You are on page 1of 27

‫شاء القدر‬

‫هيمث حمفوظ‬

‫تقدمي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫لك ما كتبته هنا يتناىف مع املنطق بشلك غريب‪ .‬ذلا‪ ,‬فال حتاول أن جتد‬
‫تفسريا للك سطر عىل حدا‪ .‬لك ما ستقرأ يف عالقة مبارشة ابلاكتب و حبياة‬
‫الاكتب‪ .‬لكن األسامء مزيفة‪ .‬و امس وحيد حيمل قضية مسامه‪ .‬ذلا فان أردت أن‬
‫تقرأ‪ ,‬احرص عىل أن تكون جزءا من حياة الاكتب‪.‬‬
‫لك ما ييل التقدمي ال عالقة هل بقصص احلب التافهة‪ .‬و رواييت ال ختض‪WW‬ع ألي‪WW‬ة قواع‪WW‬د‪.‬‬
‫مجي‪WW‬ع األج‪WW‬زاء تتاكم‪WW‬ل و لك ج‪WW‬زء يب‪WW‬وح برس همم لس‪WW‬ت حباج‪WW‬ة الكتش‪WW‬افه ان اكن‬
‫الاكتب ال يعين كل شيئا‪ .‬لك األحداث أح‪W‬داث حقيقي‪W‬ة تكش‪W‬ف عي‪W‬وب الاكتب كام‬
‫تكشف عيوبك أنت أهيا القارئ‪ W.‬ذلا فإن كنت جريئ‪WW‬ا كفاي‪WW‬ة‪ ,‬ال تتوق‪WW‬ف عن‪WW‬د لكاميت‬
‫هذه‪...‬‬
‫‪...‬‬

‫هيمث حمفوظ‬

‫‪2‬‬
‫قدومك إىل ادلنيا بداية املتاعب‪ ...‬فأنت اآلن يح‪ W...‬أنت اآلن تضع ساقا‬
‫أوىل يف جسن بين آدم‪ ...‬ترصخ عندما تلفظ أول أنفاسك‪ W...‬و امجليع يعمل أنك يح‬
‫فقط حني ترصخ‪ W...‬و الغريب أن القدر يزحي من ذاكرتك سبب تكل الرصخة‪ ...‬إما‬
‫ألنه يشء مرعب‪ W...‬ال تطيق ذكراه‪ ..‬أو رمبا ألنه يشء مفرح‪ ...‬و القدر ال يريد كل‬

‫‪3‬‬
‫فرحا‪ W...‬من يدري‪ ...‬لعل القدر أصال ال سلطة هل عىل حيواتنا‪ ...‬ابختصار شديد‪...‬‬
‫أنت اآلن مفقود‪ ...‬مفقود يف زمحة األرواح و األجساد‪ ...‬و مهك الوحيد هو أن‬
‫جتد طريق العودة‪ ..‬فإن مل يكن يشغكل يشء من هذا‪ ...‬فأنت سعيد مبا فيه الكفاية‬
‫لتعيش‪W...‬‬
‫أما أان حني ودلت‪ W...‬فاكن انطباعي خمتلفا قليال‪ ...‬ال أظن أحدا يشاركين إايه‪...‬‬
‫مل أودل صفحة بيضاء انصعة ‪ ..‬و إمنا خلقت صفحة فارغة ابهتة‪ ,‬كلك آديم‬
‫يف ادلنيا‪ W..‬صفحة أكمنا هتددها النريان ابحلرق‪ ...‬لك البرش حيملون تكل العاهة‪ W...‬و‬
‫اخلطيئة يه لك ما ورثناه عن آدم‪ ...‬ذكل اللون الباهت‪ ...‬هو أثر اخلطيئة‪ ...‬قيل‬
‫أنه جزاء القدر‪...‬‬
‫اخلطيئة تالزمنا يف لك ماكن و زمان‪ W...‬ألننا اكئنات ساذجة‪...:‬أيم تراين‬
‫طفال وديعا حني أترعرع‪ ...‬بريئا لطيفا‪...‬مث ال تنفك تراين كذكل‪ ...‬سواء رصت‬
‫يف مقتبل العمر‪ W...‬كهال ابلغا‪ ...‬أو حىت مسنا عاجزا غزته كدمات احلياة‪ W...‬مبا يكفي‬
‫ليك تريم به ادلنيا يف صدر الرتاب‪ ...‬و هتدر دعواهتا يل ‪ ...‬و يه تدعو إالها‬
‫تشك يف كثري من األحيان‪ W‬يف وجوده‪ ...‬أيب ال يود أن يراين سوى رجل شديد‪W...‬‬
‫رجل متني شهم‪ W...‬و هيدر عقودا من معره فقط إلسعادي دون أن يعمل أين ذات‬

‫‪4‬‬
‫تشوهبا الشوائب و تنخرها اخلطااي من لك جانب‪ W...‬و الكهام جزء من اجملمتع‪ ..‬جممتع‬
‫عريب ال يتعمل من اخطائه‪ W..‬فهو ال يعرتف هبا أصال‪...‬‬
‫اجملمتع‪ W...‬قصة أخرى‪ ...‬اجملمتع اي صديقي ال يفرق سوى بني اذلكر و األنىث‪W..‬‬
‫فذكل ما تستطيع تبليغه املظاهر‪ ...‬من بني عيوب‪ ...:‬اجملمتع يسميك ذكرا و يراقب‬
‫ذكورتك و يسمح لنفسه بتقيميها ابسمترار مبعايري اعتباطية ‪ W...‬و هو كذكل يفعل‬
‫نفس اليشء مع من يسمهيا أنىث‪ ...‬و يعاملها عىل أهنا حواء األم‪ ...‬حواء اليت ختمي‬
‫عىل اغلب العقول‪ ...‬حواء املذنبة‪ ...!!! ‬حواء األنىث اليت بيدها هالك اذلكور‪W...‬‬
‫أما أان فتتعدى غاييت لك ذكل‪ ...‬اان اكره يف نفيس لك ما يرفعين و لو درجة‬
‫فوق اآلخرين‪ ...‬و أكره يف نفيس لك ما جيعلين أشبه فئة من الناس ضد فئة‬
‫أخرى‪ ...‬أو أن أكون عبئا عىل قلب أحدمه أو عىل عقهل‪ W...‬و أكرث ما أكره يف نفيس‬
‫هو أنين جزء من جممتع غريب عين‪ ...‬ال ميثلين بأي شلك من األشاكل‪...‬‬
‫غاييت يه أن اثبت أين إنسان‪ ...‬فأان ال أعترب نفيس الاقوى مبجرد حلية‬
‫سوداء ايفعة‪ W...‬تغزو ذقين و تقلق راحيت –أكره ذكل اإلحساس حني تبدأ الشعرة‬
‫األوىل من حلييت تستفز تركزيي و ال أعترب نفيس تيسا يف مومس الزتاوج‪ W...‬جيذب‬
‫اإلانث ابلشعر الكثيف ال غري‪.... -‬و ال امسح لنفيس إبهانة امرأة مسراء اكدحة‪ ...‬أو‬

‫‪5‬‬
‫حىت هبرسةل ابئعة هوى ترى فض باكرهتا امرا خيصها دون غريها‪ ...‬أحبث عن‬
‫يشء من السمل يف داخيل و يف داخل لك إنسان أعرفه‪W....‬‬
‫حنن يف هناية املطاف اكئنات حرة مريدة‪ ...‬لكنا ننعم ابلعقل‪ W...‬و ال سبيل‬
‫الغتصاب حق أحدمه يف أن يرى احلياة كام حيب ان يراها‪ ...‬السمل رشط من‬
‫رشوط التفكري احلر‪W...‬‬
‫***‬

‫‪6‬‬
‫ترعرعت يف بالد التناقض‪ W...‬و نشات بني ذراع األمل و ذراع اليأس‪ ...‬و‬
‫رأيت من البؤس أنواعا‪ W...‬و من البؤساء أطيافا‪...‬‬
‫حني تقف أمام بيتنا الريفي العتيق‪ W...‬الرؤية تكون شامةل‪ ...‬تتسىن كل رؤية‬
‫لك هؤالء البؤساء‪ ,‬حىت ألوان الغروب البائسة‪ ...‬و ادلجاج اجلائع البائس‪ W...‬و مير‬
‫معي"الطيب"‪ ...‬رجل ابئس مبا لللكمة من معىن‪ ...‬ودل يف البؤس‪ ...‬و تعمل البؤس‬
‫عىل يد أجداده و أمه و أبيه‪" W...‬الطيب" ليس هل من الطيبة شيئا‪ W...‬رجل يفتقر إىل‬
‫احلب و احلنان متاما كام يفتقر إىل الطعام و الرشاب‪ ...‬ذلكل فهو ال جيود بلكهيام‪ W...‬و‬
‫رمبا مل ينتبه يوما إىل معىن امسه‪ ...‬هو ابئس لك أايم السنة‪ ...‬ال يقبل الصدقات‪ W...‬و‬
‫يظن أن بؤسه سرت من هللا‪ ...‬و يرى أنه من أهل اجلنة‪...‬‬
‫هنا‪ W...‬الناس سذج‪ W...‬مل يتعلموا شيئا من ادلنيا‪ ,‬منذ وجد البرش عىل وجه‬
‫األرض‪ ,‬سوى احلرث و الزرع و ادلعاء و اإلنتظار‪ W...‬أما معي "الطيب" فيختلف‬
‫قليال‪ ...‬أو ابألحرى هو متخلف متاما‪ W...‬و هنا تمكن طرافة الاختالف‪ W...‬مع‬
‫"الطيب" ال حيرث و ال يزرع‪ ...‬و هو يرى أن الرزق بيد هللا‪ ...‬يستفيق جفرا‪W...‬‬
‫يفتح ابب كوخه املتداعي‪ W...‬و ينتظر مالك الرزق ليأتيه مبا قسم هل هللا‪...‬‬

‫‪7‬‬
‫"الطيب" شديد اإلميان‪ ...‬و هو ينتظر رزقه يوميا‪ W...‬لكنه مل يظفر مبا ييرس‬
‫حياته و لو ليوم واحد من األايم‪...‬‬
‫معي "سعيد" أيضا خمتلف‪ ...‬رجل ممزي‪ ..!! ‬هو يف احلقيقة ال يقوم ابلكثري‪...‬‬
‫مل اعهده سوى مقعدا ثراثرا‪ ...‬ال يثق يف أحد‪ W...‬و ال يراتح ألحد‪ ...‬و ال ترسه‬
‫أعياد و ال احتفاالت‪" W....‬سعيد" ال يثق حىت يف هللا‪ ...‬و ال يفقه يف ادلين‪ W...‬حىت‬
‫إذا ذهب أحدمه لتأدية مناسك احلج و مات يف أرض مكة‪ ,‬قال‪ ":‬ايهل من أمحق‪ ...‬‬
‫لتلعنه األرض و السامء!!! هللا يأيت الناس بيوهتا ليقبض أرواهحا‪ W...‬و هو يزوره يف‬
‫معقل داره فكيف ال يقطع أنفاسه؟"‪ W....‬ذلكل يهناان آابؤان عنه‪ W...‬و تقل حماداثتنا‬
‫معه‪" W...‬سعيد" ابئس طيةل أايم السنة أيضا‪...‬‬
‫"سعيد" ضعيف اإلميان‪ ...‬أو أنه ال يؤمن أصال‪ ...‬و هو ال ينتظر من هللا‬
‫شيئا‪ W...‬و هو كذكل ال حيصل يف املقابل عىل يشء‪...‬‬
‫أما"صاحل"‪ ...‬فهو ذكل اذلي حيرتف حرماين من تأمل لك هذا‪ W...‬صاحل هو‬
‫وادلي‪ W...‬أحياان هو ابلفعل رجل صاحل‪ ...‬و أحياان أخرى تطغى قسوته عىل لك‬
‫خصاهل‪ ...‬صاحل ميسور احلال‪ W...‬يستغل هجل الكثريين‪ ...‬و فقر األغلبية‪" ...‬صاحل"‬
‫هو‪ ,‬آنذاك‪ ,‬الرجل الوحيد اذلي يفكر‪ ...‬يفكر ابسمترار‪ W...‬حيل لك املشالك‬

‫‪8‬‬
‫ابلتفكري‪ ...‬أول من علمين التفكري‪...‬ال يستغل البرش و عقول البرش‪ ..‬و إمنا يستغل‬
‫الظروف‪...‬‬
‫يستغل املواقف ليربز اجلانب املرشق منه‪ W...‬األب املثقف ‪ ..‬املعجب الكبري‬
‫ابلطرب القدمي ‪ -‬و هو حيفظ منه الكثري و الكثري‪... -‬اخلبري يف احلياة‪...‬‬
‫صاحل رجل يوازن بني األمور بعقهل‪ ...‬وهو كذكل رجل مؤمن عن‬
‫طواعية‪ W...‬وليس وراثة‪ ...‬أما األمه من ذكل فهو كونه عدوا من أعداء اجلهل‪...‬‬
‫و نساء قريتنا لن أحتدث عهنن كثريا‪ ..‬ابختصار‪ W‬شديد‪ ,‬هن يشرتكن يف‬
‫صفتني اثنتني‪ W...‬األوىل يه أهنن متشاهبات ألبعد احلدود‪ W...‬يف املظهر و يف الفكر و‬
‫خاصة‪ W‬يف اإلنصياع للرجال انصياعا مطلقا‪ W...‬أما الثانية فهي كوهنن ال يشهبن أيم و ال‬
‫يتفقن معها بتاات‪..‬‬
‫"ساملة" يه أيم‪ ...‬و أيم مل تسمل يوما من األلسنة اخلبيثة‪ W...‬ليس ذكل‬
‫بغريب عهنا و إمنا الغريب أهنا ال تتأثر أبدا‪ ...‬يه امرأة متعلمة‪ ..‬مثقفة‪ W...‬طيبة يف‬
‫حدود‪ W...‬و قاسية يف حدود –ويه اليت ترمس احلدود يف خريطة حياهتا حىت و لو‬
‫لكفهتا حراب دامية‪ ...-‬لكن رصاحهتا يه الوحيدة اليت ال قيود علهيا‪W...‬‬

‫‪9‬‬
‫أيم امرأة تونسية اكدحة‪ ...‬من ادلراسة إىل العمل السيايس‪ ..‬مث‬
‫اإلداري‪...‬وصوال إىل الزواج و بداية الرساح املرشوط – اعين بذكل البطاةل‪W...‬‬
‫يه تعتربها رساحا مرشوطا من العمل و فسحة يف احلياة و ال حتب أن تسمهيا‬
‫بطاةل‪ ...-‬و يه ال تنفك تفصل األنىث عن املرأة اليت بداخلها‪ W....‬فمل أر فهيا ‪-‬طوال‬
‫حيايت‪ -‬شيئا من األنوثة بقدر ما رأبت امرأة متحررة تقود حواسها‪ ..‬فأيم ال تتربج‬
‫إال حني تسمح لها املرأة اليت بداخلها بأن تتربج‪ W...‬و أيم ال تقيض أكرث من ثالثني‬
‫اثنية لك يوم امام املرآة‪W...‬‬
‫أيم حدثتين عن نوع من النساء يشهبهنا كثريا‪ ..‬و حدثتين عن ماكن يشهبها‬
‫إىل حد كبري‪ ...‬و حدثتين عن قمي مل أكن أدركها بعقيل الصغري آنذاك‪ ...‬فقط كنت‬
‫ألمتسها حبوايس‪ ...‬أحبث عهنا يف راحئة عطرها‪ ...‬يف لون شعرها‪ ...‬يف أحضاهنا‪W...‬‬
‫يف قبالت كنت أرسقها من عنقها‪ W...‬و أتغزل بأيم عىل طريقيت‪ ..‬و أحاول أحياان‬
‫استفزازها فأنعهتا ابلعجوز و لكهنا ال هتمت‪ ...‬يف نظرها العجز جعز العقل و القلب‪W...‬‬
‫فقط تضحك و تتظاهر بأهنا كذكل‪ W...‬و مع لك ذكل‪ W...‬فقد اكنت تنهبين إىل أن ما‬
‫احبث عنه موجود يف ثالث‪ ..‬يف الكتب‪ ...‬ويف من يقرأ الكتب‪ ...‬ويف لك ماكن‬
‫يسهتوي قراء الكتب‪...‬‬

‫‪10‬‬
‫أيم يه بوابيت لعامل مثايل راق‪ ...‬و أان‪ ,‬بفضلها‪ ,‬قادر اآلن عىل صنعه حىت يف‬
‫خيايل‪ W...‬و رمغ اختالف أيم و أيب‪ ...‬فاحلياة‪ W‬اليت أحياها‪ W‬اآلن يه مثار فكرهيام‪W...‬‬
‫بنيت حيايت عىل طموح بريء‪ ...‬عذب عذوبة طفوليت‪ W...‬و إليك والدة‬
‫طمويح‪ W...‬يف زمن ليس ببعيد وال بقريب‪...‬‬
‫‪...‬‬

‫‪11‬‬
‫***‬
‫يف سنيين العرش األوىل كنت أشبه‪ ,‬إىل حد كبري‪ ,‬كرة السةل‪ ...‬كنت أمأل‬
‫بطين يف اليوم مرارا بلك ما يعرتضين‪ ...‬مبا هو قابل للهضم و مبا ال هيضم وأحياان مبا‬
‫ال يألك أساسا‪ W...‬أكوال إىل حد كبري‪ ...‬و حساسا جدا جتاه ذكل‪ ...‬و يف معري ذاك‪,‬‬
‫من الطبيعي أن أهجل معىن التصاحل مع اجلسد و اإلرتقاء عنه‪ W...‬و قد حتمكين يف‬
‫بعض األحيان طبيعة احمليط اذلي أعيش فيه‪ W....‬ذلا فقد نشأت بداخيل عقد‬
‫متشابكة‪...‬‬
‫لكن مع جتاوزي‪ W‬للعقود العرش األوىل‪ ,‬نسيت لك ما يتعلق جبسدي متاما‪ W..‬ال‬
‫ادري كيف أو ملاذا‪ ...‬فقط أعمل أين انشغلت عنه بيشء أسكت صوت غريزيت‪W...‬‬
‫اظن أين آنذاك بدأت أتأثر بتيارات أخرى‪ W...‬فدراسيت يف املدينة‪ -‬و يه اليشء‬
‫الوحيد اذلي اتفق عليه أيب و أيم‪ -‬أثرت يف نفيس و أاثرت فضول عقيل‪W...‬‬
‫يف آخر سنوات تعلميي اإلبتدايئ‪ ,‬درسين معمل حامل‪ ...‬وجدت فيه صورة املعمل‬
‫اليت رمسهتا يف خميليت رسام متقنا‪ ...‬و اكن يوم السبت آنذاك يوم املرح عنده‪ ...‬كنا‬
‫نقضيه ساعات بني الرايضيات و الرتبية و الفنون‪ ...‬أما الفنون فاكنت تدغدغين‪...‬‬
‫تدغدغ حوايس لكها‪ ...‬و تطرق أبواب قليب و عقيل و وجداين‪....‬و اكن ذلكل املعمل‬
‫عودا مجيال‪ ..‬ذي صوت رخمي معيق‪...‬‬

‫‪12‬‬
‫اكنت أوىل نقراته عىل األواتر مبثابة آذان‪ ,‬يدعو ال صالة غري اليت نعرفها‪...‬‬
‫يدعو شيئا جعيبا يف داخيل‪ ...‬و امجليع يتلكم‪ ..‬فهم ال ينصتون‪ ...‬أما أان‪ ,‬فشديد‬
‫الانتباه‪ ...‬اكن يدير أشياء و يشد خيوطا علمت الحقا أهنا تسمى أواترا‪ ...‬و اكنت‬
‫الاصوات تتغري ابسمترار‪ ...‬متيل إىل الصفاء شيئا فشيئا‪ ...‬يبدو أين الوحيد اذلي‬
‫الحظت ذكل‪ ...‬أو أن املشهد مألوف عند البقية‪ ...‬فأان مل أرى أحدمه هيمت ملا يفعل‪...‬‬
‫فقط مه يتحادثون و ال تسمع من حديهثم سوى مههمة ماجوس‪...‬‬
‫مث تلكم املعمل‪ ...‬و هدا امجليع أخريا‪ ...‬و اكنت أوىل األغاين اليت تعلمناها أغنية‬
‫"الشحرور"‪ ...‬أو اننا مل نتعمل سواها‪ ...‬و بغض النظر عن احملتوى‪ ,‬أدركت أنين‬
‫أراتح كثريا للنغم‪ ...‬و أطرب للعود‪ ...‬و علمت الحقا – و ال أذكر كيف اكن ذكل‪-‬‬
‫قول الغزايل بأن‪ » ‬من مل ّ‬
‫حيركه الربي ُع وأزهاره‪ ،‬والعو ُد وأواتره‪ ،‬فهو فاسدُ املزاج ليس‬
‫هل عالج‪ ... « ‬فاكتسبت ألول مرة ثقة يف نفيس‪ ...‬و حلمت ابلعود حلام منعشا‬
‫للروح‪...‬‬
‫و صار مهي الوحيد هو بلوغ يوم السبت‪ ..‬و متنيت آنذاك لو اكنت يل القدرة‬
‫عىل ترسيع عقارب الساعات املنضبطة ‪ ...‬و حتريك دواليب الزمن املتقاعسة‪ ...‬إىل‬
‫أن جاء يوم الاختبار‪ ...‬و اكن الاختبار إلقاء ألغنية الشحرور‪ ..‬و اكن الغناء‬
‫فرداي‪ ...‬وقفت أمام مجهوري الصغري اخملتلط بثقة جعيبة‪ ...‬و ملا غنيت‪ ,‬قاطعين‬
‫حضك حمبط متاما اكذلي قاطع امجليع ‪ -‬ما عدى ايمسني الشقراء اليت تسحرمه و‬
‫تسلبين عقيل خشصيا‪ ...‬فقد كنت أتبع عبري عطرها أيامن حلت‪ -‬اللك يضحك‪ ...‬و‬

‫‪13‬‬
‫املعمل يرصخ "مصتا‪ ... "...‬واصلت مرتعشا همزتا مرجتفا‪ ...‬و اكنت ثقيت يف تقيمي‬
‫معلمي الحقا‪ ,‬ثقة معياء‪...‬‬
‫و للحظات‪ ,‬كنت قد اسمتتعت مبرافقة العود أميا اسمتتاع‪ ...‬كام لو اين حققت‬
‫أعظم أمنية عندي‪ ...‬و ملا انهتيت‪ ,‬اكنت املفاجأة‪ ...‬مل تبدو عىل حميا أستاذي دالئل‬
‫الرضا أ عدمه‪ ...‬فقد افتقر إىل اجلدية إطالقا‬
‫"أنت مشلكة كبرية‪...‬لن تصبح فناان اي ودلي‪"...‬‬
‫‪...‬‬
‫عدت خائبا و كمتت "فضيحيت"‪ ...‬و أمضيت اليوم بني قن ادلجاجات و‬
‫املرعى اخلايل أتذلذ برفقة احليواانت اترة‪ ...‬و طورا أجلأ إىل الوحدة‪ ...‬و أداوي أملي‬
‫ابلوحدة‪ ...‬و أقبل املساء‪ ...‬و جلسنا حول املائدة لنتعىش‪...‬‬
‫غريب أن أحدا مل يالحظ تعكر مزايج‪ ..‬و قد سبق و أن حدثت العائةل عن‬
‫حيب الفيت للعود‪ ...‬و قد عهدوا فرحيت أايم السبت‪ - ...‬آه نسيت‪ !! ‬اكن أيب يغار‬
‫غرية شديدة من معلمي و يعترب نفسه أجدر منه ابإلجعاب‪...‬و ال أعمل إلىل حد اليوم‬
‫سببا وجهيا لتكل الغرية‪ ...-‬و بعد تفكري ميل‪ ,‬جاء‪ ,‬يف تكل الليةل‪ ,‬وعد غري متوقع‬
‫منه‪ ...‬وقال يف سياق الكم‪ ":‬أال حتدثنا اليوم عن معلمك العظمي؟ أم أنه مل يعد‬
‫كذكل؟ امسع جيدا‪ ...‬إن جتهتد وتلتحق ابلمنوذيج‪ ,‬كل من عندي عود جيد‪"...‬‬

‫‪14‬‬
‫غريت لكامته لك مباديئ و أفاكري‪ ...‬و نسيت الكم املعمل مراد‪ ...‬و اكن‬
‫النجاح أول حتد آنذاك‪ ..‬قررت أن أجتاوز الصدمة‪ ...‬فقد حترك بداخيل إحساس‬
‫مجيل و أمل جليل‪ ...‬و جتدد حلمي‪ ...‬و عزمت عىل النجاح‪ ..‬ال ليشء و إمنا‬
‫ألحصل عىل العود‪...‬‬
‫***‬
‫أوىل صدمات احلياة اليت حتدثت عهنا أيم‪ ...‬تكل اليت ختريك بني النجاح‬
‫منقطع النظري‪ ..‬و بني الفشل األبدي‪...‬‬

‫كذكل اكنت البداية‪ ...‬فأان أؤمن بأننا نودل "جثثا حية"‪ ...‬أي أمواات نتوق إىل‬
‫احلياة توقا‪ ...‬نقرتب مهنا أحياان دون أن ندركها‪ ...‬و نبقى يف رصاع متواصل بني‬
‫املوت و احلياة‪ ...‬يف حاةل حرجة‪ ...‬فتأيت تكل الصدمات الكهرابئية املؤملة‪ ...‬و تضع‬
‫حدا فاصال لهذا الرصاع‪ ...‬تصفع الصدور‪ ...‬فإما أن ينتظم النبض‪ ...‬و يعقب األمل‬
‫خصب ادلنيا‪ ...‬او أن يستقمي ذاك اخلط املتواصل عىل شاشات املستشفيات‪ ...‬و‬
‫ال ينفع آنذاك حنيب و ال اكتئاب‪...‬‬
‫اما أان‪ ..‬فاخرتت خصب ادلنيا‪ ...‬و و اخرتت أن أريم مرسايت يف هذا اجملمتع‬
‫الغريب‪ ..‬إىل أن يأيت ما خيالف ذكل‪ ...‬اخرتت أن أجنح‪ ...‬و اخرتت أن أحصل عىل‬
‫العود‪ ...‬و فعلت ذكل مبحض إ راديت‪ ...‬حيهنا استقويت عىل القدر – و قد زاد شيك‬
‫‪15‬‬
‫يف قدرة القدر و لكين إىل حد تكل اللحظة كنت أمحل إمياان بوجوده‪ ... -‬و بدات‬
‫التعرف عىل شبهيات أيم‪ ...‬يف الاماكن اليت حتهبا أيم و تتوق إلهيا‪ ..‬يف أمسيات‬
‫الشعر أين يكرث القراء و املسمتعون‪ ...‬و يف املكتبات‪ ..‬و يف املسارح‪ ...‬و يف لك‬
‫ماكن اكن يستقبلين و عودي‪...‬‬
‫اخرتت أن أحيا كام أردت أن أحيا‪ ...‬بعيدا عن سذاجة معي الطيب‪ ...‬و‬
‫وقاحة معي سعيد‪ ...‬جتاهلت ادلجاجات‪ ..‬و ألوان الغروب التعيسة‪ ...‬و رحت أحبث‬
‫يف زمحة الناس عن امجلال‪ ...‬عن الطبع النادر‪ ...‬و اتبعت عدة مذاهب يف احلياة‪...‬‬
‫أما املذهب األول فاكن مذهب الاستقامة‪ ...‬و اختذت اإلسالم دينا‪ ...‬و‬
‫رحت أصيل و أتعبد‪ ..‬و أدعو هللا يف لك مصيبة تعرتضين‪ ...‬و ارتبطت بنوع حمافظ‬
‫من النساء‪ ...‬و بقيت كذكل أشهرا‪ ...‬ترامكت فهيا الشهوات يف أعاميق‪ ,‬بيامن كنت‬
‫أظهر للناس مبظهر التقي الصاحل‪ ...‬مفزقين التناقض‪ ...‬و رصت أنعت نفيس ابملنافق‬
‫يف جلسايت مع ذايت‪...‬‬
‫رصت حىت أشك يف وجود هللا‪ ...‬و يف جدوى الصالة‪ ..‬و يف معىن‬
‫اخلشوع‪ ...‬و انفجرت كام تنفجر قنبةل موقوتة‪ ...‬و مل أرد إيذاء من حويل إال أين‬
‫فعلت‪ ..‬ليس معدا‪ ...‬فهجرت تكل احملافظة اليت أحبتين حبا جام‪- ...‬يف الهناية أان ال‬
‫أندم عىل أفعايل‪ ...‬ففي حهبا يشء من الشهوة و مع ذكل ال تبدهيا ‪...‬و أان مل أعد‬
‫أرىض بذكل‪-‬‬

‫‪16‬‬
‫و اخرتت أن أحصل عىل ما اشهتي‪ ..‬و اتبعت مذهبا جديدا‪ ...‬و هذا يسمى‬
‫–يف جممتعنا‪ -‬مذهب اإلنفالت‪ ...‬مفع تغري نظريت لدلنيا‪ ,‬انفلت و خرجت غريزيت‬
‫عن طوع عقيل‪ ...‬ووقعت يف حب منفلتة مثيل‪...‬حب طغت عليه القبالت احلارة‬
‫يف أمسيات الصيف‪ -‬وقد كنا نتبادلها يف اخلالء بعيدا عن األنظار‪ .‬و أذكر حني‬
‫قبض علينا يف وضعية ال أخالقية و تورطنا أميا ورطة مث اتفقنا عىل أن نكمت األمر‬
‫بعد ان فرجت‪ ... -‬ووقعت يف املعايص‪ ...‬أي أين عصيت عقيل كثريا و قد كنت ال‬
‫أؤمن بسلطان سوى سلطانه‪...‬‬
‫أما ان اردت سؤايل خشصيا ماذا أمسي مذهيب هذا‪ ..‬فأقول كل أين أمسيه‬
‫مذهب املتعة‪ ...‬فأان ال أنكر ان متعة اإلنصياع للغريزة متعة خاصة‪...‬‬
‫و بيامن اان عىل مذهيب‪ ,‬إذ يرن هاتفي رنة الزلت أعهدها و أحفظها‪ ...‬يف يوم‬
‫حار الزلت أحن إليه حنينا خاصا‪...‬‬
‫"الو‪ ...‬ما عرفتنيش؟‪ ...‬هديل هديل"‪....‬‬
‫***‬

‫‪17‬‬
‫أذكر أين حتمست ذلكل كثريا‪ ...‬فهديل صديقة استثنائية‪ ...‬و يه الوحيدة‬
‫اليت ال أنظر الحنناءات جسدها نظرات خبيثة‪ ...‬و يه الوحيدة اليت جعلتين اعيد‬
‫التفكري يف مذهيب آنذاك‪ -‬فقد كنت اتساءل ملا ال أمسح لنفيس أن أتفحص ‪-‬بعينااي‬
‫اخلبيثتني‪ -‬مفاتهنا؟ و أان عىل دين الشهوة و املتعة‪- !! ‬‬
‫اكنت ماكملة غريبة‪ ...‬ارختت فهيا مجيع عضاليت و ضعفت جل حوايس‪ ...‬متاما‬
‫كام لو أين أحادث نفيس‪ ...‬و أنصت لها أكمنا انصت لصوت مألوف جدا‪ ...‬خشص‬
‫يعيش يف ذاكريت و يف خميليت‪...‬‬
‫ال أذكر ان أحدا من أصدقايئ يف ادلراسة قد معد يوما للسؤال عن احوايل يف‬
‫تكل العطةل الطويةل‪ ...‬و قد اكنت الفتيات تنفر مين و من نظرايت الوحشية إىل لك‬
‫األرداف اليت متر حويل‪ ,‬بصفة مبالغ فهيا‪ – ...‬و ال أنكر أين أهمت لتفاصيل أجسادهن‬
‫أكرث مما يفعلن‪-‬‬
‫و أدركت الحقا ان يف هديل ما جيعلها ختتلف حقا عن اللك‪...‬‬
‫اإلهامتم‪ ...‬و الوفاء‪ ...‬و رمبا رصاحة املشاعر‪...‬‬
‫أما اإلهامتم‪ ,‬فهو ال حيدث يف جممتعنا بدون مقابل‪ ..‬إال يف حاالت اندرة‪ ...‬و أان‬
‫أجزم أن الكثري من الارواح العليةل حتتاج لإل هامتم غري املرشوط‪ ,‬يك تتعاىف و‬
‫تشفى‪- ...‬و أيم تتقن هذا النوع من اإلهامتم كثريا‪-...‬‬

‫‪18‬‬
‫و اما الوفاء‪ ...‬فهو مرتبط عادة ابلرواايت و األشعار‪ ..‬ذلا فال وجود هل يف‬
‫جممتعنا إطالقا‪ – ...‬وأيم استثناء يف هذا أيضا‪ ...‬جتيد الوفاء كام ال جييده أبطال‬
‫الرواايت القدمية‪-‬‬
‫و خبصوص رصاحة املشاعر‪ ..‬فاجملمتع هنا جممتع مكبوت‪ ...‬ال ياكد الفرد يفهم‬
‫لغة نبضات قلبه‪ – ...‬ولكن ايم تفعل‪-‬‬
‫واكتشفت الحقا انين أفتقر إىل لك هذا‪ ...‬إىل اإلهامتم‪ ...‬إىل الوفاء‪ ...‬و إىل رصاحة‬
‫املشاعر‪ ...‬و ثرت عىل مذهيب من جديد‪ ...‬و إليك ما صدر مين يف ثوريت‪...‬‬

‫‪19‬‬
‫***‬
‫لك ما يف األمر أنين اكتشفت الكثري يف نفيس‪ ...‬وجدت مرآة أكرث صالبة‬
‫لتتحمل انفعاالت رويح‪...‬‬
‫و حني يتعلق األمر هبديل‪ ,‬فأان أجخل من نفيس‪ ..‬و أجعز جعزا اتما عن اإلتيان‬
‫بتسلسل منطقي لللكامت‪ ...‬ذلا فقد كنت اندرا ما أعرب عن ما يعرتيين من‬
‫أحاسيس‪ ..‬و تأيت حلظات إلهايم حني أكون بعيدا عهنا كفاية‪ – ...‬من هنا ثبت إمياين‬
‫ابلعامل العلوي املثايل‪ ...‬فهمت معىن اإللهام حني يتحول إىل نوع من الويح‪ ..‬شديد‬
‫الوقع عىل رويح‪ ...‬و أيقنت أن "هديل" أتت من هناك‪ ..‬أو عىل األقل‪ ,‬قد أتت‬
‫روهحا من هناك‪ ...-‬فأكتب الكما مقتضبا‪ ...‬ال يصدر عين‪ ...‬بل عن يشء جعيب‪...‬‬
‫*يف هذا اجلزء‪ ,‬احتجت للك القوى اخلارقة للطبيعة يك أنظم اللكامت و لكين‬
‫فضلت فشال ذريع‪ ...‬و لكين سأروي فامي ييل أمجل ماجاء يف حلظات ارسايئ‪...‬‬
‫و قد كتبت فامي كتبت التايل‪...‬‬

‫"عرفتها سمراء‪ ...‬تلك السمرة التي تجري في‬


‫دمي‪ ...‬و تحتلني يوما بعد يوم‪ ...‬عرفتها بشعر ال يليق‬
‫إال بسمرتها‪ ...‬شعر تفوح منه رائحة األنثى التي ال‬
‫‪20‬‬
‫أخطؤها‪ ...‬عطر الحياة‪ ...‬أريج الحرية‪ ...‬نعم‪ ..‬فالمرأة‬
‫التي عرفتها علمتني معنى الحرية‪ ...‬أعتقد أنها تدعم‬
‫إيماني بكل شيء‪ ...‬بالحب!!! بالحياة!!! بالصداقة!!‬
‫باألخوة!!!‪ ...‬و تقتل شكي في الوجود‪ ...‬و في السعادة‪...‬‬
‫تلك السمراء هي رواية ال تنتهي‪ ...‬قصيدة شعر‬
‫حر‪ ...‬قيود مكسورة‪ ...‬هي اآلن جزء مني‪ ...‬تغزوني و‬
‫هي بعيدة عني‪ ...‬تقتلني دون أن تنظر إلي‪ ...‬تهجرني‪...‬‬
‫تقسو علي‪ ...‬دون أن تدري!!!‬
‫لم أكن ألرى الحياة كما اراها اآلن لوالها‪ ...‬فأنا‬
‫أشعر أنها توقفت‪ ...‬بمجرد انسحابها منها‪...‬‬
‫الهاء هدوء‪ ...‬و الدل دقات قلب تتكلم‪ ...‬الياء‬
‫يسر ‪ ...‬و الالم لوم دائم على كل ما يجعلها مثل‬
‫األخريات‪ ...‬ال يمكن ترويض حروف اسمها‪ ...‬فهي‬
‫حروف ثائرة‪ ...‬تماما كثورة المحتضر على األلم‪...‬‬
‫الثبات على المبادئ مسألة حياة او موت‪ ...‬و ذلك يعنيها‬
‫دون غيرها‪...‬‬

‫‪21‬‬
‫كل القصص في الغالب تتشابه‪ ...‬لكن قصتي ال‬
‫تخضع للواقع‪ ..‬و ال يسعها الخيال‪ ...‬هل عساها تتذكر‬
‫كيف بدأت؟ أو متى ؟ ‪"...‬‬
‫و جاء مما جاء يف ويح السامء التايل‪...‬‬

‫"أرقى درجات اإليمان؟‪ ...‬قطعا ليس اإليمان باهلل‪...‬‬


‫فأقصر الطرق إلى الطمأنينة هو اإليمان بوجود آلهة‬
‫ترعى الحظ و القدر‪ ...‬ترعى البشر‪ ...‬و إيمان اإلنسان‬
‫بتلك القوة المطلقة يظهر ببساطة عند المصيبة أو‬
‫المرض و في بعض األحيان مع فرحة عارمة‪ ...‬و حتى‬
‫أسذج العقول تقود أصحابها نحو اإليمان بالخالق‪...‬‬
‫الكثير يؤمنون بالمعجزات و يحفظون أسطورة الخلق‬
‫عن ظهر قلب‪ ...‬إال أنهم ال يؤمنون بالمعجزات التي‬
‫تصدر عنهم‪ ...‬أنا بدوري كنت أرعى أحالمي بعيدا عن‬
‫محاولة تحقيقها‪ ...‬و خاصة إذا تطلبت أحالمي‬
‫معجزات‪ ...‬كنت أتركها لل"حظ" و لل"قدر"‪ ...‬أنا‬
‫اليوم أحاول أن أرى الدنيا كما لو أني أقوى جزء منها‪..‬‬
‫ماذا لو ثرنا على سطوة القدر؟‪ ...‬لعلنا نكشف أوراق‬
‫‪22‬‬
‫الحظ‪ ...‬نقلبها‪ ...‬نحفظها‪ ...‬ماذا لو آمنا بأننا من يقرر ‪..‬‬
‫من يقول كن فيكون‪ !!...‬كذلك أقول في نفسي الليلة‪...‬‬
‫ليلة رائعة أخرى‪ ...‬تزيدينها أنت روعة‪ ...‬أقول أن الحياة‬
‫ال تستحق أن نرمي بها بين يدي الصدفة‪ ...‬و اقوى‬
‫أنواع اإليمان‪ ...‬إيمان بنفس ملت من التحقير‪"...‬‬

‫و حص فامي حص من الالكم التايل‪...‬‬

‫"هديل‪ ...‬كذلك كان اسمها‪ ...‬و كذلك مازال راسخا‬


‫في مخيلتي‪ ...‬يذكر في كل منابر قلبي‪ ...‬و في كل صالة‬
‫أصليها ‪-‬و إن ندرت صلواتي‪ ...-‬هديل ‪ ...‬أقسم أن الكالم‬
‫يعجز عن وصفها‪ ...‬و أقسم أنها جعلتني أثق فيها كما لم‬
‫أثق يوما في أحد‪ ...‬أقسم أنها دخلت حياتي طواعية و‬
‫هي اآلن تبتعد عنها مكرهة‪ ...‬و أقسم أنني أحبها بكل ما‬
‫أوتيت من سلطة على أحاسيسي‪ ...‬في غضون سنة‬
‫واحدة‪ ،‬تقتل هديل هيثما باليا ملطخا بالنقصان‪ ...‬و تحيي‬
‫‪23‬‬
‫هيثما مثاليا!! ‪- ...‬ال أظن أنني كذلك و لكن يكفي أنها في‬
‫يوم من األيام قالت ذلك بمحظ إرادتها‪ ...-‬و أجزم بأني‬
‫اآلن رجل آخر‪ ...‬يرى الدنيا كما لم يراها من قبل‪"...‬‬
‫مث إن اكرث أباكين و أثقل اكهيل‪ ,‬الكم أبدعته أايد خفية اكآليت‬

‫"‬
‫أتوق إلى الكتابة بشدة‪ ...‬و مع ذلك فأنا ال اكتب إال‬
‫لمن أحب‪ ...‬و حقيقة ان األلم ينخرني و يضعفني‪ ،‬ال‬
‫تعني أنني أحتقر آالم غيري‪ ...‬رصاص يخترق جسدي و‬
‫روحي في آن واحد‪ ...‬و مع ذلك‪ ،‬مازلت عينايا تدمع‬
‫حين تدمع عيناك‪ ...‬أنت‪ ...‬أيدرك العالم من أنت؟ أم أنني‬
‫وحدي أبالي!!‪ ...‬أبالي لكل احساس ينتاب قلبك الرقيق‪...‬‬
‫و تتزلزل األرض تحت أقدامي‪ ...‬أبالي لكل نسيم يمر‬
‫عليك‪ ...‬و أبالي لكل نداء باسمك على لسان أحدهم‪....‬‬
‫‪24‬‬
‫فكيف ال أبالي حين تفقدين السيطرة على نفسك؟! ‪...‬‬
‫فلتقتنعي بحقيقة أنك اجمل ذات أبدعها هللا في كونه!!‬
‫فلتقتنعي بحقيقة أن حزنك يحزن الكون‪ ...‬يحزن القمر‬
‫المتكبر‪ ...‬و يحزن سمائي‪ ...‬و أنت ألمع نجومها!!‪...‬‬
‫تقع روحك في المتاعب أحيانا‪ ...‬و تحمل نفسك كل‬
‫الوزر‪ ...‬و يخيم عليك اإلكتئاب‪ ...‬أنت الجمال‪ ...‬و أنا ما‬
‫رأيت في حياتي الجمال مكتئبا!! ‪ ...‬فلتبتهجي و لتفرحي‬
‫ألنك‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬أجمل من ان تبكي‪ ...‬ألن عينيك أرق‬
‫من تغرق في الدموع‪ ،‬خلقتا للنور‪ ..‬للحب‪ ...‬أما الدموع‬
‫فتحرق قلوب الكثيرين‪...‬‬
‫تعرفين أني اآلن أدخل في حالة من الجنون نتيجة‬
‫اآلالم‪ ...‬و أني ال أنام إال باألدوية المهدئة لألعصاب‪ ...‬و‬
‫أني بذلك ملعون من السماء‪ ..‬و من األرض‪ ...‬و محكوم‬
‫باأللم حتى الموت‪ ...‬و لكني أبتسم ألن أهم جزء مني قد‬
‫نجا من مل هذا‪ ...‬أنا مبتهج ألنك‪ ..‬أنت‪ ...‬ال تعانين كما‬
‫أعاني ‪-‬حماك هللا‪ ...-‬و ليس للمودة معنى غير هذا‪...‬‬
‫أنت‪ ،‬يا ملهمتي و توأم روحي و رفيقة دربي‪ ،‬في‬
‫أمان‪ ...‬فال تزيدي آالمي إيالما!! أعني بذلك أن ال‬

‫‪25‬‬
‫تحزني‪ ...‬فاألخوة التي بيننا تقتضي أن نتفق على‬
‫اشياء‪ ...‬لذا فلنتفق على أن ال تحزني"‬

‫***‬
‫أيم مازالت ملهميت األوىل‪ ...‬و هديل يه النسخة الضائعة عهنا‪ ...‬و أان‬
‫حظيت اآلن ابالثنتني معا‪...‬‬
‫تكل الرصخة األوىل مل تكن اعتباطية‪ ...‬بل اكنت نداء للك توأم روح‪ ...‬و‬
‫تكل الصفحة الباهتة اليت حسبت أين ودلت عىل شالكهتا اكنت‪ ,‬فقط‪ ,‬مغربة بغبار‬
‫النسيان‪ ...‬أما اآلن‪ ,‬فهي بيضاء انصعة صافية‪ ...‬متاما كصفاء رويح‪...‬‬
‫رصت اآلن عىل مذهب " احلياة"‪ ...‬و تقبلهتا برمهتا‪ ...‬أدركت أن الطيب و‬
‫سعيد اكان جزءا مهنا‪ ...‬و أن دلجاجاتنا معىن‪ ...‬و أللوان الغروب وقع عىل رويح‪...‬‬
‫لك التفاصيل اليت اكنت تزجعين أصبحت هممة يف حيايت‪...‬‬

‫‪26‬‬
‫هديل تركت ّيف لك هذا‪ ..‬و رحلت دون سابق إنذار‪ ...‬أما أان فابتليت ابتالء‬
‫األمل‪ ...‬و مع ذكل‪ ,‬فشويق إلهيا حيملين عىل الابتسام‪...‬‬
‫و متر األايم تباعا‪ ...‬رصاعا لأل مل‪ ...‬و أصرب كام وجب أن أصرب‪...‬‬
‫‪ ...‬صربا مجيال‪....‬‬

‫‪27‬‬

You might also like