﺗﻢ ﻋﻬﺪا ﺟﺪﻳﺪا‪ .‬ﻳﻘﻮ‬
‫اﻟﺮ اة‪ :‬إ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮ ﻛﺎ أ ﻣﻦ اﺟﱰأ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﺄﻟﻐﻰ ﺑﻌﺾ أﻣﺮ‬
‫أﻃﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻪ‪ .‬ذﻟﻚ أ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻌﺎة أﻗﺒﻠﻮا ﺑﺈﺑﻞ ﻟﻠﺼﺪﻗﺔ‪ ،‬ﻓﻮﻫﺒﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺒﻌﺾ‬
‫أﻫﻞ اﻟﺤﻜﻢ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻎ ذﻟﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ دﻋﺎ ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ أرﺳﻠﻬﻢ ﻓﺎﺳﱰد ا ﻟﻪ‬
‫ﻫﺬ اﻹﺑﻞ ﻗﺴﻤﻬﺎ ﰲ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻋﺜﻤﺎ ﰲ اﻟﺪار ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻐري ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻠﻢ ﻓﻴﻪ‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ .‬ﻓﻜﺎ اﺟﱰاء ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺧﻄﺮا ﰲ ﻧﻔﺴﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﺗﻐﻴري‬
‫ﻷﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎ ‪ ،‬ﻛﺎ ﺳﻜﻮت ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﺟﱰاء أﺷﺪ ﻣﻨﻪ ﺧﻄﺮا؛ ﻷﻧﻪ اﻋﱰا ﺑﺎﻟﺨﻄﺄ‬
‫ﻧﻘﺺ ﻣﻦ ﻫﻴﺒﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎ ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺟﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﻈﻬﺮ إﻧﻜﺎرﻫﻢ ملﺎ ﻳﻜﺮﻫﻮ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﺜﻤﺎ ؛‬
‫ﻳﺨﻄﺌﻮ ﰲ ذﻟﻚ ﻳﺼﻴﺒﻮ ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﻌﺎرﺿﻮ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎ ‪ .‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﺮج ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫أ ﻳﻮاﺟﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺎملﻌﺎرﺿﺔ ﻋﲆ ﻣﻸ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺘﺤﺮج ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻵﺧﺮ ﻣﻦ أ ﻳﻌﴢ‬
‫أﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ إذا ﺻﺪر إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﻛﺎﻟﺬ ﻛﺎ ﻣﻦ أﺑﻲ ذ ﱟر ﺣني أرﺳﻞ إﻟﻴﻪ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻨﻬﺎ ﻋﻤﺎ‬
‫ﻛﺎ ﻳﻠﻬﺞ ﺑﻪ ﻣﻦ ذ ﱢ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﺗﻼ ة اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ‪ ﴿ :‬ا ﱠﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﻨﺰ اﻟﺬﱠﻫﺐ اﻟﻔ ﱠﻀﺔ ﻻ‬
‫ﺒﴩﻫﻢ ﺑﻌﺬاب أﻟﻴﻢ﴾‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﻟﻪ ﻟﻢ ﻳﻄﻊ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻗﺎ ‪» :‬ﻷ‬ ‫ﻳﻨﻔﻘﻮﻧﻬﺎ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻓ ﱢ‬
‫أرﴈ ﷲ ﺑﺴﺨﻂ ﻋﺜﻤﺎ أﺣﺐﱡ إﱄ ﱠ ﺧري ﱄ ﻣﻦ أ أﺳﺨﻂ ﷲ ﺑﺮﺿﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪«.‬‬
‫ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺼﺔ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﺧﻠﻴﻘﺔ أ ﺗﺸﻌﺮ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس ﺑﻬﻴﺒﺔ ﻟﺴﻠﻄﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻤﺎ ﻳﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﺷﺄ اﻟﺴﻠﻄﺎ ﰲ اﻟﻨﻔﻮس أ ﺗﻘﻮ اﻟﺒﻴﻨﺔ ﻋﲆ أ ﺑﻌﺾ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﻗﺪ‬
‫ﴍب اﻟﺨﻤﺮ‪ ،‬أ ﻳﻀﻄﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ إﱃ ﻋﺰ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻣﻞ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﺪ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬أ ﻳﺘﺤﺪث‬
‫اﻟﻨﺎس ﺑﺄﻧﻪ أﺧﻄﺄ ﺣني ﱠﻻ ﻣﻜﺎ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﺑﺄﻧﻪ إﻧﻤﺎ ﱠﻻ ﻟﻘﺮاﺑﺘﻪ ﻣﻊ ﺗﻈﺎﻫﺮ اﻷدﻟﺔ ﻋﲆ أﻧﻪ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻫﻼ ﻟﻠﻮﻻﻳﺔ‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﺟﻌﻠﺖ املﻌﺎرﺿﺔ ﺗﺸﺘﺪ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﺗﺼﻞ أﺻﺪاؤﻫﺎ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ إﱃ اﺻﻄﻨﺎع اﻟﻨﻔﻲ اﻹدار ‪ .‬ﺟﻌﻠﺖ املﻌﺎرﺿﺔ ﺗﺸﺘﺪ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﺗﺼﻞ‬

‫‪180‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻌﴩ‬

‫أﺻﺪاؤﻫﺎ إﱃ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬ﻓﺘﺰﻳﺪ املﻌﺎرﺿني ﰲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﺷﺪة اﺟﱰاء‪ ،‬ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫إﱃ أ ﻳﺼﻄﻨﻊ اﻟﺸﺪة ﻣﻊ ﻣﻌﺎرﺿﻴﻪ أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻴﻮﻋﺪ ﻳﻨﺬر‪ ،‬ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﻧﻔﺴﻪ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺒﻄﺶ ﺑﺒﻌﺾ املﻌﺎرﺿني‪.‬‬
‫ﻗﺪ ر املﺆرﺧﻮ أ اﻟﻨﺎس ﻛﺜﺮ ا ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻧﺎﻟﻮا ﻣﻨﻪ أﺷﻨﻊ ﻣﺎ ﻧﻴﻞ ﻣﻦ أﺣﺪ‪،‬‬
‫ﻳﺴﻤﻌﻮ ﺛﻢ ﻻ ﻳﻨﻬﻮ ﻻ ﻳﺬﺑﻮ ‪ ،‬إﻻ‬ ‫ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ ﺛﻼﺛني‪ ،‬ﻛﺎ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺮ‬
‫ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺿﺌﻴﻠﺔ‪ :‬زﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ‪ ،‬أﺑﻮ أﺳﻴﺪ اﻟﺴﺎﻋﺪ ‪ ،‬ﻛﻌﺐ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ‪ ،‬ﺣﺴﺎ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ‪.‬‬
‫ﺑﻞ ﻛﺎ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬﻳﻦ أﻗﺎﻣﻮا ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻳﻜﺘﺒﻮ إﱃ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻔﺮﻗﻮا‬
‫ﰲ اﻟﺜﻐﻮر ﻳﺴﺘﻘﺪﻣﻮﻧﻬﻢ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻟﺘﻘﻮﻳﻢ ﻣﺎ اﻋﻮجﱠ ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻳﻘﻮﻟﻮ ﻟﻬﻢ‪ :‬إﻧﻜﻢ‬
‫ﺧﺮﺟﺘﻢ ﺗﻄﻠﺒﻮ اﻟﺠﻬﺎد راءﻛﻢ‪ ،‬ﻓﺎرﺟﻌﻮا إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ ﺻﻴﺎﻧﺘﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﻋ ﱠﺮﺿﻪ‬
‫اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻟﴩ ﻋﻈﻴﻢ‪ .‬اﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻓﺘﺬاﻛﺮ ا اﻷﺣﺪاث اﻟﺨﻄﻮب‪ ،‬ﻻﻣﻮا ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺄﻛﺜﺮ ا‬
‫ﻟﻮﻣﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻛﻠﻔﻮا ﻋﻠﻴٍّﺎ أ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻴﻜﻠﻤﻪ‪ .‬ﻗﺎ املﺆرﺧﻮ ‪ :‬ﻓﺪﺧﻞ ﻋﲇ ﱞ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪،‬‬
‫ﻓﻘﺎ ﻟﻪ‪» :‬اﻟﻨﺎس راﺋﻲ ﻗﺪ ﻛﻠﻤﻮﻧﻲ ﻓﻴﻚ‪ ،‬ﷲ ﻣﺎ أدر ﻣﺎ أﻗﻮ ﻟﻚ‪ ،‬ﻣﺎ أﻋﺮ ﺷﻴﺌﺎ‬
‫ﺗﺠﻬﻠﻪ‪ ،‬ﻻ أدﻟﻚ ﻋﲆ أﻣﺮ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻪ‪ .‬إﻧﻚ ﻟﺘﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻣﺎ ﺳﺒﻘﻨﺎ إﱃ ﳾء ﻓﻨﺨﱪ ﻋﻨﻪ‪،‬‬
‫ﻻ ﺧﻠﻮﻧﺎ ﺑﴚء ﻓﻨﺒﻠﻐﻜﻪ‪ ،‬ﻣﺎ ﺧﺼﺼﻨﺎ ﺑﺄﻣﺮ د ﻧﻚ‪ .‬ﻗﺪ رأﻳﺖ ﺳﻤﻌﺖ ﺻﺤﺒﺖ رﺳﻮ‬
‫ﷲ ﷺ ﻧﻠﺖ ﺻﻬﺮ ‪ .‬ﻣﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺤﺎﻓﺔ ﺑﺄ ﱃ ﺑﻌﻤﻞ اﻟﺤﻖ ﻣﻨﻚ‪ ،‬ﻻ اﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﺑﺄ ﱃ‬
‫ﺑﴚء ﻣﻦ اﻟﺨري ﻣﻨﻚ‪ .‬إﻧﻚ أﻗﺮب إﱃ رﺳﻮ ﷲ ﷺ رﺣﻤﺎ‪ ،‬ﻟﻘﺪ ﻧﻠﺖ ﻣﻦ ﺻﻬﺮ رﺳﻮ‬
‫ﷲ ﷺ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﺎﻻ ﻻ ﺳﺒﻘﺎ إﱃ ﳾء‪ ،‬ﻓﺎهلل ﷲ ﰲ ﻧﻔﺴﻚ؛ ﻓﺈﻧﻚ ﷲ ﻣﺎ ﺗﺒﴫ ﻣﻦ ﻋﻤﻰ‬
‫ﺑني‪ ،‬إ أﻋﻼ اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻘﺎﺋﻤﺔ‪ .‬ﺗﻌﻠﻢ ﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ أ‬‫ﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﻞ‪ ،‬إ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻮاﺿﺢ ﱢ‬
‫أﻓﻀﻞ ﻋﺒﺎد ﷲ ﻋﻨﺪ ﷲ إﻣﺎ ﻋﺎد ﻫﺪ ﻫﺪ ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺎ ﺳﻨﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ‪ ،‬أﻣﺎت ﺑﺪﻋﺔ ﻣﱰ ﻛﺔ‪.‬‬
‫ﻛﻼ ﻟﺒني‪ ،‬إ اﻟﺴﻨﻦ ﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻟﻬﺎ أﻋﻼ ‪ ،‬إ اﻟﺒﺪع ﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻟﻬﺎ أﻋﻼ ‪ ،‬إ ﴍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ﻓﻮﷲ إ‬
‫اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪ ﷲ إﻣﺎ ﺟﺎﺋﺮ ﺿ ﱠﻞ ﺿ ﱠﻞ ﺑﻪ ﻓﺄﻣﺎت ﺳﻨﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ أﺣﻴﺎ ﺑﺪﻋﺔ ﻣﱰ ﻛﺔ‪ .‬إﻧﻲ‬
‫ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮ ﷲ ﷺ ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻳﺆﺗﻰ ﻳﻮ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺎﻹﻣﺎ اﻟﺠﺎﺋﺮ ﻟﻴﺲ ﻣﻌﻪ ﻧﺼري ﻻ‬
‫ﻋﺎذر‪ ،‬ﻓﻴﻠﻘﻰ ﰲ ﺟﻬﻨﻢ‪ ،‬ﻓﻴﺪ ر ﰲ ﺟﻬﻨﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺪ ر اﻟﺮﺣﻰ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺮﺗﻄﻢ ﰲ ﻏﻤﺮة ﺟﻬﻨﻢ‪«.‬‬
‫إﻧﻲ أﺣﺬﱢر ﷲ أﺣﺬر ﺳﻄﻮﺗﻪ ﻧﻘﻤﺎﺗﻪ؛ ﻓﺈ ﻋﺬاﺑﻪ ﺷﺪﻳﺪ أﻟﻴﻢ‪ .‬أﺣﺬﱢر أ ﺗﻜﻮ‬
‫إﻣﺎ ﻫﺬ اﻷﻣﺔ املﻘﺘﻮ ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﺎ ‪» :‬ﻳﻘﺘﻞ ﰲ ﻫﺬ اﻷﻣﺔ إﻣﺎ ﻓﻴﻔﺘﺢ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﺘﻞ اﻟﻘﺘﺎ‬

‫‪181‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫اﻟﺤﻖ ﻟﻌﻠﻮ اﻟﺒﺎﻃﻞ‪،‬‬ ‫إﱃ ﻳﻮ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻳﻠﺒﺲ أﻣﻮرﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻳﱰﻛﻬﻢ ﺷﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺒﴫ‬
‫ﻳﻤﻮﺟﻮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻮﺟﺎ ﻳﻤﺮﺟﻮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮﺟﺎ«‪1 «.‬‬

‫ﻟﺴﺖ أدر أر ﺣﺪﻳﺚ ﻋﲇ ﱟ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ أ ر ﰲ ﻧﺺ ﻣﻘﺎرب ﻳﺆد‬

‫ﻣﻌﻨﺎ إ ﻟﻢ ﻳﺆد أﻟﻔﺎﻇﻪ‪ .‬ﻟﻜﻦ املﻬﻢ ﻫﻮ أ املﻌﺎرﺿﺔ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻗﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻋﻦ ﻃﻮر‬
‫اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻔﺮد املﺘﻔﺮ اﻟﺬ ﻳﻘﺎ ﻫﻨﺎ ﻫﻨﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﺘﺠﺎ ز ذﻟﻚ إﱃ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ‪ .‬ﺧﺮﺟﺖ ﻋﻦ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻄﻮر إﱃ ﻃﻮر آﺧﺮ ﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ اﻻﺗﺠﺎ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﺒﺎﴍة‪ ،‬ﺗﺮﻓﻊ إﻟﻴﻪ‬
‫ﻧﻘﺪﻫﺎ ﻟﺴريﺗﻪ إﻧﻜﺎرﻫﺎ ﻟﺴﻴﺎﺳﺘﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﺎ ﻳﻜﻮ ﻣﻨﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‪ .‬ﻓﻬﻲ إذ ﻗﺪ ﺧﺮﺟﺖ‬
‫ﻣﻦ املﻌﺎرﺿﺔ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ إﱃ املﻌﺎرﺿﺔ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻧﻘﻮ ﻧﺤﻦ ﰲ ﻫﺬ اﻷﻳﺎ ‪ .‬ﻗﺪ اﺳﺘﻤﻊ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺮﺳﻮ املﻌﺎرﺿني إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ر ﱠد ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﻗﺪ ﷲ ﻋﻠﻤﺖ ﻟﻴﻘﻮﻟ ﱠﻦ اﻟﺬ ﻗﻠﺖ‪ .‬أﻣﺎ‬
‫ﷲ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﻋﻨﻔﺘﻚ ﻻ أﺳﻠﻤﺘﻚ‪ ،‬ﻻ ﻋﺒﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﻻ ﺟﺌﺖ ﻣﻨﻜﺮا أ ﺻﻠﺖ‬
‫رﺣﻤﺎ‪ ،‬ﺳﺪدت ﺧﻠﺔ‪ ،‬آ ﻳﺖ ﺿﺎﺋﻌﺎ‪ ،‬ﻟﻴﺖ ﺷﺒﻴﻬﺎ ﺑﻤﻦ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻳﻮﱄ! أﻧﺸﺪ ﷲ ﻳﺎ‬
‫ﻋﲇ! ﻫﻞ ﺗﻌﻠﻢ أ املﻐرية ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎ ؟ ﻗﺎ ‪ :‬ﻧﻌﻢ‪ .‬ﻗﺎ ‪ :‬ﻓﺘﻌﻠﻢ أ ﻋﻤﺮ ﱠﻻ ؟ ﻗﺎ ‪:‬‬
‫ﻧﻌﻢ‪ .‬ﻗﺎ ‪ :‬ﻓﻠﻢ ﺗﻠﻮﻣﻨﻲ أ ﻟﻴﺖ اﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﰲ رﺣﻤﻪ ﻗﺮاﺑﺘﻪ؟ ﻗﺎ ﻋﲇﱞ‪ :‬ﺳﺄﺧﱪ ‪ ،‬إ ﻋﻤﺮ‬
‫ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﻛﺎ ﻛ ﱡﻞ ﻣﻦ ﱃ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﻄﺄ ﻋﲆ ﺻﻤﺎﺧﻪ‪ ،‬إ ﺑﻠﻐﻪ ﻋﻨﻪ ﺣﺮ ﺟﻠﺒﻪ ﺛﻢ ﺑﻠﻎ‬
‫ﺑﻪ أﻗﴡ اﻟﻐﺎﻳﺔ‪ .‬أﻧﺖ ﻻ ﺗﻔﻌﻞ‪ ،‬ﺿﻌﻔﺖ رﻓﻘﺖ ﻋﲆ أﻗﺮﺑﺎﺋﻚ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻫﻢ أﻗﺮﺑﺎؤ‬
‫أﻳﻀﺎ‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻋﲇﱞ‪ :‬ﻟﻌﻤﺮ إ رﺣﻤﻬﻢ ﻣﻨﻲ ﻟﻘﺮﻳﺒﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﻔﻀﻞ ﰲ ﻏريﻫﻢ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪:‬‬
‫ﻫﻞ ﺗﻌﻠﻢ أ ﻋﻤﺮ ﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻛﻠﻬﺎ! ﻓﻘﺪ ﻟﻴﺘﻪ‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻋﲇ‪ :‬أﻧﺸﺪ ﷲ‪ ،‬ﻫﻞ ﺗﻌﻠﻢ‬
‫أ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻛﺎ أﺧﻮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ ﻳﺮﻓﺄ ﻏﻼ ﻋﻤﺮ ﻣﻨﻪ؟ ﻗﺎ ‪ :‬ﻧﻌﻢ‪ .‬ﻗﺎ ﻋﲇﱞ‪ :‬ﻓﺈ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‬
‫ﻳﻘﺘﻄﻊ اﻷﻣﻮر د ﻧﻚ أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻴﻘﻮ ﻟﻠﻨﺎس‪ :‬ﻫﺬا أﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻴﺒﻠﻐﻚ ﻻ ﺗﻐري ﻋﲆ‬
‫ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪2 .‬‬

‫ﻓﻬﺬا اﻟﺤﻮار اﻟﻘﺼري ﻳﺼﻮر أد ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ املﻌﺎرﺿﺔ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺗﻨﻜﺮ ﻋﲆ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻣﺎ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺮ ﱡد ﺑﻪ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻹﻧﻜﺎر‪ .‬ﻓﻘﺪ أﻧﻜﺮت املﻌﺎرﺿﺔ ﻋﻠﻴﻪ إﻳﺜﺎر ﻗﺮاﺑﺘﻪ‬
‫ﺑﺎﻷﻣﻮا اﻷﻋﻤﺎ ‪ ،‬ﺿﻌﻔﻪ أﻣﺎ اﻟﻌﻤﺎ ﻣﻦ أﻗﺮﺑﺎﺋﻪ‪ .‬ر ﱠد ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺰد ﻋﲆ أ‬
‫ﺻﻞ رﺣﻤﺎ ﺳ ﱠﺪ ﺧﻠﺔ آ ﺿﺎﺋﻌﺎ‪ ،‬أﻧﻪ ﺳﺎر ﰲ اﺧﺘﻴﺎر اﻟﻌﻤﺎ ﺳرية ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﱃ‬
‫ﻋﻤﺮ املﻐرية ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ ﻣﻊ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎ ‪ ،‬ﱃ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻛﻠﻬﺎ‪ .‬ر ﱠد ﻋﲇ ﱞ ﺑﺄ ﻋﻤﺮ‬

‫‪ 1‬ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻄﱪ ﰲ أﺣﺪاث ﺳﻨﺔ ‪٣٤‬ﻫ‪.‬‬

‫‪ 2‬ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻄﱪ ﰲ أﺣﺪاث ﺳﻨﺔ ‪٣٤‬ﻫ‪.‬‬

‫‪182‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻌﴩ‬

‫ﻛﺎ ﻳﺮاﻗﺐ ﻋﻤﺎﻟﻪ أﺷﺪ املﺮاﻗﺒﺔ ﻳﺒﻄﺶ ﺑﻬﻢ إ اﻧﺤﺮﻓﻮا‪ ،‬ﺑﺄ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻛﺎ ﻳﺨﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻋﻤﺮ أﺷﺪ ﻣﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺨﺎ ﻣﻨﻪ ﻏﻼﻣﻪ ﻳﺮﻓﺄ‪ .‬اﻓﱰ اﻟﺮﺟﻼ ﻋﲆ ﻏري اﺗﻔﺎ ‪ ،‬إﻻ أ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻗﺪ ﺟﺪ ﻋﲆ ﻋﲇ ﱟ ﻷﻧﻪ أﺳﻠﻤﻪ ﻻﻣﻪ ﻋﺎب ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﺤﻖ ﻋﻠﻴﻪ أ ﻳﺮﻋﻰ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻘﺮاﺑﺔ‪ .‬ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺎع ملﺎ ﺳﻤﻊ ﻣﻦ ﻋﲇ ﱟ ﻗﻮ ﻣﺎ ﻗﺎ ﻟﻪ‪ ،‬ﺑﻞ أراد أ‬
‫ﻳﻮاﺟﻪ املﻌﺎرﺿﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ‪ ،‬أ ﻳﻨﺬر ﻳﺤﺬﱢر‪.‬‬
‫ﻓﺨﺮج ﺣﺘﻰ ﺟﻠﺲ ﻋﲆ املﻨﱪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎ ‪» :‬أﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﺈ ﻟﻜﻞ ﳾء آﻓﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻞ أﻣﺮ ﻋﺎﻫﺔ‪،‬‬
‫ﻳﴪ ﻣﺎ‬ ‫ﱡ‬ ‫إ آﻓﺔ ﻫﺬ اﻷﻣﺔ ﻋﺎﻫﺔ ﻫﺬ اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻋﻴﺎﺑﻮ ﻃﻌﺎﻧﻮ ﻳﺮ ﻧﻜﻢ ﻣﺎ ﺗﺤﺒﻮ‬
‫ﺗﻜﺮﻫﻮ ‪ ،‬ﻳﻘﻮﻟﻮ ﻟﻜﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮ ‪ ،‬أﻣﺜﺎ اﻟﻨﻌﺎ ﻳﺘﺒﻌﻮ أ ﱠ ﻧﺎﻋﻖ‪ ،‬أﺣﺐﱡ ﻣﻮاردﻫﺎ إﻟﻴﻬﺎ‬
‫اﻟﺒﻌﻴﺪ‪ ،‬ﻻ ﻳﴩﺑﻮ إﻻ ﻧﻐﺼﺎ‪ ،‬ﻻ ﻳﺮد إﻻ ﻋﻜﺮا‪ ،‬ﻻ ﻳﻘﻮ ﻟﻬﻢ راﺋﺪ‪ ،‬ﻗﺪ أﻋﻴﺘﻬﻢ اﻷﻣﻮر‬
‫ﺗﻌﺬﱠرت ﻋﻠﻴﻬﻢ املﻜﺎﺳﺐ! أﻻ ﻓﻘﺪ ﷲ ﻋﺒﺘﻢ ﻋﲇ ﱠ ﺑﻤﺎ أﻗﺮرﺗﻢ ﻻﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﺑﻤﺜﻠﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ‬
‫ﻃﺌﻜﻢ ﺑﺮﺟﻠﻪ ﴐﺑﻜﻢ ﺑﻴﺪ ﻗﻤﻌﻜﻢ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻓﺪﻧﺘﻢ ﻟﻪ ﻋﲆ ﻣﺎ أﺣﺒﺒﺘﻢ أ ﻛﺮﻫﺘﻢ‪ .‬ﻟﻨﺖ‬
‫ﻟﻜﻢ أ ﻃﺄت ﻟﻜﻢ ﻛﻨﻔﻲ ﻛﻔﻔﺖ ﻳﺪ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻋﻨﻜﻢ‪ ،‬ﻓﺎﺟﱰأﺗﻢ ﻋﲇﱠ‪ .‬أﻣﺎ ﷲ ﻷﻧﺎ أﻋ ﱡﺰ ﻧﻔﺮا‬
‫أﻗﺮب ﻧﺎﴏا أﻛﺜﺮ ﻋﺪدا أﻗﻤﻦ إ ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻫﻠﻢﱠ‪ ،‬أﺗﻲ إﱄ ﱠ‪ .‬ﻟﻘﺪ أﻋﺪدت ﻟﻜﻢ أﻗﺮاﻧﻜﻢ أﻓﻀﻠﺖ‬
‫ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﻀﻮﻻ‪ ،‬ﻛﴩت ﻟﻜﻢ ﻋﻦ ﻧﺎﺑﻲ‪ ،‬أﺧﺮﺟﺘﻢ ﻣﻨﻲ ﺧﻠﻘﺎ ﻟﻢ أﻛﻦ أﺣﺴﻨﻪ ﻣﻨﻄﻘﺎ ﻟﻢ‬
‫أﻧﻄﻖ ﺑﻪ‪ .‬ﻓﻜﻔﻮا ﻋﻠﻴﻜﻢ أﻟﺴﻨﺘﻜﻢ ﻃﻌﻨﻜﻢ ﻋﻴﺒﻜﻢ ﻋﲆ ﻻﺗﻜﻢ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺪ ﻛﻔﻔﺖ ﻋﻨﻜﻢ ﻣﻦ‬
‫ﻟﻮ ﻛﺎ ﻫﻮ اﻟﺬ ﻳﻜﻠﻤﻜﻢ ﻟﺮﺿﻴﺘﻢ ﻣﻨﻪ ﺑﺪ ﻣﻨﻄﻘﻲ ﻫﺬا‪ .‬أﻻ ﻓﻤﺎ ﺗﻔﻘﺪ ﻣﻦ ﺣﻘﻜﻢ؟‬
‫ﷲ ﻣﺎ ﻗﴫت ﰲ ﺑﻠﻮغ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻦ ﻛﺎ ﻗﺒﲇ ﻣﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﺗﺨﺘﻠﻔﻮ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻓﻀﻞ‬
‫ﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻣﺎ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﱄ ﻻ أﺻﻨﻊ ﰲ اﻟﻔﻀﻞ ﻣﺎ أرﻳﺪ؟ ﻓﻠﻢ ﻛﻨﺖ إﻣﺎﻣﺎ؟« ﻫ ﱠﻢ ﻣﺮ ا ﺑﻦ‬
‫ﺳﻜﺖ! دﻋﻨﻲ أﺻﺤﺎﺑﻲ‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻨﻄﻘﻚ ﰲ‬‫ﱠ‬ ‫اﻟﺤﻜﻢ أ ﻳﺘﻜﻠﻢ‪ ،‬ﻓﺰﺟﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺎﺋﻼ‪» :‬اﺳﻜﺖ ﻻ‬
‫ﻫﺬا؟! أﻟﻢ أﺗﻘﺪ إﻟﻴﻚ ﱠ‬
‫أﻻ ﺗﻨﻄﻖ؟« ‪3‬‬

‫ﻫﺬ اﻟﺨﻄﺒﺔ ﻫﻲ أﻋﻨﻒ ﺧﻄﺒﺔ ﺧﻄﺒﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻛﻠﻬﺎ‪ .‬ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ أﺣﺲ‬
‫ذﻟﻚ اﻋﺘﺬر ﻣﻨﻪ اﻋﺘﺬارا رﻓﻴﻘﺎ ﻳﻼﺋﻢ ﺧﻠﻘﻪ ﻃﺒﻌﻪ اﻟﺴﻤﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ‪ » :‬أﺧﺮﺟﺘﻢ ﻣﻨﻲ ﺧﻠﻘﺎ‬
‫ﻟﻢ أﻛﻦ أﺣﺴﻨﻪ ﻣﻨﻄﻘﺎ ﻟﻢ أﻧﻄﻖ ﺑﻪ‪ «.‬ﻋﲆ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺘﻢ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﺣﺘﻰ رﺟﻊ ﰲ رﻓﻖ ﻋﺬب‬
‫إﱃ املﺄﻟﻮ ﻣﻦ ﺳريﺗﻪ ﺣني ﻗﺎ ملﺮ ا ‪» :‬دﻋﻨﻲ أﺻﺤﺎﺑﻲ‪ «.‬ﻓﻬﻮ إذ ﻳﺘﺤﺪث إﱃ أﺻﺤﺎﺑﻪ‬
‫ﻻ إﱃ ﺧﺼﻮﻣﻪ‪ ،‬ﻫﻮ ﻳﻌﻨﻒ ﺑﻬﻢ ﻷﻧﻬﻢ ﻋﻨﻔﻮا ﺑﻪ ﺣﺘﻰ أﺧﺮﺟﻮ ﻋﻦ ﻃﻮر ‪ .‬اﻟﺤﻠﻴﻢ ﻳﻐﻀﺐ‬
‫ﺛﻢ ﻻ ﻳﻠﺒﺚ أ ﻳﻌﻮد إﱃ ﻣﺎ أﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻢ‪.‬‬

‫‪ 3‬ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻄﱪ ﰲ أﺣﺪاث ﺳﻨﺔ ‪٣٤‬ﻫ‪.‬‬

‫‪183‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﲆ أﺻﺤﺎﺑﻪ اﺳﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻌﻴﺎﺑني اﻟﻄﻌﺎﻧني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﻬﺮ‬

‫ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺤﺒﻮ ﻳﺨﻔﻮ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻜﺮﻫﻮ ‪ ،‬ﻳﻀﻠﻠﻮﻧﻬﻢ ﰲ إﻣﺎﻣﻬﻢ‪ ،‬ﻳﻄﻤﻌﻮﻧﻬﻢ ﰲ‬
‫أﺷﻴﺎء ﻟﻴﺲ إﻟﻴﻬﺎ ﺳﺒﻴﻞ‪ .‬ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺸري إﱃ ﻗﻮ ﺑﻌﻴﻨﻬﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻳﺮ أﻧﻬﻢ ﻗﻮا‬
‫املﻌﺎرﺿﺔ‪ ،‬أﻧﻬﻢ ﻳﻐﺮ ﺑﻪ ﻳﺆﻟﺒﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ آراﺑﻬﻢ ﺑﻠﻮغ آﻣﺎﻟﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻃﺎملﺎ‬
‫اﻧﺘﻈﺮ ا ﺑﻠﻮﻏﻬﺎ‪ .‬ﻫﺆﻻء ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻈﻦ أﻧﻬﻢ ﻳﻨﻔﺴﻮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺨﻼﻓﺔ‬
‫ﻳﺘﻤﻨﻮﻧﻬﺎ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ‪ .‬ﻟﻌﻠﻪ ﻳﺸري إﱃ ﻣﻦ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺸﻮر ‪ ،‬إﱃ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻠﻬﺠﻮ‬
‫ﺑﻨﻘﺪ أﻣﺜﺎ ﻋﻤﺎر ﺑﻦ ﻳﺎﴎ ﻏري ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر‪.‬‬
‫ﺛﻢ ﻳﻘﻮ ﻋﺜﻤﺎ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ إﻧﻬﻢ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ أﺷﻴﺎء ﻗﺪ أﺗﺎﻫﺎ ﻋﻤﺮ ﻓﻠﻢ ﻳﻨﻜﺮ ﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ؛‬
‫ﻷ ﻋﻤﺮ اﺷﺘﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﺨﺎﻓﻮ ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻫﻮ ﻻ ﻟﻬﻢ ﻓﻄﻤﻌﻮا ﻓﻴﻪ‪ .‬ﺛﻢ ﻳﻨﺬر أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻳﻨﺬر‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻐﺮ ﻧﻬﻢ ﻳﺆﻟﺒﻮﻧﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻴﺬﻛﺮ أﻧﻪ أﻋ ﱠﺰ ﻧﻔﺮا أﻗﺮب ﻧﺎﴏا أﻛﺜﺮ ﻋﺪدا أﺟﺪر إ دﻋﺎ‬
‫أ ﻳﺴﺘﺠﺎب ﻟﻪ‪ .‬ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻚ ﰲ أﻧﻪ ﻳﻌ ﱢﺮض ﰲ ﻫﺬا اﻟﻨﺬﻳﺮ ﺑﻤﻨﺎﻓﺴﻴﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻌﺪﻟﻮﻧﻪ‬
‫ﻗﻮة ﺑﺄﺳﺎ‪ .‬ﻓﺒﻨﻮ أﻣﻴﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﻏري ﺷﻚ أﻋ ﱠﺰ ﻧﻔﺮا أﻛﺜﺮ ﻧﺎﴏا ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﺣﻴﺎء ﻗﺮﻳﺶ‪.‬‬
‫ﻣﺎذا ﻳﻨﻘﻤﻮ ؟ ﻟﻘﺪ أ ﱠد إﻟﻴﻬﻢ ﺣﻘﻬﻢ ﻛﺎﻣﻼ‪،‬‬ ‫ﺛﻢ ﻳﻌﻮد إﱃ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻴﺴﺄﻟﻬﻢ ﻣﺎذا ﻳﻨﻜﺮ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻘﴫ ﺑﻬﻢ ﻋﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺒﻠﻐﻪ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﺛﻢ ﻳﻌﻄﻒ ﻋﲆ ﺗﴫﻓﻪ ﰲ اﻷﻣﻮا اﻟﻌﺎﻣﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻴﻘﻮ ‪» :‬ﻓﻀﻞ ﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻣﺎ ‪ ،‬ﻓﻤﺎﱄ ﻻ أﺻﻨﻊ ﰲ اﻟﻔﻀﻞ ﻣﺎ أرﻳﺪ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻛﻨﺖ إﻣﺎﻣﺎ؟« ﻳﺮﻳﺪ‬
‫أﻧﻪ إذا أد إﱃ املﺴﻠﻤني ﺣﻘﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻓﻠﻪ أ ﻳﺘﴫ ﰲ ﺳﺎﺋﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ‪ .‬ذﻟﻚ‬
‫ﳾء ﺗﺒﻴﺤﻪ ﻟﻪ اﻹﻣﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ أ ﻳﺠﺎدﻟﻪ ﻓﻴﻪ أ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﻮﻟﺔ اﻷ ﱃ‬
‫— ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮ املﺤﺪﺛﻮ — ﺑني ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻌﺎرﺿﻴﻪ ﻣﺘﻜﺎﻓﺌﺔ‪ :‬أﻧﻜﺮ املﻌﺎرﺿﻮ ﺛﻢ ﻧﻈﻤﻮا‬
‫إﻧﻜﺎرﻫﻢ ﺛﻢ رﻓﻌﻮ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻓﺮ ﱠد ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﺧﻄﺒﻬﻢ ﻓﺄﻧﺬر ﺣﺬﱠر اﺷﺘﺪ ﺛﻢ ﺛﺎب إﱃ‬
‫ﳾء ﻣﻦ ﻟني‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﻤﺴﻚ ﺑﻤﻮﻗﻔﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﺪ ﻋﻨﻪ‪ ،‬اﺳﺘﻤﺴﻜﺖ املﻌﺎرﺿﺔ ﺑﻤﻮﻗﻔﻬﺎ ﻟﻢ‬
‫ﺗﺤﺪ ﻋﻨﻪ أﻳﻀﺎ‪ .‬إﻻ أ اﻟﺤﻮادث ﻛﺎﻧﺖ أﻗﻮ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ املﻌﺎرﺿﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﻣﻀﺖ املﻌﺎرﺿﺔ ﰲ‬
‫إﻧﻜﺎرﻫﺎ‪ ،‬ﺟﺎءﺗﻪ اﻷﻧﺒﺎء ﻣﻦ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﺑﺄ املﻌﺎرﺿﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ أﻗﻞ ﻻ أﻫﻮ ﻣﻦ املﻌﺎرﺿﺔ‬
‫ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ اﺣﺘﻔﻆ ﺑﺴرية ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﺤﺞﱠ ﺑﺎﻟﻨﺎس أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻛﻠﻬﺎ إﻻ اﻟﻌﺎ‬
‫اﻷ ﻷﻧﻪ ﻛﺎ ﻣﺮﻳﻀﺎ‪ ،‬إﻻ اﻟﻌﺎ اﻷﺧري ﻷﻧﻪ ﻛﺎ ﻣﺤﺼﻮرا‪ .‬ﻛﺎ ﻳﻠﻘﻰ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﰲ املﻮﺳﻢ‬
‫ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎ ‪ ،‬ﻓﻴﺴﻤﻊ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻘﻮ ﻟﻬﻢ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻘﻴﻬﻢ ﰲ املﻮﺳﻢ ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ ﺛﻼﺛني ﺟﻤﻌﻬﻢ‬
‫ﻟﻠﻤﺸﻮرة‪ .‬ﻳﺰﻋﻢ اﻟﺮ اة أﻧﻪ أﺣﴬﻫﻢ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص‪ .‬أﺷﻚ أﻧﺎ ﰲ ﻫﺬا؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ‬
‫ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻋﺎﻣﻼ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ ﺛﻼﺛني‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻧﺎﺻﺤﺎ ﻟﻌﺜﻤﺎ‬
‫ﻣﻨﺬ ﻋﺰﻟﻪ ﻋﻦ ﻣﴫ‪ ،‬إﻧﻤﺎ أﻗﺤﻢ اﻟﺮ اة ﻋﻤﺮا ﰲ ﻫﺬ املﺸﻮرة ﻟﻴﺼﻮر ا ﻣﻜﺮ دﻫﺎء‬

‫‪184‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻌﴩ‬

‫ﻛﻴﺪ ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ .‬أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﴬ ﺷﻮرا إﻻ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا‬
‫ﻳﺘﻮﻟﻮ اﻷﻣﺼﺎر ذات اﻟﺨﻄﺮ‪ :‬ﻫﻢ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح‪ ،‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ‬
‫ﻋﺎﻣﺮ‪ ،‬ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ اﻟﺘﺄﻣﺖ ﺟﻤﺎﻋﺘﻬﻢ ﻗﺎ ﻟﻬﻢ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬إ ﻟﻜﻞ إﻣﺎ زراء‪،‬‬
‫إﻧﻜﻢ زراﺋﻲ‪ .‬ﻗﺪ رأﻳﺘﻢ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻦ ﺗﻨﻤﺮ اﻟﻨﺎس ﱄ ﻣﻄﺎﻟﺒﺘﻬﻢ إﻳﺎ ﺑﻌﺰ ﻋﻤﺎﱄ‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ﻫﺬ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﻇﻬﺮت رأﺳﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄﺷري ا ﻋﲇﱠ‪.‬‬
‫ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺰد ﻋﲆ أ ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻪ أ ﻳﺮ ﱠد اﻟﻌﻤﺎ إﱃ أﻣﺼﺎرﻫﻢ‪ ،‬أ ﻳﻜﻠﻬﻢ‬
‫إﱃ ﻛﻔﺎﻳﺘﻬﻢ‪ ،‬أ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ أ ﻳﻀﺒﻂ ﻛﻞ اﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﴫ ﻳﺤﺰ أﻣﺮ ‪ ،‬ﻳﻜﻔﻲ‬
‫اﻹﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ .‬أﻣﺎ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص‪ ،‬ﻓﺄﺷﺎر ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄ ﻳﻘﺘﻞ ﻗﺎدة املﻌﺎرﺿﺔ‬
‫زﻋﻤﺎء اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ .‬أﻣﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح‪ ،‬ﻓﺄﺷﺎر ﻋﻠﻴﻪ أ ﻳﱰﴇ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻳﻌﻄﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﺎ ﻳﺄﺧﺬﻫﻢ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ أﻃﻤﺎﻋﻬﻢ‪ .‬أﻣﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ‪ ،‬ﻓﺄﺷﺎر‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄ ﻳﺮﺳﻞ اﻟﻨﺎس إﱃ اﻟﺠﻬﺎد‪ ،‬ﻳﺸﻐﻠﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﺮب‪ ،‬ﻳﻄﻴﻞ إﻗﺎﻣﺘﻬﻢ ﰲ اﻟﺜﻐﻮر‪ .‬ﺑﻬﺬا‬
‫اﻟﺮأ أﺧﺬ ﻋﺜﻤﺎ ؛ ر ﱠد اﻟﻌﻤﺎ إﱃ أﻣﺼﺎرﻫﻢ‪ ،‬أﻣﺮﻫﻢ أ ﻳﺤﺴﻨﻮا اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻳﺘﺸﺪد ا ﰲ‬
‫ﺣﻘﻮ ﷲ‪ ،‬ﻳﺄﺧﺬ ا اﻟﺮﻋﻴﺔ ﺑﺎﻟﺤﺰ ﻳﺮﺳﻠﻮﻫﻢ إﱃ اﻟﻐﺰ ‪ ،‬ﻳﻘﻄﻌﻮا اﻟﻌﻄﺎء ﻋﻤﻦ ﻇﻬﺮ‬
‫ﻣﻨﻪ ﻋﻮج أ اﻧﺤﺮا ‪ .‬ﻋﺎد ﻋﺜﻤﺎ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﺻﺤﺒﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﱃ اﻟﺸﺎ ‪.‬‬
‫ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻋﻘﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺠﻠﺴﺎ آﺧﺮ ﻟﻠﻤﺸﺎ رة‪ ،‬ﺷﻬﺪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺷﻬﺪ ﻧﻔﺮ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر‬
‫اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻴﻬﻢ ﻋﲇ ﱞ ﻃﻠﺤﺔ اﻟﺰﺑري ﺳﻌﺪ‪ .‬ﺑﺪأ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻓﺄ ﴅ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻔﺮ‬
‫ﺑﺎﻹﻣﺎ اﻟﺸﻴﺦ‪ ،‬ﺣﺬﱠرﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻔﺮﻗﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺨﻞ ﺗﺤﺬﻳﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺬﻳﺮ‪ .‬ﻓﻨﻬﺮ‬
‫ﻋﲇﱞ‪ ،‬ﻛﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺣﻮار ﻟﻢ ﻳﺨﻞ ﻣﻦ ﺟﻔﻮة‪ .‬ﺛﻢ ﺗﻜﻠﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﻼﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻟني رﻓﻖ‪،‬‬
‫أﻇﻬﺮ أﻧﻪ ﺳﺎﺋﺮ إﱃ ﻣﺎ ﻳﺸري اﻟﻘﻮ ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ‪ :‬إﻧﻚ أﻋﻄﻴﺖ ﻓﻼﻧﺎ ﻓﻼﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺎﺳﱰ ﱠد‬
‫ﻣﺎ أﻋﻄﻴﺖ‪ .‬ﻓﻮﻋﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﺬﻟﻚ رﴈ اﻟﻘﻮ ‪ ،‬ﺗﻔﺮﻗﻮا ﻋﲆ ﳾء ﻣﻦ رﺿﺎ‪ .‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺷﻚ‬
‫ﰲ أ ﱠ املﻌﺎرﺿﺔ ﻗﺪ رﺑﺤﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺑﺢ؛ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺸﺎر ﻋﺜﻤﺎ زﻋﻤﺎءﻫﺎ أﺟﺎﺑﻬﻢ إﱃ ﺑﻌﺾ‬
‫ﻣﺎ أراد ا‪.‬‬
‫اﻧﴫ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺪ أ أ ﴅ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺑﺎﻹﻣﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺮة أﺧﺮ ‪،‬‬
‫ﻳﻈﻦ أ اﻟﻨﺎس ﺳﻴﺴﺘﻘﺒﻠﻮ‬‫ﱡ‬ ‫ﺑﻌﺪ أ ملﺢ ﻟﻬﻢ ﻣﺮة أﺧﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﺤﺬﻳﺮ اﻟﻨﺬﻳﺮ‪ .‬ﻛﺎ‬
‫ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺲ ﺛﻼﺛني ﺑﴚء ﻣﻦ دﻋﺔ ﻫﺪ ء‪ .‬ﻟﻜﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺛﺎر ا ر ﱡد ا اﻟﻴﻬﻢ ﺳﻌﻴﺪا‬
‫ﻛﻤﺎ ﻗﺪﱠﻣﻨﺎ‪ ،‬ﻃﻠﺒﻮا أ ﻳﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﺑﻮ ﻣﻮﳻ‪ .‬اﺿﻄﺮ ﻋﺜﻤﺎ إﱃ أ ﻳﺠﻴﺒﻬﻢ إﱃ ﻣﺎ أراد ا؛‬
‫ﻓﻜﺎ ﻫﺬا أ اﻟﻔﺘﻨﺔ‪ :‬ﻋﺮﺿﺖ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻟﻐريﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺼﺎر ﻣﺜﻼ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﻠﺒﺚ اﻷﻣﺼﺎر أ‬
‫اﺗﺒﻌﺘﻪ‪ ،‬ﻇﻬﺮ ﻟﻠﻨﺎس أ اﻟﺜﻮرة ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻮﺻﻠﺔ إﱃ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺜﺎﺋﺮ ‪.‬‬

‫‪185‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ أ ﻳﺬﻫﺐ املﴫﻳﻮ ﻣﺬﻫﺐ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬إذا ﻫﻢ ﻳﺮﺳﻠﻮ ﰲ رﺟﺐ ﻣﻦ‬
‫ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺲ ﺛﻼﺛني ﻓﺪا ﺿﺨﻤﺎ؛ ﺧﺮﺟﻮا ﻳﻈﻬﺮ أﻧﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﻌﻤﺮة‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﻢ أﻗﺒﻠﻮا‬
‫ﻋﲆ املﺪﻳﻨﺔ أﻇﻬﺮ ا أﻧﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﻨﺎﻇﺮ ا ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺎﻟﻪ‪ .‬اﻟﺮ اة‬
‫ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ؛ ﻓﻴﻘﻮ ﺑﻌﻀﻬﻢ‪ :‬إﻧﻬﻢ ﻟﻘﻮا ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻗﺮﻳﺔ ﺧﺎرج املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻓﻨﺎﻇﺮ ﺣﻜﻤﻮا‬
‫املﺼﺤﻒ ﺑﻴﻨﻪ ﺑﻴﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺄﻗﻨﻌﻬﻢ ﺑﺄﺷﻴﺎء ﺣﺘﻰ رﺿﻮا‪ ،‬أﻗﻨﻌﻮ ﺑﺄﺷﻴﺎء ﺣﺘﻰ اﻋﺘﺬر ﻋﺪ‬
‫ﺑﺎﻟﻨﺰ ﻋﻨﻬﺎ‪ .‬ﻳﻘﻮ آﺧﺮ ‪ :‬إﻧﻪ أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﻢ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻓﻴﻬﻢ ﻋﲇ ﱞ‬
‫ﱠ‬
‫ﻟﻴﺒﻠﻐﻦ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻳﺮﺿﻮ ‪ .‬ﻓﺨﺮج‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ اﻷﻧﺼﺎر ‪ ،‬أﻋﻄﻰ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻬﺪا‬
‫اﻟﺴﻔﺮاء ﻟﻘﻮا اﻟﻘﻮ ﻓﻮﻋﻈﻮﻫﻢ أﻋﻄﻮﻫﻢ اﻟﺮﺿﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﺟﺎء ا ﺑﻮﻓﺪ ﻣﻨﻬﻢ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺄﻛﺪ‬
‫ﻟﻬﻢ اﻟﻌﻬﺪ‪ ،‬ﺛﻢ ﺧﺮج ﻓﺨﻄﺐ اﻟﻨﺎس أﺛﻨﻰ ﻋﲆ اﻟﻮﻓﺪ املﴫﻳني أﻋﻄﻰ اﻟﺘﻮﺑﺔ اﺳﺘﻐﻔﺮ ﷲ‬
‫ﺑﻜﻰ ﺑﻜﻰ اﻟﻨﺎس رﻗﺖ اﻟﻘﻠﻮب ﻟﻺﻣﺎ اﻟﺸﻴﺦ‪ ،‬اﻧﴫ املﴫﻳﻮ راﺿني‪ .‬ﻗﺎ اﻟﺮ اة‪:‬‬
‫إ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺎ ﰲ آﺧﺮ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﺗﻠﻚ‪» :‬إذا ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻠﻴﺄﺗﻨﻲ ﺧﻴﺎرﻛﻢ‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﺮﻓﻊ إﱄ ﱠ ﻇﻼﻣﺔ إﻻ‬
‫ﻛﺸﻔﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻻ ﺗﻌﺮض ﻋﲇ ﱠ ﺣﺎﺟﺔ إﻻ ﻗﻀﻴﺘﻬﺎ‪ «.‬ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﻌﻮد إﱃ دار ﺣﺘﻰ ﺣﻮﱠﻟﻪ‬
‫ﻣﺮ ا ﻋﻤﺎ ﻋﺪ ﺑﻪ‪ ،‬ﺧﺮج ﻓﺮ ﱠد اﻟﻨﺎس ﻋﻦ اﻟﺪار ردٍّا ﻋﻨﻴﻔﺎ‪ .‬اﻟﴚء املﺤﻘﻖ ﻫﻮ أ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫اﺳﺘﻄﺎع ﺑﻤﺎ أﻋﻄﻰ ﻣﻦ اﻟﻌﻬﺪ ﻣﺎ ﺑﺬ ﻣﻦ اﻟﺮﺿﺎ ﻣﺎ أﻋﻠﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺑﺔ‪ ،‬أ ﻳﺘﺄﻟﻒ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻳﺠﻤﻌﻬﻢ ﻋﲆ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻣﺤﺒﺘﻪ اﻧﺘﻈﺎر اﻟﺨري ﻣﻨﻪ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻷﻳﺎ ﻣﻀﺖ ﺗﺒﻌﺘﻬﺎ اﻷﻳﺎ ‪ ،‬ﻟﻢ‬
‫ﻳﻌﺰ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺎﻣﻼ ﻟﻢ ﻳﻐري ﻣﻤﺎ ﻋﺪ ﺑﺘﻐﻴري ﺷﻴﺌﺎ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻛﺎد ﻳﻘﺒﻞ ﺷﻮا ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﺴﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺮج املﴫﻳﻮ ﺧﺮﺟﺘﻬﻢ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﻋﺪد‬
‫ﻳﻘﻮ املﻘﻠﻠﻮ إﻧﻪ ﻛﺎ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ‪ ،‬ﻳﻘﻮ املﻜﺜﺮ إﻧﻪ ﻛﺎ أﻟﻔﺎ‪ ،‬ﻳﺨﺮج ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ﻧﺎس ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﺒﴫة‪ ،‬ﻗﺪ ﺗﻮاﻋﺪ اﻟﻘﻮ ﺣني اﺳﺘﻴﺄﺳﻮا ﻣﻦ ﻓﺎء اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻟﻬﻢ ﺑﻤﺎ‬
‫أﻋﻄﻰ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻬﺪ‪ .‬ﻳﺒﻠﻎ اﻟﻘﻮ ﺿﻮاﺣﻲ املﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻳﻌﻠﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻤﻘﺪﻣﻬﻢ‪ ،‬ﻓريﻳﺪ‬
‫أ ﻳﺮﺳﻞ إﻟﻴﻬﻢ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ‪ ،‬ﻓﻴﺄﺑﻰ ﻋﲇﱞ‪ ،‬ﻳﻘﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ‪ :‬ﻻ أﻛﺬب ﷲ‬
‫ﰲ ﺳﻨﺔ ﻣﺮﺗني‪ .‬ﻟﻜﻦ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻳﺄﺑﻮ أ ﺗﺪﺧﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﻨﻮة‪ ،‬ﻳﻨﻬﻀﻮ‬
‫ﻟﺮ ﱢد ﻫﺆﻻء اﻟﻄﺎرﺋني‪ .‬ﺗﻘﺒﻞ ﻓﻮد ﻣﻦ املﴫﻳني اﻟﻜﻮﻓﻴني اﻟﺒﴫﻳني‪ ،‬ﻓﺈذا ﻫﻢ ﻳﺮ‬
‫ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻃﻠﺤﺔ اﻟﺰﺑري ﻗﺪ ﻋﺴﻜﺮ ا ﻣﻊ ﻛﻞ اﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﺤﻤﻮا دار‬
‫ﻳﻈﻬﺮ اﻟﻌﻮدة إﱃ أﻣﺼﺎرﻫﻢ ﻳﺰ ﻟﻮ‬ ‫اﻟﻬﺠﺮة ﻣﻦ أ ﺗﻘﺘﺤﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﻨﻮة‪ ،‬ﻓريﺗﺪ‬
‫ﻋﻦ ﻣﻌﺴﻜﺮاﺗﻬﻢ ﰲ اﻟﻀﻮاﺣﻲ‪ .‬ﻳﺴﺘﻴﻘﻦ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ أ ﻗﺪ زا اﻟﺨﻄﺮ‪ ،‬أ اﻟﻘﻮ ﻗﺪ‬
‫رﺟﻌﻮا أدراﺟﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻴﺴﺘﺄﻧﻔﻮ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻋﲆ ﻣﺎ أﻟﻔﻮا ﻣﻦ أﻣﻦ دﻋﺔ ﻫﺪ ء‪ .‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﺮ ﻋﻬﻢ إﻻ‬
‫اﻟﺘﻜﺒري ﻗﺪ ﻣﻸ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻳﻨﻈﺮ ﻓﺈذا اﻟﻘﻮ ﻗﺪ ﻛﺎد ﻫﻢ ﺣني أﻇﻬﺮ ا اﻟﺮﺟﻮع‬

‫‪186‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻌﴩ‬

‫إﱃ أﻣﺼﺎرﻫﻢ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا آﻧﺴﻮا ﻣﻨﻬﻢ أﻣﻨﺎ دﻋﺔ ﻋﺎد ا ﻓﺪﺧﻠﻮا املﺪﻳﻨﺔ اﺣﺘﻠﻮﻫﺎ ﺑﻐري ﻗﺘﺎ ‪،‬‬
‫ﻛﻒ ﻋﻨﺎ أذا ﻓﻬﻮ آﻣﻦ‪ .‬ﺛﻢ ﻳﴬب اﻟﺤﺼﺎر‬ ‫ﻧﺎد ﻣﻨﺎدﻳﻬﻢ‪ :‬ﻣﻦ ﻟﺰ دار ﻓﻬﻮ آﻣﻦ‪ ،‬ﻣﻦ ﱠ‬
‫ﺣﻮ دار ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﻫﻨﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻗﺼﺔ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬ ﻳﻘﻮ اﻟﺮ اة إ املﴫﻳني ﻗﺪ أﺧﺬ أﺛﻨﺎء ﻋﻮدﺗﻬﻢ‬
‫إﱃ ﻣﴫ ﻓﻜ ﱡﺮ ا راﺟﻌني‪ .‬ﻓﻬﺬ اﻟﻘﺼﺔ ﻓﻴﻤﺎ أر ﻣﻠﻔﻘﺔ ﻣﻦ أﺻﻠﻬﺎ‪ .‬ﻟﻴﺲ أد ﻋﲆ ذﻟﻚ‬
‫ﻣﻤﺎ ﻳﻘﻮ اﻟﺮ اة أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ أ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﺎد ا ﻳﺠﺎدﻟﻮ اﻟﻘﻮ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻬﻢ‬
‫ﻫﺬا ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻬﻢ ﻛﻴﻒ ﻋﻠﻢ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ أﻫﻞ اﻟﺒﴫة ﺑﺄﻧﻜﻢ ﻗﺪ أﺧﺬﺗﻢ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻗﺪ‬
‫ذﻫﺐ ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻨﻜﻢ إﱃ ﺟﻪ؟ ﺣﺘﻰ ﻋﺠﺰ ا ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻛﻴﻒ ﻳﺠﻴﺒﻮ ‪ ،‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﺿﻌﻮا‬
‫ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻛﻴﻒ ﺷﺌﺘﻢ‪ ،‬ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺮﺟﻞ‪ .‬ﻟﻴﺲ ﺑﻤﻌﻘﻮ ﻻ ﺑﻤﻘﺒﻮ أ ﻳﻜﻴﺪ‬
‫ﴎا ﻣﻦ ﻳﺒﻠﻐﻪ‬ ‫ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻫﺬا اﻟﻜﻴﺪ‪ ،‬ﻓﻴﻌﻄﻲ ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺮﺿﺎ ﺛﻢ ﻳﺮﺳﻞ إﱃ ﻋﺎﻣﻠﻪ ٍّ‬
‫اﻷﻣﺮ أ ﻳﺒﻄﺶ ﺑﻬﻢ ﻳﺮﻫﻘﻬﻢ ﻣﻦ أﻣﺮﻫﻢ ﻋﴪا‪ .‬ﻟﻴﺲ ﺑﻤﻌﻘﻮ ﻻ ﻣﻘﺒﻮ أ ﻳﺠﱰئ‬
‫ﻣﺮ ا ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻴﻜﺘﺐ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻳﻤﻀﻴﻪ ﺑﺨﺎﺗﻤﻪ ﻳﺮﺳﻠﻪ ﻣﻊ ﻏﻼﻣﻪ ﻋﲆ ﺟﻤﻞ ﻣﻦ‬
‫إﺑﻠﻪ‪ .‬ﻛﻞ ﻫﺬا أﺷﺒﻪ ﺑﺄ ﻳﻜﻮ ﻣﻠﻬﺎة ﺳﺨﻴﻔﺔ ﻣﻨﻪ ﺑﺄ ﻳﻜﻮ ﺷﻴﺌﺎ ﻗﺪ ﻗﻊ‪ .‬اﻷﻣﺮ أﻳﴪ‬
‫ﻣﻦ ﻫﺬا‪ .‬ﺗﻠﻘﻰ أﻫﻞ اﻷﻣﺼﺎر ﻋﺪا ﻣﻦ إﻣﺎﻣﻬﻢ ﻓﺎﻃﻤﺄﻧﻮا إﻟﻴﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺒﻴﻨﻮا أ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺼﺪ ﻋﺪ ‪ ،‬ﻓﺄﻗﺒﻠﻮا ﺛﺎﺋﺮﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﻔﺮﻏﻮا ﻣﻦ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ أﻻ ﻳﻌﻮد ا ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺮﻏﻮا‬
‫ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﻮا املﺪﻳﻨﺔ ﺟﺪ ا أﺻﺤﺎب رﺳﻮ ﷲ ﻗﺪ ﺗﻬﻴﺌﻮا ﻟﻘﺘﺎﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻜﺮﻫﻮا ﻫﺬا اﻟﻘﺘﺎ‬
‫اﻧﴫﻓﻮا ﻛﺎﺋﺪﻳﻦ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا ﻋﺮﻓﻮا أ ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻴﻮخ ﻗﺪ أﻟﻘﻮا ﺳﻼﺣﻬﻢ أﻣﻨﻮا ﰲ د رﻫﻢ‪،‬‬
‫ﻛ ﱡﺮ ا راﺟﻌني ﻓﺎﺣﺘﻠﻮا املﺪﻳﻨﺔ ﺑﻐري ﻗﺘﺎ ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻛﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮا أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻻ أ ﻳﻘﺘﻠﻮﻫﻢ‪ ،‬ﻻ أ‬
‫ﻳﺜري ا ﺣﻮ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﺮﺑﺎ ﺗﺬﻛﺮ ﺑﻴﻮ أﺣﺪ أ ﺑﻴﻮ اﻷﺣﺰاب‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﺤﺎﴏ ا‬
‫اﻹﻣﺎ ﻳﻌﺎﺟﻠﻮ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻠﻮا إﱃ ﺧﻠﻌﻪ أ إﱃ ﻗﺘﻠﻪ‪ .‬ﻗﺪ ﺑﻠﻐﻮا ﻣﺎ أراد ا‪ ،‬ﻓﺪﺧﻠﻮا املﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﺣﺎﴏ ا اﻹﻣﺎ ‪.‬‬
‫أﻛﺎد أﻗﻄﻊ ﺑﺄ ﻗﺪ ﻛﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ أﻧﻔﺴﻬﻢ أﻋﻮا أﻧﺼﺎر دﻋﻮﻫﻢ‬
‫ﺷﺠﻌﻮﻫﻢ‪ ،‬ﺛﻢ أﻋﻠﻤﻮﻫﻢ ﺑﻤﺎ ﻋﺰ ﻋﻠﻴﻪ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﺛﻢ أﻋﻠﻤﻮﻫﻢ ﺑﻌﻮدة املﺪﻳﻨﺔ إﱃ‬
‫اﻟﻬﺪ ء اﻟﺪﻋﺔ‪ ،‬ﺛﻢ اﻧﻀﻤﻮا إﻟﻴﻬﻢ ﺣني ﺣﺎﴏ ا ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺎ اﻟﺤﺼﺎر ﰲ أ أﻣﺮ‬
‫ﻳﺴريا ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺘﺠﺎ ز اﺣﺘﻼ املﺪﻳﻨﺔ اﻹﺣﺎﻃﺔ ﺑﺪار ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻛﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺣ ٍّﺮا ﻳﺨﺮج‬
‫ﻣﻦ دار ﻳﻌﻮد إﻟﻴﻬﺎ ﻳﺼﲇ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻳﺼﲇ ﺧﻠﻔﻪ اﻟﺜﺎﺋﺮ أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ،‬ﻳﺨﻄﺐ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻓﻴﻌﻈﻬﻢ ﻳﺒﴫﻫﻢ‪ ،‬ﻳﺴﻌﻰ اﻟﺴﻔﺮاء ﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺜﺎﺋﺮ أ‬

‫‪187‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻳﺨﻠﻊ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻳﺄﺑﻰ ﻫﻮ أ ﻳﻨﺰع ﻗﻤﻴﺼﺎ ﻗﺪ ﻛﺴﺎ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ إﻳﺎ ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻷﻣﻮر ﺗﺘﻌﻘﺪ‬
‫ﻓﺠﺎءة؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺮ اﻟﺜﺎﺋﺮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ أرﺳﻞ إﱃ اﻟﻌﻤﺎ ﰲ اﻷﻣﺼﺎر ﻳﺄﻣﺮﻫﻢ ﺑﺄ ﻳﺮﺳﻠﻮا‬
‫إﻟﻴﻪ اﻟﺠﻨﺪ ﻟﻴﻨﴫ ﻳﺨﺮﺟﻮا ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ﻫﺆﻻء اﻟﻄﺎرﺋني‪ .‬ﻣﺎ ﻳﻜﺎد اﻟﺜﺎﺋﺮ ﻳﻌﺮﻓﻮ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻨﺒﺄ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻐري اﻟﺤﺼﺎر ﺗﺘﻐري ﻣﻌﻪ ﺳريﺗﻬﻢ ﻣﻊ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬

‫‪188‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ واﻟﻌﴩون‬

‫ﻓﻘﺪ ﺧﺮج ﻋﺜﻤﺎ ذات ﻳﻮ ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﻗﺒﻞ‪ ،‬ﺻﲆ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻛﻤﺎ ﻛﺎ ﻳﺼﲇ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫ﻗﺒﻞ‪ ،‬ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﻋﲆ املﻨﱪ ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻌﻆ اﻟﻨﺎس ﻳﺒﴫﻫﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻮﱠد أ ﻳﻌﻈﻬﻢ ﻳﺒﴫﻫﻢ‪،‬‬
‫ﻛﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺎ ‪» :‬ﻳﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﺪ ﷲ ﷲ‪ ،‬ﻓﻮﷲ إ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻟﻴﻌﻠﻤﻮ أﻧﻜﻢ ﻣﻠﻌﻮﻧﻮ‬
‫ﻋﲆ ﻟﺴﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ‪ .‬ﻓﺎﻣﺤﻮا اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﺑﺎﻟﺼﻮاب؛ ﻓﺈ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ ﻻ ﻳﻤﺤﻮ اﻟﺴﻴﺊ إﻻ‬
‫ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ‪ «.‬ﻗﺎ املﺆرﺧﻮ ‪ :‬ﻓﻘﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻓﻘﺎ ‪ :‬أﻧﺎ أﺷﻬﺪ ﺑﺬﻟﻚ‪ .‬ﻓﻘﺎ إﻟﻴﻪ ﺣﻜﻴﻢ‬
‫ﺑﻦ ﺟﺒﻠﺔ ﻓﺄﻗﻌﺪ ‪ .‬ﻓﻘﺎ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ ﻗﺎ ‪ :‬اﺑﻐﻨﻲ اﻟﻜﺘﺎب‪ .‬ﻓﺜﺎر إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮ‬
‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺘرية ﻓﺄﻗﻌﺪ ‪ .‬أراد ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ أ ﻳﺸﻬﺪ ﺑﺄ ﷲ ﻻ ﻳﺬﻫﺐ اﻟﺴﻴﺊ إﻻ‬
‫ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ‪ ،‬أراد زﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ أ ﻳﺜﺒﺖ ذﻟﻚ ﻣﻦ املﺼﺤﻒ‪ ،‬ﻓﻴﺘﻠﻮ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﻗﻮ ﷲ ﻋﺰ‬
‫اﻟﺴﻴﱢﺌﺎت﴾‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﻨﺎس أﻗﻌﺪ ﻫﻤﺎ‪ .‬ﻗﺎ ﺟﺒﻠﺔ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ‬ ‫ﺟﻞ‪﴿ :‬إ ﱠ اﻟﺤﺴﻨﺎت ﻳﺬﻫﺒﻦ ﱠ‬
‫اﻟﺴﺎﻋﺪ )رﺟﻞ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر( ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬اﻧﺰ ﻧﺪرﻋﻚ ﻋﺒﺎءة ﻧﺤﻤﻠﻚ ﻋﲆ ﺷﺎر‬
‫ﻣﻦ اﻹﺑﻞ إﱃ ﺟﺒﻞ اﻟﺪﺧﺎ ﻛﻤﺎ ﺳريت ﺧﻴﺎر اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻗﺒﺤﻚ ﷲ ﻗﺒﺢ ﻣﺎ ﺟﺌﺖ‬
‫ﺑﻪ! ﻛﺎ ﺟﺒﻠﺔ ﻫﺬا ﻳﻌﺮض ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻳﻨﺬر ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ أ ﺑﺄ ﻳﻄﺮح ﰲ ﻋﻨﻘﻪ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻳﺤﻤﻠﻪ‬
‫ﻋﲆ ﻗﻠﻮص ﺟﺮﺑﺎء ﻳﻠﻘﻴﻪ ﰲ ﺟﺒﻞ اﻟﺪﺧﺎ إ ﻟﻢ ﻳﱰ ﺑﻄﺎﻧﺘﻪ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﻠﻮﻣﻪ ﰲ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﰲ‬
‫ﻣﺮ ا ﰲ آ اﻟﺤﻜﻢ ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﻘﻮ إذا ﻛﻠﻢ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﺎ ﻣﻜﻠﻤﻮ أ ﻳﺮ ﱡد إﱃ‬
‫ﺑﻌﺾ اﻟﺮﻓﻖ‪ :‬ﷲ ﻻ أﻟﻘﻰ ﷲ ﻏﺪا ﻓﺄﻗﻮ إﻧﺎ أﻃﻌﻨﺎ ﺳﺎدﺗﻨﺎ ﻛﱪاءﻧﺎ ﻓﺄﺿﻠﻮﻧﺎ اﻟﺴﺒﻴﻞ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺮ ﱡد ﻋﲆ ﺟﺒﻠﺔ ﻫﺬا ﺣﺘﻰ ﻗﺎ ﺟﻬﺠﺎ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻐﻔﺎر )رﺟﻞ ﻣﻦ‬
‫رﻫﻂ أﺑﻲ ذر ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪ ا ﺑﻴﻌﺔ اﻟﺮﺿﻮا (‪ ،‬ﻓﻮﺛﺐ إﱃ املﻨﱪ ﻓﺄﺧﺬ ﻣﻦ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ اﻟﻌﺼﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎ ﻳﺨﻄﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺧﻄﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ‪،‬‬
‫ﻓﻜﴪﻫﺎ ﻋﲆ رﻛﺒﺘﻪ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﺮ اة‪ :‬ﻓﺄﺻﺎﺑﺖ رﻛﺒﺘﻪ إﻛﻠﺔ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮ ‪ ،‬أﻣﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻴﻤﺎ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺑﻌﺪ ﺑﺸﺪ اﻟﻌﺼﺎ‪ .‬ﺛﻢ ﺛﺎر اﻟﻨﺎس ﻓﺘﺤﺎﺻﺒﻮا ﺣﺼﺐ ﻋﺜﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﴏع اﺣﺘﻤﻞ ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻓﺄدﺧﻞ إﱃ دار ﻓﻠﻢ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﻣﻘﺘﻮﻻ‪.‬‬
‫ﺣﻘﺎ‪ ،‬ﻣﻨﻌﻮ ﻣﻦ اﻟﺼﻼة ﰲ‬ ‫ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮ ﺳﺎر اﻟﺜﺎﺋﺮ ﻣﻊ ﻋﺜﻤﺎ ﺳرية ﻣﻨﻜﺮة ٍّ‬
‫ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬أﻗﺎﻣﻮا ﻣﻨﻬﻢ رﺟﻼ ﻳﺼﲇ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻫﻮ اﻟﻐﺎﻓﻘﻲ زﻋﻴﻢ املﴫﻳني‪ .‬ﻛﺎ ﻃﻠﺤﺔ‬
‫ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ رﺑﻤﺎ ﺻﲆ ﺑﺎﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻛﺎ ﻋﲇ ﱞ رﺑﻤﺎ ﺻﲆ ﺑﻬﻢ أﻳﻀﺎ‪ .‬ﺛﻢ ﺣﺎ اﻟﺜﺎﺋﺮ ﺑني‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﺑني املﺎء‪ ،‬ﺣﺘﻰ اﺷﺘﺪ اﻟﻈﻤﺄ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﲆ أﻫﻠﻪ ﻋﻴﺎﻟﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ أﴍ ﻋﻠﻴﻬﻢ ذات‬
‫ﻳﻮ ﻓﺬﻛﺮﻫﻢ ﺑﺄﻧﻪ اﺷﱰ ﺑﱤ ر ﻣﺔ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺳﻘﺎﻳﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني‪ ،‬ﻋﺪ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﺑﻬﺎ اﻟﺠﻨﺔ‪ ،‬ﻫﻮ اﻵ ﻳﺤﺮ ﻣﺎءﻫﺎ ﻳﻔﻄﺮ ﻋﲆ ﻣﺎء آﺟﻦ‪ .‬ذﻛﺮﻫﻢ ﺑﺄﻧﻪ اﺷﱰ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫أرﺿﺎ ﺿﻤﻬﺎ إﱃ املﺴﺠﺪ ﺣني ﺿﺎ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻋﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﺠﻨﺔ‪ ،‬ﻫﻮ أ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻨﻊ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺼﻼة ﻓﻴﻪ‪ .‬ﺛﻢ أرﺳﻞ إﱃ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ أﻣﻬﺎت املﺆﻣﻨني ﻳﻄﻠﺐ إﻟﻴﻬﻢ أ‬
‫ﻳﺮﺳﻠﻮا إﻟﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ املﺎء اﻟﻌﺬب إ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا‪ ،‬ﻓﺎﺣﺘﺎ ﻋﲇ ﱞ ﺣﺘﻰ أدﺧﻞ إﻟﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻣﺎء‪ ،‬أﻗﺒﻞ ﻋﲆ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ ﻓﺰﺟﺮﻫﻢ ﻗﺎ ‪ :‬إ اﻟﺬ ﺗﺼﻨﻌﻮ ﻟﻴﺲ ﺻﻨﻴﻊ املﺆﻣﻨني ﻻ ﺻﻨﻴﻊ‬
‫اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ‪ ،‬إ اﻟﻔﺮس اﻟﺮ ﻟﻴﺄﴎ ﻓﻴﻄﻌﻤﻮ ﻳﺴﻘﻮ ‪ .‬أﻗﺒﻠﺖ أ ﺣﺒﻴﺒﺔ ﺑﻨﺖ أﺑﻲ‬
‫ﺟﻪ ﺑﻐﻠﺘﻬﺎ ﻗﻄﻌﻮا ﺣﻘﺒﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﺳﻔﻴﺎ ز ج اﻟﻨﺒﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻣﺎء‪ ،‬ﻓﴬب اﻟﺜﺎﺋﺮ‬
‫ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت أ املﺆﻣﻨني ﺗﺴﻘﻂ ﻟﻮﻻ أ ﺗﻠﻘﺎﻫﺎ اﻟﺮﺟﺎ ﻓﺄﺳﻨﺪ ﻫﺎ ر ﱡد ﻫﺎ إﱃ دارﻫﺎ‪ ،‬ﻣﻊ‬
‫أﻧﻬﺎ أﻧﺒﺄﺗﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ إﻧﻤﺎ أﻗﺒﻠﺖ ﺗﻜﻠﻢ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ أﻳﺘﺎ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺎﻳﺎ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ‬
‫ﻋﻨﺪ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺼﺪﱢﻗﻮﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻮا ﻣﻨﻬﺎ‪ .‬ﻟﺰ أﻛﺜﺮ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ د رﻫﻢ ﻣﻨﺬ اﺷﺘﺪ‬
‫اﻟﺤﺼﺎر‪ ،‬أﻗﺎ اﻟﻨﺎس ﰲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﻢ أﺣﺪ إﻻ ﻣﻌﻪ ﺳﻴﻔﻪ‪ .‬اﺷﺘﺪ اﻟﻜﺮب ﺷﺎع‬
‫اﻟﻘﺘﻞ ﻋﻈﻢ اﻟﺒﻼء‪ ،‬ﺟﻌﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻳﴩ ﻋﲆ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ ﺑني ﺣني ﺣني ﻓﻴﻌﻈﻬﻢ ﻳﺤﺬﱢرﻫﻢ‬
‫ﻳﺨﻮﱢﻓﻬﻢ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻳﺬﻛﺮﻫﻢ ﺑﺂﻳﺎت ﷲ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺴﻤﻌﻮ ﻟﻪ ﻻ ﻳﺤﻔﻠﻮ ﺑﻪ‪،‬‬
‫رﺑﻤﺎ ر ﱡد ردٍّا ﻋﻨﻴﻔﺎ‪.‬‬
‫ﻗﺪ اﺟﺘﻤﻊ اﻟﻘﺎدر ﻋﲆ اﻟﻘﺘﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ‪ ،‬اﻧﻀﻢ إﻟﻴﻬﻢ ﺷﺒﺎب ﻣﻦ أﺑﻨﺎء‬
‫املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻓﺪﺧﻠﻮا اﻟﺪار ﻗﺎﻣﻮا ﻳﺤﻤﻮﻧﻬﺎ ﻳﺤﻤﻮ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻛﺎ ﻓﻴﻬﻢ ﻋﺒﺪ‬
‫ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﺴني اﺑﻨﺎ ﻋﲇ ﱟ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻠﺤﺔ‪ ،‬أﻣﱠ ﺮ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري‪ ،‬ﺗﻘ ﱠﺪ إﻟﻴﻬﻢ ﰲ أﻻ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮا‪ ،‬ﻋﺰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ ذﻟﻚ أﺷﺪ اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ‪.‬‬
‫ﺗﺤ ﱠﺮﺟﺖ اﻷﻣﻮر ﺣﺘﻰ ﻣﻨﻊ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻣﻨﻊ أﻫﻞ اﻟﺪار ﻣﻦ اﻟﺨﺮ ج‬
‫ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬أﻗﺎ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ذﻟﻚ أﻳﺎﻣﺎ‪ .‬ﺛﻢ ﺟﺎءت اﻷﻧﺒﺎء ﺑﺄ أﻣﺪاد اﻟﻌﺮا ﻗﺪ دﻧﺖ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ‪،‬‬
‫ﺑﺄ أﻣﺪاد اﻟﺸﺎ ﻗﺪ اﻧﺘﻬﺖ إﱃ اد اﻟﻘﺮ ‪ .‬ﻓﻴﺨﺘﻠﻒ اﻟﺮ اة ﻫﻨﺎ أﺷﺪ اﻻﺧﺘﻼ ‪ :‬ﻓﺄﻣﺎ‬

‫‪190‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ اﻟﻌﴩ‬

‫اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻮاﻫﻢ ﻣﻊ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮ ‪ :‬أﺷﻔﻖ اﻟﺜﺎﺋﺮ أ ﺗﺼﻞ اﻷﻣﺪاد إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻓﺘﺤﻮ‬
‫ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑني ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ‪ ،‬ﻓﺎﺣﺘﺎﻟﻮا ﺣﺘﻰ أﻧﻔﺬ ا ﻧﻔﺮا ﻣﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‪،‬‬
‫ﻓﺘﺴﻮﱠر ا اﻟﺪار ﻣﻦ ﺧﻮﺧﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑني دار ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺣﺰ اﻧﺘﻬﻮا إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻘﺘﻠﻮ ‪ .‬أﻣﺎ‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻮاﻫﻢ ﻣﻊ ﻏري ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮ ‪ :‬إ أﻫﻞ اﻟﺪار ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺪء ا ﻓﻨﺎ ﺷﻮا اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ‪.‬‬
‫ﻛﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﴩﻓﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ،‬ﻗﺪ دﻋﺎ رﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻘﺎ ﻟﻪ ﻧﻴﺎر ﺑﻦ ﻋﻴﺎض اﻷﺳﻠﻤﻲ‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫ﺷﻴﺨﺎ ﻛﺒريا ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬دﻋﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻳﻌﻈﻪ ﻳﻨﺼﺢ ﻟﻪ ﺑﺄ ﻳﺨﻠﻊ ﻧﻔﺴﻪ‪،‬‬
‫إﻧﻪ ﻟﻔﻲ ذﻟﻚ إذ رﻣﻲ ﺑﺴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺪار أ أﻟﻘﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺠﺮ ﻓﻘﺘﻞ‪ .‬ﻗﺎ اﻟﺜﺎﺋﺮ‬
‫ﻟﻌﺜﻤﺎ ‪ :‬ادﻓﻊ إﻟﻴﻨﺎ ﻗﺎﺗﻞ ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ ﻓﻨﻘﻴﺪ ﻣﻨﻪ‪ .‬ﻓﻘﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻣﺎ أﻋﺮ ﻟﻪ ﻗﺎﺗﻼ ﻓﺄدﻓﻌﻪ‬
‫إﻟﻴﻜﻢ‪ ،‬أ ﻗﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪ :‬ﻣﺎ أدﻓﻊ إﻟﻴﻜﻢ رﺟﻼ ذبﱠ ﻋﻨﻲ أﻧﺘﻢ ﺗﺮﻳﺪ ﻗﺘﲇ‪ ،‬ﺛﻢ ﺣﺠﺰت ﺑﻴﻨﻬﻢ‬
‫ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻨﻜﺮة‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ أﺻﺒﺤﻮا ﻫﺠﻢ اﻟﺜﺎﺋﺮ ﻋﲆ اﻟﺪار ﻳﺤ ﱢﺮﻗﻮ أﺑﻮاﺑﻬﺎ‪ ،‬ﺧﺮج ﻟﻬﻢ أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﺪار ﻳﻘﺎﺗﻠﻮﻧﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺎﺷﺘﺪ اﻟﻘﺘﺎ ﺟﺮح ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري ﺟﺮاﺣﺎت ﻛﺜرية‪ ،‬ﴏع ﻣﺮ ا‬
‫ﻇﻦ ﺑﻪ املﻮت‪ ،‬ﻗﺘﻞ آﺧﺮ ‪ ،‬اﻗﺘﺤﻤﺖ اﻟﺪار ﻋﲆ أﻫﻠﻬﺎ‪ .‬ﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ‬ ‫ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﺣﺘﻰ ﱠ‬
‫ﻓﺘﺢ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺣﺰ ﺑﺎﺑﻪ أﻧﻔﺬ ﻣﻦ اﻟﺨﻮﺧﺔ أ ﻟﺌﻚ اﻟﻨﻔﺮ اﻟﺬﻳﻦ اﻧﺘﻬﻮا إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﻘﺘﻠﻮ ‪.‬‬
‫أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أ أﻧﺒﺎء ﺻﻠﺖ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﺄ اﻷﻣﺪاد ﻗﺪ ﻛﺎدت ﺗﺒﻠﻐﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄراد اﻟﺜﺎﺋﺮ‬
‫أ ﻳﻔﺮﻏﻮا ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﻗﺒﻞ أ ﺗﺼﻞ ﻫﺬ اﻷﻣﺪاد‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻣﺮ ا ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ أ ﻳﺼﱪ‬
‫ﻗﺪ ﺑﻠﻐﻪ ﻣﻦ أﻧﺒﺎء اﻷﻣﺪاد ﻣﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻓﺘﻌﺠﻞ اﻟﺤﺮب ﻇﻦ أﻧﻪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أ ﻳﺰﺣﺰح‬
‫املﺤﺎﴏﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺪار‪ ،‬أ ﻳﻘﺎﺗﻠﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺄﺗﻲ اﻷﻣﺪاد‪ ،‬ﻛﺮ أ ﻳﻌﺘ ﱠﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ أ اﺑﻦ‬
‫ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺄ ﺟﻨﻮدﻫﻤﺎ ﻗﺪ أدرﻛﺘﻬﻢ ﻣﺤﺼﻮرﻳﻦ ﰲ اﻟﺪار ﻓﻔ ﱠﺮﺟﺖ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺤﺼﺎر ردﱠت إﻟﻴﻬﻢ‬
‫اﻟﺤﻴﺎة‪ .‬ﻓﺄراد أ ﺗﺪرﻛﻪ اﻷﻣﺪاد ﻣﻌﻪ ﻣﻦ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ﻫﻢ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮ ﻳﺒﻠﻮ‬
‫ﻓﻴﺤﺴﻨﻮ اﻟﺒﻼء‪ .‬ﻫﻮ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬا ﺧﺮج ﻣﺮﺗﺠﺰا ﻳﻄﻠﺐ املﺒﺎرزة‪ ،‬ﺧﺮج ﻣﻌﻪ ﻧﻔﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ﻳﺮﺗﺠﺰ ‪ ،‬ﻋﺜﻤﺎ ﻳﺄﻣﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺼﱪ ﻳﻜﻔﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻘﺘﺎ ﻓﻼ ﻳﺴﻤﻌﻮ ﻟﻪ ﻻ‬
‫ني ﺳﻴﻔﻪ‪،‬‬ ‫ﻳﺴﺘﺠﻴﺒﻮ ﻟﺪﻋﺎﺋﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮ إﱃ أ ﻳﻘﺴﻢ ﻋﲆ ﻣﻦ رأ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻪ ﻃﺎﻋﺔ ﻟﻴﻠﻘ ﱠ‬
‫ﻓﺄﻟﻘﻰ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺳﻴﻮﻓﻬﻢ أﺑﻰ ﺑﻨﻮ أﻣﻴﺔ أ ﻳﻔﻌﻠﻮا‪ .‬ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻘﻮ ﻳﻘﺘﺘﻠﻮ ﻗﺪ‬
‫اﻗﺘﺤﻤﺖ اﻟﺪار ﺟﻌﻞ أﻫﻠﻬﺎ ﻳﺘﻔﺮﻗﻮ ‪ ،‬ﺧﺮج ﺧﺎرج ﻓﺄذ ﰲ اﻟﻨﺎس‪ :‬ﻟﻘﺪ ﻗﺘﻠﻨﺎ اﺑﻦ ﻋﻔﺎ ‪،‬‬
‫ﺛﻢ ﻓﺘﺤﺖ اﻷﺑﻮاب ﻧﻬﺒﺖ اﻟﺪار ﻧﻬﺐ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺘﻔﺮ اﻟﻨﺎس إﻻ ﻗﺪ ﻗﻌﺖ اﻟﻮاﻗﻌﺔ‬
‫ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺻﺐﱠ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﺑﻼء ﻋﻈﻴﻢ‪.‬‬
‫ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻳﻈﻬﺮ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﺎ ﰲ آﺧﺮ أﻣﺮ إﱃ ﳾء ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻳﺘﺤﺪث‬
‫اﻟﺮ اة ﺑﺄ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺎص دﺧﻞ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺴﻤﻊ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﺧﺮج ﻣﺴﱰﺟﻌﺎ ﻳﻄﻠﺐ‬

‫‪191‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻋﻠﻴٍّﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﻘﻴﻪ ﰲ املﺴﺠﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﻟﻪ‪ :‬ﻫﻠ ﱠﻢ أﺑﺎ اﻟﺤﺴﻦ! ﻟﻘﺪ ﺟﺌﺘﻚ ﺑﺨﱪ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ أﺣﺪ‬
‫أﺣﺪا‪ ،‬إ ﺧﻠﻴﻔﺘﻚ ﻗﺪ أﻋﻄﻰ اﻟﺮﺿﺎ ﻓﺄﻗﺒﻞ ﻓﺎﻧﴫ اﺳﺒﻖ إﱃ اﻟﻔﻀﻞ ﰲ ﻧﴫ ‪ .‬إﻧﻬﻤﺎ‬
‫ﻟﻴﺘﻨﺎﺟﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﺟﺎء اﻟﻨﺒﺄ ﺑﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﱠ‬
‫ﻟﻴﻜﻒ اﻟﻨﺎس‬ ‫ﻓﺄﻛﺎد أﻋﺘﻘﺪ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻛﺎ دﻋﺎ ﺳﻌﺪا ﻛﻠﻔﻪ أ ﻳﺴﻔﺮ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني ﻋﲇ ﱟ‬
‫ﻋﻦ اﻟﻘﺘﻞ اﻟﻘﺘﺎ ‪ ،‬ﻋﲆ أ ﻳﺮ ﱠد اﻷﻣﺮ إﱃ أﺻﺤﺎب اﻟﺸﻮر أﻫﻞ اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻘﺪ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني‬
‫ﻟﻴﻀﻌﻮ ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺎء ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬ اﻟﺴﻔﺎرة ﺟﺎءت ﻣﺘﺄﺧﺮة‪ ،‬ﻛﺎ أﻣﺮ ﷲ ﻗﺪرا ﻣﻘﺪ را‪.‬‬

‫‪192‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﴩون‬

‫ﻛﺎ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻗﺪ ﻋﺮض ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺒﻞ أ ﻳﻔﺎرﻗﻪ ﰲ أ اﺧﺮ ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ ﺛﻼﺛني ﺧﺼﻠﺘني‬
‫رﻓﻀﻬﻤﺎ ﻋﺜﻤﺎ رﻓﻀﺎ ﺣﺎﺳﻤﺎ‪ :‬ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻪ أ ﻳﺴري ﻣﻌﻪ إﱃ اﻟﺸﺎ ﻓﻴﻜﻮ ﻓﻴﻬﺎ آﻣﻨﺎ‬
‫ﻣﻨﺼﻮرا‪ ،‬ﻓﺄﺑﻰ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﱰ ﺟﻮار اﻟﻨﺒﻲ أ ﻳﺴﺘﺒﺪ ﺑﺪار اﻟﻬﺠﺮة دارا أﺧﺮ ‪ .‬أﺿﻤﺮ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ أﺷﻴﺎء ﻟﻢ ﻳﻘﻠﻬﺎ ملﻌﺎ ﻳﺔ ﰲ أﻛﱪ اﻟﻈﻦ‪ ،‬ﻫﻲ أﻧﻪ ﻟﻮ ﺗﺮ املﺪﻳﻨﺔ ﻟﻨﻘﻞ‬
‫ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ إﱃ ﺑﻠﺪ آﺧﺮ ﻏري اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺬ ﻇﻬﺮ اﻹﺳﻼ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ أﻋﺪاﺋﻪ‪ ،‬إﱃ ﺑﻠﺪ آﺧﺮ‬
‫ﻏري اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺬ أﻗﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻴﻪ أﻋﻼ اﻹﺳﻼ أﻗﺎ اﻟﺸﻴﺨﺎ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺠﺪ اﻹﺳﻼ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺑﻐﺾ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ﻣﻦ أ ﻳﺄﺗﻲ ﻫﺬ اﻟﺒﺪﻋﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺑﻐﺾ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ أ ﻳﻘﻮ‬
‫ﻟﻪ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻋﺎﻣﺔ املﺴﻠﻤني‪ :‬ﻧﻘﻠﺖ أﻣﺮ اﻹﺳﻼ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﻗﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﺎ إﱃ‬
‫ﺑﻠﺪ أﺟﻨﺒﻲ ﻏﺮﻳﺐ‪ ،‬ﺛﻢ ﻟﻮ ﻓﻌﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻜﺎ أﺳريا ﰲ ﻳﺪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ .‬ﻷ ﻳﻜﻮ أﺳريا ﰲ ﻳﺪ‬
‫أﺻﺤﺎﺑﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﻫﺎﺟﺮ ا ﻣﻌﻪ اﻟﺬﻳﻦ آ ا ﻧﴫ ا اﻟﺬﻳﻦ ﻏﺰ ا ﻣﻌﻪ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ اﺳﺘﻤﻌﻮا‬
‫ﻣﻌﻪ ﻟﻠﻨﺒﻲ‪ ،‬أﺣﺐﱡ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ أ ﻳﻜﻮ أﺳريا ﻋﻨﺪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎ ‪ ،‬ﻋﲆ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﺑني‬
‫ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻣﻦ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻨﺴﺐ‪ ،‬ﻋﲆ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻦ اﻟﻌﺰة اﻟﻐﻠﺐ‪.‬‬
‫ﻋﺮض ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﺮﺳﻞ إﻟﻴﻪ ﺟﻨﺪا ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺸﺎ ﻳﻘﻴﻤﻮ ﻣﻌﻪ ﰲ‬
‫املﺪﻳﻨﺔ ﻟريد ا ﻋﻨﻪ اﻟﻌﺎدﻳﺎت‪ ،‬ﻓﺄﺑﻰ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺎ ‪ :‬ﻻ أﺿﻴﻖ ﻋﲆ أﺻﺤﺎب رﺳﻮ ﷲ ﺑﺠﻮار‬
‫ﻣﻦ ﻳﺠﺎ رﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ‪ .‬أﺿﻤﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ أﺷﻴﺎء أﺧﺮ ﰲ أﻛﱪ اﻟﻈﻦ ﻟﻢ ﻳﻘﻠﻬﺎ‬
‫ملﻌﺎ ﻳﺔ‪ :‬ﻟﻢ ﻳﺮد أ ﻳﺨﺮج ﻋﻦ ﺳرية اﻟﻨﺒﻲ ﺳرية ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻔﺮض ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﺑﺎﻟﻘﻮة‬
‫اﻟﻐﻠﺐ‪ ،‬ﻳﺨﻀﻊ دار اﻟﻬﺠﺮة ﻟﻬﺬا اﻻﺣﺘﻼ اﻟﺬ ﻋﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻴﺤﺪث ﰲ اﻹﺳﻼ‬
‫ﻫﺬا اﻟﺤﺪث اﻷﻛﱪ ﻫﻮ إﺧﻀﺎع املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ ﻟﺠﻨﺪ ﻳﺮﺳﻠﻬﻢ‬
‫ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎ ﻣﻦ ﻗﻮ ﻟﻢ ﻳﻠﻘﻮا اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻮا ﻣﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺮ ا ﺳريﺗﻪ ﺳرية‬
‫ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ رأ اﻟﻌني‪ .‬ﻟﻢ ﻳﺮد ﻋﺜﻤﺎ أ ﻳﻜﻮ أ ﻣﻦ ﻳﺤ ﱢﻮ اﻟﺨﻼﻓﺔ إﱃ ﻣﻠﻚ‪ ،‬ﻳﺨﺮﺟﻬﺎ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻋﻤﺎ أﻟﻔﺖ ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﺴﻤﺎﺣﺔ اﻟﺴﻤﺤﺔ إﱃ اﻟﻘﻬﺮ اﻟﻘﴪ اﻟﺒﺄس اﻟﺸﺪﻳﺪ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ ﻓﻌﻞ‬
‫ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻜﺎ ﻃﺎﻏﻴﺔ ﻳﺤﻜﻢ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﺑﻘﻮة ﻫﺬا اﻟﺠﻴﺶ اﻟﺬ ﻳﺤﻤﻴﻪ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪،‬‬
‫ﻳﺤﺮس دار إ أﻗﺎ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻳﺤﺮﺳﻪ ﻫﻮ إ ﺧﺮج ﻣﻦ دار ‪ ،‬ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ إذا ﻗﺎ ﺧﻄﻴﺒﺎ‬
‫ﻋﲆ ﻣﻨﱪ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻳﺴﻌﻰ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ إذا ﻣﴙ ﰲ ﻃﺮﻗﺎت املﺪﻳﻨﺔ‪ .‬أﻳﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻣﻦ ﺳرية‬
‫اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺸﻴﺨني ﻣﻦ ﺳرية ﻋﺜﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ! ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻳﻤﴚ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻏري ﻣﺤﺮ س‪ ،‬ﻳﻘﻒ‬
‫ﻟﻒ رداء اﺗﺨﺬ‬‫ﻋﲆ أﻧﺪﻳﺔ اﻟﻘﻮ ﻓﻴﻘﻮ ﻟﻬﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻛﺎ ﻳﻨﺎ ﰲ املﺴﺠﺪ ﻗﺪ ﱠ‬
‫ﺳﺎدا‪ .‬ﻛﺎ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﲆ ﻣﻨﱪ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻮ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﻴﺘﺤﺪث إﱃ اﻟﻨﺎس ﺣﺪﻳﺚ اﻷب اﻟﺮﻓﻴﻖ‪،‬‬
‫أ اﻷخ اﻟﺒﺎر أ اﻟﺼﺪﻳﻖ اﻟﺤﻤﻴﻢ؛ ﻳﺴﺄﻟﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﺮﺿﺎﻫﻢ ﻋﻦ ﺷﺌﻮﻧﻬﻢ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﻢ‬
‫ﻋﻦ أﺳﻌﺎر اﻟﺴﻮ ‪ .‬ﻓﺈذا أذﱠ املﺆذﻧﻮ ﻗﺎ ﻓﺨﻄﺒﻬﻢ ﻣﺎ ﺷﺎء ﷲ أ ﻳﺨﻄﺒﻬﻢ‪ ،‬ﺛﻢ ﺟﻠﺲ‬
‫ﻓﺎﺳﺘﺄﻧﻒ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻌﻬﻢ ﻳﺴﺄﻟﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﺮﺿﺎﻫﻢ ﻋﻦ ﺷﺌﻮﻧﻬﻢ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ ﻋﻦ أﺳﻌﺎر‬
‫اﻟﺴﻮ ‪ ،‬ﻓﺈذا أذﱠ املﺆذﻧﻮ اﻷذا اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻗﺎ ﻓﺼﲆ ﺑﻬﻢ‪ .‬ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻪ ﻟﻮ ﻏري ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻓﺎﻧﺘﻘﻞ‬
‫إﱃ اﻟﺸﺎ ﺗﺮ دار اﻟﻬﺠﺮة‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺨﻄﺐ ﻋﲆ ﻣﻨﱪ اﻟﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺼ ﱢﻞ ﰲ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺣﻴﺚ‬
‫ﻳﺤﻒ ﺑﻪ ﺟﻨﺪ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺸﺎ ﻳﺤﻤﻮﻧﻪ‬ ‫ﱡ‬ ‫ﺻﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﺎ ؟ ﻛﻴﻒ ﺑﻪ ﻟﻮ أﻗﺎ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪ ا ﻣﻌﻪ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ املﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ؟ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻴﺴﺘﺠﻴﺐ ملﺎ دﻋﺎ إﻟﻴﻪ‬
‫ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪ ،‬ﻻ ﻟﻴﻘﺒﻞ ﻣﺎ ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻣﻦ إرﺳﺎ ذﻟﻚ اﻟﺠﻴﺶ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎ ﻟﻪ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ‪:‬‬
‫ﱠ‬
‫ﻟﺘﻐﺘﺎﻟﻦ‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬ﺣﺴﺒﻲ ﷲ ﻧﻌﻢ اﻟﻮﻛﻴﻞ!‬ ‫إذ ﻟﺘﻐﺰ ﱠ‬
‫ﻳﻦ أ‬
‫ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻘﺒﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﺧﻼﻓﺘﻪ إذ ﻫﻮ ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﺴري ﺳرية ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ ﻻ ﻳﻐري ﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﺷﻴﺌﺎ‪ .‬ﺳﺎر ﻋﲆ اﻟﺠﻤﻠﺔ ﺳرية ﺻﺎﺣﺒﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﺤﺘﺠﺐ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﻞ ﻟﻢ ﻳﺘﺴﻠﻂ‪ ،‬إﻧﻤﺎ‬
‫أدرﻛﻪ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺪر اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻀﻌﻒ اﻟﺬ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻦ ﻧﻴﺔ ﺳﻮء ﻻ ﻋﻦ ﺗﻌﻤﺪ‬
‫ﻟﻠﺒﻐﻲ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻦ ﺧﻠﻖ ﻛﺮﻳﻢ ﻋﻦ ﺣﺐ ﻟﻠﺨري رﻏﺒﺔ ﻓﻴﻪ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أ ﻧﻨﴗ أ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ اﺳﺘﻘﺒﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻫﻮ ﺷﻴﺦ ﻛﺒري ﻗﺪ ﺑﻠﻎ اﻟﺴﺒﻌني‬
‫ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ‪ ،‬ﻛﺎ ﺟﻮادا ﻣﻌﻄﺎء‪ ،‬ﻛﺎ ﺻﻮﻻ ﻟﻠﺮﺣﻢ‪ ،‬ﻛﺎ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺤﻴﺎء‪ ،‬ﻛﺎ ﺳﻤﺢ‬
‫اﻟﺨﻠﻖ رﻗﻴﻖ اﻟﻘﻠﺐ ﺣﺴﻦ اﻟﺮأ ﰲ اﻟﻨﺎس‪ .‬ﻓﺈذا اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻛﻞ ﻫﺬ اﻟﺨﺼﺎ ﰲ ﺷﺨﺼﻪ‬
‫أﺿﻴﻔﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﺧﺼﺎ أﺧﺮ ﰲ ﻋﺸريﺗﻪ اﻷﻗﺮﺑني‪ :‬ﻫﻲ اﻟﻄﻤﻊ اﻟﺠﺸﻊ اﻟﻄﻤﻮح اﻟﺬ ﻻ‬
‫ﺣﺪ ﻟﻪ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺘﺴﻠﻂ اﻟﻐﻠﺒﺔ؛ ﻛﺎ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﻌﺮض ﻋﺜﻤﺎ ملﺎ ﺗﻌﺮض ﻟﻪ‬
‫ﻣﻦ اﻟﴩ‪ .‬ﻓﺈذا أﺿﻔﺖ إﱃ ﺧﺼﺎﻟﻪ ﺧﺼﺎ ﻋﺸريﺗﻪ اﻷﻗﺮﺑني أ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر أﺻﺤﺎب‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﻗﺪ ﻧﺎزﻋﺘﻬﻢ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ إﱃ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﻮا إﻟﻴﻬﺎ رﻏﺒﻮا ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺟﻤﻌﻮا ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻈﻮﻇﺎ‬
‫ﺿﺨﻤﺔ‪ ،‬أﻟﻘﻰ ﻫﺬا ﰲ ر ﻋﻬﻢ أﻧﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮا أﻗﻞ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬أﻧﻬﻢ ﻗﺪ‬

‫‪194‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ اﻟﻌﴩ‬

‫ﻳﻜﻮﻧﻮ أﻗﺪر ﻣﻨﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﻬﻮض ﺑﺄﻋﺒﺎﺋﻬﺎ ﺿﺒﻂ أﻣﻮرﻫﺎ ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻮا ﻣﻦ اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ‬
‫ﻣﺎ ﺑﻠﻎ؛ ﻛﺎ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﺧﻠﻴﻘﺎ أ ﻳﺠﻌﻞ اﻷﻣﺮ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﺴريا أﺷﺪ اﻟﻌﴪ‪ ،‬أ ﻳﺠﻌﻞ‬
‫اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﻟﻴﻪ ﻣﺸﻜﻼت ﻣﻌﻀﻼت ﻳﺘﺒﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ‪ ،‬ﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ إﻻ‬
‫ﻟﻴﺪﺧﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻮ أﺷﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﴪا أﻋﻈﻢ ﺗﻌﻘﻴﺪا‪.‬‬
‫ﺛﻢ إذا أﺿﻔﺖ إﱃ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ أ ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻴﻮخ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬ﻗﺪ ﻋﺎﺷﻮا‬
‫ﻋﻴﺸﺔ إﻻ ﺗﻜﻦ ﺑﺪ ﻳﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻓﻬﻲ إﱃ اﻟﺒﺪا ة أﻗﺮب ﻣﻨﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﻀﺎرة‪ ،‬ﺛﻢ ﻧﻈﺮ ا ذات‬
‫ﻳﻮ ﻓﺈذا ﻫﻢ أﻣﺎ د ﻟﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﺑﻌﻴﺪة اﻷرﺟﺎء ﻣﱰاﻣﻴﺔ اﻷﻃﺮا ﻣﻌﻘﺪة اﻟﺸﺌﻮ ﺗﺤﺘﺎج إﱃ‬
‫أ ﺗﺴﺎس ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺤﻀﺎرة املﺘﺄﺻﻠﺔ ذات اﻟﺴﻨﻦ املﻮر ﺛﺔ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﻘﺮرة ﻻ اﻟﺤﻀﺎرة‬
‫اﻟﻄﺎرﺋﺔ — إذا ﺟﻤﻌﺖ ﻫﺬ اﻟﺨﺼﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻌﻀﻬﺎ إﱃ ﺑﻌﺾ‪ ،‬ﻋﺮﻓﺖ أ ﻇﺮ اﻟﺤﻴﺎة‬
‫اﻟﺘﻲ أﻃﺎﻟﺖ ﺑﻌﺜﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻗﻮ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ .‬ﻻ ﺗﻘﻞ إ ﻋﻤﺮ ﻗﺪ اﺟﻪ ﻫﺬ‬
‫ﻇﻬﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﻓﺬاذ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺗﻈﻔﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﻬﻢ إﻻ‬ ‫اﻟﻈﺮ‬
‫ﰲ اﻟﻘﻠﻴﻞ اﻟﻨﺎدر‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻌﺒﻮ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﻳﺮﻫﻘﻮﻧﻬﻢ ﻣﻦ أﻣﺮﻫﻢ ﻋﴪا‪ .‬ﻟﻮﻻ ﳾء ﻣﻦ‬
‫اﻟﺘﺤﻔﻆ اﻻﺣﺘﻴﺎط ﻟﻘﻠﺖ‪ :‬إ املﺴﺌﻮ اﻷ اﻷﺧري ﻋﻤﺎ ﺗﻌ ﱠﺮض ﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺨﻄﻮب‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻫﺬ اﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻔﺬﱠة اﻟﺘﻲ أﺗﻴﺤﺖ ﻟﻌﻤﺮ ﻟﻢ ﺗﺘﺢ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ‬
‫ﻓﻴﻬﻢ ﻋﺜﻤﺎ ‪.‬‬
‫ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﳾء؛ ﻓﻬﺬ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ‪ ،‬ﻫﺬ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﺖ املﺮﺣﻠﺔ‬
‫اﻷ ﱃ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻠﻬﺎ ﺑﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖ املﺴﻠﻤني أﻣﺎﻣﻬﻢ ﻃﺮﻳﻘﺎ ﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺔ‬
‫اﺿﺤﺔ اﻷﻋﻼ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻮج ﻻ اﻟﺘﻮاء‪ :‬إﺣﺪاﻫﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﺘﻬﺎ اﻷﻣﻢ ﻣﻦ‬
‫ﻗﺒﻠﻬﻢ‪ ،‬ﻫﻲ ﻃﺮﻳﻖ املﻠﻚ اﻟﺬ ﻳﻘﻴﻢ أﻣﺮ ﻋﲆ اﻟﺤﺰ اﻟﻌﺰ ﻋﲆ اﻟﻘﻮة اﻟﺒﺄس‪ ،‬ﻳﺤ ﱡﻞ‬
‫ﻣﺸﻜﻼت اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻓريﻗﻰ ﻳﻘﻮ ﻳﺰدﻫﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺼﻴﺒﻪ اﻟﻀﻌﻒ اﻻﻧﺤﻼ‬
‫اﻟﺬ اء ﻟﻴﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻃﻮر إﱃ ﻃﻮر‪ ،‬ﻣﻦ د ﻟﺔ إﱃ د ﻟﺔ‪ ،‬ﻣﻦ ﺷﻌﺐ إﱃ ﺷﻌﺐ‪ .‬اﻷﺧﺮ‬
‫ﻫﻲ ﻫﺬ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻣﻬﺪﻫﺎ اﻟﻨﺒﻲ رﻓﻊ أﻋﻼﻣﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﺎ ‪ ،‬ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﻴﻢ‬
‫اﻟﺴﻠﻄﺎ ﻋﲆ اﻟﻘﻮة‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺗﻘﻴﻤﻪ ﻋﲆ املﺤﺒﺔ اﻟﻌﺪ ‪ ،‬ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻘﻮة أداة ﻣﻦ أد اﺗﻪ ﺳﻴﻠﺔ‬
‫ﻣﻦ ﺳﺎﺋﻠﻪ‪ ،‬ﻻ ﺗﻌﺮ أﺛﺮة ﻻ ﺗﺤﻜﻤﺎ ﻻ ﺟﱪﻳﺔ‪ ،‬ﻻ ﺗﺤﻞ ﻣﺸﻜﻼت اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪،‬‬
‫اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ املﻨﻜﺮ‪ ،‬ﻋﲆ‬ ‫إﻧﻤﺎ ﺗﺤﻠﻬﺎ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻫﺬ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮ ﻋﲆ اﻷﻣﺮ ﺑﺎملﻌﺮ‬
‫اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ اﻟﺨري اﻟﻨﻔﻮر ﻣﻦ اﻟﴩ‪ ،‬ﻋﲆ اﻹﻳﺜﺎر ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﱪؤ ﻣﻦ اﻷﺛﺮة‪ ،‬ﺗﻌﺘﻤﺪ‬
‫ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﳾء ﻋﲆ ﺻﻔﺎء اﻟﻨﻔﻮس ﻧﻘﺎء اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﻃﻬﺎرة اﻟﻘﻠﻮب‪ ،‬ﺗﺘﺨﺬ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻻ‬
‫أﻗﻮ ﺳﻴﻠﺔ إﱃ اﻵﺧﺮة ﻟﻴﺲ ﻏري‪ ،‬ﻟﻜﻦ أﻗﻮ ﺳﻴﻠﺔ إﱃ اﻵﺧﺮة ﻣﻦ ﺟﻬﺔ‪ ،‬ﺳﻴﻠﺔ إﱃ دﻧﻴﺎ‬
‫ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺰداد رﻗﻴٍّﺎ ﻧﻘﺎء ﺻﻔﺎء ﻃﻬﺮا ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﺑﻬﺎ اﻷﻳﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ ‪.‬‬

‫‪195‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻧﻈﺮ املﺴﻠﻤﻮ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﺈذا ﻫﻢ ﻋﲆ رأس ﻫﺎﺗني اﻟﻄﺮﻳﻘﺘني‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ أﻛﺜﺮﻫﻢ‬
‫ﻓﺴﻠﻜﻮا اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻷ ﱃ‪ ،‬اﻣﺘﺤﻨﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺰاﻟﻮ ﻳﻤﺘﺤﻨﻮ ﺑﻤﺎ اﻣﺘﺤﻨﺖ ﺑﻪ اﻷﻣﻢ‬
‫اﻟﺸﻌﻮب‪ ،‬أﻣﺎ أﻗﻠﻬﻢ ﻓﺤﺎ ﻟﻮا أ ﻳﺴﻠﻜﻮا اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻧﺎﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪،‬‬
‫ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺎد ا ﻳﺘﻘﺪﻣﻮ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ ﺗﻠﻚ ﺣﺘﻰ اﻣﺘﺤﻨﻮا ﰲ أﻧﻔﺴﻬﻢ دﻣﺎﺋﻬﻢ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻏﻠﺒﻬﻢ‬
‫اﻷﻛﺜﺮ ﻋﺪدا ﻋﲆ أﻣﺮﻫﻢ‪.‬‬
‫ﻳﻨﻈﺮ املﺴﻠﻤﻮ اﻵ ﻓﺈذا اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻷ ﱃ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﺰدﺣﻤﺔ ﺑﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻳﺘﻬﺎﻓﺘﻮ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻬﺎﻓﺖ اﻟﻔﺮاش ﰲ اﻟﻨﺎر‪ ،‬إذا اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ اﺿﺤﺔ ﺑﻴﻨﺔ‬
‫اﻷﻋﻼ ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﲆ ﺳﻠﻮﻛﻬﺎ إﻻ أ ﻟﻮ اﻟﻌﺰ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس‪ .‬أﻳﻦ أ ﻟﻮ اﻟﻌﺰ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻨﺎس؟!‬

‫‪196‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﻼﺛﻮن‬

‫ﻫﻨﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺳﺆا ﻟﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻨﻪ اﻟﻘﺪﻣﺎء إﺟﺎﺑﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﺤﺎ أﻛﺜﺮﻫﻢ أ‬
‫ﻳﺠﻴﺐ ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﻦ أ ﻧﻈﻔﺮ ﻟﻪ ﺑﺠﻮاب‪ :‬ﻛﻴﻒ ملﺎذا أﺑﻄﺄ ﻋﻤﺎ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﻦ‬
‫ﻧﴫ ﺣﺘﻰ أﺗﻴﺢ ﻟﻠﺜﺎﺋﺮﻳﻦ أ ﻳﺤﺎﴏ ﻓﻴﻄﻴﻠﻮا ﺣﺼﺎر أ ﻳﻘﺘﻠﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؟ ﻓﻘﺪ ﻗﻴﻞ‪:‬‬
‫إ اﻟﺤﺼﺎر اﺗﺼﻞ أرﺑﻌني ﻳﻮﻣﺎ‪ .‬ﻧﺤﻦ ﻧﻌﻠﻢ أ املﻮاﺻﻼت ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻳﺴرية ﻻ ﻗﺮﻳﺒﺔ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮ أ اﻷﺧﺒﺎر ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﰲ ﴎﻋﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ إﱃ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬ﻓﻌﺒﺪ‬
‫ﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻛﺎ ﻳﻌﻠﻢ أ املﴫﻳني ﻗﺪ ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻨﻜﺮﻳﻦ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎ ‪ ،‬ﻫﻮ‬
‫أﻧﺒﺄ ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻏري ﺷﻚ‪ ،‬ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻛﺘﺐ ﺑﻪ إﱃ ﻋﺜﻤﺎ ‪ .‬أﺑﻮ ﻣﻮﳻ اﻷﺷﻌﺮ ﻗﺪ‬
‫رأ ﻣﺨﺮج أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻢ ﻣﻦ أﻣﺮﻫﻢ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻋﻠﻢ اﺑﻦ أﺑﻲ ﴎح ﻣﻦ‬
‫أﻣﺮ املﴫﻳني‪ .‬ﻗﻞ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻣﻊ اﻟﺬﻳﻦ ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ أﻫﻞ‬
‫اﻟﺒﴫة‪ .‬ﻓﻤﺎ ﺑﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﴪﻋﻮا إﱃ ﻧﴫ اﻹﻣﺎ ملﺠﺮد ﻋﻠﻤﻬﻢ ﺑﺨﺮ ج ﻣﻦ ﺧﺮج‬
‫ﻣﻦ أﻫﻞ أﻣﺼﺎرﻫﻢ؟ ﺑﻞ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﴪﻋﻮا إﱃ ﻧﴫ ﻋﺜﻤﺎ ﺣني ﺟﺎءﺗﻬﻢ ﻛﺘﺒﻪ ﺗﻄﻠﺐ‬
‫إﻟﻴﻬﻢ اﻟﻨﺠﺪة؟ ملﺎذا ﺗﻠﺒﺜﻮا ﺗﺒﺎﻃﺌﻮا ﺣﺘﻰ ﻛﺎ اﻟﴩ ﻗﺘﻞ اﻹﻣﺎ ﻗﺒﻞ أ ﻳﺪرﻛﻮ ؟ أﻛﺜﺮ‬
‫ﻣﻦ ﻫﺬا أ ﻋﺜﻤﺎ ﻗﺪ ﻋﻮﱠد ﻋﻤﺎﻟﻪ أ ﻳﻮاﻓﻮ ﰲ املﻮﺳﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻬﻢ أﻗﺎﻣﻮا ﰲ‬
‫أﻣﺼﺎرﻫﻢ ﻫﺬا اﻟﻌﺎ ﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪ ا اﻟﺤﺞ ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮ ﻋﺜﻤﺎ — ﻗﺪ ﻛﺎ ﻣﺤﺼﻮرا — أ‬
‫ﻳﺄﻣﺮ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﻟﻴﺤﺞ ﺑﺎﻟﻨﺎس؟‬
‫أﺷﺪ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻏﺮاﺑﺔ أ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﺣﻤﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮ املﺆرﺧﻮ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎ‬
‫إﱃ ﻋﺎﻣﱠ ﺔ املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪ ا ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ ﻳﻌﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻗﻀﻴﺘﻪ ﻓﻴﻪ ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬
‫ﻳﻘﻮ املﺆرﺧﻮ ‪ :‬إ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﻗﺮأ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﰲ املﻮﺳﻢ‪ ،‬ﻓﻜﻴﻒ اﺳﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻟﻬﺬا‬
‫اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬ ر ا اﻟﻄﱪ ﻛﺎﻣﻼ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻔﺮﻗﻮا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻛﺄ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﳾء‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻨﻬﺾ أﺣﺪ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻨﴫ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﺬﻫﺐ ﺟﻤﺎﻋﺘﻬﻢ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻟﻴﺸﻬﺪ ا ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻛﺎ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث؟ ﺑﻞ ﻛﻴﻒ ﻗﺎ ﻋﺎﻣﻞ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ ﻣﻜﺔ ﻫﺎدﺋﺎ ﺳﺎﻛﻨﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨٍّﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻨﻔﺮ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻟﻨﴫ اﻹﻣﺎ ؟ ﻟﻮ ﻗﺪ اﺳﺘﻨﻔﺮ أﻫﻞ ﻣﻜﺔ ﺟﻤﻊ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﺟﻴﺸﺎ ﻻﺳﺘﻄﺎع أ ﻳﺸﻐﻞ‬
‫ﻫﺆﻻء اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺒﻞ ﻫﺬ اﻷﻣﺪاد اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺼﺎر‪ .‬ﻓﻤﺎ ﺑﺎ ﳾء ﻣﻦ ﻫﺬا ﻟﻢ‬
‫ﻳﻜﻦ؟ ﻣﺎ ﺑﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﺮ ؟ ﻣﺎ ﺑﺎ اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻟﻢ ﻳﻔﺰﻋﻮا ﻟﻨﴫ‬
‫إﻣﺎﻣﻬﻢ؟ أﻳﻤﻜﻦ أ ﺗﻜﻮ اﻷﻣﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻗﺪ أﺳﻠﻤﺖ ﻫﺬا اﻹﻣﺎ ‪ :‬ﻓﱰت اﻟﺮﻋﻴﺔ‪ ،‬أﺿﻤﺮ اﻟﻌﻤﺎ‬
‫ﰲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ أﺷﻴﺎء ﻓﺘﺒﺎﻃﺌﻮا ﺗﺜﺎﻗﻠﻮا‪ ،‬ﺷﻐﻞ ﻛﻞ اﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ﺗﺮﻛﻮا اﻹﻣﺎ ﻷﻫﻞ‬
‫املﺪﻳﻨﺔ ﻳﺼﻨﻌﻮ ﺑﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء أ ﻳﺼﻨﻊ ﻫﻮ ﺑﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء؟ ﻗﺪ رأﻳﺖ أ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ‬
‫أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜﺮﺗﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻠﺘﻬﻢ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﺧﺎذﻟﺔ ﻟﻌﺜﻤﺎ‬
‫ﺗﻨﻜﺮ ﺑﺄﻟﺴﻨﺘﻬﺎ ﻻ ﺗﺼﻨﻊ ﺷﻴﺌﺎ‪ .‬ﻟﻮ ﻗﺪ اﺳﺘﻘﺒﻞ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻫﺆﻻء اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ ﻣﻨﻜﺮﻳﻦ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺜﻮا ﰲ ﺟﻮﻫﻬﻢ اﻟﱰاب ﻻﻧﴫﻓﻮا ﻣﺨﺬ ﻟني ﻛﻤﺎ ﻗﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺪﻣﺎء‪ .‬إذ ﻓﻘﺪ‬
‫ﺻﺪ ﻋﺜﻤﺎ ﺣني ﻗﺎ إ اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﻃﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﻤﺮ ﻓﻤﻠﻮ ‪ .‬أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أ اﻟﻨﺎس‬
‫ﻟﻢ ﻳﻄﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﻤﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻃﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﻳﻀﺎ ﻋﻤﺮ ﻫﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ‬
‫ﺗﻜﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺧﻼﻓﺔ ﻛﺎﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻮﻫﺎ أﻳﺎ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻻ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻣﻠﻚ ﻛﺎﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﻴﴫ‬
‫ﻛﴪ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻴﺌﺎ ﺑني ﺑني‪.‬‬

‫‪198‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﳊﺎدي واﻟﺜﻼﺛﻮن‬

‫أﺻﺒﺢ ﻋﺜﻤﺎ ﻏﺪاة اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ أرﺳﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻬﻢ أ أﻟﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺠﺮ ﻣﻦ دار ﻓﻘﺘﻞ ﻧﻴﺎر‬
‫ﺑﻦ ﻋﻴﺎض اﻷﺳﻠﻤﻲ — أﺻﺒﺢ ﻋﺜﻤﺎ ﻏﺪاة ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﺻﺎﺋﻤﺎ‪ ،‬ﺗﺤﺪﱠث إﱃ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﺄﻧﻪ‬
‫ﻣﻘﺘﻮ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮ ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎ ﻟﻪ أﺻﺤﺎﺑﻪ‪ :‬ﻳﻜﻔﻴﻚ ﷲ ﻋﺪ ﱠ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬ﻟﻮﻻ‬
‫أ ﺗﻘﻮﻟﻮا ﺗﻤﻨﻰ ﻋﺜﻤﺎ ﻟﺤﺪﺛﺘﻜﻢ ﺣﺪﻳﺜﺎ ﻋﺠﻴﺒﺎ‪ .‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻓﺈﻧﺎ ﻻ ﻧﻘﻮ ذﻟﻚ‪ .‬ﻗﺎ ‪ :‬إﻧﻲ رأﻳﺖ‬
‫رﺳﻮ ﷲ ﷺ ﻣﻌﻪ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ﱄ‪» :‬أﻓﻄﺮ ﻋﻨﺪﻧﺎ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎ ‪«.‬‬
‫ﻣﴣ ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻣﻊ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻘﺎ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺎ ‪ :‬ﻟﻢ ﻳﻘﺘﻠﻮﻧﻨﻲ؟‬
‫ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮ ﷲ‪ ،‬ﷺ‪ ،‬ﻳﻘﻮ ‪» :‬ﻻ ﻳﺤﻞ د اﻣﺮئ ﻣﺴﻠﻢ إﻻ ﰲ إﺣﺪ ﺛﻼث‪ :‬رﺟﻞ ﻛﻔﺮ‬
‫ﺑﻌﺪ إﻳﻤﺎﻧﻪ‪ ،‬أ زﻧﺎ ﺑﻌﺪ إﺣﺼﺎﻧﻪ‪ ،‬أ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴﺎ ﺑﻐري ﻧﻔﺲ‪ «.‬ﻓﻮﷲ ﻣﺎ زﻧﻴﺖ ﰲ ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ‬
‫ﻻ ﰲ إﺳﻼ ﻗﻂ‪ ،‬ﻻ ﺗﻤﻨﻴﺖ أ ﱄ ﺑﺪﻳﻨﻲ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﺬ ﻫﺪاﻧﻲ ﷲ‪ ،‬ﻻ ﻗﺘﻠﺖ ﻧﻔﺴﺎ‪ ،‬ﻓﻔﻴﻢ‬
‫ﻳﻘﺘﻠﻮﻧﻨﻲ؟ ‪ 1‬ﺛﻢ ﻣﴣ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﻟﱧ ﻗﺘﻠﻮﻧﻲ ﻟﻢ ﻳﺼ ﱡﻠﻮا ﺑﻌﺪ ﺟﻤﻴﻌﺎ‬
‫أﺑﺪا‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮا ﻋﺪ ٍّا ﺟﻤﻴﻌﺎ أﺑﺪا‪ .‬ﺛﻢ ﻣﴣ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻣﻊ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻳﻨﻬﺎﻫﻢ ﻋﻦ‬
‫اﻟﻘﺘﻞ اﻟﻘﺘﺎ ﻫﻮ ﻳﻠﺤﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ‪ :‬إ رﺳﻮ ﷲ‪ ،‬ﷺ‪ ،‬ﻗﺪ ﻋﻬﺪ إﱄ ﱠ ﻋﻬﺪا‬
‫ﻓﺄﻧﺎ ﺻﺎﺑﺮ ﻋﲆ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺬ ﻋﻬﺪ إﱄ ﱠ ﺣﺘﻰ أﴏع ﰲ املﴫع اﻟﺬ ﻛﺘﺐ ﻋﲇ ﱠ أ أﴏع‬
‫ﻓﻴﻪ‪ .‬ﻇﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﻣﻊ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑني ﻫﺬ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﺣﺘﻰ أﻗﺒﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺘﻠﻮ ‪.‬‬

‫‪ 1‬ﻃﺒﻘﺎت اﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻃﺒﻊ ﻟﻴﺪ ‪ ،‬اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺴﻢ اﻷ ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪.٤٦‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫اﻟﻨﺎس ﻳﺨﺘﻠﻔﻮ ﻓﻴﻪ ﰲ ﻗﺎﺗﻠﻴﻪ أﺷﺪ اﻻﺧﺘﻼ أﻋﻈﻤﻪ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﴚء اﻟﺬ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ‬
‫ﺷ ٍّﻜﺎ ﻻ ﻧﺰاﻋﺎ‪ ،‬أ ﷲ ﻟﻢ ﻳﺤ ﱠﻞ د ﻋﺜﻤﺎ ﻟﻘﺎﺗﻠﻴﻪ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮ ﻣﺨﻄﺌﺎ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﻗﺪ‬
‫ﻳﻜﻮ ﻣﺼﻴﺒﺎ‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﻜﻮ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻗﺪ ﺟﺎر ا ﻋﻦ ﻋﻠﻢ أ ﻋﻦ ﻏري ﻋﻠﻢ‪ .‬ﻓﺄﻗﴡ ﻣﺎ ﻳﺒﺎح‬
‫ﻟﻠﻤﻨﻜﺮﻳﻦ ﻋﻠﻴﻪ املﺨﺎﺻﻤني ﻟﻪ‪ ،‬أ ﻳﺜﻮر ا ﺑﻪ ﻳﺤﻤﻠﻮا اﻷﻣﺔ ﻋﲆ ﻫﺬ اﻟﺜﻮرة؛ ﻓﺈ ﻇﻔﺮ ا‬
‫ﺑﺎﺟﺘﻤﺎع اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﲆ ﺧﺼﻮﻣﺘﻪ اﺧﺘﺎر ا ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﻤﺜﻠني ﻟﻸﻣﺼﺎر اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ‪ ،‬ﻛﺎ‬
‫ﻋﲆ ﻫﺆﻻء املﻤﺜﻠني أ ﻳﺤﺎ ر ا ﻋﺜﻤﺎ ﻳﻨﺎﻇﺮ ‪ ،‬أ ﻳﻘﻮﻟﻮا ﻟﻪ ﻳﺴﻤﻌﻮا ﻣﻨﻪ؛ ﻓﺈ رأ ا‬
‫إﻗﺮار أﻗﺮ ‪ ،‬إ رأ ا ﺧﻠﻌﻪ ﺧﻠﻌﻮ ﺛﻢ اﺧﺘﺎر ا ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني إﻣﺎﻣﺎ ﻣﻜﺎﻧﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻮا ﻟﻺﻣﺎ‬
‫ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﻋﺜﻤﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أ ﻳﻜﻮ ﻟﻬﻢ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﻮا اﻟﺪﻣﺎء‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ أ ﻳﻨﺘﺪب‬
‫ﻟﻢ ﻳﻮﻛﻠﻬﻢ املﺴﻠﻤﻮ ﻋﻨﻬﻢ ﻓﻴﺨﻠﻌﻮا اﻹﻣﺎ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ذﻟﻚ ﻟﻬﻢ‪ .‬ﻓﻜﻴﻒ ﻫﻢ ﻟﻢ‬ ‫اﻟﺜﺎﺋﺮ‬
‫ﻳﺨﻠﻌﻮ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﺳﻔﻜﻮا دﻣﻪ‪ ،‬ﻛﺎ دﻣﻪ ﺣﺮاﻣﺎ ﻛﺪ املﺆﻣﻨني ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻣﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‬
‫ﺣﺮﻣﺔ أﺧﺮ ﻫﻲ ﺣﺮﻣﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ؟‬
‫اﻟﻨﺎس ﻳﻌﺘﺬر ﻋﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ ﻣﻌﺎذﻳﺮ ﻛﺜرية‪ ،‬ﻳﻘﻮﻟﻮ ‪ :‬إﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا‬
‫ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮ ﺧﻠﻌﻪ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﰲ ﻣﴫ اﻟﺸﺎ اﻟﻌﺮا ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮ‬
‫اﻻﻧﺘﻈﺎر ﺑﻪ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎ ‪ ،‬ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﻠﻮ ﻟﻘﺘﻠﻬﻢ ﻫﻮ أ ﻟﻘﺘﻠﻬﻢ ﻋﻤﺎﻟﻪ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻛﻞ‬
‫ﻫﺬ املﻌﺎذﻳﺮ ﻻ ﺗﺒﻴﺢ ﻟﻬﻢ أ ﻳﺴﻔﻜﻮا دﻣﺎ ﺣ ﱠﺮﻣﻪ ﷲ‪ ،‬أ ﻳﺴﺘﺒﻴﺤﻮا ﺳﻠﻄﺎ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﲆ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ‪.‬‬
‫ﻟﻌﻞ اﻟﻌﺬر اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬ ﻳﻨﻬﺾ ﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﻬﺾ ﻟﻌﺜﻤﺎ ﻳﻨﻬﺾ ﻟﻠﺬﻳﻦ اﺧﺘﺼﻤﻮا‬
‫ﺑﻌﺪﻫﻢ ﰲ ﻫﺬ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻓﺴﻔﻜﻮا دﻣﺎءﻫﻢ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ أﺑﺎﺣﻮا ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻮس اﻷﻣﻮا ﻣﺎ ﺣ ﱠﺮ‬
‫ﷲ‪ ،‬ﻫﻮ أ ﻇﺮ اﻟﺤﻴﺎة ﻛﺎﻧﺖ أﻗﻮ ﻣﻨﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ .‬أ ﷲ ﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ أ ﻳﻔﺘﻨﻬﻢ ﰲ‬
‫دﻳﻨﻬﻢ دﻧﻴﺎﻫﻢ ﻫﺬ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ اﻟﺘﻲ ﻓﴪﻫﺎ ﻋﲇ ﱞ ﻷﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ أﺣﺴﻦ ﺗﻔﺴري ﺣني ﻗﺎ ‪:‬‬
‫»اﺳﺘﺄﺛﺮ ﻋﺜﻤﺎ ﻓﺄﺳﺎء اﻷﺛﺮة‪ ،‬ﺟﺰﻋﺘﻢ ﻓﺄﺳﺄﺗﻢ اﻟﺠﺰع‪«.‬‬
‫ﺗﺤﺪﱠث اﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﻗﺎ ‪» :‬أﺧﱪﻧﺎ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ دﻛني‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬أﺧﱪﻧﺎ أﺑﺎ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟﺒﺠﲇ‪،‬‬
‫ﻗﺎ ‪ :‬ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻧﻌﻴﻢ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻫﻨﺪ‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬ﺣﺪﺛﻨﻲ رﺑﻌﻲ ﺑﻦ ﺣﺮاش‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬إﻧﻲ ﻟﻌﻨﺪ ﻋﲇ ﱟ‬
‫ﺟﺎﻟﺲ إذ ﺟﺎء اﺑﻦ ﻃﻠﺤﺔ ﻓﺴﻠﻢ ﻋﲆ ﻋﲇ ﱟ ﻓﺮﺣﺐ ﺑﻪ ﻋﲇﱞ‪ ،‬ﻓﻘﺎ ‪ :‬ﺗﺮﺣﺐ ﺑﻲ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني‬
‫ﻗﺪ ﻗﺘﻠﺖ اﻟﺪ أﺧﺬت ﻣﺎﱄ؟ ﻗﺎ ‪ :‬أﻣﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻣﻌﺰ ﰲ ﺑﻴﺖ املﺎ ‪ ،‬ﻓﺎﻏﺪ إﱃ ﻣﺎﻟﻚ‬
‫ﻓﺨﺬ ‪ .‬أﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ ﻗﺘﻠﺖ أﺑﻲ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻲ أرﺟﻮ أ أﻛﻮ أﻧﺎ أﺑﻮ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎ ﷲ ﻓﻴﻬﻢ‪:‬‬
‫﴿ ﻧﺰﻋﻨﺎ ﻣﺎ ﰲ ﺻﺪ رﻫﻢ ﻣﱢ ﻦ ﻏ ﱟﻞ إﺧﻮاﻧﺎ ﻋﲆ ٰ ﴎر ﻣﱡ ﺘﻘﺎﺑﻠني﴾‪ .‬ﻓﻘﺎ رﺟﻞ ﻣﻦ ﻫﻤﺪا‬

‫‪200‬‬
 ‫اﻟﺜﻼﺛﻮ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎد‬

‫أﻋﻮر‪ :‬ﷲ أﻋﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ .‬ﻓﺼﺎح ﻋﲇ ﱞ ﺻﻴﺤﺔ ﺗﺪاﻋﻰ ﻟﻬﺎ اﻟﻘﴫ‪ ،‬ﻗﺎ ‪ :‬ﻓﻤﻦ ذا إذا ﻟﻢ ﻧﻜﻦ‬
‫ﻧﺤﻦ أ ﻟﺌﻚ؟!« ‪2‬‬

‫ﻣري س‪ ،‬ﻳﻮﻟﻴﻮ‪-‬أﻏﺴﻄﺲ ﺳﻨﺔ ‪١٩٤٧‬‬

‫‪ 2‬ﻃﺒﻘﺎت اﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪ ،‬ﻃﺒﻊ ﻟﻴﺪ ‪ ،‬اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺴﻢ اﻷ ‪ ،‬ﺻﻔﺤﺔ ‪.١٦٠‬‬

‫‪201‬‬
 ‫ﻣﻠﺤﻘﺎت‬

‫ﻛﺘﺎب ﻋﺜﻤﺎن إﱃ اﻷﻣﺼﺎر ﻣﺴﺘﻨﺠﺪًا‬

‫ﱢ‬
‫ﺑﺎﻟﺤﻖ ﺑﺸريا ﻧﺬﻳﺮا‪،‬‬ ‫ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ‪ .‬أﻣﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺈ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ ﺑﻌﺚ ﻣﺤﻤﺪا‬
‫ﻓﺒ ﱠﻠﻎ ﻋﻦ ﷲ ﻣﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﴣ ﻗﺪ ﻗﴣ اﻟﺬ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﺧﻠﻒ ﻓﻴﻨﺎ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻓﻴﻪ ﺣﻼﻟﻪ‬
‫ﺣﺮاﻣﻪ ﺑﻴﺎ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻗﺪﱠر ﻓﺄﻣﻀﺎﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ أﺣﺐ اﻟﻌﺒﺎد ﻛﺮﻫﻮا‪ .‬ﻓﻜﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ أﺑﻮ‬
‫ﺑﻜﺮ رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻋﻤﺮ رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ‪ .‬ﺛﻢ أدﺧﻠﺖ ﰲ اﻟﺸﻮر ﻋﻦ ﻏري ﻋﻠﻢ ﻻ ﻣﺴﺄﻟﺔ‬
‫ﻋﻦ ﻣﻸ ﻣﻦ اﻷﻣﺔ‪ .‬ﺛﻢ أﺟﻤﻊ أﻫﻞ اﻟﺸﻮر ﻋﻦ ﻣﻸ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻏري ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻲ‬
‫ﻻ ﻣﺤﺒﱠﺔ‪ .‬ﻓﻌﻤﻠﺖ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻓﻮ ﻻ ﻳﻨﻜﺮ ‪ ،‬ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻏري ﻣﺴﺘﺘﺒﻊ‪ ،‬ﻣﺘﺒﻌﺎ ﻏري ﻣﺒﺘﺪع‪،‬‬
‫ﻣﻘﺘﺪﻳﺎ ﻏري ﻣﺘﻜﻠﻒ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ اﻧﺘﻬﺖ اﻷﻣﻮر اﻧﺘﻜﺚ اﻟﴩﱡ ﺑﺄﻫﻠﻪ؛ ﺑﺪت ﺿﻐﺎﺋﻦ أﻫﻮاء ﻋﲆ‬
‫ﻏري إﺟﺮا ﻻ ﺗﺮة ﻓﻴﻤﺎ ﻣﴣ‪ ،‬إﻻ إﻣﻀﺎء اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬ﻓﻄﻠﺒﻮا أﻣﺮا أﻋﻠﻨﻮا ﻏري ﺑﻐري ﺣﺠﺔ‬
‫ﻻ ﻋﺬر‪ ،‬ﻓﻌﺎﺑﻮا ﻋﲇ ﱠ أﺷﻴﺎء ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﺿﻮ ‪ ،‬أﺷﻴﺎء ﻋﻦ ﻣﻸ ﻣﻦ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻻ ﻳﺼﻠﺢ‬
‫ﻏريﻫﺎ‪ ،‬ﻓﺼﱪت ﻟﻬﻢ ﻧﻔﴘ‪ ،‬ﻛﻔﻔﺘﻬﺎ ﻋﻨﻬﻢ ﻣﻨﺬ ﺳﻨني‪ ،‬أﻧﺎ أر أﺳﻤﻊ‪ ،‬ﻓﺎزداد ا ﻋﲆ ﷲ‬
‫ﻋﺰ ﺟﻞ ﺟﺮأة ﺣﺘﻰ أﻏﺎر ا ﻋﻠﻴﻨﺎ ﰲ ﺟﻮار رﺳﻮ ﷲ ﷺ ﺣﺮﻣﻪ أرض اﻟﻬﺠﺮة‪ ،‬ﺛﺎﺑﺖ‬
‫إﻟﻴﻬﻢ اﻷﻋﺮاب؛ ﻓﻬﻢ ﻛﺎﻷﺣﺰاب أﻳﺎ اﻷﺣﺰاب أ ﻣﻦ ﻏﺰاﻧﺎ ﺑﺄﺣﺪ إﻻ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ‪ .‬ﻓﻤﻦ ﻗﺪر‬
‫ﻋﲆ اﻟﻠﺤﺎ ﺑﻨﺎ ﻓﻠﻴﻠﺤﻖ‪.‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻛﺘﺎب ﻋﺜﻤﺎن إﱃ أﻫﻞ املﻮﺳﻢ‬

‫ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ‪ .‬ﻣﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﻋﺜﻤﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني إﱃ املﺆﻣﻨني املﺴﻠﻤني‪ .‬ﺳﻼ‬
‫ﻋﻠﻴﻜﻢ‪ .‬ﻓﺈﻧﻲ أﺣﻤﺪ ﷲ إﻟﻴﻜﻢ اﻟﺬ ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﻫﻮ‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻲ أذ ﱢﻛﺮﻛﻢ ﺑﺎهلل ﺟﻞ ﻋﺰ اﻟﺬ أﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻋﻠﻤﻜﻢ اﻹﺳﻼ ‪ .‬ﻫﺪاﻛﻢ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻀﻼﻟﺔ‪ ،‬أﻧﻘﺬﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬أراﻛﻢ اﻟﺒﻴﻨﺎت‪ ،‬أ ﺳﻊ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﺮز ‪ ،‬ﻧﴫﻛﻢ ﻋﲆ‬
‫اﻟﻌﺪ ﱢ‪ ،‬أﺳﺒﻎ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻧﻌﻤﺘﻪ؛ ﻓﺈ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ ﻳﻘﻮ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ‪ ﴿ :‬إ ﺗﻌ ﱡﺪ ا ﻧﻌﻤﺖ‬
‫ﷲ ﻻ ﺗﺤﺼﻮﻫﺎ ۗ إ ﱠ اﻹﻧﺴﺎ ﻟﻈﻠﻮ ﻛ ﱠﻔﺎر﴾‪ .‬ﻗﺎ ﻋﺰ ﺟﻞ‪﴿ :‬ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا اﺗﱠﻘﻮا‬
‫ﷲ ﺣ ﱠﻖ ﺗﻘﺎﺗﻪ ﻻ ﺗﻤﻮﺗ ﱠﻦ إ ﱠﻻ أﻧﺘﻢ ﻣﱡ ﺴﻠﻤﻮ * اﻋﺘﺼﻤﻮا ﺑﺤﺒﻞ ﷲ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻻ ﺗﻔ ﱠﺮﻗﻮا‬
‫ۚ اذﻛﺮ ا ﻧﻌﻤﺖ ﷲ ﻋﻠﻴﻜﻢ إذ ﻛﻨﺘﻢ أﻋﺪاء ﻓﺄ ﱠﻟﻒ ﺑني ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻓﺄﺻﺒﺤﺘﻢ ﺑﻨﻌﻤﺘﻪ إﺧﻮاﻧﺎ‬
‫ﻳﺒني ﷲ ﻟﻜﻢ آﻳﺎﺗﻪ ﻟﻌ ﱠﻠﻜﻢ ﺗﻬﺘﺪ‬‫ﻛﻨﺘﻢ ﻋﲆ ٰ ﺷﻔﺎ ﺣﻔﺮة ﻣﱢ ﻦ اﻟﻨﱠﺎر ﻓﺄﻧﻘﺬﻛﻢ ﻣﱢ ﻨﻬﺎ ۗ ﻛ ٰﺬﻟﻚ ﱢ‬
‫ﻳﻨﻬﻮ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ۚ أ ﻟﺌﻚ‬ ‫ﺑﺎﻟﻤﻌﺮ‬ ‫* ﻟﺘﻜﻦ ﻣﱢ ﻨﻜﻢ أﻣﱠ ﺔ ﻳﺪﻋﻮ إﱃ اﻟﺨري ﻳﺄﻣﺮ‬
‫ﻫﻢ اﻟﻤﻔﻠﺤﻮ * ﻻ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻛﺎ ﱠﻟﺬﻳﻦ ﺗﻔ ﱠﺮﻗﻮا اﺧﺘﻠﻔﻮا ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺟﺎءﻫﻢ اﻟﺒﻴﱢﻨﺎت ۚ أ ﻟﺌﻚ‬
‫ﻟﻬﻢ ﻋﺬاب ﻋﻈﻴﻢ﴾‪ .‬ﻗﺎ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ‪ ﴿ :‬اذﻛﺮ ا ﻧﻌﻤﺔ ﷲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﻴﺜﺎﻗﻪ ا ﱠﻟﺬ اﺛﻘﻜﻢ‬
‫ﺑﻪ إذ ﻗﻠﺘﻢ ﺳﻤﻌﻨﺎ أﻃﻌﻨﺎ﴾‪ .‬ﻗﺎ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ‪﴿ :‬ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا إ ﺟﺎءﻛﻢ ﻓﺎﺳﻖ‬
‫ﺑﻨﺒﺈ ﻓﺘﺒﻴﱠﻨﻮا أ ﺗﺼﻴﺒﻮا ﻗﻮﻣﺎ ﺑﺠﻬﺎﻟﺔ ﻓﺘﺼﺒﺤﻮا ﻋﲆ ٰ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻢ ﻧﺎدﻣني * اﻋﻠﻤﻮا أ ﱠ ﻓﻴﻜﻢ‬
‫ﻜﻦ ﷲ ﺣﺒﱠﺐ إﻟﻴﻜﻢ اﻹﻳﻤﺎ زﻳﱠﻨﻪ ﰲ‬ ‫رﺳﻮ ﷲ ۚ ﻟﻮ ﻳﻄﻴﻌﻜﻢ ﰲ ﻛﺜري ﻣﱢ ﻦ اﻷﻣﺮ ﻟﻌﻨﺘﱡﻢ ﻟ ﱠ‬
‫* ﻓﻀﻼ ﻣﱢ ﻦ ﷲ‬ ‫اﻟﻌﺼﻴﺎ ۚ أ ﻟﺌﻚ ﻫﻢ اﻟ ﱠﺮاﺷﺪ‬ ‫ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻛ ﱠﺮ إﻟﻴﻜﻢ اﻟﻜﻔﺮ اﻟﻔﺴﻮ‬
‫ﻧﻌﻤﺔ ۚ ﷲ ﻋﻠﻴﻢ ﺣﻜﻴﻢ﴾‪.‬‬
‫ﻗﺎ ﻋﺰ ﺟﻞ‪﴿ :‬إ ﱠ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﱰ ﺑﻌﻬﺪ ﷲ أﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺛﻤﻨﺎ ﻗﻠﻴﻼ أ ﻟﺌﻚ ﻻ ﺧﻼ‬
‫ﻟﻬﻢ ﰲ اﻵﺧﺮة ﻻ ﻳﻜ ﱢﻠﻤﻬﻢ ﷲ ﻻ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻢ ﻳﻮ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻻ ﻳﺰ ﱢﻛﻴﻬﻢ ﻟﻬﻢ ﻋﺬاب أﻟﻴﻢ﴾‪.‬‬
‫ﻗﺎ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ‪﴿ :‬ﻓﺎﺗﱠﻘﻮا ﷲ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ اﺳﻤﻌﻮا أﻃﻴﻌﻮا أﻧﻔﻘﻮا ﺧريا ﱢﻷﻧﻔﺴﻜﻢ ۗ‬
‫ﻣﻦ ﻳﻮ ﺷﺢﱠ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺄ ﻟﺌﻚ ﻫﻢ اﻟﻤﻔﻠﺤﻮ ﴾‪ .‬ﻗﺎ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ‪ ﴿ :‬أ ﻓﻮا ﺑﻌﻬﺪ ﷲ إذا‬
‫ﻋﺎﻫﺪﺗﱡﻢ ﻻ ﺗﻨﻘﻀﻮا اﻷﻳﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﻮﻛﻴﺪﻫﺎ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﺘﻢ ﷲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻛﻔﻴﻼ ۚ إ ﱠ ﷲ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ‬
‫ﺗﻔﻌﻠﻮ * ﻻ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻛﺎ ﱠﻟﺘﻲ ﻧﻘﻀﺖ ﻏﺰﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻗﻮﱠة أﻧﻜﺎﺛﺎ ﺗﺘﱠﺨﺬ أﻳﻤﺎﻧﻜﻢ دﺧﻼ‬
‫ﺑﻰ ﻣﻦ أﻣﱠ ﺔ ۚ إﻧﱠﻤﺎ ﻳﺒﻠﻮﻛﻢ ﷲ ﺑﻪ ۚ ﻟﻴﺒﻴﱢﻨ ﱠﻦ ﻟﻜﻢ ﻳﻮ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‬
‫ﺑﻴﻨﻜﻢ أ ﺗﻜﻮ أﻣﱠ ﺔ ﻫﻲ أر ٰ‬
‫ﻣﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﻓﻴﻪ ﺗﺨﺘﻠﻔﻮ * ﻟﻮ ﺷﺎء ﷲ ﻟﺠﻌﻠﻜﻢ أﻣﱠ ﺔ اﺣﺪة ﻟﻜﻦ ﻳﻀ ﱡﻞ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﻳﻬﺪ‬

‫‪204‬‬
 ‫ﻣﻠﺤﻘﺎت‬

‫ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ۚ ﻟﺘﺴﺄﻟ ﱠﻦ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﻌﻤﻠﻮ * ﻻ ﺗﺘﱠﺨﺬ ا أﻳﻤﺎﻧﻜﻢ دﺧﻼ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﻓﺘﺰ ﱠ ﻗﺪ ﺑﻌﺪ‬
‫اﻟﺴﻮء ﺑﻤﺎ ﺻﺪدﺗﱡﻢ ﻋﻦ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ۖ ﻟﻜﻢ ﻋﺬاب ﻋﻈﻴﻢ * ﻻ ﺗﺸﱰ ا ﺑﻌﻬﺪ‬ ‫ﺛﺒﻮﺗﻬﺎ ﺗﺬ ﻗﻮا ﱡ‬
‫ﷲ ﺛﻤﻨﺎ ﻗﻠﻴﻼ ۚ إﻧﱠﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﷲ ﻫﻮ ﺧري ﱠﻟﻜﻢ إ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﻌﻠﻤﻮ * ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﻳﻨﻔﺪ ۖ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ‬
‫ﻳﻦ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ ﺻﱪ ا أﺟﺮﻫﻢ ﺑﺄﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻤﻠﻮ ﴾‪ .‬ﻗﺎ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ‪:‬‬ ‫ﷲ ﺑﺎ ۗ ﻟﻨﺠﺰ ﱠ‬
‫﴿ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا أﻃﻴﻌﻮا ﷲ أﻃﻴﻌﻮا اﻟ ﱠﺮﺳﻮ أ ﱄ اﻷﻣﺮ ﻣﻨﻜﻢ ۖ ﻓﺈ ﺗﻨﺎزﻋﺘﻢ ﰲ ﳾء‬
‫ﻓﺮ ﱡد إﱃ ﷲ اﻟ ﱠﺮﺳﻮ إ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺆﻣﻨﻮ ﺑﺎهلل اﻟﻴﻮ اﻵﺧﺮ ۚ ٰذﻟﻚ ﺧري أﺣﺴﻦ ﺗﺄ ﻳﻼ﴾‪.‬‬
‫اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت ﻟﻴﺴﺘﺨﻠﻔﻨﱠﻬﻢ ﰲ اﻷرض‬ ‫ﻗﺎ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ‪ ﴿ :‬ﻋﺪ ﷲ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا ﻣﻨﻜﻢ ﻋﻤﻠﻮا ﱠ‬
‫ﴣ ﻟﻬﻢ ﻟﻴﺒﺪﱢﻟﻨﱠﻬﻢ ﻣﱢ ﻦ ﺑﻌﺪ‬ ‫ﻛﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﻢ ﻟﻴﻤ ﱢﻜﻨ ﱠﻦ ﻟﻬﻢ دﻳﻨﻬﻢ ا ﱠﻟﺬ ارﺗ ٰ‬
‫ﺧﻮﻓﻬﻢ أﻣﻨﺎ ۚ ﻳﻌﺒﺪ ﻧﻨﻲ ﻻ ﻳﴩﻛﻮ ﺑﻲ ﺷﻴﺌﺎ ۚ ﻣﻦ ﻛﻔﺮ ﺑﻌﺪ ٰذﻟﻚ ﻓﺄ ﻟﺌﻚ ﻫﻢ اﻟﻔﺎﺳﻘﻮ ﴾‪.‬‬
‫ﻗﺎ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ‪﴿ :‬إ ﱠ ا ﱠﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﺎﻳﻌﻮﻧﻚ إﻧﱠﻤﺎ ﻳﺒﺎﻳﻌﻮ ﷲ ﻳﺪ ﷲ ﻓﻮ أﻳﺪﻳﻬﻢ ۚ ﻓﻤﻦ ﻧﱠﻜﺚ‬
‫ﻓﺈﻧﱠﻤﺎ ﻳﻨﻜﺚ ﻋﲆ ٰ ﻧﻔﺴﻪ ۖ ﻣﻦ أ ﰱ ٰ ﺑﻤﺎ ﻋﺎﻫﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﷲ ﻓﺴﻴﺆﺗﻴﻪ أﺟﺮا ﻋﻈﻴﻤﺎ﴾‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺈ ﱠ ﷲ ﺟ ﱠﻞ ﻋﺰ رﴈ ﻟﻜﻢ اﻟﺴﻤﻊ اﻟﻄﺎﻋﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ‪ ،‬ﺣﺬﱠرﻛﻢ املﻌﺼﻴﺔ‬
‫اﻟﻔﺮﻗﺔ اﻻﺧﺘﻼ ‪ ،‬ﻧﺒﺄﻛﻢ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻓﻌﻠﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ‪ ،‬ﺗﻘ ﱠﺪ إﻟﻴﻜﻢ ﻓﻴﻪ ﻟﻴﻜﻮ ﻟﻪ‬
‫اﻟﺤﺠﺔ ﻋﻠﻴﻜﻢ إ ﻋﺼﻴﺘﻤﻮ ‪ .‬ﻓﺎﻗﺒﻠﻮا ﻧﺼﻴﺤﺔ ﷲ ﺟﻞ ﻋﺰ اﺣﺬر ا ﻋﺬاﺑﻪ؛ ﻓﺈﻧﻜﻢ ﻟﻦ ﺗﺠﺪ ا‬
‫أﻣﺔ ﻫﻠﻜﺖ ﱠإﻻ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ أ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻻ ﻳﻜﻮ ﻟﻬﺎ رأس ﻳﺠﻤﻌﻬﺎ‪ .‬ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﻮا ذﻟﻚ ﻟﻢ‬
‫ﺗﻘﻴﻤﻮا اﻟﺼﻼة ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬ﺳﻠﻂ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻋﺪ ﻛﻢ‪ ،‬ﻳﺴﺘﺤﻞ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺣﺮ ﺑﻌﺾ‪ .‬ﻣﺘﻰ ﻳﻔﻌﻞ‬
‫ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻘﻢ هلل ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ دﻳﻦ‪ ،‬ﺗﻜﻮﻧﻮا ﺷﻴﻌﺎ‪ .‬ﻗﺪ ﻗﺎ ﷲ ﺟ ﱠﻞ ﻋ ﱠﺰ ﻟﺮﺳﻮﻟﻪ ﷺ‪﴿ :‬إ ﱠ‬
‫ا ﱠﻟﺬﻳﻦ ﻓ ﱠﺮﻗﻮا دﻳﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﺷﻴﻌﺎ ﱠﻟﺴﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ ﳾء ۚ إﻧﱠﻤﺎ أﻣﺮﻫﻢ إﱃ ﷲ ﺛ ﱠﻢ ﻳﻨﺒﱢﺌﻬﻢ ﺑﻤﺎ‬
‫ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻔﻌﻠﻮ ﴾‪ .‬إﻧﻲ أ ﺻﻴﻜﻢ ﺑﻤﺎ أ ﺻﺎﻛﻢ ﷲ‪ ،‬أﺣﺬﱢرﻛﻢ ﻋﺬاﺑﻪ؛ ﻓﺈ ﱠ ﺷﻌﻴﺒﺎ ﷺ ﻗﺎ‬
‫ﻟﻘﻮﻣﻪ‪ ﴿ :‬ﻳﺎ ﻗﻮ ﻻ ﻳﺠﺮﻣﻨﱠﻜﻢ ﺷﻘﺎﻗﻲ أ ﻳﺼﻴﺒﻜﻢ ﻣﱢ ﺜﻞ ﻣﺎ أﺻﺎب ﻗﻮ ﻧﻮح أ ﻗﻮ ﻫﻮد‬
‫أ ﻗﻮ ﺻﺎﻟﺢ ۚ ﻣﺎ ﻗﻮ ﻟﻮط ﻣﱢ ﻨﻜﻢ ﺑﺒﻌﻴﺪ * اﺳﺘﻐﻔﺮ ا رﺑﱠﻜﻢ ﺛ ﱠﻢ ﺗﻮﺑﻮا إﻟﻴﻪ ۚ إ ﱠ رﺑﱢﻲ‬
‫رﺣﻴﻢ د د﴾‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺑﻌﺪ‪ .‬ﻓﺈ أﻗﻮاﻣﺎ ﻣﻤﻦ ﻛﺎ ﻳﻘﻮ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ أﻇﻬﺮ ا ﻟﻠﻨﺎس أﻧﻬﻢ إﻧﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮ‬
‫إﱃ ﻛﺘﺎب ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ اﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻻ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﻣﻨﺎزﻋﺔ ﻓﻴﻬﺎ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ‬
‫اﻟﺤﻖ إذا اﻟﻨﺎس ﰲ ذﻟﻚ ﺷﺘﻰ؛ ﻣﻨﻬﻢ آﺧﺬ ﻟﻠﺤﻖ ﻧﺎزع ﻋﻨﻪ ﺣني ﻳﻌﻄﺎ ‪ ،‬ﻣﻨﻬﻢ ﺗﺎر‬
‫ﻟﻠﺤﻖ رﻏﺒﺔ ﰲ اﻷﻣﺮ ﻳﺮﻳﺪ أ ﻳﺒﺘﺰ ﺑﻐري اﻟﺤﻖ‪ .‬ﻃﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﻤﺮ راث ﻋﻠﻴﻬﻢ أﻣﻠﻬﻢ ﰲ‬ ‫ﱢ‬
‫اﻹﻣﺮة‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﻌﺠﻠﻮا اﻟﻘﺪر‪ .‬ﻗﺪ ﻛﺘﺒﻮا إﻟﻴﻜﻢ أﻧﻬﻢ ﻗﺪ رﺟﻌﻮا ﺑﺎﻟﺬ أﻋﻄﻴﺘﻬﻢ‪ .‬ﻻ أﻋﻠﻢ أﻧﻲ‬

‫‪205‬‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﺗﺮﻛﺖ ﻣﻦ اﻟﺬ ﻋﺎﻫﺪﺗﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ‪ .‬ﻛﺎﻧﻮا زﻋﻤﻮا أﻧﻬﻢ ﻳﻄﻠﺒﻮ اﻟﺤﺪ د‪ ،‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬أﻗﻴﻤﻮﻫﺎ‬
‫ﻋﲆ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺘﻢ ﺗﻌﺪﱠاﻫﺎ ﰲ إﺣﺪ ‪ 1 .‬أﻗﻴﻤﻮﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﻜﻢ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ أ ﺑﻌﻴﺪ‪ .‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻛﺘﺎب‬
‫ﷲ ﻳﺘﲆ‪ ،‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬ﻓﻠﻴﺘﻠﻪ ﻣﻦ ﺗﻼ ﻏري ﻏﺎ ﻓﻴﻪ ﺑﻐري ﻣﺎ أﻧﺰ ﷲ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب‪ .‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬املﺤﺮ‬
‫ﻟﻴﺴﺘﻦ ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ‪ ،‬ﻻ ﻳﻌﺘﺪ ﰲ اﻟﺨﻤﺲ ﻻ ﰲ اﻟﺼﺪﻗﺔ‪ ،‬ﻳﺆﻣﱠ ﺮ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﻳﺮز املﺎ ﻳﻮﰱ‬
‫ذ اﻟﻘﻮة اﻷﻣﺎﻧﺔ‪ ،‬ﺗﺮ ﱡد ﻣﻈﺎﻟﻢ اﻟﻨﺎس إﱃ أﻫﻠﻬﺎ؛ ﻓﺮﺿﻴﺖ ﺑﺬﻟﻚ اﺻﻄﱪت ﻟﻪ‪ ،‬ﺟﺌﺖ‬
‫اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺣﺘﻰ ﻛﻠﻤﺘﻬﻦ‪ .‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬ﻣﺎ ﺗﺄﻣﺮﻧﻨﻲ؟ ﻓﻘﻠﻦ‪ :‬ﺗﺆﻣﱢ ﺮ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ‪ 2‬ﻋﺒﺪ‬ ‫ﱢ‬ ‫ﻧﺴﻮة‬
‫ﷲ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ‪ ،‬ﺗﺪع ﻣﻌﺎ ﻳﺔ ﻓﺈﻧﻤﺎ أﻣﱠ ﺮ أﻣري ﻗﺒﻠﻚ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺼﻠﺢ ﻷرﺿﻪ راض ﺑﻪ ﺟﻨﺪ ‪،‬‬
‫اردد ﻋﻤﺮا ﻓﺈ ﺟﻨﺪ راﺿﻮ ﺑﻪ‪ ،‬أﻣﺮ ﻓﻠﻴﺼﻠﺢ أرﺿﻪ‪ .‬ﻓﻜ ﱡﻞ ذﻟﻚ ﻓﻌﻠﺖ‪ ،‬إﻧﻪ اﻋﺘﺪ‬
‫ﱢ‬
‫اﻟﺤﻖ‪.‬‬ ‫ﻋﲇ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﺪا ﻋﲆ‬
‫ﻛﺘﺒﺖ إﻟﻴﻜﻢ أﺻﺤﺎﺑﻲ اﻟﺬﻳﻦ زﻋﻤﻮا ﰲ اﻷﻣﺮ اﺳﺘﻌﺠﻠﻮا اﻟﻘﺪر‪ ،‬ﻣﻨﻌﻮا ﻣﻦ اﻟﺼﻼة‪،‬‬
‫ﺣﺎﻟﻮا ﺑﻴﻨﻲ ﺑني املﺴﺠﺪ‪ ،‬اﺑﺘﺰ ا ﻣﺎ ﻗﺪر ا ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ‪ .‬ﻛﺘﺒﺖ إﻟﻴﻜﻢ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻫﺬا ﻫﻢ‬
‫ﻳﺨري ﻧﻨﻲ إﺣﺪ ﺛﻼث‪ :‬إﻣﺎ ﻳﻘﻴﺪ ﻧﻨﻲ ﺑﻜﻞ رﺟﻞ أﺻﺒﺘﻪ ﺧﻄﺄ أ ﺻﻮاﺑﺎ ﻏري ﻣﱰ ﻣﻨﻪ‬
‫ﳾء‪ ،‬إﻣﺎ أﻋﺘﺰ اﻷﻣﺮ ﻓﻴﺆﻣﺮ آﺧﺮ ﻏري ‪ ،‬إﻣﺎ ﻳﺮﺳﻠﻮ إﱃ ﻣﻦ أﻃﺎﻋﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺟﻨﺎد‬
‫أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻓﻴﺘﱪء ﻣﻦ اﻟﺬ ﺟﻌﻞ ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﱄ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻊ اﻟﻄﺎﻋﺔ‪ .‬ﻓﻘﻠﺖ‬
‫ﻟﻬﻢ‪ :‬أﻣﺎ إﻗﺎدﺗﻲ ﻣﻦ ﻧﻔﴘ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﲇ ﺧﻠﻔﺎء ﺗﺨﻄﺊ ﺗﺼﻴﺐ ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻘﺪ ﻣﻦ أﺣﺪ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ‪ .‬ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻧﻔﴘ‪ .‬أﻣﺎ أ أﺗﱪأ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرة ﻓﺈ ﻳﻜﻠﺒﻮﻧﻲ أﺣﺐﱡ إﱄ ﱠ ﻣﻦ‬
‫أ أﺗﱪأ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﷲ ﻋ ﱠﺰ ﺟﻞ ﺧﻼﻓﺘﻪ‪ .‬أﻣﺎ ﻗﻮﻟﻜﻢ ﻳﺮﺳﻠﻮ إﱃ اﻷﺟﻨﺎد أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﻓﻴﺘﱪء ﻣﻦ ﻃﺎﻋﺘﻲ ﻓﻠﺴﺖ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﻮﻛﻴﻞ‪ .‬ﻟﻢ أﻛﻦ اﺳﺘﻜﺮﻫﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﲆ اﻟﺴﻤﻊ‬
‫اﻟﻄﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ أﺗﻮﻫﺎ ﻃﺎﺋﻌني ﻳﺒﺘﻐﻮ ﻣﺮﺿﺎة ﷲ ﻋ ﱠﺰ ﺟﻞ ﻟﻪ إﺻﻼح ذات اﻟﺒني‪ .‬ﻣﻦ‬
‫ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻜﻢ إﻧﻤﺎ ﻳﺒﺘﻐﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻠﻴﺲ ﺑﻨﺎﺋﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﱠإﻻ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ ﻟﻪ‪ .‬ﻣﻦ ﻳﻜﻦ إﻧﻤﺎ‬
‫ﻳﺮﻳﺪ ﺟﻪ ﷲ اﻟﺪار اﻵﺧﺮة ﺻﻼح اﻷﻣﺔ اﺑﺘﻐﺎء ﻣﺮﺿﺎة ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ‬
‫اﺳﺘﻦ ﺑﻬﺎ رﺳﻮ ﷲ ﷺ اﻟﺨﻠﻴﻔﺘﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺠﺰ ﺑﺬﻟﻜﻢ‬ ‫ﱠ‬ ‫اﻟﺘﻲ‬
‫ﷲ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﺑﻴﺪ ﺟﺰاؤﻛﻢ‪ ،‬ﻟﻮ أﻋﻄﻴﺘﻜﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ ذﻟﻚ ﺛﻤﻦ ﻟﺪﻳﻨﻜﻢ ﻟﻢ ﻳﻐﻦ‬
‫ﻋﻨﻜﻢ ﺷﻴﺌﺎ‪ .‬ﻓﺎﺗﻘﻮا ﷲ اﺣﺘﺴﺒﻮا ﻣﺎ ﻋﻨﺪ ‪ ،‬ﻓﻤﻦ ﻳﺮض ﺑﺎﻟﻨﻜﺚ ﻣﻨﻜﻢ ﻓﺈﻧﻲ ﻻ أرﺿﺎ ﻟﻪ‪،‬‬
‫ﻻ ﻳﺮﴇ ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ أ ﺗﻨﻜﺜﻮا ﻋﻬﺪ ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﺬ ﻳﺨري ﻧﻨﻲ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻛﻠﻪ اﻟﻨﺰع اﻟﺘﺄﻣري‪.‬‬

‫‪ 1‬ﻛﺬا ردت ﰲ ﻏري ﻧﺴﺨﺔ ﻟﻠﻄﱪ ‪ .‬ﰲ اﻟﻌﺒﺎرة ﻧﻘﺺ‪.‬‬

‫‪ 2‬ﻳﻼﺣﻆ ﻣﺎ ﺑني ﻫﺬا اﻟﻨﺺ ﺑني اﻟﺘﺎرﻳﺦ املﺮ ﻣﻦ اﺧﺘﻼ ‪ ،‬ﺳﻨﻌﺮض ﻟﻪ ﰲ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ إ ﺷﺎء ﷲ‪.‬‬

‫‪206‬‬
 ‫ﻣﻠﺤﻘﺎت‬

‫ﻓﻤﻠﻜﺖ ﻧﻔﴘ ﻣﻦ ﻣﻌﻲ ﻧﻈﺮت ﺣﻜﻢ ﷲ ﺗﻐﻴري اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻣﻦ ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ‪ ،‬ﻛﺮﻫﺖ ﺳﻨﺔ‬
‫اﻟﺴﻮء ﺷﻘﺎ اﻷﻣﺔ ﺳﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء‪ .‬ﻓﺈﻧﻲ أﻧﺸﺪﻛﻢ ﺑﺎهلل اﻹﺳﻼ أﻻ ﺗﺄﺧﺬ ا إﻻ اﻟﺤﻖ‬
‫ﺗﻌﻄﻮ ﻣﻨﻲ ﺗﺮ اﻟﺒﻐﻲ ﻋﲆ أﻫﻠﻪ‪ ،‬ﺧﺬ ا ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﺪ ﻛﻤﺎ أﻣﺮﻛﻢ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ؛ ﻓﺈﻧﻲ‬
‫أﻧﺸﺪﻛﻢ ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ اﻟﺬ ﺟﻌﻞ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﻌﻬﺪ املﺆازرة ﰲ أﻣﺮ ﷲ؛ ﻓﺈ ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻗﺎ‬
‫ﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ‪ ﴿ :‬أ ﻓﻮا ﺑﺎﻟﻌﻬﺪ ۖ إ ﱠ اﻟﻌﻬﺪ ﻛﺎ ﻣﺴﺌﻮﻻ﴾‪ .‬ﻓﺈ ﻫﺬ ﻣﻌﺬرة إﱃ ﷲ‪ ،‬ﻟﻌﻠﻜﻢ‬
‫ﺗﺬﻛﺮ ‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻲ ﻻ أﺑ ﱢﺮئ ﻧﻔﴘ إ اﻟﻨﻔﺲ ﻷﻣﺎرة ﺑﺎﻟﺴﻮء إﻻ ﻣﺎ رﺣﻢ رﺑﻲ إ رﺑﻲ‬
‫ﻏﻔﻮر رﺣﻴﻢ‪ .‬إ ﻋﺎﻗﺒﺖ أﻗﻮاﻣﺎ ﻓﻤﺎ أﺑﺘﻐﻲ ﺑﺬﻟﻚ إﻻ اﻟﺨري‪ .‬إﻧﻲ أﺗﻮب إﱃ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ‬
‫ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﻤﻞ ﻋﻤﻠﺘﻪ‪ ،‬أﺳﺘﻐﻔﺮ إﻧﻪ ﻻ ﻳﻐﻔﺮ اﻟﺬﻧﻮب إﻻ ﻫﻮ‪ .‬إ رﺣﻤﺔ رﺑﻲ ﺳﻌﺖ ﻛ ﱠﻞ‬
‫ﱠ‬
‫اﻟﻀﺎﻟﻮ ‪ .‬إﻧﻪ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻋﻦ ﻋﺒﺎد ﻳﻌﻔﻮ‬ ‫ﳾء‪ .‬إﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﻨﻂ ﻣﻦ رﺣﻤﺔ ﷲ إﻻ اﻟﻘﻮ‬
‫ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺌﺎت ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻮ ‪ .‬أﻧﺎ أﺳﺄ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ أ ﻳﻐﻔﺮ ﱄ ﻟﻜﻢ‪ ،‬أ ﻳﺆﻟﻒ‬
‫ﻗﻠﻮب ﻫﺬ اﻷﻣﺔ ﻋﲆ اﻟﺨري ﻳﻜ ﱢﺮ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻔﺴﻖ‪ .‬اﻟﺴﻼ ﻋﻠﻴﻜﻢ رﺣﻤﺔ ﷲ ﺑﺮﻛﺎﺗﻪ أﻳﻬﺎ‬
‫املﺆﻣﻨﻮ املﺴﻠﻤﻮ ‪.‬‬

‫أﻣﻮر ﻣﺮﺟﺄة‬

‫ﻔﺼﻞ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ املﻌﺮ ﺑﺎﺑﻦ اﻟﺴﻮداء؛ ﻷﻧﻪ ﻃﻮﻳﻞ ﻣﻌﻘﺪ‪،‬‬ ‫ﻟﻢ ﻧ ﱢ‬
‫ﻷ ﻧﺸﺎﻃﻪ اﻟﺨﻄري إﻧﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﰲ رأﻳﻨﺎ أﺛﻨﺎء ﺧﻼﻓﺔ ﻋﲇﱟ‪ .‬ﻓﻘﺪ أرﺟﺄﻧﺎ ﺣﺪﻳﺜﻪ إذ إﱃ‬
‫اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ أﺣﺪاث اﻟﻔﺘﻨﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻢ ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻟﻌﺜﻤﺎ ؛ ﻷ ﻧﺸﺎﻃﻬﻤﺎ اﻟﺴﻴﺎﳼ‬
‫اﻟﺨﻄري إﻧﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﰲ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﲇ ﱟ أﻳﻀﺎ‪ ،‬ﻓﺄرﺟﺄﻧﺎ ﻗﻀﻴﺘﻴﻬﻤﺎ إﱃ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا‬
‫اﻟﻜﺘﺎب‪.‬‬

‫‪207‬‬
 ‫ﺑﻌﺾ اﳌﺮاﺟﻊ‬

‫ﻟﻴﺲ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺧﱪ ﻣﻦ أﺧﺒﺎر اﻟﺘﺎرﻳﺦ أ رأ ﻣﻦ آراء املﺘﻜﻠﻤني اﻟﻘﺪﻣﺎء إﻻ ﻣﺮﺟﻌﻪ‬

‫ﻛﺘﺎب ﻣﻦ ﻫﺬ اﻟﻜﺘﺐ‪:‬‬
‫ﺳرية اﺑﻦ ﻫﺸﺎ ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﻃﺒﻘﺎت اﺑﻦ ﺳﻌﺪ‪.‬‬ ‫•‬
‫أﻧﺴﺎب اﻷﴍا ‪ ،‬ﻟﻠﺒﻼذر ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﺨﺎر ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﻛﺘﺐ اﻟﺴﻨﺔ ﴍ ﺣﻬﺎ ﻋﲆ اﺧﺘﻼﻓﻬﺎ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻷﻣﻢ املﻠﻮ ‪ ،‬ﻟﻠﻄﱪ ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﺗﻔﺴري اﻟﻄﱪ ‪.‬‬ ‫•‬
‫اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻻﺑﻦ اﻷﺛري‪.‬‬ ‫•‬
‫اﻟﺒﺪاﻳﺔ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ‪ ،‬ﻻﺑﻦ ﻛﺜري‪.‬‬ ‫•‬
‫ﺗﺎرﻳﺦ اﺑﻦ ﺧﻠﺪ ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﺗﺎرﻳﺦ دﻣﺸﻖ‪ ،‬ﻻﺑﻦ ﻋﺴﺎﻛﺮ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻐﺪاد‪ ،‬ﻟﻠﺨﻄﻴﺐ اﻟﺒﻐﺪاد ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﺗﺎرﻳﺦ ﻋﻘﺪ اﻟﺠﻤﺎ ‪ ،‬ﻟﻠﻌﻴﻨﻲ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷرب‪ ،‬ﻟﻠﻨﻮﻳﺮ ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﻣﺴﺎﻟﻚ اﻷﺑﺼﺎر ﰲ املﻤﺎﻟﻚ اﻷﻣﺼﺎر‪ ،‬ﻟﻠﻌﻤﺮ ‪.‬‬ ‫•‬
‫اﻟﺨﻄﻂ‪ ،‬ﻟﻠﻤﻘﺮﻳﺰ ‪.‬‬ ‫•‬
‫اﻟﻨﺰاع اﻟﺘﺨﺎﺻﻢ‪ ،‬ﻟﻠﻤﻘﺮﻳﺰ ‪.‬‬ ‫•‬
 ‫اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﱪ )اﻟﺠﺰء اﻷ (‬

‫ﻻة ﻣﴫ ﻗﻀﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻠﻜﻨﺪ ‪.‬‬ ‫•‬

‫ﻣﺘﻔﺮﻗﺎت ﻣﻦ رﺳﺎﺋﻞ اﻟﺠﺎﺣﻆ‪.‬‬ ‫•‬
‫اﻟﻔﺼﻞ‪ ،‬ﰲ املﻠﻞ اﻷﻫﻮاء اﻟﻨﺤﻞ‪ ،‬ﻻﺑﻦ ﺣﺰ ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﻛﺘﺎب اﻟﻔﺮ ﺑني اﻟﻔﺮ ‪ ،‬ﻟﻌﺒﺪ اﻟﻘﺎﻫﺮ ﺑﻦ ﻃﺎﻫﺮ اﻟﺒﻐﺪاد ‪.‬‬ ‫•‬
‫اﻟﺘﺒﺼري ﰲ اﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻷﺑﻲ املﻈﻔﺮ اﻹﺳﻔﺮاﻳﻴﻨﻲ‪.‬‬ ‫•‬
‫املﻠﻞ اﻟﻨﺤﻞ‪ ،‬ﻟﻠﺸﻬﺮﺳﺘﺎﻧﻲ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﻣﻨﻬﺎج اﻟﺴﻨﺔ‪ ،‬ﻻﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ‪.‬‬ ‫•‬

‫أﻣﺎ املﻌﺎﴏ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻧﻘﺮأ ﻣﻤﺎ ﻛﺘﺒﻮا ﺣﻮ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع إﻻ‪:‬‬

‫أﺷﻬﺮ ﻣﺸﺎﻫري اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻟﺮﻓﻴﻖ ﺑﻚ اﻟﻌﻈﻢ‪.‬‬ ‫•‬

‫اﻹﺳﻼ أﺻﻮ اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬ﻟﻸﺳﺘﺎذ ﻋﲇ ﻋﺒﺪ اﻟﺮاز ‪.‬‬ ‫•‬
‫ﻛﺘﺎب ﻋﺜﻤﺎ ﺑﻦ ﻋﻔﺎ ‪ ،‬ﻟﻸﺳﺘﺎذ اﻟﺸﻴﺦ ﺻﺎد إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﺮﺟﻮ ‪.‬‬ ‫•‬

‫ﻟﻢ ﻧﻨﻈﺮ ﻣﻦ آﺛﺎر املﺴﺘﴩﻗني إﻻ ﰲ ﻛﺘﺎب أﻧﺎﱄ د اﻹﺳﻼ ‪ ،‬ﻟﻜﻴﺘﺎﻧﻲ‪ ،‬ﰲ ﻓﺼﻮ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ‬
‫ﰲ داﺋﺮة املﻌﺎر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪.‬‬

‫‪210‬‬