Professional Documents
Culture Documents
شاءالقدر
شاءالقدر
هيمث حمفوظ
تقدمي:
1
لك ما كتبته هنا يتناىف مع املنطق بشلك غريب .ذلا ,فال حتاول أن جتد
تفسريا للك سطر عىل حدا .لك ما ستقرأ يف عالقة مبارشة ابلاكتب و حبياة
الاكتب .لكن األسامء مزيفة .و امس وحيد حيمل قضية مسامه .ذلا فان أردت أن
تقرأ ,احرص عىل أن تكون جزءا من حياة الاكتب.
لك ما ييل التقدمي ال عالقة هل بقصص احلب التافهة .و رواييت ال ختضWWع أليWWة قواعWWد.
مجيWWع األجWWزاء تتاكمWWل و لك جWWزء يبWWوح برس همم لسWWت حباجWWة الكتشWWافه ان اكن
الاكتب ال يعين كل شيئا .لك األحداث أحWداث حقيقيWة تكشWف عيWوب الاكتب كام
تكشف عيوبك أنت أهيا القارئ W.ذلا فإن كنت جريئWWا كفايWWة ,ال تتوقWWف عنWWد لكاميت
هذه...
...
هيمث حمفوظ
2
قدومك إىل ادلنيا بداية املتاعب ...فأنت اآلن يح W...أنت اآلن تضع ساقا
أوىل يف جسن بين آدم ...ترصخ عندما تلفظ أول أنفاسك W...و امجليع يعمل أنك يح
فقط حني ترصخ W...و الغريب أن القدر يزحي من ذاكرتك سبب تكل الرصخة ...إما
ألنه يشء مرعب W...ال تطيق ذكراه ..أو رمبا ألنه يشء مفرح ...و القدر ال يريد كل
3
فرحا W...من يدري ...لعل القدر أصال ال سلطة هل عىل حيواتنا ...ابختصار شديد...
أنت اآلن مفقود ...مفقود يف زمحة األرواح و األجساد ...و مهك الوحيد هو أن
جتد طريق العودة ..فإن مل يكن يشغكل يشء من هذا ...فأنت سعيد مبا فيه الكفاية
لتعيشW...
أما أان حني ودلت W...فاكن انطباعي خمتلفا قليال ...ال أظن أحدا يشاركين إايه...
مل أودل صفحة بيضاء انصعة ..و إمنا خلقت صفحة فارغة ابهتة ,كلك آديم
يف ادلنيا W..صفحة أكمنا هتددها النريان ابحلرق ...لك البرش حيملون تكل العاهة W...و
اخلطيئة يه لك ما ورثناه عن آدم ...ذكل اللون الباهت ...هو أثر اخلطيئة ...قيل
أنه جزاء القدر...
اخلطيئة تالزمنا يف لك ماكن و زمان W...ألننا اكئنات ساذجة...:أيم تراين
طفال وديعا حني أترعرع ...بريئا لطيفا...مث ال تنفك تراين كذكل ...سواء رصت
يف مقتبل العمر W...كهال ابلغا ...أو حىت مسنا عاجزا غزته كدمات احلياة W...مبا يكفي
ليك تريم به ادلنيا يف صدر الرتاب ...و هتدر دعواهتا يل ...و يه تدعو إالها
تشك يف كثري من األحيان Wيف وجوده ...أيب ال يود أن يراين سوى رجل شديدW...
رجل متني شهم W...و هيدر عقودا من معره فقط إلسعادي دون أن يعمل أين ذات
4
تشوهبا الشوائب و تنخرها اخلطااي من لك جانب W...و الكهام جزء من اجملمتع ..جممتع
عريب ال يتعمل من اخطائه W..فهو ال يعرتف هبا أصال...
اجملمتع W...قصة أخرى ...اجملمتع اي صديقي ال يفرق سوى بني اذلكر و األنىثW..
فذكل ما تستطيع تبليغه املظاهر ...من بني عيوب ...:اجملمتع يسميك ذكرا و يراقب
ذكورتك و يسمح لنفسه بتقيميها ابسمترار مبعايري اعتباطية W...و هو كذكل يفعل
نفس اليشء مع من يسمهيا أنىث ...و يعاملها عىل أهنا حواء األم ...حواء اليت ختمي
عىل اغلب العقول ...حواء املذنبة ...!!! حواء األنىث اليت بيدها هالك اذلكورW...
أما أان فتتعدى غاييت لك ذكل ...اان اكره يف نفيس لك ما يرفعين و لو درجة
فوق اآلخرين ...و أكره يف نفيس لك ما جيعلين أشبه فئة من الناس ضد فئة
أخرى ...أو أن أكون عبئا عىل قلب أحدمه أو عىل عقهل W...و أكرث ما أكره يف نفيس
هو أنين جزء من جممتع غريب عين ...ال ميثلين بأي شلك من األشاكل...
غاييت يه أن اثبت أين إنسان ...فأان ال أعترب نفيس الاقوى مبجرد حلية
سوداء ايفعة W...تغزو ذقين و تقلق راحيت –أكره ذكل اإلحساس حني تبدأ الشعرة
األوىل من حلييت تستفز تركزيي و ال أعترب نفيس تيسا يف مومس الزتاوج W...جيذب
اإلانث ابلشعر الكثيف ال غري.... -و ال امسح لنفيس إبهانة امرأة مسراء اكدحة ...أو
5
حىت هبرسةل ابئعة هوى ترى فض باكرهتا امرا خيصها دون غريها ...أحبث عن
يشء من السمل يف داخيل و يف داخل لك إنسان أعرفهW....
حنن يف هناية املطاف اكئنات حرة مريدة ...لكنا ننعم ابلعقل W...و ال سبيل
الغتصاب حق أحدمه يف أن يرى احلياة كام حيب ان يراها ...السمل رشط من
رشوط التفكري احلرW...
***
6
ترعرعت يف بالد التناقض W...و نشات بني ذراع األمل و ذراع اليأس ...و
رأيت من البؤس أنواعا W...و من البؤساء أطيافا...
حني تقف أمام بيتنا الريفي العتيق W...الرؤية تكون شامةل ...تتسىن كل رؤية
لك هؤالء البؤساء ,حىت ألوان الغروب البائسة ...و ادلجاج اجلائع البائس W...و مير
معي"الطيب" ...رجل ابئس مبا لللكمة من معىن ...ودل يف البؤس ...و تعمل البؤس
عىل يد أجداده و أمه و أبيه" W...الطيب" ليس هل من الطيبة شيئا W...رجل يفتقر إىل
احلب و احلنان متاما كام يفتقر إىل الطعام و الرشاب ...ذلكل فهو ال جيود بلكهيام W...و
رمبا مل ينتبه يوما إىل معىن امسه ...هو ابئس لك أايم السنة ...ال يقبل الصدقات W...و
يظن أن بؤسه سرت من هللا ...و يرى أنه من أهل اجلنة...
هنا W...الناس سذج W...مل يتعلموا شيئا من ادلنيا ,منذ وجد البرش عىل وجه
األرض ,سوى احلرث و الزرع و ادلعاء و اإلنتظار W...أما معي "الطيب" فيختلف
قليال ...أو ابألحرى هو متخلف متاما W...و هنا تمكن طرافة الاختالف W...مع
"الطيب" ال حيرث و ال يزرع ...و هو يرى أن الرزق بيد هللا ...يستفيق جفراW...
يفتح ابب كوخه املتداعي W...و ينتظر مالك الرزق ليأتيه مبا قسم هل هللا...
7
"الطيب" شديد اإلميان ...و هو ينتظر رزقه يوميا W...لكنه مل يظفر مبا ييرس
حياته و لو ليوم واحد من األايم...
معي "سعيد" أيضا خمتلف ...رجل ممزي ..!! هو يف احلقيقة ال يقوم ابلكثري...
مل اعهده سوى مقعدا ثراثرا ...ال يثق يف أحد W...و ال يراتح ألحد ...و ال ترسه
أعياد و ال احتفاالت" W....سعيد" ال يثق حىت يف هللا ...و ال يفقه يف ادلين W...حىت
إذا ذهب أحدمه لتأدية مناسك احلج و مات يف أرض مكة ,قال ":ايهل من أمحق ...
لتلعنه األرض و السامء!!! هللا يأيت الناس بيوهتا ليقبض أرواهحا W...و هو يزوره يف
معقل داره فكيف ال يقطع أنفاسه؟" W....ذلكل يهناان آابؤان عنه W...و تقل حماداثتنا
معه" W...سعيد" ابئس طيةل أايم السنة أيضا...
"سعيد" ضعيف اإلميان ...أو أنه ال يؤمن أصال ...و هو ال ينتظر من هللا
شيئا W...و هو كذكل ال حيصل يف املقابل عىل يشء...
أما"صاحل" ...فهو ذكل اذلي حيرتف حرماين من تأمل لك هذا W...صاحل هو
وادلي W...أحياان هو ابلفعل رجل صاحل ...و أحياان أخرى تطغى قسوته عىل لك
خصاهل ...صاحل ميسور احلال W...يستغل هجل الكثريين ...و فقر األغلبية" ...صاحل"
هو ,آنذاك ,الرجل الوحيد اذلي يفكر ...يفكر ابسمترار W...حيل لك املشالك
8
ابلتفكري ...أول من علمين التفكري...ال يستغل البرش و عقول البرش ..و إمنا يستغل
الظروف...
يستغل املواقف ليربز اجلانب املرشق منه W...األب املثقف ..املعجب الكبري
ابلطرب القدمي -و هو حيفظ منه الكثري و الكثري... -اخلبري يف احلياة...
صاحل رجل يوازن بني األمور بعقهل ...وهو كذكل رجل مؤمن عن
طواعية W...وليس وراثة ...أما األمه من ذكل فهو كونه عدوا من أعداء اجلهل...
و نساء قريتنا لن أحتدث عهنن كثريا ..ابختصار Wشديد ,هن يشرتكن يف
صفتني اثنتني W...األوىل يه أهنن متشاهبات ألبعد احلدود W...يف املظهر و يف الفكر و
خاصة Wيف اإلنصياع للرجال انصياعا مطلقا W...أما الثانية فهي كوهنن ال يشهبن أيم و ال
يتفقن معها بتاات..
"ساملة" يه أيم ...و أيم مل تسمل يوما من األلسنة اخلبيثة W...ليس ذكل
بغريب عهنا و إمنا الغريب أهنا ال تتأثر أبدا ...يه امرأة متعلمة ..مثقفة W...طيبة يف
حدود W...و قاسية يف حدود –ويه اليت ترمس احلدود يف خريطة حياهتا حىت و لو
لكفهتا حراب دامية ...-لكن رصاحهتا يه الوحيدة اليت ال قيود علهياW...
9
أيم امرأة تونسية اكدحة ...من ادلراسة إىل العمل السيايس ..مث
اإلداري...وصوال إىل الزواج و بداية الرساح املرشوط – اعين بذكل البطاةلW...
يه تعتربها رساحا مرشوطا من العمل و فسحة يف احلياة و ال حتب أن تسمهيا
بطاةل ...-و يه ال تنفك تفصل األنىث عن املرأة اليت بداخلها W....فمل أر فهيا -طوال
حيايت -شيئا من األنوثة بقدر ما رأبت امرأة متحررة تقود حواسها ..فأيم ال تتربج
إال حني تسمح لها املرأة اليت بداخلها بأن تتربج W...و أيم ال تقيض أكرث من ثالثني
اثنية لك يوم امام املرآةW...
أيم حدثتين عن نوع من النساء يشهبهنا كثريا ..و حدثتين عن ماكن يشهبها
إىل حد كبري ...و حدثتين عن قمي مل أكن أدركها بعقيل الصغري آنذاك ...فقط كنت
ألمتسها حبوايس ...أحبث عهنا يف راحئة عطرها ...يف لون شعرها ...يف أحضاهناW...
يف قبالت كنت أرسقها من عنقها W...و أتغزل بأيم عىل طريقيت ..و أحاول أحياان
استفزازها فأنعهتا ابلعجوز و لكهنا ال هتمت ...يف نظرها العجز جعز العقل و القلبW...
فقط تضحك و تتظاهر بأهنا كذكل W...و مع لك ذكل W...فقد اكنت تنهبين إىل أن ما
احبث عنه موجود يف ثالث ..يف الكتب ...ويف من يقرأ الكتب ...ويف لك ماكن
يسهتوي قراء الكتب...
10
أيم يه بوابيت لعامل مثايل راق ...و أان ,بفضلها ,قادر اآلن عىل صنعه حىت يف
خيايل W...و رمغ اختالف أيم و أيب ...فاحلياة Wاليت أحياها Wاآلن يه مثار فكرهيامW...
بنيت حيايت عىل طموح بريء ...عذب عذوبة طفوليت W...و إليك والدة
طمويح W...يف زمن ليس ببعيد وال بقريب...
...
11
***
يف سنيين العرش األوىل كنت أشبه ,إىل حد كبري ,كرة السةل ...كنت أمأل
بطين يف اليوم مرارا بلك ما يعرتضين ...مبا هو قابل للهضم و مبا ال هيضم وأحياان مبا
ال يألك أساسا W...أكوال إىل حد كبري ...و حساسا جدا جتاه ذكل ...و يف معري ذاك,
من الطبيعي أن أهجل معىن التصاحل مع اجلسد و اإلرتقاء عنه W...و قد حتمكين يف
بعض األحيان طبيعة احمليط اذلي أعيش فيه W....ذلا فقد نشأت بداخيل عقد
متشابكة...
لكن مع جتاوزي Wللعقود العرش األوىل ,نسيت لك ما يتعلق جبسدي متاما W..ال
ادري كيف أو ملاذا ...فقط أعمل أين انشغلت عنه بيشء أسكت صوت غريزيتW...
اظن أين آنذاك بدأت أتأثر بتيارات أخرى W...فدراسيت يف املدينة -و يه اليشء
الوحيد اذلي اتفق عليه أيب و أيم -أثرت يف نفيس و أاثرت فضول عقيلW...
يف آخر سنوات تعلميي اإلبتدايئ ,درسين معمل حامل ...وجدت فيه صورة املعمل
اليت رمسهتا يف خميليت رسام متقنا ...و اكن يوم السبت آنذاك يوم املرح عنده ...كنا
نقضيه ساعات بني الرايضيات و الرتبية و الفنون ...أما الفنون فاكنت تدغدغين...
تدغدغ حوايس لكها ...و تطرق أبواب قليب و عقيل و وجداين....و اكن ذلكل املعمل
عودا مجيال ..ذي صوت رخمي معيق...
12
اكنت أوىل نقراته عىل األواتر مبثابة آذان ,يدعو ال صالة غري اليت نعرفها...
يدعو شيئا جعيبا يف داخيل ...و امجليع يتلكم ..فهم ال ينصتون ...أما أان ,فشديد
الانتباه ...اكن يدير أشياء و يشد خيوطا علمت الحقا أهنا تسمى أواترا ...و اكنت
الاصوات تتغري ابسمترار ...متيل إىل الصفاء شيئا فشيئا ...يبدو أين الوحيد اذلي
الحظت ذكل ...أو أن املشهد مألوف عند البقية ...فأان مل أرى أحدمه هيمت ملا يفعل...
فقط مه يتحادثون و ال تسمع من حديهثم سوى مههمة ماجوس...
مث تلكم املعمل ...و هدا امجليع أخريا ...و اكنت أوىل األغاين اليت تعلمناها أغنية
"الشحرور" ...أو اننا مل نتعمل سواها ...و بغض النظر عن احملتوى ,أدركت أنين
أراتح كثريا للنغم ...و أطرب للعود ...و علمت الحقا – و ال أذكر كيف اكن ذكل-
قول الغزايل بأن » من مل ّ
حيركه الربي ُع وأزهاره ،والعو ُد وأواتره ،فهو فاسدُ املزاج ليس
هل عالج ... « فاكتسبت ألول مرة ثقة يف نفيس ...و حلمت ابلعود حلام منعشا
للروح...
و صار مهي الوحيد هو بلوغ يوم السبت ..و متنيت آنذاك لو اكنت يل القدرة
عىل ترسيع عقارب الساعات املنضبطة ...و حتريك دواليب الزمن املتقاعسة ...إىل
أن جاء يوم الاختبار ...و اكن الاختبار إلقاء ألغنية الشحرور ..و اكن الغناء
فرداي ...وقفت أمام مجهوري الصغري اخملتلط بثقة جعيبة ...و ملا غنيت ,قاطعين
حضك حمبط متاما اكذلي قاطع امجليع -ما عدى ايمسني الشقراء اليت تسحرمه و
تسلبين عقيل خشصيا ...فقد كنت أتبع عبري عطرها أيامن حلت -اللك يضحك ...و
13
املعمل يرصخ "مصتا ... "...واصلت مرتعشا همزتا مرجتفا ...و اكنت ثقيت يف تقيمي
معلمي الحقا ,ثقة معياء...
و للحظات ,كنت قد اسمتتعت مبرافقة العود أميا اسمتتاع ...كام لو اين حققت
أعظم أمنية عندي ...و ملا انهتيت ,اكنت املفاجأة ...مل تبدو عىل حميا أستاذي دالئل
الرضا أ عدمه ...فقد افتقر إىل اجلدية إطالقا
"أنت مشلكة كبرية...لن تصبح فناان اي ودلي"...
...
عدت خائبا و كمتت "فضيحيت" ...و أمضيت اليوم بني قن ادلجاجات و
املرعى اخلايل أتذلذ برفقة احليواانت اترة ...و طورا أجلأ إىل الوحدة ...و أداوي أملي
ابلوحدة ...و أقبل املساء ...و جلسنا حول املائدة لنتعىش...
غريب أن أحدا مل يالحظ تعكر مزايج ..و قد سبق و أن حدثت العائةل عن
حيب الفيت للعود ...و قد عهدوا فرحيت أايم السبت - ...آه نسيت !! اكن أيب يغار
غرية شديدة من معلمي و يعترب نفسه أجدر منه ابإلجعاب...و ال أعمل إلىل حد اليوم
سببا وجهيا لتكل الغرية ...-و بعد تفكري ميل ,جاء ,يف تكل الليةل ,وعد غري متوقع
منه ...وقال يف سياق الكم ":أال حتدثنا اليوم عن معلمك العظمي؟ أم أنه مل يعد
كذكل؟ امسع جيدا ...إن جتهتد وتلتحق ابلمنوذيج ,كل من عندي عود جيد"...
14
غريت لكامته لك مباديئ و أفاكري ...و نسيت الكم املعمل مراد ...و اكن
النجاح أول حتد آنذاك ..قررت أن أجتاوز الصدمة ...فقد حترك بداخيل إحساس
مجيل و أمل جليل ...و جتدد حلمي ...و عزمت عىل النجاح ..ال ليشء و إمنا
ألحصل عىل العود...
***
أوىل صدمات احلياة اليت حتدثت عهنا أيم ...تكل اليت ختريك بني النجاح
منقطع النظري ..و بني الفشل األبدي...
كذكل اكنت البداية ...فأان أؤمن بأننا نودل "جثثا حية" ...أي أمواات نتوق إىل
احلياة توقا ...نقرتب مهنا أحياان دون أن ندركها ...و نبقى يف رصاع متواصل بني
املوت و احلياة ...يف حاةل حرجة ...فتأيت تكل الصدمات الكهرابئية املؤملة ...و تضع
حدا فاصال لهذا الرصاع ...تصفع الصدور ...فإما أن ينتظم النبض ...و يعقب األمل
خصب ادلنيا ...او أن يستقمي ذاك اخلط املتواصل عىل شاشات املستشفيات ...و
ال ينفع آنذاك حنيب و ال اكتئاب...
اما أان ..فاخرتت خصب ادلنيا ...و و اخرتت أن أريم مرسايت يف هذا اجملمتع
الغريب ..إىل أن يأيت ما خيالف ذكل ...اخرتت أن أجنح ...و اخرتت أن أحصل عىل
العود ...و فعلت ذكل مبحض إ راديت ...حيهنا استقويت عىل القدر – و قد زاد شيك
15
يف قدرة القدر و لكين إىل حد تكل اللحظة كنت أمحل إمياان بوجوده ... -و بدات
التعرف عىل شبهيات أيم ...يف الاماكن اليت حتهبا أيم و تتوق إلهيا ..يف أمسيات
الشعر أين يكرث القراء و املسمتعون ...و يف املكتبات ..و يف املسارح ...و يف لك
ماكن اكن يستقبلين و عودي...
اخرتت أن أحيا كام أردت أن أحيا ...بعيدا عن سذاجة معي الطيب ...و
وقاحة معي سعيد ...جتاهلت ادلجاجات ..و ألوان الغروب التعيسة ...و رحت أحبث
يف زمحة الناس عن امجلال ...عن الطبع النادر ...و اتبعت عدة مذاهب يف احلياة...
أما املذهب األول فاكن مذهب الاستقامة ...و اختذت اإلسالم دينا ...و
رحت أصيل و أتعبد ..و أدعو هللا يف لك مصيبة تعرتضين ...و ارتبطت بنوع حمافظ
من النساء ...و بقيت كذكل أشهرا ...ترامكت فهيا الشهوات يف أعاميق ,بيامن كنت
أظهر للناس مبظهر التقي الصاحل ...مفزقين التناقض ...و رصت أنعت نفيس ابملنافق
يف جلسايت مع ذايت...
رصت حىت أشك يف وجود هللا ...و يف جدوى الصالة ..و يف معىن
اخلشوع ...و انفجرت كام تنفجر قنبةل موقوتة ...و مل أرد إيذاء من حويل إال أين
فعلت ..ليس معدا ...فهجرت تكل احملافظة اليت أحبتين حبا جام- ...يف الهناية أان ال
أندم عىل أفعايل ...ففي حهبا يشء من الشهوة و مع ذكل ال تبدهيا ...و أان مل أعد
أرىض بذكل-
16
و اخرتت أن أحصل عىل ما اشهتي ..و اتبعت مذهبا جديدا ...و هذا يسمى
–يف جممتعنا -مذهب اإلنفالت ...مفع تغري نظريت لدلنيا ,انفلت و خرجت غريزيت
عن طوع عقيل ...ووقعت يف حب منفلتة مثيل...حب طغت عليه القبالت احلارة
يف أمسيات الصيف -وقد كنا نتبادلها يف اخلالء بعيدا عن األنظار .و أذكر حني
قبض علينا يف وضعية ال أخالقية و تورطنا أميا ورطة مث اتفقنا عىل أن نكمت األمر
بعد ان فرجت ... -ووقعت يف املعايص ...أي أين عصيت عقيل كثريا و قد كنت ال
أؤمن بسلطان سوى سلطانه...
أما ان اردت سؤايل خشصيا ماذا أمسي مذهيب هذا ..فأقول كل أين أمسيه
مذهب املتعة ...فأان ال أنكر ان متعة اإلنصياع للغريزة متعة خاصة...
و بيامن اان عىل مذهيب ,إذ يرن هاتفي رنة الزلت أعهدها و أحفظها ...يف يوم
حار الزلت أحن إليه حنينا خاصا...
"الو ...ما عرفتنيش؟ ...هديل هديل"....
***
17
أذكر أين حتمست ذلكل كثريا ...فهديل صديقة استثنائية ...و يه الوحيدة
اليت ال أنظر الحنناءات جسدها نظرات خبيثة ...و يه الوحيدة اليت جعلتين اعيد
التفكري يف مذهيب آنذاك -فقد كنت اتساءل ملا ال أمسح لنفيس أن أتفحص -بعينااي
اخلبيثتني -مفاتهنا؟ و أان عىل دين الشهوة و املتعة- !!
اكنت ماكملة غريبة ...ارختت فهيا مجيع عضاليت و ضعفت جل حوايس ...متاما
كام لو أين أحادث نفيس ...و أنصت لها أكمنا انصت لصوت مألوف جدا ...خشص
يعيش يف ذاكريت و يف خميليت...
ال أذكر ان أحدا من أصدقايئ يف ادلراسة قد معد يوما للسؤال عن احوايل يف
تكل العطةل الطويةل ...و قد اكنت الفتيات تنفر مين و من نظرايت الوحشية إىل لك
األرداف اليت متر حويل ,بصفة مبالغ فهيا – ...و ال أنكر أين أهمت لتفاصيل أجسادهن
أكرث مما يفعلن-
و أدركت الحقا ان يف هديل ما جيعلها ختتلف حقا عن اللك...
اإلهامتم ...و الوفاء ...و رمبا رصاحة املشاعر...
أما اإلهامتم ,فهو ال حيدث يف جممتعنا بدون مقابل ..إال يف حاالت اندرة ...و أان
أجزم أن الكثري من الارواح العليةل حتتاج لإل هامتم غري املرشوط ,يك تتعاىف و
تشفى- ...و أيم تتقن هذا النوع من اإلهامتم كثريا-...
18
و اما الوفاء ...فهو مرتبط عادة ابلرواايت و األشعار ..ذلا فال وجود هل يف
جممتعنا إطالقا – ...وأيم استثناء يف هذا أيضا ...جتيد الوفاء كام ال جييده أبطال
الرواايت القدمية-
و خبصوص رصاحة املشاعر ..فاجملمتع هنا جممتع مكبوت ...ال ياكد الفرد يفهم
لغة نبضات قلبه – ...ولكن ايم تفعل-
واكتشفت الحقا انين أفتقر إىل لك هذا ...إىل اإلهامتم ...إىل الوفاء ...و إىل رصاحة
املشاعر ...و ثرت عىل مذهيب من جديد ...و إليك ما صدر مين يف ثوريت...
19
***
لك ما يف األمر أنين اكتشفت الكثري يف نفيس ...وجدت مرآة أكرث صالبة
لتتحمل انفعاالت رويح...
و حني يتعلق األمر هبديل ,فأان أجخل من نفيس ..و أجعز جعزا اتما عن اإلتيان
بتسلسل منطقي لللكامت ...ذلا فقد كنت اندرا ما أعرب عن ما يعرتيين من
أحاسيس ..و تأيت حلظات إلهايم حني أكون بعيدا عهنا كفاية – ...من هنا ثبت إمياين
ابلعامل العلوي املثايل ...فهمت معىن اإللهام حني يتحول إىل نوع من الويح ..شديد
الوقع عىل رويح ...و أيقنت أن "هديل" أتت من هناك ..أو عىل األقل ,قد أتت
روهحا من هناك ...-فأكتب الكما مقتضبا ...ال يصدر عين ...بل عن يشء جعيب...
*يف هذا اجلزء ,احتجت للك القوى اخلارقة للطبيعة يك أنظم اللكامت و لكين
فضلت فشال ذريع ...و لكين سأروي فامي ييل أمجل ماجاء يف حلظات ارسايئ...
و قد كتبت فامي كتبت التايل...
21
كل القصص في الغالب تتشابه ...لكن قصتي ال
تخضع للواقع ..و ال يسعها الخيال ...هل عساها تتذكر
كيف بدأت؟ أو متى ؟ "...
و جاء مما جاء يف ويح السامء التايل...
"
أتوق إلى الكتابة بشدة ...و مع ذلك فأنا ال اكتب إال
لمن أحب ...و حقيقة ان األلم ينخرني و يضعفني ،ال
تعني أنني أحتقر آالم غيري ...رصاص يخترق جسدي و
روحي في آن واحد ...و مع ذلك ،مازلت عينايا تدمع
حين تدمع عيناك ...أنت ...أيدرك العالم من أنت؟ أم أنني
وحدي أبالي!! ...أبالي لكل احساس ينتاب قلبك الرقيق...
و تتزلزل األرض تحت أقدامي ...أبالي لكل نسيم يمر
عليك ...و أبالي لكل نداء باسمك على لسان أحدهم....
24
فكيف ال أبالي حين تفقدين السيطرة على نفسك؟! ...
فلتقتنعي بحقيقة أنك اجمل ذات أبدعها هللا في كونه!!
فلتقتنعي بحقيقة أن حزنك يحزن الكون ...يحزن القمر
المتكبر ...و يحزن سمائي ...و أنت ألمع نجومها!!...
تقع روحك في المتاعب أحيانا ...و تحمل نفسك كل
الوزر ...و يخيم عليك اإلكتئاب ...أنت الجمال ...و أنا ما
رأيت في حياتي الجمال مكتئبا!! ...فلتبتهجي و لتفرحي
ألنك ،بكل بساطة ،أجمل من ان تبكي ...ألن عينيك أرق
من تغرق في الدموع ،خلقتا للنور ..للحب ...أما الدموع
فتحرق قلوب الكثيرين...
تعرفين أني اآلن أدخل في حالة من الجنون نتيجة
اآلالم ...و أني ال أنام إال باألدوية المهدئة لألعصاب ...و
أني بذلك ملعون من السماء ..و من األرض ...و محكوم
باأللم حتى الموت ...و لكني أبتسم ألن أهم جزء مني قد
نجا من مل هذا ...أنا مبتهج ألنك ..أنت ...ال تعانين كما
أعاني -حماك هللا ...-و ليس للمودة معنى غير هذا...
أنت ،يا ملهمتي و توأم روحي و رفيقة دربي ،في
أمان ...فال تزيدي آالمي إيالما!! أعني بذلك أن ال
25
تحزني ...فاألخوة التي بيننا تقتضي أن نتفق على
اشياء ...لذا فلنتفق على أن ال تحزني"
***
أيم مازالت ملهميت األوىل ...و هديل يه النسخة الضائعة عهنا ...و أان
حظيت اآلن ابالثنتني معا...
تكل الرصخة األوىل مل تكن اعتباطية ...بل اكنت نداء للك توأم روح ...و
تكل الصفحة الباهتة اليت حسبت أين ودلت عىل شالكهتا اكنت ,فقط ,مغربة بغبار
النسيان ...أما اآلن ,فهي بيضاء انصعة صافية ...متاما كصفاء رويح...
رصت اآلن عىل مذهب " احلياة" ...و تقبلهتا برمهتا ...أدركت أن الطيب و
سعيد اكان جزءا مهنا ...و أن دلجاجاتنا معىن ...و أللوان الغروب وقع عىل رويح...
لك التفاصيل اليت اكنت تزجعين أصبحت هممة يف حيايت...
26
هديل تركت ّيف لك هذا ..و رحلت دون سابق إنذار ...أما أان فابتليت ابتالء
األمل ...و مع ذكل ,فشويق إلهيا حيملين عىل الابتسام...
و متر األايم تباعا ...رصاعا لأل مل ...و أصرب كام وجب أن أصرب...
...صربا مجيال....
27