You are on page 1of 538

‫جامعة الجزائر ‪ -2-‬أبو القاسم سعد اهلل‬

‫كمية العموم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫قسم التاريخ‬

‫إمارة أرمينيا الصغرى بين السالجقة والصميبيين‬


‫‪623-463‬ه‪1226-1071/‬م‬

‫أطركحة َّ‬
‫مقدمة لنيؿ شيادة دكتكراه العمكـ في التاريخ الكسيط‬

‫إشراؼ األستاذة الدكتكرة ‪:‬‬ ‫إعداد الطالب ‪:‬‬


‫لطيفة بشارم‬ ‫محمد زرقكؽ‬

‫أعضاء لجنة المناقشة‬


‫الصفة‬ ‫الجامعة األصمية‬ ‫االسم والمقب‬
‫رئيسان‬ ‫جامعة الجزائر ‪-2-‬‬ ‫أ‪ .‬د أحمد شريفي‬
‫مقررة‬ ‫جامعة الجزائر ‪-2-‬‬ ‫أ‪ .‬د لطيفة بشارم‬
‫عضكان‬ ‫جامعة الجزائر ‪-2-‬‬ ‫أ‪ .‬د بشار قكيدر‬
‫عضكان‬ ‫جامعة الجزائر ‪-2-‬‬ ‫أ‪ .‬د عبد العزيز بككنة‬
‫عضكة‬ ‫المدرسة العميا لألساتذة‬ ‫د‪ .‬فاطمة بكعمامة‬
‫عضكان‬ ‫جامعة المدية‬ ‫د‪ .‬نكر الديف مكىكبي‬

‫السنة الجامعية ‪ 1439-1438‬ىػ ‪ 2018-2017 /‬ـ‬


‫جامعة الجزائر ‪ -2-‬أبو القاسم سعد اهلل‬

‫كمية العموم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫قسم التاريخ‬

‫إمارة أرمينيا الصغرى بين السالجقة والصميبيين‬

‫‪623-463‬ه‪1226-1071/‬م‬

‫أطركحة َّ‬
‫مقدمة لنيؿ شيادة دكتكراه العمكـ في التاريخ الكسيط‬

‫إشراؼ األستاذة الدكتكرة ‪:‬‬ ‫إعداد الطالب ‪:‬‬


‫لطيفة بشارم‬ ‫محمد زرقكؽ‬

‫أعضاء لجنة المناقشة‬


‫الصفة‬ ‫الجامعة األصمية‬ ‫االسم والمقب‬
‫رئيسان‬ ‫جامعة الجزائر ‪-2-‬‬ ‫أ‪ .‬د أحمد شريفي‬
‫مقررة‬ ‫جامعة الجزائر ‪-2-‬‬ ‫أ‪ .‬د لطيفة بشارم‬
‫عضكان‬ ‫جامعة الجزائر ‪-2-‬‬ ‫أ‪ .‬د بشار قكيدر‬
‫عضكان‬ ‫جامعة الجزائر ‪-2-‬‬ ‫أ‪ .‬د عبد العزيز بككنة‬
‫عضكة‬ ‫المدرسة العميا لألساتذة‬ ‫د‪ .‬فاطمة بكعمامة‬
‫عضكان‬ ‫جامعة المدية‬ ‫د‪ .‬نكر الديف مكىكبي‬

‫السنة الجامعية ‪ 1439-1438‬ىػ ‪ 2018-2017 /‬ـ‬


‫ْب لًلَّ ًو‬ ‫ض كىم ًمن بػع ًد ىغلىبً ًهم سيػ ٍغلًبو ىف (‪ًُ )3‬ب بً ٍ ً ً‬
‫ض ًع سن ى‬ ‫ٍ ىى ي‬ ‫كـ (‪ًُ )2‬ب أ ٍىد ىسل ٍاْل ٍىر ً ى ي ٍ ٍ ى ٍ‬ ‫الر ي‬
‫ت ُّ‬ ‫ادل (‪ )1‬غيلًب ً‬
‫ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًو‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صير ىم ٍن يى ىشاءي ىكيى ىو الٍ ىع ًز ييز‬ ‫ٍاْل ٍىمير م ٍن قىػٍب يل ىكم ٍن بىػ ٍع يد ىكيىػ ٍوىمئذ يىػ ٍفىر يح الٍ يم ٍؤمنيو ىف (‪ )4‬بًنى ٍ‬
‫ص ًر اللَّو يىػٍن ي‬
‫ف اللَّوي ىك ٍع ىدهي ىكلى ًك َّن أى ٍكثىػىر الن ً‬ ‫ً ً‬ ‫َّ ً‬
‫ف (‪(6‬‬‫َّاس ىَل يىػ ٍعلى يمو ى‬ ‫يم (‪ )5‬ىك ٍع ىد اللَّو ىَل يىبٍل ي‬ ‫الرح ي‬
‫صدؽ ا﵁ العظيم‬
‫سورة الركـ‪ ،‬اآليات ‪6-1‬‬
‫اإلٍداء‬

‫إىل شّديت اليت تكامسين سلْ احلٔاٗ ّمسٍا‬

‫ّ طاملا ّقفت ّزائٕ‬

‫ّغذعتين ّقت العطسٗ ّامللل‪.‬‬

‫إىل أّالدٖ الرًٓ اختلطت ميَه ّقتا إلجناش ٍرا البشح‬

‫حمند أمني‪ّ ،‬عبد احلفٔظ‪ّ ،‬خْل٘‪ّٓ ،‬صٓد‬


‫كلن٘ غكسّعسفاٌ‬
‫أمحد اهلل تعاىل ّأغكسِ عل‪ ٙ‬أٌ ّفكين إلجناش ٍرا البشح‪ّ ،‬أعاىين عل‪ ٙ‬إمتامُ ّأهلنين‬
‫ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫(سكرة ىكد‪ ،‬اآلية ‪.)88‬‬ ‫يب﴾‬ ‫قْٗ الصرب ّاملجابسٗ عل‪ ٙ‬حتنل مػاقُ ﴿ َك َما تَ ْكِف ِيقي إِال بِالمَّ ِو َعمَ ْي ِو تََك َّكْم ُ‬
‫ت َكِالَ ْيو أُن ُ‬
‫أقدو عظٔه غكسٖ‪ّّ ،‬افس امتياىٕ‪ّ ،‬تكدٓسٖ العظٔه‪ ،‬ألضتاذتٕ املػسف٘ األضتاذٗ‬
‫الدكتْزٗ لطٔف٘ بػازٖ‪ ،‬اليت حتنلت عياء اإلغساف عل‪ٍ ٙ‬را البشح طٔل٘ مخظ ضيْات‪ّ ،‬غذعتين‬
‫كجريا عل‪ ٙ‬مْاصلتُ‪ّ ،‬ضاٍنت يف إخسادُ إىل سٔص الْدْد‪ّ .‬أخلصت لٕ اليصٔش٘‪ّ ،‬ميشتين مً‬
‫ّقتَا الجنني‪ ،‬الػٕء الكجري‪ ،‬ملتابع٘ مجع املادٗ العلنٔ٘‪ّ ،‬تصشٔح اخلطأ‪ّ ،‬إكنال اليكص‪ّ .‬مل تبدل‬
‫علٕ حلظ٘ بيصائشَا ّتْدَٔاتَا‪ّ ،‬التذاّب مع املْضْع‪ّ ،‬اضتكباهلا لٕ‪ّ ،‬ترلٔل الصعاب‪،‬‬
‫ّالسد عل‪ ٙ‬االتصاالت اهلاتفٔ٘‪ ،‬يف كل ّقت‪ّ .‬إىُ ملً دّاعٕ فدسٖ ّاعتصاشٖ بأٌ ٓكٌْ إمسَا‬
‫مططسا عل‪ ٙ‬غالف زضاليت‪.‬‬
‫ّال أىط‪ ٙ‬فضل أضتاذٖ اجللٔل‪ ،‬األضتاذ الدكتْز أمحد غسٓفٕ‪ ،‬الرٖ كاٌ لُ أثس كبري يف‬
‫اختٔازٖ ٍرا التدصص‪ّ ،‬لطاملا غذعين عل‪ ٙ‬مْاصل٘ البشح‪ّ ،‬بح زّح الطنأىٔي٘ ّالجك٘ يف‬
‫ىفطٕ‪ .‬لكد كاٌ مبجاب٘ أخٕ األكرب‪.‬‬
‫كنا أغكس‪ّ ،‬أخص بالركس الطٔب‪ ،‬األضتاذًٓ الفاضلني ‪ :‬األضتاذ الدكتْز حمند بً عنريٗ‬
‫الرٖ علنين أجبدٓات امليَر العلنٕ‪ّ ،‬األضتاذ الدكتْز بػاز قْٓدز الرٖ افتدس بأٌ تتلنرت عل‪ٙ‬‬
‫ٓدِ‪ّ ،‬ىَلت مً ميبعُ أسداخ التازٓذ اإلضالمٕ‪.‬‬
‫أغكس شمٔلٕ سطً بْغدّب‪ ،‬أضتاذ األدب العسبٕ‪ ،‬عل‪ ٙ‬ما قدمُ لٕ مً مطاعدٗ إلجناش ٍرا‬
‫البشح‪ّ .‬زفٔكٕ يف الطفس الدكتْز أمحد دالٓلٕ‪ ،‬الرٖ شّدىٕ بكجري مً املسادع‪ّ ،‬ظل ّزائٕ ست‪ٙ‬‬
‫إمتاو البشح‪.‬‬
‫ّال ٓفْتين أٌ أّدُ غكسٖ إىل األضتاذًٓ الدكتْز دٌْ كلْد غٔئُ مً دامع٘ الطسبٌْ‬
‫ببازٓظ‪ّ ،‬الدكتْز درياز دٓدٓاٌ مً دامع٘ ميتبلُٔٔ‪ّ ،‬دْزز كْٔزتصٓاٌ الباسح ّالكائه بػؤٌّ‬
‫املكئ٘ البٔصىطٔ٘ يف بازٓظ‪ّ ،‬كل مً قدو لٕ ٓد املطاعدٗ مً قسٓب أّ مً بعٔد‪.‬‬
‫ّال أضتطٔع أٌ أداشَٓه عل‪ ٙ‬معسّفَه‪ّ ،‬لكً أدعْ العلٕ الكدٓس بكل أمسائُ احلطي‪ ،ٙ‬أٌ‬
‫جيصل هله الجْاب يف الدىٔا ّاآلخسٗ‪ّ ،‬أٌ ٓيفع بعلنَه ّفضلَه‪ّ ،‬أٌ جيعل عنلَه ٍرا ذخسا لْٔو‬
‫ال ٓيػع فُٔ مال ّال بيٌْ‪ .‬آمني‪.‬‬
‫المحتويات‬
‫‪11‬‬ ‫‪..............................................................................................................................................................‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪34................................................................‬‬ ‫الفصل األول‬
‫بالد األرمن قبل القرن الخامس الهجري‪/‬الحادي عشر الميالدي‬

‫اإلطار الجغرافي لبالد األرمن ‪36 ...................... ................................ ................................ ................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ا – أرمينيا الكبرل ‪36 ............................................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬أرمينيا الصغرل ‪39 .......................................... ................................ ................................ ................................‬‬

‫تطور قيميقيا قبل القرن الخامس الهجري‪/‬الحادي عشر الميالدي ‪51 ................................ ................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أ – قيميقيا قبؿ الفتح اإلسالمي ‪51 ............................. ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬الفتكحات االسالمية في قيميقيا ‪53 ..................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ج ‪ -‬عكدة البيزنطييف إلى قيميقيا ‪62 .......................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫د ‪ -‬التكسع البيزنطي في أرمينيا الكبرل ‪76 ................ ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪90................................................................‬‬ ‫الفصل الثاني‬


‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬

‫تعريؼ السالجقة ‪93 ....................................... ................................ ................................ ................................‬‬ ‫‪-1‬‬


‫أ – أصؿ السالجقة ‪93 ............................................. ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب – خركج السالجقة مف تركستاف ‪97 ....................... ................................ ................................ ................................‬‬

‫عالقة السالجقة بالقوى اإلسالمية في المشرؽ ‪102 ........................ ................................ ................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أ – عالقة السالجقة بالخالفة العباسية ‪102 ............................................... ................................ ................................‬‬
‫ب – عالقة السالجقة بالدكلة الفاطمية ‪105 ............................................... ................................ ................................‬‬

‫التوسع السمجوقي في أرمينيا الكبرى ‪109 ........................................ ................................ ................................‬‬ ‫‪-3‬‬


‫أ – فتكحات طغرؿ بؾ ‪112 ...................................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب – فتكحات ألب أرسالف ‪118 ................................ ................................ ................................ ................................‬‬

‫معركة منازكرد سنة ‪463‬هػ‪1071/‬م وأثرها عمى األرمن ‪125 ........................................... ................................‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أ – استعدادات اإلمبراطكر ركمانكس الرابع ‪129 ........................................ ................................ ................................‬‬
‫ب – استعدادات السمطاف ألب أرسالف ‪133 ............................................... ................................ ................................‬‬
‫ج – اندالع المعركة كانعكاساتيا ‪135 ........................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫د – عكامؿ انيزاـ البيزنطييف ‪140 ............................. ................................ ................................ ................................‬‬
‫ق – انعكاسات معركة منازكرد عمى األرمف ‪143 ....................................... ................................ ................................‬‬

‫‪4‬‬
‫‪146...........................................................‬‬ ‫الفصل الثالث‬
‫األرمن بين معركة منازكرد والحممة الصميبية األولى‬

‫تأسيس سمطنة سالجقة الروم في نيقية (‪474‬ه‪1081/‬م) ‪150 ..................................... ................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أ – العكامؿ المساعدة عمى قياـ السمطنة ‪152 ............................................ ................................ ................................‬‬
‫ب – دكر سميماف بف قتممش في تأسيس السمطنة ‪154 ............................... ................................ ................................‬‬
‫ج – دكر قمج أرسالف بف سميماف في بعث السمطنة ‪158 ............................ ................................ ................................‬‬

‫الهجرة األرمينية ‪160 ...................................... ................................ ................................ ................................‬‬ ‫‪-2‬‬


‫ا – سياسة األرمنة في قيميقيا ‪160 ............................. ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬مكقؼ البيزنطييف مف األرمف في قيميقيا ‪165 ..................................... ................................ ................................‬‬

‫‪ – 3‬تأسيس أول دولة أرمينية في قيميقيا (‪483-465‬ه‪1090-1072/‬م) ‪167 ....................... ................................‬‬


‫أ ‪ -‬فيالريت براخاميكس ‪167 .................................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬تمرد فيالريت عمى االمبراطكرية البيزنطية ‪169 ................................. ................................ ................................‬‬
‫ج ‪ -‬فيالريت المدجف ‪177 ....................................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫د ‪ -‬فيالريت بيف بني عقيؿ كسالجقة الركـ ‪178 ....................................... ................................ ................................‬‬
‫ق‪ -‬فيالريت في مكاجية ممكشاه ‪183 ........................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫ك ‪ -‬فالريت في المصادر األرمينية كالسريانية ‪187 .................................... ................................ ................................‬‬

‫‪ – 4‬تأسيس إمارة بني روبين في قيميقيا ‪190 .............................................. ................................ ................................‬‬


‫أ ‪ -‬بركز آؿ ركبف كآؿ ىيثكـ ‪190 ........................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬ركبيف األكؿ )‪192 .............................. ................................ ................................ )1095-1080( (Roubên I‬‬

‫‪196...........................................................‬‬ ‫الفصل الرابع‬


‫بدايات التعاون األرميني الصميبي‬

‫جذور الحروب الصميبية ‪201 .......................... ................................ ................................ ................................‬‬ ‫‪-1‬‬


‫أ‪ -‬حركب البيزنطييف ضد الفرس ‪201 ....................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب‪ -‬حركب البيزنطييف ضد المسمميف ‪203 ................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫ج‪ -‬دخكؿ السالجقة إلى الشاـ ‪207 .......................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫د‪ -‬الدعكة إلى الحرب الصميبية ‪211 ......................... ................................ ................................ ................................‬‬

‫دور األرمن في الدعوة لمحرب الصميبية ‪214 ................................... ................................ ................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أ‪ -‬سفارة الجثميؽ جريجكر الثاني فيكاياسر ‪216 ......................................... ................................ ................................‬‬
‫ب‪ -‬جريجكر الثاني في القسطنطينية ‪219 ................. ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪5‬‬
‫ج – جريجكر الثاني في ركما ‪220 ........................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫د‪ -‬جريجكر الثاني في القاىرة ‪226 ............................ ................................ ................................ ................................‬‬

‫الصميبيون في آسيا الصغرى ‪232 ................... ................................ ................................ ................................‬‬ ‫‪-3‬‬


‫أ‪ -‬نيقية أكؿ امتحاف لمصميبييف ‪235 ......................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب– اتصاؿ الصميبييف باألرمف ‪243 .......................... ................................ ................................ ................................‬‬

‫في الطريؽ إلى أنطاكية ‪247 ........................... ................................ ................................ ................................‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أ – األرمف في طرسكس ‪248 ................................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب – األرمف في أذنة ‪250 ........................................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫ج – األرمف في المصيصة ‪251 ............................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫د – األرمف في مرعش ‪252 ...................................... ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪256...........................................................‬‬ ‫الفصل الخامس‬


‫من التعاون إلى المواجهة‬

‫ثوروس في مدينة الرها ‪261 ........................... ................................ ................................ ................................‬‬ ‫‪-1‬‬


‫أ ‪ -‬ثكركس يستنجد ببمدكيف ‪262 .............................. ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬بمدكيف ينقمب عمى ثكركس ‪265 ....................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ج ‪ -‬سياسة بمدكيف تجاه األرمف في الرىا ‪273 ........................................... ................................ ................................‬‬

‫دور األرمن في سقوط مدينة أنطاكية ‪276 ....................................... ................................ ................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أ – تقديـ المؤف كالمساعدة لمصميبييف ‪278 ................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب – خيانة فيركز األرميني لممسمميف ‪282 ................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫ج – اجياز األرمف عمى ياغي سياف ‪285 ................. ................................ ................................ ................................‬‬

‫كوغ فاسيل )‪ (Kogh Vasil‬في كيسوم )‪287 ..................... ................................ ................................ (Kaisoun‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أ ‪ -‬عالقة ككغ فاسيؿ بالصميبييف ‪291 ...................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬سياسة تانكرد تجاه األرمف ‪296 ........................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫ج ‪ -‬سياسة بمدكيف دك بكر تجاه األرمف ‪299 ............................................ ................................ ................................‬‬
‫د ‪ -‬سقكط إمارة ككغ فاسيؿ ‪303 .............................. ................................ ................................ ................................‬‬

‫جبريل في ممطية ‪307 ..................................... ................................ ................................ ................................‬‬ ‫‪-4‬‬


‫أ ‪ -‬ممطية في مكاجية الدانشمند ‪308 ........................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬سقكط إمارة ممطية ‪315 ................................... ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪6‬‬
‫‪314................................................................‬‬ ‫الفصل السادس‬
‫ثبات آل روبين في قيميقيا‬

‫‪ - 1‬قسطنطين األول بن روبين (‪494-488‬ه‪1100-1095/‬م) ‪320 ..................................... ................................‬‬


‫أ – تكسيع حدكد اإلمارة ‪320 .................................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬مساعدة قسطنطيف لمصميبييف ‪324 ................... ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪ - 2‬ثوروس األول بن قسطنطين (‪524/494‬ه‪1129-1100/‬م) ‪327 .................................... ................................‬‬


‫أ ‪ -‬عالقتو بالسالجقة ‪329 ....................................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬دكر ثكركس األكؿ في الحرب األىمية بيف السالجقة ‪334 ................... ................................ ................................‬‬
‫ج – عالقتو بالصميبييف ‪338 .................................... ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪ - 3‬ليون األول (‪532-524‬ه‪1137-1129/‬م) ‪347 ............................ ................................ ................................‬‬


‫أ ‪ -‬الحرب بيف ليكف األكؿ كالصميبييف ‪348 .............................................. ................................ ................................‬‬
‫ب – قضاء االمبراطكر يكحنا ككمنيف عمى إمارة أرمينيا الصغرل (‪1137‬ـ) ‪357 ........................ ................................‬‬

‫‪ - 4‬ثوروس الثاني بن ليون األول (‪563-539‬ه‪367 .................................. ................................ )1168-1145/‬‬


‫أ – إحياء اإلمارة ‪368 .............................................. ................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬الحرب بالككالة ‪377 ........................................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫ج ‪ -‬التحالؼ األرميني الصميبي ضد نكر الديف زنكي ‪383 ........................ ................................ ................................‬‬
‫د – االمبراطكر مانكيؿ ككمنيف في قيميقيا ‪386 .......................................... ................................ ................................‬‬
‫ق – ثكركس في معركة حارـ ‪390 ............................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫ك‪ -‬مشركع مستكطنة أرمينية في فمسطيف ‪392 ........................................... ................................ ................................‬‬

‫‪ - 5‬مميح بن ليون األول (‪569-566‬ه‪1174-1170/‬م) ‪393 ............................................... ................................‬‬


‫أ – التحالؼ مع نكر الديف محمكد زنكي ‪394 ............................................ ................................ ................................‬‬
‫ب – محاربة مميح الصميبييف كالبزنطييف ‪400 ............................................ ................................ ................................‬‬

‫‪401................................................................‬‬ ‫الفصل السابع‬


‫من إمارة إلى مممكة‬

‫‪ - 1‬روبين الثالث بن ستيفان (‪583-570‬ه‪1187-1175/‬م) ‪409 ........................................ ................................‬‬


‫أ – ىجكـ صالح الديف األيكبي عمى أرمينيا الصغرل ‪410 ........................ ................................ ................................‬‬
‫ب – الحرب بيف أرمينيا الصغرل كامارة أنطاكية ‪412 ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪ - 2‬ليون الثاني (‪616-583‬ه‪1219-1187/‬م) ‪414 ............................ ................................ ................................‬‬


‫أ – بيف صالح الديف األيكبي كليكف الثاني ‪415 ........................................ ................................ ................................‬‬
‫ب ‪ -‬ليكف الثاني كالحممة الصميبية الثالثة (‪585‬ق‪1189/‬ـ) ‪418 .............................................. ................................‬‬

‫‪7‬‬
‫ج – التكسع عمى حساب المسمميف ‪422 .................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫د ‪ -‬السعي لمحصكؿ عمى التاج الممكي ‪424 ............................................. ................................ ................................‬‬

‫‪ – 3‬مالمح التحوالت الدينية والثقافية في أرمينيا الصغرى ‪431 ..................... ................................ ................................‬‬
‫أ ‪ -‬الكنيسة األرمينية بيف التسامح االسالمي كالتعصب المذىبي المسيحي ‪432 ........................... ................................‬‬
‫ب ‪ -‬عالقة الكنيسة األرمينية بالكنيسة الكاثكليكية ‪442 .............................. ................................ ................................‬‬
‫ج ‪ -‬المؤثرات االجتماعية كالثقافية ‪448 .................... ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪454‬‬ ‫‪..............................................................................................................................................................‬‬ ‫خاتمة‬


‫‪459‬‬ ‫‪....................................................... ...................................................................................................‬‬ ‫المالحؽ‬
‫‪460‬‬ ‫‪.............................................................................................................................................‬‬ ‫الوثائؽ‬
‫‪479‬‬ ‫‪...........................................................................................................................‬‬ ‫السالطين واألمراء‬
‫‪482‬‬ ‫‪.................................................................... ..........................................................................‬‬ ‫الخرائط‬
‫‪488‬‬ ‫‪............................................................... ...............................................................................‬‬ ‫الصور‬
‫‪492‬‬ ‫‪...............................................................................................................................‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫فهرس األعالم ‪520 .................. ................................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫فهرس األماكن والبمدان ‪527 .................................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫‪536‬‬ ‫‪....................................................................... ..................................................................................‬‬ ‫الممخص‬

‫‪8‬‬
‫أىم االختصارات‬
Crus. Enc. The Crusades An Encyclopedia

ds. dans

éd. Edition

Enc. Isl. The Encyclopaedia of Islam

fasc. Fascicule

H.P. Arm. Histoire du Peuple Arménien

R.E. Arm. Revue des Etudes Arméniennes

R.E. Byz. Revue des Etudes Byzantines.

R.H.C.D. Arm. Recueil des Historiens des Croisades


Documents Arméniens

R.O. Chr. Revue de l'Orient Chrétien

S.B.S. Studies in Byzantine Sigillography

01
‫مكدم٘‬
‫مقدمة‬
‫إف الباحث الذم يريد دراسة تاريخ سالجقة الركـ ُب آسيا الصغرل‪ ،‬أك اغبركب الصليبية ُب‬
‫اؼبشرؽ اَلسالمي‪ ،‬خاصة اغبملة الصليبية اْلكذل‪ ،‬هبد نفسو ملزما بالتعرض إذل تاريخ أرمينيا‬
‫الصغرل‪ ،‬تلك الدكلة الٍب نشأت ُب إقليم الثغور أك الدركب –على حد تعبّب اعبغرافيْب كاؼبؤرخْب‬
‫اؼبسلمْب‪ -‬الواقع ُب الركن اعبنويب الشرقي من آسيا الصغرل‪ ،‬بْب جباؿ طوركس كالبحر اؼبتوسط‪.‬‬
‫كىو اَلقليم الذم يعرؼ ُب اؼبصادر الالتينية كاَلغريقية باسم قيليقيا‪ .‬لقد ىرع إليو عدد كبّب من‬
‫اْلرمن عقب معركة منازكرد ُب سنة ‪463‬ق‪1071/‬ـ‪ .‬كأسسوا فيو أكؿ دكلة أرمينية جديدة ُب‬
‫اؼبنفى‪ .‬كرغم أهنا دل تكن إمرباطورية شاسعة مَبامية اْلطراؼ‪ ،‬كدل تكن سبلك جيشا عرمرما يثّب الرعب‬
‫ُب العادل‪ ،‬فإهنا استطاعت الصمود مدة ثالثة قركف كسط عواصف سياسية كعسكرية ىوجاء مدمرة‪،‬‬
‫كتيارات حضارية متناقضة‪ ،‬كظلت طيلة كجودىا‪ ،‬تشكل شوكة ُب حلق اإلمارات كالدكؿ اإلسالمية‬
‫اؼبعاصرة ؽبا‪.‬‬
‫كاشتهر اْلرمن عرب تارىبهم الطويل بالقدرة على التكيف كالتأقلم مع اؼبتغّبات اَلقليمية‬
‫كالدكلية‪ ،‬بل كتوظيفها للحفاظ على كجودىم كسط اَلمرباطوريات الٍب ربيط ّٔم‪ ،‬فبا مكنهم من‬
‫اَلحتفاظ ّٔويتهم‪ ،‬كعدـ اَلنصهار ُب القوميات كاغبضارات الٍب خضعت ؽبا بالدىم‪ .‬كيعود ذلك‬
‫أساسان إذل فطنة كدىاء ملوكهم كأمرائهم‪ ،‬الذين كانوا يعملوف كفق اؼببدأ القائل "َل يوجد أصدقاء‬
‫دائموف‪ ،‬كَل أعداء دائموف‪ ،‬كلكن توجد مصاحل دائمة"‪ .‬كلذلك تأرجحت عالقة أرمينيا الصغرل‬
‫بكل القول آّاكرة ؽبا‪ ،‬إسالمية كمسيحية‪ ،‬بْب الصفاء كالعداء‪ ،‬كفقا ؼبقتضيات الظركؼ كاْلحواؿ‬
‫السياسية كالعسكرية‪.‬‬
‫كتتضح معادل ىذه السياسة أكثر خالؿ فَبة اغبركب الصليبية‪ ،‬أك ما يسمى بػ "اغبج اؼبسلح"‬
‫كبو البالد اؼبقدسة‪ .‬إذ غدت أراضي إمارة أرمينيا الصغرل معربا رئيسا‪ ،‬للجيوش الصليبية الٍب خرجت‬
‫من أكربا الغربية ّٔدؼ الغزك‪ ،‬كإقامة مستوطنات مسيحية صليبية ُب بالد الشاـ‪ ،‬مستفيدة من الصراع‬
‫اؼبذىيب الذم قسم العادل اإلسالمي إذل معسكرين متناحرين‪ ،‬أحدنبا سِب بقيادة اػبالفة العباسية‬
‫كاآلخر شيعي بقيادة الدكلة الفاطمية‪ .‬فضال عن داء التشتت كاَلنقساـ الذم ضرب اؼبسلمْب مشرقا‬
‫كم ػغ ػرب ػا‪ .‬كل ػم ي ػق ػت ػص ػر دكر اْلرم ػن ُب ال ػحركب الصليبية على تقدصل اؼبساعدات كاؼبرشدين للفرقبة‬
‫أثناء ع ػب ػورى ػم دركب ج ػب ػاؿ ط ػوركس‪ ،‬ب ػل ك ػان ػوا س ػب ػاق ػي ػن ف ػي ال ػدع ػوة إل ػى ى ػذه ال ػح ػرب ق ػب ػل‬
‫ان ػع ػق ػاد مؤسبر ك ػل ػي ػرم ػون ػت‪ .‬ح ػي ػث ت ػوج ػو رئ ػي ػس ال ػك ػن ػي ػس ػة اْلرم ػي ػن ػي ػة ج ػري ػج ػور ال ػث ػاشل‬

‫‪00‬‬
‫مقدمة‬
‫(‪1105-1065( Catholicos Grigor II‬م))‪ ،‬على رأس سفارة بيزنطية إذل ركما‪ ،‬كالتقى فيها‬
‫برئيس الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬البابا جرهبوار السابع )‪ ،((1085-1073) Grégoire VII‬كربدث‬
‫معو عن اْلكضاع ُب أرمينيا‪ ،‬كُب اَلمرباطورية البيزنطية بعد معركة منازكرد‪ ،‬كأف الزحف اَلسالمي‬
‫الذم يقوده اْلتراؾ السالجقة قد أصبح قاب قوسْب أك أدسل من القسطنطينية‪ ،‬البوابة الشرقية لقارة‬
‫أكربا‪ .‬كلذلك اعترب اؼبؤرخ الفرنسي ركشل جركسيو )‪ ،(René Grousset‬أف اهنزاـ اَلمرباطورية‬
‫البيزنطية ُب معركة منازكرد سنة ‪463‬ق‪1071/‬ـ‪ ،‬تسبب ُب اندَلع اغبركب الصليبية‪ ،‬حيث قاؿ ‪:‬‬
‫‪"L'année 1071 appelle 1095".‬‬
‫كابتهج اْلرمن حبلوؿ الصليبيْب ُب آسيا الصغرل‪ .‬فقدموا ؽبم كل ما وبتاجونو من مؤكنة‬
‫كاستشارة‪ .‬كرأكا فيهم شعاع اْلمل الذم يومض بْب دياجّب اػبوؼ من التهديد الَبكي‪ ،‬باعتبارىم‬
‫خصما من خصوـ البيزنطيْب كاؼبسلمْب على حد سواء‪ .‬كبعد أف استقر الفرقبة ُب بالد الشاـ‪،‬‬
‫كأسسوا فيها إماراهتم الصليبية‪ ،‬اكتشف اْلرمن الوجو اغبقيقي للصليبيْب‪ ،‬الذين أرادكا التوسع على‬
‫حساب اإلمارات اْلرمينية الصغّبة ُب إقليمي الفرات كقيليقيا‪ ،‬كتأكد ؽبم عمليا أهنم دل يأتوا إذل‬
‫الشرؽ إلنقاذ اؼبسيحيْب من اضطهاد السالجقة كاؼبسلمْب ؽبم‪ ،‬بل جاؤكا لتحقيق مصاحل كأطماع‬
‫شخصية‪ .‬كأهنم غّب مستعدين للتعاكف من أجل مصلحة العادل اؼبسيحي‪ .‬كَل يتورعوف عن اغتناـ أية‬
‫اض جديدة كإغباقها بإماراهتم‪ ،‬كلو على حساب اؼبسيحيْب الشرقيْب الذين ىم ُب نظر‬ ‫فرصة لضم أر و‬
‫الصليبيْب ىراطقة‪ .‬كأدرؾ اْلرمن بعد فوات اْلكاف‪ ،‬أهنم كقعوا بْب شقي الرحى‪ .‬كرغم اػبالفات‬
‫كالنزاعات الٍب كقعت بينهم كبْب الصليبيْب‪ ،‬فقد كاصلوا دعمهم لإلمارات الصليبية؛ ْلهنم أحسوا‬
‫بوحدة اؼبصّب ككحدة اْلخطار الٍب تتهددىم صبيعا‪ ،‬كأدركوا أف بقاء إمارهتم ُب أعارل جباؿ طوركس‪،‬‬
‫منوط باستمرار الوجود الصلييب ُب بالد الشاـ‪.‬‬
‫كقد أثار ىذ اؼبوضوع اىتماماٌب البحثية‪ ،‬كاستهواشل كثّبا‪ ،‬ؼبا كنت بصدد ربضّب مذكرة‬
‫اؼباجستّب‪ ،‬الٍب كاف موضوعها "فبلكة أرمينيا الصغرل بْب اؼبغوؿ كاؼبماليك"‪ ،‬بإشراؼ اْلستاذة‬
‫الدكتورة لطيفة بشارم‪ ،‬اْلمر الذم جعلِب أتعرض لو ّٔذا البحث الذم يتناكؿ صفحة من صفحات‬
‫تاريخ أرمينيا الصغرل‪ُ ،‬ب غبظة حرجة من تاريخ اْلمة اإلسالمية‪ .‬كىي حقبة اغبركب الصليبية الٍب‬
‫امتدت على مدل القرنْب السادس كالسابع اؽبجريْب‪/‬الثاشل عشر كالثالث عشر اؼبيالديْب‪ .‬كقد‬
‫حاكلت‪ ،‬تسليط الضوء على أىم نقاط التقاطع ُب الصراع بْب اْلرمن كالسالجقة كالصليبيْب‪ ،‬لفهم‬
‫الدكر الذم قاموا بو ُب عالقتهم باؼبسلمْب‪ ،‬خالؿ مرحلة حساسة من التاريخ اَلسالمي‪ .‬كليس من‬
‫‪01‬‬
‫مقدمة‬
‫اىتمامات ىذا البحث دراسة أكضاع كل الشعوب الٍب جاكرت إمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كالسالجقة‬
‫العظاـ‪ ،‬كاْلراتقة‪ ،‬كالبيزنطيْب‪ ،‬كاْليوبيْب‪ ،‬إَل دبا يتصل باؼبوضوع‪ .‬كلذلك أصبلت اْلحداث أحيانا‪،‬‬
‫كفصلتها أحيانا أخرل‪ ،‬حسب متطلبات اؼبوضوع‪ ،‬كتوقفت عند أبرز اْلحداث الٍب صنعت تاريخ‬
‫أرمينيا الصغرل‪.‬‬
‫كقد جاء ىذا البحث بعنواف ‪" :‬إمارة أرمينيا الصغرل بْب السالجقة كالصليبيْب (‪-463‬‬
‫‪623‬ق‪1226-1071/‬ـ)"‪ ،‬كقد اخَبت سنة ‪463‬ق‪1071/‬ـ‪ ،‬بداية لو؛ ْلهنا تعترب من‬
‫السنوات اؼبفصلية ُب تاريخ العصور الوسطى‪ ،‬ففيها كقعت معركة منازكرد الشهّبة‪ ،‬بْب السالجقة‬
‫كالبيزنطيْب على أرض أرمينيا‪ ،‬كنتج عنها عدة ربوَلت إقليمية كدكلية‪ ،‬فضال عن نزكح اْلرمن بأعداد‬
‫ىائلة من موطنهم اْلصلي كبو كبادككيا كقيليقيا‪ ،‬كىناؾ أسسوا كطنا بديال ؽبم‪ .‬أما سنة‬
‫‪623‬ق‪1226/‬ـ‪ ،‬الٍب توقف عندىا البحث‪ ،‬فهي سبثل هناية ساللة آؿ ركبْب كبداية ساللة آؿ‬
‫ىيثوـ ُب تورل شؤكف فبلكة أرمينيا الصغرل‪ ،‬حيث توَب اؼبلك ليوف اْلكؿ ُب سنة ‪616‬ق‪1219/‬ـ‪،‬‬
‫كدل يكن لو ابن يرثو‪ ،‬فانتقل التاج ُب سنة ‪623‬ق‪1226/‬ـ‪ ،‬إذل اؼبلك ىيثوـ اْلكؿ الذم غّب معادل‬
‫السياسة اػبارجية ؼبملكة أرمينيا الصغرل‪ ،‬بإحالؿ التحالف مع اؼبغوؿ ؿبل التحالف مع الصليبيْب‪.‬‬
‫إشكالية البحث‬
‫وباكؿ البحث اغبصوؿ على إجابات ْلسئلة ذات صلة بدكر إمارة أرمينيا الالفت لالنتباه‪ُ ،‬ب‬
‫بعض اغبمالت الصليبية‪ ،‬كمن بينها ‪:‬‬
‫ؼباذا نشأت إمارة أرمينيا الصغرل ُب إقليم قيليقا بالذات ؟ كلسيادة من كاف ىبضع‬ ‫‪-‬‬
‫ىذا اإلقليم قبل أف تطأه أقداـ اْلرمن ؟‬
‫ىل بدأ نزكح اْلرمن كبو قيليقيا قبل معركة منازكرد أـ بعدىا ؟ كىل كاف التهديد‬ ‫‪-‬‬
‫السلجوقي آلسيا الصغرل سببا ساىم ُب ىجرة اْلرمن إذل قيليقيا ؟ كىل كاف ؽبذا اَلقليم‬
‫من اْلنبية عند اغبكاـ اؼبسلمْب كاْلباطرة البيزنطيْب‪ ،‬ما جعلو ؿبل صراع بينهم ؟‬
‫كيف قبح اْلرمن ُب تأسيس ىذه اإلمارة ؟ كما ىي الظركؼ الٍب ساعدهتم على‬ ‫‪-‬‬
‫ذلك ؟ ككيف تعامل السالجقة معها ؟ كخاصة سالجقة الركـ ؟‬

‫‪02‬‬
‫مقدمة‬
‫‪ -‬ما سر ارتباط تاريخ أرمينيا الصغرل بالصليبيْب ؟ ىل كاف ذلك لدكافع دينية أـ لدكافع‬
‫سياسية ؟ كىل كاف السالجقة فعال يثّبكف الرعب ُب قلوب اؼبسيحيْب إذل درجة الدعوة‬
‫إذل ضبلة صليبية ؟‬
‫كيف تطورت العالقة اْلرمينية الصليبية خالؿ القرف الثاشل عشر اؼبيالدم ؟ ىل‬ ‫‪-‬‬
‫كانت كلها كدان كصفاءن أـ زبللتها نزاعات كحركب ؟ أدل يكن للخالؼ اؼبذىيب أثر على‬
‫تلك العالقات ؟‬
‫ما ىو موقع الكنيسة اْلرمينية من تلك اْلحداث ؟ ىل تأثرت بتلك الوقائع أـ أثرت‬ ‫‪-‬‬
‫فيها ؟‬
‫ىل كانت أكضاع اْلرمن أفضل ُب ظل اغبكم الصلييب أـ خالؿ العصور اَلسالمية ؟‬ ‫‪-‬‬
‫ما ىو أثر تلك اْلحداث ُب اغبجاج اْلرميِب الَبكي الذم هبرم اليوـ ؟‬ ‫‪-‬‬

‫أسباب اختيار الموضوع ‪:‬‬

‫أما عن أسباب اختيارم ؽبذا اؼبوضوع فتعود لثالثة عوامل ىي ‪:‬‬


‫اْلكؿ ‪ :‬توجيهات أستاذم الفاضل‪ ،‬اْلستاذ الدكتور أضبد شريفي الذم ترؾ بصماتو كاضحة‬
‫على توجهاتنا ُب الدراسات العليا‪ ،‬حينما لفت انتباىنا بأسلوبو الشيق ُب السنة اْلكذل ماجستّب‪ ،‬إذل‬
‫ؾبموعة من اؼبواضيع كانت حكرا على اؼبستشرقْب كاعبامعات اْلكربية‪ ،‬كؾبهولة كغّب مطركقة ُب‬
‫اعبامعات اعبزائرية‪ ،‬كىي تتعلق بتاريخ قارة آسيا كعالقتها بالعادل اإلسالمي‪ .‬كُب الواقع دل أكن أميل‬
‫إذل الدراسات اآلسيوية‪ ،‬كدل أكن أملك من اؼبعلومات ما يؤىلِب إلقباز حبوث ُب تاريخ شعوب آسيا‪،‬‬
‫بل كنت شغوفا بتاريخ صدر اإلسالـ‪ ،‬كبتاريخ اؼبغرب اإلسالمي‪ .‬غّب أف تشجيعات اْلستاذ على‬
‫خوض غمار ىذه التجربة العلمية الٍب تعد من الدراسات النادرة ُب الوطن العريب‪ ،‬جعلتِب أقبل عليها‬
‫كأربمس ؽبا‪ ،‬بل كأجد متعة ُب سرب أغوارىا رغم صعوبتها‪ ،‬جزاه ا﵁ عِب خّبا‪.‬‬
‫الثاشل ‪ :‬تشجيعات اْلستاذة الدكتورة لطيفة بشارم زكجة بن عمّبة‪ ،‬الٍب شرفتِب بإشرافها‬
‫على ىذا اؼبوضوع‪ ،‬إذ دبجرد أف اقَبحتو عليها‪ ،‬كضحت رل بعض زكاياه الغامضة‪ ،‬ككاف رأيها أف‬
‫استمر ُب ىذا البحث‪ ،‬كنبهتِب منذ بداية العمل أنو موضوع شائك‪ ،‬كصعب‪ ،‬كَل بد من التحلي‬

‫‪03‬‬
‫مقدمة‬
‫بالصرب‪ .‬كما شجعتِب على ضركرة القياـ برحالت علمية إذل تركيا كفرنسا عبمع اؼبادة العلمية‪ .‬كَل‬
‫أنسى ما قدمتو رل من دعم طيلة طبس سنوات ىي عمر ىذه الدراسة‪ .‬جزاىا ا﵁ تعاذل عِب خّب‬
‫اعبزاء‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ندرة الدراسات العربية اْلكاديبية اؼبتخصصة ُب تاريخ أرمينيا الصغرل‪ ،‬كما كتب ُب‬
‫الوطن العريب حديثا يتعلق بتاريخ أرمينيا الكربل فقط‪ ،‬ؾبرد كتيبات قليلة تعد على أصابع اليدين‪،‬‬
‫بعضها يفتقد إذل الصفة العلمية‪ .‬أما عن تاريخ أرمينيا الصغرل‪ ،‬فتكاد الدراسات تكوف فيو منعدمة‬
‫باستثناء دراستْب سنتعرض ؽبما َلحقا‪.‬‬
‫كعلى العكس من ذلك فقد تصدل للكتابة ُب ىذا اؼبوضوع عدد من اؼبؤرخْب كالباحثْب‬
‫بلغات ـبتلفة‪ ،‬أكثرىم كتبوا باللغة الفرنسية‪ ،‬فبا أدل إذل تبلور مدرسة فرنسية تربعت على عرش ىذه‬
‫الدراسات‪ ،‬فربز فيها يوسف لورانت )‪ ،(Joseph Laurent‬كركنيو جركسيو )‪،(René Grousset‬‬
‫كإدكار ديلورييو )‪ ،(Edouard Dulaurier‬كجوف كلود شينيو )‪،(Cheynet Jean-Claude‬‬
‫كجّبار ديدياف )‪ ،(Dédéyan Gérard‬ككلود موتافياف )‪،(Claude Mutafian‬‬
‫كباسدرماجياف ‪ (Pasdermadjian) H.‬كآخركف كثّبكف‪ .‬كنظرا َلىتماـ الباحثْب الفرنسيْب‬
‫بالدراسات اْلرمينية الٍب أصبحت عندىم زبصصا قائما بذاتو يسمونو ‪ ،Arménologie‬فقد‬
‫أصدركا حولية متخصصة باسم "‪ "Revue des études Arméniennes‬صدر العدد اْلكؿ‬
‫منها ُب باريس سنة ‪1920‬ـ‪ ،‬كأتبعوىا حبولية أخرل هتتم بالقضايا اؼبعاصرة فقط عنواهنا ‪:‬‬
‫"‪ "Etudes Arméniennes contemporaines‬صدر أكؿ عدد منها ُب سنة ‪2013‬ـ‪ُ ،‬ب‬
‫باريس دائما‪.‬‬
‫كإذا كاف ىؤَلء يعتربكف ركاد ما يسمى بالدراسات اْلرمينية )‪ ،(Arménologie‬فإف‬
‫كتاباهتم تعرب عن كجهة نظر كاحدة‪ْ ،‬لهنم اعتمدكا على مصادر أرمينية كأخرل قريبة منها‪ ،‬دكف‬
‫الرجوع إذل ـبتلف اْلصوؿ اْلخرل‪ ،‬كخاصة العربية منها‪ .‬كىذا َل يعِب أننا ننكر جهود أكلئك‬
‫العلماء كالباحثْب‪ ،‬أك أننا نغمط حقهم كمؤرخْب‪ ،‬فهم الذين كضعوا اللبنات اْلكذل ُب تاريخ اْلرمن‪،‬‬
‫كَل يستطيع أم باحث اَلستغناء عما كصلوا إليو من نتائج‪ .‬كتكاد اؼبكتبة العربية زبلو من ىذه‬
‫الدراسات اؼبتخصصة بأقالـ عربية أك جزائرية‪ ،‬ذبمع بْب مصادر كمراجع متنوعة‪ ،‬كبأسلوب علمي‬
‫كأكاديبي‪.‬‬

‫‪04‬‬
‫مقدمة‬
‫كعبمع اؼبادة العلمية من أصوؽبا‪ ،‬كاَلطالع على أحدث ما صدر من مؤلفات كمقاَلت ُب‬
‫اؼبوضوع‪ ،‬قمت بعدة رحالت علمية‪ ،‬إؿ كل من تركيا كفرنسا كتونس‪ ،‬بعضها بتمويل من جامعة‬
‫طبيس مليانة‪ ،‬كبعضها بإمكانياٌب اػباصة‪ .‬حيث قمت بزيارتْب علميتْب إذل تركيا‪ ،‬زرت فيها مركز‬
‫البحوث اَلسالمية )‪ ،(ISAM‬كاؼبؤسسة الفرنسية للدراسات اْلناضولية )‪ (I.F.E.A.‬بإسطنبوؿ‪،‬‬
‫كعثرت فيهما على بعض الكتب العامة كعلى بعض اؼبقاَلت‪ ،‬باللغات العربية كاَلقبليزية كالفرنسية‪،‬‬
‫ككاف عدـ إتقاشل للغة الَبكية كاللغة اْلرمينية سببا ُب عدـ استفادٌب من كثّب من الكتب اؼبتوفرة ُب‬
‫ىذين اؼبركزين‪ .‬كؼبا حاكلت اَلتصاؿ ببعض الفعاليات اْلرمينية ىناؾ‪ ،‬نصحِب بعض اْلساتذة اْلتراؾ‬
‫بعدـ اؼبغامرة‪ٍ .‬ب قمت برحلتْب إذل باريس‪ ،‬زرت فيها مكتبة نوبار للدراسات اْلرمينية‪ ،‬كاؼبكتبة‬
‫البيزنطية‪ ،‬كمكتبة سانت بارب‪ ،‬كمكتبة الكنيسة اْلرمينية الرسولية‪ ،‬كاؼبكتبة الوطنية‪ ،‬كبعض اؼبكتبات‬
‫اعبامعية‪ ،‬فضال عن اؼبكتبات اْلرمينية اػباصة‪ .‬ككجدت ىناؾ كما ىائال من أمهات اؼبصادر‬
‫كاؼبراجع اغبديثة‪ ،‬فكرست كقٍب لتلخيص بعضها‪ ،‬كتصوير كثّب منها‪ .‬كما مكنٍب ىذه الزيارات من‬
‫عقد لقاءات كاتصاَلت مع بعض اْلساتذة اؼبتخصصْب ُب اؼبوضوع‪ ،‬أذكر منهم جاف كلود شينيو‬
‫)‪ (Jean-Claude Cheynet‬كجّبار ديدياف )‪.(Gérard Dédéyan‬‬
‫كاقتضت طبيعة اؼبوضوع أف أقسم البحث إذل سبعة فصوؿ فضال عن اؼبقدمة كاػباسبة‪.‬‬
‫جاء الفصل اْلكؿ بعنواف ‪" :‬بالد اْلرمن قبل القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم"‪،‬‬
‫كىو فصل سبهيدم أردت من خاللو ربديد اإلطار اعبغراُب للبحث‪ ،‬دكف اإللتزاـ باَلطار الزمِب ا﵀دد‬
‫ُب العنواف‪ .‬فتعرضت فيو للفتوحات اَلسالمية ُب إقليم قيليقيا (الثغور)‪ ،‬كاىتماـ اػبالفة اَلسالمية‬
‫بو‪ .‬كقد أردت أف أثبت من خالؿ ىذا الفصل‪ ،‬أسبقية اؼبسلمْب ُب امتالؾ ىذا اإلقليم‪ ،‬قبل أف‬
‫يؤسس فيو اْلرمن دكلتهم‪ ،‬كلذلك غلب عليو الطابع السردم لألحداث‪ .‬فبعد أف اقتطع اؼبسلموف‬
‫ىذا اَلقليم من اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كأغبقوه باػبالفة اْلموية‪ٍ ،‬ب باػبالفة العباسية‪ ،‬دل يكن لألرمن‬
‫أم كجود سياسي ُب قيليقيا‪ .‬ذلك ْلنِب َلحظت أف الدراسات اْلرمينية اغبديثة‪ ،‬تريد إثبات الوجود‬
‫السياسي لألرمن ُب آسيا الصغرل عموما‪ ،‬كُب قيليقيا ربديدا قبل أف تطأ أقداـ اْلتراؾ أراضي آسيا‬
‫الصغرل‪ .‬كإف كاف َل يبكن التنكر ؽبذه اغبقيقة‪ ،‬فإنو َل ينبغي جهل حقيقة أخرل‪ ،‬كىي أف إقليم‬
‫قيليقيا دخل ُب حوزة اؼبسلمْب‪ ،‬كبات جزءا من دار اَلسالـ منذ القرف اْلكؿ اؽبجرم‪/‬السابع‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬يومها كاف اْلرمن يعيشوف على أطراؼ القوقاز ُب ما يسمى بأرمينيا الكربل‪ .‬كمهما كانت‬

‫‪05‬‬
‫مقدمة‬
‫السلطة السياسية الٍب حكمتو‪ ،‬أموية أك عباسية أك ضبدانية‪ ،‬أـ سلجوقية فجميعها تنتمي إذل العادل‬
‫اَلسالمي‪.‬‬
‫ككاف عنواف الفصل الثاشل ‪" :‬فتوحات السالجقة كاندَلع معركة منازكرد"‪ ،‬تعرضت فيو لربكز‬
‫السالجقة على الساحة السياسية كاعتناقهم اَلسالـ على اؼبذىب اغبنفي‪ٍ ،‬ب ربالفهم مع اػبالفة‬
‫العباسية كضبايتهم ؽبا من اؼبد الشيعي‪ ،‬كتوسعهم ُب آسيا الصغرل‪ ،‬إذل غاية اندَلع معركة منازكرد ُب‬
‫سنة ‪463‬ق‪1071/‬ـ‪ .‬كبينت فيو أف سالجقة فارس كانوا يعملوف على توحيد العادل اَلسالمي‬
‫سياسيا كمذىبيا بالقضاء على الفاطميْب الذين كصفهم اؼبؤرخ الفرنسي ركشل جركسي بأهنم "بيزنطيو‬
‫اَلسالـ" )‪ ،(Byzantins de l'Islam‬كمع ما ؽبذا الوصف من مبالغة‪ ،‬فإنو وبمل جزءا من‬
‫اغبقيقة‪ْ ،‬لف الفاطميْب الشيعة برعوا ُب استخداـ اْلَلعيب الدبلوماسية كاؼبكر السياسي لضرب‬
‫السالجقة‪ .‬كبينت فيو أيضا أنو إذا كاف من الواضح أف معركة منازكرد قد أدت إذل نزكح أعداد كبّبة‬
‫من اْلرمن كبو إقليمي اعبزيرة كقيليقيا‪ ،‬كبداية التفكّب ُب طلب اؼبساعدة من الغرب اْلكريب اؼبسيحي‪،‬‬
‫فإهنا قد سانبت من جهة أخرل ُب إنقاذ الدكلة الفاطمية من السقوط‪.‬‬
‫كأما الفصل الثالث فقد كاف عنوانو ‪" :‬اْلرمن بْب معركة منازكرد كاغبملة الصليبية اْلكذل"‪،‬‬
‫تناكلت فيو تأسيس سلطنة سالجقة الركـ ُب نيقية‪ ،‬كُب نفس الوقت تأسيس أكؿ كأكرب دكلة أرمينية‬
‫ُب اؼبنفى بقيليقيا‪ْ ،‬لف الشائع عند كثّب من ااؼبؤرخْب‪ ،‬أف إمارة آؿ ركبْب ُب قيلقيا ىي أكؿ إمارة‬
‫أرمينية‪ ،‬بينما تثبت اْلحداث التارىبية أف فيالريت براخاميوس ىو أكؿ أرميِب ثار على السلطة‬
‫البيزنطية ُب إقليم قيليقيا‪ .‬كأسس فيو دكلة صبعت أرمن الشتات‪ ،‬أك ما يسمونو اليوـ بالدياسبورا‬
‫)‪ ،(diaspora‬استمرت إذل غاية كفاتو ُب سنة‪483‬ق‪1090/‬ـ‪ .‬كاؼبالحظ أف ىذه الدكلة‪ ،‬ظلت‬
‫تتأرجح ُب عالقاهتا اػبارجية بْب كَلئها لإلمرباطورية البيزنطية كاعَبافها بالتبعية للسالجقة‪ ،‬حفاظا‬
‫على كجودىا كسط قول متضاربة‪ .‬كلكنها دل تستطع الصمود أماـ توسع السالجقة ُب إقليمي اعبزيرة‬
‫كقيليقيا‪ ،‬فبا أدل إذل اندثارىا كزكاؽبا قبل كصوؿ حشود اغبملة الصليبية اْلكذل إذل آسيا الصغرل‪.‬‬
‫كتعرضت ُب الفصل الرابع الذم جاء بعنواف ‪" :‬بدايات التعاكف اْلرميِب الصلييب"‪ ،‬إذل اغبملة‬
‫الصليبية اْلكذل‪ ،‬كدكر اْلرمن ُب الدعوة ؽبا‪ ،‬كاؼبسانبة فيها‪،‬كناقشت فيو مدل صحة التهمة اؼبوجهة‬
‫للسالجقة‪ ،‬بأهنم اضطهدكا (حجاج) بيت اؼبقدس‪ ،‬كمنعوىم من الَبدد على بقاعهم اؼبقدسة ُب‬
‫فلسطْب‪ٍ .‬ب تعرضت إذل اهنزاـ سالجقة الركـ‪ ،‬أماـ جيوش الصليبيْب الذين اندفعوا كالسيل اعبارؼ‬

‫‪06‬‬
‫مقدمة‬
‫ُب آسيا الصغرل‪ ،‬كاتصاؽبم باْلرمن الذين رحبوا ّٔم سواء ُب قيليقيا أك ُب كبادككيا ٍب ُب منطقة‬
‫الفرات الٍب كصلوا إليها ُب خريف سنة ‪490‬ق‪1097/‬ـ‪ .‬كخالؿ ىذه اؼبرحلة سبيزت العالقات‬
‫اْلرمينية الصليبية بالتعاكف التاـ‪ ،‬كالتحالف اؼبطلق ضد السالجقة اؼبسلمْب لطردىم من اؼبدف‬
‫كاغبصوف الٍب كانت ربت سيطرهتم‪.‬‬
‫كُب الفصل اػبامس الذم عنوانو ‪" :‬من التعاكف إذل اؼبواجهة"‪ ،‬رأيت من الضركرم التطرؽ إذل‬
‫اإلمارات اْلرمينية الصغّبة الٍب نشأت عقب اندثار دكلة فيالريت‪ .‬كُب ىذا الفصل يظهر الوجو‬
‫اغبقيقي للصليبيْب‪ ،‬ليس ُب عالقتهم باؼبسلمْب فحسب‪ ،‬بل حٌب ُب عالقتهم باْلرمن‪ ،‬الذين تعلقوا‬
‫بأىداب الفرقبة‪ ،‬كبعد فوات اْلكاف اكتشفوا بأف حكم اْلتراؾ أىوف عليهم من حكم اإلفرنج‬
‫مٌب الرىاكم‪.‬‬
‫حسب تعبّب مؤرخهم اؼبشهور َّ‬
‫كيلي ذلك‪ ،‬الفصل السادس كعنوانو ‪" :‬ثبات آؿ ركبْب ُب قيليقيا"‪ ،‬حبثت فيو تطور إمارة‬
‫أرمينيا الصغرل ُب قيليقيا‪ ،‬بعد زكاؿ كل اإلمارات اْلرمينية الصغّبة‪ ،‬متتبعا سّب أحداثها حسب‬
‫تسلسل أمرائها من قسطنطْب اْلكؿ إذل ركبْب الثالث‪ ،‬كعالقاهتم بالصليبيْب كبالسالجقة معرجا على‬
‫أىم اْلحداث الٍب تقاطعوا فيها مع البيزنطيْب‪ ،‬كالزنكيْب‪ ،‬كاْليوبيْب‪ .‬كقد بذلت جهدا ُب تقدصل‬
‫تلك اْلحداث رغم تشابكها‪ ،‬كتعقيدىا‪ ،‬كغموض البعض منها‪ ،‬كندرة اؼبعلومات ُب اؼبصادر‪،‬‬
‫كاختالفها أحيانا ُب ربديد إطارىا الزمِب‪ .‬كبينت ُب ىذا الفصل ىشاشة ىذه اإلمارة كضعفها‪ ،‬كعدـ‬
‫قدرهتا على الصمود أماـ أم عاصفة قادمة من جهة اؼبسلمْب أك الصليبيْب أك البيزنطيْب‪ ،‬غّب أهنا‬
‫سبكنت من الثبات كاَلستمرار‪ْ ،‬لف صبيع الدكؿ ا﵀يطة ّٔا‪ ،‬كانت تفضل بقاء ىذه اإلمارة لتكوف‬
‫دكلة حاجزة بينها كبْب أعدائها‪ .‬كتتضح معادل ىذه السياسة أكثر ُب عالقة نور الدين زنكي ؿبمود‬
‫باْلمّب مليح اْلرميِب‪.‬‬
‫أما الفصل السابع كاْلخّب فقد كاف عنوانو ‪" :‬من إمارة إذل فبلكة"‪ ،‬تناكلت فيو اؼبرحلة‬
‫اْلخّبة من عهد اإلمارة‪ .‬كىي اغبقبة الٍب حكمها اْلمّب ليوف الثاشل‪ ،‬الذم اغتنم فرصة اغبملة‬
‫الصليبية الثالثة‪ ،‬كحاجة الغرب اْلكريب إذل حليف دائم ُب اغبوض الشرقي للبحر اؼبتوسط‪ ،‬بعد‬
‫سقوط فبلكة بيت اؼبقدس‪ .‬فتحصل على التاج كجعل من إمارة أرمينيا الصغرل فبلكة قائمة باعَباؼ‬
‫أكرب القول الركحية كالزمنية اؼبسيحية ُب عصره‪ ،‬كُب عهده تعاظم دكر ىذه اؼبملكة ُب اؼبنطقة‪ .‬كدل‬
‫أتعرض لتفاصيل كثّبة تتعلق باْلحداث الٍب شهدهتا أرمينيا الصغرل بعد تتويج ليوف الثاشل‪ْ ،‬لف‬

‫‪07‬‬
‫مقدمة‬
‫البحث يتعلق باؼبرحلة الٍب كانت فيها أرمينيا الصغرل إمارة‪ ،‬كليس بعدما ربولت إذل فبلكة‪ .‬كما أف‬
‫الدكتورة فاطمة بوعمامة‪ ،‬تعرضت ُب مذكرهتا لكل التفاصيل اؼبتعلقة ّٔذه اؼبرحلة اعبديدة من عمر‬
‫فبلكة أرمينيا الصغرل‪ .‬كرأيت أنو من الواجب إهناء ىذا البحث بإعطاء ﵀ة عن عالقة الكنيسة‬
‫اْلرمينية بكل من الكنيسة البيزنطية كالكنيسة الكاثوليكية الصليبية‪ ،‬كبينت فيو أف التسامح الديِب‬
‫الذم حظي بو اْلرمن ُب ظل اغبكم اَلسالمي َل نظّب لو ُب العهد البيزنطي أك الصلييب‪ٍ .‬ب قدمت‬
‫﵀ة عن أىم اؼبؤثرات اَلجتماعية كالثقافية الٍب دخلت على آّتمع اْلرميِب خالؿ اغبركب الصليبية‪.‬‬
‫أما اػباسبة فقد تضمنت أىم اَلستنتاجات الٍب توصلت إليها ُب ىذا البحث‪.‬‬
‫ىذا كدل يثن عزمنا أك يفت من عضدنا ما َلقينا من صعوبات أثناء صبع اؼبادة العلمية‪ ،‬خاصة‬
‫كأف اؼبصادر العربية على كثرهتا كتعددىا دل تسعفنا‪ ،‬كدل قبد فيها ما يشفي غليلنا عن أرمينيا الصغرل‪،‬‬
‫سول شذرات قليلة متناثرة ىنا كىناؾ‪ ،‬كىي غّب كافية إلماطة اللثاـ عما اكتنف بعض جوانب‬
‫العالقات بْب اْلرمن كالسالجقة كالصليبيْب من غموض‪ .‬فضال عن أف معظمها قد التزـ الصمت‬
‫اؼبطبق حياؿ كثّب من اْلحداث‪ ،‬فبا دفعِب إذل البحث عن مصادر أخرل لسد الثغرات‪ .‬لذا كاف‬
‫اعتمادم على اؼبصادر اْلرمينية كبّبا‪ ،‬كلست مبالغا إذا قلت ‪ :‬اهنا غطت مساحة كبّبة من اؼبادة‬
‫العلمية اؼبعتمدة ُب ىذا البحث‪ .‬كلكن مشكلة اللغة اْلرمينية حالت دكف استفادٌب من ىذه اؼبصادر‬
‫بلغتها اْلـ‪ ،‬كَل يوجد ُب اعبزائر مراكز لتعليمها‪ .‬فاعتمدت على اؼبصادر اؼبَبصبة إذل اللغة الفرنسية‪.‬‬
‫كما أف اؼبكتبات اعبزائرية‪ ،‬مع نظامها البّبكقراطي‪ ،‬فهي َل تتوفر على أحدث الدراسات فيما يتعلق‬
‫بتاريخ أرمينيا الصغرل‪.‬‬
‫كأرجو ُب اْلخّب أف أكوف قد كفقت ُب إضافة حبث جديد للمكتبة العربية بقلم جزائرم‪ ،‬أك‬
‫على اْلقل سانبت ُب إكماؿ النقص الذم تعاشل منو اؼبكتبة العربية‪ ،‬كحسيب ُب ذلك ؿباكلة‬
‫اَلجتهاد‪ .‬ىذا ك َل يفوتِب أف أجدد شكرم كامتناشل لألستاذة الدكتورة بشارم لطيفة‪ ،‬اؼبشرفة على‬
‫الرسالة‪ ،‬داعيا اؼبوذل عز كجل أف يدخر ؽبا ىذا العمل‪ ،‬ليوـ تنقطع فيو اْلعماؿ‪ .‬كما أتقدـ بالشكر‬
‫اعبزيل عبميع أعضاء عبنة اؼبناقشة على صربىم كقبوؽبم قراءة‪ ،‬كمناقشة ىذا البحث‪ ،‬الذم مهما‬
‫بذلت فيو من جهد‪ ،‬يبقى ُب حاجة إذل مالحظاهتم‪ ،‬كتوجيهاهتم لتصحيح اؼبعلومات‪ ،‬كتصويب‬
‫اآلراء‪ ،‬كسد النقص الذم اعَباه‪.‬‬

‫‪08‬‬
‫مقدمة‬

‫عرض كتحليل ألىم مصادر البحث‬


‫المصادر األرمينية‬
‫تطلب موضوع البحث ُب تاريخ إمارة أرمينيا الصغرل العودة إذل كثّب من اؼبصادر اْلرمينية‪،‬‬
‫ىذا باإلضافة إذل بعض اؼبصادر الالتينية كالسريانية كالعربية‪ ،‬سعيا َلستخالص اغبقيقة التارىبية من‬
‫بْب خطوطها اؼبتشابكة‪ ،‬كًب اَلعتماد على اؼبصادر اْلرمينية ُب اؼبقاـ اْلكؿ‪ ،‬فهي الٍب أسهبت ُب‬
‫تدكين تاريخ أرمينيا الصغرل‪ ،‬كأمدت البحث بفيض غزير من اؼبعلومات‪ ،‬على عكس اؼبصادر‬
‫اْلخرل‪ .‬فضال عن أف كاتبيها كانوا من شهود العياف‪ ،‬أك نقلوا عن شهود عياف‪ ،‬الذين أمدكىم‬
‫باؼبعلومات الٍب دكنوىا‪ .‬كهبب التعامل مع اؼبصادر اْلرمينية حبذر‪ ،‬فهي تسمي اؼبسلمْب كفارا‪ ،‬أك‬
‫أبناء سارة )‪ ،(Sarrasin‬أك داجيج )‪ ،(Dadjig‬كتسمي اْلتراؾ فرسا‪ ،‬كأحيانا تستخدـ ألفاظا‬
‫نابية ُب كصف اؼبسلمْب أك البيزنطيْب‪ .‬كأكؿ ىذه اؼبصادر ما ألفو ‪:‬‬
‫متى الرىاكم )‪ : (Matthieu d'Edesse‬ربتل حوليتو صدارة اؼبصادر اْلرمينية‪ ،‬الٍب‬
‫كتبت خالؿ القرف الثاشل عشر اؼبيالدم باعتباره معاصرا كشاىد عياف على كثّب من اْلحداث الٍب‬
‫كتب عنها‪ .‬كَل توجد إَل معلومات قليلة حوؿ حياتو‪َ ،‬ل تكفي لرسم صورة كاضحة عن اغبياة‬
‫اَلجتماعية كالسّبة العلمية كالعملية ؽبذا اؼبؤرخ‪ .‬ينحدر مٌب الرىاكم من أصوؿ أرمينية‪ ،‬كيقاؿ إنو من‬
‫مواليد أرمينيا‪ ،‬كيشار أحيانا إذل أنو من مواليد الرىا الٍب ينتسب إليها‪ ،‬كقد شغل منصب رئاسة أحد‬
‫اْلديرة ُب الرىا‪ .‬كيبقى تاريخ ميالده ككفاتو يكتنفهما الغموض‪ ،‬كتذكر بعض اؼبراجع أف تاريخ كفاتو‬
‫كاف ُب عاـ ‪531‬ق‪1136/‬ـ‪ ،‬كىي السنة الٍب ىبتم فيها مٌب الرىاكم حوليتو‪ ،‬كىناؾ رأم آخر‬
‫وبدد تاريخ كفاتو بعاـ ‪539‬ق‪1144/‬ـ‪ ،‬كىي السنة الٍب سقطت فيها مدينة الرىا ُب يد عماد‬
‫الدين زنكي‪ .‬كيؤكد مؤرخوف آخركف أنو توُب ُب سنة ‪543‬ق‪1150/‬ـ‪ .‬كيبدك أنو عجز عن‬
‫اَلستمرار ُب الكتابة بعد سنة ‪531‬ق‪1136/‬ـ‪ْ ،‬لنو أصبح طاعنا ُب السن‪ ،‬فأكمل تلميذه‬
‫جرهبورم الراىب الكتابة حٌب سنة ‪556‬ق‪1163/‬ـ‪.‬‬
‫كقد ألف الرىاكم‪ ،‬كتابو اؼبعركؼ باسم "تاريخ مٌب الرىاكم"‪ ،‬بطريقة اغبوليات‪ ،‬بدءا بسنة‬
‫‪352‬ق‪963/‬ـ إذل ‪531‬ق‪1136/‬ـ كاستغرؽ مدة طبسة عشر عاما‪ ،‬كبعد اَلنتهاء ذىب إذل‬
‫مدينة كيسوـ‪ .‬كيفهم من كتابو أنو زار كنيسة القيامة دبدينة القدس ُب سنة ‪490‬ق‪1097/‬ـ‪ ،‬حيث‬

‫‪11‬‬
‫مقدمة‬
‫يذكر أنو َلحظ كجود ثالثة أسهم ثبتت ُب السقف‪ ،‬كَل تزاؿ حٌب كقتو‪ .‬كاعتمدت ُب اقباز ىذا‬
‫البحث على النسخة الٍب ترصبها إدكار ديلورييو من اللغة اْلرمينية إذل اللغة الفرنسية‪ ،‬كنشرىا كاملة ُب‬
‫سنة ‪1858‬ـ‪ .‬كعلى النسخة العربية الٍب ترصبها ْلكؿ مرة الركيضي ؿبمود ؿبمد ك مصطفى عبد‬
‫الرحيم‪ ،‬من اللغة الفرنسية إذل اللغة العربية‪ ،‬كنشرت ُب سنة ‪2012‬ـ‪.‬‬
‫كتب الرىاكم بأسلوب تظهر فيو الركح الوطنية اْلرمينية كالنزعة الدينية‪ ،‬ككثّبا ما يندفع‬
‫حبماسو السياسي كالديِب‪ ،‬كَل يتورع عن استعماؿ صفات قبيحة لوصف أعدائو من اؼبسلمْب‬
‫كالبيزنطيْب كالصليبيْب كحٌب من اْلرمن الذين كانوا على مذىب الكنيسة البيزنطية‪ ،‬نظرا لعداكتو‬
‫اؼبتأصلة كالصروبة لكل ما ىو بيزنطي‪ .‬بينما يبيل إذل سبجيد قادة من أبناء جلدتو‪ ،‬كهبعلهم ُب رتبة‬
‫الصاغبْب كاْلكلياء‪ ،‬كيتغُب بأعماؽبم كبطوَلهتم إذل درجة اؼببالغة‪ ،‬كالتعصب‪ ،‬كلذلك ينبغي التعامل‬
‫معو حبذر شديد‪.‬‬
‫كترجع أنبية ما كتبو مٌب الرىاكم إذل أنو كاف رئيسا ْلحد اْلديرة ُب الرىا بعد أف استوذل‬
‫عليها الصليبيوف من اْلرمن‪ ،‬كقد مكنو ىذا اؼبنصب من اَلتصاؿ باغبكاـ اؼبسلمْب كاْلرمن‬
‫كالصليبيْب‪ .‬كلذلك يعد كتابو مصدرا أساسيا لدراسة تطور إمارات أرمينيا الصغرل منذ عهد فيالريت‬
‫(‪1090-1072‬ـ) إذل عهد اْلمّب ليوف اْلكؿ بن قسطنطْب (‪ ،)1137-1129‬كعالقاهتم‬
‫بالصليبيْب كاؼبسلمْب كالبيزنطيْب‪ .‬فقد غطى جوانب عديدة من موضوعاهتا كشاىد عياف على كثّب‬
‫من اْلحداث الٍب جرت ُب الرىا كأنطاكية‪ ،‬كاعبزيرة‪ .‬كنقل بعض معلوماتو عن اؼبناطق البعيدة الٍب‬
‫كتب عنها‪ ،‬عن شهود عياف عاشوا أك كانوا ُب تلك اؼبناطق‪ ،‬أك اعتمد على رسائل كاف يتم تبادؽبا‬
‫بْب قادة الفرنج كاْلرمن‪ .‬كمثل غّبه من اؼبؤرخْب فقد كاف يهادف اغبكاـ اؼبعاصرين لو‪ ،‬خاصة‬
‫الصليبيْب‪ ،‬كدل يتجرأ على كتابة شيء يبس جرائمهم‪ ،‬أك التعبّب عن شيء من أفعاؽبم إذ يقوؿ ‪" :‬لقد‬
‫أردنا حصر جرائمهم غّب أننا دل نتجرأ على فعل ذلك ْلننا كنا ربت سلطتهم"‪.‬‬
‫جريجوار الراىب )‪ : (Grégoire le prêtre‬جاء كتابو مكمال لتاريخ مٌب الرىاكم‪،‬‬
‫كَل سبدنا اؼبصادر دبعلومات كافية عنو سول أنو كاف تلميذا ؼبٌب الرىاكم‪ ،‬كأنو شغل منصب أسقف‬
‫مدينة كيسوـ ؼبدة تزيد عن نصف قرف‪ ،‬فبا جعلو على اتصاؿ باغبكاـ الصليبيْب‪ ،‬كالبيزنطيْب‪،‬‬
‫كالسالجقة اؼبسلمْب‪ْ ،‬لف ىذه اؼبدينة كانت جزءا من إمارة الرىا كربت اغبكم الصلييب‪ٍ ،‬ب آلت إذل‬
‫الزنكيْب بعد سقوطها‪ .‬ككانت ذباكر اْلمالؾ البيزنطية بعد أف تنازلت زكجة جوسلْب اْلكؿ عن‬

‫‪10‬‬
‫مقدمة‬
‫بعض حصوهنا كقالعها لإلمرباطور مانويل كومنْب‪ ،‬كقد توفر للمؤرخ فرصة ساكبة لرؤية اْلحداث‬
‫التارىبية الٍب جرت حوؿ مدينة كيسوـ‪ .‬كمن اْلحداث الٍب عاصرىا كدكهنا ُب تكملتو لتاريخ مٌب‬
‫الرىاكم‪ ،‬ضبلة اَلمرباطور يوحنا كومنْب (‪0032-0007‬ـ) على قيليقيا كالشاـ ُب سنة‬
‫‪420‬ق‪0026/‬ـ كالٍب أدت إذل القبض على اْلمّب ليوف اْلكؿ‪ ،‬كأخذه أسّبا إذل القسطنطينية‪ٍ ،‬ب‬
‫ضبلة مانويل كومنْب (‪1180-1143‬ـ)‪ ،‬على أرمينيا الصغرل‪ ،‬كحركب اْلمّب ثوركس الثاشل‬
‫(‪1168-1145‬ـ) ضد البيزنطيْب‪ُ ،‬ب سنة ‪553‬ق‪1158/‬ـ‪ ،‬كالتحالف البيزنطي اْلرميِب ضد‬
‫نور الدين زنكي‪ ،‬كانضماـ بعض اْلمراء اْلرمن إذل جانب اَلمرباطورية البيزنطية ُب حركّٔا ضد‬
‫ثوركس‪.‬‬
‫كَل ىبفي جرهبوار إعجابو الشديد باْلمّب ثوركس الثاشل‪ ،‬الذم أظهره ُب صورة اْلبطاؿ‬
‫اْلسطوريْب‪ ،‬ككاف يكره مانويل كومنْب ْلنو عقد صلحا مع نور الدين زنكي‪ ،‬كعرب عن خيبة أمل‬
‫اْلرمن من جراء ىذا الصلح‪ ،‬كلشدة كرىو للبيزنطيْب ذكر أف اؼبسلمْب أشرؼ منهم ْلهنم دل ىبدعوا‬
‫اْلرمن ٍب يتناقض مع ىذا اؼبوقف ُب أحداث أخرل؛ ْلنو كاف يكتب كل كاقعة على حدة كيقيمها‬
‫منفصلة عما سبقها من أحداث‪ .‬توقف جّبجوار عن سرد اْلحداث ُب سنة ‪556‬ق‪1163/‬ـ‪.‬‬
‫صموئيل دآني )‪ : (Samuel d'Ani‬لقب بػ صموئيل أنًٍتسي )‪ ،(Anetsi‬نسبة إذل‬
‫مدينة آشل‪ ،‬عاصمة أرمينيا الكربل ُب عهد أسرة اؼبلوؾ البجراطيْب )‪ ،(Bagratides‬قبل إغباقها‬
‫باإلمرباطورية البيزنطية ُب سنة ‪437‬ق‪1045/‬ـ‪ ،‬كردبا يعود السبب ُب ىذه النسبة إذل ميالده دبدينة‬
‫آشل‪ ،‬أك ْلنو كاف أسقفا ُب كاتدرائية ىذه اؼبدينة‪ ،‬كىو يعترب أحد أشهر كتاب عصره‪ ،‬كأبرز أعالـ‬
‫اْلدب اْلرميِب‪َ .‬ل يعرؼ تاريخ ميالده كَل تاريخ كفاتو بشكل دقيق‪ ،‬كلكن بعض اؼبراجع ترجح أنو‬
‫توُب ُب سنة ‪1185‬ـ‪ .‬كتب حولية مفصلة بدأىا من اػبليقة كأهناىا بعاـ ‪ 626‬من التاريخ اْلرميِب‪،‬‬
‫(‪573‬ق‪1177/‬ـ)‪ ،‬كاعبدير بالذكر أف مؤرخا ؾبهوَل أكمل اْلحداث إذل سنة ‪741‬ق‪1340/‬ـ‪.‬‬
‫كقد ترجم يوحنا زىرب )‪ (Jean Zohrab‬الكتاب إذل اللغة الالتينية‪ ،‬كىو أحد رىباف ؾبمع‬
‫اؼبختاريست )‪ (congrégation des Mèkhitharistes‬بالبندقية ُب سنة ‪1818‬ـ‪ٍ .‬ب ترجم‬
‫الدكتور فايز قبيب اسكندر جزءا منو‪ ،‬كنشره ُب منشورات مركز الدراسات اْلرمينية‪ ،‬التابع لكلية‬
‫اآلداب جبامعة القاىرة ُب سنة ‪2009‬ـ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مقدمة‬
‫كقاـ ديلورييو )‪ (Dulaurier‬بنشر جزء من الكتاب ُب اعبزء اْلكؿ من ؾبموعة مؤرخي‬
‫اغبركب الصليبية –كثائق أرمينية‪ ،(R.H.C.D. Arm) -‬ابتداءن بأحداث سنة ‪1097‬ـ‪ ،‬إذل غاية‬
‫سنة ‪1340‬ـ‪ .‬كبغض النظر عما جاء ُب كتابو حوؿ تاريخ أرمينيا الكربل‪ ،‬فقد ربدث صموئيل عن‬
‫كصوؿ اغبملة الصليبية اْلكذل إذل القسطنطينية‪ ،‬كعن اْلمّب اْلرميِب قسطنطْب بن ركبْب الذم تعاكف‬
‫معهم كيصفو بأنو سبيز باغبكمة‪ ،‬كالوداعة‪ ،‬كعلو اؼبكانة‪ .‬كيظهر حقده على البيزنطيْب‪ ،‬حينما يذكر‬
‫بأف ىذا اْلمّب أخذ بثأر اؼبلك البجراطي جاجيك الثاشل (‪0162-0131‬ـ)‪ .‬الذم اغتالو‬
‫البيزنطيوف ُب قيليقيا‪ ،‬كيقدـ معلومات أخرل مقتضبة كـبتصرة جدا عن بقية أمراء أرمينيا الصغرل‪.‬‬
‫كما كردت ُب حوليتو معلومات ىامة عن بعض رجاؿ الدين اْلرمن الذين تولوا رئاسة الكنيسة‬
‫اْلرمينية‪.‬‬
‫ككغّبه من اؼبؤرخْب اْلرمن‪ ،‬فهو يتحامل على اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كيعتربىا السبب ُب ما‬
‫حل باْلرمن من كوارث‪ .‬فحْب ربدث عن اَلمرباطور ألكسيس كومنْب )‪ (1118-1081‬نعتو بػ‬
‫"ابن الشيطاف" كشكك ُب مسيحيتو ىو ككالدتو‪ ،‬كنسب إليو أفعاَل دل ترد عند غّبه‪ .‬كيعود السبب‬
‫ُب ىذا التحامل الشديد‪ ،‬إذل أف اَلمرباطورية البيزنطية كانت تعمل دائما على فرض مذىبها الديِب‪،‬‬
‫قسرا كقهرا على اْلرمن الذين تعتربىم ىراطقة‪ .‬كعلى العموـ فإف اَلستفادة من ىذا اؼبصدر كاف أقل‬
‫من اؼبصدرين السابقْب‪.‬‬
‫سمباد )‪ : (Le connétable Sempad‬كلد ظبباد ُب سنة ‪605‬ق‪1208/‬ـ‪ُ ،‬ب‬
‫أسرة تنعم بالثراء كالسلطة‪ ،‬أبوه ىو الباركف قسطنطْب من آؿ ىيثوـ‪ ،‬كقد كاف كصيا على ابنة اؼبلك‬
‫ليوف اْلكؿ بعد كفاتو ُب سنة ‪616‬ق‪1219/‬ـ‪ ،‬كأخوه اْلصغر ىو اؼبلك ىيثوـ اْلكؿ (‪-1226‬‬
‫‪1269‬ـ) الذم توذل عرش فبلكة أرمينيا الصغرل ُب سنة ‪623‬ق‪1226/‬ـ‪ .‬كتوذل ظبباد قيادة‬
‫اعبيش اْلرميِب‪ ،‬كقد احتفظ دبنصبو إذل غاية كفاتو ُب سنة ‪675‬ق‪1276/‬ـ‪ .‬كحبكم منصبو ىذا‬
‫فقد سبكن من اَلطالع على كثائق متوفرة ُب القصر اؼبلكي‪ ،‬كاَلستماع إذل شهادات من بعض الذين‬
‫كلفوا دبهاـ رظبية‪ ،‬أك شاركوا ُب بعض اْلحداث‪.‬‬
‫كتب حولية بدأىا بسنة ‪341‬ق‪ 952/‬إذل سنة ‪673‬ق‪1274/‬ـ‪ ،‬اعتمد فيما أكرده عن‬
‫النصف اْلكؿ من القرف السادس اؽبجرم‪/‬الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬على ما كتبو مٌب الرىاكم‪ ،‬كجرهبوار‬
‫الراىب‪ ،‬كأضاؼ إليها بعض اؼبعلومات وبتمل أنو اطلع عليها من الوثائق الٍب توفرت لو ُب القصر‬

‫‪12‬‬
‫مقدمة‬
‫اؼبلكي‪ .‬كاعتمد على نفسو بعد أحداث عاـ ‪546‬ق‪1151/‬ـ‪ ،‬حٌب سنة ‪675‬ق‪ ،1276/‬كاعبدير‬
‫بالذكر أف حوليتو َل تقف عند ىذه السنة‪ ،‬بل أضاؼ إليها مؤرخ ؾبهوؿ اْلحداث التالية حٌب عاـ‬
‫‪736‬ق‪1335/‬ـ‪.‬‬
‫كقد اكتشف بركسيو )‪ ،(Brosset‬اؼبخطوطة ْلكؿ مرة ُب سنة ‪1848‬ـ‪ُ ،‬ب إتشميادزين‬
‫بأرمينيا‪ ،‬كترجم ديلورييو أجزاءن منها كنشرىا ُب اعبزء اْلكؿ من ؾبموعة مؤرخي اغبركب الصليبية –‬
‫كثائق أرمينية‪ ،(R.H.C.D. Arm) -‬ابتداءن بأحداث سنة ‪485‬ق‪1092/‬ـ‪ ،‬إذل غاية سنة‬
‫‪736‬ق‪1335/‬ـ‪ٍ .‬ب ترصبها اؼبؤرخ الفرنسي اؼبختص ُب تاريخ أرمينيا‪ ،‬جّبار ديدياف كنشرىا كاملة‬
‫مع تعليقات كإضافات كافية ُب سنة ‪1980‬ـ‪.‬‬
‫كقد جاءت حولية ظبباد أكثر كضوحا كترتيبا من التكملة الٍب أضافها جرهبوار الراىب إذل‬
‫تاريخ مٌب الرىاكم‪ .‬كإف كانت حولية ظبباد قد كتبت بعد اإلطار الزمِب ا﵀دَّد ؽبذا البحث‪ ،‬فإهنا‬
‫أفادتِب كثّبا فيما يتعلق بالنزاع بْب اْلمّب ثوركس الثاشل‪ ،‬كأخيو مليح (‪ )1187-1170‬الذم‬
‫ربالف مع نور الدين زنكي (‪0063-0035‬ـ) ‪ ،‬كالنزاع بْب اْلمّب ركبْب الثالث (‪-1175‬‬
‫‪ ،)1187‬كبوىيموند الثالث (‪ )1201-1163‬أمّب أنطاكية‪ٍ ،‬ب تتويج ليوف الثاشل (‪-1187‬‬
‫‪ )1219‬ملكا على أرمينيا الصغرل ُب سنة ‪594‬ق‪1198/‬ـ‪ .‬أما بقية اْلحداث فهي تتعلق بعالقة‬
‫أرمينيا الصغرل بكل من اؼبغوؿ كاؼبماليك‪.‬‬
‫المصادر الالتينية‬
‫كما اعتمد البحث على بعض اؼبصادر الالتينية منها ‪:‬‬
‫كليم الصورم )‪ : (Guillaume de Tyre‬كتعد مؤلفاتو من أىم اؼبصادر الالتينية الٍب‬
‫غطت فَبة طويلة من البحث‪ ،‬ككاف عظيم الفائدة بالنسبة للمعلومات الٍب أفادنا ّٔا‪ .‬كلد كليم‬
‫الصورم ُب مدينة بيت اؼبقدس حوارل سنة ‪524‬ق‪1130/‬ـ‪ ،‬كعبأ ُب مرحلة مبكرة من حياتو إذل‬
‫السلك الكنسي‪ٍ ،‬ب أصبح ُب حوارل سنة ‪556‬ق‪1161/‬ـ‪ ،‬أحد رجاؿ الدين التابعْب ؼبطراف مدينة‬
‫صور‪ٍ .‬ب سافر إذل أكربا طلبا للعلم‪ ،‬فدرس الالىوت‪ ،‬كالفلسفة‪ ،‬كالرياضيات‪ ،‬كالقانوف‪ ،‬كغّبىا من‬
‫العلوـ‪ .‬كعاد ُب خريف عاـ ‪558‬ق‪1163/‬ـ‪ ،‬إذل الشرؽ كاقتصر عملو على أداء بعض الواجبات‬
‫الدينية ُب كنيسة صور‪ .‬كمنذ عاـ ‪562‬ق‪1176/‬ـ‪ ،‬بدأ كليم ُب اَلرتباط باؼبلك عمورم اْلكؿ‬

‫‪13‬‬
‫مقدمة‬
‫(‪0063-0051‬ـ) الذم طلب منو تسجيل تاريخ عهده‪ ،‬خاصة كأف الصراع كاف على أشده بْب‬
‫نور الدين ؿبمود زنكي كالصليبيْب حوؿ السيطرة على مصر‪ .‬كدبا أنو حاز ثقة اؼبلك‪ ،‬فقد أصبح‬
‫يرسلو على رأس السفارات كالوفود إذل بيزنطة كركما‪ .‬كترقى ُب اؼبناصب إذل أف أصبح رئيس أساقفة‬
‫كنيسة صور‪ .‬كبذلك أتيحت لو فرصة ؼبعرفة بواطن اْلمور ُب اإلمارات الصليبية كاَلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪ ،‬كقد ساعده على ذلك إتقانو لبعض اللغات كالعربية‪ ،‬كالفرنسية‪ ،‬كاليونانية‪ ،‬كالفارسية‪،‬‬
‫كالعربية‪ ،‬فضال عن لغتو اْلصلية كىي الالتينية‪ .‬كتاريخ كفاتو غّب معركؼ بدقة‪ ،‬كحدث ذلك بْب‬
‫سنة ‪580‬ق‪1184/‬ـ كقبل معركة حطْب ُب سنة ‪583‬ق‪1187/‬ـ‪.‬‬
‫يتألف كتابو من أربعة أجزاء‪ ،‬كىو بعنواف ‪" :‬تاريخ اْلعماؿ الٍب أقبزت ُب بالد ما كراء‬
‫البحر" )‪ (Historia rerum in partibus transmarinis gestarum‬كقد ترصبو إذل العربية‬
‫حسن حبشي بعنواف ‪" :‬اغبركب الصليبية" كنشره ُب سنة ‪1991‬ـ‪ ،‬كما قاـ سهيل زكار بَبصبة بعض‬
‫أجزائو كنشرىا ُب اعبزء السابع من موسوعتو الضخمة الٍب ظباىا "اؼبوسوعة الشامية ُب تاريخ اغبركب‬
‫الصليبية"‪.‬‬
‫كإف كاف كليم الصورم قد كتب عن اغبركب الصليبية كأكذل اىتماما خاصا ؼبملكة بيت‬
‫اؼبقدس‪ ،‬فإف كتابو تضمن معلومات تارىبية ُب غاية اْلنبية عن أحواؿ إمارات اْلرمن كعالقتهم‬
‫بالصليبيْب‪ ،‬كما حدث بْب الطرفْب من نزاعات كربالفات كيظهر ذلك كاضحا ُب ثنايا البحث‪.‬‬
‫كحملٍب اَلمرباطورية البيزنطية على قيليقيا‪ ،‬كعالقة اْلمّب مليح بالصليبيْب‪ .‬كيبدك كليم الصورم من‬
‫خالؿ حديثو عن اْلرمن أنو َل يعطي لإلمارات اْلرمينية أنبية كبّبة‪ ،‬كَل يضع حكامها ُب مرتبة‬
‫اْلمراء الصليبيْب‪ْ ،‬لنو مثل بقية رجاؿ الدين الغربيْب الذين يعتربكف أتباع الكنيسة اْلرمينية كغّبىم‬
‫من اليعاقبة أك اؼبنافزة عموما‪ُ ،‬ب صبلة اؽبراطقة‪.‬‬
‫كمن اؼبصادر الالتينية الٍب أفادت بعض اعبوانب من البحث‪ ،‬نذكر ‪:‬‬
‫فوشيو الشارترم )‪ : (Foucher de Charter‬ككتابو "اَلستيطاف الصلييب ُب فلسطْب‬
‫‪(Historia Hierosolymitana. Gesta‬‬ ‫تاريخ اغبملة إذل بيت اؼبقدس ‪1127-1095‬ـ"‪،‬‬
‫‪Francorum Hierusalem expugnantium ab an Domini 1095 usque ad an. 1127).‬‬
‫كلد فوشيو ُب مدينة شارتر الفرنسية‪ٍ ،‬ب أصبح كاىنا ؽبذه اؼبدينة‪ ،‬كحضر ؾبمع كلّبمونت‪ ،‬كذىب مع‬
‫اغبملة الصليبية اْلكذل إذل الشرؽ‪ .‬كبعد عبور اعبيش الصلييب آسيا الصغرل‪ ،‬التقى ببلدكين اْلكؿ‬

‫‪14‬‬
‫مقدمة‬
‫الذم انشق عن اعبيش الرئيسي كزحف شرقا عرب الفرات كأسس إمارة الرىا الصليبية‪ .‬كظل فوشيو‬
‫مالزما لبلدكين حٌب انتقل إذل بيت اؼبقدس بعد كفاة أخيو جودفرم كتوذل حكمها‪ ،‬كلذلك يعترب ىذا‬
‫الكتاب تأرىبان ْلعماؿ بلدكين اْلكؿ ُب إمارة الرىا‪ ،‬كُب فبلكة بيت اؼبقدس‪ .‬ترصبو إذل العربية قاسم‬
‫عبده قاسم‪ ،‬كنشره ُب سنة ‪ .2001‬كاستفدت منو ُب الفصلْب الرابع كاػبامس‪.‬‬
‫آلبرت دم إكس )‪ : (Albert d'Aix‬عنواف كتابو ‪" :‬تاريخ اْلعماؿ كاؼبالحم ُب ما‬
‫كراء البحار" )‪ ،(Histoire des faits et gestes dans les régions d'outre-mer‬ككاف‬
‫ألربت كاىنا كأمينا ػبزانة مدينة إكس َل شابيل اْلؼبانية‪ ،‬كدل يذىب ألربت إذل الشرؽ مطلقا‪ ،‬لكنو‬
‫اعتمد ُب كتابو على ركايات شهود عياف‪ ،‬ككاف معظمهم من الفرساف كاعبنود الذين ؽبم دراية كبّبة‬
‫باْلمور العسكرية‪ ،‬كما أنو اطلع على بعض اؼبراسالت كاؼبراسيم اؼبتعلقة باغبملة الصليبية اْلكذل‪ .‬كقد‬
‫ترجم ؿبمد ضبداف أضبد الكتاب من اللغة اْلؼبانية إذل العربية‪ ،‬ؿبتفظا باَلسم اْلؼباشل للمؤلف "ألربت‬
‫فوف آخن"‪ ،‬بعنواف ‪" :‬تاريخ اغبملة الصليبية اْلكذل كفبلكة بيت اؼبقدس" كنشره ُب سنة ‪2016‬ـ‪.‬‬
‫كرغم أنو وبمل معلومات ىامة عن أحداث اغبملة الصليبية اْلكذل فإنو َل يتضمن معلومات كثّبة عن‬
‫اإلمارات اْلرمينية‪.‬‬
‫المصادر السريانية‬
‫كاقتضى البحث‪ ،‬اَلعتماد على بعض اؼبصادر السريانية أيضا‪ ،‬نذكر منها ‪:‬‬
‫ميخائيل السرياني )‪ : (Michel le Syrien‬كىو أىم اؼبصادر السريانية على اإلطالؽ‪.‬‬
‫كلد ميخائيل حوارل سنة ‪516‬ق‪1122/‬ـ‪ ،‬ككاف أبوه أحد رجاؿ الدين ُب ملطية‪ ،‬بدأ حياتو اؼبهنية‬
‫ُب دير مار برسوما )‪ٍ ،(Mar Barsauma‬ب تدرج ُب اؼبناصب الدينية حٌب أصبح رئيسا للدير‪ٍ ،‬ب‬
‫بطريرؾ السرياف ُب مدينة أنطاكية بْب ‪596-561‬ق‪1199-1166/‬ـ‪ ،‬كىي سنة كفاتو‪ .‬ألف‬
‫ميخائيل ُب الدين كالقانوف كالتاريخ‪ ،‬ككاف أحد أبرز رجاؿ الدين ُب عصره‪.‬‬
‫كتب ميخائيل السرياشل حوليتو حوارل عاـ ‪592‬ق‪1196/‬ـ‪ ،‬كتنتهي اْلحداث الٍب أكردىا‬
‫ُب عاـ ‪591‬ق‪1195/‬ـ‪ .‬اعتمدت على النسخة الفرنسية الٍب ترصبها شابو )‪(J.-B. Chabot‬‬
‫كنشرىا ُب أربعة أجزاء بْب عامي ‪ 1899‬ك ‪1910‬ـ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مقدمة‬
‫أرخ ميخائيل اْلحداث الٍب تعرض ؽبا على طريقة السنوات‪ ،‬كلذلك قبده يتحدث عن حادثة‬
‫ما‪ ،‬دكف أف يوفيها حقها‪ٍ ،‬ب يعود إليها مرة أخرل ُب الفصوؿ الالحقة‪ ،‬ليسرد من جديد بعض‬
‫كقائعها‪ .‬يضاؼ إذل ذلك أنو أدخل على مادتو التارىبية كثّبا من اْلساطّب الدينية كغّب الدينية‪،‬‬
‫كلذلك هبد الباحث مشقة ُب استخالص اؼبادة التارىبية‪ .‬كقبده أحيانا يتهكم باؼبعتقدات الدينية‬
‫لألرمن‪ ،‬كينتقد تصرفات بعض قادهتم‪ .‬كيتحامل ُب كتابو على البيزنطيْب شأنو ُب ذلك شأف اليعاقبة‪،‬‬
‫كاؼبنافزة‪ ،‬فبا هبعلو متعصبا ؼبذىبو‪ .‬كرغم ذلك‪ ،‬فإف ما كتبو ميخائيل يتضمن مادة تارىبية ىامة عن‬
‫اإلمارات اْلرمينية‪ ،‬منها تاريخ اْلرمن ُب قيليقيا كعالقتهم باَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كربالف‬
‫اَلمرباطورية تارة مع السالجقة كتارة أخرل مع الصليبيْب ضد اْلرمن‪ ،‬كأحيانا انفرد بذكر أحداث دل‬
‫ترد ُب اؼبصادر اْلخرل مثل كقوع بوىيموند أسّبا ُب يد أضبد الدانشمند بسبب كشاية بعض اْلمراء‬
‫اْلرمن ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬كأحداث أخرل كردت ُب صفحات ىذا البحث‪ ،‬ناقشت بعضها‪.‬‬
‫كمن اؼبصادر السريانية أيضا ما كتبو ابن العبرم (‪1286-1226‬ـ) ُب كتبو الثالثة اؼبَبصبة‬
‫إذل اللغة العربية كىي ‪" :‬تاريخ ـبتصر الدكؿ"‪ ،‬كتاريخ الزماف"‪ ،‬ك "ـبطوطة تاريخ اْلزمنة"‪ ،‬غّب أف‬
‫استفادٌب كانت أكرب من كتاب "تاريخ الزماف" الذم اعتمد فيو كثّبا على ميخائيل السرياشل‪ ،‬أما‬
‫الكتابْب اآلخرين فهما يفيداف أكثر ؼبن يبحث ُب تاريخ اؼبغوؿ كانسيأّم ُب العادل اَلسالمي‪ ،‬كتاريخ‬
‫اؼبماليك كعالقتهم باإلمارات الصليبية‪.‬‬
‫المصادر العربية‬
‫رغم أف اؼبصادر العربية َل تتضمن معلومات غزيرة عن إمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬غّب أهنا تتحدث‬
‫عن أمراء اْلرمن أثناء حديثها عن الصليبيْب أك البيزنطيْب‪ ،‬كمنها ‪:‬‬
‫ابن القالنسي ‪ :‬ىو ابو يعلى ضبزة بن أسد التميمي‪ ،‬اؼبشهور بالقالنسي‪ ،‬كلد ُب دمشق‬
‫حوارل سنة ‪465‬ق‪1073/‬ـ‪ ،‬كّٔا نشأ‪ ،‬كتقلد فيها مناصب إدارية‪ ،‬حيث عمل ُب ديواف الرسائل‬
‫بدمشق‪ ،‬كتوذل رئاسة اؼبدينة مرتْب‪ .‬كيعترب ابن القالنسي أقدـ مؤرخ عريب تناكؿ اغبركب الصليبية‬
‫كذلك ُب مؤلفو اؼبشهور بػ "ذيل تاريخ دمشق"‪ .‬يؤرخ فيو من عاـ ‪ 363‬إذل ‪555‬ق ‪-974/‬‬
‫‪1160‬ـ‪ ،‬أم نفس العاـ الذم توُب فيو‪ .‬كقد اعتمد عليو من جاء بعده من اؼبؤرخْب مثل ابن‬
‫اعبوزم‪ ،‬كابن اْلثّب‪ ،‬كأبو شامة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫مقدمة‬
‫كيظهر من خالؿ عنواف الكتاب أنو ذيل لتاريخ ابن عساكر اؼبعركؼ بػ "تاريخ دمشق"‪ ،‬كما‬
‫ىو بذلك‪ْ ،‬لف ابن القالنسي متقدـ عليو‪ ،‬كالواقع أنو ذيل لتاريخ وبمل نفس العنواف ألفو ىالؿ‬
‫الصايب‪ ،‬كقد ضاع ىذا اؼبؤلَّف إَل قطعة عثر عليها اؼبستشرؽ اَلنكليزم آمدكز‪ ،‬فأغبقها بكتاب آخر‬
‫للصايب عنوانو ‪" :‬ربفة اْلمراء ُب تاريخ الوزراء"‪ .‬فابن القالنسي أخذ من تاريخ ىالؿ الصايب ما‬
‫ىبتص بدمشق‪ ،‬كزاد عليو ذيال ظباه "ذيل تاريخ دمشق"‪ ،‬ضمنو تاريخ دمشق كغّبىا‪.‬‬
‫ركل ابن القالنسي ُب كتابو أحداث بالد ما بْب الرافدين‪ ،‬كتاريخ سوريا‪ ،‬كدمشق‪ ،‬كتناكؿ‬
‫فيو أحداث اغبملتْب الصليبيتْب اْلكذل كالثانية‪ ،‬كذلك حٌب أكائل العهد الذم دخل فيو نور الدين إذل‬
‫دمشق‪ .‬يكتب ابن القالنسي دبوضوعية‪ ،‬كبأسلوب مزخرؼ‪ ،‬كما أف معاصرتو للحوادث الٍب كتب‬
‫عنها كاطالعو على بعض الوثائق حبكم منصبو‪ ،‬جعلت من كتابو مصدرا أساسيا حوؿ اْلحداث الٍب‬
‫كتب عنها‪َ .‬ل توجد فيو فصوؿ أك فقرات خاصة عن اإلمارات اْلرمينية‪ ،‬كلكنو تعرض لكثّب من‬
‫تاريخ اْلرمن ُب قيليقيا كاعبزيرة ُب معرض حديثو عن الصليبيْب أك السالجقة‪ ،‬كتيظهر ىوامش البحث‬
‫مدل اَلستفادة من ىذا اؼبصدر‪.‬‬
‫ابن األثير ‪ :‬ىو عز الدين أبو اغبسن علي بن ؿبمد‪ ،‬كلد ُب جزيرة ابن عمر على ضفاؼ‬
‫دجلة بالعراؽ عاـ ‪556‬ق‪1160/‬ـ‪ٍ ،‬ب انتقل بو كالده مع أخويو إذل اؼبوصل ُب سنة ‪579‬ق‪،‬‬
‫كأقاموا ّٔا إقامة دائمة‪ .‬تلقى علومو ُب بغداد كاؼبوصل‪ ،‬كالشاـ‪ ،‬كؼبا عاد من رحلتو العلمية استقر ُب‬
‫اؼبوصل بالعراؽ‪ ،‬ككتب فيها معظم كتبو‪ ،‬إذل غاية كفاتو ّٔا عاـ ‪630‬ق‪1234/‬ـ‪ .‬كاف كالده‬
‫موظفا عند ملوؾ اؼبوصل منذ عهد عماد الدين زنكي‪ ،‬كما كانت أسرتو على جانب من الثراء‪ .‬كاف‬
‫عز الدين أكسط أخويو ؾبد الدين‪ ،‬كضياء الدين‪ ،‬اللذاف خدما الزنكيْب كتوليا عدة مناصب سامية‪،‬‬
‫كدل ي ًرد ُب كتب ابن اْلثّب ما يفيد أنو دخل ُب خدمة ملوؾ اؼبوصل‪ ،‬كزبصص ُب التاريخ‪ ،‬كنبغ فيو‬
‫فألف عدة كتب‪.‬‬
‫كمن أىم كتبو الٍب اعتمدت عليها‪ ،‬كتاب "الكامل ُب التاريخ"‪ ،‬الطبعة الرابعة لدار الكتاب‬
‫العريب‪ ،‬الصادرة سنة ‪1983‬ـ‪ ،‬الذم يعترب أىم اؼبصادر العربية كأعظمها فائدة بالنسبة للبحث‪.‬‬
‫ككتاب "التاريخ الباىر ُب الدكلة اْلتابكية (باؼبوصل)‪ "،‬ربقيق عبد القادر أضبد طليمات‪ ،‬طبعة دار‬
‫الكتب اغبديثة‪ ،‬الصادرة سنة ‪1963‬ـ‪ ،‬كىو الكتاب الذم ألفو عن دكلة آؿ زنكي الٍب عاصرىا‬
‫كيطلق عليها ابن اْلثّب "الدكلة اْلتابكية" نسبة إذل لقب "اتابك"‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫مقدمة‬
‫كيتميز كتابو "الكامل ُب التاريخ" بشمولية الرؤية‪ ،‬كإحاطتو بكامل العادل اَلسالمي بدءا من‬
‫بالد ما كراء النهر كحٌب بالد اؼبغرب كإسبانيا‪ .‬كإذا كاف ابن اْلثّب ناقال ُب كثّب فبا كتب إَل أنو‬
‫سجل أحداث زمانو‪ ،‬كىو عصر اغبركب الصليبية كشاىد عياف‪ .‬كيأخذ عليو معظم اؼبؤرخْب أنو‬
‫يتعاطف مع العائلة الزنكية العراقية‪ ،‬كيتحامل بأسلوب غّب مباشر على صالح الدين اْليويب‪ ،‬رغم‬
‫إشادتو ببطوَلتو‪.‬‬
‫مٌب الرىاكم‪ ،‬ككليم الصورم‪ ،‬كميخائيل السرياشل قد حظوا بقدر غّب قليل من‬ ‫كإذا كاف َّ‬
‫اَلىتماـ باعتبارىم من أىم اؼبصادر اْلرمينية كالالتينية كالسريانية‪ ،‬عن تاريخ إمارة أرمينيا الصغرل‪،‬‬
‫كعالقتها بكل من السالجقة كالصليبيْب‪ ،‬فإف ابن اْلثّب يستحق نفس القدر من العناية‪ ،‬بل يفوقهم‬
‫ُب اْلنبية ْلنو َل يكتفي بذكر أحداث جافة ؾبردة من شخصية الكاتب‪ ،‬بل قبده يذكر اْلسباب‬
‫كيعلل كقوع بعض اْلحداث‪ ،‬كيعلق عليها أحيانا‪ ،‬كيبدم رأيا ُب البعض منها‪.‬‬
‫كقد اعتمدت كثّبا على اعبزأين الثامن كالتاسع‪ ،‬كَل يتعرض الكتاب فيهما بشكل مفصل‬
‫لتاريخ أرمينيا الصغرل‪ ،‬أك لألمراء اْلرمن‪ ،‬كلكنو يفصل اْلحداث الٍب كقعت بْب اْلرمن كالصليبيْب‬
‫أك بْب اْلرمن كاؼبسلمْب‪ ،‬فبا جعلو مفيدا للبحث‪ُ ،‬ب كثّب من فصولو‪ .‬ككاف يعتمد ُب كثّب من‬
‫ركاياتو على شهود عياف من النصارل الذين عاشوا ُب قيليقيا أك من زكارىا‪ ،‬فأثناء حديثو عن كفاة‬
‫اؼبلك ليوف اْلكؿ كاػبالؼ الذم حدث بْب اْلرمن حوؿ زكاج ابنتو بفيليب الكاثوليكي‪ ،‬يقوؿ ‪:‬‬
‫"حدثِب ّٔذا رجل من عقالء النصارل فبن دخل تلك البالد كعرؼ حاؽبا كسألت غّبه فعرؼ البعض‬
‫كأنكر البعض"‪.‬‬
‫ابن العديم ‪ :‬ىو الصاحب كماؿ الدين عمر بن أضبد بن ىبة ا﵁ ‪ ...‬بن أيب جرادة‪ ،‬كقد‬
‫كلد ُب مدينة حلب سنة ‪588‬ق‪1192/‬ـ‪ ،‬كسط أسرة من أبرز أسر حلب‪ ،‬حيث كانت تنعم‬
‫بأمالؾ كاسعة‪ ،‬كبرز كثّب من أفرادىا ُب السياسة كالعلم‪ ،‬كالقضاء‪ ،‬كاإلدارة‪ ،‬كالتجارة‪ ،‬كظلت ؿبتفظة‬
‫دبكانتها حٌب حل الدمار حبلب على أيدم جيوش ىوَلكو ُب سنة ‪658‬ق‪1260/‬ـ‪ .‬هنل ابن‬
‫العدصل من معارؼ عصره الدينية كالدنيوية‪ ،‬ككاف كثّبا ما يشد الرحاؿ طلبا للعلم‪ ،‬فزار دمشق أكثر‬
‫من مرة‪ ،‬كما زار بيت اؼبقدس‪ ،‬كالعراؽ‪ ،‬كاغبجاز‪ .‬كؼبا بلغ سن الشباب أخذ يشارؾ ُب اغبياة‬
‫السياسية كالعلمية ؼبدينة حلب‪ ،‬فقد كاف وبضر ؾبالس بعض ملوكها‪ ،‬كأرسل على رأس عدة كفود‬
‫كسفارات إذل ملوؾ الدكؿ آّاكرة ُب بالد الشاـ كاعبزيرة كآسيا الصغرل‪ ،‬كإذل سالطْب القاىرة‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫مقدمة‬
‫كخلفاء بغداد‪ ،‬كظل قبمو يصعد ُب ظباء السياسة ُب حلب حٌب كصل إذل مرتبة الوزير‪ ،‬كبعد اجتياح‬
‫اؼبغوؿ لشماؿ الشاـ‪ ،‬عرض عليو ىوَلكو منصب قاضي حلب‪ ،‬فرفض‪ ،‬كذىب إذل القاىرة‪ ،‬حيث‬
‫أمضى بقية حياتو‪ .‬كقد كافتو اؼبنية سنة ‪660‬ق‪1262/‬ـ‪.‬‬
‫كدل تشغلو السياسة كاغبياة العامة عن العمل الفكرم كالتأليف‪ ،‬حيث كانت تفتح لو خزائن‬
‫كتب كل بلد زارىا كتوضع ربت تصرفو‪ ،‬فنهل منها ما دل ينهلو سواه‪ ،‬كأكدع كل ذلك ُب كتبو‪ .‬كمن‬
‫أشهر مؤلفاتو الٍب اعتمدت عليها ُب اقباز ىذا البحث‪" ،‬بغية الطلب ُب تاريخ حلب"‪ ،‬كبشكل‬
‫أكرب كتابو "زبدة اغبلب ُب تاريخ حلب"‪ ،‬الذم يصل فيو إذل سنة ‪641‬ق‪1243/‬ـ‪ .‬كيبدك من‬
‫العنواف أنو يؤرخ فيو ؼبدينة مولده كنشاطو العلمي السياسي‪ ،‬كلكنو كاف يربط صبيع اْلحداث الٍب‬
‫عاصرىا ُب حلب‪ ،‬أك الٍب قرأ عنها‪ ،‬أك الٍب ركيت لو بغّبىا من اْلحداث الٍب جرت ُب اْلقاليم‬
‫آّاكرة‪ ،‬خاصة ما يتعلق باغبركب الصليبية‪ .‬كُب ىذا اإلطار يورد ابن العدصل بعض اؼبعلومات اؼبتعلقة‬
‫بأمراء أرمينيا الصغرل كعالقتهم بكل من السالجقة كالصليبيْب‪.‬‬
‫كباإلضافة إذل ىذا فقد عدت إذل مصادر عربية أخرل‪ ،‬بعضها يرجع إذل القرنْب الثامن‬
‫كالتاسع اؽبجريْب‪/‬الرابع عشر كاػبامس عشر اؼبيالديْب‪ ،‬كالٍب استعنت ّٔا لتأصيل بعض اْلحداث أك‬
‫لتوضيح بعض اْلفكار‪ ،‬مثل "التعريف باؼبصطلح الشريف" َلبن فضل ا﵁ العمرم‪ ،‬ك"دكؿ اَلسالـ"‬
‫للذىيب‪ ،‬ك"البداية كالنهاية" َلبن كثّب‪ ،‬ك"كتاب العرب كديواف اؼببتدأ كاػبرب" َلبن خلدكف كغّبىا‪.‬‬
‫المراجع الحديثة‬
‫كقبل عرض أىم اؼبراجع اغبديثة الٍب اعتمدت عليها ُب البحث‪َ ،‬لبد من اإلشارة إذل‬
‫دراستْب أكاديبيتْب كاف ؽبما السبق ُب خوض غمار ىذا اؼبوضوع ُب الوطن العريب كنبا ‪:‬‬
‫اْلكذل ‪" :‬مملكة أرمينية الصغرل بين الصليبيين كدكلة المماليك األكلى (‪-1250‬‬
‫‪1375‬ـ‪776-648/‬ىػ)"‪ ،‬لألستاذ الدكتور فايز نجيب اسكندر‪ ،‬رسالة مقدمة للحصوؿ على‬
‫درجة الدكتوراه جبامعة اَلسكندرية‪ُ ،‬ب سنة ‪ ،1980‬كما زالت دل تنشر غبد اآلف‪ .‬كىي أكؿ دراسة‬
‫أكاديبية ُب الوطن العريب ُب ىذا اؼبوضوع‪ .‬تتكوف الرسالة من ستة فصوؿ‪ ،‬فضال عن اؼبقدمة كاػباسبة‪،‬‬
‫ككما يدؿ عنواهنا فقد ركزت على الصراع بْب اؼبماليك كفبلكة أرمينيا الصغرل‪ .‬كاعبدير بالذكر أف‬
‫الدكتور فايز قبيب اسكندر َل زاؿ يتابع اؼبوضوع من خالؿ مقاَلتو كمشاركتو ُب اؼبؤسبرات‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫مقدمة‬
‫كاؼبلتقيات ببحوث كمداخالت عن تاريخ أرمينيا‪ .‬كرغم أف ىذه الرسالة بعيدة ُب إطارىا الزمِب عن‬
‫الذم حددتو لبحثي‪ ،‬فقد استفدت من فصلها التمهيدم الذم تطرؽ إذل ظركؼ تأسيس فبلكة‬
‫أرمينيا الصغرل‪ ،‬كما استفدت من قائمة اؼبصادر اؼبتخصصة ُب اؼبوضوع‪.‬‬
‫الثانية ‪" :‬العالقات الخارجية لمملكة أرمينيا الصغرل منذ منتصف القرف الثاني عشر‬
‫الميالدم حتى سنة ‪1375‬ـ"‪ ،‬للدكتورة فاطمة بوعمامة‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل شهادة اؼباجستّب‪،‬‬
‫جبامعة اعبزائر ُب سنة ‪ ،1994‬غّب منشورة غبد اآلف‪ .‬كىو أكؿ حبث علمي من نوعو ُب ىذا‬
‫اؼبوضوع باعبزائر‪ ،‬حازت بو فاطمة بوعمامة قصب السبق‪ .‬تتكوف الرسالة من فصل سبهيدم كبابْب‪،‬‬
‫اْلكؿ عنوانو عالقة أرمينيا الصغرل باؼبسيحيْب‪ ،‬يتكوف من ثالثة فصوؿ‪ .‬كعنواف الباب الثاشل ‪:‬‬
‫العالقات اْلرمينية بالعادل اإلسالمي‪ ،‬كيتكوف من ثالثة فصوؿ أيضا‪ .‬كقد ركزت الدكتورة بوعمامة ُب‬
‫رسالتها على اْلحداث الٍب شهدهتا فبلكة أرمينيا الصغرل ُب عهد اؼبلك ليوف اْلكؿ‪ ،‬بكل تفاصيلها‪.‬‬
‫ٍب تعرضت إذل ربالف اؼبملكة مع اؼبغوؿ ُب عهد ىيثوـ اْلكؿ‪ ،‬كصراعها مع اؼبماليك إذل غاية‬
‫سقوطها ُب سنة ‪1375‬ـ‪ .‬كنقطة التقاطع الوحيدة بْب رسالتها كىذا البحث‪ ،‬ىو عهد اؼبلك ليوف‬
‫اْلكؿ‪ ،‬كلذلك ذبنبت إعادة تقدصل اْلحداث بتفاصيلها خالؿ اؼبدة الٍب حكمها‪ ،‬كاكتفيت باإلحالة‬
‫إليها ُب اؽبوامش‪ .‬كلكنِب استفدت منها كثّبا فبا كرد ُب فصلها التمهيدم‪ ،‬أكثر من فصوؽبا الالحقة‪،‬‬
‫كما أفادتِب ُب التعريف باؼبصادر كاؼبراجع اْلساسية الٍب زبدـ اؼبوضوع‪.‬‬
‫كسأكتفي ُب اؼبراجع اغبديثة بتعريف طبسة مراجع أساسية أفادتِب كثّبا‪ ،‬ىي ‪:‬‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du nord à l'époque des Croisades et la‬‬
‫‪principauté franque d'Antioche.‬‬
‫ىذا الكتاب الصادر سنة ‪1940‬ـ‪ ،‬كاؼبتكوف من طبسة أقساـ‪ ،‬ىو دراسة أكاديبية فبتازة‪،‬‬
‫درس فيو أحداث اغبملة الصليبية اْلكذل‬‫للعادل الفرنسي كلود كاىن (‪ ،)1991-1909‬حيث ى‬
‫كاغبمالت الٍب تلتها‪ ،‬كالزحف اؼبغورل على مشاؿ الشاـ‪ ،‬إذل غاية سقوط إمارة أنطاكية الصليبية على‬
‫يد اؼبماليك ُب سنة ‪1268‬ـ‪ .‬كتعرض فيو إذل اإلمارات اْلرمينية الٍب نشأت ُب قيليقيا كمنطقة‬
‫الفرات‪ ،‬كعالقات الصليبيْب ّٔم‪ ،‬ككذا عالقتهم باْلمراء اؼبسلمْب اؼبعاصرين لتلك اْلحداث‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫مقدمة‬
‫‪Grousset René : Histoire des croisades‬‬
‫ركني جركسي (‪ ،)1952-1885‬اؼبؤرخ الفرنسي اؼبتخصص ُب تاريخ آسيا كأرمينيا‬
‫كاغبركب الصليبية‪ ،‬كتابو ىذا يتكوف من ثالثة أجزاء كصدر عدة مرات ُب طبعات ـبتلفة‪ ،‬اعتمدت‬
‫على طبعة حديثة صادرة ُب سنة ‪ ،1991‬من نوع كتب اعبيب )‪ .(livre de poche‬ككما ىو‬
‫كاضح من العنواف فالكتاب يتعلق بتاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬كىو من أىم اؼبراجع ُب ىذا اؼبوضوع‪.‬‬
‫استفدت منو ُب بعض اآلراء كاْلحكاـ الٍب أبداىا بشأف اغبكاـ اْلرمن أك الصليبيْب‪.‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans et‬‬
‫‪Croises, étude sur les pouvoirs arméniens dans le Proche-Orient‬‬
‫‪Méditerranéen (1068-1150).‬‬
‫جيرار ديدياف مؤرخ فرنسي من أصوؿ أرمينية‪ ،‬من مواليد ‪ ،1942‬ىو أستاذ التعليم العارل‬
‫ُب تاريخ العصور الوسطى جبامعة مونتبلييو ‪( (Montpellier III) 3‬حاليا متقاعد)‪ ،‬كىو من أبرز‬
‫اؼبتخصصْب ُب الدراسات اْلرمينية ُب كقتنا اؼبعاصر‪ ،‬كقد نشر عشرات الدراسات‪ ،‬كاؼبقاَلت حوؿ‬
‫تاريخ أرمينيا الصغرل ُب العصر الوسيط‪ .‬كتابو ىذا كاف ُب اْلصل أطركحة دكتوراه‪ٍ ،‬ب نشره سنة‬
‫‪ ،2003‬بعد تغيّب عنوانو‪ ،‬كىو يتكوف من جزأين‪ ،‬تعرض فيهما إذل ىجرة اْلرمن من أرمينيا الكربل‬
‫إذل كبادككيا ٍب إذل قيليقيا‪ ،‬كموقف اَلمرباطورية البيزنطية منهم‪ ،‬كطبيعة العالقة الٍب كانت قائمة بْب‬
‫اْلمراء اْلرمن كنظرائهم من حكاـ اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كالسلطنات اإلسالمية‪ ،‬كاإلمارات الصليبية‪،‬‬
‫معتمدا ُب ذلك على مصادر أرمينية‪ ،‬كثّب منها غّب مَبجم‪ ،‬كبعضها ما زاؿ ـبطوطا‪ .‬كىو يكتب عن‬
‫اْلحداث بإطناب شديد‪ ،‬حيث يَبؾ اغبادثة الرئيسة الٍب يكتب عنها‪ ،‬كيلجأ إذل ذكر تفاصيل كثّبة‬
‫تتعلق بأحداث أخرل ثانوية‪ٍ ،‬ب يعود للحادثة اْلكذل مرة أخرل‪.‬‬
‫كيبدك من كتاباتو‪ ،‬أنو يعترب قيليقيا جزءا من أرمينيا التارىبية‪ ،‬الٍب تعترب كطنا قوميا عبميع‬
‫اْلرمن‪ .‬فهو يركز فيها على استقاللية اْلرمن ُب أرمينيا الصغرل عن صبيع الدكؿ اؼبعاصرة ؽبم‪ .‬كمهما‬
‫كانت آراؤه‪ ،‬فال يبكن ْلم باحث ُب تاريخ أرمينيا الصغرل ُب العصر الوسيط‪ ،‬أف يستغِب عما كتبو‬
‫جّبار ديدياف‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مقدمة‬
‫‪Mutafian Claude : La Cilicie au carrefour des empires.‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant.‬‬
‫كلود موتافياف ىو اآلخر مؤرخ فرنسي من أصوؿ أرمينية‪ ،‬من مواليد ‪1942‬ـ‪ ،‬كىو ُب‬
‫اْلصل أستاذ التعليم العارل ُب الرياضيات جبامعة باريس ‪ ،8‬كأستاذ التعليم العارل ُب التاريخ الوسيط‬
‫أيضا‪ ،‬جبامعة السربوف باريس ‪ ،1‬متخصص ُب الدراسات اْلرمينية‪ .‬ألف كنشر ُب الرياضيات كلو‬
‫عدة مقاَلت ككتب ُب تاريخ أرمينيا الكربل كالصغرل‪.‬‬
‫الكتاب اْلكؿ يتكوف من جزأين‪ ،‬تعرض فيو إذل تاريخ أرمينيا الصغرل عرب العصور كصوَل إذل‬
‫عصر اغبركب الصليبية‪ .‬كدبا أف اؼبدة الزمنية الٍب عاعبها كانت طويلة جاءت اؼبعلومات ـبتصرة جدا‪،‬‬
‫خاصة كأف اعبزء الثاشل خصصو للخرائط كاعبداكؿ كالصور كمالحق للكتاب اْلصلي‪.‬‬
‫أما الكتاب الثاشل كىو اْلىم بالنسبة ؼبوضوع البحث‪ ،‬فهو ُب اْلصل أطركحة دكتوراه‪ٍ ،‬ب‬
‫نشره ُب جزأين ُب سنة ‪2012‬ـ‪ ،‬بعد تعديل عنوانو‪ ،‬تعرض ُب اعبزء اْلكؿ إذل العالقات الدبلوماسية‬
‫كمراسالت أمراء كملوؾ أرمينيا الصغرل‪ ،‬مع نظرائهم من اؼبلوؾ كاْلمراء ُب الدكؿ اْلخرل‪ ،‬دبا ُب‬
‫ذلك اؼبراسالت الٍب سبت بْب رجاؿ الدين اْلرمن‪ ،‬كرؤساء الكنائس اْلخرل‪ .‬أما اعبزء الثاشل فهو‬
‫عبارة عن ؾبموعة من اؼبالحق يضم خرائط كأشكاؿ بيانية كجداكؿ كصور‪.‬‬
‫كاعبدير بالذكر أف كلود موتافياف يكتب بأسلوب تغلب عليو الركح الوطنية‪ ،‬فهو شبيو ُب‬
‫مٌب الرىاكم‪ ،‬ككأنو يكتب من أجل إحياء أؾباد اْلرمن ُب قيليقيا‪ ،‬كإثبات كجودىم‬ ‫ذلك باؼبؤرخ َّ‬
‫كدكلة كليس كشعب تابع لإلمرباطوريات كالدكؿ آّاكرة‪ .‬كَل ترقى كتاباتو إذل مستول ما كتبو جّبار‬
‫ديدياف حوؿ أرمينيا الصغرل‪.‬‬
‫كتعود أنبية ما كتبو اْلرمن حديثا‪ ،‬أهنم اعتمدكا على مصادر أرمينية بعضها دل يَبجم‪ ،‬كبعضها‬
‫مازاؿ ـبطوطا‪ ،‬كعلى مصادر َلتينية غّب مَبصبة‪ ،‬كنادرا ما يعودكف إذل اؼبصادر العربية‪ .‬كلذلك كجدهتم‬
‫يريدكف معرفة ما كتب عن أرمينيا الصغرل ُب اؼبصادر العربية‪ ،‬خاصة غّب اؼبَبصبة إذل اللغات اغبية‪.‬‬
‫كيضاؼ إذل اؼبصادر كبعض اؼبراجع الٍب أشرنا إليها سالفا‪ ،‬عدد آخر من اؼبصادر اْلرمينية‬
‫كالعربية كالالتينية كاليونانية‪ ،‬الٍب حصلنا منها على فوائد صبة يبدك أثرىا جليا ُب ثنايا البحث‪ .‬فضال عن‬
‫اؼبراجع كاؼبقاَلت اؼبتخصصة كاؼبوسوعات الٍب استفدت منها ُب عرض العديد من اْلحداث كاآلراء‪،‬‬
‫الٍب كردت ُب صفحات البحث‪ ،‬سواء كانت باللغة العربية أك اَلقبليزية أك الفرنسية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل األّل‬

‫بالد األرمن قبل القرف الخامس الهجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬

‫‪ -1‬اإلطار الجغرافي لبالد األرمن‬

‫ا – أرمينيا الكبرل‬

‫ب ‪ -‬أرمينيا الصغرل‬

‫‪ -2‬تطور قيليقيا قبل القرف الخامس الهجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬

‫أ – قيليقيا قبل الفتح اإلسالمي‬

‫ب ‪ -‬الفتوحات االسالمية في قيليقيا‬

‫ج ‪ -‬عودة البيزنطيين إلى قيليقيا‬

‫د ‪ -‬التوسع البيزنطي في أرمينيا الكبرل‬


‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬

‫قبل التطرؽ إذل عالقة اْلرمن بالصليبيْب‪ ،‬كمسانبتهم ُب تأسيس اإلمارات الصليبية ُب بالد‬
‫الشاـ‪ ،‬ككل التفاصيل اؼبتعلقة بتلك اْلحداث‪َ .‬لبد من ربديد اإلطار اعبغراُب لبالد اْلرمن‪ْ ،‬لنو من‬
‫العوامل الٍب تساعد على فهم اْلحداث‪ ،‬كىو من أقلها عرضة للتغيّب‪ٍ .‬ب توضيح الفرؽ بْب أرمينيا‬
‫الكربل الٍب تعترب موطنهم اْلصلي‪ ،‬كأرمينيا الصغرل‪ ،‬الٍب نشأت ُب إقليم قيليقيا ُب أكاخر القرف‬
‫اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪.‬‬

‫كيتعرض ىذا الفصل أيضا‪ ،‬إذل الصراعات السياسية‪ ،‬كالعسكرية بْب اَلمرباطوريات الكربل‬
‫الٍب تنافست على ىذا اإلقليم‪ ،‬كيركز على انتقالو إذل حوزة اؼبسلمْب منذ القرف اْلكؿ اؽبجرم‪/‬السابع‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬بعد اقتطاعو من اَلمرباطورية البيزنطية‪ .‬كما يتطرؽ إذل حرب الثغور الٍب نشبت بْب الدكلة‬
‫البيزنطية كاػبالفة العباسية ُب القرف الرابع اؽبجرم‪/‬العاشر اؼبيالدم‪ ،‬حيث استعاد البيزنطيوف قوهتم‬
‫كنشاطهم العسكرم‪ُ ،‬ب عهد اْلسرة اؼبقدكنية‪ ،‬بينما بدأت الدكلة العباسية عصرا جديدا من الضعف‬
‫كاَلكبالؿ‪ ،‬كدل تعد قادرة على الصمود أماـ البيزنطيْب كضباية مدف الثغور من ىجماهتم‪ ،‬فخرج إقليم‬
‫قيليقيا من دار اإلسالـ‪ ،‬كدخل إذل حظّبة اؼبسيحية‪ .‬كؼبا ذاقت الدكلة البيزنطية طعم اَلنتصار على‬
‫اؼبسلمْب‪ ،‬شرعت تتوسع على حساب اْلرمن ُب أرمينيا الكربل‪ ،‬منتقمة منهم بسبب موقفهم‪،‬‬
‫كمذىبهم اؼبخالف ؼبذىب الكنيسة البيزنطية‪ ،‬كاستخدمت مع ملوكهم كأمرائهم كل أساليب الَبغيب‬
‫كالَبىيب ليتنازلوا ؽبا عن بالدىم‪.‬‬

‫كطيلة القركف اْلربعة اْلكذل من التاريخ اؽبجرم (القرف السابع إذل العاشر اؼبيالديْب)‪ ،‬دل يكن‬
‫لألرمن ُب قيليقيا أية سلطة سياسية‪ ،‬فبعضهم كاف خاضعا للخالفة العباسية‪ ،‬كبعضهم اآلخر كاف‬
‫خاضعا لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كمع أكاخر القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬أخذت‬
‫اْلكضاع تتبدؿ فبا أدل إذل تغيّب اػبريطة السياسية آلسيا الصغرل برمتها‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫‪ -1‬اإلطار الجغرافي لبالد األرمن‬
‫ا – أرمينيا الكبرل‬
‫قسم اْلرمن بالدىم قديبا إذل أرمينيا ال ػكػربل )‪ ،(Mez-Haik‬كأرم ػي ػن ػي ػا ال ػص ػغ ػرل‬
‫)‪ 1.(Pokr-Haik‬فأرمينيا الكربل تشكل إقليما رئيسا ُب منطقة القوقاز اعببلية الشاسعة الواقعة ُب‬
‫غرب آسيا‪ .‬كىي سبتد من الضفة اليسرل لنهر الفرات ُب الغرب‪ ،‬إذل ملتقى هنرم كور )‪(le Koura‬‬
‫كالرس )‪ُ (l'Arak's‬ب الشرؽ غّب بعيدة عن حبر قزكين‪ ،‬كمن هنر دجلة كجزيرة ابن عمر جنوبا إذل‬
‫مدينة تفليس على ضفة هنر كور ُب الشماؿ‪ 2.‬كتذكر بعض اؼبصادر اْلرمينية أف حدكدىا الغربية‬
‫امتدت إذل السواحل الشرقية للبحر اؼبتوسط‪ 3.‬أما فلكيا فهي تقع بْب خطي طوؿ شباف كثالثْب‬
‫درجة‪ ،‬كشباف كأربعْب درجة شرقا‪ ،‬كبْب دائرٌب عرض سبع كثالثْب درجة‪ ،‬ككاحد كأربعْب درجة مشاَل‪.‬‬
‫يل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪4 2‬‬
‫كتقدر مساحتها حبوارل ‪ 508 731‬كلم ‪ .‬كمن اؼبدف الٍب اشتهرت ُب ىذا اإلقليم‪ ،‬ىدب ه‬
‫‪6‬‬
‫نازكًٍرد‪ ... 5‬كيعترب اْلرمن ىذه البالد أرض آبائهم كأجدادىم‪،‬‬
‫كم ٍ‬‫كقارص‪ ،‬ى‬
‫ط‪ ،‬كأرزف‪ ،‬كآشل‪ٍ ،‬‬
‫ً‬
‫كخال ي‬
‫فهم يقولوف ‪" :‬أرمينيا الكربل ىي تلك البالد الٍب سكنها يافث بن نوح"‪ 7.‬ككانوا يسموهنا قديبا‬

‫‪1‬‬
‫‪Canard M. : Arminiya, in : Enc. Isl., E. J. Brill, Leiden, 1986. t. I, p. 642.‬‬
‫‪ 2‬بوعمامة فاطمة ‪" :‬ال عالقات اػبارجية ؼبملكة أرمينيا الصغرل منذ منتصف القرف الثاشل عشر اؼبيالدم حٌب سنة ‪1375‬ـ"‪،‬‬
‫رسالة لنيل شهادة اؼباجستّب ُب تاريخ العصور الوسطى‪ ،‬إشراؼ ابراىيم فخار‪ ،‬معهد التاريخ‪ ،‬جامعة اعبزائر‪ ،‬السنة اعبامعية‬
‫‪ .1994-1993‬ص ‪21‬؛‬
‫‪Laurent Joseph : L'Arménie entre Byzance et l'Islam depuis la conquête arabe jusqu'en 886,‬‬
‫‪Fontemoing et Cie, Paris, 1919. p. 299; Canard M. : op. cit., p. 634.‬‬
‫‪ 3‬خوريناتسي موسيس ‪ :‬تاريخ اْلرمن من البداية حٌب هناية القرف اػبامس اؼبيالدم‪ ،‬نقلو عن اْلرمينية نزار خليلي‪ ،‬إشبيلية‬
‫للدراسات كالنشر كالتوزيع‪ ،‬دمشق‪ .0888 ،‬ص ‪23‬؛ خاقبي انطوف ‪ :‬ـبتصر تواريخ اْلرمن‪ ،‬دير اآلباء الفرنسيسكاف‪،‬‬
‫أكرشليم‪ .0757 ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Hewsen Robert H. : Géogrphie physique, ds. : H. P. Arm., sous la direction de Gérard‬‬
‫‪Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008. p. 32.‬‬
‫‪ 5‬أنظر اؼبلحق العاشر‪ ،‬ص ‪.372‬‬
‫‪ 6‬الدبس يوسف ‪ :‬تاريخ الشعوب اؼبشرقية ُب الدين كالسياسة كاَلجتماع‪ ،‬دار نظّب عبود (بدكف مكاف)‪ .2000 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.130‬‬
‫‪ 7‬خاقبي انطوف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪25‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫ىايستاف )‪ (Hayastan‬أم بالد ىايك )‪ .1(Hayk‬أقبب ىايك العديد من اْلكَلد كاْلحفاد‪،‬‬
‫منهم حفيده اػبامس الذم يدعى "آراـ"‪ 2،‬كقد خاض حركبا عديدة من أجل توسيع بالده ُب كل‬

‫‪ 1‬عرفت بأظباء أخرل منها‪ ،‬أرمنستاف‪ ،‬ككارستاف‪ ،‬كظبوخيٍب‪ ،‬كنايرم‪ .‬كيؤكد اْلرمن اْلكائل أهنم من نسل يافث بن نوح (عليو‬
‫السالـ)‪ ،‬كأف أحد أحفاد يافث كىو ىايك الذم عاش حوارل سنة ‪ 2350‬ؽ‪ .‬ـ‪ .‬سكن البالد الواقعة عند سفوح جباؿ آرارات‬
‫بعدما انتصر على البابليْب‪ .‬كيركم اؼبؤرخ اْلرميِب موسيس خوريناتسي (‪493-410‬ـ) الذم يلقب ّّٔبكدكت اْلرمن‪ ،‬أف ‪:‬‬
‫"ىايك جد اْلمة اْلرمينية‪ ،‬الذم كاف ابنا لتوركوـ بن تّباس بن حاـ بن نوح‪ ،‬كىذه اْلمة ىي من ذريتو الٍب سكنت تلك البالد‪،‬‬
‫كبدأ كا يتكاثركف فيها كيعمركهنا"‪ ،‬كعنو نقل غالبية مؤرخي اْلرمن‪ .‬بينما يركم أنطوف خاقبي كىو مؤرخ أرميِب أف ‪" :‬ىايكسوس‬
‫بن طوركومّبكس بن كامّبكس بن يافث بن نوح"‪ ،‬فهل كاف ىايك حفيدا غباـ أـ ليافث ؟ كتعترب ىذه الركاية ضربا من ضركب‬
‫اْلساطّب من الوجهة العلمية‪ ،‬كلكنها دخلت ُب صميم اؼبعتقدات كالتقاليد اْلرمينية‪ .‬كحٌب اؼبصادر العربية تذكر أف اْلرمن ىم‬
‫من نسل يافث بن نوح‪ .‬ككل ىذا يعتمد على ما يزعمو اْلرمن أف سفينة سيدنا نوح (عليو السالـ)‪ ،‬رست على جبل آرارات‬
‫الذم يقع ُب أرمينيا‪ ،‬كأهنم يبلكوف بْب ظهرانيهم شظية من السفينة ُب أحد أديرهتم ُب بلدة أتشميادزين‪ ،‬الٍب تقع اآلف ُب‬
‫صبهورية أرمينيا‪ .‬كيستندكف ُب ىذا على نصوص كردت ُب التوراة العربانية ُب اآلية الرابعة من سفر التكوين اْلصحاح الثامن‬
‫‪":‬كاستقر الفلك ُب الشهر السابع ُب اليوـ السابع عشر من الشهر على جباؿ أراراط"‪ .‬كجاء ُب التوراة السامرية ‪" :‬كاستقرت‬
‫السفينة ُب الشهر السابع ُب سبعة عشر يوما من الشهر على جباؿ سرنديب"‪ .‬كأراراط ىي جباؿ تقع ُب أرمينيا الكربل‪ ،‬أما‬
‫سرنديب فهي جزيرة سرم لنكا )‪( (Sri Lanka‬سيالف سابقا)‪ ،‬الواقعة ُب ا﵀يط اؽبندم‪ ،‬جنوب اؽبند‪ .‬كىنا نالحظ التناقض‬
‫بْب التوراة العربانية كالتوراة السامرية‪ُ ،‬ب ربديد اؼبوقع الذم رست بو السفينة‪ .‬كلكن أصدؽ كتاب كىو القرآف الكرصل ىبربنا أف‬
‫اظباء اىقٍلًعًي ك ًغيض اؼباء كقه ً‬
‫ض ىي‬ ‫ً‬ ‫السفينة استقرت باعبودم‪ ،‬قاؿ تعاذل ُب سورة ىود‪ ،‬اآلية ‪" : 44‬كقًيل ياأىر ً ً‬
‫ى ى ىي ى‬ ‫ض ابٍػلىعي ىماءىؾ ىكيى ىى ي‬
‫ى ىىٍ ي‬
‫ْب"‪ .‬كاعبودم عرفتو اؼبصادر العربية دبا ُب ذلك كتب التفسّب أنو جبل بأرض‬ ‫ً ً ًً‬ ‫ً ً‬
‫يل بػي ٍعدان ل ٍل ىق ٍوـ الظىالم ى‬
‫ت ىعلىى اعبيودم ىكق ى‬
‫استىػ ىو ٍ‬
‫اْل ٍىمير ىك ٍ‬
‫اؼبوصل يطل على جزيرة ابن عمر ُب اعبانب الشرقي من دجلة‪ ،‬كُب قمتو مسجد نوح‪ .‬كالبحث عن سفينة سيدنا نوح على جبل‬
‫ارارات َليزاؿ جاريا إذل اآلف‪ ،‬إلثبات صدؽ التوراة‪ ،‬كدل يتم العثور على أم دليل على ماكرد ُب سفر التكوين‪ .‬كبناء على ذلك‬
‫فإف استقرار السفينة ُب جباؿ آرارات بأرمينيا ادعاء َل أساس لو من الصحة‪ ،‬كَل يسمح آّاؿ ىنا ؼبناقشتو‪( .‬أنظر ‪ :‬خوريناتسي‬
‫موسيس ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪45‬؛ اؼبقدسي (مشس الدين أبو عبد ا﵁ ؿبمد بن أضبد بن أيب بكر) ‪ :‬أحسن التقاسيم ُب معرفة‬
‫اْلقاليم‪ ،‬مطبعة بريل‪ ،‬ليدف‪ .1906 ،‬ص ‪374‬؛ اغبموم (شهاب الدين أبو عبد ا﵁ ياقوت بن عبد ا﵁) ‪ :‬معجم البلداف‪ ،‬دار‬
‫إحياء الَباث العريب‪ ،‬بّبكت‪ .2008 ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪88‬؛ التوراة السامرية‪ ،‬ترصبها إذل العربية‪ ،‬أبو اغبسن إسحق الصورم‪ ،‬نشرىا‬
‫السقا‪ ،‬دار اْلنصار‪ ،‬القاىرة‪ .1978 ،‬ص ‪351-350 ،44‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬بلداف اػبالفة‬ ‫كعرؼ ّٔا د‪ .‬أضبد حجازم َّ‬ ‫َّ‬
‫الشرقية‪ ،‬نقلو إذل العربية بشّب فرنسيس ككوريكس عواد‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ ،1‬بّبكت‪ .0874 ،‬ص ‪123‬؛ خاقبي انطوف‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪26-22‬؛ اؼبدكر عثماف‪ ،‬اْلرمن عرب التاريخ‪ ،‬منشورات دار نوبل‪ ،‬ط ‪ ،2‬دمشق‪( ،‬د ت)‪ .‬ص ‪98‬؛ الدبس‬
‫يوسف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪106-102‬؛ عبد اغبكيم منصور ‪ :‬طوفاف نوح عليو السالـ ُب القرآف الكرصل كاْلساطّب‬
‫القديبة‪ ،‬دار الكتاؿ العريب‪ ،‬دمشق‪ .2012 ،‬ص ‪.)131-107‬‬
‫‪ 2‬ىو "آراـ اؼبلك بن ىارمايوس بن كيغاـ بن أماسيوس بن ارمابيوس بن أرماناؾ بن ىايكسوس"‪( .‬انظر ‪ :‬خاقبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.).9‬‬

‫‪26‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫اإلذباىات‪ 1.‬كأكسبتو تلك اغبركب ظبعة‪ ،‬كمكنتو من بسط نفوذه على منطقة شاسعة‪ ،‬فبا جعل‬
‫اْلمم آّاكرة تطلق اسم أرمينيا اؼبشتق من آراـ على كل تلك البالد‪" ،‬كمازالت ربمل ذلك اَلسم‬
‫حٌب اآلف زبليدا لذكراه كأعمالو البطولية"‪ 2.‬كحٌب اؼبصادر العربية تذكر أهنا ‪" :‬ظبيت أرمينية بأرميِب‬
‫‪3‬‬
‫بن لىنطى كىو ابن يوناف بن يافث"‪.‬‬

‫كُب نظر اْلرمن‪َ ،‬لسبثل صبهورية أرمينيا اغبالية (‪ 18 711‬كلم‪ )1‬كإقليم كرباخ (‪ 3 311‬كلم‪)1‬‬
‫اللذين استقر فيهما اْلرمن بشكل دائم إَل بقايا كطن مفقود‪ ،‬كتشكل اؼبنطقتاف حوارل العشر فبا‬
‫يعتربه اْلرمن كطنهم القومي كالتارىبي الذم عاش فيو أجدادىم‪ 4،‬كىو اآلف مقسم سياسيا بْب سوريا‬
‫‪5‬‬
‫كالعراؽ كإيراف كتركيا كصبهوريات القوقاز الثالثة‪ ،‬أرمينيا كجورجيا كأذربيجاف‪.‬‬

‫كالواقع أف اْلرمن‪ ،‬خالؿ تارىبهم الطويل‪ ،‬دل يكونوا متحدين ربت سلطة سياسية كاحدة‪،‬‬
‫كدل تكن ؽبم دكلة قائمة بذاهتا كحقيقة تارىبية إَل لفَبة ؿبدكدة؛ ْلف بالدىم‪ ،‬كانت دائما ضحية‬
‫صراع بْب جّباهنا اْلقوياء الذين أدركوا أنبية موقعها اَلسَباتيجي بْب الشرؽ كالغرب‪ .‬كدل يكن من‬
‫مصلحة القول الكربل آنذاؾ‪ ،‬قياـ فبلكة أرمينية قوية‪ ،‬فعملوا على تشجيع أمراء اإلقطاع على‬
‫تأسيس كيانات سياسية صغّبة منفصلة عن بعضها البعض‪ ،‬كإلحكاـ قبضتهم عليها‪ ،‬كانوا يناصركف‬
‫أمّبا ُب كقت ما‪ ،‬كيبنحونو استقالَل ذاتيا‪ ،‬كيناصركف أمّبا آخر ُب كقت َلحق‪ ،‬كازبذ كل أمّب منهم‬
‫لقب ملك‪ ،‬كلكنو ظل لقبا خاليا من اؼبعُب اغبقيقي‪ .‬كيعرب اؼبؤرخ يوسف لورانت )‪(J. Laurent‬‬
‫اؼبتخصص ُب الدراسات اْلرمينية عن ىذا الوضع بقولو ‪" :‬دل يتمكن اْلرمن أبدا من توحيد صبيع‬
‫قواىم كالقياـ بعمل مشَبؾ‪ .‬كقد كاف اَلستقالؿ الذاٌب الذم عاشوا ُب ظلو‪ ،‬ىبة من جّباهنم‬

‫‪ 1‬خوريناتسي موسيس ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬


‫‪ 2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ 3‬ابن الفقيو (أضبد بن ؿبمد بن اسحاؽ بن ابراىيم اؽبمذاشل (ت كبو ‪ 231‬ىػ)) ‪ :‬كتاب البلداف‪ ،‬ربقيق يوسف اؽبادم‪ ،‬عادل‬
‫الكتب‪ ،‬بّبكت‪ .0885 ،‬ص ‪472‬؛ اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.022‬‬
‫‪ 4‬انظر اؼبلحق العاشر ص ‪.483‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Mouradian Claire : L'Arménie, Presse Universitaire de France, 9eme ed. Paris, 2009. p. 25.‬‬

‫‪27‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫اْلقوياء‪ ،‬كليس بإرادهتم اػباصة؛ ْلهنم دل يتوفركا على ما يكفي من كعي سياسي كشعور قومي‬
‫‪1‬‬
‫ليؤسسوا دكلة قوية متحدة كمستقلة"‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أرمينيا الصغرل‬
‫كإذا كاف اؼبؤرخوف اْلرمن قد كضعوا ربديدا جغرافيا عاما ْلرمينيا الكربل‪ ،‬كثابتا منذ العصر‬
‫القدصل إذل اليوـ‪ ،‬فإف اْلمر ىبتلف بالنسبة ْلرمينيا الصغرل؛ ْلف ىذا اَلسم الذم أطلق على البالد‬
‫اْلرمينية الواقعة غرب الفرات كاف مدلولو يتغّب على مر العصور‪ .‬كَل بد من اإلشارة إذل أف اؼبصادر‬
‫اليونانية‪ ،‬كالالتينية ىي أكثر ذكرا من اؼبصادر اْلرمينية ؼبنطقة تقع إذل الغرب من أرمينيا الكربل‬
‫يسموهنا أرمينيا الصغرل‪ ،‬كيبكن ربديدىا عموما باإلقليم الواقع ُب مشاؿ غريب الفرات‪ ،‬كيعرؼ ىذا‬
‫اَلقليم باسم كبادككيا )‪ 2.(Cappadoce‬كيفهم من النصوص التارىبية أف ىذه التسمية أطلقت‬
‫على اؼبناطق الٍب توسع فيها اْلرمن‪ ،‬كاستوطنوىا خالؿ عصور ـبتلفة‪ٍ ،‬ب ضموىا إذل فبلكتهم ُب‬
‫‪3‬‬
‫القرف اْلكؿ قبل اؼبيالد‪.‬‬

‫كى ػك ػذا أط ػل ػق اس ػم أرم ػي ػن ػي ػا ال ػص ػغ ػرل )‪ (Pokr Hayk‬أكؿ اْلم ػر‪ 4‬ع ػل ػى ال ػم ػن ػط ػق ػة‬
‫ال ػم ػح ػص ػ ػورة ب ػي ػن اؼب ػج ػرل اْلع ػل ػى ل ػن ػه ػرم ى ػال ػي ػس )‪ 5،(Hallys‬كال ػف ػرات )‪.(l'Euphrate‬‬
‫كب ػداي ػة م ػ ػن ال ػ ػق ػ ػرف ال ػس ػاب ػع ال ػم ػ ػي ػ ػالدم ت ػ ػوس ػ ػع م ػ ػدلوؿ ى ػ ػذا اَلس ػ ػم ن ػ ػح ػ ػو ال ػ ػج ػ ػن ػ ػوب‬
‫‪6‬‬
‫ف ػ ػ ػ ػ ػأصػ ػ ػ ػ ػ ػب ػ ػح ي ػ ػش ػ ػم ػ ػل ك ػل ال ػ ػم ػ ػ ػن ػ ػط ػ ػق ػ ػة ال ػ ػج ػ ػب ػ ػل ػ ػي ػ ػة ال ػ ػم ػ ػح ػ ػص ػ ػ ػورة ب ػ ػي ػ ػن م ػ ػل ػ ػط ػ ػيػ ػ ػة )‪(Mélitène‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Laurent J. : op. cit., p. 3.‬‬
‫‪ 2‬كبادككيا ‪ :‬كاف العرب يسموهنا بالد القباذؽ‪ ،‬كىي إقليم كاسع ُب بالد الركـ‪ ،‬ينتهي عند جباؿ طوركس كأذنة كاؼبصيصة‪ ،‬كفيها‬
‫حصوف كثّبة‪ ،‬كمن مدهنا قونية‪( .‬أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪16‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)171‬‬
‫‪ 3‬خوريناتسي موسيس ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪34‬؛ خاقبي أنطوف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪7‬؛‬
‫‪Chaumont Marie-Louise et Traina Giusto : Les Arméniens entre l'Iran et le monde gréco-‬‬
‫‪romain (Ve siècle av. J.-C. vers 300 ap. J.C.), ds. H. P. Arm., sous la direction de Gérard‬‬
‫‪Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008. pp. 104, 119-127.‬‬
‫‪ 4‬انظر اؼبلحق العاشر‪ ،‬ص ‪.483‬‬
‫‪ 5‬ىو هنر قزؿ ارماؽ )‪( (Kızılırmak‬النهر اْلضبر) ُب تركيا‪.‬‬
‫‪ 6‬ىملىطٍيىةي )‪( : (Mélitène‬كالعامة تنطقها ىملى ًطيَّةي)‪ ،‬تقع ُب بالد الركـ قرب هنر الفرات‪ ،‬كتتاخم الشاـ‪ ،‬كىي من أىم مدف‬
‫كبادككيا القديبة‪ ،‬أعاد بناءىا أبو جعفر اؼبنصور بعد أف خرّٔا الركـ‪ ،‬كتقع اآلف تقع ُب تركيا شرؽ اْلناضوؿ كيسموهنا =‬
‫‪28‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كق ػ ػي ػ ػ ػصػ ػ ػ ػري ػ ػ ػ ػة ك ػب ػادكك ػي ػا‪ٍ ،(Césarée de Cappadoce) 1‬ب أطلق على اؼبنحدرات اعبنوبية عبباؿ‬
‫طوركس كسهل قيليقيا كعلى إمارة أرمينيا الٍب تأسست ُب ىذه الربوع خالؿ القرف القرف اغبادم عشر‬
‫‪3‬‬
‫اؼبيالدم‪ 2.‬كتطورت إذل فبلكة ُب هناية القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪.‬‬

‫أما اؼبصادر العربية فإهنا تقدـ ربديدا آخر ْلرمينيا الصغرل‪ ،‬حيث يذكر اليعقويب الذم عاش‬
‫خالؿ القرف الثالث اؽبجرم‪/‬التاسع اؼبيالدم كزار أرمينيا كأطاؿ اؼبقاـ فيها‪ ،‬أف تفليس‪ 4‬من مدف أرمينيا‬
‫دكف أف وبدد أرمينيا الصغرل أك الكربل‪ 5،‬كاإلدريسي الذم عاش خالؿ القرف السادس اؽبجرم‪/‬الثاشل‬
‫عشر اؼبيالدم‪َ ،‬ل وبدد موقع كَل حدكد أرمينيا الصغرل كلكنو يذكر أف مدينة ىميَّافا ًرقْب‪ 6‬ىي من مدف‬
‫أرمينيا الصغرل‪ 7.‬كاؼبعركؼ أف ىذه اؼبدينة تقع ُب إقليم اعبزيرة‪ 8‬أم شرؽ الفرات كليس غربو‪ .‬بينما‬
‫ذكرت اؼبصادر غّب العربية أف أرمينيا الصغرل تقع غرب الفرات‪ .‬أما ياقوت اغبموم‪ ،‬الذم عاش‪ُ ،‬ب‬
‫أكاخر القرف السادس كبداية السابع اؽبجريْب‪/‬أكاخر الثاشل عشر كبداية الثالث عشر اؼبيالديْب‪ ،‬فيذكر أف‬

‫= )‪( ،(Malatya‬أنظر ‪ :‬ابن الفقيو ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪163‬؛ اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪316-315‬؛ اؼبوسوعة‬
‫العربية اؼبيسرة‪ ،‬اؼبكتبة العصرية‪ ،‬بّبكت‪ .1101 ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.)2100‬‬
‫‪ 1‬قيصرية كبادككيا ‪ :‬كتكتب أيضا قيسارية‪ ،‬تقع ُب بالد الركـ‪ ،‬ككانت من أىم مدف السالجقة‪ ،‬كتسمى قيصرية كبادككيا سبييزا ؽبا‬
‫عن مدينة قيصرية الواقعة على ساحل البحر اؼبتوسط ُب فلسطْب‪ .‬تقع حاليا جنويب تركيا‪ ،‬كتسمى )‪( .(Kayseri‬أنظر ‪:‬‬
‫اغبموم‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪107‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)178 ،171‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Laurent J., op. cit., pp. 300-301.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, Les Belles Lettres, Paris, 2012. t. I, p. 410.‬‬
‫‪ 4‬تفليس ‪ :‬فتحها حبيب بن مسلمة ُب عهد عثماف بن عفاف رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كىي عند اغبموم آخر مدينة ُب بالد اإلسالـ (َل‬
‫إسالـ كراءىا)‪ ،‬كتسمى حاليا تبليسي )‪ (Tblissi‬كىي عاصمة صبهورية جورجيا (كرجستاف آنذاؾ)‪( .‬أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪337‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)105‬‬
‫‪ 5‬اليعقويب (أضبد بن أيب يعقوب إسحاؽ بن جعفر بن كىب بن كاضح (ت سنة ‪ 173‬ىػ) ‪ :‬البلداف‪ ،‬كضع حواشيو ؿبمد أمْب‬
‫ضناكم‪ ،‬منشورات ؿبمد علي بيضوف لنشر كتب السنة كاعبماعة كدار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪( ،‬د ت)‪ .‬ص ‪.117-116 ،5-4‬‬
‫‪ 6‬ميافارقْب ‪ :‬ىي من اؼبدف القديبة ُب ديار بكر باعبزيرة‪ ،‬كذكر اعبغرافيوف اؼبسلموف أهنا تشتهر بكنائسها كأبوأّا الثمانية‪ ،‬كىي اآلف مدينة‬
‫صغّبة ُب تركيا تسمى سيلواف )‪( .(Silvan‬أنظر ‪ :‬اؼبقدسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪031‬؛ لسَبنج كي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)033-032‬‬
‫‪ 7‬اإلدريسي (أبو عبد ا﵁ ؿبمد بن ؿبمد بن عبد ا﵁ بن إدريس (ت ‪448‬ىػ‪0055/‬ـ)) ‪ :‬نزىة اؼبشتاؽ ُب اخَباؽ اآلفاؽ‪،‬‬
‫مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاىرة‪ .1111 ،‬مج ‪ ،1‬ص ‪.703‬‬
‫‪ 8‬اعبزيرة ‪" :‬ىي اؼبنطقة الٍب تقع بْب دجلة كالفرات‪ ،‬كتنقسم إذل ثالث مناطق ىي ‪ :‬ديار بيعة‪ ،‬كديار مضر‪ ،‬كديار بكر"‬
‫(اغبموم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪54‬؛ اغبارثي عبد ا﵁ بن ناصر بن سليماف ‪ :‬اْلكضاع اغبضارية ُب إقليم اعبزيرة الفراتية ُب‬
‫القرنْب السادس كالسابع للهجرة‪/‬الثاشل عشر كالثالث عشر للميالد‪ ،‬الدار العربية للموسوعات‪ ،‬بّبكت‪ .2007 ،‬ص ‪.)30-29‬‬
‫‪31‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫أرمينيا الصغرل "ىي تفليس كنواحيها"‪ 1‬أم أهنا تقع إذل الشرؽ من أرمينيا الكربل كليس إذل الغرب‪.‬‬
‫كعبد الرضبن بن خلدكف حينما يتحدث عن أرمينيا الكربل يقوؿ بالد أرمينية‪ ،‬كحينما يتحدث عن‬
‫أرمينيا الصغرل يقوؿ بالد اْلرمن‪ ،‬دكف أف يذكرىا باَلسم‪ 2.‬كيبدك جليا أف أرمينيا الصغرل ُب اؼبصادر‬
‫العربية‪ ،‬ليست نفسها ُب اؼبصادر اليونانية كالالتينية كاْلرمينية‪ْ .‬لف اؼبسلمْب أطلقوا على ىذا اإلقليم‬
‫اسم "الثغور"‪ ،‬ك "العواصم"‪ .‬فأين تقع أرمينيا الصغرل ؟ كما ىي حدكدىا ؟‬

‫تقع إمارة أرمينيا الصغرل ُب اعبهة اعبنوبية الشرقية من آسيا الصغرل‪ .‬كتكاد أف تشكل‬
‫اعبباؿ الٍب ربيط ّٔا حدكدا طبيعية ؽبا‪ .‬حيث ربدىا جباؿ طوركس )‪ 3(Taurus‬من الشماؿ‬
‫كالغرب‪ ،‬كجباؿ اْلمانوس )‪ 4(Amanus‬من الشرؽ‪ ،‬كوبدىا البحر اؼبتوسط من اعبنوب‪ 5.‬أما‬
‫فلكيا فهي تقع بْب خطي طوؿ ست كثالثْب‪ ،‬كشباف كثالثْب درجة شرقا‪ ،‬كبْب دائرٌب عرض أربع‬
‫كثالثْب كتسع كثالثْب درجة مشاَل‪ 6.‬ككانت ىذه اغبدكد تتقلص أحيانا كتتمدد أحيانا أخرل‪ ،‬حسب‬
‫الظركؼ التارىبية‪ .‬كبلغت مساحتها حوارل أربعْب ألف كلم‪ 1‬بطوؿ مائة كلم من الشرؽ إذل الغرب‬
‫‪7‬‬
‫كبعرض أربعمائة كلم من الشماؿ إذل اعبنوب‪.‬‬

‫‪ 1‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.022‬‬


‫‪ 2‬ابن خلدكف (أبو زيد عبد الرضبن بن ؿبمد (ت ‪0315‬ـ)) ‪ :‬كتاب العرب كديواف اؼببتدأ كاػبرب ُب أياـ العرب كالعجم كالرببر كمن عاصرىم‬
‫من ذكم السلطاف اْلكرب‪ ،‬دار الكتاب اللبناشل‪ ،‬مكتبة اؼبدرسة‪ ،‬بّبكت‪ .0872 ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.018-017 ،006-005‬‬
‫‪ 3‬جباؿ طوركس ‪ :‬سلسلة جبلية‪ ،‬تقع جنوب تركيا‪ ،‬سبتد موازية لساحل البحر اؼبتوسط‪ ،‬ككردت عند اعبغرافيْب اؼبسلمْب باسم‬
‫الس ٍل ىسلة"‪( .‬انظر ‪ :‬ابن خرداذبو (أبو القاسم عبيد ا﵁ بن عبد ا﵁ ت ‪ 171‬ىػ‪782/‬ـ)) ‪ :‬اؼبسالك كاؼبمالك‪ ،‬مطبعة‬
‫"جباؿ َّ‬
‫بريل‪ ،‬ليدف‪ .0778 ،‬ص ‪063‬؛ ابن خلدكف ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.)018 ،006-005‬‬
‫‪ 4‬جباؿ اْلمانوس ‪ :‬ىي شعبة من جباؿ طوركس‪ ،‬ككردت ُب اؼبصادر العربية باسم جبل اللُّ ٌكاـ‪ ،‬كىي تفصل بْب بالد الشاـ‬
‫كسهل قيليقيا‪ .‬كقاؿ عنو اؼبقدسي إنو أعمر جباؿ الشاـ كأكربىا‪ ،‬كثّب الثمار كىو بيد اْلرمن كيشرؼ على أنطاكية‪( .‬أنظر‬
‫اؼبقدسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪078-077‬؛ اإلدريسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪242‬؛ اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪070‬؛‬
‫ابن خرداذبو ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪062-061‬؛ ابن خلدكف ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.).006-005 ،016-015‬‬
‫‪ 5‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪22‬؛‬
‫‪Alishan Léonce : Sissouan ou l'Armino-Cilicie description géographique et historique, traduit par‬‬
‫‪George Bayan, Pères Mekhitaristes, Venise, 1899. pp. 1-2; Mouradian Claire : op. cit., p. 25.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Langlois Victor : Voyage dans la Cilicie et dans les montagnes de Taurus, Librairie de‬‬
‫‪Benjamin Duprat, Paris, 1861. p. 5.‬‬
‫‪ 7‬اؼبدكر عثماف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪30‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كىي ّٔذا اؼبوقع ربتل جزءا من ىضبة اْلناضوؿ‪ ،‬كتكوف جسرا يربط بْب آسيا كأكربا‪ ،‬كغّب‬
‫بعيدة عن إفريقيا‪ ،‬كعن بالد الرافدين‪ ،‬كعن بالد الشاـ‪ .‬فهي نبزة كصل بْب عادل الشرؽ كعادل الغرب‪.‬‬
‫كقد أتاح ذلك ْلرمينيا الصغرل‪ ،‬إقامة عالقات مع العديد من الشعوب كالدكؿ‪ ،‬عكس أرمينيا الكربل‬
‫الٍب سبيزت بطابعها ا﵀افظ كاَلنعزارل‪ 1.‬كما كاف ىذا اإلقليم مغريا للغزاة‪ ،‬فخضع لعدة قول سياسية‬
‫كعسكرية عرب العصور‪ ،‬كىذا ما يفسر تعدد‪ ،‬كتنوع الشعوب الٍب سكنتو من إغريق‪ ،‬كركماف‪ ،‬كسرياف‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كعرب‪ ،‬كأكراد‪ ،‬كأرمن‪ ،‬كأتراؾ‪ ،‬كفرقبة كاختلطت ببعضها البعض‪.‬‬

‫كقد أطلق اليونانيوف قديبا على ىذا اإلقليم اسم كيليكيا )‪ 3.(Κιλικια‬أما الركماف فقد‬
‫ظبوه سيليسيا )‪ ،(Cilicia‬كظل معركفا ّٔذا اَلسم طواؿ العصر القدصل‪ ،‬كؼبدة طويلة من العصر‬
‫الوسيط‪ ،‬إذل أف كفد عليو اْلرمن‪ ،‬خالؿ القرف العاشر اؼبيالدم‪ 4،‬فأصبح يعرؼ باسم "أرمينيا‬
‫الصغرل"‪ 5،‬أك "أرمينيا اعبديدة"‪ 6‬عند كثّب من الكتاب اْلرمن‪ ،‬سبييزا لو عن موطنهم اْلصلي‬
‫اؼبعركؼ بأرمينيا الكربل‪.‬‬

‫‪ 1‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Kiourtzian Georges : En attendant les Seldjouks : une inscription des remparts d'Alanya en Asie‬‬
‫‪mineure de 1199, : R.E. Byz., t. 70, année 2012, De Boccard, Paris, 2012. p. 248.‬‬
‫‪ 3‬يبدك أف اسم "كيليكيا" مشتق من كلمة يونانية قديبة تعِب اعباموس أك الثور‪ْ ،‬لف ىذا اغبيواف كاف يتواجد بكثرة ُب ىذه‬
‫اؼبنطقة خالؿ العصور القديبة‪ ،‬كتوجد آراء أخرل لتفسّب ىذه التسمية‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫)‪Langlois Victor : op. cit., p. 4; Alishan Léonce : op. cit., p. 32.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Langlois Victor : loc. cit.‬‬
‫‪ 5‬يطلق اؼبؤرخوف اْلرمن القدامى اسم قيليقيا للدَللة على ىذه اؼبنطقة كنادرا ما يطلقوف عليها اسم أرمينيا الصغرل‪ ،‬كىو اَلسم‬
‫الشائع كاْلكثر استعماَل عند اؼبؤرخْب الغربيْب‪ .‬كيطرح اؼبؤرخوف اْلرمن حاليا إشكالية التسمية الرظبية للدكلة الٍب أسسها اْلرمن ُب‬
‫قيليقيا‪ ،‬حيث يطلق عليها البعض اسم أرمينيا اعبديدة‪ ،‬كىي تسمية غّب كاردة ُب اؼبصادر‪ ،‬كيسميهها آخركف بقيليقيا اْلرمينية‪ ،‬كفبلكة‬
‫قيليقيا اْلرمينية‪ ،‬أك دكلة أرمينيا ُب قيليقيا‪ ،‬أك اؼبملكة اْلرمينية ُب قيليقيا‪ ،‬كالتسمية اْلكثر استعماَل ىي أرمينيا الصغرل‪ ،‬رغم أف ىذه‬
‫التسميات دل ترد ُب اؼبصادر اؼبعاصرة لألحداث‪ .‬ككردت ُب اؼبصادر العربية باسم بالد سيس‪ ،‬أك بالد ابن َلكف‪ .‬كيقَبح بعض‬
‫اؼبختصْب ُب تاريخ أرمينيا‪ ،‬اسم فبلكة أرمينيا‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Dulaurier Edouard : Introduction, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2eme ed., Paris. 1969. t. I,‬‬
‫‪p. II; Thierry Nicole : L'éclosion artistique des XIIIe et XIVe siècles, ds. : H.P. Arm., sous la direction‬‬
‫‪de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008. p. 368; Mutafian Claude, op. cit., pp. 410-413.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪De Morgan Jacques : Histoire du peuple arménien, depuis les temps les plus reculés de ses‬‬
‫‪annales jusqu'à nos jours, Berger-Levrault, Libraires-Editeurs, Paris, 1919. p. 30.‬‬
‫‪31‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫أما العرب فقد اشتهر عندىم ىذا اإلقليم باسم "الد ٍَّرب"‪ ،‬ككاف ؽبم بو صالت –قبل ظهور‬
‫اإلسالـ– حبكم رحالهتم التجارية كبو الشاـ‪ .‬كما يؤكد ذلك قصة الشاعر اعباىلي امرؤ القيس الذم‬
‫عرب الدرب متوجها إذل القسطنطينية‪ .1‬كقاؿ صاحب معجم البلداف بأف "الدرب ىو الطريق الذم‬
‫ى‬
‫يسلك"‪ ،‬كما ذكر عدة مواقع عيرفت ىي اْلخرل ّٔذا اَلسم‪ ،‬كلكنو يقوؿ ‪" :‬إذا أطلقت لفظ‬
‫الدرب أردت بو ما بْب طرسوس كبالد الركـ ْلنو مضيق كالدرب كإياه عُب امرؤ القيس"‪ .2‬كيعِب‬
‫بذلك إذا ذيكر الدرب كحده دكف أف يكوف مقركنا باسم مكاف وبدده‪ ،‬فاؼبقصود بو ما بْب طىىر يسوس‬
‫‪4‬‬
‫)‪ 3(Tarse‬كبالد الركـ‪ .‬كجاء ُب الصحاح ‪" :‬كالدرب معركؼ كأصلو اؼبضيق ُب اعببل"‪.‬‬

‫كالدركب الٍب تتخلل جباؿ طوركس كثّبة‪ 5،‬سلك اؼبسلموف‪ ،‬أثناء فتوحاهتم لبالد الركـ‪ ،‬اثنْب‬
‫منها‪ ،‬نبا درب اغبدث‪ 6‬الواقع ُب الشماؿ الشرقي من أرمينيا الصغرل‪ ،‬كىو يبتد من ىم ٍر ىعش‬

‫‪ 1‬ذىب امرؤ القيس إذل القسطنطينية ؼبقابلة اإلمرباطور يوستنيانوس اْلكؿ )‪ ،)454-416( (Justinien 1er‬يطلب منو اؼبعونة‬
‫َلسَبداد ملك أبيو‪ ،‬كقد خلد رحلتو ُب قصيدة طويلة كصف فيها الطريق الٍب سلكها كذكر اؼبدف كالقرل الٍب مر ّٔا‪ .‬كفبا جاء فيها ‪:‬‬
‫كأيقن أنَّا َلحقاف ب ىقيصػ ػ ػ ػ ػ ػ ىػرا‬ ‫بكى صاحيب ؼبا رأل الدَّرب دكنو‬
‫كباكؿ يم ٍلكا أك مبوت فنيعذرا‬ ‫فقلت لو َل ً‬
‫تبك عينيػك إمبػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػا‬ ‫ي‬
‫(أنظر ‪ :‬اْلصبهاشل (أبو الفرج) ‪ :‬كتاب اْلغاشل‪ ،‬مطبعة التقدـ‪( ،‬د ـ)‪( ،‬د ت)‪ .‬ج ‪ ،7‬ص ‪61‬؛ ديواف امرؤ القيس‪ ،‬اعتُب بو‬
‫كشرحو عبد الرضبن اؼبصطفاكم‪ ،‬دار اؼبعرفة‪ ،‬بّبكت‪ ،‬ط ‪ .1113 ،1‬ص‪.).85‬‬
‫‪ 2‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪184‬؛ اإلدريسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.701‬‬
‫‪ 3‬طرسوس ‪ :‬مدينة قديبة من بالد الثغور الشامية‪ ،‬كىي تشرؼ على اؼبدخل اعبنويب للدرب‪ ،‬كمنها كاف ينطلق اؼبسلموف ُب‬
‫ؿباكَلهتم لفتح القسطنطينية ُب العهد اْلموم‪ .‬كّٔا يوجد قرب اػبليفة العباسي اؼبأموف‪ ،‬ككانت تعترب من أىم مدف الثغور اإلسالمية‬
‫حٌب سقطت ُب يد البيزنطيْب سنة ‪ 354‬ىػ ‪965 /‬ـ‪ .‬كتقع جنوب تركيا ؿبتفظة باظبها القدصل )‪( .(Tarsus‬أنظر ‪ :‬الطرسوسي‬
‫(أبو عمرك عثماف بن عبد ا﵁)‪ً ،‬س ىّب الثغور‪ ،‬تقدصل كدراسة شاكر مصطفى‪ ،‬دار طالس للدراسات كالَبصبة كالنشر‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪ .1998‬ص ‪34‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)169-164‬‬
‫‪ 4‬اعبوىرم (اظباعيل بن ضباد(ت ‪285‬ىػ))‪ ،‬الصحاح تاج اللغة كصحاح العربية‪ ،‬ربقيق أضبد عبد الغفور عطار‪ ،‬دار العلم‬
‫للماليْب‪ ،‬ط ‪ ،1‬بّبكت‪ .0868 ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.014‬‬
‫‪ 5‬حوؿ ىذه الدركب كاستعماؿ البيزنطيْب ؽبا‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫‪Ramsay W. M. : The Historical geography of Asia Minor, John Murray, London, 1890. t. IV,‬‬
‫‪pp. 349-356).‬‬
‫‪6‬‬
‫ث ‪ :‬ىي أداتا )‪ (Adata‬عند الركـ‪ ،‬فتحها اؼبسلموف ُب عهد اػبليفة عمر بن اػبطاب‪ ،‬كقد كصفها اؼبعاصركف بأهنا قلعة حصينة‬ ‫اغبى ىد ي‬
‫من الثغور كيقاؿ ؽبا اغبمراء ْلف تربتها صبيعا ضبراء‪ .‬كقد جدد اػبليفة اؼبهدم عمارهتا سنة ‪ 162‬ىػ‪ ،‬كما اىتم ّٔا ىاركف الرشيد كأسكنها =‬
‫‪32‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫)‪ 1(Marasch‬إذل أىبػيلي ٍستىػ ٍْب )‪ 2(Arabissus‬كالثاشل من طىىر يسوس إذل القسطنطينية‪ 3.‬كيقاؿ عن‬
‫‪4‬‬
‫القوـ الذين دخلوا أرض العدك من بالد الركـ أهنم أدربوا‪.‬‬

‫كؼبا كصل اؼبسلموف بفتوحاهتم إذل ىذا اإلقليم خالؿ القرف اْلكؿ اؽبجرم ‪ /‬السابع اؼبيالدم‪،‬‬
‫كأصبحت بالدىم متاطبة لبالد الركـ‪ ،‬أطلقوا عليو اسم الثغور‪ 5.‬ك"كل موضع قريب من أرض العدك‬
‫يسمى ثغرا ‪ ...‬كىذا اَلسم يشمل بالدا كثّبة كمنها البالد اؼبعركفة اليوـ ببالد ابن َلكف"‪ 6،‬كيفهم‬

‫= ألفي مقاتل من جنده‪ ،‬ككانت ؿبل شد كجذب بْب اؼبسلمْب كالركـ‪ ،‬إذل أف استوذل عليها سيف الدكلة اغبمداشل هنائيا سنة ‪ 343‬ىػ‪،‬‬
‫فخلدىا اؼبتنيب ُب قصيدة مطلعها ‪:‬‬
‫كتأٌب على قدر الكراـ اؼبكارـ‬ ‫على قدر أىل العزـ تأٌب العزائم‬
‫إذل أف يقوؿ ‪:‬‬
‫كتعلم أم الساقيْب الغمائم‬ ‫ىل اغبدث اغبمراء تعرؼ لوهنا‬
‫ٍب انتقلت القلعة إذل أيدم السالجقة سنة ‪434‬ىػ ‪0041 /‬ـ‪ .‬كيعرؼ درب اغبدث عند اعبغرافيْب العرب بدرب السالمة‪.‬‬
‫(أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪014-013‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪).044-043‬‬
‫‪ 1‬مرعش ‪ :‬تعرؼ حاليا باسم قهرماف مرعش )‪ُ ، (Kahramanmaraş‬ب جنوب تركيا‪ .‬قاؿ عنها اغبموم أهنا مدينة ُب الثغور‬
‫بْب الشاـ كبالد الركـ‪ ،‬حصنها مركاف بن ؿبمد آخر خليفة أموم‪ ،‬كتطورت كثّبا ُب عهد ىاركف الرشيد‪ .‬استوذل عليها الصليبيوف‬
‫سنة ‪ 381‬ىػ ‪ 0186 /‬ـ ٍب صارت مدينة ذات شأف ُب أرمينيا الصغرل‪( .‬أنظر اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪138‬؛‬
‫لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.).050‬‬
‫‪ 2‬أبلستْب ‪ :‬كردت أيضا باسم البستاف‪ ،‬ككردت ُب اؼبراجع اْلجنبية باسم ‪ Ablastha‬ك ‪ Albistan‬ك ‪ ،El Boustan‬كىي‬
‫من مدف أرمينيا الصغرل‪ ،‬كتقع حاليا ُب جنوب تركيا‪ .‬ككانت ؿبل صراع بْب سالجقة الركـ‪ ،‬كاْلرمن‪( .‬أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪61‬؛ ‪)Dulaurier Edouard : op. cit., p. XLV, note n°1.‬‬
‫‪ 3‬لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.055-054‬‬
‫‪ 4‬اعبوىرم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.014‬‬
‫‪ 5‬رغم ظهور مصطلح الثغور ُب العهد اَلسالمي‪ ،‬فقد بقي لفظ الدركب مستعمال بشكل كاسع‪ ،‬كمن أمثلة ذلك ما جاء ُب‬
‫قصيدة للمتنيب يبدح فيها أبا فراس اغبمداشل بعد عبوره للدرب كانتصاره على الركـ سنة ‪345‬ىػ ‪:‬‬
‫كالسّب فبتنع من اَلمكاف‬ ‫كعلى الدركب كُب الرجوع غضاضة‬
‫كالطرؽ ضيقة اؼبسالك بػالػقػنػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػا كالكفر ؾبتمع على اَليباف‬
‫‪6‬‬
‫اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .01‬الثغور مفردىا ثغر كقد عرفها ابن منظور بقولو ‪« :‬كىو ما يلي دار اغبرب‪ ،‬أك موضع اؼبخافة‬
‫من فركج البلداف‪ ،‬أك اؼبوضع الذم يكوف فاصال بْب بالد اؼبسلمْب كالكفار‪ ،‬كىو موضع اؼبخافة من أطراؼ البالد‪ ».‬أما صاحب كتاب‬
‫اػبراج‪ ،‬فقد قسم الثغور إذل ثالثة أقساـ‪ ،‬كفصل فيها قائال ‪« :‬الثغور منها برية تلقاىا بالد العدك‪ ،‬كتقاربو من جهة الرب‪ ،‬كمنها حبرية تلقاه‬
‫كتواجهو من جهة البحر‪ ،‬كمنها ما هبتمع فيو اْلمراف»‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن منظور (أبو الفضل صباؿ الدين ؿبمد بن مكرـ (ت ‪600‬ىػ))‪ ،‬لساف‬
‫العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بّبكت‪( ،‬دت)‪ ،‬مج ‪ ،3‬ص ‪ 012‬؛ قدامة بن جعفر (أبو الفرج بن قدامة بن زياد (ت ‪217‬ىػ)) اػبراج كصناعة‬
‫الكتابة‪ ،‬شرح كتعليق ؿبمد حسْب الزبيدم‪ ،‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬بغداد‪ .0870 ،‬ص ‪.)074‬‬
‫‪33‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫من كالـ ياقوت اغبموم أف الثغور ىي أرمينيا الصغرل‪ْ ،‬لف ابن َلكف ىنا ربريف َلسم ليوف كىو‬
‫أحد ملوؾ أرمينيا الصغرل‪ ،‬أك كما يسميها البعض أرمينيا القيليقية‪ .‬كقد أغبق اؼبسلموف ىذا اإلقليم‬
‫‪1‬‬
‫بأرض الشاـ‪ ،‬فمنو ما يعرؼ باسم ثغور الشاـ كمنو ما يعرؼ باسم ثغور اعبزيرة ككالنبا من الشاـ‪.‬‬
‫كقد أسهب اعبغرافيوف اؼبسلموف كثّبا ُب ذكر تفاصيل اؼبدف كالطرؽ كاؼبسافات الواقعة ُب ىذا‬
‫اإلقليم‪ ،‬كجعلوا اؼبدف الواقعة فيو حدا بْب بالدىم كبالد الركـ‪" ،‬كىي ملطية‪ ،‬كاغبدث‪ ،‬كمرعش‪،‬‬
‫كاؽباركنية‪ ،‬كالكنيسة‪ ،‬كعْب زرىب‪ ،‬كاؼبصيصة‪ ،‬كأذنة كطرسوس"‪ .2‬كقد أكذل اؼبسلموف ىذه الثغور ُب‬
‫العهد اْلموم عناية خاصة‪ْ ،‬لهنا ربتل موقعا اسَباتيجيا على أبواب اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬الٍب ظلت‬
‫تشكل خطرا على الدكلة اإلسالمية منذ نشأهتا كاتساعها‪ ،‬ؼبا تتميز بو من نظاـ سياسي مستقر‬
‫كحضارة عريقة‪ ،‬خالفا عن بقية الدكؿ اْلخرل آّاكرة لدكلة اؼبسلمْب‪ 3،‬الٍب دل تشكل خطرا دائما‬
‫على حدكد اؼبسلمْب‪ .‬كما أقاـ البيزنطيوف على أطراؼ امرباطوريتهم نظاما دفاعيا ؿبكما يتمثل ُب‬
‫سلسلة من القالع كاغبصوف تقيم فيها فرؽ عسكرية ؾبهزة بشكل دائم‪ ،‬مهمتها اغبفاظ على اغبدكد‬
‫‪4‬‬
‫إذل حْب كصوؿ اإلمدادات العسكرية‪ .‬كقد عرؼ ىذا النظاـ بنظاـ البنود أك الثيمات البيزنطي‪.‬‬

‫‪ 1‬يوضح اإلصطخرم ىذه اؼبسألة بقولو ‪« :‬قد صبعت الثغور إذل الشاـ ‪ ...‬كذلك أف كل ما كراء الفرات من الشاـ‪ ،‬كإمبا ظبي من‬
‫ملطية إذل مرعش ثغور اعبزيرة ْلف أىل اعبزيرة ّٔا يرابطوف كّٔا يغزكف َل ْلهنا من اعبزيرة ‪ ...‬كبْب ثغور الشاـ كثغور اعبزيرة جبل‬
‫اللكاـ كىو الفاصل بْب الثغرين»‪( .‬أنظر ‪ :‬اَلصطخرم (ابو اسحاؽ ابراىيم بن ؿبمد الفارسي (ت ‪ 235‬ىػ‪846/‬ـ)) ‪ :‬مسالك‬
‫اؼبمالك‪ ،‬مطبعة بريل‪ ،‬ليدف‪ .0816 ،‬ص ‪.).45-44‬‬
‫‪ 2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬حبوث كدراسات ُب تاريخ العصور الوسطى‪ ،‬جامعة بّبكت العربية‪ ،‬بّبكت‪ .0866 ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪ 4‬الثيما )‪ : (Thema‬كلمة يونانية تعِب ؾبموعة من اعبيش تقيم ُب اإلقليم على اغبدكد مسؤكليتها توفّب اغبماية كمسك اْلرض‬
‫كاؼبراقبة كىذه آّموعة أك الفرقة العسكرية ؽبا حاكم عسكرم لو سلطات مدنية كمالية كقضائية كيعاكنو ؾبموعة كبّبة من اؼبوظفْب‬
‫اؼبدنيْب كالعسكريْب كلو آليات كنظاـ خاص ُب العمل‪( .‬أنظر ‪ :‬قدامة بن جعفر ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪081-078‬؛ اؼبسعودم‬
‫(أبو اغبسن علي بن اغبسْب بن علي (ت ‪ 243‬ىػ)) ‪ :‬التنبيو كاَلشراؼ‪ ،‬منشورات دار كمكتبة اؽبالؿ‪ ،‬بّبكت‪ .0870 ،‬ص‬
‫‪064-055‬؛ دياب صابر ؿبمد ‪ :‬اؼبسلموف كجهادىم ضد الركـ ُب أرمينية كالثغور اعبزرية كالشامية خالؿ القرف الرابع اؽبجرم‪،‬‬
‫مكتبة السالـ العاؼبية‪( ،‬د ـ)‪ .0873 ،‬ص ‪11-00‬؛ كنعاف عاصم اظباعيل ‪ :‬نظاـ ضباية اغبدكد ُب العصر اْلموم‪ ،‬ؾبلة‬
‫الفتح‪ ،‬مج ‪ ،3‬ع ‪ ،21‬جامعة ديارل‪ ،‬العراؽ‪ .1117 ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪34‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫‪1‬‬
‫كُب العهد العباسي اشتهر اإلقليم باسم "العواصم"‪ ،‬كىو "اسم الناحية كليس موضعا بعينو"‪.‬‬
‫ككاف اػبليفة ىاركف الرشيد (‪ 082-061‬ىػ‪718-675/‬ـ) قد أعاد تنظيم اإلدارة العسكرية ُب‬
‫إقليم الثغور كاىتم بعمارهتا فبُب اؽباركنية‪ 2،‬كأضاؼ إذل ثغور اؼبصيصة كطرسوس‪ ،‬سلسلة من اغبصوف‬
‫الداخلية بنيت أكثرىا ُب جباؿ اْلمانوس‪ .‬كىي عبارة عن خط و‬
‫ثاف للدفاع عن الثغور‪ ،‬كجعل من‬
‫ين ‪ ...‬قواعد عسكرية خلفية ؼبدف الثغور كظباىا‬ ‫س كأنطاكية كتي ًز ى‬
‫كدلٍوؾ ىكرعباف كقي ىور ى‬
‫منبج ى‬
‫"العواصم"‪ .‬كظبيت كذلك ْلهنا ربمي الثغور كتعصمها من اْلعداء‪ ،‬كسبدىا باعبند كاؼبؤكنة ُب أكقات‬
‫النفّب‪ .‬كما أف اؼبسلمْب كانوا يعتصموف ّٔا فتعصمهم كسبنعهم من البيزنطيْب إذا انصرفوا من غزكىم‬
‫‪3‬‬
‫كخرجوا من الثغر‪.‬‬

‫كخالؿ القرف السابع اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬استوذل اْلرمن على معظم اؼبدف‬
‫كاغبصوف الواقعة ُب اإلقليم‪ ،‬كالتفوا حوؿ زعمائهم كقادهتم‪ ،‬كأسسوا إمارات استطاعت أف تبقى‬
‫صامدة أماـ ضربات السالجقة كالبيزنطيْب‪ ،‬كباتوا يشكلوف أغلبية ُب اؼبنطقة‪ .‬كما لبثت ىذه‬
‫اإلمارات أف اربدت فيما بينها‪ٍ ،‬ب تطورت إذل فبلكة مع هناية القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬كأصبحت‬
‫أمرا كاقعا معَبفا بو‪ .‬كأماـ ىذا التحوؿ الديبغراُب كالسياسي اعَبؼ اؼبسلموف باْلمر الواقع‪ ،‬كغاب‬
‫مصطلح الثغور من أدبياهتم‪ ،‬كأصبحوا يسموف ىذا اإلقليم "بالد اْلرمن"‪ ،‬كتارة "فبلكة اْلرمن"‪ ،‬أك‬
‫"فبلكة قيليقيا" كتارة ثانية "بالد سيس" نسبة إذل مدينة سيس عاصمة اؼبملكة‪ ،‬أك "إقليم الدركب"‪،‬‬
‫كليقّْب أمّبىا باسم "صاحب بالد الدركب"‪ ،‬كتارة أخرل يسموهنا "بالد ابن َلكف"‪ ،‬أك "ابن ليفوف"‬

‫‪ 1‬اإلصطخرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫‪ 2‬اإلدريسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.542‬‬
‫‪ 3‬قدامة بن جعفر ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪075‬؛ اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪251‬؛ دياب صابر ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪17-10‬؛ العميد طاىر مظفر ‪ :‬ربصينات الدكلة العباسية اؼبواجهة للبيزنطيْب ُب عهد الرشيد‪ ،‬مجلة المؤرخ العربي‪ ،‬ع ‪،33‬‬
‫السنة ‪ ،05‬اْلمانة العامة َلرباد اؼبؤرخْب العرب‪ ،‬بغداد‪ .0880 ،‬ص ‪156-155‬؛ الطائي سناء عبد ا﵁ عزيز ‪ :‬اقتصاديات‬
‫الثغور ُب القرنْب الثالث كالرابع للهجرة‪/‬التاسع كالعاشر للميالد‪ ،‬ؾبلة أبحاث كلية التربية األساسية‪ ،‬مج ‪ ،8‬ع ‪ ،2‬جامعة‬
‫اؼبوصل‪ ،‬العراؽ‪ .1101 ،‬ص ‪.411-410‬‬
‫‪35‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫نسبة إذل اؼبلك ليوف اْلكؿ (‪0108-0076‬ـ) كىو أكؿ ملك أرميِب يمتىػ َّوج‪ 1.‬أما ابن الشحنة فقد‬
‫ؼ ىو السهل اؼبنخفض‪ 3.‬كيبدك‬ ‫‪2‬‬
‫أضاؼ إذل اْلظباء السابقة اظبا جديدا كىو "بالد اعبوؼ"‪ .‬كاعبى ٍو ي‬
‫أف سهل قيليقيا الذم رباصره اعبباؿ من ثالث جهات‪ ،‬كَل يبكن الوصوؿ إليو إَل عرب الدركب‬
‫كاؼبمرات الضيقة‪ ،‬يظهر للناظر إليو من القمم العالية‪ ،‬أرضا منخفضة عما جاكرىا من اْلراضي‪ .‬كىذا‬
‫اإلقليم اؼبعركؼ بقيليقيا يتكوف طبيعيا من جزءين نبا ‪:‬‬

‫قيليقيا الجبلية ‪ :‬ككانت تسمى قديبا "قيليقيا تراخيا" )‪ (Cilicie Trachée‬أك قيليقيا‬
‫الوعرة‪ .‬كىي تتكوف من سلسلة جبلية طويلة‪ ،‬حديثة التكوين‪ ،‬تتجو كبو الشرؽ اذباىا مشاليا شرقيا‪.‬‬
‫كيبكن تقسيمها إذل ثالثة أقساـ رئيسة ‪ :‬اْلكذل‪ ،‬جباؿ طوركس ُب الغرب كالشماؿ‪ ،‬الثانية‪ ،‬جباؿ‬
‫طوركس الداخلية أك اػبلفية )‪ُ (Anti-taurus‬ب الشماؿ الشرقي‪ ،‬يزيد ارتفاعها عن ‪2 111‬ـ‪،‬‬
‫كىي الٍب كانت تفصل بْب بالد اؼبسلمْب كبالد الركـ‪ .‬الثالثة‪ ،‬جباؿ اْلمانوس ُب اعبنوب الشرقي‬
‫كالٍب تعرؼ عند اعبغرافيْب اؼبسلمْب جببل اللكاـ‪ ،‬كىي تفصل بْب قيليقيا كسوريا‪ ،‬كيصل إرتفاعها إذل‬
‫‪4‬‬
‫‪1 151‬ـ‪ .‬كزبتزف جباؿ طوركس معادف ـبتلفة‪ ،‬كما تكسوىا غابات كثيفة ذات أشجار متنوعة‪.‬‬

‫‪ 1‬اإلدريسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪535‬؛ اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪01‬؛ القلقشندم (أبو العباس أضبد (ت‬
‫‪710‬ىػ‪0307/‬ـ)) ‪ :‬صبح اْلعشى‪ ،‬دار الكتب السلطانية‪ ،‬القاىرة‪ .0804 ،‬ج‪ ،7‬ص ‪18‬؛ اسكندر فايز قبيب ‪ :‬ذبارة‬
‫فبلكة أرمينية الصغرل مع اؼبدف اَليطالية كسلطنة اؼبماليك البحرية (‪0264-0087‬ـ‪665-484/‬ىػ)‪ ،‬حبث مقدـ ُب ‪:‬‬
‫الندكة العلمية الدكلية عن االقتصاد بين العرب كاألرمن‪ 18 ،‬مارس ‪ ،1101‬منشورات مركز الدراسات اْلرمينية‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب‪ ،‬جامعة القاىرة‪ .1101 ،‬ص ‪.006‬‬
‫الد ُّر اؼبنتخب ُب تاريخ فبلكة حلب‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫ابن الشحنة (أبو الفضل ؿبمد (ت ‪ 781‬ىػ‪0374/‬ـ) ‪ :‬ي‬
‫‪2‬‬

‫‪ .0873‬ص ‪.111‬‬
‫‪ 3‬ابن منظور ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مج ‪ ،8‬ص ‪.25 ،23‬‬
‫‪ 4‬ابن فضل ا﵁ العمرم (شهاب الدين أضبد بن وبي (ت ‪ 638‬ىػ)) ‪ :‬مسالك اْلبصار ُب فبالك اْلمصار‪ ،‬ربقيق كامل سلماف‬
‫اعببورم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪ .0860 ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪041-038‬؛ رزقانة ابراىيم ‪ :‬اعبغرافية اَلقليمية للعادل اإلسالمي‬
‫القسم الثاشل العادل اَلسالمي غّب العريب ‪ 0‬تركيا‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة‪( ،‬دت)‪ ،‬ص ‪6-5‬؛‬
‫‪Langlois Victor : op. cit., pp. 6-7, 172-173; Alishan L. : op. cit., p. p. 3-21; Mutafian Claude : La‬‬
‫‪Cilicie au carrefour des empires, Société d'édition «Les belles lettres», Paris, 1988. pp. 4-5.‬‬
‫‪36‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫قيليقيا السهلية ‪ :‬عرفت قديبا بعدة أس ػم ػاء‪ ،‬م ػن ػه ػا )‪،(Cilicie champêtre‬‬
‫ك)‪ (Cilicie pédiade‬أك قيليقيا اؼبنخفضة كتعرؼ حاليا ُب تركيا باسم سهل أذنة أك‬
‫)‪ .(Çukurova‬كىي تتكوف من سهل رسويب خصب يقع ُب جنوب شرؽ قيليقيا‪ ،‬كيَباكح طولو‬
‫من الشرؽ إذل الغرب بْب ‪ 41‬إذل ‪ 51‬كلم‪ 1،‬كيبلغ عرضو من الشماؿ إذل اعبنوب حوارل ‪ 11‬كلم‪.‬‬

‫ذبرم ُب أراضي أرمينيا الصغرل عشرات اْلهنار الٍب تتدفق من اعبباؿ ا﵀يطة ّٔا كزبَبؽ سهل‬
‫قيليقيا لتنتهي ُب البحر‪ ،‬كىي تتفاكت ُب أنبيتها كأطواؽبا‪ ...‬كأنبها ثالثة أهنار‪ 2،‬أكؽبا كأكربىا هنر‬
‫جيحاف‪ ،‬ىذه تسمية أطلقها عليو البلدانيوف العرب‪ ،‬بينما يسميو اْلرمن "جهاف" )‪ْ (Tchahan‬لهنم‬
‫كيعرؼ عند الغربيْب بنهر بّبامس )‪.(Pyramus‬‬ ‫)‪(Ceyhan çay‬‬ ‫هبعلوف اغباء ىاء‪ ،‬كحاليا يسمى‬
‫اؼبصيصة‪ .(Mopsueste) 3‬كيأٌب بعده هنر‬
‫يقع شرؽ أرمينيا الصغرل‪ ،‬كيبر إذل الشماؿ من مدينة ّْ‬
‫ىسٍي ىحاف كيسميو الغربيوف هنر س ػاركس )‪ .(Sarus‬كيعرؼ حاليا باسم )‪ .(Seyhan çay‬يبر دبدينة‬
‫أذنة‪ 4.‬كيأٌب بعدنبا هنر كودنس )‪ ،(Cydnus‬كقد ظباه اؼبسلموف هنر البىػىرىداف أك بىػىردل‪ ،‬كذكر ابن‬
‫الفقيو أنو كاف يسمى أيضا هنر الغضباف كيسمى حاليا هنر طرسوس )‪ ،(Tarsus çay‬كىو يبر‬
‫‪5‬‬
‫كسط مدينة طرسوس‪ .‬كل ىذه اْلهنار تنبع من أعارل جباؿ طوركس كتصب ُب البحر اؼبتوسط‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Langlois Victor : op. cit. p. 6; Alishan Léonce : op. cit., p. 15; Mutafian Claude : La Cilicie, p. 5.‬‬
‫‪ 2‬أنظر اؼبلحق الرابع عشر‪ ،‬ص ‪.487‬‬
‫‪3‬‬
‫اؼبصيصة ‪ :‬مدينة من بناء الركـ تقع على ضفٍب هنر جيحاف‪ ،‬كىي من أشهر مدف ثغور الشاـ‪ ،‬كقريبة من مدينة طرسوس‪ .‬فتحها‬
‫اؼبسلموف ُب العهد اْلموم‪ ،‬كاىتموا كثّبا بعمارهتا‪ .‬كقد رابط ّٔا الصاغبوف أعواما عديدة‪ .‬استوذل عليها البيزنطيوف سنة ‪964‬ـ كحصنها‬
‫الصليبيوف أثناء مركرىم بقيليقيا‪ .‬كُب عهد ياقوت اغبموم كانت خاضعة غبكم ملوؾ أرمينيا الصغرل‪ .‬كتقع حاليا قرب مدينة أذنة جنويب‬
‫تركيا كتسمى ياكابينار )‪( .)Yakapinar‬أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪278‬؛ لسَبنج ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪052-051‬؛‬
‫‪Texier Charles : Asie mineure description géographique, historique et archéologique, Firmin‬‬
‫)‪Didot frères fils et Cie Editeurs, Paris, 1862. p. 730.‬‬
‫‪ 4‬أذنة ‪ :‬كتكتب أحيانا أضنة )‪ ،(Adana‬تقع جنوب تركيا غّب بعيدة عن البحر اؼبتوسط‪ .‬كىي من مدف الثغور الٍب اىتم ّٔا‬
‫اػبلفاء ترميما كربصينا‪ ،‬كحدد اعبغرافيوف اؼبسلموف موقعها بالقرب من اؼبصيصة على الضفة الغربية لنهر سيحاف‪ .‬كىي مدينة‬
‫عامرة‪ ،‬كحصينة‪ ،‬كربيط ّٔا أراضي خصبة‪ ،‬كينسب إليها صباعة من أىل العلم‪ ،‬فتحها السالجقة قبيل معركة منازكرد سنة‬
‫‪1071‬ـ‪( .‬أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪112‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)052‬‬
‫‪ 5‬ابن الفقيو ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪054‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪054‬؛‬
‫‪Alishan Léonce : op. cit., pp. 12-15; Mutafian Claude : La Cilicie, pp. 6-8.‬‬
‫‪37‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كينتمي إقليم أرمينيا الصغرل إذل مناخ البحر اؼبتوسط‪ ،‬الذم يتميز بشتائو الدافئ كاؼبمطر‬
‫كصيفو اغبار كاعباؼ‪ ،‬مع كجود فوارؽ ُب درجات اغبرارة بْب سهل قيليقيا كمرتفعات طوركس الٍب‬
‫‪1‬‬
‫تغطيها الثلوج خالؿ فصل الشتاء‪.‬‬

‫كيالحظ بشكل عاـ أف اؼبظاىر اعبغرافية ُب أرمينيا الصغرل شبيهة إذل حد بعيد بنظّبهتا ُب‬
‫أرمينيا الكربل‪ ،‬حيث اعبباؿ اؼبرتفعة‪ ،‬الٍب تكسوىا الثلوج‪ ،‬كالسهوؿ الواسعة‪ ،‬الٍب ذبرم فيها‬
‫اْلهنار‪ 2.‬كشكلت ىذه السالسل اعببلية حصنا منيعا ُب كجو الغزاة‪ .‬كلكنها تعترب حاجزا طبيعيا يزيد‬
‫من صعوبة اَلتصاؿ كالتنقل‪ .‬فبا جعل اْلرمن يشعركف أهنم ُب بيئتهم الطبيعية الٍب نشؤكا فيها‪ .‬كردبا‬
‫طبعتهم تلك اؼبظاىر الطبيعية بطابع خاص‪ ،‬فجعلتهم أقوياء جسديا شديدم البأس ُب حركّٔم؛‬
‫كىي الصفة الغالبة على طبيعة سكاف اعبباؿ‪ .‬فكاف ؽبا تأثّبىا الواضح ُب ميوؿ اْلمراء اْلرمن إذل‬
‫اَلنفصالية كالفردية‪ 3.‬كقد أثر ذلك على عالقاهتم بالبيزنطيْب‪ ،‬كالسالجقة‪ ،‬كالصليبيْب‪ ،‬ككل القول‬
‫آّاكرة ؽبم‪ ،‬إباف الفَبة الزمنية موضوع الدراسة‪ ،‬حيث أصبحوا ضعفاء أماـ خصومهم‪ ،‬كتطلعوا إذل‬
‫القول اػبارجية الكربل‪ ،‬يبحثوف عن ضباية سياسية كدعم عسكرم‪.‬‬

‫كقد حاكؿ علماء السالَلت البشرية إماطة اللثاـ عن أصوؿ الشعب اْلرميِب‪ ،‬معتمدين ُب‬
‫ذلك على أحباث ـبربية‪ ،‬كركايات تارىبية كأكصاؼ فيزيولوجية‪ .‬كسلكت ىذه الدراسات اذباىْب ‪:‬‬

‫األكؿ ‪ :‬يعتمد على الركايات التارىبية الٍب أكردىا اؼبؤرخ اْلرمينيي موسيس خوريناتسي‪ ،‬كالٍب‬
‫تثبت أف اْلرمن من الشعوب اآلسيوية‪ ،‬كأهنم بقوا ُب ىذه القارة كدل يغادركىا إذل أكربا‪ .‬كخالصة ىذه‬
‫النظرية‪ ،‬أف ىايك )‪" (Haïk‬أبو اْلرمن" كىو أحد أحفاد سيدنا نوح عليو السالـ‪ ،‬سبرد على بيل‬
‫)‪ (Bel‬ملك البابليْب عقب دمار برج بابل‪ ،‬فخرج بعشّبتو كاذبو مشاَل كبو اقليم آرارات‪ ،‬كىناؾ‬

‫‪1‬‬
‫‪Alishan Léonce : op. cit., pp. 24-26.; Langlois Victor : op. cit., pp. 8-10.‬‬
‫حوؿ التضاريس كاؼبناخ كاْلهنار ُب أرمينيا الكربل‪( ،‬أنظر ‪.)Hewsen Robert H. : op. cit., pp. 31-40. :‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬إميل بوؿ ‪ :‬تاريخ أرمينيا‪ ،‬ترصبة شكرم عالكم‪ ،‬منشورات دار مكتبة اغبياة‪ ،‬بّبكت‪( ،‬دت)‪ .‬ص ‪5‬؛ العبد الغِب عبد الرضبن‬
‫ؿبمد ‪ :‬أرمينية كعالقاهتا السياسية بكل من البيزنطيْب كاؼبسلمْب ‪0153-542‬ـ‪346-22/‬ىػ‪ ،‬مؤسسة الكويت للتقدـ‬
‫العلمي‪ ،‬الكويت‪ .0878 ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪38‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫جرت معركة بينهما انتهت بقتل بيل‪ٍ .‬ب قاـ ىايك ببناء قرية عرفت باظبو‪ ،‬كما لبث أف تكاثر أبناء‬
‫‪1‬‬
‫ىايك كأحفاده كعشّبتو ُب اَلقليم‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬يصنف أصحاب ىذا اَلذباه اْلرمن بْب الشعوب اؽبندك أكربية‪ 2،‬معتمدين على‬
‫الركايات التارىبية الٍب تذكر أف اْلرمن كانوا ُب السابق يعيشوف ُب البلقاف‪ ،‬كأف أصلهم يعود إذل‬
‫القبائل الػفػريػجية‪ 3‬الٍب سكنت منطقة تراقيا )‪ (Thrace‬أك تساليا )‪ 4(Thessalie‬كغادرت البلقاف‬
‫حوارل ‪ 1111‬ؽ ـ متوجهة إذل آسيا الصغرل‪ 5.‬كىذا التصنيف ىو الراجح عند اؼبؤرخْب اْلرمن‬
‫ا﵀دثْب‪ ،‬كدعاة ىذه النظرية يريدكف أف يثبتوا دبا َل يدع ؾباَل للشك أف اْلرمن من أصوؿ أكربية‬
‫استوطنوا ىضبة اْلناضوؿ‪.‬‬

‫كقد صنف علماء السالَلت البشرية اْلرمن ضمن آّموعة القوقازية اْللبية‪ ،‬كىم يتميزكف‬
‫خبصائص فيزيولوجية منها ‪ :‬القامة اؼبتوسطة القريبة إذل القصر‪ ،‬كاللوف اْلظبر اؼبائل إذل اْلبيض‬

‫‪ 1‬خوريناتسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪38-27‬؛ انطوف خاقبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪21-11‬؛ اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪010-87‬؛ إميل بوؿ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪7-5‬؛‬
‫‪Kherumian R. : Les Arméniens race -origines ethno-raciales, Vigot frères éditeurs, Paris,‬‬
‫‪1941. p. 76; Mouradian Claire : op. cit., pp. 8-11.‬‬
‫‪ 2‬الشعوب اؽبندك أكربية ‪ :‬اسم يطلق على ؾبموعة من الشعوب تربط بينها ؾبموعة من اللغات اؼبشَبكة‪ .‬استوطنت ىذه الشعوب‬
‫آسيا الوسطى‪ ،‬كجنوب ركسيا‪ ،‬كأكربا الوسطى‪ .‬كقسمها بعض الباحثْب إذل شعوب ىندك أكربية غربية كىندك أكربية شرقية‪ ،‬كىي‬
‫تنتمي كلها على اْلرجح إذل أصل مشَبؾ‪ ،‬كتكلمت لغة مشَبكة تفرعت فيما بعد إذل ؽبجات متعددة‪( .‬أنظر‪:‬‬
‫;‪Moure Michel : Dictionnaire encyclopédique d'histoire, Bordas, Paris, 1996. pp. 2806-2807‬‬
‫‪Tariel Michel : Chronique des civilisations anciennes, Les Editions du Panthéon, Paris, 1997.‬‬
‫)‪t.I, pp. 62-63.‬‬
‫‪ 3‬القبائل الفرهبية ‪ :‬يعتقد أهنا من الشعوب اؽبندك أكربية الٍب استوطنت منطقة اْلناضوؿ ُب آسيا الصغرل قادمة إليها من البلقاف‪،‬‬
‫كوبتمل أف يكونوا من الَباقيْب كردبا كانوا يعرفوف ُب السابق باسم )‪ ،(Les Briges‬كصنفهم اؼبصريوف مع ؾبموعة شعوب البحر‪.‬‬
‫(انظر ‪.)Moure Michel : op. cit., p. 4328. :‬‬
‫‪ 4‬يقع إقليم تراقيا جنوب شرقي أكربا كيشمل مشاؿ شرؽ اليوناف كجنويب بلغاريا‪ ،‬كالقسم اْلكريب من تركيا‪ .‬أما إقليم تساليا فهو‬
‫يقع ُب مشاؿ شرؽ اليوناف‪( .‬انظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)856 ،835‬‬
‫‪ 5‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪001-011‬؛‬
‫‪Kherumian R. : op. cit., p. 73; Thorossian H. : Histoire de L'Arménie et du peuple Arménien,‬‬
‫‪(s. éd.), Paris, 1957. pp. 20-26; Burney Charles : Avant les Arméniens les Ourartéens‬‬
‫‪guerriers et bâtisseurs, ds. : H. P. Arm., sous la direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat,‬‬
‫‪Toulouse, 2008. pp. 93-96.‬‬
‫‪41‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كالشعر اْلسود الفاحم الغزير آّعد‪ .1‬كما يتميزكف من الناحية النفسية بالطبع اؽبادئ ى‬
‫كربى ُّمل اؼبشاؽ‪،‬‬
‫كيكاد ينفرد كل كاحد منهم برأم‪ ،‬كلذلك يصعب توجيههم أك ترؤسهم‪ .2‬كيعرؼ عنهم أهنم رجاؿ‬
‫أعماؿ أذكياء‪ ،‬كأهنم حرفيوف من الطراز اْلكؿ‪ ،‬كحيثما حلوا فإهنم ينجحوف ُب تكوين ثركات طائلة‪.‬‬
‫كقد ربدث عنهم أحد الكتاب بعد أف عاش بينهم بضع سنوات قائال ‪" :‬اْلرمن مهما اختلفت‬
‫أجناسهم كتباينت أقطارىم أمة نشيطة جدية عاملة ‪ ...‬كىي ثابتة ُب مقاصدىا قوية اإلرادة ُب‬
‫منازعها سبارس من صعاب اْلمور ما يعجز عنو غّبىا من أمم الشرؽ َل تعتمد إَل على نفسها كَل‬
‫‪3‬‬
‫يعوقها عائق ُب سبيل غاية تطلبها"‪.‬‬

‫‪ -2‬تطور قيليقيا قبل القرف الخامس الهجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬


‫أ – قيليقيا قبل الفتح اإلسالمي‬
‫كحٌب يكتمل ىذا اإلطار اعبغراُب إلقليم قيليقيا‪َ ،‬ل بد من تقدصل عرض تارىبي سريع حولو‬
‫قبل تأسيس إمارة أرمينيا الصغرل إذل بداية الربع اْلخّب من القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ .‬كيبدك من‬
‫خالؿ اْلحداث التارىبية الٍب عاشها ىذا اإلقليم أنو كاف ضحية موقعو اؼبتميز؛ حيث كاف ؿبل‬
‫أطماع القول الكربل آّاكرة لو‪ .‬فخضع أكَل لآلشوريْب حوارل سنة ‪ 0111‬ؽ‪ .‬ـ‪ .‬كبعدىم استوذل‬
‫عليو البابليوف‪ٍ ،‬ب حكمو الفرس‪ ،‬حيث جعل منو دارا اْلكؿ (‪ 375-410‬ؽ‪ .‬ـ‪ ).‬مرزبانة أم‬
‫مقاطعة‪ ،‬كفرض على سكانو جزية سنوية‪ .‬كبقي اْلمر كذلك إذل أف سبكن اإلسكندر اؼبقدكشل سنة‬
‫‪ 222‬ؽ‪ .‬ـ‪ .‬أثناء عبوره إقليم قيليقيا‪ ،‬من دحر اعبنود الفرس‪ ،‬كأخذ منهم مدينة طرسوس الٍب‬
‫حاكلوا حرقها‪ ،‬كزبريبها‪ ،‬انتقاما من سكاهنا‪ ،‬الذين كقفوا مع اليونانيْب كأمدكىم باؼباؿ‪ ،‬كالرجاؿ‪،‬‬
‫كالسالح‪ ،‬كالسفن‪ٍ .‬ب تقدـ إذل مدينة إسوس )‪ (Issus‬الواقعة على اغبدكد الشرقية لقيليقا‪ ،‬كجرت‬
‫ىناؾ معركة مصّبية بينو كبْب دارا الثالث (‪ 221-225‬ؽ‪ .‬ـ‪ ).‬انتهت بانتصار اإلسكندر‬

‫‪1‬‬
‫‪Hewsen Robert H. : Les hommes, ds. : H. P. Arm., sous la direction de Gérard Dédéyan,‬‬
‫‪Éditions Privat, Toulouse, 2008. p. 46; Kherumian R. : op. cit., pp. 19-38.‬‬
‫‪ 2‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪000‬؛ بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ 3‬الغزم (كامل بن حسْب بن ؿبمد بن مصطفى) ‪ :‬هنر الذىب ُب تاريخ حلب‪ ،‬اؼبطبعة اؼباركنية‪ ،‬حلب‪ .0815 ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.317‬‬
‫‪40‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫اؼبقدكشل‪ .‬كبعد موتو انتقلت قيليقيا إذل السلوقيْب‪ ،‬حيث أسس أحد قادة اإلسكندر كىو سلوقس‬
‫اْلكؿ (‪ 171-244‬ؽ‪ .‬ـ‪ ).‬اؼبعركؼ باسم نيكاتور )‪ (Nicator Séleucus‬فبلكة السلوقيْب‬
‫ُب سوريا كبابل كىم الذين بنوا عدة مدف ُب قيليقيا منها سلوقية‪ ،1‬كأنطاكية‪ٍ .‬ب استوذل عليها بطاؼبة‬
‫مصر سنة ‪ 134‬ؽ‪ .‬ـ‪ .‬كخضعت لسلطتهم حٌب سنة ‪ 122‬ؽ‪ .‬ـ‪ .‬حيث استعادىا السلوقيوف من‬
‫جديد ُب عهد سلوقس أنطوخيوس الكبّب كالذم جلب إليها مستوطنْب يهود‪ 2.‬كابتداء من س ػنػػة‬
‫‪ 58‬ؽ‪ .‬ـ‪ .‬ح ػك ػم ػه ػا ل ػب ػع ػض ال ػوق ػت أح ػد م ػل ػوؾ أرم ػي ػن ػيػػا ال ػك ػبػػرل كىػػو دي ػك ػراف ال ػك ػب ػيػػر‬
‫)‪ 44-83( (Tigrane le Grand‬ؽ‪ .‬ـ‪ ،).‬الذم أسس إمرباطورية كاسعة امتدت من حبر قزكين‬
‫‪3‬‬
‫إذل البحر اؼبتوسط‪ ،‬كيبدك أنو كاف ؿبل إعجاب كتقدير كبّبين من طرؼ اْلرمن‪.‬‬

‫ٍب دخلت اإلمرباطورية الركمانية ميداف اؼبنافسة كالصراع‪ ،‬حيث سبكنت من اَلستيالء على‬
‫إقليم قيليقيا سنة ‪ 53‬ؽ‪ .‬ـ‪ .‬كجعلت منو مقاطعة ركمانية بعد اَلنتصارات الٍب حققها بومبيوس‬
‫(‪ 37-015‬ؽ‪ .‬ـ‪ (Pompée le Grand) ).‬الذم خلد اظبو ببناء مدينة بومبيوبوليس‬
‫‪5‬‬
‫)‪ُ 4(Pompéiopolis‬ب قيليقيا‪.‬‬

‫كبعد النصف الثاشل من القرف الثالث اؼبيالدم عاد الفرس من جديد ؼبنافسة الركـ‪ُ ،‬ب‬
‫اَلحتالؿ كالتوسع‪ ،‬حيث قاـ أحد ملوكهم كىو شابور اْلكؿ (‪161-130‬ـ)‪ ،‬باكتساح قيليقيا‬
‫سنة ‪ 151‬ـ‪ ،‬كخرب كثّبا من مدهنا‪ .‬ككقع ُب أسره اإلمرباطور الركماشل فالرياف )‪Valérien‬‬

‫‪ 1‬سلوقية ‪ :‬مدينة قديبة تبعد حوارل ‪ 15‬كلم عن الساحل الشرقي البحر اؼبتوسط‪ ،‬تقع على ضفٍب هنر كاليكادنوس (هنر السلف‬
‫قديبا)‪ ،‬بناىا سلوقس اْلكؿ (ح ‪ 300‬ؽ ـ) لتكوف ميناء أنطاكية‪ ،‬استوذل عليها البطاؼبة‪ٍ ،‬ب ازبدىا الركماف قاعدة ْلسطوؽبم‪،‬‬
‫بلغها اؼبسلموف خالؿ فتوحاهتم ُب القرف اْلكؿ اؽبجرم‪ .‬كانت ؿبل صراع بْب البيزنطيْب كاْلرمن تارة كبْب الصليبيْب كاْلرمن تارة‬
‫أخرل‪ ،‬تضم اؼبدينة آثارا قديبة متنوعة‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪52‬؛‬
‫‪Alishan Léonce : op. cit., pp. 328-336.; Texier Charles op. cit., pp. 724-726).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Alishan Léonce : op. cit., pp. 33-34.‬‬
‫‪ 3‬خوريناتسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪54‬؛ اؼبدكر ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.038‬‬
‫‪ 4‬بومبيوبوليس ‪ :‬ىي مدينة مزيتلي )‪ (Mezitli‬حاليا ُب تركيا كتبعد بػ ‪ 00‬كلم إذل الغرب من مدينة مرسْب )‪( .(Mersin‬انظر ‪:‬‬
‫‪Texier Charles op. cit., p. 726).‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Alishan Léonce : op. cit., p. 34.‬‬

‫‪41‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫الرىا )‪ 1،(Edesse‬كساؽ أمامو كثّبا من سكاهنا عبيدا إذل فبلكتو‪ .‬كبقيت‬
‫(‪151-142‬ـ)) عند ُّ‬
‫اغبرب سجاَل بْب اإلمرباطورية الفارسية كاإلمرباطورية الركمانية الٍب أعقبتها اإلمرباطورية البيزنطية‪،‬‬
‫كبقيت كل قوة من ىاتْب القوتْب تقف باؼبرصاد لألخرل‪ ،‬إذل أف توذل عرش القسطنطينية‪ ،‬اإلمرباطور‬
‫ىرقل )‪530-501( Héraclius‬ـ)) الذم نزؿ بنفسو ُب اإلسكندركنة سنة ‪511‬ـ كبدد اعبيش‬
‫الفارسي ُب سهوؿ قيليقيا‪ ،‬كبعودتو من بالد الفرس منتصرا سنة ‪514‬ـ‪ ،‬قضى على آخر ما تبقى‬
‫‪2‬‬
‫من ىذا اعبيش قرب جسر أذنة‪ ،‬كبذلك سبكن من استعادة سوريا كفلسطْب كمصر من الفرس‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الفتوحات االسالمية في قيليقيا‬


‫كمع بداية القرف اْلكؿ اؽبجرم‪/‬السابع اؼبيالدم‪ ،‬ظهر منافس جديد كقفت أمامو اإلمرباطورية‬
‫البيزنطية شبو مشلولة‪ .‬حيث انشقت الصحراء ُب شبو اعبزيرة العربية على فرساف تدفقوا ضبما‪،‬‬
‫اهنارت أمامهم جيوش الركـ كالفرس؛ إذ بعد انتشار اإلسالـ ُب شبو اعبزيرة العربية‪ ،‬خرج اؼبسلموف‬
‫وبملوف الرسالة العاؼبية‪ ،‬يفتحوف اْلقاليم كالبلداف آّاكرة‪ ،‬كقد كاف للمعارؾ الٍب خاضوىا ضد‬
‫البيزنطيْب من جهة‪ ،‬كضد الفرس من جهة أخرل‪ ،‬تأثّبىا البالغ على مستقبل قيليقيا‪ .‬كسرعاف ما رأل‬
‫ىرقل أف آّد الذم حققو بدأ يتحطم أماـ عينيو‪ ،‬خبركج تلك اؼبناطق عن سلطتو الواحدة بعد اْلخرل‪.‬‬

‫كؼبا شعر ىرقل خبطر اؼبسلمْب كأف قواهتم تتقدـ بسرعة ُب بالد الشاـ‪ ،‬كأدرؾ أف القوات‬
‫ا﵀لية القليلة العدد َل تستطيع مواجهة اؼبوقف‪" ،‬كاتب كل من وبمل الصليب"‪ 3‬كعبَّأ "صبوعا كبّبة‬
‫من الركـ‪ ،‬كأىل الشاـ‪ ،‬كأىل اعبزيرة‪ ،‬كأىل أرمينية‪ ،‬فجمع زىاء مائٍب ألف‪ ...‬كعزـ على ؿباربة‬

‫‪ 1‬الرىا ‪ :‬تقع جنوب شرقي تركيا كتسمى حاليا )‪ ،(Şanlıurfa‬كىي من اؼبدف القديبة ُب آسيا الصغرل‪ ،‬اشتهرت كمركز‬
‫للمسيحية ُب القرف الثالث اؼبيالدم‪ ،‬كبكثرة أديرهتا‪ ،‬كاحتفظت دبركزىا الديِب اؼبسيحي خالؿ العصر البيزنطي‪ ،‬كاإلسالمي‪ ،‬فتحها‬
‫اؼبسلموف صلحا‪ ،‬كأغلب سكاهنا نصارل‪ ،‬استوذل عليها الصليبيوف سنة ‪1097‬ـ‪ٍ ،‬ب استعادىا اؼبسلموف ُب عهد عماد الدين‬
‫زنكي سنة ‪1144‬ـ‪( .‬أنظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.)1659‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Alishan Léonce : op. cit., p. 37; Langlois Victor : op. cit., pp. 50-56.‬‬
‫‪ 3‬الواقدم (أبو عبد ا﵁ ؿبمد بن عمر بن كاقد (ت ‪ 116‬ىػ)) ‪ :‬فتوح الشاـ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ط‪ ،1‬بّبكت‪ .1101 ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.023‬‬
‫‪42‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫اؼبسلمْب"‪ 1.‬ككاف لألرمن دكر كبّب ُب اؼبعارؾ الٍب خاضها ىرقل ضد اؼبسلمْب‪ ،‬حيث "صبع من‬
‫‪3‬‬
‫اْلرمن ما َل هبمعو أحد من أىارل اؼبلك ىرقل"‪ 2‬كردبا كاف عددىم يشكل نصف جيش الركـ‪.‬‬
‫كتوذل القائد اْلرميِب باىاف قيادة جيوش بيزنطة‪ ،‬ككاف يعرؼ عند البيزنطيْب بشدة بالئو‪ .‬كتذكر‬
‫مصادر أرمينية معاصرة لألحداث‪ ،‬أف اْلرمن شاركوا ُب معركة القادسية سنة ‪ 04‬ق‪525/‬ـ‪،‬‬
‫بكتيبتْب تعدادنبا أربعة آَلؼ أرميِب‪ ،‬بقيادة موشيل ماميكونياف )‪،(Musel Mamikonien‬‬
‫كاْلمّب جرهبوار )‪.4(Grégoire‬‬

‫رغم ضخامة اعبيش الذم صبعو ىرقل‪ ،‬حقق اؼبسلموف انتصارا باىرا على البيزنطيْب‪ُ ،‬ب‬
‫الّبموؾ سنة ‪ 04‬ىػ‪525 /‬ـ‪ ،‬ككادكا أف يبيدكا اعبيش البيزنطي بأكملو‪ .‬ككاف ىرقل ُب أنطاكية‬
‫يراقب ما ستسفر عنو اؼبعركة‪ .‬كؼبا كصلتو أخبار الّبموؾ كما كقع عبيشو‪ ،‬كدل يكن يبلك احتياطا‬
‫يستبدؿ بو الرجاؿ الذين خسرىم‪ ،‬أدرؾ بأف اَلستمرار ُب اغبرب‪ ،‬ضرب من ضركب اَلنتحار‪ ،‬فأراد‬
‫اغبفاظ على ما تبقى من جيشو كقرر اَلنسحاب كبو اْلناضوؿ‪ٍ .‬ب خرج ىاربا موليا اْلدبار قاصدا‬
‫القسطنطينية‪ ،‬كؼبا جاكز الدرب قاؿ قولتو اؼبشهورة ‪" :‬عليك يا سورية السالـ‪ ،‬كنعم البلد ىذا‬
‫للعدك"‪ 5،‬ككل ما صنعو ىرقل ُب الشاـ‪ ،‬كُب قيليقيا ضاع بعد ذلك اليوـ‪ 6.‬كبعد أف قوض اؼبسلموف‬
‫أركاف الدكلة الفارسية‪ 7،‬تفرغوا للدكلة البيزنطية‪ ،‬فسقطت ُب يدىم دمشق كالقدس كأنطاكية‬
‫كفلسطْب‪ ،‬كبدأكا يشقوف طريقهم للتوغل ُب قلب اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كيدقوف أبواب قيليقيا‪.‬‬

‫‪ 1‬البالذرم (أبو العباس أضبد بن وبي بن جابر (ت ‪ 160‬ىػ)) ‪ :‬فتوح البلداف‪ ،‬حققو عبد ا﵁ أنيس الطباع‪ ،‬مؤسسة اؼبعارؼ‬
‫للطباعة كالنشر‪ ،‬بّبكت‪ .0876 ،‬ص ‪.073‬‬
‫‪ 2‬الواقدم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.023‬‬
‫‪ 3‬ابن كثّب (أبو الفدا إظباعيل (ت ‪774‬ىػ)) ‪ :‬البداية كالنهاية‪ ،‬دار الغد اعبديد‪ ،‬القاىرة‪ .2007 ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪88‬؛ برككلماف كارؿ ‪:‬‬
‫تاريخ الشعوب اإلسالمية‪ ،‬نقلو إذل العربية نبيو أمْب فارس ك منّب البعلبكي‪ ،‬دار العلم للماليْب‪ ،‬بّبكت‪ .1981 ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Sébèos (L'Evêque) : Histoire d'Héraclius, Traduit en français par Frédéric Macler, Paris, 1904. p. 99.‬‬
‫‪ 5‬الواقدم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪165‬؛ البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.075‬‬
‫‪ 6‬شينيو جاف‪-‬كلود ‪ :‬تاريخ بيزنطة‪ ،‬ترصبة جورج زيناٌب‪ ،‬دار الكتاب اعبديد اؼبتحدة‪ ،‬بّبكت‪ .2008 ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ُ 7‬ب معركٍب القادسية سنة ‪ 15‬ىػ ‪ 636 /‬ـ كهناكند سنة ‪ 19‬ىػ ‪ 640 /‬ـ‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫إف اهنزاـ ىرقل الذم يعترب كاحدا من أكرب اْلباطرة ُب تاريخ الدكلة البيزنطية‪ 1،‬مع ما سبيزت‬
‫بو ىذه اإلمرباطورية من نظاـ سياسي عريق كضخامة جيشها كحضارهتا‪ ،‬دفع اؼبؤرخْب إذل طرح‬
‫العديد من التساؤَلت حوؿ سر السرعة الفائقة الٍب جعلت اؼبسلمْب يتفوقوف على البيزنطيْب‬
‫كوبققوف انتصارات باىرة على حسأّم‪.‬‬

‫كردبا توجد بعض التربيرات ُب السياسة الدينية الٍب كاف يطبقها اْلباطرة ذباه أتباعهم من‬
‫اؼبخالفْب ؽبم ُب اؼبذىب‪ 2.‬حيث تذكر بعض اؼبصادر التارىبية اْلرمينية "أف أىل فلسطْب‪ ،‬طلبوا من‬
‫اؼبسلمْب اإلسراع ؼبساعدهتم كزبليصهم من اَلضطهاد الديِب‪ 3‬من قًبىل الركـ‪ ،‬كأنو عقب ربرير‬
‫أراضيهم‪ ،‬سيحكماف البالد معا"‪ .4‬أما اْلرمن فعلى الرغم من أهنم يجنّْدكا ُب اعبيش البيزنطي كشاركوا‬
‫ُب بعض معاركو‪ ،‬يبدك أهنم كانوا مكرىْب على ذلك‪" ،‬ككانوا حاقدين على الدكلة البيزنطية كغّب‬
‫راغبْب ُب القتاؿ"‪.5‬‬

‫‪ 1‬شينيو جاف‪-‬كلود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Bréhier Louis : L'Eglise et l'Orient au moyen âge. Les croisades, J. Cabalda, éditeur, 4 eme‬‬
‫‪éd., Paris 1921. p. 18.‬‬
‫‪ 3‬عارضت الكنائس الشرقية ُب مصر كبالد الشاـ كفلسطْب‪ ،‬قرارات ؾبمع خلقدكنية الذم انعقد سنة ‪ 451‬ـ‪ ،‬كأكد فيو اآلباء‬
‫آّتمعوف أف للمسيح طبيعتْب ‪ :‬بشرية كإؽبية )‪ .(Diophysisme‬أما اؼبذىب الذم كاف سائدا ُب الشاـ ىو أف للمسيح طبيعة‬
‫كاحدة )‪ ،(Monophysisme‬كقد عملت كنيسة القسطنطينية على فرض مذىب الطبيعتْب بكل الطرؽ‪ .‬ككاف العرب الغساسنة‬
‫الذين وبرسوف اغبدكد السورية لإلمرباطورية البيزنطية قد شجعوا أنصار الطبيعة الواحدة‪ ،‬فأقاـ ىؤَلء كنيسة موازية كذلك ربت تأثّب‬
‫راىب اظبو يعقوب الربادعي‪ ،‬كأقاموا بالتارل كنيسة منافسة ُب سوريا ظبيت اليعقوبية باسم مؤسسها‪ .‬كمنعت السلطات البيزنطية‬
‫اْلساقفة اليعاقبة من دخوؿ اؼبدف فلجأ ىؤَلء إذل اْلديرة‪ .‬كنشب صراع قوم بْب الكنيسة الالتينية كالكنيسة اليعقوبية‪ .‬كالكنيسة‬
‫اْلرمينية تقوـ على عقيدة الطبيعة الواحدة للمسيح‪( .‬أنظر ‪ :‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ أكربا ُب العصور الوسطى‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪ .6791 ،‬ص ‪52-51‬؛ طباش قبدة ‪ :‬الشاـ ُب صدر اَلسالـ من الفتح حٌب سقوط خالفة بِب أمية‬
‫دراسة لألكضاع اَلجتماعية كاإلدارية‪ ،‬طالس للدراسات كالَبصبة كالنشر‪ ،‬دمشق‪ .1987 ،‬ص ‪136-134 ،71-70‬؛‬
‫كاميللو بيّبكا كآخركف ‪ :‬آّامع اؼبسكونية‪ ،‬نقلو إذل العربية السيد بولس عطا ا﵁‪ ،‬دار شرقيات للنشر كالتوزيع‪ ،‬القاىرة‪.1114 ،‬‬
‫ص ‪32-26‬؛ شينيو جاف‪-‬كلود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)49-48‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ghévond Léonce : Histoire des guerres et des conquêtes des Arabes en Arménie, traduit en‬‬
‫‪français par Garabed V. Chahnazarian, Paris, 1856. p. 8.‬‬
‫‪ 5‬برككلماف كارؿ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .95‬غّب راغبْب ُب القتاؿ بسبب ؿباكلة بيزنطة فر ض مذىب الطبيعتْب على اْلرمن اؼبنبثق‬
‫عن قرارات ؾبمع خلقدكنية‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫ككذلك قاؿ أىل ًضبٍص للمسلمْب ‪" :‬لىوَليتكم كعدلكم ُّ‬
‫أحب الينا فبا كنا فيو من الظلم‬
‫لندفعن جند ىرقل عن اؼبدينة مع عاملكم‪ ،‬كهنض اليهود فقالوا ‪ :‬كالتوراة َل يدخل عامل‬
‫كالغشم ك َّ‬
‫ىرقل مدينة ضبص إَل أف نغلب كقبهد فأغلقوا اْلبواب كحرسوىا‪ ،‬ككذلك فعل أىل اؼبدف الٍب‬
‫‪1‬‬
‫صوغبت من النصارل‪ ،‬كاليهود‪ ،‬كقالوا إف ظهر الركـ كأتباعهم على اؼبسلمْب صرنا إذل ما كنا عليو"‪.‬‬

‫كإذا ظهر للبعض أنو من اػبطأ القوؿ أف اليعاقبة‪ُ 2‬ب سوريا‪ ،‬كاْلقباط أتباع مذىب الطبيعة‬
‫الواحدة ُب مصر‪ ،‬قد شجعوا الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬فإف فبا َل شك فيو أف اغبقد الذم يكنو ىؤَلء‬
‫للخلقدكنيْب‪ 3‬قد أحدث شلال ُب اؼبقاكمة ضد اؼبسلمْب‪ 4،‬بل كضبل قسما كبّبا من نصارل الشاـ‬
‫على الَبحيب بالفاربْب اعبدد‪ 5.‬كنتيجة للتنافر الذم حدث بْب اؼبسيحيْب بسبب ؿباكلة بيزنطة‬
‫فرض مذىب الطبيعتْب على صبيع أتباعها‪ ،‬حدث خالؼ جعل اليعاقبة كاْلقباط يعتقدكف أف‬
‫القياصرة قد عاقبهم ا﵁ ْلهنم أساؤكا معاملتهم‪ُ ،‬ب حْب أف اػبلقدكنيْب (أنصار ؾبمع خلقدكنية)‬

‫‪ 1‬البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.076‬‬


‫‪ 2‬اليعاقبة )‪ : (Les Jacobites‬ىي فرقة مسيحية تنسب إذل يعقوب الربادعي‪ ،‬كقد عاش أتباعها ُب مصر كالنوبة كاغببشة‪،‬‬
‫ككانت ؽبم اتصاَلت باؼبسلمْب كجرت بينهم مناظرات دينية‪ .‬يدكر مذىبهم على القوؿ بأف اؼبسيح ىو ا﵁ كاإلنساف اربدا ُب‬
‫طبيعة كاحدة ىي اؼبسيح‪ ،‬كاكثر اليعاقبة يقولوف إف اؼبسيح طبيعة كاحدة من طبيعتْب‪ ،‬إحدانبا إؽبية‪ ،‬كاْلخرل إنسانية‪ ،‬كلكنهما‬
‫تركبتا كما تركبت النفس كالبدف‪( .‬أنظر ‪ :‬الشهرستاشل (ابو الفتح ؿبمد عبد الكرصل بن أيب بكر أضبد (ت ‪548‬ىػ)) ‪ :‬اؼبلل‬
‫كالنحل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بّبكت‪ .2008 ،‬ص ‪184-182‬؛ عطية عزيز سولاير ‪ :‬تاريخ اؼبسيحية الشرقية‪ ،‬ترصبة إسحاؽ عبيد‪،‬‬
‫آّلس اْلعلى للثقافة‪ ،‬القاىرة‪ .1114 ،‬ص ‪224-220‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.)3648‬‬
‫‪ 3‬اػبلقدكنيوف )‪ : (Les Chalcédoniens‬يعرفوف عند اؼبسلمْب باسم اؼبلكانيْب‪ ،‬كىم الذين تبنوا قرارات ؾبمع خلقدكنية‬
‫كعددىا شبانية كعشركف قانونا‪ ،‬أنبها اثناف‪ ،‬اْلكؿ ‪ :‬قانوف اإليباف الذم يعترب أف الطبيعتْب اإلؽبية كاإلنسانية للمسيح متميزتاف‬
‫بالرغم من أهنما متحدتاف على كبو َل يقبل الفصل‪ ،‬فاؼبسيح إنساف حقيقي كإلو حقيقي ُب الوقت نفسو‪ ،‬أم كحدة الطبيعتْب‬
‫الالىوتية كالناسوتية ُب شخص اؼبسيح ‪ ،‬كيعرؼ دبذىب الطبيعتْب‪ .‬كىو اؼبذىب الذم تبنتو الدكلة البيزنطية رظبيا كعملت على‬
‫فرضو على صبيع أتباعها اؼبسيحيْب‪ .‬كالثاشل ‪ :‬القانوف الذم رفع كنيسة القسطنطينية إذل اؼبقاـ الثاشل بعد كنيسة ركما‪ ،‬على حساب‬
‫كنيسة اَلسكندرية كأنطاكية‪ ،‬كبذلك يكوف بطريرؾ القسطنطينية الرئيس اْلكحد للكنيسة الشرقية‪( .‬أنظر ‪ :‬الشهرستاشل ‪ :‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪179‬؛ عطية عزيز سولاير ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪76-71‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪1450‬؛‬
‫‪Valognes Jean-Pierre : Vie et mort des chrétiens d'Orient des origines à nos jours, Fayard,‬‬
‫)‪Paris, 1999. p. 284-335.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Bréhier louis : op. cit., pp. 18-19.‬‬
‫‪ 5‬رستم أسد ‪ :‬الركـ ُب سياستهم كحضارهتم كدينهم كثقافتهم كصالهتم بالعرب‪ ،‬دار اؼبكشوؼ‪ ،‬بّبكت‪ .1955 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.247‬‬
‫‪45‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كانوا يقولوف إف اْلقاليم الشرقية كقعت ضحية الغزك ْلف سكاهنا كانوا من اؽبراطقة (أصحاب‬
‫البدع)‪ 1.‬كيبدك أف البيزنطيْب نظركا لإلسالـ على أنو مذىب شبيو دبذىب آريوس‪ 2،‬كاعتقدكا أنو َل‬
‫‪3‬‬
‫ىبتلف عن اؼبذىب اؼبونوفيزم اؼبنتشر ُب مصر كالشاـ‪.‬‬

‫كمن سخرية القدر أف ىرقل عمل –دكف قصد‪ -‬لصاحل اؼبسلمْب‪ْ ،‬لف الضربة القاضية الٍب‬
‫سهل عملية توسع الفتوحات‬
‫كجهها للساسانيْب‪ ،‬أدت إذل اهنيار اعبيش الفارسي‪ ،‬كىذا ما َّ‬
‫اإلسالمية ُب بالد الشاـ؛‪ 4‬إذ بعد أربع سنوات من انتصاره على الفرس‪ ،‬عرؼ اؼبسلموف كيف‬
‫يستغلوف الفرصة التارىبية الٍب قدمتها ؽبم اغبرب بْب الركـ كالفرس‪ ،‬الٍب أضعفت كثّبا اَلمرباطوريتْب‪،‬‬
‫كدل هبد الفاربوف اؼبسلموف عناء كبّبا ُب دحر جيوش اإلمرباطورية الفارسية‪ ،‬كإزاحت تلك الدكلة من‬
‫طريقهم‪ٍ ،‬ب اخَبقت أفواجهم اْلكذل حدكد سوريا‪.‬‬

‫كدبا أف الفتوحات قد كصلت إذل أطراؼ الشاـ‪ ،‬كأصبح اؼبسلموف على زبوـ اإلمرباطورية‬
‫‪5‬‬
‫البيزنطية‪ ،‬فمن الطبيعي أف يهتم اؼبسلموف بإقليم قيليقيا ؼبوقعو اَلسَباتيجي على أبواب دكلة الركـ‪.‬‬

‫‪ 1‬شينيو جاف‪-‬كلود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫‪ 2‬آريوس ‪ :‬مثقف كقسيس باَلسكندرية‪ ،‬أراد أف يبنطق كيعقلن العقائد اؼبسيحية‪ .‬فقاؿ بأف اؼبنطق وبتم كجود اْلب قبل اَلبن‪،‬‬
‫كؼبا كاف اؼبسيح اَلبن ـبلوؽ لإللو اْلب فهو دكنو كَل يبكن بأم حاؿ أف يعادؿ اَلبن اإللو اْلب ُب اؼبستول كالقدرة‪ .‬كبعبارة‬
‫أخرل فإف اؼبسيح ـبلوؽ َل إلو باؼبعُب اؼبطلق ؽبذه الكلمة‪ ،‬كإَل فإف اؼبسيحيْب يصبحوف متهمْب بعدـ التوحيد كبعبادة إؽبْب‪.‬‬
‫كاشتد اعبدؿ بينو كبْب أتباع إثناسيوس الذم كاف يقوؿ بأف فكرة الثالوث اؼبقدس ربتم بأف يكوف اإلبن مساكيا لإللو اْلب سباما‬
‫ُب كل شيء حبكم أهنما من عنصر كاحد بعينو‪ ،‬ىذا كإف كانا شخصْب متميزين‪ٍ .‬ب انعقد ُب نيقية سنة ‪214‬ـ أكؿ ؾبمع‬
‫مسكوشل عاؼبي ُب تاريخ الكنيسة‪ ،‬فأداف آريوس كنفي إذل الّبيا كأحرقت كتبو كحرـ تداكؽبا كاضطهد أتباعو ‪( ...‬انظر ‪ :‬عاشور‬
‫سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ أكربا ُب العصور الوسطى‪ ،‬ص ‪31-28‬؛ رستم أسد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪45‬؛ كيلَب ج‪: .‬‬
‫اؽبرطقة ُب اؼبسيحية تاريخ البدع الدينية اؼبسيحية‪ ،‬تعريب صباؿ سادل‪ ،‬التنوير‪ ،‬بّبكت‪ .1101 ،‬ص ‪66-65‬؛ كاميللو بيّبكا‬
‫كآخركف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.).00‬‬
‫‪ 3‬ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬دراسات ُب تاريخ الدكلة البيزنطية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة‪ .0872 ،‬ص ‪54‬؛ رستم أسد ‪ :‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.128‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Bréhier louis : op. cit., p. 19.‬‬
‫‪ 5‬عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪46‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫"فينبغي أف يكوف اؼبسلموف لصنوؼ أعدائهم أشد حذرا منهم للركـ"‪ 1،‬كعليو هبب أكَل تأمْب ىذه‬
‫الثغور بنشر الدعوة اإلسالمية‪ٍ ،‬ب تقطيع ىذا اغبزاـ الواقي لإلمرباطورية البيزنطية كمن شبة فتح الطريق‬
‫للتوغل ُب قلب اإلمرباطورية كمهاصبة القسطنطينية مستقبال‪.‬‬

‫لقد حاكؿ اؼبسلموف التسلل إذل بالد الركـ‪ُ ،‬ب عهد اػبليفتْب عمر بن اػبطاب كعثماف بن‬
‫عفاف (رضي ا﵁ عنهما)‪ ،‬فأدربوا عرب بغراس كدرب اغبدث ككصل خالد بن الوليد إذل مرعش‪ ،‬عند‬
‫سفوح جباؿ طوركس‪ 2،‬كلكنهم كجدكا الدركب فارغة من السكاف باستثناء بعض اؼبسيحيْب ُب جبل‬
‫اللكاـ‪ 3‬يعرفوف باعبيراصبة‪ٍ 4.‬ب اندلعت اغبرب بْب علي بن أيب طالب كمعاكية بن أيب سفياف (رضي‬
‫ا﵁ عنهما) فأنقذت البيزنطيْب لبعض الوقت‪ْ ،‬لهنا أكقفت انطالقة اؼبسلمْب كفتوحاهتم لسنوات‬
‫عديدة‪ ،‬كيبدك أف البيزنطيْب دل يستطيعوا استعادة ما فتحو اؼبسلموف ُب الشاـ كذلك بسبب اؼبشاكل‬
‫‪6‬‬
‫الٍب خلقتها العناصر السالفية‪ 5‬اؼبختلفة كىجماهتا اؼبتكررة على حدكد اَلمرباطورية‪.‬‬

‫‪ 1‬قدامة بن جعفر ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.074‬‬


‫‪ 2‬انظر موقع ىذه اؼبدف ُب اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪ 3‬البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.154 ،113-112‬‬
‫‪4‬‬
‫رجومة الواقعة ُب جبل اللكاـ‪ ،‬كىم الذين عرفوا فيما بعد باسم اؼبوارنة‪ ،‬ككانوا‬
‫اعبيراصبة ‪ :‬ؾبموعة من النصارل ينتسبوف إذل مدينة يج ي‬
‫يستقيموف للوَلة اؼبسلمْب مرة كىبرجوف عن طاعتهم أخرل‪ ،‬فيكاتبوف الركـ كيدلوهنم على عورات اؼبسلمْب‪ ،‬كقد استعملهم اػبلفاء‬
‫أحيانا كعيوف ؽبم على الركـ‪( .‬أنظر ‪ :‬البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪223-217‬؛ طباش قبدة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)137-136‬‬
‫‪ 5‬العناصر السالفية ‪ :‬كيسموف أيضا الصقالبة‪ ،‬كىي شعوب تسكن بْب جباؿ اْلكراؿ كالبحر اْلدرياٌب ُب أكربا الشرقية كالوسطى‪،‬‬
‫كيقسموف عادة إذل ثالثة أقساـ كربل ‪ :‬صقالبة الغرب كيشملوف البولنديْب‪ ،‬كالتشيكيْب‪ ،‬كالسلوفاكيْب‪ ،‬كالوند‪ ،‬كصقالبة الشرؽ‬
‫كىم الركس كاْلككرانيوف‪ ،‬كالركس البيض‪ ،‬كصقالبة اعبنوب كيضموف الصربيْب كالكركاتيْب كالسلوفينيْب كاؼبقدكنيْب كالبلغاريْب‪.‬‬
‫كك انت ىذه الشعوب الرابضة على حدكد اَلمرباطورية الركمانية‪ ،‬أكذل ضحايا قبائل اؽبوف ُب أكائل العصور الوسطى‪ ،‬كتعرضت‬
‫لكثّب من اؼبتاعب فبا عرض كثّبين منهم لالستعباد‪ ،‬حٌب اشتقت كلمة عبد ُب كثّب من اللغات اْلكربية )‪ ،(Slave‬من اسم‬
‫السالؼ‪ .‬كحاكلوا التسلل إذل داخل أراضي اَلمرباطورية البيزنطية كغزكا القسطنطينية‪( .‬أنظر ‪ :‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ أكربا‬
‫ُب العصور الوسطى‪ ،‬ص ‪57‬؛ شينيو جاف كلود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪51‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.)2097‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, Editions Albin Michel, Paris, 1969. p. 62.‬‬
‫‪47‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كبعد أف توذل اػبالفة معاكية بن أيب سفياف سنة ‪ 30‬ىػ‪550/‬ـ‪ ،‬انتقلت عاصمة الدكلة‬
‫اْلموية إذل دمشق ككانت قريبة من اغبدكد البيزنطية‪ ،‬فأصبح الغرب كجهة الدكلة اإلسالمية‪ 1.‬ككاف‬
‫معاكية مهتما بضم إقليم قيليقيا‪ ،‬ففتح جبهة حربية برية أطلق عليها اسم "حرب الثغور"‪ ،‬ككضع ؽبا‬
‫نظاما خاصا عرؼ بنظاـ الصوائف كالشواٌب‪ ،‬حيث يقوـ اؼبسلموف بغزكة ُب الصيف تسمى الصائفة‪،‬‬
‫كأخرل ُب الشتاء كتسمى الشاتية‪ .‬ظبحت للمسلموف الوصوؿ إذل أقداـ جباؿ طوركس‪ .‬كاستمر ىذا‬
‫النظاـ طيلة العهد اْلموم‪ ،‬كقاـ اػبلفاء اْلمويوف بَبميم كثّب من اغبصوف كالقالع‪ ،‬كإعادة بناء اؼبدف‬
‫الٍب خرّٔا البيزنطيوف أثناء انسحأّم‪ 2،‬كبنوا أخرل جديدة‪ ،‬منها مرعش‪ ،‬كاغبدث‪ ،‬كطرندة‪،‬‬
‫كاؼبصيصة‪ ،‬كملطية‪ ،‬كحصن الربض‪ ،‬كحصن اؼبثقب‪ ،‬كحصن قطر غاش ‪ ...‬كشكلت القالع خطا‬
‫ىجوميا طويال يبتد من ملطية على الفرات اْلعلى إذل طرسوس بالقرب من الساحل الشرقي للبحر‬
‫اؼبتوسط‪ 3.‬كما قاـ بعض اػبلفاء بإسكاف عدد من اؼبسلمْب ُب تلك اغبصوف كاؼبدف‪ ،‬انتخبوىم من‬
‫ذكم البأس كالشدة‪ ،‬كأقطعوىم اْلراضي‪ ،‬كبنوا ؽبم اؼبساجد ّٔدؼ اؼبرابطة كمراقبة اغبدكد كي َل‬
‫‪4‬‬
‫تؤخذ من أىلها على حْب غفلة‪.‬‬

‫كيبدك أف سياسة الَبغيب الٍب سلكها اػبلفاء مع اؼبسلمْب ليستقركا ُب الثغور‪ ،‬دل تؤت‬
‫أكلها‪ ،‬فبا شجع البيزنطيْب على ؿباكلة استعادة ىذا اإلقليم‪ ،‬فكانوا يشنوف الغارات من حْب آلخر‬
‫كربولت اغبرب بينهم كبْب اؼبسلمْب إذل ىجومات ىدفها التخريب كالتدمّب‪ ،‬أصبحت مع مركر‬
‫الوقت حرب استنزاؼ‪ .‬كبقي ىذا اإلقليم يتأرجح بْب اػبصمْب كنبا بْب كر كفر‪ ،‬كُب اْلخّب خسره‬
‫البيزنطيوف‪ ،‬كدخل ُب حظّبة اػبالفة اإلسالمية‪ .‬كثبتت اغبدكد بْب الطرفْب لقركف عدة على جباؿ‬

‫‪ 1‬أبو زيد عال عبد العزيز ‪ :‬الدكلة اْلموية دكلة الفتوحات ‪021-30‬ىػ‪641-550/‬ـ‪ ،‬اؼبعهد العاؼبي للفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫القاىرة‪ .0885 ،‬ص ‪.04‬‬
‫‪ 2‬اغبيارم مصطفى علي ‪ :‬حياة الناس ُب مدف الثغور‪ ،‬ؾبلة دراسات تارىبية‪ ،‬ؾبلة دراسات تاريخية‪ ،‬ع ‪ ،4‬جامعة دمشق‪ ،‬افريل‬
‫‪1981‬ـ‪ .‬ص ‪.85‬‬
‫‪ 3‬انظر اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪ 4‬البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ ،154 ،116-112‬؛ كنعاف عاصم اظباعيل ‪ :‬مرجع سابق ‪ :‬ص ‪6-5‬؛ طباش قبدة ‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.263-261‬‬
‫‪48‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫طوركس‪ ،‬الٍب كانت خالية تقريبا من السكاف كلكن اؼبسلمْب كانوا يتسللوف عرب دركّٔا إذل كبادككيا‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فيجدكف البيزنطيْب ؽبم باؼبرصاد‪.‬‬

‫كبعد انتقاؿ اػبالفة إذل العباسيْب‪ ،‬كرث ىؤَلء عن اْلمويْب النزاع مع البيزنطيْب‪ ،‬كىو نزاع َل‬
‫يبكن تفاديو لوجود حدكد مشَبكة طويلة بْب الدكلتْب‪ ،‬كأكثرىا أنبية إقليم قيليقيا‪ .‬كدبا أف العباسيْب‬
‫ازبذكا من بغداد عاصمة ؽبم‪ ،‬فقد تغّبت مواقع الدفاع كاؽبجوـ بْب البيزنطيْب كاؼبسلمْب‪ ،‬حيث ركز‬
‫‪2‬‬
‫العباسيوف أكثر على الثغور اعبزرية‪ .‬كلذلك يقاؿ إف الثغور الشامية أموية كالثغور اعبزرية عباسية‪.‬‬
‫كمعُب ذلك أف اػبالفة اْلموية جعلت من ثغور اعبزيرة خطا دفاعيا يقي اؼبسلمْب من ىجمات‬
‫البيزنطيْب‪ ،‬كجعلت من ثغور الشاـ خطا ىجوميا للتوغل ُب بالد الركـ‪ 3،‬كالعكس قبده عند‬
‫العباسيْب حيث جعلوا من ثغور الشاـ خطا دفاعيا كمن ثغور اعبزيرة خطا ىجوميا‪ .‬كتفسّب ذلك‬
‫يعود إذل موقع عاصمٍب الدكلتْب فمدينة دمشق ىي أقرب إذل الثغور الشامية‪ ،‬بينما مدينة بغداد‬
‫الواقعة ُب العراؽ ىي أقرب إذل الثغور اعبزرية‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫فع َّمركىا كحصنوىا كغزكا غزكات مذكورة"‬‫كحصوهنا ى‬
‫كقد "تتبع بنو العباس مدف الثغور ي‬
‫كاستمرت ُب عهدىم ضبالت الصوائف كالشواٌب‪ .‬كلكنهم اىتموا أيضا بتعمّب ىذا اإلقليم بالسكاف‬
‫فجلبوا إليو الصناع ليشتغلوا ُب مدنو كمنحوا للجنود اؼبزارع كالضياع‪ 5،‬ما جعل عدد السكاف يرتفع‬
‫عما كاف عليو ُب العهد اْلموم‪.‬‬

‫كخصص العباسيوف ؽبذا اإلقليم نفقات خاصة ُب ميزانية اػبالفة‪ ،‬كعينوا لو موظفْب كعماَل‬
‫عرؼ الثغور الشامية‪ ،‬أف "ارتفاعها كبو اؼبائة‬
‫يسهركف على شؤكنو‪ .‬فقد أكرد قدامة بن جعفر بعد أف َّ‬

‫‪ 1‬البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.156-155‬‬


‫‪ 2‬الطائي سناء عبد العزيز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.410-411‬‬
‫‪ 3‬أبو زيد عال عبد العزيز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ 4‬ابن العدصل (الصاحب كماؿ الدين عمر بن أضبد بن أيب جرادة (ت ‪551‬ىػ)) ‪ :‬بغية الطلب ُب تاريخ حلب‪ ،‬ربقيق سهيل‬
‫زكار‪ ،‬دار الفكر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬بّبكت‪ .0877 ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.36‬‬
‫البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪112‬؛ ‪Laurent J. : op. cit., p. 244.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪51‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫ألف دينار‪ ،‬ينفق ُب مصاغبها كسائر كجوه شأهنا‪ ،‬كىي اؼبراقب‪ ،‬كاغبرس‪ ،‬كالفواثّب‪ ،‬كالركاضة‪،‬‬
‫كاؼبوكلْب بالدركب‪ ،‬كاؼبخايض‪ ،‬كاغبصوف‪ ،‬كغّب ذلك فبا جانسو من اْلمور كاْلحواؿ‪ ،‬كوبتاج إذل‬
‫‪1‬‬
‫شحنتها من اعبند كالصعاليك‪ .‬كراتب مغازيها الصوائف‪ ،‬كالشواٌب"‪.‬‬

‫كفبا يدؿ على اىتماـ العباسيْب بأمر الثغور كعدـ التنازؿ عنها لصاحل البيزنطيْب أف بعض‬
‫اػبلفاء كانوا ىبرجوف بأنفسهم على رأس اعبيش كيتوغلوف ُب بالد الركـ‪ ،‬كمنهم اؼبهدم (‪-047‬‬
‫‪058‬ىػ‪674-664/‬ـ)‪ ،‬الذم خرج بنفسو مع ابنو ىاركف إذل اغبدث سنة ‪052‬ىػ‪671/‬ـ‪،‬‬
‫كاػبليفة الرشيد الذم تعددت غزكاتو لبالد الركـ ففتح ىرقلة سنة ‪081‬ىػ‪715/‬ـ‪ ،‬كىو الذم أضاؼ‬
‫خطا ثانيا من القالع كاغبصوف يقع إذل اعبنوب من اػبط اْلكؿ ظباه "العواصم"‪ ،‬كبُب مدنا كرمم‬
‫أخرل منها اؽباركنية‪ ،‬كمنبج‪ ،‬كتيزين‪ ،‬كفايا‪ ،‬كعْب زرىب‪ ،‬ككاف اؽبدؼ منها أف هبد اؼبسلموف إذا‬
‫انصرفوا من غزكىم‪ ،‬كخرجوا من الثغر‪ ،‬مدنا كحصونا يعتصموف ّٔا فتمنعهم من العدك‪ 2.‬ك اػبليفة‬
‫اؼبأموف عبد ا﵁ بن الرشيد الذم دخل مدينة طرسوس فاربا فأدركتو منيتو ىناؾ‪ ،‬كدفن ّٔا‪ 3.‬كاػبليفة‬
‫اؼبعتصم با﵁ الذم فتح عمورية‪ 4‬سنة ‪112‬ىػ‪727/‬ـ‪ ،‬كبُب حصن طبارجي‪ ،‬كحصن اغبسينية‬
‫‪5‬‬
‫كحصن بِب اؼبؤمن‪ ،‬كحصن ابن رحواف ككلها بالقرب من زبطرة‪.‬‬

‫كل ىذه اْلعماؿ تبْب أف إقليم الثغور أك قيليقيا كاف جزءا من أراضي اػبالفة اإلسالمية‪،‬‬
‫كقد اىتم اػبلفاء بأمره‪ ،‬كسكنو اؼبسلموف كعمركه قركنا عديدة‪ ،‬كبنوا فيو مساجدىم "كجعلوا من‬
‫‪6‬‬
‫مدنو مراكز زاىرة غبضارهتم كثقافتهم"‪.‬‬

‫‪ 1‬قدامة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.075‬‬


‫‪ 2‬البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.123-122 ،071‬‬
‫‪ 3‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬مج ‪ ،2‬ج ‪ ،5‬ص ‪.145‬‬
‫‪ 4‬عمورية )‪ : (Amorium‬من مدف الركـ الواقعة ُب اعبهة الغربية من آسيا الصغرل‪ ،‬فتحها اؼبعتصم با﵁ سنة ‪223‬ىػ‪838/‬ـ‪،‬‬
‫ككانت ؿبل تنافس بْب السالجقة كالبيزنطيْب‪ ،‬كدل يبق منها حاليا إَل اآلثار‪( .‬أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬مج ‪ ،3‬ج ج‪،6‬‬
‫ص ‪355‬؛ ‪)Texier Charles op. cit., pp. 471-473.‬‬
‫‪ 5‬قدامة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪075‬؛ ابن العدصل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.478 ،36‬‬
‫‪ 6‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪50‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كبعد ىذا العرض السريع لتاريخ إقليم قيليقيا ككيفية انتقالو إذل أيدم اؼبسلمْب‪ ،‬نتساءؿ عن‬
‫رد فعل الدكلة البيزنطية كنظرهتا غبدكدىا مع اؼبسلمْب‪ ،‬كإذل أم مدل تقبلت كجود اؼبسلمْب على‬
‫حدكدىا الشرقية ؟ ْلف اإلجابة عن ىذا السؤاؿ ستوضح إذل حد كبّب بركز الركح الصليبية عند‬
‫البيزنطيْب قبل كصوؿ الفرقبة إذل آسيا الصغرل‪.‬‬

‫ج ‪ -‬عودة البيزنطيين إلى قيليقيا‬


‫كإذا كانت الفتوحات اإلسالمية قد توقفت عند الثغور الشامية كدل يستطع اؼبسلموف ذباكز‬
‫جباؿ طوركس‪ ،‬كاكتفوا آنذاؾ بضم إقليم قيليقيا كفصلو عن اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬فمما َل شك فيو‬
‫أف اؼبسلمْب كانوا يهدفوف إذل فتح القسطنطينية‪ ،‬كالقضاء على دكلة الركـ‪ ،‬مثلما أزالوا دكلة الفرس‬
‫سابقا‪ ،‬كدل تكن الدكلة البيزنطية جاىلة لنوايا كأىداؼ اؼبسلمْب‪ ،‬كدل تكن نواياىا كمشاعرىا أكثر‬
‫صفاء للمسلمْب كدكلتهم‪.‬‬

‫كإذا كاف الركـ قد عجزكا عن الدفاع عن أراضيهم خالؿ القرف السابع اؼبيالدم‪ ،‬فال يبكن أف‬
‫ينسوا‪ ،‬كأف يغفركا للمسلمْب‪ ،‬كىم يركهنم يقتطعوف من اإلمرباطورية أشبن كَلياهتا ُب الشرؽ‪ ،‬كىي‬
‫الشاـ‪ ،‬كمشاؿ العراؽ‪ ،‬كمصر‪ 1.‬فإهنم كانوا يتطلعوف إذل اليوـ الذم يثأركف فيو ْلنفسهم‪ ،‬كينتقموف‬
‫من اؼبسلمْب‪ ،‬كيستعيدكف أراضيهم‪ ،‬كلذلك كانوا دائما يستغلوف غبظات ضعف اؼبسلمْب‪ ،‬لينقضوا‬
‫على أطراؼ بالدىم‪ .‬كأقرب اْلراضي إذل عاصمتهم‪ ،‬كأنبها من حيث اؼبواصالت كاؼبوقع ىي تلك‬
‫الٍب تقع ُب إقليم قيليقيا‪.‬‬

‫كمع بداية القرف الرابع اؽبجرم‪/‬العاشر اؼبيالدم‪ ،‬أخذت أكضاع قيليقيا تتغّب‪ ،‬كزبرج من أيدم‬
‫اؼبسلمْب‪ .‬إذ توقفت جيوشهم عن مهاصبة اْلراضي البيزنطية‪ ،‬كخفت ركح اعبهاد كثّبا خارج مناطق‬
‫اغبدكد‪ ،‬كبلغت الدكلة اإلسالمية حالة من الضعف كاَلكبالؿ َل ربسد عليها‪" ،‬كضعف أمر اػبالفة‪،‬‬
‫كاكبل‪ ،‬كُب تلك اؼبدة تفرقت اؼبمالك‪ ،‬كدل يبق بيد اػبليفة غّب بغداد ‪ ،2"...‬ىذه العبارة الٍب كتبها‬

‫‪ 1‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.116‬‬


‫‪ 2‬ابن الساعي (علي بن أقبب البغدادم (ت ‪563‬ىػ)) ‪ :‬ـبتصر أخبار اػبلفاء‪ ،‬اؼبطبعة اْلمّبية‪ ،‬بوَلؽ‪0218 ،‬ىػ‪ .‬ص ‪.71‬‬
‫‪51‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫اؼبؤرخ ابن الساعي عن اػبليفة الراضي با﵁ ؿبمد بن اؼبقتدر (‪218-211‬ىػ‪831-823/‬ـ)‪ ،‬تدؿ‬
‫على أف اػبالفة العباسية كانت تعيش أكضاعا حرجة داخليا كخارجيا‪ ،‬كدل تعد قادرة على أف ربافظ‬
‫على رقعتها الشاسعة‪ .‬حيث تدىورت صورة اػبليفة كسلطتو‪ ،‬كأصبح ألعوبة ُب يد اعبيش كالوزراء‪،‬‬
‫فانفرط عقد اػبالفة كظهرت دكيالت كإمارات مستقلة ُب اْلطراؼ‪ .‬ففي فارس قامت دكلة بِب بويو‪،‬‬
‫كُب مصر قامت الدكلة اإلخشيدية سنة ‪211‬ىػ‪ ،‬كما أعلن الفاطميوف خالفتهم ُب بالد اؼبغرب سنة‬
‫‪185‬ىػ‪801/‬ـ‪ ،‬كعاث القرامطة فسادا‪ ،‬كاستبد الدياؼبة‪ 1‬بشماؿ خراساف‪ ،‬كسيطر الربيديوف‪ 2‬على‬
‫كاسط كالبصرة‪ ،‬كقاـ اغبمدانيوف ُب اؼبوصل كديار ربيعة كجزء كبّب من العراؽ‪ 3.‬كدل ذبد اإلمرباطورية‬
‫البيزنطية أمامها جبهة إسالمية موحدة‪ ،‬بل دكيالت مستقلة‪ ،‬كفسيفساء من اَلمارات على اعبزيرة‬
‫كمشاؿ الشاـ دل تكن ؽبا القدرة على مواجهة البيزنطيْب‪ 4.‬بل كتناصب بعضها بعضا العداكة‪ ،‬كربالف‬
‫آخركف مع اؼبسيحيْب‪ُ 5.‬ب ىذه الظركؼ اعتقد الركـ أف ساعة اَلنتقاـ قد حانت‪ ،‬كأياـ اؼبسلمْب ُب‬
‫قيليقيا أصبحت معدكدة‪.‬‬

‫كمن بْب النتائج اؼبباشرة لضعف اػبالفة العباسية‪ ،‬إنباؿ اػبلفاء تدعيم الثغور الٍب كانت‬
‫يومو عن‬
‫حصونا أمامية لدار اإلسالـ‪" ،‬كجبوارىا من السالطْب كالبوادم كالقركـ كاؼبلوؾ من قد أشغلو ي‬
‫غده‪ ،‬كحرامو كحطامو عما أكجب ا﵁ تعاذل كالسياسة كالرياسة عليو"‪ 6.‬كؼبا توقف دعم اغبكومة‬

‫‪ 1‬الدياؼبة ‪ :‬نسبة إذل إقليم الديلم الواقع جنويب حبر قزكين‪ ،‬ككاف ربت حكم فرع من بِب بويو على اؼبذىب الشيعي‪( ،‬أنظر ‪:‬‬
‫لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)207‬‬
‫‪ 2‬الربيديوف ‪ :‬ىو لقب لثالثة اخوة كاف أبوىم صاحب الربيد ُب البصرة‪ .‬شكلوا خطرا على الدكلة ُب فَبة اضمحالؿ اػبالفة‬
‫العباسية‪ ،‬أياـ اؼبقتدر كخلفائو‪ ،‬كرأس ىذه اْلسرة ىو أبو عبد ا﵁ الربيدم (ت ‪332‬ىػ‪943/‬ـ)‪ ،‬حارّٔم ابن رائق "امّب اْلمراء"‬
‫دكف جدكل‪ .‬حاربوا معز الدكلة البويهي فطردىم من البصرة‪( .‬أنظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.)703‬‬
‫‪ 3‬دياب صابر ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 4‬ابن فرج لطفي ‪" :‬اْلسرل ُب العالقات العباسية‪-‬البيزنطية من قياـ الدكلة العباسية إذل كاقعة مالزكرد (‪132‬ىػ‪750/‬ـ‪-‬‬
‫‪463‬ىػ‪1071/‬ـ)"‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الكفاءة ُب البحث العلمي‪ ،‬اؼبرحلة الثالثة‪ ،‬إشراؼ د‪ .‬ؿبمد الطاىر اؼبنصورم‪ ،‬قسم‬
‫التاريخ‪ ،‬كلية العلوـ اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬جامعة تونس اْلكذل‪ ،‬السنة اعبامعية ‪ .1993-1992‬ص ‪.116‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Bréhier : Vie et mort de Byzance, p. 163.‬‬
‫‪ 6‬ابن حوقل (أبو القاسم بن حوقل النصييب (ت ‪367‬ىػ‪977/‬ـ)) ‪ :‬صورة اْلرض‪ ،‬منشورات دار مكتبة اغبياة‪ ،‬بّبكت‪،‬‬
‫‪ .1979‬ص ‪.165‬‬
‫‪52‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫اؼبركزية لتلك الثغور دل ذبد أمامها إَل امكاناهتا ا﵀لية ا﵀دكدة‪ ،‬كدل تكن قادرة على اَلستمرار ّٔذا‬
‫الشكل لفَبة طويلة‪ .‬فقد كانت صغّبة كموقعها مكشوؼ‪ ،‬ؽبذا دل يكن بوسعها الصمود لوقت طويل‬
‫دكف دعم عسكرم كمارل كبّبين من جانب اغبكومة اؼبركزية ببغداد‪ ،‬فكاف سقوطها أماـ البيزنطيْب‬
‫مسألة كقت‪ 1.‬كيشّب ابن العدصل إذل حالة الضعف الٍب كصلت إليها الثغور بقولو ‪« :‬كما زاؿ مشحونا‬
‫بالراجل كالراكب إذل أف قصرت اؽبمم ككرل من تعدل كظلم‪ ،‬كاشتغلوا باللذات كتعاطوا اْلمور‬
‫‪2‬‬
‫اؼبنكرات‪ ،‬فضعف أمر الثغور كاختل ككىى عقد نظامها كاكبل»‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫كقد توافق ضعف اػبالفة العباسية كأفوؿ قبمها مع هنضة كبّبة ُب اإلمرباطورية البيزنطية‪.‬‬
‫"ككاف ذلك ُب الوقت الذم استولت على العرش ُب القسطنطينية أسرة من أقول اْلسر ُب تاريخ ىذه‬
‫الدكلة‪ ،‬ىي اْلسرة اؼبقدكنية‪ 4‬الٍب نفخت ُب الدكلة ركحا جديدة بفضل ما كفرتو من استقرار داخلي‬
‫كقيادة راشدة"‪ 5.‬كمع قدكـ ىذه اْلسرة بدأت بيزنطة تشهد ربوَلت عسكرية كسياسية ستكوف مقلقة‬

‫‪ 1‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪021‬؛ اغبيارم مصطفى علي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪ 2‬ابن العدصل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪ .478‬كيصور لنا القاضي أبو عمرك عثماف الطرسوسي‪ ،‬الذم كاف شاىد عياف على‬
‫تدىور أكضاع الثغور بقولو ‪" :‬نفذت سوابق أقضيتو ُب عادل من بريتو أسكنهم حينا من الدىر ثغرا بأطراؼ الشاـ نوه بو كّٔم ُب‬
‫معادل اإلسالـ متعهم فيو مدة من اؼبدد كأعزه كأعزىم إذل غاية من اْلمد ظاىرين على أعدائهم مظفرين ُب قلوب إخواهنم اؼبسلمْب‬
‫معظمْب مبجلْب ضاقت ّٔم أرض الركـ ‪ ...‬زيادة على مائٍب سنة حٌب نبغ من نقفور بن فاردس بن ال يف ٌقاس ‪ ...‬فغزاىم عاما بعد‬
‫عاـ ‪ ...‬كحلوؿ الداء الذم َل دكاء لو كالعلة الٍب َل يرجى برؤىا كىو نبو السالطْب حينئذ عن نصرهتم كتثاقلهم عن إجابة‬
‫مستصرخهم كزبلفهم حْب دانبهم ما دنبهم عن معونتهم" ( الطرسوسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.).17-16‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Aslan Kévork : L'Arménie et les Arméniens depuis les origines jusqu'à nos jours, Librairie‬‬
‫‪Weiss, Constantinople, 1914. p. 61-62.‬‬
‫‪ 4‬اْلسرة اؼبقدكنية ‪ :‬حكمت اَلمرباطورية البيزنطية من ‪ 867‬إذل ‪1056‬ـ‪ ،‬كتنسب إذل باسيل اْلكؿ‪ ،‬الذم كلد ُب مقدكنيا من‬
‫أب أرميِب كأـ سالفية‪ .‬بلغت اَلمرباطورية ُب ىذه الفَبة ذركة ؾبدىا‪ ،‬ككصلت إذل أقصى اتساع ؽبا منذ الفتوحات اَلسالمية‪ ،‬كما‬
‫ازداد النشاط التجارم الذم عاد بفوائد كثّبة على القسطنطينية‪( .‬انظر ‪ :‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬اغبضارة البيزنطية‪ ،‬ترصبة عبد العزيز‬
‫توفيق جاكيد‪ ،‬اؽبيئة اؼبصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاىرة‪ .2010 ،‬ص ‪56-52‬؛‬
‫‪Treadgold Warren : A History of the Byzantine state and society, Stanford university press,‬‬
‫)‪Stanford California, 1997. pp. 490-491.‬‬
‫‪ 5‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية صفحة مشرفة ُب تاريخ اعبهاد اإلسالمي ُب العصور الوسطى‪ ،‬مكتبة اْلقبلو‬
‫اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪ .1101 ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.41‬‬
‫‪53‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫للمسلمْب‪ ،‬كلعل التخلص من بعض اػبالفات الدينية ىو الذم مهد ؽبذه النهضة‪ 1.‬كبعد اف اختل‬
‫التوازف بْب القول اؼبتصارعة لصاحل اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬غّبت ىذه اْلخّبة سياستها من الدفاع إذل‬
‫اؽبجوـ‪ ،‬فبعد ثالثة قركف عاشتها بيزنطة ملتزمة جانب الدفاع عن فبتلكاهتا إذا ّٔا تفاجئ العادل بعد‬
‫صحوهتا‪ ،‬بظهورىا قوة حربية مهاصبة هتدد جّباهنا‪ ،‬كهتاجم كتستورل على أر و‬
‫اض كتبسط نفوذىا‬
‫عليها‪ 2.‬كىكذا ضعفت شوكة اؼبسلمْب‪ ،‬كأدل ذلك إذل أف بدأت الدكلة البيزنطية تقف موقفا حازما‬
‫منهم‪ 3.‬ككاف إقليم قيليقيا من بْب اْلقاليم الٍب عملت بيزنطة على انتزاعو من دار اَلسالـ‪ ،‬كإعادتو‬
‫إذل حظّبة اؼبسيحية من جديد‪.‬‬

‫كقاـ باسيل اْلكؿ )‪162-142( Basile I‬ىػ‪ ،))775-756/‬أكؿ أباطرة اْلسرة‬


‫اؼبقدكنية ّٔجوـ منظم يهدؼ اذل احتالؿ الدركب الٍب تتخلل جباؿ طوركس‪ ،‬كؿباكلة دحر اؼبسلمْب‬
‫كبو الشرؽ‪ 4.‬كقبح فيما بعد القائد البيزنطي يوحنا كوركواز )‪ُ 5(Jean Courcouas‬ب القياـ‬
‫حبمالت متتالية‪ ،‬كاف اؽبدؼ منها الدخوؿ إذل قيليقيا كاعبزيرة‪ ،‬كحقق انتصارات متالحقة ضد‬
‫اؼبسلمْب كأجربىم على الَباجع إذل ما كراء حدكدىم‪ 6.‬كيركم ابن اْلثّب ضمن حوادث سنة‬
‫‪211‬ىػ‪822/‬ـ قائال ‪" :‬سار الدمستق‪ 7‬قرقاش ُب طبسْب ألفا من الركـ فنازؿ ملطية كحصرىا مدة‬
‫طويلة ىلك أكثر أىلها باعبوع ‪ ...‬كفتحها باْلماف ‪ ...‬كملكوا ظبيساط كخربوا اْلعماؿ كأكثركا‬

‫‪ 1‬ابن فرج لطفي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬


‫‪ 2‬السيد ؿبمود ‪ :‬تاريخ الدكلة البيزنطية‪ ،‬مؤسسة شباب اعبامعة‪ ،‬اَلسكندرية‪ .1116 ،‬ص ‪.017‬‬
‫‪ 3‬السرجاشل راغب ‪ :‬قصة اغبركب الصليبية من البداية إذل عهد عماد الدين زنكي‪ ،‬مؤسسة اقرأ للنشر كالتوزيع كالَبصبة‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫القاىرة‪ .2009 ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Brehier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 127.‬‬
‫‪ 5‬يسميو ابن اْلثّب الدمستق قرقاش‬
‫‪6‬‬
‫‪Brehier Louis : op. cit., p. 164-165.‬‬
‫‪7‬‬
‫الدمستق ىو تعريب لكلمة ‪ ،domestique‬كىي رتبة عسكرية سبنح ؼبن كاف يقود جيوش الشرؽ‪ ،‬أم بالد الركـ الواقعة شرقي‬
‫خليج القسطنطينية‪ ،‬ككاف كل من يتوَلىا يلقب بالدمستق‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن اْلثّب (أبو اغبسن علي بن أيب الكرـ ؿبمد بن ؿبمد بن‬
‫عبد الكرصل بن عبد الواحد الشيباشل (ت ‪ 521‬ىػ)) ‪ :‬الكامل ُب التاريخ‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط ‪ ،3‬بّبكت‪ .0872 ،‬ج ‪،6‬‬
‫ص ‪27‬؛ ص ‪ 055‬من ىذا البحث)‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫القتل كفعلوا اْلفاعيل الشنيعة كصار أكثر البالد ُب أيديهم"‪ 1.‬كلقد كاف سقوط ملطية على حد تعبّب‬
‫ابن حوقل "أكؿ مصيبة دخلت على اَلسالـ من جهة الثغور‪ٍ ،‬ب انثالت اؼبصائب على الناس ُب‬
‫ثغورىم كأنفسهم كأمواؽبم كأسعارىم كأبشارىم كسالطينهم"‪ .2‬كُب سنة‪220‬ىػ‪831 /‬ـ‪ ،‬استوذل‬
‫البيزنطيوف على ميافارقْب‪ ،‬كديار بكر‪ ،‬كدارا‪ ،‬كنسيب‪ ،‬كحاصركا الرىا‪ ،‬كأهنى ىذا القائد ضبلتو‪،‬‬
‫باَلستيالء على مرعش سنة ‪227‬ىػ‪838/‬ـ‪ 3.‬ث ػم ت ػوذل ق ػي ػادة اعبيػش البيزنطي ليوف فوقػاس‬
‫)‪ ،(Léon Phocas‬فاستوذل على طرسوس عاصمة إقليم قيليقيا‪ .‬كيبدك أف اْلعماؿ العسكرية ضد‬
‫الثغور كانت سريعة كجد عنيفة‪ 4.‬كحبلوؿ سنة ‪237‬ىػ‪848/‬ـ كانت اعبيوش البيزنطية قد سيطرت‬
‫على العديد من اؼبدف الواقعة ُب الثغور مشارل الشاـ‪.‬‬

‫كلكن البيزنطيْب دل يسَبجعوا كل إقليم قيليقيا‪ ،‬كيعود السبب إذل ظهور مقاكمة شرسة نظمها‬
‫اْلمراء اغبمدانيوف الذين كانوا يقيموف ُب اؼبوصل‪ ،‬كاعبزيرة‪ ،‬كحلب‪ .‬كقد كقع على عاتقهم عبء‬
‫الدفاع عن الثغور اإلسالمية كمقاكمة اػبطر البيزنطي‪ 5.‬كاشتهر من بينهم سيف الدكلة اغبمداشل‬
‫(‪245-212‬ىػ‪854-804/‬ـ)‪ 6‬الذم أحيا ُب اؼبسلمْب ركح اعبهاد ضد الركـ‪ .‬كتأججت ُب‬
‫عهده العداكة مع البيزنطيْب‪ ،‬إذل درجة أف البعض عد عصره دبا قبل تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬إذ ارتفع‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.132‬‬


‫‪ 2‬ابن حوقل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪41‬؛ ‪Brehier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 166-167.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬ابن فرج لطفي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬


‫‪ 5‬ؿبل طالب صبار ‪ :‬العالقات السياسية للقبائل العربية ُب بالد الشاـ كاعبزيرة الفراتية مع البيزنطيْب ُب القرنْب الرابع كاػبامس‬
‫اؽبجريْب‪ ،‬ؾبلة آداب الفراىيدم‪ ،‬مج ‪ ،00‬ع ‪ ،8443-1163‬جامعة تكريت‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬العراؽ‪ .1101 ،‬ص ‪.210‬‬
‫‪ 6‬سيف الدكلة اغبمداشل ‪ :‬ىو علي بن عبد ا﵁ بن ضبداف اؼبلقب بسيف الدكلة‪ ،‬اشتهر بشجاعتو كحركبو ضد البيزنطيْب‪ ،‬كقد‬
‫سبكن من اَلستيالء على حصوف كمدف عديدة‪ ،‬كامتد سلطانو إذل إقليم قيليقيا دبا فيو من مدف ىامة مثل أذنة‪ ،‬كطرسوس‪،‬‬
‫كاؼبصيصة كغّبىا‪ .‬أسس إمارة خاصة بو ُب حلب كضبص‪ ،‬ككاف يتصرؼ ُب عملو كحركبو كخصوصياتو كملك مستقل‪ ،‬كاصطنع‬
‫لنفسو صبيع مراسم اؼبلك كألقابو‪ .‬كإذل جانب نشاطو السياسي كالعسكرم‪ ،‬فقد كاف أديبا كشاعرا؛ لذلك زخر بالطو بأرباب‬
‫اْلدب كالفن‪ ،‬كاقَبف اظبو باسم الشاعر أيب الطيب اؼبتنيب‪ ،‬الذم اختصو بقصائد بلغت الذركة ُب البالغة كالقوة‪( .‬حوؿ إمارة بِب‬
‫ضبداف كأمرائهم كقصائد اؼبتنيب‪ ،‬أنظر ‪ :‬دركزة ؿبمد عزة ‪ :‬العرب كالعركبة ُب حقبة التغلب الَبكي من القرف الثالث إذل الثلث اْلكؿ‬
‫من القرف الرابع اؽبجرم‪ ،‬منشورات اؼبكتبة العصرية‪ ،‬ط ‪ ،2‬صيدا‪ .1981 ،‬مج ‪ ،1‬ج‪ ،1‬ص ‪.)70-21‬‬
‫‪55‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫نسق الغزكات ُب عهده‪ 1‬كقاـ ّٔجمات عنيفة مكنتو من التوغل داخل بالد الركـ‪ ،‬كاستطاع أف وبقق‬
‫‪2‬‬
‫بعض اَلنتصارات الٍب جعلت مهمة البيزنطيْب التوسعية‪ ،‬كغزك أرض اإلسالـ صعبة إذل حد ما‪.‬‬
‫كلوَل اإلمارة اغبمدانية لكانت عملية استعادة البيزنطيْب للمدف كالقالع‪ ،‬أسرع كأبعد‪.‬‬

‫كدل تكن تلك اغبركب سول بداية غبرب شاملة عزمت الدكلة البيزنطية القياـ ّٔا انتقاما من‬
‫اؼبسلمْب ؼبا حل ّٔا على أيديهم طواؿ القركف الثالثة السابقة؛‪ 3‬خاصة بعد أف َلحظت ُب عملياهتا‬
‫العسكرية اؽبجومية الفارطة ىشاشة النظاـ الدفاعي الذم صارت عليو الثغور‪ 4.‬كدل تعتمد بيزنطة على‬
‫آلتها العسكرية فقط‪ ،‬بل بذلت جهودا دبلوماسية ناجحة‪ ،‬لقطع الطريق أماـ أم ؿباكلة لتوحيد‬
‫اعببهة اإلسالمية ضدىا‪ ،‬مستغلة ُب ذلك ضعف اؼبسلمْب كانقسامهم‪ ،‬حيث أرسلت القسطنطينية‬
‫سنٍب ‪225‬ىػ‪836/‬ـ ك ‪227‬ىػ‪838/‬ـ‪ ،‬سفارتْب إذل اػبليفة عبد الرضبن الثالث ُب قرطبة‪ ،‬توجت‬
‫‪5‬‬
‫بعقد معاىدة صداقة ضمنت لإلمرباطورية البيزنطية حياد اػبليفة‪ ،‬كإقامة عالقات ىامة بْب الطرفْب‪.‬‬

‫كُب الوقت الذم قبح فيو القائد البيزنطي نقفور فوقاس )‪ُ (Nicéphore Phocas‬ب ربقيق‬
‫انتصار على اؼبسلمْب ُب جزيرة كريت سنة ‪241‬ق‪850/‬ـ‪ ،‬كاف أخوه القائد ليوف فوكاس قد أغبق‬
‫ىزيبة شنيعة بسيف الدكلة اغبمداشل الذم كاف عائدا من بالد الركـ‪ ،‬بعد أف نصب لو اعبيش‬
‫البيزنطي كمينا ُب الدرب الذم سلكو‪" ،‬فظهر الركـ عليو‪ ،‬كاسَبدكا ما كاف معو من الغنائم‪ ،‬كأخذكا‬
‫أثقالو‪ ،‬ككضعوا السيف ُب أصحابو‪ ،‬فأتوا عليهم قتال كأسرا كزبلص ىو ُب ثالشبائة رجل بعد جهد‬
‫كمشقة"‪ 6.‬كأرادت الدكلة البيزنطية استغالؿ ىذه الفرصة الٍب سنحت ؽبا بعد ىزيبة اغبمدانيْب‬
‫لتستأنف ىجومها ُب الشرؽ‪ .‬فبعد إقامة قصّبة أمضاىا نقفور فوقاس ُب القسطنطينية‪ ،‬أيرسل إذل‬
‫آسيا ّٔدؼ احتالؿ إقليم قيليقيا حيث اؼبمرات الٍب تؤدم إذل طرسوس كاؼبصيصة كأنطاكية‪ ،‬الٍب‬

‫‪ 1‬ابن فرج لطفي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬


‫‪ 2‬دركزة ؿبمد عزة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مج ‪ ،1‬ج ‪ ،1‬ص ‪.43‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.42‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬ابن فرج لطفي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬


‫‪5‬‬
‫‪Brehier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 181.‬‬
‫‪ 6‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.247‬‬
‫‪56‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫تعترب بوابة سوريا‪ 1.‬كدل هبد صعوبة كبّبة ُب اَلستيالء على عْب زرىب سنة ‪240‬ىػ‪851/‬ـ‪ 2.‬كيركم‬
‫ابن مسكويو كىو معاصر لألحداث‪ ،‬بأف نقفور فوقاس ندـ على إعطاء اْلماف ْلىلها‪ ،‬فتغّب سلوؾ‬
‫البيزنطيْب مع اؼبسلمْب باللجوء إذل الغدر بعد فتح اغبصوف باْلماف‪" 3،‬فقتلوا عاؼبا من الرجاؿ‬
‫كالنساء كالصبياف كاْلطفاؿ ‪ ...‬كبقي الدمستق مقيما ُب بلداف اإلسالـ أحد كعشركف يوما كفتح‬
‫حوؿ عْب زرىب أربعة كطبسْب حصنا منها بالسيف كمنها باْلماف"‪ 4.‬كبالغ ُب التخريب كاَلنتقاـ حٌب‬
‫أنو أمر بتهدصل اعبامع‪ ،‬كتكسّب اؼبنرب‪ ،‬كتدمّب أسوار اؼبدينة كمنازؽبا‪ ،‬كقطَّع طبسْب ألف لبلة‪ 5.‬كؼبا‬
‫أدركو الصوـ كعيد الفصح غادر عْب زرىب متوجها إذل قيصرية‪ ،‬تاركا اعبيش البيزنطي يواصل مهمتو‪.‬‬
‫فاستوذل على سيس‪ ،‬كدلوؾ‪ ،‬كرعباف‪ ،‬كمرعش‪ ،‬كطرسوس‪ .‬كدل يكن سيف الدكلة يتوفر على قوة‬
‫عسكرية كافية ليمنع اعبيش البيزنطي من عبور دركب جبل اللكاـ (اْلمانوس)‪ .‬كؼبا فرغ نقفور من‬
‫صومو‪ ،‬عاد ليقود جيشو من جديد‪ ،‬فاستوذل على عْب تاب‪ 6،‬كمنبج‪ .‬كدل يَبؾ القائد البيزنطي‬
‫ػبصومو فرصة لالستعداد‪ ،‬فزحف بغتة على حلب‪ ،‬عاصمة سيف الدكلة اغبمداشل‪ ،‬كاستوذل عليها ُب‬
‫أكاخر سنة ‪240‬ىػ‪851/‬ـ‪ .‬كعندما عجز ىذا القائد عن اَلستيالء على قلعة حلب‪ ،‬اكتفى بتدمّب‬

‫ابن فرج لطفي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪115‬؛ ‪Brehier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 183-184.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫ابن العربم (غرغوريوس أبو الفرج صباؿ الدين اؼبلطي (ت ‪685‬ىػ‪1286/‬ـ)) ‪ :‬تاريخ ـبتصر الدكؿ‪ ،‬دار اؼبسّبة‪ ،‬بّبكت‪( ،‬د ت)‪ .‬ص ‪.168‬‬
‫‪ 3‬ابن فرج لطفي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪" .114‬دخل نقفور فوقاس (الدمستق) مدينة عْب زرىب ُب ا﵀رـ من سنة ‪351‬ىػ‪962/‬ـ‪،‬‬
‫فاستأمنو أىلها‪ ،‬فأمنهم كأمر بأف يدخلوا كلهم اؼبسجد كمن بقي ُب منزلو قتل‪ ،‬فصاركا إذل اؼبسجد كلهم ٍب قاؿ ‪َ :‬ل يبقْب أحد‬
‫من أىلها اليوـ إَل ذىب حيث شاء‪ ،‬كمن تأخر قتل‪ .‬فازدضبوا ُب خركجهم من اؼبسجد فمات كثّب منهم‪ ،‬كخرجوا على كجوىهم‬
‫َل يدركف أين يذىبوف‪ ،‬فمات ُب الطرقات منهم خلق كثّب"‪( .‬انظر ‪ :‬ابن كثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬مج ‪ ،6‬ج ‪ ،11‬ص ‪.)60‬‬
‫‪ 4‬ابن مسكويو (ابو علي أضبد بن ؿبمد بن يعقوب مسكويو (ت ‪ 310‬ىػ)) ‪ :‬ذبارب اْلمم كتعاقب اؽبمم‪ ،‬ربقيق سيد كسركم‬
‫حسن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪ .1112 ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.222-221‬‬
‫‪ 5‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.222‬‬
‫‪ 6‬عْب تاب ‪ :‬قلعة حصينة على جبل‪ ،‬بْب حلب كأنطاكية‪ ،‬ككانت تعرؼ بدلوؾ‪ .‬احتلها الصليبيوف خالؿ اغبملة الصليبية‬
‫اْلكذل‪ ،‬إذل أف أخذىا منهم السلطاف السلجوقي عز الدين بن مسعود‪ٍ ،‬ب آلت إذل نور الدين ؿبمود زنكي ُب سنة ‪550‬ق‪ٍ ،‬ب‬
‫استعملها اللماليك ُب مصر كمرصد ؼبا يأٌب من اْلمور الطارئة من بالد الركـ‪ ،‬كبالد اْلرمن‪( .‬انظر ‪ :‬ابن شداد (عز الدين ؿبمد‬
‫بن علي بن ابراىيم (ت ‪684‬ق‪1285/‬ـ)) ‪ :‬اْلعالؽ اػبطّبة ُب ذكر أمراء الشاـ كاعبزيرة‪ ،‬حققو وبي زكرياء عباده‪ ،‬منشورات‬
‫كزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ .1991 ،‬ج ‪1‬ف ؽ ‪ ،2‬ص ‪.)113-110‬‬
‫‪57‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫اؼبدينة كأحرؽ اؼبساجد‪ٍ ،‬ب قفل راجعا إذل قيليقيا‪" 1.‬كسىب من البلد من اؼبسلمْب كاؼبسلمات بضعة‬
‫عشر ألف صيب كصبية كأخذ من خزائن سيف الدكلة كأمتعة التجار ما َل وبد كَل يوصف كثرة فلما‬
‫‪2‬‬
‫دل يبق معو شيء وبمل عليو أحرؽ الباقي بالنار"‪.‬‬

‫كبعد أف تػي ّْوج نقفور فوقاس امرباطورا ُب القسطنطينية سنة ‪241‬ىػ‪852/‬ـ‪ ،‬رجع إذل قيليقيا‬
‫مرة أخرل‪ْ ،‬لف اغبرب دل تنتو بينو كبْب اغبمدانيْب‪ ،‬حيث عاد سيف الدكلة إذل حلب كأعاد بناء‬
‫مدينة عْب زرىب‪ 3،‬كبعد أف سبكن من تنظيم قواتو‪ ،‬بدأ غاراتو على اْلراضي البيزنطية عن طريق ثالثة‬
‫‪4‬‬
‫دركب ـبتلفة‪.‬‬

‫ٍب أرسل نقفور فوقاس أحد قادتو العسكريْب كىو يوحنا تٍ ًزيبً ٍس ىكس )‪،5(Jean Tzimiskès‬‬
‫فاخَبؽ قيليقيا‪" ،‬كأقاـ ببالد اإلسالـ طبسة عشر يوما"‪ .‬كحاصر اؼبصيصة سنة ‪242‬ىػ‪853/‬ـ‪ٍ .‬ب‬
‫اضطر لالنسحاب بسبب الوباء الذم أصاب جنوده‪ ،‬كنقص اؼبؤف‪ ،‬كارتفاع اْلسعار ُب قيليقيا‬
‫كالشاـ‪ .‬كلكنو أحرؽ ضياع كمزارع اؼبصيصة‪ ،‬كأذنة‪ ،‬كطرسوس‪ْ ،‬لف أىلها أسرعوا ؼبساعدة أىل‬
‫اؼبصيصة‪ .‬كتوعدىم قائال ‪" :‬يا أىل اؼبصيصة‪ ،‬إشل منصرؼ عنكم َل لعجز عنكم كعن فتح‬
‫مدينتكم‪ ،‬كلكن لضيق العلوفة‪ ،‬كأنا عائد إليكم بعد ىذا الوقت‪ ،‬فمن أراد منكم اَلنتقاؿ إذل بلد‬
‫‪6‬‬
‫كيستنتج من اْلحداث السابقة‪ ،‬أف‬ ‫آخر قبل رجوعي فلينتقل كمن كجدتو بعد عودٌب قتلتو"‪.‬‬
‫اؼبسلمْب حٌب ىذا التاريخ‪ ،‬مازالوا يعتربكف اقليم قيليقيا جزءا من دار اإلسالـ كَل يريدكف التفريط فيو‪،‬‬
‫كما أف الركـ مصركف على افتكاكو من اؼبسلمْب‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن كثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬مج ‪ ،5‬ج ‪ ،00‬ص ‪51‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪42‬؛ ابن العربم‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪058‬؛ ‪Brehier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 184.‬‬
‫‪ 2‬ابن مسكويو ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.223‬‬
‫‪ 3‬ابن اعبوزم (أبو الفرج عبد الرضبن بن علي بن ؿبمد (ت ‪ 486‬ىػ)) ‪ :‬اؼبنتظم ُب تاريخ اؼبلوؾ كاْلمم‪ ،‬ربقيق ؿبمد عبد القادر‬
‫عطا ك مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪ .0881 ،‬ج ‪ ،03‬ص ‪.028‬‬
‫ؿبل طالب صبار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪216‬؛ ‪Brehier Louis : op. cit., p. 194.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫الش يمشقيق"‪ ،‬كُب بعض اؼبصادر "ابن الشمشقيق"‪ ،‬ككرد ُب حولية‬
‫كرد ذكره ُب اؼبصادر العربية باسم "حنا الشمشيق"‪ ،‬كأحيانا "يوحنا ي‬
‫مٌب الرىاكم اؼبَبصبة إذل الفرنسية باسم )‪( .Zimiscès (Tchĕmĕschguig‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.)00 ،6‬‬
‫‪ 6‬ابن مسكويو ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪226‬؛ ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،03‬ص ‪.044‬‬
‫‪58‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫استأنف البيزنطيوف ضبالهتم على دار اإلسالـ ُب ربيع ‪243‬ىػ‪853/‬ـ‪ .‬كقرر اإلمرباطور‬
‫نقفور فوقاس أف يقود بنفسو ضبلة على قيليقيا‪ ،‬كعْب قائدا أرمينيا ػبدمتو‪ ،1‬كازبذ من مدينة قيصرية‬
‫كبادككيا‪ ،‬قاعدة كربل للتسليح كالتموين‪ 2.‬كىدفو من ذلك أف يكوف قريبا من بالد اإلسالـ‪ ،‬كأف َل‬
‫هبد صعوبة ُب إمداد اعبيش‪ ،‬كما حدث ُب اغبملة السابقة‪ .‬ككاف اؼبسلموف ُب الثغور يعيشوف أسوأ‬
‫أيامهم بسبب ارتفاع اْلسعار كاْلكبئة‪ ،‬فأرسل أىل اؼبصيصة كطرسوس إذل نقفور يقولوف ‪" :‬إف أىل‬
‫ىذه البالد قد ضعفوا جدا كأنو َل ناصر ؽبم كَل دافع لو عنها كأنو دل تبق أقوات كأنو قد آؿ اْلمر‬
‫بأىل طرسوس إذل أكل الكالب كاؼبيتة كإنو ىبرج منها ُب كل يوـ ثالشبائة جنازة"‪ ،‬فأجأّم اإلمرباطور‬
‫‪" :‬مثلكم مثل اغبية ُب الشتاء إذا غبقها الربد كذبلت كضعفت حٌب ييقدّْر من رآىا أهنا قد ماتت فإف‬
‫أخذىا إنساف كأحسن إليها كأدفأىا انتعشت كلدغتو كأنتم إمبا خبعتم بالطاعة ؼبا ضعفتم كإف تركتكم‬
‫حٌب تستقيم أحوالكم تأذيت بكم‪ .‬كأخذ الكتاب الذم أكرده فأحرقو على رأسو (أم الرسوؿ)‬
‫كعرفهم أنو ليس عندم إَل السيف"‪ 3.‬كبعد أف جاكز أبواب‬
‫فاحَبقت غبيتو كقاؿ ‪ :‬امض إليهم ّْ‬
‫قيليقيا‪ ،‬اذبو إذل عْب زرىب‪ 4‬كأذنة‪ ،‬فاستوذل عليهما حبد السيف‪ ،‬إضافة إذل ‪ 11‬حصنا للمسلمْب‪.‬‬
‫ٍب أمضى الشتاء ُب كبادككيا‪ ،‬كاستأنف ضبلتو سنة ‪243‬ىػ‪854/‬ـ‪ ،‬حيث أرسل أخاه ليوف فوقاس‬
‫﵀اصرة طرسوس‪ .‬كاذبو ىو ؼبهاصبة اؼبصيصة‪ ،‬الٍب دخلها "عنوة بالسيف ككضع السيف ُب أىلها‪،‬‬
‫فقتل منهم مقتلة عظيمة ٍب رفع السيف كأمر أف يساؽ من بقي ُب اؼبدينة من الرجاؿ كالنساء‬
‫كالصبياف إذل بلد الركـ ككانوا كبو مائٍب ألف إنساف"‪ٍ 5.‬ب ىب ؼبساعدة أخيو قرب مدينة طرسوس‪،‬‬
‫حصن اؼبسلمْب كقلعتهم ُب قيليقيا‪ ،‬كصماـ اْلماف لبالد الشاـ‪ .‬كبعد مقاكمة ضعيفة من أىلها‪،‬‬
‫الذين فقدكا اْلمل ُب مدد يصلهم من سيف الدكلة بسبب انشغالو ُب اطباد ثورة قاـ ّٔا أحد‬

‫‪ 1‬ابن كثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.65‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Brehier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 195.‬‬
‫‪ 3‬ابن مسكويو ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.230‬‬
‫‪ 4‬عْب زرىب )‪ : (Anazarba‬مدينة قديبة تقع ُب قيليقيا جنوب تركيا‪ ،‬اىتم ّٔا ىاركف الرشيد كحصنها‪ٍ ،‬ب استوذل عليها‬
‫البيزنطيوف‪ ،‬كانتقلت فيما بعد إذل الصليبيْب كخربوىا‪ٍ ،‬ب أصبحت جزءا من إمارة أرمينيا الصغرل كىي غّب بعيدة عن مدينة‬
‫سيس‪ ،‬العاصمة اْلرمينية‪( .‬أنظر ‪ :‬لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪161‬؛ ‪)Texier Charles : op. cit., pp 580-583.‬‬
‫‪ 5‬ابن مسكويو ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.230‬‬
‫‪61‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫‪1‬‬
‫غلمانو‪ ،‬كما يئسوا من اغبصوؿ على مساعدة من اإلخشيديْب ُب مصر أك من البويهيْب ُب بغداد‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫"فأذعن أىلها بالطاعة كطلبوا اْلماف فأجأّم إليو ‪ ...‬كأمرىم باَلنتقاؿ عنها"‪.‬‬

‫كبعد اف استسلمت طرسوس‪ ،‬آخر قلعة لإلسالـ ُب قيليقيا‪ ،‬جردىا نقفور فوقاس من طابعها‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فعْب عليها حاكما بيزنطيا كمعو طبسة آَلؼ جندم بيزنطي‪ ،‬كازبذ من اؼبسجد اعبامع‬
‫اصطبال لدكابو‪ ،‬كنقل ما كاف فيو من قناديل لبلده كأحرؽ اؼبنرب‪ ،‬كطرد سكاهنا اؼبسلمْب إذل أنطاكية‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫كمن بقي فيها تنصر‪ ،‬كجلب إليها مستوطنْب أرمن حلوا ؿبل اؼبسلمْب‪.‬‬

‫كدل هبد البيزنطيوف ُب ىذه اغبملة أدسل رد فعل من طرؼ سيف الدكلة اغبمداشل‪ ،‬الذم رأل‬
‫بعينو خط الدفاع عن دار اإلسالـ يتهاكل‪ ،‬كالقالع اؼبمتدة فوؽ جباؿ طوركس تسقط كأكراؽ‬
‫اػبريف الواحدة تلو اْلخرل ُب يد البيزنطيْب‪ ،‬كأماـ عجزه عن مواصلة اغبرب‪ ،‬رأل ضركرة مهادنة‬
‫اَلمرباطور نقفور فوقاس‪ ،‬فتقررت اؽبدنة ؼبدة أربع سنوات‪ ،‬مع تبادؿ اْلسرل‪ 4.‬كاغبقيقة أف سيف‬
‫الدكلة كاف يعيش آخر أيامو‪ ،‬حيث توُب ُب حلب بتاريخ ‪ 13‬صفر ‪245‬ىػ‪ 7/‬فيفرم ‪854‬ـ‪ ،‬بعد‬
‫حياة حافلة باعبهاد‪ ،‬كقد بلغت غزكاتو ضد البيزنطيْب أربعْب غزكة‪ 5.‬كلكنو دل يفلح ُب اسَبداد ما‬
‫ضاع من أراضي إسالمية‪ ،‬كأخفق ُب كقف اؼبد البيزنطي كبو الشرؽ‪ .‬ككاف ىناؾ عدـ تكافؤ كاضح‬
‫ُب القول العسكرية جعل مصّب الثغور كأىلها ربت رضبة الدكلة البيزنطية‪ 6.‬فقد كاف من غّب اؼبمكن‬
‫أف تتمكن إمارة مثل اإلمارة اغبمدانية ذات اإلمكانيات ا﵀دكدة بشريا كاقتصاديا‪ ،‬أف ربقق الكثّب‬

‫‪ 1‬ؿبل طالب صبار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬


‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.03‬‬
‫‪ 3‬ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،03‬ص ‪.051‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Brehier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 195.‬‬
‫‪ 5‬قاؿ اؼبتنيب كاصفا كثرة غزكات سيف الدكلة كأثرىا ُب ضباية دار اَلسالـ ‪:‬‬
‫فمٌب الوعد أف يكوف القفوؿ‬ ‫أنت طوؿ اغبياة ل ػلػػركـ غ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاز‬
‫كقامت ّٔا القنا كال ػن ػص ػ ػ ػ ػ ػػوؿ‬ ‫قعد الناس كلهم عن مساعيك‬
‫كالذم عنده تدكر ال ػشػػموؿ‬ ‫ما الذم عنده تدكر ال ػم ػنػػايػ ػ ػ ػ ػػا‬
‫دركزة ؿبمد عزة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مج ‪ ،1‬ج ‪ ،1‬ص ‪57 ،43‬؛ ؿبل طالب صبار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪ 6‬ابن فرج لطفي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪60‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫ْلف اػبصم الذم كاف عليها أف تتصدل لو يبثل امرباطورية متعددة اؼبوارد البشرية كاؼبادية‪ ،‬كأقصى ما‬
‫استطاعت أف ربققو إغارات سيف الدكلة ىو تأخّب سقوط إقليم قيليقيا ُب أيدم البيزنطيْب‪.‬‬

‫كباستسالـ طرسوس‪ ،‬خرجت قيليقيا من دار اإلسالـ‪ ،‬كأصبحت أرضا بيزنطية‪ ،‬بعدما كانت‬
‫قاعدة إسالمية للعمليات الربية كالبحرية ضد اإلمرباطورية البيزنطية ؼبدة ثالثة قركف‪ ،‬كجعل منها نقفور‬
‫فوقاس ثيما )‪ (Thème‬جديدا عاصمتو طرسوس‪ .‬كبذلك أزاؿ العقبة الٍب كانت سبنعو من احتالؿ‬
‫الشرؽ‪ ،‬كمن قيليقيا سيتمدد النفوذ البيزنطي كبو سوريا كالعراؽ‪ 1.‬كرغم أف ىذه اغبملة ليست اْلكذل‬
‫كَل اْلخّبة من بْب الٍب قادىا نقفور فوقاس‪ 2‬بنفسو‪ ،‬كلكنها كانت أشدىا ضراكة على اؼبسلمْب من‬
‫اغبمالت السابقة‪ .‬فبا دفع ابن اْلثّب إذل القوؿ ‪" :‬كاف ىذا اؼبلعوف من أغلظ اؼبلوؾ قلبا كأشدىم‬
‫كفرا كأقواىم بأسا كأحدىم شوكة كأكثرىم قتال كقتاَل للمسلمْب ُب زمانو استحوذ ُب أيامو لعنو ا﵁‬
‫على كثّب من السواحل كأكثرىا انتزعها من أيدم اؼبسلمْب قسرا‪ .‬كاستمرت ُب يده قهرا كأضيفت إذل‬
‫‪3‬‬
‫فبلكة الركـ قدرا"‪.‬‬

‫كإذا كػػانػػت الػػوث ػي ػقػػة ال ػتػػي ع ػثػػر ع ػل ػي ػهػػا الػمػسػتػػشرؽ غوستاؼ شلومربغر‬
‫)‪ُ (Schlumberger Gustave‬ب اؼبكتبة اَلمربيالية بفينا حقيقية‪ ،‬فإف اَلنتصارات الٍب حققها‬
‫نقفور فوقاس‪ ،‬جعلتو وبلم باحتالؿ العادل اإلسالمي كلو‪ .‬حيث قاـ اإلمرباطور بإرساؿ إنذار شديد‬
‫اللهجة إذل اػبليفة العباسي اؼبطيع ﵁ (‪252-223‬ىػ‪863-835/‬ـ)‪ ،‬يهدده كيتوعده بأف‬
‫اعبيوش البيزنطية لن تتوقف عند قيليقيا‪ ،‬بل ستواصل زحفها‪ ،‬كسوؼ تستورل على بالد العراؽ كالشاـ‬

‫‪1‬‬
‫‪Brehier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 195.‬‬
‫‪ 2‬يقوؿ عنو ابن كثّب أنو ملك اْلرمن كاظبو الدمستق‪ ،‬كىذا خطأ‪ْ ،‬لف ملك اْلرمن آنذاؾ ىو آشوط الثالث اؼبلقب بالرحيم من‬
‫البجارطة‪ ،‬كَل نعرؼ سبب اػبطأ الذم كقع فيو ابن كثّب‪ ،‬رغم أنو نقل عن ابن اْلثّب الذم ذكر صراحة أف نقفور ملك الركـ‪،‬‬
‫كأضاؼ أنو دل يكن نصراشل اْلصل كإمبا ىو من كلد رجل مسلم من أىل طرسوس –يعرؼ بابن الفقاس‪ -‬تنصر ككاف ابنو ىذا‬
‫شهما شجاعا حسن التدبّب ؼبا يتوَله‪( .‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪38‬؛ ابن كثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص‬
‫‪71-70‬؛ اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)216‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.13‬‬
‫‪61‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كمصر‪ ،‬كسيهدـ الكعبة كينشر اؼبسيحية ُب الشرؽ كالغرب‪ 1،‬كنصح اػبليفة أف يعود إذل جوؼ شبو‬
‫‪2‬‬
‫اعبزيرة العربية كيَبؾ تلك البالد ْلصحأّا القدامى من البيزنطيْب‪.‬‬

‫كُب خريف ‪247‬ىػ‪857/‬ـ‪ ،‬عاد نقفور فوقاس إذل الشرؽ‪ ،‬ك"دخل ملك الركـ الشاـ كدل‬
‫يبنعو أحد كَل قاتلو‪ ،‬فسار ُب البالد إذل طرابلس كأحرؽ بلدىا ‪ٍ 3."...‬ب توج انتصاراتو على اؼبسلمْب‬
‫سنة ‪248‬ىػ‪858/‬ـ‪ ،‬بالسيطرة على مدينة أنطاكية‪" 4‬كملكوا [الركـ] البلد‪ ،‬كأخرجوا اؼبشائخ‬

‫‪ 1‬يتحدث شلومربغر عن قصيدة كتبها نقفور إذل اػبليفة العباسي اؼبطيع ﵁‪ ،‬كدل يضعها ضمن اؼبالحق كالصور الٍب أكردىا ُب‬
‫كتابو‪ .‬كقد أكرد ابن كثّب ُب كتابو البداية كالنهاية القصيدة كاملة‪ ،‬كذكر أف القصيدة نظمها لإلمرباطور بعض كتٌابو فبن كاف قد‬
‫خذلو ا﵁ كأذلو‪ ،‬كتعرض فيها لسب اإلسالـ كاؼبسلمْب ‪...‬‬
‫كجاء ُب مطلع القصيدة ‪:‬‬
‫إذل خلف اْلمالؾ من آؿ ىاشم‬ ‫من اؼبلك الطهر اؼبسيحي مالك‬
‫كفبا جاء فيها ‪:‬‬
‫كضعفكم‪ -‬إَل رسوـ اؼبػ ػ ػ ػ ػ ػ ػعػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػادل‬ ‫ثغوركم دل يبق فيها –لوىنكػ ػ ػ ػ ػ ػػم‬
‫إذل باب طاؽ حيث دار القماقم‬ ‫سألقي جيوشان كبو بغداد سائران‬
‫أجر جيوشا كالليارل السواجػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػم‬ ‫كأخرج منها كبو مكة مسرع ػ ػ ػ ػ ػ ػان‬
‫أق ػي ػم بػ ػ ػهػ ػ ػا لل ػحق ك ػرسي عػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػادل‬ ‫ف ػ ػأملكها دىران عزيزان مسلم ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػان‬
‫كسػ ػ ػ ػ ػ ػران كاهتاـ م ػ ػ ػ ػ ػ ػذحج كقحاط ػ ػ ػ ػم‬ ‫كأحوم قبدانكلها كهتامهػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػا‬
‫كدل يرد على القصيدة أحد من ذلك العصر‪ ،‬إما ْلهنا دل تشتهر‪ ،‬كإما ْلف صاحبها أقل من أف يردكا خطابو‪ٍ ،‬ب انتخى‬
‫للجواب عنها بعد ذلك أبو ؿبمد بن حزـ الظاىرم‪ ،‬بقصيدة طويلة جاء ُب مطلعها ‪:‬‬
‫كدي ػن رسػ ػوؿ ا﵁ م ػ ػ ػن آؿ ىػ ػ ػ ػاش ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػم‬ ‫من ا﵀تمي با﵁ رب العوادل‬
‫كفبا جاء فيها ‪:‬‬
‫كن ػج ػع ػلك ػم ف ػوؽ الػنسور القعاشم‬ ‫سػنػف ػت ػح ق ػس ػطن ػط ػي ػن ػي ػة كذكات ػهػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػا‬
‫جبي ػش ْلرض ال ػتػرؾ كاػبػزر حاطم‬ ‫كن ػف ػت ػح أرض ال ػصػي ػن كال ػه ػن ػد ع ػنػوة‬
‫كل ػي ػس ػت ك ػآم ػاؿ ال ػع ػقوؿ السواقم‬ ‫م ػواع ػي ػد لل ػرح ػم ػن ف ػي ػن ػا ص ػح ػي ػحػ ػ ػ ػة‬
‫كنػ ػلػ ػزم ػ ػكػ ػم ذؿ ال ػ ػح ػ ػر أك ال ػغ ػ ػ ػارـ‬ ‫كن ػم ػل ػك أق ػص ػ ػى أرض ػكػ ػم كب ػالدكػم‬
‫ج ػم ػيػع اْلراضي باعبيوش الصوارـ‬ ‫إلػى أف تػرل اإلسالـ قد عم حكمو‬
‫كلإلطالع على القصيدتْب كاملتْب‪( ،‬أنظر ‪ :‬ابن كثّب مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.)78-71‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Schlumberger Gustave : Un empereur byzantin au dixième siècle Nicéphore Phocas,‬‬
‫‪Librairie de Firmin-Didot et Cie, Paris, 1890. pp. 426-430.‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.23‬‬
‫‪ 4‬أنطاكية )‪ : (Antioche‬تقع جنوب تركيا على هنر العاصي‪ ،‬كتعترب من أىم اؼبدف التارىبية نظرا للدكر الذم قامت بو عرب العصور‪،‬‬
‫حيث كانت من أىم اؼبراكز التجارية ُب العادل‪ ،‬كؽبا ميناء عند مصب هنر العاصي يسمى السويدية‪ .‬كيعتربىا اؼبسيحيوف "مهد =‬
‫‪62‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كالعجائز كاْلطفاؿ من البلد‪ ،‬كقالوا ؽبم ‪ :‬امضوا حيث شئتم‪ ،‬كأخذكا الشباب من النساء كالغلماف‬
‫كالصبياف‪ .‬فحملوىم على كجو السيب‪ ،‬ككانوا أكثر من عشرين ألفا‪ .‬ككاف نقفور ملك الركـ قد عثى‬
‫كقهر بالدا كثّبة من بالد اإلسالـ‪ ،‬كعظمت ىيبتو"‪ 1.‬كباحتالؿ انطاكية بلغ البيزنطيوف قمة حركتهم‬
‫التوسعية‪ ،‬نظرا ؼبكانة ىذه اؼبدينة ُب تاريخ اؼبسيحية‪ ،‬كمن أنبية دينية كسياسية كذبارية لإلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪ ،‬ما جعل قلوب اؼبسيحيْب تبتهل بالدعاء لنقفور فوقاس‪.‬‬

‫كبعد أف "فتحت الركـ الثغور كالدركب"‪ 2،‬كخرج إقليم قيليقيا من أيدم اؼبسلمْب ُب القرف‬
‫‪3‬‬
‫الرابع اؽبجرم‪/‬العاشر اؼبيالدم‪ ،‬ازبذه البيزنطيوف قاعدة ىامة ؽبجوماهتم العسكرية ضد اؼبسلمْب‪.‬‬
‫كؼبا اعتلى يوحنا تزمسكس )‪254-248( Jean Tzimiskès‬ىػ‪865-858/‬ـ)) عرش‬
‫اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كاصل ؿباربة اؼبسلمْب‪ ،‬ككاف مثل سلفو نقفور فوقاس رجال عسكريا‪ ،‬كيبثل‬
‫عهده ذركة اَلذباه التوسعي شرقا‪ 4.‬حيث قاد بنفسو ثالث ضبالت عسكرية ضد اؼبسلمْب‪ ،‬اْلكذل‬
‫كالثانية ضد اقليم اعبزيرة‪ ،‬سنٍب ‪253-251‬ىػ‪863-861/‬ـ‪ ،‬كالثالثة ضد الشاـ سنة‬
‫‪254‬ىػ‪864/‬ـ‪ 5.‬كيوضح اػبطاب الذم أرسلو إذل حليفو‪ ،‬آشوط الثالث (‪866-841‬ـ)‪ ،‬ملك‬
‫أرمينيا أف ىدفو النهائي ىو انتزاع القدس من أيدم اؼبسلمْب‪" 6،‬كك ػان ػت رغ ػب ػت ػن ػا ت ػح ػري ػر ق ػب ػر‬
‫ال ػم ػسيح من (دن ػس) ال ػم ػس ػل ػم ػي ػن"‪ ،7‬كك ػت ػب م ػت ػح ػدث ػا ع ػن ال ػم ػق ػاكم ػة ال ػت ػي كج ػدى ػا ف ػي‬

‫=اؼبسيحية"‪ ،‬كعاصمة للكنائس اؼبسيحية الشرقية‪ .‬كقد فتحها اؼبسلموف ُب عهد عمر بن اػبطاب صلحا‪ٍ ،‬ب خضعت لإلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪ٍ ،‬ب للسالجقة‪ٍ .‬ب استوذل عليها الصليبيوف سنة ‪1098‬ـ‪ ،‬دبساعدة من اْلرمن كاصبحت إقطاعا ُب فبلكة بيت اؼبقدس‬
‫الالتينية‪( .‬أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪216-213‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)481‬‬
‫‪ 1‬ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،03‬ص ‪.110‬‬
‫‪ 2‬العظيمي (ؿبمد بن علي اغبليب (ت ‪556‬ق)) ‪ :‬تاريخ حلب‪ ،‬حققو كقدـ لو ابراىيم زعركر‪( ،‬د ف)‪ ،‬دمشق‪ .1984 ،‬ص ‪.313‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Treadgold Warren : op. cit., p. 502, 505.‬‬
‫‪ 4‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.085‬‬
‫‪5‬‬
‫الرىاكم ‪ :‬تاريخ مٌب الرىاكم اإلفرنج (الصليبيوف) – اؼبسلموف – اْلرمن‪ ،‬ترصبة كتعليق ؿبمود ؿبمد الركيضي كعبد الرحيم‬
‫مٌب َّ‬
‫َّ‬
‫مصطفى‪ ،‬دار اليازكرم‪ ،‬عماف‪ .2012 ،‬ص ‪.50-35‬‬
‫‪ 6‬انظر نص اػبطاب كامال ُب اؼبلحق اْلكؿ‪ ،‬ص ‪.464-461‬‬
‫‪7‬‬
‫مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫ٌ‬
‫‪63‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫ق ػي ػس ػ ػاري ػ ػة‪ 1‬ح ػي ػث ف ػش ػل ُب ربقيق مشركعو ‪" :‬كلو أف ىؤَلء اؼبلعونْب اْلفارقة‪ 2‬الذين بنوا فيها‬
‫مساكنهم‪ ،‬دل يلجأكا إذل القالع الساحلية‪ ،‬لكنا ذىبنا مسلحْب بنصرة الرب إذل اؼبدينة اؼبقدسة‬
‫‪3‬‬
‫القدس كَلستطعنا الصالة ُب تلك اْلماكن اؼبقدسة"‪.‬‬

‫كَل يسع آّاؿ لتتبع حركة التوسع البيزنطي ُب الشاـ كاعبزيرة‪ْ ،‬لف اؼبوضوع مرتبط بقيليقيا‪.‬‬
‫كصفوة القوؿ أف إقليم الثغور أك قيليقيا قد خرج من أيدم اؼبسلمْب ُب القرف الرابع اؽبجرم‪/‬العاشر‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬كدل يبت نقفور فوقاس سنة ‪248‬ىػ‪858/‬ـ‪ ،‬إَل بعد أف دخلت مدف الثغور الشامية‪،‬‬
‫كاعبزرية‪ ،‬الربية‪ ،‬كالبحرية ربت حكم الركـ البيزنطيْب‪ .‬كَل يبكن تفسّب اَلنتصارات الٍب أحرزىا‬
‫البيزنطيوف ُب القرف العاشر اؼبيالدم‪ ،‬إَل على ضوء اَلنقسامات الٍب كاف يعيشها اؼبسلموف‪ ،‬كىي‬
‫الٍب أمدت أباطرة بيزنطة فرصا مناسبة لتحقيق أطماعهم‪.‬‬

‫كإذا كاف البيزنطيوف قد قبحوا ُب استعادة سيطرهتم على قيليقيا كمدف أخرل كانت حبوزة‬
‫اؼبسلمْب‪ .‬فإف ىذا يدؿ دَللة قاطعة على أف ىذا اَلقليم‪ ،‬كاف ؿبل صراع بْب اؼبسلمْب كالبيزنطيْب‪،‬‬
‫كدل يكن لألرمن فيو يومذاؾ أم كجود سياسي‪ ،‬بل إف اَلمرباطورية البيزنطية ىي الٍب جلبت أعدادا‬
‫كبّبة منهم إذل قيليقيا‪ .‬كردبا تساءؿ بعض الباحثْب عن كيفية قباحهم ُب تأسيس إمارة ؽبم ُب ىذا‬
‫اإلقليم كىو ربت السيادة البيزنطية‪ ،‬ىل انتزعوه منهم عنوة ؟ أك منح ؽبم لظركؼ سياسية كعسكرية‬
‫معينة ؟ كأين كاف اْلرمن قبل ؾبيئهم إذل قيليقيا ؟‬

‫اف اإلجابة عن ىذه اْلسئلة ستوضح إذل حد كبّب نوع العالقات الٍب كانت تربط اْلرمن‬
‫بالبيزنطيْب من جهة كاْلرمن باؼبسلمْب من جهة أخرل‪ .‬لذلك‪َ ،‬لبد من التعرض إذل أكضاع إقليم‬

‫‪ 1‬قىػٍيسارية )‪ : (Césarée‬تقع مدينة قيسارية ُب فلسطْب على ساحل البحر اؼبتوسط‪ ،‬إذل اعبنوب من مدينة حيفا‪ ،‬كتبعد عنها‬
‫حوارل ‪ 37‬كلم‪ ،‬كجاء ُب معجم البلداف ‪" :‬كانت قديبا من أمهات اؼبدف كاسعة الرقعة طيبة البقعة كثّبة اػبّب كاْلىل‪ ،‬كأما اآلف‬
‫فليست كذلك‪ ،‬كىي بالقرل أشبو منها باؼبدف"‪( .‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.)107‬‬
‫‪ 2‬يعِب ّٔا اؼبصريْب الذين كاف وبكمهم اؼبعز لدين ا﵁ الفاطمي (‪365-319‬ق‪975-931/‬ـ)‪( .‬انظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية‬
‫اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪3170‬؛ ‪.)Dulaurier Edouard : ds. : R.H.C.D. Arm., p. 13, note n°4.‬‬
‫‪3‬‬
‫مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.55-54‬‬ ‫ٌ‬
‫‪64‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫أرمينيا الكربل كىو اؼبوطن اْلكؿ لألرمن‪ ،‬كاْلحداث الٍب مر ّٔا ُب أكاخر القرف العاشر كبداية القرف‬
‫اغبادم عشر اؼبيالدم‪ .‬كيتطلب كذلك الغوص ُب اْلحداث كالظركؼ التارىبية الٍب مرت ّٔا منطقة‬
‫آسيا الصغرل‪ ،‬منذ توسع اإلمرباطورية البيزنطية ُب شرؽ اْلناضوؿ إذل غاية بركز السالجقة على‬
‫مسرح اْلحداث‪.‬‬

‫د ‪ -‬التوسع البيزنطي في أرمينيا الكبرل‬


‫كاف من الطبيعي أف يهتم البيزنطيوف منذ كصوؽبم إذل إقليم قيليقيا‪ ،‬دبد نفوذىم أكثر كبو‬
‫الشرؽ‪ ،‬خاصة بعد أف دانت ؽبم مدنا كثّبة ُب الشاـ‪ .‬كأصبحت أقاليم اعبزيرة‪ ،‬كديار بكر‪ ،‬كأرمينيا‬
‫الكربل‪ ،‬مكشوفة أمامهم‪ .‬كدل يكن التوسع ىذه اؼبرة على حساب اؼبسلمْب فحسب بل كاف على‬
‫حساب اْلرمن أيضا‪ .‬كالسؤاؿ الذم يتبادر إذل الذىن‪ ،‬ما دكافع بيزنطة للتوسع ُب أرمينيا الكربل ؟‬
‫ككيف كاف اؼبوقف اْلرميِب من التمدد البيزنطي باذباه الشرؽ ؟‬

‫لقد ظلت أرمينيا الكربل عرب تارىبها الطويل تشكل إقليما جغرافيا متميزا‪ ،‬لذلك دل تكن‬
‫‪1‬‬
‫ىذه اؼبرة اْلكذل الٍب تتعرض فيها إذل هتديد خارجي‪ .‬كيذكر اليعقويب أهنا بلد "وبيط ّٔا اْلعداء"‪،‬‬
‫فقد كانت دائما ؿباطة جبّباف أقوياء‪ ،‬طمعوا ُب اَلستيالء على أراضيها‪ ،‬ككانت ؿبل منافسة بْب‬
‫الشرؽ كالغرب‪ ،‬كميدانا للصراع بْب الركماف كالبارثيْب قديبا‪ ،‬كمن بعدىم البيزنطيْب كالفرس‪ٍ ،‬ب فتحها‬
‫اؼبسلموف ُب القرف اْلكؿ اؽبجرم‪/‬السابع اؼبيالدم‪ ،‬كمنحوىا استقالَل ذاتيا‪ ،‬كجعلوا منها دكلة حاجزة‬
‫بينهم كبْب البيزنطيْب كخالية من اعبيوش اإلسالمية‪ .‬كما قبحوا ُب جعلها صديقة كغّب ؿبايدة‪ 2.‬كقد‬
‫كاف الصراع بْب جّباهنا اْلقوياء منذ القدـ شؤما عليها‪ْ ،‬لهنا كانت ُب معظم اْلحياف ضحية ؽبذا‬
‫الصراع‪ 3.‬كحبكم موقعها‪ ،‬كجدت أرمينيا نفسها تقوـ بدكر الدكلة اغباجزة بْب كيانْب سياسيْب‬
‫كبّبين‪ ،‬كىذا الوضع دل ىبَبه اْلرمن ْلنفسهم‪ ،‬كإمبا حتمو عليهم موقع بالدىم‪ ،‬كتضاريسها‪ ،‬الٍب‬

‫‪ 1‬اليعقويب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬


‫‪2‬‬
‫كيغي كلَب ‪ :‬بيزنطة كالفتوحات اإلسالمية اؼببكرة‪ ،‬ترصبة نقوَل زيادة‪ ،‬ق ٍدفبس للنشر كالتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ ،1112 ،‬ص ‪.201 ،152‬‬
‫‪ 3‬حوؿ الصراع بْب القول الكربل على أراضي أرمينيا‪ ،‬أنظر ‪:‬‬
‫‪Chaumont Marie-Louise : op. cit., pp. 101-155.; Mouradian Claire : op. cit., pp. 10-25.‬‬
‫‪65‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫جعلت من سكاف أرمينيا شعبا يسكن سهوَل كجباَل متفرقة كهبد صعوبة بالغة ُب التنقل فيما بينها‪،‬‬
‫كأمة ؽبا لغتها اػباصة كمذىبها الديِب اؼبستقل‪ ،‬فهي تعيش كسط كيانْب سياسيْب كبّبين كترفض‬
‫الذكباف فيهما‪ 1.‬كيبْب ىذا العرض الوجيز أف الظركؼ الطبيعية كاعبغرافية ْلرمينيا قد سانبت كثّبا ُب‬
‫رسم أقدار الشعب اْلرميِب‪.‬‬

‫كبعد اَلنتصارات اؼبتتالية الٍب حققها قادة اْلسرة اؼبقدكنية على حساب اؼبسلمْب‪،‬‬
‫كاستيالئهم على ثغور دار اإلسالـ‪ ،‬كىجماهتم اؼبتكررة على اعبزيرة كمشاؿ الشاـ‪ُ ،‬ب النصف الثاشل‬
‫من القرف الرابع اؽبجرم‪/‬العاشر اؼبيالدم‪ ،‬كبالتحديد خالؿ عهود نقفور فوقاس‪ ،‬كيوحنا تزيبسكس‪،‬‬
‫كباسيل الثاشل‪ ،‬كل ذلك أدل إذل اهنيار فكرة بقاء أرمينيا دكلة حاجزة بْب الدكلة اإلسالمية‬
‫كاإلمرباطورية البيزنطية‪ .‬كُب نظر أباطرة بيزنطة‪ ،‬فقد تالشى اػبطر اإلسالمي القادـ من الشرؽ الذم‬
‫كاف يهدد إمرباطوريتهم‪ ،‬بضعف اػبالفة اإلسالمية‪ ،‬كانكماش حركة اعبهاد‪ ،‬كتراجع اؼبقاكمة‬
‫اغبمدانية‪ .‬كدل تعد بيزنطة ُب حاجة إذل تلك الدكلة اغباجزة الٍب سبتص عنف الغارات اإلسالمية‪،‬‬
‫كتدرأ عنها أخطارىا‪ .‬كبعبارة أخرل فإف مهمة أرمينيا الكربل قد انتهت بعد أف اختل التوازف بْب‬
‫اإلمرباطورية البيزنطية كاػبالفة العباسية‪ .‬كماؿ ميزاف القوة لصاحل البيزنطيْب‪ ،‬الذين انتهزكا الفرصة‪،‬‬
‫كزبلوا عن سياسة الدفاع كتبنوا سياسة اؽبجوـ‪" .‬كىكذا فإف ظركؼ أرمينيا الطبيعية كالسكانية‬
‫‪2‬‬
‫حكمت عليها أف ذبِب شبار سياسة حكاـ جّباهنا الذين كانوا دائما كأبدا ُب عداء تقليدم معا"‪.‬‬

‫كيبدك أف اْلرمن دل يرحبوا بذلك الغزك‪ ،‬رغم ما كاف يربط بينهم كبْب البيزنطيْب من صالت‬
‫كعالقات‪ ،‬كدل ينظركا بعْب اَلرتياح لإلمرباطورية البيزنطية كىي تقَبب من حدكدىم من كل جانب‪،‬‬
‫خاصة كأهنم حاكلوا دائما اَلحتفاظ بعالقات متوازنة مع جّباهنم العباسيْب كالبيزنطيْب‪ ،‬كىو السبيل‬
‫الوحيد لتأكيد استقالؽبم ما أمكن‪.‬‬

‫‪ 1‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪075‬؛‬


‫‪Pasdermadjian H. : Histoire de l'Arménie depuis les origines jusqu'au traité de Lausanne,‬‬
‫‪Librairie orientale H. Samuelian, 2e éd. Paris, 1964. pp. 14-15.‬‬
‫‪ 2‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪66‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كوبتفظ اْلرمن بذكريات سيئة من عالقتهم بالبيزنطيْب‪ْ ،‬لف اَلمرباطورية البيزنطية كانت دكلة‬
‫مركزية متعددة اؼبوارد‪ ،‬كرباكؿ أف تكوف كريثة اَلمرباطورية الركمانية بكل امتدادىا اعبغراُب‪ ،‬كقد‬
‫حرصت على إقامة حكم مباشر ؽبا على اْلراضي اْلرمينية اػباضعة لنفوذىا‪ .‬كما اتسمت تلك‬
‫العالقات بكثّب من اػبالؼ كبقليل من اَلتفاؽ‪ ،‬كحبقد متبادؿ بْب الطرفْب‪ ،‬كمن اْلقواؿ اْلرمينية‬
‫اؼبأثورة ‪" :‬البيزنطيوف أسوأ اْلسياد‪ ،‬يتسموف بسوء النية‪ ،‬كيسيطر على عقوؽبم اعبنوف بسبب حقدىم‬
‫على كل اْلرثوذكس"‪ 1.‬كذلك مرده إذل أف أرمينيا كانت ترفض رفضا باتا تلك اؼبركزية‪ ،‬كخاصة إذا ما‬
‫مست مذىبها العقائدم‪ ،‬فإذا كانت اؼبسيحية ذبمع بينهما فإف اػبالؼ اؼبذىيب فرقهما كزاد من‬
‫اتساع اؽبوة بينهما‪ ،‬كعمل على تعميق الشك كالكراىية كالنفور‪ .‬حيث اندلع جداؿ بْب البيزنطيْب‬
‫كاْلرمن حوؿ تفسّب بعض اؼبسائل الدينية‪ .‬كقد حرصت بيزنطة من جهتها على ؿباكلة فرض مذىبها‬
‫الديِب على اْلرمن حبد السيف‪ 2،‬كإرغامهم على ترؾ مذىبهم اؼبونوفيزم‪ ،‬الذم ىبتلف عن اؼبذىب‬
‫‪3‬‬
‫الرظبي للدكلة البيزنطية الناتج عن قرارات ؾبمع خلقدكنية اؼبسكوشل الذم انعقد سنة ‪340‬ـ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Michel le Syrien : Chronique de Michel le Syrien, traduite par J.-B Chabot, Ernest Leroux éditeur,‬‬
‫‪Paris, 1901. t. II, P. 482.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Catholicos Jean : Histoire d'Arménie, traduit par M. J. Saint-Martin, Imprimerie royale, Paris, 1861.‬‬
‫‪p. 75.‬‬
‫‪ 3‬يدكر جوىر اػبالؼ بْب اؼبسيحيْب‪ ،‬حوؿ تفسّب درجة ارباد الطبيعتْب الالىوتية كالناسوتية ُب شخص اؼبسيح‪ .‬كَل تعَبؼ الكنيسة‬
‫اْلرمينية إَل بآّامع الدينية الثالث اْلكذل ‪ :‬ؾبمع نيقية )‪ (Nicée‬اؼبنعقد سنة ‪214‬ـ‪ ،‬الذم أقر بتأليو اؼبسيح كمساكاتو التامة مع ا﵁‪،‬‬
‫كازبذ قرارا بتكفّب آريوس ككل من يقوؿ إف اؼبسيح إنساف‪ ،‬كؾبمع القسطنطينية )‪ (Constantinople‬اؼبنعقد = سنة ‪270‬ـ‪ ،‬الذم أقر‬
‫ألوىية الركح القدس‪ ،‬كمساكاتو التامة مع اْلب‪ ،‬كؾبمع أفسس )‪ (Éphèse‬اؼبنعقد سنة ‪320‬ـ‪ ،‬الذم أداف نسطور‪ْ ،‬لنو فصل بْب الطبيعة‬
‫اإلؽبية كالطبيعة البشرية للسيد اؼبسيح‪ .‬أما ؾبمع خلقدكنية )‪ (Chalcédoine‬اؼبنعقد سنة ‪340‬ـ‪ ،‬فقد أقر بأف للمسيح طبيعتْب إؽبية‬
‫كإنسانية كنبا متميزتاف بالرغم من أهنما متحدتاف على كبو َل يقبل الفصل‪ .‬فاؼبسيح إنساف حقيقي كإلو حقيقي ُب الوقت نفسو‪ ،‬كىذا ما‬
‫يسمى اصطالحا دبذىب الطبيعة الثنائية )‪ .(Diophysisme‬لقد رفض اْلرمن قرارات خلقدكنية‪ ،‬كعقد اْلساقفة اْلرمن ؾبمعا دينيا ُب‬
‫دكين )‪ (Dwin‬سنة ‪444‬ـ‪ ،‬كأعلنوا رظبيا اعتناقهم ؼبذىب الطبيعة الواحدة )‪ ،(Monophysisme‬الذم يقوؿ ‪" :‬أف يسوع اؼبسيح إلو‬
‫كامل كإنساف كامل‪ ،‬كاْللوىية كالبشرية باربادنبا آّرد عن اَلختالط‪ ،‬كونتا طبيعة كاحدة ُب اؼبسيح"‪ .‬كمنذ ذلك اغبْب يبكن القوؿ‪ ،‬أف‬
‫الكنيسة اْلرمينية قد كلدت‪ .‬كأدل سبسك اْلرمن ّٔذه العقيدة كاعتناقهم ؽبا إذل تدىور عالقاهتم باإلمرباطورية البيزنطية بعد ذلك‪ ،‬كتطور‬
‫ض اْلرمن لقرارات ؾبمع خلقدكنية مرجعو خوفهم من ضياع شخصيتهم الدينية كالسياسية ُب ظل‬ ‫اْلمر إذل انفصاؿ ديِب هنائي بينهما‪ .‬كرفٍ ي‬
‫اغبكم البيزنطي‪ ،‬ذلك اػبوؼ الذم أدل ّٔم إذل ازباذ جانب اؼبسلمْب فيما بعد‪( .‬أنظر ‪ :‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪-171‬‬
‫‪172‬؛ عطية عزيز سولاير ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪314-312‬؛‬
‫‪Mouradian :op. cit., pp. 17-18; Augé Isabelle :Byzantins, Arméniens et Francs au temps de la croisade,‬‬
‫‪Geuthner, 2007. pp. 19-20; Mahé Jean-Pierre : Affirmation de l'Arménie chrétienne (vers 301-590),‬‬
‫‪ds. : H. P. Arm., sous la direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008. pp. 197-202.‬‬
‫‪67‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫ككجدت أرمينيا ُب سبسكها دبذىبها اؼبخالف ؼبذىب كنيسة القسطنطينية شخصيتها السياسية‬
‫‪1‬‬
‫اؼبستقلة‪ ،‬ككانت حريصة أشد اغبرص على أَل تذكب ُب كياف سياسي آخر‪.‬‬

‫أما اؼبسلموف فقد أدركوا منذ فتحهم ْلرمينيا خالؿ القرف اْلكؿ اؽبجرم‪ 2،‬أف صعوبة‬
‫تضاريس بالد اْلرمن‪ ،‬كطبيعة سكاهنا اؼبقاتلْب اْلشداء‪ ،‬كبيعدىا عن مركز اػبالفة‪ ،‬سواء أكانت‬
‫دمشق أك بغداد‪ ،‬فضال عن نظامها اَلقطاعي العتيد‪ ،‬جعل من الصعب عليهم أف يسيطركا عليها‬
‫سيطرة كاملة‪ ،‬أك أف يضموىا بالكامل إليهم‪ ،‬كما فعلوا مع اؼبناطق اْلخرل الٍب فتحوىا؛ ؽبذا أعطى‬
‫اؼبسلموف لألرمن استقالَل ذاتيا‪ ،‬فبا جعلهم يرضوف بعض الرضى عن بسط نفوذىم على بالدىم‪،‬‬
‫كاػبضوع ؽبم‪ .‬كمهد ؽبذا الوفاؽ اؼبتبادؿ بْب الطرفْب ظباحة اإلسالـ كعدـ فرض اؼبسلمْب دينهم‬
‫عليهم بالقوة‪ 3.‬فقد تركت ؽبم اػبالفة اإلسالمية حرية التصرؼ ُب شؤكهنم‪ ،‬كمنحتهم حكما ذاتيا‬
‫مقابل جزية سنوية‪ 4.‬كؽبذا كانوا أحسن حاَل ُب ظل السيادة اَلسالمية منهم ُب ظل السيادة‬
‫‪5‬‬
‫البيزنطية أك الفارسية‪.‬‬

‫‪ 1‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬


‫‪ 2‬زرقوؽ ؿبمد ‪" :‬فبلكة أرمينيا الصغرل بْب اؼبغوؿ كاؼبماليك (‪776-623‬ىػ‪1375-1226/‬ـ)"‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة‬
‫اؼباجستّب ُب التاريخ الوسيط‪ ،‬إشراؼ أ‪ .‬د‪ .‬بشارم لطيفة‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬كلية العلوـ اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬جامعة اعبزائر ‪،2‬‬
‫‪ .2012-2011‬ص ‪.39-32‬‬
‫العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪34‬؛ ‪Pasdermadjian H. : op. cit., p. 127.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬تعود بدايات ىذا اغبكم الذاٌب إذل سنة ‪33‬ىػ‪653/‬ـ‪ ،‬حْب سبكن كارل الشاـ آنذاؾ كىو معاكية بن أيب سفياف من ابراـ اتفاقية مع‬
‫اْلرمن بعد أف ترؾ ؽبم حرية مناقشة بنودىا ُب اجتماع عاـ موسع‪ .‬فاكتشف اْلرمن ُب اتفاقية معاكية ظباحة اإلسالـ‪ ،‬لذا كافق اعبميع‬
‫على ابراـ اتفاقية السالـ مع اؼبسلمْب‪ ،‬كالتخلص من السيادة البيزنطية‪ .‬كؼبا أصبحت أرمينيا كَلية تابعة للخالفة اإلسالمية‪ ،‬كاف اػبليفة‬
‫يقوـ بتعيْب كَلهتا كعماؽبا‪ ،‬إذل جانب حكاـ من اْلرمن أنفسهم‪ .‬منهم جّبجوار ماميكونياف‪ ،‬الذم عينو معاكية بن أيب سفياف سنة‬
‫‪41‬ىػ‪661/‬ـ‪ ،‬حاكما على أرمينيا‪ ،‬كمنهم أشوط البجراطي )‪ (Ashot le Bagratide‬الذم نصبو اػبليفة اؼبتوكل أمّبا ْلمراء أرمينيا‬
‫سنة ‪136‬ىػ‪750/‬ـ‪ٍ ،‬ب منحو اػبليفة اؼبعتمد لقب ملك سنة ‪162‬ىػ‪775/‬ـ‪( .‬أنظر ‪ :‬البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪-176‬‬
‫‪186‬؛ اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪117-115‬؛ اسكندر فايز قبيب ‪ :‬الفتوحات اَلسالمية ْلرمينية‪( ،‬د‪ .‬ف‪( ،).‬د‪ .‬ـ‪،).‬‬
‫‪ .0872‬ص ‪42‬؛ ‪)Sébèos : op. cit., p. 99; Laurent J. : op. cit., p. 2.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Mouradian Claire : op. cit., p. 24.‬‬
‫‪68‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كيعَبؼ اؼبؤرخ الفرنسي ركشل جركسي )‪ ،(René Grousset‬بأف الشركط الٍب فرضها‬
‫اػبلفاء اؼبسلموف على اْلرمن أكثر حرية من الشركط اؼبفركضة عليهم من أطراؼ أخرل‪ 1.‬كىكذا‬
‫عاشت أرمينيا عصرىا الذىيب ربت حكم اؼبسلمْب‪ 2.‬لكن ىذا َل يعِب أف أرمينيا استسلمت هنائيا‬
‫للمسلمْب‪ ،‬بل كانت الثورات تندلع من حْب آلخر ُب كجو الوَلة الذين أساؤكا التصرؼ كحاكلوا‬
‫‪3‬‬
‫فرض ىيمنتهم‪ ،‬أك بالغوا ُب فرض الضرائب‪.‬‬

‫كؼبا كانت أرمينيا تقع بْب اإلمرباطورية البيزنطية كالدكلة اإلسالمية‪ ،‬فمن الطبيعي أف تنعكس‬
‫عليها آثار اضمحالؿ اػبالفة العباسية‪ ،‬كمبو قوة اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬الٍب دخلت عصرا جديدا ذاقت‬
‫فيو حالكة اَلنتصارات اؼبتتالية على جّباهنا من اؼبسلمْب كغّبىم‪ ،‬ككصلت حدكدىا إذل آفاؽ بعيدة‪ ،‬كدل‬
‫يعد التوسع على حساب اؼبسلمْب يكفي الطموح البيزنطي‪ ،‬فتصورت اإلدارة البيزنطية أنو َل هناية‬
‫‪4‬‬
‫َلنتصاراهتا ُب الشرؽ‪ ،‬كمن شبة تطلعت إذل بسط نفوذىا على فبتلكات جّباهنا من اؼبسيحيْب أيضا‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫فتبنت سياسة جديدة ذباه اْلرمن كىي سياسة الضم كاَلحتواء‪.‬‬

‫ككاف إقليم الطاركف )‪ 6(Taron‬أكؿ اْلقاليم اْلرمينية الذم طمعت فيو بيزنطة كأرادت ضمو‬
‫إذل فبتلكاهتا‪ ،‬لتجعل منو ُب اؼبستقبل مركز انطالؽ للتوسع كاكتساب مزيد من النفوذ على حساب‬
‫اْلرمن‪ .‬كقد قبحت ُب بداية اْلمر ُب قطع العالقة بْب أمرائو كاػبالفة اإلسالمية‪ٍ ،‬ب احتفظت‬
‫باإلقليم ربت نفوذىا‪ .‬كأخذ النفوذ البيزنطي يتزايد فيو يوما بعد يوـ‪ ،‬حٌب تنازؿ أمراء الطاركف سنة‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie des origines à 1071, Payot, Paris, 1984. p. 301.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mouradian Claire : op. cit., p. 24.‬‬
‫العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪072 ،74 ،55‬؛ ‪Pasdermadjian H. : op. cit., p. 128.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.082-081‬‬


‫‪5‬‬
‫‪Laurent J. : op. cit. pp. 3-4; Pasdermadjian H. : op. cit., p. 165.‬‬
‫اقليم الطاركف من اْلقاليم اػبصبة كيقع ُب كادم اراتساشل )‪ (Aratsani‬غرب حبّب فاف‪ ،‬ككاف ُب اْلصل من أمالؾ أسرة‬ ‫‪6‬‬

‫ماميكونياف‪ ،‬كلقرب ىذا اإلقليم من اغبدكد البيزنطية اىتمت بو اَلمرباطورية اىتماما كبّبا‪ ،‬خاصة كأنو كاف اؼبفتاح إذل قلب أرمينيا‬
‫كما كاف الطريق السهل لإلنسياح كبو اْلراضي اإلسالمية آّاكرة ْلرمينيا‪( .‬أنظر ‪ :‬قسطنطْب بورفّبكجنيتوس ‪ :‬إدارة اإلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪ ،‬عرض كربليل كتعليق ؿبمود سعيد عمراف‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪ .0871 ،‬ص ‪051-040‬؛ العبد الغِب عبد‬
‫الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،083‬ىامش رقم ‪.).34‬‬
‫‪71‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫‪247‬ىػ‪857/‬ـ‪ ،‬عن فبتلكاهتم لإلمرباطورية البيزنطية مقابل حصوؽبم على لقب بطريق‪ 1،‬كبعض‬
‫‪2‬‬
‫كضٍيعة خصبة ُب آسيا الصغرل يعي ػشػػوف ف ػي ػهػػا‪.‬‬
‫اَلمتيازات‪ ،‬ى‬
‫كبعد إقليم الطاركف‪ ،‬بدأ النفوذ البيزنطي يتمدد كبو باقي اْلقاليم اْلرمينية شيئا فشيئا‪ 3.‬كُب‬
‫عهد اإلمرباطور باسيل الثاشل )‪-305-255 Basile II‬ىػ‪0114-865/‬ـ) بلغت اإلمرباطورية‬
‫البيزنطية ذركة قوهتا كؾبدىا‪ 4.‬كرغم أنو ركز كل جهوده لتحطيم بلغاريا‪ ،‬فإنو دل يهمل اعببهات‬
‫اْلخرل بإرساؿ ضبالت عسكرية أك حبضوره شخصيا فيها‪ 5.‬كدل تكن مسألة إغباؽ أرمينيا حبظّبة‬
‫اإلمرباطورية من أكلويات سياستو‪ ،‬كلكن ظركفا طرأت ُب منطقة القوقاز‪ ،‬جعلتو يلتفت إليها كيعمل‬
‫على ضمها إذل بالده‪ .‬حيث توُب ملك أرمينيا القوم‪ ،‬أشوط الثالث (‪866-841‬ـ)‪ 6.‬كىو الذم‬

‫‪ 1‬بطريق ‪ :‬ىي الصيغة اؼبعربة للكلمة الالتينية باتريكيوس )‪ (Patricius‬كقد أنشأ ىذه الرتبة اإلمرباطور قسطنطْب (‪-306‬‬
‫‪ 337‬ـ)‪ .‬كىي رتبة َل تتصل بأم كظيفة‪ ،‬ككانت سبنح ؼبن يؤدم للدكلة خدمات جليلة‪ ،‬كقد جرل اَلصطالح على أهنا تدؿ على‬
‫القائد عند البيزنطيْب‪ ،‬يقابلو لقب رئيس عند العرب اؼبسلمْب‪ ،‬صبعو ‪ :‬بطارقة‪( .‬أنظر ‪ :‬وبي اْلنطاكي (وبي بن سعيد (ت‬
‫بصلىة تاريخ أكتيخا‪ ،‬ربقيق عمر عبد السالـ تدمرم‪ ،‬جركس برس‪ ،‬طرابلس‬ ‫‪347‬ىػ‪0156/‬ـ)) ‪ :‬تاريخ اْلنطاكي اؼبعركؼ ً‬
‫(لبناف)‪ .0881 ،‬ص ‪ ،052‬ىامش رقم ‪1‬؛ اػبطيب مصطفى عبد الكرصل ‪ :‬معجم اؼبصطلحات كاْللقاب التارىبية‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بّبكت‪ .1996 ،‬ص ‪.)81‬‬
‫‪ 2‬قسطنطْب بورفّبكجنيتوس ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ً .051-042‬ب ضم إقليم الطاركف إذل اإلمرباطورية ُب عهد اإلمرباطور نقفور‬
‫فوقاس‪ ،‬ككاف اؽبدؼ من ذلك‪ ،‬ؿباصرة اغبمدانيْب من جهة الشرؽ‪ ،‬كليكوف مصدر هتديد للثغور اإلسالمية‪ ،‬كأف يكوف لبيزنطة‬
‫قدـ ُب قلب أرمينيا‪( .‬انظر ‪ :‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)084‬‬
‫‪ 3‬زرقوؽ ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 204.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid., p. 216.‬‬
‫أشوط الثالث‪ ،‬أك أشوت البجراٌب )‪ ،(Achot le Bagratide‬كىو ثالث اؼبلوؾ ُب الساللة البجراطية الذين ازبذكا من مدينة‬ ‫‪6‬‬

‫آشل )‪ (Ani‬عاصمة ؽبم‪ .‬كبلغت أرمينيا الكربل ُب عهد اؼبلك أشوط الثالث درجة عالية من القوة كاإلزدىار‪ .‬كؽبذا دل يكن اْلرمن‬
‫مستعدين للتنازؿ عن شرب من أرضهم لإلمرباطورية البيزنطية‪ .‬كؼبا ربرؾ اإلمرباطور تزيبسكس للقياـ حبملتو الكربل ضد الشاـ سنة‬
‫‪254‬ىػ‪ 864/‬ـ‪ ،‬كاقَببت جيوشو من حدكد أرمينيا ثارت ـباكؼ اْلرمن‪ ،‬كاعتقدكا أف اإلمرباطور يريد احتالؿ بالدىم‪ ،‬خاصة‬
‫كأف العهد بضم إقليم الطاركف َل يزاؿ قريبا‪ .‬فالتف اْلمراء اْلرمن كلهم حوؿ أشوط الثالث‪ ،‬كحشدكا جيشا قوامو ‪71 111‬‬
‫مقاتل‪ .‬كاستعدكا لكل اَلحتماَلت ؼبواجهة خطر الفناء‪ .‬كعندما بلغتو أنباء استعدادات اْلرمن كحشودىم اؼبلتفة حوؿ ملكهم‪،‬‬
‫أرسل اإلمرباطور البيزنطي سفارة إذل اؼبلك اْلرميِب آشوط الثالث يؤكد فيها على الصداقة بينهما‪ ،‬كأنو ما خرج ليقاتل اْلرمن‬
‫كلكنو متوجو ﵀اربة اؼبسلمْب كاسَبجاع اْلراضي اؼبقدسة من بْب أيديهم‪ ،‬فاطمأنوا‪ ،‬كربوؿ التخوؼ إذل ربالف تكتيكي‪ ،‬حيث‬
‫أمده اْلرمن بعشرة آَلؼ جندم يشاركوف اإلمرباطور ُب ضبلتو ضد الشاـ‪ .‬كتدؿ ىذه اغبادثة على أف العالقات بْب البيزنطيْب =‬
‫‪70‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫كاف يبلك جيشا قويا‪ ،‬كدانت لو بالوَلء معظم اْلسر اإلقطاعية اْلرمينية‪ .‬ككاف حريصا على إبعاد‬
‫النفوذ البيزنطي عن بالده‪ ،‬كقد نعمت أرمينيا ُب عهده باؽبدكء كاَلستقرار‪ 1.‬ككذلك كاف اْلمر ُب‬
‫عهد كلديو اؼبلك ظبباد الثاشل )‪268-256( Sembat II‬ىػ‪878-866/‬ـ))‪ ،‬كجاجيك اْلكؿ‬
‫(‪318-271 Gagik I‬ىػ‪0107-881/‬ـ))‪ ،‬كدل تتعرض إذل أم هتديد خارجي‪ ،‬خاصة ُب‬
‫‪2‬‬
‫عهد ىذا اْلخّب‪.‬‬

‫كيعود السبب اؼبباشر الذم دفع اإلمرباطور باسيل الثاشل إذل اإلشراؼ بنفسو على ضبلتْب‬
‫عسكريتْب ُب منطقة القوقاز‪ ،‬سنٍب ‪ 301‬ك ‪ 302‬ىػ‪ 0110/‬ك ‪0111‬ـ‪ ،‬ىو العصياف الذم‬
‫أظهره جورج اْلكؿ ملك جيورجيا (‪307-314 Giorgi I‬ىػ‪016-0103/‬ـ))‪ 3‬حيث رفض‬
‫طلب اإلمرباطور برد اؼبمتلكات البيزنطية الٍب كاف قد استوذل عليها خالؿ انشغاؿ البيزنطيْب حبرّٔم‬
‫ضد البلغار‪ 4.‬كدل يكن جورج اْلكؿ قادرا على مواجهة قوات اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬فاهنزـ سنة‬
‫‪0110‬ـ‪ ،‬ككذل ىاربا كبو أخبازيا )‪ (Abkhazie‬كتبعو باسيل الثاشل‪ ،‬الذم قاـ حبرؽ كل مدف‬
‫ج ػي ػورج ػي ػا ال ػت ػي ص ػادف ػه ػا ف ػي طريقو‪ ،‬كت ػوق ػف ع ػن ػد م ػدي ػن ػة ت ػف ػل ػي ػس )‪ (Tiflis‬ال ػت ػي ل ػم ي ػص ػل ػه ػا‬

‫= كاْلرمن‪ ،‬يشؤّا الشك كاغبذر كعدـ الثقة‪ .‬كإذا اطمأف اْلرمن للبيزنطيْب ُب ىذه اغبملة‪ ،‬فإف اغبمالت القادمة ستكوف طوفانا‬
‫الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪41-32‬؛‬ ‫مٌب َّ‬
‫بيزنطيا َل يهدأ إَل عندما تستقر سفينة اإلمرباطور على آرارات‪( .‬انظر ‪َّ :‬‬
‫‪Martin-Hisard Bernadette : Domination arabe et libertés arméniennes (VIIe-IXe siècle), ds. :‬‬
‫;‪H. P. Arm., sous la direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008. p. 251‬‬
‫)‪Mouradian Claire : op. cit., p. 23.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Asolik Etienne (de Tarôn) : Histoire universelle, traduite de l'arménien et annotée par‬‬
‫‪Frédéric Macler, Ernest Leroux éditeur, Paris, 1917. t. III, p. 39.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : Histoire d'Arménie, traduite par Evariste Prud'homme, Benjamin‬‬
‫‪Duprat, Paris, 1863. pp. 13-14; Asolik Etienne : op. cit. p. 138.‬‬
‫‪ 3‬كردت ُب اؼبصادر العربية باسم فبلكة يج ٍرجاف كىو اسم البلد‪ ،‬كفبلكة ال يك ٍرج كىو اَلسم الذم أطلق على سكاف ىذه اؼبملكة‪،‬‬
‫(أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬مج ‪ ،1‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،31‬مج ‪ ،3‬ج ‪ ،6‬ص ‪015‬؛‬
‫‪Schlumberger Gustave: L'épopée byzantine à la fin du dixième siècle, seconde partie, Basile‬‬
‫)‪II le tueur des bulgares, Hachette & Cie., Paris, 1900. t. II, p. 159.‬‬
‫‪ 4‬حوؿ أصل ىذه اؼبمتلكات‪( ،‬أنظر ‪ :‬وبي اْلنطاكي مصدر سابق‪ ،‬ص ‪271‬؛‬
‫)‪Schlumberger Gustave : op. cit., t. II, pp. 469-470.‬‬
‫‪71‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫‪1‬‬
‫أم إم ػب ػراط ػور ق ػب ػل ػو م ػن ػذ ى ػرق ػل‪ ،‬ث ػم أم ػض ػى ف ػص ػل ال ػش ػت ػ ػاء ُب م ػدي ػن ػة ط ػراب ػي ػ ػزكف‬
‫‪2‬‬
‫)‪.(Trébizonde‬‬

‫كع ػل ػى ال ػرغ ػم م ػن أف ضبلة باسيل الثاشل دل تكن موجهة ضد اْلرمن‪ ،‬فإف يوحنا ظبباد‬
‫)‪ (Jean Sempad‬م ػل ػك ال ػب ػج ػراط ػي ػي ػن )‪ 3(Les Bagratides‬ال ػملقب بسمباد الثالث‬
‫(‪323-318‬ىػ‪0131-0107/‬ـ)‪ ،‬اتصل باإلمرباطور باسيل الثاشل ُب طرابيزكف‪ ،‬كأعلن تبعيتو‬
‫لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬ككقع على كثيقة سلمها لإلمرباطور‪ .‬تنازؿ فيها عن فبلكتو (فبلكة آشل)‬
‫لإلمرباطورية بعد كفاتو‪ ،‬ككاف ُب السابق حليفا عبورج اْلكؿ ملك جيورجيا‪ 4.‬ككانت تلك الوثيقة‪،‬‬
‫أكؿ مسمار يدؽ ُب نعش فبلكة اْلرمن‪ْ ،‬لف ىذا التنازؿ ىو اْلكؿ ُب سلسلة من تنازَلت متالحقة‬
‫ستؤدم ُب النهاية إذل إغباؽ أرمينيا الكربل باإلمرباطورية البيزنطية‪.‬‬

‫كبعد يوحنا ظبباد‪ ،‬جاء دكر يوحنا سنحاريب )‪ (Jean Sénékhérim‬ملك الفاسبوراكاف‬
‫)‪ 5(Vaspourakan‬الذم كاف عاجزا عن الدفاع عن بالده ضد الطالئع اْلكذل لألتراؾ السالجقة‪،‬‬
‫فتخلى عنها لإلمرباطور باسيل الثاشل سنة ‪301‬ىػ‪0110/‬ـ‪" .‬كسلم إليو حصونو كقالعو‪ ،‬كانضافت‬

‫‪ 1‬وبي اْلنطاكي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪270-271‬؛ العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪214‬؛‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., pp. 21-26; Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 224.‬‬
‫‪ 2‬طرابيزكف ‪ :‬حاليا ىي مدينة )‪ُ (Trabzon‬ب مشاؿ شرؽ تركيا على ساحل البحر اْلسود‪ .‬كانت سبثل مركزا ذباريا ىاما نظرا‬
‫ؼبوقعها كنوعية السلع كالبضائع الٍب سبر ّٔا‪ .‬ككانت ىذه التجارة بيد اْلرمن‪ ،‬ككاف يقيم فيها كثّب من التجار اؼبسلمْب‪ .‬كنظرا‬
‫ْلنبية اؼبدينة فقد كاف البحر اْلسود يعرؼ ببحر طرابيزكف‪ .‬كبعد أف احتل الصليبيوف القسطنطينية‪ ،‬أسس فيها ألكسيوس‬
‫(‪1222-1204‬ـ)‪ ،‬امرباطورية طرابزكف (‪( .)1461-1204‬أنظر ‪ :‬لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪168‬؛ اؼبوسوعة العربية‬
‫اؼبيسرة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪2155‬؛ ‪.)Texier Charles : op. cit., pp 594-597.‬‬
‫‪ 3‬البجراطيوف من أصوؿ يهودية كيعود نسبهم للملك داكد‪ ،‬كتواذل على حكم ىذه اْلسرة اؼبلكية عشرة ملوؾ حكموا فَبة تصل‬
‫إذل ‪ 160‬سنة‪ .‬كمع ذلك ظلت فركع ىذه اْلسرة ربكم ُب جيورجيا كإيبّبيا كُب مناطق أخرل‪( .‬أنظر ‪ :‬دياب صابر ؿبمد ‪:‬‬
‫أرمينية من الفتح اإلسالمي إذل مستهل القرف اػبامس اؽبجرم‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة‪ .1978 ،‬ص ‪11-10‬؛ العبد الغِب‬
‫عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،213‬ىامش رقم ‪.)113‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., pp. 27-28; Bréhier Louis : loc. cit.‬‬
‫‪ 5‬الفاسبوراكاف ‪ :‬ىي أكسع مقاطعة ُب أرمينيا الكربل‪ ،‬ككانت تتمركز حوؿ حبّبة فاف‪ ،‬كتعرؼ عند اْلرمن باسم بالد اْلرزركنيْب‬
‫)‪ .(pays des Ardzrouni‬كازبذ ملوكها من مدينة فاف عاصمة ؽبم خالؿ فَبة من تاريخ ىذه اؼبملكة‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫)‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., pp. 31-32, note n° 4.‬‬
‫‪72‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫صبيعها إذل فبلكة الركـ كعددىا نيّْف كأربعوف حصنا كقلعة"‪ 1،‬مقابل حصولو على لقب م ً‬
‫اج ٍس ٍَبكس‬
‫)‪ 2(Magistros‬كمدينة سيواس )‪ 3(Sébaste‬كاْلراضي ا﵀يطة ّٔا ُب كبادككيا‪ 4،‬كإضافة إذل أفراد‬
‫عائلتو فقد رحل معو حوارل أربعة عشر ألفا أرمينيا‪ٍ 5.‬ب قاـ اَلمرباطور بتحويل إقليم فاسبوراكاف‬
‫اؼبتنازؿ عنو إذل ثيم عسكرم عرؼ بثيم فاسبوراكانيا )‪ 6.(Vaspourakania‬أما جورج اْلكؿ‪،‬‬
‫فبعد أف أدرؾ بأف حليفو اْلرميِب قد زبلى عنو‪ ،‬ككصلتو أخبار استعداد اإلمرباطور ليهاصبو عن طريق‬
‫البحر‪ ،‬أعلن خضوعو‪ ،‬كزبلى لصاحل اإلمرباطورية البيزنطية عن اْلمالؾ اؼبتنازع عنها‪ 7.‬كىكذا كاد أف‬
‫يدخل الشرؽ كلو ربت (رضبة) اإلمرباطور باسيل الثاشل‪ ،‬الذم أظهر ْلعدائو‪ ،‬كأتباعو اعبيورجيْب‬
‫كاْلرمن أف اؼبسافة الطويلة الٍب تفصلهم عن مركز اإلمرباطورية َل ذبعلهم ُب منأل عن العقاب‪.‬‬
‫كالسؤاؿ الذم يطرح ىنا‪ ،‬ما الدكافع كاْلسباب الٍب جعلت ملوؾ أرمينيا يعلنوف خضوعهم كتبعيتهم‬
‫لإلمرباطورية البيزنطية دكف حرب رغم أف اغبملة الٍب قادىا باسيل الثاشل دل تكن تعنيهم ؟‬

‫يبدك أف أكضاع أرمينيا الداخلية كاػبارجية‪ ،‬ىي الٍب كانت كراء سياسة التنازؿ ك اَلستسالـ‬
‫الٍب سلكها ملوؾ اْلرمن‪ .‬كتتمثل تلك اْلكضاع ُب ما يلي ‪:‬‬

‫‪ 1‬وبي اْلنطاكي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.271‬‬


‫‪ 2‬ماجسَبكس )‪ : (Magister officiorum‬ظهر ىذا اللقب منذ القرف الثامن اؼبيالدم كلقب شرُب ٍب اختفى إَل أنو عاد‬
‫للظهور ُب عهد اإلمرباطور ميخائيل الثالث‪ ،‬كتشكل الشخصيات الٍب ربمل ىذا اللقب طبقة كدرجة ُب آّتمع البيزنطي‪ ،‬ككاف‬
‫يبنح لكبار قادة اعبيش‪ ،‬كخاصة قائد سالح الفرساف كاؼبشاة‪( .‬أنظر ‪ :‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪،115‬‬
‫ىامش رقم ‪77‬؛ ‪)Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., p. 10, note n° 3.‬‬
‫‪ 3‬سيواس ‪ :‬تقع كسط تركيا‪ ،‬كىي قليلة الشأف ُب أحداث العصور الوسطى‪ .‬انظر ‪( :‬لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)180‬‬
‫وبي اْلنطاكي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪271‬؛ ‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., pp. 31-32; Asolik‬‬
‫‪4‬‬

‫‪Etienne : op. cit. p. 165; Schlumberger Gustave : L'épopée byzantine, t. II, pp. 500-511.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., p. 32, note n° 4; Cheynet Jean-Claude : De Tziliapert à‬‬
‫‪Sébastè, ds. S.B.S., vol. 9, Walter de Gruyter, Berlin, 2006. p. 220.‬‬
‫‪ 6‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116-115‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 224.‬‬
‫‪73‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫‪ .0‬كانت أرمينيا تعاشل من تدىور أحواؽبا الداخلية بسبب الفًب كاغبركب اْلىلية الٍب‬
‫اندلعت بْب أبناء اْلسرة اغباكمة‪ ،‬خاصة بعد كفاة جاجيك اْلكؿ البجراطي سنة‬
‫‪1‬‬
‫‪318‬ىػ‪0107/‬ـ‪ ،‬حيث اندلعت اغبرب بْب كلديو يوحنا ظبباد كأشوط الرابع‪.‬‬
‫‪ُ .1‬ب مطلع القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬كانت أرمينيا مقسمة إذل أربع فبالك شبو‬
‫مستقلة عن بعضها البعض‪ ،‬كوبارب بعضها اآلخر‪ ،‬كىي فبلكة آشل )‪ ،(Ani‬كفبلكة‬
‫قارص )‪ ،(Kars‬كفبلكة لورم )‪ ،(Lori‬كفبلكة فاسبوراكاف )‪.2(Vaspourakan‬‬
‫‪ .2‬اػبوؼ من اإلمرباطور باسيل الثاشل الذم أرعب البلغار بقسوتو‪ ،‬حٌب لقب بسفاح‬
‫البلغار‪ ،‬خاصة كأف يوحنا ظبباد قاـ دبساعدة اؼبلك اعبيورجي‪ ،‬جورج اْلكؿ‪ ،‬أثناء‬
‫‪3‬‬
‫سبرده على اإلمرباطور البيزنطي‪.‬‬
‫‪ .3‬أراد فبثل اػبالفة اإلسالمية ُب أذربيجاف‪ ،‬إحكاـ سيطرتو على اْلرمن‪ ،‬فبا جعلهم‬
‫‪4‬‬
‫يهرعوف إذل بيزنطة طالبْب العوف‪.‬‬
‫‪َ .4‬لح ُب اْلفق خطر اعبماعات الَبكية الٍب بدأت تقَبب من اغبدكد الشرقية ْلرمينيا‬
‫الكربل‪ ،‬كىاصبت إقليم الفاسبوراكاف سنة ‪301‬ىػ‪0110/‬ـ‪ ،‬فتخوؼ اْلرمن منهم‪.‬‬
‫كأماـ ىذا التهديد اػبارجي اعبديد‪ ،‬ألقت أرمينيا بنفسها بْب أحضاف اإلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪ ،‬كاعتقد ملوكها أف اإلمرباطورية ستتوذل ضباية بالدىم من اْلتراؾ‬
‫السالجقة‪ 5.‬فكانوا مثل اؼبستجّب بالنار من الرمضاء‪.‬‬

‫كلكن دل ييقدَّر لإلمرباطور باسيل الثاشل أف ينعم طويال دبا حصل عليو من تنازَلت‪ ،‬كدل يبتد بو‬
‫العمر ليستورل على ما تبقى من أراضي كفبتلكات جّبانو اْلرمن‪ ،‬إذ توَب سنة ‪305‬ىػ‪0114/‬ـ‪.‬‬

‫حوؿ الصراع الذم اندلع بْب اْلمراء اْلرمن‪( ،‬انظر ‪le Syrien : op. cit., pp. 6-9 :‬‬
‫‪1‬‬
‫‪)Michel‬‬

‫إميل بوؿ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪16‬؛ ‪Garsoïan Nina : Le royaume du nord, ds. H. P. Arm., sous la‬‬
‫‪2‬‬

‫‪direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008. pp. 270-274.‬‬


‫‪3‬‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., p. 27.‬‬
‫‪ 4‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.064‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Schlumberger Gustave : L'épopée byzantine, t. II, p. 501.‬‬
‫‪74‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫ككرث عرشو أخوه قسطنطْب الثامن (‪ 1 ،)0117-0114‬الذم دل يكن يتطلع لضم أقاليم أرمينيا‪.‬‬
‫فقاـ بتسليم الوثيقة الٍب تنازؿ دبوجبها اؼبلك اْلرميِب يوحنا ظبباد عن فبتلكاتو إذل أحد القساكسة اْلرمن‬
‫كىو القس سرياؾ )‪ ،(Cyriaque‬ليعيدىا إذل ملك أرمينيا‪ .‬كلكن ىذا القسيس أخفى الوثيقة‪ٍ ،‬ب‬
‫باعها لإلمرباطور ميخائيل الرابع (‪322-315‬ىػ‪0130-0123/‬ـ) دببلغ ضخم‪ 2.‬فأحيت تلك‬
‫الوثيقة ركح التوسع ُب الشرؽ عند أباطرة بيزنطة‪ .‬كأصبحوا يطالبوف حبقهم الشرعي ُب كراثة فبلكة آشل‬
‫اْلرمينية‪ .‬كما زاد من حظوظ بيزنطة ُب اغبصوؿ على تلك اؼبمتلكات ىو كفاة يوحنا ظبباد سنة‬
‫‪321‬ىػ‪0131/‬ـ‪ ،‬دكف أف يَبؾ كراءه كريثا‪ .‬كخلفو شقيقو أشوط الرابع‪ ،‬كلكنو توَب بعد فَبة قصّبة‪،‬‬
‫فانتقل التاج إذل ابنو جاجيك الثاشل بن آشوط الرابع (‪326-323‬ىػ‪0134-0131/‬ـ)‪ .‬كىو شاب‬
‫صغّب َل يتجاكز عمره اػبمسة عشر عاما‪ .‬كاندلعت اَلضطرابات بْب اْلرمن بسبب اعَباؼ بعضهم‬
‫دبلكهم الشاب كرفض آخرين لو‪ .‬كقد كجدت بيزنطة ُب تلك الفًب فرصة ذىبية للمطالبة بضم أرمينيا‬
‫إذل الكياف اَلمرباطورم دبوجب كثيقة التنازؿ السابقة‪ 3.‬ككاف موقف النبالء اْلرمن ىو الرفض القاطع‬
‫للمطالب البيزنطية‪ ،‬ما جعل بيزنطة تنظم عدة ضبالت عسكرية على آشل لضمها عنوة‪ ،‬كلكنها باءت‬
‫بالفشل‪.‬‬

‫كل ػم ػا اع ػت ػل ػى ع ػرش القسطنطينية اَلم ػب ػراط ػور ق ػس ػط ػن ػط ػي ػن ال ػت ػاس ػع م ػون ػوماخوس‬


‫(‪336-332( Constantin IX Monomaque‬ىػ‪0134-0131/‬ـ))‪ ،‬كجد أرمينيا غارقة‬
‫ُب صراعاهتا الداخلية‪ ،‬كاػبطر السلجوقي يزداد على حدكدىا‪ ،‬فصمم على ضم فبلكة آشل‪ ،‬كعبأ إذل‬
‫الدبلوماسية كاغبيلة بعد أف عجزت القوة العسكرية‪ .‬فوجو دعوة إذل جاجيك الثاشل لزيارة القسطنطينية‬
‫ّٔدؼ التفاكض كعقد معاىدة صلح بينهما‪ 4.‬كبعد تردد كبّب كافق اؼبلك اْلرميِب‪ ،‬كدبجرد كصولو إذل‬
‫العاصمة البيزنطية كجد نفسو أماـ اختيارين أحالنبا مر‪ .‬اْلكؿ ‪ :‬ىو التنازؿ عن فبلكتو لبيزنطة عمال‬
‫دبا جاء ُب كثيقة التنازؿ‪ ،‬مقابل منحو أقاليم ُب تراب اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كاَلختيار الثاشل ‪ :‬النفي‬

‫‪ 1‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., p. 60.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 238.‬‬
‫‪ 4‬إميل بوؿ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪75‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫إذل جزيرة مغمورة ُب البوسفور‪ 1.‬كيبدك أنو سجن ُب العاصمة بعض الوقت‪ٍ .‬ب سبكن اإلمرباطور من‬
‫استمالة بعض النبالء كرجاؿ الدين الذين سلموا لو مفاتيح مدينة آشل مع خطاب جاء فيو ‪" :‬كىبناؾ‬
‫آشل‪ ،‬كالشرؽ كلو"‪ 2،‬كؼبا أدرؾ اؼبلك اْلرميِب أنو تعرض ػبيانة اضطر إذل التنازؿ عن مدينة آشل‬
‫كتوابعها إذل اإلمرباطور البيزنطي‪ ،‬سنة ‪326‬ىػ‪0134/‬ـ‪ ،‬كحصل جاجيك الثاشل مقابل ذلك‪ ،‬على‬
‫بعض اؼبدف وأراضي كاسعة ُب كبادككيا‪ 3.‬كبذلك سقطت أقول‪ ،‬كأكرب فبلكة أرمينية‪ ،‬كىي فبلكة‬
‫البجراطيْب ُب أيدم البيزنطيْب‪ ،‬كربولت إذل مقاطعة بيزنطية‪ 4.‬لذلك اعترب اؼبؤرخ ارستاكيس‬
‫)‪ (Arisdaguès‬رسالة التنازؿ سبب خراب أرمينيا‪ 5.‬كبتنازؿ آخر ملوؾ البجراطيْب عن فبتلكاتو‬
‫لبيزنطة‪ ،‬كبسقوط مدينة آشل )‪ُ 6(Ani‬ب أيدم البيزنطيْب تكوف اإلمرباطورية البيزنطية قد أهنت‬
‫توسعها على حساب اؼبمالك اْلرمينية الرئيسية‪ ،‬كبذلك بلغت أقصى حدكد ؽبا ُب الشرؽ‪ ،‬كلكن‬
‫ليس ْلمد بعيد‪.‬‬

‫بعد آشل‪ ،‬جاء دكر فبلكة قارص )‪ 7،(Kars‬الٍب كاف وبكمها جاجيك بن عباس بن أشوط‬
‫الرابع‪ ،‬الذم حاكؿ استعماؿ الدبلوماسية ليقي بالده من ضربات السالجقة‪ ،‬كلكنو أدرؾ بأف سقوط‬
‫بالده ُب أيديهم ىو مسألة كقت فقط‪ ،‬فتنازؿ عنها لبيزنطة سنة ‪346‬ىػ‪0153/‬ـ‪ ،‬كُب اؼبقابل‬
‫‪1‬‬
‫‪De Morgan Jacques : op. cit., p. 151.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : Chronique de Matthieu d'Edesse (962-1136), Traduit par Edouard‬‬
‫‪Dulaurier, A. Durand Libraire, Paris, 1858. p. 77.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Arisdaguès : op. cit., pp. 60-70; Matthieu d'Edesse : op. cit. pp. 76-79; De Morgan Jacques :‬‬
‫‪op. cit., pp. 151-152; Aslan Kévork : op. cit., p. 69; Throssian H. op. cit., pp. 93-94.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Pasdermadjian H. : op. cit., p. 164.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., p. 27.‬‬
‫‪ 6‬آشل ‪ :‬من أىم اؼبدف اْلرمينية القديبة‪ ،‬تعرؼ دبدينة اْللف كنيسة ككنيسة‪ ،‬ككانت عاصمة ؼبملكة البجراطيْب اْلرمن‪ٍ ،‬ب استوذل‬
‫عليها البيزنطيوف سنة ‪1045‬ـ‪ ،‬كفتحها السالجقة سنة ‪1064‬ـ‪ .‬تعرضت لزلزاؿ عنيف ُب القرف ‪14‬ـ‪ ،‬فدمر كثّبا من معاؼبها‪،‬‬
‫كىي اآلف تضم آثارا كأطالَل عديدة‪ .‬تقع حاليا على اغبدكد الشرقية لَبكيا بالقرب من صبهورية أرمينيا‪( .‬أنظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية‬
‫اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)461‬‬
‫ص‪ ،‬ككارص‪ ،‬مدينة أرمينية من نواحي تفليس‪ ،‬بينهما يوماف‪ ،‬كىي اآلف تقع شرؽ تركيا غّب بعيدة عن حدكد‬ ‫كتكتب أيضا ٍقر ٍ‬
‫‪7‬‬

‫صبهورية أرمينيا‪ .‬فتحها السالجقة سنة ‪0153‬ـ‪ .‬تنازلت عنها الدكلة العثمانية لركسيا سنة ‪ ،0767‬كاستعادهتا تركيا سنة‬
‫‪ ، 0810‬دبقتضى معاىدة أبرمت بْب اإلرباد السوفياٌب كاغبكومة الَبكية‪ ،‬كَل تزاؿ ربتفظ بقلعتها الٍب تعود للقرف ‪05‬ـ‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬مج‪ ،3‬ج ‪6‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.)1412‬‬
‫‪76‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫منحو اإلمرباطور البيزنطي قسطنطْب العاشر دككاس)‪،((1067-1059) Constantin X) Doukas‬‬
‫عدة مدف كأراضي شاسعة ُب كبادككيا الشرقية‪ 1.‬كحاكلت بيزنطة بعد أف ضمت إليها أرمينيا‪ ،‬أف ذبرب‬
‫الشعب اْلرميِب على اعتناؽ مذىب الطبيعتْب‪ ،‬كالتخلي عن مذىب الطبيعة الواحدة‪ ،‬مستغلة‬
‫‪2‬‬
‫كبذؿ بطريرؾ القسطنطينية‬ ‫تشتتهم‪ ،‬كضعفهم‪ ،‬كعدـ كجود سلطة سياسية كطنية تتوذل أمرىم‪.‬‬
‫‪ ،(Michel‬جهودا مضنية‪ ،‬كاستخدـ كل الوسائل َلبتالع‬ ‫)‪Kéroularios‬‬ ‫ميخائيل كريوَلريوس‬
‫كنائس اْلقاليم اْلرمينية الٍب كانت ؽبا تقاليد كعادات متباينة مع الكنيسة البيزنطية‪ 3.‬بل إف اْلسر‬
‫اؼبلكية اْلرمينية سرعاف ما خف صوهتا ُب كبادككيا‪ ،‬بفعل الضربات اؼبتتالية الٍب تلقوىا من‬
‫البيزنطيْب‪ ،‬كبذلك فإف أرمينيا عبديدة الٍب نشأت ُب كبادككيا‪ ،‬قضى عليها البيزنطيوف ببضع سنوات‬
‫أك أشهر‪ ،‬قبل اكتساح السالجقة ؽبذا اإلقليم‪ 4.‬كالسؤاؿ الذم يطرح حبدة ُب ىذا اؼبقاـ‪ ،‬ما ىدؼ‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية من ىذه التوسعات ُب اْلقاليم الشرقية ؟ كىل ستتمكن من ضباية إقليم أرمينيا‬
‫من ىجمات السالجقة اؼبتتالية ؟ كىل ستوفر لألرمن اْلمن كاَلستقرار ُب أراضيهم ؟‬

‫فبا َلشك فيو أف بيزنطة تريد بسط نفوذىا من جديد على اؼبناطق الٍب فقدهتا خالؿ القركف‬
‫اؼباضية‪ ،‬كباستعادهتا ْلرمينيا فهي تستعيد أغُب أقاليم اَلمرباطورية‪ ،‬كدعامة اقتصادية‪ ،‬كمركزا ذباريا‬
‫نشيطا‪ ،‬ظل خارج سيطرهتا مدة ثالثة قركف كاملة‪ .‬كما كانت هتدؼ من كراء ىذه اغبركة التوسعية‬
‫إذل ؿباصرة اػبالفة العباسية‪ ،‬فبعد أف حاصرهتا من جهة الغرب باستيالئها على إقليم قيليقيا‪ ،‬تريد‬
‫اآلف اَللتفاؼ عليها من جهة الشرؽ كالشماؿ‪ ،‬كردبا كاف اؽبدؼ البعيد من كراء ىذا التمدد‪ ،‬ىو‬
‫الوصوؿ إذل بغداد مستقبال‪.‬‬

‫كيبدك أف اَلمرباطورية البيزنطية دل تر ُب أراضي كأقاليم أرمينيا إَل مصدرا ضخما لثركات‬
‫متنوعة‪ ،‬كطريقا ذباريا ىاما يربط الشرؽ بالغرب كيدر على اػبزينة مداخيل َل حصر ؽبا‪ ،‬كدل تدرؾ‬
‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 125-126; Grousset René : L'Empire du Levant histoire de la‬‬
‫‪question d'Orient, Payot, Paris, 1949. p. 162.‬‬
‫زرقوؽ ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪39‬؛ ‪Grousset René : op. cit., p. 162.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Schlumberger : L'Epopée byzantine, t. III, pp. 738-741; Aslan Kévork : op. cit., pp. 66-67.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 635.‬‬

‫‪77‬‬
‫بالد األرمف قبؿ القرف الخامس اليجرم‪/‬الحادم عشر الميالدم‬ ‫الفصؿ األكؿ‬
‫بأهنا أضافت لنفسها عبئا جديدا‪ .‬كدل تر بعْب اغبقيقة ربركات القبائل الَبكية‪ ،‬كخركجها من مواطنها‬
‫اْلصلية كتسرّٔا إذل غريب آسيا‪ .‬كأخطأت ُب تقدير حجم خطر السالجقة الذم كاف يزحف باذباه‬
‫الغرب كيهدد أرمينيا الكربل‪ .‬لذلك فإف معظم اؼبؤرخْب اْلرمن كالغربيْب يوب ّْملوهنا مسؤكلية سقوط‬
‫أرمينيا الكربل ‪-‬فيما بعد‪ -‬بْب أيدم السالجقة‪ ،‬الذين كجدكا الطريق سهال كفبهدا لرفع راية اإلسالـ‬
‫ُب جوؼ آسيا الصغرل‪ ،‬فواصلوا زحفهم مكتسحْب ُب طريقهم كل اؼبدف البيزنطية‪.‬‬

‫يتبْب فبا سبق أف إقليمي أرمينيا كقيليقيا كانا ؿبل تنافس كصراع بْب اؼبسلمْب كالبيزنطيْب‪،‬‬
‫كمن اغبقائق التارىبية الٍب يبكن استنتاجها من ىذا الفصل‪ ،‬نذكر ‪:‬‬

‫أكال ‪ :‬يعترب اْلرمن من الشعوب العريقة ُب منطقة القوقاز كآسيا الصغرل‪ ،‬كقد حافظوا على‬
‫ىويتهم‪ ،‬كدل ينصهركا ُب اَلمرباطوريات‪ ،‬كاغبضارات الٍب تغلبت عليهم على مر العصور‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يعترب إقليم قيليقيا من اْلراضي الٍب فتحها اؼبسلموف ُب القرف اْلكؿ اؽبجرم‪ ،‬كأصبح‬
‫جزءا من دار اإلسالـ‪ ،‬كدبوجب ذلك أصبح للمسلمْب فيو حقوؽ كَل ينبغي ؽبم التفريط فيو‪ ،‬كدل‬
‫يكن آنذاؾ لألرمن كجود سياسي ُب ىذا اإلقليم‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬ؿباكلة فرض مذىب الطبيعتْب من طرؼ اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬جعلت اْلرمن يرسبوف ُب‬
‫أحضاف اػبالفة اْلموية ٍب اػبالفة العباسية‪ ،‬كُب ظل الدكلة اإلسالمية‪ ،‬سبتع اْلرمن باغبرية الدينية‬
‫كترؾ اؼبسلموف ؽبم حرية فبارسة شعائرىم كطقوسهم‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬بزكاؿ فبلكة آشل‪ ،‬كضم إقليم أرمينيا إذل اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬فقد اْلرمن الكياف‬
‫السياسي الذم يبثلهم ‪ ،‬كدل يكونوا مطمئنْب إذل اَلمرباطورية البيزنطية بسبب موقفها من مذىبهم‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬ساءت عالقة اْلرمن باإلمرباطورية البيزنطية ليس بسبب احتالؽبا ْلراضيهم فحسب‪،‬‬
‫كلكن ْلهنا كانت مصرة على فرض مذىبها على الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬ككانت تعترب أتباع مذىب‬
‫الطبيعة الواحدة كفارا‪ ،‬كالكنيسة اْلرمينية تبادؿ اػبلقدكنيْب نفس اَلهتاـ‪ ،‬فبا أدل إذل نفور اْلرمن‬
‫سهلت بيزنطة عملية تسلل السالجقة إذل آسيا الصغرل‪.‬‬
‫من البيزنطيْب‪ .‬كبذلك َّ‬

‫‪78‬‬
‫الفصل الجاىٕ‬

‫فتوحات السالجقة كاندالع معركة منازكرد‬

‫‪ )1‬تعريف السالجقة‬
‫أ ‪ -‬أصل السالجقة‬
‫ب – خركج السالجقة من تركستاف‬
‫‪ )2‬عالقة السالجقة بالقول اإلسالمية في المشرؽ‬
‫أ – عالقة السالجقة بالخالفة العباسية‬
‫ب – عالقة السالجقة بالدكلة الفاطمية‬
‫‪ )3‬توسع السالجقة في أرمينيا الكبرل‬
‫أ‪ -‬فتوحات طغرؿ بك‬
‫ب – فتوحات ألب أرسالف‬
‫‪ )4‬معركة منازكرد سنة ‪463‬ق‪1771/‬ـ كأثرىا على األرمن‬
‫أ – استعدادات ركمانوس الرابع‬
‫ب – استعدادات ألب أرسالف‬
‫ج – اندالع المعركة‬
‫د – عوامل انهزاـ البيزنطيين‬
‫ق – انعكاساتها على األرمن‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ما أف أطل القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬حٌب برزت قوة إسالمية جديدة‬
‫أخذت على عاتقها مواجهة اَلمرباطورية البيزنيطية‪ ،‬كاستئناؼ حركة الفتوحات اَلسالمية الٍب توقفت‬
‫منذ زكاؿ اػبالفة اْلموية‪ .‬ثتمثل تلك القوة اعبديدة ُب القبائل الَبكية الٍب اعتنقت اَلسالـ‪ ،‬كخرجت‬
‫تعمل على نشره خارج إقليمها اعبغراُب‪.‬‬

‫يتناكؿ ىذا الفصل دكر السالجقة ُب فتوحات آسيا الصغرل‪ .‬كيتعرض ُب البداية إذل أصلهم‪،‬‬
‫كموطنهم اْلكؿ‪ ،‬كالظركؼ الٍب دفعتهم إذل النزكح بعيدا عن أرض اآلباء كاْلجداد‪ ،‬كاعتناقهم‬
‫اَلسالـ‪ٍ ،‬ب ربالفهم مع اػبالفة العباسية كضبايتها من اؼبد الشيعي الذم كاف يهددىا ُب العراؽ كُب‬
‫بالد الشاـ‪.‬‬

‫كمن أىم كأجل اْلعماؿ الٍب قاـ ّٔا اْلتراؾ السالجقة بعد اعتناؽ اَلسالـ‪ ،‬كدل تسبقهم ُب‬
‫ذلك أم دكلة من دكؿ اؼبسلمْب السابقة‪ ،‬ىو نشر اإلسالـ ُب بالد الركـ‪ ،‬أك مايعرؼ اصطالحا‬
‫بآسيا الصغرل‪ .‬لقد أشبرت ؿباكَلهتم اؼبتكررة‪ ،‬كغزكىم لبالد الركـ باستمرار منذ عهد طغرؿ بك‪ ،‬عن‬
‫اهنزاـ اَلمرباطورية البيزنطية شر ىزيبة ُب معركة منازكرد عاـ ‪352‬ق‪0160/‬ـ‪ ،‬أماـ القوات الٍب كاف‬
‫يقودىا السلطاف ألب أرسالف‪ .‬كأدت ىذه النتيجة إذل عدة ربوَلت سياسية كعسكرية كاجتماعية‬
‫غّبت ؾبرل اْلحداث جذريا‪ ،‬فبا جعل بعض اؼبؤرخْب يعتربكهنا معركة الّبموؾ الثانية‪.‬‬

‫كمن أبرز اَلنعكاسات الٍب سيتعرض ؽبا ىذا الفصل كالفصوؿ الالحقة‪ ،‬نزكح اْلرمن بأعداد‬
‫كبّبة من موطنهم اْلصلي ُب أرمينيا الكربل‪ ،‬إذل إقليم الفرات‪ ،‬كجباؿ طوركس‪ ،‬ككبادككيا‪ ،‬كقيليقيا‪،‬‬
‫حبثا عن كطن بديل‪ .‬ككاف َلبد من التعرض ؽبذه اْلحداث حٌب نستطلع كيف سبكن اْلرمن من‬
‫الوصوؿ إذل جنوب شرقي اْلناضوؿ‪ ،‬قبل كصوؿ حشود اغبملة الصليبية اْلكذل إذل آسيا الصغرل‪.‬‬
‫فما ىي أىم التحوَلت الٍب أحدثتها معركة منازكرد إقليميا كدكليا ؟ فهل كانت ىجرة اْلرمن من‬
‫أرمينيا الكربل ىركبا من ضغوط السالجقة ؟ أـ كانت إرادية ؟‬

‫‪80‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪ -1‬تعريف السالجقة‬
‫أ – أصل السالجقة‬
‫يعود أصل السالجقة إذل القبائل الَبكية اؼبعركفة باْلكغوز‪ ،‬كُب اللغة العربية "الغز"‬
‫)‪ 1.(Ghouzz‬كىي من أىم القبائل الَبكية‪ 2‬كأشهرىا‪ .‬كموطنهم اْلصلي ىو آسيا الوسطى اؼبعركؼ‬
‫باسم تركستاف‪ 3،‬كىو عبارة عن صحراء كاسعة‪ ،‬كسهوب تبدأ من حدكد الصْب شرقا كتنتهي عند‬
‫سواحل حبر اػبزر‪( 4‬حبر قزكين) غربا‪ 5.‬كيبدك أف اسم "الغز" قد أطلق على ارباد ؾبموعة من القبائل‬
‫الَبكية‪ 6،‬الٍب كونت دكلة بدكية كربل ُب منغوليا خالؿ القرف السادس اؼبيالدم‪ .‬كؼبا آلت للسقوط‬

‫‪ 1‬كرد ىذا اَلسم بألفاظ ـبتلفة منها اْلغوز أك اْلككوز )‪ ،(les Oghouzes‬كعند البيزنطيْب أكز كأكزكا )‪،(Ouzes et Ouzoi‬‬
‫كىم أنفسهم الذين يعرفوف باسم الَبكماف )‪ ،(Turkmènes, ou Turcomans‬كلكن اؼبصادر العربية ذكرهتا باسم الغز‬
‫)‪( .(Ghouzz‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪11‬؛ ابن العدصل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪0243 ،0237‬؛‬
‫‪Grousset René : L'Empire des steppes Attila, Gengis-Khan, Tamerlan, Payot, 4eme ed., Paris,‬‬
‫‪1965. p. 203.‬‬
‫‪ 2‬القبائل الَبكية ‪ :‬يقدرىم الكاشغرم بعشرين قبيلة‪" ،‬ككل قبيلة منها بطوف َل وبصيهم إَل ا﵁"‪ ،‬كتعرؼ القبائل بأظبائها اػباصة‪،‬‬
‫مثل ‪ :‬ىوف‪ ،‬أكار‪ ،‬تابغاج‪ ،‬قرغيز‪ ،‬قارلوؽ‪ ،‬ياغما‪ ،‬جيغل‪ ،‬اكغوز‪ ،‬توركيش‪ ،‬أكيغور‪ ،‬خزر‪ ،‬بلغار‪ ،‬جبنك‪ ،‬قبجاؽ‪ ،‬كوؾ تورؾ‪... ،‬‬
‫اخل‪ ،‬كتشَبؾ كلها ُب اللغة الَبكية‪ .‬ككاف اسم الدكلة الَبكية يطلق على القبيلة الٍب تظهر تفوقا عسكريا كسياسيا من ىذه القبائل‪.‬‬
‫أما تسمية الَبؾ فقد أطلقت على صبيع القبائل الٍب تتكلم الَبكية ُب عهد قبيلة الكوؾ تورؾ (‪634-441‬ـ)‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫الكاشغرم (ؿبمود بن اغبسْب بن ؿبمد) ‪ :‬ديواف لغات الَبؾ‪ ،‬دار اػبالفة العلية‪( ،‬د ـ)‪ 0222 ،‬ىػ‪ .‬ج ‪ ،0‬ص ‪16‬؛ أكزطونا‬
‫يلماز ‪ :‬اؼبدخل إذل التاريخ الَبكي‪ ،‬ترصبة أرشد اؽبرمزم‪ ،‬الدار العربية للموسوعات‪ ،‬بّبكت‪ .1114 ،‬ص ‪).011 ،65 ،03‬‬
‫‪ 3‬تركستاف ‪ :‬كلمة مركبة من كلمتْب (ترؾ)‪ ،‬كستاف َل حقة ّٔا ُب اللغة الفارسية‪ ،‬كتفيد اؼبكاف أك البالد‪ ،‬كتنقسم إذل قسمْب‬
‫تركستاف الغربية أك الركسية كالٍب كانت تعرؼ ببالد ما كراء النهر‪ ،‬كأىم مدهنا خبارل كظبرقند كتركستاف الشرقية أك الصينية الٍب‬
‫تعرؼ حاليا باسم سنكيانج‪ ،‬كىي أقدـ موطن للقبائل الَبكية‪( .‬أنظر ‪ :‬بارتولد ڤاسيلي ڤالديبّبكڤتش ‪ :‬تركستاف من الفتح العريب إذل‬
‫الغزك اؼبغورل‪ ،‬نقلو عن الركسية صالح الدين عثماف ىاشم‪ ،‬آّلس الوطِب للثقافة كالفنوف كاآلداب‪ ،‬الكويت‪ .0870 ،‬ص ‪034‬؛‬
‫‪Barthold W. : Turkistan, in : Enc. Isl., Brill, Leiden, 2000. t. X, p. 680; Grousset René : op.‬‬
‫)‪cit., pp. 17- 20.‬‬
‫‪ 4‬ىو حبر قزكين حاليا‪.‬‬
‫‪ 5‬أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬السالجقة تارىبهم السياسي كالعسكرم‪ ،‬عْب للدراسات كالبحوث اإلنسانية كاَلجتماعية‪،‬‬
‫القاىرة‪ .1110 ،‬ص ‪21‬؛ أكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪ 6‬ينقسم اْلكغوز إذل أربعة كعشرين فرعا كينقسم كل فرع بدكره إذل يش ىعب‪ ،‬كيسمى اإلثنا عشر فرعا منهم (بوزكؽ) كاَلثنا عشر‬
‫اْلخرل (أكج أكؽ)‪ .‬كتنتسب ىذه الفركع إذل أبناء أكغوز خاف الستة ‪ :‬كوف‪ ،‬آم‪ ،‬يلدز‪ ،‬كوؾ‪ ،‬داغ‪ ،‬دينيز‪ .‬ككانوا يعيشوف فبل‬
‫القرف السابع اؼبيالدم‪ ،‬على ضفاؼ هنر ينيسي الواقع على خط اغبدكد بْب ركسيا كجنوب ككسط منغوليا‪ .‬كلكل من اْلبناء =‬
‫‪81‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫على أيدم الصينيْب‪ ،‬فقد الغز قوهتم اإلربادية‪ ،‬ككجدكا أنفسهم أقل شأنا سياسيا من آّموعات‬
‫الَبكية اْلخرل‪ .‬فتحركوا خالؿ القرف الثاشل اؽبجرم‪/‬الثامن اؼبيالدم غربا‪ ،‬عرب سهوؿ سيبّبيا كبو حبر‬
‫اآلراؿ‪ ،‬كإذل حوض الفولغا‪ ،‬كجنويب ركسيا‪ ،‬كعجزكا عن ربقيق الوحدة السياسية‪ ،‬فنشبت بينهم‬
‫اغبركب‪ ،‬كقامت بعض بطوف قبائلهم ّٔجرات كفتوحات إذل جهات بعيدة‪ ،‬فنزؿ بعضها قرب‬
‫‪5‬‬
‫ضفاؼ هنر جيحوف‪ 2،‬كبعضها ُب طربستاف‪ 3،‬كجرجاف‪ 4.‬كبذلك استقركا على حدكد دار اإلسالـ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫ككاف الغز آنذاؾ يتكونوف من تسع قبائل‪ ،‬كلكل قبيلة أمّب ظباه اؼبسلموف "دىقاف"‪.‬‬

‫كإذل منتصف القرف الرابع اؽبجرم‪/‬العاشر اؼبيالدم‪ ،‬دل يكن اإلسالـ قد انتشر بشكل كاسع‬
‫بْب اْلتراؾ‪ ،‬ماعدا بعض آّهودات الفردية الٍب قاـ ّٔا (رجاؿ) الصوفية كالتجار اؼبسلموف‪ 7،‬كيعود‬

‫=الستة أربعة أبناء كقد تفرع من ىؤَلء القبائل اؼبختلفة كأصبح عدد فركع اْلكغوز أربعة كعشركف فرعا‪ .‬كصبيع أتراؾ تركيا اغبالية‬
‫ينتموف إذل اْلكغوز‪( .‬انظر ‪ :‬بارتولد ڤاسيلي ڤالديبّبكڤتش ‪ :‬تاريخ الَبؾ ُب آسيا الوسطى‪ ،‬ترصبة أضبد سعيد سليماف‪ ،‬اؽبيئة‬
‫اؼبصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاىرة‪ .0885 ،‬ص ‪008‬؛ أكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪).142-140 ،130‬‬
‫‪ 1‬بارتولد ڤاسيلي ڤالديبّبكڤتش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪008‬؛ العريِب السيد الباز ‪ :‬اؼبغوؿ‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪ .0870 ،‬ص ‪21‬؛‬
‫‪Seydi Süleyman : Esquisse de 2000 ans d'histoire de la Turquie, Editions du ministère de la‬‬
‫‪culture et du tourisme de la république de Turquie, Ankara, 2010. p. 22.‬‬
‫‪ 2‬جيحوف ‪ :‬عرؼ قديبا باسم أككسس )‪ ،(Oxus‬كحاليا يعرؼ باسم هنر آموداريا‪ ،‬ينبع من جباؿ بامّب ُب آسيا الوسطى كيصب‬
‫ُب الساحل اعبنويب لبحر آراؿ‪( .‬انظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.)331‬‬
‫‪ 3‬طربستاف ‪ :‬ىو إقليم يبتد على الساحل اعبنويب لبحر قزكين‪ ،‬كيقع حاليا مشاؿ إيراف‪ ،‬كطرب ُب لغة تلك البالد معناىا اعببل‪،‬‬
‫فطربستاف تغِب بالد اعببل‪ ،‬كىذا نظرا للجباؿ العالية الٍب تشكل ىذا اإلقليم‪ ،‬كىي تتمثل ُب سلسلة ألربكز‪ .‬كيعرؼ اإلقليم أيضا‬
‫باسم مازندراف‪ ،‬كمن مدنو آمل‪ ،‬كسارية‪( .‬أنظر ‪ :‬لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)409‬‬
‫‪ 4‬جرجاف ‪ :‬ىو اسم إقليم يبتد جنوب شرقي حبر قزكين‪ .‬يتميز بكثرة أهناره كسهولو‪ .‬كىو ينسب إذل عاصمتو جرجاف‪ ،‬الواقعة‬
‫حاليا ُب إيراف‪ .‬أنظر ‪( :‬لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)417‬‬
‫‪ 5‬شبارك عصاـ ؿبمد ‪ :‬السالطْب ُب اؼبشرؽ العريب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪ .0883 ،‬ص ‪07-06‬؛ طقوش ؿبمد سهيل‬
‫‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ ُب آسيا الصغرل‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بّبكت‪ .1111 ،‬ص ‪05‬؛ الصاليب علي ؿبمد ‪ :‬دكلة السالجقة‪ ،‬دار‬
‫اؼبعرفة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بّبكت‪ .1117 ،‬ص ‪10‬؛ أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪22‬؛ أكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪133‬؛ ‪Seydi Süleyman : op. cit., p. 22.‬‬
‫‪ 6‬أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .22‬ال ّْدىقاف كالدُّىقاف‪ ،‬لفظ فارسي معرب‪ ،‬تعِب التاجر‪ ،‬كتعِب أيضا القوم‬
‫على التصرؼ مع حدة‪ ،‬كاصطالحا يقصد بو‪ ،‬رئيس القبيلة أك القرية‪ ،‬كسلطتو تشبو سلطة شيخ القبيلة‪ ،‬على أف يكوف مسؤكَل‬
‫أماـ الدكلة‪ ،‬كوبمل اػبراج إليها‪( .‬انظر ‪ :‬ابن منظور ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مج ‪ ،02‬ص ‪.)053-052‬‬
‫‪ 7‬بارتولد ڤاسيلي ڤالديبّبكڤتش ‪ :‬تاريخ الَبؾ‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪82‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫الفضل الكبّب َلنتشار اإلسالـ بْب القبائل الَبكية إذل الدكلة السامانية‪ ،‬الٍب فتحت أكاسط آسيا ُب‬
‫القرنْب الثالث كالرابع اؽبجريْب‪/‬التاسع كالعاشر اؼبيالديْب‪ .‬كبعد اعتناؽ عدد كبّب من اْلتراؾ اإلسالـ‪،‬‬
‫تأسست أكؿ إمارة تركية إسالمية ُب عاـ ‪238‬ىػ‪851/‬ـ‪ ،‬كىي دكلة القراخانيْب‪ 2.‬كخالؿ نفس‬
‫‪3‬‬
‫القرف أسلم الغز اؼبقيموف عند مصب هنر سيحوف‪.‬‬

‫كينتمي السالجقة إذل "قًنً ٍق" كىي إحدل بطوف الغز‪ 4.‬كجدىم يدعى سلجوؽ بن يدقاؽ‪.‬‬
‫ككانت حياهتم قائمة على الغزك كالتنقل حبثا عن اؼبرعى كالكأل‪ ،‬حيث "كانوا يصيفوف ُب بالد‬
‫‪6‬‬
‫البيػ ٍلغار‪ 5‬كيشتوف ُب تركستاف‪ ،‬كينهبوف ما طرقوه‪ ،‬ككاف من مقدميهم رجل يقاؿ لو يدقاؽ"‬

‫‪ 1‬الدكلة السامانية ‪ :‬تنتسب إذل مؤسسها نصر بن ساماف‪ ،‬كىو من أصوؿ فارسية‪ .‬كقامت ىذه الدكلة فيما كراء النهر‪ ،‬بْب سنٍب‬
‫‪284-113‬ىػ‪0113-708/‬ـ‪ٍ .‬ب امتد نفوذىا إذل فارس‪ ،‬كأفغانستاف‪ ،‬كقزكين‪ .‬كازبذ السامانيوف مدف ظبرقند‪ ،‬كفرغانة‪ ،‬كىراة‪،‬‬
‫كخبارل حواضر ؽبم‪ .‬كجاىدكا اْلتراؾ الوثنيْب ُب أكاسط آسيا‪ ،‬كنشركا اإلسالـ بينهم‪ .‬ككانت عالقتهم باػبالفة العباسية عالقة كَلء‬
‫كتأييد إذل أف سقطت على يد الغزنويْب كالقراخانيْب‪( .‬أنظر ‪ :‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،06‬ىامش رقم ‪0‬؛ اؼبوسوعة العربية‬
‫اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪0671‬؛‬
‫‪Sayyid Ayman F. : Samanids, in. : Enc. Isl., E. J. Brill, Leiden, 1995. t. VIII, pp. 1025-1031).‬‬
‫‪ 2‬القراخانيوف (‪518-115‬ق‪0101-731/‬ـ) ‪ :‬ساللة تركية يرجح أهنا من قبيلة القارلوؽ أك اْلكغوز‪ ،‬حكمت بالد ما كراء‬
‫النهر‪ .‬ككاف نفوذىم يقتصر على تركستاف الشرقية فقط‪ٍ .‬ب توسعوا كبو الغرب فورثوا السامانيْب‪ ،‬كازبذكا من خبارل عاصمة ؽبم‪ ،‬من‬
‫مدهنم بالساغوف ككاشغر‪ .‬ككاف صاتوؽ بوغرا خاف أكؿ حاكم تركي اعتنق اإلسالـ‪ ،‬كازبذ لنفسو اسم عبد الكرصل‪ٍ .‬ب عمل على نشر‬
‫اإلسالـ بْب أتباعو‪ .‬كيعتربكف أنفسهم أتباعا للخليفة العباسي‪ ،‬كقبوؿ أمره فرضا من فركض الدين‪ .‬قاـ القراخانيوف بنشر اإلسالـ بْب‬
‫القبائل الَبكية‪ ،‬كبفضلهم أسلم قسم كبّب من اْلتراؾ كازدىرت ُب عهدىم العلوـ كالفنوف كاآلداب‪( .‬أنظر ‪ :‬اكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪067-048‬؛‬
‫)‪Grousset René : L'Empire des steppes, pp. 200-203, Seydi Süleyman : op. cit., pp. 33-35.‬‬
‫هنر سيحوف ‪ :‬عرؼ قديبا باسم جكزرتس )‪ ،(Jaxartes‬كحاليا يعرؼ باسم هنر سرداريا‪ ،‬ينبع من مرتفعات تياف شاف ً‬
‫بكّبغ ًز ٍستاف‬ ‫‪3‬‬

‫ُب آسيا الوسطى‪ ،‬كيصب ُب حبر آراؿ‪( .‬أنظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.)0717‬‬
‫‪ 4‬الكاشغرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،0‬ص ‪.45‬‬
‫‪ 5‬بالد البلغار ‪ :‬دكلة قوية بشرؽ ركسيا اْلكربية دبحاذاة هنر الفوعبا اْلكسط (القرف ‪02-7‬ـ)‪( .‬أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص ‪271‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)647‬‬
‫‪ 6‬اؼبقريزم (تقي الدين أبو العباس أضبد بن علي بن عبد القادر العبيدم (ت ‪ 734‬ىػ)) ‪ :‬السلوؾ ؼبعرفة دكؿ اؼبلوؾ‪ ،‬ربقيق ؿبمد‬
‫عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪ .0886 ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.025‬‬
‫‪83‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫)‪ ،(Douqâq‬الذم كاف ُب خدمة "بيغو" كىو أحد ملوؾ الَبؾ‪ .‬كقرر ىذا اؼبلك القياـ بغارة‬
‫على اْلراضي اإلسالمية اؼبتاطبة لبالده‪ .‬فامتنع دقاؽ عن التنفيذ كهناه عن ذلك‪ ،‬كطاؿ النقاش‬
‫بينهما‪ ،‬فأغلظ ملك الَبؾ الكالـ‪ ،‬كسبلك قائد اعبيش الغضب‪ .‬كلكن ىذا النزاع ما لبث أف يس ّْوم‬
‫باسَبضاء دقاؽ الذم استمر ُب خدمة اؼبلك حٌب كفاتو سنة ‪180‬ق‪812/‬ـ‪ 3.‬كردبا كاف ىو أكؿ‬
‫من اعتنق اإلسالـ بْب أبناء قبيلتو‪ ،‬ما دفعو إذل الغّبة على اؼبسلمْب‪ ،‬ك الضغط على بيغو ليضع حدا‬
‫لغاراتو على أراضي الدكلة اإلسالمية‪ْ ،‬لف الرجل "كاف شهما ذا رأم كتدبّب‪ .‬ككاف مقدـ اْلتراؾ‬
‫‪4‬‬
‫الغز‪ ،‬كمرجعهم إليو‪َ ،‬ل ىبالفوف لو قوَل كَل يتعدكف أمرا"‪.‬‬

‫يرًزؽ دقاؽ بإبنو سلجوؽ )‪ ،(Seldjoûq‬فأنشأه تنشئة عسكرية‪ ،‬كخلفو ُب رئاسة القبيلة‪،‬‬
‫فأطاعو أفرادىا كانقادكا لو‪ .‬كؼبا اشتد عوده برزت عليو عالمات الفطنة كالنباىة‪ .‬كاشتهر بالفركسية‬
‫كالشجاعة‪ .‬فقربو اؼبلك بيغو‪ ،‬كفوض إليو إمارة اعبيش‪ ،‬كمنحو لقب سوباشي‪ ،‬أم قائد اعبيش‪ ،‬كما‬
‫أباح لو حضور ؾبالسو اػباصة‪ 5.‬ككاف اؼبلك عقيما‪ ،‬فخشيت زكجتو أف يستغل سلجوؽ ىذا الوضع‬
‫فيقتل اؼبلك كيستورل على العرش‪" ،‬فقالت يوما لزكجها اؼبلك عقيم ك َل وبتمل اؼبشاركة ك َل يصفو‬
‫لك مشرب اؼبلك إَل بقتل سلجوؽ ك َل يسفر صباح دكلتك إَل بأف تذيقو كأس اغبماـ فإنو عن‬

‫‪ 1‬كرد ُب بعض اؼبصادر باسم يقاؽ كُب مصادر أخرل باسم تقاؽ‪ ،‬أك توقاؽ ككاف يلقب بسبب بسالتو بػ ً"سبورياليغ"‬
‫)‪ (Timouryaligh‬أم صاحب السهم اغبديدم‪ ،‬أك صاحب القوس اغبديدية‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن العربم (أبو الفرج صباؿ الدين) ‪:‬‬
‫تاريخ الزماف‪ ،‬نقلو إذل العربية اْلب إسحق أرملة‪ ،‬دار اؼبشرؽ‪ ،‬ط ‪ ،1‬بّبكت‪ .1114 ،‬ص ‪76‬؛‬
‫‪Grousset René : L'Empire des steppes, p. 204.‬‬
‫‪ 2‬يعرؼ ابن العربم بيغو أنو خاقاف اػبزر‪ ،‬كاؼبعركؼ أف اػبزر من اْلقواـ الَبكية الٍب أسست إمرباطورية على ضفاؼ حبر قزكين‪،‬‬
‫كدامت من ‪357‬ـ إذل ‪ 854‬ـ‪ ،‬كقد اعتنق اػبزر الذين كانوا يدينوف بالشامانية اإلسالـ ٍب اليهودية كأدياف رظبية‪ .‬كحٌب القرف‬
‫الثاشل اؽبجرم‪/‬الثامن اؼبيالدم‪ ،‬كانت قبائل الغز تابعة إلمرباطورية اػبزر (أنظر ‪ :‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪76‬؛ بارتولد‬
‫ڤاسيلي ڤالديبّبكڤتش ‪ :‬تاريخ الَبؾ‪ ،‬ص ‪66‬؛ أكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪105-100‬؛ أبو النصر ؿبمد عبد العظيم‬
‫‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)21‬‬
‫‪ 3‬اغبسيِب (صدر الدين أبو اغبسن علي ناصر بن علي (ت بعد ‪511‬ىػ‪0014/‬ـ)) ‪ :‬أخبار الدكلة السلجوقية‪ ،‬ربقيق ؿبمد‬
‫إقباؿ‪ ،‬نشريات كلية فنجاب‪َ ،‬لىور‪ .0822 ،‬ص ‪.1-0‬‬
‫‪ 4‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 5‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪1‬؛ أكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫‪84‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫قريب يزعجك عن دار ملكك كيسعى ُب ىلكك‪ ،‬كذلك دبرأل من اْلمّب سلجوؽ كدبسمع"‪ .‬كؼبا‬
‫ظبع سلجوؽ ىذا اغبوار أدرؾ أنو أصبح غّب مرحب بو ُب القصر‪ ،‬كأف النعمة ستنقلب نقمة عليو‬
‫عاجال أك آجال‪ .‬فقرر مغادرة تركستاف إذل حيث اْلماف‪ْ ،‬لف كيد النساء عظيم‪.‬‬

‫ب – خركج السالجقة من تركستاف‬


‫غادر سلجوؽ تركستاف سنة‪264‬ىػ‪874/‬ـ مع قبيلتو‪ ،‬كمعو ألف فارس‪ ،‬كألف بعّب‪،‬‬
‫كطبسوف ألف رأس من اؼباشية‪" 2.‬كتوجو مع خيلو كجنده تلقاء ديار اإلسالـ"‪ 3.‬كدخل بالد ما كراء‬
‫‪5‬‬
‫النهر )‪ 4،(Transoxiane‬حيث كاف النزاع قائما فيها بْب الدكلة السامانية‪ ،‬كالدكلة الغزنوية‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫كالدكلة القرخانية‪ .‬ككانت تلك اْلكضاع السياسية مالئمة لدخوؿ سلجوؽ كأتباعو اؼبعَبؾ السياسي‪.‬‬
‫ْلف السامانيْب كجدكا صعوبة ُب اسَبجاع بعض أراضيهم الٍب استوذل عليها القراخانيوف‪ 7،‬فبا جعلهم‬
‫يستنجدكف بسلجوؽ بن دقاؽ كأتباعو‪ ،‬فاستجاب ؽبم‪ .‬كشارؾ ُب اغبرب حليفا للسامانيْب‪ 8،‬الذين‬

‫‪ 1‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.1‬‬


‫‪ 2‬أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪28‬؛ كيذكر أكزطونا يلماز بأنو رحل مع مائة فارس ك ألف كطبسمائة صبل‬
‫كطبسوف ألف رأس من اؼباشية‪ ،‬كَل يبكن أف يكوف عدد الفرساف مائة فقط‪ْ ،‬لف سلجوؽ خاض فيما بعد حركبا ربتاج إذل عدد‬
‫كبّب من الفرساف‪( .‬أنظر ‪ :‬أكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.).144‬‬
‫‪ 3‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪ 4‬ما كراء النهر ‪ :‬أطلق اؼبسلموف ىذا اَلسم على البالد الواقعة مشاؿ هنر جيحوف (آموداريا حاليا)‪ ،‬ككذلك ظبوىا اؽبيطل‪( .‬أنظر‪:‬‬
‫لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)476‬‬
‫‪ 5‬الدكلة الغزنوية (‪471-241‬ق‪0075-852/‬ـ) ‪ :‬ىي دكلة إسالمية تركية‪ ،‬أسسها ألب تكْب ُب أفغانستاف‪ .‬كاستمدت‬
‫اظبها من غزنة اؼبدينة الٍب تأسست فيها‪ .‬كاكتسبت مكانة إقليمية ُب مشاؿ اؽبند‪ ،‬كىي من أىم الدكؿ الَبكية اإلسالمية اْلكذل‪.‬‬
‫امتد نفوذىا من أفغانستاف كالبنجاب باؽبند‪ ،‬إذل بالد ما كراء النهر‪ ،‬كخراساف‪ .‬كسانبت ُب نشر اإلسالـ بتلك اؼبناطق‪ .‬من أشهر‬
‫حكامها أبو منصور سبكتكْب‪ ،‬كؿبمود الغزنوم‪ ،‬كابنو مسعود‪( .‬أنظر ‪ :‬تركماشل أسامة أضبد ‪ :‬جولة سريعة ُب تاريخ اْلتراؾ‬
‫كالَبكماف ما قبل اإلسالـ كما بعده‪ ،‬دار اإلرشاد للنشر‪ ،‬سوريا‪ .2007 ،‬ص ‪018‬؛ أكزكطا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪075‬؛‬
‫‪Seydi Süleyman : op. cit., pp. 35-37.‬‬
‫عودات أضبد عبد ا﵁ ‪ :‬التسلط السلجوقي على اػبالفة العباسية كموقف اػبلفاء من ذلك (‪481-318‬ىػ‪-0126/‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪0082‬ـ)‪ُ ،‬ب مجلة الجمعية التاريخية السعودية‪ ،‬ع ‪ ،8‬السنة اػبامسة‪ ،‬اعبمعية التارىبية السعودية‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪0313‬ىػ‪1113/‬ـ‪ .‬ص ‪.41‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grousset : L'empire des steppes, p. 204.‬‬
‫‪ 8‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.11‬‬
‫‪85‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫ظبحوا لو كلقبيلتو باؼبركر عرب بالدىم‪ ،‬كاَلستقرار عند ضفاؼ هنر سيحوف‪ ،‬كازبذكا من ىجٍند قاعدة‬
‫ؽبم‪ 2.‬كحبكم إقامة السالجقة بْب اؼبسلمْب كاحتكاكهم ّٔم سلمان كحربان‪ ،‬اعتنقوا اَلسالـ على‬
‫اؼبذىب السِب اغبنفي‪ 3‬كتعصبوا لو‪ 4،‬فبا كاف لو أكرب اْلثر ُب الصراع بْب معسكرم السنة كالشيعة‬
‫آنذاؾ‪ .‬كما كاف بداية ربوؿ ثقاُب كاجتماعي كبّب‪ ،‬ليس على مستول اْلتراؾ فحسب بل على‬
‫مستول العادل اَلسالمي كلو‪ ،‬كفتحوا بذلك اغبقبة الَبكية من تاريخ اإلسالـ الٍب دامت أكثر من‬
‫‪5‬‬
‫شبانية قركف‪.‬‬

‫كدل يكتف سلجوؽ بالتحالف مع السامانيْب كحراسة حدكدىم‪ ،‬بل ازبذ من مدينة جند‬
‫قاعدة َلنطالؽ ىجماتو ضد اْلتراؾ الوثنيْب‪ 6.‬كما شارؾ مع حلفائو ُب حركّٔم إذل أف سقطت‬
‫دكلتهم ُب أكاخر القرف الرابع اؽبجرم‪/‬بداية اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬كتقاسم فبتلكاهتا‪ ،‬القراخانيوف‬
‫الذين أصبحوا سادة بالد ما كراء النهر‪ ،‬كالغزنويوف الذين أصبحوا سادة خراساف‪ 7.‬كيبدك أف‬
‫العالقات بْب اغباكم اعبديد ؼبدينة جند‪ ،‬كأكَلد سلجوؽ‪ 8‬كانت جد متوترة‪ 9،‬ما دفعهم إذل‬
‫اَلنسحاب كبو اعبنوب‪ ،‬مستغلْب الفوضى العامة الٍب سادت اؼبنطقة بعد اهنيار الدكلة السامانية‪،‬‬

‫‪ 1‬جند ‪ :‬من مدف تركستاف‪ ،‬قريبة من هنر سيحوف (حاليا سرداريا)‪ ،‬كانت قاعدة للسالجقة ٍب خضعت للمغوؿ‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬مج ‪ ،2‬ج ‪ ،3‬ص ‪.)80‬‬
‫‪ 2‬طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪ 3‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪76‬؛ عودات أضبد عبد ا﵁ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .42‬يذكر ميخائيل السرياشل عوامل أخرل‪،‬‬
‫أدت بالسالجقة إذل اعتناؽ اإلسالـ‪( .‬أنظر ‪)Michel le Syrien : op. cit., t. III, p. 156. :‬‬
‫‪ 4‬ماىر سعاد ‪ :‬أثر اؼباكردم ُب الفن السلجوقي‪ ،‬المؤرخ العربي‪ ،‬العدد العاشر‪ ،‬اْلمانة العامة َلرباد اؼبؤرخْب العرب‪ ،‬بغداد‪( ،‬د‪.‬‬
‫ت‪ .).‬ص ‪.43‬‬
‫‪ 5‬الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬أثر اغبركب الصليبية على العالقات السنية الشيعية‪ ،‬الشبكة العربية لألحباث كالنشر‪ ،‬بّبكت‪،‬‬
‫‪ .2016‬ص‪.47‬‬
‫‪ 6‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪1‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.11‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grousset René : L' Empire des steppes, p. 204.‬‬
‫‪ 8‬توُب سلجوؽ ُب جند سنة ‪0111‬ـ‪ ،‬كدفن ّٔا‪ ،‬كلو ثالثة أكَلد ‪ :‬ميكائيل كموسى كارسالف اؼبدعو إسرائيل‪ ،‬كتضيف بعض‬
‫الركايات إبنا رابعا ىو يونس‪ .‬كاستنتج بعض اؼبؤرخْب من ىذه اْلظباء أف سلجوؽ كاف على اليهودية قبل اعتناقو اإلسالـ‪( .‬أنظر‪:‬‬
‫اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪1‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪11‬؛ أكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪144‬؛‬
‫‪Grousset René : loc. cit.‬‬
‫‪ 9‬بارتولد ڤاسيلي ڤالديبّبكڤتش ‪ :‬تاريخ الَبؾ‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪86‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫ليستقركا بالقرب من خبارل ُب قلب بالد ما كراء النهر‪ .‬كعندما اشتدت شوكتهم شرعوا يعملوف‬
‫على توسيع فبتلكاهتم‪ ،‬كأصبحوا يشكلوف قوة أثارت ـباكؼ ؿبمود بن سبكتكْب الغزنوم‪ 2‬الذم قرر‬
‫مواجهتهم كتشتيت مشلهم‪ .‬كعبأ إذل اغبيلة كاػبديعة‪ ،‬حيث سبكن من إلقاء القبض على زعيمهم‬
‫إسرائيل بن سلجوؽ‪ 3،‬كأكدعو السجن ُب قلعة كالنجر ُب بالد اؽبند حٌب تػيو ُّْب ىناؾ‪ٍ ،‬ب َّ‬
‫نكل ببعض‬ ‫يى‬
‫أتباعو‪ .4‬كخلف ميكائيل أخاه إسرائيل ُب زعامة السالجقة‪ ،‬كأخذ يستعد لألخذ بثأره‪ ،‬كُب سنة‬
‫‪307‬ىػ‪0116/‬ـ‪ ،‬صبع شتات قومو كعرب ّٔم هنر جيحوف كاستقركا ُب خراساف‪ ،‬الٍب كجدكا فيها‬
‫حرية اغبركة كاَلنتشار‪ٍ .‬ب راحوا يقوموف بأعماؿ الشغب كمضايقة الناس كاإلغارة على اؼبدف كالقرل‬
‫آّاكرة‪ ،‬فبا دفع ؿبمود الغزنوم إذل اػبركج بنفسو على رأس جيش كبّب ؼبقاتلتهم‪ ،‬فانتصر عليهم كقتل‬
‫منهم أربعة آَلؼ فارس كأسر عددا كبّبا‪ 5.‬كبعد كفاتو ُب سنة ‪310‬ىػ‪0121/‬ـ‪ ،‬خلفو ابنو‬
‫مسعود‪ 6،‬كيبدك أف ميكائيل بن سلجوؽ توُب ُب نفس السنة أيضا‪ ،‬فخلفو ُب قيادة السالجقة‪ ،‬ابنو‬

‫‪ 1‬بارتولد ڤاسيلي ڤالديبّبكڤتش ‪ :‬تركستاف من الفتح العريب إذل الغزك اؼبغورل‪ ،‬ص ‪.282‬‬
‫‪ 2‬ؿبمود بن سبكتكْب الغزنوم (‪310-276‬ىػ‪0121-860/‬ـ) ‪ :‬فاتح أفغانستاف‪ .‬كلد بغزنة‪ ،‬جده ألب تكْب القائد الَبكي‬
‫ُب جيش ملوؾ السامانيْب ُب خراساف كما كراء النهر‪ .‬توذل اغبكم بعد كفاة أبيو سبكتكْب سنة ‪ .887‬اعَبؼ بو اػبليفة‬
‫العباسي‪ ،‬كتلقب بالسلطاف‪ ،‬فتح خبارل ككرث الدكلة السامانية‪ ،‬كامتدت سلطتو إذل أفغانستاف كتركستاف كخراساف كطربستاف‬
‫كسجستاف‪ .‬كانتصر على حكاـ اؽبند ُب البنجاب‪ .‬انتقل اغبكم بعد كفاتو إذل ابنو مسعود‪( .‬أنظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة ‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.)1220‬‬
‫‪ 3‬اسرائيل بن سلجوؽ ‪ :‬ىو أكرب أبناء سلجوؽ كاكثرىم علما‪ ،‬كأرجحهم عقال‪ ،‬اعتلى عرش اإلمارة سنة ‪990‬ـ‪ ،‬كحكم طبسة‬
‫كثالثْب عاما حٌب عاـ ‪ ،1025‬حيث اعتقلو السلطاف ؿبمود بن سبكتكْب الذم خشي من تزايد عدد اْلتراؾ السالجقة ُب‬
‫فبلكتو‪ ،‬كتعاظم نفوذ اسرائيل بن سلجوؽ‪ ،‬فدبر لو مكيدة؛ إذ قبضو كسجنو حٌب توُب سنة ‪1032‬ـ‪ ،‬فنهض إخوتو كأىلو كطالبوا‬
‫بالثأر لو‪ ،‬فاستولوا على ملك الغزنويْب‪( .‬أنظر ‪ :‬الراكندم (ؿبمد بن علي بن سليماف (ت بعد ‪603‬ىػ)) ‪ :‬راحة الصدكر كآية‬
‫السركر ُب تاريخ الدكلة السلجوقية‪ ،‬نقلو إذل العربية‪ ،‬ابراىيم أمْب الشواريب كآخركف‪ ،‬دار القلم‪ ،‬القاىرة‪ .1960 ،‬ص ‪-145‬‬
‫‪163‬؛ أكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)258‬‬
‫‪ 4‬اْلصفهاشل (عماد الدين ؿبمد بن ؿبمدبن حامد (ت ‪486‬ىػ‪0110/‬ـ)) ‪ :‬تاريخ دكلة آؿ سلجوؽ‪ ،‬اختصار ابن علي بن‬
‫ؿبمد البندارم اْلصفهاشل‪ ،‬شركة طبع الكتب العربية‪ ،‬القاىرة‪ .0811 ،‬ص ‪4‬؛ اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪ 5‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ ـبتصر الدكؿ‪ ،‬ص ‪071‬؛ طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 6‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ ـبتصر الدكؿ‪ ،‬ص ‪070‬؛ قمعوف عاشورم ‪ :‬العالقات العسكرية بْب الدكلتْب السلجوقية كالبيزنطية‬
‫(‪794-429‬ق‪ 1391-1038/‬ـ)‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه ُب التاريخ الوسيط‪ ،‬إشراؼ أ د ؿبمد اْلمْب بلغيث‪،‬‬
‫كلية العلوـ اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬جامعة اعبزائر‪ ،‬السنة اعبامعية‪ .2009-2008 ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪87‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫طغرؿ بك‪ ،(Toghroul-beg) 1‬الذم كاف يتميز بشجاعة نادرة مع تدين ملحوظ‪ ،‬كذكاء‬
‫‪2‬‬

‫حاد‪ 3،‬تلك اؼبميزات الٍب جعلت منو اؼبؤسس اغبقيقي لدكلة السالجقة‪.‬‬

‫كخالؿ عشر سنوات‪ ،‬دل وبقق السالجقة انتصاران ساحقا على أعدائهم الغزنويْب‪ ،‬كظلت‬
‫اغبرب بينهم سجاَل‪ ،‬بْب كر كفر كىزيبة كظفر‪ 4،‬حٌب ابتسم ؽبم اغبظ ُب معركة داندانقاف‬
‫)‪ 5(Dandanaqan‬سنة ‪320‬ىػ‪0131/‬ـ‪ 6،‬الٍب حققوا فيها انتصارا حاظبا‪ .‬لذا تي ُّ‬
‫عد من اؼبعارؾ‬
‫الكربل الفاصلة ُب التاريخ اإلسالمي‪ْ ،‬لهنا أدت إذل قياـ سلطنة إسالمية جديدة‪ 7.‬كمنذ ىذا التاريخ‬
‫اكتسب اْلتراؾ السالجقة الريادة ُب العادل اَلسالمي‪ ،‬كغدكا قادة للمجتمع اؼبسلم‪ ،‬كمدافعْب عن‬
‫‪8‬‬
‫حوزة اإلسالـ‪.‬‬

‫ككاف لقياـ الدكلة السلجوقية أثر كبّب ُب تاريخ اؼبشرؽ اإلسالمي كغريب آسيا بشكل خاص‪،‬‬
‫بل إف تأثّبىا تعدل العادل اإلسالمي‪ ،‬كامتد إذل العادل اؼبسيحي‪ .‬ذلك ْلهنا سانبت ُب توجيو‬
‫اْلحداث السياسية ُب اؼبشرؽ اإلسالمي بشكل بارز‪ ،‬ؼبا قامت بو من جهود لنشر اإلسالـ‪ ،‬كتوسيع‬

‫‪ 1‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬


‫‪ 2‬طغرؿ بك ‪ :‬ركن الدين ؿبمد بن ميكيائيل‪ ،‬سلطاف سلجوقي (‪ )0152-0126‬الفرع اإليراشل أك السالجقة العظاـ‪ .‬أخضع‬
‫ملوؾ جرجاف كطربستاف كغزا خوارزـ‪ ،‬كآسيا الصغرل‪ٍ ،‬ب دخل بغداد سنة ‪0144‬ـ كخطب باظبو‪ .‬أما اللفظ فهو تصغّب كلمة‬
‫دكغراكؿ الَبكية كمعناىا القصاب‪ ،‬كىو مشتق من فعل دكغرامق أم أف يذبح‪ ،‬كبك لقب تركي أطلق على كل ذم نفوذ‪ ،‬كقادة‬
‫كحدات اعبيش على اختالؼ رتبهم‪ ،‬كما لقب بو أم نبيل للتفرقة بينو كبْب العامة‪( .‬أنظر ‪ :‬طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪ ،14‬ىامش ‪0‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪631‬؛ ج ‪ ،3‬ص ‪.).1052‬‬
‫‪ 3‬أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 4‬حوؿ تفاصيل اؼبعارؾ كاغبركب الٍب جرت بْب الغزنويْب كالسالجقة‪( ،‬أنظر ‪ :‬اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪8-5‬؛ اغبسيِب ‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪01-3‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪15-11‬؛ أبو النصر ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)41-34‬‬
‫‪ 5‬داندانقاف ‪ :‬بلدة من نواحي مرك ُب إقليم خراساف سابقا (تقع حاليا ُب تركمانستاف)‪ ،‬زارىا اغبموم كقاؿ عنها ىي خراب دل‬
‫يبق منها إَل رباط‪ ،‬كمنارة‪ ،‬كحيطاف قائمة‪ ،‬كآثار حسنة تدؿ أهنا كانت مدينة غطَّتها الرماؿ‪ ،‬خرّٔا اْلتراؾ الغز‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫اغبموم‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬مج ‪ ،1‬ج ‪ ،3‬ص ‪.)206‬‬
‫‪ 6‬حوؿ معركة داندانقاف‪( ،‬أنظر ‪ :‬البيهقي (ابو الفضل ؿبمد بن حسْب (ت ‪361‬ىػ‪0166/‬ـ)) ‪ :‬تاريخ البيهقي‪ ،‬ترصبو إذل‬
‫العربية وبي اػبشاب كصادؽ نشأت‪ ،‬مكتبة اْلقبلو مصرية‪ ،‬القاىرة‪ .0845 ،‬ص ‪).586-552‬‬
‫‪ 7‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪18‬؛ قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ 8‬الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪88‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫رقعة الدكلة اَلسالمية على حساب العادل النصراشل‪ ،‬كتركت بصماهتا كاضحة ُب تاريخ العالقات بْب‬
‫الشرؽ كالغرب خالؿ العصور الوسطى‪.‬‬

‫فتحت معركة داندانقاف أماـ السالجقة أبواب التوسع‪ ،‬ككاصل طغرؿ بك انتصاراتو‪ ،‬فتمكن من‬
‫ضم جرجاف كطربستاف سنة ‪323‬ىػ‪0131/‬ـ‪ٍ ،‬ب مدينة الرم‪ 1‬إذل سلطتو‪ ،‬كازبذىا عاصمة لو‪ 2.‬كُب‬
‫سنة ‪331‬ىػ‪0137/‬ـ‪ ،‬كصلت صباعات كفّبة العدد منهم إذل حدكد اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كازبذت‬
‫حرّٔم طابع اعبهاد الديِب‪ ،‬كما استولوا على أصفهاف‪ُ 3‬ب عاـ ‪331‬ىػ‪0141/‬ـ‪ ،‬كبعد أربعة أعواـ‬
‫ضموا إليهم إقليم أذربيجاف‪ٍ 4.‬ب سار طغرؿ بك سنة ‪335‬ىػ‪0143/‬ـ‪ ،‬إذل أرمينيا كحػ ػاصػ ػر مػ ػدي ػ ػنة‬
‫َّ‬
‫منازكرد )‪ 5.(Mantzikert‬كق ػاـ بػ ػعػ ػدة غػ ػزكات فػ ػي اْلنػ ػاضػ ػوؿ‪ ،‬ككصػ ػل إل ػ ػى أرزف الركـ‪ 6.‬كحبلوؿ‬
‫فصل الشتاء عاد إذل أذربيجاف‪ 7.‬كتعترب ىذه اغبمالت اؼببكرة من ا﵀اكَلت اْلكذل للسالجقة َلكتشاؼ‬
‫أرمينيا كبالد الركـ‪.‬‬

‫‪ 1‬الرم )‪ : (Ray‬مدينة قديبة تقع حاليا قرب طهراف ُب إيراف‪ ،‬كىي ثاشل مدينة عباسية بعد بغداد‪ ،‬ككاف يقاؿ ؽبا ا﵀مدية‪ ،‬نسبة إذل ؿبمد‪،‬‬
‫كىو اؼبهدم اػبليفة العباسي الذم نزؽبا ُب خالفة أبيو اؼبنصور‪ ،‬كبُب أكثر مدينة الرم‪ ،‬كّٔا كلد ابنو ىاركف الرشيد‪ .‬ازبذىا البويهيوف عاصمة‬
‫ؽبم‪ٍ ،‬ب استوذل عليها السالجقة‪( .‬أنظر ‪ :‬لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)251-249‬‬
‫‪ 2‬الراكندم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪168‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ ـبتصر الدكؿ‪ ،‬ص ‪073‬؛ شبارك عصاـ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 3‬أصفهاف ‪ :‬كتكتب أصبهاف كأسباىاف‪ ،‬تقع حاليا ُب إيراف‪ ،‬فتحها اؼبسلموف سنة ‪18‬ىػ‪ ،‬كتواذل على حكمها السامانيوف‪ ،‬كالبويهيوف‪،‬‬
‫كالغزنويوف‪ ،‬كالسالجقة‪ ،‬كاؼبغوؿ‪ ،‬كازبذىا الصفويوف عاصمة ؽبم‪ ،‬تشتهر دبعاؼبها التارىبية كاْلثرية‪( .‬أنظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)318‬‬
‫‪ 4‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪20‬؛ أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪47-45‬؛‬
‫‪Grousset : L' empire des steppes, p. 202.‬‬
‫ً‬
‫كمنازج ٍرد‪ ،‬كمنزكرت‪ ،‬كمالسكرد‪ ،‬كأىلها يقولوف مآنٍ ًزىك ٍرد )‪،(Mantzikert‬‬ ‫منازكرد )‪ : (Manazkert‬كردت بعدة صيغ منها مالزكرد‪،‬‬
‫‪5‬‬

‫مدينة مشهورة ُب أرمينيا الكربل‪ ،‬تقع بْب خالط كبالد الركـ‪ ،‬ككانت من أقول اغبصوف البيزنطية ُب اْلناضوؿ‪ ،‬إضافة إذل كوهنا مركزا ذباريا‬
‫ىاما‪ .‬تقع حاليا ُب تركيا كتعرؼ باسم ‪ Malazgirt‬شهدت اؼبدينة إحدل أىم اؼبعارؾ ُب التاريخ اإلسالمي كاؼبعركفة دبعركة منازكرد بْب‬
‫السلطاف السلجوقي ألب أرسالف كاإلمرباطور البيزنطي ركمانوس الرابع ديوجْب عاـ ‪463‬ق‪1071/‬ـ‪ ،‬انتهت بانتصار السالجقة‪ ،‬كأسر‬
‫اإلمرباطور البيزنطي‪ ،‬كانتشار اإلسالـ ُب آسيا الصغرل (تركيا حاليا)‪ ،‬كتراجع البيزنطيْب غربا بعيدا عن بالد الشاـ‪ ،‬كإقليم الثغور‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪323‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)148‬‬
‫‪6‬‬
‫أرزف الركـ ‪ :‬ىي ارزركـ‪ ،‬كظباىا العرب ارزف الركـ أك ارض ركـ‪ ،‬كقد عرفها اْلرمن باسم كرف ‪ ،Karin‬كالركـ باسم ‪Théodosiopolis‬‬
‫سبيزت حبصنها اؼبنيع كبكثرة كنائسها‪ ،‬فتحها اؼبسلموف خالؿ القرف اْلكؿ اؽبجرم‪ٍ ،‬ب خرّٔا قسطنْب اػبامس فأعاد اؼبسلموف بناءىا‪،‬‬
‫كاستوذل عليها البيزنطيوف ُب القرف ‪10‬ـ‪ٍ ،‬ب دخلها السالجقة ُب القرف ‪11‬ـ‪ .‬تقع حاليا ُب مشاؿ شرؽ تركيا كتعرؼ باسم ‪.Erzurum‬‬
‫(أنظر ‪ :‬لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)150-149 ،144‬‬
‫‪7‬‬
‫ابن اْلثّب مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪56‬؛ ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪87‬؛ ‪Seydi Süleyman : op. cit., p. 40.‬‬

‫‪011‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪ -2‬عالقة السالجقة بالقول اإلسالمية في المشرؽ‬
‫أ – عالقة السالجقة بالخالفة العباسية‬
‫كف ػ ػي ىذه الظركؼ كانت اػبالفة العباسية ف ػي ع ػ ػهػ ػ ػد الػ ػخ ػ ػل ػ ػيػ ػفة ال ػ ػقػ ػائػ ػم ب ػ ػأمػ ػر ا﵁‬
‫(‪356-311‬ىػ‪0164-0120/‬ـ)‪ ،‬تعيش أتعس أيامها‪ ،‬بسبب تسلط البويهيْب الشيعة عليها‪،‬‬
‫كسيطرة البساسّبم‪ 1‬على بغداد كما جاكرىا‪ ،‬فغدت اؼبدينة مسرحا للشغب كاؼبنازعات اؼبذىبية‬
‫كاْلسرية‪ ،‬كانعدـ فيها اْلمن‪ ،‬كما أف النفوذ الفاطمي أخذ يتسلل إذل العراؽ‪" ،‬كأىذَّنىت الرافضة َّ‬
‫حبي‬
‫على خّب العمل‪ ،‬كضعف أمر القائم بأمر ا﵁"‪ 2.‬كأدرؾ اػبليفة العباسي أف الدكلة البويهية عاجزة عن‬
‫ضبط اْلمور ُب العراؽ‪ ،‬كرأل بأف مصلحتو تفرض عليو اَلتصاؿ بالسالجقة ْلهنم يبثلوف القوة‬
‫‪4‬‬
‫الغالبة‪ 3،‬كىم على اؼبذىب الػ ػ ػسػ ػػِب‪ ،‬كقػ ػػد أع ػ ػل ػ ػن ػ ػوا اح ػ ػت ػ ػرام ػ ػهػ ػػم ككَلءىػ ػػم لػ ػلػ ػخػ ػػالفػ ػػة‪،‬‬

‫‪ 1‬البساسيسرم ‪ :‬ىو أبو اغبارث أرسالف بن عبد ا﵁ البساسّبم الَبكي‪ ،‬كقيل أبو منصور البساسّبم مقدـ اْلتراؾ ببغداد‪ ،‬كىو‬
‫ينتسب إذل بساسّب‪ ،‬كقيل بسا‪ ،‬بلدة من بالد فارس‪ .‬كاف البساسّبم ُب بداية حياتو موذل ْليب علي اغبسن بن أضبد الفارسي‪ٍ ،‬ب‬
‫تقلبت بو اْلحواؿ حٌب ملكو اْلمّب البويهي ّٔاء الدكلة فّبكز (‪312-277‬ىػ‪8870101/‬ـ)‪ ،‬حيث بدأ حياتو كعبد عسكرم ُب‬
‫خدمة البويهيْب‪ ،‬كتدرجت بو اؼبناصب حٌب أصبح من كبار قادة اعبند دبدينة بغداد‪ ،‬فعظم شأنو‪ ،‬كقويت شوكتو‪ ،‬فتهيبو أمراء العرب‬
‫كالعجم‪ ،‬فجىب اْلمواؿ‪ ،‬كخرب الضياع‪ .‬ككاف مقدما عند اػبليفة القائم بأمر ا﵁‪َ ،‬ل يقطع أمرا دكنو‪ٍ ،‬ب طغا كسبرد كخرج على اػبليفة‪،‬‬
‫فكاتب الفاطميْب‪ ،‬كعمل على قلب نظاـ اغبكم ُب بغداد لصاحل الدكلة الفاطمية‪ ،‬كقبح ُب اَلستيالء على بغداد‪ ،‬كإقامة اػبطبة ّٔا‬
‫للمستنصر الفاطمي ؼبدة عاـ‪ ،‬كعزـ على ترحيل اػبليفة إذل مصر كأرغم اػبليفة القائم بأمر ا﵁ العباسي على كتابة كتاب يعَبؼ فيو‬
‫بعدـ أحقية بِب العباس ُب اػبالفة اَلسالمية مع كجود بِب فاطمة الزىراء عليها السالـ‪ ،‬كأرسل الكتاب إذل اؼبستنصر ُب مصر كظل‬
‫ؿبفوظا لدل الفاطميْب إذل أف أعاده صالح الدين إذل العباسيْب فور استيالئو على مقاليد اغبكم ُب مصر بعد ذلك بنحو مائة عاـ‪،‬‬
‫كبقيت فتنتو قائمة ُب بغداد إذل أف قضى عليو طغرؿ بك سنة ‪340‬ق‪0148/‬ـ‪( .‬أنظر ‪ :‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪07‬؛ ابن‬
‫العربم ‪ :‬تاريخ ـبتصر الدكؿ‪ ،‬ص ‪073‬؛ أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،51‬ىامش رقم ‪.)1‬‬
‫‪ 2‬الذىيب (مشس الدين أبو عبد ا﵁ ؿبمد بن أضبدبن عثماف (ت ‪637‬ىػ)) ‪ :‬دكؿ اإلسالـ‪ ،‬حققو حسن إظباعيل مركة‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بّبكت‪ .0888 ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.275‬‬
‫‪ 3‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪22‬؛ السرجاشل راغب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪18‬؛ قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫كيعرفوف حباؽبم‪ ،‬قائلْب لو ‪" :‬إننا‬
‫سبق كأف كتب السالجقة سنة ‪321‬ىػ‪0131/‬ـ‪ ،‬رسالة إذل اػبليفة العباسي يلتمسوف فيها عطفو ّْ‬
‫‪4‬‬

‫معشر آؿ سلجوؽ قوـ أطعنا دائما اغبضرة النبوية اؼبقدسة‪ ،‬كأحبيناىا من صميم قلوبنا‪ ،‬كلقد اجتهدنا دائما ُب غزك الكفار‪ ،‬كإعالف‬
‫اعبهاد ‪ ...‬ككبن نرجو أف نكوف ُب ىذا اْلمر قد هنجنا كفقا لتعاليم الدين كْلمر أمّب اؼبؤمنْب"‪" .‬كأرسل طغرلبك رسوَل إذل اػبليفة‬
‫يبالغ ُب إظهار الطاعة كا لعبودية ‪ "...‬كتوالت الرسائل كاؼبخاطبات بْب الطرفْب ُب عدة مناسبات‪ ،‬كاغبقيقة أف السالجقة كانوا يسعوف‬
‫للحصوؿ على اَلعَباؼ الشرعي بدكلتهم‪( .‬انظر ‪ :‬الراكندم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪055‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪60‬؛‬
‫أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪44-43‬؛ عودات أضبد عبد ا﵁ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)58-53 ،46-44‬‬
‫‪010‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫فػ ػاس ػ ػت ػ ػغ ػ ػاث بػ ػهػ ػ ػم‪ .‬كانتهز طغرؿ بك ىذه الفرصة‪ ،‬كسار جبيوشو إذل بغداد الٍب دخلها ُب عاـ‬
‫‪336‬ىػ‪0144/‬ـ‪ 2،‬فأصدر اػبليفة أكامره إذل اْلئمة باػبطبة لطغرؿ بك جبوامع بغداد‪ٍ 3.‬ب استقبلو‬
‫استقباؿ الفاربْب سنة ‪338‬ىػ‪0147/‬ـ‪ ،‬قائال لو ‪" :‬إف أمّب اؼبؤمنْب شاكر لسعيك حامد لفعلك‬
‫مستأنس بقربك كقد كَلؾ صبيع ما كَله ا﵁ من بالده كرد عليك مراعاة عباده‪ "...‬كخاطبو اػبليفة‬
‫"دبلك اؼبشرؽ كاؼبغرب‪ .4"...‬كبذلك ناؿ اعَباؼ اػبليفة بو سلطانا على صبيع اؼبناطق الٍب ربت‬
‫يده‪ 5.‬كناؿ السالجقة الشرعية الٍب كانوا يطمحوف إليها‪ ،‬كما حصلوا أيضا على الزعامة السياسية‬
‫كالدنيوية‪ ،‬كاحتفظ اػبليفة بالزعامة الركحية‪ 6.‬كلذلك يعترب طغرؿ بك ىو اؼبؤسس اغبقيقي لدكلة‬
‫السالجقة ُب إيراف‪ ،‬كالعراؽ‪ ،‬كاستطاع خلفاؤه أف يقيموا على ىذا اْلساس بناء شاـبا كؾبدا عظيما‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫أخذ يبتد حٌب كصل غربا إذل بالد الركـ كالبحر اؼبتوسط‪ ،‬كشرقا إذل زبوـ اؽبند كالصْب‪.‬‬

‫‪ 1‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬


‫‪ 2‬الذىيب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.273‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.60‬‬
‫‪ 4‬نفسو‪.‬‬
‫‪ 5‬بعد أف سبدد السالجقة ُب خراساف كإيراف ككرماف كالعراؽ كبالد الشاـ كآسيا الصغرل‪ ،‬انقسموا إذل طبسة بيوت حكم‪ ،‬كل‬
‫بيت ناحية من النواحي‪ .‬فحكم السالجقة العظاـ خراساف كالرم كاعبباؿ كالعراؽ كاعبزيرة كفارس كاْلىواز‪ ،‬كحكم سالجقة كرماف‬
‫منطقة كرماف‪ ،‬ككاف ىناؾ سالجقة العراؽ بعد انفصاؽبم عن السالجقة العظاـ‪ ،‬كسالجقة الشاـ‪ ،‬كسالجقة الركـ‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪22‬؛ شبارك عصاـ ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.).11‬‬
‫‪ 6‬ؿبمد عمر وبي ‪ :‬الفتح كالتوسع السلجوقي ُب آسيا الصغرل ُب النصف الثاشل من القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬مجلة جامعة الملك عبد العزيز ‪ :‬اآلداب كالعلوـ اإلنسانية‪ ،‬مج ‪ ،14‬جامعة اؼبلك عبد العزيز‪ ،‬جدة‪،‬‬
‫‪2006‬ـ‪1427/‬ىػ‪ .‬ص ‪.43‬‬
‫‪ 7‬ماىر سعاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .44‬ذكر عبد الرضبن بن خلدكف ُب بداية حديثو عن دكلة اؼبماليك‪ ،‬أف اْلتراؾ ببداكهتم‬
‫اؼبفعمة بركح البطولة‪ ،‬كركحهم العسكرية‪ ،‬أنقذكا العادل اَلسالمي من الصليبيْب أكَل‪ ،‬كمن اؼبغوؿ فيما بعد‪ ،‬كيعترب أف اخَباؽ‬
‫اْلتراؾ لقلب العادل اإلسالمي‪ ،‬كىيمنتهم السياسية كالعسكرية على زماـ اْلمر فيو‪ ،‬عناية إؽبية‪ ،‬كلطفا ربانيا‪ ،‬جاء ُب كقتو لصيانة‬
‫كحفظ اؼبلة اَلسالمية‪ ،‬كمسح الغبار الذم اعتلى كجو الدكلة اَلسالمية‪ ،‬بعد أف أفسدهتا اغبضارة‪ ،‬فهو يقوؿ ‪" :‬فكاف من لطف‬
‫ا﵁ سبحانو أف تدارؾ اَليباف بإحياء رمقو كتالُب مشل اؼبسلمْب بالديار اؼبصرية حبفظ نظامو‪ ،‬كضباية سياجو بأف بعث ؽبم من ىذه‬
‫الطائفة الَبكية كقبائلها العزيزة اؼبتوافرة أمراء حامية كأنصارا متوافية ‪( "...‬انظر ‪ :‬ابن خلدكف ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.)802‬‬
‫‪011‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫كدعم السالجقة سلطتهم السياسية برابطة اجتماعية قوية مع اػبالفة العباسية‪ ،‬فتقدـ‬
‫السلطاف طغرؿ بك ػبطبة ابنة اػبليفة القائم بأمر ا﵁‪ ،‬كىو أمر غّب مسبوؽ‪ 1.‬إذ دل يتقدـ أمّب‬
‫أعجمي ؼبصاىرة البيت العباسي من قبل‪ ،‬فانزعج اػبليفة ؽبذا الطلب كامتنع ُب البداية‪ ،‬كلكن عوامل‬
‫‪3‬‬
‫الضعف كاػبوؼ جعلتو يوافق مضطرا على ىذه اؼبصاىرة‪ 2،‬كًب الزكاج سنة ‪344‬ىػ‪0152/‬ـ‪.‬‬
‫ككانت ىذه اؼبصاىرة صفقة هتدؼ إذل ربقيق مآرب سياسية حبتة‪ 4،‬ذبعلها بعيدة عن أف تكوف زكاجا‬
‫خالصا‪ْ ،‬لف طغرؿ بك كاف عقيما‪ ،‬باإلضافة إذل عمره الذم قارب السبعْب عاما‪ ،‬كما أنو كقت‬
‫‪5‬‬
‫الزكاج كاف عليال‪ ،‬فلم ينعم السلطاف بعركسو اؽبامشية‪ ،‬كدل يَبؾ كلدا كراءه ىبلفو ُب السلطنة‪.‬‬

‫كقد ترتب عن ىذا التقارب العباسي‪-‬السلجوقي‪ ،‬أف بدا التيار السِب جارفا ُب العادل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬على يد اْلتراؾ السالجقة‪ 6،‬الذين أنقذكا اػبالفة العباسية بعد أف أكشكت على اَلهنيار‬
‫أماـ النفوذ البويهي الشيعي ُب إيراف كالعراؽ‪ ،‬كالنفوذ الفاطمي ُب مصر كالشاـ‪ 7.‬كدبا أهنم أصبحوا‬
‫ضباة للدكلة العباسية‪ ،‬فقد كجدكا أنفسهم ىبوضوف صراعا عسكريا‪ ،‬كفكريا ضد الدكلة الفاطمية الٍب‬
‫‪8‬‬
‫كاف نشاطها موجها لتحقيق ىدؼ كاحد ىو اإلطاحة باػبالفة العباسية‪.‬‬

‫ب – عالقة السالجقة بالدكلة الفاطمية‬


‫كبعد أف أمسك السالجقة بزماـ اْلمور ُب بغداد‪ ،‬كرثوا عن العباسيْب الصراع اؼبذىيب الذم‬
‫كاف بينهم كبْب الفاطميْب‪ ،‬كازبذ ذلك الصراع طابع اغبرب الباردة‪ .‬فاستغلت الدكلة الفاطمية‬
‫ضعف اػبليفة ُب بغداد كعملت على تصدير مذىبها إذل العراؽ كالشاـ كافريقية‪ ،‬كلكن اػبالفة‬

‫‪ 1‬ؿبمد عمر وبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫‪ 2‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪105‬؛ أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.77-76‬‬
‫‪ 3‬ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪75 ،65‬؛ اغبسينيي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪21‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.94‬‬
‫‪ 4‬ىي ليست أكؿ مصاىرة بْب البيت العباسي كالبيت السلجوقي‪ ،‬حيث سبق كأف تزكج اػبليفة القائم بأمر ا﵁ خبدهبة بنت أخي‬
‫السلطاف طغرؿ بك سنة ‪ 448‬ىػ (انظر ‪ :‬ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.)4‬‬
‫‪ 5‬أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪ 6‬سيد أيبن فؤاد ‪ :‬الدكلة الفاطمية ُب مصر ‪ :‬تفسّب جديد‪ ،‬الدار اؼبصرية اللبنانية‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاىرة‪ .2000 ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪ 7‬الصاليب علي ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ 8‬سيد أيبن فؤاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪012‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫العباسية تصدت ؽبا بالتحالف مع اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬الذين أخذكا على عاتقهم مواجهة اؼبد الشيعي‬
‫ُب العادل اَلسالمي‪.‬‬

‫كاغبقيقة أف الدكلة الفاطمية كانت تعمل على تقويض أركاف اػبالفة العباسية دبختلف‬
‫الوسائل‪ ،‬فلجأ حاكمها الظاىر‪ 1‬إذل ؿباصرهتا عن طريق ربسْب عالقتو مع البيزنطيْب‪ ،‬فأبرـ معهم‬
‫ىدنة ُب سنة ‪307‬ىػ‪0116/‬ـ‪ ،‬نصت على سبوين اإلمرباطورية البيزنطية ؼبصر بكميات معتربة من‬
‫القمح‪ ،‬كإقامة اػبطبة لو جبامع القسطنطينية مقابل أف يعيد فتح كنيسة القيامة ُب بيت اؼبقدس‪،‬‬
‫كترميمها‪ ،‬كأف يسمح للنصارل بفتح صبيع كنائسهم‪ٍ 2.‬ب كقّْعت اتفاقية أخرل بْب اعبانبْب ُب سنة‬
‫‪316‬ق‪0125/‬ـ‪ ،‬ؼبدة عشر سنوات‪ 3،‬كُب ‪328‬ق‪0136/‬ـ‪« ،‬ذبددت اؽبدنة بْب صاحب مصر‬
‫كبْب الركـ كضبل كل كاحد منهما لصاحبو ىدية عظيمة»‪ 4.‬ككاف اؽبدؼ من ذبديدىا‪ ،‬تأمْب جانب‬
‫البيزنطيْب حٌب يتفرغ الفاطميوف ؼبواجهة الدكلة العباسية ُب اؼبشرؽ‪ 5،‬كاؼبعز بن باديس الصنهاجي ُب‬
‫اؼبغرب‪ ،‬الذم شق عصا الطاعة على الفاطميْب ُب افريقية «كأرسل رسوَل إذل بغداد ليقيم الدعوة‬
‫العباسية»‪ 6.‬ككاف البيزنطيوف من جهتهم يريدكف التفرغ للسالجقة الذين زادكا من ضبالهتم على‬
‫‪7‬‬
‫اْلقاليم الشرقية‪ ،‬كؼبا عجزكا عن مواجهتهم عسكريا‪ ،‬جنحوا للسلم سنة ‪330‬ق‪0141/‬ـ‪.‬‬

‫‪ 1‬الظاىر (‪427 -411‬ق‪1036-1021/‬ـ) ‪ :‬ىو أبو ىاشم علي‪ ،‬اؼبللقب بالظاىر إلعزاز دين ا﵁‪ ،‬ابن اغباكم بن العزيز بن اؼبعز‬
‫ابن اؼبنصور بن القائم بن اؼبهدم عبيد ا﵁‪ ،‬كانت كَليتو بعد كفاة أبيو ُب سنة ‪411‬ق‪1021/‬ـ‪ ،‬كلو من العمر ست عشرة سنة‪،‬‬
‫كقد كاف على عكسو كالده‪ ،‬بعيدا عن اَلشتغاؿ بشؤكف الدكلة‪ ،‬كانشغل بنيػىزىو كؽبوه حيث أكثر من اػبركج للنزىة‪ ،‬كما كاف ؿببا‬
‫لسماع الغناء‪ ،‬فبا جعلو ينقض اإلجراءات الٍب ازبذىا كالده‪ .‬فَبخص ُب شرب اػبمر‪ ،‬كاذف للنصارل كاليهود الذين تظاىركا باَلسالـ‬
‫ُب خالفة كالده باَلرتداد إذل دينهم رغم ـبالفة ذلك للشريعة اَلسالمية‪ .‬اشتهر بسياسة التقارب مع الدكلة البيزنطية‪( .‬انظر ‪ :‬اؼبقريزم‬
‫(تقي الدين أضبد بن علي) ‪ :‬اتعاظ اغبنفا بأخبار اْلئمة الفاطميْب اػبلفا‪ ،‬ربقيق د‪ .‬ؿبمد حلمي ؿبمد أضبد‪ ،‬آّلس اْلعلى للشؤكف‬
‫اإلسالمية‪ ،‬القاىرة‪ .1971 ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪183-124‬؛ سيد أيبن فؤاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)183‬‬
‫‪ 2‬اؼبقريزم ‪ :‬اتعاظ اغبنفا‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪176‬؛ سيد أيبن فؤاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪ 3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.182‬‬
‫‪ 4‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.46‬‬
‫‪ 5‬سيد أيبن فؤاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪ 6‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪55‬؛ اؼبقريزم ‪ :‬اتعاظ اغبنفا‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.214‬‬
‫‪ 7‬ابن اْلثّب ‪ :‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.52‬‬
‫‪013‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫أما العباسيوف فقد كانوا يبحثوف عن فرصة لفرض حصار على الدكلة العبيدية‪ ،‬سبهيدان للقضاء‬
‫عليها‪ .‬فاستعانوا بالسالجقة الذين سبكنوا من بسط نفوذىم على بيت اؼبقدس ُب سنة‬
‫‪352‬ق‪0160/‬ـ‪ ،‬كبعد أربع سنوات ضموا إليهم مدينة دمشق‪ٍ ،‬ب تطلعوا إذل مصر‪ .‬فبفضلهم عاد‬
‫النفوذ السِب إذل الشاـ‪ ،‬ككضعوا حدا ْلحالـ الفاطميْب كطموحاهتم‪ ،‬كقلصوا مساحة دكلتهم‪ ،‬كأجهضوا‬
‫مشركعهم الرامي إذل اَلطاحة باػبالفة العباسية‪ .‬كمنذ ذلك الوقت باتت الدكلة الفاطمية مثل غّبىا من‬
‫الدكؿ كاْلسرات اغباكمة آنذاؾ‪ ،‬تواجو التهديد اؼبتنامي لقوة اْلتراؾ السالجقة الذين أخذكا ُب التقدـ‬
‫السريع من الشرؽ‪ 1،‬غبماية العادل اإلسالمي من "الصحوة البيزنطية"‪ ،‬كضباية أىل السنة من كيد الشيعة‪.‬‬

‫كدل يعتمد السالجقة ُب حرّٔم ضد الفاطميْب على اؼبواجهة العسكرية فحسب‪ ،‬بل كاجهوىم‬
‫سياسيا كفكريا أيضا‪ .‬فبعد أف أمسكوا بزماـ اْلمور ُب بغداد‪ ،‬تعقبوا دعاة اَلظباعيلية‪ 2‬الذين قاموا‬
‫بنشر الدعوة الفاطمية ُب بالد فارس‪ ،‬كما قاموا بإقصاء اؼبوظفْب اؼبتشيعْب للمذىب اإلظباعيلي‬
‫‪3‬‬
‫الذين كانوا يشرفوف على دكاكين اغبكومة كالوظائف الدينية‪.‬‬

‫كؼبا أدرؾ الوزير نظاـ اؼبلك‪ 4‬اػبطر الذم يتهدد اػبالفة العباسية من زيادة النشاط الدعوم‬
‫لطوائف الشيعة ُب كسب أعداد كبّبة من عامة الناس‪ ،‬عبأ إذل ؿباربتهم فكريا كتربويا عن طريق‬

‫‪ 1‬الذىيب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪403‬؛ سيد أيبن فؤاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫‪ 2‬فرقة من الشيعة الباطنية تنسب إذل إظباعيل اَلبن اْلكرب لإلماـ جعفر الصادؽ سادس أئمة اإلمامية كالذم جعلوا لو اإلمامة بعد‬
‫كفاة أبيو‪ .‬كقامت ىذه الفرقة الشيعية اؼبتطرفة بدكر خطّب ُب تاريخ اغبركة الصليبية‪ ،‬عن طريق اَلغتياَلت كاإلستيالء على القالع‬
‫كاْلماكن اغبصينة‪ ،‬كالتحالف مع الصليبيْب ‪( ...‬انظر ‪ :‬الصاليب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪130-110‬؛ الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)234-187.‬‬
‫‪ 3‬الصاليب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ 4‬نظاـ اؼبلك الطوسي ‪ :‬ىو قواـ الدين أبو علي اغبسْب بن علي بن إسحاؽ بن العباس الطوسي‪ ،‬كىو من أعظم الرجاؿ الذين تولوا الوزارة‬
‫ُب عهد السالجقة قاطبة‪ ،‬بل كأعظم كزراء الشرؽ ُب عصره‪ .‬كاف كزيرا ْللب أرسالف‪ ،‬كابنو ملكشاه‪ ،‬كإضافة إذل نشاطو السياسي‬
‫كاإلدارم‪ ،‬كاف ؿببا للعلم كاْلدب راعيا ؽبما‪ ،‬كإليو تنسب اؼبدارس النظامية‪ ،‬حيث جذب إليها كبار العلماء كأجرل ؽبم الركاتب‪ ،‬كترؾ‬
‫كتاب "سياسة نامة" (سّب اؼبلوؾ)‪ ،‬كىو يضم عصارة أفكاره‪ ،‬كذباربو ُب أكاخر حياتو‪ ،‬كقد حذر فيو السالطْب السالجقة من ـباطر الوقوع‬
‫ُب حبائل اَلظباعليْب‪ ،‬أك السماح ؽبم باخَباؽ بنية الدكلة‪ .‬فقد كاف لنظاـ اؼبلك اختياراتو اؼبذىبية كالكالمية ضمن الدائرة السنية الواسعة‪.‬‬
‫فاكباز غالبا لألشاعرة كالشافعية ضد اغبنابلة كأىل اْلثر‪ ،‬لكنو سعى إذل تدعيم الفكر السِب بشكل عاـ‪ ،‬كصاغ من ذلك سياسة متماسكة‬
‫كفعالة‪ .‬كدل يغفر اإلظباعيليوف لنظاـ اؼبلك ذلك موقفو منهم‪ ،‬فكاف أكؿ ضحايا اَلغتياَلت السياسية الٍب نفذىا فدائيوىم ُب سنة‬
‫‪485‬ق‪1092/‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪21‬؛ الصاليب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪143-134‬؛‬
‫‪Hillenbrand R. : Saldjukids, in : Enc. Isl., E. J. Brill, Leiden, 1995. t. VIII, pp. 936-964).‬‬
‫‪014‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫تأسيس عدد من دكر الثقافة كالتعليم ُب أماكن متعددة من ديار اإلسالـ‪ ،‬ككاف نظاـ اؼبلك مدفوعان‬
‫‪1‬‬
‫بدافع التنافس مع جامعات كمدارس الدكلة الفاطمية ُب مصر‪ ،‬خصوصا مؤسسة اْلزىر ُب القاىرة‪.‬‬
‫كمن أشهر ما أقبزه ىذا الوزير السلجوقي‪ ،‬اؼبؤسسات الٍب عرفت باؼبدارس النظامية الٍب بدأىا ُب عاـ‬
‫‪348‬ق‪0155/-‬ـ‪ 2،‬كقد كاف اؽبدؼ منها‪ ،‬زبريج العديد من اؼبؤىلْب الذين يتولوف الوظائف‬
‫العامة اؼبختلفة‪ ،‬كإدارة الشؤكف اإلدارية كالثقافية كالدينية ُب الدكلة اإلسالمية‪ ،‬فبن تشربوا مبادئ‬
‫اإلسالـ الصافية كاتضحت أمامهم أنبية مؤسسة اػبالفة كخطورهتا كضركرة الوقوؼ حبزـ للدفاع عنها‪،‬‬
‫كالتصدم غبركات التشيع الٍب ظهرت بأساليب كأظباء ـبتلفة‪ .‬فضال عن نشر اؼبذىب السِب‬
‫كمناىضة اؼبذىب الشيعي‪ ،‬كنشر الوعي كالثقافة اإلسالمية الصحيحة لتحصْب الفرد ضد اْلفكار‬
‫‪3‬‬
‫الٍب تدعو إليها فرؽ الشيعة‪.‬‬

‫كمن العوامل الٍب ساعدت السالجقة على ؿباربة أفكار الشيعة‪ ،‬كجعلتهم يتولوف حركة‬
‫اإلحياء السِب‪ ،‬أف مذىب اؼبعتزلة الذم ازدىر ُب عصر اػبليفة العباسي اؼبأموف‪ ،‬كالذم تطور ُب‬
‫العصر العباسي الثاشل‪ ،‬قد أخذ ُب الضعف ُب هناية القرف الرابع اؽبجرم‪ ،‬بفضل أئمة الدين‪ ،‬كعلى‬
‫رأسهم أبو اغبسن اْلشعرم‪ 4‬الذم ضبل على آراء اؼبعتزلة كحارّٔم حربا شعواء ككافق أىل السنة ُب‬
‫كثّب فبا ذىبوا إليو‪ 5.‬كلألتراؾ مسؤكلية كبّبة ُب ىذا التحوؿ؛ ْلف طبيعة عامتهم َل تقبل اعبدؿ‬
‫الكالمي‪ ،‬كَل كثرة اؼبذاىب الدينية‪ .‬فاْلتراؾ ُب صبيع عصورىم قل من اعتنق منهم مذىبا ُب اْلصوؿ‬
‫غّب مذىب أىل السنة كُب الفركع غّب مذىب أيب حنيفة‪ ،‬كقل ما حدث بْب علمائهم خصومة ُب‬

‫‪ 1‬الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.101 ،68‬‬


‫‪ 2‬الصاليب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪130‬؛ سيد أيبن فؤاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪ 3‬البساـ ىيفاء عبد ا﵁ العلي ‪" :‬الوزير السلجوقي نظاـ اؼبلك"‪ ،‬حبث مقدـ لنيل درجة اؼباجستّب ُب التاريخ اإلسالمي‪ ،‬إشراؼ‬
‫د‪ .‬حساـ الدين السامرائي‪ ،‬الدراسات العليا التارىبية كاغبضارية‪ ،‬كلية الشريعة كالدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة اؼبلك عبد العزيز‪،‬‬
‫السنة اعبامعية ‪ .1980-1979‬ص ‪144‬؛ ماىر سعاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 4‬أنظر آراء اؼبعتزلة كاْلشعرية ُب ‪ :‬الشهرستاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪83-75 ،62-33‬؛ أضبد أمْب ‪ :‬ضحى اإلسالـ‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العريب‪ ،‬ط ‪ ،10‬بّبكت‪( ،‬د‪ .‬ت‪ .).‬ج ‪207-21 ،3‬؛ أضبد أمْب ‪ :‬ظهر اإلسالـ‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط ‪ ،5‬بّبكت‪،‬‬
‫‪ .1969‬ج ‪ ،1‬ص ‪.222-221 ،42-39‬‬
‫‪ 5‬ماىر سعاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪47‬؛ سيد أيبن فؤاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪015‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫اؼبذاىب‪ 1.‬كأماـ النجاح الذم حققتو تلك اؼبدارس‪ ،‬عبأ الشيعة إذل العنف‪ ،‬فكاف الوزير نظاـ اؼبلك‬
‫ىدفا ؽبم‪ ،‬حيث ًب اغتيالو على يد اَلظباعيلية سنة ‪485‬ق‪1092/‬ـ‪.‬‬

‫كيظهر جليا من اْلحداث السابقة‪ ،‬أف العادل اإلسالمي كاف يبر بفَبة حرجة عندما اعتنق‬
‫السالجقة اإلسالـ‪ ،‬ليس بسبب ضعف اػبالفة العباسية فحسب‪ ،‬بل لنهضة اإلمرباطورية البيزنطية ُب‬
‫عهد اْلسرة اؼبقدكنية الٍب سبكن قادهتا من دحر اؼبسلمْب إذل ما كراء الثغور‪ ،‬كاقتطاع أجزاء كبّبة من‬
‫أطراؼ اعبزيرة كالشاـ‪ .‬كبظهور السالجقة على مسرح اْلحداث‪ ،‬كحصوؽبم على الشرعية من بغداد‪،‬‬
‫انتهى العهد الذم كانت فيو بيزنطة كحليفتها الدكلة الفاطمية هبداف على حدكدنبا دكلة إسالمية‬
‫ضعيفة‪ ،‬تعاشل من اَلنقساـ اؼبذىيب كالسياسي‪ ،‬بل كجدتا أمامهما قوة إسالمية جديدة جارفة‪،‬‬
‫استطاعت ذبديد شباب الدكلة اإلسالمية كضبايتها من اْلخطار الٍب كانت ربيط ّٔا‪ ،‬كأنبها اػبطر‬
‫البيزنطي الذم كاف يَببص ّٔا ُب ىذه الفَبة‪ ،‬كتلقت منها اإلمرباطورية أكؿ ضربة خطّبة‪ 2.‬كقد كاف‬
‫أحفاد سلجوؽ أشد دفاعا عن اإلسالـ كعن أىل السنة من العباسيْب أنفسهم‪ ،‬كما كانوا ضباة‬
‫غيورين على اؼبذىب اغبنفي‪ 3،‬كدل يكتفوا بإعالء كلمة الدين داخل حدكد البالد اإلسالمية‪ ،‬بل كاف‬
‫عليهم أف يوسعوا حدكد ديار اإلسالـ‪ ،‬كخاصة ُب غرب آسيا‪ ،‬حيث كاف عليهم أف ىبوضوا حربا‬
‫ضركسا ضد اؼبسيحيْب اْلرمن كالبيزنطيْب ُب اْلناضوؿ‪.‬‬

‫‪ -3‬التوسع السلجوقي في أرمينيا الكبرل‬


‫إذا كاف البيزنطيوف قد استعادكا بعض اْلراضي من اؼبسلمْب‪ ،‬مستغلْب ُب ذلك ضعف اػبالفة‬
‫العباسية‪ ،‬كاَلنقساـ السياسي كاؼبذىيب‪ ،‬فإف ما فقدتو اإلمرباطورية البيزنطية من أقاليم على أيدم‬
‫السالجقة منذ منتصف القرف اغبادم عشر اؼبيالدم لن تستطيع استعادهتا‪ .‬كبدخوؿ السالجقة إذل‬

‫‪ 1‬أضبد أمْب ‪ :‬ظهر اإلسالـ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.41‬‬


‫‪ 2‬ؿبمد عمر وبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪43‬؛ قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪19‬؛‬
‫‪Diehl Charles : Byzance grandeur et décadence, Ernest Flammarion éditeur, Paris 1920. p. 237.‬‬
‫‪ 3‬بارتولد ڤاسيلي ڤالديبّبكڤتش ‪ :‬تاريخ الَبؾ‪ ،‬ص ‪.016‬‬
‫‪016‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫العراؽ‪ ،‬أصبحوا يقيموف على اغبدكد الشرقية لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬فتطلعوا إذل انتزاع أرمينيا منها‪ٍ ،‬ب‬
‫التوغل إذل أعماؽ آسيا الصغرل‪ ،‬مدفوعْب دبجموعة من اْلسباب‪ 1،‬منها ‪:‬‬

‫‪ – 0‬سبب ديني‪ ،‬يتمثل ُب رغبة السالجقة ُب نشر اإلسالـ بْب جّباهنم النصارل‪ ،‬من‬
‫اْلرمن كالبيزنطيْب‪ ،‬كمواصلة فريضة اعبهاد كالفتح‪ ،‬الٍب قاـ ّٔا اؼبسلموف سابقا‪ ،‬كىذا ما أعطى‬
‫حركّٔم طابعا مقدسا‪ ،‬كزاد من مهابتهم ُب أعْب اؼبسلمْب صبيعا‪ 2.‬كاغبقيقة أف ما قاـ بو السالجقة‬
‫ُب بالد الركـ ما ىو إَل حلقة جديدة من حلقات الفتوحات اإلسالمية الٍب توقفت منذ هناية العهد‬
‫اْلموم‪ ،‬فجددىا اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬الذين أحيوا ركح اعبهاد كاغبماس‪ ،‬كأعادكا للمسلمْب انتصاراهتم‬
‫كتفوقهم على أعدائهم‪.‬‬
‫‪ – 1‬سبب اقتصادم‪ ،‬كيتمثل ُب البحث عن أر و‬
‫اض جديدة تكفي اْلعداد الكبّبة من قبائل‬
‫الَبكماف‪ 3‬الٍب ىاجرت من مواطنها اْلصلية ُب تركستاف‪ ،‬كاستقرت ُب إيراف كالعراؽ‪ ،‬بعد تأسيس‬
‫السلطنة السلجوقية‪ .‬ككاف ىؤَلء الَبكماف من أشد العناصر خطورة على أمن الدكلة كنظامها‪ْ ،‬لهنم‬
‫كتؤمن ؽبم‬
‫اض تأكيهم‪ ،‬ى‬ ‫دأبوا على التمرد كالثورة‪ ،‬كدبا أهنم قدموا بأعداد كبّبة‪ ،‬فال بد من إهباد أر و‬
‫موارد الغذاء حٌب َل هبتاحوا اْلراضي اإلسالمية‪ 4.‬كجاء على لساف إبراىيم يناؿ‪ 5،‬ـباطبا إياىم ‪:‬‬

‫‪ 1‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Cahen Claude : Orient et Occident au temps des croisades, Aubier Montaigne, Paris, 1983. p. 22‬‬
‫‪ 3‬الَبكماف ‪ :‬أك القبائل الَبكمانية‪ ،‬إسم َلزـ تارىبيا ؾبموعتْب شهّبتْب من القبائل الَبكية نبا قبائل الغز‪ ،‬ككذلك القارلوؽ‪ ،‬ككلمة‬
‫تركماف ؾبهولة اْلصل كاؼبنشأ‪ ،‬كيقاؿ أهنا ذات أصل فارسي‪ ،‬كيكاد ينحصر مفهوـ ىذه الكلمة على ؾبموعات اْلتراؾ الذين‬
‫َليزالوف يعيشوف ُب تشكيالت بدكية أك ريفية‪ ،‬كعادة دل يكونوا خاضعْب ْلم سلطة سياسية‪( .‬أنظر ‪ :‬تركماشل أسامة أضبد ‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪63-62‬؛‬
‫)‪Kellner-Heinkele Barbara : Turkman, in. Enc. Isl., Brill, Leiden, 2000. t. X, pp.682-685.‬‬
‫‪4‬‬
‫عطا زبيدة ‪ :‬الَبؾ ُب العصور الوسطى بيزنطة كسالجقة الركـ كالعثمانيوف‪ ،‬دار الفكر العريب‪( ،‬د‪ .‬ـ)‪( ،‬د‪ .‬ت‪ .).‬ص ‪45‬؛‬
‫‪Michel le Syrien : op. cit. t. III, p. 155.‬‬
‫‪ 5‬ىو أخ السلطاف طغرؿ بك غّب الشقيق‪ ،‬كقد كرل على خراساف الغربية (‪ٍ ،)1049-1040‬ب على أذربيجاف (‪-1049‬‬
‫‪ )1059‬كقد نازع طغرؿ بك على العرش إَل أنو قتل مع ابِب أخيو اؼبلك أضبد كاؼبلك ؿبمد ُب رم (‪ 23‬جواف ‪( .)1059‬أنظر‬
‫‪ :‬أكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)260‬‬
‫‪017‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫"بالدم تضيق عن مقامكم كالقياـ دبا ربتاجوف إليو‪ ،‬كالرأم أف سبضوا إذل غزك الركـ كذباىدكا ُب‬
‫سبيل ا﵁ كتغنموا كأنا سائر على أثركم كمساعد لكم على أمركم"‪.1‬‬

‫‪ – 2‬سبب سياسي‪ ،‬كىو إعادة أرمينيا إذل حظّبة اؼبسلمْب بعد أف تنازؿ آخر ملك أرميِب‪،‬‬
‫كىو جاجيك الثاشل )‪ 2(Gagik II‬عن أمالكو للبيزنطيْب‪ ،‬الذين دخلوا العاصمة آشل سنة‬
‫‪326‬ق‪0134/‬ـ‪ .‬كْلف أرمينيا كانت جزءا من دار اإلسالـ‪ ،‬كاكتسب فيها اؼبسلموف حقوقا‪ ،‬ككاف‬
‫ؼبلوكها عالقات مع اػبالفة اإلسالمية‪ ،‬فال ينبغي التفريط فيها‪ ،‬كَل بد من فك الطوؽ البيزنطي الذم‬
‫اشتد حوؿ اؼبسلمْب‪ 3‬بعد أف حل السالجقة ؿبل العباسيْب ُب الذكد عن دار اإلسالـ‪.‬‬

‫كتعود ا﵀اكَلت اْلكذل لتوغل السالجقة ُب إقليم أرمينيا إذل العقد الثاشل من القرف اغبادم عشر‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬حيث قاـ اْلمّب السلجوقي جغرم بك )‪ 4(Çağrı Bey‬بعدة ضبالت على أرمينيا‬
‫الكربل‪ ،‬كسبكن من اَلنتصار على جيش يوحنا سنحاريب ملك الفاسبوراكاف كىزـ جيش ظبباد‬
‫الثالث ملك البجراطيْب‪ٍ ،‬ب دخل منطقة أيبّبيا )‪ 5،(Iberia‬فانسحبت القوات اْليبّبية من أمامو‪،‬‬
‫فبا شجعو على التوغل أكثر فأكثر ُب اعبهات الشمالية الشرقية من آسيا الصغرل‪ٍ ،‬ب قفل راجعا إذل‬
‫بالد ما كراء النهر‪ ،‬كدل يستقر ُب اؼبناطق الٍب دخلها‪ .‬كقد أبدل رماة السهاـ اْلتراؾ مهارة كبّبة ُب‬

‫‪ )1‬ابن اْلثّب ‪ :‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.37‬‬


‫‪ )2‬جاجيك الثاشل ‪ :‬ملًك أرمينيا بْب ‪ 0134-0130‬ـ‪ ،‬ينتمي إذل اْلسرة البجراطية‪ ،‬ألقي عليو القبض من طرؼ البيزنطيْب ٍب‬
‫سجن كأعدـ شنقا ُب سنة ‪0162‬ـ‪ ،‬فكاف آخر ملوؾ البجراطيْب‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Garsoïn Nina : Le royaume du Nord, ds. : H. P. Arm., p. 266-270).‬‬
‫‪ 3‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪ 4‬جغرم بك داكد بن ميكائيل بن سلجوؽ ىو أخ السلطاف طغرؿ بك‪ ،‬كىو لفظ تركي معناه الالمع أك اؼبتألق‪ ،‬كتيوُب سنة‬
‫‪1059‬ـ‪( .‬أنظر ‪ :‬أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)45‬‬
‫‪ 5‬أيبّبيا ‪ :‬تقع مشاؿ أرمينيا وبدىا من الغرب البحر اْلسود كمن الشرؽ حبر قزكين‪ ،‬كتشكل جزءا من جورجيا اغبالية جهة الشرؽ‪.‬‬
‫كأطلق ىذا اَلسم على جورجيا كلها ُب عصر ما قبل اؼبيالد نسبة إذل اللغة الٍب تكلم ّٔا السكاف كىب اللغة اَليبّبية القوقازية‬
‫الٍب ما تزاؿ أصوؽبا غّب معركفة‪ ،‬كىي تسمي ذات أصل يوناشل‪( .‬انظر ‪ :‬اللهييب فتحي سادل ‪ :‬فبلكة جورجيا ُب العصور الوسطى‪،‬‬
‫دار غيداء‪ ،‬عماف‪ .2015 ،‬ص ‪.)28‬‬
‫‪018‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫استخداـ سالحهم‪ ،‬كإليهم يعود الفضل ُب ربقيق ىذا اَلنتصار على اْلرمن‪" .‬كىي اؼبرة اْلكذل الٍب‬
‫يرل فيها اْلرمن فرساف اْلتراؾ‪ّٔ ،‬يئتهم الغريبة‪ ،‬مسلحْب باْلقواس‪ ،‬كشعرىم يتدذل على أكتافهم‬
‫‪2‬‬
‫مثل النساء ‪"...‬‬

‫كيبدك أف ىذه اغبمالت الٍب سبقت تأسيس السلطنة السلجوقية‪ ،‬كاف ىدفها اَلستكشاؼ‬
‫كاَلستطالع سبهيدا للقياـ حبملة عسكرية كاسعة‪ ،‬أك حبثا عن أر و‬
‫اض جديدة تصلح َلنتقاؿ السالجقة‬
‫إليها‪ .‬كقد شجعتهم ىذه اغبمالت الناجحة‪ ،‬على تنظيم ضبالت أخرل على أرمينيا‪ ،‬فتيقن ملوؾ‬
‫اْلرمن أهنم أماـ قوة َل قبل ؽبم ّٔا‪ .‬فتنازلوا عن أمالكهم لإلمرباطور البيزنطي باسيل الثاشل‪ 3،‬آملْب‬
‫‪4‬‬
‫أف تتوذل الدكلة البيزنطية الدفاع عنها ضد السالجقة‪.‬‬

‫كرغم ضم أرمينيا إذل اإلمرباطورية البيزنطية سنة ‪326‬ىػ‪0134/‬ـ‪ ،‬فإف ذلك دل يبنع السالجقة‬
‫‪5‬‬
‫من مواصلة ىجماهتم على إقليم فاسبوراكاف‪ ،‬حيث قاـ اْلمّب قتلمش )‪(Koutoulmisch‬‬
‫بتنظيم ضبلة حوارل سنة ‪327‬ىػ‪0135/‬ـ‪ ،‬كدل هبد صعوبة ُب اَلنتصار على اغباكم البيزنطي‪ ،‬ما‬
‫دفعو إذل القوؿ ‪" :‬إف ىذه البالد وبكمها النساء"‪ 6.‬كؼبا عاد إذل السلطاف طغرؿ بك صور لو إقليم‬

‫‪ 1‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬آسيا الصغرل كاغبركب الصليبية ُب القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬دار اآلفاؽ العربية‪ ،‬القاىرة‪ .2014 ،‬ص ‪22‬؛‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 40-41; Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides dans‬‬
‫‪l'Asie occidentale jusqu'en 1081, Berger-Levurlta éditeurs, Paris, 1914. pp. 21-22.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 41.‬‬
‫‪ 3‬أنظر ماقبل ‪ :‬ص ‪.88-80‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Laurent J. : op. cit., p. 21.‬‬
‫‪ 5‬قيتلمش بن إسرائيل بن سلجوؽ ‪ :‬ىو ابن عم طغرؿ بك‪ ،‬انشق على حكم السلطاف طغرؿ بك ُب أكاخر عهده‪ ،‬كنزح إذل‬
‫اؼبنطقة اعببلية الواقعة جنويب حبر قزكين كمعو بعض الَبكماف‪ ،‬كدل يلبث قتلمش أف أعلن الثورة على الب أرسالف بعد أف خلف‬
‫طغرؿ بك‪ ،‬لكن ألب أرسالف تغلب عليو كقتلو سنة ‪345‬ق‪0152/‬ـ‪ .‬كاختار أبناء قتلمش –كمع كل منهم عصبية من‬
‫الَبكماف‪ -‬أف وبتموا جبباؿ آسيا الصغرل كفيافيها‪ ،‬كقد ظهر من ىؤَلء اْلبناء سليماف بن قتلمش الذم أخذ يعمل على التوسع‬
‫ُب آسيا الصغرل‪ ،‬فبسط نفوذ السالجقة على ثالثة أرباعها تقريبا‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪87‬؛ ابن خلدكف‬
‫‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪861‬؛ شبارك عصاـ ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)18‬‬
‫‪ Cedrenus : Historiarum Comppendium, p. 571. 6‬نقال عن ‪ :‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪35-34‬؛‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., pp. 72-78.‬‬
‫‪001‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫فاسبوراكاف مثل جنات اػبلد‪ ،‬دبا وبتويو من أراض غنية كخصبة‪ ،‬خاصة كأف الدفاع العسكرم شبو‬
‫‪1‬‬
‫منعدـ‪.‬‬

‫كأخطر اغبمالت السلجوقية على إقليم أرمينيا‪ ،‬كانت ُب عهد اإلمرباطور قسطنطْب التاسع‬
‫مونوماخوس‪ ،‬حيث بدأ التهديد الفعلي الذم انتهى بفتح السالجقة القسم اْلكرب من آسيا‬
‫‪3‬‬
‫الصغرل‪ 2،‬كأضحت القوة اؼبتنامية للسالجقة مصدر قلق للبيزنطيْب‪.‬‬

‫أ – فتوحات طغرؿ بك‬


‫اشتد الضغط السلجوقي أكثر على إقليم أرمينيا فيما بْب ‪ 328‬ك ‪330‬ق‪ 0136/‬ك ‪0138‬ـ‪،‬‬
‫حيث أرسل طغرؿ بك أحد قادتو كىو اْلمّب حسن على رأس جيش عدتو عشركف ألف فارس لفتح‬
‫آسيا الصغرل‪ ،‬كلكنو اهنزـ كقتل ُب الكمْب الذم نصبو لو البيزنطيوف‪ 4.‬كُب سنة ‪331‬ىػ‪0138/‬ـ‪،‬‬
‫أرسل أخاه ابراىيم يناؿ على رأس عدد كبّب من الغز لفتح بالد الركـ‪" ،‬فوصلوا إذل منازكرد كأرزف‬
‫الركـ‪ ،‬كقاليقال كبلغوا طرابزكف كتلك النواحي كلها‪ ...‬إذل أف بقي بينو كبْب القسطنطينية مسّبة طبسة‬
‫عشر يوما"‪ 5،‬كأثناء عبوره أراضي أرمينيا‪ ،‬اذبو إذل مدينة أرزف )‪ (Ardzen‬فحاصرىا مدة‪ٍ" ،‬ب تسلل‬
‫جنوده إذل داخلها‪ ،‬كحصدكا كل شيء اعَبض طريقهم كرجاؿ اغبصاد الذين وبصدكف حقوؽبم‪،‬‬
‫لدرجة أف أرزف أصبحت صحراء خاكية"‪ 6.‬فتحالف حكاـ تلك اعبهات من البيزنطيْب‪ ،‬دبا فيهم‬
‫اْلمّب اعبيورجي ليباريت أكربيلياف )‪ ،(Liparit Orbélian‬كتصدكا ؽبم بكل ما يبلكوف من قوة‪،‬‬
‫ككانت اغبرب بينهم سجاَل‪ ،‬ككاف الظفر ُب آخر اْلمر للسالجقة‪ ،‬الذين غنموا كثّبا‪ ،‬كأسركا اْلمّب‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 586.‬‬
‫‪ 2‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪38‬؛ السرجاشل راغب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪18‬؛ زرقوؽ ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪3‬‬
‫الربيعي عبد ا﵁ بن عبد الرضبن ‪ :‬موقف اَلمرباطورية البيزنطية من قادة اغبمالت الصليبية‪ ،‬مجلة جامعة االماـ محمد بن‬
‫سعود االسالمية‪ ،‬ع ‪ ،36‬جامعة اَلماـ ؿبمد بن سعود اَلسالمية‪ ،‬الرياض‪ ،‬شواؿ ‪ 1422‬ق‪ .‬ص ‪.430‬‬
‫‪ 4‬قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 6‬اسكندر فايز قبيب ‪ :‬أرمينية بْب البيزنطيْب كاْلتراؾ السالجقة (‪1071-1000‬ـ‪463-392/‬ىػ) ُب مصنف أريستاكيتس‬
‫اللستيفرٌب‪ ،‬اؼبطبعة العصرية‪ ،‬اَلسكندرية‪ .1983 ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪000‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫ليباريت نفسو‪ .‬ىذا فضال عن بعض اغبمالت الٍب كانت تقوـ ّٔا العصابات كبعض القبائل الَبكية‬
‫‪2‬‬
‫اؼبستقلة عن سلطة طغرؿ بك‪.‬‬

‫ُب ظل ىذه الظركؼ الٍب كاف السالجقة يتسللوف فيها إذل أرمينيا‪ ،‬كاجهت اإلمرباطورية‬
‫البيزنطية ُب عهد اإلمرباطور قسطنطْب التاسع مونوماخوس‪ ،‬عدة ربديات داخلية كخارجية‪ ،‬منها‬
‫ضبلة ركسية على مدينة القسطنطينية‪ ،‬كثورتْب عسكريتْب قاـ ّٔما بعض قادة اعبيش البيزنطي‪،‬‬
‫كاخَباؽ البشناؽ )‪ 3(Petchenègues‬حدكد اإلمرباطورية من جهة هنر الدانوب‪ ،‬كىجمات‬
‫‪5‬‬
‫)‪(Léon Tornikios‬‬ ‫النورماف ُب إيطاليا‪ ،‬كالشقاؽ مع البابوية‪ 4.‬كتعترب ثورة القائد ليو تورنيكيوس‬
‫الٍب اندلعت خالؿ شهر سبتمرب ‪0136‬ـ‪ ،‬بأدريانوبل )‪ 6(Adrinople‬من أخطر حركات التمرد‬
‫الٍب ىددت عرش اإلمرباطور‪ .‬حيث أعلن ىذا القائد الثورة ضد اإلمرباطور قسطنطْب مونوماخوس‪،‬‬

‫‪ 1‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪338‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪48‬؛‬
‫;‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., p. 79; Grousset René : Histoire de l'Arménie, pp. 587-590‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 22.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cahen Claude : La campagne de Mantzikert d'après les sources Musulmanes, Byzantion, t.‬‬
‫‪IX, fascicule 2, Bruxelles, 1934. p. 621.‬‬
‫‪ 3‬البشناؽ ‪ :‬كرد ىذا اؼبصطلح بعدة صيغ منها البجناؾ أك البجنك‪ ،‬كىم قبائل تركية ينتسبوف إذل زمرة اْلكغوز‪ ،‬كقدر عددىم‬
‫باؼباليْب ‪ .‬خرجوا من موطنهم ُب كسط آىسيا حوارل منتصف القرف الثاشل اؼبيالدم‪ ،‬فرحلوا إذل مشاؿ شرؽ حبّبة آراؿ‪ٍ ،‬ب إذل‬
‫السواحل الشمالية الشرقية من حبر قزكين ‪ٍ ،‬ب إذل سواحل هنر إيتيل‪ٍ ،‬ب انتقلوا إذل ضفاؼ هنر الدكف‪ .‬كقد خضعوا مدة طويلة‬
‫للخزر‪ٍ ،‬ب أسسوا سنة ‪950‬ـ اربادا قويا يضم عدة قبائل تركية‪ ،‬كأسسوا دكلتهم العظمى ُب أكربا الشرقية بْب هنر أكراؿ كجباؿ‬
‫كربات‪ ،‬ىاصبوا اعبيش الركسي كىزموه سنة ‪972‬ـ‪ ،‬كظلوا يشكلوف خطرا قائما على حدكد اَلمرباطورية البيزنطية‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫قسطنطْب بورفّبكجنيتوس‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪139-136‬؛ أكزطونا يلماز ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)229-226‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 89; Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 243.‬‬
‫‪ 5‬ليوف تورنيكيوس ‪ :‬ىو قائد الفرقة اؼبقدكنية ُب اعبيش البيزنطي‪ ،‬كتعود أصولو إذل اْلسرة اؼبلكية البجراطية اْلرمينية‪ .‬اكتسب‬
‫شعبية كاسعة كسط العسكريْب كاؼبدنيْب ُب مقر إقامتو بأدريانوبل‪ .‬عينو قسطنطْب مونوماخوس قائدا للفرقة العسكرية البيزنطية ُب‬
‫جيورجيا‪ ،‬إلبعاده عن القسطنطينية‪ ،‬بعد أف ساكرتو شكوؾ حوؿ عالقتو بأختو )‪ٍ ... (Euprepia‬ب عزلو كعاملو باحتقار‪ .‬قاد‬
‫الثورة ضد اإلمرباطور بسبب مواقفو ضد العسكريْب‪ .‬كىاجم القسطنطينية ككاد أف يستورل عليها‪ ،‬فأرسل اإلمرباطور إذل حاكم‬
‫أرمينيا يطلب قوات عسكرية للدفاع عن العاصمة‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫)‪Schlumberger Gustave : L'épopée byzantine, t. III, pp. 498-528.‬‬
‫‪6‬‬
‫أدريانوبل ‪ :‬ىي مدينة أدرنة )‪ (Edirne‬حاليا‪ ،‬تقع ُب أقصى غرب تركيا على اغبدكد مع اليوناف‪ ،‬أسسها اإلمرباطور ىادرياف‬
‫حوارل ‪125‬ـ‪ ،‬تتميز دبوقعها اَلسَباتيجي كبتحصيناهتا القوية‪ ،‬دخلها اْلتراؾ سنة ‪1361‬ـ‪ ،‬ككانت مقر سالطينهم حٌب فتح‬
‫القسطنطينية سنة ‪1453‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪).195‬‬
‫‪001‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫كحاصر القسطنطينية مع أتباعو‪ ،‬فاضطر اإلمرباطور إذل سحب معظم قواتو العسكرية اؼبرابطة على‬
‫‪1‬‬
‫اغبدكد الشرقية ؼبواجهة خصمو‪.‬‬

‫أماـ ىذه التحديات كاْلخطار‪ ،‬عبأ قسطنطْب مونوماخوس إذل الطرؽ الدبلوماسية للتخفيف‬
‫من الضغوط الٍب تتعرض ؽبا اإلمرباطورية‪ ،‬فأرسل سفارة إذل القاىرة سنة‪328‬ىػ‪0136/‬ـ‪ ،‬إلعادة‬
‫الركح إذل العالقات بْب بالده كالدكلة الفاطمية ُب مصر‪ 2،‬مدركا بأف العالقات بْب السالجقة‬
‫كالفاطميْب يشؤّا التوتر كالعداء‪ 3.‬كأرسل سفارتْب إذل السلطاف طغرؿ بك‪ ،‬طلب منو ُب اْلكذل‬
‫توقيف الغزكات كإبراـ الصلح‪ ،‬فأجابو إذل ذلك سنة ‪330‬ىػ‪0141/‬ـ‪ ،‬كطلب ُب الثانية إطالؽ‬
‫سراح ليباريت‪ ،‬مقابل فدية‪ ،‬فوافق سلطاف السالجقة‪ ،‬كأطلق سراحو دكف مقابل‪ .‬فعظم ذلك عند‬
‫ملك الركـ‪ ،‬كرد على ىذه آّاملة بإصالح مسجد القسطنطينية‪ ،‬كإقامة الصالة فيو‪ ،‬كالدعاء للخليفة‬
‫‪4‬‬
‫العباسي كلطغرؿ بك‪.‬‬

‫كإذا كاف قسطنطْب التاسع يريد ّٔذا الصلح ربح الوقت‪ ،‬كذبميد اغبرب ُب اعببهة الشرقية من‬
‫أجل التفرغ للجبهة الغربية‪ ،‬فإف طغرؿ بك كاف يريد من كراء ىذه اػبطوة ربقيق ثالثة أىداؼ ىي ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫األكؿ ‪ :‬التفرغ لتنظيم شؤكف دكلتو الفتية‪ ،‬كمواجهة العصياف الذم أعلنو أخوه إبراىيم يناؿ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Schlumberger : L'épopée byzantine, t. III, p. 500; Bréhier : Vie et mort de Byzance, p. 245.‬‬
‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.46‬‬
‫‪ 3‬تعود جذكر عالقات الود كالصداقة بْب الدكلة الفاطمية ُب مصر كالدكلة البيزنطية‪ ،‬إذل عهد العزيز با﵁ الفاطمي‪ ،‬كتوترت ُب‬
‫بعض اْلكقات إَل أهنا عادت كدية مرة أخرل ُب عهد قسطنطْب مونوماخوس‪ ،‬كفبا يدؿ على ذلك تلك الرسالة الٍب بعث ّٔا‬
‫اإلمرباطور إذل اؼبستنصر با﵁ الفاطمي يطلب منو فيها قياـ ربالف بْب الدكلتْب البيزنطية كالفاطمية ضد السالجقة‪ ،‬كأيضا موافقتو‬
‫على إرساؿ الغالؿ كاْلقوات إذل مصر ؼبساعدهتا ُب مواجهة آّاعة الٍب حلت ّٔا ُب ذلك الوقت‪( .‬أنظر ‪ :‬العظيمي ‪ :‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪332‬؛ العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪221‬؛ ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪41‬؛‬
‫‪Bréhier Louis : op. cit., p. 246; Bréhier Louis : L'église et l'orient, pp. 38-39).‬‬
‫‪ 4‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪339‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ج ‪ ،8‬ص ‪52‬؛‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 248.‬‬
‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ُ .52-51‬ب سنة ‪450‬ىػ‪1058/‬ـ‪ ،‬خرج إبراىيم يناؿ على أخيو غّب الشقيق طغرؿ‬
‫بك ‪ ،‬كراسل البساسّبم‪ ،‬كأظهر الطاعة للفاطميْب‪ ،‬كالدعاء ؽبم ُب مناطق نفوذه‪ُ ،‬ب نبذاف كبالد اعببل كسنجار كاؼبوصل كىي‬
‫اؼبناطق الٍب كاف طغرؿ بك قد نصبو أمّبا عليها سنة ‪449‬ىػ‪1057/‬ـ‪( .‬أنظر ‪ :‬أبو النصر ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)71‬‬
‫‪002‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الثاني ‪ :‬إلتقاط اْلنفاس بعد سلسلة طويلة من العمليات العسكرية‪ ،‬كاَلستعداد للمعارؾ‬
‫‪1‬‬
‫القادمة‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬ربقيق كسب سياسي بإقامة عالقة مع اَلمرباطور سبكنو من إبعاد الفاطميْب الذين‬
‫‪2‬‬
‫ؽبم عالقات متينة مع البيزنطيْب‪.‬‬

‫كيرل بعض اؼبستشرقْب أف ىذا الصلح يدؿ على أف طغرؿ بك كمستشاريو‪ ،‬كانوا يؤمنوف‬
‫بفكرة كجود امرباطوريتْب‪ ،‬اْلكذل مسيحية كالثانية إسالمية‪ ،‬كدل يكن ىدفهم تدمّب اَلمرباطورية‬
‫اؼبسيحية كالقضاء عليها‪ ،‬بل يريدكف منها أف تعَبؼ بسلطة اػبليفة العباسي‪ ،‬كتعلن تبعيتها لو‪ ،‬حيث‬
‫يعترب السلطاف طغرؿ بك نفسو منقذا كحاميا للخالفة العباسية‪ 3.‬كإف ربقق ذلك‪ ،‬ستجد الدكلة‬
‫الفاطمية نفسها معزكلة دكليا‪.‬‬

‫كبعد توقيع الصلح بفَبة قصّبة‪ ،‬أرسل طغرؿ بك سنة ‪332‬ىػ‪0140/‬ـ‪ ،‬مبعوثا إذل‬
‫قسطنطْب مونوماخوس‪ ،‬يسألو اإلذف عبيشو باؼبركر عرب أراضي الدكلة البيزنطية ُب الشاـ متوجها إذل‬
‫مصر‪ ،‬كلكن اإلمرباطور رفض طلبو‪ ،‬ؿبتجا بالصداقة الٍب بينو كبْب الفاطميْب‪ ،‬كقاـ بأكثر من ذلك‬
‫‪4‬‬
‫حيث بعث ؽبم تفاصيل الرسالة السلجوقية‪.‬‬

‫كردبا كاف اإلمرباطور البيزنطي يريد من كراء ىذا التصرؼ تأجيج اغبرب بْب معسكرم السنة‬
‫كالشيعة‪ ،‬كليحمي بالده من غارات السالجقة اؼبتكررة‪ ،‬من جهة‪ ،‬كيتفرغ للجبهة الداخلية كاْلكربية‬
‫من جهة أخرل‪.‬‬

‫كدل يكن طغرؿ بك أقل دىاء من قسطنطْب مونوماخوس‪ ،‬فعلى الرغم من الصلح اؼبربـ بينهما‪،‬‬
‫غض الطرؼ عن العناصر السلجوقية اؼبغامرة الذين اشتدت اغاراهتم على إقليم قارص بأرمينيا سنة‬

‫‪ 1‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬


‫‪ 2‬ابن فرج لطفي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.142-141‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cahen Claude : La campagne de Mantzikert, p. 622.‬‬
‫‪ 4‬اؼبقريزم ‪ :‬اتعاظ اغبنفا‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪214‬؛ ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41-40‬‬
‫‪003‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪333‬ىػ‪0141/‬ـ‪ ،‬فبا دفع اإلمرباطور إذل إرساؿ مبعوث إذل طغرؿ بك لالحتجاج على ىذه‬
‫‪1‬‬
‫اْلعماؿ‪ ،‬فرد عليو السلطاف ‪:‬بػ "أف ىذه اؽبجمات تقوـ ّٔا عناصر متمردة َل زبضع لسيطرتو"‪.‬‬

‫ٍب خرج طغرؿ بك بنفسو على رأس ضبلة كبّبة سنة ‪335‬ىػ‪0144/‬ـ‪ ،‬مستغال كفاة‬
‫اإلمرباطور قسطنطْب مونوماخوس‪َ ،‬لستئناؼ الغزكات ُب إقليم أرمينيا‪ .‬كقد ذكر اؼبؤرخ أريستاكيس‬
‫اللسفرٌب تفاصيل مثّبة تتعلق بسّب ىذه اغبملة كاؼبدف الٍب مر ّٔا‪ 2.‬كقاؿ عنها ابن اْلثّب ‪" :‬كأثر‬
‫السلطاف طغرؿ بك ُب غزك الركـ آثارا عظيمة كناؿ منهم من النهب كالقتل كاْلمر شيئا كثّبا كبلغ ُب‬
‫غزكتو ىذه إذل أرزف الركـ كعاد إذل أذربيجاف"‪ 3.‬كلكنو دل يستطع فتح مدينة منازكرد الٍب تعترب أىم‬
‫كأقول قلعة بيزنطية ُب ىذه اعبهات من أرمينيا‪ 4،‬كاضطر إذل اَلنسحاب بعد ثالثْب يوما من‬
‫اغبصار‪ 5،‬بسبب صمود "اْلرمن أماـ كل ىجمات السالجقة سواء ليال أـ هنارا"‪ 6.‬كعاد طغرؿ بك‬
‫إذل أذربيجاف‪ ،‬فبا يدؿ على أف السالجقة فشلوا ُب تأمْب قاعدة ثابتة ؽبم‪ُ ،‬ب الربوع اْلرمينية‪.‬‬

‫كما زاد من ضعف اإلمرباطورية البيزنطية أماـ السالجقة‪ ،‬اندَلع ثورة بقيادة إسحاؽ كومنْب‬
‫‪8‬‬
‫)‪ 7(Isaac Comnène‬ضد اإلمرباطور ميخائيل السادس )‪((1057-1056) Michael VI‬؛‬

‫‪ 1‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41-40‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., pp. 90-101.‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.67‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 597.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., p. 98.‬‬
‫‪ 6‬اسكندر فايز قبيب ‪ :‬أرمينية بْب البيزنطيْب كاْلتراؾ السالجقة‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪ 7‬إسحاؽ كومنْب ‪ :‬كلد سنة ‪1007‬ـ‪ُ ،‬ب قرية بضواحي أدريانوبل‪ ،‬كعن طريقو كصلت أسرة كومنْب إذل عرش اإلمرباطورية‪ .‬برز‬
‫قبم أبيو مانويل ُب عهد باسيل الثاشل خالؿ دفاعو عن مدينة نيقية ضد بارداس سكلّبكس )‪ٍ ،(Bardas Skléros‬ب سبكن من‬
‫اغبصوؿ على فبتلكات شاسعة ُب آسيا الصغرل‪ ،‬فأصبح كابناه إسحاؽ كيوحنا فبثلْب بارزين لألرستقراطية العسكرية‪ ،‬كيعترب‬
‫انتصاره ُب ىذه الثورة انتصارا لألرستقراطية العسكرية‪ ،‬كما أعاد للجيش مكانتو ُب الدكلة‪( .‬انظر ‪ :‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪ ،43‬ىامش ‪3‬؛ ‪(Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, pp. 256-258‬‬
‫‪ 8‬ميخائيل السادس ‪ :‬توذل عرش اإلمرباطورية البيزنطية بعد كفاة اإلمرباطورة ثيودكرا )‪ ،(Theodora‬ككاف متقدما ُب السن ضعيف‬
‫اإلرادة‪ ،‬فعجز عن إدارة شؤكف الدكلة البيزنطية‪ ،‬كاستغل السالجقة ىذه الفرصة ككثفوا ىجماهتم على آسيا الصغرل حٌب كصلوا‬
‫إذل البحر اْلسود‪ ،‬فبا أثار سخط اْلرستقراطية العسكرية كقاموا بالثورة ضده‪( .‬انظر ‪ :‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪ ،42‬ىامش ‪4‬؛ ‪.)Bréhier Louis : op. cit., pp. 256-257.‬‬
‫‪004‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫إذ ًب سحب معظم القوات العسكرية اؼبدافعة عن أرمينيا‪ ،‬ككضعت ُب القسطنطينية ؼبساندة إسحاؽ‬
‫كومنْب ُب ثورتو‪ 1.‬كبذلك أصبحت اغبدكد الشرقية مكشوفة‪ ،‬كدكف ضباية فبا جعل أرمينيا كاؼبناطق‬
‫آّاكرة ؽبا فريسة سهلة‪ ،‬كمغرية للسالجقة‪ .‬كدل تقتصر اؽبجمات ُب السنوات اؼبوالية على إقليم‬
‫‪2‬‬
‫أرمينيا‪ ،‬بل توغل السالجقة ُب عمق اْلراضي البيزنطية‪ ،‬فوصلوا إذل كبادككيا كملطية كسيواس‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫"كأصبحوا أكثر قوة ُب أراضي اإلمرباطورية الركمانية"‪.‬‬

‫ب – فتوحات ألب أرسالف‬


‫توَب طغرؿ بك سنة ‪344‬ىػ‪0152/‬ـ‪ ،‬دكف عقب وبكم من بعده‪ ،‬فانتقل العرش إذل ابن‬
‫أخيو ألب أرسالف‪ ،((1072-1063) Alp Arslan) 4‬كدل تتأثر تلك اؽبجمات بوفاة طغرؿ بك‪،‬‬
‫بل دخلت ُب عهد خليفتو‪ ،‬كابن أخيو ألب أرسالف مرحلة جديدة‪ ،‬حيث أصبحت تستهدؼ البقاء‬
‫‪5‬‬
‫كالسيطرة على اْلراضي البيزنطية‪ ،‬كؿباكلة اَلستقرار ُب الربوع اْلرمينية‪.‬‬

‫كقبل أف ينطلق ُب ضبلتو الكربل‪ ،‬عمل ألب أرسالف على تصفية اْلجواء الداخلية‪ ،‬فتخلص‬
‫من اؼبنافسْب لو على العرش من أبناء عمومتو كإخوتو‪ 6.‬كبسط سلطانو على أرجاء الدكلة السلجوقية‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Arisdaguès : op. cit., pp. 111, 118-119; Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 103-104; Laurent J.‬‬
‫‪Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 33; Bréhier L. : Vie et mort de Byzance, pp. 259-260.‬‬
‫‪2‬‬
‫;‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., pp. 116-123; Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 111-120‬‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, pp. 605-609.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michel le Syrien : op. cit., t. III, p. 160.‬‬
‫‪ 4‬ألب أرسالف (‪465-455‬ق‪1072-1063/‬ـ) ‪ :‬ألب ُب اللغة الَبكية معناىا البطل أك الباسل‪ ،‬كأرسالف معناىا اْلسد‪ ،‬أم‬
‫اْلسد الباسل‪ ،‬كقد ازبذ كثّب من اْلمراء السالجقة لقب ألب‪ .‬ىو ابن جغرم بك داكد بن سلجوؽ (ابن أخ طغرؿ بك)‪ ،‬بسط‬
‫حدكد دكلتو شرقا كغربا‪ ،‬فتح أرمينيا كبالد الكرج‪ ،‬كأخضع حلب‪ .‬خاض حربا طويلة ضد البيزنطيْب حٌب اهنزموا أمامو ُب معركة‬
‫منازكرد‪ ،‬ككقع اإلمرباطور أسّبا‪ٍ ،‬ب اذبو إذل بالد ما كراء النهر كىناؾ اغتالو قائد حصن كاف قد كقع ُب اْلسر‪ .‬سبيز ألب أرسالف‬
‫بقدرتو اغبربية الفائقة كقدرتو اإلدارية‪ ،‬كترؾ َلبنو ملكشاه حكومة حسنة اإلدارة فبتازة التنظيم‪( .‬أنظر ‪ :‬الراكندم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬
‫‪185‬؛ أبو النصر ؿبمد عبد العظيم‪ : ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،78‬ىامش رقم ‪1‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة ‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪365‬؛‬
‫)‪Cahen Claude : Alp Arslan, , in : Enc. Isl., E. J. Brill, Leiden, 1986. t. I, pp. 420-421.‬‬
‫‪ 5‬السرجاشل راغب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 6‬كاف لطغرؿ بك أخ أكرب كىو جغرم بك داكد‪ ،‬كلكنو توُب مبكرا سنة ‪340‬ىػ‪0148/‬ـ‪ ،‬فتزكج طغرؿ بك بأرملة أخيو‪ ،‬ككاف‬
‫ؽبا ابن من جغرم بك ىو سليماف‪ ،‬كاستطاعت حبسن دىائها‪ ،‬أف تؤثر ُب طغرؿ بك‪ ،‬كذبعلو ىبتار ابنها سليماف كليا لعهده على‬
‫الرغم من صغر سنو الذم دل يتجاكز الرابعة ببضعة أشهر‪ .‬كبعد كفاة طغرؿ بك نفذ كزيره –أبو النصر الكندرم‪ -‬كصيتو‪ ،‬بأف =‬
‫‪005‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫يسانده ُب ذلك كزيره نظاـ اؼبلك الطوسي‪ .‬كلكنو كاف ُب حاجة إذل اكتساب الشرعية كالتفويض من‬
‫اػبليفة العباسي القائم بأمر با﵁‪ ،‬ككاف يدرؾ بأف اػبليفة كافق على مضض زكاج ابنتو بطغرؿ بك‪،‬‬
‫فبادر بإرجاعها إذل بغداد‪ ،‬كفرح اػبليفة بذلك‪ ،‬كرحب برسل السلطاف السلجوقي‪ 1.‬كأمر بالدعاء لو‬
‫ُب اػبطبة كمنحو لقب "السلطاف اؼبعظم عضد الدكلة كتاج اؼبلة أبا شجاع ألب أرسالف ؿبمد بن‬
‫داكد"‪ 2.‬كما كثق عالقاتو بكل من الدكلتْب الغزنوية كاػبانية عن طريق اؼبصاىرة‪ ،‬فزكج ابنو أرسالف‬
‫بابنة السلطاف إبراىيم الغزنوم‪ ،‬كما زكج ابنو اْلكرب ملكشاه بابنة طمغاج خاف ملك اػبانيْب‪ 3.‬كُب‬
‫سنة ‪353‬ىػ‪0160/‬ـ‪ ،‬كثق عالقتو أكثر باػبالفة العباسية‪ ،‬حينما تزكج كرل العهد (اؼبقتدم) بإبنة‬
‫‪4‬‬
‫ألب أرسالف‪.‬‬

‫كبعد أف زبلص ألب أرسالف من خصومو‪ ،‬كخليص لو عرش السالجقة‪ ،‬ك َّأم ىن ظهره‪ ،‬التفت‬
‫إذل اعببهة اػبارجية بباؿ ىادئ‪ ،‬قصد بسط نفوذ السالجقة على مساحات أكسع كنشر اإلسالـ ُب‬
‫‪5‬‬
‫اؼبمالك النصرانية آّاكرة‪ ،‬كبالد اْلرمن كالركـ‪ ،‬كأضفى على حركبو صبغة اعبهاد ُب سبيل ا﵁‪،‬‬

‫= يكوف سليماف سلطانا على السالجقة‪ ،‬كأجلس سليماف على العرش السلجوقي ُب مدينة الرم‪ ،‬متجاىال أخاه اْلكرب ألب‬
‫أرسالف‪ ،‬كانتهت ىذه اؼبشكلة حبسم ألب أرسالف ؽبا بسيفو‪ ،‬فأصبح ىو سلطانا على السالجقة‪ ،‬كأخوه سليماف كليا للعهد‪ٍ .‬ب‬
‫برزت مشكلة جديدة كىي التنافس على عرش الوزارة السلجوقية بْب عميد الدين الكندرم كزير طغرؿ بك‪ ،‬كنظاـ اؼبلك الطوسي‬
‫كزير ألب أرسالف‪ ،‬كانتهى ىذا الصراع بقتل الكندرم‪ .‬كُب سنة ‪345‬ىػ‪0153/‬ـ‪ ،‬أعلن شهاب الدكلة قتلمش بن إسرائيل ابن‬
‫عم جغرم بك‪ ،‬أنو أحق بالسلطنة من ألب أرسالف‪ ،‬فاستوذل على الرم كأعلن نفسو سلطانا‪ ،‬فجهز ألب أرسالف جيشا كسار‬
‫معو كزيره نظاـ اؼبلك الطوسي‪ ،‬كانتهت اؼبعارؾ دبقتل قتلمش‪ ،‬كاستعاد ألب أرسالف الرم‪ٍ .‬ب سبرد عليو أخوه قاكرد بن جغرم بك‬
‫داكد‪ ،‬كاستوذل على شّباز‪ ،‬كاعتصم بقلعة اصطخر‪ ،‬فسار إليو ألب أرسالف كىزمو ٍب أمنو كأخذ منو القلعة‪ٍ .‬ب فوجئ بفتنة أخرل‬
‫قادىا عمو بيغو‪ ،‬أكرب السالجقة سنا‪ ،‬ككارل ىراة الذم عز عليو أف يكوف تابعا َلبن أخيو‪ ،‬فسار إليو ألب أرسالف كقاتلو حٌب‬
‫انتصر عليو انتصارا حاظبا سنة ‪346‬ىػ‪0154/‬ـ‪ ،‬كتعهد بيغو بعد اهنزامو بطاعة ألب أرسالف‪( .‬انظر ‪ :‬الراكندم ‪ :‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص ‪085-074‬؛ اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪23-12‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪87-86‬؛ أبو النصر ؿبمد‬
‫عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)70-66‬‬
‫‪ 1‬ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪86‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.98‬‬
‫‪ 2‬ابن اعبوزم ‪ :‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.87‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪100‬؛ طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪41‬؛ أبو النصر ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪ 4‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪111‬؛ أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪ 5‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪72 ،70‬‬
‫‪006‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫عمو السابقة‪" ،‬قاسى فيها من اغبركب كاختالؼ اْلمور ما دل‬
‫كاصل ألب أرسالف ضبالت ّْ‬
‫يقاسو غّبه"‪ 1‬كدخلت سياسة السالجقة ُب عهده ذباه الدكلة البيزنطية منعطفا جديدا‪ ،‬حيث‬
‫أصبحت تستهدؼ اَلستيالء على أراضي تلك الدكلة كامتالكها‪ ،‬بدَل من اَلكتفاء بإغارات خاطفة‬
‫كؿبدكدة ٍب العودة إذل الديار‪ 2.‬كقد كضع السلطاف ألب أرسالف نصب عينيو ربقيق ىدفْب ‪ :‬اْلكؿ‪،‬‬
‫ىو توجيو ضربة ساحقة للدكلة البيزنطية الٍب استمرت خالؿ عدة قركف شوكة ُب خاصرة اؼبسلمْب‬
‫تعيق تقدمهم كبو الغرب‪ 3.‬كالثاشل‪ ،‬طرد الفاطميْب من بالد الشاـ كمصر‪ ،‬كخوفا من احتماؿ قياـ‬
‫ربالف ضده بْب البيزنطيْب كالفاطميْب‪ ،‬حرص على أف وبمي نفسو من بيزنطة بفتح أرمينيا‬
‫كاَلستقرار ُب ربوعها‪ ،‬قبل أف يبضي ُب ربقيق اؽبدؼ الثاشل كىو مهاصبة الفاطميْب‪ 4.‬كُب نظر بعض‬
‫اؼبؤرخْب أف اْلراضي البيزنطية دل تكن إَل معربا كبو مصر‪ْ ،‬لف السلطاف دل يكن يفكر ُب إعالف‬
‫‪5‬‬
‫اغبرب ضد اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬بل اغبرب كانت ضد مصر‪.‬‬

‫خرج ألب أرسالف على رأس جيش كبّب‪ ،‬فتوجو إذل بالد ال يك ٍرج‪ْ 6،‬لف أىلها كانوا يكثركف من‬
‫الغارة على أذربيجاف كأصبحوا مصدر قلق لسكاف اؼبنطقة‪ 7.‬ففتح فيها عدة مدف كحصوف‪" 8.‬كناؿ‬
‫عساكر اإلسالـ من الغنائم ما َل يدخل ُب اغبصر كالعد ‪ ...‬ككتب السلطاف إذل ملك الكرج أنو َل‬

‫‪ 1‬اؼبقريزم ‪ :‬السلوؾ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.142‬‬


‫‪2‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪73‬؛ ‪Texier Charles, op. cit., p. 518.‬‬
‫‪ 3‬قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ 4‬الصاليب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪81‬؛ قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cahen Claude : La campagne de Mantzikert, p. 623.‬‬
‫‪ 6‬بالد الكرج ‪ :‬كتسمى أيضا "كرجستاف" نسبة إذل الكرج الذين يسكنوهنا‪ ،‬كىي جورجيا حاليا‪ ،‬كتقع ُب اعبزء الشمارل الغريب‬
‫من آسيا ُب منطقة القوقاز عند اغبد الفاصل بْب غرب آسيا كشرؽ أكربا‪ ،‬كتشمل السفوح اعبنوبية الغربية عبباؿ القوقاز‪ .‬كتطل‬
‫على البحر اْلسود من اعبهة الغربية‪ ،‬كعاصمتها تفليس‪ .‬كبعد الفتح اإلسالمي للمنطقة اعتربت أحد أقساـ أرمينيا الكربل‪،‬‬
‫كاذبهت كبو اَلستقالؿ ُب النصف الثاشل من القرف الثالث اؽبجرم‪/‬التاسع اؼبيالدم‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ياقوت ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‬
‫‪ ،7‬ص ‪126‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪216‬؛ اللهييب فتحي سادل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)26‬‬
‫‪ 7‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 8‬ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪88‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪99‬؛‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 118-122; Grousset René : Histoire de l'Arménie, pp. 610-612.‬‬
‫‪007‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫بد لك من التدين بدين اإلسالـ أك قبوؿ اعبزية فقبل اعبزية"‪ .‬كُب صيف ‪345‬ىػ‪0153/‬ـ‪ ،‬توجو‬
‫ألب أرسالف جبيشو "مثل سحابة سوداء"‪ 2‬إذل مدينة آشل اْلرمينية‪ ،‬كىي "مدينة حصينة شديدة‬
‫اَلمتناع"‪ 3.‬كحط رحالو ربت أسوارىا‪ ،‬كالتف حوؽبا من كل اعبهات مثل الثعباف‪ 4.‬كرغم ىجماتو‬
‫الشرسة‪ ،‬صمدت اؼبدينة‪ ،‬كأبت اَلستسالـ‪ ،‬كتسرب اليأس إذل قلب ألب أرسالف‪ ،‬فأراد‬
‫اَلنسحاب‪ٍ .‬ب كردت اْلخبار أف الفرقة دبت بْب اْلرمن‪ ،‬كعمت فيها الفوضى كاَلنقساـ بينهم‪،‬‬
‫كسيطر الرعب على قلؤّم‪ ،‬فتشجع السلطاف على مواصلة اغبصار‪" 5،‬كصرب السلطاف كعساكره على‬
‫شدة القتاؿ كما اشتغلوا بأمر اْلكل كالشرب كالنوـ"‪ٍ 6.‬ب قبح السالجقة ُب إحداث فتحة ُب‬
‫‪7‬‬
‫أسوارىا‪" ،‬فتسللوا إذل داخلها كأمواج البحر شاىرين سيوفهم ُب أيديهم‪ ،‬فلم يفلت منهم أحد"‪.‬‬
‫كالراجح أف تاريخ سقوط آشل ُب أيدم اؼبسلمْب كاف يوـ اَلثنْب ‪ 18‬شعباف ‪345‬ىػ‪ 05/‬أكت‬
‫‪0153‬ـ‪ 8.‬كانتشرت بشائر النصر ّٔذا الفتح ُب بالد اؼبسلمْب‪" ،‬كقرئ كتاب الفتح ببغداد ُب دار‬
‫اػبالفة‪ ،‬فربز خط اػبليفة بالثناء على ألب أرسالف‪ ،‬كالدعاء لو"‪ٍ 9.‬ب بُب السلطاف فيها مسجدا‪،‬‬
‫كعْب عليها حاكما‪ 10،‬كما ترؾ فيها حامية عسكرية كبّبة‪ .‬كُب ذلك إشارة إذل بداية اَلستقرار‬
‫‪11‬‬
‫السلجوقي ُب اْلراضي اْلرمينية‪.‬‬

‫‪ 1‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 122.‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.100‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : loc. cit.‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪106‬؛ ‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 161.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ 6‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬


‫‪ 7‬اسكندر فايز قبيب ‪ :‬أرمينية بْب البيزنطيْب كاْلتراؾ السالجقة‪ ،‬ص ‪108‬؛‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., pp. 139-141; Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 122-125.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 615.‬‬
‫‪ 9‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.100‬‬
‫‪ 10‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪40‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.100‬‬
‫‪ 11‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪008‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫كتبالغ اؼبصادر اْلرمينية‪ ،‬كاؼبراجع اغبديثة ُب ركاية ىذه اغبوادث‪ ،‬حيث تذكر‪ ،‬أف السلطاف‬
‫السلجوقي أمر بتدمّب الكنائس كالقصور‪ ،‬كقىػٍتل اآلَلؼ من السكاف‪ ،‬كتىرؾ اؼبدينة كراءه رمادا‪،‬‬
‫ككصفوا اْلتراؾ الفاربْب بأهنم متعطشوف للدماء‪ ،‬كذكركا أهنم كانوا وبملوف ثالثة سكاكْب حادة‪،‬‬
‫كاحد ُب كل يد كالثالث بْب أسناهنم‪ .‬كحصدكا سكاف مدينة آشل مثل عشب أخضر ُب اغبقوؿ‪،‬‬
‫كامتألت الطرقات بالدماء‪ ...‬كانتزع اؼبسلموف الصليب الكبّب الذم كاف يعلو الكاتدرائية‪ ،‬كجعلوا منو‬
‫‪1‬‬
‫عتبة ُب أحد أبواب مساجدىم‪.‬‬

‫كاغبقيقة أف ىذه الصورة اؼبشوىة عن اؼبسلمْب عموما كاْلتراؾ خصوصا‪ ،‬ىي من صنع‬
‫الكنيسة الٍب كانت تسيطر على اْلفكار كاْلقدار خالؿ العصور الوسطى‪ ،‬كانفرد رجاؿ الدين من‬
‫قساكسة‪ ،‬كرىباف‪ ،‬من خالؿ ما كتبوه‪ ،‬بتشكيل الرؤل كالصور عن اإلسالـ كاؼبسلمْب قبل عصر‬
‫النهضة ُب أكربا‪ ،‬كاعتربكا اهنزاـ البيزنطيْب أماـ اؼبسلمْب غضبا إؽبيا لعدـ سبسك اؼبسيحيْب بدينهم‪.‬‬
‫كقاـ اؼبؤرخوف بتغذية خياؿ اْلكربيْب بكم كبّب من الركايات اؼبشوىة كالباطلة عن اإلسالـ‪ ،‬كقدموه‬
‫ؽبم على أنو عقيدة ابتدعها ؿبمد‪ ،‬ككصفوه بالكذب‪ ،‬كدين التفسخ كاَلكبالؿ اػبلقي‪ ،‬كالشهوات‪،‬‬
‫كالعنف كالدموية‪ ...‬كتركت ىذه الرؤية آثارا ضخمة على تطور فهم أكربا لإلسالـ‪ ،‬كخلفت‬
‫سيكولوجية شعبية عامة كارىة لإلسالـ كاؼبسلمْب‪ ،‬كتراه عدكا لدكدا هبب ؿباربتو‪ 2.‬كىذه الصورة‬
‫تتداكؽبا اآلف الكتابات التارىبية اؼبتعلقة بالفتوحات اإلسالمية ُب آسيا الصغرل‪ ،‬كمنها كتب اؼبؤرخ‬
‫لورانت‪ ،‬كجركسي الذم يصور السالجقة غزاة جياعا يبحثوف عن أراض خصبة كموارد اقتصادية‬
‫فقط‪ ،‬كترسخت ىذه الصورة ُب العقل الباطن عند الفرد اْلكريب‪ ،‬كُب الوعي اَلجتماعي لدل‬
‫اَلكربيْب‪ ،‬كُب تصوراهتم اَلجتماعية‪ ،‬ككلَّدت نقمة لدل بعض الشعوب اْلكربية‪ ،‬كإحساسا بالنفور‬
‫‪3‬‬
‫يـبىَّزنا ُب الالكعي من اْلتراؾ‪ ،‬كالدكلة العثمانية سابقا‪ ،‬كمن تركيا حاليا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫;‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., pp. 140-141; Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 124-125‬‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 614.‬‬
‫‪ 2‬عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬تاريخ الصليبيات الصراع العاؼبي ُب العصور الوسطى‪ ،‬دار العادل العريب‪ ،‬القاىرة‪ .2012 ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪ 3‬كالدليل على ذلك مسألة تركيا الٍب تريد اَلنضماـ لالرباد اْلكريب‪ ،‬فييشهر ُب كجهها سيف اؼباضي العسكرم‪ ،‬كأحيانا‬
‫اإلمرباطورية العثمانية الٍب فتحت آسيا الوسطى كالقوقاز كالبلقاف كشرؽ أكربا ككسطها‪ ،‬كأحيانا أخرل قضية اْلرمن‪ ،‬كىذا يعُب =‬
‫‪011‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫بعد مدينة آشل‪ ،‬طلب ألب أرسالف من جاجيك‪-‬عباس )‪ ،(Gagik-Abas‬ملك مدينة‬
‫ص )‪ ،(Kars‬أف يقدـ لو فركض الطاعة كالوَلء‪ .‬كتزعم اؼبصادر اْلرمينية أف اؼبلك اْلرميِب عبأ إذل‬
‫قار ٍ‬
‫ٍ‬
‫اغبيلة للتخلص من السالجقة‪ٍ 1،‬ب سلم اؼبدينة إذل اإلمرباطور البيزنطي‪ ،‬قسطنطْب العاشر‪ ،‬الذم‬
‫منحو ‪-‬مثل اؼبلوؾ اْلرمن السابقْب‪ -‬إقطاعا ُب مرتفعات طوركس بقيليقيا‪ ،‬فكاف نواة تأسيس فبلكة‬
‫أرمينيا الصغرل فيما بعد‪ 2.‬كبعد أف استلم البيزنطيوف مدينة قارص‪ ،‬دل هبد السالجقة صعوبة ُب‬
‫‪3‬‬
‫اَلستيالء عليها كاقتطاعها من اإلمرباطورية البيزنطية ُب نفس السنة‪ ،‬أم سنة ‪345‬ىػ‪0153/‬ـ‪.‬‬

‫باستيالء السالجقة على آشل ٍب قارص‪ ،‬كنبا العاصمتاف القديبتاف ْلرمينيا‪ ،‬كاؼبركزاف اْلساسياف‬
‫لقوة البيزنطيْب كنفوذىم ُب اْلقاليم الشمالية الشرقية من آسيا الصغرل‪ ،‬ربقق ْللب أرسالف ىدفو‬
‫اْلكؿ اؼبتمثل ُب انتزاع أرمينيا من اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كغدا الطريق مفتوحا على مصراعيو أماـ‬

‫= أف تركيا الٍب كانت عدكا ْلكربا َل تستطيع أف تصبح صديقا كحليفا إما بسبب ذلك اؼباضي بالذات‪ ،‬أك ْلف أكربا مسيحية‬
‫كاْلتراؾ ُب أكثرىم مسلموف‪( .‬حوؿ ىذا اؼبوضوع أنظر كتاب‪ ،‬سوذرف ريتشارد ‪ :‬صورة اإلسالـ ُب أكربا ُب القركف الوسطى‪،‬‬
‫ترصبة رضواف السيد‪ ،‬دار اؼبدار اإلسالمي‪ ،‬بّبكت‪ .2006 ،‬ص ‪ 51 ،12 ،7‬كما بعدىا)‪ .‬اطلعت ُب شهر ديسمرب ‪،2015‬‬
‫باؼبكتبة الوطنية التونسية على كتاب صدر حديثا‪ ،‬كاشَبؾ ُب تأليفو أربعة مؤرخْب فرنسيْب‪ ،‬كىو يتعلق بتاريخ العصور الوسطى ُب‬
‫اؼبشرؽ‪ ،‬كرغم حداثتو‪ ،‬فهو يعترب –ُب إطار السياؽ العاـ للكتاب‪ -‬فتوحات اؼبسلمْب ٍب السالجقة ُب آسيا الصغرل استمرارا‬
‫غبمالت الربابرة ضد اإلمرباطورية البيزنطية‪ .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Alain Ducellier, (et autres) : Le Moyen Âge en Orient : Byzance et l'Islam : Des Barbares aux‬‬
‫‪Ottomans, Hachette, Paris, 2006.‬‬
‫‪1‬‬
‫مٌب الرىاكم قصة غريبة ُب كيفية التخلص من السالجقة‪ ،‬حيث يقوؿ ‪ :‬دبا أف ملك قارص كاف رجال حذرا‪ ،‬كفطنا‪ ،‬فكر‬ ‫يركم َّ‬
‫ُب كسيلة للخركج من اؼبأزؽ‪ .‬فلبس ثوبا أسود كتظاىر باغبزف‪ ،‬كجلس على كسادة بنفس اللوف‪ .‬كؼبا رآه مبعوث السلطاف ّٔذا‬
‫الثوب‪ ،‬سألو عن السبب‪ .‬فأجابو جاجيك ‪" :‬أنا حزين على صديقي طغرؿ بك"‪ .‬ىذا اعبواب كاف مفاجئا للمبعوث الذم ركل‬
‫للسلطاف ما شاىده كظبعو‪ .‬كفرح السلطاف كثّبا بسلوؾ جاجيك‪ٍ ،‬ب سار على رأس جيشو‪ ،‬لزيارتو ُب قارص‪ .‬كبادلو التحية‬
‫كالصداقة كتبادَل اؽبدايا‪ .‬كعلق اؼبؤرخ الفرنسي جركسي على ىذه اغبادثة‪ ،‬كقاؿ عنها أهنا سبثيلية أداىا جاجيك‪-‬عباس‪ٍ .‬ب يعلق‬
‫مستهزئا ‪ُ" :‬ب اغبقيقة كاف جاجيك‪-‬عباس ؿبقا ُب حزنو على طغرؿ بك‪ْ ،‬لنو أنقذه ُب السابق‪ .‬حيث سبرد ابراىيم ايناؿ على‬
‫أخيو طغرؿ بك سنة ‪ ،1055-1054‬كفر كبو بالد اْلرمن‪ ،‬كىاجم مدينة قارص كحاصر قلعتها‪ ،‬ككاد أف يستورل عليها‪ ،‬كُب‬
‫ىذه اْلثناء كصل طغرؿ بك الذم كاف يالحق ابراىيم يناؿ‪ ،‬فهرب ىذا اْلخّب تاركا القلعة ْلىلها‪ .‬كلذلك يستطيع جاجيك‪-‬‬
‫عباس عرفا كشرعا‪ ،‬أف وبزف على السلطاف الراحل‪ ،‬كأف يظهر مشاعر اغبزف كاْلسى أماـ ألب أرسالف" ! (أنظر ‪:‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 125-126; Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 615).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Bréhier Louis : L'Eglise et l'Orient, p. 50.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : loc. cit.; Grousset René. : op. cit., pp. 615-616.‬‬

‫‪010‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫السالجقة إذل داخل اْلناضوؿ‪ .‬كمن قلب أرمينيا‪ ،‬راحوا هبتاحوف القرل كالضياع‪ُ ،‬ب إقليم كبادككيا‬
‫ففتحوا قيصرية )‪ (Césarée‬سنة ‪351‬ق‪0156/‬ـ‪ 2،‬كف ػ ػي ال ػ ػسن ػ ػة الػ ػم ػ ػوالية بلغوا قونية‪ 3‬ف ػ ػي‬
‫عػ ػ ػمػ ػ ػق اْلناضوؿ‪ .‬كبػ ػعػ ػد أف سػ ػقػ ػطػ ػت الػ ػعػ ػديػ ػد مػ ػن ال ػمػ ػدف فػ ػي أيػ ػدم الػ ػسػ ػالجػ ػقػ ػة‪ ،‬ىعػ ػ ػب ػػىىر‬
‫الػ ػ ػك ػ ػ ػ ػ ػث ػ ػيػ ػ ػ ػر م ػ ػن اْلرمػ ػن الػ ػب ػ ػحػ ػر اْلسػ ػود‪ ،‬كات ػج ػهػ ػوا ن ػح ػو ال ػقػ ػرـ )‪ 4(Crimée‬كمػ ػولػ ػدافػ ػيػ ػا‬
‫)‪ 5(Moldovie‬كبػ ػولػ ػونػ ػيػ ػا‪ .6‬كيعلّْق "مٌب الرىاكم" على ىذه اْلحداث قائال ‪" :‬تالشى كل أمل ُب‬
‫النجاة‪ ،‬كاكبنت جباىنا خاضعة لقبائل (الكفار) القادمْب من اػبارج"‪ 7،‬ىذا قدر أرمينيا الكربل الٍب‬
‫أصبحت كهشيم تذركه الرياح‪ .‬كل ذلك كاإلمرباطور البيزنطي قسطنطْب العاشر دكقاس‬
‫)‪ 8)1067-1059( (Constantin X Doukas‬جامد َل يتحرؾ‪ ،‬كَل وباكؿ إنقاذ البناء‬
‫‪9‬‬
‫الكبّب الذم شيده أسالفو من اْلسرة اؼبقدكنية ُب القرف العاشر‪.‬‬

‫‪ 1‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪73‬؛ ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41-40‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turc, pp. 24-25; Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 623.‬‬
‫‪ 3‬قونية ‪ :‬مدينة كسط تركيا‪ ،‬عرفت عند الركماف باسم ايكوزيوـ‪ ،‬بلغت أزىى ؾبدىا بعد أف أصبحت قاعدة سالطْب سالجقة‬
‫الركـ بآسيا الصغرل‪( .‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.).1514‬‬
‫‪ 4‬شبو جزيرة تقع ُب البحر اْلسود‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫يكوف حاليا صبهورية ركمانيا كصبهورية مولدافيا‪( .‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.).3290‬‬
‫اسم إقليم ُب أكربا الشرقية‪ّْ ،‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Mouradian : op. cit., p. 25.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 126.‬‬
‫‪ 8‬توذل قسطنطْب العاشر دكقاس عرش اَلمرباطورية سنة ‪1059‬ـ‪ ،‬كأبدل اىتماما كبّبا بشؤكف اَلدارة اؼبالية للدكلة‪ ،‬كدل تشغلو‬
‫أمور اعبيش كالشؤكف العسكرية إَل قليال‪ .‬كْلنو ينتمي إذل البّبكقراطيْب أك ؾبموعة اؼبوظفْب‪ ،‬فقد كاف إداريا من الطراز اْلكؿ‪ ،‬كدل‬
‫تغّب من طبيعتو اَلدارية التهديدات الٍب تعرضت ؽبا اَلمرباطورية من جانب البشناؽ كالغز من الشماؿ كالسالجقة اْلتراؾ من‬
‫الشرؽ‪ .‬ككانت الدكلة البيزنطية ُب حاجة إذل قائد عسكرم قدير َل إذل إدارم خبّب ؼبواجهة اْلخطار ا﵀يطة ّٔا فتكونت جبهة‬
‫معارضة قوية ضده‪ .‬اعتيرب عهده رد فعل اَلدارة اؼبدنية ضد العنصر العسكرم الذم كاف لو تأثّب كبّب منذ اَلمرباطور اسحق‬
‫كومنْب‪ ،‬أك كرد فعل للعاصمة ضد اؼبقاطعات كاْلقاليم‪( .‬انظر ‪ :‬ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪170‬؛‬
‫‪Vasiliev A. A. : Histoire de l'empire byzantin, traduit du russe par P. Brodin et A. Bourguina,‬‬
‫)‪Editions A. Picard, Paris, 1932. t. I, p. 464.‬‬
‫‪9‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪73‬؛ ‪Laurent J. : op. cit., p. 47.‬‬

‫‪011‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫أماـ ىذه اْلكضاع ربركت "اؼبعارضة" ُب القسطنطينية‪ ،‬كدل يعجبها اْلسلوب الذم تدار بو‬
‫دكاليب الدكلة‪ ،‬كازدادت اغباجة إذل شخصية عسكرية تقود اإلمرباطورية‪ ،‬كىذا ما أدل إذل تتويج‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ركمانوس الرابع ديوجْب امرباطورا )‪353-350( (Romain IV Diogène‬ق‪.))0160-0157/‬‬

‫حاكؿ اَلمرباطور اعبديد إنقاذ البالد من اْلخطار ا﵀دقة ّٔا‪ ،‬فقاـ بعدة إصالحات‪ ،‬أنبها‬
‫إعادة تنظيم اعبيش البيزنطي الذم أصبحت فرقو اْلساسية تتكوف من جند مرتزقة من النورماف‬
‫اَليطاليْب‪ ،‬كالركس‪ ،‬كالبلغار‪ ،‬كاْلرمن‪ ،‬كالَبكماف اآلسيويْب‪ ،‬فضال عن الفرقبة الغربيْب‪ 3.‬كّٔذا‬
‫اعبيش غّب اؼبتجانس شرع ركمانوس ديوجْب ُب تنفيذ أكذل كاجباتو‪ ،‬كىي أف يسرع إليقاؼ التدىور‬
‫ُب اعببهة الشرقية‪َ ،‬لستعادة اْلناضوؿ‪ ،‬كمدنو من أيدم السالجقة‪ .‬فهل سينجح اَلمرباطور‬
‫ركمانوس الرابع ديوجْب ُب مهمتو ؟‬

‫‪ 1‬ىذه اؼبعارضة ىي مظهر من مظاىر الصراع بْب البّبكقراطيْب ُب العاصمة‪ ،‬كالعسكريْب ُب اْلقاليم‪ ،‬كقد ظهر ىذا الصراع ُب فَبة‬
‫حرجة من تاريخ اَلمرباطورية؛ إذ بعد كفاة باسيل الثاشل بقليل (سنة ‪1025‬ـ) توذل بعده أباطرة ضعاؼ عملوا على ربويل دفة‬
‫اْلمور إذل البّبكقراطيْب كإزالة الشكل العسكرم من اإلدارة البيزنطية‪ ،‬بعض اْلباطرة كانوا كبار السن‪ ،‬كبعضهم مرضى كآخركف‬
‫ؾبانْب‪ ،‬اْلمر الذم أدل إذل سخط العسكريْب كقيامهم بالثورة‪ ،‬فتحركت جيوش اْلقاليم ؼبساندهتم كاستغل السالجقة ىذه‬
‫الظركؼ كىاصبوا آسيا الصغرل‪ ،‬كما أف ىؤَلء اْلباطرة البّبكقراطيْب أنبلوا اعبيش‪ ،‬كامتنعوا عن دفع مرتبات اعبنود‪ ،‬كإمداد قواتو‬
‫دبا ربتاج إليو من مؤف كإمدادات‪ ،‬كقاموا بتسريح عدد كبّب من جنوده اْلمر الذم أضعف اعبيش كساعد على تزايد حدة اؽبجوـ‬
‫السلجوقي‪( .‬انظر ‪ :‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪48‬؛ ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪170‬؛‬
‫)‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, pp. 45-50.‬‬
‫‪ 2‬ركمانوس الرابع ديوجْب ‪ :‬من اْلرستقراطية العسكرية‪ ،‬ككاف حاكما عسكريا إلقليم صوفيا البلغارم‪ ،‬كيبتلك أراضي كاسعة ُب‬
‫كبادككيا ‪ .‬ككصفتو اؼبصادر بأنو كاف قائدا عسكريا بارعا‪ ،‬كطموحا‪ .‬أثبت كجوده ُب اغبرب ضد البشناؽ ُب البلقاف‪ ،‬كأكسبو ذلك‬
‫شهرة كاسعة ُب الوسط العسكرم‪ .‬تزكج باإلمرباطورة ايدككيا )‪ ،(Eudoxie Makrembolitissa‬أرملة قسطنطْب العاشر‬
‫دكقاس بعد كفاتو سنة ‪1067‬ـ‪ .‬كيعود سبب اختيار ركمانوس الرابع امرباطورا بعد أف آؿ العرش البيزنطي إذل إيدككيا‪ ،‬إذل مقاكمة‬
‫كردع اػبطر السلجوقي الذم أخذ يبزؽ اإلمرباطورية‪( .‬أنظر ‪ :‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪73‬؛ العبد‬
‫الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪224‬؛‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 159-160; Laurent J. : op. cit., p. 58; Bréhier Louis : Vie et mort‬‬
‫‪de Byzance, p 263).‬‬
‫‪3‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪73‬؛ ‪Bréhier Louis : op. cit., p 268.‬‬

‫‪012‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪ -4‬معركة منازكرد سنة ‪463‬ىػ‪1071/‬ـ كأثرىا على األرمن‬
‫رغم اَلنتصارات العديدة الٍب حققها السالجقة على البيزنطيْب ُب إقليم أرمينيا قبل سنة‬
‫‪0160‬ـ فإهنم دل وباكلوا اَلستقرار فيها‪ْ ،‬لهنا كانت َل تزاؿ مكانا غّب آمن إلقامتهم ّٔا‪ ،‬كذلك‬
‫بسبب كجود عدد كبّب من القالع كاغبصوف الٍب دل تسقط بعد ُب أيديهم‪ ،‬فضال عن كجود بعض‬
‫القوات البيزنطية ُب آسيا الصغرل‪ 1.‬كمباشرة بعد جلوسو على عرش اَلمرباطورية‪ ،‬شعر اإلمرباطور‬
‫البيزنطي ركمانوس الرابع ديوجْب (‪353-350‬ق‪0160-0157/‬ـ)‪ ،‬بقوة السالجقة بعد أف‬
‫حولوا اْلناضوؿ إذل‬
‫مزقوا أكصاؿ اَلمرباطورية‪ ،‬كاستولوا على اعبزء اْلكرب من إقليم أرمينيا‪ ،‬كقد َّ‬
‫اض إسالمية‪ .‬كفبا َلشك فيو أهنا ستصبح موطنا للسالجقة‪ ،‬كسيواصلوف زحفهم إذل غاية بيزنطة‬ ‫أر و‬
‫نفسها؛ أم أف سالمة بيزنطة تتوقف على اسَبداد أرمينيا‪ 2،‬كىو اْلمر الذم جعل اإلمرباطور يقود‬
‫عدة ضبالت ُب شرؽ اْلناضوؿ َلستعادة ما استوذل عليو أعداؤه‪.‬‬

‫غزا ركمانوس سنة ‪351‬ق‪0157/‬ـ‪ ،‬إمارة حلب‪ ،‬كسلك طريق سيواس‪-‬قونية‪-‬قيصرية ٍب‬
‫مرعش على اغبدكد بْب سوريا كقيليقيا‪ ،‬فاستوذل على أرتاح‪ 3،‬الواقعة شرقي أنطاكية‪ ،‬كترؾ فيها‬
‫حامية‪ٍ ،‬ب استوذل على منبج‪ 4‬الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات‪ ،‬كىزـ ؿبمود بن صاحل اؼبرداسي‪،‬‬
‫كبِب كالب‪ ،‬كابن حساف الطائي‪ 5.‬كأتلف الضياع كالقرل ما بْب منبج كبالد الركـ‪ ،‬كنشر الرعب ُب‬
‫حلب‪ .‬كتابع ضبلتو العسكرية‪ ،‬فوصل إذل منازكرد ُب غرب أرمينيا‪ ،‬كأطراؼ خراساف‪ٍ ،‬ب رجع إذل‬

‫‪ 1‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪48‬؛‬


‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 26; Grousset : L'Empire du Levant, p. 164.‬‬
‫‪ 2‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 3‬أرتاح )‪ : (Artah‬ىو اسم حصن منيع كاف من العواصم من أعماؿ حلب‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)118‬‬
‫‪ 4‬منبج )‪ : (Menbidj‬ىي ىّبابوليس )‪ (Hierapolis‬قديبا‪ ،‬ككانت موضعا ذا شأف ُب القركف الوسطى كخاصة خالؿ فَبة‬
‫اغبركب الصليبية‪ ،‬كىي حاليا من أعماؿ حلب ُب سوريا‪( .‬انظر ‪ :‬لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)139‬‬
‫‪ 5‬اؼبرداسيوف عشّبة عربية أقامت إمارة كراثية ُب حلب بْب سنٍب ‪ 451‬ك ‪472‬ىػ‪ .‬كبنو كالب‪ ،‬ىم عرب أطراؼ حلب كالركـ ككاف‬
‫ؽبم غزكات كغارات عظيمة على الركـ‪ ،‬كعن اإلمارة الطائية‪( ،‬أنظر ‪ :‬دركزة ؿبمد عزة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)124 ،84-71‬‬
‫‪013‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫القسطنطينية بسبب نفاذ اؼبؤكنة كشدة اعبوع‪ .‬كقد كاف صبوع السالجقة ُب ىذه اْلثناء حريصْب‬
‫على عدـ اَلصطداـ باعبيش اَلمرباطورم‪ ،‬ككثّبا ما كانوا يتخلوف عن أثقاؽبم‪ ،‬كما كسبتو أيديهم من‬
‫غنائم‪ ،‬كمكاسب؛‪ 2‬كلذلك دل يصادؼ ركمانوس الرابع ُب ضبلتو ىذه مقاكمة تذكر من طرؼ‬
‫السالجقة‪.‬‬

‫كيبدك أف ىذه اغبملة قد حدَّت من ربركات السالجقة مؤقتا‪ ،‬كلكنها دل تتمكن من توقيف‬
‫ضبالهتم ُب اْلناضوؿ على اؼبدل البعيد؛ إذ دبجرد عودة ركمانوس إذل القسطنطينية‪ ،‬خرجت صبوعهم‬
‫تواصل ضغطها على أراضي اَلمرباطورية ُب آسيا الصغرل‪ ،‬كصارت مسالكها مألوفة ؽبم‪ .‬كعاد‬
‫ركمانوس الرابع من جديد ُب السنة اؼبوالية يقود جيشو إلخراج السالجقة من اؼبناطق الٍب استقركا فيها‬
‫حوؿ كبادككيا‪ ،‬كقيصرية‪ٍ ،‬ب توغل ُب غرب أرمينيا‪ ،‬كترؾ قسما من جيشو بالقرب من ملطية بقيادة‬
‫فيالريت اْلرميِب )‪ّٔ ،(Philaritos‬دؼ اعَباض طريق اعبماعات الَبكية‪ ،‬كلكن ىؤَلء استطاعوا‬
‫التغلب عليو‪ ،‬كأصبحت اؼبدينة ربت سلطتهم‪ ،‬كسبكنت صباعات تركية أخرل من التوغل ُب آسيا‬
‫الصغرل‪ ،‬فبلغت قونية )‪ ،(Iconium‬كعجز اَلمرباطور نفسو عن توقيفهم‪ ،‬فعاد إذل القسطنطينية‬
‫عرب قيليقيا‪ 3.‬كبعد سنة ‪351‬ىػ‪0158/‬ـ‪ ،‬ازبذت اغبرب بْب السالجقة كالبيزنطيْب منحى جديدا‪،‬‬
‫كاكتسبت طابعا رظبيا أكثر من اغبركب السابقة‪ ،‬لسببْب ‪:‬‬

‫األكؿ ‪ :‬إعالف القائد أرسياغي )‪ ،4(Arisiaghi‬كىو صهر ألب أرسالف‪ ،‬العصياف‪ ،‬كالتمرد‬
‫على السلطاف‪ ،‬كخوفا من العقاب كاؼبتابعة‪ ،‬فر بفرقتو العسكرية كبو إقليم أرمينيا‪ ،‬كشرع ُب احتالؿ‬
‫بعض اغبصوف كالقالع‪ ،‬فجهز ركمانوس الرابع جيشا ﵀اربتو‪ ،‬كأسند قيادتو ؼبانويل كومنْب‬

‫‪ 1‬ابن القالنسي (أبو يعلى ضبزة (ت ‪555‬ق)) ‪ :‬ذيل تاريخ دمشق‪ ،‬مطبعة اآلباء اليسوعيْب‪ ،‬بّبكت‪ .1908 ،‬ص ‪98‬؛ ابن‬
‫اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪116‬؛ العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪347‬؛ ابن اْلثّب مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪107‬؛‬
‫طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪43‬؛ ‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 623.‬‬
‫‪ 2‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪74‬؛‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs, p. 26; Grousset René : L'Empire du Levant, p. 165.‬‬
‫‪3‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪74‬؛ طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪44‬؛ ‪Grousset R. : loc. cit.‬‬
‫‪ 4‬كرد أيضا باسم ‪ ،Khroudj‬كباسم ‪.Guedridj‬‬
‫‪014‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫)‪ ،(Manuel Comnène‬كلكنو اهنزـ شر ىزيبة‪ ،‬كسقط أسّبا ُب يد السالجقة قرب مدينة‬
‫سيواس )‪ (Sébaste‬سنة ‪352‬ق‪0161/‬ـ‪ ،‬كتلقى أرسياغي مساعدة من طرؼ بعض اْلمراء‬
‫اْلرمن ُب سيواس‪ 1.‬كلكن كومنْب اْلسّب أقنع أرسياغي أنو إذا أطلق سراحو‪ ،‬سيساعده ُب اغبصوؿ‬
‫على إمدادات من اَلمرباطور ضد السلطاف ألب أرسالف‪ ،‬كذىب معو ؼبقابلة ركمانوس الرابع‪ ،‬الذم‬
‫أحسن كفادتو‪ ،‬ككعده باؼبدد‪.‬‬

‫فأرسل ألب أرسالف قائدا آخر ؼبالحقتو‪ ،‬كىو اْلفشْب الذم طلب من اَلمرباطور البيزنطي أف‬
‫يسلّْم لو أرسياغي‪ ،‬كأماـ رفض اَلمرباطور‪ ،‬قاـ اْلفشْب حبملة انتقامية ُب اقليم كبادككيا‪ ،‬كتأخر ُب‬
‫العودة‪ ،‬فخشي السلطاف أف يكوف البيزنطيوف قد قضوا عليو‪ .‬كاعترب السلطاف ألب أرسالف‪ ،‬أف ضباية‬
‫‪2‬‬
‫اَلمرباطور للقائد السلجوقي اؼبتمرد إىانة‪ ،‬كشتيمة لو‪ ،‬فأعلن اعبهاد ضد الركـ‪.‬‬

‫كسار السلطاف جبيشو إذل أرمينيا‪ ،‬فاستوذل على منازكرد مشاؿ حبّبة كاف سنة ‪463‬ىػ‪1070/‬ـ‪،‬‬
‫كىي آخر ما تبقى لبيزنطة من أرمينيا‪ٍ ،‬ب استوذل على أرجيش )‪ ،(Ardjech‬كاسَبد ملطية من‬
‫البيزنطيْب‪ٍ ،‬ب توجو إذل الرىا كحاصرىا أياما‪ ،‬دكف أف يتمكن من فتحها‪ 3.‬كمن جهتو‪ ،‬كاصل‬
‫اْلفشْب ضبلتو‪ ،‬فاكتسح مدينة قيصرية‪ٍ ،‬ب ىاجم مدينة قونية‪ ،‬كبلغ مدينة عمورية ُب أقصى غرب‬
‫آسيا الصغرل‪ .‬كعلى حد تعبّب ابن العربم‪ ،‬فإف السالجقة بلغوا البحر الذم يالمس أسوار‬
‫القسطنطينية‪ 4.‬كحسب الركايات اْلرمينية فإف السلطاف السلجوقي دمر الكنائس كالقصور كقتل‬
‫‪5‬‬
‫اآلَلؼ من السكاف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cahen : La campagne de Mantzikert, p. 626; Grousset : Histoire de l'Arménie, p. 625.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 162, 414, note n°. CI-1; Grousset R. : op. cit., p. 624.‬‬
‫‪ 3‬اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪36‬؛ ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪109‬؛‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 163; Laurent J. : Des Grecs aux Croisés. Étude sur l'histoire‬‬
‫‪d'Édesse entre 1071 et 1098, ds. : Byzantion, t. I, publié par, Paul Graindor et Henri Grégoire,‬‬
‫‪Paris, 1924. p. 370-375; Grousset René : loc. cit.‬‬
‫‪ 4‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪109‬؛ ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪47‬؛‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 25.‬‬
‫‪ 5‬يبدك أف ىذه الركايات اؼببالغ فيها من طرؼ اؼبصادر اْلرمينية كاف اؽبدؼ منها إثارة الركح الصليبية عند اؼبسيحيْب‪ ،‬سواء ُب‬
‫الشرؽ أك الغرب اؼبسيحي‪ .‬فأكؿ من كتب عن ىذه اْلحداث ىو أريستاكيس اللستيفرٌب )‪=،(Arisdaguès de Lasdiverd‬‬
‫‪015‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الثاني ‪ :‬كاف ألب أرسالف ُب تلك اْلثناء‪ُّ ،‬‬
‫يعد ضبلة ضد الفاطميْب إلخراجهم من الشاـ‪،‬‬
‫كتوحيد اؼبشرؽ اَلسالمي ربت زعامة الدكلة السلجوقية‪ ،‬كىو ىدفو الثاشل ُب خطتو اغبربية‪ .‬فتوجو‬
‫إذل حلب كىي غّب بعيدة عن حدكد بالد الركـ‪ ،‬ككانت ربت حكم ؿبمود بن صاحل بن مرداس‪،‬‬
‫الذم كاف من أتباع الدكلة الفاطمية‪ ،‬فضرب عليها حصارا‪ ،‬إذل أف أعلن أمّبىا تبعيتو للسالجقة‪،‬‬
‫كأقاـ اػبطبة للخليفة العباسي‪ ،‬كللسلطاف السلجوقي‪ٍ 1،‬ب أرسل أحد قادتو كىو أتسز إذل جنوب‬
‫الشاـ‪ ،‬فانتزع من الفاطميْب الرملة كبيت اؼبقدس‪ ،‬كتوقف عند عسقالف‪ 2.‬كالواقع أنو كاف من‬
‫الصعب على السلطاف السلجوقي من الناحية العسكرية كالسياسية‪ ،‬أف يتجاكز ؿبور الرىا إذل جنوب‬
‫بالد الشاـ ٍب مصر دكف تقدير اؼبوقف البيزنطي من جهة‪ ،‬كمواقف أمراء اعبزيرة كبالد الشاـ من جهة‬
‫أخرل‪ ،‬إذ أف أم اضطراب ُب العالقة مع ىذه اْلطراؼ من شأنو أف يهدد بقطع خط الرجعة على‬
‫جيشو الذم سيكوف بعيدا على قواعده اػبلفية‪ 3.‬ككاف السلطاف هبهل مصّب قائده اْلفشْب‪ ،‬الذم‬
‫‪4‬‬
‫يريد أف يكوف إذل جانبو ُب ربضّب اغبملة ضد مصر‪.‬‬

‫أ – استعدادات اإلمبراطور ركمانوس الرابع‬


‫أماـ ىذه الظركؼ قرر ركمانوس الرابع ديوجْب القياـ حبملة جديدة َلستعادة أرمينيا من‬
‫كطرًدىم من كبادككيا‪ ،‬مستغال توغل ألب أرسالف ُب بالد الشاـ‪ ،‬كابتعاده عن موطنو‬
‫السالجقة‪ٍ ،‬‬
‫عما سبقها من ضبالت كمعارؾ‪ ،‬فخرج من‬ ‫كعن أرمينيا‪ .‬كأرادىا أف تكوف معركة فاصلة زبتلف َّ‬

‫= الذم تيرجم كتابو إذل اللغة الفرنسية‪ ،‬كىو إذل جانب كونو أحد علماء الالىوت اْلرمن‪ ،‬فهو أديب أيضا‪ .‬لذلك يغلب على‬
‫كتابو الصبغة الدينية كاْلسلوب اْلديب الذم يركز على التشويق‪ ،‬كىدفو من ذلك ليس إظهار اغبقائق التارىبية فقط‪ ،‬بل رسم‬
‫لوحة مفزعة تشمئز كتقشعر ؽبا اْلبداف‪ ،‬كإحداث تأثّب على مشاعر القارئ‪ .‬كاعتمد معظم اؼبؤرخْب الذين عاصركا فَبة اغبركب‬
‫الصليبية مثل ميخائيل السرياشل‪ ،‬كمٌب الرىاكم على كتابات أريستاكيس‪ّٔ ،‬دؼ بث الشعور الديِب‪ ،‬كإهباد اؼبربرات للحرب ضد‬
‫السالجقة خصوصا كاؼبسلمْب عموما‪.‬‬
‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪243‬؛ ج ‪ ،8‬ص ‪109-108‬؛ دركزة ؿبمد عزة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪82-81‬؛‬
‫‪Alain Ducelier : op. cit., p. 217.‬‬
‫‪ 2‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪99-98‬؛ شبارك عصاـ ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 3‬الصاليب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cahen : La campagne de Mantzikert, p. 627.‬‬

‫‪016‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫القسطنطينية ُب ربيع ‪352‬ىػ‪0160/‬ـ‪ ،‬على رأس لببة من فرقو العسكرية‪ ،‬كأدكات حصار‪ ،‬كأسلحة‬
‫كثّبة‪ ،‬كحشد جيشا ضخما‪ ،‬معظم جنوده مرتزقة‪ ،‬من الركس‪ ،‬كالالف‪ ،‬كال يك ٍرج‪ ،‬كالنورماف‪ ،‬كمن‬
‫اْلتراؾ غّب اؼبسلمْب اػبزر‪ ،‬كالكوماف‪ 1،‬كالغز‪ ،‬كالبشناؽ‪ ،‬إضافة إذل اْلرمن كالبيزنطيْب‪ ،‬كبالغت‬
‫اؼبصادر العربية ُب تقدير عدد اؼبقاتلْب البيزنطيْب حيث قدرهتم بػ مائٍب ألف جندم‪ 2،‬كدل يكن من‬
‫بينهم صبيعا غّب فئة قليلة من اعبنود ا﵀َبفْب‪.‬‬

‫كقبل انطالؽ اغبملة العسكرية‪ ،‬جرل نقاش حوؿ اػبطة الٍب ينبغي تنفيذىا‪ ،‬فكاف فريق من‬
‫القادة العسكريْب‪ ،‬منهم نقفور بٍ ًرياف )‪ ،(Nicéphore Bryenne‬كيوسف تٍراخانيوتس‬
‫)‪ ،(Joseph Trakhaniotès‬يريدكف من اَلمرباطور انتظار السالجقة داخل حدكد اَلمرباطورية‪،‬‬
‫كذلك باللجوء إذل القالع كاغبصوف‪ ،‬فيتحصن ّٔا اعبيش البيزنطي‪ٍ ،‬ب تطبيق سياسة اْلرض ا﵀ركقة‬
‫ُب اؼبناطق آّاكرة‪ ،‬غبرماف السالجقة من كل سبوين‪ .‬ككاف ىدفهم من ىذه اػبطة الدفاع عن أراضي‬
‫اَلمرباطورية الٍب دل يصلها السالجقة بعد‪ ،‬كالتخلي عن اْلقاليم الشرقية الٍب أغلب سكاهنا من‬
‫اْلرمن‪ .‬كالفريق اآلخر من القادة العسكريْب‪ ،‬كفيهم بعض اْلرمن‪ ،‬كانوا يفضلوف أف تكوف اؼبعركة‬
‫خارج حدكد اَلمرباطورية‪ّٔ ،‬دؼ تدمّب السالجقة كالقضاء عليهم قبل دخوؽبم إذل اْلراضي‬

‫‪ 1‬الكوماف )‪ : (Comans‬قبائل تركية اْلصل تعرؼ ُب التاريخ اإلسالمي باسم القبجاؽ‪ ،‬ككانت تربطهم بعض الصالت‬
‫بالسالجقة‪ ،‬ككانوا كسطاء ُب العالقات التجارية لإلمرباطورية البيزنطية مع الركس كاػبزر‪ ،‬كسكاف البالد آّاكرة‪( .‬أنظر ‪ :‬تركماشل‬
‫أسامة أضبد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)48‬‬
‫‪ 2‬ىذا العدد الذم رجحو كثّب من اؼبؤرخْب َل ىبلو من اؼببالغة‪ ،‬كقد تضاربت اؼبصادر العربية ُب ذكر عدد اعبنود الذين صبعهم‬
‫اَلمرباطور‪ ،‬ابن اْلثّب ذكر مائٍب ألف‪ ،‬كابن اعبوزم‪ ،‬كاغبسيِب‪ ،‬كاْلصفهاشل ذكركا ثالشبائة ألف‪ ،‬كابن العدصل كابن القالنسي‪،‬‬
‫كالراكندم‪ ،‬ذكركا ستمائة ألف‪ ،‬أما اؼبصادر اْلرمينية فلم تذكر عددا ؿبددا‪ ،‬حيث قاؿ أريستاكيس اللسفرٌب إف اَلمرباطور حشد‬
‫كتائب َل حصر ؽبا‪ ،‬كمٌب الرىاكم قاؿ مبالغا أف جنود اَلمرباطور كانوا أكثر عددا من حبات الرمل ُب البحر‪ .‬كيبدك أف أعداد‬
‫الوحدات العسكرية البيزنطية كانت من اْلسرار الٍب وبتفظ ّٔا القادة حٌب َل يستطيع اْلعداء تقدير حجم اعبيش‪ ،‬كحسب‬
‫الدراسات اؼبتخصصة فقد بلغ عدد القوات النظامية البيزنطية ُب القرف التاسع حوارل مائة كعشرين ألفان‪ ،‬كُب القرف العاشر حوارل‬
‫مائة كأربعْب ألف مقاتل‪ ،‬كترجح أحدث الدراسات ُب ىذا اؼبوضوع أف حجم القوات البيزنطية ُب معركة منازكرد بلغ ستْب الف‬
‫جندم‪( .‬أنظر ‪ :‬عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬اَلمرباطورية البيزنطية كحضارهتا‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪ .2002 ،‬ص ‪246‬؛‬
‫‪Diehl Charles. op. cit., p. 42; Cheynet J.C. : Mantzikert un désastre militaire, Byzantion, t. L,‬‬
‫‪fasicule 2, organe de la Société belge d'Etudes byzantines, Bruxelles, 1980. p. 426).‬‬
‫‪017‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫البيزنطية‪ ،‬كبذلك يتسُب لإلمرباطور اَلحتفاظ بكل اْلقاليم الٍب أغبقها باسيل الثاشل‪ ،‬كقسطنطْب‬
‫‪1‬‬
‫التاسع مونوماخس باَلمرباطورية البيزنطية‪.‬‬

‫كبعد تردد‪ ،‬قرر اَلمرباطور ركمانوس الرابع أف تكوف اؼبعركة الفاصلة على أرض أرمينيا‪ ،‬كأف‬
‫يفاجئ السلطاف ألب أرسالف حوؿ حبّب فاف‪ .‬ككضع خطة هتدؼ ُب اؼبرحلة اْلكذل‪ ،‬استعادة منازكرد‬
‫من السالجقة‪ ،‬كُب اؼبرحلة الثانية ربرير أرمينيا كطرد السالجقة منها‪ٍ ،‬ب ؿباصرة ألب أرسالف من‬
‫الشماؿ كالشرؽ قبل أف يعود من الشاـ ُب اعبنوب‪ 2.‬كّٔذه اػبطة سيحقق ركمانوس الرابع ىدفْب‪،‬‬
‫اْلكؿ خارجي‪ ،‬كىو يتمثل ُب زبليص اَلمرباطورية البيزنطية من الضغط السلجوقي اؼبتواصل عليها‪،‬‬
‫كاغبفاظ على حدكد اَلمرباطورية دبا فيها اْلراضي اْلرمينية‪ .‬كالثاشل داخلي‪ ،‬حيث سيثبت ػبصومو ُب‬
‫الداخل أف سياستو العسكرية ناجحة‪ ،‬كسيكوف أقول منهم‪ ،‬ما يعطيو فرصة للتخلص منهم كعزؽبم‬
‫‪3‬‬
‫عن مناصبهم السامية الٍب يشغلوهنا‪.‬‬

‫كؼبا بلغ مدينة سيواس تلقى زيارة من أمّبين أرمينيْب‪ ،‬كنبا آتوـ )‪ ،(Atom‬كأبو سهل‬
‫)‪ ،(Abousahl‬كلكن سكاف اؼبدينة من البيزنطيْب اعَبضوا على الزيارة قائلْب لإلمرباطور ‪" :‬بعد‬
‫سقوط مدينتنا ُب يد أرسياغي كاف اْلرمن أكثر حقدا علينا من اْلتراؾ أنفسهم"‪ .‬كاهتمونبا بعدـ‬
‫ؿباربة اْلتراؾ‪ 4،‬فطردنبا ركمانوس الرابع من ؾبلسو‪ٍ .‬ب أقسم أنو بعد عودتو من حربو ضد السالجقة‪،‬‬
‫سيقضي على معتقدات اْلرمن‪ ،‬كأصدر أمرا عبنوده باَلستيالء على كل فبتلكاهتم ُب سيواس‪ ،‬كدل‬
‫يكتفوا بذلك بل قاموا بقتل عدد منهم‪ .‬كيذكر ميخائيل السرياشل ُب حوليتو‪ ،‬أنو ؼبا دخل مدينة‬
‫قارص‪ ،‬كىو ُب طريقو إذل منازكرد‪ ،‬أحرؽ كنيسة اْلرمن‪ ،‬كتوعدىم باجتثاثهم‪ ،‬أك وبوؽبم إذل مذىبو‬
‫كعقيدتو‪ ،‬بعد أف وبقق انتصارا على اْلتراؾ‪ 5.‬كأماـ ىذا الوضع دعا عليو الرىباف كسألوا الرب أف َل‬

‫‪1‬‬
‫‪Cheynet : Mantzikert un désastre militaire, p. 417.‬‬
‫‪ 2‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪347‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪109‬؛ طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪45‬؛‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 625.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cheynet : op. cit., pp. 417-418.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 166; Cheynet Jean-Claude : De Tziliapert à Sébastè, p. 221.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Michel Le Syrien : Extrait de la chronique de Michel le Syrien, ds. : R.H.C.D. Arm.,‬‬
‫‪Imprimerie impériale, 2eme ed., Paris. 1969. p. 323.‬‬
‫‪018‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫ينصره كأف َل يعود من ىذه اغبرب أبدا‪ .‬كردبا ىذا ما جعل اؼبصادر اْلرمينية كالسريانية اؼبعاصرة‬
‫لألحداث تصف ركمانوس الرابع بالغطرسة كالتكرب ككاف يعتقد أف ملوؾ اْلرض صبيعا َل يبكنهم قهر‬
‫‪2‬‬
‫جيوشو‪.‬‬

‫كبينما كاف اَلمرباطور ُب طريقو إذل منازكرد‪ ،‬كالسلطاف ألب أرسالف ُب بالد الشاـ‪ 3،‬تبادؿ‬
‫الطرفاف السفراء كالرسل من أجل التوصل إذل اتفاؽ كعقد ىدنة‪ ،‬ككصل سفّب اَلمرباطور إذل ألب‬
‫أرسالف كىو ُب مدينة حلب يتهيأ ؼبغادرة الشاـ عن طريق الفرات‪ .‬فاعتقد أف السلطاف ُب حالة‬
‫حرجة كيريد الفرار‪ 4.‬كرفع ليوف دياباتينوس )‪- ،(Leon Diabaténos‬كىو السفّب الذم بعثو‬
‫اَلمرباطور ركمانس إذل ألب أرسالف‪ -‬تقريرا إذل اَلمرباطور البيزنطي أخربه أف السلطاف السلجوقي‬
‫علم بأخبار اغبملة البيزنطية‪ ،‬فانتابو الرعب بسبب ىذا اغبشد اؽبائل من اعبند‪ ،‬لذا ترؾ مقره كَلذ‬
‫بالفرار إذل بغداد‪ 5.‬كانتشرت الفوضى ُب صفوؼ جيشو نتيجة سبرد بعض جنده‪ 6.‬فصدؽ ركمانوس‬
‫ما كرد ُب ىذا التقرير‪ ،‬ما جعلو يصمم على اغبرب‪ ،‬كفشلت اؼبفاكضات‪ .‬كؼبا كصل إذل مدينة أرزف‪،‬‬
‫شرع اَلمرباطور ُب تقسيم جيشو‪ ،‬فأرسل جزءا منو ؼبهاصبة مدينة خالط )‪ (Khelath‬يقودىم‬
‫النورماندم ركسل بايلوؿ )‪ٍ ،(Roussel de Bailleul‬ب دعمو بػثالثْب ألف جندم يقودىم‬
‫الكرجي يوسف تراخانيوتس )‪ ،(Joseph Trakhaniotès‬كأرسل إثنا عشر ألف جندم إذل‬
‫جيورجيا حبثا عن اؼبؤف‪ .‬كمن دكف شك أنو أرسل بعض القوات كبو جهات أخرل‪ ،‬كدل يبق معو إَل‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 167.‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪110‬؛ ‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., pp. 140-141‬‬
‫‪ 3‬انظر خط سّبنبا ُب ‪ :‬اؼبلحق اغبادم عشر‪ ،‬ص ‪.484‬‬
‫‪4‬‬
‫اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪109‬؛ طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪45‬؛ ‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 168.‬‬
‫‪ 5‬ؿبمد عمر وبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 6‬كاف قسم من جيش السالجقة ُب العراؽ يعمل من قبل ُب جيش طغرؿ بك‪ ،‬قد تقاعس عن اَللتحاؽ بألب أرسالف ﵀اصرة‬
‫حلب ‪ ،‬بسبب تأخر أرزاقهم‪ ،‬فاضطر السلطاف إذل حصار اؼبدينة بشرذمة من جنده بلغت أربعة آَلؼ مقاتل فقط‪ ،‬فاختل بذلك‬
‫اعبرار‪ ،‬فجنح إذل‬
‫نظاـ جيشو‪ ،‬ما دفعو إذل تغيّب خطتو العسكرية كالسياسية‪ْ ،‬لنو ّٔذا العدد َل يبكنو مواجهة اعبيش البيزنطي َّ‬
‫السلم كعاد إذل الشرؽ عن طربق الفرات شبو ىارب‪ .‬كمن دكف شك أف ىذا اْلمر دل يكن خافيا على أعْب اَلمرباطور البيزنطي‪.‬‬
‫(أنظر ‪ :‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)47-46‬‬
‫‪021‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫حوارل ستْب ألف مقاتل من بْب مائة ألف جنَّدىم ُب بداية اغبملة‪ ،‬ككاف ىذا أكرب جيش حشدتو‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية خالؿ القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ 1.‬كإذا كاف التفوؽ العددم كاضحا‪ ،‬فإف‬
‫ىذا اعبيش كاف ينقصو التفوؽ النوعي‪ 2،‬كما ارتكب ركمانوس خطأ فادحا حينما قسم جيشو إذل‬
‫‪3‬‬
‫قسمْب‪.‬‬

‫كدل هبد ركمانوس الرابع صعوبة كبّبة ُب استعادة حصن منازكرد‪ ،‬كانتزاعو من السالجقة‪ ،‬معتمدا‬
‫ُب ذلك على اْلرمن الذين كانوا يشكلوف جزءا ىاما من اؼبشاة‪ ،‬فأغراىم بالوعود‪ ،‬ككاف يعلق عليهم‬
‫آماَل كبّبة ُب اؼبعركة ضد ألب أرسالف‪ْ ،‬لنو كاف يثق فيهم كثّبا‪ 4.‬كبإصباع اؼبؤرخْب فإف تقسيم‬
‫اعبيش البيزنطي ّٔذا الشكل ىو أكرب خطأ عسكرم ارتكبو ركمانوس الرابع‪ ،‬ما يدفع الباحث إذل‬
‫التساؤؿ عن دكافع قياـ اَلمرباطور بتقسيم قواتو ّٔذا الشكل الغريب‪ ،‬خاصة كأنو اشتهر بكفاءتو‬
‫العسكرية ُب حركبو السابقة ؟ كبالعودة إذل التقرير الذم كصلو من سفّبه الذم أرسلو إذل ألب‬
‫أرسالف ُب الشاـ‪ ،‬يبدك أف اَلمرباطور قد تيقن مسبقا بأف النصر سيكوف حليفو‪ ،‬كاغَب دبا حشده من‬
‫جند كعتاد‪ ،‬كاعتقد بأف اَلنتصار تصنعو القوة العسكرية كحدىا‪.‬‬

‫ب – استعدادات السلطاف ألب أرسالف‬


‫أما ألب أرسالف فقد خرج من الشاـ كمعو حوارل أربعة آَلؼ جندم‪ 5.‬كتوجو كبو الشماؿ‬
‫الشرقي عائدا إذل بالده يبحث عن اؼبدد‪ ،‬كسلك طريق الرىا ٍب اؼبوصل‪ ،‬حيث جاءه قاضي منازكرد‬
‫كبعض الفارين من اؼبدينة يسألونو النجدة‪ 6.‬كاتضح لو بأف عدد جنوده أقل بكثّب من عدد جنود‬
‫ركمانوس الرابع‪ ،‬كلذلك كاف حريصا على ذبنب اَلصطداـ باعبيوش البيزنطية‪ ،‬مطبقا خطة تقوـ على‬
‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 168; Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 627; Cheynet :‬‬
‫‪Mantzikert un désastre militaire, p. 426.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cahen Claude : La campagne de Mantzikert, p. 625.‬‬
‫‪ 3‬قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cahen Claude : op. cit., p. 634; Cheynet : op. cit., p. 416-417, 424.‬‬
‫‪ 5‬ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.123‬‬
‫‪ 6‬الفارقي (أضبد بن يوسف بن علي بن اْلزرؽ (ت بعد ‪577‬ىػ‪1181/‬ـ)) ‪ :‬تاريخ الفارقي‪ ،‬حققو بدكم عبد اللطيف‪ ،‬اؽبيئة‬
‫العامة لشؤكف اؼبطابع اْلمّبية‪ ،‬القاىرة‪ .1959 ،‬ص ‪189‬؛ ‪Grousset René : op. cit., p. 627.‬‬

‫‪020‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫جذب اَلمرباطور داخل البالد‪ ،‬حيث كاف السلطاف يرسل بعض فرسانو إذل اؼبعسكر البيزنطي كدبجرد‬
‫م )‪ُ 2،(Khoi‬ب‬ ‫‪1‬‬
‫كصوؽبم إليو يعودكف على أعقأّم كأهنم يلوذكف بالفرار‪ .‬كؼبا كصل إذل يخ ىو ُّ‬
‫أذربيجاف‪" ،‬دل يتمكن من صبع العساكر لبعدىا كقرب العدك"‪ ،3‬كأقصى ما استطاع أف هبمعو من‬
‫اعبيش ىو طبسة عشر ألف مقاتل‪ 4،‬من أكراد اؼبنطقة‪ٍ 5،‬ب سار ّٔم كبو الغرب سالكا طريق‬
‫صنداؽ الَبكي‬
‫الساحل اعبنويب لبحّبة كاف )‪ ،(Van‬كأرسل مقدمة جيشو كبو مدينة خالط‪ ،‬يقودىم ي‬
‫‪6‬‬
‫)‪ ،(Soundaq‬فاسَبدىا من البيزنطيْب كىرب منها يوسف تراخانيوتس متوجها إذل ملطية‪.‬‬

‫بعد استعادة خالط‪ ،‬سار ألب أرسالف مسرعا جبيشو كبو منازكرد‪ ،‬ككاف ركمانوس الرابع ُب‬
‫نفس الوقت يسّب من منازكرد باذباه خالط‪ ،‬ككاف السلطاف على علم باقَباب البيزنطيْب‪ ،‬غّب أف‬
‫اَلمرباطور تناسى ىنا مبادئ اغبرب البيزنطية بإرساؿ الكشافة‪ ،‬فكاف يعتقد بأف اعبيش السلجوقي ما‬
‫زاؿ بعيدا‪ ،‬ما أدل إذل اصطداـ مقدمة جيشو جبموع جيش السالجقة‪ ،‬فوقع بعض القادة ُب اْلسر‪،‬‬
‫كجرح نقفور بٍ ًرياف )‪ ،(Nicéphore Bryenne‬كىو قائد كل فرؽ الغرب‪ 7،‬كوبمل رتبة لواء ُب‬
‫ي‬
‫اعبيش البيزنطي‪ ،‬كقتل نقيباف أرمينياف كنبا ىخطىاب )‪ ،(Khatap‬كفاسيالؾ )‪ ،(Vasilak‬إضافة‬
‫إذل آخرين كعدد كبّب من اعبنود‪ ،‬كما تبقى منهم تراجعوا كانضموا إذل صبوع القوات الٍب يقودىا‬

‫‪ 1‬سعيد عبد الفتاح عاشور ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪75‬؛ ؿبمد عمر وبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪2‬‬
‫م ‪ :‬بلد مشهور من أعماؿ أذربيجاف‪ ،‬حصن كثّب اػبّب كالفواكو كىي تقع حاليا ُب إيراف‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫يخ ىو ُّ‬
‫ج ‪ ،3‬ص ‪.).262‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ، 7‬ص ‪.018‬‬
‫‪ 4‬اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪37‬؛ اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪47‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص ‪َ .109‬ل‬
‫يوجد اتفاؽ بْب اؼبصادر حوؿ عدد أفراد اعبيش السلجوقي‪ ،‬فقد قدره ابن القالنسي بػأربعمائة ألف جندم‪ ،‬كابن اعبوزم بعشرين‬
‫ألف جندم‪ ،‬كابن العدصل بػثالثة عشر ألف جندم‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cahen Claude : La campagne de Mantzikert, p. 627.‬‬
‫‪ 6‬اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪37‬؛‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 627; Cheynet : Mantzikert un désastre militaire, p. 423.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : op. cit., p. 417.‬‬

‫‪021‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫ركمانوس الرابع‪ .‬كّٔذا اَلنتصار اعبزئي للسالجقة انتقل اػبوؼ إذل معسكر البيزنطيْب‪ ،‬كبدأت‬
‫اؽبزيبة تتسرب إذل صفوفهم‪.‬‬

‫كىكذا كجد ركمانوس نفسو كجها لوجو أماـ اعبيش السلجوقي ُب جنويب منازكرد‪ ،‬كربديدا بْب‬
‫منازكرد كخالط ُب مكاف يعرؼ بالرىوة‪" 2،‬كبْب العسكرين فرسخ‪ ،‬كبْب ؾبرل التوحيد كالتثليث‬
‫برزخ"‪ 3،‬كقبل مباشرة القتاؿ حاكؿ ألب أرسالف استغالؿ انتصاره اعبزئي ليتفاكض مع اَلمرباطور‪،‬‬
‫فأرسل إليو مبعوثو ابن ا﵀لباف‪ 4‬يقَبح عليو عقد ىدنة مع انسحاب اعبيشْب‪ ،‬كأف وبتفظ كل منهما‬
‫باْلراضي الٍب يسيطر عليها‪" 5.‬فظن امبا راسلو عن خور فأىب كاستكرب‪ ،‬كنبا كتعسر‪ ،‬كأجاب بأشل‬
‫سوؼ أجيب عن ىذا الرأم بالرم"‪ 6‬كىذا دليل على أف ركمانوس الرابع كاف يريد غزك بالد‬
‫السالجقة ُب خراساف‪ ،‬كأذربيجاف حٌب يصل إذل قلب دكلتهم بالرم‪ ،‬كأدرؾ ألب أرسالف عندئذ‪ ،‬أف‬
‫الدكلة السلجوقية الناشئة قد أصبحت مهددة‪ ،‬كإذا سبكن ىذا اغبشد البيزنطي من القضاء عليها‪ ،‬فإف‬
‫الدكر القادـ سيكوف على دكلة اػبالفة اَلسالمية‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫كبعد أف تعثرت اؼبفاكضات بْب الطرفْب كرفض اإلمرباطور اؽبدنة قائال ‪َ" :‬ل ىدنة إَل بالرم"‪،‬‬
‫يقصد احتالؿ عاصمة السالجقة‪" ،‬انزعج من ذلك السلطاف‪ ،‬فقاؿ لو إمامو‪ ،‬كفقيهو‪ ،‬أبو نصر‬
‫ؿبمد بن عبد اؼبلك البخارم اغبنفي أنك تقاتل عن دين ا﵁‪ ،‬كأنا أرجو أف يكوف ا﵁ تعاذل قد كتب‬
‫باظبك ىذا الفتح فالقهم يوـ اعبمعة ُب الساعة الٍب تكوف اػبطباء على اؼبنابر يدعوف للمجاىدين‬

‫‪ 1‬ؿبمد عمر وبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪51‬؛‬


‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 169; Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 627.‬‬
‫‪ 2‬الرىوة ‪ :‬ىي صحراء قرب خالط‪ ،‬كليس الزىوة كما كرد ُب بعض اؼبراجع‪( .‬أنظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.)452‬‬
‫‪ 3‬اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪4‬‬
‫الفارقي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪189‬؛ ‪Cahen Claude : La campagne de Mantzikert, p. 631.‬‬
‫‪ 5‬ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.124‬‬
‫‪ 6‬اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ 7‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.109‬‬
‫‪022‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫بالنصر على الكافرين كالدعاء مقركف باإلجابة"‪ٍ .‬ب حرض ألب أرسالف جنوده على اإلستماتة ُب‬
‫‪2‬‬
‫الدفاع عن دين ا﵁ حفاظا على دكلة اؼبسلمْب‪.‬‬

‫ج – اندالع المعركة كانعكاساتها‬


‫قسم ألب أرسالف جيشو إذل أربع فرؽ معتمدا على حرب الكمائن‪ 3،‬أما ركمانوس الرابع فقد‬
‫تكفل بقيادة القلب (كسط اعبيش)‪ ،‬ككلف اندركنيك دككاس )‪ ،(Andronic‬كىو ابن أخ اَلمرباطور‬
‫الراحل‪ ،‬بقيادة اؼبؤخرة كفرقة احتياطية‪ ،‬ككضع الغز ُب اؼبيمنة يقودىم آلٍيات الكبادككي )‪،(Aliette‬‬
‫ككضع البشناؽ ُب اؼبيسرة يقودىم نقفور برياف )‪ 4.(Nicéphore Bryenne‬كاندلعت اؼبعركة كقت‬
‫الظهّبة يوـ اعبمعة ‪ 17‬ذم القعدة ‪352‬ىػ‪ 15/‬أكت ‪0160‬ـ‪ 5،‬كطبق السالجقة خطة عسكرية‬
‫اعتمدت على تنظيم الكمائن‪ ،‬حيث كانوا يتظاىركف بأهنم ينسحبوف من ميداف اؼبعركة فيالحقهم‬
‫‪6‬‬
‫البيزنطيوف‪ ،‬كفجأة ىبرج اعبنود السالجقة من مكامنهم كراء البيزنطيْب‪ ،‬فيقع ىؤَلء ُب الفخ‪.‬‬

‫كحسب اؼبصادر اْلرمينية كالسريانية فإف جزءا من اعبنود اؼبرتزقة اْلتراؾ اكبازكا أثناء القتاؿ إذل‬
‫السالجقة بعد أف تغلبت عليهم رابطة الدـ‪ ،‬كْلهنم دل يتقاضوا أجورىم اؼبتأخرة‪ 7.‬ككاف اْلرمن أكؿ‬

‫‪ 1‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬


‫‪ 2‬ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪125‬؛ طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 3‬اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 169; Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 628.‬‬
‫‪ 5‬أصبعت اؼبصادر العربية على أف اؼبعركة كانت يوـ اعبمعة‪ ،‬كلكنها تضاربت ُب ربديد التاريخ بشكل دقيق‪ ،‬فاغبسيِب يذكر أف‬
‫اؼبعركة كانت يوـ ‪ 06‬ذم القعدة ‪352‬ىػ‪ ،‬كىو يوافق يوـ اَلثنْب ‪ 04‬أكت ‪ ،0160‬كابن اعبوزم يذكر تاريخ ‪ 16‬ذم القعدة‬
‫‪352‬ىػ‪ ،‬كىو يوافق يوـ اػبميس ‪ 14‬أكت ‪ ،0160‬أما ابن العدصل فيذكر تاريخ ‪ 6‬ذم القعدة اؼبوافق لػيوـ اعبمعة ‪ 4‬أكت =‬
‫عما ىو مرجح‪ ،‬أما أريستاكيس اللستيفرٌب كمٌب الرىاكم‪ ،‬كميخائيل السرياشل‪ ،‬فلم يذكركا تارىبا ؿبددا‪ .‬كلكن‬
‫كىو تاريخ بعيد َّ‬
‫اؼبؤرخْب اْلرمن ا﵀دثْب‪ ،‬يذكركف تاريخ ‪ 08‬أكت ‪ 0160‬اؼبوافق ليوـ اعبمعة ‪ 10‬ذم القعدة‪ ،‬كبعضهم يذكر تاريخ ‪ 15‬أكت‬
‫‪0160‬ـ‪( .‬أنظر ‪)Grousset René : loc. cit.; Seydi, op. cit., p. 41. :‬‬
‫‪ 6‬اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 7‬ؿبمد عمر وبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪51‬؛‬
‫‪Arisdaguès : op. cit., p. 144; Matthieu d'Edesse : loc. cit.; Grousset René : loc. cit.; Cahen : La‬‬
‫‪campagne de Mantzikert, p. 633.‬‬
‫‪023‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫ؾبموعة فرت من ساحة اؼبعركة كأداركا ظهورىم للجيش البيزنطي بسبب موقف اَلمرباطور منهم‪ ،‬كمن‬
‫كنيستهم‪ .‬كردبا تفاكضوا سرا مع السالجقة‪ ،‬انتقاما من البيزنطيْب‪ 2.‬كفبا عجل من ىزيبة اعبيش‬
‫البيزنطي‪ ،‬انسحاب بعض القادة العسكريْب من ساحة القتاؿ عندما أدركوا بأف اؼبعركة خاسرة‪ .‬كزبلوا‬
‫عن ركمانوس ُب تلك اللحظة اغبرجة‪ ،‬منهم نقفور برياف‪ ،‬ك ركسل بايلوؿ‪ ،‬كميخائيل دككاس‪ٍ .‬ب أشاعوا‬
‫خرب موتو فانتشر كالنار ُب اؽبشيم‪ 3.‬كبذلك اضطرب اعبيش البيزنطي‪ ،‬كاهنارت معنوياتو‪" ،‬فاهنزـ الركـ‬
‫كقتل منهم ماَل وبصى حٌب امتألت اْلرض جبثث القتلى"‪ 4.‬كتذكر اؼبصادر أف ركمانوس الرابع أظهر‬
‫‪5‬‬
‫شجاعة خارقة‪ ،‬كقاتل ببسالة‪ ،‬حٌب خر فرسو قتيال ربت أقدامو‪ ،‬ككقع أسّبا بْب يدم ألب أرسالف‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫"كدل هبر ُب اإلسالـ منذ ظهر مثل ىذا الظفر‪ ،‬كَل أسر للركـ متملك قبل ىذا ُب اإلسالـ"‪.‬‬

‫كتسهب اؼبصادر ُب ذكر اؼبعاملة اغبسنة الٍب تلقاىا ركمانوس من ألب أرسالف‪ ،‬كاغبوار الذم دار‬
‫بينهما‪ ،‬كاتفقا على أف وبتفظ السالجقة بشكل هنائي باعبزء اْلكرب من إقليم أرمينيا‪ ،‬دبا فيها آشل‪،‬‬
‫ككارس‪ ،‬كالفاسبوركاف‪ ،‬كمنازكرد‪ ،‬كربتفظ بيزنطة حبدكدىا الغربية عند مدينة أرزف‪ 7.‬كلتمتْب العالقة بْب‬
‫العاىلْب‪ ،‬اتفقا على تزكيج ابنة اَلمرباطور باإلبن البكر للسلطاف‪ٍ 8،‬ب أطلق سراحو مقابل فدية قيدّْرت‬
‫بػمليوف كنصف قطعة ذىبية‪ ،‬كجزية سنوية بلغت ثالشبائة كستوف ألف قطعة ذىبية‪ ،‬تدفعها اَلمرباطورية‬
‫‪9‬‬
‫البيزنطية للدكلة السلجوقية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 169; Cahen Claude : La campagne de Mantzikert, p. 635.‬‬
‫‪2‬‬
‫العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬اْلرمن ُب اغبرب الصليبية (‪ ،)1099-1097‬مجلة المواقف للبحوث كالدراسات في‬
‫المجتمع كالتاريخ‪ ،‬ع ‪ ،03‬اؼبركز اعبامعي مصطفى اسطمبورل‪ ،‬معسكر‪ ،‬ديسمرب ‪ .2008‬ص ‪.105‬‬
‫‪ 3‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪49‬؛ ؿبمد عمر وبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪51‬؛ قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪103‬؛‬
‫‪Laurent J. : Des Grecs aux Croisés, p. 381; Grousset : Histoire de l'Arménie, p. 628; Cheynet :‬‬
‫‪Mantzikert un désastre militaire, p. 427.‬‬
‫‪ 4‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.001‬‬
‫‪ 5‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ ـبتصر الدكؿ‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪ 6‬ابن العدصل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.1977‬‬
‫‪7‬‬
‫طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪50‬؛ ‪Vasiliev : op. cit., t. I, p. 469; Grousset : loc. cit.,‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Cahen : La campagne de Mantzikert, p. 638.‬‬
‫‪9‬‬
‫اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪40‬؛ اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪52‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪110‬؛‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., p. 145; Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 169, Bréhier Louis :‬‬
‫‪Vie et mort de Byzance, p. 269.‬‬
‫‪024‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫كدل تكد تصل أخبار ىذه اؽبزيبة إذل القسطنطينية‪ ،‬حٌب أيعلن ميخائيل السابع دكقاس‬
‫)‪ ))0167-0160( Michel VII Doukas‬امرباطورا‪ ،‬كيبدك أف ركمانوس كاف حريصا على‬
‫تطبيق اَلتفاؽ الذم ًب بينو كبْب ألب أرسالف‪ ،‬كلكنو راح ضحية غدر أتباعو‪ 1،‬ككجد نفسو معزكَل‪،‬‬
‫ض عليو ُب قيليقيا‪ٍ ،‬ب يًظبلت عيناه قبل أف يتم إيصالو إذل العاصمة "فظل‬
‫ما دفعو إذل التمرد‪ ،‬ف يقبً ى‬
‫ديوجنيس يضرب رأسو ُب اعبدار حٌب لفظ ركحو"‪ 2.‬كبعد ىذه اْلحداث عاشت اَلمرباطورية فَبة‬
‫عشر سنوات من اَلنقالبات كالثورات‪ ،‬ما ساعد السالجقة على التوغل أكثر ُب أقاليم اَلمرباطورية‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫كاَلستقرار بشكل هنائي ُب اْلناضوؿ‪.‬‬

‫كل الكتابات التارىبية الغربية كاإلسالمية‪ ،‬تعترب ىذه اؼبعركة أكرب كارثة حلت باإلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪ ،‬كقاؿ عنها أحد اؼبؤرخْب إهنا ساعة موت اَلمرباطورية البيزنطية‪ 4،‬الٍب اهنارت ُب منطقة‬
‫آسيا الصغرل‪ ،‬كاصبحت عاجزة عن ضباية البوابة الشرقية ْلكربا‪ ،‬فبا أقلق النصارل ُب الغرب‪ 5.‬كعلى‬
‫سبيل اؼبقارنة‪ ،‬إذا كانت معركة الّبموؾ قد فتحت أبواب الشاـ أماـ اؼبسلمْب‪ ،‬فإف معركة منازكرد‬
‫فتحت أبواب آسيا الصغرل أماـ القبائل الَبكية اؼبسلمة‪ ،‬كقررت مصّبىا إذل اْلبد‪ ،‬كتعترب بداية زكاؿ‬
‫السيادة البيزنطية على آسيا الصغرل‪ .‬كما زاد من كقع "الكارثة" أف النورماف استولوا ُب نفس السنة‬
‫على مدينة بارم )‪ (Bari‬اإليطالية‪ ،‬ككاف سقوط ىذه اؼبدينة دليال على هناية السيادة البيزنطية ُب‬
‫جنوب إيطاليا‪ 6.‬كاغبقيقة أهنا ليست اؼبرة اْلكذل الٍب ينهزـ فيها البيزنطيوف أماـ اؼبسلمْب‪ ،‬كلكن ىذه‬
‫اؼبرة "دل يعد ىناؾ جيش بيزنطي بعد ‪0160‬ـ"‪ 7،‬ككل ما تبقى منو بات وبارب بعضو بعضا‪ 8.‬أما‬

‫‪ 1‬اسكندر فايز قبيب ‪ :‬أرمينية‪ ،‬ص ‪.115‬‬


‫‪ 2‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.113-112‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 269; Seydi : op. cit., p. 42.‬‬
‫‪ 4‬الربيعي عبد ا﵁ بن عبد الرضبن‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.437‬‬
‫‪ 5‬السرجاشل راغب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 6‬ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Vasiliev : op. cit., t. I, p. 469.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Bréhier Louis : loc. cit.‬‬

‫‪025‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫أرمينيا "فقد فقدهتا اإلمرباطورية البيزنطية إذل اْلبد"‪ .‬كىي الٍب كانت معينا َل ينضب ؛ ْلهنا كثّبا ما‬
‫أمدت تلك الدكلة باْلسرات اغباكمة‪ ،‬كبعدد َل حصر لو من أمهر الرجاؿ ُب شؤكف اغبرب‬
‫كالسياسة‪ ،‬كبعد أف استقر فيها السالجقة كانتزعوىا من اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬أصبحت القسطنطينية‬
‫دبثابة رأس مفصوؿ عن جسده‪ 2.‬كاكتسح اْلتراؾ بعد ىذه اؼبعركة‪ُ ،‬ب أفواج متتابعة‪ ،‬منطقة كاسعة‬
‫‪3‬‬
‫كضخوا دما جديدا يسرم ُب عركؽ اْلناضوؿ‪ ،‬فهي بداية‬
‫ُّ‬ ‫امتدت من آسيا الوسطى إذل البلقاف‪.‬‬
‫عصر جديد ُب آسيا الصغرل كاؼبناطق آّاكرة ؽبا‪.‬‬

‫كتدؿ معركة منازكرد أف السالجقة امتلكوا زماـ اؼببادرة ُب الشرؽ اْلدسل‪ ،‬كدل تعد انتصاراهتم‬
‫تقتصر على جّباهنم اؼبسلمْب فقط‪ ،‬بل امتدت إذل الركـ الذين يعتربكف أعداء تقليديْب للمسلمْب‬
‫منذ القرف اْلكؿ اؽبجرم‪ /‬السابع اؼبيالدم‪ .‬كإذا كاف اؼبسلموف قد ابتهجوا ؽبذا الفتح اؼببْب‪ ،‬كانتشرت‬
‫رنة فرح عارمة ُب أكباء العادل اَلسالمي‪ ،‬فإف غّبىم اعترب ىذه اؼبعركة اهنزاما للمسيحية أماـ اإلسالـ‪،‬‬
‫كىو مربر كاؼ ليحل الالتْب ؿبل البيزنطيْب على رأس الصليب‪ .‬ككتب اؼبؤرخ الفرنسي جركسي‬
‫حبماسة قائال ‪" :‬اف ‪ 0160‬أدت إذل ‪0184‬ـ" (‪ 4)1071 appelle 1095‬فهو يربر بصراحة بداية‬
‫اغبركب الصليبية‪ ،‬كاغبقيقة الٍب غفل عنها جركسي ىي أف سنة ‪0160‬ـ مهدت لسنة ‪0342‬ـ‪.‬‬

‫ىذا على الصعيد اػبارجي‪ ،‬أما على الصعيد الداخلي فقد أحدثت معركة منازكرد نتائج عميقة‬
‫على عدة مستويات‪ .‬فعلى اؼبستول السياسي‪ ،‬فتحت اؼبعركة أبواب اغبرب اْلىلية داخل اَلمرباطورية‬
‫البيزنطية استمرت عشر سنوات‪ .‬كعلى اؼبستول اَلقتصادم كلفت اَلمرباطورية شبنا فادحا بسبب ما‬
‫حدث ؼبعسكر اَلمرباطور من هنب لثركتو‪ ،‬كالفدية الٍب دفعها للسلطاف أرىقت ميزانية اَلمرباطورية‪.‬‬
‫كعلى اؼبستول النفسي فإف كقوع اَلمرباطور البيزنطي أسّبا ُب أيدم اؼبسلمْب ْلكؿ مرة‪ ،‬كاف رمزا‬
‫‪5‬‬
‫لتفوؽ اػبالفة اَلسالمية على اَلمرباطورية اؼبسيحية‪.‬‬

‫‪ 1‬طقوش ‪ :‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬


‫‪2‬‬
‫ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪190‬؛ ‪Pasdermadjian H. : op. cit., p. 186.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Mouradian : op. cit., p. 25.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 167.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cheynet : Mantzikert un désastre militaire, p. 433.‬‬

‫‪026‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫كاعبدير بالذكر‪ ،‬أف ىذه اؼبعركة أنقذت الدكلة الفاطمية من التصفية على أيدم السالجقة قبل‬
‫اغبركب الصليبية بربع قرف؛ ْلف السلطاف ألب أرسالف كاف قد خرج قبيل اؼبعركة ُب ضبلة عسكرية‬
‫َلجتثاث الوجود الفاطمي ُب الشاـ كمصر‪ ،‬غّب أف خرب خركج اَلمرباطور ركمانوس الرابع كاذباىو كبو‬
‫أرمينيا ٍب بالد فارس الٍب يسيطر عليها السالجقة‪ ،‬بدؿ فورا أكلويات السلطاف السلجوقي عسكريا‬
‫كسياسيا بسبب الغزك البيزنطي ْلرضو‪ ،‬فتأخر بذلك سقوط مصر الفاطمية الشيعية‪ ،‬بيد السنة‬
‫‪1‬‬
‫اْلتراؾ مائة عاـ كاملة‪.‬‬

‫د – عوامل انهزاـ البيزنطيين‬


‫لقد كافح أباطرة بيزنطة زمنا طويال من أجل ضم إقليم أرمينيا إذل أراضي اإلمرباطورية‪ ،‬كلكنهم‬
‫كجدكا أنفسهم عاجزين عن ضبايتو من ىجمات السالجقة اؼبتتالية؛ اْلمر الذم يثّب تساؤَلت‬
‫عديدة‪ ،‬فكيف تعجز الدكلة البيزنطية العريقة مع ما تتوفر عليو من موارد اقتصادية‪ ،‬كتنظيمات‬
‫عسكرية‪ ،‬كربصينات قوية‪ ،‬كذبربة طويلة ُب رد اْلعداء كإطباد الثورات‪ ،‬أماـ ؾبموعة من اْلتراؾ‪،‬‬
‫قى ًدموا من جوؼ آسيا منذ ربع قرف تقريبا‪ ،‬كىم َل يتوفركف على نفس اإلمكانيات الٍب تتوفر عليها‬
‫دكلة حبجم اإلمرباطورية البيزنطية ؟‬

‫يرل اؼبؤرخ الفرنسي جوف كلود شينيو )‪ ،(Jean-Claude Cheynet‬أف معركة منازكرد‪،‬‬
‫تكشف عن عدة أزمات سياسية كاجتماعية داخل اَلمرباطورية‪ ،‬أكثر فبا سبثل فشل السياسة اػبارجية‬
‫لإلمرباطور ركمانوس الرابع ُب مواجهة السالجقة‪ ،‬كأف ماحدث يوـ ‪ 15‬أكت ‪0160‬ـ‪- ،‬كىو يوـ‬
‫اؼبعركة‪ -‬ىو ذركة تلك اْلزمات الداخلية الٍب عصفت باَلمرباطورية البيزنطية‪ .‬كيبدك أف الضعف بدأ‬
‫يدب ُب أكصاؿ اَلمرباطورية البيزنطية بعد كفاة باسيل الثاشل سنة ‪0114‬؛ إذ دل يتوؿ عرش‬
‫اَلمرباطورية بعده –باستثناء إسحاؽ كومنْب‪ -‬إَل شخصيات مريضة كقاصرة عن فهم كإدراؾ خطورة‬
‫التحوَلت الٍب شهدهتا الدكلة على حدكدىا الشرقية‪ ،‬كعاجزة عن كضع اسَباتيجية تضمن ؽبا تفوقها‬

‫‪ 1‬الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.121-120‬‬


‫‪027‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫العسكرم‪ .‬من بينها‪ ،‬قسطنطْب التاسع مونوماخس )‪Constantin Monomaque IX‬‬
‫(‪ ،))0144-0131‬الذم طبق سياسة‪ ،‬ىيأت للسالجقة الظركؼ اؼبناسبة‪ ،‬فبعد أف ضم فبلكة‬
‫آشل إذل حظّبة اإلمرباطورية‪ ،‬قاـ حبل اؼبليشيات اْلرمينية القوية الٍب بلغ تعدادىا حوارل طبسْب ألف‬
‫جندم‪ ،‬ككانت تقوـ دبهمة الدفاع عن اغبدكد‪ ،‬كاستبدؿ اػبدمة العسكرية للرعايا ُب أقاليم اغبدكد‪،‬‬
‫بفرض مبالغ نقدية يدفعوهنا حلت ؿبل ضريبة الدـ‪ .‬كقد تزامن ذلك مع بداية زحف السالجقة على‬
‫أرمينيا‪ .‬كبضربة كاحدة قضى على القوة الٍب كانت ربمي بيزنطة من أعدائها‪ ،‬كزبلى عن سياسة‬
‫التجنيد الٍب كاف يطبقها اْلباطرة سابقا‪ ،‬كاستعاف دبرتزقة للدفاع عن اؼبناطق اغبدكدية ضد غزكات‬
‫الَبؾ‪ .‬لكن دل يكن ىؤَلء اؼبرتزقة وباربوف دفاعا عن كطنهم كَل نسائهم كَل أبنائهم‪ ،‬كما كانت تقوـ‬
‫‪2‬‬
‫بذلك الفرؽ اْلرمينية سابقا‪.‬‬

‫كبعد أف زبلت اَلمرباطورية عن سياسة التجنيد‪ ،‬كفتحت الباب للجنود القادمْب من قبائل‬
‫كشعوب ـبتلفة‪ ،‬أصبح اعبيش وبوم خليطا عجيبا من قوميات متنافرة‪ ،‬يفتقر إذل التدريب كصعب‬
‫اإلنقياد‪ .‬كمن العسّب أف وبدث انسجاـ ككفاؽ بْب اعبيش البيزنطي ا﵀َبؼ‪ ،‬كصبوع اؼبرتزقة‪ ،‬ككاف‬
‫ذلك سببا رئيسا ُب عدـ التئاـ كحدتو ُب معركة منازكرد‪ 3.‬كاؼبعركؼ أف كَلء اعبند اؼبرتزقة َل يتعدل‬
‫ركاتبهم النقدية‪ .‬كليس ؽبؤَلء اعبند شعور قومي ذباه الوطن أك ذباه اَلمرباطور‪ ،‬كىم َل يتورعوف عن‬
‫هنب سكاف اْلقاليم أك ذبريدىم من مقاطعاهتم إف تأخرت ركاتبهم‪ 4.‬كعموما فإف انعداـ الوفاؽ بْب‬
‫أرباب اإلدارة‪ ،‬كأرباب السيوؼ بعد اْلسرة اؼبقدكنية‪ ،‬كاف من أىم العوامل الٍب أدت إذل اهنيار‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كسقوطها صاغرة ذليلة أماـ السالجقة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, pp. 45-46; Cheynet : Mantzikert, p. 412.‬‬
‫‪ 2‬عطا زبيدة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪47-46‬؛ ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪170‬؛‬
‫‪Grousset : Histoire de l'Arménie, p. 586; Schlumberger Gustave : L'épopée byzantine, t. III,‬‬
‫‪pp. 501-502; Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 248.‬‬
‫‪3‬‬
‫ؿبمد عمر وبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪51‬؛ ‪Cheynet Claude : op. cit., p. 416.‬‬
‫‪ 4‬ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪028‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫كلكي تضمن بيزنطة لنفسها أمنا دائما ُب ربوع أرمينيا‪ ،‬عمدت إذل إبعاد النبالء اْلرمن كذلك‬
‫دبنحهم إقطاعات كأراضي شاسعة ُب أقاليم شٌب من أكباء اَلمرباطورية‪ ،‬خوفا من أف يكونوا سببا ُب‬
‫تفجّب الثورات‪ ،‬أك قيادة حركات سبرد‪ ،‬ضد السلطة البيزنطية‪ 1.‬كقد دفعت بيزنطة شبن ذلك غاليا فيما‬
‫بعد؛‪ْ 2‬لف سياسة اإلغباؽ الٍب طبقتها اَلمرباطورية ُب إقليم أرمينيا أدت إذل إلغاء دكر الدكلة اغباجزة‬
‫الذم كانت تقوـ بو أرمينيا‪ .‬كحينما تعرضت ىذه اْلخّبة ؽبجوـ السالجقة‪ ،‬كجدت اَلمرباطورية‬
‫‪3‬‬
‫البيزنطية نفسها عرضة ؽبجماهتم‪.‬‬

‫ّٔذه السياسة‪ ،‬يجَّرىدت أرمينيا من السالح‪ .‬كحْب كصلها اْلتراؾ كجدكىا دكف دفاع‪ ،‬كما‬
‫كجدكا ؾبتمعا يفتقر للتنظيم‪ ،‬كللزعماء كالقادة‪ .‬كباختصار فإف سياسة بيزنطة سهلت عليهم‪ ،‬عملية‬
‫اَلستيالء على أرمينيا كقضت على نفسها أيضا‪ 4.‬كالعبارة الٍب كتبها اؼبؤرخ أريستاكيس اللسفرٌب تدؿ‬
‫على أف أرمينيا أصبحت ؾبردة من كل ضباية حيث قاؿ ‪" :‬انقض اْلعداء كالذئاب اعبائعة الٍب تلتهم‬
‫‪5‬‬
‫بال رضبة القطيع الذم بال راع وبرسو"‪.‬‬

‫كدل يكن اْلمر أحسن حاَل من الناحية اَلجتماعية‪ْ ،‬لف اْلرمن كانوا جد مستائْب من‬
‫السياسة اإلدارية كالدينية للسلطة اؼبركزية الٍب اعتمدت على القوة لفرض مذىبها الديِب عليهم‪ ،‬فبا‬
‫جعلهم ينفركف من البيزنطيْب‪ 6.‬كُب الطريق كبو منازكرد‪ ،‬تعرضوا للتهديد‪ ،‬كالوعيد من اَلمرباطور‬
‫ركمانوس الرابع‪ .‬فكيف سيقف ىؤَلء معو ُب حربو ضد السالجقة ؟ كاؼبثل العريب‪" ،‬على أىلها‬
‫جنت براقش" خّب من يصف عالقة بيزنطة بأرمينيا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Augé Isabelle : op. cit., p. 25.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jean-Pierre Alem : L'Arménie, Presses Universitaires de France, Paris, 1959. p. 32.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Vasiliev A. A. : op. cit., t. I, p. 467.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 586.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Arisdaguès de Lasdiverd : op. cit., p. 72.‬‬
‫‪ 6‬ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪176-175‬؛‬
‫‪Vasiliev : op. cit., t. I, p. 417; Grousset René : L'Empire du Levant, p. 159.‬‬
‫‪031‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫كإذا كاف اْلرمن قد صمدكا طويال أماـ اؼبسلمْب‪ ،‬كدافعوا عن استقالؽبم كبرعوا ُب استخداـ‬
‫اْلساليب الدبلوماسية ؼبواجهة الضغط اَلسالمي‪ ،‬ىا ىي اَلمرباطورية البيزنطية الٍب أخذت على‬
‫عاتقها الدفاع عن أرمينيا‪ ،‬تنهار أماـ اْلتراؾ اؼبسلمْب بالضربة القاضية‪ .‬إف ىؤَلء البيزنطيْب الذين‬
‫أساؤكا الدفاع عن اْلرمن‪ ،‬بل كاضطركىم إذل اؽبجرة من بالدىم بأعداد ىائلة‪ ،‬ىا ىم اليوـ يتخلوف‬
‫عنهم أماـ أكؿ ضربة تلقوىا‪ .‬كبالعودة إذل ما كتبو مٌب الرىاكم ُب القرف الثاشل عشر‪ ،‬يربز مدل كره‬
‫اْلرمن للبيزنطيْب كربميلهم مسؤكلية اجتياح السالجقة ْلرمينيا‪ ،‬فهو يقوؿ ‪َ" :‬ل أحد يستطيع أف‬
‫يركم بالتفصيل ما حل باْلمة اْلرمينية من كوارث كما قاستو على يد اْلتراؾ من ؿبن كآَلـ كأحزاف‬
‫كما ذرفتو من دموع‪ُ .‬ب كقت فقدت فيو فبلكتنا أسيادىا الشرعيْب على أيدم مدافعْب مزيفْب‪ ،‬إهنم‬
‫البيزنطيوف اؼبتخنثوف الذين تصدكا للدفاع عنا كىم عاجزكف‪ ،‬كـبطئوف‪ ،‬إهنا الدكلة البيزنطية اػبسيسة‬
‫الٍب شتتت الشباب اْلكثر شجاعة ُب أرمينيا بعد أف انتزعتهم من ذكيهم‪ ،‬لقد دمرت عرشنا القومي‪،‬‬
‫كأسقطت ذلك اعبدار الواقي الذم بناه جيشنا الباسل كؿباربينا الشجعاف‪ .‬ىؤَلء البيزنطيوف يشبهوف‬
‫‪1‬‬
‫قسا جبانا يهرب دبجرد رؤيتو لذئب‪َ ،‬ل يهدأ ؽبم باؿ إَل إذا أسقطوا جدار أرمينيا"‪.‬‬

‫كوب ّْملها مسؤكلية سقوط أرمينيا ُب أيدم‬


‫كيتحامل اؼبؤرخ جركسي على اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬ي‬
‫السالجقة‪ .‬كيوجو سهامو إذل اإلمرباطور باسيل الثاشل )‪ ،)0114-865( (Basile II‬الذم‬
‫ساءت ُب عهده العالقة كثّبا بْب اْلرمن كبيزنطة؛ ْلنو بذؿ كل ما ُب كسعو من أجل إعادة أرمينيا‬
‫إذل بيت الطاعة‪ .‬كُب نظره‪ ،‬فإف باسيل الثاشل‪ ،‬كاف عليو أف يواصل ضبالتو ُب اعبزيرة كسوريا ضد‬
‫اإلسالـ‪ ،‬كىو ماكاف منتظرا منذ مدة َلستعادة القدس‪ ،‬كانتزاعها من أيدم اؼبسلمْب‪َ ،‬ل أف يوجو‬
‫أنظاره كحرابو كبو أرمينيا‪ .‬كبعد أف فقدت أرمينيا حريتها لفائدة بيزنطة‪ ،‬عجزت ىذه اْلخّبة عن‬
‫‪2‬‬
‫ضبايتها فعال من اْلتراؾ‪.‬‬

‫ككعادتو يربر اؼبؤرخ جركسي‪ ،‬فشل بيزنطة ُب الدفاع عن اؼبدف اْلرمينية كعجزىا عن توفّب‬
‫اغبماية‪ ،‬بالصراع اؼبذىيب كاعبداؿ الذم كاف قائما بْب الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬كالكنيسة البيزنطية حوؿ‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 113.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, pp. 148-149.‬‬
‫‪030‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫طبيعة اؼبسيح‪ .‬بينما ستثبت اْلحداث القادمة أف اإلمرباطورية العجوز‪ ،‬قد كصلت إذل اؼبرحلة‬
‫اْلخّبة من عمرىا‪ ،‬أماـ قوة فتية تفيض حيوية راغبة ُب اغبياة‪ ،‬مندفعة مثل شالؿ متدفق‪ ،‬بثت ُب‬
‫العادل اَلسالمي ركحا جديدة‪ ،‬أدت إذل تغيّب موازين القول ُب الشرؽ اْلدسل‪.‬‬

‫كدبا أف موضوع البحث يتعلق بأرمينيا كليس ببيزنطة‪ ،‬فإف السؤاؿ الذم يفرض نفسو ىنا‪،‬‬
‫ماىي انعكاسات معركة منازكرد على اْلرمن ؟‬

‫ق – انعكاسات معركة منازكرد على األرمن‬


‫رغم اؼبشاجرة الٍب حدثت‪ ،‬قبيل اؼبعركة بقليل‪ ،‬بْب اَلمرباطور ركمانوس الرابع كاْلمراء اْلرمن‬
‫ُب سيواس‪ ،‬الذين اهتمهم سكاف اؼبدينة بالتعاكف مع اْلتراؾ ضد البيزنطيْب‪ ،‬كرغم هتديدات‬
‫ف ضباط أرمن‪،‬‬ ‫اإلمرباطور باستئصاؿ الكنيسة اْلرمينية كصبيع أتباعها بعد عودتو من اؼبعركة‪ ،‬يكلّْ ى‬
‫دبسؤكليات مهمة ُب اعبيش البيزنطي الذم كاجو ألب أرسالف ُب منازكرد‪ ،‬من بينهم ىخطىاب‬
‫)‪ ،(Khatap‬كفاسيالؾ )‪ ،(Vasilak‬اللذاف لقيا حتفهما ُب اؼبعركة‪ ،‬كتورنيكيوس كوتىػ ٍرتٍزاس‬
‫)‪ ،(Tornikios Kotertzès‬الذم فر من ساحة القتاؿ كعاد إذل القسطنطينية‪ 2.‬كيرل اؼبؤرخ‬
‫جّبار ديديياف‪ ،‬أف ىؤَلء القادة اْلرمن أرادكا الدفاع عن حدكد كطنهم‪ ،‬من داخل اعبيش البيزنطي‪،‬‬
‫كىي اَلسَباتيجية الٍب تبناىا ركمانوس الرابع لطرد السالجقة من اْلقاليم الشرقية لإلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪ 3.‬كالواقع أف مشاركة ىؤَلء اْلرمن َل تزيد عن كوهنم مرتزقة مثل غّبىم من الكرج‪ ،‬كالركس‪،‬‬
‫كالفرقبة‪ ،‬كاْلتراؾ‪ْ ،‬لف مصلحتهم الوطنية آنذاؾ كانت تقتضي التحالف مع السالجقة بدَل من‬
‫اَللبراط ُب اعبيش البيزنطي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, pp. 162-163.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 168-169.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens sur la frontière sud-orientale de Byzance, fin IXe - fin XIe‬‬
‫‪siècles, : La Frontière. Séminaire de recherche, volume 21, n° 1, Maison de l'Orient‬‬
‫‪Méditerranéen, Lyon, 1993. p. 83.‬‬
‫‪031‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫لقد أهنت معركة منازكرد أرمينيا التارىبية‪ ،‬كأثرت تأثّبا بالغا على أكضاع اْلرمن ُب آسيا‬
‫الصغرل‪ ،‬فبعد أف فقد اعبيش البيزنطي قدرتو على الدفاع عن اغبدكد الشرقية لإلمرباطورية‪ ،‬كدل يعد‬
‫يقف أماـ زحف السالجقة أم مانع‪ ،‬انساب ىؤَلء إذل جوؼ آسيا الصغرل كاستقركا ُب أراضيها‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ٍب شرعوا يعملوف على إزالة اؼبعادل البيزنطية‪ .‬كبدأت صورة اغبياة تتغّب فيها كتتخذ الطابع اإلسالمي‪.‬‬
‫أماـ ىذه اْلكضاع اعبديدة بدأ اْلرمن ُب اؽبجرة صباعات كأفراد‪ ،‬كبو كبادككيا‪ ،‬كمرتفعات طوركس‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫حيث استقر ىناؾ بعض النبالء كبعض اْلسر اْلرمينية الٍب سبق ؽبا كأف ىاجرت إذل تلك اؼبناطق‪.‬‬

‫كلكنهم كجدكا أنفسهم غّب مرحب ّٔم من طرؼ البيزنطيْب ُب كبادككيا‪ ،‬كتعرضوا ؼبعاملة‬
‫قاسية‪ ،‬حيث كاف يقيم فيها بعض ملوؾ أرمينيا السابقْب‪ ،‬كبعض من أمرائها‪ ،‬كنبالئها‪ ،‬منهم‬
‫جاجيك الثاشل آخر ملوؾ آشل‪ ،‬كقريبو جاجيك عباس ملك قارص سابقا‪ ،‬كاْلمّبين آتوـ‪ ،‬كأبو سهل‬
‫من أسرة اْلرزركنيْب )‪ (Ardzrouniennes‬الٍب حكمت إقليم الفاسبوركاف‪ .‬كازبذ اْلرمن من‬
‫كبادككيا كطنا جديدا ؽبم‪ 4.‬كلكن البيزنطيْب دل يكونوا ينظركف إليهم بعْب اَلرتياح‪ ،‬كاستعملوا كل‬
‫الوسائل إلجبارىم على اعتناؽ مذىب الكنيسة البيزنطية اػبلقدكشل‪ ،‬كأبدكا ؽبم العداكة كالبغضاء‪ ،‬كدل‬
‫‪5‬‬
‫يتوانوا ُب إيذائهم كإذَلؽبم حٌب أف لوقا رئيس أساقفة مدينة قيصرية أطلق على كلبو اسم "أرمن"‪.‬‬
‫كؼبا علم جاجيك الثاشل بذلك‪ ،‬دبر لو مكيدة كقتلو مع كلبو‪ .‬غّب أف البيزنطيْب انتقموا لو بالقبض‬
‫عليو أثناء مركره بالقرب من قلعة يج ىس ٍسطىركف‪ .(Kyzistra) 6‬كؼبا علم اْلمراء اْلرمن اؼبقيموف ُب‬
‫كبادككيا ما كقع ؼبلكهم السابق‪ ،‬جاؤكا لنجدتو كربريره‪ ،‬كضربوا حصارا على القلعة‪ ،‬فقاـ البيزنطيوف‬

‫‪1‬‬
‫‪Payaslian Simon : The History of Armenia from the origins to the present, Palgrave‬‬
‫‪Macmillan, New York, 2007. p. 75.‬‬
‫‪ 2‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪3‬‬
‫;‪Laurent J. : Des Grecs aux , p. 381; Dédéyan : Les Arméniens sur la frontière, pp. 67-83‬‬
‫‪Mouradian : op. cit., p. 25.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset : Histoire de l'Arménie, p. 630.‬‬
‫‪ 5‬خاقبي انطوف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪211‬؛‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 152-154; Grousset René : L'Empire du Levant, p. 175.‬‬
‫‪6‬‬
‫ؼ اَلسم إذل‬
‫جسسطركف ‪ :‬قلعة مشهورة ُب القباذؽ (كبادككيا) تقع ُب جبل عليو قالع كثّبة‪ ،‬ظبتو العرب ذا القالع ٍب يحّْر ى‬
‫ذم الكالع‪( .‬انظر ‪ :‬ابن خرداذبو‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪108‬؛ ‪.)Dulaurier : op. cit., p. 98.‬‬
‫‪032‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫بقتل اؼبلك خنقا ٍب علقوا جثتو ُب أعلى القلعة حوارل سنة ‪0162‬ـ‪ .‬كبعدىا بأياـ قليلة قيتل اْلمراء‬
‫اْلرمن اآلخركف‪ ،‬بأمر من البيزنطيْب ُب عهد اَلمرباطور ميخائيل السابع‪ .‬لذلك أظهر مٌب الرىاكم‬
‫حل بالبيزنطيْب ُب منازكرد‪ ،‬كمدح سلطاف السالجقة ؼبا ربقق لألرمن من راحة باؿ ُب‬
‫ارتياحا ؼبا َّ‬
‫‪2‬‬
‫عهده‪.‬‬

‫كبعد أف قتل البيزنطيوف آخر ملك أرميِب‪ ،‬كمع توسع السالجقة ُب إقليم كبادككيا‪ ،‬غادر كثّب‬
‫من اْلرمن ىذا اَلقليم‪ ،‬حبثا عن مأكل جديد‪ ،‬فاذبهوا كبو اؼبدف الواقعة ُب جباؿ طوركس كسهل‬
‫قيليقيا‪ ،‬كبو مرعش‪ ،‬كطرسوس‪ ،‬كدكلوؾ )‪ ،(Doulouk‬كالرىا‪ .‬كدل يقتصر اْلمر على نزكح بشرم‬
‫من مدينة إذل أخرل حبثا عن الثركة أك آّد‪ ،‬كلكنهم نظموا أنفسهم ىذه اؼبرة كبرز من بينهم بعض‬
‫القادة كاْلمراء الذين أعادكا تشكيل مؤسساهتم الدينية كالسياسية كأقاموىا بطريقة جديدة‪ ،‬كىو ما‬
‫ستتم دراستو ُب الفصوؿ الالحقة من ىذا البحث‪.‬‬

‫كمن النتائج الٍب يبكن استخالصها من ىذا الفصل ‪:‬‬

‫أكال ‪ :‬ظهر السالجقة ُب اؼبشرؽ اإلسالمي ُب كقت كانت اػبالفة العباسية ُب حاجة إذل قوة‬
‫إسالمية جديدة ربميها من اؼبتسلطْب عليها ُب الداخل‪ ،‬كمن اؼبَببصْب ّٔا ُب اػبارج‪ .‬كبعد معركة‬
‫منازكرد‪ ،‬استعاد اؼبسلموف اقليم أرمينيا‪ ،‬كدل تعد بيزنطة قادرة على مواجهة اؼبسلمْب‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬فقد اْلرمن استقالؽبم‪ ،‬قبل سقوط مدينة آشل ُب أيدم اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬كمن شبة فإف‬
‫ىجرهتم من أرمينيا الكربل إذل كبادككيا‪ ،‬دل يكن سببها السالجقة‪ ،‬بل اإلمرباطورية البيزنطية الٍب‬
‫سبددت على حساب أراضيهم‪ٍ ،‬ب عبأت إذل سياسة الَبغيب كالَبىيب ُب تعاملها مع اْلرمن‪،‬‬
‫كفتحت ؽبم أبواب اؽبجرة على مصراعيها‪.‬‬

‫‪ Schlumberger Gustave : L'épopée byzantine, t. III, p. 490. 1‬يشككك جوف كلود شينيو ُب ىذه اغبادثة‪،‬‬
‫كيقوؿ بأف اؼبصادر البيزنطية دل تشر إليها إطالقا‪ ،‬كَل يبكن ؽبا أف تتجاىل اغتياؿ رئيس أساقفة قيصرية‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : Les Arméniens de l'Empire en Orient de Constantin X à Alexis‬‬
‫‪Comnène (1059-1081), ds. L'Arménie et Byzance histoire et culture, Publications de la‬‬
‫‪Sorbonne, Paris, 1996. p. 68.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 172.‬‬

‫‪033‬‬
‫فتوحات السالجقة واندالع معركة منازكرد‬ ‫الفصل الثاني‬
‫ثالثا ‪ :‬ربمست اَلمرباطورية البيزنطية كثّبا لضم إقليم أرمينيا إذل أراضيها‪ ،‬ككانت َل تنظر إَل‬
‫للثركة الٍب ذبنيها من ىذا اإلقليم‪ ،‬كدل تقدر جيدا اْلعباء كاؼبسؤكليات اؼبَبتبة عن ىذه السياسة‪ٍ ،‬ب‬
‫كجدت نفسها عاجزة عن الدفاع عنو أماـ السالجقة‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬أحدثت معركة منازكرد ربوَلت سياسية كاجتماعية عميقة ُب آسيا الصغرل‪ ،‬أبرزىا‬
‫استقرار اْلتراؾ بشكل دائم كهنائي ُب آسيا الصغرل‪ ،‬كنزكح عدد كبّب من اْلرمن كبو إقليم قيليقيا‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬سبثل معركة منازكرد نقطة ربوؿ ُب تاريخ العالقات الدكلية‪ ،‬فقد أدت إذل بركز قول‬
‫سياسية جديدة‪ ،‬كفقدت اَلمرباطورية البيزنطية مكانتها الدكلية‪ ،‬أماـ تعاظم نفوذ البابوية‪ ،‬كبداية‬
‫تدخل الالتْب ُب شؤكف الشرؽ‪.‬‬

‫‪034‬‬
‫الفصل الجالح‬
‫األرمن بين معركة منازكرد كالحملة الصليبية األكلى‬
‫‪ )1‬تأسيس سلطنة سالجقة الركـ في نيقية (‪474‬ق‪1081/‬ـ)‬
‫أ – العوامل المساعدة على قياـ السلطنة‬
‫ب – دكر سليماف بن قتلمش في تأسيس السلطنة‬
‫ج – دكر قلج أرسالف بن سليماف في بعث السلطنة‬
‫‪ )2‬الهجرة األرمينية‬
‫ا – سياسة األرمنة في قيليقيا‬
‫ب ‪ -‬موقف البيزنطيين من األرمن في قيليقيا‬
‫‪ )3‬تأسيس أكؿ دكلة أرمينية في قيليقيا (‪485-465‬ق‪1090-1072/‬ـ)‬
‫أ ‪ -‬فيالريت براخاميوس‬
‫تمرد فيالريت على االمبراطورية البيزنطية‬
‫ب – ُّ‬
‫ج ‪ -‬فيالريت المدجن‬
‫د‪ -‬فيالريت بين بني عقيل كسالجقة الركـ‬
‫ق ‪ -‬فيالريت في مواجهة ملكشاه‬
‫ك ‪ -‬فيالريت في المصادر األرمينية كالسريانية‬
‫‪ )4‬تأسيس إمارة بني ركبين في قيليقيا‬
‫أ ‪ -‬بركز آؿ ركبين كآؿ ىيثوـ‬
‫ب ‪ -‬ركبين األكؿ )‪)1095-1080( (Roubên I‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬

‫يتطرؽ الفصل الثالث من ىذا البحث إذل موضوعْب رئيسيْب‪ ،‬اْلكؿ ‪ :‬ىو استمرار تدفق‬
‫السالجقة على اْلناضوؿ بعد معركة منازكرد‪ ،‬كتأسيس سلطنة سالجقة الركـ ُب قونية ُب النصف‬
‫الثاشل من القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬على يد سليماف بن قتلمش‪ ،‬جد اْلتراؾ ُب‬
‫آسيا الصغرل‪ .‬كظلت تلك الدكلة قائمة رغم اػبطوب كا﵀ن الٍب توالت عليها‪ ،‬حيث اخَبؽ‬
‫الصليبيوف أراضيها من الغرب‪ ،‬كجاس اؼبغوؿ خالؿ الديار من الشرؽ‪ ،‬كظلت متشبثة باْلقاليم الٍب‬
‫فتحتها مدة ما يقارب ثالثة قركف‪ .‬كَل يعِب ىذا البحث دراسة تاريخ أسرة سالجقة الركـ بكل‬
‫أحداثها كتفاصيلها‪ ،‬كَل اغبركب كالنزاعات الٍب نشبت بينهم كبْب البيزنطيْب‪ ،‬كالصليبيْب‪ ،‬إَل دبا‬
‫يتصل باؼبوضوع‪ .‬كسنحاكؿ أف نسلط الضوء على طبيعة العالقات الٍب كانت بْب ىذه السلطنة‪،‬‬
‫كإمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬الٍب نشأت ُب نفس الفَبة كُب إقليم غّب بعيد عن أنظار سالطْب سالجقة‬
‫الركـ‪.‬‬

‫كاؼبوضوع الثاشل ‪ :‬ىو انتقاؿ اْلرمن من موطنهم ُب أرمينيا الكربل‪ ،‬كالتفافهم حوؿ بعض‬
‫قادهتم‪ ،‬كزعمائهم‪ ،‬كقباحهم ُب انتزاع بعض القالع‪ ،‬كاْلراضي من اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كإعادة‬
‫بعث مؤسساهتم الدينية كالسياسية ُب أرض اؼبهجر بقيليقيا‪ .‬كالغريب ُب اْلمر أف ىذه اإلمارة‬
‫الناشئة‪ ،‬يكلدت كسط ؿبيط يناصبها العداء‪ ،‬فالسالجقة يواصلوف انتشارىم ُب آسيا الصغرل‪ .‬كما‬
‫كانت اإلمارات اإلسالمية ُب الشاـ تنظر بعْب الريبة ؽبذه اإلمارة اؼبسيحية الٍب نشأت بينهم‪،‬‬
‫كاَلمرباطورية البيزنطية تعترب إقليم قيليقيا امتدادا طبيعيا ؽبا‪ ،‬ككل سلطة فيو هبب أف زبضع لطاعتها‪،‬‬
‫كرغم ىذه التحديات كالصعاب‪ ،‬فقد سبكن اْلرمن من اَلحتفاظ بوجودىم‪ ،‬كبتوازهنم كسط ؿبيط‬
‫يهددىم بالفناء‪ .‬فأين يكمن السر ُب ذلك ياترل ؟ كمن ىم الركاد اْلكائل الذين استوطنوا قيليقيا ؟‬
‫ككيف كانت عالقاهتم بالقول آّاكرة ؽبم ؟ كؼباذا اختاركا ىذا اَلقليم دكف غّبه ليكوف كطنا ؽبم ؟‬

‫‪036‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫‪ -1‬تأسيس سلطنة سالجقة الركـ في نيقية (‪474‬ق‪1081/‬ـ)‬
‫أزاحت معركة منازكرد خطر البيزنطيْب عن طرؽ توسع السالجقة ُب آسيا الصغرل‪ .‬فانصرؼ‬
‫السلطاف ألب أرسالف بعد ذلك إلطباد الفتنة الٍب نشبت ُب بالد ما كراء النهر‪ ،‬حيث عرب هنر‬
‫جيحوف ُب أكائل سنة ‪354‬ىػ‪0161/‬ـ‪ ،‬﵀اربة اؼبتمردين من أصهاره القراخانيْب الذين ساءت‬
‫العالقات بينو كبينهم بعد كفاة ملكهم طمغاج خاف‪ 1‬سنة ‪351‬ىػ‪0156/‬ـ‪ .‬كيعود سبب تدىورىا‬
‫إذل ؿباكلة مشس الدين نصر ‪-‬بن طمغاج خاف ككريثو‪ -‬اَلنفصاؿ عن السالجقة‪ 2،‬ما دفع السلطاف‬
‫إذل تنظيم ضبلة عسكرية ضده‪ .‬كبعد أف سبكن من فتح بعض اؼبدف كاستعادهتا‪ ،‬لقي حتفو على يد‬
‫ً‬
‫قائد إحدل القالع اؼبتمردة بتاريخ ‪ 00‬ربيع اْلكؿ سنة ‪354‬ىػ‪ 13/‬نوفمرب ‪0161‬ـ‪ 3،‬كدفن ُب‬
‫‪4‬‬
‫مدينة مرك جبوار أبيو‪ ،‬كعمو طغرؿ بك‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫مدربا مهيأ ؽبذا‬
‫"ؼبا يجرح ألب أرسالف أكصى بالسلطنة َلبنو ملكشاه ككاف معو"‪ ،‬ككاف َّ‬
‫اْلمر‪ .‬ككاف قد شارؾ مع أبيو ُب كثّب من حركبو‪ .‬كبعد انتهاء مراسيم الدفن كالعزاء‪ ،‬عاد ملكشاه‬
‫)‪ ،)0181-0161( (Melikshah‬مع جيشو إذل خراساف كازبذ من نىػٍيسابور‪ٍ 6‬ب أصفهاف‬

‫‪ 1‬طمغاج خاف ‪ :‬ىو أبو اؼبظفر عماد الدكلة ابراىيم طفقاج خاف بن نصر كىو أحد ملوؾ اػبانية فيما كراء النهر‪ ،‬توذل السلطة ما‬
‫بْب سنٍب ‪ 440‬ك ‪460‬ىػ‪ ،‬كىو كالد زكجة ملكشاه‪ ،‬اَلبن اْلكرب للسلطاف ألب أرسالف‪( .‬أنظر ‪ :‬اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص ‪ ،207‬ىامش رقم ‪.)2‬‬
‫‪ 2‬يذكر ابن العربم أسبابا أخرل ؽبذه الفتنة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.)113‬‬
‫الراكندم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪192-190‬؛ اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪54-53‬؛ ‪Seydi : op. cit., p. 42.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬


‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.113‬‬
‫‪ 6‬نيسابور ‪ :‬مدينة تقع حاليا شرقي إيراف‪ ،‬كتلفظ ُب اللغة الفارسية نيشاﭘكر‪ ،‬كىي كلمة مركبة من نيو شاه بور كمعناىا «شيء أك‬
‫عمل أك موضع سابور الطيب»‪ .‬كظبيت بذلك نسبة إذل اؼبلك سابور الثاشل الساساشل الذم جدد بناءىا ُب اؼبائة الرابعة للميالد‪.‬‬
‫كمؤسسها اْلكؿ ىو سابور بن أردشّب بن بابكاف ُب القرف الثالث‪ .‬كعرفت عند اعبغرافيْب العرب بعدة أظباء‪ ،‬منها ‪ :‬أبرشهر‪،‬‬
‫شاكر‪ .‬ككصفها اغبموم قائال ‪" :‬ىي مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدف الفضالء‬ ‫كإيرانشهر‪ .‬كاشتهرت عند العامة باسم نى ي‬
‫طوفت من البالد مدينة كانت مثلها"‪ .‬ككانت من أىم اؼبراكز الثقافية ُب العصر السلجوقي‪( .‬أنظر ‪:‬‬ ‫كمنبع العلماء دل أر فيما َّ‬
‫اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪424-422‬؛ لسَبنج كي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)428-424‬‬

‫‪037‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫عاصمة ؼبلكو‪ ،‬كمن نظاـ اؼبلك الطوسي كزيرا لو‪ 1.‬ثىػبَّت السلطاف السلجوقي اعبديد دعائم الدكلة‬
‫السلجوقية كقد "ملك السلطاف ملكشاه من البالد ما دل هبتمع ْلحد من اؼبلوؾ فبن تقدمو ك َل فبن‬
‫تأخر"؛‪ 2‬حيث بلغت الدكلة ُب عهده رقعة شاسعة امتدت من حدكد الصْب شرقا إذل حبر مرمرة‬
‫غربا‪ 3.‬كإذا كاف فضل امتداد حدكد دكلتو شرقا يعود لو‪ ،‬فإف امتدادىا غربا ىو شبرة من شبار جهود‬
‫أحد أقاربو كىو سليماف بن قتلمش‪ 4‬الذم يعترب فاتح اْلناضوؿ كمؤسس سلطنة سالجقة الركـ‪ُ 5‬ب‬
‫آسيا الصغرل؛ ْلف السلطاف ملكشاه دل تطأ قدماه أرض اْلناضوؿ‪ ،‬كلكنو عهد إليو دبواصلة فتح‬
‫بالد الركـ لصاحل القبائل الَبكية‪ ،‬كيتوذل حكمها مع اَلعَباؼ بسيادة ملكشاه عليها‪ 6.‬ككانت‬
‫الظركؼ مواتية للتوغل أكثر ُب جوؼ آسيا الصغرل‪ ،‬كقد ساعد سليماف بن قتلمش ُب ربقيق ىدفو‪،‬‬
‫كقباحو ُب مهمتو اغبالة الديبغرافية كالسياسية الٍب أمست عليها آسيا الصغرل بعد معركة منازكرد‪.‬‬

‫‪ 1‬الراكندم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪206‬؛ ابو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪ 2‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.77‬‬
‫‪ 4‬سليماف بن قتلمش ‪ :‬ابن عمة السلطاف ملكشاه كزعيم سالجقة الركـ بأسيا الصغرل‪ .‬استطاع السيطرة على قونية كآقصرا‪،‬‬
‫كاعماؽبا بآسيا الصغرل‪ ،‬اتصف بالشجاعة كاَلقداـ كمواصلة اعبهاد ضد الركـ البيزنطيْب‪ ،‬فتح عدة بلداف ككاف آخرىا أنطاكيةسنة‬
‫‪478‬ق‪ ،‬كحاكؿ اَلستيالء على حلب من شرؼ الدكلة مسلم بن قريش كلكنو دل يستطع فقد تصدل لو تاج الدكلة تتش‬
‫صاحب دمشق ‪ ،‬كأرتق بن أكسب صاحب بيت اؼبقدس من قبل ملكشاه‪ ،‬ككقع صريعا ُب معركة دارت بْب الطرفْب سنة‬
‫‪479‬ق‪1086/‬ـ بالقرب من حلب‪( .‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪136‬؛ طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)53‬‬
‫‪ 5‬أطلق اؼبؤرخوف اسم سلطنة سالجقة الركـ‪ ،‬على البالد الٍب فتحها ىؤَلء كحكموىا كىي آسيا الصغرل؛ ْلف العرب أطلقوا اسم‬
‫الركـ على البيزنطيْب الذين كانوا وبكموف تلك البالد‪ ،‬فسميت باظبهم أم بالد الركـ‪ ،‬كؼبا حل السالجقة ؿبل الركـ ُب آسيا‬
‫الصغرل أطلق عليهم اؼبؤرخوف اؼبسلموف اسم سالجقة الركـ‪ ،‬مثلما أطلقوا على فركع السالجقة اآلخرين اسم البالد الٍب استقركا‬
‫فيها مثل سالجقة الشاـ كسالجقة العراؽ‪( .‬أنظر ‪ :‬لسَبنج كي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)159‬‬
‫‪ 6‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪72‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪137‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪،‬‬
‫ج ‪ ،1‬ص ‪77‬؛ طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪54‬؛‬
‫;‪Leiser G. : Sulayman b. Kutulmish, in : Enc. Isl., Brill, Leiden, 1997. t. IX, p. 825-826‬‬
‫‪Cahen : La campagne de Mantzikert, p. 641.‬‬
‫‪038‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫أ – العوامل المساعدة على قياـ السلطنة‬
‫من الناحية الديبغرافية‪ ،‬ىاجر عدد كبّب من الركـ كاْلرمن الذين كانوا يسكنوف اؼبناطق الشمالية‬
‫كالشرقية ُب آسيا الصغرل‪ ،‬كتركوا أراضيهم كفبتلكاهتم شاغرة‪ .‬فوجد السالجقة الطريق سالكة أمامهم‬
‫لالستقرار ُب الضياع اػبربة الٍب ىجرىا أصحأّا‪ 1.‬كيعلق اؼبؤرخ يوسف لورانت قائال ‪" :‬كفيما بْب‬
‫سنٍب ‪ 0160‬ك ‪0170‬ـ‪ ،‬أمست السهوؿ كاؼبنخفضات اؼبمتدة من قيصرية ك سيواس إذل نيقية‬
‫كسارديس‪ 2‬شبو فارغة‪ ،‬كربولت أراضيها إذل مضارب ػبياـ اْلتراؾ كمراع ػبيوؽبم كأغنامهم‪ ،‬شبيهة‬
‫بالصحراء الٍب خرجوا منها"‪ 3،‬كيؤيده اؼبستشرؽ الفرنسي ركشل جركسي قائال ‪" :‬لقد ربولت فرهبيا‬
‫‪4‬‬
‫ككبادككيا –كما زالت إذل اليوـ‪ -‬إذل تركستاف جديدة‪ ،‬حٌب غدت ككأهنا قطعة من مراعي القرغيز"‪.‬‬
‫كقاـ سليماف من جهتو بتحرير كل اْلقناف‪ ،‬كالعبيد الذين كانوا يزرعوف اْلراضي كيعملوف ُب فبتلكات‬
‫‪5‬‬
‫البيزنطيْب‪ ،‬مقابل ضريبة يدفعوهنا ػبزينة السلطنة‪ ،‬كاكتسب بذلك كَلءىم‪.‬‬

‫تتضح ىنا الرسالة الٍب يريد ىذاف اؼبؤرخاف سبريرىا‪ ،‬كىي أف السالجقة اؼبسلمْب دمركا اغبضارة‬
‫البيزنطية اؼبسيحية‪ ،‬كعملوا على ترييف آسيا الصغرل كحولوىا إذل خراب‪ .‬كاغبقيقة أف اؼبصادر العربية‬
‫دل تذكر أف السالجقة أجربكا السكاف على الرحيل‪ ،‬أك أكرىوىم على اعتناؽ اَلسالـ‪ ،‬أك قاموا‬
‫بتهجّب اؼبسيحيْب قسريا بعيدا عن من مواطنهم اْلصلية‪ ،‬كما فعلت اَلمرباطورية البيزنطية سابقا‪.‬‬
‫ككل ما ُب اْلمر أف الركـ كاْلرمن كجدكا أنفسهم بدكف ضباية سياسية أك عسكرية بعد اهنيار اعبيش‬
‫البيزنطي ُب معركة منازكرد‪ ،‬كأصيبوا برعب شديد ْلف اْلتراؾ اشتهركا جبربكهتم كسرعة انتشارىم‪،‬‬
‫كركع الَبؾ البيزنطيْب على أهنم مترببركف َل على أهنم مسلموف"‪ 6،‬فخرج السكاف ىائمْب يبحثوف‬
‫" َّ‬

‫‪1‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪77‬؛ ‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 173.‬‬
‫‪ 2‬سارديس )‪ : (Sardes‬مدينة قديبة كانت عاصمة فبلكة ليديا ُب غرب آسيا الصغرل‪ ،‬احتلها الفرس ٍب الركماف‪ ،‬ككانت أحد‬
‫اؼبراكز اؼببكرة للمسيحية‪ .‬ىدمها تيمورلنك‪( .‬أنظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.)1770‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 109.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset : loc. cit.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 6‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬نقلو إذل العربية‪ ،‬السيد الباز العريِب‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بّبكت‪ .1997 ،‬ج ‪.132 ،1‬‬
‫‪041‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫عن مأكل بعيدا عن طرؽ السالجقة‪ .‬كيلخص ابن العربم ىذه اغبالة ُب قولو ‪" :‬كضعفت دكلة الركـ‬
‫يومئذ ؛ إذ كاف اْلتراؾ يغزكف بالدىا ُب كل مكاف"‪ 1.‬كُب ؼبح البصر كجد الركـ أنفسهم أقلية أماـ‬
‫جحافل السالجقة اْلتراؾ‪ ،‬مع ما ترتب عن ذلك من ربوَلت دينية كثقافية كلغوية‪.‬‬

‫كمن الناحية السياسية‪ ،‬يبدك أف البيزنطيْب دل ييقدّْركا خطورة الكارثة الٍب حلت ّٔم ُب منازكرد‪،‬‬
‫فقد شهدت الدكلة البيزنطية حربان أىلية زادت الطْب بلة‪ ،‬كحفل التاريخ البيزنطي آنذاؾ حبركات‬
‫التآمر كالتمرد‪ ،‬كدل يتورع أطراؼ النزاع من أباطرة‪ ،‬كقادة جيش عن طلب النجدة كاؼبساعدة من‬
‫السالجقة‪ ،‬كالتحالف معهم‪ ،‬فاستدعوىم إذل قلب اْلناضوؿ‪ ،‬ككلفوىم حبراسة العديد من اؼبدف‪،‬‬
‫فكاف ىذا مكسبا للسالجقة‪ 2.‬لقد كانت تلك اغبركات التمردية دليال على ضعف السلطة اؼبركزية‬
‫بالقسطنطينية كعجزىا‪ ،‬كأدرؾ السالجقة ذلك‪ ،‬ككانت فرصتهم للتدخل ُب الشؤكف الداخلية‬
‫ْلطراؼ النزاع‪ 3،‬فبا شجعهم على اجتياح مدف آسيا الصغرل كقراىا دبساعدة البيزنطيْب أنفسهم‬
‫‪4‬‬
‫الذين كانوا ُب حرب ضد بعضهم بعضا‪ .‬فبا يسر ؽبم التوغل إذل اْلقاليم الغربية ُب آسيا الصغرل‪.‬‬

‫كمن بْب أىم حركات التمرد الٍب استغلها السالجقة للوصوؿ إذل قلب بالد الركـ‪ ،‬اغبركة الٍب‬
‫قاـ ّٔا القائد البيزنطي نقفور بوتانياتس )‪ ((1081-1078) Nicéphore Botaniatès‬قائد ثيم‬
‫اْلناتوليك‪ ،‬ضد اإلمرباطور ميخائيل السابع‪ .‬حيث كاف سليماف بن قتلمش ُب بداية اْلمر حليفا‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬


‫‪ 2‬استنجد اَلمرباطور اؼبنهزـ ركمانوس الرابع بالسالجقة ليساعدكه ُب صد قوات اَلمرباطور ميخائيل السابع الذم استوذل على‬
‫العرش بعد معركة منازكرد‪ ،‬كحذا حذكه معظم اْلباطرة الذين تولوا السلطة ُب القسطنطينية‪ .‬فتحالف اَلمرباطور ميخائيل السابع‬
‫)‪1078-1071( (Michel VII Doukas‬ـ)‪ ،‬مع السالجقة‪ ،‬للقضاء على سبرد ركسل بايوؿ )‪،(Roussel de Bailleul‬‬
‫الذم كاف يطمح إذل تأسيس إمارة نورمانية مستقلة ُب اْلناضوؿ‪ .‬حيث أرسل إذل اْلمّب السلجوقي أرتق )‪ (Artoukh‬كثّبا من‬
‫اْلمواؿ كاؽبدايا‪ ،‬ككعده بأنو إذا قبح ُب القبض على ركسل‪ ،‬كسلمو إليو سيكوف من حق السالجقة البقاء ُب كل ما يفتحونو من‬
‫أراضي‪ ،‬كاف قد استوذل عليها ركسل من قبل‪ٍ .‬ب ربالف القائد البيزنطي الكسيوس كومنْب مع اْلمّب توتاؽ )‪ (Toutakh‬ضد‬
‫ركسل دائما‪( .‬أنظر ‪ :‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪57-54‬؛ ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪66-52‬؛ الربيعي عبد ا﵁‬
‫بن عبد الرضبن‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪437-435‬؛ قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪123-119‬؛‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, pp. 269-276).‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : Les Arméniens de l'Empire en Orient, p. 71.‬‬
‫‪4‬‬
‫طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪54‬؛ ‪Bréhier Louis : op. cit., p. 271.‬‬

‫‪040‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫لإلمرباطور‪ ،‬كلكنو ؼبا َلحظ تفوؽ بوتانياتس كرجحاف كفتو‪ ،‬زبلى عن حليفو السابق‪ ،‬ككقف إذل‬
‫جانب القائد اؼبتمرد‪ ،‬فذىب إليو ُب مدينة نيقية )‪ 1،(Nicée‬مع غّبه من اْلتراؾ‪ ،‬كأظهركا لو‬
‫مظاىر الطاعة كالوَلء‪ .‬فاستقبلهم بوتانياتس حبفاكة‪ ،‬كأكرمهم‪ ،‬كظبح ؽبم بنصب خيامهم خارج‬
‫نيقية‪ 2‬كحاميات تعمل على خدمتو‪ .‬كسلم ؽبم كل اؼبدف الٍب استسلمت لو كىو ُب طريقو إذل‬
‫القسطنطينية مثل خلقدكنية كبيالم ككريسوبوليس كنيقوميديا‪ّٔ ،‬دؼ حراستها‪ .‬كبذلك دخل سليماف‬
‫بن قتلمش مدينة نيقية على يد بوتانياتس ْلكؿ مرة‪ .‬ككاف السالجقة ُب الظاىر يعملوف ُب خدمتو‬
‫بينما ُب اغبقيقة كانوا يعملوف لتحقيق أىدافهم‪ 3.‬كؼبا قبحت حركة التمرد كًب تتويج بوتانياتس‬
‫إمرباطورا باسم نقفور الثالث بتاريخ ‪ 7‬رمضاف ‪361‬ق‪ 13/‬مارس ‪0167‬ـ‪ ،‬عاد ذلك عليهم‬
‫بكثّب من اؼبكاسب‪ ،‬حيث دل يعد دبقدكر البيزنطيْب طردىم أك اَلقَباب من اْلماكن الٍب استقركا‬
‫‪4‬‬
‫فيها‪ ،‬حوؿ البحر اْلسود‪ ،‬كحبر مرمرة‪.‬‬

‫ب – دكر سليماف بن قتلمش في تأسيس السلطنة‬


‫كُب سنة ‪361‬ىػ‪0168/‬ـ‪ ،‬أعلن القائد نقفور ميليسينوس )‪(Nicéphore Mélissène‬‬
‫الثورة ضد بوتانياتس‪ ،‬حيث عاد من منفاه ُب جزيرة كوس الواقعة مشاؿ شرؽ جزيرة ركدس ُب البحر‬
‫اؼبتوسط‪ .‬كطلب من سليماف إمداده بقوات عسكرية تساعده ُب اَلستيالء على القسطنطينية‪ ،‬مقابل‬
‫حصولو على نصف كل مدينة كإقليم يستورل عليو من نقفور الثالث‪ 5.‬كبػ ػ ػ ػ ػن ػ ػ ػ ػاء عػ ػ ػ ػل ػ ػ ػ ػى ىذا‬
‫اَلتفاؽ‪ ،‬أضػ ػ ػاؼ ال ػ ػسػ ػ ػالجػ ػ ػق ػ ػ ػة إلػ ػ ػ ػى أم ػ ػ ػالكػ ػ ػه ػ ػ ػم ج ػ ػ ػاَلت ػ ػ ػيػ ػ ػ ػ ػا )‪ 6،(Galatia‬كفػ ػ ػري ػ ػجػ ػ ػيػ ػ ػ ػا‬

‫‪ 1‬نيقية ‪ :‬مدينة قديبة تقع مشاؿ غريب آسيا الصغرل‪ ،‬اظبها اليوـ إزنيق )‪ُ (Iznik‬ب تركيا‪ .‬انعقد فيها ؾبمعاف مسكونياف‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.)2341‬‬
‫‪ 2‬أنظر موقع نيقية ُب ‪ :‬اؼبلحق الثاشل عشر‪ ،‬ص ‪.485‬‬
‫‪3‬‬
‫ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪62-61‬؛ ‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 98.‬‬
‫‪ 4‬نفسو‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪56‬؛ ‪Laurent J. : loc. cit.; Bréhier Louis. : Vie et mort de Byzance, p. 278.‬‬
‫‪ 6‬جالتيا ‪ :‬منطقة ىامة تقع ُب مشارل آسيا الصغرل‪ ،‬سبتد من جباؿ بافالجونيا مشاَل حٌب حبّبة اؼبلح جنوبا‪ ،‬كمن هنر سنجاريوس‬
‫إذل اؽباليس‪( .‬انظر ‪ :‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،65‬ىامش رقم ‪.)3‬‬
‫‪041‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫)‪ 1.(Phrygia‬كلػ ػم ػ ػ ػا فشلت ح ػ ػركػ ػ ػة التمرد الٍب قادىا ميليسينوس‪ ،‬كطيلًب من السالجقة مغادرة‬
‫اؼبدف كاْلقاليم الٍب دخلوىا‪ ،‬رفض سليماف تسليمها للبيزنطيْب‪ 2.‬كفشلت اغبملة الٍب أرسلها نقفور‬
‫الثالث ُب طردىم من مدينة نيقية‪ 3.‬كىكذا ضمنوا ْلنفسهم مدنا كأقاليم كسط آسيا الصغرل كغرّٔا‪.‬‬
‫ٍب راح سليماف يوسع دائرة نفوذه‪ ،‬كما إف حلت سنة ‪362‬ق‪0171/‬ـ‪ ،‬حٌب أصبح يسيطر على‬
‫‪5‬‬
‫معظم أراضي آسيا الصغرل‪ 4.‬كاعَبفت بو اعبماعات الَبكية سلطانا على نيقية‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫كعندما صفَّت اَلمرباطورية البيزنطية مشاكلها الداخلية‪ ،‬بنجاح ألكسيس كػػوم ػن ػيػ ػػن‬
‫(‪531-474( Alexis Comnène‬ق‪1118-1081/‬م))‪ُ ،‬ب إزاحة نقفور الثالث‪ ،‬كتتوهبو‬
‫امرباطورا بتاريخ ‪ 08‬شواؿ ‪362‬ق‪ 0/‬افريل ‪0170‬ـ‪ 7،‬رفض سليماف بن قتلمش اَلعَباؼ بأم‬
‫حق لإلمرباطورية البيزنطية ُب اؼبدف كاْلراضي الٍب فتحها أتباعو‪ 8.‬كازبذ ُب سنة ‪363‬ىػ‪0170/‬ـ‪،‬‬

‫‪ 1‬فرهبيا ‪ :‬إقليم قدصل يقع كسط آسيا الصغرل‪ ،‬يشمل جزءا من اؽبضبة الوسطى كالشق الغريب‪ ،‬كتكمن أنبيتو ُب مركر العديد من‬
‫الطرؽ اؽبامة بو‪( .‬أنظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.)2402‬‬
‫‪ 2‬باذياب نورة عبد ا﵁ ‪" :‬قونية عاصمة سلطنة سالجقة الركـ دراسة تارىبية كحضارية"‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه ُب‬
‫التاريخ اَلسالمي‪ ،‬إشراؼ أ‪ .‬د‪ .‬أضبد السيد دراج‪ ،‬قسم الدراسات العليا التارىبية كاغبضارية‪ ،‬كلية الشريعة كالدراسات اَلسالمية‪،‬‬
‫جامعة أـ القرل دبكة اؼبكرمة‪ .1994 ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ 3‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪349‬؛ ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ 4‬باذياب نورة عبد ا﵁ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 98.‬‬
‫‪ 6‬ألكسيس كومنْب ‪ :‬كرد اظبو ُب اؼبصادر العربية بصيغ ـبتلفة منها ‪ :‬ألكس‪ ،‬كالكرانكس‪ ،‬كالكزايكس‪ .‬يعترب مؤسس أسرة‬
‫كومنْب الٍب حكمت اَلمرباطورية البيزنطية مايزيد عن قرف‪ ،‬كصفو اؼبؤرخوف أنو كاف رجال ذكيا حاضر الذىن قوم اإلرادة كقائدا‬
‫عظيما‪ ،‬كدبلوماسيا ماىرا‪ ،‬كظهر ُب فَبة عصيبة من تاريخ اَلمرباطورية‪ .‬كقد سبكن من التغلب على بعض اؼبشاكل كما حقق‬
‫استقرارا نسبيا ُب الداخل كصد بعض اْلخطار اػبارجية الٍب تعرضت ؽبا اَلمرباطورية‪ ،‬فهو عندىم رجل الساعة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن‬
‫القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪199‬؛ العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪369-368‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪280‬؛‬
‫‪Comnène Anne : Alexiade (règne de l'empéreur Alexis I Comnène 1081-1118), traduit par‬‬
‫‪Bernard Leib, Les Belles Lettres, Paris, 1937. t. I, pp. 9-11; Bréhier Louis : Vie et mort de‬‬
‫‪Byzance, p. 281.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Bréhier Louis : op. cit., p. 276.‬‬
‫‪ 8‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪79‬؛ قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪133‬؛‬
‫‪Laurent J. : loc. cit.‬‬
‫‪042‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫‪1‬‬
‫حٌب سنة‬ ‫مدينة نيقية مقرا لو كغبكومتو‪ ،‬كغدت عاصمة لسلطنة سالجقة الركـ‪،‬‬
‫‪381‬ق‪0186/‬ـ‪ ،‬تاريخ استعادة البيزنطيْب ؽبا‪ 2.‬اف اختياره ؽبذ اؼبدينة دكف سائر اؼبدف البيزنطية‬
‫أجل اؼبدف عند‬
‫اْلخرل لتكوف عاصمة ؼبلكو‪ ،‬يعود إذل أنبيتها اعبغرافية كالتارىبية‪ ،‬فهي تعد من ّْ‬
‫اؼبسيحيْب‪ ،‬كما أهنا تقع ُب مفَبؽ الطرؽ الرابطة بْب بيت اؼبقدس كالقسطنطينية الٍب َل تبعد عنها‬
‫‪3‬‬
‫إَل حبوارل مائة كلم‪ ،‬فبا هبعلها قاعدة مناسبة للسيطرة على آسيا الصغرل كبالد الشاـ معا‪.‬‬

‫كرغم أف ألكسيس كومنْب‪ ،‬استعاف سابقا بالسالجقة ضد بوتانياتس‪ 4،‬إَل أنو شعر خبطرىم‬
‫اؼبتزايد ؼبا تربع على العرش اَلمرباطورم‪ ،‬خاصة ؼبا أصبحوا قاب قوسْب أك أدسل من القسطنطينية‪.‬‬
‫كلذلك قاـ بشن بعض اغبمالت العسكرية لطردىم كإبعادىم عن مضيق البسفور‪ .‬لكن ؾبهوداتو‬
‫باءت بالفشل‪ ،‬كذلك بسبب انشغاؿ اَلمرباطورية بالتهديد النورماشل لسواحل إيطاليا‪ ،‬كتعاظم خطر‬
‫البشناؽ‪ ،‬فوجد نفسو مضطرا إذل اعبنوح للسلم‪ ،‬فأبرـ معاىدة صلح مع سليماف بن قتلمش ُب سنة‬
‫‪362‬ق‪/‬جواف ‪0170‬ـ‪ ،‬كقد نصت على مساعدة السالجقة لإلمرباطور أثناء قتالو النورماف‪ ،‬كأف‬
‫يكوف هنر دراكو )‪ 5(Draco‬حدا فاصال بْب اغبدكد البيزنطية كالسلجوقية‪ 6.‬كتعترب ىذه اؼبعاىدة‬
‫اعَبافا حبقهم ُب اْلراضي كاؼبدف الٍب فتحوىا‪ ،‬كاعَبافا ضمنيا بقياـ سلطنة سالجقة الركـ ُب نيقية‪،‬‬
‫كبسلطة سليماف على القبائل الَبكية‪.‬‬

‫استغل سليماف ىذا الصلح لتوسيع دائرة نفوذه كرقعة سلطنتو‪ ،‬فاذبو كبو قيليقيا ليستعيد مدف‬
‫الثغور من البيزنطيْب‪ ،‬فافتتح طرسوس كاؼبصيصة ُب سنة ‪364‬ىػ‪0171/‬ـ‪ .‬كُب السنة اؼبوالية فتح‬
‫مدينة عْب زرىب‪ ،‬كدل يكتف بذلك‪ ،‬بل أراد أف يقضي هنائيا على نفوذ البيزنطيْب ُب بالد الشاـ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Comnène Anne : op. cit., t. I, p.136.‬‬
‫‪2‬‬
‫باذياب نورة عبد ا﵁ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪31‬؛ ‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. I, p. 51.‬‬
‫‪ 3‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 91.‬‬
‫‪ 5‬هنر دراكو ‪ :‬هنر صغّب يصب ُب حبر مرمرة‪ ،‬يقع حاليا ُب تركيا كيسمى كّبؾ غيتشيد )‪ (Kirk ghetchid‬ينبع من اعبباؿ الٍب‬
‫تفصل حبّبة نيقية عن البحر (أنظر ‪)Texier Charles : op. cit., p 69. :‬‬
‫‪6‬‬
‫ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪68‬؛ ‪Comnène Anne : op. cit., t. I, pp.137-138.‬‬

‫‪043‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫فاستغل اغبالة اغبرجة الٍب سبر ّٔا دكلتهم‪ ،‬كانتزع منهم ُب سنة ‪366‬ىػ‪0173/‬ـ‪ ،‬أنطاكية كبعض‬
‫أعماؽبا ً‬
‫كضياعها دكف مقاكمة تذكر‪" 1،‬كؼبا ملك سليماف أنطاكية أرسل إذل السلطاف ملكشاه يبشره‬
‫بذلك كينسب ىذا الفتح إليو ْلنو من أىلو كفبن يتوذل طاعتو‪ ،‬فأظهر ملكشاه البشارة بو كىنأه‬
‫الناس"‪ 2،‬كتدؿ ىذه اؼبراسلة على أف سالجقة الركـ آنذاؾ‪ ،‬دل يقطعوا صالهتم بالسالجقة العظاـ ُب‬
‫خراساف‪ .‬كاعبدير بالذكر أف سليماف بن قتلمش انتزع أنطاكية من اْلرمن كليس من البيزنطيْب‪ ،‬حيث‬
‫كاف وبكمها فيالريت اْلرميِب الذم استغل فَبة اَلضطراب كالفوضى الٍب عاشتها الدكلة البيزنطية‬
‫بْب سنٍب ‪352‬ق‪ 0160/‬ك ‪362‬ق‪0170/‬ـ‪ ،‬ليستورل على بعض القالع كاؼبدف البيزنطية‪ .‬ككاف‬
‫اْلرمن كقتئذ‪ ،‬قد استوطنوا تلك اؼبدف كالتفوا حوؿ بعض زعمائهم كقادهتم‪ ،‬كبدأكا ينظموف أنفسهم‬
‫بعيدا عن السلطة البيزنطية‪.‬‬

‫كيبدك أف البيزنطيْب رغم عراقتهم كخربهتم باغبركب‪ ،‬كانوا أقل دىاء من السالجقة‪ْ ،‬لف نظرهتم‬
‫لألتراؾ اؼبسلمْب دل تتغّب عن نظرهتم لألتراؾ اؼبرتزقة الوثنيْب‪ ،‬فقاموا باستدعاء السالجقة إذل قلب‬
‫آسيا الصغرل كاعتمدكا عليهم ُب حراسة العديد من مدهنم‪ ،‬كدل يكونوا قد دخلوىا من قبل‪" ،‬كلكن‬
‫‪3‬‬
‫السالجقة دل يكتفوا حبراسة تلك اؼبدف كإمبا قاموا باَلستيالء عليها"‪.‬‬

‫دل ييقدَّر لسليماف بن قتلمش أف ينعم طويال دبا حصل عليو من انتصارات‪ ،‬كدل يبتد بو العمر‬
‫ش بن ألب أرسالف أخ‬ ‫ليفتح ما تبقى من بالد الركـ ؛ إذ دب النزاع بينو كبْب صاحب دمشق تيػتي ٍ‬
‫السلطاف ملكشاه‪ ،‬حوؿ اؼبمتلكات اػباصة بكل منهما ُب مشاؿ الشاـ‪ .‬فسار سليماف إذل حلب‬
‫مطالبا ّٔا بعد فتحو أنطاكية‪ ،‬فبا أدل إذل اندَلع حرب ضركس بينهما‪ ،‬لقي فيها سليماف مصرعو‬
‫سنة ‪368‬ىػ‪0175/‬ـ‪ 4،‬بعد أف قبح ُب كضع النواة اْلكذل للدكلة اَلسالمية ُب قلب آسيا الصغرل‪،‬‬

‫‪ 1‬باذياب نورة عبد ا﵁ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.25-24‬‬


‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.136‬‬
‫‪ 3‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪4‬‬
‫ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪140‬؛ ‪Comnène Anne : op. cit., t. II, p.65.‬‬

‫‪044‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫متخذا من نيقية مركزا رئيسا لدكلتو الناشئة‪ 1.‬كبوفاتو فقد السالجقة رجال قويا كاف قادرا على توحيد‬
‫اعبماعات الَبكية ُب آسيا الصغرل‪ 2.‬كستزداد حاجتهم إذل مثل ذلك الرجل بعد أف عصفت ّٔم‬
‫رياح اغبركب الصليبية‪ ،‬كدارت عليهم الدكائر‪.‬‬

‫ج – دكر قلج أرسالف بن سليماف في بعث السلطنة‬


‫كبعدىا ً‬
‫قدـ السلطاف ملكشاه إذل حلب فانتزعها من أخيو‪ ،‬كضبط أمور السالجقة ُب الشاـ‬
‫كبالد الركـ‪ ،‬كأرسل سفارة إذل اَلمرباطور ألكسيس كومنْب للتحالف معو‪ٍ 3،‬ب عاد إذل الشرؽ‪.‬‬
‫كليضمن عدـ تدخل أبناء سليماف ُب شؤكف الشاـ‪ ،‬أخذ معو قلج أرسالف‪ 4‬بن سليماف بن قتلمش‪،‬‬
‫رىينة‪ ،‬ككاف آنذاؾ ُب اغبادية عشر من عمره‪ ،‬كظل ُب فارس ربت رقابة السلطاف مباشرة‪ ،‬كبعد كفاة‬
‫ملكشاه سنة ‪374‬ىػ‪0181/‬ـ‪ ،‬توذل عرش السالجقة العظاـ ُب اص ػ ػف ػه ػاف اب ػن ػو ب ػرك ػي ػاركؽ‬
‫(‪387-376‬ىػ‪0013-0183/‬ـ)‪ ،‬فأطلق سراح قلج أرسالف‪ ،‬كظبح لو بالعودة إذل نيقية‬
‫كاستعادة فبتلكات أبيو‪ .‬فاستقبلو اْلتراؾ حبفاكة بالغة‪ .‬كبعد أف كاف سالجقة الركـ ُب آسيا الصغرل‬
‫‪5‬‬
‫بدكف سلطة موحدة؛ بسبب شغور العرش‪ ،‬قامت سلطنتهم من جديد ُب سنة ‪374‬ق‪0181/‬ـ‪.‬‬

‫حاكؿ قلج أرسالف أف ينهض بشؤكف اغبكم‪ ،‬كينفخ الركح ُب الدكلة الٍب تركها لو كالده‪ ،‬كلكنو‬
‫كجد جبهة داخلية ضعيفة مزقتها اغبركب كالصراعات بْب أبناء سلجوؽ كأحفاده‪ 6.‬كجبهة خارجية‬

‫‪ 1‬أبو سعيد حامد غنيم ‪ :‬اعببهة اَلسالمية ُب مواجهة اؼبخططات الصليبية‪ ،‬دار السالـ للطباعة كالنشر‪ ،‬القاىرة‪ .2007 ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.69‬‬
‫‪ 2‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪69‬؛ السرجاشل راغب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Comnène Anne : op. cit., t. II, p.65-66.‬‬
‫‪ 4‬قلج أرسالف اْلكؿ (‪ 411-374‬ىػ ‪0016-0181 /‬ـ)‪ ،‬حارب الصليبيْب كفتح ملطية سنة ‪0015‬ـ‪ ،‬كمات غرقا‪( .‬أنظر‬
‫‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.).1468‬‬
‫‪ 5‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪72‬؛ بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،142‬باذياب نورة عبد ا﵁ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ 6‬تعود بذكر الصراع إذل ما بعد كفاة طغرؿ بك‪ ،‬حيث توذل عرش السالجقة ابن أخيو ألب أرسالف –أب ملكشاه‪ ،-‬كرأل‬
‫قتلمش بن اسرائيل –أب سليماف‪ -‬كىو ابن عم طغرؿ بك‪ ،‬أنو أحق باؼبلك من ألب أرسالف‪ ،‬فأعلن التمرد ُب إقليم اعبباؿ‬
‫الواقع جنوب حبر قزكين‪ ،‬كىاجم الرم كهنب قراىا‪ ،‬فأرسل إليو ألب أرسالف وبذره من شق عصا الطاعة كيدعوه إذل الكف عن‬
‫العصياف‪ ،‬فرفض قتلمش ذلك‪ ،‬كتصاعد التنافس بْب الزعيمْب السلجوقيْب من أجل السيطرة على مدينة الرم‪ .‬كاشتبكا ُب حرب‬
‫ساخنة أسفرت عن قتل قتلمش سنة ‪456‬ىػ‪ .‬ما جعل العالقات بْب ىذين الفرعْب السلجوقيْب متوترة على مر السنْب‪ .‬إضافة =‬
‫‪045‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫تَببص بو الدكائر‪ ،‬حيث انتعشت اَلمرباطورية البيزنطية بعد أف اعتلى عرشها ألكسيس كومنْب الذم‬
‫حاكؿ أف يبعث اغبياة من جديد ُب أكصاؽبا‪ ،‬ككاف يتحْب الفرص لطرد اْلتراؾ كاستعادة أمالؾ‬
‫بيزنطة ُب آسيا الصغرل‪ٍ .‬ب َلح ُب اْلفق خطر جديد‪ ،‬يتمثل ُب قدكـ رجاؿ اغبملة الصليبية اْلكذل‪.‬‬
‫كُب ظل ىذه اْلكضاع ضاعت نيقية من أيدم قلج أرسالف‪ 1،‬فاذبو إذل قونية كازبذىا مركزا لتجمعاتو‬
‫‪2‬‬
‫كعاصمة جديدة للسالجقة ُب بالد الركـ سنة ‪381‬ىػ‪0186/‬ـ‪.‬‬

‫كُب الوقت الذم كاف فيو السالجقة يعملوف على تثبيت أقدامهم ُب اْلجزاء الشمالية كالشرقية‬
‫من اْلناضوؿ‪ ،‬كاف اْلرمن بدكرىم يعملوف على إعادة إحياء دكلتهم ُب إقليم الدركب بْب مرتفعات‬
‫طوركس كسهوؿ قيليقيا‪ .‬كقبحوا ُب تأسيس إمارة ما لبثت أف أصبحت فبلكة‪ ،‬استمرت إذل غاية سنة‬
‫‪665‬ق‪0264/‬ـ‪ .‬كاكتسبت ىذه اإلمارة أنبية بالغة ُب تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬نظرا للدكر الذم‬
‫قامت بو لتسهيل مهمة الصليبيْب ُب عبور منطقة آسيا الصغرل‪ ،‬كتأسيس إمارات صليبية ُب مشاؿ‬
‫الشاـ‪ٍ ،‬ب اَلستيالء على بيت اؼبقدس‪.‬‬

‫= إذل ىذا الصراع‪ ،‬برز ُب اْلناضوؿ بعد معركة منازكرد بعض اْلمراء اْلتراؾ‪ ،‬منهم أضبد دانشمند ُب سيواس بكبادككيا‪ ،‬كزاخاس‬
‫ُب إزمّب‪ ،‬كمنكوكجك ُب أرزقباف كقد كانوا يعملوف غبسأّم اػباص‪ ،‬فأسسوا دكيالت صغّبة مستقلة عن الدكلة السلجوقية دل‬
‫تعَبؼ بسلطة سليماف بن قتلمش‪ ،‬كأثناء غياب قلج أرسالف عن آسيا الصغرل‪ ،‬برز أبو القاسم نائب سليماف ُب نيقية عند‬
‫ذىابو للحرب ُب الشاـ‪ ،‬فطمحت نفسو إذل أبعد من إدارة شؤكف دكلة سليماف بن قتلمش‪ ،‬حيث أعلن نفسو سلطانا على دكلتو‬
‫كأراد أف وبل ؿبل آؿ قتلمش‪( .‬انظر ‪ :‬اَلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪27‬؛ اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق ‪ :‬ص ‪31-30‬؛ طقوش ‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪59-57‬؛ باذياب نورة عبد ا﵁ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .23‬أبو سعيد حامد غنيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪69‬؛‬
‫‪)Comnène Anne : op. cit., t. II, p.64-65.‬‬
‫‪ 1‬سبط بن اعبوزم (مشس الدين أبو اؼبظفر يوسف بن قزاكغلى (ت ‪654‬ق)) ‪ :‬مرآة الزماف ُب تاريخ اْلعياف‪ ،‬ربقيق كدراسة‬
‫مسفر بن سادل بن عريج الغامدم‪ ،‬جامعة أـ القرل‪ ،‬مكة اؼبكرمة‪ .1987 ،‬ص ج ‪ ،1‬ص ‪.300‬‬
‫‪ 2‬باذياب نورة عبد ا﵁ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪046‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫‪ -2‬الهجرة األرمينية‬
‫ا – سياسة األرمنة في قيليقيا‬
‫ليست اؼبرة اْلكذل الٍب يغادر فيها اْلرمن كطنهم اْلـ لالستقرار ُب اعبهات الوسطى كالغربية‬
‫من آسيا الصغرل‪ ،‬حيث يعود تاريخ كجودىم ُب إقليمي كبادككيا كقيليقيا إذل عهد اإلمرباطور اْلرميِب‬
‫ديكراف الثاشل اؼبعركؼ بديكراف الكبّب (‪ 55-94( Tigrane II ou Tigrane le Grand‬ق م))‪،‬‬

‫الذم كصل جبيشو سنة ‪ 73‬ؽ ـ إذل أنطاكية‪ ،‬كقيليقيا‪ٍ 1،‬ب توسع ُب ىذين اإلقليمْب كضمهما إذل‬
‫بالده‪ ،‬فاستوطنهما عدد من اؼبوظفْب‪ ،‬كالتجار‪ ،‬كالعسكريْب اْلرمن‪ 2.‬كُب العهد الركماشل‪ ،‬حْب قاـ‬
‫اَلمرباطور دقلديانوس (‪214-173‬ـ) )‪ ،(Dioclétien‬بوضع تقسيم إدارم جديد ْلقاليم‬
‫اَلمرباطورية‪ ،‬أطلق اسم "أرمينيا الصغرل" على أحد اْلقاليم اعبديدة اؼبنبثق عن مقاطعة كبادككيا‬
‫حوؿ سيواس كملطية‪ 3.‬كىذا يدؿ على تزايد عدد اْلرمن ُب اعبهات الغربية للفرات‪.‬‬

‫كُب القرف اْلكؿ اؽبجرم‪/‬السابع اؼبيالدم‪ ،‬فتح اؼبسلموف مناطق كاسعة من ىذا اإلقليم‪ ،‬كبدأكا‬
‫يتوغلوف ُب كبادككيا‪ ،‬فأسس البيزنطيوف خطا عسكريا دفاعيا جديدا يبتد من هنر ىاليس ُب الغرب إذل‬
‫أرزف كطرابيزكف ُب الشرؽ‪ ،‬كأطلقوا عليو اسم بند اْلرمينياؾ )‪،(Thème des Arméniaques‬‬
‫كاستمد اظبو من اْلرمن الذين كانوا يسكنوف تلك اعبهات‪ ،‬ككاف على رأسو القائد اْلرميِب مليح‬
‫)‪ 4.(Mleh‬كتشّب بعض اؼبصادر العربية إذل كجود اْلرمن ُب اقليم الثغور خالؿ العهدين اْلموم‬
‫كالعباسي‪ 5،‬كلكنهم كانوا أقلية‪ ،‬كدل تكن ؽبم سلطة سياسية خاصة ّٔم‪ ،‬حيث كاف أغلبهم تابعْب‬
‫لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كالقليل منهم يعيش ُب اؼبدف اػباضعة للخالفة اْلموية أك العباسية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Reconquête territoriale et immigration arménienne dans l'aire cilicienne‬‬
‫‪sous les empereurs macédoniens (de 867-1028), ds. : Migrations et diasporas‬‬
‫‪méditerranéennes (Xe-XXIe siècles), Actes du colloque de Conques (octobre 1999),‬‬
‫‪Publications de la Sorbonne, Paris, 2002. p. 11.‬‬
‫‪ 2‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 361; Dédéyan Gérard : op. cit., p. 12.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs, pp. 68-69; Mutafian Claude : op. cit., t. I, p. 362.‬‬
‫‪ 5‬البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪262-261‬؛ قدامة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪187‬؛ اؼبقدسي ‪ :‬مصدر سابق ‪ :‬ص ‪.189-188‬‬
‫‪047‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كبعد أف انتزع البيزنطيوف ُب عهد اْلسرة اؼبقدكنية إقليم قيليقيا‪ 1‬من اؼبسلمْب‪ ،‬ىاجر إليو عدد‬
‫كبّب من اؼبسيحيْب كخاصة اْلرمن‪ 2.‬كفبا يدؿ على أف عدد اعبالية اْلرمينية فيو كاف مرتفعا ُب هناية‬
‫القرف الرابع اؽبجرم‪/‬العاشراؼبيالدم‪ ،‬أهنم سبكنوا من اؼبسانبة ُب تعيْب أسقف ؼبدينة طرسوس‪ ،‬كآخر‬
‫‪3‬‬
‫ؼبدينة انطاكية‪.‬‬

‫كُب النصف اْلكؿ من القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬تنازؿ ملوؾ أرمينيا‬
‫اض شاسعة ُب كبادككيا‪ 4،‬فهاجر‬
‫الكربل عن فبتلكاهتم لإلمرباطورية البيزنطية الٍب منحتهم ضياعا كأر و‬
‫عدد كبّب من اْلرمن إذل ذلك اإلقليم ُب شرؽ آسيا الصغرل‪ ،‬كأغدقت عليهم الدكلة البيزنطية‬
‫اْللقاب كالضياع‪ 5.‬كقد أدت تلك السياسة إذل تأسيس جاليات كمستوطنات أرمينية ُب كبادككيا‪،‬‬
‫يدياف )‪ ،(Gérard Dédéyan‬فقد أدل عددىم اؼبتزايد‬ ‫كقيليقيا‪ ،‬كعلى حد تعبّب اؼبؤرخ جّبار ًد ً‬

‫إذل أرمنة كبادككيا‪ 6.‬كلكن توسع اْلتراؾ السالجقة كاستقرارىم ُب ذلك اإلقليم‪ ،‬جعل أكلئك اْلرمن‬
‫يبحثوف عن مأكل جديد‪ ،‬فاذبهوا كبو جباؿ قيليقيا ُب جنوب شرقي آسيا الصغرل‪ ،‬كما تركزكا ُب‬
‫‪7‬‬
‫اعبهات ا﵀يطة دبلطية كالرىا كأنطاكية‪.‬‬

‫كمهما كانت ىجرة ىؤَلء الركاد من اْلرمن فستظل بسيطة مقارنة ّٔجرهتم الٍب اشتدت بعد‬
‫معركة منازكرد الٍب قلبت اْلكضاع الديبغرافية كاغبضارية ُب منطقة اْلناضوؿ رأسا على عقب؛‪ 8‬إذ‬
‫اندفع السالجقة اْلتراؾ يتوسعوف ُب اْلقاليم الواقعة شرقي آسيا الصغرل‪ ،‬كقد ترتب عن ىذا التمدد‬

‫‪ 1‬انظر الفصل اْلكؿ‪ ،‬ص ‪.75-64‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 187, 198.‬‬
‫‪ 3‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.223-222‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Laurent J. Byzance et les Turcs, p. 69; Dédéyan G. : Les Arméniens sur la frontière, p. 81.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : Les Arméniens dans l'armée byzantine au Xe siècle, ds. : Travaux et‬‬
‫‪mémoires 18 Mélanges Jean-Pierre Mahé, Association des Amis du Centre d'Histoire et‬‬
‫‪Civilisation de Byzance, Paris, 2014. pp. 177-178.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : op. cit., p. 74.‬‬
‫‪ 7‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.83‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Augé Isabelle : op. cit., p. 53.‬‬

‫‪048‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫السلجوقي أف غادر كثّب من اْلرمن موطنهم اْلصلي ُب أرمينيا الكربل‪ ،‬كىاجر آخركف من كبادككيا‪،‬‬
‫يبحثوف عن مأكل جديد كعن كطن بديل ُب اْلقاليم الواقعة غرب الفرات كمشارل بالد الشاـ‪ 1.‬كنظرا‬
‫لألعداد اؽبائلة ؽبؤَلء النازحْب‪ ،‬فقد شبههم مٌب الرىاكم باعبراد‪ 2.‬كاختار كثّب منهم اَلستقرار ُب‬
‫جباؿ طوركس‪ ،‬كاْلمانوس‪ ،‬كسهوؿ قيليقيا الواقعة ُب الركن اعبنويب الشرقي من آسيا الصغرل‪ ،‬فضال‬
‫عن مشاؿ بالد الشاـ‪ 3.‬كاستقر عدد منهم ُب مصر‪ 4.‬كىي اؽبجرة الوحيدة الٍب أدت إذل بعث الدكلة‬
‫اْلرمينية‪ 5،‬كمنحت اْلرمن فرصة تارىبية نادرة للقياـ بدكر كبّب ُب اْلحداث الٍب عرفتها منطقة آسيا‬
‫الصغرل‪ ،‬منذ أكاخر القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ 6.‬فلماذا اختاركا بأعداد غفّبة‬
‫إقليم قيليقيا بالذات ؟‬

‫بالعودة إذل تاريخ إقليم قيليقيا‪ ،‬يبكن استنباط بعض الظركؼ كالعوامل الٍب توضح أسباب توجو‬
‫اْلرمن إذل ىذه الناحية بالذات من آسياالصغرل ‪:‬‬

‫العامل األكؿ ‪ :‬كجود جاليات أرمينية سابقة‪ ،‬يعود تاريخ استقرارىا ىناؾ إذل القرف العاشر‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬فبعد ما سبكنت اَلمرباطورية البيزنطية ُب عهد اْلسرة اؼبقدكنية من استعادة اقليم قيليقيا‪،‬‬
‫كانتزاعو من أيدم اػبالفة العباسية‪ ،‬ىجره معظم من كاف فيو من اؼبسلمْب‪ 7،‬بسبب سياسة الطرد‬
‫كالتهجّب الٍب طبقتها اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬إلفراغو من العرب‪ ،‬كتعمّبه بالعناصر اؼبسيحية‪ .‬كلتحقيق‬
‫ىدفها اعتمدت بيزنطة على اْلرمن‪ْ ،‬لهنم يتميزكف باغبيوية‪ ،‬كربمل اؼبشاؽ‪ ،‬كإتقاهنم لعدة حرؼ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫الركيضي ؿبمود ك الطاكنة ؿبمد سادل ‪ :‬دكر اْلرمن ُب تأسيس إمارٌب الرىا كأنطاقية الصليبيتْب (‪491-490‬ق‪-1097/‬‬
‫‪1098‬ـ)‪ ،‬حوليات آداب عين شمس‪ ،‬مج ‪ ،30‬جويلية‪-‬سبتمرب ‪ .2003‬ص ‪.176‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 182.‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.229-228‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du nord à l'époque des Croisades et la principauté franque‬‬
‫‪d'Antioche, Librairie Orientaliste Paul Geuthner, Paris, 1940. p. 185.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les origines de l'état arménien de Cilicie, Actes du XXIXe Congrès‬‬
‫‪international des Orientalistes, ds. : Orient chrétien, L'Asiathèque, 1975. p. 30; Mutafian‬‬
‫‪Claude : L'Arménie du Levant, t. I, p. 53.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Cahen Claude : op. cit., p. 184.‬‬
‫‪7‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪228‬؛ ‪Dédéyan G : Les Arméniens sur la frontière, p. 73.‬‬

‫‪051‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كسرعة تكيفهم مع اْلكضاع اعبديدة‪ 1.‬كبعد سنة ‪352‬ق‪0160/‬ـ تزايد عدد الوافدين منهم‪،‬‬
‫كتكاثرت اؼبستوطنات اْلرمينية‪ ،‬كُب طرفة عْب تكونت "أرمينيا جديدة"‪ 2.‬كربوؿ اْلرمن الذين‬
‫‪3‬‬
‫يشكلوف أقلية داخل اَلمرباطورية البيزنطية إذل أغلبية ُب إقليم قيليقيا‪.‬‬

‫العامل الثاني ‪ :‬اؼبنطقة ؿبصنة طبيعيا بسلسلة من اعبباؿ العالية‪ ،‬منها مرتفعات طوركس‬
‫كاْلمانوس‪ ،‬يعجز الغزاة عن اخَباقها لصعوبة دركّٔا‪" ،‬دل يكن من السهل الوصوؿ إليها‪ ،‬بينما كاف‬
‫من اليسّب الدفاع عنها"‪ 4.‬كقد ساعدت ىذه الطبيعة اعببلية قادة اْلرمن على اَلستقالؿ عن‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬بل كالتمرد عليها ُب كثّب من اْلحياف‪ ،‬كاىتم النازحوف اعبدد بإقامة اْلبراج‬
‫كاغبصوف‪ ،‬حيث بلغ عدد القالع الٍب أصبحت ربت أيديهم‪ ،‬خالؿ القرف السادس اؽبجرم‪/‬الثاشل عشر‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬حوارل ‪ 61‬قلعة‪ 5،‬كعبأكا بأعداد كبّبة كبو اؼبدف الواقعة ُب اعبهات الداخلية عبباؿ طوركس أك سهل‬
‫كدليوؾ )‪ ،6(Delouk‬ك ُّالرىا )‪.(Edesse‬‬
‫قيليقيا‪ ،‬مثل ىم ٍر ىعش )‪ ، (Marach‬كطىىر يسوس )‪ ، (Tarse‬ي‬

‫العامل الثالث ‪ :‬اؼبوقع اَلسَباتيجي للمنطقة‪ ،‬فهي تتحكم ُب الطريق من آسيا إذل بالد‬
‫الشاـ‪ ،‬كتطل على البحر اؼبتوسط من اعبنوب‪ .‬كتضم عدة قالع كبلدات منها أى ىذنىة )‪(Adana‬‬
‫ْب ىزٍرىب )‪ .. (Anazarbe‬كقد عرفت ىذه اؼبنطقة بالثغور الشامية‪.7‬‬
‫يصة )‪ ،(Mamistra‬ك ىع ٍ ي‬
‫ص ى‬‫كاؼب ّْ‬
‫ى‬

‫‪ 1‬ظهر سنة ‪– 1855‬أم أثناء اَلحتالؿ الفرنسي للجزائر‪ -‬مشركع لتشجيع اْلرمن على اؽبجرة كبو اعبزائر‪ ،‬كاَلستقرار فيها‬
‫كيذكر اؼبشركع أف اْلرمن ىم الشعب الوحيد ُب العادل الذم يبكنو أف يتكيف بسهولة مع أكضاع اعبزائر‪ ،‬على عكس اعباليات‬
‫اْلخرل‪ ،‬خاصة كأف بالدىم مقسمة بن ركسيا كتركيا كإيراف‪ .‬دعا إليو أحد اعبغرافيْب الفرنسيْب‪ ،‬كنشر حولو كتابا كعديد‬
‫اؼبقاَلت‪ ،‬كت ػحػ ػمػ ػس ػ ػت ل ػلػ ػم ػ ػش ػ ػركع بػ ػع ػ ػض الػ ػجػ ػمػ ػعػ ػي ػ ػات الػ ػخّبية اْلرمينية‪ ،‬مثل صبعية اؼبخيتاريْب ُب البندقية‬
‫)‪ ،(Congrégation Mekhitariste de Venise‬كلكن اْلرمن الفرنسيْب رفضوه ككجهوا لو عديد اَلنتقادات‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫‪V. A. Barbié Du Bocage : De l'introduction des Arméniens catholiques en Algérie, librairie‬‬
‫‪d'Amyot éditeur, Paris, 1855).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 489, 522.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Augé Isabelle : op. cit., p. 18.‬‬
‫‪ 4‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.279‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. I, p. 405.‬‬
‫‪ 6‬دلوؾ ‪" :‬بليدة من نواحي حلب بالعواصم"‪( .‬أنظر ‪ :‬اغبموم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.).256‬‬
‫‪ 7‬أنظر الفصل اْلكؿ‪ ،‬ص ‪.46-43‬‬
‫‪050‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫العامل الرابع ‪ :‬عدـ سيطرة السالجقة على قيليقيا‪ ،‬سيطرة حقيقية كاملة كدائمة لصعوبة‬
‫بيئتها اعببلية من جهة‪ ،‬كْلهنم ُب توسعهم إذل قلب آسيا الصغرل دل يسلكوا طريق اعبنوب‪ ،‬بل‬
‫اذبهوا اذباىا أفقيا من الشرؽ إذل الغرب‪ ،‬عرب أرمينيا ككبادككيا كفرهبيا‪ ،‬كمن شبة دل تقع قيليقيا‪ ،‬على‬
‫طريقهم الرئيسي‪ 1.‬كدل يتجهوا ُب أكؿ اْلمر إذل اْلقاليم اعبنوبية ُب آسيا الصغرل‪ ،‬فبا أدل إذل عزؿ‬
‫‪2‬‬
‫تلك اؼبنطقة عن بقية أقاليم اَلمرباطورية البيزنطية‪.‬‬

‫العامل الخامس ‪ :‬كاف إقليم قيليقيا ملجأ لعدد من اْلمراء‪ ،‬كالقادة اْلرمن الذين أفلتوا بصعوبة من‬
‫فكي الكماشة البيزنطية السلجوقية‪ ،‬كقبحوا ُب تأسيس إمارات أرمينية صغّبة‪ ،‬سيكوف ؽبا دكر كبّب‬
‫‪3‬‬
‫ُب مستقبل الشعب اْلرميِب‪.‬‬
‫‪(Khatchatour‬‬ ‫كمن بْب أكلئك القادة الذين برزكا ُب قيليقيا ‪ :‬خاتشاتور‬
‫))‪( ،(Խաչատուր‬معناه ىبة الصليب) كىو من عائلة أرمينية عريقة‪ ،‬كشغل عدة مناصب ُب‬
‫اإلدارة البيزنطية‪ ،‬حيث عينو اَلمرباطور ركمانوس الرابع‪ُ ،‬ب أكائل سنة ‪462‬ق‪/‬أكاخر ‪1069‬ـ‪،‬‬
‫حاكما )‪ (Duc‬على مدينة أنطاكية‪ 4.‬كبعد منازكرد‪ ،‬أصبح يتصرؼ كسيد مستقل ُب منطقة‬
‫أنطاكية كقيليقيا‪ ،‬الٍب أمست مالذا ْلعداد كبّبة من اْلرمن‪ .‬كما استقبل اَلمرباطور ركمانوس‬
‫ديوجْب بعد إطالؽ سراحو‪ ،‬كتعرضو َلنقالب‪ .‬فساعده خاتشاتور كثّبا َلستعادة العرش اؼبفقود‪،‬‬
‫كرفع لواء العصياف كالتمرد ضد اَلمرباطور ميخائيل السابع‪ ،‬لكنو اهنزـ ُب إحدل اؼبعارؾ سنة‬
‫‪464‬ق‪1072/‬ـ‪ ،‬كانتهى بو اْلمر أسّبا ُب القسطنطينية‪ 5،‬كىو يبثل صورة عن القادة اْلرمن الذين‬
‫ظهركا ُب قيليقيا بعد منازكرد‪.‬‬

‫‪ 1‬عاشور ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.232‬‬


‫‪ 2‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ العالقات بْب الشرؽ كالغرب ُب العصور الوسطى‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪ .1976 ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ 3‬عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬السياسة الشرقية لإلمرباطورية البيزنطية ُب عهد اَلمرباطور مانويل اْلكؿ (‪1180-1143‬ـ)‪ ،‬دار اؼبعرفة‬
‫اعبامعية‪ ،‬اَلسكندرية‪ .2010 ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 41.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans et Croises, étude sur les pouvoirs‬‬
‫‪arméniens dans le Proche-Orient méditerranéen (1068-1150), Fondation Calouste Gulbenkian,‬‬
‫‪Lisbonne, 2003.t. I, pp. 39-40.‬‬
‫‪051‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫ب ‪ -‬موقف البيزنطيين من األرمن في قيليقيا‬
‫كإذا كانت الدكلة البيزنطية قد يئست‪ ،‬كعجزت عن اسَبداد اْلقاليم الٍب فتحها السالجقة‬
‫كاستقركا فيها بعد أف تغلبوا عليها‪ ،‬كقهركىا ُب معركة منازكرد‪ ،‬فكيف كانت تنظر إذل التفاؼ اْلرمن‬
‫حوؿ بعض أمرائهم كقادهتم الفارين من اَلدارة‪ ،‬أك من اعبيش البيزنطي‪ ،‬كاستيالئهم على بعض اؼبدف‬
‫كالقالع البيزنطية ؟ أدل تعتربىم أعداء مثلهم مثل السالجقة ؟ خاصة كأف اػبالؼ اؼبذىيب بْب‬
‫الكنيستْب البيزنطية كاْلرمينية قد كرس عداء تقليديا بينهما منذ فَبة طويلة ؟‬

‫لقد أدت اْلحداث التارىبية الٍب عاشتها آسيا الصغرل عقب معركة منازكرد إذل عزؿ إقليم‬
‫قيليقيا عن القسطنطينية‪ ،‬كفبا َلشك فيو أف أباطرة بيزنطة كانوا ينظركف بعْب الريبة إذل حركة اإلحياء‬
‫اْلرمينية الٍب برزت ُب ىذا اَلقليم‪ ،‬خاصة كأف بعض اْلمراء اْلرمن كانوا من اؼبعارضْب لإلمرباطور‬
‫ميخائيل السابع‪ ،‬بل كمنهم من استقبل اَلمرباطور اؼبنهزـ ركمانوس الرابع‪ .‬ككانوا يدركوف بأف بعض‬
‫اْلمراء كقادة اعبيش البيزنطي من اْلرمن الذين استقركا ُب بعض القالع كاؼبدف‪ ،‬قد أصبحوا يتصرفوف‬
‫مستقلْب عن اَلمرباطورية الٍب أصبحت مشلولة كعاجزة عن ازباذ أم إجراء ضدىم‪.‬‬

‫كإذا كاف اْلباطرة قد غضوا الطرؼ عن حركة اْلرمن ُب قيليقيا‪ ،‬فإهنم كانوا يدركوف أهنم‬
‫يشكلوف عنصرا قويا على أطراؼ دكلتهم‪ ،‬فحاكلوا أف يستفيدكا منهم‪ ،‬كفكركا –طوعا أك كرىا‪ُ -‬ب‬
‫ازباذىم درعا كاقية ككسيلة كأداة للدفاع عن اغبدكد الشرقية لإلمرباطورية‪ 1.‬كمهما يكن مذىبهم‬
‫كموقفهم السابق ُب التاريخ من الدكلة البيزنطية‪ ،‬فيكفي كوهنم مسيحيوف يؤمنوف باؼبسيح كرسالتو؛‬
‫ْلف اػبطر الذم يهدد كياف الدكلة البيزنطية كاف نابعا من ناحية الشرؽ –بصفة أساسية‪ -‬من‬
‫‪2‬‬
‫السالجقة بالذات‪ ،‬كىم مسلموف‪.‬‬

‫‪ 1‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ العالقات‪ ،‬ص ‪54‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪229‬؛‬
‫‪Iorga N. : Brève histoire de la petite Arménie, Librairie universitaire J. Gamber, Paris, 1930.‬‬
‫‪p. 15; Treatgold Warren : op. cit., p. 607.‬‬
‫‪ 2‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪052‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كقد قاـ بعض اْلباطرة البيزنطيْب بتنصيب أمراء أرمن عمالء ؽبم‪ 1،‬يدينوف ؽبم بالوَلء‬
‫كاػبضوع‪ ،‬كردبا اقتصر عملهم على التجسس كصبع اؼبعلومات لصاحل اْلباطرة‪ ،‬الذين يعتمدكف عليهم‬
‫ُب حراسة حدكد اَلمرباطورية ُب ىذا الركن من ترأّا‪ ،‬كأخذ نفوذ ىؤَلء اْلمراء يشتد كيتوسع‪ ،‬ما‬
‫أدل إذل تأسيس إمارات مستقلة عن سيادة اَلمرباطورية البيزنطية‪ .‬كمن بْب ىؤَلء برزت شخصية‬
‫‪2‬‬
‫فيالريت براخاميوس)‪ (Philarète Brakhamios‬الذم فتح صفحة جديدة ُب تاريخ أرمينيا‪،‬‬
‫حيث كاف ؼبدة شباشلى عشر سنة (‪372-354‬ق‪ ،)0181-0161/‬على رأس إمارة أرمينية‬
‫َلمست حدكدىا جباؿ طوركس كمشاؿ سوريا كغرب الفرات‪ .‬فمن ىو فيالريت ؟ ككيف أصبح‬
‫حاكما ُب قيليقيا ؟ كما دكره ُب تاريخ أرمينيا الصغرل ؟‬

‫‪ – 3‬تأسيس أكؿ دكلة أرمينية في قيليقيا (‪483-465‬ق‪1090-1072/‬ـ)‬


‫أ ‪ -‬فيالريت براخاميوس‬
‫ينتمي فيالريت‪ 3‬إذل أسرة أرمينية ضاربة ُب القدـ‪ ،‬خدـ كثّب من أفرادىا اإلمرباطورية البيزنطية‬
‫مدة تزيد عن قرف‪ 4،‬خاصة خالؿ عهد اْلسرة اؼبقدكنية الٍب استعادت مبادرة اؽبجوـ على دار‬
‫اَلسالـ خالؿ القرف الرابع اؽبجرم‪/‬العاشر اؼبيالدم‪ .‬ككاف لبعض أفراد أسرة براخاميوس دكر ُب انتزاع‬
‫‪5‬‬
‫البيزنطيْب مدينة أنطاكية من أيدم اؼبسلمْب سنة ‪248‬ق‪858/‬ـ‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Grousset : Histoire de l'Arménie, p. 636; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. I, p. 55.‬‬
‫‪ 3‬يسميو البيزنطيوف فيالريتوس براخاميوس‪ ،‬ككرد ُب اؼبصادر السريانية باسم فيالردكس )‪ ،(Philardus‬كُب اؼبصادر العربية باسم‬
‫الفالدركس‪ ،‬أما اللقب براخاميوس فهو ربريف ركماشل َلظبو اْلرميِب فاىراـ )‪ .(Vahram‬كقد كرد اسم فاىراـ ُب قصيدة ْليب‬
‫آؿ " منو ًاؿ" اعبحاجحةى الغلبا‬
‫سل ى‬
‫ك ٍ‬ ‫و‬
‫بلنطس‬ ‫آؿ " ّٔرواـ " ى‬
‫كآؿ "‬ ‫سل ى‬
‫ك ٍ‬ ‫فراس اغبمداشل ‪:‬‬
‫ما يدؿ أف ؽبذه اْلسرة دكرا كبّبا ُب اغبرب الٍب دارت بْب اغبمدانيْب كالبيزنطيْب‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫)‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 81; Grousset : L'Empire du Levant, p. 177.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans t. I, p. 18.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪)Dédéyan‬‬ ‫حوؿ دكر أفراد أسرة فاىراـ ُب اَلمرباطورية البيزنطية‪( .‬أنظر ‪Gérard : op. cit., t. I, pp. 6-17 :‬‬

‫‪053‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫يعترب فيالريت أشهر أفراد آؿ براخاميوس‪ْ ،‬لنو ظهر ُب ظرؼ زمِب كاف اْلرمن ُب أمس اغباجة‬
‫إذل كطن هبمع مشلهم‪ ،‬كإذل قائد يوحد صفوفهم‪ .‬كرغم ذلك فقد أثار اؼبؤرخوف جدَل كبّبا حوؿ‬
‫ىذه الشخصية‪ ،‬فمنهم من يعتربه قد فتح صفحة جديدة ُب تاريخ أرمينيا‪ 1،‬كمغامرا جسورا‪ 2.‬كيعترب‬
‫عند آخرين باعث الدكلة اْلرمينية كمؤسسها اْلكؿ ُب اؼبهجر‪ُ 3.‬ب حْب يرل بعضهم أف فيالريت َل‬
‫ينتمي إذل اْلمة اْلرمينية إَل بأجداده فقط ؛ ْلنو زبلى عن مذىب الطبيعة الواحدة‪ ،‬كقلد البيزنطيْب‬
‫ُب عاداهتم‪ ،‬كتكلم لغتهم‪ ،‬كاعتنق مذىب الكنيسة البيزنطية اْلرثوذكسية‪ ،‬فكاف ذلك خطيئة كبّبة َل‬
‫تغتفر‪ ،‬حٌب ظبي عندىم باؼبولود اْلكؿ إلبليس‪ 4.‬كُب نظرىم رغم كونو مسيحيا فقد كاف فاقدا‬
‫لإليباف‪ 5.‬كعند السرياف َل يعدك فيالريت أف يكوف رئيس عصابة امتهنت النهب كاللصوصية‪ 6.‬فأين‬
‫اغبقيقة من كل ىذا ؟‬
‫‪7‬‬
‫تلقى فيالريت أثناء طفولتو تعليما دينيا على يد عمو ُب دير أرميِب يقع قرب حصن منصور‪،‬‬
‫ليجد نفسو يتصرؼ كراىب‪ 8،‬كيبدك أف حياة الرىبنة القاسية‪ ،‬كنظامها الصارـ دل تنل إعجابو‪ ،‬فغادر‬
‫الدير‪ 9،‬كَل تذكر اؼبصادر كجهتو‪ ،‬كلكنو ؼبع كقائد متألق ُب صفوؼ القوات البيزنطية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset : Histoire de l'Arménie, p. 489, 636.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du levant, p. 177.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les origines de l'état arménien de Cilicie, p. 35; Dédéyan Gérard : Les‬‬
‫‪Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 73.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 173.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 173.‬‬
‫‪ 7‬حصن منصور ‪ :‬ىو اليوـ مدينة أديباف تقع جنوب شرؽ تركيا‪ ،‬كاف الركـ يسميو برىا )‪ ،(Perrhe‬كقد نسب إذل بانيو منصور‬
‫القيسي‪ ،‬كىو من قادة اعبند ُب خالفة مركاف الثاشل آخر خلفاء بِب أمية‪ٍ ،‬ب أحكم بناءه ىاركف الرشيد كشحنو بالرجاؿ ُب أياـ أبيو‬
‫اؼبهدم‪ .‬كقاؿ ابن حوقل انو قد أصاب ىذه اؼبدينة ما أصاب غّبىا من الثغور من هنب كزبريب على أيدم بِب ضبداف كالركـ‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪166‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)155‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : loc. cit.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : op. cit., t. I, pp. 6-17.‬‬

‫‪054‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫البرط فيالريت مبكرا ُب اعبيش البيزنطي كأصبح ضابطا‪ ،‬حيث توذل ف ػي ػما ب ػي ػن س ػن ػٍب‬
‫‪331‬ق‪0141/‬ـ ك‪341‬ق‪0151/‬ـ قيادة فرقة من اؼبشاة‪ ،‬متكونة من ألف جندم‬
‫)‪ 1.(Taxiarque‬كُب عهد اَلمرباطور قسطنطْب العاشر دكقاس‪ ،‬أصبح ضابطا ُب قيادة كتيبة من‬
‫اعبند ا﵀َبفْب )‪ (Tagma‬بكبادككيا‪ ،‬كردبا ىي اؼبناسبة الٍب مكنتو من التعرؼ على ركمانوس الرابع‬
‫ديوجْب –قبل أف يصبح امرباطورا‪ -‬كالذم كانت لو أمالؾ كاسعة ىناؾ‪ 2.‬كُب سنة‬
‫‪350‬ق‪0157/‬ـ‪ ،‬اصبح نائبا لالمرباطور )‪ُ (duc-Katépano‬ب ملطية كمرعش‪ ،‬كقائدا‬
‫‪3‬‬
‫غباميتهما العسكرية‪ ،‬كلكنو فشل ُب التصدم للسالجقة ُب مدينة عمورية كضواحيها‪.‬‬

‫كأثناء اغبملة البيزنطية الثانية الٍب قاـ ّٔا اَلمرباطور ركمانوس الرابع على مدينة خالط ُب ربيع‬
‫سنة ‪351‬ق‪0158/‬ـ‪ ،‬كلَّف فيالريت بقيادة اعبزء اْلكرب من اعبيش‪ 4،‬كل ىك ٍونًو خلقدكنيا فقد‬
‫كسب ثقة اَلمرباطور‪ ،‬فعينو ُب منصب سَباتيجوس )‪ ،5(Stratège‬أك ردبا رئيسا لفرؽ حرس‬
‫القصر )‪ 6(Domestique des Scholes‬كىي أعلى رتبة عسكرية‪ .‬ك عهد إليو حبماية اغبدكد‬
‫الشرقية من ىجمات السالجقة‪ 7،‬كبذلك بلغ فيالريت ذركة ؾبده ُب اعبيش البيزنطي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude et Vannier Jean-François : Etudes prosopographiques, Publications de‬‬
‫‪la Sorbonne, Paris, 1986. p. 66.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid., p. 67.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : Les Arméniens de l'Empire en Orient, p. 70; Dédéyan Gérard : Les‬‬
‫‪Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, pp. 19-23.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : Etudes prosopographiques. p. 67.‬‬
‫‪ 5‬اَلسَباتيجوس ‪ :‬ىو قائد ألوية الثغور أك الثيم )‪ ،(thèmes‬أم قائد الناحية العسكرية كُب نفس الوقت ىو رئيس اغبكومة‬
‫اؼبدنية ُب اَلقليم الذم تقع فيو تلك اْللوية‪ ،‬كىو يتبع اَلمرباطور مباشرة‪ ،‬كيتحمل كامل مسؤكلياتو أماـ اَلمرباطور ُب حفظ‬
‫اْلمن كالنظاـ ُب إقليمو (أنظر ‪ :‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬اغبضارة البيزنطية‪ ،‬ترصبة عبد العزيز توفيق جاكيد‪ ،‬اؽبيئة اؼبصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬ط ‪ ،3‬القاىرة‪ .2010 ،‬ص ‪144‬؛‬
‫)‪Bréhier L. : Les institutions de l'empire byzantin, Editions Albin Michel, Paris, 1949. p. 360.‬‬
‫‪6‬‬
‫ُّمستق ‪ :‬كاف ُب البداية ضابطا غبرس القصر‪ ،‬كازدادت أنبية ىذا اؼبنصب ُب القرف العاشر‪ ،‬حيث أصبح الدمستق ىو القائد‬
‫الد ي‬
‫العاـ للجيش كلو‪ ،‬كاختلفت مكانتو كمسؤكلياتو باختالؼ الظركؼ‪ ،‬كُب بعض اْلكقات كاف ىناؾ قائد لقيادة جيوش الشرؽ‬
‫كالثاشل لقيادة جيوش الغرب‪( .‬أنظر ‪ :‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬اغبضارة البيزنطية‪ ،‬ص ‪146-145‬؛ ‪Bréhier : op. cit., p. 367.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Treadgold Warren : op. cit., p. 602; Dédéyan Gérard : Les Arméniens sur la frontière, p. 84.‬‬

‫‪055‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كؼبا كاف اَلمرباطور ُب طريقو ﵀اصرة مدينة خالط‪ ،‬كصلت إذل مسامعو أخبار عن ؾبموعة من‬
‫الَبكماف قاموا دبهاصبة مدينة قونية‪ ،‬كعادكا منها ؿبملْب بالغنائم‪ .‬فغّب خطتو كاذبو إذل مدينة سيواس‪.‬‬
‫كطلب من فيالريت أف يقطع عليهم طريق العودة‪ .‬كلكنو عجز عن ربقيق النصر‪ْ ،‬لف اْلتراؾ‬
‫كعادهتم ُب حركّٔم اػباطفة فسحوا لو الطريق ٍب التفوا حولو كىزموه‪ 1.‬كما أف عددا كبّبا من قواتو‬
‫بقي متمركزا ُب ملطية‪ ،‬كدل يستطع التحكم فيهم‪ ،‬إذ دبجرد أف علموا باقَباب اْلتراؾ السالجقة فركا‬
‫من مواقعهم‪ ،‬فاىتزت ثقة اَلمرباطور ُب قائده اْلرميِب‪ ،‬كخاب أملو فيو‪ ،‬فبا أدل بو إل ػى اَلع ػت ػم ػاد‬
‫‪2‬‬
‫–ُب ضبلتو اؼبقبلة‪ -‬على قائد آخر كىو مانويل كومنْب )‪.(Manuel Comnène‬‬

‫ب ‪ -‬تمرد فيالريت على االمبراطورية البيزنطية‬


‫تسكت اؼبصادر عن نشاط فيالريت فيما بْب سنٍب ‪462‬ق‪ 1069/‬ك ‪463‬ق‪1071/‬ـ‪ ،‬كدل‬
‫يرد اظبو مع القادة الذين شاركوا مع ركمانوس الرابع ُب معركة منازكرد‪ ،‬كىذا َل يعِب أنو كاف معزكَل أك‬
‫‪4‬‬
‫غائبا‪ 3.‬كيبدك أنو دل يغادر منطقة قيليقيا كمشاؿ سوريا‪ ،‬كلعلو بقي ُب ملطية أك مرعش‪ ،‬أك أنطاكية‪،‬‬
‫لكنو دل يكن متفرجا على اْلحداث الٍب ذبرم حولو‪ .‬إذ سرعاف ما برز ُب جباؿ طوركس مع صبوع‬
‫اْلرمن الذين كقفوا مع اَلمرباطور اؼبنهزـ ُب ؿبنتو‪ ،‬كرفض اَلعَباؼ باَلمرباطور ميخائيل السابع‬
‫دكقاس‪ ،‬كرفع راية العصياف ضده‪ .‬كاستغل فَبة الفوضى كاغبرب اْلىلية الٍب حلت بالدكلة البيزنطية‬
‫بعد سنة ‪463‬ق‪1071/‬ـ‪ ،‬كشرع يعمل غبسابو اػباص‪ ،‬مستقال عن السلطة اؼبركزية ُب‬
‫القسطنطينية‪ ،‬كاستوذل على أىم قالع كمدف قيليقيا الواقعة ُب اؼبرتفعات‪ ،‬الٍب عبأ إليها اْلرمن بأعداد‬
‫كثيفة‪ 5.‬فعمل على ربصينها كتأمْب دركّٔا كمسالكها‪ ،‬كأصبح من الصعب أف يصل إليها أعداؤه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪244‬؛ ‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 268.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 26.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : Etudes prosopographiques, p. 68.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : La perte de l’Asie Mineure au Xie siècle a-t-elle laissé des traces dans‬‬
‫‪l’anthroponymie familiale ?, ds. S.B.S., vol. 12, Walter de Gruyter, Berlin, 2016. p. 3.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Bréhier Louis : op. cit., p. 272.‬‬

‫‪056‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كبذلك ساىم ُب توفّب ملجوإ آمن ْلتباعو‪ 1.‬كُب الوقت الذم كانت فيو قوة السالجقة تتعاظم ُب‬
‫آسيا الصغرل‪ ،‬قبح فيالريت ُب كضع أكؿ لبنة لتأسيس سلطة أرمينية مستقلة عن اَلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪.‬‬

‫بدأ نشاط ىذا القائد من قرية شّبباز )‪ (Shîrbaz‬الواقعة قرب مدينة مرعش‪" 2،‬كاجتمع زىاء‬
‫طبسْب رجال من رجاؿ اغبرب اْلرمن كاصطلحوا على دخوؿ البالد كسلبها‪ ،‬كؼبا كصلوا إذل مرعش‬
‫فٌب أرميِب اظبو فيلردس اطلعوا على دىائو كبطشو كشجاعتو ُب الغزك كالقتل فولوه ىدايتهم‬
‫صادفهم ن‬
‫‪3‬‬
‫كنصبوه زعيما عليهم‪ ،‬كما عتم اف استفحل امرىم كنشموا يسلبوف أمكنة حصينة ببالد قيليقية"‪،‬‬
‫مستغال ذبربتو كمعرفتو السابقة لإلقليم‪ ،‬كأخذت قوتو تتضاعف مع الوقت‪ ،‬خاصة بعد أف التحق بو‬
‫حوارل شبانية آَلؼ من الفرقبة اؼبرتزقة الذين جندىم ركمانوس الرابع ُب صفوؼ جيشو سابقا‪ .‬كبعد‬
‫منازكرد بقليل‪ ،‬فشل قائدىم ركسل بايوؿ ُب حركتو التمردية ضد ميخائيل السابع‪ ،‬فوجد ىؤَلء‬
‫اؼبرتزقة أنفسهم أماـ مصّب ؾبهوؿ‪ ،‬بدكف قائد كبدكف ركاتب‪ ،‬فانضموا إليو‪ 4.‬كالسؤاؿ الذم يطرح‬
‫نفسو ُب ىذا اؼبقاـ‪ ،‬ؼباذا عارض فيالريت اَلمرباطور ميخائيل السابع ؟ كما مصلحتو ُب ذلك ؟ ىل‬
‫كاف قائدا قوميا انفصاليا وبمل مشركعا سياسيا ؟ أـ كاف ؾبرد مغامر يبحث عن اؼباؿ كاؼبكانة ؟‬

‫يبدك أف اَلمرباطور ميخائيل السابع دل وبتفظ بفيالريت كقائد للجيش البيزنطي ُب قيليقيا‪،‬‬
‫كاستغُب عن خدماتو‪ ،‬كدل يبنحو حكم أم مدينة من اؼبدف الٍب كانت ربت سلطتو سابقا‪ .‬فوجد‬
‫نفسو مبعدا عن السلطة كىو الذم ذاؽ نعيمها كحالكهتا‪ ،‬كتردد على قصورىا‪ ،‬فلم يبق أمامو إَل‬
‫التمرد ضد السلطة القائمة كسبيل لرد اَلعتبار‪ .‬كؼبا اتصل باَلمرباطور نقفور الثالث بوتانياتس‬
‫(‪1081-1078‬ـ)‪ ،‬الذم قبح ُب حركتو التمردية سنة ‪471‬ق‪1078/‬ـ‪ ،‬برر لو موقفو من‬
‫اَلمرباطور السابق بقولو أنو عاملو باحتقار كبطريقة َل تليق دبقامو‪ ،‬كذباىلو‪ ،‬كأف اَلمرباطور كاف أسّب‬
‫‪1‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et Antioche sous le curopalate Philarète, R.E. Arm., t. IX fasc. 1,‬‬
‫‪Librairie orientaliste Paul Geuthner, Paris, 1929. pp. 61-62.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 173.‬‬
‫‪ 3‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.118-117‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Laurent J. : op. cit., p. 62; Grousset : L'Empire du Levant, p. 177.‬‬

‫‪057‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫حاشيتو كمستشاريو‪ 1.‬كيقصد بذلك الوزير نيكيفوريزاس )‪ 2،(Niképhoritzès‬الذم احتكر ذبارة‬
‫القمح‪ ،‬كرفع سعره إذل درجة حدكث ؾباعة‪ 3،‬كأظهر صرامة ُب مسألة جباية الضرائب‪ ،‬كما أنو أرسل‬
‫السالجقة ﵀اربة ركسل بايوؿ‪ ،‬الذم كاف ىو اآلخر معارضا لإلمرباطور ميخائيل السابع‪ ،‬كردبا كاف‬
‫فيالريت متعاطفا معو‪ .‬ىذه اإلجراءات مست مصاغبو‪ ،‬كلذلك حينما اندلعت اغبرب اْلىلية بْب‬
‫ميخائيل السابع دكقاس كركمانوس الرابع ديوجْب‪ ،‬كقف فيالريت مع ىذا اْلخّب‪4،‬فأصبح من‬
‫اؼبتمردين ُب عْب السلطة البيزنطية‪ ،‬كىذا ما جعل مٌب الرىاكم يقوؿ عنو أنو دل يكن ؿببوبا ك َل مقربا‬
‫‪5‬‬
‫من البيزنطيْب‪.‬‬

‫كُب الوقت الذم كاف فيو السالجقة يتوسعوف ُب مشاؿ كشرؽ آسيا الصغرل‪ ،‬تعرض فيالريت‬
‫للتهميش من طرؼ حكومة القسطنطينية‪ ،‬كبقي مدة ست سنوات (‪ )1078-1072‬من اؼبغضوب‬
‫عليهم‪ ،‬كفقد منصبو ككل امتيازاتو‪ .‬كلكنو دل ينقطع عن النشاط العسكرم‪ ،‬فاستغل عجز اغبكومة‬
‫البيزنطية‪ ،‬كانشغاؽبا دبشاكلها الداخلية كاػبارجية‪ ،‬كراح يعمل غبسابو اػباص معتمدا على عصابتو‬
‫كمليشياتو‪.‬‬

‫شرع فيالريت مع عصابتو ُب عمليات السلب كالغزك‪ ،‬ككاف يركز على اْلديرة كالكنائس‬
‫السريانية حبثا عن اؼباؿ‪ٍ 6.‬ب أخذ يستعيد اؼبدف كالقالع البيزنطية الٍب كانت ربت سلطتو ُب عهد‬
‫اَلمرباطور ركمانوس الرابع‪ 7.‬فانتزع مدينة مرعش من البيزنطيْب سنة ‪465‬ق‪1072/‬ـ‪ ،‬كازبذىا مركزا‬
‫لعملياتو‪ ،‬كمأكل عبماعتو‪ ،‬كغدت مقر حكمو‪ .‬كؽبذه اؼبدينة أنبية خاصة‪ ،‬فهي تقع على سفوح‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 47.‬‬
‫‪ 2‬نيكيفوريزاس ‪ :‬ىو قائد اعبيش البيزنطي سابقا ُب مدينة أنطاكية ُب عهد اَلمرباطور قسطنطْب دكقاس‪ ،‬كفقد منصبو كمكانتو ُب‬
‫عهد ركمانوس الرابع‪ ،‬كاصبح الرجل القوم ُب القصر اَلمرباطورم كالوزير اؼبقرب ُب عهد ميخائيل السابع‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : loc. cit.).‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 270.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : op. cit., t. I, p. 48.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 173.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : op. cit., t. I, p. 20.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et Antioche, op. cit., p. 62.‬‬

‫‪058‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫جباؿ طوركس الداخلية‪ ،‬كربتل موقعا اسَباتيجيا‪ ،‬كىي أىم فبر عرب الدركب بْب آسيا الصغرل ُب‬
‫الشماؿ‪ ،‬كمشاؿ سوريا ُب اعبنوب‪ ،‬كبْب قيليقيا ُب الغرب‪ ،‬كمنطقة الفرات ُب الشرؽ‪ ،‬كىو يعرؼ‬
‫اؼبدينة جيدا حبكم نشأتو ُب قرية شّبباز القريبة منها‪ .‬كما كاف أسالفو يقيموف ّٔا كؽبم فيها عدة‬
‫فبتلكات‪ ،‬ككانت ربت سلطتو ؼبا كاف حاكما على ملطية كقائدا عاما للجيش البيزنطي ُب كقت‬
‫‪1‬‬
‫سابق‪.‬‬

‫كمن مدينة مرعش شرع يتوسع ُب أعارل هنر جيحاف (بّبامس )‪ ،(Pyramus‬فاستوذل على‬
‫قلعة رعباف )‪ ،2(Raban‬كأىبػيلي ٍستىػ ٍْب‪ (Ablastha) 3‬الواقعتْب على ضفٍب النهر‪ .‬كطرد منهما‬
‫اؼبوظفْب البيزنطيْب‪ .‬كدافع عنهما ضد اْلتراؾ‪ 4.‬كُب عاـ ‪466‬ىػ‪1073/‬ـ‪ ،‬رفض تورنيك بن‬
‫موشل )‪ 5(Thornik fils de Mouchel‬تقدصل فركض الطاعة كالوَلء لو‪ 6،‬فرماه دبرتزقة نورماف‪،‬‬
‫فحرض فيالريت اْلتراؾ ضده‪ ،‬فقتلوه قرب‬
‫لكنهم اهنزموا أمامو كقيتل قائدىم ريببو )‪َّ .(Raimbaud‬‬
‫‪7‬‬
‫شيمشاط‪ ،‬كبعثوا لو رأسو‪ .‬فأرسل نصفو إذل أمّب ميافارقْب نظاـ الدكلة نصر (‪.)1080-1062‬‬
‫ٍب استوذل على ملطية ُب سنة ‪467‬ق‪1074/‬ـ‪ ،‬كانتزعها من نقف ػور م ػي ػل ػ ػي ػ ػس ػي ػنػ ػوس‬
‫)‪ (Nicéphore Mélissène‬البيزنطي‪ 8،‬كعْب عليها قائدا أرمينيا آخر ىو ثوركس بن ىيثوـ‬

‫‪1‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 84.‬‬
‫‪ 2‬ىرعبىاف ‪" :‬مدينة بالثغور بْب حلب كظبيساط قرب الفرات معدكدة ُب العواصم كىي قلعة ربت جبل"‪( .‬اغبموم‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ج ‪ ،3‬ص ‪.).317‬‬
‫‪ 3‬أبلستْب ‪ :‬كقد يع ًرفت بالبستاف )‪ (Albistan ou Albostan‬كىي أبلسثا البيزنطية )‪ ،(Ablastina‬كىي مدينة مشهورة‬
‫بالثغور الركمية‪( .‬لسَبنج‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.).067‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 77-80.‬‬
‫‪ 5‬تورنيك بن موشل ‪ :‬ىو أمّب أرميِب كاف وبكم إقليم ساسوف )‪ (Sassoun‬الذم يقع مشاؿ شرؽ ميافارقْب‪ ،‬غرب بيتليس‪ُ ،‬ب‬
‫جنوب غرب الطاركف‪( .‬انظر ‪)Grousset : L'Empire du levant, p. 178, note n° 1. :‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Adontz N. : Notes Arméno-Byzantines, ds. : Byzantion, t. IX, fasc. 1, Bruxelles, 1934. p. 378.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 173-176; Laurent J. : op. cit., pp. 63-64; Grousset : loc. cit.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Grousset : op. cit., p. 179.‬‬

‫‪061‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫حارب )‪،(Hareb‬‬
‫)‪ٍ .(Thoros fils de Héthoum‬ب تداكؿ عليها القادة اْلرمن منهم ى‬
‫‪1‬‬
‫كبالتيانوس )‪ (Balatianos‬كأخّبا جربائيل )‪.(Gabriel‬‬

‫كخالؿ أربع سنوات تضاعفت فبتلكاتو الٍب انتزعها من البيزنطيْب كاْلتراؾ‪ 2.‬كحاكؿ اَلمرباطور‬
‫ميخائيل السابع أف يضع حدا لنشاطو‪ ،‬فكلف ُب سنة ‪467‬ق‪1074/‬ـ‪ ،‬قائدم الكتيبتْب‬
‫البيزنطيتْب ُب كل من أنطاكية كملطية دبحاربتو‪ ،‬كلكنهما فشال ُب مهمتهما‪ 3.‬كعندما تعاظمت قوتو‬
‫كاتضحت أنبيتو‪ ،‬دخل ُب تبعيتو بعض زعماء اْلرمن‪ 4‬آّاكرين كخاصة ُب قيليقيا‪ 5.‬كدل يتواف عن‬
‫ؿباربة الذين رفضوا اَلنقياد لو‪.‬‬

‫كمع هناية سنة ‪469‬ق‪1076/‬ـ‪ ،‬خضعت لسلطتو منطقة كاسعة سبتد من ركمانوبوليس‬
‫)‪ (Romanopolis‬كخرتربت )‪ُ (Kharpert‬ب أعارل الفرات إذل اؼبصيصة كعْب زرىب كطرسوس‬
‫ُب قيليقيا مركرا دبلطية ككركر )‪ (Gargar‬كالبستاف‪ ،‬كرعباف ككيسوف )‪ (Kéçoun‬كمرعش‪ 6.‬كتتميز‬
‫اؼبدف كالقرل الٍب احتلها حبصانة طبيعية‪ْ ،‬لهنا تقع ُب اؼبرتفعات‪ ،‬كأعارل اعبباؿ‪ ،‬ككانت أساس‬
‫قوتو‪ 7.‬كإضافة إذل ىذا اغبصن الطبيعي فإنو قاـ ببناء نقاط مراقبة‪ ،‬كعدة حصوف على كل اؼبسالك‬
‫‪8‬‬
‫يكوف لنفسو جيشا كبّبا من اؼبرتزقة‪ ،‬بلغ‬
‫كالدركب اؼبؤدية إليها‪ ،‬فجعلها صعبة اؼبناؿ‪ .‬كاستطاع أف ّْ‬

‫‪1‬‬
‫‪Michel Le Syrien,: op. cit., t. III, pp. 173-174.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et Antioche, p. 62.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Laurent J. : op. cit., p. 61.‬‬
‫‪ 4‬أنظر قائمة كأظباء ىؤَلء الزعماء اْلرمن الذين كانوا ُب طاعة فيالريت ُب ‪:‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, pp. 85-86.‬‬
‫‪5‬‬
‫عاشور سعيد ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪230‬؛ ‪Cheynet : Les Arméniens de l'Empire en Orient, p. 71.‬‬
‫‪ 6‬انظر حدكد ىذه الدكلة ُب ‪ :‬اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Laurent J. : op. cit., p. 84; Grousset : L'Empire du Levant, pp. 177-179.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 128.‬‬

‫‪060‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫عدد قواتو بْب عشرين كثالثْب ألف جندم‪ 1،‬ككانت عناصر ىذا اعبيش خليطا من اْلرمن‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫كالبيزنطيْب‪ ،‬كالفرنج‪ ،‬كالفرس‪ ،‬كاْلتراؾ‪ 2،‬صبع بينهم حب الثركة كاؼبغامرة‪.‬‬

‫كُب سنة ‪470‬ىػ‪1077/‬ـ‪ ،‬أرسل فيالريت أحد ضباط ػو كى ػو ب ػاس ػي ػل ب ػن أب ػوخ ػاب‬
‫)‪ ،(Basile fils d'Aboukhab‬لالستيالء على الرىا من البيزنطيْب‪ ،‬فحاصرىا ستة أشهر‪،‬‬
‫كاصطدـ دبقاكمة شرسة من حاكمها البيزنطي ليوف تفادانوس )‪ ،(Léon Tavadanos‬كلكن‬
‫اْلىارل الذين كاف أغلبيتهم من اْلرمن‪ ،‬ثاركا عليو كقتلوه‪ٍ ،‬ب سلموا اؼبدينة لباسيل‪ ،‬كمن ا﵀تمل أف‬
‫تكوف ثورهتم بتحريض من فيالريت‪ .‬كبعد موت باسيل ُب سنة ‪476‬ق‪1083/‬ـ‪ ،‬توذل اؼبدينة أرميِب‬
‫آخر يسمى ظبباط )‪ .(Sembat‬ككاف من أتباع الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬كؿببوبا من طرؼ اْلىارل‪،‬‬
‫كلذلك أثُب عليو مٌب الرىاكم كثّبا‪ 4.‬كأصبحت الرىا ُب عهده ملجأ لكثّب من اْلرمن النازحْب من‬
‫أرمينيا الكربل‪ .‬كلكن بعد ستة أشهر انقلب عليو بعض منافسيو‪ .‬فتدخل فيالريت‪ ،‬كاستدعى‬
‫الطرفْب اؼبتنازعْب إذل مرعش‪ ،‬كعاقبهما معا‪ 5.‬كأغبق اؼبدينة مباشرة بأمالكو بتاريخ ‪ 9‬صبادل اْلكذل‬
‫‪476‬ق‪ 23 /‬سبتمرب ‪1083‬ـ‪ 6.‬كيبدك أنو انتقم من بعض اْلمراء‪ ،‬كاْلعياف‪ ،‬من أتباع مذىب‬
‫‪7‬‬
‫الطبيعة الواحدة‪ ،‬حيث ظبل أعْب بعضهم كسجن اآلخرين‪ ،‬فنبذه السكاف كاستاء منو ىم ٌَّب الرىاكم‪.‬‬
‫كقد كاف ؽبذا اؼبوقف الذم ازبذه من سكاف الرىا انعكاسات سلبية على سلطتو ُب اؼبدينة مستقبال‪.‬‬

‫تطلع فيالريت سنة ‪471‬ىػ‪1078/‬ـ‪ ،‬إذل مشاؿ سوريا‪ ،‬ليمد سلطتو إذل مدينة أنطاكية العريقة‬
‫كالٍب كاف ثلث سكاهنا أرمن‪ .‬كقد كانت معزكلة عن اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كدل يبق ؽبا إَل البحر‬

‫‪1‬‬
‫;‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 173; Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 83‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 178.‬‬
‫‪ 2‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪118‬؛ اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬إمارة الرىا الصليبية‪ ،‬اؽبيئة اؼبصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاىرة‬
‫‪ .2001‬ص ‪.46‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 277.‬‬
‫‪4‬‬
‫اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪46‬؛ ‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 180-181.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : op. cit., t. I, p. 99.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Laurent J. : Des Grecs, p. 398; Grousset : op. cit., p. 179; Dédéyan : loc. cit.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 180-181; Grousset : op. cit., p. 187.‬‬

‫‪061‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫لالتصاؿ بالقسطنطينية‪ْ ،‬لف اْلتراؾ انتشركا فوؽ كل اْلراضي اؼبمتدة من أبواب أنطاكية إذل‬
‫خلقدكنية ُب آسيا الصغرل‪ 1.‬كتكاد تكوف اؼبدينة الوحيدة الٍب َل زالت ربت اغبكم البيزنطي‪ ،‬كسط‬
‫ؿبيط اسالمي‪.‬‬

‫استغل فيالريت خركج حاكم اؼبدينة البيزنطي اسحق كومنْب )‪ ،(Isaac Comnène‬حيث‬
‫استدعاه اَلمرباطور البيزنطي اعبديد نقفور بوتانياتس‪ ،‬كطلب منو أف يسحب معو من أنطاكية كل ما‬
‫يستطيع من الفرؽ العسكرية‪ ،‬فأصبحت الظركؼ مناسبة ليحقق فيالريت تطلعاتو كأىدافو‪ ،‬خاصة‬
‫باىلى يوكشل )‪ (Vaçac Bahlavouni‬نائبا عنو ُب اؼبدينة‪ .‬كىو‬
‫بعد أف ترؾ اسحق ُب مكانو فاساؾ ٍ‬
‫من عائلة أرمينية عريقة كلكن ىذا النائب تعرض ػبدعة من طرؼ بعض الرماة البيزنطيْب الذين‬
‫اغتالوه بطريقة بشعة ُب أحد شوارع أنطاكية‪ٍ .‬ب اندلعت اضطرابات كأحداث بْب أىل اؼبدينة من‬
‫اْلرمن كغّبىم من العناصر اْلخرل راح ضحيتها عدد كبّب من السكاف‪ 2.‬كأماـ تطور اْلحداث‬
‫خشي أعياف اؼبدينة ‪-‬كمعظمهم من اْلرمن‪ -‬أف يستورل السالجقة اؼبسلموف عليها‪ ،‬فطلبوا من‬
‫فيالريت أف يتوذل أمرىا‪ّٔ 3،‬دؼ إعادة اْلمن‪ ،‬كضبايتها من السالجقة‪ .‬كّٔذه الطريقة أصبح فيالريت‬
‫سيدا على أنطاكية‪ 4.‬كأكؿ ما بدأ بو بعد أف أمست اؼبدينة ربت سلطتو‪ ،‬ىو اَلنتقاـ من الذين قتلوا‬
‫‪5‬‬
‫اْلمّب اْلرميِب‪ ،‬ككانوا سببا ُب اندَلع اَلضطرابات‪ ،‬فأخرجهم إذل قرية ؾباكرة كقتلهم صبيعا‪.‬‬

‫كباستالمو أنطاكية‪ ،‬أمسى فيالريت وبكم منطقة سبتد من البحر اؼبتوسط غربا إذل هنر الفرات‬
‫شرقا‪ ،‬كمن مشاؿ سوريا جنوبا إذل حدكد كبادككيا مشاَل‪ 6،‬كمشلت أمالكو قيليقيا كطوركس كجزءان من‬
‫سوريا‪ 7.‬فكانت ىذه اؼبدف كاْلراضي اؼبلجأ الوحيد لألرمن‪ ،‬الذين رأكا فيو منقذا ؽبم من التمدد‬

‫‪1‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et Antioche, p. 63.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 178-179; Laurent J. : op. cit., pp. 65-67.‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.231-230‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Comnène Anne : op. cit., t. II, p.64.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : loc. cit.‬‬
‫‪ 6‬أنظر اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪7‬‬
‫عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬السياسة الشرقية لإلمرباطورية البيزنطية ص ‪59‬؛ ‪Laurent J. : Byzance et les Turcs, p. 84.‬‬

‫‪062‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫السلجوقي‪ .1‬كىكذا‪ ،‬فبْب كارثة منازكرد كؾبيئ اغبملة الصليبية اْلكذل إذل الشرؽ‪ ،‬قبح فيالريت ُب‬
‫إقامة أسس أرمينيا جديدة‪.‬‬

‫كلكنو كجد نفسو بْب فكي كماشة‪ْ ،‬لف اؼبنطقة الٍب أصبحت ربت سلطتو تقع بْب جارين‬
‫قويْب‪ .‬من الشرؽ كالشماؿ جاكرت أمالكو اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬كىم يتطلعوف للتوسع ُب قيليقيا‪ .‬كمن‬
‫الغرب اَلمرباطورية البيزنطية الٍب تعتربه مغتصبا ْلمالكها كأنو وبكمها من غّب كجو حق‪ .‬كعلى ىذا‬
‫اْلساس ستكوف أرمينيا الصغرل‪ ،‬لفَبة ؿبل صراع بْب القول اإلسالمية كالقول اؼبسيحية‪ ،‬إذل غاية‬
‫سقوطها سنة ‪776‬ق‪1375/‬ـ‪.‬‬

‫كمن ؿباسن الصدؼ‪ ،‬أنو ُب نفس السنة الٍب توذل فيها فيالريت مدينة أنطاكية‪ ،‬فقد غريبو‬
‫ميخائيل السابع عرش اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كقبح نقفور بوتانياتس ُب حركتو التمردية‪ ،‬كأضحى‬
‫إمرباطورا ُب القسطنطينية باسم نقفور الثالث‪ .‬كأدرؾ ىذا اَلمرباطور اعبديد عجزه عن تأمْب حدكد‬
‫دكلتو ُب الشرؽ‪ ،‬كعدـ قدرتو على استعادة اْلراضي الٍب فقدهتا ُب آسيا الصغرل‪ .‬كأحس بضركرة‬
‫بقاء قيليقيا قلعة للمسيحية‪ ،‬صامدة كسط فتوحات السالجقة اؼبسلمْب لتعيق انتشارىم‪ ،‬كتقدمهم‬
‫ُب بالد الشاـ‪ ،‬كرأل ُب فيالريت رجل بيزنطة ُب اؼبنطقة‪ ،‬كىو الكفيل حبمايتها من أم غزك خارجي‪.‬‬

‫ج ‪ -‬فيالريت المدجن‬
‫فتح اَلمرباطور نقفور الثالث صفحة جديدة ُب عالقة اَلمرباطورية البيزنطية بفيالريت‪ ،‬حيث‬
‫انتهج سياسة حكيمة استهدفت تدعيم العالقات الطيبة مع ذلك الزعيم اْلرميِب‪ ،‬كسار معو على‬
‫مبدأ "عفا ا﵁ عما سلف"‪ ،‬فأبقاه حاكما على البالد الٍب استوذل عليها كمنحو لقب قربالط‬
‫)‪ 2.(Curopalate‬كانقلبت سلطتو من َلشرعية إذل شرعية‪ .‬كأظهر فيالريت من جهتو اعتداَل‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, pp. 178, 180.‬‬
‫‪2‬‬
‫قربالط )‪ : (Curopalate‬لقب ركماشل قدصل‪ ،‬اشتق من ‪ ،cura palatii‬أم إدارة مباشل القصر‪ ،‬كأخذ ىذا اللقب أنبيتو ُب‬
‫عهد جوستنياف‪ ،‬كاف القربالط يقوـ دبهمة قائد حرس القصر‪ ،‬كيعمل ربت قيادة رئيس اغبرس‪ٍ .‬ب أصبح يبنحو اَلمرباطور تكريبا‬
‫لبعض أقربائو‪ٍ ،‬ب أصبح القربالط "مارشاؿ القصر"‪ ،‬مسؤكؿ عن أمن اْلمّب‪ٍ ،‬ب أصبح لقبا شرفيا‪ ،‬كيكلف صاحبو بوظيفة حقيقية‬
‫ذات أنبية كبّبة‪( .‬أنظر ‪)Bréhier Louis : Les institutions de l'empire byzantin, pp. 37-39, 98 :‬‬

‫‪063‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كحكمة‪ ،‬فأعلن كَلءه كخضوعو لإلمرباطور؛ كبذلك أصبح تابعا لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كباظبها وبكم‬
‫اؼبناطق الٍب استوذل عليها‪ٍ .‬ب قاـ بزيارة إذل القسطنطينية "كرحب بو اليوناف كجادكا عليو بالذىب‬
‫كالسالح كرقوه إذل رتبة سبسطس"‪ 1.‬كلكي يتفرغ اَلمرباطور ألكسيس كومنْب للرد على ىجوـ‬
‫النورماف‪ ،‬درج على نفس السياسة الٍب سلكها سلفو‪ 2.‬كالواقع أف فيالريت دل يعَبؼ إَل بسيادة اظبية‬
‫‪3‬‬
‫لإلمرباطورية ْلنو كاف مستقال عنها من الناحية العملية‪.‬‬

‫كإذا كاف أباطرة بيزنطة قد غضوا الطرؼ عن فيالريت‪ ،‬كمنحوه –ـبتارين أك ؾبربين‪ -‬الشرعية‬
‫على البالد الٍب احتلها‪ ،‬فإف اؼبسلمْب من سالجقة كعرب‪ ،‬كانوا ينظركف بعْب الريبة ؽبذا الكياف‬
‫الذم نشأ ُب إقليم الثغور كالعواصم على حدكد دكلتهم‪ْ ،‬لنو انتزع منهم بعض اْلراضي‪ ،‬ككقف ُب‬
‫كجو تقدمهم كبو الشاـ‪ .‬كما أف ؽبم ُب ىذا اإلقليم حقوقان حبكم خضوعو للخالفة اإلسالمية ُب‬
‫كقت سابق‪ .‬كلذلك كاف فيالريت حذرا ُب عالقتو ّٔم‪ ،‬كىو يدرؾ بأنو َل يبلك القوة ؼبواجهتهم‪ ،‬كُب‬
‫حالة اندَلع حرب بينو كبْب اإلمارات اإلسالمية فإف سلطتو تصبح ُب مهب الريح‪ ،‬كلذلك اتبع‬
‫سياسة التعايش السلمي أك اؼبهادنة كالَبضية مع السالطْب كاْلمراء اؼبسلمْب‪.‬‬

‫د ‪ -‬فيالريت بين بني عقيل كسالجقة الركـ‬


‫تعرض فيالريت لضغط شديد من مسلم بن قريش (‪478-434‬ق‪1085-1042/‬ـ) أمّب‬
‫بِب عقيل‪ 4،‬الذم استوذل على حلب سنة ‪472‬ق‪1079/‬ـ‪ ،‬من صاحبها سابق اؼبرداسي‪ ،‬كَلمست‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Comnène Anne : op. cit., t. II, p. 64.‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪231‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪114‬؛‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort, pp. 275-276.‬‬
‫‪ 4‬أسرة عربية حكمت اؼبوصل‪ ،‬كانت ُب خدمة اغبمدانيْب‪ٍ ،‬ب سبكن أحد أمرائها كىو اْلمّب حساـ الدكلة اؼبقلد من السيطرة على‬
‫اؼبوصل سنة ‪996‬ـ‪ ،‬كامتد نفوذىا على جزء كبّب من اعبزيرة ُب مشاؿ العراؽ‪ ،‬كعلى حلب ُب مشاؿ سوريا‪ ،‬ككانت مساحة ىذه‬
‫اإلمارة نعادؿ تقريبا فبتلكات فيالريت ُب قيليقية‪ ،‬كاستمرت إذل غاية ‪1096‬ـ‪ ،‬حيث قضى عليهم السالجقة‪ .‬اشتهر من أمرائها‬
‫اؼبقلد بن اؼبسيب‪ ،‬كابنو بدراف‪ٍ ،‬ب قريش بن بدراف‪ٍ ،‬ب مسلم بن قريش (شرؼ الدكلة أبو اؼبكارـ)‪ ،‬الذم يعترب من كبار بِب عقيل‪،‬‬
‫كُب عهده بلغت اإلمارة قمة سلطاهنا‪ .‬كاف حليفا للسالجقة ُب عهد ألب أرسالف كابنو ملكشاه‪ٍ ،‬ب انقلب عليهم كربالف مع =‬
‫‪064‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫‪1‬‬
‫إمارتو فبتلكات اْلرمن ُب قيليقيا‪ ،‬كأراد مسلم توسيع إمارتو كبو الغرب‪ ،‬فانتزع من اْلرمن ظبيساط‪،‬‬
‫كسار إذل أنطاكية ُب ‪ 2‬ؿبرـ ‪475‬ىػ‪ 12/‬جواف ‪1082‬ـ‪ .‬التقى ىناؾ بفيالريت الذم كجد نفسو‬
‫أماـ قوة َل قبل لو ّٔا‪ ،‬كرأل أف من مصلحتو مهادنة بِب عقيل‪ ،‬كاإلقرار بالتبعية ؽبم‪ .‬فمنحوه اْلماف‪،‬‬
‫كتعهدكا لو حبمايتو من اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬على أف يلتزـ بدفع جزية سنوية ذبسيدا لتلك التبعية‪،‬‬
‫كيقوـ بَبميم كإصالح مسجد مدينة الرىا‪ ،‬كيضرب السكة باظبهم‪ 2.‬كأخطأ مسلم بن قريش حْب‬
‫اعتقد أف ُب استطاعتو مقاكمة السالجقة كاغبد من نفوذىم‪ ،‬إف ىم أرادكا التمدد ُب مشاؿ سوريا أك‬
‫قيليقيا‪ ،‬فهو كمن يناطح الصخر‪.‬‬

‫كيبدك أف ىذا التقارب بْب مسلم بن قريش العقيلي كفيالريت‪ ،‬قد أزعج سليماف بن قتلمش‪،‬‬
‫الذم كاف يريد أف يقضي على نفوذ البيزنطيْب ُب قيليقيا كمشاؿ الشاـ‪ ،‬باستغالؿ حالة الضعف الٍب‬
‫سبر ّٔا الدكلة البيزنطية‪ ،‬فشرع سنة ‪475‬ق‪1082/‬ـ‪ُ ،‬ب استعادة إقليم الثغور من البيزنطيْب‪ .‬منتزعا‬
‫من فيالريت مدينة طرسوس كاؼبصيصة كعْب زرىب كمدنا أخرل ُب قيليقيا‪ 3،‬كسىب خالو مدينة‬
‫ملطية‪ 4.‬كتطلع إذل ضم أنطاكية إذل فبتلكاتو‪ .‬كجاءتو الفرصة الٍب دل يكن ينتظرىا‪ ،‬فلم يسمح لنفسو‬
‫بتضييعها‪ .‬حيث اتصل بو أعياف اْلرمن ُب أنطاكية‪ ،‬كمن بينهم الشحنة‪ 5،‬كابن فيالريت‪ ،‬يدعوانو‬

‫= الفاطميْب‪ ،‬قتل سنة ‪487‬ىػ‪1085/‬ـ‪ُ ،‬ب معركة مع سليماف بن قتلمش أثناء فتح مدينة أنطاكية من طرؼ السالجقة‪ .‬خلفو‬
‫اخوه ابراىيم الذم قضى عليو تتش بن ألب أرسالف سنة ‪1093‬ـ‪ ،‬كدبوتو انقرضت ساللة بِب عقيل‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Bosworth C.E. : Ukaylids, in : Enc. Isl., Brill, Leiden, 2000. vol. X, pp. 786-787; Sobernheim‬‬
‫)‪M. : Muslim B. Kuraysh, in : Enc. Isl., E. J. Brill, Leiden, 1993. vol. VII, pp. 692-693.‬‬
‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ 2‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪86-85‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 173; Laurent J. : Byzance et Antioche, p. 68; Dédéyan‬‬
‫‪Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, pp. 335-337.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 179.‬‬
‫‪ 4‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫الش ٍحنة ‪ :‬كرد ىذا اؼبصطلح كثّبا ُب اؼبصادر العربية‪ ،‬كاؼبقصود بو ىو مندكب السلطاف أك اؼبلك أك اْلمّب‪ُ ،‬ب حكم بلد من‬ ‫‪ّْ 5‬‬
‫ّْح ًنة إنو اْلمّب غلط‪ ،‬كيقولوف ًش ٍحنةي الكورة من فيهم‬
‫البالد أك ضبط أمورىا‪ ،‬أثناء غيابو‪ ،‬كعند اللغويْب أف العامة يقصدكف بالش ٍ‬
‫الكفاية لضبطها من أكلياء السلطاف‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪.)234‬‬
‫‪065‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫للقدكـ ليتسلم منهم اؼبدينة‪ 1.‬فباْلمس استنجد البيزنطيوف باْلتراؾ‪ ،‬كاليوـ ىاىم اْلرمن يولوف‬
‫كجوىهم شطر السالجقة‪ .‬كَل بد من التساؤؿ ىنا عن الظركؼ كاْلسباب الٍب جعلت سكاف‬
‫أنطاكية ينقلبوف على فيالريت‪ ،‬كيقلبوف لو ظهر آّن‪ ،‬كىم الذين استنجدكا بو ُب سنة‬
‫‪471‬ىػ‪1078/‬ـ‪ ،‬كاآلف يرسلوف إذل سليماف بن قتلمش يعرضوف عليو تسلُّم مدينتهم ؟ أدل يشتهر‬
‫اْلتراؾ بسفك الدماء كزبريب البيوت ؟ كؼباذا اختاركا سليماف بالذات كليس مسلم بن قريش الذم‬
‫تقع إمارتو جبوار مدينتهم ؟ كأين كاف فيالريت ؼبا كقعت ىذه اإلتصاَلت ؟‬

‫يرل اؼبؤرخ الفرنسي اْلرميِب اْلصل‪ ،‬جّبار ديدياف أف سليماف بن قتلمش كاف أقرب إذل‬
‫اْلرمن ُب ثقافتهم كحضارهتم‪ ،‬من السالجقة العظاـ‪" ،‬كقد كاف سكاف أنطاكية يفضلوف سليماف‬
‫الذم احتك بالبيزنطيْب على ملكشاه الذم كاف يبيل إليو فيالريت"‪ 2.‬كبعبارة أخرل إف إقامة‬
‫سليماف ُب بالد الركـ الٍب فتحها‪ ،‬كاستوطنها مع أتباعو قد ىذبت سلوكو‪ ،‬كأكسبتو طباعا ىي أقرب‬
‫إذل طباع البيزنطيْب كاْلرمن‪ .‬كالواقع أنو اشتهر بأخالقو اَلسالمية السامية اؼبتمثلة ُب السماحة‬
‫كالعدالة كاؼبساكاة الٍب عامل ّٔا شعوب البلداف الٍب فتحها‪ 3.‬فقاـ بتحرير الكثّب من اْلقناف الذين‬
‫كانوا يعملوف ُب ضياع كبار اؼبالؾ البيزنطيْب‪ ،‬كىم الذين قاسوا الكثّب من ألواف الظلم كاَلستعباد‪،‬‬
‫كاستطاع ّٔذه اػبطوة‪ ،‬أف يكسب كَلء‪ ،‬ككد تلك الفئة‪ 4.‬كما ظبح للموظفْب اؼبسيحيْب دبمارسة‬
‫‪5‬‬
‫أعماؽبم حبرية تامة‪ .‬ككاف يرمي من كراء ذلك اَلستفادة من خرباهتم كجهودىم ُب بناء دكلتو الفتية‪.‬‬
‫كاْلىم من ذلك كلو‪ ،‬أف اؼبسلمْب كمنهم السالجقة‪ ،‬تركوا لألرمن حرية اَلعتقاد كالعبادة‪ ،‬كفبارسة‬
‫طقوسهم الدينية حسب مذىبهم دكف إكراه‪ ،‬كىو الشيء الذم افتقدكه ربت سلطة البيزنطيْب‪ ،‬كحٌب‬
‫ُب عهد فيالريت الذم كاف أرمينيا ُب أصولو‪ ،‬كبيزنطيا ُب عقيدتو اؼبخالفة للكنيسة اْلرمينية‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.136‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 340.‬‬
‫‪ 3‬باذياب نورة عبد ا﵁ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 173.‬‬
‫‪ 5‬باذياب نورة عبد ا﵁ ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪066‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫ككاف شرؼ الدكلة أبو اؼبكارـ مسلم بن قريش‪ ،‬قد فرض على فيالريت ُب أنطاكية سنة‬
‫‪475‬ىػ‪1082/‬ـ‪ ،‬جزية سنوية قدرىا ثالثوف ألف دينار‪ 1.‬كمن دكف شك فإف ىذا اؼببلغ سينتزع من‬
‫اْلىارل الذين أثقلت الضرائب كاىلهم‪ ،‬فبا جعلهم ينفركف من مسلم بن قريش‪ ،‬الذم منح اْلماف‬
‫لفيالريت كتعهد لو حبماية أراضيو من السالجقة‪ ،‬فهو –نظريا‪ -‬يعترب حليفا لو‪ .‬كما أف إمارة بِب‬
‫عقيل تبدك صغّبة‪ ،‬كضعيفة أماـ سلطنة اْلتراؾ‪ ،‬فهي غّب قادرة على توفّب اغبماية ؽبم من توسعات‬
‫السالجقة‪ .‬فهذه العوامل ؾبتمعة جعلت أرمن أنطاكية َل يلتفتوف إذل أمّب بِب عقيل‪ ،‬كيتوجهوف إذل‬
‫سليماف بن قتلمش‪.‬‬

‫كيبدك من اؼبصادر اْلرمينية كالسريانية الٍب َل تذكر فيالريت إَل بالسوء‪ ،‬انو أساء السّبة ُب كل‬
‫ضو ضرائب‬ ‫اؼبناطق الٍب كانت ربت سلطتو‪ .‬كفبا قاـ بو مع أىل أنطاكية بعد أف خضعت لو‪ ،‬فىػ ٍر ي‬
‫باىظة عليهم لدفع مرتبات اعبيش‪ ،‬كما تتفق اؼبصادر العربية كالسريانية على كصف عهده بأنو سبيز‬
‫باَلستبداد كالطغياف‪ ،‬حيث جاء فيها ‪" :‬كاسَبسل ُب الظلم كالعتو حٌب قبض على زعماء انطاكية‬
‫كاغتصب أمواؽبم ككزعها على عساكره‪ ،‬فأبغضو اْلنطاكيوف بغضا شديدا"‪" 2،‬ككاف الفردكس مسيئا‬
‫إذل أىلها كإذل جنده أيضا حٌب أنو حبس ابنو"‪ 3.‬كبسبب ّٔذه السياسة اىتزت سلطتو ُب أنطاكية‪،‬‬
‫فثار عليو سكاف اؼبدينة‪ ،‬لكنو قمع ثورهتم بالقوة‪ ،‬كندـ اْلىارل على تسليم مدينتهم لو‪ ،‬كتطلعوا إذل‬
‫اليوـ الذم يتخلصوف فيو من بطشو‪ 4.‬ككاف ابنو من الناقمْب عليو‪ ،‬كىو الذم توذل عملية اَلتصاؿ‬
‫بسليماف بن قتلمش لتسليم اؼبدينة لو‪ 5،‬مستغال فرصة غياب كالده عنها‪ ،‬حيث خرج إذل الرىا مع‬
‫‪6‬‬
‫ؾبموعة من جنوده‪ ،‬لتسوية بعض القضايا ىناؾ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 337.‬‬
‫‪ 2‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.136‬‬
‫‪ 4‬ابن الشحنة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ 5‬ردبا كاف ابن فيالريت ُب السجن‪ ،‬كسبكن من الفرار بعد خركج أبيو من اؼبدينة أك أطلق سراحو من طرؼ اؼبعارضْب لفيالريت‪.‬‬
‫(أنظر ‪)Cheynet Jean-Claude : Etudes prosopographiques, p. 73. :‬‬
‫‪ 6‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.65-64‬‬
‫‪067‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫أسرع سليماف إذل أنطاكية مستغال فرصة غياب فيالريت‪ ،‬ككجود فئة عريضة من السكاف‬
‫تعارض سلطتو‪ .‬فسار إليها ليال ككتم خربه‪ ،‬حٌب عسكر أماـ أسوارىا‪" ،‬دكف أف يراه أحد‪ ،‬ككجد‬
‫اؼبدينة بدكف دفاع كبدكف حامية"‪ 1.‬كُب ‪ 1‬شعباف ‪477‬ىػ‪ 2/‬ديسمرب ‪1084‬ـ دخل أنطاكية دكف‬
‫كحرـ على اْلتراؾ الضرب بالسيف كدخوؿ أم بيت من‬
‫صعوبة تذكر "كنادل باْلماف ُب اؼبدينة َّ‬
‫بيوت اؼبسيحيْب كمصاىرة بناهتم على اإلطالؽ‪ ،‬كفرض عليهم أف يبيعوا كل ما غنموه من اْلنطاكيْب‬
‫ُب أنطاكية عينها كبثمن خبس‪ ...‬فاسَباح اْلنطاكيوف كسبتعوا بالطمأنينة أكثر من أياـ فيلردس‬
‫النصراشل باَلسم"‪ 2.‬كحٌب َل يثّب شكوؾ السلطاف ضده‪ ،‬أرسل سليماف بن قتلمش البشرل إذل‬
‫‪3‬‬
‫ملكشاه‪ ،‬كنسب ىذا الفتح إليو كأنو يتوذل طاعتو‪ ،‬ففرح ملكشاه‪ ،‬كىنأه الناس على ىذا الفتح‪.‬‬
‫كلكسب مودة أمّب بِب عقيل "أىدل إذل شرؼ الدكلة من الغنيمة ىدية حسنة"‪ 4.‬ككاصل سليماف‬
‫عملو "ففتح اغبصوف آّاكرة ؽبا‪ ،‬بعضها عن طوع كبعضها عن استدراج"‪ 5.‬كفبا َلشك فيو أف كثّبا‬
‫من تلك اغبصوف كانت من فبتلكات فيالريت‪.‬‬

‫سره ىذا الفتح‪ ،‬فإف مسلم بن قريش قد أصيب بالفزع ْلنو كجد أمامو‬
‫كإذا كاف ملكشاه قد َّ‬
‫جاران قويان‪ ،‬ىبتلف عن اآلخرين‪ ،‬فضال عن عجزه على ضباية فبتلكات فيالريت كما تعهد لو سابقا‪.‬‬
‫فكتب إذل سليماف يدعي أنو أحق منو دبدينة أنطاكية‪ ،‬كطلب منو دفع اعبزية الٍب كاف يؤديها لو‬
‫فيالريت‪ ،‬كىبوفو معصية السلطاف الذم منحو الشرعية‪ ،‬كأقره على فبتلكاتو‪ 6.‬كلكنو دل يكن يدرؾ أف‬
‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 187.‬‬
‫‪ 2‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪3‬‬
‫العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪352‬؛ ابن العدصل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪87‬؛ ‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 187-188‬‬
‫‪ 4‬ابن العدصل (كماؿ الدين أيب القاسم عمر بن أضبد بن أضبد بن ىبة ا﵁ (ت ‪660‬ىػ)) ‪ :‬زبدة اغبلب من تاريخ حلب‪ ،‬كضع‬
‫حواشيو خليل اؼبنصور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪ .1996 ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ 5‬نفسو‬
‫‪ 6‬سار السلطاف ملكشاه إذل اؼبوصل يريد انتزاع اؼبوصل من بِب عقيل‪ ،‬عقابا ؽبم ؼبساندهتم بِب مركاف ضد السالجقة‪ ،‬ككاف كزير السلطاف‪،‬‬
‫نظاـ اؼبلك يبيل إذل شرؼ الدكلة‪ ،‬فكاتبو يشّب عليو باػبركج إذل السلطاف قبل أف يصل إذل اؼبوصل‪ ،‬كلقيو على مراحل منها‪ ،‬فقاؿ لو‬
‫كحقّْق أملك"‪ ،‬كأكرمو السلطاف كأحسن إليو‪ ،‬كساؿبو‪ ،‬كجدد لو التوقيع بالبالد الشامية كاعبزرية‪،‬‬
‫كشرًح صدرؾ‪ ،‬ي‬
‫السلطاف ‪" :‬ذىب خوفك ي‬
‫ككل ما كاف ُب يده‪ ،‬ككاتب أخاه تاج الدكلة أف َل يتعرض لبالده‪ .‬كاكتسب بذلك الشرعية من سلطاف السالجقة‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪135‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.)212-211‬‬
‫‪068‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫سليماف يتصرؼ مستقال عن ملكشاه‪ ،‬حيث كتب إليو يقوؿ ‪" :‬أما طاعة السلطاف فهي شعارم‬
‫كدثارم كاػبطبة لو كالسكة ُب بالدم كقد كاتبتو دبا فتح ا﵁ على يدم بسعادتو من ىذا البلد‬
‫كأعماؿ الكفار"‪ 1،‬كعن دفع اعبزية قاؿ لو ‪" :‬تلك جزية كانت على الركـ لتي ٍم ًسك عن جهادىم‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كقد قمت أنا بفريضة اعبهاد‪ ،‬كصارت أنطاكية للمسلمْب فكيف أؤدم عنها إليك جزية ؟"‪.‬‬

‫كأقاـ سليماف ُب أنطاكية‪ ،‬كازبذىا قاعدة انطالؽ لفتح اغبصوف آّاكرة‪" ،‬كفتحت الَبؾ الثغور‬
‫كالدركب كأذنة كعْب زرىب كاؼبصيصة"‪ 3،‬كاتصل بو بعض أمراء بِب مرداس‪ ،‬كبعض عساكر مسلم بن‬
‫قريش‪ ،‬كشجعوه على ضم إمارة حلب إذل سلطنتو‪ .‬كأخذ يعمل على التمدد كبو اؼبناطق التابعة ؽبا‬
‫سبهيدا لفتح اؼبدينة نفسها‪ 4.‬كؼبا شعر مسلم بن قريش باػبطر يتهدده‪" ،‬صبع اعبموع من العرب‬
‫كالَبكماف‪ ...‬كسار إذل أنطاكية ليحصرىا"‪ 5،‬كدخل ُب حرب َل مفر منها ضد سليماف‪ ،‬انتهت‬
‫‪6‬‬
‫دبقتل مسلم بن قريش ُب ‪ 24‬صفر ‪478‬ىػ‪ 20/‬جواف ‪1085‬ـ‪.‬‬

‫كاغبقيقة أف سليماف كاف يريد التوسع ُب بالد الشاـ‪ ،‬الٍب كاف وبكمها آنذاؾ تتش بن ألب‬
‫أرسالف أخ السلطاف ملكشاه‪ ،‬بدليل أنو بُب قاعدة ُب مدينة قنسرين‪ ،‬كازبذىا معسكران َلنطالؽ‬
‫ضبالتو على اؼبناطق آّاكرة‪ٍ ،‬ب ضرب حصارا على مدينة حلب الٍب كاف يتوَلىا الشريف حسن بن‬
‫ىبة ا﵁ اغبتيٍب‪ .‬فطلب منو سليماف تسليم اؼبدينة‪ ،‬إَل أنو رفض كرفع راية اؼبقاكمة‪ ،‬كأرسل إذل‬
‫ملكشاه ىبربه دبصرع شرؼ الدكلة مسلم بن قريش العقيلي‪ ،‬كيدعوه للقدكـ إذل حلب ليتسلمها‪.‬‬
‫كلكن ربرؾ السلطاف كاف بطيئا‪ ،‬فأرسل إذل تاج الدكلة تتش‪ ،‬أخ ملكشاه كصاحب دمشق يستدعيو‬
‫كيعده بتسليم اؼبدينة‪ .‬فاغتبط ؽبذه الفرصة‪ ،‬ككاف يأمل ُب اَلستيالء على أنطاكية بعد حلب‪ ،‬فأسرع‬
‫على رأس جيش ؼبساعدة اؼبدينة ا﵀اصرة‪ .‬كؼبا علم سليماف بذلك فك اغبصار‪ ،‬كسار جبيشو كبو‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.137‬‬


‫‪ 2‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ 3‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.352‬‬
‫‪ 4‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.137‬‬
‫‪ 6‬نفسو‪.‬‬
‫‪071‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫الدمشقيْب على غّب تعبئة‪ .‬كدارت بينهما معركة طاحنة بْب حلب كأنطاكية‪ ،‬انتهت دبصرعو‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪1‬‬
‫‪ 18‬صفر ‪479‬ىػ‪ 3/‬جواف ‪.1086‬‬

‫ق‪ -‬فيالريت في مواجهة ملكشاه‬


‫وُب مسلم بن قريش‪ ،‬أصيب فيالريت بالرعب‪ ،‬كزاد من ركعو‪ ،‬مقتل سليماف بن قتلمش‪،‬‬
‫ؼبا تي ى‬
‫ْلنو كجد نفسو كجها لوجو أماـ جار أقول‪ ،‬كىو تتش بن أرسالف السلجوقي أخ السلطاف ملكشاه‪،‬‬
‫الذم كاف يتطلع إذل فتح أنطاكية‪ .‬كَلحظ أف السلطات البيزنطية الٍب يعترب نفسو تابعا ؽبا‪ ،‬كحارسا‬
‫‪2‬‬
‫على حدكدىا الشرقية‪ ،‬قد خذلتو كدل تقدـ لو أم مساعدة‪ ،‬كتركتو كحيدا ُب معركتو ضد السالجقة‪،‬‬
‫فأراد أف يسابق الزمن‪ ،‬كيسبق اْلحداث قبل أف تباغتو كذبرم رياحها دبا َل تشتهي سفنو‪ .‬فخرج من‬
‫مدينة الرىا يريد مقابلة "السلطاف القوم"‪ 3،‬حامال معو الذىب كاؽبدايا النفيسة‪ 4.‬كعلق آماَل كبّبة‬
‫على ىذه الزيارة؛ ْلف ملكشاه اشتهر بْب اؼبسيحيْب بتساؿبو‪ ،‬كتعاطفو معهم‪ 5.‬كترؾ ُب الرىا أحد‬
‫مساعديو نائبا عنو ُب اؼبدينة‪ ،‬كلكن أحد ضباطو كيدعى بارسوما )‪ ،(Barsouma‬استغل فرصة‬
‫‪6‬‬
‫غياب فيالريت كدبر انقالبا ضده‪.‬‬

‫ُب ىذه اْلثناء كاف السلطاف ُب طريقو قادما من خراساف َلستالـ مدينة حلب من اغبتيٍب‪،‬‬
‫ككاف سّبه أشبو باغبملة العسكرية؛ ْلنو استوذل أثناء سّبه على كثّب من اؼبدف كاغبصوف‪ ،‬كلذلك‬

‫‪ 1‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪353‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪218-217‬؛‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 194-195.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Le rayonnement de l'Etat arménien de Cilicie, ds. : H.P. Arm., sous la‬‬
‫‪direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008. p. 337.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 195.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 5‬أدل بعض رجاؿ الدين اؼبسيحيْب زيارات إذل ملكشاه‪ ،‬كالتمسوا منو إعفاء الكنائس كاْلديرة كالقساكسة كالرىباف من دفع‬
‫الضرائب‪ ،‬فاستجاب السلطاف لطلبهم‪ ،‬كىو ىبتلف كثّبا عن أبيو ألب أرسالف‪ ،‬كيبدك صديقا للمسيحيْب‪ ،‬كردبا كانت تلك‬
‫السياسة من كحي كزيره نظاـ اؼبلك‪ ،‬كذبدر اإلشارة إذل أف زكجة الوزير نظاـ اؼبلك ىي ابنة كيوريك الثاشل )‪ ،(Kiourikê II‬ملك‬
‫لورم ُب أرمينيا الكربل سابقا‪ ،‬كحزف أىل الكتاب حزنا شديدا عند كفاة السلطاف ملكشاه‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 201-202; Grousset : L'Empire du Levant, p. 182; Dédéyan :‬‬
‫‪Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, pp. 345-346; Augé Isabelle : op. cit., pp. 69-70).‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 196.‬‬

‫‪070‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كانت حركتو بطيئة‪ .‬كؼبا اقَبب من الرىا‪ ،‬أرسل أحد قادتو كىو بوزاف ﵀اصرهتا‪ ،‬كبعد ستة أشهر من‬
‫اغبصار‪ ،‬استسلمت لو اؼبدينة بعد أف عاسل السكاف من شح كبّب ُب اؼبياه كالغذاء‪ٍ ،‬ب اندلعت فيها‬
‫اضطرابات أدت إذل القبض على بارسوما كتسليمو إذل بوزاف‪ ،‬كفيتًحت اْلبواب‪" 1،‬كسلمو إياىا‬
‫‪2‬‬
‫اْلىارل بسهولة"‪.‬‬

‫التقى فيالريت دبلكشاه ُب مكاف غّب بعيد عن مدينة الرىا‪- ،‬بعد أف فقد سلطتو عليها‪-‬‬
‫"ككعده بتأدية اعبزية كاؼبناداة باسم اػبليفة كالسلطاف"‪ 3،‬إشارة للتبعية‪ ،‬كالٍتمس منو إعادة اؼبدف‬
‫كاْلراضي الٍب انتزعها منو السالجقة‪ٍ ،‬ب أعلن أمامو عن اعتناقو اَلسالـ‪ ،‬كىو ما يذبمع عليو اؼبصادر‬
‫العربية كاْلرمينية كالسريانية‪ 4.‬ىذه اػبطوة زادت من حقد الرىاكيْب عليو‪ ،‬كاعتربكه مارقا "كما عتم أف‬
‫مرؽ من دينو كأسلم على يد السلطاف‪ ...‬كجعل يطوؼ مع عساكر السلطاف ُب رحالهتم"‪ 5.‬كإذا‬
‫كاف قد مكث ُب معسكر اؼبسلمْب‪ ،‬كتنقل مع جيشهم ُب ضبالهتم العسكرية‪ ،‬كما يركم اؼبؤرخ‬
‫السرياشل ابن العربم‪ ،‬فيكوف قد اعتنق اَلسالـ فعال‪ .‬كلكن‪ ،‬يشكك بعض اؼبؤرخْب ُب ىذه اؼبسألة‪،‬‬
‫كيشّبكف إذل أنو كاف يتظاىر بذلك خدمة ؼبصاغبو اػباصة‪ 6،‬كىذا يتطابق سباما مع اؼببدأ القائل ‪:‬‬
‫"الغاية تربر الوسيلة"‪ .‬كمن ا﵀تمل أف يكوف قد اعتنق اإلسالـ لفَبة مؤقتة‪ 7.‬كقد كاف ىدفو من ىذه‬
‫السياسة‪ ،‬تأمْب فبتلكاتو‪ ،‬كتوفّب اَلستقرار إلمارتو‪ ،‬فليس من مصلحتو آنذاؾ الدخوؿ ُب حركب‬
‫كمناكشات مع القول الكربل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 197-198.‬‬
‫‪ 2‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ 3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪ 4‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪240‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪220‬؛ ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪120‬؛‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 196; Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 173.‬‬
‫‪ 5‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 372.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Augé Isabelle : Le dilemme de l'Eglise : ouverture ou défense de la tradition nationale, ds. :‬‬
‫‪H.P. Arm., sous la direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008. p. 337.‬‬
‫‪071‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كالواقع أف ىذه الدكلة دل تكن قادرة على الصمود طويال‪ ،‬أماـ تعدد اعببهات الٍب كانت‬
‫تواجهها‪ ،‬ككاف ملكشاه يدرؾ بأف زكاؽبا ىو مسألة كقت فقط‪ .‬كعندما َلحظ بغض الرىاكيْب‬
‫لفيالريت دل ييعً ٍده إذل الرىا بل منحو مرعش بدَل منها‪ ،‬كردبا أضاؼ إليو ملطية‪ 1.‬كبعد أف فقد‬
‫أنطاكية‪ ،‬كالرىا‪ 2،‬كبعض اؼبدف اْلخرل الٍب كاف وبكمها‪ ،‬تقلصت سلطتو‪ ،‬كاىتزت قوتو شيئا ما‪،‬‬
‫"حٌب مات تاعسا‪ ،‬قيل إنو عاد فتنصر كآمن باؼبسيح"‪ 3.‬كتعرضت دكلتو للتفتت كالضياع بعد كفاتو‬
‫سنة ‪483‬ق‪1090/‬ـ‪ُ 4‬ب مرعش‪.‬‬

‫أما "سيد العادل"‪ 5‬السلطاف ملكشاه‪ ،‬فقد كصل إذل حلب بتاريخ ‪ 23‬شعباف ‪479‬ىػ‪02/‬‬
‫ديسمرب ‪1086‬ـ‪ 6،‬كظهر دبظهر اؼبوحد لألسر السلجوقية‪ْ ،‬لنو كاف يعترب نفسو سلطانا عليهم‪،‬‬
‫دبختلف فركعهم ُب الشرؽ كالغرب‪ ،‬ككاف يتدخل ُب كل مرة وباكؿ فيها أم فرع منهم‪ ،‬الظهور‬
‫دبظهر اؼبستقل‪ٍ .‬ب رتب اْلمور بْب السالجقة اؼبتنازعْب‪ 7،‬فمنح حلب غباجبو قسيم الدكلة أقسنقر‬
‫مؤسس البيت الزنكي‪ ،‬كمنح مدينة الرىا لقائده بوزاف الذم فتحها‪ ،‬كؼبا كصل إذل أنطاكية تسلَّمها‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 183.‬‬
‫‪ 2‬اعبنزكرم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .47‬يوجد تضارب شديد ُب ركاية اْلحداث التارىبية اؼبتعلقة بسقوط مدينة الرىا ُب يد‬
‫السالجقة‪ ،‬فابن اْلثّب كىو أقدمهم‪ ،‬يذكر ُب كتابو الكامل ُب التاريخ‪ ،‬أف ملكشاه سار إذل حلب من خراساف‪ ،‬كؼبا كصل إذل‬
‫الرىا َّأمر عليها فيالريت بعد أف اعتنق اَلسالـ‪ ،‬كدل يزؿ عليها حٌب مات‪ ،‬كأخذىا اْلمّب بوزاف بعده (ج ‪ ،8‬ص ‪.)240 ،140‬‬
‫كيتناقض مع نفسو‪ُ ،‬ب كتابو الثاشل "التاريخ الباىر ُب الدكلة اْلتابكية" حيث يقوؿ بأف ملكشاه كاف ُب الرىا ؼبا أرسل إليو اغبتيٍب‬
‫يطلب منو القدكـ َلستالـ مدينة الرىا‪ ،‬كبعد أف استسلمت اؼبدينة أقطعها لألمّب بوزاف (ابن اْلثّب (ابو اغبسن علي بن أيب الكرـ‬
‫ؿبمد بن ؿبمد بن عبد الكرصل بن عبد الواحد الشيباشل (ت ‪ 630‬ق)) ‪ :‬التاريخ الباىر ُب الدكلة اْلتابكية (باؼبوصل)‪ ،‬ربقيق عبد‬
‫القادر أضبد طليمات‪ ،‬دار الكتب اغبديثة‪ ،‬القاىرة‪ .1963 ،‬ص ‪ .)7‬كيذكر مٌب الرىاكم أف بوزاف حاصر اؼبدينة ستة أشهر‬
‫(‪ ،)Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 195-199‬كيذكر ابن العربم أف اؼبدينة استسلمت دكف مقاكمة (ص ‪)120-119‬‬
‫‪ ...‬ككل ىذه اؼبصادر كتبت بعد ما يزيد عن قرنْب‪ ،‬كَل نتوفر على مصدر عاين اْلحداث أك كاف قريبا منها‪( .‬انظر أيضا ‪:‬‬
‫)‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 195-199; Michel Le Syrien, op. cit., t. III, pp. 173-174.‬‬
‫‪ 3‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪4‬‬
‫الراجح أنو توُب سنة ‪ ،1090‬كيرل آخركف أنو توُب سنة ‪1092‬ـ‪ .‬أنظر ‪Mutafian C. : La Cilicie, t. I, p. 377. :‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 196.‬‬
‫‪.220‬‬ ‫‪ 6‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص‬
‫‪ 7‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪072‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫من اغبسن بن طاىر كزير سليماف‪ ،‬فعْب عليها أحد ضباطو كىو ياغي سياف الَبكي‪ .‬كدل تراكده أية‬
‫رغبة ُب ضم بالد الركـ‪ٍ ،‬ب كاصل طريقو إذل السويدية‪" 1،‬كصلى على البحر‪ ،‬كضبد ا﵁ على ما أنعم‬
‫‪2‬‬
‫عليو فبا سبلكو من حبر اؼبشرؽ كاؼبغرب"‪.‬‬

‫ك ‪ -‬فالريت في المصادر األرمينية كالسريانية‬


‫الواقع أف فيالريت‪ ،‬قد كصف ُب اؼبصادر اْلرمينية كالسريانية‪ ،‬بأقبح النعوت‪ ،‬فهو عند اْلرمن‬
‫كقاس‪ ،‬كحقّب"‪ 4،‬كَل يعترب أرمينيا إَل بأسالفو‪،‬‬
‫"اَلبن اْلكؿ إلبليس"‪ 3،‬كىو "قائد ظادل‪ ،‬كمستبد و‬
‫ْلنو تبُب لغة كعادات البيزنطيْب كمذىبهم ُب الدين‪ ،‬كرغم أنو مسيحي فهو فاقد لإليباف‪ ،‬كدل يتورع‬
‫عن اَلنتقاـ من اْلرمن شر انتقاـ بعد دخولو مدينة الرىا‪ ،‬كرغم كجود مقر لرئيس الكنيسة اْلرمينية‬
‫ُب جهات أخرل من قيليقيا‪ ،‬فقد أقاـ مقرا جديدا منافسا لو ُب مرعش‪ ...‬كدل يبذؿ أم جهد إلنقاذ‬
‫اؼبلك البجراطي "جاجيك الثاشل" ؼبا تعرض لالغتياؿ على يد البيزنطيْب‪ ،‬كحدثت العملية ُب قلعة غّب‬
‫‪5‬‬
‫بعيدة عن اإلقليم الذم كاف ربت سلطتو‪.‬‬

‫أما السرياف كاليعاقبة فهم أشد كرىا لو‪ ،‬كَل يبكن أف يغفركا لو ضغطو الشديد على الكنائس‬
‫كاْلديرة السريانية للحصوؿ على اؼباؿ‪ ،‬خاصة بعد أف ازدادت قوة السالجقة كتوسعوا على حسابو‪،‬‬
‫كفرضوا عليو اعبزية‪ .‬ككاف نبو اْلكؿ صبع الثركة‪ ،‬كما حكم باستبداد ُب صبيع اؼبناطق الٍب خضعت‬
‫لو‪" ،‬كاسَبسل ُب الظلم كالعتو"‪ 6.‬كىو ُب نظرىم "زبلى عن عقيدتو ُب سبيل اَلحتفاظ باإلمارة‪،‬‬

‫‪ 1‬السويدية )‪ : (Saint-Siméon‬كتسمى كذلك ميناء القديس ظبعاف زبليدا ؽبذا الناسك‪ ،‬كىي بلدة قرب ساحل البحر‬
‫اؼبتوسط‪ ،‬كانت خالؿ العصر الوسيط تستخدـ كميناء ؼبدينة أنطاكية‪ ،‬كتقع عند مصب هنر العاصي على مسافة قريبة من‬
‫أنطاكية‪ ،‬قبيل كصولو إذل ساحل البحر‪( .‬انظر ‪(Claude Cahen : La Syrie du Nord, p. 133. :‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪220‬؛ ‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 196-197.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : loc. cit.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid., p. 173.‬‬
‫‪5‬‬
‫للتعرؼ أكثر على موقف اؼبصادر اْلرمينية من فيالريت‪ ،‬أنظر ‪Ibid., p. 173-177,187-199. :‬‬
‫‪ 6‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪073‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كح ًرـ من اإلمارة"‪ 1.‬كقد كاف السرياف يشكلوف اعبزء اْلكرب من السكاف ُب مشاؿ‬
‫كلكنو فقد إيبانو ي‬
‫سوريا حبكم كجودىم ُب تلك اؼبناطق منذ العهود اْلكذل للمسيحية‪ ،‬كبذلك فإف أغلبيتهم كانوا‬
‫‪2‬‬
‫ناقمْب على فيالريت‪.‬‬

‫كيبدك ىذا الرجل –من خالؿ اؼبراجع اغبديثة‪ -‬أرمينيا طموحا ؿبتفظا بركح عسكرية متمردة‪.‬‬
‫كحاكؿ أف يؤسس لنفسو سلطة بعيدة عن نفوذ البيزنطيْب كاْلتراؾ معا‪ ،‬مستفيدا من اْلكضاع‬
‫كالفوضى الٍب غمرت آسيا الصغرل بعد معركة منازكرد‪ .‬كقد سبكن جبهوده العسكرية كالديبلوماسية‪،‬‬
‫ك من البيزنطيْب رقعة خضعت لسلطتو ما يقارب عشرين سنة‪ 3،‬كمن خالؽبا رسم اػبريطة الٍب‬
‫أف يفتى َّ‬
‫ستحفظ لألرمن كياهنم كسط اْلعاصّب الٍب ضربت إقليم قيليقيا‪ ،‬كمكنتهم من القياـ بدكر أساسي‬
‫ُب اغبركب الصليبية‪ .‬كيعتربه اؼبؤرخ جّبار ديدياف بطال قوميا‪ ،‬كمنقذا لألمة اْلرمينية‪ ،‬كمدافعا شرسا‬
‫‪4‬‬
‫عن اغبدكد الشرقية لإلمرباطورية البيزنطية ضد توسعات اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬كاإلمارات العربية‪.‬‬

‫كاػبالصة أف فيالريت َل يعدك أف يكوف مغامرا جسورا‪ 5،‬أك عسكريا ىائجا مصابا جبنوف‬
‫العظمة‪ ،‬كيناـ بداخلو شيطاف اؼبغامرة‪ .‬كعلى حد تعبّب جركسي فهو متعطش للسلطة‪ ،‬كؿبب للثركة‪،‬‬
‫يستخدـ كل الوسائل‪ ،‬كمستعد َلرتكاب أبسط خيانة‪ ،‬ككاف مبدؤه "الغاية تربر الوسيلة"‪ ،‬ليبقى‬
‫دائما ُب مركز القوة‪ 6.‬فقد بدأ حياتو ُب دير أرميِب مونوفيزم‪ٍ ،‬ب زبلى عن الكنيسة اْلرمينية لصاحل‬
‫اْلرثوذكسية الديوفيزية‪ ،‬ليناؿ رضا السلطات البيزنطية كسبنحو اؼبناصب اإلدارية كالعسكرية‪ٍ .‬ب شق‬
‫عصا الطاعة‪ ،‬كسبرد عليها‪ .‬كلكنو ما لبث أف عاد إذل بيت الطاعة‪ ،‬ككضع نفسو ُب خدمة البيزنطيْب‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 173.‬‬
‫‪ 2‬للتعرؼ أكثر على موقف السرياف من سياسة فيالريت‪ ،‬أنظر ‪ :‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪120-118‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 173, 177-178.‬‬
‫‪ 3‬انظر اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, pp. 357.‬‬
‫‪ 5‬اعبنزكرم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 178.‬‬

‫‪074‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫‪1‬‬
‫كأخذ عنهم كرىهم ْلتباع الكنيسة اْلرمينية‪ .‬كانتهى بو اْلمر تابعا للسالجقة‪ ،‬مع دفع اعبزية ؽبم‪.‬‬
‫لقد سبكن فيالريت من اغبفاظ على كجوده كاندس بْب اَلمرباطوريتْب‪ ،‬ليس بفضل قوتو‪ ،‬بل دبكره‬
‫كدىائو‪ ،‬فقد كاف يلعب على اغببلْب‪ ،‬فهو يتظاىر أماـ البيزنطيْب على أنو رجل بيزنطة الذم يعتمد‬
‫عليو ُب اؼبنطقة‪ ،‬كيتظاىر أماـ جّبانو اؼبسلمْب بأنو رجل متسامح غّب متعصب‪ .2‬كيبدك أنو دل ينب‬
‫سلطتو إَل على جثث بِب جلدتو‪ 3.‬كخالؿ ىذه اؼبراحل كلها‪" ،‬دل يوفر اغبد اْلدسل من اَلحَباـ‬
‫للسكاف اْلرمن كالسرياف الذين كانوا ربت سلطتو‪ ،‬ليس بسبب مذىبو الديِب فحسب‪ ،‬كلكنو كاف‬
‫‪4‬‬
‫انتهازيا دينيا‪ ،‬كىذا ما جعل اعبميع ساخطْب عليو ‪« :‬اؼبونوفيزيوف‪ ،‬كاػبلقدنيوف‪ ،‬كاؼبسلموف»"‪.‬‬

‫كإذا كاف فيالريت قد توُب قبيل قياـ اغبركب الصليبية‪ ،‬كدل يكتب لو اؼبشاركة فيها‪ ،‬فإف نفوذ‬
‫اْلرمن دل ينقرض ُب قيليقيا كالفرات بوفاتو‪ 5،‬حيث ساىم نوابو كاْلمراء اْلرمن الذين كانوا تابعْب لو‪،‬‬
‫بقسط كافر ُب أحداث كمعارؾ اغبملة الصليبية اْلكذل‪ .‬كمن بينهم جربيل )‪ ،(Gabriel‬الذم كاف‬
‫نائبا لفيالريت دبلطية منذ عاـ ‪475‬ق‪1082 /‬ـ‪ .‬ككاف ُب أخالقو كسّبتو أقرب إذل سيده‪ ،‬باعتباره‬
‫كاحدا من اؼبغامرين اْلرمن‪ ،‬ككاف على مذىب الكنيسة البيزنطية‪ 6.‬ككذلك ثوركس بن ىيثوـ‬
‫)‪ ،(Thoros fils de Héthoum‬الذم كاف ضابطا سابقا لفيالريت‪ ،‬كانتزع مدينة الرىا من‬
‫السالجقة سنة ‪488‬ق‪1095/‬ـ‪ ،‬كساعده اْلرمن على طرد اغبامية الَبكية الصغّبة‪ٍ ،‬ب أصبح سيدا‬
‫على اؼبدينة‪ 7.‬كُب مدينة مرعش نصب البيزنطيوف حاكما أرمينيا ىو ثاتوؿ )‪ ،(Thatoul‬الذم بقي‬
‫فيها إذل غاية ‪1104‬ـ‪ 8.‬كمن بينهم كوغ فاسيل )‪،((1112-1098/ 506-490) Gogh Vasil‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Laurent J. Byzance et les Turcs Seldjoucides, p. 89.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 178.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Laurent J. op. cit., p. 87.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, pp. 357.‬‬
‫‪ 5‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪ 6‬اعبنزكرم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grousset : op. cit., p. 183-184.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Ibid.‬‬

‫‪075‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫الذم سبكن من إقامة إمارة صغّبة ُب رعباف ككيسوـ بْب مرعش كهنر الفرات‪ ،‬ككانت لو عالقات متينة‬
‫باإلمرباطورية البيزنطية‪ 1.‬كل ىؤَلء القادة اْلرمن سيربز دكرىم أكثر أثناء اغبركب الصليبية القادمة‪.‬‬

‫كمهما كاف الدكر الذم قاـ بو فيالريت‪ ،‬أك نوابو‪ ،‬كغّبىم من قادة اْلرمن‪ُ ،‬ب تاريخ أرمينيا‬
‫الصغرل‪ ،‬فإنو يبدك ضئيال‪ ،‬أماـ الدكر الذم قامت بو أسرتاف أرمينيتاف قيدّْر ؽبما أف تقودا اْلحداث‬
‫‪2‬‬
‫ُب قيليقيا مدة قرنْب كنصف‪.‬‬

‫‪ – 4‬تأسيس إمارة بني ركبين في قيليقيا‬


‫أ ‪ -‬بركز آؿ ركبن كآؿ ىيثوـ‬
‫اْلسرة اْلكذل ىي آؿ ركبْب‪ ،(la dynastie roubéniennes) 3‬الٍب كضعت جذكر أكؿ‬
‫إمارة أرمينية حقيقية ُب اؼبنفى بعد منازكرد‪ ،‬ككانت مضارّٔا ُب اعبزء الشرقي من قيليقيا‪ .‬لذلك كاف‬
‫أمراؤىا أكثر احتكاكا بعديد القول اإلسالمية كالصليبية الٍب ظهرت فيما بعد بالشاـ كاعبزيرة‪ ،‬ككانت‬
‫عالقتهم بالدكلة البيزنطية متوترة ُب معظم اْلكقات‪.‬‬

‫كالثانية ىي اْلسرة اؽبيثومية )‪ ،(la dynastie héthoumienne‬الٍب تنتسب إذل العائلة‬


‫اؼبلىكية أ ٍىرٍزركشل )‪ ،(Artzrouni‬الٍب حكمت بعض أقاليم أرمينيا سابقا‪ .‬كيعود تاريخ بركزىا ُب‬
‫قيليقيا إذل سنة ‪354‬ق‪0162/‬ـ‪ ،‬حيث غادر أكشْب )‪ ،(Ochine‬أحد أمرائها أرض أجداده ُب‬
‫إقليم جنزاؾ )‪ (Ganzak‬بأرمينيا الكربل‪ .‬كنزح معو كل أفراد عائلتو‪ ،‬كؾبموعة من الفرساف كالنبالء‪،‬‬
‫ب أ ٍىرٍزركن ػي‬
‫حبثا عن مأكل آم ػن‪ .‬كؼب ػا كص ػل إل ػى ق ػي ػل ػي ػق ػي ػا دخ ػل ف ػي خ ػدم ػة أىبىلػٍغػىػري ػ ٍ‬
‫)‪ (Apelgharip Artzrouni‬الػ ػػذم ع ػ ػي ػ ػنػ ػػو ال ػ ػب ػ ػي ػ ػزن ػ ػط ػيػػوف حػػاك ػمػػا ع ػلػػى طػػرس ػوس‬
‫)‪ٍ ،(stratège de Tarse‬ب تطورت العالقة بينهما إذل اؼبصاىرة‪ ،‬فمنحو قلعة لى ٍمربكف‬

‫‪ 1‬عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪61‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪278‬؛‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 183-184.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset : op. cit., pp. 387-388.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 198.‬‬

‫‪076‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫)‪ 1،(Lambron‬اؼبنيعة الواقعة ُب أعارل جباؿ طوركس غرب قيليقيا‪ ،‬كازبذىا مركزا إلمارتو‪ 2.‬كىذا‬
‫اؼبوقع جعل أكشْب كأحفاده أقرب إذل اإلمرباطورية البيزنطية كأكثر ارتباطا ّٔا‪ .‬ككانوا أكثر اْلسر‬
‫اْلرمينية كَلء كإخالصا ؽبا‪ ،‬فبا جعلهم يدخلوف ُب نزاعات مع بِب جلدهتم كخاصة مع أمراء اْلسرة‬
‫الركبينية‪ .‬كُب ىذا الصراع الذم استغرؽ ما يزيد عن قرف بْب اْلسرتْب‪ ،‬كاف آؿ ركبن ىم دائما‬
‫البادئوف بالتوسع كالسباقوف للعدكاف‪ ،‬كيبكن تفسّب ذلك بسببْب رئيسْب ‪:‬‬

‫األكؿ يعود إذل عوامل جغرافية كاقتصادية‪ ،‬حيث أف معظم اْلراضي الٍب كانت ربت سلطة‬
‫بِب ركبْب‪ ،‬ذات طبيعة جبلية صعبة‪ ،‬كثّبة اؼبنحدرات‪ ،‬قليلة السهوؿ‪ ،‬كىذه الطبيعة القاسية‬
‫كالتضاريس الصعبة فرضت عليهم سياسة توسعية‪ ،‬فنزلوا من معاقلهم اعببلية ليسيطركا على مدف‬
‫سهل قيليقيا الواقعة على الطرؽ التجارية اؼبؤدية إذل اؼبنافذ البحرية‪.‬‬

‫كالثاني يعود إذل عوامل سياسية كعسكرية‪ ،‬فكاف َلبد على آؿ ركبْب أف ىيؤّْمنوا حدكدىم من‬
‫لسد منافذىا أماـ السالجقة‪ ،‬كمن ناحية الغرب بالسيطرة‬
‫ناحية الشرؽ بالسيطرة على دركب الشاـ ّْ‬
‫‪3‬‬
‫على دركب قيليقيا‪ ،‬كىي ُب أيدم البيزنطيْب أك أتباعهم من بِب ىيثوـ‪ ،‬فبا أكقعهم ُب نزاع معهم‪.‬‬

‫كرغم تنافس ىاتْب العائلتْب كتناطحهما كتطاحنهما أحيانا‪ ،‬من أجل اَلستئثار بالنفوذ‬
‫كالسلطة‪ ،‬أك التوسع‪ ،‬فإف الفضل يعود إليهما ُب ربقيق آّد‪ ،‬كتألق أرمينيا من جديد‪ 4.‬ككاف ىذا‬
‫الصراع الطويل عائقا كبّبا أماـ تطور كتوسع اإلمارة الٍب أسسها آؿ ركبْب‪ .‬ككحدىا اؼبصاغبة الٍب‬
‫ربققت بْب العائلتْب‪ ،‬ظبحت لإلمارة أف تزدىر على أسس راسخة‪ 5.‬كما لبثت أف ربولت إذل فبلكة‬
‫معَبؼ ّٔا من طرؼ القول الكربل آنذاؾ‪ .‬كبعد كفاة آخر ملك ركبيِب سنة ‪505‬ق‪0108/‬ـ‪،‬‬

‫‪ 1‬ؼبربكف ‪ :‬حصن يقع ُب جباؿ طوركس بقيليقيا‪ ،‬يسمى حاليا ًمبٍركف‪.(Dulaurier : op. cit., p. 822.) .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mahé Annie et Mahé Jean-Pierre : Histoire de l'Arménie des origines à nos jours, Perrin,‬‬
‫‪Paris, 2012. pp. 193-194; Tournebize F. : Histoire politique et religieuse de l'Arménie, ds. :‬‬
‫‪Revue de l'Orient Chrétien, neuvième année, Librairie A. Picard et fils, Paris, 1904. p. 114.‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.234-232‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 388; Mutafian Claude : La Cilicie, p. 368.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Mutafian Claude : loc. cit.‬‬

‫‪077‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كىو ليوف الثاشل الذم دل يكن لو كلد ذكر يرثو‪ ،‬كبعد كزكاج قسرم‪ ،‬كمصاىرة بْب العائلتْب‪ ،‬انتقل‬
‫العرش إذل ىيثوـ اْلكؿ سنة ‪512‬ق‪0115/‬ـ‪ ،‬الذم غّب معادل السياسة اػبارجية للمملكة‪ ،‬حيث‬
‫قاـ بإحالؿ التحالف مع اؼبغوؿ‪ 1‬ؿبل التحالف مع الصليبيْب‪ 2.‬كمنذ ذلك التاريخ كرث آؿ ىيثوـ‬
‫عن آؿ ركبْب السلطة كالنفوذ ُب قيليقيا‪ ،‬كانقادت ؽبم فبلكة أرمينيا الصغرل‪ ،‬إذل غاية سنة‬
‫‪631‬ق‪0230/‬ـ‪.‬‬

‫كمهما كانت العالقة بْب العائلتْب اغباكمتْب ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬فإف بِب ركبْب ىم الذين‬
‫كضعوا أسس أكؿ إمارة أرمينية مستقلة عن البيزنطيْب كعن اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬كيعود الفضل ُب ذلك‬
‫إذل اْلمّب ركبْب اْلكؿ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ركبين األكؿ )‪)1095-1080( (Roubên I‬‬


‫لقد دفعت عملية اغتياؿ اؼبلك جاجيك الثاشل اْلرميِب البجراطي سنة ‪354‬ق‪0162/‬ـ‪ 3،‬من‬
‫طرؼ البيزنطيْب ُب كبادككيا‪ ،‬إذل ىجرة عدد كبّب من اْلمراء كالنبالء اْلرمن اؼبلتفْب حولو‪ .‬كتوزعت‬
‫تلك اْلسر بْب سفوح كقمم جباؿ طوركس‪ .‬كمن بينهم ركبْب‪ 4‬الذم يعترب–عند اؼبؤرخْب اْلرمن‪-‬‬

‫‪ 1‬حوؿ موضوع ربالف فبلكة أرمينيا الصغرل مع اؼبغوؿ‪( ،‬أنظر ‪ :‬شريفي أضبد ‪ :‬عالقات مغوؿ تركستاف كإيراف اػبارجية مع‬
‫القول السياسية خالؿ النصف الثاشل من القرف السابع اؽبجرم‪ ،‬رسالة ماجستّب ُب تاريخ العصور الوسطى‪ ،‬إشراؼ موسى لقباؿ‪،‬‬
‫معهد التاريخ‪ ،‬جامعة اعبزائر‪ ،‬السنة الدراسية ‪1991-1990‬ـ‪ .‬ص ‪116-106‬؛ بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪-172‬‬
‫‪191‬؛ زرقوؽ ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 82‬كما بعدىا)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪243‬؛ ‪Mouradian Claire : op. cit., p. 26.‬‬
‫‪َ 3‬ل يوجد اتفاؽ بْب اؼبؤرخْب اْلرمن حوؿ تاريخ اغتياؿ جاجيك الثاشل‪ ،‬حيث يذكر كثّب منهم أف عملية اَلغتياؿ كقعت ُب سنة‬
‫‪1079‬ـ‪ ،‬بينما يرجح اؼبؤرخ جّبار ديدياف سنة ‪1073‬ـ‪ ،‬كيعود السبب ُب ىذا التضارب إذل عدـ كجود مصدر قريب من‬
‫اْلحداث‪ .‬كمن اؼبربرات الٍب تزيد من ترجيح ىذ التاريخ‪ ،‬أف فيالريت استوذل على كثّب من اْلراضي كالقصور الٍب كانت ربت‬
‫تصرؼ جاجيك الثاشل ُب كبادككيا كقيليقيا‪ ،‬كدبا أنو كاف اؼبستفيد اْلكرب من عملية اَلغتياؿ‪ ،‬فإف البعض يتهمو بالتواطؤ مع‬
‫البيزنطيْب‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫‪Laurent J. : Byzance et les Turcs Seldjoucides, pp. 77-81; Grousset : L'Empire du Levant, p.‬‬
‫‪176; Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, pp. 292-298.).‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : Chronique rimée des rois de la petite Arménie, ds. R.H.C.D. Arm.,‬‬
‫‪Imprimerie impériale, 2ème ed., Paris. 1969. t. I, p. 497.‬‬
‫‪078‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫اؼبؤسس اْلكؿ لساللة اْلمراء‪ ،‬كاؼبلوؾ اْلرمن ُب قيليقيا؛‪ْ 1‬لف الدكيالت الٍب أسسها القادة كالزعماء‬
‫اْلرمن السابقْب‪ ،‬سرعاف ما انقرضت كتالشت بعد كفاهتم‪ ،‬أما اإلمارة الٍب كضع أسسها ركبْب‪ ،‬فلم‬
‫تىػ يزؿ دبوتو‪ ،‬بل استمرت بْب أبنائو كأحفاده‪ .‬كىو أكؿ من ازبذ لقب أمّب بْب قادة اْلرمن ُب قيليقيا‪.‬‬
‫كيتجادؿ اؼبؤرخوف حوؿ صحة انتسابو إذل اْلسرة اؼبلكية البجراطية‪ ،‬كدرجة قرابتو من اؼبلك جاجيك‬
‫الثاشل‪ .‬كلكن اؼبؤكد أف عائلتو تنحدر من أسرة أرمينية عريقة كانت تقطن اعبهات اعبنوبية الغربية من‬
‫أرمينيا الكربل‪ ،‬ككاف كثّب من أفرادىا ُب خدمة اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬سواء ُب إدارهتا اؼبدنية أك ُب‬
‫صفوؼ اعبيش‪ 2.‬كفبا َل شك فيو أيضا‪ ،‬أف ركبْب اْلكؿ كاف من اْلمراء اؼبقربْب ُب حاشية اؼبلك‬
‫جاجيك الثاشل‪ ،‬ككاف يعيش معو ُب قصره بكبادككيا‪ 3،‬كردبا كاف قائدا غبرسو اػباص‪ ،‬أك لفصيلة من‬
‫‪5‬‬
‫جيشو‪ 4،‬كىذا ما أكسبو شرعية أكثر من الزعماء كالقادة اآلخرين الذين سبقوه إذل قيليقيا‪.‬‬

‫بعد اغتياؿ اؼبلك جاجيك الثاشل‪ ،‬رأل ركبْب "كاجبا أف يؤسس لألرمن دكلة جديدة‪ ،‬كقد آزره‬
‫اْلمراء ُب ىذا اؼبطلب"‪ 6.‬بدأ نشاطو العسكرم سنة ‪362‬ىػ‪0171/‬ـ‪ ،‬بانتزاع قلعة كوبًدار‬
‫)‪ 7،(Kopidar‬من البيزنطيْب‪ ،‬كْلهنا تقع ُب قمة جبلية‪ ،‬ؿبصنة طبيعيا‪ ،‬اتػ ػخػ ػذىػ ػا قػ ػ ػاعػ ػ ػدة‬
‫ْلع ػ ػم ػ ػالو كق ػوت ػو‪ ،‬كن ػواة ل ػدكل ػت ػو‪ .‬كس ػرع ػاف م ػا ال ػت ػف ح ػول ػو اْلرم ػن‪ ،‬ف ػ ػ ػ ػش ػ ػك ػ ػل ج ػ ػي ػ ػشػ ػ ػا كراح‬
‫يػ ػ ػص ػ ػ ػارع ال ػج ػي ػش البيزنطي‪ .‬كتطلع إذل التوسع ف ػي جػ ػم ػي ػع أن ػح ػاء ق ػي ػل ػي ػق ػي ػا م ػن خ ػالؿ اس ػت ػغ ػالؿ‬
‫ال ػف ػرص ال ػم ػت ػاح ػة ل ػو‪ ،‬ع ػل ػى ح ػس ػاب ال ػسالج ػق ػة كال ػب ػي ػزن ػط ػي ػي ػن‪ 8.‬ث ػم اس ػت ػول ػى ع ػل ػى ق ػل ػع ػة‬

‫‪1‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 187; Grousset : L'Empire du levant, pp. 176-177.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 414.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Mahé Annie : op. cit., p. 192.‬‬
‫‪ 4‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Le rayonnement de l'Etat arménien, p. 337.‬‬
‫‪ 6‬اسَباجياف ؾ‪ .‬ؿ‪ : .‬تاريخ اْلمة اْلرمينية‪ ،‬مطبعة اَلرباد اعبديدة‪ ،‬اؼبوصل‪ .1951 ،‬ص ‪.205‬‬
‫‪ 7‬كوبدار ‪ :‬كتسمى كذلك كوًزستار )‪ ،(kôsistar‬كمعناىا عش النسر‪ْ ،‬لهنا تقع ُب أعلى قمة جبلية‪ ،‬كىي حصن يقع ُب جباؿ‬
‫طوركس إذل الشرؽ من اؼبصيصة‪ ،‬كإذل الشماؿ من سيس‪(Dulaurier : op. cit., p. 30, note 2.). .‬‬
‫‪ 8‬خاقبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪1104‬؛ طقوش ‪ :‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪081‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫ب ػرس ػب ػرت‪ (Partzerperd) 1‬ال ػواق ػع ػة مشاؿ غرب سيس‪ ،‬كىي تبعد عن كوبًدار حبوارل ثالثْب كلم‪،‬‬
‫كبعدىا بسط يده على قرية كوركموزكؿ )‪ 2(Kôromozol‬كنقل إليها مقر إقامتو‪ 3،‬ككانت آخر ما‬
‫استوذل عليو من البيزنطيْب‪ .‬كفيها كاف مستقره كمقامو حٌب كفاتو سنة ‪377‬ق‪0184/‬ـ‪ 4.‬كذبدر‬
‫اإلشارة إذل أف كل اؼبواقع الٍب احتلها ركبْب‪ ،‬تتميز بطابعها اعببلي الصعب‪ ،‬كىذا ما سهل عملية‬
‫الدفاع عنها ضد البيزنطيْب‪ ،‬كُب الوقت ذاتو كجد نفسو بعيدا عن ضغوط فيالريت‪ .‬ككاف حذرا‬
‫كيقظا من جهة اْلتراؾ خاصة فيما بْب سنٍب ‪366‬ق‪0173/‬ـ ك ‪368‬ق‪0175/‬ـ‪ ،‬حينما ازداد‬
‫‪5‬‬
‫نشاط سالجقة الركـ كاقَببوا كثّبا من جباؿ طوركس‪.‬‬

‫كوبظى ركبْب دبكانة خاصة عند مؤرخي عصره‪ ،‬فتذكره بعض اؼبصادر أنو انتقم من البيزنطيْب‬
‫الذين احتلوا آشل ُب كقت سابق كتركوا اْلرمن بال كطن‪ ،‬فانتزع منهم بعض اْلراضي كاغبصوف ُب‬
‫جباؿ طوركس‪ ،‬كبات سيدا عليها‪ ،‬كجعل منها نواة للدكلة اْلرمينية ُب قيليقيا‪ 6،‬كبذلك يكوف قد‬
‫أخذ بثأر اؼبلك جاجيك الثاشل‪ 7.‬كىو من أحيا لألرمن كطنهم اؼبفقود‪ ،‬ككاف معهم قائدا مثاليا "دبر‬
‫كَليتو على اْلرمن ُب كيليكيا مدة طبس عشرة سنة تدبّبا صاغبا بكل حكمة كاحَباس‪ ،‬كأب حنوف‬
‫‪8‬‬
‫كسيد رؤكؼ"‪.‬‬

‫‪ 1‬برسربت ‪ :‬معناىا باللغة اْلرمينية القلعة العالية أك القصر العارل‪ ،‬تقع ُب قمة من قمم جباؿ طوركس‪ ،‬مشاؿ سيس‪ ،‬بينهما مسافة‬
‫أربعْب كلم تقريبا‪ .‬ككانت أكثر القالع اْلرمينية حصانة‪ ،‬ككاف ملوؾ اْلرمن يلجؤكف إليها ُب فصل الصيف‪ ،‬كىببئوف فيها أمواؽبم‪.‬‬
‫‪(Dulaurier : op. cit., p. 168, note 2.).‬‬
‫‪2‬‬
‫كوركموزكؿ ‪ :‬كرد اسم ىذه القرية بصيغ ـبتلفة‪ ،‬منها‪ Kôlimoghôlô ،‬ك ‪ Kormolozou‬ك ‪ ،Kolimozolo‬كىي قرية‬
‫اندثرت ككانت تقع ُب الشماؿ الشرقي من قيليقيا‪ ،‬كعلى الضفة اليسرل لنهر ساركس‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫)‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 380.‬‬
‫‪ 3‬انظر اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪4‬‬
‫الركيضي ؿبمود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪177‬؛ ‪Payaslian Simon : op. cit., p. 81.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : op. cit., t. I, p. 381, 414-415.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 497.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Mardiros de Crimée : Liste rimée des souverains de la Petite Arménie, ds. R.H.C.D. Arm.,‬‬
‫‪Imprimerie impériale, 2ème ed., Paris. 1969. t. I, p. 684.‬‬
‫‪ 8‬خاقبي أنطوف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪080‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كمن الظركؼ الٍب ساعدت ركبْب اْلكؿ على تػأسيس إمارتو كسط تضاريس جغرافية صعبة‪،‬‬
‫كأحداث تارىبية معقدة‪ ،‬كجود عدد كبّب من اْلرمن الذين استقركا ُب تلك اؼبناطق منذ القرف‬
‫العاشر‪ 1،‬أم بعد أف اسَبد البيزنطيوف إقليم قيليقيا من اؼبسلمْب‪ٍ .‬ب ازداد تدفق اؼبهاجرين القادمْب‬
‫من أرمينيا الكربل كمن كبادككيا بعد معركة منازكرد‪ ،‬كنزؿ كثّب منهم أراضي قيليقيا‪ ،‬كشيدكا مساكنهم‬
‫ُب جباؿ طوركس‪ 2.‬كلكنهم كانوا يفتقركف إذل سلطة ذبمع صفوفهم كتوحدىم‪ .‬ككاف ركبْب ُب‬
‫نظرىم يبثل السلطة الشرعية الٍب كانوا يبحثوف عنها‪ ،‬باعتباره أمّبا مقربا ُب حاشية اؼبلك جاجيك‬
‫الثاشل‪ .‬كلذلك كصفتو اؼبصادر اْلرمينية باْلمّب (إيشخاف ‪ .)իշխան‬كاستطاع ىذا اْلمّب بفضل‬
‫أكلئك اْلرمن أف يضع حجر اْلساس لدكلة أرمينية جديدة‪ ،‬ذات سيادة‪ ،‬كغّب تابعة ْلم إمارة أك‬
‫دكلة ؾباكرة‪ .‬كرغم أنو مكث ُب السلطة مدة ما يزيد عن طبس عشرة سنة‪ ،‬فإنو دل يوسع حدكد دكلتو‬
‫بعيدا‪ ،‬فأقصى ما تركو ْلبنائو‪ ،‬مساحة صغّبة مثلثة الشكل قاعدهتا ُب الشماؿ سبتد من قلعة برسربرت‬
‫إذل قرية كوركموزكؿ‪ ،‬كرأسها ُب قلعة كوبدار ُب اعبنوب‪ ،‬فبم يبكن تفسّب ذلك ؟‬

‫يكمن جزء من اإلجابة ُب نظرة للخريطة الطبيعية كالسياسية‪ 3،‬لقيليقيا ُب تلك الفَبة حيث إف‬
‫اؼبنطقة الٍب أسس فيها ركبْب إمارتو‪ ،‬ؿباطة بالعديد من القول‪ ،‬أكؽبا ‪ :‬الدكيالت الٍب أنشأىا قادة‬
‫آخركف من اْلرمن‪ ،‬مثل فيالريت ك كوغ فاسيل كأكشْب‪ ...‬كىؤَلء صبيعا سبقوه إذل كثّب من اؼبدف‬
‫كالقالع كبسطوا أيديهم عليها‪ ،‬كدل هبد أمامو إَل بعض اغبصوف الٍب كانت قريبة من فبتلكات اؼبلك‬
‫جاجيك الثاشل‪ .‬كيبدك أنو اقتنع دبا حصل عليو من مساحة ؿبدكدة كدبا كىبتو التضاريس الصعبة من‬
‫قالع جبلية ؿبصنة طبيعيا‪ُ ،‬ب انتظار فرص هبود ّٔا اؼبستقبل‪ ،‬عمال باغبكمة القائلة ‪" :‬أخذ القليل‬
‫خّب من ترؾ اعبميع"‪ .‬كثاشل ىذه القول ىي إمارات اْلتراؾ‪ ،‬الٍب أخذت تزحف كبو قيليقيا كمنطقة‬
‫الفرات‪ ،‬حيث شهد منتصف الثمانينيات من القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬زيادة ُب‬
‫نشاط السالجقة‪ .‬ففتح سليماف بن قتلمش أنطاكية سنة ‪477‬ىػ‪1084/‬ـ‪ ،‬كفتح ملكشاه الرىا سنة‬

‫‪1‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 497.‬‬
‫‪ 2‬اسَباجياف ؾ‪ .‬ؿ‪ : .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.204‬‬
‫‪ 3‬انظر اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪081‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫تطو يؽ إمارتو‬
‫‪479‬ىػ‪1086/‬ـ‪ ،‬كامتدت سلطتو إذل حلب كأنطاكية‪ .‬كما أف سلطنة سالجقة الركـ ّْ‬
‫من جهة الشماؿ‪ ،‬كىذا يعِب أنو إذا أراد التوسع فال مناص من حرب بينو كبْب اْلتراؾ السالجقة‪.‬‬
‫كيبدك أنو كاف يقدّْر ذلك جيدا فهو غّب مستعد للدخوؿ ُب مواجهة عسكرية ضدىم ىو ُب غُب‬
‫عنها‪ .‬كثالث ىذه القول‪ ،‬ىي اإلمرباطورية البيزنطية الٍب ربيط بأمالكو من جهة الغرب‪ ،‬كؽبا أتباعها‬
‫من اْلرمن ُب قيليقيا‪ ،‬أقرّٔم إليو أكشْب ُب قلعة ؼبربكف‪ .‬كاػبالصة أنو كاف ؿباصرا من كل اعبهات‪،‬‬
‫كلكن أبناءه كأحفاده الذين لعبوا كرقة الصليبيْب‪ ،‬ككسبوا من كرائها أرباحا طائلة‪ ،‬سبكنوا من توسيع‬
‫حدكد اإلمارة‪ ،‬كربقيق مكاسب سياسية‪ ،‬كاقتصادية على حساب البيزنطيْب‪ ،‬كالسالجقة معا‪.‬‬

‫كيبقى سؤاؿ آخر‪ ،‬ؼباذا دل تتعرض أمالكو لفتوحات السالجقة كما حدث لفيالريت ؟ ردبا‬
‫يعود ذلك لعاملْب‪ ،‬اْلكؿ ‪ :‬يتمثل ُب السياسة الداخلية لفيالريت كعالقتو ببِب جلدتو‪ ،‬فهي السبب‬
‫الرئيس ُب فقدانو ؼبمتلكاتو‪ .‬لقد دخل السالجقة إذل أنطاكية كالرىا بطلب من أىلها‪ ،‬كساعدىم من‬
‫ّٔا من اْلرمن على فتحها‪ ،‬نظرا ؼبقتهم كبغضهم لو‪ .‬أما ركبْب فكاف من أتباع الكنيسة اْلرمينية‪،‬‬
‫كسّبتو ؿبمودة بْب شعبو‪ ،‬كدل تذكر اؼبصادر أنو حكم باستبداد أك ظلم كما فعل فيالريت‪ .‬كالعامل‬
‫الثاشل ‪ :‬يعود إذل الطريق الذم سلكو السالجقة أثناء زحفهم على أنطاكية كالرىا‪ ،‬كالقالع اْلخرل‪،‬‬
‫لقد كاف ذلك اؼبسلك بعيدا عن فبتلكات ركبْب‪ .‬فسليماف بن قتلمش الذم قى ًد ىـ من اعبهة الغربية‪،‬‬
‫سار عرب سهل قيليقيا جنوبا‪ ،‬كقبل أف يصل إذل أنطاكية فتح ُب طريقو طرسوس‪ ،‬كاؼبصيصة‪ ،‬كعْب‬
‫زرىب‪ ،‬كمدنا أخرل‪ ،‬ككلها كانت ربت سيطرة فيالريت‪ ،‬كىي تقع ُب اعبنوب‪ ،‬بينما تقع فبتلكات‬
‫ركبْب ُب الشماؿ‪ ،‬كمن شبة كانت بعيدة عن طرؽ كمسالك سالجقة الركـ‪ .‬أما السلطاف ملكشاه فقد‬
‫قى ًد ىـ من جهة الشرؽ كبلغ ُب زحفو ميناء السويدية على البحر اؼبتوسط‪ٍ ،‬ب عاد أدراجو‪ ،‬دكف أف تطأ‬
‫قدماه أرض قيليقيا‪ ،‬لذلك دل تكن إمارة ركبْب ُب عْب اإلعصار‪ ،‬كدل تكن من بْب أىداؼ‬
‫السالجقة كَل من غنائمهم‪.‬‬

‫كالتساؤؿ الثالث‪ ،‬ؼباذا قبح فيالريت –كىو اؼبستبد‪ُ -‬ب مد سلطانو على رقعة كاسعة‪ ،‬كخضع‬
‫لو اْلمراء كالقادة طوعا ككرىا‪ ،‬كعجز ركبْب اْلكؿ –كىو اْلمّب الشرعي‪ -‬عن اػبركج من جوؼ‬

‫‪082‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫جباؿ طوركس ؟ الواقع أف فيالريت دل يؤسس إمارة مستقلة أك دكلة كطنية ذات سيادة‪ ،‬كلكنو استغل‬
‫فرصة الفوضى كاَلضطراب الٍب حلت باإلمرباطورية البيزنطية عقب معركة منازكرد‪ ،‬كراح ينهب اْلديرة‬
‫السريانية‪ ،‬كهبمع اؼباؿ‪ ،‬كْلنو امتلك جيشا من اؼبرتزقة‪ ،‬أجرب العديد من قادة اْلرمن على طاعتو‪ ،‬من‬
‫بينهم ركبْب نفسو‪ 1،‬إما خشية من بأسو أك اتقاء لشره‪ ،‬اك ضباية ْلنفسهم من أعدائهم‪ .‬كما َل‬
‫ينبغي أف يغيب عن الذىن‪ ،‬أف نقفور الثالث الذم اعتلى عرش اَلمرباطورية البيزنطية سنة‬
‫‪360‬ق‪0167/‬ـ‪ ،‬اعترب فيالريت كاحدا من أتباعو‪ ،‬فهو بذلك َل يعدك أف يكوف حارسا غبدكد‬
‫اَلمرباطورية من جهة اعبنوب الشرقي‪ ،‬كأف سلطتو ىي امتداد لسلطة البيزنطيْب‪ ،‬كليست سلطة‬
‫أرمينية خالصة‪ ،‬كسرعاف ما تالشت بعد كفاتو‪.‬‬

‫كاػبالصة‪ ،‬أف اْلمّب ركبْب كإف دل ينجح ُب توسيع رقعة بالده‪ ،‬فإنو قبح ُب كضع حجر‬
‫اْلساس لتأسيس إمارة بديلة للوطن اْلـ الذم فقد استقاللو‪ ،‬على يد البيزنطيْب‪ ،‬كترؾ دكلة َل تزكؿ‬
‫بزكاؿ الرجاؿ‪ ،‬أك على اْلقل دل تنقرض بوفاتو‪ .‬فورث عنو العرش ابنو قسطنطْب كأحفاده‪ٍ ،‬ب تطورت‬
‫إذل فبلكة سنة ‪483‬ق‪0087/‬ـ‪ُ ،‬ب عهد ليوف اْلكؿ‪ .‬كبذلك يكوف اْلمّب ركبْب اعبد اْلعلى ْلكؿ‬
‫ساللة أرمينية ُب اؼبهجر‪ ،‬داـ حكمها ُب أرمينيا الصغرل ما يزيد عن قرف‪ ،‬حٌب أصبحت قيليقيا‬
‫تعرؼ عند بعض اؼبؤرخْب ببالد ركبْب كأحيانا بالد ابن َلكف (ليوف اْلكؿ)‪ ،‬أحد أحفاد ركبْب‪.‬‬

‫كإضافة إذل إمارة آؿ ركبْب الٍب تألقت ُب قيليقيا‪ ،‬فقد أسس اْلرمن إمارات أخرل ُب إقليم‬
‫الفرات‪ ،‬كُب مشاؿ سوريا‪ ،‬منها إمارة ثوركس ُب الرىا‪ ،‬كإمارة كوغ فاسيل ُب كيسوـ‪ ،‬كإمارة جربيل ُب‬
‫ملطية‪ ،‬كإمارة ثاتوؿ ُب مرعش‪ ،‬كإمارة بقراط ُب الراكنداف‪ ،‬كإمارة قسطنطْب ُب كركر‪ 2،‬ككلها إمارات‬
‫أرمينية تأسست بعد معركة منازكرد‪ 3.‬كإذا كاف عمرىا قصّبا‪ ،‬مقارنة بإمارة آؿ ركبْب‪ ،‬فإهنا قامت‬
‫بدكر َل يستهاف بو ُب دعم اغبملة الصليبية اْلكذل‪ ،‬كىي مثاؿ حي عن طبيعة العالقة الٍب صبعت بْب‬
‫اْلرمن كالسالجقة من جهة كبْب اْلرمن كالصليبيْب من جهة أخرل‪ ،‬كىو موضوع الفصل اؼبوارل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans, t. I, p. 386-388.‬‬
‫‪ 2‬انظر مواقع ىذه اؼبدف ُب ‪ :‬اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪ 3‬ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪083‬‬
‫األرمف بيف معركة منازكرد كالحممة الصميبية األكلى‬ ‫الفصؿ الثالث‬
‫كبناء على ما سبق يبكن القوؿ‪ ،‬أف قياـ إمارة أرمينيا الصغرل ُب قيليقيا‪ ،‬ربقق نتيجة أحداث‬
‫تارىبية شهدهتا آسيا الصغرل‪ ،‬أبرزىا معركة منازكرد الٍب أفرزت عاؼبا جديدا‪ ،‬أزاح اإلمرباطورية‬
‫البيزنطية كأحاؽبا إذل ىامش التاريخ‪ .‬كمن اْلمور الثابتة الٍب يبكن استنتاجها ُب خاسبة ىذا الفصل ‪:‬‬

‫أكال ‪ :‬شهد القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬ىجرتْب كبّبتْب‪ ،‬أحدثتا ربوَلت عرقية كحضارية‬
‫عميقة ُب آسيا الصغرل‪ ،‬أكؽبما ىجرة اْلتراؾ السالجقة من تركستاف كاستيطاهنم آسيا الصغرل‪،‬‬
‫كثانيهما ‪ :‬ىجرة اْلرمن من كطنهم اْلـ ُب أرمينيا الكربل‪ ،‬كاستيطاهنم قيليقيا‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اقَبف قياـ سلطنة سالجقة الركـ ُب نيقية‪ ،‬بقياـ أكؿ إمارة أرمينية نصرانية‪ُ ،‬ب جباؿ‬
‫طوركس‪ ،‬كالٍب سبددت إذل سهل قيليقيا كعرفت ُب التاريخ دبملكة أرمينيا الصغرل أك فبلكة أرمينيا‬
‫القيليقية‪ ،‬كيبدأ تارىبها بعد معركة منازكرد ‪463‬ق‪1071/‬ـ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬إف فتح السالجقة ؼبدينٍب أنطاكية ٍب الرىا‪ ،‬كمدنان أخرل ُب إقليم الثغور‪ ،‬كُب جباؿ‬
‫طوركس كسهل قيليقيا‪ ،‬ىو استعادة لبعض اؼبناطق الٍب فتحها اؼبسلموف ُب القرف اْلكؿ‬
‫اؽبجرم‪/‬السابع اؼبيالدم‪ ،‬كظلت جزءا من أراضي اػبالفة العباسية‪ ،‬إذل أف استوذل عليها البيزنطيوف‬
‫من جديد ُب القرف الرابع اؽبجرم‪/‬العاشر اؼبيالدم‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬دل تكن أرمينيا الصغرل ُب أكاخر القرف اغبادم عشر اؼبيالدم موحدة ربت حكم أمّب‬
‫أرميِب كاحد‪ ،‬بل كانت مقسمة بْب اْلمراء الذين كانوا وبكموف القالع كالقصور كبعض اؼبدف‪ .‬من‬
‫بينهم من كاف مستقال‪ ،‬كمنهم من كاف تابعا لإلمرباطورية البيزنطية‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬لوَل اَلهنيار الذم أصاب اَلمرباطورية البيزنطية بعد معركة منازكرد كاغبرب اْلىلية الٍب‬
‫مزقت اعبيش البيزنطي‪ ،‬ما سبكن اْلرمن من تأسيس دكلة خاصة ّٔم ُب قيليقيا‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬رغم أف اْلرمن قبحوا ُب إقامة دكلة ُب إقليم قيليقيا‪ ،‬استمرت ما يقارب أربعة قركف‪،‬‬
‫فإهنم يعتربكف مستوطنْب‪ ،‬كَلجئْب‪ ،‬حلوا بتلك الربوع بشكل مؤقت‪ ،‬بعد ما احتلت اَلمرباطورية‬
‫البيزنطية بالدىم‪ ،‬كاجتياح السالجقة ؽبا‪.‬‬

‫‪084‬‬
‫الفصل السابع‬
‫بدايات التعاكف األرميني الصليبي‬
‫‪ - 1‬جذكر الحركب الصليبية‬
‫أ‪ -‬حركب البيزنطيين ضد الفرس‬
‫ب‪ -‬حركب البيزنطيين ضد المسلمين‬
‫ج‪ -‬دخوؿ السالجقة إلى الشاـ‬
‫د‪ -‬الدعوة إلى الحرب الصليبية‬
‫‪ - 2‬دكر األرمن في الدعوة للحرب الصليبية‬
‫أ‪ -‬سفارة الجثليق جريجور الثاني فيكاياسر‬
‫ب‪ -‬جريجور الثاني في القسطنطينية‬
‫ج – جريجور الثاني في ركما‬
‫د‪ -‬جريجور الثاني في القاىرة‬
‫‪ - 3‬الصليبيوف في آسيا الصغرل‬
‫أ‪ -‬نيقية أكؿ امتحاف للصليبيين‬
‫ب– اتصاؿ الصليبيين باألرمن‬
‫‪ – 4‬في الطريق إلى أنطاكية‬
‫أ – في طرسوس‬
‫ب – في أذنة‬
‫ج – في المصيصة‬
‫د – في مرعش‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬

‫كانت اغبركب الصليبية فرصة مواتية‪ ،‬كسببا مباشرا َلحتكاؾ نصارل الغرب الكاثوليك‬
‫بنصارل الشرؽ من يعاقبة‪ ،‬كسرياف‪ ،‬كنساطرة‪ ،‬كأقباط‪ ،‬كأرمن‪ .‬كما كانت فرصة تارىبية َل تعوض‬
‫إلمارة أرمينيا الناشئة‪ ،‬حيث فكت عنها الطوؽ الذم كاف يلفها‪ ،‬كأخرجتها من عزلتها‪ ،‬كمكنتها‬
‫تلك اغبركب من أف تتبوأ مكانة بْب القول الكربل آنذاؾ‪ .‬كالقياـ بأدكار ىامة ُب توجيو اْلحداث‬
‫الكربل ُب الشرؽ اْلدسل‪ .‬كقد ساعدىا على ذلك تفكك قوة السالجقة‪ ،‬كافتقادىم للوحدة السياسية‬
‫كالعسكرية‪ ،‬كغياب دكلة إسالمية كربل قادرة على التأثّب ُب اْلحداث‪ ،‬إذل أف برز نورالدين زنكي ُب‬
‫بالد الشاـ‪ ،‬كدخل ُب حرب ضد القول الصليبية‪ ،‬فوجد اْلرمن أنفسهم أماـ قوة إسالمية جديدة‬
‫ينبغي عليهم اَلعَباؼ ّٔا كالتعامل معها‪.‬‬

‫كَل يتعلق موضوع ىذا البحث باغبركب الصليبية إَل ُب نطاؽ صلتها بكل من إمارة أرمينيا‬
‫الصغرل‪ ،‬كسلطنة سالجقة الركـ‪ ،‬كمدل تأثّبىا ُب أكضاعهما‪ .‬كبغض النظر عن الدكافع كاْلسباب‬
‫الظاىرة كاػبفية الٍب أدت إذل اندَلع تلك اؼبواجهات بْب اؼبسلمْب كالفرقبة‪ ،‬كالظركؼ الٍب أحاطت‬
‫ّٔا ُب كل من أكربا كآسيا الصغرل‪ ،‬فإف للحركب الصليبية نتائج كانعكاسات عديدة على اْلرمن ُب‬
‫قيليقيا‪.‬‬

‫كقبل الشركع ُب اغبديث عن التعاكف الصلييب اْلرميِب‪َ ،‬ل بد من تقدصل فكرة عن طبيعة‬
‫اغبركب الصليبية كبدايتها‪ ،‬كإذا كاف اْلرمن أكثر اؼبسيحيْب الشرقيْب استفادة منها‪ ،‬فهل كاف ؽبم‬
‫دكر ُب الدعوة ؽبا ؟ كما مدل مسانبتهم فيها ؟ كما مصلحتهم ُب التحالف مع الصليبيْب ؟ أدل تكن‬
‫بينهما خالفات مذىبية كعقائدية ؟ كىل كاف الصليبيوف ُب حاجة إذل اْلرمن ؟ كؼباذا تعامل‬
‫الصليبيوف معهم دكف غّبىم من الطوائف اؼبسيحية الشرقية اْلخرل ؟ كما موقف القول اَلسالمية‬
‫ا﵀لية من اْلرمن أثناء ربالفهم مع القول الصليبية ؟‬

‫‪086‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫‪ -1‬جذكر الحركب الصليبية‬
‫أ‪ -‬حركب البيزنطيين ضد الفرس‬
‫يفضل بعض اؼبؤرخْب الغربيْب القدماء منهم كا﵀دثوف‪ ،‬أف يستهلوا كتاباهتم عن اغبركب‬
‫الصليبية‪ 1‬باإلشارة إذل فتح اؼبسلمْب لبيت اؼبقدس‪ ،‬خالؿ القرف اْلكؿ اؽبجرم‪/‬السابع اؼبيالدم‪،‬‬
‫كأبرزىم كليم الصورم‪ ،‬الذم يعترب من أىم مؤرخي اغبركب الصليبية ُب العصور الوسطى‪ ،‬كعلى هنجو‬
‫سار اؼبؤرخ اَلقبليزم ستيفن رنسيماف‪ ،‬الذم يعترب مرجعا َل غُب عنو ُب تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬فهو‬
‫يبدأ كتابو اؼبؤلف من طبسة أجزاء‪ ،‬بقولو ‪ُ" :‬ب أحد أياـ شهر ؿبرـ ‪06‬ق‪/‬فرباير سنة ‪527‬ـ‪ ،‬دخل‬
‫إذل بيت اؼبقدس‪ ،‬اػبليفة عمر بن اػبطاب‪ ،‬راكبا صبال أبيض اللوف‪ .‬ككاف يرتدم كقتذاؾ ثيابا خرقة‬
‫قديبة‪ .‬كمع أف اعبيش الذم قاده كاف خشنا‪ ،‬فإنو بلغ اَلكتماؿ ُب نظامو‪ .‬كسار إذل جانب اػبليفة‬
‫البطريرؾ صفركنيوس باعتباره رأس رجاؿ اَلدارة ُب اؼبدينة الٍب أذعنت‪ٍ 2"...‬ب يواصل اغبديث عن‬
‫ىذا ا لبطريرؾ قائال ‪" :‬كيعترب الفتح العريب دليال على ما أصابو من الفشل‪ ،‬كدل سبض أسابيع قليلة‬
‫حٌب قضى كببو مكسور اػباطر"‪ 3.‬كربمل ىذه الركاية إشارة ذكية إذل أف العرب مثل الفرس استولوا‬
‫على مقدسات النصارل‪ ،‬كىم غرباء عن القدس الٍب هبب أف تستعاد منهم‪ ،‬كمنذ ذلك الوقت تطلع‬
‫اؼبسيحيوف َلسَبجاع بيت اؼبقدس الذم ىو أساس الصراع بْب اؼبسلمْب كاؼبسيحيْب‪.‬‬

‫ُب حْب أف ىناؾ طائفة أخرل من اؼبؤرخْب الغربيْب‪ ،‬كمنهم الفرنسي ركشل جركسي‪ ،‬يبدأكف‬
‫كتاباهتم باإلشارة إذل اهنيار اَلمرباطورية البيزنطية بعد معركة منازكرد سنة ‪352‬ق‪0160/‬ـ‪ ،‬الٍب‬
‫اهنار معها خط الدفاع الذم كاف وبمي قلعة اؼبسيحية ُب آسيا الصغرل‪ ،‬خاصة بعد أف سقطت‬

‫‪ 1‬يطلق مصطلح اغبركب الصليبية )‪ (Croisades‬على اغبمالت الٍب قاـ ّٔا اؼبسيحيوف الغربيوف (الفرقبة أكالالتْب) خالؿ القرف‬
‫اغبادم عشر‪ ،‬كالثاشل عشر‪ ،‬كالثالث عشر اؼبيالديْب‪ّٔ ،‬دؼ إعادة بيت اؼبقدس كاْلماكن اؼبقدسة‪ ،‬الٍب خضعت غبكم اؼبسلمْب‬
‫خالؿ القرف السابع اؼبيالدم‪ .‬أنظر ‪(Moure Michel : op. cit., p. 1490). :‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 3‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪087‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫القدس ُب السنة نفسها بْب أيدم السالجقة‪ 1.‬كيعترب ذلك مربرا كافيا ليحل الفرقبة ؿبل البيزنطيْب ُب‬
‫ضبل لواء الصليب كالدفاع عن العادل اؼبسيحي‪ ،‬ضد العادل اَلسالمي‪ 2.‬كاؽبدؼ من ذلك ىو إبراز‬
‫السالجقة كقبائل معتدية أىانوا مقدسات اؼبسيحيْب ُب فلسطْب‪ .‬كما أف طريق اغبج إذل البقاع‬
‫اؼبقدسة اؼبسيحية أصبح مهددا‪ ،‬لذلك كاف من الضركرم استعادة بيت اؼبقدس من أيدم اؼبسلمْب‪.‬‬

‫كسواء بدأ اؼبؤرخوف بدخوؿ عمر بن اػبطاب إذل القدس‪ ،‬أك بانتصار ألب أرسالف على‬
‫البيزنطيْب‪ ،‬فإف الركح الصليبية كفكرة الدفاع عن اؼبناطق اؼبقدسة اؼبسيحية كانت حاضرة ُب نفوس‬
‫اؼبسيحيْب حٌب قبل ظهور اإلسالـ‪ .‬كذبلت تلك الركح ُب اغبركب البيزنطية الفارسية‪ ،‬الٍب انتزع فيها‬
‫الفرس من البيزنطيْب جزءا كبّبا من بالد الركـ‪ ،‬فضال عن الشاـ‪ ،‬كقيليقيا‪ ،‬كمصر‪ ،‬كالساحل الشرقي‬
‫للبحر اؼبتوسط‪ ،‬كُب فلسطْب دمركا كنيسة القيامة‪ ،‬كاستولوا على الصليب الذم يعتقد النصارل أف‬
‫‪3‬‬
‫سيدنا عيسى (عليو السالـ) صلب عليو‪ ،‬كرفض ملك الفرس كسرل الثاشل ()‪(Khosroe II‬‬
‫(‪517-481‬ـ) التفاكض مع اَلمرباطور البيزنطي ىرقل ()‪530-501( (Héraclius‬ـ)‪ ،‬بل‬
‫كأرسل إليو قائال باستهزاء ‪" :‬أين ىو الرب الذم تتحدث عنو‪ ،‬ؼباذا دل ينقذ قيصرية‪ ،‬كَل أنطاكية‪ ،‬كَل‬
‫طرسوس‪ ،‬كَل أماسية‪ ،‬كَل بيت اؼبقدس‪ ،‬كَل اَلسكندرية ؟"‪ 4.‬كحينما أراد ىرقل اسَبجاع ما انتزعو‬
‫الفرس من اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كقف ُب شتاء سنة ‪510‬ـ‪ ،‬أماـ صورة السيدة مرصل (عليها‬
‫السالـ)‪ ،‬مستشفعا‪ ،‬مبتهال‪ ،‬استعدادا للقياـ بواجب مقدس‪ .‬كقبيل خركجو ُب ضبلتو العسكرية‬
‫التفت إذل البطريرؾ سرجيوس كقاؿ لو ‪" :‬إشل أعهد إذل ا﵁ كإذل كالدتو كإليك ّٔذه اؼبدينة كبابِب من‬

‫‪ 1‬بعد معركة منازكرد‪ ،‬غادر السلطاف ألب أرسالف منطقة آسيا الصغرل‪ ،‬كعاد إذل بالد ما كراء النهر لتسوية بعض اؼبشاكل‬
‫السياسية كالعسكرية ىناؾ‪ ،‬كترؾ كراءه بعض جنوده كضباطو ربت قيادة أحد أتباعو‪ ،‬كىو أتسز بن أكؽ اػبوارزمي‪ ،‬كأذف ؽبم بفتح‬
‫بالد الشاـ كإخراج الفاطميْب منها‪ ،‬فلم تنقض سنة ‪1071‬ـ‪ ،‬إَل ككاف أتسز قد استوذل من الفاطميْب على الرملة كبيت اؼبقدس‬
‫كفلسطْب بأكملها ماعدا عسقالف‪ٍ ،‬ب استوذل على دمشق كاؼبنطقة ا﵀يطة ّٔا‪ ،‬كلكنو فشل ُب ؿباكلتو غزك مصر‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن‬
‫القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪99-98‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪110‬؛ عاشور سعيد ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‬
‫‪89-88‬؛ طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬تاريخ السالجقة ُب بالد الشاـ‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬ط ‪ ،3‬بّبكت‪ .2009 ،‬ص ‪.)120-117‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des croisades, Perrin, Paris, 1991. t. I, p. 44.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Sébèos : op. cit., p. 69; Michel Le Syrien : op. cit., t. II, pp. 400-401.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mutafian : La Cilicie, t. I, p. 141.‬‬

‫‪088‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫بعدم"‪ 1،‬كبعد الصالة ُب كنيسة اغبكمة اإلؽبية كالتوسل تسلم إيقونة اؼبسيح (عليو السالـ)‪ٍ .‬ب ربرؾ‬
‫جبنوده ﵀اربة الفرس الوثنيْب‪ ،‬الذين أيرغموا على خوض معركة على أرض أرمينيا سنة‪0‬ق‪511/‬ـ‪،‬‬
‫كدارت الدائرة عليهم كسجل ىرقل نصرا مبينا كاف فاربة اإلنتصارات الركـ على الفرس‪ 2،‬كاعتربىا‬
‫البعض حربا صليبية سابقة على اغبركب الصليبية اؼبعركفة‪ 3.‬كالواقع أف ىذا اَلنتصار ىو دليل على‬
‫ض‬‫كـ (‪ًُ )2‬ب أ ٍىد ىسل ٍاْل ٍىر ً‬ ‫صحة كصدؽ ماكرد ُب القرآف الكرصل ُب سورة الركـ ‪{ :‬ادل (‪ )1‬غيلًب ً‬
‫الر ي‬
‫ت ُّ‬ ‫ى‬
‫ْب لًلَّ ًو ٍاْل ٍىم ير ًم ٍن قىػٍب يل ىكًم ٍن بىػ ٍع يد ىكيىػ ٍوىمئً وذ يىػ ٍفىر يح الٍ يم ٍؤًمنيو ىف‬‫كىم ًمن بػع ًد ىغلىبً ًهم سيػ ٍغلًبو ىف (‪ًُ )3‬ب بً ٍ ً ً‬
‫ض ًع سن ى‬ ‫ٍ ىى ي‬ ‫ىي ٍ ٍ ىٍ‬
‫‪4‬‬
‫يم (‪.})5‬‬ ‫(‪ )4‬بًنىص ًر اللَّ ًو يػٍنصر من ي ىشاء كىو الٍع ًزيز َّ ً‬
‫الرح ي‬ ‫ى يي ى ٍ ى ي ى ي ى ى ي‬ ‫ٍ‬
‫كقد اعترب كليم الصورم انتصار اَلمرباطور ىرقل على الفرس ُب معركة نًينىػ ىول سنة‬
‫‪5‬ق‪516/‬ـ‪ ،‬انتصاران للمسيحية على الوثنية‪ .‬كمن نتائجو‪ ،‬أف اَلمرباطور بعد أف فرغ من حركبو‪،‬‬
‫توجو إذل بيت اؼبقدس ُب موكب مهيب سنة ‪8‬ق‪521/‬ـ‪ٍ ،‬ب أمر بَبميم الكنائس كتعمّبىا‪ 5،‬كأعاد‬
‫الصليب الذم كانوا قد غنموه إذل موضعو ُب كنيسة القيامة‪ 6،‬كما أعاد إذل الكنائس كل ما سلبوه‬
‫منها‪ .‬كاعترب بعض اؼبؤرخْب أف ىذه اغبرب أكؿ حرب مقدسة شنها العادل اؼبسيحي ضد العادل غّب‬
‫‪8‬‬
‫اؼبسيحي‪ 7،‬كأف اَلمرباطور ىرقل أكؿ ؿبارب صلييب ُب التاريخ‪.‬‬

‫ب‪ -‬حركب البيزنطيين ضد المسلمين‬


‫بعد أف اقتطع اؼبسلموف أجزاء كبّبة من أراضي اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬ظلت اغبرب ضد‬
‫اَلسالـ ُب آسيا الصغرل‪ ،‬كُب بالد الرافدين‪ ،‬كُب اغبوض الغريب للبحر اؼبتوسط‪ ،‬سبثل انشغاَل رئيسا‬

‫‪ 1‬رستم أسد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.225‬‬


‫‪ 2‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪ 3‬خطاب ؿبمود شيت ‪ :‬قادة فتح بالد الركـ‪ ،‬دار لبناف للطباعة كالنشر‪ ،‬بّبكت‪ .2009 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.289‬‬
‫‪ 4‬سورة الركـ‪ ،‬اآليات من ‪ 1‬إذل ‪.5‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ :‬اغبركب الصليبية‪ ،‬ترصبة د‪ .‬حسن حبشي‪ ،‬مؤسسة اَلسراء للنشر كالتوزيع‪ ،‬القاىرة‪ .1991 ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.63‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Bréhier Louis : l'Eglise et l'Orient, p. 19.‬‬
‫‪ 7‬خطاب ؿبمود شيت ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.290‬‬
‫‪ 8‬رستم أسد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪226‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪26‬؛‬
‫‪Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 145‬‬
‫‪111‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫عبل أباطرة اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬خاصة ُب عهد اْلسرة اؼبقدكنية‪ 1.‬ككلما حقق البيزنطيوف انتصارا‬
‫على اؼبسلمْب أك استعادكا بعضا من مدهنم السابقة اعتربكا ذلك انتصارا للمسيحية على اَلسالـ‪.‬‬
‫ككانوا كلما تغلبوا على اؼبسلمْب ُب حرب أك ُب معركة‪ ،‬يؤدكف ُب احتفاَلهتم أغنية يرددكف فيها ‪:‬‬
‫«‪...‬آّد للرب الذم ضرب اإلظباعليْب‪ ،‬أعداء اؼبسيح! (‪ )...‬آّد للرب الذم دمر مدف العرب!‬
‫‪2‬‬
‫آّد للرب الذم ىزـ الذين َل يعَبفوف بالثالوث اؼبقدس!‪.»...‬‬

‫كُب ىذا اإلطار ازبذت عملية استعادة جزيرة كريت من اؼبسلمْب سنة ‪241‬ق‪850/‬ـ‪ ،‬طابع‬
‫اغبرب اؼبقدسة الٍب انتهت بانتصار اؼبسيح‪ ،‬ؼبا ترتب عنها من غلق للمساجد كإعادة اؼبسيحية‪،‬‬
‫كؿباكلة تنصّب العرب‪ 3.‬كعندما استعاد البيزنطيوف إقليم قيليقيا من اؼبسلمْب‪ ،‬كتغلبوا على الدكلة‬
‫أج ُّل‬
‫العباسية‪ ،‬كتسلم اَلمرباطور البيزنطي نقفور فوقاس مدينة طىىر يسوس سنة ‪243‬ىػ‪854/‬ـ‪ ،‬كىي ى‬
‫مدف الثغور‪" ،‬صعد على منربىا كقاؿ ‪ :‬يا معشر الركـ أين أنا ؟ قالوا ‪ :‬على منرب طىىر يسوس‪ ،‬فقاؿ ‪:‬‬
‫َل‪ ،‬بل أنا على منرب بيت اؼبقدس‪ ،‬كىذه البلدة الٍب كانت سبنعكم من بيت اؼبقدس"‪ 4.‬كأرسل إنذارا‬
‫إذل اػبليفة العباسي ُب بغداد يهدده بالويل كالثبور‪ 5،‬كأنو قادـ ؽبدـ الكعبة كنشر اؼبسيحية ُب الشرؽ‬
‫كالغرب معا‪ 6.‬كىذا يدؿ على كجود عداء صلييب دفْب لدل البيزنطيْب‪ .‬ككاف مشركع استعادة الشاـ‬
‫كبيت اؼبقدس من أكلويات معظم أباطرة اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كيشاركهم ُب ذلك ملوؾ أرمينيا‬
‫الكربل‪ ،‬كلذلك كتب اَلمرباطور البيزنطي يوحنا تزمسكس خطابا –أثناء ضبلتو على الشاـ‪ -‬سنة‬

‫‪1‬‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 180.‬‬
‫‪ 2‬اْلغنية كاملة ‪ « :‬آّد للرب‪ ،‬سيد العادل‪ ،‬خالق كل شيء! آّد للرب الذم انتصر على اؽباجريْب! آّد للرب الذم ضبى اؼبلك‬
‫اْلرثوذكسي‪ .‬آّد للرب الذم ضرب اإلظباعليْب‪ ،‬أعداء اؼبسيح! آّد للرب الذم حرر أسرانا من أيدم اؽباجريْب! آّد للرب‬
‫الذم دمر مدف العرب! آّد للرب الذم ىزـ الذين َل يعَبفوف بالثالوث اؼبقدس! آّد للرب الذم َّ‬
‫أذؿ ىذا اْلمّب القاسي‪ ،‬عدك‬
‫اؼبسيح! آّد للرب! آّد للرب!»‪( .‬أنظر ‪)Schlumberger Gustave : Un empereur byzantin, p. 104. :‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bréhier Louis : op. cit., p. 183.‬‬
‫‪ 4‬ابن العدصل ‪ :‬بغية الطلب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.197‬‬
‫‪ 5‬أنظر الفصل اْلكؿ‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪ 6‬عاشور سعيد ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪110‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫‪254‬ىػ‪864/‬ـ إذل حليفو اْلرميِب اؼبلك آشوط الثالث )‪ 1،(Aschod III‬يفيض حقدا على‬
‫اؼبسلمْب‪ ،‬كرغبة شديدة ُب اَلنتقاـ منهم كاحتالؿ أراضيهم‪ ،‬كأعطى غبركبو طابعا دينيان مقدسان‪.‬‬
‫كيوحي خطابو أنو دل ىبرج مع جيشو باسم اَلمرباطورية البيزنطية الٍب وبكمها‪ ،‬كلكن باسم اؼبسيح‪،‬‬
‫كمن أجل ربرير مقدسات اؼبسيحيْب من أيدم اؼبسلمْب‪ ،‬كيذكر أف ىدؼ ضبلتو ىو "ربرير قرب‬
‫‪2‬‬
‫اؼبسيح من (دنس) اؼبسلمْب"‪.‬‬

‫كدل يبالغ اؼبؤرخ الركماشل حينما كتب قائال ‪" :‬إف أرمينيا ىي الٍب خلقت اغبرب الصليبية‪ ،‬كىي‬
‫الٍب أثارهتا‪ ،‬كىي الٍب كجهتها‪ ،‬كىي الٍب أكجزهتا"‪ 3،‬كىو يشّب بذلك إذل سيطرة اْلتراؾ السالجقة‬
‫على أرمينيا الكربل‪ ،‬كيعترب كثّب من اؼبؤرخْب أف اغبرب الصليبية دبعناىا العاـ بدأت فعال قبل بدايتها‬
‫الرظبية ُب سنة ‪377‬ق‪0184/‬ـ بكثّب‪ 4.‬ك﵁ در ابن اْلثّب حينما ربط بْب دخوؿ الفرنج إذل الشاـ‬
‫كحركة اؽبجوـ اؼبسيحي على اإلسالـ ُب اْلندلس كُب البحر اؼبتوسط‪ .‬كُب نظره فإف اغبمالت‬
‫الصليبية ليست إَل جزءا من حرب شاملة بدأت بالغرب اإلسالمي‪ ،‬كبالتحديد ُب اْلندلس‪ .‬كبدأ‬
‫كتابتو عن سقوط مدينة أنطاكية ُب يد الصليبيْب بقولو ‪« :‬كاف ابتداء ظهور دكلة الفرنج‪ 5‬كاشتداد‬
‫أمرىم كخركجهم إذل بالد اإلسالـ كاستيالئهم على بعضها سنة شباف كسبعْب كأربعمائة فملكوا مدينة‬
‫طليطلة كغّبىا من بالد اْلندلس (‪ٍ )...‬ب قصدكا سنة أربع كشبانْب كأربعمائة جزيرة صقلية‬

‫‪1‬‬
‫‪Vasiliev A. A. : op. cit., t. I, p. 410.‬‬
‫‪ 2‬أنظر نص اػبطاب كامال ُب اؼبلحق اْلكؿ‪ ،‬ص ‪.464-461‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Iorga N. : op. cit., p. 30.‬‬
‫‪4‬‬
‫عاشور سعيد ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪107‬؛ ‪Grousset René : L'Empire du Levant, p. 187.‬‬
‫‪ 5‬الفرنج أك الفرقبة )‪ : (Les Francs‬ؾبموعة من القبائل اعبرمانية استوطنت خالؿ القرف الثالث اؼبيالدم اؼبناطق ا﵀اذية للراين‬
‫(الفرقبة الساليوف مشاَل كالفرقبة الربياريوف جنوبا)‪ ،‬قصد الساليوف بالد الغاؿ (فرنسا) ُب القرف الرابع اؼبيالدم‪ ،‬كحلفاء للركماف ٍب‬
‫كحد زعيمهم كلوفس اْلكؿ صبيع الفرنج ُب سنة ‪481‬ـ‪ ،‬كاعتنق اؼبسيحية ٍب أسس أسرة اؼبّبكفينجيْب‪ .‬غزا خلفاؤه معظم بالد‬
‫غرب ككسط أكربا‪ ،‬كمع ذلك انقسمت اَلمرباطورية الفرقبية إذل عدة فبالك‪ ،‬أنبها نويسَبية‪ ،‬كأكسَباسيا‪ ،‬كبرجنديا‪ ،‬بدأ‬
‫الكاركلنجيوف حكمهم ُب القرف الثامن اؼبيالدم‪ ،‬كبلغزا الذركة خالؿ حكم شارؼباف‪ ،‬أصبحت فبلكة الفرنج الغربية‪ ،‬فرنسا‪،‬‬
‫كفبلكتهم الشرقية أؼبانيا بعد معاىدة مرسْب ‪870‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ أكربا‪ ،‬ص ‪85-78‬؛ اؼبوسوعة‬
‫العربية اؼبيسرة ‪ :‬ج ‪ ،5‬ص ‪2392‬؛‬
‫‪Murray Alan V. : Franks, in : Crus. Enc., ABC-Clio, California, 2006. p. 470-471).‬‬
‫‪111‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫كملكوىا‪ 1.»...‬فاغبركب الصليبية ليست من ابتكار اَلمرباطور ألكسيس كومنْب‪ ،‬أك البابا أكرباف‬
‫الثاشل )‪ُ ((1099-1088)Urbain II‬ب ؾبمع كلّبمونت‪ ،‬كليست كليدة الدعوة الٍب قاـ ّٔا بطرس‬
‫‪2‬‬
‫الناسك )‪.(Pierre l'Ermite‬‬

‫كالواقع‪ ،‬أف حركب اَلمرباطورية البيزنطية ضد الفرس أكَل‪ ،‬كضد اؼبسلمْب من بعدىم‪ ،‬كرغم‬
‫الطابع الديِب الذم ازبذتو‪ ،‬فإهنا َل تعد حربا صليبية باؼبعُب اَلصطالحي‪ ،‬بل إهنا توصف دبرحلة ما‬
‫قبل الصليبيات‪ .‬كقامت بدكر ُب اَلختزاف كاَلحتشاد ُب الذاكرة اْلكربية ُب العصر الوسيط‪ ،‬إذل أف‬
‫حانت ساعة اَلنقضاض على اؼبسلمْب ُب أكاخر القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ .‬كؼبا‬
‫جاء الصليبيوف لبالد الشاـ ‪ ،‬كانت فكرة اغبرب اؼبقدسة قد اختمرت ُب العقل اعبمعي اْلكريب‪،‬‬
‫كتقابلها فكرة اعبهاد عند اؼبسلمْب للدفاع عن ديار اَلسالـ‪ .‬كجدير بالذكر أف اغبركب الصليبية‬
‫دبفهومها اَلصطالحي‪ ،‬ىي من نتاج الغرب اْلكريب كليس الشرؽ البيزنطي‪ ،‬كقادهتا كنيسة ركما كعلى‬
‫‪3‬‬
‫رأسها البابا‪ ،‬كدل تقدىا كنيسة القسطنطينية‪.‬‬

‫كَل يستطيع أحد أف ينكر الدكر الذم قاـ بو أكرباف الثاشل‪ ،‬فهو مهندس فكرة اغبملة اْلكذل ُب‬
‫أكاخر القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ .‬فقد أحيا الركح الصليبية الكامنة ُب نفوس اْلكربيْب‪ ،‬كأيقظ فيهم‬
‫الرغبة القديبة لالنتقاـ من اؼبسلمْب‪ .‬كأحسن ىذا البابا اؼبتحمس‪ ،‬استغالؿ صبيع الظركؼ لدغدغة‬
‫اؼبشاعر الدينية‪ ،‬كتوجيهها لصاحل البابوية‪ ،‬بعد أف كصلتو أخبار مبالغ فيها عن اضطهاد اْلتراؾ‬
‫السالجقة للمسيحيْب ُب بالد الشاـ‪ ،‬كالنصارل الذين كانوا ُب طريقهم لزيارة بيت اؼبقدس‬
‫بفلسطْب‪ٍ ،‬ب أخذ يتنقل بْب اؼبدف كالبلداف‪ ،‬داعيا‪ ،‬كعاقدا العزـ على تنفيذ اؼبشركع الصلييب‬
‫‪4‬‬
‫اعبديد‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.461‬‬


‫‪2‬‬
‫عاشور سعيد ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪108-107‬؛ ‪Iorga N. : op. cit., p. 30,‬‬
‫‪ 3‬عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 4‬عاشور سعيد ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.110-108‬‬
‫‪112‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫ج‪ -‬دخوؿ السالجقة إلى الشاـ‬
‫يي ّْركج مؤرخو اغبركب الصليبية قصصا مثّبة‪َ ،‬ل زبلو من اؼببالغة‪ 1،‬عن اضطهاد اؼبسلمْب‬
‫للمسيحيْب بعد اكتساح السالجقة ْلرمينيا ككصوؽبم إذل بيت اؼبقدس‪ ،‬كينفرد كليم الصورم ُب سرد‬
‫ركاية غريبة تتعلق بطريقة معاملة السلطاف ألب أرسالف لإلمرباطور ركمانوس الرابع عقب موقعة‬
‫منازكرد حيث يقوؿ ‪« :‬فأمر [ألب أرسالف] بإحضار اَلمرباطور بْب يديو‪ ،‬كجلس ىو على عرشو‬
‫اؼبلوكي‪ٍ ،‬ب أمر بطرح ركمانوس ربت قدميو‪ ،‬كأراد إظهار احتقاره لكل ما ىو مسيحي فازبذ من‬
‫جسد اَلمرباطور موطئا لقدمو‪ ،‬كراح يدكسو صعودا كنزكَل‪ ،‬حٌب إذا رضيت نفسو دبا أغبقو بو من‬
‫ربقّب كازدراء أمر طائفة من كبار رجاؿ اَلمرباطور الذين أيسركا معو أف يرفعوه من على اْلرض‪ ،‬كأذف‬
‫ؽبم صبيعا بالرحيل»‪ 2.‬كتتناقض ىذه الركاية مع ما كرد ُب اؼبصادر العربية كاْلرمينية اؼبعاصرة‬
‫لألحداث‪ ،‬كأنبها أريستاكيس اللستيفرٌب‪ ،‬الذم يعترب شاىد عياف‪ 3،‬كأصبعت على حسن اؼبعاملة‬
‫الٍب تلقاىا اَلمرباطور البيزنطي من ألب أرسالف‪ ،‬كاؼبعركؼ عن كليم الصورم أنو أخذ بوجهة النظر‬
‫الغربية ُب سرده كتعليقو على اْلحداث‪ 4،‬كلعلو ّٔذه الصورة الٍب قدمها عن ركمانوس الرابع يريد‬
‫تقدصل نقد َلذع لإلمرباطورية البيزنطية الٍب عجزت عن الدفاع عن معاقل اؼبسيحية الشرقية‪ ،‬كيريد‬
‫أيضا‪ ،‬تقدصل صورة عن اؽبواف الذم عاسل منو البيزنطيوف على يد السالجقة‪ ،‬فلجأ إذل تشويو بعض‬
‫اغبقائق التارىبية الٍب كتب عنها‪.‬‬

‫كنتيجة َلهنيار اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كسيطرة السالجقة على اؼبناطق الٍب يبر ّٔا (اغبجاج)‬
‫اؼبسيحيوف ُب آسيا الصغرل‪ٍ ،‬ب سقوط بيت اؼبقدس ُب أيديهم‪ ،‬راجت موجة من اؼبزاعم ُب الغرب‬
‫اْلكريب ُب أكاخر القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬مفادىا أف الطريق إذل البقاع اؼبقدسة اؼبسيحية بات‬
‫مقطوعا‪ ،‬كأف اؼبسيحيْب عموما‪ ،‬ك(اغبجاج) منهم خصوصا يعانوف من اضطهاد اؼبسلمْب ؽبم‬

‫‪1‬‬
‫‪Vasiliev A. A. : op. cit., t. II, p. 25.‬‬
‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.85‬‬
‫‪3‬‬
‫اسكندر فايز قبيب ‪ :‬أرمينية بْب البيزنطيْب كاْلتراؾ السالجقة‪ ،‬ص ‪115-114‬؛ ‪Arisdaguès : op. cit., p. 145.‬‬
‫‪ 4‬حبشي حسن ‪ :‬مقدمة‪ُ ،‬ب كتاب اغبركب الصليبية تأليف كليم الصورم‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪113‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫كشكلت مثل ىذه اَلفَباءات كاْلباطيل‪ ،‬مناخا نفسيا عاما ُب الغرب اْلكريب يدعم فكرة ربرير تلك‬
‫البقاع الٍب شهدت اؼبسيحية اؼببكرة‪ ،‬كضركرة زبليصها من قبضة اؼبسلمْب الذين حكموىا قرابة طبسة‬
‫‪1‬‬
‫قركف من الزماف‪ ،‬كإعادهتا للمسيحيْب‪.‬‬

‫كالواقع أف اؼبسلمْب احَبموا مدينة القدس قبل كبعد فتحها‪ ،‬كىي عندىم مدينة مقدسة أيضا؛‬
‫اغبىىرًاـ إً ىذل الٍ ىم ٍس ًج ًد‬
‫ىسىرل بً ىعٍب ًدهً لىٍيالن ّْم ىن الٍ ىم ٍس ًج ًد ٍ‬ ‫ً‬
‫ْلهنا ترتبط باَلسراء كاؼبعراج‪ { ،‬يسٍب ىحا ىف الَّذم أ ٍ‬
‫الس ًميع الٍب ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫صّبي}‪ 2،‬كباعَباؼ اؼبؤرخْب اْلكربيْب‬ ‫صى الَّذم بى ىارٍكنىا ىح ٍولىوي لني ًريىوي م ٍن آيىاتنىا إنَّوي يى ىو َّ ي ى‬
‫اْلىقٍ ى‬
‫‪3‬‬
‫ا﵀دثْب‪ ،‬فإف حركة (اغبجاج) اؼبسيحيْب اؼبتوجهْب كبو بيت اؼبقدس‪ ،‬دل تتوقف بفتح اؼبسلمْب ؽبا‪.‬‬
‫كدل يغلق السالجقة أبواب اؼبدينة ُب كجو اؼبسيحيْب شرقيْب كانوا أـ غربيْب‪ ،‬كدل يبنعوىم من التوجو‬
‫‪4‬‬
‫إذل مزاراهتم‪ .‬كلكن الطريق أصبح ؿبفوفا بكثّب من اؼبخاطر بسبب اغبركب بْب اْلتراؾ كالبيزنطيْب‪.‬‬

‫كاْلرمن‪ ،‬كغّبىم من اؼبسيحيْب الشرقيْب حبكم خضوعهم للخالفة اإلسالمية‪ ،‬كاحتكاكهم‬


‫الطويل باؼبسلمْب ىم أدرل من غّبىم بأف أىل الذمة نعموا باغبرية ُب ظل اغبكم اَلسالمي الذم‬
‫ظبح ؽبم باَلحتفاظ بكنائسهم كدكر عبادهتم‪ ،‬كفبارسة شعائرىم دكف تدخل‪ ،‬أك فرض مذىب معْب‬
‫على طائفة من الطوائف اؼبسيحية‪ .‬بل إف منهم من أسندت إليو بعض الوظائف العامة ُب الدكلة‬
‫اَلسالمية‪ ،‬ككاف زكارىم يفدكف إذل اْلماكن اؼبقدسة بفلسطْب ُب أمن كسالـ‪ 5.‬كؼبا آؿ اغبكم‬
‫للسالجقة‪ ،‬دل يغّبكا شيئا من أكضاع اؼبسيحيْب ُب الشرؽ‪ ،‬إف الذين خضعوا غبكمهم فقد كانوا‬
‫أحسن حاَل من إخواهنم الذين عاشوا ُب قلب اَلمرباطورية البيزنطية ذاهتا‪ .‬كأف اؼبتاعب الٍب عانوا‬
‫منها ُب الشاـ كآسيا الصغرل‪ ،‬ىي انعكاس للصراع السياسي كالعسكرم بْب السالجقة كالبيزنطيْب‪.‬‬
‫كَل يوجد دليل على اضطهاد السالجقة للمسيحيْب‪ 6،‬بل إف بعض اؼبصادر اْلرمينية كصفت‬

‫‪ 1‬عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬


‫‪ 2‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Balard Michel : Croisades et Orient latin (11e-14e siècle), Armand Colin, Paris, 2003, p. 24-25.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Moure Michel : op. cit., p. 1490.‬‬
‫‪5‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪30‬؛ ‪Vasiliev A. A. : op. cit., t. II, p. 21.‬‬
‫‪ 6‬نفسو‬
‫‪114‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫السلطاف السلجوقي ملكشاه بأنو صديق اؼبسيحيْب‪ 1،‬كحزنوا عليو حزنا شديا يوـ كفاتو‪ 2.‬كيتحدث‬
‫بعض اؼبؤرخْب الغربيْب ا﵀دثْب عن كجود ليونة ُب معاملة اْلتراؾ للمسيحيْب‪ ،‬كفبا جاء ُب ذلك ‪:‬‬
‫"‪ ...‬كاف اؼبسيحيوف ربت نّب السالجقة‪ ،‬أكثر سعادة فبا كانوا عليو ربت نّب بيزنطة‪ ،‬كاْلكثر تعاسة‬
‫ىم البيزنطيوف الذين كانوا على اغبدكد‪ْ ،‬لهنم يتعرضوف إذل ضبالت متواصلة‪ .‬أما عن اَلضطهاد‬
‫‪3‬‬
‫الديِب‪ ،‬فال كجود ْلم أثر لو خالؿ عصر السالجقة ‪."...‬‬

‫كاؼبعركؼ أف اإلسالـ وبَبـ الديانات السماكية السابقة‪ ،‬كيأمر أتباعو باإليباف جبميع الرسل‬
‫الر ٍش يد ًم ىن الٍغى ّْي فى ىم ٍن يى ٍك يف ٍر‬
‫ْب ُّ‬ ‫كاْلنبياء‪ ،‬كأف َل يي ٍك ًرىوا الناس على اعتناقو‪{ ،‬ىَل إً ٍكىر ىاه ًُب الدّْي ًن قى ٍد تىػبىػ َّ ى‬
‫وت كيػؤًمن بًاللَّ ًو فىػ ىق ًد استمسك بًالٍعركةً الٍوثٍػ ىقى ىَل انٍ ًفصاـ ىؽبا كاللَّو ىًظب ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يم}‪ 4،‬كما يطلب‬ ‫يع ىعل ه‬ ‫ىى ى ى ي ه‬ ‫ٍ ى ٍ ى ى يٍ ى ي‬ ‫بالطَّاغي ى ي ٍ ٍ‬
‫ك‬ ‫من معتنقيو أف تكوف دعوهتم إذل ا﵁ قائمة على اغبكمة كاؼبوعظة اغبسنة‪ٍ { ،‬ادعي إً ىذل ىسبً ًيل ىربّْ ى‬
‫ض َّل ىعن ىسبًيلً ًو ىكيى ىو أ ٍىعلى يم‬ ‫ك يى ىو أ ٍىعلى يم ًدبىن ى‬
‫ً‬ ‫اغبًكٍم ًة كالٍمو ًعظىًة ٍ ً ً‬
‫اغبى ىسنىة ىك ىجاد ٍؽبيم بًالًٍَّب ى ىي أ ٍ‬
‫ىح ىس ين إً َّف ىربَّ ى‬ ‫ب ٍ ى ى ىٍ‬
‫ً‬
‫اب إًََّل‬ ‫بًالٍم ٍهتى ًدين}‪ 5،‬كأف تكوف ؾبادلتهم ْلىل الكتاب بالٍب ىي أحسن‪{ ،‬كىَل يذبى ًادليوا أ ٍىىل الٍ ًكتى ً‬
‫ى‬ ‫ى‬ ‫ي ى‬
‫اح هد‬‫بًالًٍَّب ًىي أىحسن إًََّل الَّ ًذين ظىلىموا ًمٍنػهم كقيوليوا آىمنَّا بًالَّ ًذم أينٍ ًزىؿ إًلىيػنىا كأينٍ ًزىؿ إًلىي يكم كإً ىؽبنىا كإً ىؽب يكم ك ً‬
‫ٍ ٍى ي ى ي ٍى‬ ‫ٍ ى‬ ‫ى‬ ‫ى ي يٍ ى‬ ‫ى ٍ ىي‬
‫ىكىٍكب ين لىوي يم ٍسلً يمو ىف}‪ 6.‬كما أف اَلسالـ احَبـ اؼبسيحية احَباما بالغا‪ ،‬كُب القرآف الكرصل‪ ،‬اصطفى ا﵁‬
‫اؾ ىكطى َّهىرًؾ‬ ‫ت الٍمالئً ىكةي يا مرىصل إً َّف اللَّو اصطىىف ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ى ٍ‬ ‫ى ىٍ ي‬ ‫تعاذل مرصل أـ اؼبسيح (عليهما السالـ)‪ { ،‬ىكإ ٍذ قىالى ى‬
‫ْب}‪ 7.‬ككردت فيو سورة ربمل اسم مرصل‪ ،‬كفيها أف ا﵁ تعاذل قد جعل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اصطىىفاؾ ىعلىى ن ىساء الٍ ىعالىم ى‬
‫ىك ٍ‬
‫الزىكاةً ىما‬‫الصالةً ىك َّ‬ ‫ص ًاشل بً َّ‬ ‫نت ىكأ ٍىك ى‬‫سيدنا عيسى مباركا‪ ،‬كنادل بالسالـ عليو { ىك ىج ىعلىًِب يمبى ىارنكا أىيٍ ىن ىما يك ي‬
‫وت‬
‫دت ىكيىػ ٍوىـ أ يىم ي‬ ‫الـ ىعلى َّي يىػ ٍوىـ يكلً ُّ‬‫الس ي‬ ‫ت ىحيِّا﴿‪ ﴾31‬ىكبىػِّرا بًىوالً ىدًٌب ىكىدلٍ ىٍهب ىع ٍل ًِب ىجبَّ نارا ىش ًقيِّا﴿‪ ﴾32‬ىك َّ‬ ‫يد ٍم ي‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 201-204.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Vasiliev A. A. : op. cit., t. II, p. 25-26.‬‬
‫‪ 4‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.256‬‬
‫‪ 5‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.125‬‬
‫‪ 6‬سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬
‫‪ 7‬سورة آؿ عمراف‪ ،‬اآلية ‪.42‬‬
‫‪115‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫ىش َّد الن ً‬ ‫ً‬
‫َّاس ىع ىد ىاكنة‬ ‫ث ىحيِّا}‪ .‬كذكر القرآف الكرصل بأف النصارل أقرب إذل اؼبؤمنْب‪{ ،‬لىتىج ىد َّف أ ى‬ ‫ىكيىػ ٍوىـ أيبٍػ ىع ي‬
‫‪1‬‬

‫ك بًأ َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لّْلَّ ًذين آمنواٍ الٍيػه َّ ً‬
‫ىف‬ ‫ين قىاليواٍ إًنَّا نى ى‬
‫ص ىارل ىذل ى‬ ‫ين أى ٍشىريكواٍ ىكلىتىج ىد َّف أىقٍػىربىػ يه ٍم َّم ىوَّد نة لّْلَّذ ى‬
‫ين ىآمنيواٍ الذ ى‬ ‫ود ىكالذ ى‬ ‫ى ىي ى ي ى‬
‫َّه ٍم َلى يى ٍستىكًٍربيك ىف}‪ 2.‬كلذلك فمن غّب اؼبعقوؿ أف يكوف اؼبسيحيوف قد‬ ‫ً ً ً‬
‫ْب ىكيرٍىبىانا ىكأىنػ ي‬
‫مٍنػ يه ٍم ق ّْسيس ى‬
‫تعرضوا َلضطهاد أك إكراه من قًبل اؼبسلمْب‪.‬‬

‫كيركز بعض اؼبؤرخْب على بعض اغباَلت الفردية‪ ،‬كالشاذة الٍب تعرض فيها اؼبسيحيوف للضغط‬
‫كاَلضطهاد‪ .‬مثل ما قاـ بو اغباكم بأمر ا﵁ الفاطمي‪ ،‬من تصرفات ذباه أىل الذمة ُب مصر كالشاـ‪،‬‬
‫كيتمسك بعض اؼبؤلفْب اْلكربيْب ّٔذه اغباَلت الفردية ليتخذكا منها دليال على تعسف اغبكاـ‬
‫‪3‬‬
‫اؼبسلمْب مع اؼبسيحيْب‪.‬‬

‫كاغبقيقة أف تدىور اْلكضاع اْلمنية بسبب الصراع بْب السالجقة كالفاطميْب‪ ،‬من جهة‪ ،‬كبْب‬
‫السالجقة كالبيزنطيْب من جهة أخرل‪ ،‬كغياب سلطة مركزية قادرة على فرض اْلمن ُب مناطق عديدة‬
‫من آسيا الصغرل‪ ،‬كمنها اؼبناطق الٍب يبر ّٔا (اغبجاج) اؼبسيحيوف ُب بالد الشاـ‪ ،‬كُب قيليقيا‪ ،‬قد أثر‬
‫على تدفقهم إذل فلسطْب‪ ،‬فالبفض عددىم بشكل كبّب‪ ،‬ليس بسبب ذلك اَلضطهاد اؼبزعوـ الذم‬
‫تعرضوا لو‪ ،‬بل بسبب أف الطريق إذل فلسطْب أصبح ؿبفوفا بكثّب من اؼبخاطر‪ 4.‬كاعبدير بالذكر أف‬
‫انعداـ اْلمن ُب الطرقات –على مر العهود‪ -‬بسبب اؼبواجهات العسكرية أك ْلسباب أخرل‪ ،‬دل يؤثر‬
‫على حركة انسياب اؼبسيحيْب فقط‪ ،‬بل أثر على حركة صبيع الطوائف كطبقات الشعب من مسلمْب‬
‫كنصارل‪ ،‬دبا ُب ذلك اغبجاج اؼبسلمْب القاصدين بيت ا﵁ اغبراـ‪ .‬كيركم ابن اْلثّب ضمن أحداث‬
‫سنة ‪316‬ق‪0125/‬ـ‪ ،‬أف اْلرمن قطعوا طريق ؾبموعة كبّبة من اغبجاج اؼبسلمْب‪ ،‬القادمْب من‬

‫‪ 1‬سورة مرصل‪ ،‬اآليات ‪.33-31‬‬


‫‪ 2‬سورة اؼبائدة‪ ،‬اآلية ‪.82‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .29-28‬كلالطالع أكثر على ما قاـ اغباكم بأمر ا﵁ الفاطمي‪ ،‬أنظر‬
‫‪ :‬سيد أيبن فؤاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪170-165‬؛ ‪Bréhier Louis : l'Eglise et l'Orient, pp. 35-38.‬‬
‫‪ 4‬عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪116‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫أذربيجاف‪ ،‬كخراساف‪ ،‬كطربستاف "يريدكف اغبج كجعلوا طريقهم على أرمينية كخالط‪ ،‬فوردكا آشل‬
‫‪1‬‬
‫ككسطاف فثار ّٔم اْلرمن من تلك البالد"‪.‬‬

‫كاؼبالحظ أف اغبج الذم يتحدث عنو اؼبسيحيوف ليس ركنا من أركاف الدين اؼبسيحي‪ ،‬كَل من‬
‫طقوسو‪ ،‬فهو َل يتعدل شعورا قويا كرغبة ملحة عند اؼبسيحيْب لزيارة بعض اآلثار كاؼبواقع اؼبرتبطة‬
‫بالذكريات اْلكذل لظهور اؼبسيحية‪ ،‬مثل اؼبوضع الذم كلد فيو اؼبسيح (عليو السالـ) كاْلماكن الٍب‬
‫تنقل فيها بأرض فلسطْب‪ .‬كىو بذلك رحلة ؼبزارات سياحية كآثار تارىبية‪ ،‬ازبذت صبغة دينية‪،‬‬
‫اعتقادا من اؼبسيحيْب أهنم ينالوف الغفراف إذا كقفوا أماـ (قرب اؼبسيح)‪ .‬ككانت تلك الرحالت ُب‬
‫البداية تقتصر على الرىباف كالقساكسة كرجاؿ الدين‪ .‬كمنذ أف قامت ىيالنو )‪ (Hélène‬أـ‬
‫اَلمرباطور قسطنطْب برحلتها اؼبشهورة إذل فلسطْب سنة ‪215‬ـ‪ ،‬من أجل الكشف عن الصليب‪،‬‬
‫ٍب بناء كنيسة القيامة‪ ،‬ككنيسة اؼبهد‪ ،‬صار (اغبج) إذل تلك البقاع تقليدا قائما لدل اؼبسيحيْب اقتفاء‬
‫ْلثر القديسة ىيالنو‪ 2.‬كالسؤاؿ الذم يواجو الباحث ُب ىذا اؼبقاـ‪ ،‬كيف ربوؿ الصراع بْب السالجقة‬
‫كالبيزنطيْب من حرب ثنائية إذل حرب صليبية متعددة اْلطراؼ ؟ كما دكر اْلرمن ُب الدعوة إذل‬
‫اغبركب الصليبية ؟‬

‫د‪ -‬الدعوة إلى الحرب الصليبية‬


‫منذ اهنزاـ اَلمرباطورية البيزنطية أماـ السالجقة ُب منازكرد سنة ‪352‬ق‪0160/‬ـ‪ ،‬دل يتوقف‬
‫أباطرة القسطنطينية عن توجيو نداء اَلستغاثة كطلب النجدة العاجلة من البابوية‪ ،‬فأرسل اَلمرباطور‬
‫ميخائيل السابع سنة ‪354‬ق‪0162/‬ـ‪ ،‬خطابا إذل البابا جرهبوار السابع (‪،)0174-0162‬‬
‫يطلب منو حث اؼبمالك كاإلمارات اْلكربية على إرساؿ قبدة سريعة إلنقاذ اَلمرباطورية البيزنطية‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.12-11‬‬


‫‪ 2‬عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24-23‬‬
‫‪117‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫كأراضيها ُب آسيا الصغرل‪ 1،‬كبعد أف اعتلى الكسيس كومنْب عرش اَلمرباطورية البيزنطية سار على‬
‫نفس السياسة‪ ،‬كلكن ىذه الدعوات ذىبت أدراج الرياح كدل ذبد استجابة‪ ،‬لسببْب ‪:‬‬

‫األكؿ ‪ :‬اَلنشقاؽ الذم كاف قائما بْب كنيسة القسطنطينية ككنيسة ركما منذ سنة‬
‫‪335‬ىػ‪0143/‬ـ‪ ،‬كىو يعود إذل عوامل سياسية كأخرل دينية كمذىبية خاصة بالدين اؼبسيحي‪.‬‬
‫كليس آّاؿ ىنا للخوض ُب تلك العوامل كاػبالفات اؼبذىبية بْب الكنيسة البيزنطية اْلرثوذكسية‪،‬‬
‫كالكنيسة الغربية الكاثوليكية‪ 2.‬كلكن من اؼبهم اإلشارة إذل أف ىذا اػبالؼ العقائدم‪ ،‬كما ترتب عنو‬
‫من صدكر قرارات اغبرماف ضد أباطرة بيزنطة‪ ،‬دل يؤجل اندَلع اغبركب الصليبية لبعض الوقت فقط‪،‬‬
‫كلكنو أجج العداكة بْب الكنيستْب‪ ،‬فبا ساعد على حدكث تقارب بْب الفرنج كاْلرمن الناقمْب أيضا‬
‫على الكنيسة البيزنطية‪ .‬كدبجرد أف كطىأ الصليبيوف أرض قيليقيا استقبلهم اْلرمن باْلحضاف‪ ،‬كقدموا‬
‫ؽبم كل ما وبتاجونو من مؤف كمساعدات‪ ،‬حبكم العداكة اؼبشَبكة الٍب ذبمعهم مع الصليبيْب ضد‬
‫‪3‬‬
‫البيزنطيْب‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬انشغاؿ البابوية بالصراع ضد ىنرم الرابع (‪ )0014-0143‬امرباطور الدكلة‬


‫‪5‬‬
‫الركمانية اؼبقدسة‪ 4،‬كصعوبة توحيد الفرساف كرجاؿ اإلقطاع‪ ،‬بسبب تنوعهم كانقسامهم‪.‬‬

‫كبعد أف ارتقى أكرباف الثاشل كرسي البابوية بتاريخ ‪ 05‬ذك اغبجة ‪371‬ق‪ 01/‬مارس‬
‫‪0177‬ـ‪ ،‬انتهج سياسة مرنة ذباه خصومو اؼبسيحيْب‪ ،‬كأبدل رغبة ُب اؼبصاغبة مع الكنيسة‬
‫البيزنطية‪ ،‬حيث ازبذ قرارا ُب سنة ‪371‬ق‪0178/‬ـ‪ ،‬لصاحل اَلمرباطور ألىكسيس كومنْب‪ ،‬يقضي‬

‫‪1‬‬
‫عاشور سعيد ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪107‬؛ ‪Bréhier Louis : l'Eglise et l'Orient, p. 51.‬‬
‫‪ 2‬حوؿ اػبالؼ بْب الكنيستْب أنظر ‪ :‬شينيو جاف‪-‬كلود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪102-101‬؛ الربيعي عبد ا﵁ بن عبد الرضبن ‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪435-432‬؛‬
‫‪Bréhier : op. cit., pp. 40-41; Bréhier : Vie et mort de Byzance, pp. 251-254; Schlumburger :‬‬
‫‪L'épopée, t. III, pp. 681-748.‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد ‪ :‬تاريخ العالقات‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ 4‬عاشور سعيد‪ ،‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪108‬؛ عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Bréhier : l'Eglise et l'Orient, p. 53.‬‬

‫‪118‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫برفع قرار اغبرماف الذم ا ًُّزبذ ضده من طرؼ البابا جرهبوار السابع‪َّ 1.‬‬
‫كرد ألىكسيس على ىذه‬
‫اَللتفاتة بأف أكفد ُب السنة اؼبوالية‪ ،‬سفارة لزيارة البابا أكرباف‪ ،‬كضبِّلها رسالة تنطوم على الصداقة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كعلى إخالص اَلمرباطور كؿببتو‪.‬‬

‫كأراد ألىكسيس كومنْب استغالؿ العالقات الودية مع البابا أكرباف الثاشل للحصوؿ على‬
‫مساعدات عسكرية من الغرب ضد اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬فانتهز فرصة انعقاد ؾبمع ديِب برئاسة البابا ُب‬
‫بياكنزا )‪– (Plaisance‬بشماؿ إيطاليا‪ -‬من ‪ 10‬إذل ‪ 16‬صفر ‪377‬ق‪/‬من ‪ 0‬إذل ‪ 6‬مارس‬
‫‪0184‬ـ‪ ،‬كأرسل بعثة من القسطنطينية غبضور آّمع كتقدصل طلب اؼبساعدة‪ .‬كقد ظبح البابا لرسل‬
‫اإلمرباطور بالتحدث للحاضرين للتدليل على كجهة نظرىم‪ ،‬فنجحوا ُب إقناعهم بأف السالجقة َل‬
‫يشكلوف خطرا على الدكلة البيزنطية كحدىا‪ ،‬كلكن خطرىم سيمتد ليشمل صبيع اؼبسيحيْب‪ .‬كلوَل‬
‫كثرة اْلعداء على اغبدكد كاؼبناكئْب لإلمرباطورية‪ ،‬كفقداهنا عبزء كبّب من منطقة اْلناضوؿ الٍب كانت‬
‫مصدرا للثركة كاعبنود‪ ،‬لقامت كحدىا بتوجيو ضربة قاضية للسالجقة الذين حطوا رحاؽبم قاب قوسْب‬
‫أمس اغباجة إلخواهنم اؼبسيحيْب ُب أكربا‬
‫أك أدسل من أسوار القسطنطينية‪ .‬كلذلك فإف البيزنطيْب ُب ّْ‬
‫لّبسلوا ؽبم اعبنود كاؼبدد‪ .‬كَل بد على الكنيسة أف تشجع الناس على التطوع للخدمة العسكرية‪ ،‬ليس‬
‫مقابل مرتب سخي‪ ،‬كلكن استجابة لتأدية الواجب الديِب‪ .‬كيبدك أف البابا قد تأثر بكالـ مندكيب‬
‫اإلمرباطور‪ ،‬كتعاطف مع ألكسيس كومنْب‪ ،‬كآمن بضركرة تقدصل اؼبدد لإلمرباطورية البيزنطية ضد‬
‫‪3‬‬
‫اؼبسلمْب‪.‬‬

‫ىذه الدعوة ربولت إذل مشركع جديد عند أكرباف الثاشل الذم راح يقلب الفكرة ُب ذىنو‪،‬‬
‫كيقدح زناد فكره‪ ،‬إلهباد خطة أكثر مشوَل كأعظم ؾبدا‪ .‬فاقتنع البابا بضركرة الدعوة إذل حرب مقدسة‬
‫لتحرير بيت اؼبقدس من أيدم اؼبسلمْب‪ُ ،‬ب آّمع الذم انعقد ُب شهر ذم اغبجة ‪377‬ق‪/‬نوفمرب‬

‫‪1‬‬
‫‪Bréhier : Vie et mort de Byzance, p. 294.‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.155‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد ‪ :‬تاريخ العالقات‪ ،‬ص ‪85-84‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪158-156‬؛‬
‫‪Bréhier : op. cit., pp. 294-296.‬‬
‫‪101‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫‪0184‬ـ‪ ،‬بكلّبمونت )‪ُ (Clermont‬ب اعبنوب الفرنسي‪ ،‬كتولدت عنو اغبملة الصليبية اْلكذل‪.‬‬
‫كالواقع أف ألكسيس كومنْب‪ ،‬كاف يبحث عن بعض اؼبساعدات العسكرية من مرتزقة ُب حربو ضد‬
‫السالجقة‪ 1،‬كدل تكن لدعوتو عالقة باغبملة على فلسطْب‪ ،‬أك بيت اؼبقدس‪ ،‬أك كنيسة القيامة‪ 2.‬كإذا‬
‫كاف كاضحا كجليا أف البيزنطيْب استغاثوا بإخواهنم الفرقبة‪ ،‬فهل كاف لألرمن دكر ُب طلب‬
‫اؼبساعدات العسكرية من الغرب اْلكريب لتحرير بالدىم من قبضة السالجقة ؟‬

‫‪ -2‬دكر األرمن في الدعوة للحرب الصليبية‬


‫تعود عالقة اْلرمن بالفرقبة إذل فَبة سابقة للحركب الصليبية‪ ،‬كتتحدث اؼبصادر التارىبية كثّبا‬
‫عن العالقات الودية الٍب ربطت اػبالفة العباسية ُب عهد ىاركف الرشيد‪ ،‬بالدكلة الكاركلنجية ُب عهد‬
‫شارؼباف‪ ،‬كالوفادات اؼبتبادلة بْب الطرفْب‪ .‬كدبا أف ىاركف الرشيد كاف يتعامل مع عاىل مسيحي‪ ،‬فإنو‬
‫كاف حريصا على تعيْب شخصيات مسيحية بْب أعضاء سفارتو اؼبتوجهة إذل بالط شارؼباف‪ ،‬ككاف‬
‫يرل أف اْلرمن ىم اْلجدر كاْلكفأ للقياـ ّٔذه اؼبهمة ُب بالد الفرقبة‪ 3،‬كقد ضم ىذا الوفد اثنا عشر‬
‫‪4‬‬
‫مستشارا أرمينيا ُب الشؤكف العسكرية كالسياسية‪.‬‬

‫تعودكا منذ القرف السادس اؼبيالدم على شد‬


‫ككاف اْلساقفة كبعض رجاؿ الدين اْلرمن‪ ،‬قد َّ‬
‫الرحاؿ من حْب آلخر إذل اؼبزارات الدينية اؼبسيحية الغربية الٍب تزخر ّٔا القارة اْلكربية‪ ،‬منها‪ :‬قربم‬
‫القديسْب بطرس )‪ ،(St. Pierre‬كبولس )‪ُ ،(St. Paul‬ب مدينة ركما‪ ،‬كىو ما يعترب ُب الكتابات‬

‫‪ 1‬يبدك من الركاية الٍب أكردهتا أنا كومنْب‪ ،‬أف اَلمرباطور ألكسيس دل يكن يتوقع ضبلة صليبية باؼبفهوـ اَلصطالحي‪ ،‬كما أنو تفاجأ‬
‫لألعداد الكبّبة الٍب قدـ ّٔا الص ليبيوف‪ ،‬فبا جعلو يتخوؼ من مهاصبتهم لعاصمتو‪( .‬انظر ‪Comnène Anne : op. cit., t. :‬‬
‫‪.)II, p. 206-207.‬‬
‫‪ 2‬يذكر ابن اْلثّب ضمن حوادث سنة ‪491‬ىػ‪ ،‬أسبابا كعوامل أخرل أدت إذل خركج الفرقبة من بالدىم‪( ،‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪:‬‬
‫الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.186-185‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Macler Frédéric : La France et L'Arménie à travers l'art et l'histoire, Imprimerie H. Turabian,‬‬
‫‪Paris, 1917. p. 10.‬‬
‫‪4‬‬
‫غساف ‪ :‬حركة اؼبثاقفة اْلرمينية العربية كدكر اْلرمن ُب حركة النهضة العربية‪ ،‬حبث مقدـ ُب ‪ :‬الندكة الدكلية للعالقات‬
‫كجو ٌ‬
‫الثقافية العربية‪-‬األرمنية‪ 16 ،‬مارس ‪ ،2009‬منشورات مركز الدراسات اْلرمينية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاىرة‪ .2009 ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪100‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫الغربية حجا إذل اْلماكن اؼبقدسة اؼب ػسيحية‪ .‬كم ػن أش ػه ػر الرحالت زي ػارة ال ػق ػدي ػس س ػم ػع ػاف‬
‫)‪ ،(Saint. Siméon‬من أرمينيا الكربل‪ ،‬الذم زار كنيسة القيامة ُب القدس‪ٍ ،‬ب انتقل إذل ركما‬
‫سنة ‪262‬ق‪872/‬ـ‪ ،‬كحظي دبقابلة البابا بنديكتيس السابع )‪،((983-974) Benoît VII‬‬
‫كالتقى ُب ؾبلسو بقس أرميِب آخر كاف وبسن اللغة الالتينية‪ ،‬كمقربا من البابا‪ ،‬كساىم ىناؾ ُب القياـ‬
‫ببعض اإلصالحات الدينية‪ .‬كُب ىذا اإلطار زار فرنسا‪ٍ ،‬ب اقبلَبا‪ ،‬كألقى عصا الَبحاؿ ُب دير بولّبكف‬
‫)‪ (Polirone‬بإيطاليا‪ ،‬حيث كافتو اؼبنية سنة ‪316‬ق‪0105/‬ـ‪ 1.‬كرحلة أخرل قاـ ّٔا القديس‬
‫داكين )‪ ،(Davin‬من أرمينيا الكربل‪ُ ،‬ب منتصف القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬حيث زار بيت‬
‫اؼبقدس‪ ،‬كمنها انتقل إذل ركما‪ ،‬كبقي ُب إيطاليا إذل أف توَب سنة ‪331‬ق‪0141/‬ـ‪ُ ،‬ب ليكيا‬
‫)‪ (Lucques‬اؼبدينة الٍب ناؿ أسقفها م ػن ػصب ال ػب ػاب ػوي ػة ب ػاس ػم ال ػب ػابا اسكندر الثاشل‬
‫(‪ ،((1073-1061) Alexandre II‬فقاـ بنقل جثمانو إذل كنيسة القديس ميخائيل‪ .‬كشبة‬
‫زيارات أخرل قاـ ّٔا عديد من رجاؿ الدين اْلرمن للصالة ُب ركما قرب قرب القديس بطرس أك‬
‫‪2‬‬
‫القديس بولس‪ ،‬كآخركف زاركا فرنسا‪ ،‬كقاموا فيها ببعض النشاطات الدينية‪.‬‬

‫كيرل بعض اؼبؤرخْب اْلرمن أف سبب ىذه اؽبجرات الدينية اْلرمينية‪ ،‬ىو ضبالت اْلتراؾ‬
‫اؼبتكررة على أرمينيا الكربل‪ ،‬كتوغلهم تدرهبيا ُب آسيا الصغرل‪ ،‬كمضايقتهم لرجاؿ الدين اؼبسيحيْب‪،‬‬
‫كهتديبهم للكنائس كاْلديرة‪ .‬كىذا اَلدعاء عا ور من اغبقيقية‪ْ ،‬لف عملية فتح السالجقة لبالد اْلرمن‪،‬‬
‫كاستقرارىم ُب اْلناضوؿ‪ ،‬دل تتم إَل بعد معركة منازكرد سنة ‪352‬ق‪0160/‬ـ‪ .‬كما سبيزت سياستهم‬
‫ذباه الرىباف‪ ،‬كاْلساقفة بالتسامح‪ ،‬كإعفاء دكر عبادهتم من الضرائب‪ ،‬كمنحوىم حرية فبارسة‬
‫شعائرىم الدينية‪ 3.‬بل إف اؼبؤرخ اؼبتخصص ُب تاريخ اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬جوف كلود شينيو‪ ،‬يرل أف‬

‫‪1‬‬
‫‪Zekiyan Levon B. : Les colonies arméniennes des origines à la fin du XVIIIe siècle, ds. H.P.‬‬
‫‪Arm., sous la direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008. p. 427.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens en Occident, fin du Xe siècle – début du XIe, ds. Actes des‬‬
‫‪congrès de la Société des historiens médiévistes de l'enseignement supérieur public, 9 e‬‬
‫‪congrès, Dijon, 1978. Occident et Orient au Xe siècle. pp. 123-126.‬‬
‫‪ 3‬انظر ماقبل ُب ‪ :‬ص ‪.208-204‬‬
‫‪101‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫قدكـ السالجقة إذل آسيا الصغرل‪ ،‬دل يؤد إذل مغادرة النخبة اْلرمينية ؼبوطنها‪ 1.‬كاغبقيقة أف أرمينيا‬
‫الكربل شهدت خالؿ القرف العاشر‪ ،‬كالنصف اْلكؿ من القرف اغبادم عشر اؼبيالديْب‪ ،‬حركة ذبديد‬
‫ديِب‪ ،‬أدت إذل ازدىار حياة الرىبنة كالتنسك‪ 2،‬كميل رجاؿ الدين إذل اػبلوة ُب اْلديرة‪ ،‬كالتفرغ‬
‫لالبتهاؿ كالعبادة‪ ،‬كالبعض منهم فضل السياحة ُب اْلرض‪ ،‬كزيارة البقاع اؼبسيحية اؼبقدسة‪ 3.‬كمن‬
‫أشهر الزيارات الدينية الٍب تزامنت مع بداية الدعوة كالتحضّب للحملة الصليبية اْلكذل ُب أكربا‪ ،‬تلك‬
‫الٍب قاـ ّٔا اعبثليق‪ 4‬جرهبور الثاشل فيكاياسر )‪ 5،(Le Catholicos Grigor Vekayaser‬إذل‬
‫القسطنطينية كإذل ركما سنة ‪356‬ق‪0163/‬ـ‪ٍ ،‬ب إذل القاىرة‪.‬‬

‫أ‪ -‬سفارة الجثليق جريجور الثاني فيكاياسر‬


‫ينتسب جرهبور الثاشل إذل آؿ ّٔالككشل )‪ ،(Pahlawouni‬اْلسرة الشهّبة الٍب احتكرت‬
‫منصب اعبثليق بْب أبنائها فقط‪ ،‬كقدمت خدمات جليلة للكنيسة كلألمة اْلرمينية‪ .‬كاف كالده غريغور‬

‫‪1‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : La perte de l’Asie Mineure, p. 10.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens dans la France médiévale, ds. : H.P. Arm., sous la‬‬
‫‪direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008. p. 907.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan : Les Arméniens en Occident, p. 124; Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t I, p. 254.‬‬
‫‪ 4‬اعبثليق أك الكاثوليكوس )‪ : (Catholicos‬كىو اغبرب اْلعظم للكنيسة اْلرمينية‪ ،‬أم أكرب سلطة دينية كركحية لدل اْلرمن‪،‬‬
‫كيساكم منصب البابا عند الكاثوليك‪ .‬كيشرؼ على صبيع الكنائس اْلرم ػ ػي ػ ػن ػ ػيػ ػ ػة‪ .‬لذلك ظبيت اعبثليقية )‪(le catholicossat‬‬
‫اْلرمينية دائما باسم "جثليقية عموـ اْلرمن"‪ ،‬ككاف مقر اعبثليق ُب مدينة ايشمايازين )‪ .(Etchmiadzine‬غّب أف ىذا اؼبقر‬
‫اضطر للتنقل تبعا ّٓريات اْلحداث السياسية الٍب شهدهتا أرمينيا‪ ،‬إذل أف استقر سنة‪1293‬ـ‪ُ ،‬ب مدينة سيس عاصمة الدكلة‬
‫اْلرمينية اعبديدة ُب قيليقيا كذلك حٌب عاـ ‪1441‬ـ‪ ،‬عندما عاد مقر اعبثليقية من جديد إذل إيشمايازين‪ .‬كلكن اعبثليق كريكور‬
‫موسابيكياف رفض نقل ىذا اؼبقر إذل ايشمايازين‪ ،‬فبا دفع دبجلس اْلساقفة اْلرمن إذل انتخاب جثليق جديد ىو كّباكوس‬
‫فّبابيتسي الذم انتقل إذل ىذه اؼبدينة‪.‬كأضحى لألرمن جثليقْب كمركزين للجثليقية‪ ،‬كاستمر ىذا الوضع حٌب اليوـ‪ .‬كانتقل مركز‬
‫سيس إذل حلب‪ٍ ،‬ب إذل بلدة انطلياس ُب لبناف الٍب ربتضن اؼبقر اغبارل للجثليق اْلرميِب‪ ،‬كيعرؼ باسم جثليقية البيت الكبّب‬
‫لكيليكيا‪( .‬أنظر ‪ :‬اؼبدكر مركاف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪287-286‬؛ ‪)Valognes Jean-Pierre : op. cit., p. 451.‬‬
‫‪ 5‬كرد اظبو بصيغتْب جرهبور )‪ ،(Grigor‬ك غريغوار )‪ ،(Grégoire‬ككاف اظبو السابق فهراـ )‪ ،(Vahram‬كاشتهر بلقب‬
‫فيكاياسر )‪ ،(Vekayaser‬أم صديق الشهداء‪ْ ،‬لنو اعتكف على ترصبة كثّب من الكتب اؼبتعلقة حبياة‪ ،‬كتاريخ القديسْب‬
‫اؼبسيحيْب‪ ،‬لتكوف مثاَل وبتذم بو الشعب اْلرميِب‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Vernier Donat : Histoire du Patriarcat arménien Catholique, Delhomme et Briguet éditeurs,‬‬
‫‪Paris, Lyon, 1891. pp. 206-207).‬‬
‫‪102‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫ماجيسَبكس )‪( Grigor Magistros‬توُب سنة ‪341‬ق‪0147/‬ـ))‪ ،‬قد كضع نفسو ُب خدمة‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬بعد إغباؽ فبلكة آشل البجراطية سنة ‪326‬ق‪0134/‬ـ‪ ،‬كأصبح من رجاؽبا‬
‫اؼبخلصْب‪ 1،‬فمنحتو لقب دكؽ )‪ 2.(Duc‬ككاف ابنو اْلصغر‪ ،‬فهراـ )‪ ،(Vahram‬منذ صغره‬
‫شغوفا بالعلم‪ ،‬فانكب على الدراسة كالتعمق ُب علوـ الدين‪ ،‬كالالىوت كالعلوـ اإلنسانية‪ ،‬كاآلداب‬
‫اإلغريقية‪ ،‬كاْلرمينية‪ .‬كبعد زكاجو منحو اَلمرباطور قسطنطْب العاشر دككاس‪ ،‬نفس اللقب الذم كاف‬
‫لوالده سابقا‪ٍ 3.‬ب اعتزؿ اغبياة العامة‪ ،‬كانفصل عن زكجتو‪ ،‬معرضا عن كل اؼبلذات كاؼبناصب‬
‫الدنيوية‪ ،‬كاذبو إذل أحد اْلديرة‪ ،‬فاكتسب فيو قداسة منحتو شهرة كاسعة‪ .‬كُب ؾبمع ديِب‪ ،‬انعقد سنة‬
‫‪346‬ق‪0154/‬ـ‪ ،‬انتي ًخب فهراـ من طرؼ رجاؿ الدين اْلرمن جثليقا باسم جرهبور الثاشل‪ 4.‬كأثناء‬
‫رئاستو للكنيسة اْلرمينية أدخل بعض اإلصالحات على نظاـ اْلديرة‪ ،‬كشارؾ شعبو اْلحزاف بعد ضم‬
‫أرمينيا إذل اَلمرباطورية البيزنطية‪ .‬كُب سنة ‪352‬ق‪0160/‬ـ‪ ،‬تنازؿ عن منصبو ْلحد أعوانو‪ ،‬كدخل‬
‫إذل دير آراؾ )‪ ،(Arek‬الواقع ُب اعببل اْلسود دبرتفعات اْلمانوس‪ ،‬كاعتزؿ الناس كترىب مدة‬
‫سنتْب‪ٍ 5.‬ب أحل عليو اؼبلك اْلرمينيي جاجيك الثاشل –قبل اغتيالو‪ -‬ككثّب من نبالء اْلرمن ليعود إذل‬
‫‪6‬‬
‫رئاسة الكنيسة‪ ،‬كلكنو اعتذر قائال بأنو يريد "الذىاب إذل ركما‪ٍ ،‬ب عبور صحراء مصر"‪.‬‬

‫كيبدك أنو كاف يقيم خالؿ عزلتو ُب اإلقليم اػباضع لسلطة فيالريت‪ ،‬أك ردبا أقنعو ىذا اْلخّب‬
‫باإلقامة ُب منطقتو مع توفّب اغبماية لو؛ ْلف فيالريت باعتباره أرمينيا خلقدكنيا؛ فإنو –ُب نظر بِب‬
‫جلدتو‪ -‬كاف فاقدا للشرعية الدينية‪ .‬كىذا ما جعلو يعمل على إقناع كجذب جرهبور الثاشل لإلقامة ُب‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan : Les Arméniens sur la frontière sud-orientale, p. 83.‬‬
‫‪ 2‬دكؽ )‪ : (Duc‬حاكم عسكرم خاص دبقاطعة معينة‪ ،‬كيكوف خاضعا لسلطة الوارل‪ ،‬ككاف ىذا اؼبنصب يقتصر أحيانا كُب‬
‫بعض اؼبناطق (مثل مصر) على نبالء القصر‪ ،‬كسبنح ؽبم صالحيات مدنية كعسكرية كاسعة‪( .‬أنظر ‪ :‬رنسيماف ‪ :‬اغبضارة البيزنطية‪،‬‬
‫ص ‪317 ،98‬؛ ‪)Bréhier Louis : Les institutions de l'empire byzantin, p. 102,113.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Kapoïan-Kouymjian Angèle : Le Catholicos Grégoire II le Martyrophile (vkayaser) et ses‬‬
‫‪peregrinations, ds. Bazmavep, vol. 132, n° 3-4, Venise, 1975. p. 5.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Tournebize F. : op. cit., p. 108; Kapoïan-Kouymjian Angèle : op. cit., p. 9.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Vernier Donat : op. cit.,. pp. 206-207.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 161-162; Garsoïan, op. cit., p. 256.‬‬

‫‪103‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫إقليمو‪ ،‬خاصة مع تزايد عدد اؼبهاجرين اْلرمن كتعاظم دكرىم الديِب كالعسكرم ُب قيليقيا‪ 1.‬كلكن‬
‫فيالريت دل يكن فاقدا للشرعية الدينية فحسب‪ ،‬بل كاف فاقدا لبعد النظر أيضا‪ ،‬كجاىال بأصوؿ‬
‫الدبلوماسية كأعرافها‪ ،‬كأعماه الطمع كاعبشع كالرغبة ُب صبع اؼباؿ على إنزاؿ الرجاؿ منازؽبم‪ .‬فأرسل‬
‫اعبثليق جرهبور الثاشل‪ُ ،‬ب مهمة دبلوماسية إذل تورنيك بن موشل‪ ،‬حاكم إقليم ساسوف‪ 2،‬كىو ُب‬
‫نفس الوقت زكج أختو‪ ،‬كمن آؿ ّٔالككشل أيضا‪ ،‬ليضغط عليو كيطلب منو دفع اإلتاكة‪ ،‬كإعالف‬
‫التبعية لو‪ .‬كؼبا رأل غريغور ما تعرض لو صهره على يد فيالريت‪ ،‬غادر مقر إقامتو ُب قرية يم ىَباسوف‬
‫)‪ ،(Moutarasoun‬قرب هنر الفرات‪ ،‬كدل يعد إليها أبدا‪ 3.‬كقد راسلو فيالريت مرارا كتكرارا‪،‬‬
‫متوسال إليو‪ ،‬كؿباكَل إقناعو بضركرة العودة إذل مقر إقامتو‪ ،‬كلكن رئيس الكنيسة اْلرمينية أبلغو أف‬
‫قراره َل رجعة فيو‪ 4.‬كأماـ ىذا الرفض القاطع كجد فيالريت نفسو ُب كضع حرج ذباه رعاياه‪ 5،‬كأدرؾ‬
‫أنو َل يستطيع أف هبعل من جرهبور الثاشل أداة طيعة ُب يده‪ ،‬فعمل على إهباد منافس لو على رأس‬
‫الكنيسة اْلرمينية‪ 6.‬كالسؤاؿ الذم يطرح إذل أين اذبو جرهبور الثاشل بعد مغادرتو مقر إقامتو الٍب كانت‬
‫ربت سلطة فيالريت ؟‬

‫بعد أف رفض اعبثليق اْلرميِب اإلقامة ربت سلطة فيالريت‪ ،‬اذبو إذل أرمينيا الكربل الٍب كانت‬
‫تابعة للسلطاف ملكشاه الَبكي السلجوقي‪ ،‬كاستفاد ىناؾ من التسامح الديِب الذم كجده عند‬
‫اؼبسلمْب‪ ،‬فنصب أحد اْلساقفة ُب مدينة آشل‪ ،‬كبعد أف أقاـ فيها أياما‪ ،‬قرر الذىاب إذل‬
‫القسطنطينية‪ 7.‬كىذا دليل آخر على أف ىجرة رجاؿ الدين اْلرمن كبو إيطاليا أك فرنسا‪ ،‬دل تكن‬
‫بسبب ضبالت السالجقة‪ ،‬كلكن ْلسباب أخرل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, pp. 225-226.‬‬
‫‪ 2‬أنظر الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪.170‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 161-162.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 176; Tournebize F. : op. cit., p. 110.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : op. cit., t. I, pp. 229-230.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Grousset René : Histoire de l'Arménie, p. 635.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Kapoïan-Kouymjian Angèle : op. cit., p. 11.‬‬

‫‪104‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫ب‪ -‬جريجور الثاني في القسطنطينية‬
‫بعد أف رفض العودة إذل مقر اعبثليقية‪ ،‬شرع جرهبور الثاشل‪ُ ،‬ب القياـ دبهمة دبلوماسية كاسعة‪،‬‬
‫كرحلة حج طويلة إذل البقاع اؼبقدسة اؼبسيحية‪ ،‬قادتو إذل فلسطْب‪ ،‬كالقسطنطينية‪ ،‬كركما‪ ،‬كمصر‪ .‬بدأ‬
‫ىذه الرحلة سنة ‪356‬ق‪0163/‬ـ‪ ،‬فذىب إذل القسطنطينية الٍب حظي فيها باستقباؿ حار من‬
‫طرؼ اَلمرباطور ميخائيل السابع الذم أكرـ كفادتو‪ ،‬كبقي ُب ضيافتو مدة طويلة‪ٍ ،‬ب دعاه لعقد‬
‫مناظرة دينية َلىوتية‪ُ ،‬ب كنيسة آيا صوفيا‪ ،‬ترأسها اَلمرباطور‪ ،‬كحضرىا بطريرؾ الكنيسة البيزنطية‬
‫كوظباس )‪ ،((1081-1075) Kosmas‬كؾبموعة من رجاؿ الدين‪ .‬كيبدك أنو أظهر كفاءة عالية‬
‫ُب اإلجابة عن اْلسئلة الٍب طرحت عليو حوؿ مذىب الطبيعة الواحدة الذم تعتنقو الكنيسة‬
‫اْلرمينية‪ ،‬كناؿ بذلك إعجاب اَلمرباطور ميخائيل السابع‪ ،‬الذم بالغ ُب إكرامو‪ ،‬كفتح لو خزائن‬
‫كتبو‪ ،‬كأبقاه ُب ضيافتو مدة طويلة‪ ،‬كفرض لو مرتبا كمن معو من مرافقيو‪ 1.‬كلعل سائال يسأؿ ؼباذا‬
‫توجو جرهبور الثاشل إذل القسطنطينية كدل يسافر مباشرة إذل ركما ؟ كما سر ىذا التقارب كالود الذم‬
‫صبع بْب اإلمرباطور البيزنطي كاعبثليق اْلرميِب‪ ،‬رغم اػبالفات الدينية كالسياسية القديبة بينهما ؟‬

‫يبدك من خالؿ عالقة فيالريت باإلمرباطور ميخائيل السابع‪ 2،‬كباعبثليق جرهبور الثاشل‪ ،‬أف‬
‫اؼبصاحل السياسية قد صبعت بْب من فرقتهم اؼبذاىب كاػبالفات الدينية‪ .‬حيث كاف فيالريت معارضا‬
‫لإلمرباطور البيزنطي‪ ،‬كغّب معَبؼ بسلطتو‪ ،‬كما أف اعبثليق اْلرميِب شعر أنو يريد استغالؿ مكانتو‬
‫الدينية بْب اْلرمن‪ ،‬فخرج شبو ىارب من إقامتو‪ ،‬باحثا عن مأكل جديد‪ ،‬فكاف ذىابو إذل‬
‫القسطنطينية أشبو باللجوء السياسي‪ْ ،‬لنو أصبح ُب نظر البيزنطيْب اؼبمثل الشرعي الوحيد للشعب‬
‫اْلرميِب‪ 3.‬كنظرا ؼبا حظي بو اعبثليق من معاملة كتكرصل ُب القسطنطينية‪ ،‬فإف مٌب الرىاكم أثُب على‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, pp. 249-250.‬‬
‫‪ 2‬أنظر الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪.174-167‬‬
‫‪ 3‬انقرضت ساللة البجارطة بعد اغتياؿ اؼبلك اْلرميِب جاجيك الثاشل سنة ‪466‬ق‪1073/‬ـ‪ ،‬كلقي كثّب من أتباعو اْلمراء اْلرمن‬
‫نفس اؼبصّب‪ ،‬كُب نفس السنة اغتيل تورنيك حاكم إقليم ساسوف من طرؼ فيالريت‪ ،‬ككجد الشعب اْلرميِب نفسو مقسما بْب عدة‬
‫أمراء يتنافسوف على السلطة‪ ،‬كيتوسعوف على حساب بعضهم البعض ‪ ...‬كدل تبق إَل اؼبؤسسة الدينية اؼبتمثلة ُب شخص اعبثليق‪ ،‬الٍب‬
‫ذبمع بْب أطياؼ الشعب اْلرميِب ُب اؼبهجر‪( .‬انظر ‪.)Augé Isabelle : Le dilemme de l'Eglise. pp. 348-353 :‬‬
‫‪105‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫اَلمرباطور ميخائيل السابع‪ ،‬كاعتربه "سليم العقيدة‪ ،‬كأبا لأليتاـ كحاميا لألرامل"‪ 1.‬كبناء على ذلك‪،‬‬
‫فإف ما صبع بْب ميخائيل السابع كجرهبور الثاشل‪ ،‬ىو كجود خطرين يهددنبا معا‪ ،‬اْلكؿ ‪ :‬ىو‬
‫توسعات السالجقة ُب آسيا الصغرل‪ ،‬كالثاشل ‪ :‬يتمثل ُب فيالريت برخاميوس‪ ،‬كلذلك رأل رئيس‬
‫الكنيسة اْلرمينية أف مصلحتو السياسية تقتضي منو زيارة القسطنطينية قبل التوجو إذل البابا ُب ركما‪.‬‬

‫ج – جريجور الثاني في ركما‬


‫كدبا أف اؼبصلحة السياسية صبعت بْب رجل الدين كرجل السياسة‪ ،‬فإف اعبثليق سرعاف ما كسب‬
‫ثقة اَلمرباطور الذم أراد استغالؿ ىذا اؼبكسب اؽباـ لصاغبو‪ .‬فقاـ بإرساؿ جرهبور الثاشل مع كفد‬
‫بيزنطي ُب مهمة دبلوماسية إذل ركما‪ ،‬ؼبقابلة البابا جرهبوار السابع )‪،((1085-1073) Grégoire VII‬‬
‫ليلتمس منو مساعدة اؼبسيحيْب الالتْب‪ ،‬ضد اؼبسلمْب اْلتراؾ‪ ،‬كالبحث عن سبل إعادة الوحدة بْب‬
‫كنيسة القسطنطينية ككنيسة ركما‪ 2.‬كاعبدير بالذكر أف الزيارة الٍب قاـ ّٔا رئيس الكنيسة اْلرمينية إذل‬
‫ركما ليست الوحيدة‪ ،‬كَل اْلكذل من نوعها‪ ،‬حيث تشّب بعض الدراسات اْلثرية إذل كجود مقابر‬
‫ككنائس أرمينية‪ ،‬يعود تارىبها إذل القرنْب العاشر كاغبادم عشر اؼبيالديْب‪ ،‬فبا يفيد أف عددا من رجاؿ‬
‫‪3‬‬
‫الدين اْلرمن قد ىاجركا من أرمينيا أك من كبادككيا أك من قيليقيا‪ ،‬كاستقر ّٔم اؼبقاـ ُب إيطاليا‪.‬‬

‫حظي الوفد باستقباؿ حار من طرؼ البابا‪ 4،‬كدل تذكر مصادر ىذا البحث فحول اؼبفاكضات‬
‫كاغبوار الذم دار بْب البابا كمبعوثي اإلمرباطور‪ ،‬كلكن من اؼبؤكد أف اعبثليق جرهبور الثاشل‪ ،‬شرح للبابا‬
‫جرهبوار السابع‪ ،‬اْلكضاع اػبطّبة الٍب تعيشها اإلمرباطورية البيزنطية ُب آسيا الصغرل‪ ،‬كأف السالجقة‬
‫الذين يقَببوف تدرهبيا من أسوار القسطنطينية‪ ،‬باتوا يهددكف اؼبسيحية ُب عقر دارىا‪ .‬كأف أسهل‬
‫طريقة إلعادة الركح إذل العالقات بْب الكنيسة البيزنطية ككنيسة ركما ىو تقدصل مساعدة عسكرية‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 177.‬‬
‫‪Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 252.‬‬ ‫‪ 2‬اغبارثي عبد ا﵁ بن ناصر بن سليماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪81‬؛‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan : op. cit., t. I, pp. 255-256; Dédéyan : Les Arméniens en Occident, p. 124-126.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Kapoïan-Kouymjian Angèle : op. cit., p. 14; Dédéyan : op. cit., p. 133.‬‬

‫‪106‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫للمسيحيْب ُب الشرؽ‪ 1.‬كقد حاكلت ىذه السفارة‪ ،‬استغالؿ ضباسة كاندفاع جرهبوار السابع‪ ،‬كالدكر‬
‫‪2‬‬
‫الكبّب الذم قاـ بو ُب ضبالت اَلسباف ضد اؼبسلمْب ُب اْلندلس‪.‬‬

‫كيتحدث اؼبؤرخوف عن ؾبموعة من الرسائل صدرت عن رئيس الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬كجهها‬


‫إذل حكاـ كملوؾ أكربا يشرح ؽبم فيها حقيقة موقف اؼبسيحية ُب الشرؽ‪ ،‬كاغبالة اغبرجة الٍب سبر ّٔا‬
‫الدكلة البيزنطية نتيجة توسع السالجقة ُب أرمينيا‪ ،‬كاقَبأّم من أسوار القسطنطينية‪ .‬كإحدل ىذه‬
‫الرسائل‪ ،‬كتبت بتاريخ ‪ 04‬فيفرم ‪1074‬ـ‪ 3،‬موجهة إذل دكؽ بورجنديا )‪ ،(Bourgogne‬كرد‬
‫فيها أف البابا أعرب عن رغبتو ُب دعوة اؼبلوؾ كاْلمراء إذل تكوين قوة عسكرية‪ ،‬تعمل على ؿباربة‬
‫النورماف الذين يشكلوف هتديدا للبابوية‪ .‬كبعد استسالمهم‪ ،‬يأمل البابا ُب انتقاؿ ىذه القوة إذل آسيا‬
‫الصغرل لنجدة ضحايا اؽبجوـ الَبكي‪ ،‬كيقوؿ فيها ‪" :‬إنو مستعد للذىاب إذل القسطنطينية ؼبساعدة‬
‫السَّرزاف )‪ 4(Sarrazins‬بشكل مستمر‪ ،‬كيطلبوف منا تقدصل يد‬
‫اؼبسيحيْب الذين يتعرضوف للدغات ى‬
‫اؼبساعدة ؽبم"‪ 5.‬كُب رسالة أخرل بتاريخ ‪ 1‬مارس ‪ ،1074‬موجهة "لكل اؼبسيحيْب"‪ 6‬ربدث عن‬
‫سفّب جاءه من كراء البحار للصالة كالدعاء عند قبور الرسل‪ ،‬كأخربه بدقة عما يتعرض لو اؼبسيحيوف‬
‫من اضطهاد‪ ،‬كمن اؼبؤكد أف ىذا السفّب ىو اعبثليق جرهبور الثاشل فيكاياسر‪ 7.‬كُب رسالة أخرل‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 257.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset René : Les Croisades : Presses universitaires de France, Paris, 1964. p. 20.‬‬
‫‪ 3‬انظر نص ىذه الرسالة ُب اؼبلحق الثاشل‪ ،‬ص ‪.466-465‬‬
‫‪4‬‬
‫سرزاف )‪ : (Sarrazins‬استعمل اليوناف قديبا كلمة )‪ ،(Saraceni‬ك )‪ ،(Saracenes‬كاستعملها الالتْب على ىذه الصورة‬ ‫َّ‬
‫)‪ ، (Saracenus‬كذلك ُب معُب العرب‪ ،‬كأطلقوىا على قبائل عربية كانت تقيم ُب بادية الشاـ‪ ،‬كُب طور سيناء‪ ،‬كتوسع مدلوؽبا‬
‫بعد القرف اػبامس اؼبيالدم‪ ،‬فأطلقت على العرب عامة‪ ،‬كشاع استعماؽبا ُب القركف الوسطى من طرؼ الكتاب كاؼبؤرخْب‬
‫النصارل‪ ،‬كأصبحوا يطلقوهنا على صبيع العرب‪ ،‬كعلى صبيع اؼبسلمْب‪ .‬كيعتقد بعض الباحثْب أف الكلمة مركبة من كلمة (سارة)‬
‫زكجة سي دنا ابراىيم‪ ،‬ككلمة أخرل ىي (قْب)‪ ،‬فيكوف اؼبعُب عبيد سارة‪ ،‬كتوجد تعليالت أخرل ْلصل كمعُب ىذه الكلمة‪( .‬انظر‬
‫‪ :‬علي جواد ‪ :‬اؼبفصل ُب تاريخ العرب قبل اإلسالـ‪( ،‬د‪ .‬ف‪ ،).‬ط‪( ،2‬د‪ .‬ـ‪ ،1993 ،).‬ج ‪ ،1‬ص ‪).30-26‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Vasiliev A. A. : op. cit., t. II, p. 28.‬‬
‫‪ 6‬انظر نص ىذه الرسالة ُب اؼبلحق الثالث‪ ،‬ص ‪.468-167‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : loc. cit.‬‬

‫‪107‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫بتاريخ ‪ 7‬ديسمرب ‪1074‬ـ موجهة إذل ىنرم الرابع‪ 1،‬ملك أؼبانيا ربدث فيها عن "كارثة حدثت ُب‬
‫الشرؽ" كأخربه بأف سفارة كصلت إذل ركما من مسيحيي ما كراء البحر‪ ،‬كيقوؿ فيها إنو مستعد ليقود‬
‫بنفسو جيشا يتكوف من طبسْب ألف جندم من مسيحيي الغرب‪ ،‬ليصل ّٔم إذل كنيسة القيامة‪.‬‬
‫كجاء فيها أيضا ‪" :‬أنا مصمم على القياـ ّٔذه اؼبهمة أكثر من كنيسة القسطنطينية الٍب ؽبا كجهة نظر‬
‫زبتلف عن نظرتنا للركح القدس‪ ،‬كىي ُب انتظار اَلتفاؽ مع الكرسي الرسورل‪ ،‬كعالكة على ذلك فإف‬
‫كل اْلرمن تقريبا اكبرفوا عن اإليباف الكاثوليكي‪ ،‬كأف القسم اْلكرب من اؼبسيحيْب الشرقيْب ينتظركف‬
‫أف يركا إيباف القديس بطرس‪ ،‬الذم ىبتلف عنهم‪ ،‬يدخل بْب معتقداهتم"‪ 2.‬كيعود ىذا اَلىتماـ‬
‫دبسيحيي الشرؽ‪ ،‬إذل التأثّب الذم تركو اعبثليق جرهبور الثاشل فيكاياسر‪ ،‬على رئيس الكنيسة‬
‫الكاثوليكية‪.‬‬

‫كيبدك من رسائل جرهبوار السابع‪ ،‬أف البابوية دل توجو الدعوة لتنظيم ضبلة صليبية كاسَبجاع‬
‫بيت اؼبقدس‪ ،‬بل كانت نية الزعيم الركحي للمسيحيْب الغربيْب‪ ،‬تتلخص ُب ربضّب كإعداد ضبلة‬
‫حربية إذل القسطنطينية إلنقاذ اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬حٌب تتمكن من اَلضطالع بدكرىا اؼبتمثل ُب‬
‫الدفاع عن اؼبسيحيْب ضد اؼبسلمْب ُب الشرؽ‪ ،‬كستدفع بيزنطة شبن تلك اؼبساعدة بعودة كنيستها‬
‫(الضالة) إذل حضن الكنيسة الكاثوليكية‪ 3.‬كلكن رسائل البابا جرهبوار السابع‪ ،‬كاستغاثة اعبثليق‬
‫جرهبور الثاشل دل تأت بالنتائج اؼبرجوة منها‪ْ ،‬لف عوامل كثّبة حالت دكف ربقيق ىذا اؼبشركع‬
‫البابوم‪-‬اْلرميِب‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫اْلكؿ ‪ :‬اختالؼ ترتيب اْلكلويات بْب الزعيمْب الركحيْب‪ ،‬فكاف اعبثليق اْلرميِب يبحث عن‬
‫مساعدة عاجلة‪ ،‬بينما كاف البابا يريد إعادة الكنيسة البيزنطية اْلرثوذكسية كمعها كل الكنائس‬
‫الشرقية إذل بيت الطاعة‪ ،‬كتوحيدىا صبيعا ربت زعامة الكنيسة الكاثوليكية‪ .‬كمن شبة فإف إعالف‬
‫اغبرب ضد اؼبسلمْب ُب الشرؽ‪ ،‬يأٌب ُب الدرجة الثانية من سلم اىتمامات البابا جرهبوار السابع‪ ،‬كأف‬

‫‪ 1‬انظر نص ىذه الرسالة ُب اؼبلحق الرابع‪ ،‬ص ‪.471-469‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 258.‬‬
‫‪ 3‬ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪108‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫اَلنقساـ الذم حدث بْب الكنائس منذ سنة ‪446‬ق‪1054/‬ـ‪ ،‬ىو أكثر تركيعا من توسع اؼبسلمْب‬
‫‪1‬‬
‫ُب الشرؽ‪.‬‬

‫الثاشل ‪ :‬زبلى اَلمرباطور البيزنطي ميخائيل السابع‪ ،‬عن فكرة الدعوة إذل اَلرباد بْب الكنيستْب‬
‫البيزنطية كالكاثوليكية‪ ،‬كردبا كاف ذلك بتأثّب من الفيلسوؼ كالكاتب ميخائيل بسيلل ػوس‬
‫‪2‬‬
‫)‪.(Michael Psellos‬‬

‫الثالث ‪ :‬فىػ ىق ىد اَلمرباطور ميخائيل السابع السلطة بعد أف قبح نقفور بوتانياتس ُب حركتو‬
‫التمردية الٍب أكصلتو إذل عرش اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كنصب نفسو امرباطورا باسم نقفور الثالث‪،‬‬
‫كلكن البابا جرهبوار السابع اعترب اَلمرباطور اعبديد مغتصبا للعرش‪ ،‬كدل يعَبؼ بسلطتو‪ ،‬فبا أدل إذل‬
‫انقطاع اَلتصاَلت بْب القسطنطينية كركما‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬انقلب الود الذم كاف بْب اؼبلك ىنرم الرابع كالبابا جرهبوار السابع إذل عداكة كبغضاء‪،‬‬
‫بسبب القرار الذم أصدره ىذا اْلخّب سنة ‪467‬ق‪1075/‬ـ‪ ،‬ضد التقليد العلماشل‪ 3،‬كقوبل برفض‬
‫شديد من طرؼ اؼبلك‪ ،‬كبدت اغبرب سافرة بْب العاىلْب‪ 4،‬ما جعل البابا يلتفت إذل الغرب‪ ،‬كنسي‬
‫إذل حْب‪ ،‬استغاثة جرهبور الثاشل جثليق اْلرمن‪ ،‬كدل تصل إذل الشرؽ أية مساعدات حربية أك غّبىا‬
‫‪5‬‬
‫من الغرب الالتيِب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Vasiliev A. A. : op. cit., t. II, p. 29.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 258.‬‬
‫‪ 3‬يتعلق ىذا القرار حبرماف اغبكاـ العلمانيْب من أباطرة كملوؾ كأمراء‪ ،‬من حقهم ُب تعيْب رجاؿ الدين ُب مناصبهم الدينية‪ ،‬اْلمر‬
‫الذم أزعج ىنرم الرابع‪ ،‬فازبذ موقفا رافضا كحازما ذباه القرار البابوم‪ ،‬فقاـ البابا من جهتو بتوقيع قرار اغبرماف ضد ىنرم الرابع‪،‬‬
‫كعزلو من منصبو كربرير صبيع رعاياه كأتباعو من أيباف الطاعة كالتبعية الٍب أقسموا ّٔا‪ ،‬كبذلك بدأت بْب العاىلْب حرب باردة‬
‫سافرة‪ ،‬أثرت على مشاريع البابوية ُب الشرؽ‪( .‬أنظر ‪ :‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ أكربا ُب العصور الوسطى‪ ،‬ص ‪-303‬‬
‫‪.)318-310 ،306‬‬
‫‪ 4‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.311‬‬
‫‪ 5‬ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪111‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫كسواء قبح أـ أخفق جرهبور الثاشل ُب مهمتو بركما‪ ،‬فإننا نتساءؿ ؼباذا أرسل اإلمرباطور‬
‫البيزنطي‪ ،‬ضمن سفارتو إذل إيطاليا‪ ،‬الزعيم الركحي لألرمن‪ ،‬كدل يرسل بطريرؾ القسطنطينية ؟ خاصة‬
‫أف اػبالفات اؼبذىبية التارىبية بْب الكنيسة اْلرمينية كالكنيسة البيزنطية‪َ ،‬ل زالت قائمة‪.‬‬

‫كيبدك أنو أرسل رئيس الكنيسة اْلرمينية ليبدم حسن نيتو كرغبتو ُب إذابة اعبليد بْب‬
‫القسطنطينية كركما‪ ،‬كحدكث تقارب بينهما‪ ،‬أك إعادة الوحدة بْب الكنيسة الكاثوليكية كالكنيسة‬
‫البيزنطية كمن كرائها كل الكنائس الشرقية‪ ،‬كما يعترب جرهبور الثاشل فيكاياسر أفضل سفّب للمسيحيْب‬
‫الشرقيْب‪ ،‬كاْلكثر إخالصا كثقة‪ ،‬ليقوـ بنقل انشغاَلهتم للبابا جرهبوار السابع؛ ْلنو من بْب اْلرمن‬
‫الذين فقدكا كطنهم‪ ،‬كىو بذلك أكثر إحساسا حباجة اَلمرباطورية البيزنطية إذل مناشدة البابا ليعلن‬
‫التعبئة ُب أكربا‪ ،‬كوبث اؼبسيحيْب الغربيْب أك الفرقبة على تقدصل اؼبساعدة العسكرية الٍب وبتاجها‬
‫اؼبسيحيوف ُب الشرؽ‪ .‬كىذه اؼبهمة كاف بإمكاف بطريرؾ القسطنطينية أف يضطلع ّٔا‪ ،‬كلكن الرئيس‬
‫السابق ؽبذه اؼبؤسسة الدينية كىو ميخائيل اْلكؿ كّبكَلريوس )‪ ،(Michel 1er Cérulaire‬قطع‬
‫حبل اَلتصاؿ بينو كبْب البابوية‪ ،‬ككاف سببا ُب اندَلع الشرارة الٍب فجرت اَلختالفات القديبة بْب‬
‫كنيسة القسطنطينية كالكنيسة الكاثوليكية‪ٍ 1‬ب اَلنفصاؿ بينهما‪ 2.‬ككاف اَلمرباطور ميخائيل السابع‪،‬‬
‫خبّبا باْلعراؼ الدبلوماسية الٍب تقتضي منو أف َل يرسل إذل ركما فبثل كنيسة قاـ أحد رؤسائها بطرد‬
‫فبثل البابا من القسطنطينية‪ ،‬كأصدر قرار اغبرماف ضد الوفد البابوم‪ .‬كيبدك من اؼبناظرة كاؼبناقشات‬
‫الٍب أجراىا جرهبور الثاشل ُب كنيسة آيا صوفيا حبضور اَلمرباطور ميخائيل السابع‪ ،‬أف ىذا اْلخّب‬
‫أيعجب بفصاحة اعبثليق‪ ،‬ككفاءتو كقدرتو على اإلقناع كتقدصل اإلجابات على اْلسئلة الٍب طرحت‬
‫عليو‪ 3.‬كىو َل يبثل الكنيسة البيزنطية الٍب ىي ُب خالؼ مع كنيسة ركما‪ ،‬بل يبثل الكنيسة اْلرمينية‬

‫‪ 1‬كصلت اَلختالفات إذل ذركهتا بسبب سلوؾ الوفد البابوم الذم كاف مشوبا بالتعارل كالكربياء كعدـ اَلحَباـ‪ ،‬كأبدل البطريرؾ‬
‫البيزنطي موقفا فباثال‪ ،‬كامتدت اَلختالفات ُب كجهات النظر إذل التفاصيل اعبزئية مثل اؼبذىب كالطقوس كعدـ زكاج رجاؿ الدين‬
‫كاستخداـ اػببز غّب اؼبخمر كالصياـ كما إذل ذلك‪( .‬أنظر ‪ :‬ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪164‬؛‬
‫‪Valognes Jean-Pierre : op. cit., pp. 47-54).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Valognes Jean-Pierre : op. cit., p. 49.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, pp. 249-250.‬‬

‫‪110‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫الوطنية اؼبستقلة القائمة بذاهتا‪ ،‬كَل ترتبط بأية كنيسة أخرل ُب الشرؽ أك الغرب‪ ،‬كىذا ما هبعلو قادرا‬
‫على التحدث مع البابا أفضل من بطريرؾ القسطنطينية‪ ،‬كلذلك اختاره اَلمرباطور البيزنطي ليكوف من‬
‫بْب أعضاء سفارتو إذل ركما‪.‬‬

‫كتبْب من ىذه الرسائل أف البابا قد حاكؿ إرساؿ ضبلة –قبل اغبمالت الصليبية‪ -‬ؼبساعدة‬
‫البيزنطيْب كاْلرمن‪ ،‬كصبيع اؼبسيحيْب الشرقيْب‪ ،‬كدل تكن مسألة إعادة الوحدة بْب الكنيستْب غائبة عن‬
‫اىتماماتو‪ .‬كرغم عدـ كصوؿ مساعدات عسكرية من اؼبسيحيْب الغربيْب إذل إخواهنم اؼبسيحيْب‬
‫الشرقيْب‪ ،‬فإف اؼبراسالت دل تتوقف بْب الزعيم الركحي للكنيسة اْلرمينية‪ ،‬كالزعيم الركحي للكنيسة‬
‫الكاثوليكية‪ .‬إذ كجو اعبثليق رسالة إذل البابا يطلب منو معاقبة أحد اْلرمن اؼبنشقْب عبأ إليو مطركدا‬
‫من أرمينيا‪ 1،‬فرد عليو البابا برسالة كدية بتاريخ ‪ 06‬جواف ‪1080‬ـ‪ 2،‬كردبا توجد خطابات دل تيعرؼ‬
‫بعد قد تبادؽبا الطرفاف‪ 3.‬كفبا َلشك فيو أف اَلتصاَلت دل تنقطع بْب البابوية كاعبثليقية‪ ،‬بدليل أف‬
‫جرهبور الثاشل كاف على رأس اْلرمن الذين انضموا إذل الصليبيْب‪ ،‬ؼبا كطأت أقدامهم آسيا الصغرل‪،‬‬
‫كدخل معهم القدس إذل جانب جودفرم البويوشل‪ ،(Godefroy de Bouillon) 4‬بتاريخ ‪24‬‬
‫‪5‬‬
‫شعباف ‪492‬ـ‪ 15/‬جويلية ‪.1099‬‬

‫كمن اؼبؤكد أف تكوف ىذه السفارة كاؼبراسالت اؼبتكررة‪ ،‬قد نسجت عالقات متينة مع البابوية‪،‬‬
‫استمرت إذل ما بعد كفاة جرهبور الثاشل سنة ‪498‬ق‪1105/‬ـ‪ ،‬بدليل أف من بْب الذين خلفوه على‬
‫رأس الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬مثل اْلخواف غريغور الثالث )‪ ،(Grigor III‬كنرسيس ىش ٍرنورىارل‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, pp. 259.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Augé Isabelle : Le dilemme de l'Eglise, p. 352.‬‬
‫‪ 3‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬اْلرمن ُب اغبرب الصليبية اْلكذل‪ ،‬ص ‪.108-107‬‬
‫‪ 4‬جودفرم البيوشل ‪ :‬ىو جودفرم الرابع دك بولوشل أك بويوف‪ ،‬كلد ُب بيزم عاـ ‪ 1061‬تقريبا‪ ،‬ابن أكستاش الثاشل كونت بولوشل‪،‬‬
‫كرث عمو جودفرم الثالث دكؽ اللورين فأصبح دكؽ اللورين اْلسفل (‪ ،)1095-1098‬باع دكقيتو كغادر ُب اغبملة الصليبية‬
‫اْلكذل‪ ،‬كانتخب أكؿ ملك غّب متوج ؼبملكة بيت اؼبقدس (‪1100-1099‬ـ)‪( .‬انظر ‪ :‬الربيعي عبد ا﵁ بن عبد الرضبن ‪ :‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪ ،449‬ىامش رقم ‪.)1‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Vernier Donat : op. cit., p. 208.‬‬

‫‪111‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫‪1‬‬
‫)‪ ،(Nersês Chenorhali‬كنبا من آؿ ّٔلوكشل‪ ،‬قد أظهرا تقاربا ذباه الكنيسة الكاثوليكية‪،‬‬
‫كدخال ُب اتصاَلت مع البابوية‪ ،‬إما باستقباؿ فبثلي البابا القادمْب إذل الشرؽ‪ ،‬أك بإرساؿ سفارات‬
‫مباشرة إذل ركما‪ 2.‬كىكذا فإف تعاطف البابا مع اؼبسيحيْب الشرقيْب‪ ،‬كؿباكلتو ذبنيد الفرنج لتقدصل‬
‫اؼبساعدة لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬ما ىو إَل صدل لرحلة جرهبور الثاشل إذل ركما كاستقبالو من طرؼ‬
‫جرهبوار السابع‪ 3،‬كدَللة تؤكد عبوء اْلرمن إذل طلب اؼبساعدة من زعيم اؼبسيحية الغربية‪.‬‬

‫د‪ -‬جريجور الثاني في القاىرة‬


‫كمن ركما كذل جرهبور الثاشل كجهو شطر مصر الٍب كصلها عن طريق البحر‪ ،‬فنزؿ ُب ميناء‬
‫اَلسكندرية‪ ،‬سنة ‪472‬ق‪1079/‬ـ‪ ،‬كاستقبلو اؼبستنصر الفاطمي استقباؿ اؼبلوؾ‪ 4،‬كلكن السلطة‬
‫الفعلية للدكلة الفاطمية آنذاؾ‪ ،‬كانت ُب يد الوزير بدر اعبمارل‪ 5‬اؼبلقب بأمّب اعبيوش‪ ،‬كىو أرميِب‬

‫‪1‬‬
‫‪Augé Isabelle : Byzantins, Arméniens, p. 214.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Augé Isabelle : Le dilemme de l'Eglise, p. 352.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens en Occident, p. 133.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Kapoïan-Kouymjian Angèle : op. cit., p. 17.‬‬
‫‪ 5‬بدر اعبمارل (بداية القرف اػبامس اؽبجرم – ‪487‬ق‪1094/‬ـ) ‪ :‬ىو بدر بن عبد ا﵁‪ ،‬أرميِب اعبنس‪ ،‬أسر ُب إحدل‬
‫الغزكات‪ ،‬اشَباه كىو صغّب صباؿ الدكلة أبو اغبسن علي بن عمار صاحب طرابلس الشاـ لذلك نسب إليو‪ ،‬كترىب عنده‪ ،‬كترقى ُب‬
‫عهده‪ ،‬كبقي وبمل اظبو‪ ،‬فعرؼ لذلك ببدر اعبمارل‪ .‬كبدأ حياتو السياسية كاليا على دمشق ُب سنة ‪455‬ىػ‪ ،‬كاتبو اؼبستنصر سرا‬
‫يدعوه للقدكـ إذل مصر ‪ ،‬إلصالح حاؿ البالد كإنقاذىا من اْلزمات اؼبتتالية‪ ،‬ككاف ُب ذلك الوقت يتوذل مدينة عكا‪ ،‬فنزؿ سنة‬
‫صىريك يم اللَّوي‬
‫‪466‬ق‪1074/‬ـ‪ ،‬بدمياط ُب مائة مركب مشحونة باْلرمن‪ .‬كؼبا دخل بدر اعبمارل على اؼبستنصر قرأ قارئ { ىكلىىق ٍد نى ى‬
‫بًبى ٍد ور} (آؿ عمراف ‪ ) 123 :‬كدل يتم اآلية‪ ،‬فقاؿ اؼبستنصر ‪ :‬لو أسبها ضربت عنقو‪ .‬كقد أكرـ اؼبستنصر كفادة بدر‪ ،‬كأطلق يده ُب‬
‫إصالح حاؿ البالد‪ ،‬ككَله كزارة التفويض كإمارة اعبيوش‪( ،‬كزير السيف كالقلم)‪ ،‬فقضى بدر على رؤكس الفتنة ُب مصر‪ ،‬كقتل‬
‫رجاؿ الدكلة‪ ،‬كأقاـ لنفسو جندا كعسكرا من اْلرمن‪ ،‬يقوؿ اؼبقريزم ‪" :‬فصار من حينئذ معظم اعبيش اْلرمن كذىبت كتامة‬
‫كصاركا من صبلة الرعية بعدما كانوا كجوه الدكلة كأكابر أىلها"‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن خلكاف (ابو العباس مشس الدين أضبد بن ؿبمد بن‬
‫أيب بكر (ت ‪681‬ق)) ‪ :‬كفيات اْلعياف كأنباء أبناء الزماف‪ ،‬حققو د‪ .‬إحساف عباس‪ ،‬دار صادر بّبكت‪ .1969 ،‬ج‪ ،2‬ص‬
‫‪ 449-448‬؛ ابن الصّبُب (أمْب الدين تاج الرياسة أيب القاسم علي بن منجب بن سليماف) ‪ :‬اإلشارة إذل من ناؿ الوزارة‪ ،‬عِب‬
‫بتحقيقو كالتعليق عليو‪ ،‬عبد ا﵁ ـبلص‪ ،‬مطبعة اؼبعهد العلمي الفرنسي اػباص بالعاديات الشرقية‪ ،‬القاىرة‪ .1923 ،‬ص ‪-55‬‬
‫‪56‬؛ سيد أيبن فؤاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)213-209‬‬
‫‪112‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫مسلم‪ ،‬فأكرـ كفادتو‪ ،‬كبالغ ُب اإلحساف إليو أكثر من اَلمرباطور البيزنطي‪ 1،‬كأنزلو ُب كنيسة مار‬
‫‪3‬‬
‫الزٍىرل‪ 2،‬ككفد عليو عدد كبّب من اْلرمن اؼبقيمْب ُب مصر لزيارتو‪.‬‬
‫مرصل للنصارل اؼبلكانيْب بأرض ي‬
‫كإذا كانت دكافع زيارتو للقسطنطينية ٍب ركما كاضحة كمنطقية‪ْ ،‬لنو ذىب يلتمس اؼبساعدة من‬
‫إخوانو اؼبسيحيْب اْلرثوذكس كالكاثوليك‪ ،‬فما اؽبدؼ من كراء زيارتو للقاىرة ؟ كماذا سيطلب من‬
‫الفاطميْب ؟ كىل ىناؾ مصاحل مشَبكة بينو كبْب بدر اعبمارل ؟‬

‫الواقع أف زيارتو ؼبصر دل تكن زيارة ؾباملة أك زيارة دينية‪ ،‬بل زيارة سياسية دبلوماسية بالدرجة‬
‫اْلكذل‪ْ ،‬لف اعبثليق كاف يعي بأف مقاليد اغبكم ىناؾ ىي بْب أيدم بدر اعبمارل اْلرميِب ‪ .‬فهو أكؿ‬
‫كزير عسكرم للدكلة الفاطمية‪ ،‬كقد قبح ُب إنقاذىا –من خالؿ اؽبيمنة عليها‪ -‬من اؼبوت اؼببكر‪،‬‬
‫بنفس الطريقة الٍب أنقذ ّٔا طغرؿ بك اػبالفة العباسية‪ .‬فأكقف التقدـ السلجوقي غربا ُب اذباه مصر‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫كعزز السيطرة الفاطمية على ساحل الشاـ‪ ،‬كأعاد بناء جيش الدكلة كجهازىا اإلدارم اؼبتهالك‪.‬‬
‫كما قبح ُب إصالح اْلكضاع الداخلية‪ ،‬كالقضاء على رجاؿ الفساد‪ ،‬كإعادة اَلستقرار للبالد‪،‬‬
‫"كعلى يده صلحت ديار مصر كعمرت بعد ربكم الفساد ّٔا كخرأّا"‪ 5،‬فكسب بذلك ثقة‬
‫اؼبستنصر‪ ،‬الذم منحو صالحيات كاسعة كفوض إليو شؤكف البالد كالعباد‪" ،‬كألقى إليو مقاليد فبلكتو‪،‬‬
‫كسلم إليو أمور خالفتو‪ 6"،‬فأصبح بدر اعبمارل مطلق اليدين ُب مصر‪.‬‬

‫ككاف اعبثليق اْلرميِب‪ ،‬يدرؾ بأف اْلرمن‪ ،‬يشكلوف قوة عسكرية متميزة ُب مصر‪ ،‬كقد قدـ‬
‫بعضهم مع بدر اعبمارل من عكا؛ ْلنو اشَبط على اؼبستنصر ؼبا كاتبو‪ ،‬أف يوب ً‬
‫ضر معو عساكره‬ ‫ٍ‬

‫‪1‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 177.‬‬
‫‪ 2‬سيد أيبن فؤاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.672‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : loc. cit.‬‬
‫‪ 4‬الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ 5‬اؼبقريزم (تقي الدين (ت ‪ : ))1441/845‬كتاب اؼبقفى الكبّب‪ ،‬ربقيق ؿبمد اليعالكم‪ ،‬دار الغرب اَلسالمي‪ .1991 ،‬ج‬
‫‪ ،2‬ص ‪.401‬‬
‫‪ 6‬اؼبقريزم ‪ :‬اتعاظ اغبنفا ‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.329‬‬
‫‪113‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫كجنوده‪ ،‬كأَل يبقي على أحد من جيش مصر‪ ،‬فوافقو على ذلك‪ 1.‬كمنذ أف استلم مهامو كىو يعمل‬
‫على تعزيز قوتو العسكرية باْلرمن الوافدين عليو‪ ،‬كظلوا يتزايدكف‪ ،‬حٌب أصبحوا يشكلوف عصبة‬
‫تقول ّٔم"‪ 2.‬كاؼبؤكد أف ىذه الطوائف التحقت دبصر‪،‬‬
‫جيشو‪" .‬كقدمت إليو عدة من طوائف اْلرمن ٌ‬
‫بسبب اغبركب بْب البيزنطيْب كالسالجقة الذين سيطركا على أرمينيا الكربل‪ ،‬كبعض اْلجزاء من‬
‫قيليقيا كمشاؿ سوريا‪ ،‬إذل أف بلغ عددىم ما بْب ثالثْب ألف‪ ،‬كطبسة كثالثْب ألف أرميِب‪ 3.‬ككاف بدر‬
‫اعبمارل متساؿبا مع بِب جنسو كمع أىل الذمة بصفة عامة‪ ،‬كدل يفرض عليهم اعتناؽ اَلسالـ‪ ،‬بل‬
‫أقطعهم أرضا كظبح ؽبم ببناء "كنيسة كبّبة متسعة بعدة قباب"‪ 4،‬ككضع اعبثليق ُب خدمتهم‪ .‬كنظرا‬
‫للصالحيات الٍب منحت لو‪ ،‬كعدد اْلرمن اؼبتزايد ُب مصر‪ ،‬فقد علق اؼبقريزم على تلك الفَبة‬
‫متحدثا عن الوزير بدر قائال ‪" :‬كأقاـ دكلة اْلرمن بديار مصر"‪ 5،‬كبناء على ذلك فإف زيارة اعبثليق‬
‫‪6‬‬
‫اْلرميِب ؼبصر كانت دبثابة زيارة دكلة أرمينية ُب اؼبنفى‪ ،‬كأف آؿ ّٔلوكشل أصبحوا ملوكا بدكف فبلكة‪،‬‬
‫مع ما ُب ذلك من مبالغة‪.‬‬

‫كاغبقيقة أف جرهبور الثاشل فيكاياسر‪ ،‬كجد نفسو ُب أرمينيا‪ ،‬كُب قيليقيا فاقدا ْلم دعم‬
‫سياسي‪ ،‬بعد اغتياؿ جاجيك الثاشل آخر ملوؾ فبلكة آشل سنة ‪465‬ق‪1073/‬ـ‪ ،‬كرأل بأـ عينيو‬
‫زكاؿ اؼبملكة الوطنية لألرمن‪ٍ .‬ب تعرض لضغط من فيالريت الذم كاف يعمل على تأسيس سلطة‬
‫سياسية أرمينية‪ ،‬ذات اذباه خلقدكشل‪ ،‬ـبالفا بذلك قواعد كمبادئ الكنيسة القومية اْلرمينية‪ .‬كلذلك‬

‫‪ 1‬اؼبقريزم ‪ :‬اتعاظ اغبنفا ‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.311‬‬


‫‪ 2‬اؼبقريزم ‪ :‬كتاب اؼبقفى‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.398‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 177.‬‬
‫‪ 4‬أبو صاحل اْلرمِب ‪ :‬تاريخ الشيخ أيب صاحل اْلرمِب ‪ :‬تذكر فيو أخبار من نواحي مصر كإقطاعها‪ ،‬اؼبطبعة اؼبدرسية‪ ،‬أككسفورد‪،‬‬
‫‪ .1895‬ص ‪.61‬‬
‫‪ 5‬اؼبقريزم ‪ :‬كتاب اؼبقفى‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.402‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, pp. 266.‬‬

‫‪114‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫فإف جرهبور‪ ،‬كاف يريد تأسيس مأكل كطِب أرميِب ُب مصر‪ ،‬بدعم من بدر اعبمارل الذم كاف يرل ُب‬
‫‪1‬‬
‫توافد اْلرمن عليو‪ ،‬صماـ أماف َلستمرار نفوذه‪.‬‬

‫كيبدك أف زيارة جرهبور الثاشل للقاىرة ىي تكملة ؼبهمتو الٍب بدأىا ُب القسطنطينية كتالىا‬
‫بركما‪ ،‬كمن غّب اؼبستبعد أف يكوف مكلفا من طرؼ ميخائيل السابع‪ ،‬دبهمة دبلوماسية ُب مصر‪ ،‬نظرا‬
‫لتحسن العالقات بْب الدكلة البيزنطية كالدكلة الفاطمية‪ُ ،‬ب بداية عهد اؼبستنصر الذم عمل على‬
‫ربسْب عالقتو مع البيزنطيْب‪ ،‬حٌب يضمن سبوين القمح الذم يصلو من القسطنطينية‪ .‬كما كاف ُب‬
‫حاجة إذل أف يأمن جانبهم حٌب يتفرغ ؼبواجهة العباسيْب كالسالجقة‪" 2.‬فتجددت اؽبدنة بْب‬
‫صاحب مصر كبْب الركـ كضبل كل كاحد منهما لصاحبو ىدية عظيمة"‪ 3،‬ككاف ذلك سنة‬
‫‪4‬‬
‫‪439‬ق‪1047/‬ـ‪ ،‬كاستمرت اؽبدنة بينهما ثالثْب سنة‪.‬‬

‫كمن ا﵀تمل أنو جاء إذل القاىرة ىبطب كد الفاطميْب‪ ،‬كيلتمس منهم مساعدة البيزنطيْب ُب‬
‫حرّٔم ضد السالجقة الذين أخذكا ُب التقدـ السريع من الشرؽ‪ .‬فأنقذكا اػبالفة العباسية من أيدم‬
‫الشيعة‪ٍ ،‬ب قضوا على نفوذ الفاطميْب ُب الشاـ‪ ،‬كباتوا يشكلوف هتديدان متناميان للدكلة البيزنطية كالدكلة‬
‫الفاطمية الٍب دل تبق ؽبا سيادة إَل على مصر‪ ،‬كجنوب فلسطْب كاغبجاز كاليمن‪ 5،‬فبا أدل إذل‬
‫استحكاـ العداكة بْب الفاطميْب كالسالجقة‪ .‬كدل يكن اعبثليق جاىال باَلنقساـ الذم ساد العادل‬
‫اَلسالمي ُب ىذه الفَبة‪ ،‬كالصراع السافر بْب اؼبعسكر الشيعي ُب مصر‪ ،‬كاؼبعسكر السِب ُب العراؽ‬
‫كالشاـ‪ .‬فهو قى ًد ىـ إذل مصر ليستثمر ُب ىذه العالقات اؼبتوترة بْب اؼبسلمْب‪ ،‬كيستقطب الدكلة‬
‫الفاطمية‪ ،‬عن طريق كزيرىا اْلرميِب كهبعلها تدكر ُب فلك اَلمرباطورية البيزنطية‪ .‬فهل قبح رئيس‬
‫الكنيسة اْلرمينية ُب إثارة اْلرمن دبصر ضد السالجقة ؟‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, pp. 276.‬‬
‫‪ 2‬سيد أيبن فؤاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.46‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : loc. cit.‬‬
‫‪5‬‬
‫سيد أيبن فؤاد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪196 ،189‬؛ ‪Grousset René : Les Croisades, p. 30.‬‬

‫‪115‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫َلتقدـ اؼبصادر إجابات كاضحة عن ىذا السؤاؿ‪ ،‬كلكن قراءة بعض اْلحداث الٍب أعقبت‬
‫الزيارة بقليل‪ ،‬تزيل بعض الغموض‪ .‬يسوؽ ابن اْلثّب ضمن أحداث سنة ‪491‬ق‪1097/‬ـ‪ ،‬ركاية‬
‫تفيد الشك‪ ،‬فبعد أف ذكر أسباب خركج الفرنج إذل بالد الشاـ‪ ،‬قاؿ ‪" :‬كقيل إف أصحاب مصر من‬
‫العلويْب ؼبا رأكا قوة الدكلة السلجوقية كسبكنها كاستيالءىا على بالد الشاـ إذل غزة كدل يبق بينهم كبْب‬
‫مصر كَلية أخرل سبنعهم كدخوؿ اْلقسيس إذل مصر كحصرىا فخافوا كأرسلوا إذل الفرنج يدعوهنم إذل‬
‫اػبركج إذل الشاـ ليملكوه كيكوف بينهم كبْب اؼبسلمْب كا﵁ أعلم"‪ 1.‬كما يعزز ىذه الركاية‪ ،‬أف‬
‫اَلمرباطور ألكسيس كومنْب‪ ،‬نصح الصليبيْب الذين نزلوا بالقسطنطينية‪ ،‬بالسعي لالتفاؽ مع‬
‫الفاطميْب ُب مصر‪ْ ،‬لهنم أشد الناس خصومة للَبؾ‪ .‬كتشّب بعض اؼبراجع اغبديثة إذل سفارة أرسلها‬
‫الصليبيوف إذل مصر بعد انتزاعهم مدينة نيقية من قلج أرسالف سنة ‪490‬ق‪1097/‬ـ‪ 2.‬كأثناء‬
‫اغبصار الذم ضربو الصليبيوف على انطاكية‪ً ،‬‬
‫قدمت ُب أكائل ‪491‬ق‪1098/‬ـ‪ ،‬إذل معسكرىم‬
‫سفارة مصرية أرسلها كبّب كزراء مصر اْلفضل بن بدر اعبمارل‪ 3،‬كجدت ترحيبا منهم‪ ،‬كضبلت اقَباحا‬
‫يتمثل ُب اقتساـ أراضي الدكلة السلجوقية‪ ،‬فيستورل الفرنج على مشاؿ الشاـ‪ ،‬كتكوف فلسطْب من‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.187‬‬


‫‪ 2‬عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪171‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.325‬‬
‫‪ 3‬اْلفضل بن بدر اعبمارل (‪ : )1121-1094‬أرميِب اْلصل‪ ،‬اشتغل ُب بداية أمره نائبا عن كالده‪ ،‬ككليا لعهده سنة‬
‫‪477‬ق‪1084/‬ـ‪ ،‬كؼبا مرض كالده كأصبح غّب قادر على مباشرة مهامو‪ ،‬تقلد أمور مصر كشارؾ كالده أعباء الوزارة‪ ،‬كبعد كفاة‬
‫بدر اعبمارل سنة ‪487‬ق‪1094/‬ـ‪ ،‬ازبذه اؼبستنصر حاكم مصر كزيرا لو‪ .‬كبعد كفاة اؼبستنصر سنة ‪487‬ق‪1094/‬ـ‪ ،‬حاؿ‬
‫اْلفضل دكف تولية نزار أكرب أبناء اؼبستنصر ككرل عهده للعرش‪ ،‬كبايع أخاه الصغّب أبا القاسم الذم لقب باؼبستعلي‪ ،‬كؼبا توُب ىو‬
‫اآلخر سنة ‪495‬ق‪1101/‬ـ‪ ،‬أحضر اْلفضل ابنو أبا علي اؼبنصور كبايعو أقامو مكاف أبيو كلقبو بػ "اآلمر بأحكاـ ا﵁" كىو دل‬
‫يتجوز اػبمس سنوات‪ ،‬فحجر عليو اْلفضل‪ ،‬كصار بذلك مطلق التصرؼ ُب تدبّب أمور الدكلة الٍب حكمها بديكتاتورية‪،‬‬
‫كتصرؼ فيها كاؼبلوؾ كالسالطْب‪ .‬فنقل مقر اغبكم إذل "دار اؼبلك" الٍب بناىا جنوب الفسطاط‪ ،‬كجرد اغباكم من كل سلطاتو‪،‬‬
‫كحرـ عليو الركوب ُب اؼبواسم كاْلعياد‪ ،‬كأكثر من استخداـ اؼبوظفْب النصارل‪ ،‬كأحاط نفسو جبنود من اْلرمن‪ ،‬كشجع على‬
‫ىجرهتم إذل مصر‪ ،‬ك ًأذف ؽبم ُب إظهار معتقداهتم كاؼبناظرة عليها‪ .‬ككاف غّب مباؿ بسقوط مدف الشاـ ُب أيدم الصليبيْب‪ .‬توُب‬
‫مقتوَل على يد اَلظباعيلية النزارية‪ ،‬ليلة عيد الفطر سنة ‪515‬ق‪1122/‬ـ‪ ،‬كيقاؿ أف اآلمر حاكم مصر دبر عملية قتلو‪ ،‬كلذلك‬
‫يسر اآلمر دبقتلو سركرا غّب مستور عن كافة اػباصة كالكافة دبصر كالقاىرة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪-203‬‬
‫‪204‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪303 ،173‬؛ ابن الصّبُب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪59-57‬؛ سيد أيبن فؤاد ‪ :‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪229-217‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)339‬‬
‫‪116‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫نصيب مصر‪ ،‬كعاد الوفد مصحوبا بسفارة فرقبية ؿبملة ّٔدايا كفّبة‪ 1.‬كدل يصف مؤرخ دكر الدكلة‬
‫الفاطمية كموقفها أثناء اغبركب الصليبية‪ ،‬بأبلغ كأكجز فبا كصفها بو اؼبؤرخ الفرنسي ركشل جركسيو‬
‫حْب قاؿ عن الفاطميْب بأهنم "بيزنطيو اَلسالـ" )‪ 2.(Byzantins de l'Islam‬كسواء قبح‬
‫جرهبور الثاشل أك دل ينجح ُب مهمتو دبصر‪ ،‬فقد كاف مع الصليبيْب بفلسطْب يوـ سقوط بيت اؼبقدس‬
‫ُب أيديهم عاـ ‪492‬ق‪1099/‬ـ‪ ،‬دكف معرفة إف كاف مرافقا للحملة الصليبية‪ ،‬أـ كاف مقيما ىناؾ‬
‫‪3‬‬
‫قبيل قدكمهم إذل بالد الشاـ‪.‬‬

‫كخالصة القوؿ أف جرهبور الثاشل فيكاياسر‪ ،‬كاف يهدؼ من ىذه الزيارات الثالث كسب ىذه‬
‫القول‪ ،‬كمناصرهتا لألرمن‪ ،‬كحشدىا ضد اْلتراؾ السالجقة كىم ألد أعدائهم‪ 4.‬كإذا كانت الزيارات‬
‫الٍب قاـ ّٔا بعض رجاؿ الدين اْلرمن‪ ،‬كمعهم بعض أتباعهم إذل إيطاليا‪ ،‬كفرنسا‪ ،‬خالؿ القرنْب‬
‫العاشر‪ ،‬كبداية القرف اغبادم عشر اؼبيالديْب‪ 5،‬قد سانبت ُب التعريف بأرمينيا لدل النورماف‬
‫الفرنسيْب‪ ،‬كاإليطاليْب‪ ،‬كالفرقبة‪ ،‬فإف الزيارة الٍب قاـ ّٔا ىذا اعبثليق إذل ركما‪ ،‬كاؼبهمة الدبلوماسية‬
‫الٍب أداىا لدل البابا جرهبوار السابع‪ ،‬كاؼبراسالت الٍب جرت بينهما‪ ،‬قد أحدثت تقاربا بْب الكنيسة‬
‫اْلرمينية كالكنيسة الكاثوليكية‪ 6،‬كتركت صداىا ُب اؼبؤسسة البابوية‪ ،‬كركجت لضركرة تقدصل اؼبساعدة‬
‫العسكرية للمسيحيْب الشرقيْب‪ ،‬كمهدت الطريق أماـ البابا أركباف الثاشل )‪ ،(Urbain II‬لّبسل‬
‫جحافل الصليبيْب الذين أصبحوا ابتداء من سنة ‪491‬ق‪1098/‬ـ‪ ،‬جّباف اْلرمن ُب قيليقيا‪.‬‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ج ‪ ،1‬ص ‪317‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪162‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب‬
‫الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪325-324‬؛‬
‫‪Albert d'Aix : Histoire des faits et gestes dans les régions d'outre-mer, J.-L.-J. Brière Libraire,‬‬
‫‪Paris, 1824. t. I, pp. 177-179, 185; Grousset René : Histoire des croisades, t. I, pp. 149-150.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset René : op. cit., t. I, p. 398.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Kapoïan-Kouymjian Angèle : op. cit., pp. 19-20.‬‬
‫‪ 4‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬اْلرمن ُب اغبرب الصليبية اْلكذل‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪ 5‬للمزيد عن الزيارات الٍب قاـ ّٔا رجاؿ الدين اْلرمن إذل دكؿ أكربا الغربية‪ ،‬كإقامتهم فيها‪ ،‬كالكنائس الٍب شيدكىا‪ ،‬أنظر ‪:‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens en Occident, p. 123-132.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Isabelle Augé : Byzantins, Arméniens, p. 214.‬‬

‫‪117‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫‪ -3‬الصليبيوف في آسيا الصغرل‬
‫كصلت جحافل الصليبيْب إذل القسطنطينية تباعا‪ ،‬ككانت ضبلة العامة الٍب يقودىا بطرس‬
‫الناسك‪ ،‬ككالَب اؼبفلس أكؿ حشد صلييب يصل إذل أسوار القسطنطينية بتاريخ ‪ 9‬شعباف ‪489‬ق‪1/‬‬
‫اكت ‪1096‬ـ‪ ،‬كعندما رأل اَلمرباطور ألكسيس كومنْب ىذا اغبشد اؼبتكوف من الدنباء‪ ،‬الذم‬
‫يفتقد إذل التنظيم كهبهل معظم رجالو أبسط مبادئ القتاؿ‪ ،‬أدرؾ ‪-‬دبا لو من ذبربة كخربة‪ -‬أف ىذا‬
‫اعبمع الصلييب َل يثّب اػبوؼ ُب القلوب‪ ،‬كخشي أنو إذا عرب إذل آسيا الصغرل فسيكوف فريسة سهلة‬
‫للسالجقة‪ 1.‬فأشار عليهم بعدـ آّازفة كقاؿ ؽبم ‪َ" :‬ل تعربكا البسفور قبل كصوؿ بقية اعبيش‬
‫اؼبسيحي ْلنكم لستم بالكثرة الٍب سبكنكم من ؿباربة الَبؾ"‪ 2.‬كنصحهم بالتجمع كاَلنتظار عند أحد‬
‫اؼبراكز اغبصينة‪ ،‬حٌب تأتيهم اَلمدادات كتصل اعبيوش النظامية الرئيسية‪ ،‬الٍب كانت ُب طريقها إذل‬
‫القسطنطينية‪ 3.‬كلكنهم دل يبتثلوا ؽبذه النصيحة‪ ،‬إذ انتهزكا فرصة ذىاب بطرس الناسك ؼبقابلة‬
‫اَلمرباطور البيزنطي‪" ،‬فتجمع منهم رىط كانوا طبسة كعشرين ألفا من اؼبشاة اؼبدججْب بالسيوؼ‪،‬‬
‫كمائتْب من الفرساف آّهزين أحسن ذبهيز"‪ 4،‬كزحفوا على نيقية‪ ،‬فنصب ؽبم السالجقة كمينا‪ ،‬على‬
‫‪6‬‬
‫مقربة من موقع اظبو دراكوف‪" 5،‬فأكقع [السلطاف] بكل من ظفر بو منهم حيث قتل خلقا كثّبا"‬
‫كىلك كثّب من قادهتم‪ ،‬منهم كالَب اؼبفلس كدل ينج منهم إَل كبو ثالثة آَلؼ‪ ،‬كلوَل القوارب الٍب‬
‫أرسلها اَلمرباطور إلجالئهم ْلفنوىم صبيعا‪ 7.‬كأخ ػف ػق ػت ح ػم ػلة ال ػع ػام ػة‪ ،‬فػي أكؿ اص ػط ػداـ‬

‫‪1‬‬
‫رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪188‬؛ ‪Comnène Anne : op. cit., t. II, p. 209-210.‬‬
‫‪ 2‬مؤلف ؾبهوؿ ‪ :‬أعماؿ الفرقبة‪ ،‬ترصبة حسن حبشي‪ ،‬عبنة البياف العريب‪ ،‬القاىرة‪ .1958 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des croisades, t. I, p. 79.‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪ 5‬كومينا أنَّا ‪ :‬اْللكسياد‪ُ ،‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ُب تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬تأليف كربقيق كترصبة اْلستاذ الدكتور سهيل زكار‪،‬‬
‫دار الفكر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬دمشق‪ .1995 ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 6‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪ 7‬مؤلف ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪21-20‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪130-128‬؛ كومينا أنَّا ‪ :‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص ‪16‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.115‬‬
‫‪118‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫بالسالجقة‪ 1،‬كلكنها سبخضت عن نتيجتْب على درجة كبّبة من اْلنبية ُب تاريخ اغبركب الصليبية‪.‬‬
‫أكَلنبا ‪ :‬اقتناع الفرقبة أف اَلندفاع العاطفي كالنوعيات غّب اؼبدربة عسكريا َل ذبدم مع الفركسية‬
‫السلجوقية‪ 2،‬كثانيهما ‪ :‬إدراؾ الناس أف اإليباف كحده لن يفتح الطريق إذل بيت اؼبقدس‪ ،‬إذا ذبرد من‬
‫‪3‬‬
‫اغبكمة كالنظاـ‪.‬‬

‫كابتداء من أكاخر سنة ‪489‬ق‪1096/‬ـ‪ ،‬أخذت جيوش اْلمراء تتدفق على أطراؼ‬
‫القسطنطينية برا كحبرا‪ُ ،‬ب تواريخ متتابعة‪ 4،‬ككفرت ؽبم اَلمرباطورية البيزنطية كل ما وبتاجونو من مؤف‬
‫كمساعدات‪ ،‬ككاف اَلمرباطور ألكسيس كومنْب حريصا على استقباؿ كل قائد تطأ قدماه أرض‬

‫‪ 1‬ألربت فوف آخن ‪ :‬تاريخ اغبملة الصليبية اْلكذل كفبلكة بيت اؼبقدس (‪1120-1095‬ـ)‪ ،‬ترصبة ؿبمد ضبداف أضبد‪ ،‬دار‬
‫اَلعصار العلمي للنشر كالتوزيع‪ ،‬دمشق‪ .2016 ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪ 2‬عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬تاريخ الصليبيات‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.194‬‬
‫‪ 4‬انقسمت اغبملة الصليبية اْلكذل إذل قسمْب‪ ،‬القسم اْلكؿ يعرؼ حبملة العامة الٍب قادىا كالَب اؼبفلس‪ ،‬كبطرس الناسك‪ ،‬كالقسم‬
‫الثاشل يعرؼ حبملة اْلمراء‪ ،‬كىي تنقسم إذل أربع ؾبموعات اعتمد تنظيمها على التقسيمات اعبغرافية‪ ،‬كالعرقية‪ ،‬كاللغوية للعناصر‬
‫اؼبشاركة فيها‪ ،‬ككاف على رأس كل ؾبموعة أمّب يتوذل قيادهتا من يوـ انطالقها إذل غاية كصوؽبا‪ .‬ترأس جودفرم البييوشل ‪(Godfroy‬‬
‫)‪ ،de Bouillon‬آّموعة اْلكذل كمعو أخوه بلدكين البولوشل )‪ ،(Baudouin de Boulogne‬كقد قادا جيش الفالندر‪،‬‬
‫كاللورين‪ ،‬كمشاؿ غريب فرنسا‪ ،‬ككاف معظم اؼبشَبكْب ُب ىذه آّموعة من القطاع الالتيِب ُب اَلمرباطورية الركمانية اؼبقدسة‪ ،‬كدل يكن‬
‫من القطاع اْلؼباشل سول القليل‪ ،‬فبا جعل الطابع العاـ غبملة جودفرم فرقبيا‪ ،‬أم فرنسيا‪ ،‬كقد كصلت ىذه آّموعة إذل ضواحي‬
‫القسطنطينية ُب منتصف شهر ديسمرب ‪ .1096‬ككاف يقود آّموعة الثانية بوىيموند النورماشل )‪،(Bohémond de Tarente‬‬
‫كىو أكرب أبناء ركبرت جويسكارد )‪ ،(Robert Guiscard‬الزعيم النورماشل الشهّب‪ ،‬كقد قاـ بقيادة النورماف اَليطاليْب‪ ،‬كشاركو‬
‫ُب قيادة آّموعة ابن أختو تانكرد )‪ ،(Tancrède‬ككاف كصوؽبا إذل القسطنطينية ُب شهر افريل ‪ .1097‬كآّموعة الثالثة كاف‬
‫بقيادة ريبوند كونت تولوز )‪ ،(Raymond de Saint-Gilles comte de Toulouse‬كمعو اؼبندكب البابوم أدىيمار‬
‫)‪ ،(Adhémar‬كقد قادا جيوش جنوب فرنسا كالربكفنساؿ‪ ،‬ككصلت إذل القسطنطينية ُب شهر افريل ‪ .1097‬أما آّموعة الرابعة‬
‫فكاف على رأسها ركبرت النورماندم )‪ ،(Robert Courteheuse duc de Normandie‬كىو ابن كيلياـ الفاتح‪ ،‬كأخ ملك‬
‫اقبلَبا‪ ،‬ككاف يقود جيش نرمنديا‪ ،‬ككسط فرنسا‪ ،‬ككاف كصوؿ ىذه آّموعة إذل القسطنطينية ُب شهر مام ‪ .1097‬كفضال عن‬
‫ىؤَلء القادة‪ ،‬فقد كاف مع كل أمّب عدد آخر من اْلمراء‪( .‬انظر ‪ :‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪110-109‬؛‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية ج‪ ،1‬ص ‪130-119‬؛ عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬تاريخ الصليبيات‪ ،‬ص ‪85-84‬؛‬
‫رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪242-207‬؛‬
‫‪Grousset René : Histoire des croisades, t. I, pp. 82-97; Moure Michel : op. cit., p. 1491).‬‬

‫‪121‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫القسطنطينية‪ ،‬كدل هبد صعوبة ُب التعرؼ على نفسيات ىؤَلء الغربيْب‪ْ 1،‬لنو دل يكن بالسذاجة‬
‫السياسية الٍب ذبعلو هبهل النوايا السياسية لقادة اغبملة الصليبية‪ .‬فهو يدرؾ أف ىدفهم اغبقيقي ىو‬
‫إقامة إمارات فرقبية ُب الشرؽ‪ 2،‬رغم أهنم ً‬
‫قدموا ربت غطاء ديِب‪ ،‬استجابة لدعوة البابا أكرباف الثاشل‪،‬‬
‫ؼبساعدة اؼبسيحيْب الشرقيْب‪ ،‬كانتزاع بيت اؼبقدس من أيدم اؼبسلمْب‪ .‬كاغبقيقة أف اَلمرباطور‬
‫ألكسيس كومنْب دل يكن راغبا ُب ضبلة صليبية بقدر ما كاف ُب حاجة إذل مساعدة عسكرية إلنقاذ‬
‫الدكلة البيزنطية من أعدائها ُب الشرؽ‪ ،‬غّب أنو فوجئ جبموع من الغوغاء‪ ،‬أعقبتها جيوش صليبية‬
‫‪3‬‬
‫منظمة‪ ،‬على رأسها أمراء يدينوف بالوَلء لسادهتم ُب غرب أكربا‪ .‬اْلمر الذم أثار ـباكفو كأزعجو‪.‬‬
‫كدبا أف اْلراضي الٍب سينتزعها الصليبيوف من اؼبسلمْب‪ ،‬كانت إذل عهد قريب جزءا من اَلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪ ،‬فقد أصر اَلمرباطور على أف ي ٍق ًسم لو صبيع القادة الغربيْب ‪-‬اؼبارين بأراضيو إذل آسيا‬
‫الصغرل‪ -‬يبْب الوَلء كالطاعة‪ ،‬كعليهم أف يعتربكا أنفسهم أتباعا لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كأف يعيدكا‬
‫كافة اؼبدف البيزنطية اؼبتوقع اَلستيالء عليها ُب آسيا الصغرل‪ 4.‬كُب اؼبقابل يقدـ ؽبم اَلمرباطور كل‬
‫ما وبتاجونو من عتاد كإمدادات أثناء رحلتهم‪ .‬كليس من اليسّب إقناع قادة اإلفرنج بذلك‪ ،‬فاستخدـ‬
‫ألكسيس كومنْب ُب سبيل ذلك كافة الوسائل اؼبمكنة من أساليب الَبغيب كالَبىيب‪ ،‬حٌب حصل‬
‫على مراده‪ ،‬كأقسم لو صبيع القادة يبْب الوَلء‪ 5،‬باستثناء ريبوند الذم اتفق معو سرا‪ 6،‬كتانكرد أخو‬

‫‪ 1‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق ‪ :‬ص ‪.82‬‬


‫‪ 2‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.210‬‬
‫‪ 3‬ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪ 4‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪ 5‬كومينا أنَّا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪29-28‬؛ ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪94-93‬؛ عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬السياسة‬
‫الشرقية لالمرباطورية البيزنطية‪ ،‬ص ‪.68-67‬‬
‫‪ 6‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .244‬رفض ريبوند بشدة تلية رغبة اَلمرباطور ُب أف يقسم بالوَلء لو‪،‬‬
‫ككاف يطمع ُب أف يكوف على رأس الصليبيْب صبيعا ُب الشرؽ‪ ،‬حبكم مرافقة اؼبندكب البابوم غبملتو‪ ،‬كأف الزعامة الٍب حصلت‬
‫على تأييد البابوية َل يبكن أف تتفق كيبْب الوَلء لإلمرباطور البيزنطي‪ ،‬فاْلكؿ راعي الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬كالثاشل راعي الكنيسة‬
‫اْلرثوذكسية‪ .‬كقاؿ أنو دل وبمل الصليب ليخضع لسيد غّب السيد اؼبسيح‪ ،‬كدل يغادر بالده ليحارب من أجل سيد غّب السيد‬
‫اؼبسيح‪( .‬انظر ‪ :‬عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪130-128‬؛‬
‫(‪Grousset René : Histoire des croisades, t. I, pp. 94-97.‬‬

‫‪120‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫بوىيموند‪ ،‬كعدد آخر من اْلمراء الذين ذبنبوا اؼبركر بالقسطنطينية‪ 1.‬كىكذا فقد استطاع ألكسيس‬
‫برباعتو كحنكتو أف يوجو اغبملة لتحقيق أىدافو اؼبتمثلة ُب استعادة أراضي اَلمرباطورية البيزنطية‪ُ ،‬ب‬
‫آسيا الصغرل‪ ،‬كالتزـ من جهتو بتوفّب فرقة عسكرية بقيادة تاتيكوس )‪ ،(Tatikos‬فضال عن‬
‫اؼبرشدين كالكشافْب كآَلت اغبصار‪ ،‬شرط أف يستمر قادة اغبملة ُب ا﵀افظة على الوَلء‪ ،‬كتسليم ما‬
‫يفتحونو من مدف ُب آسيا الصغرل إذل فبثل اإلمرباطور‪ 2.‬كلكن إذل أم مدل سيلتزـ قادة اغبملة‬
‫الصليبية بالعهود الٍب قطعوىا على أنفسهم لإلمرباطور ألكسيس ؟ خاصة كأف كثّبا من اؼبدف كالقالع‬
‫قد استوذل عليها أمراء أرمن ؟ ككيف سيتعامل أمراء كحكاـ قيليقيا مع قادة اغبملة الصليبية ؟‬

‫أ‪ -‬نيقية أكؿ امتحاف للصليبيين‬


‫بعد أف خرج الصليبيوف من القسطنطينية يلتمسوف طريق القدس‪ ،‬كاف َلبد ؽبم من انتزاع مدينة‬
‫نيقية من أيدم سالجقة الركـ‪ ،‬الذين ازبذكىا عاصمة لسلطنتهم‪ ،‬فهي من أقول اؼبدف كأكثرىا‬
‫‪3‬‬
‫حصانة‪ ،‬مع أسوار عالية‪ ،‬كحبّبة حامية (حبر مرمرة) موجودة على طرفها‪ ،‬لذلك بدت ككأهنا َل تراـ‪.‬‬
‫كىي ربتل موقعا اسَباتيجيا ُب الطريق اغبريب الذم هبتازه الفرقبة إذل الشاـ‪ .‬كبقاؤىا بْب أيدم اْلتراؾ‬
‫السالجقة‪ ،‬سيشكل شوكة ُب ظهر الصليبيْب‪ ،‬كسيكوف مصدر هتديد لطرقهم كمواصالهتم‬
‫كإمداداهتم اغبربية‪ .‬فتوحدت أىدافهم كأىداؼ البيزنطيْب ُب ىذه القضية‪ ،‬ككاف اَلمرباطور البيزنطي‬
‫‪4‬‬
‫يريد كسر شوكة سالجقة الركـ بانتزاع عاصمتهم نيقية‪.‬‬

‫‪ 1‬عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬السياسة الشرقية لالمرباطورية البيزنطية‪ ،‬ص ‪68‬؛ عوض ؿبمد أنس ‪ :‬تاريخ الصليبيات‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ 2‬فوشيو الشارترم ‪ :‬اَلستيطاف الصلييب ُب فلسطْب‪ ،‬تاريخ اغبملة إذل بيت اؼبقدس (‪ ،)1127-1095‬ترصبة قاسم عبده قاسم‪،‬‬
‫دار الشركؽ‪ .2001 ،‬ص ‪97‬؛ ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪ 3‬فيتارل أكرديك ‪ :‬التاريخ الكنسي‪ ،‬ترصبة سهيل زكار‪ ،‬دار التكوين‪ ،‬دمشق‪ .2008 ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ 4‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق ‪ :‬ص ‪83‬؛ عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬السياسة الشرقية لالمرباطورية البيزنطية‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪121‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫كاس ػت ػغ ػل ال ػص ػل ػي ػب ػي ػوف غ ػي ػاب ال ػس ػلػطاف قلج أرسالف عن عاصمتو‪ 1،‬الذم خرج مع جزء كبّب‬
‫من جيشو‪َ ،‬لنتزاع ملطية من بِب الدانشمند‪ 2‬الذين كانوا ينازعونو السيادة على ىذه اؼبدينة‪ 3،‬كالواقع‬
‫أف قلج أرسالف قد شغلو ذلك النزاع على اَلىتماـ جديا بأمر الصليبيْب‪ ،‬كاستهاف ّٔم‪ ،‬كدل يقدر‬
‫جيدا اػبطر الذم يتهدده‪ ،‬لذلك ترؾ زكجتو كأطفالو كأموالو‪ ،‬داخل أسوار نيقية‪ ،‬كما ترؾ فيها‬
‫حامية مرابطة لتتوذل أمر الدفاع عنها‪ ،‬معتقدا أف اَلستحكامات اؼبنيعة للمدينة‪ ،‬كأسوارىا العالية‪،‬‬
‫كأبراجها الكثّبة البالغ عددىا مائٍب كأربعْب برجا‪ 4،‬كفيلة بصد اْلعداء عنها‪ .‬كردبا كاف يظن أف‬
‫اَلنتصار الذم حققو بسهولة على ضبلة العامة‪ ،‬سيجعل الصليبيْب َل يتوغلوف حٌب نيقية‪.‬‬

‫كدبجرد أف انتهت إذل قلج أرسالف أخبار اغبشود الصليبية الٍب كانت ُب طريقها إذل نيقية‪ ،‬فك‬
‫اغبصار عن ملطية‪ 5،‬كقرر العودة إذل عاصمتو‪ ،‬كلكن الصليبيْب كانوا قد سبقوه إليها‪ ،‬فمنذ ‪22‬‬
‫صبادل اْلكذل ‪490‬ق‪ 6/‬مام ‪1097‬ـ‪ ،‬كىم وبطوف رحاؽبم حوؿ أسوارىا‪ .‬فضرب جودفرم‬
‫معسكره خارج السور الشمارل للمدينة‪ ،‬بينما عسكر تانكرد قرب السور الشرقي‪ ،‬أما ريبوند فوزع‬
‫جنوده أماـ السور اعبنويب‪ 6.‬كؼبا قدـ السلطاف جبيشو‪ ،‬كجدىم قد أحاطوا ّٔا إحاطة السوار‬

‫‪ 1‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬الدانشمنديوف كجهادىم ُب اْلناضوؿ‪ ،‬مؤسسة شباب اعبامعة‪ ،‬اَلسكندرية‪ .1994 ،‬ص ‪.168‬‬
‫‪ 2‬إمارة بِب دانشمند ‪ :‬دانشمند كلمة فارسية معناىا عادل‪ ،‬كقد أطلقت على مؤسس ىذه اإلمارة؛ ْلنو كاف معلما ْلبناء‬
‫الَبكماف‪ ،‬كىو كمشتكْب أضبد دانشمند‪ ،‬من قادة الفتح الَبكي ُب اْلناضوؿ‪ُ ،‬ب عهد ألب أرسالف‪ ،‬كاشَبؾ معو ُب معركة‬
‫منازكرد ‪ ،‬كنظرا لبالئو أقطعو مدف توقات كسيواس كالبستاف كملطية كنيكسار‪ ،‬وبكمها ربت إشراؼ السالجقة العظاـ‪ .‬كُب الوقت‬
‫الذم ابتعد فيو السالجقة العظاـ عن اؼبسرح السياسي ُب آسيا الصغرل‪ ،‬استقل أضبد دانشمند باؼبناطق الواقعة ربت إدارتو‪،‬‬
‫كأسس اإلمارة الدانشماندية (‪573-477‬ىػ‪1177-1084/‬ـ)‪ ،‬كازبذ من سيواس عاصمة لو‪ ،‬كامتدت ىذه اإلمارة من أقصى‬
‫الشماؿ قرب البحر اْلسود كحٌب مدينة ملطية ُب أقصى اعبنوب‪ .‬كدخل بنو دانشمند ُب صراع مع البيزنطيْب الذين أرادكا استعادة‬
‫بعض اؼبدف الٍب خسركىا أماـ اْلتراؾ‪ٍ ،‬ب تعرضت مناطق نفوذىم ُب اْلناضوؿ إذل اجتياح الصليبيْب ؽبا بعد ‪490‬ق‪1097/‬ـ‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪35-16‬؛ طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪58‬؛ أكزطونا يلماز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.)354-353‬‬
‫‪ 3‬باذياب نوره عبد ا﵁‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪30‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.250‬‬
‫‪ 4‬ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪ 5‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق ‪ :‬ص ‪.83‬‬
‫‪6‬‬
‫حوؿ تفاصيل مواقع قوات الصليبيْب ُب حصارىم ؼبدينة نيقية‪( ،‬أنظر ‪(Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 71-74.:‬‬

‫‪122‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫باؼبعصم‪ 1،‬فهاصبهم من جهة اعبنوب‪ ،‬ؿباكَل فتح طريق لينفذ من خاللو إذل داخل اؼبدينة‪ ،‬كؼبا فشل‬
‫ُب ذلك‪ ،‬أدرؾ أف اعبيش الصلييب أكثر عددا كقوة فبا كاف يعتقد‪ ،‬فقرر اَلنسحاب‪ ،‬كرأل أنو من‬
‫‪2‬‬
‫السياسة اغبربية السليمة أف يرتد إذل اعبباؿ‪ ،‬كيَبؾ اؼبدينة لتواجو مصّبىا‪.‬‬

‫كيبدك أف اَلمرباطور الذم كاف مرابطا ُب بليكانوـ‪ 3،‬دل يكن يرغب ُب أف يتعرض سكاف نيقية‬
‫الذين كاف معظمهم من اؼبسيحيْب إذل أخطار النهب‪ ،‬كدل يكن يريد استالـ مدينة خربة‪ ،‬كلذلك‬
‫خطط لالستيالء علىيها بنفسو‪ 4.‬فأصدر أكامره إذل القائد البيزنطي بوتوميتس دبباشرة اؼبفاكضات مع‬
‫حامية اؼبدينة‪ .‬ككاف قادة الصليبيْب على اطالع ّٔذه اَلتصاَلت السرية‪ ،‬كلكنهم دل يكونوا على علم‬
‫بتفاصيلها‪ ،‬كلذلك أعدكا العدة للقياـ ّٔجوـ شامل‪ ،‬غّب أهنم فوجئوا ذات صباح برايات اَلمرباطور‬
‫ترفرؼ فوؽ أسوار اؼبدينة كأبراجها‪ ،‬ذلك أف الَبؾ استسلموا أثناء الليل‪ .‬كدخلت القوات اَلمرباطورية‬
‫إذل نيقية عرب اْلبواب الٍب تطل على شاطئ البحّبة‪ ،‬كخرج منها اْلتراؾ ربت حراسة اعبنود البيزنطيْب‬
‫كدل هبرؤ الصليبيوف أف يبسوىم باْلذل‪ٍ 5.‬ب "اشَبل ملك الركـ من السيب خلقا كثّبا كضبلهم إذل‬
‫ضبل إليو من ذىب كفضة كشٌب أنواع اؼبتاع‪ 7،‬كقد أغدؽ اَلمرباطور‬‫القسطنطينية"‪ 6،‬فضال عما يً‬
‫البيزنطي على القادة الصليبيْب باؽبدايا‪ ،‬كغمرىم دبقادير كبّبة من الذىب كاعبواىر‪ ،‬طمعا منو ُب‬
‫كسب كدىم‪ ،‬كأصدر أكامره بأف يصرؼ لكل ؿبارب صلييب منحة من اؼبؤكنة‪ 8.‬كبعد عودتو إذل‬
‫القسطنطينية‪ ،‬أحسن معاملة اْلسرل اْلتراؾ‪ ،‬كظبح عبميع موظفي القصر السلطاشل كالقادة بافتداء‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 70.‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.254‬‬
‫‪ 3‬كومينا أنَّا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 4‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.41 ،35‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪219‬؛ باذياب نوره عبد ا﵁‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 6‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪ 7‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ 8‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪100‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.257-256‬‬
‫‪123‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫أنفسهم‪ ،‬ككاف من بينهم أخت السلطاف كزكجتو كأكَلده‪ ،‬فأعادىم اَلمرباطور إذل الزعيم السلجوقي‬
‫‪2‬‬
‫دكف فدية‪ 1،‬كقد استغرب الصليبيوف ىذا اؼبوقف‪ ،‬كاعتربكه قلة إخالص كمعاكسة ؽبم‪.‬‬

‫كيبدك أف ألكسيس كومنْب دبوقفو ىذا من الصليبيْب كمن اْلسرل‪ ،‬كاف ىبشى إف دخل‬
‫الصليبيوف عنوة إذل اؼبدينة‪ ،‬فسّبفضوف تسليمها لو‪ ،‬أك سيستلمها كىي خاكية على عركشها‪ .‬لذلك‬
‫بادر إذل إرساؿ بوتوميتس كىو أحد قادتو للتفاكض مع اْلتراؾ‪ ،‬كأقنعهم بضركرة استسالـ اغبامية‬
‫مقابل ضماف سالمتهم‪ ،‬كحذرىم ُب الوقت نفسو‪ ،‬من سوء العاقبة‪ ،‬إذا اقتحم الصليبيوف اؼبدينة‬
‫ككقعت بْب أيديهم‪ 3.‬كما يريد اَلمرباطور البيزنطي من معاملتو اللينة للسالجقة‪ ،‬أف يكتسب مودة‬
‫اْلتراؾ‪ ،‬كيثبت ؽبم أنو َل داعي للخوؼ من اؼبستقبل‪" 4،‬إف ىم استسلموا لو على ىذه الصورة الٍب‬
‫‪5‬‬
‫استسلمت لو ّٔا مدينة نيقية"‪.‬‬

‫كمهما يكن من أمر‪ ،‬فقد فىػ ىق ىد السالجقة عاصمتهم نيقية‪ُ ،‬ب ‪ 07‬رجب ‪490‬ىػ‪ 19/‬جواف‬
‫‪1097‬ـ‪ ،‬بعد ستة عشر عاما من فتحهم ؽبا‪ ،‬كىم الذين كانوا على مرمى حجر من القسطنطينية‬
‫الٍب كانت على كشك السقوط بْب أيديهم منذ سنة ‪474‬ق‪1081/‬ـ‪ ،‬فوجدكا أنفسهم يَباجعوف‬
‫أماـ تقدـ الصليبيْب إذل داخل آسيا الصغرل‪ ،‬كأىم نتيجة –ُب نظر بعض اؼبؤرخْب الغربيْب‪ -‬ترتبت‬
‫‪6‬‬
‫عن إخراج السالجقة من نيقية‪ ،‬ىي إنقاذ أكربا الٍب ىي أىم من اسَبجاع القدس‪.‬‬

‫كتعترب عملية استعادة ىذه اؼبدينة من طرؼ البيزنطيْب‪ ،‬أكؿ اختبار عملي يبْب كفاء الصليبيْب‬
‫بالقسم الذم أدكه أماـ ألكسيس كومنْب كقد َّ‬
‫كَب ىو أيضا بتقدصل اؼبساعدات الٍب كعد ّٔا‪ .‬كما‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬


‫‪ 2‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪218-217‬؛ مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪37‬؛ طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ 4‬الربيعي عبد ا﵁ بن عبد الرضبن ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.455‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 106.‬‬

‫‪124‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫أثبتت قباح الصليبيْب ُب زبطي أكؿ حاجز ؽبم ُب الطريق إذل بيت اؼبقدس‪ ،‬كزادهتم ضباسا ؼبواصلة‬
‫جهودىم اغبربية ضد اؼبسلمْب‪ ،‬كأمال ُب اؼبستقبل‪ ،‬فاشتد حرصهم على الرحيل كبو فلسطْب‪.‬‬

‫دل ييأس السلطاف قلج أرسالف ؼبا أصابو ُب نيقية‪ ،‬كرغم اْلثر السيئ الذم تركو ضياع أموالو‬
‫ككنوزه على سلطنتو‪ 1،‬فقد صمم على إعادة ال ىكرة مرة أخرل‪ ،‬فازبذ من مدينة قونية عاصمة جديدة‬
‫لو‪ٍ 2،‬ب اذبو إذل الشرؽ لتجميد اغبرب مع الدانشمنديْب‪ ،‬كالتعاكف معهم بتكوين جبهة تركية إسالمية‬
‫ؼبواجهة اػبطر الصلييب‪ ،‬كمنعو من التغلغل داخل اْلناضوؿ‪ 3،‬فأمدكه جبيش كبّب‪ٍ ،‬ب بعث عيونو‬
‫كجواسيسو لتتبع خط سّب الفرنج‪ ،‬كعلم أهنم سيمركف بوادم دكريليوـ )‪ 4،(Dorylée‬فنصب ؽبم‬
‫كمينا ىناؾ‪ 5.‬كُب يوـ ‪ 18‬رجب ‪490‬ىػ‪ 30/‬جواف ‪1097‬ـ‪ ،‬فوجئ بوىيموند الذم كاف يقود‬
‫القسم اْلكؿ من اعبيش دبهاصبة السالجقة لو كتطويقهم للجيش الصلييب‪ 6،‬كرجحت كفة اْلتراؾ ُب‬
‫بداية اؼبعركة‪ ،‬كلكنهم ارتبكوا ؼبا رأكا القسم الثاشل من اعبيش الصلييب الذم يقوده ريبوند يتقدـ كبو‬
‫ميداف اؼبعركة‪ ،‬فاهنارت معنويات السالجقة‪ ،‬كربطمت خطوطهم‪ ،‬كحلت ّٔم اؽبزيبة‪ٍ ،‬ب َلذكا بالفرار‬
‫إذل داخل ىضبة اْلناضوؿ‪ ،‬كتذكر الصليبيوف نصيحة اَلمرباطور ؽبم ُب القسطنطينية‪ ،‬فلم يقوموا‬
‫‪7‬‬
‫دبطاردة اْلتراؾ اؼبسلمْب‪.‬‬

‫‪ 1‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.262‬‬


‫‪ 2‬باذياب نوره عبد ا﵁‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 3‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.170-169‬‬
‫‪ 4‬دكريليوـ )‪ (Dorylœum‬أك )‪ : (Dorylée‬ىي حاليا مدينة إسكي شهر )‪ (Eskişehir‬الواقعة ُب الشماؿ الغريب لَبكيا‪،‬‬
‫كىي مدينة قديبة كانت تقع على الطريق الرابط بْب نيقية كعمورية‪ ،‬كازدىرت كثّبا ُب العهد البيزنطي‪ْ ،‬لف اْلباطرة ازبذكىا مركزا‬
‫لراحتهم‪ ،‬فشيدكا فيها اغبمامات كالقصور‪ ،‬كلكنها تعرضت للخراب بسبب اغبركب‪ ،‬كؼبا فتحها السالجقة غّبكا اظبها إذل إسكي‬
‫شهر كمعناىا اؼبدينة القديبة‪ْ ،‬لهنم عثركا فيها على آثار قديبة‪ .‬كتعترب اسكي شهر مدينة متطورة‪ ،‬كمركزا صناعيا كقطبا سياحيا‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪291‬؛ ‪.)Texier Charles : op. cit., pp. 408-409‬‬
‫‪ 5‬ؿبمد عمر وبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ 6‬ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ 7‬كومينا أنَّا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪46-45‬؛ مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.41-40‬‬
‫‪125‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫تكبد السالجقة خسارة فادحة ُب معركة دكريليوـ‪ ،‬الٍب كضعت حدا ْلحالمهم التوسعية‪،‬‬
‫كتلقوا ضربة قاصمة‪ ،‬كأصبحوا مضطرين للقياـ باغبرب الدفاعية ؼبدة ليست بقصّبة‪ ،‬ككتبت أنا كومينا‬
‫قائلة ‪" :‬كيالحظ بالنسبة للمستقبل أنو دل يعد لديهم اؼبقدرة حٌب على النظر إذل كجوه الالتْب"‪ 1،‬كدل‬
‫يعد قلج أرسالف هبرؤ بعد ذلك على مواجهة الصليبيْب منفردا كجها لوجو‪ 2،‬ككتب صاحب كتاب‬
‫أعماؿ الفرقبة متحدثا عن السالجقة‪ ،‬كمعتدا بالفرقبة ‪" :‬لقد كانوا يظنوف أهنم ىبيفوف أمة الفرقبة‬
‫بتهديدىم إياىم بنباؽبم كما أخافوا العرب كالشرقيْب كاْلرمن كالسرياف كاإلغريق"‪ 3.‬كىا ىو اؼبؤرخ‬
‫الفرنسي جركسي يكتب عن ىذه اغبقيقة التارىبية‪ ،‬كيقوؿ مفتخرا كمعتزا بالفرقبة‪" ،‬لطاؼبا كقفت‬
‫جيوش اَلمرباطورية البيزنطية عاجزة أماـ قوة اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬كىا ىي اآلف قوة جديدة برزت على‬
‫مسرح اْلحداث ُب الشرؽ اْلدسل‪ ،‬ىي قوة الصليبيْب الغربيْب الذين أثبتوا تفوقهم العسكرم على‬
‫السالجقة‪ ،‬كُب ىذا الصدد فإف معركة دكرليوـ ؿبت كأزالت معركة منازكرد"‪ 4.‬كما شرعت بيزنطة من‬
‫جهتها ُب استعادة اؼبدف كاْلراضي الٍب فقدهتا‪ ،‬كبذلك تكوف اَلمرباطورية البيزنطية قد ثأرت لنفسها‬
‫فبا حل ّٔا على أيدم السالجقة ُب معركة منازكرد‪ ،‬منذ ما يزيد عن عشرين عاما‪ 5.‬كاغبقيقة الٍب‬
‫تغاضى عنها جركسي‪ ،‬أنو إذا كانت اَلمرباطورية البيزنطية قد قبحت ُب استغالؿ الصليبيْب لضرب‬
‫اْلتراؾ‪ ،‬كاستعادة بعض أراضيها‪ ،‬فإهنا دل تقم إَل بتأجيل سقوط مدينة القسطنطينية ُب يد اْلتراؾ‬
‫مدة ثالثة قركف كنصف‪.‬‬

‫فتحت معركة دكريليوـ أبواب آسيا الصغرل أماـ الصليبيْب‪ ،‬كرفعت معنوياهتم‪ ،‬فاستأنفوا‬
‫سّبىم‪ ،‬صوب اعبنوب الشرقي عرب ىضبة اْلناضوؿ‪ ،‬باذباه أنطاكية‪ 6،‬كبدأكا يتوغلوف ُب إقليم‬

‫‪ 1‬كومينا أنَّا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.46‬‬


‫‪ 2‬عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬السياسة الشرقية لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬ص ‪50‬؛ طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ 3‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 106.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset René : l'Empire du Levant, p. 193.‬‬
‫‪ 6‬كومينا أنَّا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪45‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪267‬؛ الركيضي ؿبمود ‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪126‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫قيليقيا تدرهبيا من جهة الشماؿ‪ ،‬كعلى حد تعبّب ابن اْلثّب‪ ،‬فبعد أف ىزـ الصليبيوف قلج أرسالف‬
‫"كاجتازكا ُب بالده إذل بالد ابن اْلرمِب"‪ 1،‬كجدكا ؾبموعة من اإلمارات اْلرمينية اؼبسيحية الصغّبة‬
‫الٍب تشكلت ُب اؼبدف كالقالع الٍب انتزعها اْلرمن من البيزنطيْب بعد معركة منازكرد‪ ،‬مع كجود‬
‫حاميات سلجوقية ُب اؼبدف الكربل منذ أياـ سليماف بن قتلمش‪ 2.‬كىذا الوجود اْلرميِب ُب اؼبنطقة‪،‬‬
‫سيستفيد منو الصليبيوف كثّبا ُب حرّٔم ضد اؼبسلمْب‪ ،‬كدل يكونوا ُب حاجة ماسة إذل قوات عسكرية‬
‫إضافية‪ ،‬فإف عددىم الضخم‪ 3،‬كاف يكفي لتحقيق انتصارات ساحقة على اؼبسلمْب‪ ،‬كلكنهم كانوا‬
‫ُب حاجة إذل أدَلء كمرشدين كطالئع استكشافية ـبلصة‪ ،‬كإذل سبوين كدعم لوجستيكي ؿبلي‪.‬‬

‫كالسؤاؿ الذم يتبادر إذل الذىن ىنا‪ ،‬ماىي أسباب تفوؽ الصليبيْب على السالجقة ّٔذه‬
‫السهولة الٍب دل تكن متوقعة ؟ كما الذم حل ّٔم بْب معركٍب منازكرد كدكريليوـ ؟‬

‫الواقع أف ىزيبة السالجقة أماـ الصليبيْب‪ ،‬تعكس جهل اؼبسلمْب ُب اؼبشرؽ اَلسالمي يومذاؾ‬
‫جهال تاما حبقيقة كدكافع اغبركة الصليبية‪ ،‬كباْلكضاع الدينية كالسياسية ُب أكرباالغربية‪ .‬فلم يكونوا ُب‬
‫الشاـ كمصر كالعراؽ يعرفوف شيئا يذكر عن التحوَلت الدينية كالسياسية كالعسكرية ُب غرب أكربا‬
‫كمشاؽبا آنذاؾ‪ ،‬مقارنة دبايعرفونو عن جّباهنم من البيزنطيْب كالسرياف كاْلرمن الذين ارتبطوا بعالقات‬
‫سلم كحرب معهم على مدل قركف‪ .‬كظنوا اف اعبيوش الصليبية الٍب قدمت من أعماؽ اكربا َلنتزاع‬
‫بيت اؼبقدس منهم‪ ،‬ؾبرد مرتزقة أكربيْب أرسلهم اإلمرباطور البيزنطي َلسَبداد شرؽ اْلناضوؿ‪،‬‬
‫كالتحرش بالقول اَلسالمية ُب مشاؿ الشاـ‪ ،‬كدل يفهموا أهنا قول غربية كاثوليكية مستقلة عن‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.186‬‬


‫‪ 2‬طقوش ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪ 3‬كردت أرقاـ متضاربة‪ ،‬كمبالغ فيها حوؿ العدد اغبقيقي الذم بلغو جيش الصليبيْب‪ ،‬فقد قدره فوشيو الشارترم‪ ،‬ككليم الصورم‬
‫بستمائة ألف شخص بْب مقاتل كمرافق‪ ،‬من بينهم مائة ألف فارس‪ ،‬كقدر مٌب الرىاكم خبمسمائة ألف رجل‪ ،‬كذكر ابن العدصل‬
‫أف عددىم بلغ ثالشبائة كعشرين ألف إنساف‪ ،‬كالعظيمي قدرىم بثالشبائة ألف‪ .‬كالراجح عند بعض اؼبؤرخْب‪ ،‬كالذم يبدك أنو أقرب‬
‫إذل اغبقيقة‪ ،‬أف عدد ا﵀اربْب الصليبيْب كاف يَباكح بْب ستْب ألف كمائة ألف شخص‪ ،‬يضاؼ إليو عدد كبّب من الزكجات‪،‬‬
‫كاْلطفاؿ‪ ،‬كاػبدـ كالوصيفات ‪( ...‬انظر ‪ :‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪237‬؛ العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪358‬؛ فوشيو‬
‫الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪98‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪192‬؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪73‬؛‬
‫رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)489-481 ،243‬‬
‫‪127‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫البيزنطيْب دينيا كسياسيا‪ ،‬كمشحونة بالدكافع الدينية كاغبماس العسكرم‪ 1.‬كحٌب ابن خلدكف الذم‬
‫كتب بعد ثالثة قركف من اْلحداث‪ ،‬اعتقد أف إمرباطور القسطنطينية البيزنطي إمبا ظبح للفرقبة بعبور‬
‫أرضو‪ ،‬ليجعل منهم حاجزا بينو كبْب القول اإلسالمية الَبكية الصاعدة‪ ،‬حيث قاؿ ‪" :‬كمركا [الفرنج]‬
‫بالقسطنطينية كعربكا خليجها كخلَّى صاحب القسطنطينية سبيلها [سبيلهم] ليحولوا بينو كبْب‬
‫‪2‬‬
‫صاحب الشاـ من السلجوقية كالغز فنازلوا أكَل أنطاكية"‪.‬‬

‫كاغبقيقة أف اْلكضاع السياسية كالعسكرية للسالجقة عشية كصوؿ الصليبيْب إذل آسيا‬
‫الصغرل‪ ،‬كانت زبتلف عما كانت عليو منذ عقد كنصف‪ ،‬حيث فقدكا ُب سنة ‪485‬ق‪1092/‬ـ‪،‬‬
‫رجلْب كاف ؽبما دكر كبّب ُب قياـ دكلتهم‪ ،‬اْلكؿ ىو السلطاف ملكشاه الذم كاف يعترب نفسو سلطانا‬
‫على صبيع السالجقة‪ ،‬كموحدا ْلسرىم حيثما كانوا ُب الشاـ أك ُب بالد الركـ أك ُب العراؽ أك ُب‬
‫خراساف‪ ،‬كلو عليهم سلطة كىيبة‪ ،‬كَل يعصى لو أمر‪ .‬كبعد كفاتو انفرط عقد الدكلة السلجوقية‪،‬‬
‫كفقدت كحدهتا كقوهتا‪ ،‬كانفرد كل أمّب بإقليمو‪ٍ ،‬ب اندلعت اغبركب بن ابِب ملكشاه‪ 3.‬كيلخص ابن‬
‫اْلثّب ىذه اغبالة ُب قولو ‪" :‬اغبركب تطاكلت بينهما كعم الفساد فصارت اْلمواؿ منهوبة كالدماء‬
‫مسفوكة كالبالد ـبربة كالقرل ؿبرقة كالسلطنة مطموعا فيها ؿبكوما عليها كأصبح اؼبلوؾ مقهورين بعد‬
‫أف كانوا قاىرين"‪ .4‬كالثاشل ىو نظاـ اؼبلك الطوسي‪ ،‬الذم يعد أبرز كزير سلجوقي‪ ،‬ؼبا سبيز بو من‬
‫براعة كقدرة فائقة ُب إدارة شؤكف الدكلة‪.‬‬

‫كَل تعود أسباب اهنزاـ السالجقة إذل قوة الصليبيْب فقط‪ ،‬بل تعود أيضا إذل تردم أكضاع‬
‫اؼبسلمْب عموما‪ ،‬كانشغاؿ السالجقة بقتاؿ بعضهم بعضا‪ ،‬كالدليل على ذلك‪ ،‬أنو ؼبا كصل‬
‫الصليبيوف إذل نيقية عاصمة قلج أرسالف‪ ،‬كاف ىذا اْلخّب ُب نزاع مع الدانشمند حاكم سيواس‪ .‬ففي‬
‫منازكرد كاف يقود السالجقة قائد كاحد‪ ،‬كؼبا كصل الفرنج إذل دكريليوـ "اتفق ؽبم اشتغاؿ عساكر‬

‫‪ 1‬الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.190-189‬‬


‫‪ 2‬ابن خلدكف ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.140‬‬
‫‪ 3‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ 4‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.220‬‬
‫‪128‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫اإلسالـ كملوكو بقتاؿ بعضهم بعضا فتفرقت حينئذ باؼبسلمْب اآلراء كاختلفت اْلىواء كسبزقت‬
‫اْلمواؿ"‪ 1.‬كىذه الظركؼ ستكوف مواتية لألرمن ليعملوا على بعث دكلتهم من جديد‪ ،‬فاتصلوا‬
‫بالصليبيْب كتعلقوا بأىدأّم‪ ،‬طمعا ُب زبليصهم من اْلتراؾ كالبيزنطيْب معا‪ ،‬فهل كاف الصليبيوف‬
‫(ؿبررين) لألرمن أـ أذاقوىم كأس الذؿ كاؽبواف ؟‬

‫ب– اتصاؿ الصليبيين باألرمن‬


‫لقد كاف اْلرمن كحدىم من بْب اؼبسيحيْب ا﵀ليْب الذين سبق ؽبم كأف تعرفوا على الفرقبة قبل‬
‫اغبملة الصليبية اْلكذل‪ 2،‬كلذؾ يبدك أف نشاطهم زاد بشكل ملحوظ بعد اؽبزيبة الٍب مِب ّٔا‬
‫السالجقة‪ ،‬كظهر تعاكف كبّب بينهم كبْب الصليبيْب‪ ،‬كبرزت دعوات من اؼبدف ذات اْلغلبية اْلرمينية‬
‫تدعوىم إذل القدكـ إليها‪ 3.‬كتعود اَلتصاَلت اْلكذل بْب اْلرمن كالصليبيْب إذل منتصف سنة‬
‫‪490‬ق‪1097/‬ـ‪ 4،‬حيث كطد بلدكين البولوشل )‪ُ (Baudouin de Boulogne‬ب مدينة نيقية‪،‬‬
‫أكاصر الصداقة مع قائد أرميِب اظبو بقراط )‪ ،(Bagrat‬كاف ُب كقت سابق أمّبا على قلعة الراكنداف‬
‫)‪ 5،(Rawandan‬الٍب انتزعها منو السالجقة‪ٍ ،‬ب التحق خبدمة اَلمرباطور ألكسيس كومنْب‪،‬‬
‫كبسبب خالؼ كقع بينهما‪ ،‬كجد نفسو مسجونا ُب القسطنطينية‪ ،‬كلكنو سبكن من الفرار‪ ،‬كالتحق‬
‫بالصليبيْب ُب نيقية‪ 6.‬كؼبس بلدكين ُب ىذا القائد اْلرميِب صفات ا﵀ارب اؼبقداـ كاؼبتمرس ُب القتاؿ‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.221‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Cahen Claude : Orient et Occident, p. 72.‬‬
‫‪3‬‬
‫السرجاشل راغب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪92‬؛ ‪Pasdermadjian H. : op. cit., p. 201.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Laurent J. : Des Grecs aux Croisés, p. 414.‬‬
‫‪5‬‬
‫الراكنداف )‪ : (Rawendan‬كردت ُب اؼبصادر كاؼبراجع اْلجنبية بصيغ ـبتلفة‪ ،‬مها )‪ ،(Arevèntan‬ك ‪(Ravendel ou‬‬
‫)‪ ،Ravandel‬ك)‪ ،(Ravenel‬قلعة صغّبة ُب اعبباؿ الشمالية الشرقية ْلنطاكية‪ ،‬بالقرب من هنر الفرات‪ ،‬تقع على رأس جبل‬
‫عاؿ منفرد ُب مكانو‪َ ،‬ل يصل إليها منجنيق‪ ،‬كَل يصل إليها نبل‪ ،‬كىي من أقول القالع‪( .‬انظر ‪ :‬ابن شداد ‪ :‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ؽ‪ ،2‬ص ‪94‬؛ ‪Dulaurier : op. cit., p. 87, note n° 1.‬‬
‫‪ 6‬يشّب بعض اؼبؤرخْب إذل أف بلدكين ىو الذم أطلق سراح بقراط‪ ،‬كمن ا﵀تمل أف يكوف ذلك ُب نيقية‪ ،‬كيرجح بعض اؼبؤرخْب‬
‫أف بلدكين كفر لو اغبماية بعد إطالقو من السجن‪( .‬أنظر ‪ :‬اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.).53‬‬
‫‪131‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫إضافة إذل معرفتو اعبيدة ؼبناطق سوريا كأرمينيا كاإلمرباطورية البيزنطية‪ 1،‬كيبدك أف العداكة اؼبشَبكة‬
‫بينهما للسلطات البيزنطية‪ ،‬كلألتراؾ معا‪ ،‬قد ساعدت كثّبا على التقارب بْب الرجلْب‪ .‬فالتحق بقراط‬
‫خبدمة بلدكين‪ ،‬كأصبح من مستشاريو‪ ،‬كاستغل ىذه الفرصة الٍب سنحت لو‪ ،‬ليلتمس منو تقدصل العوف‬
‫العسكرم لإلمارات اْلرمينية الواقعة قرب هنر الفرات الٍب سيمر ّٔا ُب طريقو‪ ،‬كمنها إمارة شقيقو كوغ‬
‫فاسيل )‪ ،(Kogh Vasil‬اؼبعركؼ بفاسيل اللص‪ .‬ككاف حريصا أكثر على أف يعيد لو بلدكين قلعة‬
‫الراكنداف بعد أف ينتزعها من اْلتراؾ‪ .‬كبناء على ىذه العالقات اؼبتينة مع بقراط‪ ،‬فقد اعترب بلدكين‬
‫نفسو أكرب صديق لألرمن‪ ،‬كمن اؼبمكن أف يكوف قد اتفق مع مستشاره اْلرميِب على إقامة إمارة‬
‫‪2‬‬
‫أرمينية صليبية ُب الشرؽ يتوذل حكمها‪.‬‬

‫كما تتحدث بعض اؼبصادر اْلرمينية عن كجود مراسالت بْب بعض اْلمراء اْلرمن كالصليبيْب‪،‬‬
‫بعد انتصارىم على قلج أرسالف ُب نيقية‪ ،‬فأرسل الصليبيوف رسالة إذل ثوركس اْلرميِب )‪،(Thoros‬‬
‫حاكم الرىا‪ ،‬كأخرل إذل قسطنطْب اْلكؿ من آؿ ركبْب‪ ،‬الذم كاف وبكم بعض اعبهات من جباؿ‬
‫طوركس‪ 3،‬بينما يذكر ميخائيل السرياشل أف اْلرمن ىم أكؿ من بادر دبراسلة الصليبيْب‪ 4.‬كإف دل تذكر‬
‫اؼبصادر فحول ىذه اؼبراسالت‪ ،‬فإهنا من دكف شك تعرضت إذل ضركرة التعاكف بْب اؼبسيحيْب‬
‫الشرقيْب كاؼبسيحيْب الغربيْب الذين جاؤكا تلبية لنداء إخواهنم‪ْ ،‬لف كال من الفرقبة كاْلرمن ُب حاجة‬
‫إذل بعضهم البعض‪ ،‬﵀اربة اْلتراؾ السالجقة‪.‬‬

‫كبعد رحلة شاقة ُب أرض موحشة‪ ،‬قاحلة جرداء‪ ،‬كخالية من السكاف‪ ،‬زادت حرارة الصيف‬
‫من صعوبتها‪ ،‬كصل الصليبيوف ُب بداية شهر رمضاف ‪490‬ق‪/‬منتصف أكت ‪1097‬ـ‪ 5،‬إذل مدينة‬
‫قونية الٍب ازبذىا قلج أرسالف عاصمة جديدة لسلطنتو‪ ،‬كلكنهم تفاجأكا بوجودىا مهجورة إَل من‬

‫‪1‬‬
‫عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪61-60‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 124.‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪280‬؛‬
‫‪Dulaurier : op. cit., t. I, p. 35, note n° 2; Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 402.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 216.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 183.‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪130‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫بعض اْلرمن اؼبقيمْب بالقرب منها‪ ،‬إذ أخلى اْلتراؾ مدينتهم‪ ،‬كعبأكا إذل اعبباؿ بكل ما لديهم من‬
‫منقوَلت كأمتعة‪ ،‬كدل ير الصليبيوف ما يدؿ على أف السالجقة اعتزموا الدفاع عنها‪ 1.‬كلذلك اطمأنوا‬
‫إليها‪ ،‬كاسَباحوا فيها أياما‪ ،‬كقد كصفها اؼبؤرخ آّهوؿ بأهنا «منطقة خصيبة تفيض باؼبأكوَلت‬
‫كاْلطاييب كتزخر بشٌب أنواع اغبياة»‪ 2،‬كىذا يدؿ على أف اْلتراؾ دل يدمركا ما ُب اؼبدينة من ينابيع‬
‫كبساتْب‪ ،‬كؼبا أراد الصليبيوف مغادرة اؼبدينة‪ ،‬نصحهم اْلرمن أف وبملوا معهم كميات كفّبة من اؼباء‪،‬‬
‫ْلهنم سيفتقدكنو مسّبة يوـ كامل‪ 3.‬كمن قونية اذبو الصليبيوف إذل ىرقلة )‪ ،(Héraclée‬حيث‬
‫اصطدموا بالدانشمنديْب‪ .‬كبعد أف اسَباحوا فيها أربعة أياـ‪ 4،‬تناقشوا حوؿ الطريق الذم سيسلكونو‬
‫‪6‬‬
‫إذل أنطاكية‪ 5،‬ككاف ىناؾ طريقاف ‪:‬‬

‫اْلكؿ ‪ :‬من ىرقلة إذل الطوانة‪ٍ ،‬ب ىبَبؽ جباؿ طوركس إذل طرسوس ُب سهل قيليقيا ٍب أذنة‪ٍ ،‬ب‬
‫اؼبصيصة‪ ،‬فأنطاكية‪ ،‬كىو طريق قصّب‪ ،‬كلكنو شديد اَلكبدار كالضيق‪ ،‬كمن السهل على اْلتراؾ الذين‬
‫وبتفظوف حباميات ُب بعض اؼبدف‪ ،‬تنصيب الكمائن بأعارل اعبباؿ‪ ،‬كتوجد بو صباعات أرمينية ُب‬
‫‪7‬‬
‫بعض القالع كاغبصوف‪.‬‬

‫الثاشل ‪ :‬كىو طريق طويل يلتف حوؿ جباؿ طوركس من جهة الشماؿ‪ ،‬كيبدأ من ىرقلة إذل‬
‫قيصرية‪ٍ ،‬ب مرعش بعد اجتياز جبل اللكاـ‪ٍ ،‬ب ينحدر عرب درب كاسع إذل سهل أنطاكية‪ ،‬كقد ظبتو‬
‫أنَّا كومينا "الطريق السريع"‪ 8.‬كمن مزاياه أنو هبتاز مدنا ُب كبادككيا‪ ،‬وبكمها مسيحيوف‪ ،‬من أمراء‬

‫‪ 1‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.135‬‬


‫‪ 2‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 3‬نفسو‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫نفسو؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 107.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 105.‬‬
‫‪ 6‬انظر اؼبلحق الثاشل عشر ص ‪.485‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grousset René : loc. cit.‬‬
‫‪ 8‬كومينا أنَّا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.46‬‬
‫‪131‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫اْلرمن‪ ،‬كمعظمهم من اؼبوالْب لإلمرباطور‪ ،‬كقد أكصى تاتيكيوس ‪-‬القائد البيزنطي اؼبرافق للحملة‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫الصليبيْب بازباذ ىذا الطريق‪.‬‬

‫قررت الغالبية أف تسلك الطريق الثاشل‪ ،‬كعلى رأسهم جودفرم البويوشل‪ ،‬كبوىيموند‪ ،‬كريبوند‪،‬‬
‫كمعو أدىيمار‪ ،‬اؼبندكب البابوم‪ 2،‬بينما عزـ تانكرد‪ ،‬كبلدكين –شقيق جودفرم‪ -‬أف ينفصال دبن‬
‫معهما من اعبند عن اعبيش الرئيسي‪ ،‬كهبتازا الطريق الثاشل اؼبؤدم مباشرة إذل قيليقيا‪ 3،‬حيث يوجد‬
‫أمراء أرمن‪.‬‬

‫كالسؤاؿ اؼبطركح ىنا‪ ،‬دل انقسم اعبيش الصلييب إذل ؾبموعتْب‪ ،‬رغم أف الطريق اْلكؿ ىو‬
‫اْلقصر ؟‪ 4‬كلعل تفسّب ذلك‪ ،‬أف البيزنطيْب َلزالوا متعاكنْب مع أغلب قادة الصليبيْب‪ ،‬كَلزالت‬
‫اْلىداؼ اؼبشَبكة بينهما قائمة‪ .‬فهم يريدكف اَلستفادة من اعبيش الصلييب‪ ،‬كاستعادة اؼبدف كاؼبناطق‬
‫الٍب يسيطر عليها السالجقة ُب إقليمي كبادككيا‪ ،‬كالفرات‪ ،‬كإعادهتا إذل اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كما‬
‫حدث ُب نيقية‪ .‬كىو أمر متفق عليو منذ أداء اليمْب ُب القسطنطينية أماـ اَلمرباطور ألكسيس‬
‫كومنْب‪ ،‬كسيستفيدكف كثّبا من اْلرمن الذين عمركا تلك اؼبنطقة كاستقركا فيها‪ ،‬كىم يشكلوف عنصرا‬
‫‪5‬‬
‫قويا كمساعدا إلعادة احتالؿ اؼبنطقة من طرؼ البيزنطيْب‪.‬‬

‫أما تانكرد كبلدكين فقد كانا متعطشْب لتأسيس إمارات فرقبية أرمينية ُب قيليقيا‪ ،‬ككالنبا كاف‬
‫يرل أف اغبملة (اؼبقدسة) ليست إَل مطية‪ ،‬لتحقيق مآرّٔما السياسية‪ 6.‬ككاف تانكرد من أشد‬
‫اؼبعارضْب َلزباذ الطريق الثاشل الدائرم‪ْ ،‬لنو دل يؤد يبْب الوَلء كالتبعية لإلمرباطور البيزنطي‪ ،‬كما فعل‬
‫بقية القادة الصليبيْب‪ .‬فهو ُب حل من القسم‪ ،‬كغّب ملزـ بإعادة اؼبدف كاؼبناطق الٍب يستورل عليها من‬

‫‪ 1‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪270‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.136‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 107-108.‬‬
‫‪ 3‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 4‬لتفاصيل أكثر تتعلق بالطريق الذم سلكو كال اعبيشْب كأىم اؼبدف كالقالع الٍب مركا ّٔا‪ ،‬أنظر ‪:‬‬
‫‪Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 403-406; Mutafian : La Cilicie, t. I, pp. 293-335.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset René : op. cit., t. I, p. 108.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Ibid., t. I, p. 113.‬‬

‫‪132‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫السالجقة‪ ،‬إذل البيزنطيْب‪ ،‬كمن شبة فهو حر ُب تصرفاتو‪ 1.‬كما أف بقراط الذم لو معرفة جيدة‬
‫كعميقة بالدركب يرافقهما ُب رحلتهما إذل قليقيا‪ ،‬كُب طريقهما تقع قلعة الراكنداف الٍب كاف وبكمها‬
‫‪2‬‬
‫سابقا‪.‬‬

‫‪ -4‬في الطريق إلى أنطاكية‬


‫ؼبا قرر تانكرد اَلنفصاؿ عن اعبيش الرئيسي للصليبيْب ُب ىرقلة‪ ،‬كسلك طريقا آخر ليؤسس‬
‫لنفسو إمارة ُب قيليقيا‪ .‬رأل بلدكين أف ىذه اػبطوة تشكل خطورة على أطماعو‪ ،‬كأف حلمو ُب‬
‫تأسيس إمارة فرقبية أرمينية‪ ،‬سيتعرض ؼبنافسة شديدة‪ .‬كلذلك رأل أنو من اغبماقة أف يسمح ْلمّب‬
‫غريب سواه‪ ،‬أف يكوف أكؿ من يتوجو حبملة إذل بالد يشكل فيها اْلرمن نسبة كبّبة من سكاهنا‪ ،‬كىذا‬
‫‪3‬‬
‫حبكم أكاصر الصداقة الٍب توطدت بينو كبْب بقراط ُب نيقية‪.‬‬

‫ازبذ تانكرد الطريق اؼبباشر من ىرقلة إذل سهل قيليقيا‪ ،‬عٍبػىر منطقة خصبة‪ ،‬ربوم مدنا كقالعا‬
‫كثّبة‪ ،‬كانت ؿبل صراع كنزاع بْب السالجقة كاْلرمن‪ ،‬دكف اغبديث عما تطالب بو الدكلة البيزنطية‬
‫من حقوؽ ىناؾ‪ 4.‬ككاف اْلرمن قد استقركا فيها بأعداد كبّبة بعد معركة منازكرد‪ ،‬كأسسوا فيها‬
‫إمارات صغّبة حكمها بعض اؼبغامرين أك اؼبوظفْب‪ ،‬منهم فيالريت الذم امتدت سلطتو على رقعة‬
‫كاسعة‪ ،‬كاستقر بو اؼبقاـ ُب أكاخر حياتو دبدينة مرعش‪ ،‬كبوفاتو ما لبثت دكلتو أف اقتسمها نوابو الذين‬
‫أصبحوا وبكموف مدف قيليقيا مستقلْب عن بعضهم البعض‪ .‬كمنهم أكشْب‪ُ ،‬ب ؼبربكف‪ ،‬كركبْب كابنو‬
‫قسطنطْب اْلكؿ ُب كوبيتار‪ ،‬فضال عن اؼبدف الٍب فتحها السالجقة‪ ،‬كأصبحت من فبتلكلتهم‪.‬‬

‫كفبا سهل عملية توغل اعبيش الصلييب ُب إقليم قيليقيا‪ ،‬ىو كجود مرشدين كأعواف أرمن‪ ،‬كانوا‬
‫مرافقْب لتانكرد كبلدكين البولوشل‪ُ ،‬ب غزكنبا لقيلقيا‪ 5،‬كما كاف معظم سكاف اؼبدف كالقالع ُب ىذا‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 113.‬‬
‫‪ 2‬أنظر اؼبلحق الثاشل عشر‪ ،‬ص ‪ ،485‬كاؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.280‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset René : loc. cit.‬‬
‫‪ 5‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ العالقات بْب الشرؽ كالغرب‪ ،‬ص ‪.127-126‬‬
‫‪133‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫اإلقليم مسيحيْب أرمن كسرياف كبيزنطيْب‪ .‬أما اْلتراؾ السالجقة‪" ،‬فكانت ؽبم الغلبة اغبربية ؼبهارهتم‬
‫ُب استعماؿ السالح‪ ،‬كالذين كانت حراسة اغبصوف موكلة إليهم"‪ 1،‬كىم بذلك يشكلوف أقلية من‬
‫حيث الدين كاعبنس‪ ،‬ككانت مهمتهم تقتصر على حراسة اؼبدف أك اغبصوف‪.‬‬

‫أ – األرمن في طرسوس‬
‫‪2‬‬
‫كانت طرسوس أكؿ مدينة كصل إليها تانكرد ُب ‪ 12‬شواؿ ‪490‬ق‪ 21/‬سبتمرب ‪1097‬ـ‪،‬‬
‫"كىي أىم مدف تلك الوَلية"‪ 3،‬ككجد ّٔا حامية تركية مرابطة‪ ،‬بادرت دبهاصبة الصليبيْب‪ ،‬كلكنها‬
‫اهنزمت‪ ،‬كارتدت مسرعة إذل داخل اؼبدينة‪ .‬فنصب تانكرد معسكره أماـ بأّا‪ 4،‬كأرسل يطلب اؼبدد‬
‫من اعبيش الرئيسي‪ 5،‬كدخل ُب اتصاؿ مع أىل طرسوس من اْلرمن عن طريق أرميِب كاف ُب‬
‫‪6‬‬
‫معسكره‪ ،‬كعده بأف يطلب من سكاهنا أف يسلموا اؼبدينة للقائد تانكرد‪ُ ،‬ب أكؿ فرصة تتاح ؽبم‪،‬‬
‫كاتفق معهم على رفع رايتو على أحد اْلبراج رمزا َلعَبافهم باػبضوع لو‪ .‬كبعد ثالثة أياـ من اغبصار‪،‬‬
‫كبينما اؼبفاكضات أكشكت على هنايتها‪ ،‬كصل بلدكين جبيشو‪ ،‬كانضم إذل تانكرد‪ ،‬فأصيبت اغبامية‬
‫‪7‬‬
‫السلجوقية بالفزع ؼبا تنب ؽبا أف الصليبيْب يفوقوهنم عددا‪ ،‬فانتظرت حلوؿ الظالـ كَلذت بالفرار‪.‬‬

‫كمع بداية اليوـ اؼبوارل‪ ،‬بدأت اؼبطامع الشخصية للقادة تطل بوجهها القبيح‪ 8.‬فبعد أف فتح‬
‫اْلرمن الباب أماـ الفرقبة‪ ،‬تفاجأ بلدكين كرفاقو براية تانكرد ترفرؼ على أعلى برج ُب اؼبدينة‪ 9،‬كأدرؾ‬
‫أنو َل يريد تسليمها للبيزنطيْب‪ ،‬بل يريد اَلحتفاظ ّٔا لنفسو‪ ،‬كغزك قيليقيا غبسابو اػباص‪ ،‬خاصة‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.236‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 115.‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.235‬‬
‫‪ 4‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 5‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.281‬‬
‫‪ 6‬ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ 7‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪45‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪ 8‬قاسم قاسم عبده ‪ :‬اػبلفية اْليديولوجية للحركب الصليبية‪ ،‬دراسة عن اغبملة اْلكذل ‪1099-1095‬ـ‪ ،‬عْب للدراسات‬
‫كالبحوث اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬القاىرة‪ .1999 ،‬ص ‪.163‬‬
‫‪9‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 112.‬‬

‫‪134‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫كأنو غّب مقيد بأم التزاـ ذباه الدكلة البيزنطية‪ ،‬إذ دل يكن بصحبة تانكرد أحد من اؼبوظفْب‬
‫البيزنطيْب‪ 1.‬فنازعو‪ ،‬كطلب منو أف تنتقل طرسوس لسلطتو قسرا‪ ،‬فاستشاط تانكرد غيظا‪ ،‬ك"أكشك‬
‫فيو كل منهما أف يقاتل صاحبو‪ ،‬كيفتك بو"‪ 2.‬ككاف اْلرمن يفضلوف أف تكوف اؼبدينة من نصيب‬
‫تانكرد‪ 3.‬فهددىم بلدكين بتخريبها كهنبها إف دل يبادركا إذل إنزاؿ راية تانكرد كاستبداؽبا برايتو‪ 4.‬لكن‬
‫بقراط الذم كاف يرافقو‪ ،‬نصحو بَبؾ طرسوس‪ ،‬كالتوجو إذل الرىا‪ ،‬إلقامة إمارة لنفسو ىناؾ‪ 5.‬كؼبا رأل‬
‫تانكرد أف بلدكين أكثر قوة كعدة‪ ،‬كأنو َل يبلك من القوة ما يواجو بو خصمو‪ ،‬كظم غيظو‪ ،‬كقرر‬
‫اَلنسحاب جبيشو‪ ،‬كتوجو شرقا كبو أذنة‪ 6.‬كما كاد بلدكين يتخلص من تانكرد كيسَبيح مع جنوده‪،‬‬
‫حٌب كصل ُب مساء اليوـ التارل‪ ،‬إذل اؼبدينة فرقة من ثالشبائة من النورماف‪ ،‬أرسلهم بوىيموند استجابة‬
‫للنجدة الٍب طلبها تانكرد‪ ،‬كلكن بلدكين رفض أف يفتح ؽبم الباب‪ ،‬كإمدادىم بالزاد‪ ،‬حبجة أنو اتفق‬
‫مع اْلرمن أف َل يسمح ْلم جيش بدخوؿ اؼبدينة قبل كصوؿ أخيو جودفرم‪ ،‬كأجربىم على اؼببيت‬
‫خارج أسوارىا‪ .‬كُب الليل قاـ اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬الذين غادركا اؼبدينة ككانوا يطوفوف بالقرل آّاكرة‪،‬‬
‫ّٔجوـ مباغت كقضوا على الفرقة عن آخرىا‪ 7.‬كضبَّل اعبيش الصلييب بلدكين كصباعتو‪ ،‬مسؤكلية ما‬
‫‪8‬‬
‫حدث إلخواهنم‪ ،‬كتعرض للوـ شديد‪.‬‬

‫أظهرت ىذه الوقائع الوجو اغبقيقي لقادة اغبملة الصليبية‪ ،‬كالنزعة اَلستعمارية الٍب يتحلوف ّٔا‪.‬‬
‫فقد كاف ىدفهم إقامة مستعمرات فرقبية أرمينية مستقلة عن الدكلة البيزنطية‪ ،‬ككجدكا ُب السكاف‬

‫‪ 1‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.282‬‬


‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.238‬‬
‫‪3‬‬
‫مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪45‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 112.‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.238‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 115.‬‬
‫‪6‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪238‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 114-115.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 116-118.‬‬
‫‪ 8‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.243‬‬
‫‪135‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫اْلرمن عنصرا مسيحيا ؿبليا قويا‪ ،‬كدل يكونوا يأملوف إَل ُب إقامة دكلة فرقبية خاصة‪ ،‬كَل يوجد تفسّب‬
‫‪1‬‬
‫آخر ؽبذا التعاكف الفرقبي اْلرميِب‪.‬‬

‫ب – األرمن في أذنة‬
‫اذبو تانكرد إذل مدينة أذنة ُب أكاخر شواؿ ‪490‬ق‪/‬سبتمرب ‪1097‬ـ‪ ،‬استجابة لطلب أحد‬
‫اْلمراء اْلرمن ُب قيليقيا‪ ،‬كىو أكشْب ‪-‬أمّب ؼبربكف‪ -‬الذم قاـ حديثا باإلغارة على اؼبدينة‪ 2.‬كبالتزامن‬
‫مع ىذا تعرضت اؼبدينة لغارة أخرل‪ ،‬قاـ ّٔا فارس صلييب اظبو ًكلٍف )‪ ،(Welf‬انفصل عن اعبيش‬
‫الصلييب الرئيسي‪" ،‬كصبع إليو حشدا كثيفا من الناس البرطوا ربت رايتو"‪ 3،‬يلتمس الكسب كالغنيمة‪،‬‬
‫فتعاكف مع أكشْب كسبكنا من طرد اغبامية الَبكية الٍب كانت ترابط ّٔا‪ 4.‬كيبدك أف اْلمّب اْلرميِب‬
‫استقل بالقلعة‪ ،‬كاحتفظ كلف باؼبدينة‪ 5.‬كؼبا كصل تانكرد إذل أسوار اؼبدينة‪ ،‬رحب بو كلف‪ ،‬كزكده‬
‫باؼبؤكنة‪ٍ 6،‬ب التقى باْلمّب أكشْب‪ ،‬كدار بينهما حديث طويل‪ ،‬فسألو متعجبا كمندىشا عن مدل‬
‫القوة العسكرية الٍب يبلكها‪ ،‬كالطريقة الٍب مكنتو من اغبفاظ على ىذه اؼبدينة‪ ،‬كاؼبدف اْلخرل الٍب‬
‫ربت سلطتو كسط عدد كبّب من اْلتراؾ الذين يناصبونو العداء‪ .‬فأجابو أكشْب بأنو يسكن اعبباؿ‬
‫كيشعر فيها حبريتو‪ ،‬كلكنو كاف حزينا لرؤيتو اؼبسيحيْب خاضعْب غبكم اْلتراؾ اؼبسلمْب‪ ،‬كلذلك كاف‬
‫‪7‬‬
‫يتحْب صبيع الفرص للعمل على ربريرىم من نّب اْلتراؾ السالجقة‪.‬‬

‫كيبدك أف تانكرد ضاعت منو فرصة اَلستيالء على أذنة‪ ،‬كَل يستطيع أف ينازع فيها أمّبا‬
‫مسيحيا ؿبليا كسط شعبو كأىلو‪ ،‬فأراد ذبربة حظو ُب مدينة أخرل من مدف قيليقيا‪ .‬كقبل أف يغادر‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 118.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Raoul de Caen : Faits et gestes du prince Tancrède pendant l'expédition de Jérusalem, chez‬‬
‫‪J.-L.-J. Brière, Librairie, Paris, 1852. p. 80.‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.239‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 115.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arménien entre Grecs, t. II, p. 672.‬‬
‫‪6‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪239‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 115.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Raoul de Caen : op. cit., pp. 81-86.‬‬

‫‪136‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫أذنة نصحو‪ ،‬أكشْب بالتوجو إذل مدينة اؼبصيصة حيث صبيع سكاهنا من اْلرمن‪ ،‬كىم يتطلعوف‬
‫بشغف إذل التخلص من قبضة اْلتراؾ‪ 1.‬كردبا أرسل معو أعوانا كمرشدين ليدلوه على الطريق‪ ،‬كمن‬
‫ا﵀تمل أف يكوف غرضو من ذلك‪ ،‬أف يصرؼ نظر تانكرد عن اؼبصيصة الٍب أصبحت خالصة لو‪،‬‬
‫كيوجهو كبو دائرة نفوذ خصمو كغريبو الذم خرج من مرتفعات طوركس يتوسع‪ ،‬كىو قسطنطْب‬
‫‪2‬‬
‫الركبيِب‪.‬‬

‫ج – األرمن في المصيصة‬
‫كصلها تانكرد ُب أكائل شهر أكتوبر‪" ،‬كىي كاحدة من أركع مدف ىذا اإلقليم‪ ،‬كالٍب نالت‬
‫حظا من الشهرة بفضل أسوارىا‪ ،‬كأبراجها‪ ،‬ككثرة سكاهنا"‪ 3.‬كبعد يوـ كليلة من اغبصار‪ ،‬حاكلت‬
‫فيها اغبامية الَبكية الدفاع عن أسوار اؼبدينة‪ ،‬كؼبا عجزت‪ ،‬انسحبت خالؿ الليل‪ ،‬فقاـ اْلرمن كبدكف‬
‫تردد بفتح اْلبواب للصليبيْب‪ .‬كيتحدث اؼبؤرخ راؤكؿ دم كْب )‪ ،(Raoul de Caen‬عن اتفاقية‬
‫أبرمها تانكرد مع أىل اؼبصيصة‪ ،‬دكف أف يعطي تفاصيل عن فحواىا‪ .‬كمن دكف شك أف سكاف‬
‫اؼبدينة‪ ،‬كىم صبيعا من اْلرمن‪ ،‬سلموىا لو عن طيب خاطر؛ ْلنو أضاؼ يقوؿ ‪ :‬أهنم انقادكا لو كىم‬
‫‪4‬‬
‫ُب غاية اَلبتهاج كالسركر‪ .‬كيبدك أنو أصبح فعال حاكما على اؼبدينة‪.‬‬

‫كما كاد تانكرد يستقر ُب اؼبصيصة حٌب كصل بلدكين جبيشو من طرسوس‪ ،‬بعد أف ترؾ فيها‬
‫حامية صليبية‪ ،‬كلكن تانكرد رفض أف يفتح لو أبواب اؼبدينة‪ ،‬ما جعلو يضرب معسكره ُب البساتْب‬
‫ا﵀يطة ّٔا‪ٍ 5.‬ب حدث صداـ بْب القوتْب‪ ،‬خلف عدة قتلى كجرحى‪ ،‬كأسر كل فريق رجاَل من الفريق‬
‫‪6‬‬
‫اآلخر‪ ،‬كُب اليوـ اؼبوارل اتفق الطرفاف على كقف القتاؿ بينهما‪ ،‬كتصاغبا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 116.‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.283‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.239‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Raoul de Caen : op. cit., p. 87.‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.244‬‬
‫‪6‬‬
‫اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪245‬؛ ‪Raoul de Caen : op. cit., p. 93; Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 123.‬‬

‫‪137‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫ٍب خرج تانكرد يتوسع كيضم إليو عدة قالع كحصوف ُب جباؿ اْلمانوس حٌب بلغ‬
‫اَلسكندركنة‪ 1،‬كدمر القسم الشرقي من قيليقيا‪ .‬كعندما أحس قادة اْلرمن كاْلتراؾ ُب اؼبنطقة‬
‫بتفوقو‪ ،‬تقدموا إليو حفاظا على فبتلكاهتم "فراح كل ينافس اآلخر ُب سرعة اؼببادرة بإرساؿ الرسل‬
‫إليو‪ ،‬ؿبملْب باؽبدايا الثمينة"‪ 2،‬عساىم يكسبوف كده كصداقتو‪ .‬كُب ذلك يقوؿ ابن القالنسي إف‬
‫الفرقبة "افتتحوا ُب طريقهم بعض الثغور كالدركب"‪ 3.‬كاتضح ىنا أف اعبماعات الصليبية القادمة من‬
‫أكربا‪ ،‬دل تكن الفكرة الدينية ىي ا﵀رؾ اْلكؿ ؽبا ُب زحفها على الشرؽ اإلسالمي‪ ،‬كإمبا ربركها‬
‫أطماع سياسية‪ ،‬كرغبات شخصية تتمثل ُب إنشاء إمارات فرقبية ُب الشرؽ‪.‬‬

‫كيبدك أف بلدكين قد أدرؾ أف مستقبلو السياسي ليس ُب قيليقيا‪ .‬كردبا نبهو بقراط إذل أنو‬
‫سيكوف قريبا من سلطة اَلمرباطور البيزنطي‪ ،‬كمن اْلفضل مواصلة السّب شرقا‪ 4،‬كبو ملطية‪،‬‬
‫كظبيساط‪ ،‬كمرعش‪ ،‬كعْب تاب‪ ،‬كتل باشر‪ ،‬كالرىا‪ ،‬حيث يوجد بعض الزعماء اْلرمن الذين كانوا من‬
‫أتباع فيالريت‪ ،‬كىم الذين حلوا ؿبلو ُب تلك اؼبدف بعد أف هتاكت دكلتو‪ ،‬أماـ ضربات السالجقة‪.‬‬
‫ككاف أكلئك القادة اْلرمن ُب حاجة شديدة إذل مساعدة الصليبيْب ؽبم‪.‬‬

‫د – األرمن في مرعش‬
‫كقبل اغبديث عن التعاكف الصلييب اْلرميِب ُب مدينة مرعش‪َ ،‬ل بد من تتبع خط سّب اعبيش‬
‫الرئيسي للصليبيْب الذم سلك الطريق الثاشل اؼبلتف حوؿ جباؿ طوركس من الشماؿ‪ .‬كيبدك أف‬
‫اْلرمن كانوا متغلبْب ُب تلك اْلكباء‪ ،‬حيث يتحدث اؼبؤرخ آّهوؿ‪ ،‬عن كصوؿ الصليبيْب إذل تلك‬
‫اؼبنطقة قائال‪" ،‬كدخلوا بالد اْلرمن"‪ 5،‬فاستولوا كىم ُب طريقهم من ىرقلة إذل قيصرية‪ ،‬على عدة‬
‫مدف كقرل صغّبة‪ ،‬كسلموىا إذل أمّب أرميِب اظبو ظبعاف )‪ ،(Simon‬كىو من "أىل البلد‪ ،‬فسأؽبم‬

‫‪1‬‬
‫‪Raoul de Caen : op. cit., p. 94.‬‬
‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.247‬‬
‫‪ 3‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.256‬‬
‫‪ 5‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪138‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫أف يكلوا إليو أمر الدفاع عن تلك البقعة من اْلرض ضد ؿباكَلت أعدائو من الَبؾ‪ ،‬فمنحو الفرقبة‬
‫إياىا‪ ،‬كأقاـ ّٔا مع أبناء جنسو"‪ 1.‬كيدؿ ذلك أف ظبعاف كاف من اؼبوالْب لإلمرباطور البيزنطي‪،‬‬
‫فحكمو لتلك القرل كاؼبدف كاف باسم اَلمرباطور‪ ،‬كلو كاف غّب ذلك لسلموا تلك القرل إذل‬
‫تاتيكيوس )‪ ،(Tatikios‬فبثل اَلمرباطور الذم كاف مرافقا للحملة‪.‬‬

‫كؼبا بلغ الصليبيوف مدينة كومانا )‪ ،(Placentia‬فر الَبؾ الدانشمنديوف الذين كانوا وباصركهنا‬
‫منذ ثالثة أسابيع‪ ،‬ككاف سكاف اؼبدينة من اْلرمن‪ ،‬فاستقبلوا الفرقبة كىم ُب أشد الفرح؛ ْلهنم‬
‫أنقذكىم من الَبؾ‪ .‬كُب شهر شواؿ ‪490‬ق‪/‬اكتوبر ‪1097‬ـ‪ ،‬بلغوا مدينة كوكسن )‪،(Coxon‬‬
‫ففتح ؽبم اْلرمن أبوأّا‪ ،‬كأظهركا ؽبم الود كالصداقة‪ .‬كبعد ثالثة أياـ قضاىا الصليبيوف ُب اؼبدينة بْب‬
‫اْلرمن التماسا للراحة‪ ،‬تزكدكا بكميات كافرة من اؼبؤف‪ٍ ،‬ب كاصلوا طريقهم كبو أنطاكية‪ 2،‬كىكذا فإف‬
‫الصداقة الفرقبية اْلرمينية‪ ،‬اتضحت منذ أكؿ اتصاؿ بأهنا عمل دائم‪ ،‬كأف عنصر اْلىارل اْلرمن‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫يظهر ُب كل مكاف أنو ركيزة مستقبل الشرؽ الالتيِب‪.‬‬

‫ككاف الطريق اعببلي الصعب‪ ،‬من كوكسن إذل مرعش‪ ،‬من أشق ما ربتم على الصليبيْب أف‬
‫يصادفوه‪ 4،‬كبتاريخ ‪ 5‬ذم القعدة ‪490‬ق‪ 13/‬اكتوبر ‪ ،1097‬بلغوا مدينة مرعش‪ .‬كقد كانت ىذه‬
‫اؼبدينة –فيما سبق‪ -‬نواة للدكلة الٍب أقامها فيالريت بعد معركة منازكرد‪ ،‬كؼبا فقد فبتلكاتو على يد‬
‫السالجقة‪ ،‬سبكن من اَلحتفاظ ّٔا إذل غاية كفاتو سنة ‪483‬ق‪1090/‬ـ‪ 5،‬كمن ا﵀تمل أف تكوف‬
‫قد انتقلت إذل أبنائو‪ 6.‬كيبدك أف اْلتراؾ استولوا عليها فيما بعد‪ ،‬ككانت بأيديهم قبيل كصوؿ‬

‫‪ 1‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.46-45‬‬


‫‪ 2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.47-46‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 109.‬‬
‫‪ 4‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.272‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset René : loc. cit.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : Thathoul archonte des archontes, R.E. Byz., t. 48, n° 1, Institut‬‬
‫‪français d'études byzantines, Paris, 1990. p. 241.‬‬
‫‪141‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫الصليبيْب إليها‪ 1.‬كَل تذكر اؼبصادر‪ ،‬أف اعبيش الصلييب كجد مقاكمة من قبل اغبامية الَبكية اؼبرابطة‬
‫ُب اؼبدينة‪ ،‬فبا يدؿ أهنا استسلمت لو أك فرت من أمامو كما فعلت ُب اؼبدف اْلخرل‪ .‬كقد بقيت‬
‫مدينة مرعش أرمينية بسكاهنا‪ ،‬كبوصوؿ الصليبيْب إليها‪" ،‬خف سكاهنا َلستقبالنا فرحْب غاية‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫ككَب الصليبيوف بقسمهم كسلموا‬
‫الفرح"‪ ،‬كاعتربكىم منقذين ؽبم كضباة للمسيحية ُب تلك اعبهات‪َّ .‬‬
‫اؼبدينة للسلطات البيزنطية‪ .‬كدل يكن مع تاتيكيوس كىو فبثل اَلمرباطور ألكسيس كومنْب‪ ،‬ما يكفي‬
‫من اعبنود لتنصيب حامية بيزنطية ُب اؼبدينة‪ ،‬كلذلك قرر أف يعْب على رأسها أمّبا أرمينيا يعترب‬
‫صديقا لالمرباطورية‪ 4،‬اظبو ثاتوؿ )‪ 5،(Thatoul‬كاف من قبل موظفا بيزنطيا‪ ،‬كنصبو حاكما على‬
‫اؼبدينة كمنحو لقب أمّب اْلمراء‪( 6‬باْلرمينية إيشخاف اإليشخانات)‪ 7.‬كيدؿ ىذا اللقب على أف‬
‫عددا من اْلمراء اْلرمن الذين كانوا وبكموف ؾبموعة من القالع كالقرل‪ ،‬كاؼبدف الصغّبة آّاكرة ؼبدينة‬
‫مرعش‪ ،‬قد دخلوا ربت سلطتو‪ ،‬على أف وبكمها ثاتوؿ باسم البيزنطيْب‪.‬‬

‫كبعد أف تصاحل بلدكين كتانكرد ُب اؼبصيصة‪ ،‬اذبو بلدكين جبيشو كبو الشرؽ ليلتحق بأخيو‬
‫جودفرم كمن معو من قادة اعبيش الصلييب عند مدينة مرعش‪ ،‬كدل يبق معهم إَل أياما قليلة‪ .‬فحينما‬
‫توجو اعبيش الرئيسي جنوبا صوب انطاكية‪ ،‬انفصل عنو كعجل باؼبسّب كبو الشرؽ صوب هنر‬
‫الفرات‪ ،‬لعلو يوفق ُب تأسيس إمارة فرقبية أرمينية حيث فشل ُب قيليقيا‪ 8.‬كاغبقيقة أف حركتو ذباه‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.265‬‬


‫‪ 2‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.136‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cheynet Jean-Claude : Thathoul, p. 241.‬‬
‫‪ 5‬ثاتوؿ أك ثاثوؿ ‪ :‬معناه باللغة اْلرمينية الساقْب اْلماميتاف (اليدين) للحيواف‪ ،‬كرمز لركح اؼببارزة‪ ،‬ككاف مٌب الرىاكم يسميو الركماشل‪،‬‬
‫ْلنو ردبا اعتنق مبادئ الكنيسة البيزنطية‪ ،‬كردبا كاف أحد أبناء جاجيك ملك قارص‪ ،‬الذم قتل من طرؼ السلطاف طغرؿ بك سنة‬
‫‪1053‬ـ‪ ،‬دل يكن بيزنطيا‪ ،‬كدل يأت إذل مدينة مرعش مع الصليبيْب كَل مع البيزنطيْب الذين قدموا إذل اؼبدينة فبا يدؿ على أنو كاف‬
‫موجودا ّٔا قبل قدكـ الصليبيْب‪ ،‬كردبا كاف وبكمها أيضا‪ ،‬كردبا عينو فيالريت حاكما لبعض القالع آّاكرة ؼبرعش‪( .‬أنظر ‪:‬‬
‫‪)Cheynet Jean-Claude : op. cit., pp. 236-242.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 230.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grousset René : L'Empire du Levant, p. 184.‬‬
‫‪ 8‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪285‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪140‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫الشرؽ رغم ما ربملو من إصرار كطموح شخصي‪ ،‬دل تكن لتحصل لوَل موافقة قادة اعبيش الصلييب‬
‫الرئيسي الذين أذنوا لو باَلنفصاؿ عنهم‪ ،‬بعد أف تعهد ؽبم بأف يسلك أكؿ اْلمر طريقا موازيا للطريق‬
‫الذم يسلكو اعبيش الرئيسي‪ ،‬كَل يبعد عنو إَل بضعة أمياؿ للشرؽ‪ّٔ ،‬دؼ ضباية ميسرة الصليبيْب‬
‫الزاحفْب على انطاكية‪ ،‬خوفا من إمدادات تركية تصل من خراساف أك من العراؽ‪ ،‬أك من أرمينيا؛ ْلف‬
‫الطريق الذم تسلكو تلك اإلمدادات ؼبساندة اغبامية الَبكية ُب أنطاكية‪ ،‬تقع ُب البالد الٍب عزـ‬
‫بلدكين على غزكىا‪ .‬كما أف تلك اعبهات القريبة من الفرات تتوفر على أراض خصبة‪ ،‬ما يضمن‬
‫تدفق اؼبؤف على رجاؿ اغبملة الصليبية‪ .‬كمن شبة فإف حركة بلدكين كبو الشرؽ كاف يرذبى منها النفع‬
‫كالربح لو كللحركة الصليبية بأسرىا‪ 1.‬كدل يكن معو إَل قوة يسّبة‪ْ ،‬لف بقراط أقنعو بأنو من اليسّب‬
‫احتالؿ اؼبنطقة بقوة صغّبة‪ ،‬قدرهتا بعض اؼبصادر دبائٍب فارس‪ ،‬كحشد من اؼبشاة‪ 2،‬فبا يدؿ على أنو‬
‫كاف يريد اَلعتماد على العناصر اؼبسيحية ا﵀لية اؼبتمثلة ُب اْلرمن‪ ،‬الذين كاف كجودىم كثيفا‬
‫باؼبنطقة‪.‬‬

‫كىكذا سلك بلدكين طريقا موازية للطريق الذم سلكو اعبيش الرئيس‪ ،‬حٌب بلغ عْب تاب ٍب‬
‫اذبو رأسا إذل الشرؽ‪ 3.‬كمع حلوؿ شتاء سنة ‪491‬ق‪1097/‬ـ‪ ،‬كاف قد بسط سيادتو على البالد‬
‫حٌب هنر الفرات‪ ،‬كدل هبد صعوبة تذكر ُب اَلستيالء على كثّب من اؼبواقع‪ ،‬كاؼبدف‪ ،‬كالقالع‪ ،‬كذلك‬
‫بفضل مساعدة العنصر اْلرميِب الذم كانت لو السيادة ُب تلك اعبهات‪ 4.‬كمن اؼبواقع اؽبامة الٍب‬
‫استوذل عليها بلدكين حصن راكنداف )‪ ،(Ravendel‬الذم يقع على الطريق بْب مرعش كأنطاكية‪،‬‬
‫كقد كاف سكانو من اْلرمن‪ ،‬كدبجرد أف ظبعوا باقَبابو من حصنهم‪ ،‬ثاركا ضد اغبامية الَبكية الٍب‬

‫‪ 1‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.287‬‬


‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪َ .256‬ل يذكر فوشيو الشارترم الذم كاف مرافقا لبلدكين عدد القوات الٍب سارت‬
‫معو‪ ،‬كلكنو يقوؿ عن بلدكين ‪" :‬انو صبع عددا قليال من الفرساف كانطلق صوب هنر الفرات"‪ ،‬ككفقا ؼبا أكرده مٌب الرىاكم‪ ،‬فلم‬
‫يكن مع بلدكين إَل مائة فارس‪ ،‬أما ألربت ديكس )‪ ،(Albert d'Aix‬الذم دل يكن مرافقا للحملة‪ ،‬فأكرد ُب حوليتو أف بلدكين‬
‫أخذ معو سبعمائة فارس‪ ،‬كاؼبعركؼ أف كليم الصورم اعتمد ُب حوليتو على ما كتبو ألربت ديكس‪( .‬أنظر ‪ :‬فوشيو الشارترم ‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪106‬؛ ‪.)Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 218; Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 123.‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.287‬‬
‫‪ 4‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪106‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.257-256‬‬
‫‪141‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫آثرت اػبركج كاَلنسحاب منو‪ ،‬خاصة أف اتصاؽبا مع اغبكم اؼبركزم باتت مقطوعة‪ ،‬كَل سبيل إذل‬
‫اؼبقاكمة‪ ،‬ففتح اْلرمن أبوابو للصليبيْب‪ ،‬كأراد بلدكين أف يكافئ رفيقو كمستشاره اْلرميِب بقراط‪ ،‬فعينو‬
‫حاكما عليو‪ 1،‬أك باْلحرل أعاده إليو اغبصن الذم كاف وبكمو سابقا‪ .‬كبعده توجو إذل حصن تل‬
‫باشر )‪ 2،(Turbessel‬الذم يقع ُب الطريق بْب الرىا كأنطاكية‪ ،‬كىو اآلخر سكانو من اْلرمن‪،‬‬
‫كيبدك أف أمّبا أرمينيا ؿبليا كاف وبكمو‪ ،‬اظبو فّب )‪ 3،(Fer‬كمن ا﵀تمل أف يكوف تابعا لألتراؾ‪ ،‬فلما‬
‫ظبع باقَباب الصليبيْب من حصنو أعلن تبعيتو لبلدكين كدخل ربت طاعتو‪ ،‬كسلمو اغبصن الذين كاف‬
‫يقيم فيو سلما‪ 4،‬فأبقاه بلدكين حاكما على تل باشر‪ .‬كما دخل ُب طاعتو أمّب أرميِب آخر يدعى‬
‫نيكوسوس )‪ ،(Nicusus‬كاف يسيطر على عدة حصوف كقالع غّب بعيدة عن تل باشر‪ .‬كأبرـ‬
‫بلدكين مع اْلمّبين اتفاقيات‪ 5،‬دل تذكر اؼبصادر مضموهنا‪ .‬كباستثناء مدينة ظبيساط‬
‫)‪ ،(Samosate‬الٍب كاف وبكمها أمّب تركي‪ ،‬دل يصادؼ بلدكين صعوبة ُب اَلستيالء على اؼبدف‬
‫الواقعة ُب ثغور اعبزيرة‪ ،‬كمشاؿ سوريا‪ ،‬كدل يعَبض طريقو أم منافس‪ ،‬كما حدث ُب قيليقيا‪ ،‬ككجد ُب‬
‫اْلرمن عنصرا مساعدا لتحقيق أىدافو‪ .‬كيتحدث فوشيو الشارترم عن اْلرمن قائال ‪ " :‬كعندما كنا‬
‫مبر دبدف اْلرمن‪ ،‬كاف من اؼبدىش أف نراىم يقبلوف ُب تواضع للَبحيب بنا‪ ،‬كىم وبملوف الصلباف‬
‫كالرايات‪ ،‬كيقبلوف أقدامنا كمالبسنا حبا ُب الرب"‪ 6.‬كىذا اؼبوقف من اْلرمن ذباه اؼبسيحيْب الغربيْب‬
‫ليس جديدا فقد رأينا أف الكاثوليكوس اْلرميِب جرهبور الثاشل قد توجو ُب سفارة بيزنطية إذل ركما‪،‬‬
‫منذ عشرين سنة‪ ،‬ؼبناشدة البابا على حث اؼبسيحيْب الغربيْب أتباع الكنيسة الكاثوليكية لتقدصل‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 124.‬‬
‫‪ 2‬تل باشر ‪ :‬كيسمى باْلرمينية تل أفيدياتس‪ ،‬كتعِب ضيعة أك قرية اْلخبار الطيبة‪ ،‬كترصبها العرب إذل تل باشر أم تل اْلخبار‬
‫الطيبة (البشرل)‪ ،‬كيقع ىذا اؼبكاف على بعد شبانْب كلم تقريبا إذل الشماؿ من حلب‪ ،‬كأىلها نصارل أرمن‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪451‬؛ ابن العدصل ‪ :‬بغية الطلب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪321‬؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪،82‬‬
‫ىامش رقم ‪.)2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Albert d'Aix : loc. cit.‬‬
‫‪ 4‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 124-125.‬‬
‫‪ 6‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.108-107‬‬
‫‪142‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫مساعدات إلخواهنم اؼبسيحيْب الشرقيْب‪ ،‬كلذلك حينما ظهر الفرقبة على أطراؼ آسيا الصغرل‬
‫كتوغلوا ُب قيليقيا‪ٍ" ،‬ب فتحوا حصوف الدركب شيئا بعد شيئ‪ 1"،‬كبلغوا الفرات‪ ،‬رأل فيهم اْلرمن‬
‫حلفاء غربيْب‪ ،‬كانوا يأملوف كصوؽبم منذ زمن طويل ليس لتخليصهم من السالجقة فحسب‪ ،‬كلكن‬
‫لتخليصهم أيضا من اَلمرباطورية البيزنطية الكريهة‪ ،‬على حد تعبّب اؼبؤرخ الربيطاشل ستيفن رنسيماف‪.‬‬

‫كستثبت اْلحداث القادمة‪ ،‬أف نظرة اْلرمن إذل الفرقبة على أهنم يقاتلوف ُب سبيل العادل‬
‫اؼبسيحي ‪-‬مع ما ربملو ىذه النظرة من براءة كسذاجة‪ -‬كأف الصليبيْب عموما كالفرقبة خصوصا‪َ ،‬ل‬
‫ىبتلفوف عن البيزنطيْب‪ ،‬كأف كَلء اْلرمن الذم كاف يتأرجح بْب السالجقة كالبيزنطيْب‪ ،‬سيتأرجح‬
‫مستقبال بْب الفرقبة كالبيزنطيْب‪ .‬كيبدك أف بقراط أكؿ من شعر بوطأة اَلرتباط مع حليف قوم‪،‬‬
‫كأظهر اَلمتعاض كالسخط‪ ،‬فاحتفظ باغبصن لنفسو فقط‪ ،‬كدل يسمح بإقامة حامية صليبية‪ 2،‬فما‬
‫كاف من فّب إَل أف كشى بو إذل بلدكين‪ ،‬ـبربا إياه أف بقراط يشَبؾ مع اْلتراؾ ُب التآمر عليو‪.‬‬
‫كالراجح أف مؤامرتو دل تكن إَل مع أخيو كواسيل أمّب كيسوف كرعباف‪ 3،‬فبا جعل بلدكين يشك ُب‬
‫كَلء بقراط لو‪ ،‬فاعتقلو‪ ،‬كلكنو سبكن من الفرار كالتحق باعبباؿ الٍب ازبذ منها مأكل ُب ضباية أخيو‬
‫كواسيل‪ 4.‬كردبا ؽبذه اْلسباب أشار بقراط على بلدكين‪ ،‬ؼبا انفصل عن اعبيش الرئيسي ُب مرعش‬
‫كتوجو كبو الفرات‪ ،‬أف يكتفي بقوة صغّبة‪ْ ،‬لنو من السهل أف يسيطر على اؼبدف الٍب يستقر فيها‬
‫أقاربو‪ ،‬فالبدع بلدكين بنصيحتو‪ ،‬كلذلك‪ ،‬كصفتو اؼبصادر اؼبعاصرة بأنو "كاف ؿباربا شديدا إَل أنو‬
‫كاف شديد اؼبكر‪ ،‬مغموز الوفاء"‪ 5،‬كأنو "رجل خطّب كمشكوؾ ُب إخالصو"‪ 6.‬كاغبقيقة أف بقراط‬
‫كاف يعتمد على الفرقبة‪ ،‬من أجل أف يفوز بإقطاع كبّب‪ ،‬وبكمو حكما متحررا‪ ،‬كعند اللزكـ ينقلب‬
‫ضدىم كيتخلص من قبضتهم القوية‪ ،‬اعتمادا على أقاربو كبِب جلدتو ُب اؼبنطقة‪ ،‬ككانت ىذه سياسة‬

‫‪ 1‬سبط بن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.300‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 210.‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.290‬‬
‫‪4‬‬
‫نفسو؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 124-125.‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.256‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 125.‬‬

‫‪143‬‬
‫بدايات التعاكف الصميبي األرميني‬ ‫الفصؿ الرابع‬
‫فيالريت ذباه منافسيو إذ ناكر بْب البيزنطيْب كاْلتراؾ‪ 1.‬كلكن السحر انقلب على الساحر‪ ،‬فقبل أف‬
‫يتخلص بقراط من حليفو القوم‪ ،‬سبقو بلدكين كجرده من حصنو‪ ،‬فوجد نفسو مشردا ىائما على‬
‫كجهو ُب اْلرض‪ ،‬كمهما تكن نواياه فإنو قدـ خدمة جليلة لبلدكين بإرشاده عرب الطرؽ اعببلية الوعرة‪،‬‬
‫أما حقيقة بلدكين كنواياه فستظهر ُب مدينة الرىا‪.‬‬

‫كمن اغبقائق الٍب يبكن استنتاجها من ىذا الفصل ‪:‬‬

‫أكال ‪ :‬دل تكن اغبملة الصليبية اْلكذل ُب أكاخر القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬إَل‬
‫ذبديدا كإحياء للحركب الصليبية القديبة‪ ،‬بشكل أكثر مشوَل كتنظيما‪ ،‬كأكثر عنفا‪ .‬كقد سانبت‬
‫اؼبؤسسة الدينية اْلرمينية إذل حد كبّب ُب الدعوة إليها‪ ،‬كاستعملت عالقاهتا الدبلوماسية‪ ،‬لتوظيف‬
‫الصراع بْب السنة كالشيعة لتحقيق أىدافها‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬كجد الصليبيوف ُب اْلرمن عونا قويا‪ ،‬ككجد اْلرمن ُب الصليبيْب حليفا كبّبا‪ ،‬كقد‬
‫ساعدت العداكة اؼبذىبية بْب الكنيسة البيزنطية اػبلقدكنية كالكنيسة اْلرمينية اؼبونوفيزية‪ ،‬على حدكث‬
‫تقارب‪ ،‬كربالف بْب اْلرمن اليعاقبة كالصليبيْب الكاثوليك‪ ،‬كمن شبة كاف التعاكف اْلرميِب الصلييب نوعا‬
‫من اَلنتقاـ ضد البيزنطيْب‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬بقراط ىو أكؿ أرميِب اتصل بالفرقبة بعد دخوؽبم إذل آسيا الصغرل‪ ،‬ككاف مرشدىم‬
‫كمستشارىم‪ ،‬كىو أكؿ من انتبو إذل خطرىم‪ ،‬كأراد التخلص منهم‪ ،‬فكاف أكؿ ضحية ؽبم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪54‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 122.‬‬

‫‪144‬‬
‫الفصل اخلامظ‬

‫من التعاكف إلى المواجهة‬

‫‪ -1‬ثوركس في مدينة الرىا‬


‫أ ‪ -‬ثوركس يستنجد ببلدكين‬
‫ب – بلدكين ينقلب على ثوركس‬
‫ج ‪ -‬سياسة بلدكين تجاه األرمن في الرىا‬
‫‪ -2‬دكر األرمن في سقوط مدينة انطاكية‬
‫أ – تقديم المؤف كالمساعدة للصليبيين‬
‫ب – خيانة فيركز األرميني للمسلمين‬
‫ج – اجهاز األرمن على ياغي سياف‬
‫‪ -3‬كوغ فاسيل )‪ (Kogh Vasil‬في كيسوـ )‪(Kaisoun‬‬
‫أ ‪ -‬عالقة كوغ فاسيل بالصليبيين‬
‫ب ‪ -‬سياسة تانكرد تجاه األرمن‬
‫ج ‪ -‬سياسة بلدكين دك بور تجاه األرمن‬
‫د ‪ -‬سقوط إمارة كوغ فاسيل‬
‫‪ -4‬جبريل في ملطية‬
‫أ ‪ -‬ملطية في مواجهة الدانشمند‬
‫ب ‪ -‬سقوط إمارة ملطية‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬

‫مع دخوؿ الفرقبة إذل كل من الرىا كأنطاكية‪ ،‬تغّبت أكضاع اؼبنطقة ُب قيليقيا كالفرات كمشاؿ‬
‫سوريا تغيّبا جذريا‪ ،‬كمن اؼبؤكد أف اإلمارات الصليبية كانت هتدؼ إذل ؿباربة اْلتراؾ‪ ،‬كلكن‬
‫الطموحات التوسعية ْلمرائها جعلتهم َل يتورعوف عن التوسع ضد اإلمارات اؼبسيحية ا﵀لية‪ ،‬حٌب‬
‫كإف كانت منشقة عن اَلمرباطورية البيزنطية‪ .‬إف كجود الصليبيْب ُب شرؽ كغرب الفرات‪ ،‬سالح ذك‬
‫حدين‪ ،‬رادع بالنسبة للمسلمْب الذين كانوا يبحثوف دائما عن كسيلة َلسَبجاع فبتلكاهتم من‬
‫البيزنطيْب أك من اْلرمن‪ ،‬كهتديد بالتوسع بالنسبة لألرمن الذين كانوا يغّبكف مواقعهم بتغّب اْلمراء‪،‬‬
‫فيتحالفوف أحيانا مع أنطاكية كأحيانا أخرل مع الرىا‪ ،‬فبا فتح الباب َلندَلع حركب كصدامات ُب‬
‫السنوات اؼبقبلة‪.‬‬

‫ىذه الفكرة سنتعرض ؽبا ىذا بالتفصيل ُب ىذا الفصل‪ْ ،‬لف اندثار دكلة فيالريت بعد كفاتو ُب‬
‫سنة ‪372‬ق‪0181/‬ـ‪ ،‬أدل إذل بركز عدد من اإلمارات اْلرمينية الصغّبة‪ ،‬حكمها نوابو أك بعض‬
‫أتباعو ُب اؼبدف الٍب كَلىم عليها‪ .‬منهم اْلمّب ثوركس ُب مدينة الرىا‪ ،‬ككوغ فاسيل ُب كيسوـ‪،‬‬
‫كجربيل ُب ملطية‪ ،‬كآخركف ُب مدف أقل شأنا كحجما‪ .‬ككل ىؤَلء رحبوا بقادة الصليبيْب ؼبا اقَببوا‬
‫جبيوشهم من إماراهتم‪ ،‬كربالفوا معهم ضد اؼبسلمْب عربا كأتراكا‪ ،‬كساعدكىم على تأسيس إماراهتم ُب‬
‫بالد الشاـ‪ .‬غّب أف أطماع الصليبيْب‪ ،‬دل تتوقف عند حدكد الرىا‪ ،‬كأنطاكية‪ ،‬بل عملوا على إخضاع‪،‬‬
‫كضم كل اؼبدف كاغبصوف الٍب كانت باعبوار‪ ،‬دبا فيها تلك الٍب كانت تابعة غبلفائهم اْلرمن‪ ،‬الذين‬
‫كجدكا أنفسهم خاضعْب ْلسياد جدد‪ ،‬فتبخر حلمهم ُب (التحرر)‪ .‬كما لبثت أف زالت ىذه‬
‫الدكيالت اْلرمينية الصغّبة من اػبريطة السياسية آلسيا الصغرل‪ ،‬كأغبقت باإلمارات الصليبية‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫‪ -1‬ثوركس في مدينة الرىا‬
‫بعد أف شرع السالجقة يتوسعوف ُب آسيا الصغرل إثر موقعة منازكرد ُب القرف اػبامس‬
‫اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬ىرع إذل مدينة الرىا أعداد كبّبة من اْلرمن‪ ،‬كازبذكىا مستقرا ؽبم‪.‬‬
‫كىم الذين ساعدكا فيالريت على انتزاعها من البيزنطيْب‪ ،‬كلكنو بارحها بأمر من السلطاف السلجوقي‬
‫ملكشاه الذم بسط سيادتو عليها سنة ‪480‬ق‪1087/‬ـ‪ٍ ،‬ب أسند إمارهتا لواحد من رجالو كىو‬
‫ب ػوزاف‪ ،‬ال ػذم اس ػت ػم ػر وب ػك ػم ػه ػا إل ػى س ػن ػة ‪487‬ق‪1094/‬ـ‪ ،‬حيث قتل على يد تاج الدكلة تتش‬
‫‪1‬‬
‫بن ألب أرس ػالف ص ػاح ػب دم ػش ػق‪.‬‬

‫كاس ػت ػغ ػل أح ػد ق ػادة اْلرم ػن كى ػو ث ػوركس ب ػن ى ػي ػث ػوـ )‪،(Thoros fils de Héthoum‬‬


‫اغبرب الدائرة بْب اْلمراء السالجقة‪ ،‬فبسط سيادتو على مدينة الرىا باعتباره أرمينيا كموظفا بيزنطيا‪،‬‬
‫كما كاف أبوه من رجاؿ فيالريت‪ 2.‬ككاف ىو نفسو نائبا عنو ُب ملطية‪ 3.‬كيبدك أنو أدرؾ مدل‬
‫ضعف إمارتو‪ ،‬كفقدانو للشرعية‪ ،‬فظل يتأرجح بْب الوَلء للسالجقة كللبيزنطيْب‪ ،‬مقتفيا ُب ذلك أثر‬
‫فيالريت‪ ،‬فتحاشى الدخوؿ ُب صراع مع اْلتراؾ‪ ،‬كاعَبؼ ؽبم بالتبعية‪ .‬كرضي بدفع اعبزية‪ ،‬لألمّب‬
‫السلجوقي تتش بن ألب أرسالف الذم أصبح سيد اؼبنطقة بعد كفاة أخيو ملكشاه‪ 4.‬كُب الوقت‬
‫نفسو جعل سلطتو شرعية باعَبافو بالتبعية لإلمرباطور البيزنطي ألكسيس كومنْب‪ 5،‬كردبا كاف ُب نيتو‬
‫‪7‬‬
‫تسليمها لو فيما بعد‪ 6،‬حٌب أف اؼبؤرخ اْلرميِب مٌب الرىاكم‪ ،‬ظباه باغباكم الركماشل ؼبدينة الرىا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪76‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪15‬؛ ‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 183.‬‬
‫‪ 2‬أبو سعيد حامد غنىػٍيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Balard Michel : op. cit., p. 67; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. I, p. 55.‬‬
‫‪ 4‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.147‬‬
‫‪ 5‬اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪ 6‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬تاريخ الرىاكم آّهوؿ‪ ،‬ترصبة سهيل زكار‪ُ ،‬ب اؼبوسوعة الشامية ُب تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬دار الفكر للطباعة‬
‫كالنشر كالتوزيع‪ ،‬دمشق‪ .1995 ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 7‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪147‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫انفرد ثوركس بالسيطرة على مدينة الرىا‪ 2.‬ككاف‬ ‫‪1‬‬
‫كبعد مقتل تتش سنة ‪488‬ق‪1095/‬ـ‬
‫أكثر أىلها من اْلرمن كليس ّٔا من اؼبسلمْب إَل القليل‪ 3.‬كلكن مركزه كاف دائما بالغ اغبرج‪ ،‬حيث‬
‫ظل مهددا باستمرار من جانب السالجقة آّاكرين‪ ،‬الذين كانوا يقلقونو كثّبا‪ 4.‬كقد أصيب بذعر‬
‫شديد ؼبا بلغو أف كربوغا الَبكي أمّب اؼبوصل "صبع العساكر كسار إذل الشاـ"‪ 5،‬استعدادا لنجدة‬
‫انطاكية‪ .‬كبإمكانو أف يبحو‪ ،‬بسهولة كيسر إمارة الرىا كسائر اإلمارات اْلرمينية الواقعة ُب طريقو‪ 6.‬فبا‬
‫جعلو يستنجد بالصليبيْب الذين اقَببوا من الفرات‪ ،‬خاصة بعد أف ناؿ بلدكين شهرة بلغت آفاقا‬
‫بعيدة‪ ،‬كاصبح اظبو "هبرم على كل لساف"‪ 7.‬كيبدك أف اْلرمن الذين كانوا يريدكف إحياء أؾبادىم‬
‫القديبة‪ ،‬دل يدركوا النوايا اغبقيقية للصليبيْب‪ ،‬فأقاموا عالقات صداقة كتعاكف معهم‪ ،‬كحينما تبْب ؽبم‬
‫أهنم ىبتلفوف عنهم ُب اْلىداؼ‪ ،‬بل كيتناقضوف معهم‪ ،‬دبت اػبالفات كالنزاعات بينهم‪ ،‬كانقلب‬
‫‪8‬‬
‫الود عداكة‪.‬‬

‫أ ‪ -‬ثوركس يستنجد ببلدكين‬


‫‪10‬‬
‫كتكوف الوفد من‬
‫َّ‬ ‫أرسل ثوركس سفارة إذل بلدكين‪ 9،‬كىو دل يربح بعد حصن تل باشر‪.‬‬
‫أسقف اؼبدينة كاثنا عشر من أعياف اْلرمن‪ ،‬يطلبوف منو الدخوؿ إذل الرىا ؼبساعدهتم ضد اْلتراؾ‬

‫‪ 1‬اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪76‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.175‬‬
‫‪ 2‬أبو سعيد حامد غنىػٍيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.204‬‬
‫‪ 4‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.175‬‬
‫‪ 6‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.289‬‬
‫‪ 7‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.257‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. I, p. 57.‬‬
‫‪ 9‬يبدك من بعض اؼبصادر أف فكرة إرساؿ كفد إذل بلدكين‪ ،‬تعود إذل أعياف اؼبدينة من اْلرمن الذين اتصلوا بثوركس كأغبوا عليو‬
‫بطلب اؼبساعدة من الفرقبة غبماية اؼبدينة من اْلتراؾ‪ ،‬كدل يكن ثوركس موافقا‪ ،‬كلكنو أدرؾ أف أىارل اؼبدينة سوؼ يستدعوف‬
‫بلدكين خالفا إلرادتو‪ ،‬فتظاىر باَلستجابة ؼبطالبهم‪( .‬انظر ‪ :‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪22‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪257‬؛ ‪.)Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 126.‬‬
‫‪ 10‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪148‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫الذين يهددكف إمارهتم‪ 1.‬كؼبس القائد الصلييب ُب ىذه الدعوة ما يبى ّْكنو من ربقيق حلمو‪ ،‬فتماطل ُب‬
‫اَلستجابة‪ ،‬كتلقت سفارة الرىا ُب تل باشر بأف تزيد ُب العرض‪ 2،‬بأف يتخذ ثوركس من بلدكين ابنا‬
‫لو بالتبِب‪ ،‬كسيكوف شريكا لو ُب حكم بالده‪" ،‬كإذا حدث أف مات دكؽ الرىا‪ ،‬تكوف اؼبدينة ملكا‬
‫لبلدكين ىي كصبيع أمالؾ الدكؽ ُب اغباؿ بوصفها إرثا لو كما لو كاف ابنا للدكؽ"‪ 3.‬كفبا َل شك فيو‬
‫أف ىذا العرض أساؿ لعاب بلدكين‪ ،‬خاصة كأف ثوركس‪ ،‬كاف "شيخا طاعنا ُب السن‪ ،‬كاىن القول‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫ليس لو من صلبو كلد كَل بنت"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫كدبا أف ىذا العرض يتوافق مع طموحاتو‪ ،‬فقد أسرع السّب إذل الرىا‪ ،‬كمعو شبانوف فارسا‪،‬‬
‫كتعرضوا ُب الطريق إذل كمْب نصبو ؽبم‪ ،‬اْلمّب الَبكي بلق )‪ (Balduk‬صاحب ظبيساط‬
‫)‪ ،(Samosate‬فلجأكا إذل أحد اْلمراء اْلرمن ا﵀ليْب‪ ،‬فآكاىم ُب قلعتو مدة يومْب‪ ،‬كحذرىم من‬
‫كمائن اَلتراؾ‪ 6.‬كبعد أف عرب بلدكين الفرات مع فرسانو‪ ،‬كصل إذل الرىا ُب ‪ 2‬ربيع اْلكؿ‬
‫‪491‬ىػ‪ 6/‬فيفرم ‪1098‬ـ‪ ،‬حيث استقبلو "حاكمها بالتعظيم عند كصولو إليها‪ ،‬كشاركو الَبحيب‬
‫بو صبيع من فيها‪ ،‬كما خف َلستقبالو رجاؿ الدين كالناس عامة كقد ساركا أمامو منشدين اْلىازيج‬
‫كالَباتيل الدينية على كقع الدفوؼ كدؽ الطبوؿ"‪ 7.‬كحسب ركاية فوشيو الشارترم‪ ،‬الٍب يتحدث فيها‬
‫عن ثوركس كزكجتو "أهنما استقبال بلدكين ككفيا بوعودنبا دكف تأخّب"‪ 8،‬كأهنما قاما بتبنيو فورا بعد‬

‫‪1‬‬
‫مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪82‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 126.‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪289‬؛ الركيضي ؿبمود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫‪ 3‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.259-258‬‬
‫‪ 5‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪107‬؛ الركيضي ؿبمود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .183‬كيذكر مٌب الرىاكم أف بلدكين سار‬
‫إذل الرىا كمعو ستوف فارسا فقط‪( .‬انظر ‪ :‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.)84‬‬
‫‪ 6‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪107‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪259‬؛‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 126.‬‬
‫‪ 7‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.260‬‬
‫‪ 8‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪151‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كصولو إذل مدينة الرىا‪ ،‬كفقا لطقوس الكنيسة اْلرمينية‪ 1،‬للدَللة على أف الفجوة الٍب تفصل اْلرمن‬
‫‪2‬‬
‫عن البيزنطيْب‪َ ،‬ل كجود ؽبا بْب الكنيسة اْلرمينية كالالتْب‪.‬‬

‫كدبجرد أف استقر بلدكين ُب الرىا‪ ،‬راح يعد العدة ؼبهاصبة اإلمارة الَبكية ُب ظبيساط‪ْ ،‬لف أمّبىا‬
‫بلق‪ 3‬كاف يفرض اعبزية على اْلىارل‪ ،‬كما كاف يشن غارات من حْب آلخر على اغبقوؿ ا﵀يطة‬
‫باؼبدينة‪ 4.‬كىو الذم أقاـ كمينا للصليبيْب ؼبا كانوا متوجهْب من تل باشر إذل الرىا‪ 5،‬كلذلك رأل‬
‫بلدكين بأف من أكؿ كاجباتو تدمّب ىذه اإلمارة الواقعة ُب الطريق كبو ملطية‪ 6،‬كشاركو ُب اغبملة أمّب‬
‫أرميِب آخر‪ ،‬كىو قسطنطْب أمّب كركر )‪ 7،(Gargar‬كجيش ؿبلي‪ ،‬إضافة إذل فرسانو‪ ،‬كلكنو فشل ُب‬
‫ربقيق انتصار على اْلتراؾ بسبب ضعف جنود الرىا‪ ،‬كاكتفى باَلستيالء على حصن القديس يوحنا‬
‫)‪ ،(Saint-Jean‬الذم يقع غّب بعيد عن مدينة ظبيساط‪ ،‬كازبذه مقرا عبماعة من فرسانو‪ ،‬كأمرىم‬
‫دبراقبة اْلتراؾ‪ ،‬كاإلغارة عليهم من حْب آلخر للحد من ربركاهتم‪ ،‬بينما عاد ىو إذل الرىا كمعو اثنا عشر‬
‫فرقبيا‪ 8.‬كبعد ىذه العملية العسكرية ازداد اْلرمن تعلقا بو‪ ،‬كأضحت أياـ ثوركس على رأس مدينة الرىا‬
‫معدكدة‪.‬‬

‫‪ 1‬جرت عملية التبِب‪ ،‬حبضور سكاف اؼبدينة كُب احتفاؿ مهيب‪ ،‬ككفقا لشعائر اْلرمن كقتذاؾ‪ ،‬تقرر أف هبرم من طقوس احتفاؿ‬
‫التبِب ما يالئم طفال صغّبا‪َ ،‬ل شخصا مكتمل الرجولة‪ ،‬إذ ذبرد بلدكين من اؼبالبس حٌب كسطو‪ ،‬بينما ارتدل ثوركس قميصا بلغ‬
‫من اتساع‪ ،‬أف دخل فيو بلدكين‪ ،‬كأخذ كل من الوالد اعبديد كاإلبن اعبديد‪ ،‬وبك صدره ُب صدر اآلخر‪ ،‬ككرر بلدكين ىذا‬
‫اَلحتفاؿ مع اْلمّبة زكجة ثوركس‪( .‬انظر ‪ :‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪261‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب‬
‫الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪291‬؛ اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪64‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 128.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 123.‬‬
‫‪ 3‬بلق أك بلك ‪ :‬كرد اظبو بصيغ ـبتلفة‪ ،‬منها بالدكؽ أك بالدكخ )‪ ،(Baldoukh‬كتشّب بعض الركايات أنو ابن غازم بن‬
‫الدانشمند‪ ،‬كالراجح أنو ليس من الدانشمنديْب‪ ،‬بل ىو أحد أفراد أسرة اْلراتقة الذين كاف ؽبم نفوذ ُب فلسطْب‪ ،‬كبعد أف طردىم‬
‫الفاطميوف بسطوا نفوذىم على ديار بكر‪ ،‬كبعض مدف مشاؿ اعبزيرة‪( .‬انظر ‪ :‬ا﵀يميد علي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)195-194‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 129.‬‬
‫‪ 5‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪ 6‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.291‬‬
‫‪ 7‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ 8‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪108‬؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق ص ‪86-85‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪262‬؛ اغبارثي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪84‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 129-130.‬‬

‫‪150‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ب ‪ -‬بلدكين ينقلب على ثوركس‬
‫كدل يكد بلدكين البولوشل يدخل مدينة الرىا عائدا من ظبيساط‪ ،‬حٌب انتهى إذل ظبعو أف‬
‫اْلىارل‪ ،‬كمعهم قسطنطْب أمّب كركر‪ ،‬يتآمركف ضد أمّبىم ثوركس‪ ،‬كيريدكف إعالف ثورة ضده‬
‫للتخلص منو "كيرفعوا بلدكين إذل القصر ليكوف حاكمهم"‪ 1.‬كزبتلف اؼبصادر ُب مدل اشَباكو ُب‬
‫اؼبؤامرة‪ ،‬فبينما قبد فوشيو الشارترم –كىو اؼبؤرخ الرظبي لبلدكين‪ -‬متحفظا عن اَلدَلء دبعلومات‬
‫مفصلة‪ ،‬فإف ألربت‪ ،‬ككليم الصورم يذكراف بأف اؼبتآمرين أخربكه خبطتهم كلكنو رفض اؼبشاركة فيها‪،‬‬
‫بل لقد حاكؿ هتدئة الثوار كإنقاذ ثوركس‪ ،‬كلكنو فشل ُب ذلك‪ 2.‬أما اؼبؤرخ اْلرميِب مٌب الرىاكم‪،‬‬
‫فإنو يتهمو صراحة بالتواطؤ مع بعض اػبونة من اؼبستشارين الفاسدين على حد تعبّبه‪ 3.‬كفبا َل شك‬
‫فيو أف بلدكين كاف على علم باؼبؤامرة‪ ،‬كلكنو ابتعد عن الظهور على مسرح اعبريبة مع اؼبتآمرين‪ 4،‬كدبا‬
‫أنو ىو اؼبستفيد اْلكؿ منها‪ ،‬فمن ا﵀تمل أف يكوف قد أعطى موافقتو للمتآمرين‪ ،‬كردبا نسج خيوطها‬
‫باَلشَباؾ مع قسطنطْب أمّب كركر أثناء زحفهما على ظبيساط‪ ،‬كردبا كاف يريد عزؿ ثوركس أك نفيو‬
‫عن الرىا كليس اغتيالو‪ .‬كسواء كاف بلدكين ضالعا فيها أـ كاف بعيدا عنها‪ ،‬فإف تساؤَل يطرح عن‬
‫اْلسباب الٍب أدت إذل تدبّب اؼبؤامرة ضد ثوركس ؟‬

‫تذكر اؼبصادر أف ثوركس دل يكن ؿببوبا من طرؼ رعاياه‪ْ 5،‬لسباب عديدة‪ ،‬منها ‪ :‬أنو كاف‬
‫على مذىب الكنيسة البيزنطية‪ 6،‬كرغم أنو أرميِب اعبنس فهو ُب نظر رعاياه َل يعدك أف يكوف موظفا‬
‫كسلىبهم "ما عندىم من الذىب كالفضة‪ ،‬كغّب ذلك من كل‬
‫بيزنطيا خبيال يسهر على صبع الضرائب‪ ،‬ى‬

‫‪ 1‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬


‫‪2‬‬
‫نفسو؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪263-262‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 130-131.‬‬
‫‪3‬‬
‫مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق ص ‪86‬؛ ‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 219.‬‬
‫‪ 4‬اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.66-65‬‬
‫‪ 5‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪108‬؛ الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪22‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪262‬؛ ؛ اغبارثي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪83‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 130.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 210.‬‬

‫‪151‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫غاؿ كشبْب‪ ،‬كظلمهم ظلما فاحشا"‪ 1،‬كإذا امتنع أحدىم عن دفع ما فرض عليو‪ ،‬أثار ضده اْلتراؾ‪،‬‬
‫فيصبح مهددا ُب حياتو‪ ،‬كأمالكو عرضة للنهب كالتخريب‪ 2،‬كما أنو "عاجز عن ضباية رعيتو من‬
‫الضرر ينزؿ ّٔم‪ ،‬أك دفع الشر عنهم‪ ،‬أك زبفيف ما يلقونو من الضيق"‪ 3،‬كَل يبتلك اؼبهارة الالزمة‬
‫إلدارة شؤكف اؼبدينة‪ 4،‬كيفهم من ذلك أف عوامل الغضب كالثورة ضد ثوركس كانت كامنة ُب نفوس‬
‫الرىاكيْب‪ ،‬كأف اؼبتآمرين دل يكونوا ُب حاجة إذل ؿبرض فرقبي‪ ،‬يشجعهم على القياـ دبثل ىذه اؼبؤامرة‪.‬‬
‫كلكن كاف ينقصهم قائد وبظى حبب اْلرمن كتأييدىم لو‪ ،‬كقادر على مهاصبة اْلتراؾ كالدفاع عن‬
‫أسوار اؼبدينة بعد أف يتوذل أمرىا‪ ،‬فاستغلوا فرصة كجود بلدكين بينهم‪ ،‬كلذلك يبكن القوؿ أنو كاف‬
‫‪5‬‬
‫على علم بعملية اَلنقالب قبل حدكثها‪ ،‬كردبا حصل مدبركىا على إذف مسبق أك تشجيع منو‪.‬‬

‫كمن العوامل الٍب زادت من اتساع الفجوة بْب اْلرمن كأمّبىم‪ ،‬كساعدت على التقارب بْب‬
‫اؼبتآمرين كضيفهم‪ ،‬أف اَلستقباؿ الشعيب اغبار الذم حظي بو بلدكين عند دخولو مدينة الرىا‪ ،‬قد نزغ‬
‫بْب الرجلْب‪ ،‬كحرؾ مكامن اغبسد ُب قلب ثوركس‪ ،‬الذم أدرؾ أف السلطة الفعلية ستكوف بْب يدم‬
‫بلدكين‪ ،‬فندـ على ما قدـ لو من كعود كأراد الَباجع عنها‪ ،‬كعرض عليو عرضا ـبالفا ؼبا ًب اَلتفاؽ‬
‫عليو ُب تل باشر‪ ،‬كيتلخص ُب أف يقوـ بقيادة الدفاع عن اؼبدينة‪ ،‬مقابل مبلغ مارل ضخم‪ ،‬كأف وبكم‬
‫باسم ثوركس اؼبناطق الٍب سيمنحها لو مستقبال‪ 6.‬كاكتشف بلدكين بعد أف كصل إذل الرىا‪ ،‬أف‬
‫ثوركس يريد استخدامو كمرتزؽ دبا عرض عليو من اؼباؿ كاؼبنح كاؽبدايا‪ 7،‬أك يريد اَلستفادة من قوة‬
‫الصليبيْب دكف أف يسمح ؽبم باستعباده‪ 8.‬غّب أف بلدكين لن يستقر ُب الرىا إَل بالشركط الٍب‬
‫تالئمو‪ .‬فرفض ىذا العرض‪ ،‬كأخذ يستعد للعودة من حيث جاء‪ٍ ،‬ب اَللتحاؽ بأخيو جودفرم ُب‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.262‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 130.‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.259‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 125.‬‬
‫‪ 5‬الركيضي ؿبمود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 127; Laurent J. : Des Grecs aux Croisés, p. 424.‬‬
‫‪7‬‬
‫رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪289‬؛ ‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 210.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Grousset René : op. cit., t. I, p. 123.‬‬

‫‪152‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫اعبيش الرئيسي للصليبيْب اؼبتوجو كبو أنطاكية‪ 1.‬كأماـ ىذا اؼبوقف‪ ،‬ربرؾ شيوخ اْلرمن كأعياهنم‬
‫كطلبوا من ثوركس أَل يسمح لضيفو بالرحيل‪ ،‬فهم َل يستطيعوف اَلستغناء عنو‪ ،‬فرضخ ؼبطالبهم على‬
‫مضض‪ ،‬كمن شبة شرعوا ىبططوف لالنتقاـ منو‪ ،‬مٌب يسمح الزماف كاؼبكاف بذلك‪ 2.‬كبناء على ىذا‬
‫اؼبوقف‪ ،‬فمن غّب اؼبستبعد أَل يكوف بلدكين مشاركا كمتواطئا مع اْلىارل ُب ثورهتم ضد أمّبىم‪ ،‬حٌب‬
‫يضمن لنفسو عرش الرىا كبدكف منافس يعكر مزاجو‪.‬‬

‫دامت الثورة أربعة أياـ (من‪ 1‬إذل ‪ 4‬ربيع الثاشل ‪491‬ىػ‪ 7/‬إذل ‪ 10‬مارس ‪ .)1098‬كلكن‬
‫عملية حبك اؼبؤامرة بدأت بعد العودة من ظبيساط ُب ‪ 20‬فيفرم‪ 3،‬حيث يذكر مٌب الرىاكم‪ ،‬أف‬
‫أربعْب متآمرا اجتمعوا ُب الليل عند بلدكين‪ ،‬كبعد أف أطلعوه على خطتهم‪ ،‬ككعدكه بتسليم الرىا‪،‬‬
‫أبدل بلدكين موافقتو‪ ،‬كضموا إذل جانبهم القائد اْلرميِب قسطنطْب‪ 4،‬كُب يوـ اْلحد ‪ 7‬مارس‪ ،‬أثار‬
‫اؼبتآمركف السكاف‪ ،‬كحرضوىم على ضبل السالح كمهاصبة الدكر الٍب يسكنها اؼبوظفوف‪ٍ ،‬ب زبلى‬
‫اعبنود عن ثوركس‪ 5،‬كُب اليوـ التارل زحف اؼبتمردكف على القصر الذم ينزؿ بو اْلمّب بالقلعة‪،‬‬
‫كشددكا عليو اغبصار‪ ،‬كؼبا كجد ثوركس نفسو ُب مأزؽ‪ ،‬كشعر أف حياتو ُب خطر‪ ،‬أرسل إذل بلدكين‬
‫–ابنو بالتبِب‪ -‬كفتح لو خزائن ثركتو كأموالو‪ ،‬كترجاه أف يأخذىا مقابل أف يتوسط بينو كبْب الثائرين‪،‬‬
‫ليسمحوا لو دبغادرة اؼبدينة كاللجوء إذل صهره ‪-‬كالد زكجتو‪ -‬دبلطية‪ .‬كرغم أف بلدكين –حسب‬
‫اؼبصادر الالتينية‪ -‬حاكؿ أف يكفل السالمة لثوركس‪ ،‬إَل أف ؿباكَلتو ذىبت أدراج الرياح‪ .‬ففي يوـ‬
‫الثالثاء ‪ 9‬مارس سبكنت صبوع الغوغاء من دخوؿ القصر كألقوا القبض على أمّبىم كىو وباكؿ الفرار‬
‫عرب النافذة‪ ،‬فانقضوا عليو بالسيوؼ كالعصي‪ ،‬كاهنالوا عليو بالضرب‪ ،‬كأثخنوه باعبراح‪ٍ ،‬ب ربطوا قدميو‬
‫حببل كجركه كسط ساحات اؼبدينة‪ٍ ،‬ب مزقوا جسده إربا إربا‪ ،‬كُب اليوـ اؼبوارل ‪ 10‬مارس ًب تنصيب‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 128.‬‬
‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.261‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. 2, p. 1035.‬‬
‫‪4‬‬
‫مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق ص ‪86‬؛ ‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 220.‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪261‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.292‬‬
‫‪153‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫بلدكين حاكما على الرىا‪ 1.‬كدل تكن تلك العملية "حبا ُب الفرقبة‪ ،‬لكن بسبب البغضاء كالنقمة الٍب‬
‫كانت سبأل قلوب أعداء تيودكر [ثوركس]"‪ 2،‬كّٔذه الطريقة البشعة زبلص اْلرمن من حاكمهم‪ ،‬كىو‬
‫من جلدهتم‪ ،‬كتدؿ طريقة اغتيالو أهنم انتقموا منو‪ ،‬ككانوا يكرىونو‪ْ ،‬لنو أساء إليهم‪ ،‬أك كاف قاسيا‬
‫عليهم‪ ،‬كسلموا اؼبدينة غباكم فرقبي اعتقدكا أنو سيحميهم‪ ،‬كدل ينتبهوا أنو جاء فارغ اليدين يبحث‬
‫عن ثركة كإمارة‪ ،‬كعن قريب سيطل عليهم بوجهو اغبقيقي‪ .‬كباعتباره اؼبستفيد اْلكرب من ىذه الثورة‬
‫فمن غّب اؼبستبعد أف يكوف ىو الذم حرؾ ىذه الثورة الٍب أتاحت لو ُب النهاية أف وبقق اؽبدؼ‬
‫‪3‬‬
‫الذم كاف يتطلع إليو‪.‬‬

‫تعترب الرىا من اؼبدف الٍب كانت تابعة لإلمرباطورية البيزنطية قبل أف زبضع لسيادة السالجقة‪.‬‬
‫لذلك ينطبق عليها اليمْب الذم أداه قادة الصليبيْب أماـ اَلمرباطور ألكسيس كومنْب ُب‬
‫القسطنطينية‪ .‬كلكن بلدكين أظهر أف َل أنبية ؽبذا اليمْب‪ ،‬كدل يكن حريصا على الوفاء بتعهداتو‬
‫لإلمرباطور البيزنطي منذ أف جرب حظو ُب قيليقيا‪ ،‬كتل باشر‪ ،‬كالراكنداف‪ ،‬إضافة إذل ذلك أنو توذل‬
‫مقاليد اْلمور ُب الرىا بتفويض من أىل اؼبدينة‪ ،‬كبعد ثورة داخلية قاـ ّٔا اْلرمن ضد أمّب من‬
‫جنسهم‪ ،‬الذم يعترب من الناحية الرظبية من أتباع اَلمرباطورية البيزنطية‪ 4‬الٍب تربطهم ّٔا عالقات‬
‫سيئة‪ ،‬فثورهتم ضد ثوركس ىي رمز للتمرد على سلطة يكرىوهنا‪ .‬كمن شبة فقد كجد بلدكين ُب اْلرمن‬
‫عنصرا قويا لتحقيق طموحاتو‪ ،‬كاستعاف ّٔم لنقل السلطة ُب الرىا من "قائد أرميِب‪-‬بيزنطي إذل قائد‬
‫و‬
‫دبكاتبة من أىلها‬ ‫فرقبي‪-‬أرميِب"‪ 5.‬كقاؿ ابن اْلثّب متحدثا عن امتالؾ الفرقبة للرىا ‪" :‬قد ملكوا الرىا‬
‫ْلف أكثرىم أرمن كليس ّٔا من اؼبسلمْب إَل القليل"‪ 6،‬غّب أف اغبادث دل يكن خافيا على ألكسيس‪،‬‬

‫‪ 1‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪23‬؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق ص ‪88-86‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪263‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 131-132.‬‬
‫‪ 2‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.23-22‬‬
‫‪ 3‬أبو سعيد حامد غنيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ 4‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.293‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 129.‬‬
‫‪ 6‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.204‬‬
‫‪154‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫أجل اؼبطالبة حبقوقو‪ ،‬إذل أف يصبح ُب كضع يبكنو من‬
‫الذم كاف يراقب الوضع من بعيد‪ ،‬كلكنو َّ‬
‫‪1‬‬
‫ربقيقها‪.‬‬

‫كبعد أف حقق بلدكين طموحو‪ ،‬كأسس أكؿ إمارة فرقبية صليبية ُب اؼبشرؽ‪ ،‬كازبذ لنفسو لقب‬
‫كونت الرىا‪ 2،‬كلكي تعظم مكانتو ُب أعْب أتباعو اعبدد الذين نصبوه حاكما على اؼبدينة‪ ،‬راح‬
‫يتوسع ُب القرل كاغبصوف آّاكرة‪ ،‬مستندا ُب ذلك إذل اْلرمن الذين كانوا "على أىبة لبذؿ أركاحهم‬
‫دفاعا عن كل ما فيو صاغبو كؾبده"‪ 3،‬كما اعتمد على بعض الصليبيْب الذين التحقوا بو‪ .‬كُب ىذا‬
‫اإلطار استأنف مشركعو لغزك ظبيساط‪ 4،‬اْلمر الذم أفزع بلق‪ ،‬كؼبا رأل ىذا اْلخّب استعدادات‬
‫بلدكين كإصراره على غزك مدينتو‪ ،‬كأدرؾ صعوبة الدفاع عن إمارتو بعد أف تبدلت اْلكضاع ُب الرىا‪،‬‬
‫عبأ إذل دبلوماسية اؼبساكمة‪ ،‬فعرض عليو بيع مدينتو مقابل عشرة آَلؼ قطعة ذىبية‪ .‬كقبل بلدكين‬
‫ىذا العرض‪ ،‬كتسلم ظبيساط من بلق الذم ً‬
‫قدـ إذل الرىا كازبذىا مقرا لو كغبرسو‪ ،‬على أف يكونوا من‬
‫اؼبرتزقة عند الكونت كمن أتباعو‪ .‬ككجد القائد الصلييب ُب ظبيساط ؾبموعة من الرىائن كاْلسرل‬
‫الرىاكيْب –معظمهم من اْلرمن‪ ،-‬فحررىم صبيعا كأعادىم إذل ذكيهم‪ ،‬فأكسبتو ىذه العملية حب‬
‫‪5‬‬
‫أىارل الرىا لو‪ ،‬كزاد ُب أعينهم زيادة كبّبة‪.‬‬

‫إذا كانت عملية ظبيساط قد فتحت الطريق للفرقبة‪ ،‬بْب الرىا كمدينة ملطية الٍب وبكمها‬
‫جربيل اْلرميِب‪ ،‬فإف بلدكين اىتم بعدىا بتمديد سلطتو إذل مدينة سركج‪ ،(Sarûj) 6‬الٍب تقع بْب‬
‫الرىا كأنطاكية‪ ،‬ككانت تابعة لألراتقة‪ 7،‬فتمكن منها‪ ،‬ككض ػ ػع فػ ػ ػيهػ ػ ػ ػا ح ػ ػ ػام ػ ػي ػ ػ ػة عػ ػ ػ ػسػ ػ ػكػ ػ ػريػ ػ ػة‬

‫‪ 1‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.293‬‬


‫‪ 2‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.295‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.264‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 129.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 133.‬‬
‫‪ 6‬انظر موقع ىذه اؼبدينة ُب ‪ :‬اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪ 7‬تذكر اؼبصادر الالتينية أف حاكم سركج ىو بلك بن ّٔراـ اْلرتقي كيسمونو باَلس )‪ ،(Balas‬كيذكر ابن اْلثّب ُب حوادث سنة‬
‫‪ 494‬ىػ‪ ،‬أف حاكمها ىو سقماف بن ارتق‪ .‬كاْلراتقة ساللة تركية حكمت منطقة ديار بكر كماردين‪ ،‬منذ هناية القرف اػبامس‬
‫اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬حٌب بداية القرف التاسع اؽبجرم‪/‬اػبامس عشر اؼبيالدم‪ .‬كىي تنتسب إذل أرتق بن أكسب أحد =‬
‫‪155‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ف ػ ػ ػرن ػ ػجية أرمينية‪ 1.‬كُب سنة ‪492‬ق‪1099/‬ـ استوذل على قلعة البّبة )‪ 2،(Al-Bîra‬كىي تقع على‬
‫الطريق بْب الرىا كعْب تاب‪ ،‬كتعترب مركزا حربيا‪ ،‬كمنطقة عبور اسَباتيجية كىامة على الفرات‪ ،‬كترؾ‬
‫‪3‬‬
‫على رأسها أمّبا أرمينيا ؿبليا يدعى أبو الغريب )‪.(Abelgh'arib‬‬

‫ىكذا يكوف بلدكين قد قبح –عن طريق اْلرمن‪ُ -‬ب ربويل اإلمارة اْلرمينية البيزنطية إذل كونتية‬
‫فرقبية‪ 4‬أرمينية‪ ،‬أك باْلحرل إمارة أرمينية لورينية‪ 5،‬عاصمتها الرىا‪ ،‬اشتملت على ظبيساط كسركج‬
‫كالبّبة كالراكنداف كتل باشر‪ .‬كىو أكؿ قائد بْب قادة اغبملة الصليبية اْلكذل‪ ،‬استطاع أف يبكن لنفسو‬
‫ُب الشرؽ كوبقق آمالو كأطماعو السياسية بتأسيس إمارة ينفرد حبكمها كسط ؿبيط يشكل اْلرمن‬
‫أغلبيتو‪ ،‬مع كجود بعض اؼبراكز الٍب بقيت خاضعة للمسلمْب‪ .‬كقد شجع ىذا النجاح بقية القادة‬
‫‪6‬‬
‫الصليبيْب على أف وبذكا حذكه ُب تكوين إمارات ْلنفسهم‪.‬‬

‫كالسؤاؿ الذم يطرح نفسو ىنا‪ ،‬كيف استطاع بلدكين أف يؤسس إمارة الرىا ّٔذه السهولة ؟‬
‫كىل كاف يبكن لو أف وبقق ذلك لو أف حاكمها كاف مسلما‪ ،‬أك أف أغلبية سكاهنا كانوا مسلمْب ؟‬

‫=فباليك السلطاف السلجوقي ملكشاه‪ ،‬الذم عينو على مدينة حلواف كأعماؽبا ُب العراؽ‪ٍ ،‬ب دخل ُب طاعة حاكم دمشق تاج الدكلة‬
‫تتش الذم منحو فلسطْب ُب سنة ‪1086‬ـ‪ٍ ،‬ب خلفو أبناؤه‪ ،‬إذل أف طردىم الفاطميوف منها ُب سنة ‪1098‬ـ‪ ،‬فلجأكا إذل اعبزيرة‬
‫كاسسوا ىناؾ إمارة جديدة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪204‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪264‬؛‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 134; Cahen Claude : Artukids, in : Enc. Isl., E. J. Brill, Leiden,‬‬
‫‪1986. vol. I. pp. 662-667).‬‬
‫‪ 1‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪134‬؛ الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪28-27‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‬
‫‪ ،1‬ص ‪265‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 131.‬‬
‫‪ 2‬البّبة ‪ :‬بلد قرب ظبيساط بْب حلب كالثغور الركمية كىي قلعة حصينة كانت تعرؼ بالقلعة البيضاء‪ ،‬تشرؼ على كاحد من‬
‫الطريقْب الرئيسيْب الرابطْب بْب مشاؿ الشاـ كاعبزيرة‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪413‬؛‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du nord, p. 122).‬‬
‫‪3‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪152‬؛ ‪Grousset René : op. cit., t. I, p. 132.‬‬
‫‪4‬‬
‫اغبارثي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪84‬؛ ‪Grousset René : op. cit., t. I, p. 128.‬‬
‫‪ 5‬لورينية ْلف أصل بلدكين البولوشل يعود إذل اؼبنطقة اللورين الواقعة مشاؿ شرؽ فرنسا‪ ،‬ككانت ىذ اؼبنطقة ؿبل نزاع طويل بْب‬
‫اؼبمالك الفرقبية الشرقية كاؼبمالك الفرقبية الغربية‪ ،‬كانتقل ىذا النزاع بْب فرنسا كأؼبانيا‪ ،‬كاستمر إذل اغبرب العاؼبية الثانية‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪72‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.)2895‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Vasiliev A. A. : op. cit., t. II, p. 44; Bréhier Louis : L'Eglise et l'Orient, p. 77.‬‬

‫‪156‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كىنا من اؼبفيد‪ ،‬اإلشارة إذل أف خركج إقليم الثغور كالعواصم من أيدم اؼبسلمْب‪ ،‬كسيطرة‬
‫البيزنطيْب عليو ُب القرف العاشر اؼبيالدم‪ 1،‬يعترب من أىم نقاط القوة ُب اعببهة الصليبية؛ ْلف‬
‫اؼبسلمْب كجدكا أنفسهم مرغمْب على مغادرة اإلقليم‪ ،‬كعملت اإلمرباطورية البيزنطية من جهتها على‬
‫تعمّبه بعناصر مسيحية‪ ،‬كشجعتهم على اَلستقرار ُب مدنو‪ٍ 2.‬ب ىاجر إليو اْلرمن بعد معركة‬
‫منازكرد‪ ،‬كظلت ىجرهتم متواصلة خالؿ الربع اْلخّب من القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬حٌب أصبحوا‬
‫يشكلوف أغلبية السكاف‪ٍ 3،‬ب حلوا ؿبل اَلمرباطورية البيزنطية ُب السيطرة على تلك اعبهات‪ .‬كؼبا أعاد‬
‫السالجقة فتح إقليم الثغور كبسطوا أيديهم على مدنو كقراه‪ ،‬كانتزعوا من اْلرمن بعض اؼبدف مثل‬
‫الرىا‪ ،‬كاؼبصيصة‪ ،‬كاذنة ‪ ...‬فإف ذلك دل يغّب شيئا من الَبكيبة البشرية للسكاف‪ْ ،‬لهنم اكتفوا بأف‬
‫تكوف ؽبم السيادة السياسية فقط‪ ،‬كدل يعملوا على هتجّب العناصر اؼبسيحية‪ ،‬أك على اْلقل تشجيع‬
‫اؼبسلمْب لالستقرار ُب تلك اؼبناطق‪ ،‬بل عمدكا إذل تنصيب حاكم تركي على رأس كل مدينة‪،‬‬
‫ككضعوا حاميات تولت أمر اغبراسة كالدفاع‪ ،‬كترتب عن ذلك حقيقة ىامة‪ ،‬ىي أف سيطرة اْلتالاؾ‬
‫السالجقة على إقليم الثغور‪ ،‬دل تكن سيطرة قوية شاملة‪ ،‬ككانت سيادهتم عليها سطحية‪ ،‬كاكتفوا بأف‬
‫يقدـ ؽبم أمراء اْلرمن فركض الطاعة‪ ،‬عن طريق تقدصل اؼباؿ كاَلعَباؼ بنوع من التبعية ؽبم‪ 4.‬كُب‬
‫ذلك يقوؿ العمرم متحدثا عن دكلة اْلرمن ‪" :‬ككانت طاعتهم آخرا لبقية اؼبلوؾ السالجقة بالركـ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫كعليهم جزية مقررة‪ ،‬كطاعة معركفة‪ ،‬كالعماؿ كالشحاشل على البالد من جهة اؼبلك السلجوقي"‪.‬‬
‫كيستنتج من ذلك أف اؼبسيحيْب كخاصة اْلرمن‪ ،‬ظلوا يشكلوف اْلغلبية الساحقة ُب مدف الثغور‪،‬‬
‫كبات نفوذىم قويا فيها‪ 6،‬كىم الذين سهلوا مهمة بلدكين البولوشل ُب اَلستيالء على مدينة الرىا‪ .‬كلو‬

‫‪ 1‬انظر الفصل اْلكؿ‪ ،‬ص ‪.75-64‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 198.‬‬
‫‪ 3‬زعركر ابراىيم ‪ :‬ربرير الرىا كأثرىا على ؾبرل اغبركب الصليبية‪ ،‬ؾبلة دراسات تاريخية‪ ،‬ع ‪ ،60-59‬جامعة دمشق‪ ،‬جانفي‪-‬‬
‫افريل ‪ .1997‬ص ‪10‬؛ ‪Laurent J. : Des Grecs aux Croisés, p. 446.‬‬
‫‪ 4‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.232-231‬‬
‫‪ 5‬ابن فضل ا﵁ العمرم (شهاب الدين أضبد بن وبي (ت ‪ 749‬ىػ)) ‪ :‬التعريف باؼبصطلح الشريف‪ ،‬ربقيق ؿبمد حسْب مشس‬
‫الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪ .1988 ،‬ص ‪.81-80‬‬
‫‪ 6‬زعركر ابراىيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪157‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كاف حاكمها مسلما‪ ،‬أك أغلب سكاهنا مسلموف‪ ،‬لكانت عملية اَلستيالء عليها ـبتلفة سباما‪.‬‬
‫يضاؼ إذل ذلك أف الصراعات كاَلنقسامات كانت قد اهنكت اعببهة اَلسالمية‪ ،‬فالصراع العباسي‬
‫الفاطمي‪ ،‬كاف لو أثره ُب سبزيق العادل اَلسالمي‪ ،‬إذل معسكر سِب تقوده اػبالفة العباسية ُب بغداد‪،‬‬
‫كمعسكر شيعي تقوده الدكلة الفاطمية ُب القاىرة‪ .‬كبعد كفاة السلطاف ملكشاه سنة‬
‫‪485‬ق‪1092/‬ـ‪ ،‬انتهت معو مرحلة التألق ُب تاريخ السالجقة‪ ،‬كاكبلت دكلتهم‪ ،‬كانشغل أفراد‬
‫بيتهم بالتنافس كالصراع كبالتآمر على بعضهم بعضا‪ ،‬كسبزقت دكلتهم إذل إمارات صغّبة‪ .‬حيث‬
‫أصبحت كل مدينة ُب يد قائد من القادة‪ ،‬فبا أدل إذل فراغ سياسي‪ ،‬كغياب قوة إسالمية ضاربة‪،‬‬
‫كقادرة على توحيد جهود اؼبسلمْب‪ .‬استغل بلدكين ىذا الفراغ السياسي كالعسكرم اَلسالمي‪،‬‬
‫بتوجيو كمساعدة من اْلرمن ُب اؼبنطقة‪.‬‬

‫كقامت إمارة الرىا الصليبية بدكر فرقة اَلستطالع الٍب تسبق اعبيش ُب اغبركب‪ ،‬أك كانت دبثابة‬
‫مركز متقدـ‪ ،‬كؿبطة إنذار مبكر للصليبيْب ُب حالة كقوع ىجومات إسالمية قادمة من الشرؽ‪ .‬ككانت‬
‫ُب نفس الوقت حاجزا بينهم كبْب السالجقة ُب آسيا الصغرل كُب العراؽ‪ ،‬كُب بالد فارس‪ ،‬كقلعة‬
‫ربمي بقية اإلمارات الصليبية الٍب ستنشأ فيما بعد ُب بالد الشاـ‪ ،‬من أم ىجوـ يأٌب من النواحي‬
‫الشرقية‪ 1،‬كازبذىا الصليبيوف قاعدة للضغط على على اػباصرة الغربية لدكلة السالجقة‪ ،‬كشكلت‬
‫كحراف‪ ،‬كمشارل العراؽ‪ ،‬كما سيطرت على الطرؽ‬
‫هتديدا ضد مدف ديار بكر‪ ،‬مثل نصيبْب كماردين َّ‬
‫‪2‬‬
‫اؼبؤدية إذل حلب كاؼبوصل‪.‬‬

‫ج ‪ -‬سياسة بلدكين تجاه األرمن في الرىا‬


‫كقد حاكؿ بلدكين أف يطبق سياسة قائمة على الربط بْب العناصر اؼبختلفة الٍب صارت تتألف‬
‫منها اإلمارة‪ ،‬كقد أعطى مثاَل عن ذلك بزكاجو باْلمّبة أردا )‪ ،(Arda‬كىي ابنة أحد اْلمراء اْلرمن‪،‬‬
‫يسمى تفركؽ أك تفنوز )‪ ،(Tafrouk ou Taphnouz‬كىو ابن أخ قسطنطْب أمّب حصن كركر‪،‬‬

‫‪ 1‬عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬تاريخ الصليبيات‪ ،‬ص ‪98‬؛ أبو سعيد حامد غنيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ 2‬طقوش ‪ :‬سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪158‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫الذم دفع صداقا كبّبا‪ ،‬ككعد بلدكين بأف يرث أرضو بعد كفاتو‪ ،‬كأف يؤمنو ضد اْلتراؾ‪ ،‬كأف وبميو‬
‫من خشونة اْلرمن‪ 1،‬كردبا كاف ىؤَلء يريدكف ّٔذه الزهبة مراقبة سيدىم اعبديد‪ 2.‬فهو دل يكن يثق‬
‫فيهم ثقة كاملة‪ ،‬بعدما حدث لثوركس من جانبهم‪ 3.‬كلذلك كاف حريصا على أف يظل العنصر‬
‫اْلرميِب خاضعا للعنصر الالتيِب الغريب‪ 4،‬كلكن قلة عدد الفرساف الفرقبة الذين يعتمد عليهم ُب‬
‫كونتيتو أعاقة عن ربقيق ىذا اؽبدؼ‪ 5.‬كىنا ساعده اغبظ من جديد لتحقيق سياستو‪ ،‬إذ تدفق على‬
‫الرىا عدد كبّب من الصليبيْب الذين كانوا ُب طريقهم إذل أنطاكية‪ ،‬أك بعد أف سئموا من طوؿ‬
‫اغبصار‪ 6،‬كردبا أغراىم بلدكين على القدكـ إليو‪ ،‬فالتحقوا بو ينشدكف حياة أفضل ُب إمارتو‪ 7،‬فأغدؽ‬
‫‪8‬‬
‫عليهم اؼبنح كاْلمواؿ‪ ،‬كشجعهم على الزكاج من أمّبات أرمينيات‪ ،‬كأقطعهم ضياعا ُب الريف‪.‬‬
‫كسرعاف ما أدت ىذه السياسة إذل تكوين أرستقراطية عسكرية فرقبية‪ ،‬ربكم شعبا من اْلرمن يشتغل‬
‫أفراده بالتجارة كالزراعة‪ .‬فما انعكاسات ىذه السياسة على اْلرمن ؟ ككيف كاف موقفهم منها ؟‬

‫دل وبفل أرمن الرىا بالفرقبة كثّبا أكؿ اْلمر‪ ،‬خاصة كأهنم دل يضطهدكىم مذىبيا مثلما كاف‬
‫يفعل البيزنطيوف قبلهم‪ 9،‬كمع مركر اْلياـ‪ ،‬كتزايد تدفق الفرساف الفرنج إذل فبتلكاهتم‪ ،‬اتضحت‬
‫سلبيات ىذه السياسة على الشعب اْلرميِب‪ .‬لقد عاش الصليبيوف الغربيوف ُب الرىا بعيدين عن‬
‫اَلختالط باْلىارل‪ ،‬كاتصفوا بالكربياء كالتعارل‪ ،‬فلم يصانعوىم بل عاملوىم بازدراء كاحتقار‪،‬‬
‫كاعتربكىم جنسا أقل منهم ُب اؼبستول‪ ،‬كاستخدموا العنف معهم ُب كثّب من اْلحواؿ‪ ،‬فبا أساء كثّبا‬
‫إذل شعورىم‪ .‬كاكتشف اْلرمن أنو جرل استبعادىم من ؾبلس الكونت‪ ،‬حيث اقتصر فيو التمثيل عل‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 142; Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 132.‬‬
‫‪2‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪194‬؛ ‪Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. 2, p. 1038.‬‬
‫‪ 3‬اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪ 4‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪152‬؛ اغبارثي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ 5‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 6‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.293‬‬
‫‪ 7‬اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.75-74‬‬
‫‪ 8‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.296‬‬
‫‪ 9‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.152‬‬
‫‪161‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫الفرنج فقط‪ ،‬كما أف الضرائب الٍب يؤدكهنا لبلدكين‪َ ،‬ل تقل عن الضرائب الٍب فرضها عليهم ثوركس‪.‬‬
‫كبعد أف استوذل الفرقبة على الضياع الزراعية خارج أسوار الرىا‪" ،‬كقوم أمرىم‪ ،‬كملكوا الرىا كما‬
‫حوؽبا من اغبصوف الفراتية"‪ 1،‬كجد الفالحوف أنفسهم أقنانا عند أسيادىم القادمْب حديثا‪ 2،‬كأهنم‬
‫استبدلوا سيدا بسيد آخر‪ 3.‬كأحسوا بأسلوب التفرقة الذم يسّب عليو بلدكين‪ ،‬كأنو آثر عليهم‬
‫اؼبسيحيْب الغربيْب الذين كفدكا معو‪ ،‬فأصيبوا خبيبة أمل مريرة‪ 4.‬كأدركوا أهنم حينما سلموا السلطة‬
‫لبلدكين البولوشل إمبا أكرموا لئيما‪ ،‬كندموا على أف مكنوه من السيادة عليهم‪ ،‬كَلت حْب ندـ‪.‬‬

‫تلوـ اؼبؤرخة علية عبد السميع اعبنزكرم‪ ،‬بلدكين الذم دل وبسن انتقاء العناصر الصليبية‬
‫الوافدة إذل إمارتو‪ 5،‬كاغبقيقة أف اللوـ يعود على اْلرمن أنفسهم؛ ْلف ىذا القائد الصلييب دل يدخل‬
‫الرىا كدل يستلم حكومتها إَل دبوافقتهم‪ ،‬كثوركس دل يلق مصرعو إَل على أيديهم‪ ،‬ككاف بإمكاهنم أف‬
‫يعيشوا مستقلْب عن بيزنطة‪ ،‬مع دفع اعبزية للسالجقة الذين وبموهنم من أم غزك خارجي‪ ،‬بدَل من‬
‫تسليم زماـ أمورىم للفرقبة الذين جاؤكا يبحثوف عن مستوطنات ُب الشرؽ‪ ،‬فإف اؼبثل العريب‪" ،‬يداؾ‬
‫أككتا كفوؾ نفخ" خّب من يصف عالقة اْلرمن بالفرقبة‪.‬‬

‫كل ىذه العوامل متضافرة أدت إذل زكاؿ الثقة بْب بلدكين كرعاياه الرىاكيْب‪ .‬كتوترت العالقات‬
‫بْب الطرفْب‪ ،‬كأخذ اْلرمن يدبركف تنظيم إنقالب على حاكمهم اعبديد‪ .‬فتشكلت خلية من اثِب‬
‫عشر فردا من نبالئهم ُب اؼبدينة‪ ،‬كاتصلوا باْلمراء اْلتراؾ اْلراتقة سرا ُب ديار بكر‪ ،‬كأشركوا معهم‬
‫تفنوز صهر بلدكين‪ ،‬الذم كاف ُب الرىا آنذاؾ‪ ،‬ككعدكه بتنصيبو حاكما على الرىا بعد الفتك‬
‫ببلدكين‪ ،‬أك على اْلقل طرده من مدينتهم‪ .‬كبينما اؼبتآمركف وبضركف ُب سرية لإلجهاز عليو‪ ،‬إذ بأحد‬
‫اْلرمن يكشف لو عن خيوط اؼبؤامرة الٍب ترمي َلغتيالو‪ .‬ككاف رد فعلو سريعا‪ ،‬كعنيفا‪ ،‬إذ بتاريخ ‪30‬‬

‫‪ 1‬الفارقي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.268‬‬


‫‪ 2‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪299‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ العالقات بْب الشرؽ كالغرب‪،‬‬
‫ص ‪140‬؛ اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.77-76‬‬
‫‪ 3‬زعركر ابراىيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 4‬أبو سعيد حامد غنيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ 5‬اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.77-76‬‬
‫‪160‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ؿبرـ ‪492‬ق‪ 26/‬ديسمرب ‪1098‬ـ‪ ،‬كقبل أف يبادر اؼبتآمركف بأية حركة‪ ،‬أمر بإلقاء القبض عليهم‪،‬‬
‫كعاقب اثنْب يبثالف رأس اؼبؤامرة‪ ،‬حسب الطريقة اؼبعركفة ُب الدكلة البيزنطية‪ ،‬فسمل أعينهما‪ ،‬كجدع‬
‫أنفيهما‪ ،‬كقطع أيديهما كأرجلهما‪ ،‬كسجن اؼبشتبو ّٔم‪ ،‬كنفى البعض منهم‪ ،‬كجرد البعض اآلخر من‬
‫فبتلكاهتم‪ .‬أما كالد زكجتو تفنوز الذم دل تثبت صلتو باؼبؤامرة‪ ،‬فقد خرج من الرىا‪ ،‬كعاد إذل إقليمو‬
‫‪2‬‬
‫مذعورا مرعوبا‪ ،‬ؼبا شاىده من شدة كجربكت صهره‪ 1.‬كبعد سنوات طرد بلدكين زكجتو اْلرمينية‪.‬‬
‫كىكذا كجد اْلرمن اؼبسيحيوف أنفسهم قد لقوا على يد مسيحي آخر‪ ،‬توذل حكمهم منذ أقل من‬
‫سنة‪ ،‬ما دل يسبق ؽبم أف لقوا مثلو‪ ،‬على أيدم اغبكاـ اؼبسلمْب‪ 3،‬كلذلك اعتربىم رنسيماف ناكركف‬
‫‪4‬‬
‫للمعركؼ‪.‬‬

‫كّٔذه التدابّب أفشل بلدكين البولوشل اَلنقالب ُب مهده‪ ،‬كخرج منو مستفيدا‪ ،‬كقضى على كل‬
‫ما يتوقعو من خطر أرميِب‪ ،‬كأصبح يقف على أرض صلبة‪ ،‬كيشعر بأنو سيد عظيم يبتلك إمارة كاسعة‬
‫اْلطراؼ‪ ،‬كافرة الثركة‪ ،‬كىو الذم كاف يوـ خركجو للحملة َل يبلك شركل نقّب‪ ،‬يعتمد ُب حياتو على‬
‫ما هبود بو عليو اخوتو‪ 5،‬كأضحى اآلف من كبار اْلمراء‪ ،‬كبعد أقل من سنة من استالمو مدينة الرىا‪،‬‬
‫اكتسب شهرة بالغة الذيوع كاَلنتشار‪ ،‬ككل ذلك كاف بفضل اْلرمن الذين أظهركا اَلمتعاض‬
‫كالسخط من السالجقة‪ ،‬كمن البيزنطيْب‪ ،‬فوقعوا ُب قبضة الفرقبة‪ .‬ككما كاف اْلرمن سببا ُب دخوؿ‬
‫الفرقبة إذل الرىا‪ ،‬سيكونوف سببا أيضا ُب دخوؽبم إذل مدينة أنطاكية‪.‬‬

‫‪ -2‬دكر األرمن في سقوط مدينة أنطاكية‬


‫ُب الوقت الذم كاف بلدكين يوطد حكمو كسط اْلرمن ُب غرب اعبزيرة‪ ،‬كاف القسم اْلكرب‬
‫من اعبيش الصلييب الذم غادر مرعش بتاريخ ‪ 8‬ذم القعدة ‪490‬ق‪ 16/‬اكتوبر ‪1097‬ـ‪ ،‬وبث‬

‫‪ 1‬ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪185‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪300‬؛‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, pp. 134-135.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. I, p. 59.‬‬
‫‪ 3‬أبو سعيد حامد غنيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ 4‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.294‬‬
‫‪ 5‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.301‬‬
‫‪161‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫اػبطى زاحفا كبو مدينة أنطاكية ُب مشاؿ الشاـ‪ ،‬كقد صادؼ الصليبيوف ُب طريقهم‪ ،‬صباعات كبّبة‬
‫من اْلرمن‪ ،‬كانوا يسكنوف اغبصوف كالقالع‪ 1،‬كمنها قلعة أرتاح الٍب انتزعوىا من اغبامية الَبكية‬
‫بفضل من بداخلها من اْلرمن‪ 2،‬كُب ذلك يقوؿ كليم الصورم‪" ،‬كما كاد اْلرمن ‪ ...‬النازلْب أرتاح‬
‫يعلموف أف ىؤَلء ا﵀اربْب قد جاؤكا من اعبيش الذم طاؿ انتظارىم إياه كتشوقوا إليو ‪ ...‬فهبوا إذل‬
‫أسلحتهم كانقلبوا على الَبؾ"‪ٍ 3،‬ب استولوا على قلعة بغراس كقالع أخرل بنفس الطريقة‪ 4،‬كبعد أف‬
‫"فتحوا كل ما عربكا ‪ :‬نيقية كالثغور كالدركب‪ ،‬نزلوا على أنطاكية"‪ 5،‬يوـ اْلربعاء ‪ 13‬ذم القعدة‬
‫‪490‬ق‪ 21/‬اكتوبر ‪1097‬ـ‪ ،‬فكاف بوىيموند الذم يقود طالئع القوات الصليبية‪ ،‬أكؿ قائد وبط‬
‫رحالو أماـ أسوارىا‪ ،‬كجاء ُب أثره كل اعبيش‪ٍ ،‬ب كصل تانكرد قادما من قيليقيا‪ ،‬بينما بقي بلدكين‬
‫‪6‬‬
‫ُب الرىا‪ ،‬كاشتد خوؼ الصليبيْب حْب شاىدكا اؼبدينة الضخمة ْلكؿ مرة‪.‬‬

‫تعترب أنطاكية مدينة كبّبة للغاية‪ 7،‬كىي من أقول مدف ذلك العصر ربصينا‪ ،‬حبيث َل يبكن‬
‫مقارنتها ُب مناعتها كقوة ربصينها إَل بالقسطنطينية‪ 8،‬فضال عن موقعها الفريد كاؼبتميز‪ ،‬فبا جعلها‬
‫مفتاحا لشماؿ الشاـ‪ .‬كأدرؾ الصليبيوف أهنم َل يستطيعوف تأمْب سّبىم جنوبا كبو بيت اؼبقدس ما‬
‫دل تقع أنطاكية بأيديهم‪ .‬كؽبا ُب قلوب اؼبسيحيْب قداسة خاصة‪ ،‬إذ فيها أيطلق ْلكؿ مرة اسم‬
‫اؼبسيحيْب على أتباع سيدنا عيسى عليو السالـ‪ ،‬كّٔا بُب بطرس –كبّب اغبواريْب‪ -‬أكؿ أسقفية لو‪،‬‬
‫‪9‬‬
‫ككاف أكؿ من تبوأ فيها كظيفة اْلسقف ىناؾ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 209.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 138.‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.266‬‬
‫‪ 4‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪ 5‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪358‬؛ سبط بن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.300‬‬
‫‪ 6‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪268‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.306‬‬
‫‪ 7‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪8‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪271‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 139.‬‬
‫‪9‬‬
‫ابن العدصل ‪ :‬بغية الطلب‪ ،‬ص ‪85‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪272-271‬؛ ‪Balard Michel : op. cit., p. 60.‬‬

‫‪162‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ككاف فيالريت اْلرميِب قد انتزعها من البيزنطيْب سنة ‪471‬ىػ‪1078/‬ـ‪ ،‬بدعوة تلقاىا من‬
‫أرمن اؼبدينة‪ٍ .‬ب آلت إذل سليماف بن قتلمش سنة ‪477‬ىػ‪1084/‬ـ‪ ،‬عن طريق خيانة داخلية قاـ ّٔا‬
‫اْلرمن‪ .‬كبعد كفاتو آؿ حكمها إذل ابن عمو ملكشاه فعْب عليها سنة ‪479‬ىػ‪1087/‬ـ‪ ،‬أحد رجالو‬
‫كىو ياغي سياف‪ ،‬الذم كاف وبكمها عشية كصوؿ جحافل الصليبيْب إليها‪ ،‬كعلى عاتقو كقعت‬
‫‪1‬‬
‫مسؤكلية الدفاع عن اؼبدينة‪.‬‬

‫كؼبا كصلت اغبملة الصليبية اْلكذل إذل أنطاكية‪ ،‬كاف ياغي سياف ُب موقف سياسي ضعيف‪ ،‬إذ‬
‫دب اػبالؼ بينو كبْب رضواف أمّب حلب‪ ،‬كىو اْلقول بْب أمراء سالجقة الشاـ‪ ،‬كأقرّٔم إذل‬
‫أنطاكية‪ ،‬باإلضافة إذل النزاعات بْب اْلخوين رضواف كدقاؽ أمّب دمشق‪ 2.‬كىكذا كجد الصليبيوف‬
‫جبهة إسالمية فبزقة‪ ،‬كقد حاكؿ ياغي سياف ُب ىذا الوضع اؼبضطرب إلتماس اغبلفاء ؼبساعدتو ُب‬
‫مواجهة أعدائو الذين وباصركف مدينتو‪ .‬فأرسل "كلديو مشس الدكلة كؿبمدا‪ )...( ،‬إذل أمراء‬
‫اؼبسلمْب"‪ 3،‬يطلب منهم النجدة كاؼبساعدة ؼبواجهة صبوع الفرنج‪ ،‬كدل يكتب إذل رضواف بسبب ما‬
‫كاف بينهما من خالؼ‪ ،‬إضافة إذل خشيتو من أف ينتزع منو أنطاكية‪ 4.‬كُب الوقت نفسو أعد ياغي‬
‫سياف عدتو غبصار طويل‪ ،‬فشحن القالع باعبند كاؼبقاتلْب‪ ،‬كاختزف داخل أسوار اؼبدينة اؼبؤف‬
‫‪6‬‬
‫الكافية‪ 5،‬كلذلك مدحو ابن العدصل قائال ‪" :‬ككاف حسن التدبّب ُب سياسة العسكر"‪.‬‬

‫أما الصليبيوف فقد ازبذكا مواضعهم خارج أسوار أنطاكية‪ ،‬كضربوا حصارا عليها‪ ،‬كارتأكا الَبيث‬
‫قبل مباشرة اقتحامها على الرغم من أف فرصة قباحهم كانت فبكنة‪ 7.‬ككاف بوىيموند من أشد‬
‫اؼبعارضْب لفكرة اؽبجوـ اؼبباشر‪ْ ،‬لنو كاف ىبطط َلمتالؾ اؼبدينة كاَلنفراد ّٔا‪ ،‬أسوة دبا قاـ بو بلدكين‬

‫‪ 1‬انظر الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪.184-176 ،173-172‬‬


‫‪ 2‬طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بّبكت‪ .2011 ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪ 3‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪ 4‬طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪279‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.159-158‬‬
‫‪ 6‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.238‬‬
‫‪ 7‬طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪163‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ُب الرىا ‪ ،‬كأشد ما كاف ىبشاه‪ ،‬أنو إذا سقطت اؼبدينة‪ ،‬بفضل اعبهد اؼبشَبؾ للجيوش الصليبية‪ ،‬فلن‬
‫يكوف بوسعو مطلقا أف ينفرد باؼبطالبة بامتالكها‪ .‬كقد تعلم ىذا الدرس من ألكسيس كومنْب‪ ،‬أثناء‬
‫ؿباصرة الصليبيْب ؼبدينة نيقية‪ 1،‬ككاف يدرؾ بأف الطريق اْلقصر لتحقيق حلمو ُب أنطاكية ىو‬
‫اَلتصاؿ بالطابور اػبامس‪.‬‬

‫أ – تقديم المؤف كالمساعدة للصليبيين‬


‫عند كصوؿ الصليبيْب إذل أنطاكية‪ ،‬كاف معظم سكاهنا مسيحيوف‪ ،‬كىم يتكونوف من البيزنطيْب‬
‫كالسرياف كاْلرمن‪ .‬أما اْلتراؾ السالجقة فكانوا أقلية‪ ،‬كقد احتكركا ضبل السالح كالوظائف اإلدارية‬
‫اؽبامة‪ ،‬كتركوا اغبرؼ كالتجارة إذل أىارل اؼبدينة‪ 2.‬ككاف اْلرمن كحدىم يشكلوف ثلث (اك على اْلقل‬
‫ربع) سكاف اؼبدينة‪ 3،‬كلذلك كجد الصليبيوف صعوبة ُب اَلستيالء عليها‪ 4،‬عكس مدينة الرىا أك‬
‫مدف أخرل ُب قيليقيا أك الفرات‪ ،‬حيث كانوا يشكلوف أغلبية السكاف‪ 5.‬كعندما اقَبب الصليبيوف من‬
‫مدينة أنطاكية كجدكا عددا من نصارل اؼبدينة خارج اْلسوار‪ ،‬كىم من السرياف كاْلرمن‪ ،‬بعضهم‬
‫أخرجهم ياغي سياف‪ ،‬كبعضهم خرجوا خفية‪ ،‬كفبا َل شك فيو أهنم قدموا معلومات للصليبيْب تتعلق‬
‫بأسرار اؼبدينة‪ 6،‬كما تذكر بعض اؼبصادر العربية أف ياغي سياف ؼبا علم باقَباب الصليبيْب من مدينتو‪،‬‬
‫أساء السّبة مع اؼبسيحيْب ُب أنطاكية كما جاكرىا‪ ،‬كازبذ اجراءات تعسفية ضدىم‪ ،‬فظلم بعضهم‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫كصادر فبتلكاهتم‪ ،‬فجاءهتم الفرصة لالنتقاـ منو‪.‬‬

‫‪ 1‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.309‬‬


‫‪2‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪334‬؛ ‪Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 833.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan : op. cit., t. II, p., 836.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du nord, p. 211.‬‬
‫‪ 5‬براكر يوشع ‪ :‬عادل الصليبيْب‪ ،‬ترصبة قاسم عبده قاسم ك ؿبمد خليفة حسن‪ ،‬عْب للدراسات كالبحوث اَلنسانية كاَلجتماعية‪،‬‬
‫القاىرة‪ .1999 ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪ 6‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪186‬؛ مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 7‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪135‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪164‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كبعد ثالثة أشهر من اغبصار‪ ،‬نفد ما كاف عند الصليبيْب من مؤف‪ 1،‬كبعد التشاكر قرركا‬
‫"خركج أعظم قادهتم بطائفة من اعبند لشن ضبلة على أرض العدك‪ ،‬يستولوف فيها على اؼباشية‪،‬‬
‫كينهبوف ما يقدركف عليو من الطعاـ الالزـ"‪ 2،‬فأخذكا ينهبوف القرل كالضياع آّاكرة ْلنطاكية كحلب‪،‬‬
‫حبثا عن الغذاء كاْلعالؼ‪ 3،‬كاقَببوا من حلب "فأفسدكا كهنبوا كقتلوا من كجدكا"‪ 4.‬كُب ذلك الوقت‬
‫كصلت إذل شيزر قبدة إسالمية كانت ُب طريقها إذل أنطاكية‪ ،‬على رأسها دقاؽ السلجوقي من‬
‫دمشق‪ ،‬كمعو طغتكْب أتابك‪ ،‬كجناح الدكلة حسْب بن مالعب أمّب ضبص‪ .‬فالتقوا بالصليبيْب عند‬
‫البارة ُب هناية شهر ؿبرـ ‪491‬ق‪/‬ديسمرب ‪ 5،1097‬كيبدك أف اؼبسلمْب دل وبققوا انتصارا حاظبا ضد‬
‫الصليبيْب‪ ،‬بدليل حدكث صدامات أخرل‪ ،‬كانت اغبرب فيها سجاَل بْب الطرفْب‪ 6،‬كسبكن الفرنج‬
‫من السيطرة على بعض القالع كالقرل آّاكرة‪ ،‬منها الركج‪ ،‬كمعرة مصرين‪ ،‬كحارـ‪ ،‬كتل قباسْب‪ ،‬ككاف‬
‫اْلرمن يشكلوف أغلب السكاف فيها‪" 7،‬كغالبا ما كانوا يتصرفوف كفق ما نريد"‪ 8،‬فاستغلوا الفرصة‬
‫كثاركا ضد اغباميات الَبكية اؼبرابطة بتلك اؼبناطق كطردكىا‪ ،‬كانضموا إذل الصليبيْب‪" 9،‬فعند ذلك‬
‫‪10‬‬
‫عصى من كاف ُب اغبصوف كاؼبعاقل آّاكرة ْلنطاكية كقتلوا من كاف فيها كىرب من ىرب منها"‪.‬‬

‫كلكن ىذه اَلنتصارات ا﵀لية دل ربقق للصليبيْب ما كانوا يرجونو من زاد كطعاـ‪ْ ،‬لف اؼبنطقة‬
‫ا﵀يطة بأنطاكية‪ ،‬تعرضت لعمليات هنب متتالية‪ ،‬فأجدبت اْلرض‪ ،‬كاستنزفت اؼبوارد ا﵀لية‪ ،‬بسبب‬

‫‪ 1‬ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪111‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ ـبتصر الدكؿ‪ ،‬ص ‪.085‬‬
‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.294 ،291‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.159‬‬
‫‪ 4‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪ 5‬نفسو‪.‬‬
‫‪ 6‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ 7‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪238‬؛ الركيضي ؿبمود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪199-198‬؛‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 144.‬‬
‫‪ 8‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪9‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 138-139.‬‬
‫‪ 10‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪165‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫عددىم الكبّب‪ ،‬فلم هبدكا ما ينهبونو‪ 1،‬كما أف اؼبسلمْب بدأكا يدافعوف عن أرزاقهم بشكل منظم‬
‫فكانوا ينقضوف على فرؽ السلب كالنهب بأكملها‪ ،‬كقاموا بنقل قطعاهنم كمواشيهم إذل اعبباؿ الٍب َل‬
‫يصل إليها أعداؤىم‪ 2،‬كعادكا إذل أنطاكية بأيد خالية كبطوف خاكية‪ 3.‬كؼبا رأل اْلرمن أف الصليبيْب‬
‫عادكا خبفي حنْب‪ ،‬خاليي الوفاض‪ ،‬أخذكا هبوبوف اعبباؿ كالقرل‪ ،‬يشَبكف اغبنطة كاْلطعمة كيرسلوهنا‬
‫إذل اؼبعسكر‪ ،‬غّب أف اغبافز دل يكن حب اػبّب‪ ،‬إمبا اغبرص على الربح‪ ،‬فباعوا ما حصلوا عليو بأشباف‬
‫مضاعفة‪ 4،‬كقاـ قسطنطْب أمّب آؿ ركبْب ُب جباؿ طوركس‪ ،‬دبد الصليبيْب بكل ما ُب كسعو أف يبده‪،‬‬
‫كبعث بعض الرىباف اْلرمن اؼبقيمْب بأعارل جباؿ اْلمانوس‪ 5،‬بعض اؼبؤف‪ .‬كُب ىذه اْلثناء قاـ‬
‫بلدكين أمّب الرىا من جهتو بإرساؿ كميات من الطعاـ‪ ،‬كبعض اؽبدايا لقادة اعبيش الصلييب‪ ،‬كتنازؿ‬
‫‪6‬‬
‫ْلخيو جودفرم‪ ،‬عن كل موارد تل باشر من حبوب‪ ،‬كنبيذ‪ ،‬كزيوت‪ ،‬كما خصص لو راتبا سنويا‪.‬‬

‫كدل تكف اؼبساعدات الٍب كصلت من قربص كمن جنوة‪ ،‬فأخذ شبح آّاعة يهدد معسكر‬
‫‪7‬‬
‫كعمت الفوضى كسوء النظاـ بْب‬
‫الصليبيْب‪ ،‬كربت تأثّب اعبوع كاإلهناؾ تفشت اْلكبئة بينهم‪َّ ،‬‬
‫اعبند‪ ،‬كتسرب اليأس إذل نفوس بعض قادهتم‪ ،‬فأخذكا ينسحبوف من اغبصار سرا‪ 8،‬كما زاد من‬
‫اضطراب أكضاعهم‪ ،‬كفت ُب عضدىم‪ ،‬أف أخبارا انتشرت بْب صفوفهم تفيد أف كربوغا أمّب‬
‫اؼبوصل‪ ،‬قد صبع حشودا َل وبصيها العد من الفرس كالَبؾ كاْلكراد‪ 9،‬كسار ّٔا إذل الشاـ‪ ،‬كبعد أف‬
‫حاصر الرىا عدة أسابيع‪ ،‬أخذ يزحف ُب طريقو إذل أنطاكية‪ ،‬كبعدىا سيخرج ياغي سياف جبيشو من‬

‫‪ 1‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪300 ،292‬؛ طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ 3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪ 4‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪55-54‬؛ فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ 5‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.314‬‬
‫‪6‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪330-329‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 203.‬‬
‫‪ 7‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪300‬؛ فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪8‬‬
‫فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪111‬؛ فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪54‬؛ ‪Raoul de Caen : op. cit., p. 124.‬‬
‫‪ 9‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.339‬‬
‫‪166‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫اؼبدينة‪ ،‬فيجد الصليبيوف أنفسهم بْب فكي كماشة‪" ،‬فلما ظبعت الفرنج عظمت اؼبصيبة عليهم‬
‫‪1‬‬
‫كخافوا ؼبا ىم فيو من الوىن كقلة اْلقوات عندىم"‪.‬‬

‫كلكن بوىيموند كجد ُب ىذه الظركؼ فرصة لتحقيق حلمو‪ .‬فاستغل أصعب أكقات اغبصار‬
‫كأشدىا حرجا –ُب أكاخر ؿبرـ ‪491‬ق‪/‬أكائل جانفي ‪ -1098‬ليعلن أنو قرر اَلنسحاب كالعودة إذل‬
‫موطنو بإيطاليا‪ ،‬متظاىرا بأنو َل يستطيع اَلستمرار ُب تلك العملية اغبربية الطويلة الٍب دل يكن‬
‫مستعدا ؽبا‪ ،‬كَل يبكنو أف يصرب على رؤية رجالو كفرسانو كخيولو‪ ،‬كىم يتساقطوف كل يوـ صرعى من‬
‫اعبوع كالربد أماـ أسوار أنطاكية‪ ،‬فأسرع قادة الصليبيْب –إَل ريبوند كونت تولوز‪ -‬كتوسلوا إليو أف َل‬
‫‪2‬‬
‫يَبكهم أماـ أسوار أنطاكية‪ ،‬ككعدكه بتسليمها لو فور اَلستيالء عليها‪.‬‬

‫أخذ بوىيموند يعد اػبطة لتنفيذ فكرتو‪ ،‬فقضى أكَل على اعبواسيس الذين كانوا مندسْب بْب‬
‫صفوؼ الصليبيْب بوحشية‪ 3،‬نظرا لدرايتو دبا اشتهر ُب الشرؽ من طرؽ اػبيانة كالغدر‪ .‬ككاف ىو‬
‫نفسو قد أعد خطة لالستيالء على اؼبدينة عن طريق اػبيانة‪ ،‬كعن طريقها استوذل اْلتراؾ على‬
‫انطاكية سنة ‪487‬ق‪1085/‬ـ‪ ،‬كتعترب اػبيانة اػبطر الوحيد الذم كاف َلبد لياغي سياف أف وبذر‬
‫منو‪ 4،‬خاصة من جانب اْلرمن‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.187‬‬


‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪345-338‬؛ مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪67-66‬؛ عاشور سعيد عبد‬
‫الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪161-160‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 160-161.‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.303-301‬‬
‫‪ 4‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.308‬‬
‫‪167‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ب – خيانة فيركز األرميني للمسلمين‬
‫ككاف بوىيموند قد كطد صلتو بأحد القادة بداخل اؼبدينة اظبو فّبكز‪ 1،‬كىو أرميِب اعتنق‬
‫الزراد‪ 3.‬أما بعض اؼبصادر الغربية فقد كصفتو باؼبرتد عن‬ ‫‪2‬‬
‫اَلسالـ‪ ،‬كعرؼ ُب اؼبصادر العربية باسم َّ‬
‫اؼبسيحية‪ 4.‬ككاف ينتمي إذل أسرة أرمينية عريقة ازبذت من اْلمانوس مأكل ؽبا‪ ،‬حيث امتلكت فيو‬
‫اض شاسعة‪ ،‬كازبذ كثّب من أفرادىا من صناعة اْلسلحة حرفة ؽبم‪ 5.‬ككاف فّبكز من أثرياء‬
‫قصورا‪ ،‬كأر و‬
‫اؼبدينة‪ ،‬كلو فيها نفوذ قوم‪ ،‬كىو كبّب عشّبتو كأسرتو‪ ،‬كناؿ ثقة ياغي سياف‪ ،‬فقلده مناصب سامية‪،‬‬
‫فكاف كاًب السر ُب القصر‪ٍ ،‬ب عهد إليو حبراسة أحد أبراج اؼبدينة‪ ،‬كىو برج اْلختْب الذم يقع ُب‬
‫اعبانب الغريب من اؼبدينة‪ ،‬كقد خصص ىذا الربج لتلك العائلة‪ 6.‬كُب ظركؼ اغبصار الصعبة الٍب‬
‫فرضها الصليبيوف على أنطاكية‪ ،‬طلب ياغي سياف من كل سكاف اؼبدينة أف يضعوا ُب قصره نصف‬
‫ما يدخركف من حبوب‪ٍ ،‬ب أرسل إذل فّبكز يطلب منو أف وبضر النصف اؼبتبقي من كمية القمح الٍب‬
‫مازالت عنده‪ 7،‬أك ردبا قدـ فّبكز كمية قليلة‪ ،‬كاحتكر كمية كبّبة عنده‪ ،‬فقاـ ياغي سياف دبصادرة‬
‫‪8‬‬
‫مالو كغلتو‪ ،‬كدل يلبث ذلك اْلرميِب أف حقد على سيده‪ ،‬فنافق كتواطأ مع الصليبيْب ككاتبهم‪.‬‬

‫‪ 1‬ىبتلف ألربت فوف آخن )‪ُ ،(Albert d'Aix‬ب ركايتو عن اؼبصادر اْلخرل‪ ،‬فهو يسمي ىذا اػبائن بوىيموند كيقوؿ أنو تنصر‪،‬‬
‫كسبب اػبيانة تعود إذل أف طفال تركيا كقع ُب اْلسر‪ ،‬كاتفق بوىيموند أف يسلمو إذل أبيو ُب أنطاكية مقابل اػبيانة‪( .‬انظر ‪ :‬ألربت‬
‫فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.)138‬‬
‫‪ 2‬أنا كومينا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪46‬؛ العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪359‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ العالقات بْب‬
‫الشرؽ كالغرب‪ ،‬ص ‪156‬؛ فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪62‬؛ ‪Cahen Claude : La Syrie du nord, p. 215.‬‬
‫‪ 3‬الزراد ليس اظبا‪ ،‬كلكنو اسم فاعل كأصل الفعل زرد كمعناىا نسج أك صنع الدرع‪ ،‬كالزراد ىو صانع الدركع‪ ،‬ككانت عائلة فّبكز‬
‫مشهورة ّٔذه اغبرفة الٍب توارثتها أبا عن جد‪ ،‬كاكتسبت منها ثركة طائلة‪ ،‬كىذا َل يعِب أف فّبكز كاف يبتهن ىذه اغبرفة ‪ ،‬كلكن‬
‫أسرتو اشتهرت ّٔذا اللقب حٌب أصبحت تعرؼ ببِب زردة‪ ،‬ككل أفرادىا عرفوا بلقب الزراد‪( .‬انظر ‪ :‬ابن منظور ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مج‬
‫‪ ،3‬ص ‪194‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)334‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Raoul de Caen : op. cit., p. 131.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 825, 837.‬‬
‫‪6‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪335-334‬؛ ‪Raoul de Caen : op. cit., p. 131.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Raoul de Caen : op. cit., p. 131-132.‬‬
‫‪ 8‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪239‬؛ الركيضي ؿبمود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪168‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫اتصل فّبكز سرا عن طريق ابنو ببوىيموند‪ ،‬كتعددت اؼبراسالت كاؼبكاتبات بينهما‪ 1،‬كحرص‬
‫بوىيموند على أف تظل ىذه اَلتصاَلت سرية‪ ،‬كاتفقا ُب اْلخّب على كيفية الدخوؿ إذل اؼبدينة‬
‫كاؼبكافأة الٍب يتحصل عليها‪ ،‬كالضمانات اؼبقدمة لو‪ ،‬كاحتفظ كليم الصورم بإحدل الرسائل الٍب‬
‫أرسلها فّبكز عن طريق ابنو إذل بوىيموند‪ 2.‬كمقابل ىذه اػبيانة يعيد بوىيموند إذل فّبكز كل اْلراضي‬
‫كاؼبمتلكات الٍب كانت سبلكها عائلتو ُب اْلمانوس‪ ،‬مع ثركة ضخمة ذبعلو من كبار اْلثرياء ُب‬
‫اؼبدينة‪ 3،‬كمن ا﵀تمل أهنما اتفقا على أف يقوـ باعتناؽ اؼبسيحية من جديد‪ 4.‬غّب أف بوىيموند‬
‫احتفظ لنفسو بسر اؼبؤامرة‪ ،‬كدل يبح ْلحد من رجالو أك من قادة الصليبيْب بتفاصيل اَلتفاؽ بينو كبْب‬
‫فّبكز الزراد اْلرميِب‪ 5،‬كبقي يؤكد علنا ما سوؼ يواجو الصليبيْب من أخطار حٌب يعطي قيمة كبّبة‬
‫‪6‬‬
‫َلنتصاره اؼبقبل‪.‬‬

‫راح بوىيموند يعمل لتنفيذ فكرتو‪ ،‬ككاف حريصا على عدـ تسليم اؼبدينة إذل البيزنطيْب‪،‬‬
‫كاَلحتفاظ ّٔا لنفسو‪ 7.‬فاستفز تاتيكوس فبثل اَلمرباطور البيزنطي‪ٍ ،‬ب تظاىر بأنو يقدـ لو النصيحة‬
‫بأف قادة اغبملة الصليبية يتآمركف لقتلو‪ ،‬فانسحب مسرعا إذل السويدية ٍب إذل قربص‪ 8،‬كبذلك زبلص‬
‫بوىيموند من ارتباطاتو مع ألكسيس كومنْب‪ .‬كؼبا حلت ساعة الصفر َلقتحاـ اؼبدينة كما ىو متفق‬
‫عليو مع فّبكز‪ ،‬التقى بوىيموند بكبار القادة كأخربىم ْلكؿ مرة عن خطتو‪ٍ 9،‬ب أمرىم حبشد اعبيش‬
‫بعد الظهر‪ ،‬كالتوجو كبو الشرؽ للتظاىر بأنو يسّب ؼبنع تقدـ كربوغا‪ ،‬كؼبا رأل اْلتراؾ الذين بداخل‬

‫‪1‬‬
‫‪Guibert de Nogent : Histoire des Croisades, chez J.-L.-J. Brière, Librairie, Paris, 1825. p. 155.‬‬
‫‪ 2‬انظر نص ىذه الرسالة ُب اؼبلحق اػبامس‪ ،‬ص ‪.473-472‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪186‬؛ ‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 222.‬‬
‫‪4‬‬
‫مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪66‬؛ ‪Guibert de Nogent : op. cit., p. 156.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Comnène Anne : op. cit., t. III, p. 20.‬‬
‫‪ 6‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.329‬‬
‫‪ 7‬عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬إمارة أنطاكية الصليبية كاؼبسلموف ‪1268-1171‬ـ‪666-567/‬ق‪ ،‬دار اؼبعرفة اعبامعية‪ ،‬اَلسكندرية‪،‬‬
‫‪ .1989‬ص ‪.124‬‬
‫‪ 8‬أنا كومينا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ 9‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪338‬؛ ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫‪171‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫اؼبدينة أف الصليبيْب يبتعدكف عن أسوارىا‪ ،‬أخلدكا للراحة‪ ،‬يبتغوف ليلة ىادئة‪ 1.‬كعند منتصف الليل‪،‬‬
‫صدرت اْلكامر للجيش بالعودة كاؼبرابطة ُب اعبهات الغربية كالشمالية الغربية للمدينة‪ ،‬فوصل جنود‬
‫بوىيموند أماـ برج اْلختْب عند السحر‪ ،‬كنصبوا سلما‪ ،‬ارتقاه كبو ستْب فارسا‪ ،‬الواحد بعد اآلخر‪،‬‬
‫كدخلوا من نافذة بأعلى السور‪ ،‬ككجدكا فّبكز ُب انتظارىم‪ ،‬كظن أف عددىم ليس كافيا فصاح قائال‪:‬‬
‫"ما أقل الفرقبة ؟ أين بوىيموند ؟"‪ 2.‬كمن برج الشقيقتْب تسلل الفرساف إذل برجْب ؾباكرين كانا‬
‫وبرسهما شقيق فّبكز‪ 3،‬كاستولوا عليهما‪ٍ ،‬ب سبكن رفاقهم من أف يقيموا السالدل على سائر أجزاء‬
‫السور‪ ،‬الواقعة بْب اْلبراج الثالثة‪ٍ ،‬ب صعد بوىيموند‪ ،‬كنزلت فئة أخرل من الصليبيْب إذل داخل‬
‫اؼبدينة‪ ،‬فأثاركا السكاف اؼبسيحيْب‪ ،‬كفتحوا باب القديس جورج‪ ،‬كالباب الكبّب‪ ،‬حيث كاف قبالتو‬
‫معظم اعبيش الصلييب‪ ،‬فأخذ يتدفق على اؼبدينة‪ ،‬كاكباز إليو اْلرمن كبقية اؼبسيحيْب‪ٍ ،‬ب أرشدكىم‬
‫‪5‬‬
‫عرب مسالك البلد اؼبتشابكة اؼبعوجة الوعرة‪ 4،‬كأخذكا يقتلوف كل من كجدكه ُب طريقهم من الَبؾ‪.‬‬

‫ج – اجهاز األرمن على ياغي سياف‬


‫اما ياغي سياف فقد فر مع بعض غلمانو‪ .‬كؼبا "طلع عليو النهار رجع إليو عقلو ككاف‬
‫كالوؽباف"‪ 6،‬فندـ على ما فعل‪ ،‬كأخذ يتلهف على ترؾ أىلو كأكَلده كاؼبسلمْب‪ ،‬حٌب سقط مغشيا‬
‫عليو‪ ،‬فتخلى عنو حرسو‪ ،‬كمر بو بعض اْلرمن فعرفوه‪ ،‬كىو على آخر رمق‪ ،‬فقطع أحدىم رأسو‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫كضبلو إذل الفرنج بأنطاكية‪ ،‬فكافأه بوىيموند جبائزة‪ ،‬بينما باع اآلخركف متاعو‪ ،‬كسيفو كغمده‪.‬‬

‫‪ 1‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪68-67‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪331‬؛‬
‫‪Guibert de Nogent : op. cit., p. 158.‬‬
‫‪2‬‬
‫اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪68‬؛ ‪Ibid., p. 160.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Raoul de Caen : op. cit., p. 133.‬‬
‫‪4‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪338‬؛ ‪Guibert de Nogent : op. cit., p. 162.‬‬
‫‪ 5‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪69-68‬؛ رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.332-331‬‬
‫‪ 6‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.186‬‬
‫‪ 7‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪70‬؛ ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪144‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪240‬؛ ابن‬
‫العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪124-132‬؛ ‪Guibert de Nogent : op. cit., p. 164.‬‬

‫‪170‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كىكذا انتقلت انطاكية إذل الصليبيْب يوـ‪ 1‬رجب ‪491‬ق‪ 3/‬جواف ‪1098‬ـ‪ 1،‬بعد اف‬
‫امتنعت عنهم سبعة أشهر‪ ،‬فتحها ؽبم اْلرمن خيانة كغدرا‪ ،‬بعد أف عجزكا عن دخوؽبا عنوة‬
‫كبالسيف‪ ،‬كاستباحوىا أياما للنهب كالسلب كاَلغتصاب‪ ،‬ككشر الصليبيوف عن أنيأّم‪ ،‬بعد أف دؽبم‬
‫اْلرمن على عورات اؼبسلمْب‪ ،‬كربوؿ جنود اؼبسيح إذل قتلة كسفاكي دماء‪َ ،‬ل ىبتلفوف عن الربابرة‪،‬‬
‫كليس ىناؾ أفضل فبا كتبو شاىد عياف قائال ‪" :‬كامتألت صبيع شعاب اؼبدينة كمسالكها باعبثث‪،‬‬
‫حٌب لقد أصبح من اؼبستحيل السّب فيها نظرا للرائحة النتنة اؼبتصاعدة منها‪ ،‬كدل يتمكن أحد منا من‬
‫السّب ُب الشوارع إَل على جثث اؼبوتى"‪ 2،‬كأثار خرب سقوط أنطاكية موجة من الذعر ُب القرل‬
‫‪3‬‬
‫كالبلداف اَلسالمية القريبة فهرب من كاف فيها من اؼبسلمْب كتسلمها اْلرمن‪.‬‬

‫أما بالنسبة لفّبكز‪ ،‬فإذا كانت الركاية الٍب كردت ُب بعض اؼبصادر الالتينية صادقة‪ ،‬فيبدك أنو‬
‫ارتد كاعتنق اؼبسيحية ؾبددا‪ ،‬كظبَّى نفسو بوىيموند‪ ،‬كاستعاد ثركاتو كفبتلكاتو‪ٍ ،‬ب سار مع الصليبيْب‬
‫إذل فلسطْب‪ ،‬كشارؾ معهم ُب حصار بيت اؼبقدس‪ ،‬كبعد أف استولوا عليها‪ ،‬عاد فّبكز إذل أنطاكية‪،‬‬
‫ٍب أرسل من يعلن ُب أسواقها كأزقتها‪ ،‬أف من لو حاجة‪ ،‬كيريد الذىاب معو إذل قصره كأراضيو ُب‬
‫اْلمانوس‪ ،‬سيمنحهم ىناؾ ما كعدىم بو من عطايا كمنح‪ .‬فالتحق بو عدد من الناس‪ ،‬طمعا ُب مالو‬
‫أك ىداياه‪ ،‬فلما كصلوا قلب ؽبم ظهر آّن‪ ،‬كاعتقل بعضهم‪ ،‬كقتل آخرين كاستوذل على خيوؽبم‪ُ ،‬ب‬
‫حْب سبكن آخركف من الفرار‪ٍ .‬ب زبلى عن اؼبسيحية كاعتنق اَلسالـ من جديد‪ ،‬كالتحق خبدمة رضواف‬
‫‪4‬‬
‫بن تتش السلجوقي أمّب حلب‪ ،‬ما جعل بعض اؼبصادر الالتينية تصفو باػبائن‪.‬‬

‫كَل يسمح إطار البحث دبتابعة كل نشاطات اغبملة الصليبية اْلكذل‪ ،‬الٍب تقرر مصّبىا بعد‬
‫سقوط أنطاكية ُب أيدم الصليبيْب‪ 5،‬الذين قاموا بتجنيد عدد كبّب من اْلرمن ُب صفوفهم‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬


‫‪ 2‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪ 3‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.240‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Guibert de Nogent : op. cit., p. 218-219; Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 847-849.‬‬
‫‪ 5‬عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪171‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كاستفادكا منهم كثّبا ُب احتالؿ اؼبدف الساحلية ُب الشاـ‪ ،‬ككانوا إذل جانبهم ُب اغبصار الذم ضربوه‬
‫على بيت اؼبقدس‪ .‬كعلى العكس من ذلك‪ ،‬فقد ازبذكا موقفا معاديا من السرياف‪ ،‬الذين كانوا –ُب‬
‫نظر الصليبيْب‪ -‬أقرب إذل اؼبسلمْب من اْلرمن‪ ،‬باعتبارىم من أىل البلد أم عراقيْب أك سوريْب‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فإهنم دل يكونوا متعاطفْب مع الالتْب‪ ،‬كدل يولوىم شيئا من العطف‪.‬‬

‫أما اْلرمن فكانوا دائما مع الفرقبة ضد البيزنطيْب أك ضد اؼبسلمْب‪ ،‬فحينما فشل كربوغا ُب‬
‫كفر اعبيش الذم كاف معو مَباجعا إذل‬
‫اغبصار الذم ضربو على أنطاكية‪ ،‬كاهنزـ أماـ الصليبيْب‪ِّ ،‬‬
‫حلب أك إذل اؼبدف آّاكرة ْلنطاكية‪ ،‬ف ػإف اْلرمن نصبوا ؽبم الكمائن ُب الطرقات‪ ،‬ككانوا ؽبم‬
‫باؼبرصاد‪ ،‬كن ػه ػب ػوا م ػع ػس ػك ػرى ػم‪ 2.‬كف ػي ‪ 28‬ذم ال ػح ػج ػة ‪491‬ق‪ 25/‬نوفمرب ‪1098‬ـ‪ ،‬خ ػرج‬
‫ري ػم ػون ػد دك ت ػول ػوز )‪ ،(Raymond de Toulouse‬جبيشو من أنطاكية‪ ،‬كسار معو "اْلرمن الذين‬
‫ُب طاعتو"‪ 3‬كحاصركا معرة النعماف‪ ،‬ككاف القس اْلرميِب ُب أنطاكية كً ًٍربيانوس )‪،(Kiprianos‬‬
‫يشجع بِب جلدتو على اَلنضماـ إذل جيش الصليبيْب‪ 4.‬كفبا يدؿ على أهنم أصبحوا جزءا من اعبيش‬
‫الصلييب بعد احتاللو أنطاكية‪ ،‬أنو ُب سنة ‪503‬ق‪1110/‬ـ‪ ،‬ضاعف تانكرد ضبالتو العسكرية ضد‬
‫رضواف ُب حلب‪ٍ ،‬ب طلب منو دفع اعبزية كإطالؽ سراح اْلسرل اْلرمن‪ ،‬الذين أسرىم كقت إغارتو‬
‫‪5‬‬
‫على أنطاكية‪.‬‬

‫كبعد أف استقر الصليبيوف ُب الرىا كأنطاكية‪ ،‬شرعوا يتوسعوف على حساب جّباهنم من‬
‫اؼبسلمْب كاؼبسيحيْب‪ ،‬فانقلب الود كالتعاكف الذم كاف بينهم كبْب اْلرمن إذل عداكة سافرة‪ ،‬أدت إذل‬
‫اندَلع حركب كمعارؾ حامية بْب الطرفْب‪ ،‬كىو ما سنتعرض إليو ُب الصفحات الالحقة‪.‬‬

‫‪ 1‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.336‬‬


‫‪2‬‬
‫ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪241‬؛ ‪Guibert de Nogent : op. cit., p. 206.‬‬
‫‪ 3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.244‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 860.‬‬
‫‪ 5‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪365‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.253‬‬
‫‪172‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫)‪(Kaisoun‬‬ ‫‪ -3‬كوغ فاسيل )‪ (Kogh Vasil‬في كيسوـ‬
‫يسميو ابن اْلثّب "بسيل اْلرمِب صاحب الدركب ببالد ابن َلكف"‪ 1،‬كاشتهر ُب اؼبصادر باسم‬
‫فاسيل اللص‪ ( 2،‬كوغ ‪ )զող( kogh‬باْلرمينية تعِب سارؽ)‪ 3،‬كاكتسب ىذا اللقب "ْلنو كاف‬
‫يسطو على اؼبسافرين باستمرار"‪ 4،‬ما يدؿ على أنو كاف يقوـ ُب بداية شبابو بعمليات السلب‬
‫كالنهب‪ ،‬كالسطو على أمواؿ كفبتلكات الناس‪ ،‬كعلى اؼبارة ُب الطرقات‪ 5،‬أك ْلنو "سرؽ عدة قالع‬
‫من الثغور فتملكها اْلرمن إذل اآلف"‪ 6،‬كقد استوذل على ىذه القالع من البيزنطيْب‪ ،‬مستغال ضعفهم‬
‫بعد معركة منازكرد‪ ،‬كانشغاؽبم باغبرب اْلىلية‪ .‬فهو مغامر مثل فيالريت‪ ،‬كلكنو ىبتلف عنو ْلنو بقي‬
‫ملتزما بطقوس الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬كدل يعتنق مبادئ الكنيسة البيزنطية‪ ،‬كلذلك كاف مقبوَل من عامة‬
‫الشعب اْلرميِب‪ ،‬كمن رجاؿ الدين‪ ،‬أكثر من فيالريت‪ 7،‬اْلمر الذم جعل رجاؿ الدين اْلرمن‬
‫يتخذكف من إقليمو ملجأ ؽبم‪ ،‬منهم الكاثوليكوس جرهبور الثاشل فيكاياسر‪ ،‬الذم أقاـ ُب أكاخر‬
‫حياتو‪ُ ،‬ب اْلراضي التابعة لو‪ ،‬كبالضبط ُب دير يقع قرب كيسوـ يعرؼ بالدير اْلضبر‪ ،‬كاف تابعا‬
‫للسرياف فاغتي ً‬
‫صب منهم كمنح عبثليق اْلرمن‪ ،‬كبقي فيو حٌب كافتو اؼبنية سنة ‪1105‬ـ‪ 8،‬كيثِب عليو‬
‫مٌب الرىاكم على كوغ فاسيل بقولو ‪" :‬ىذا ا﵀ارب الشهّب الذم اجتمعت عنده فلوؿ جيشنا‬
‫‪10‬‬
‫الوطِب"‪ 9،‬كيعتربه بطال قوميا‪ ،‬كمن الذين سانبوا كثّبا ُب دلّْ مشل اْلرمن ُب الشتات‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.295‬‬


‫‪ 2‬ابن الشحنة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪180‬؛ ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 184; Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 1059.‬‬
‫‪ 4‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : loc. cit.‬‬
‫‪ 6‬ابن العربم ‪ :‬ص ‪199‬؛ ابن الشحنة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Mutafian Claude : La Cilicie, t. 1, p. 377.‬‬
‫‪8‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪135‬؛ ‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 257.‬‬
‫‪ 9‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.145‬‬
‫‪10‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 282; Mutafian Claude : loc. cit.‬‬

‫‪173‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫عمرت حوارل ثالثْب سنة (‪ ،)1112-1082‬امتدت من الفرات‬
‫أسس كوغ فاسيل إمارة َّ‬
‫شرقا إذل مرعش غربا‪ ،‬كمن ضواحي ملطية مشاَل إذل البّبة جنوبا‪ 1،‬ككانت معظم ىذه اْلراضي‬
‫جبلية‪ ،‬كىي تضم عدة مدف كقالع منها كيسوـ )‪ ،(Kaisoun‬الٍب ازبذىا عاصمة لو‪ ،‬كيبدك أهنا‬
‫كبسط نفوذه أيضا على رعباف‬
‫كانت مدينة خربة كمهجورة‪ ،‬فقاـ بَبميمها كإعادة بناء سورىا‪ ،‬ى‬
‫)‪ ،(Raban‬كقلعة الركـ‪ ،‬كحصن منصور‪ 2،...‬كامتدت سلطتو ُب بعض السنوات إذل مرعش‪،‬‬
‫كظبيساط‪ ،‬كسرعاف ما غدت تلك اإلمارة اْلرمينية قلعة منيعة‪ ،‬كمأكل لكثّب من اْلرمن‪ ،‬كؿبورا‬
‫آلماؽبم‪ 3.‬ككاف ُب بداية أمره من أتباع فيالريت‪ ،‬كبعد كفاتو‪ ،‬حاكؿ كوغ فاسيل اَلبقاء على الركابط‬
‫اَلظبية مع اَلمرباطورية البيزنطية‪ 4،‬فمنحو ألكسيس كومنْب لقب سباستوس )‪ 5،(Sebaste‬كىو من‬
‫اْللقاب الٍب كاف وبملها بعض رجاؿ اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كيستنتج من ذلك أنو كاف أكثر اْلمراء‬
‫اْلرمن نشاطا ُب الشرؽ‪ ،‬كما كاف ُب كقت من اْلكقات‪ ،‬فبثال ؼبصاحل بيزنطة ُب إقليم الفرات‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫كمعَبفا بسيادهتا‪ ،‬كيقوـ بدكر شبيو بالدكر الذم كاف يقوـ بو أكشْب ُب ؼبربكف‪.‬‬

‫دل تنل إمارة كوغ فاسيل حظها من الدراسة كالبحث‪ ،‬كدل ترد معلومات كافية عنها ُب اؼبصادر‪،‬‬
‫كما ىو اغباؿ بالنسبة إلمارة آؿ ركبْب‪ ،‬كآؿ أكشْب ُب جباؿ طوركس‪ ،‬ردبا ْلهنا دل تعمر طويال‬
‫( ثالثوف سنة)‪ ،‬أك ردبا كانت بعيدة عن الطريق الذم سلكو الصليبيوف ُب اذباىهم كبو أنطاكية‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 1059.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 187, 199.‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية ج‪ ،1‬ص ‪.361‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grégoire le prêtre : Chronique de Grégoire le prêtre, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie‬‬
‫‪impériale, 2ème éd., Paris, 1969. t. I, p. 165.‬‬
‫‪5‬‬
‫سباستوس )‪ : (Sebaste‬أم اعبليل‪ ،‬كىو لقب شرُب ابتدعو اَلمرباطور ألكسيس كومنْب‪ ،‬ككاف يبنحو للوجهاء‪ ،‬كأصحاب‬
‫اعباه‪ ،‬الذين َل تربطهم قرابة بالعائلة اغباكمة‪ ،‬كىو لقب كليس رتبة ُب اإلدارة أك ُب السلطة‪ ،‬كقد ضبلو بعض رجاؿ اَلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪ ،‬ككما منح اْلباطرة ىذا اللقب إذل كوغ فاسيل‪ ،‬منحوه أيضا إذل أمراء آؿ ىيثوـ ُب ؼبربكف‪ ،‬كآؿ ركبْب ُب طوركس‪=،‬‬
‫=كىي اإلمارات اْلرمينية الثالث اْلكثر أنبية ُب قيليقيا‪ ،‬كوسيلة لربط ىؤَلء القادة ّٔم‪ ،‬ككرمز لتبعيتهم لإلمرباطورية البيزنطية‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬اغبضارة البيزنطية‪ ،‬ص ‪98‬؛ عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪61‬؛‬
‫)‪Bréhier : Les institutions p. 142, 279; Dulaurier : ds. R.H.C.D. Arm. t. 1, p. 165. Note n°1.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Chalandon Ferdinand : Les Comnène étude sur l'empire Byzantin au XIe et XIIe siècles, Burt‬‬
‫‪Franklin, New York, 1925. t. II, p. 101.‬‬
‫‪174‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كالقدس‪ .‬كقد ارتبط مصّب ىذه اإلمارة إذل حد بعيد‪ ،‬دبصّب اإلمارة الصغّبة الٍب أقامها بقراط ُب‬
‫الراكنداف‪.‬‬

‫بقراط ىو اْلخ اْلصغر لكوغ فاسيل‪ ،‬ازبذه بلدكين مستشارا لو منذ اف تعرؼ عليو ُب نيقية‪،‬‬
‫كىو الذم أرشد الصليبيْب ُب الدركب الوعرة الٍب عربكىا ُب قيليقيا‪ ،‬كنصح بلدكين بالتوجو شرقا كبو‬
‫الفرات حيث يقيم عدد كبّب من اْلرمن الذين ىم ُب انتظاره‪ ،‬ليساعدىم جبيشو ُب حركّٔم ضد‬
‫اْلتراؾ‪ 1.‬كلكن ىذه العالقات اؼبتميزة دل تلبث أف توترت‪ ،‬إذ سرعاف ما ارتاب بلدكين ُب مدل‬
‫إخالص بقراط لو‪ ،‬كاندلعت اغبرب سافرة بينهما‪.‬‬

‫ذلك ْلف بلدكين كاف قد ادخر ُب نفسو كل ما يتصف بو الرجل السياسي من اغبكمة‬
‫كاغبنكة كبعد النظر كالصالبة‪ ،‬فبمجرد أف حامت الشكوؾ حوؿ بقراط‪ ،‬كأصبح مشكوكا ُب مدل‬
‫إخالصو‪ 2،‬عزلو عن اغبكم‪ ،‬كانتزع منو حصن الراكنداف‪ٍ ،‬ب ألقى بو ُب السجن‪ .‬كبقدر ما كاف‬
‫بلدكين صلبا‪ ،‬فإف بقراط كاف أرمينيا شديد اؼبكر‪ ،‬حيث فر من سجنو‪ ،‬كعبأ إذل أخيو كوغ فاسيل ُب‬
‫كيسوـ‪ ،‬فوجد عنده اؼبأكل كاؼبلجأ‪ ،‬كاحتمى باعبباؿ الواقعة ُب إقليمو‪ ،‬كانضم إذل عصابة أخيو‪ٍ ،‬ب‬
‫‪3‬‬
‫أخذا يبتز أىل اْلديرة باْلمواؿ الطائلة‪ ،‬كيقطع الطرؽ على سالكيها كيسلبهم ما وبملوف‪.‬‬

‫كلكي وبمي بقراط نفسو من تسلط بلدكين كأخيو جودفرم عليو‪ ،‬كضع نفسو ُب خدمة‬
‫ب ػوى ػي ػم ػون ػد‪ 4،‬كرغػػم أنػػو اس ػت ػع ػاد بعضا من حصونو كقالعو مؤقتا‪ ،‬فإف بلدكين دك بور‬

‫‪ 1‬انظر الفصل الرابع‪ ،‬ص ‪.241-240‬‬


‫‪2‬‬
‫رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪15‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 125.‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪256‬؛ ج ‪ ،2‬ص ‪27‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪ 4‬يذكر كليم الصورم أف نيكوسيوس كىو أحد أمراء اْلرمن‪ ،‬أرسل إذل بلدكين أثناء حصار الصليبيْب ْلنطاكية‪ ،‬ىدية تتمثل ُب‬
‫خيمة كبّبة منسوجة بإتقاف‪ ،‬كلكن بقراط نصب كمينا َلصطياد اػبدـ اؼبوكل إليهم حراسة ىذه اؽبدية‪ ،‬كأمر رجالو باَلستيالء‬
‫على اػبيمة‪ ،‬كاف يأخذكىا إذل بوىيموند‪ ،‬كهدية من بقراط‪ ،‬ليكسب صداقتو‪ .‬كؼبا ظبع جودفرم من اػبدـ ما حدث ؽبم‪ ،‬توجو‬
‫إذل بوىيموند كطلب منو أف يعيد إليو اػبيمة اؼبهداة إليو شخصيا‪ ،‬كقد اغتصبها منو بغّب حق‪ ،‬فرفض بوىيموند طلب جودفرم‪،‬‬
‫ْلف اػبيمة مهداة من بقراط إليو شخصيا عربونا على التبعية كالوَلء‪ ،‬كمن حقو الشرعي اَلحتفاظ ّٔا لنفسو‪ .‬ككاد أف يندلع نزاع‬
‫بينهما‪ٍ ،‬ب استجاب بوىيموند َللتماسات القادة‪ ،‬كأعاد إذل جودفرم اػبيمة الٍب كانت مهداة إذل بلدكين‪( .‬انظر ‪ :‬كليم الصورم‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،330‬ج‪ ،2‬ص ‪27‬؛ ‪)Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 203-204, 280.‬‬

‫‪175‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫)‪ ،(Baudouin de Bourg‬ابن عم اؼبلك بلدكين كظبيو‪ 1،‬ىاصبو كانتزعها منو‪ٍ ،‬ب اغتالو حوارل‬
‫سنة ‪507‬ق‪1113/‬ـ أك ‪508‬ق‪1114/‬ـ‪ 2.‬كدل يستطع بوىيموند حاكم أنطاكية‪ ،‬أف يقدـ لو أم‬
‫دعم أك مساعدة‪ 3.‬ىكذا أهنى الصليبيوف حياة أكؿ أمّب أرميِب‪ ،‬كضع نفسو ُب خدمتهم‪ ،‬ككظفها‬
‫إلدخاؿ الفرقبة إذل قيليقيا‪ ،‬كفتح ؽبم أبواب الشرؽ على مصراعيو‪ ،‬فإف اؼبثل العريب القائل جزاء‬
‫سنمار‪ ،‬ينطبق سباما على كضعية بقراط ذباه الصليبيْب‪.‬‬

‫كفبا َل شك فيو أف ىذه العالقات اؼبتوترة بْب بقراط كالصليبيْب‪ ،‬كاف ؽبا أثر كاضح ُب عالقة‬
‫بلدكين بكوغ فاسيل‪ ،‬الذم حاكؿ أف وبافظ على استقالؿ إمارتو بعيدان عن نفوذ الصليبيْب‪ ،‬فهو دل‬
‫يرسل ُب طلبهم‪ ،‬كمن ا﵀تمل أف يكوف قد أرسل مساعدة لبلدكين ُب ىجومو على ظبيساط‪ ،‬إَل أنو‬
‫دل يعَبؼ لو بالتبعية‪ ،‬كدل يتلق ُب قالعو كحصونو حاميات صليبية غبمايتو من اْلتراؾ‪ .‬كردبا ساعدتو‬
‫الطبيعة على ذلك‪ ،‬فإمارتو تقع ُب زاكية منعزلة كبعيدة عن طرؽ الصليبيْب‪ ،‬كطابعها اعببلي يزيد من‬
‫صعوبة الوصوؿ إليها‪ ،‬باإلضافة إذل كجود عدد كبّب من نبالء اْلرمن الذين ىاجركا مع فرقهم‬
‫العسكرية اػباصة‪ ،‬كضعوا أنفسهم ُب خدمة كوغ فاسيل‪ٍ .‬ب إف عملية اَلغتياؿ الوحشي كالبشع الٍب‬
‫كح ىذ ىره منهم‪ ،‬كجعلتو‬
‫تعرض ؽبا ثوركس اْلرميِب ُب الرىا‪ ،‬زادت من درجة ارتيابو ُب الصليبيْب‪ ،‬ى‬
‫متحفظان يلتزـ مسافة بعيدة عن بلدكين البولوشل يتقي ّٔا شره‪ 4.‬كلكن سياسة اغبياد السليب‪ ،‬أك‬
‫باْلحرل موقف النعامة الذم التزـ بو كوغ فاسيل كاف كباَل عليو كعلى إمارتو‪ ،‬كدل هبن منو إَل الثبور‬
‫كاػبسراف‪.‬‬

‫‪ 1‬ظل بلدكين وبكم مدينة الرىا حٌب سنة ‪1100‬ـ‪ ،‬حيث انتقل إذل فلسطْب ليتوذل عرش فبلكة بيت اؼبقدس بعد كفاة أخيو‬
‫جودفرم‪ ،‬فاستدعى ابن عمو بلدكين دك بور‪ ،‬الذم كاف آنذاؾ ُب أنطاكية‪ ،‬كقلده حكومة الرىا‪ ،‬على أف يكوف خاضعا لسيادتو‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،455‬ج ‪ ،2‬ص ‪.)63‬‬
‫‪2‬‬
‫رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪211‬؛ ‪Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 1124.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., p. 99.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : op. cit., t. II, p. 1112.‬‬

‫‪176‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫أ ‪ -‬عالقة كوغ فاسيل بالصليبيين‬
‫كاغبقيقة أف اؼبوقف الذم ازبذه كوغ فاسيل‪ ،‬من أخيو بقراط‪ ،‬الذم عبأ إليو بعد فراره من‬
‫سجن بلدكين‪ ،‬يعترب دبثابة إعالف حرب ضد الفرقبة‪ ،‬كربديدان ضد جودفرم أخ بلدكين البولوشل الذم‬
‫تلقى دعوة من أخيو لزيارتو ُب الرىا‪ ،‬فذىب إليو ُب شهر رمضاف ‪491‬ق‪/‬أكت ‪1098‬ـ‪ ،‬ىركبا من‬
‫اْلكبئة الٍب تفشت ُب مدينة أنطاكية بعد سقوطها ُب أيدم الصليبيْب‪ .‬فأقطعو بلدكين حصوف تل‬
‫باشر‪ ،‬كعْب تاب‪ ،‬كالراكنداف‪ 1،‬كىي الٍب كاف بعضها ربت سلطة بقراط سابقا‪ .‬كاستغل بعض‬
‫كبسطوا أمامو شكواىم حوؿ ما‬
‫ضحايا بقراط‪ ،‬ككوغ فاسيل فرصة كجود جودفرم ُب منطقة الفرات‪ ،‬ى‬
‫يتعرضوف لو من هنب كسلب على أيدم رجاؿ بقراط ككوغ فاسيل‪" .‬فبعث على الفور ضدنبا رىطا‬
‫من طبسْب من خاصة فرسانو‪ ،‬مع طائفة من أىل تلك الناحية‪ ،‬فاقتحموا كلهم قالعها بقوة السالح‬
‫كسوكىا باْلرض‪ ،‬لتخضيد شوكة ىذين الكبّبين –كلو إذل حد ما‪ -‬كضبلهما على الكف عن‬
‫سفههما الذم دل يعد ؿبتمال"‪ 2.‬كلكن تلك اؽبجومات دل تقلص من مساحة إمارة كوغ فاسيل الذم‬
‫ظل وبكم كيسوف كرعباف‪ ،‬كقلعة الركـ‪ ،‬بل أضاؼ إليها حصونا أخرل أنبها حصن منصور الذم‬
‫‪3‬‬
‫انتزعو من إمارة الرىا‪.‬‬

‫كإذا كانت عالقة كوغ فاسيل ببلدكين كأخيو جودفرم قد ساءت إذل حد اندَلع اغبرب‬
‫بينهما‪ ،‬فإف عالقتو ببوىيموند كانت على أحسن ما يراـ‪ ،‬ككانت السبيل الوحيد أمامو ليخرج من‬
‫عزلتو‪ .‬ردبا ْلف بوىيموند كاف يدرؾ أكثر من القادة الصليبيْب اآلخرين‪ ،‬أنبية اْلرمن كالدكر الذم‬
‫يبكن أف يقوموا بو ُب اؼبسائل اؼبتعلقة باؼبنطقة‪ ،‬كخاصة ُب اغبرب ضد البيزنطيْب أك اْلتراؾ‪ ،‬كُب‬
‫اْلزمة الناشبة بينو كبْب اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬حوؿ ملكية أنطاكية بعد انتزاعها من أيدم اْلتراؾ‬
‫السالجقة‪ .‬لذلك أظهر قدرا من اَلىتماـ ّٔم‪ ،‬ككاف يعمل دائما على اسَبضائهم كمصانعتهم‪ْ ،‬لف‬
‫جاىز‪،‬‬
‫جيش ه‬‫الركح اغبربية تأصلت فيهم زمنا طويال‪ ،‬فإذا قبح ُب اجتذأّم كتعاكنوا معو أضحى لديو ه‬
‫‪1‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪26‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 279.‬‬
‫‪ 2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.27‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 281.‬‬

‫‪177‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ككاف حريصا على ضبايتهم كالدفاع عنهم معتقدا أف النورماف كاْلرمن ذبمعهم مصلحة مشَبكة‪ ،‬ىي‬
‫‪1‬‬
‫معاداة كل من البيزنطيْب كاْلتراؾ‪.‬‬

‫كجاءت أحداث سنة ‪493‬ىػ‪1100/‬ـ‪ ،‬لتثبت صحة ىذا الرأم‪ ،‬إذ تعرضت مدينة ملطية‬
‫الٍب وبكمها اْلمّب اْلرميِب جربيل‪ ،‬غبصار شديد فرضو عليها كمشتكْب أضبد الدانشمند أمّب‬
‫سيواس‪ ،‬فاستنجد جربيل بأمّب أنطاكية الصلييب بوىيموند‪ ،‬الذم استجاب للنداء كلكنو كقع أسّبا‬
‫بْب أيدم القوات الدانشمندية‪ 2،‬كقد حاكؿ بلدكين أمّب الرىا أف ينقذه من اْلسر‪ ،‬فخرج بدكره من‬
‫الرىا على رأس قوة صغّبة تشمل مائة كأربعوف فارسا مقتفيا أثر القوات الدانشمندية‪ ،‬كظل يتعقبهم‬
‫‪3‬‬
‫ثالثة أياـ‪ ،‬كؼبا توغل بْب اعبباؿ‪ ،‬خشي أف يقع ُب كمْب‪ ،‬فعاد أدراجو إذل ملطية كمنها إذل الرىا‪.‬‬
‫كدل تلبث اْلحواؿ السياسية أف تطورت كبو بقاء بوىيموند ُب اْلسر ؼبدة أطوؿ‪ ،‬كىذا ما يتعارض مع‬
‫مصلحة كوغ فاسيل‪ ،‬حيث تيوُب جودفرم ملك فبلكة بيت اؼبقدس‪ ،‬بتاريخ ‪ 10‬رمضاف‬
‫‪493‬ىػ‪ 18/‬جويلية ‪1100‬ـ‪ ،‬فانتقل بلدكين إذل فلسطْب ليتسلم مقاليد اغبكم باعتباره الوريث‬
‫‪5‬‬
‫الشرعي لعرش أخيو‪ ،‬كعهد بشؤكف الرىا‪ 4‬إذل ابن عمو بلدكين دك بور‪.‬‬

‫كلكن مشكلة عكرت صفو اؼبلك اعبديد لبيت اؼبقدس‪ ،‬كىي كجود تانكرد ُب فلسطْب أين‬
‫يبلك إقطاعا دبدينة حيفا‪ ،‬كدل تكن عالقتو جيدة ببلدكين اؼبلك اعبديد لبيت اؼبقدس‪ ،‬كاؼبعركؼ أف‬
‫تانكرد كاف وبقد على بلدكين بسبب النزاع الذم نشب بينهما منذ ثالث سنوات ُب قيليقيا‪ 6،‬كما‬

‫‪ 1‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪94‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪25‬؛ براكر يوشع ‪ :‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪83‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 424.‬‬
‫‪ 2‬فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.231‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.184‬‬
‫‪ 4‬أنا كومينا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪61‬؛ فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪155‬؛‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 418; Grousset René : Les Croisades, p. 37.‬‬
‫)‪ ،(Balwin de Bourg‬كردبا كاف ابن عمو الثاشل‪ ،‬كقد خلفو ُب حكم الرىا (‪ )1118-1100‬كما‬‫‪ 5‬ىو بلدكين البورجي‬
‫خلفو ُب حكم بيت اؼبقدس (‪( .)1137-1118‬انظر ‪ :‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ ،155‬ىامش رقم ‪.)2‬‬
‫‪ 6‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪160‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.206،210‬‬
‫‪178‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫أنو كاف يسعى لتعيْب بوىيموند حاكما على بيت اؼبقدس بعد كفاة جودفرم‪ 1،‬كفبا َل شك فيو أف‬
‫العالقات بينهما ستزداد توترا ُب فلسطْب‪ .‬كدل يلبث أف ظهر حل بالغ اليسر كالسهولة‪ ،‬حيث كاف‬
‫الصليبيوف ُب أنطاكية حباجة إذل رجل قوم يبأل الفراغ الذم تركو بوىيموند‪ ،‬فوجدكا ضالتهم ُب ابن‬
‫أختو تانكرد الذم بدا اؼبرشح الوحيد الذم وبقق ذلك‪ 2.‬كبقدر ما ابتهج اؼبلك بلدكين ْلنو زبلص‬
‫من تابع َل يثق فيو كَل وببو‪ ،‬فإف تانكرد كاف أكثر منو طربا كغبطة ؽبذه الفرصة الٍب َلحت لو‪ْ ،‬لنو‬
‫سيجد نفسو يتصرؼ مستقال ُب ؾباؿ جديد يفتح أمامو آفاقا كاسعة‪ .‬كؼبا غادر فلسطْب ُب صبادل‬
‫اْلكذل ‪494‬ىػ‪/‬مارس ‪1101‬ـ‪ ،‬دل يشَبط سول أنو إذا عاد خالو من اْلسر ُب خالؿ ثالث‬
‫سنوات‪ ،‬كاستغنت أنطاكية عن خدماتو‪ ،‬فينبغي أف يعاد إليو إقطاعو بفلسطْب‪ .‬كلذا كاف من‬
‫‪3‬‬
‫مصلحة كل من بلدكين كتانكرد أَل هبرم التعجيل بإطالؽ سراح بوىيموند من اْلسر‪.‬‬

‫كدبجرد توليو شؤكف أنطاكية‪ ،‬سلك تانكرد سياسة خارجية قائمة على التوسع على حساب‬
‫جّبانو‪ ،‬ككاف كوغ فاسيل كأخوه بقراط من بْب ضحايا أطماعو التوسعية‪ .‬أما بلدكين دم بور ُب‬
‫الرىا‪ ،‬فقد كانت بالده معرضة لغزكات مستمرة من اْلتراؾ‪ ،‬كلذلك دأب على مصانعة اْلرمن‬
‫كاسَبضائهم‪ ،‬كربقيق نوع من التآلف بينهم كبْب الصليبيْب الغربيْب‪ ،‬كحرص على أف تكوف عالقتو‬
‫طيبة معهم‪ ،‬ليكسب ثقتهم كيضمن مساندهتم‪ ،‬كيستخدمهم جنودان‪ .‬كمن مظاىر التقرب إليهم‬
‫كـباطبة كدىم‪ ،‬أنو تزكج بأمّبة أرمينية كىي مورفيا )‪ ،(Morfia‬البنت الصغرل عبربيل اْلرميِب‬
‫صاحب ملطية‪ 4.‬كعلى العموـ فقد تبُب بلدكين دك بور سياسة تقارب مع اْلرمن‪ ،‬ككاف أكثر‬
‫انفتاحا من ابن عمو بلدكين البولوشل‪ 5،‬كىذا ما جعلو ؿبل مدح من مٌب الرىاكم ‪" :‬لقد كاف ىذا‬

‫‪1‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 425.‬‬
‫‪2‬‬
‫فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪168‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪189‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 436.‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.57‬‬
‫‪ 4‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪27‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.239‬‬
‫‪5‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪352‬؛ ‪Grousset : Histoire des Croisades, t. I, p. 432.‬‬

‫‪181‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫اْلمّب من أكثر اإلفرنج منزلة‪ ،‬ؿباربا باسال‪ ،‬كمثال ُب حسن اْلخالؽ‪ ،‬كعدكا للخطيئة‪ ،‬يتحلى‬
‫‪1‬‬
‫باللطف كالتواضع"‪.‬‬

‫ككاف بلدكين دك بور يتخوؼ كثّبا من أطماع تانكرد التوسعية‪ ،‬كيرتاب ُب نواياه‪ ،‬ككد أف يعود‬
‫بوىيموند إذل أنطاكية‪ 2،‬كىي الرغبة الٍب يتقاظبها مع كوغ فاسيل‪ ،‬الذم قاـ بدكر الوساطة ُب‬
‫التفاكض بْب اْلتراؾ كالفرقبة إلطالؽ سراح بوىيموند‪ 3،‬كؼبا أكشكت اؼبفاكضات على النهاية‪ ،‬قاـ‬
‫أضبد الدانشمند دبهاصبة جربيل ُب ملطية‪ ،‬كدل يتدخل صهره بلدكين دك بور ؼبساعدتو‪ ،‬خوفا من فشل‬
‫اؼبفاكضات‪ ،‬الٍب انتهت دبوافقة الدانشمند على إخالء سبيل بوىيموند ُب شعباف ‪496‬ىػ‪/‬أكاخر مام‬
‫‪4‬‬
‫‪1103‬ـ‪ ،‬مقابل مائة ألف قطعة ذىبية‪ ،‬دفع منها كوغ فاسيل كحده عشرة آَلؼ قطعة (العشر)‪،‬‬
‫قاطعا الطريق أماـ ألكسيس كومنْب الذم اقَبح دفع الفدية مقابل تسليمو بوىيموند‪ ،‬ؼبعاقبتو على‬
‫رفضو تسليم أنطاكية لإلمرباطورية البيزنطية‪ 5.‬ككاف كوغ فاسيل مهندس ىذه اؼبفاكضات‪ ،‬فهو الذم‬
‫قاـ بدكر الوساطة بْب الدانشمنديْب كالفرقبة‪ ،‬كىو الذم دفع عشر الفدية‪ ،‬كأشرؼ على عملية صبع‬
‫اؼببلغ من اْلمراء اؼبسيحيْب‪ٍ ،‬ب أخذه بنفسو إذل غاية حدكد اإلمارة الدانشمندية ُب سيواس‪ ،‬غّب‬
‫بعيد عن عاصمتو كيسوـ‪" ،‬كدل يساىم كونت أنطاكية بشيء يذكر"‪ 6.‬كما أنو كاف أكؿ من استقبل‬
‫بوىيموند بعد إطالؽ سراحو كأخذه إذل قصره لينعم بالراحة‪ ،‬ككزع العطايا على الذين رافقوه ُب‬
‫الطريق‪ .‬كخالؿ اؼبدة القصّبة الٍب أقامها ُب ضيافة اْلرمن‪ ،‬قاـ كوغ فاسيل بتبِب بوىيموند كابن لو‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫بنفس الطريقة الٍب حدثت بْب ثوركس كبلدكين البولوشل ُب الرىا‪ٍ ،‬ب رافقو إذل أنطاكية‪.‬‬

‫‪ 1‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.205‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Raoul de Caen : op. cit., p. 276.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 252.‬‬
‫‪4‬‬
‫مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪136-134‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 441.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Chalandon Ferdinand : op. cit., t. II, p. 100.‬‬
‫‪ 6‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪ 7‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.135-134‬‬
‫‪180‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كيبدك من سياؽ اْلحداث أف اْلمراء اْلرمن دل يأخذكا العربة من التجارب السابقة‪ ،‬كأهنم‬
‫يكرركف نفس اْلخطاء‪ ،‬كرغم الركح اغبربية اؼبتأصلة فيهم فإهنم يرضوف أف يكونوا أتباعا لغّبىم‪.‬‬
‫كاعتقد كوغ فاسيل أنو اشَبل إلمارتو اْلمن كاَلستقرار‪ ،‬بعشرة آَلؼ قطعة ذىبية‪ ،‬كاغبقيقة أنو‬
‫اشَبل كنبا‪ ،‬أك كاف كمن هبرم كراء السراب‪ ،‬كإذا كانت بالده دل تتعرض لغزك فرقبي بعد اػبدمة‬
‫الٍب أسداىا لبوىيموند‪ ،‬فإف ذلك كاف لفَبة مؤقتة كؿبدكدة‪ْ .‬لف سياسة التخاذؿ كاَلحتماء باْلقوياء‬
‫الٍب سار عليها كوغ فاسيل‪ ،‬رىنت مستقبل اإلمارة‪ ،‬كجعلتها مرتبطة بسياسة بوىيموند‪ ،‬فبا يهدد‬
‫أمنها كاستقرارىا‪ ،‬كحٌب كجودىا‪.‬‬

‫ب ‪ -‬سياسة تانكرد تجاه األرمن‬


‫ففي منتصف سنة ‪498‬ىػ‪1104/‬ـ‪ ،‬كقع أمّب الرىا بلدكين دك بور‪ ،‬أسّبا ُب يد سقماف بن‬
‫‪2‬‬
‫أرتق‪ 1،‬فطلب سكاهنا اْلرمن من تانكرد أف يتوذل الوصاية على اؼبدينة إذل غاية إطالؽ سراح أمّبىم‪،‬‬
‫كُب أكاخر الصيف من نفس السنة رحل بوىيموند إذل أكربا‪ ،‬يبحث عن دعم فرقبي‪" ،‬كاستخلف ابن‬
‫أختو طنكريد يدبر أمر أنطاكية كالرىا"‪ 3،‬كدبا أف بوىيموند دل يعد مطلقا إذل الشرؽ‪ 4،‬فإف كوغ فاسيل‬
‫فقد صديقا كحليفا صليبيا‪ ،‬كأضحى تانكرد حاكما ْلنطاكية كالرىا‪ ،‬ككانت سياستو مع اْلرمن زبتلف‬
‫عن سياسة خالو بوىيموند‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪222‬؛ فوشيو الشارترم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪194‬؛‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 449.‬‬
‫‪ 2‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪32‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪252‬؛‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. II, p. 82; Raoul de Caen : op. cit., p. 283.‬‬
‫‪ 3‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪249‬؛ فوشيو الشارترم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪197 ،193‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪257‬؛‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. II, p. 89.‬‬
‫‪ 4‬توجو بوىيموند ُب أكاخر سنة ‪1104‬ـ‪ ،‬إذل إيطاليا‪ ،‬كدل يقم فقط جبمع ا﵀اربْب من إيطاليا كصقلية كفرنسا‪ ،‬بل قاـ أيضا بدعاية كاسعة‬
‫ضد اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كصورىا للغربيْب على أهنا حليفة اَلسالـ كالعقبة الكؤكد ُب كجو الصليبيْب‪ ،‬كأف القضاء عليها ىو الضماف‬
‫الوحيد لنجاح اغبملة الصليبية كاستقرار الصليبيْب ُب الشاـ‪ .‬كبعد عودتو من أكربا دخل بوىيموند ُب حرب ضد اَلمرباطورية البيزنطية سنة‬
‫‪1107‬ـ‪ ،‬كضرب حصارا على حصن دكرازك اؼبنيع‪ ،‬مفتاح شبو جزيرة البلقاف‪ ،‬الذم ظل النورماف زمنا طويال يطمعوف ُب اَلستيالء عليو‪،‬‬
‫كلكن بوىيموند مِب ّٔزيبة أماـ ألكسيس كومنْب‪ ،‬كانتهت اغبرب بينهما بإبراـ معاىدة ديفوؿ سنة ‪1108‬ـ‪ ،‬كقد حطمت تلك اؼبعاىدة‬
‫بوىيموند‪ ،‬الذم دل هبرؤ على العودة إذل إمارتو بالشاـ ‪ ،‬إذ أنو عبأ إذل أمالكو ُب أبوليا بإيطاليا‪ ،‬حيث بقي فيها إذل أف مات ُب مارس سنة‬
‫‪1111‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬فوشيو الشارترم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪209‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪270‬؛ فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪309‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪86-83‬؛ ‪(Grousset R. : op. cit., t. I, p. 456-461‬‬

‫‪181‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫فقد كضع خطة استهدفت إغباؽ إقليم قيليقيا بأكملو بإمارة انطاكية‪ ،‬حيث أغار على مدينة‬
‫اؼبصيصة‪ ،‬كانتزعها من اْلمّب اْلرميِب أكشْب الذم كاف وبكمها غبساب اَلمرباطور البيزنطي‬
‫ألكسيس كومنْب‪ٍ ،‬ب بسط سيادتو على أذنة كطرسوس‪ ،‬كىي مدف ذات أغلبية أرمينية‪ ،‬كمن شبة فإف‬
‫سياسة تانكرد ُب تلك اؼبنطقة دل تكن موجهة ضد البيزنطيْب فحسب بل ضد اْلرمن أيضا‪ .‬كؼبا‬
‫انتقل تانكرد إذل أنطاكية بعد رحيل بوىيموند إذل أكربا‪ ،‬ترؾ ُب مدينة الرىا أحد رجالو‪ ،‬كىو ريتشارد‬
‫دك سالرنو )‪ ،(Richard de Salerne‬نائبا عنو‪" ،‬ككاف ريتشارد ىذا رجال فاسدا طاغية خشنا‬
‫‪2‬‬
‫ظلوما"‪ 1،‬فاشتهرت إدارتو بسوء معاملة اْلرمن‪ ،‬كالقسوة كابتزاز اْلمواؿ‪ ،‬ما أدل إذل نفورىم منو‪،‬‬
‫كما أنو عجز عن ضبايتهم‪ ،‬إذ تعرضت اؼبنطقة ا﵀يطة بالرىا‪ُ ،‬ب صيف ‪498‬ق‪1105/‬ـ‪ ،‬إذل ضبلة‬
‫عسكرية أثناء موسم اغبصاد قاـ ّٔا اْلتابك جكرمش حاكم اؼبوصل‪ ،‬فخرج ريتشارد متهورا على‬
‫رأس مليشيا أرمينية تفتقر إذل التدريب كاَلستعداد‪ ،‬فانقض عليهم اْلتراؾ كقضوا بسهولة على‬
‫اربعمائة كطبسْب رجال‪" 3،‬ىذه الكارثة ألقت دبظاىر اليأس على مدينة الرىا‪ ،‬كأغرقت كل عائلة حبزف‬
‫عميق‪ ،‬ككاف العويل يسمع ُب كل بيت‪ ،‬كغرقت أرياؼ اؼبدينة بالدماء"‪ 4،‬كيضيف مٌب الرىاكم‬
‫معلقا على فَبة حكم ريتشارد قائال ‪" :‬كاغبقيقة عندما احتل ىذا اْلخّب مدينة الرىا تسبب ُب ىالؾ‬
‫العديد من الناس"‪ 5.‬كل ىذه العوامل جعلت اْلرمن يتطلعوف إذل ربرير بلدكين دك بور من اْلسر‪،‬‬
‫كوبنوف إذل أياـ حكمو كىو اْلمّب الذم صانعهم كتقرب منهم كحافظ على شعورىم كتزكج أمّبة‬
‫‪6‬‬
‫أرمينية‪.‬‬

‫كيبدك أف غطرسة تانكرد كتسلطو دفعت اْلرمن ُب عدة مدف إذل طلب النجدة من السالجقة‪،‬‬
‫أك الدخوؿ ُب ضباية بعض اإلمارات اإلسالمية القريبة منهم‪ ،‬حيث تنازلوا ُب أرتاح عن مدينتهم‬

‫‪ 1‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬


‫‪2‬‬
‫اغبارثي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪91‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 195.‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.361‬‬
‫‪ 4‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪ 5‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.162‬‬
‫‪ 6‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.361‬‬
‫‪182‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫للملك رضواف ُب حلب‪ ،‬زبلصا من "جور اإلفرنج"‪ 1،‬كىركبا من طغياف أنطاكية‪ ،‬كساركا على ىذا‬
‫النحو ُب مدف ‪ :‬اؼبعرة‪ ،‬كمصرين‪ ،‬كسرمْب‪ 2،‬كيضيف مٌب الرىاكم متحدثا عن تعسف الصليبيْب ُب‬
‫مدينة البستاف )‪ 3(Ablastha‬سنة ‪1106‬ـ‪ ،‬حيث دمركا بعض الكنائس اْلرمينية‪ ،‬كأغلقوا أخرل‪،‬‬
‫كاضطهدكا رجاؿ الدين‪" ،‬إف ىذه اآلَلـ من صنع أمة اإلفرنج اؼبسعورة؛ ْلنو دل يعد ىناؾ كجود‬
‫لقادة ؿباربْب مشهورين‪ ،‬كاف إماراهتم توذل فيها اؼبسؤكلية أمراء غّب جديرين ّٔا‪ ،‬كالسبب الذم دفع‬
‫اإلفرنج إذل تعذيب كاضطهاد اؼبؤمنْب كاف يكمن كراء اعبشع كالطمع"‪ 4،‬كلذلك قرر أرمن اؼبدينة‬
‫‪5‬‬
‫اَلنتقاـ ْلنفسهم فاتصلوا سرا باْلتراؾ كربالفوا معهم‪.‬‬

‫كاؼبعركؼ أف تانكرد عمل على توسيع مساحة إمارة أنطاكية إذل أقصى حدكدىا‪ ،‬على حساب‬
‫اؼبسلمْب كالبيزنطيْب‪ ،‬كدل يتورع ُب اَلستيالء على بعض فبتلكات اْلرمن الواقعة على ضفٍب الفرات‪،‬‬
‫ككانت لو نوايا ُب اَلستيالء على إمارة الرىا الصليبية الٍب السواد اْلعظم من أىلها أرمن‪ .‬يضاؼ إذل‬
‫ذلك أنو كاف يعمل على أف تكوف كل اإلمارات السلجوقية كاْلرمينية ا﵀يطة بأنطاكية‪ ،‬تابعة‬
‫كخاضعة لو‪ ،‬كإذا كاف قد حقق انتصارات على عدة جبهات‪ ،‬فقد بقي لو أف يىبضع أقول أمّب أرميِب‬
‫كىو كوغ فاسيل‪ 6،‬الذم أحس باػبطر يتهدده ؼبا سبددت سلطة تانكرد إذل الرىا‪ ،‬كأضحت حدكد‬
‫إمارة أنطاكية متاطبة غبدكد إمارتو‪ ،‬بل كتطوقها من عدة جهات حٌب أصبحت تبدك ككأهنا ؿباصرة‬
‫بالفرقبة‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪249‬؛ ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪148‬؛ العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪362‬؛ سبط‬
‫ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.440‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪77‬؛ اغبارثي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪ 3‬أبالستا ‪ :‬تسمى أيضا أبلستْب‪ ،‬كالبًستاف ‪ ،‬كاظبها الركماشل القدصل ىو )‪ ،(Arabissus‬تقع شرؽ قيصرية‪ ،‬كىي من مدف الثغور‬
‫ُب أياـ الركـ‪ ،‬كذكرت اؼبصادر العربية أهنا مدينة اصحاب الكهف‪ ،‬سكنها اْلرمن بعد معركة منازكرد‪ ،‬تقع حاليا ُب تركيا كتسمى‬
‫)‪( .(Arabkir‬انظر ‪ :‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪334-330‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)179-178‬‬
‫‪ 4‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪5‬‬
‫اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪150‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 454.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 1128.‬‬

‫‪183‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كُب ىذه اْلثناء‪ ،‬كانت إمارة كوغ فاسيل تزداد تألقا‪ ،‬حيث قبح سنة ‪500‬ق‪1107/‬ـ‪ُ ،‬ب‬
‫صد ىجوـ قاـ بو جيش من اْلتراؾ‪ ،‬تعداده اثنا عشر ألف جندم‪ ،‬عربكا سهل مرعش‪ ،‬كأخذكا‬
‫العديد من اْلسرل‪ ،‬كؼبا كصلوا إذل أرض كوغ فاسيل‪ ،‬قاـ ىذا اْلخّب جبمع الفرؽ اْلرمينية كخرجوا‬
‫ؼبواجهة اْلتراؾ‪ ،‬كأجربكىم على الَباجع ٍب قاموا دبالحقتهم كاستعادكا منهم الغنائم كاْلسرل‪ 1.‬كُب‬
‫سنة ‪501‬ق‪1108/‬ـ‪ ،‬تعرضت إمارتو إذل ىجوـ جديد قاـ بو سالجقة قونية‪ ،‬الذين قدموا من‬
‫جهة حصن منصور‪ ،‬أثناء موسم اغبصاد كقطف الثمار‪ ،‬فأىلكوا اغبرث‪ ،‬ككقع عدد من الفالحْب‬
‫ُب اْلسر‪ ،‬فتصدل ؽبم من جديد‪ ،‬كخرج على رأس قوة قوامها طبسمائة رجل من نبالء اْلرمن‪،‬‬
‫حققت انتصارا باىرا ضد اْلتراؾ السالجقة‪ 2.‬كل ىذا زاد من نفوذه كسلطانو‪ ،‬كأصبح ُب نظر‬
‫اْلرمن بطال قوميا‪ ،‬كزاد من مكانتو‪ ،‬أف عبأ إليو رئيس الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬الذم ازبذ من إمارتو مأكل‬
‫كملجأ لو‪ ،‬كأقاـ ربت ضبايتو‪.‬‬

‫ج ‪ -‬سياسة بلدكين دك بور تجاه األرمن‬


‫كؼبا أيطلق سراح بلدكين دك بور سنة ‪501‬ىػ‪1108/‬ـ‪ ،‬رفض تانكرد أف يعيد إليو مدينة‬
‫الرىا‪ 3،‬ما أدل إذل اندَلع اغبرب بينهما‪ ،‬فلجأ بلدكين إذل صبيع أمراء اْلرمن ُب اعبهات الواقعة‬
‫شرقي آسيا الصغرل كأطراؼ اعبزيرة‪ ،‬يبحث عن حليف للقياـ بعمل مشَبؾ ضد تانكرد‪ ،‬ككاف‬
‫أكلئك اْلمراء ينظركف إذل تانكرد على أنو خصم عنيد‪ ،‬خاصة منهم كوغ فاسيل‪ 4،‬الذم كانت‬
‫شهرتو تدكم ُب اآلفاؽ‪ ،‬فاذبو إليو بلدكين دك بور يلتمس منو اؼبساعدة لتخليص إمارتو من قبضة‬
‫تانكرد كاستعادة مدينة الرىا‪ ،‬فاستقبلو أحسن استقباؿ‪ ،‬كأغدؽ عليو باؽبدايا‪ ،‬كقد توافقت مصلحة‬
‫‪5‬‬
‫اْلمّب اْلرميِب مع مصلحة اْلمّب الصلييب بسبب زبوؼ اْلرمن من سياسة نانكرد التوسعية‪،‬‬

‫‪ 1‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.155‬‬


‫‪ 2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.158-155‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.274‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 1127.‬‬
‫‪ 5‬طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪184‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫فتحالف معو‪ ،‬كأمده بثمامبائة رجل‪ ،‬كفرقة من البشناؽ‪ ،‬تابعة إلمرباطور الركـ‪ 1،‬كما أرسل أكشْب‬
‫اْلرميِب‪ ،‬حاكم ؼبربكف‪ ،‬ثالشبائة من عساكر البشناؽ اؼبرتزقة‪ ،‬تعبّبان عن ارتياحو للقياـ بكل عمل‬
‫ؼبناىضة تانكرد‪ 2.‬كسار ّٔم بلدكين دك بور من رعباف إذل تل باشر‪ ،‬حيث جرت مناكشات بينو كبْب‬
‫خصمو‪ ،‬كقبل أف تشتد اؼبعركة تدخل بطريك أنطاكية برنارد الفلنسي )‪،(Bernard de Valence‬‬
‫"الذم ىو عندىم كاإلماـ الذم للمسلمْب َل ىبالف أمره‪ ،‬كشهد صباعة من اؼبطارنة كالقسيسْب أف‬
‫بيمند [بوىيموند] خاؿ طنكرل قاؿ لو ؼبا أراد ركوب البحر كالعود إذل بالده أف يعيد الرىا إذل‬
‫القمص إذا خلص من اْلسر"‪ 3،‬كدل هبد تانكرد بدا من اَلنصياع إذل أمر البطريرؾ كتصاحل مع بلدكين‬
‫دك بور‪ 4،‬كأعاد إليو الرىا بتاريخ ‪ 09‬صفر ‪502‬ىػ‪ 18/‬سبتمرب ‪1108‬ـ‪ 5،‬كدخلها منتصرا‪،‬‬
‫كاستقبل من طرؼ رعاياه دبظاىر الغبطة كالسركر‪ .‬كاػباسر اْلكرب ُب ىذه اغبرب ىو كوغ فاسيل‪،‬‬
‫ْلنو سيجد نفسو كحيدا ُب مواجهة تانكرد الذم لن يغفر لو مطلقا ربالفو مع بلدكين دك بور‪،‬‬
‫كمساعدتو لو باؼباؿ كالرجاؿ‪.‬‬

‫كلكن أحداثا طرأت جعلت بلدكين دك بور يغّب سياستو ذباه اْلرمن‪ ،‬كيقلب ؽبم ظهر آّن‪.‬‬
‫ففي صيف ‪506‬ق‪1112/‬ـ‪ ،‬قاـ مودكد‪ 6‬حاكم اؼبوصل دبهاصبة مدينة الرىا‪ ،‬كحاصرىا قرابة‬
‫شهرين‪ .‬كخالؿ اغبصار اتصل بو سرا عشركف أرمينيا‪ ،‬طلبوا منو مساعدهتم للتخلص من حكم‬
‫الصليبيْب‪ ،‬على أف يساعدكه ُب اَلستيالء على اؼبدينة‪ .‬كلكن تلك العملية باءت بالفشل‪ ،‬غّب أهنا‬

‫‪ 1‬أكرد ابن اْلثّب أرقاما أخرل حيث ذكر أف كوغ فاسيل أقبد القمص (بلدكين دك بور) بألف فارس من اؼبرتدين كألفي راجل‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪253‬؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪160-158‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪:‬‬
‫اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪335‬؛‬
‫‪Chalandon Ferdinand : op. cit., t. II, p. 100; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. I, p. 61).‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.183‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.254‬‬
‫‪ 4‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪197-196‬؛ الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪34‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب‬
‫الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.186 ،182‬‬
‫‪5‬‬
‫ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪254‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 478.‬‬
‫‪ 6‬ىو شرؼ الدكلة مودكد بن طغتكْب أك التونتكْب‪ ،‬أرسلو سلطاف سالجقة فارس ؿبمد بن ملكشاه إذل اؼبوصل ليأخذىا من‬
‫اْلمّب جاكرل‪ ،‬فتسلمها اْلمّب مودكد ُب شهر صفر عاـ ‪502‬ىػ‪/‬أكتوبر ‪1108‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ص ‪.)252‬‬
‫‪185‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫تكشف النقاب عن مدل اَلضطهاد الذم تعرض لو اْلرمن على يد الصليبيْب‪ ،‬كأهنم ضاقوا ذرعان‬
‫حبكمهم‪ ،‬كأصبحوا بالنسبة ؽبم أعداء تفوقوا على اْلتراؾ ُب تطرفهم‪ 1.‬كرغبتهم ُب التخلص منهم‪،‬‬
‫كأف حكم السالجقة اؼبسلمْب أرحم من حكم الفرقبة الغربيْب‪.‬‬

‫كبعد أف أخفقت اؼبؤامرة‪ ،‬كقيًربت ُب مهدىا قبل أف تبدأ‪ ،‬أدرؾ بلدكين دك بور أف كجود اْلرمن‬
‫ُب اؼبدينة يشكل خطرا عليو كعلى سالمة الصليبيْب‪ ،‬فقطع الشعرة الٍب تربط بينو كبينهم‪ ،‬كأخذ ُب‬
‫ؿباكمة اؼبتآمرين‪ ،‬كألقى القبض على كثّب من اؼبذنبْب كاْلبرياء‪ ،‬كازبذ إجراءات حاظبة كرادعة ضدىم‬
‫كعاملهم معاملة كحشية صارمة‪ 2،‬فقطع أيدم بعضهم‪ ،‬كجدع أنوفهم‪ ،‬كقلع أعْب البعض اآلخر‬
‫منهم‪ ،‬كقد مات الكثّب من جراء ذلك‪ ،‬كأعدـ اآلخرين‪ 3.‬كؼبا أخذ مودكد حاكم اؼبوصل يتأىب‬
‫غبملة جديدة على الرىا سنة ‪507‬ق‪1113/‬ـ‪ ،‬أمر بلدكين دك بور أحد رجالو دبعاقبة اْلرمن‪ ،‬رغم‬
‫عدـ كجود دليل يثبث تورطهم ثانية مع حاكم اؼبوصل‪ ،‬فانتشر الصليبيوف ُب اؼبدينة يذحبوهنم‬
‫باعبملة‪" ،‬فقد أخرجوا الناس من منازؽبم كطردكىم من اؼبدينة كأمركا حبرؽ الذين بقوا ـبتبئْب ُب‬
‫منازؽبم كدل يبق أحد باستثناء أربعة رجاؿ عبأكا ُب اؼبساء إذل كنيسة القديس ‪ ...‬لقد كاف يوما عصيبا‬
‫على الرىا كما من أحد شاىد تلك اؼبصيبة إَل كرثى نفسو كقدره‪ ،‬كدل يتبق فظاعة إَل كارتكبها‬
‫اإلفرنج"‪ٍ 4،‬ب أمر بالَبحيل اعبماعي كالقسرم ؽبم إذل مدينة ظبيساط كالبالد اْلرمينية اْلخرل القريبة‪،‬‬

‫‪ 1‬السرجاشل راغب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪168‬؛ اغبارثي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪103‬؛‬
‫‪Grousset Ren2 : Histoire des Croisades, t. I, p. 483.‬‬
‫‪ 2‬ليست اؼبرة اْلكذل الٍب يعامل ّٔا بلدكين دك بور اْلرمن ّٔذه الطريقة‪ ،‬حيث سبق لو كأف اضطهدىم سنة ‪1108‬ـ‪ ،‬حيث‬
‫اعتقد اْلرمن ُب الرىا أف أمّبىم قد لقي حتفو ُب حرب دارت بينو كبْب تانكرد‪ ،‬كأف ريتشارد دك سالرنو سيعود من جديد إذل‬
‫الرىا‪ ،‬كىو الذم حكمهم بقساكة شديدة‪ ،‬فعقدكا ؾبلسا كحاكلوا تشكيل حكومة جديدة‪ ،‬كبعد يومْب كصل بلدكين إذل اؼبدينة‬
‫ساؼباف كساكره الشك ُب كقوع خيانة‪ ،‬كاعتقد أف اْلرمن يعدكف خطة َلسَبجاع استقالؽبم كالتخلص منو‪ ،‬فبادر بالضرب على‬
‫أيديهم ُب شدة كعنف‪ ،‬كألقى القبض على عدد كبّب من اْلرمن‪ ،‬كظبل عيوف صباعة منهم‪ ،‬كدل تسلم عينا اْلسقف اْلرميِب إَل‬
‫بعد أف دفع غرامة كبّبة‪ٍ ،‬ب اضطر عدد كبّب من اْلرمن إذل مغادرة اؼبدينة‪( .‬انظر ‪ :‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ‬
‫‪ ،1‬ص ‪185‬؛ ‪.)Grousset René : op. cit., t. I, p. 481-483.‬‬
‫‪ 3‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪37-36‬؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.180-178‬‬
‫‪ 4‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫‪186‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كطرد من تبقى منهم على قيد اغبياة خارج اؼبدينة‪ 1،‬كدل يَبؾ فيها إَل الفرقبة‪ ،‬كالسرياف‪ ،‬كاليعاقبة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كغّبىم من الطوائف اْلخرل‪.‬‬

‫ىذه اْلحداث كما سبقها‪ ،‬غّبت اْلمور فجأة‪ ،‬ما انعكس سلبا على كضع اْلرمن ُب الرىا‬
‫كعلى إمارة كوغ فاسيل ُب الشماؿ‪ ،‬كزادت من شعور الكراىية اؼبتبادؿ بينهم كبْب الصليبيْب ُب تلك‬
‫الفَبة‪ ،‬كظلوا يضمركف اغبقد كالبغضاء كسوء النية ؽبم كلبلدكين دك بور بوجو عاـ‪ ،‬ككلدت عندىم‬
‫شعورا باَلستياء منهم‪ ،‬كأدت إذل تعبئة الرأم العاـ اْلرميِب ضدىم‪ ،‬ليس ُب مدينة الرىا فحسب‪ ،‬بل‬
‫ُب كل أكباء أرمينيا الصغرل‪ ،‬كصبيع اؼبناطق الٍب انتشر فيها اْلرمن من قيليقيا‪ ،‬إذل مشارل الشاـ‪،‬‬
‫كاعبزيرة‪ .‬أما الصليبيوف فلم يقتصر حقدىم على اْلرمن اؼبتواجدين ُب الرىا فقط‪ ،‬بل حقدكا أيضا‬
‫‪3‬‬
‫على كوغ فاسيل‪ ،‬كحسدكه على ازدياد نفوذه كسلطانو‪ ،‬كاتساع أمالكو‪.‬‬

‫كىكذا هتيأت الظركؼ لبلدكين دك بور لينقلب على حليفو السابق‪ ،‬فتحالف ضده مع تانكرد‬
‫الذم جاءتو الفرصة لينتقم من كوغ فاسيل‪ ،‬كدخل اعبميع ُب صراع مكشوؼ سنة‬
‫‪506‬ق‪1112/‬ـ‪ ،‬فهاجم تانكرد بالده‪ ،‬كانتزع منو رعباف‪ ،‬كاستعد لضرب حصار على كيسوـ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫كمن جهتو قاـ كوغ فاسيل حبشد طبسة آَلؼ رجل‪ ،‬كاستوذل من الصليبيْب على حصن منصور‪،‬‬
‫كمن ا﵀تمل أف كصلتو قوة من ملك غازم بن دانشمند‪ 5،‬كاصطفت اعبيوش استعدادا للحرب‪،‬‬
‫كمرت عدة أياـ كدل يتقاتلوا‪ٍ ،‬ب تصاحل اػبصماف‪ ،‬كاتفقا أف يعيد كل طرؼ إذل خصمو اْلراضي الٍب‬

‫‪ 1‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪376 ،374-373‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 196; Grousset : Histoire des Croisades, t. I, pp. 510-511.‬‬
‫‪ 2‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.364‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.200‬‬
‫‪ 4‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪ 5‬ملك غازم بن دانشمند (‪529-499‬ىػ‪ : )1135-1105/‬توذل إمارة سيواس عقب كفاة أبيو كمشتكْب أضبد دانشمند‬
‫سنة ‪499‬ىػ‪1105/‬ـ‪ ،‬كيعترب أكؿ أمّب من أمراء الدانشمند وبظى بتأييد كثقة اػبالفة العباسية ؼبا أظهره من كَلء شديد للخالفة‬
‫خالؿ فَبة حكمو‪ ،‬إذ منحتو لقب ملك فصار لقبا رظبيا من بعده ػبلفائو أمراء الدانشمنديْب ُب سيواس‪ .‬كتقوؿ الركايات أنو‬
‫قضى على صبيع إخوانو يوـ توليو العرش‪ ،‬كقد سبيز حكمو بالعدالة كالتسامح ذباه أىل الذمة‪ ،‬كيذكر عنو أنو ظبع ذات يوـ رجال‬
‫فارسيا يقيم ُب ملطية جلس على الصليب ساخرا من النصارل‪ ،‬فأمر بنفيو خارج اغبدكد‪( .‬انظر ‪ :‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.)53-50‬‬
‫‪187‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫انتزعها منو‪" 1،‬كبعدىا رجع تانكرد ّٔدكء إذل أنطاكية"‪ 2،‬كَل تذكر اؼبصادر أدسل التفاصيل اؼبتعلقة‬
‫باؼبعاىدة أك إبراـ الصلح أك شركط توقيف اغبرب‪ ،‬فبا يدؿ أف القوتْب كانتا متساكيتْب‪ ،‬كأف كوغ‬
‫فاسيل كاف فعال يبلك قوة كنفوذا ُب منطقة الفرات‪ .‬كيبدك أف تانكرد فضل توقيف اغبرب كإبراـ‬
‫الصلح‪ْ ،‬لنو كاف ينتظر أف تؤكؿ إليو إمارة كيسوـ بعد كفاة صاحبها‪ ،‬إذ أف كوغ فاسيل كاف قد تبُب‬
‫بوىيموند كابن لو بعد إطالؽ سراحو سنة ‪496‬ق‪1103/‬ـ‪ ،‬كباعتباره نائبا عن بوىيموند ككريثو ُب‬
‫إمارة انطاكية‪ 3،‬فإف أمالكو تنتقل حتما إذل تانكرد‪.‬‬

‫د ‪ -‬سقوط إمارة كوغ فاسيل‬


‫كما لبث أف مات كوغ فاسيل ُب ‪ 19‬ربيع الثاشل ‪506‬ىػ‪ 12/‬اكتوبر ‪1112‬ـ‪ ،‬بعد فَبة‬
‫كجيزة من إبراـ الصلح مع تانكرد‪ ،‬كقد سبب موتو حزنا بالغا لألرمن الذين كانوا هبدكف فيو كل‬
‫الصفات اؼبمتازة‪ 4،‬كعلى حد قوؿ اؼبؤرخ اْلرميِب ‪" :‬لقد كانت كفاتو خسارة"‪ 5.‬كانتقلت اإلمارة إذل‬
‫أرملتو كابنهما بالتبِب فاسيل دغا )‪ ،(Vasil Dgh'â‬ككاف عمره طبسا كعشرين سنة‪ .‬كيبدك أنو‬
‫اتعظ دبا غبق بسلفو‪ ،‬كأدرؾ أف الصليبيْب ىم اعبانب اْلقول ُب ىذه اؼبرحلة‪ ،‬كَل بد من اَلكبياز‬
‫إليهم أك مصانعتهم‪ 6.‬فأرسل إذل تانكرد ىدايا كثّبة كشبينة‪ ،‬كأرسلت أرملة كوغ فاسيل تاجها إذل‬
‫سيسيليا زكجة تانكرد كرمز للتبعية‪ 7.‬كلكن تانكرد كاف يعترب نفسو الوريث الشرعي الوحيد لكل‬

‫‪ 1‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪201-200‬؛‬


‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 280-281; Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 1129.‬‬
‫‪ 2‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪ 3‬ؼبا توجو بوىيموند إذل أكربا سنة ‪1104‬ـ‪ ،‬يبحث عن دعم عسكرم كمادم‪ ،‬تزكج ىناؾ سنة ‪1106‬ـ‪ ،‬بكونستانس‪ ،‬كونتيسة‬
‫شامبانيا بعد طالقها‪ ،‬كىي ابنة اؼبلك الفرنسي فيليب اْلكؿ (‪ ،)1108-1060‬كأقبب منها كلدين‪ ،‬كقد مات أكؽبما‪ ،‬أما الثاشل‬
‫الذم أخذ اسم أبيو فقد عاش ليكوف كريثو‪ ،‬ككاف على تانكرد أف يستمر ُب حكم الرىا إذل غاية قدكـ ابن بوىيموند ليتوذل مقاليد‬
‫اغبكم ُب إمارة أبيو‪( .‬انظر ‪ :‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪197‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪،258‬‬
‫‪271‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.)82‬‬
‫‪ 4‬عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ 5‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪ 6‬عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪7‬‬
‫مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪182-181‬؛ ‪Dédéyan Gérard : op. cit., t. II, p. 1130.‬‬

‫‪188‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫فبتلكات كوغ فاسيل‪ ،‬كاعترب فاسيل دغا منافسا لو‪ ،‬اْلمر الذم جعلو هبهز جيشا كخرج بو من‬
‫أنطاكية "إذل ناحية كريسيل [كوغ فاسيل] مقدـ اْلرمن"‪ 1،‬يريد احتالؿ بالده كضمها إذل أنطاكية‪،‬‬
‫كلكن القدر دل يبهلو‪ ،‬حيث دنبو اؼبرض فجأة كىو ُب طريقو لغزك كيسوـ‪ ،‬فعاد إذل أنطاكية كمات‬
‫ّٔا ُب ‪ 21‬صبادل الثاشل ‪506‬ىػ‪ 12/‬ديسمرب ‪1012‬ـ‪ 2،‬كدبوتو يكوف تانكرد قد فشل ُب مشركعو‬
‫ليصبح سيدا على بالد اْلرمن‪.‬‬

‫كلكن مشركع الصليبيْب ُب اَلستيالء على بالد الدركب دل يتوقف دبوت تانكرد‪ْ ،‬لف خليفتو‬
‫ُب انطاكية كىو ركجر دك سالرنو )‪َ 3،(Roger de Salerne‬ل يقل دىاء كمثابرة عن سلفو‪ ،‬كما‬
‫أف بلدكين دك بور الذم نكل باْلرمن كطردىم من الرىا‪ ،‬كربالف مع تانكرد لغزك إمارة كوغ فاسيل‬
‫سابقا‪َ ،‬ل زالت إمارتو تتاخم إمارة دغا فاسيل اْلمّب اعبديد لرعباف ككيسوـ‪ ،‬كمن شبة فإف خطر‬
‫الصليبيْب كهتديدىم َل زاؿ قائما‪ .‬كَل يستطيع اْلرمن أف يغفركا للصليبيْب آّازر الٍب ارتكبوىا‬
‫ضدىم ُب الرىا‪ ،‬كسوء معاملتهم ؽبم‪ ،‬كاضطهادىم لكنيستهم‪ ،‬كقد ارربل فريق منهم إذل بالد دغا‬
‫فاسيل‪ ،‬كإذا كانوا غّب مستعدين أف ينسوا ما ذبرعوه من آَلـ على أيديهم‪ ،‬فإهنم أصبحوا وبنوف إذل‬
‫حكم اْلتراؾ السالجقة اؼبسلمْب‪ ،‬كأضحوا مستعدين للتحالف معهم ضد الصليبيْب‪.‬‬

‫لذلك راحت أرملة كوغ فاسيل كابنها بالتبِب يبحثاف عن حليف قوم لالحتماء بو ضد الفرقبة‪،‬‬
‫كيركم ابن اْلثّب ضمن حوادث سنة شباف كطبسمائة‪ ،‬أف بعد كفاة كوغ فاسيل استولت زكجتو على‬
‫اؼبملكة كراسلت آقسنقر الربسقي‪ 4‬حاكم اؼبوصل‪ ،‬تطلب منو اغبماية مع اعَبافها بالتبعية لو‪،‬‬

‫‪ 1‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.183‬‬


‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.295‬‬
‫‪ 3‬ركجر دك سالرنو بن ريتشارد ‪ :‬يسميو ابن اْلثّب سرخالة‪ ،‬ك يع ًرؼ بركجر اْلنطاكي‪ .‬اختاره خالو تانكرد ليكوف خلى ىفو ُب حكم‬
‫مدينة أنطاكية‪ ،‬ؼبا اشتد بو اؼبرض كأدرؾ أنو لن يشفى سنة ‪506‬ق‪1112/‬ـ‪ ،‬كاشَبط عليو أف يتنازؿ عن اغبكم إلبن بوىيموند‬
‫كقدـ من الغرب للحصوؿ على تركة أبيو‪( .‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪295‬؛ مٌب الرىاكم ‪:‬‬ ‫إذا بلغ سن الرشد‪ً ،‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ ،183‬ىامش رقم ‪1‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪203‬؛‬
‫)‪Cahen Claude : la Syrie du nord, p. 266‬‬
‫‪ 4‬أبو سعيد آقسنقر الربسقي الغازم اؼبسمى قسيم الدكلة سيف الدين‪ ،‬عينو السلطاف ؿبمد بن ملكشاه السلجوقي أمّبا على‬
‫اؼبوصل بعد كفاة اْلمّب مودكد‪ ،‬كأمره بقتاؿ الفرنج‪ ،‬كاستمر حكمو حٌب عاـ ‪509‬ىػ‪1116/‬ـ‪ٍ ،‬ب استبدؿ باْلمّب جيوش بك‪=،‬‬
‫‪211‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كسيادتو على اإلمارة‪ ،‬فوافق على ذلك بعد أف فرض عليها جزية رمزا للتبعية‪ 1.‬كشتاف بْب ىذه اغبالة‬
‫كبْب حالة اْلرمن أياـ بلدكين البولوشل الذم استنجدكا بو ليحميهم من السالجقة‪ ،‬فرحبوا بالصليبيْب‬
‫كأرشدكىم عرب الدركب‪ ،‬كأمدكىم باؼبّبة‪ ،‬كفتحوا ؽبم أبواب مدهنم كقصورىم‪ ،‬كىاىم يستنجدكف من‬
‫جديد بالسالجقة غبمايتهم من اْلتراؾ‪ .‬كما أشبو اليوـ بالبارحة إهنم يلتمسوف من الدكؿ اْلكربية أف‬
‫تضغط على تركيا‪ ،‬لتعَبؼ بارتكاب ؾبازر ضد اْلرمن ُب عهد الدكلة العثمانية‪.‬‬

‫كؼبا علم الفرنج دبا حدث‪ ،‬اعتربكا ربالف أمراء كيسوـ اْلرمن مع السالجقة خيانة كربل ضد‬
‫اؼبسيحية‪ ،‬هبب أف يدفع مرتكبوىا الثمن باىظا‪ ،‬كما أف ىذا اغبلف يشكل هتديدا صروبا كربديا‬
‫لإلمارات الصليبية ُب مشاؿ الشاـ‪ ،‬اْلمر الذم دفع بلدكين دك بور إذل اػبركج من الرىا سنة‬
‫‪509‬ىػ‪1115/‬ـ‪ ،‬كإعالف "اغبرب على فاسيل دغا اْلمّب اْلرميِب الكبّب" فحاصر قلعة رعباف‪،‬‬
‫ككاصل ىجماتو عليها لوقت طويل‪ ،‬من غّب أف وبقق منالو‪ ،‬مع أنو دكها من صبيع اعبهات"‪ 2،‬فعاد‬
‫أدراجو إذل الرىا‪.‬‬

‫عندئذ حاكؿ دغا فاسيل تعزيز عالقتو مع بِب جلدتو‪ ،‬فالتمس اؼبساعدة من آؿ ركبْب الذين‬
‫كانوا وبكموف منطقة طوركرس اعببلية‪ ،‬كطلب الزكاج من إحدل بنات أمرائهم‪ .‬فدعاه اْلمّب ثوركس‬
‫بن قسطنطْب (‪ ،)1129-1100‬لزيارتو كمناقشة مسألة التحالف اْلرميِب ضد الصليبيْب‪ ،‬كدبجرد‬
‫دخولو إذل قصره اعتقلو "كاحتجزه غدرا" ٍب اقتاده كسلمو ػبصمو بلدكين دك بور‪ ،‬الذم دل يطلق‬
‫سراحو إَل بعد أف "انتزع منو تنازَل عن حكم مدنو"‪ ،‬كعندئذ ظبح لو دبغادرة الرىا‪ ،‬فلجأ إذل‬
‫القسطنطينية الٍب أمضى فيها بقية حياتو‪ 3.‬كبذلك أسدؿ الستار على إحدل اإلمارات اْلرمينية‪ ،‬بعد‬

‫= فذىب الربسقي إذل إقطاعو ُب مدينة الرحبة كأقاـ فيها‪ .‬كُب عاـ ‪512‬ىػ‪1119/‬ـ‪ ،‬عينو السلطاف ؿبمود شحنة لبغداد‪ ،‬كُب‬
‫عاـ ‪515‬ىػ‪1122/‬ـ‪ ،‬أعاده نفس السلطاف إذل إمارة اؼبوصل كأعمالو‪ ،‬كأضاؼ إليها اعبزيرة كسنجار‪( .‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪:‬‬
‫الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪268‬؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ ،190‬ىامش رقم ‪.)1‬‬
‫‪1‬‬
‫ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪269‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 196.‬‬
‫‪ 2‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪ 3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪201‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪236‬؛‬
‫‪Chalandon Ferdinand : op. cit., p. 101, Grousset : Histoire des Croisades, t. I, pp. 530-531.‬‬
‫‪210‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫أف ظلت تتأرجح بْب الفرقبة كالسالجقة ردحا من الزمن‪ ،‬كما أهنا كانت طرفا أساسيا كمساعدا ُب‬
‫دخوؿ الصليبيْب إذل الشرؽ‪ ،‬كعلى أيديهم انتهت‪.‬‬

‫بعد أف استوذل بلدكين دك بور على رعباف ككيسوـ سنة ‪510‬ىػ‪1116/‬ـ‪ ،‬عزـ على استئصاؿ‬
‫شأفة اْلرمن‪ ،‬كالقضاء على ما تبقى من إمارات أرمينية الواقعة بوادم الفرات‪ 1،‬الٍب كاف ينظر إليها‬
‫بعْب اغبسد‪ ،‬كتتبع بقسوة العديد من قادة اْلرمن كأسقطهم تباعان‪ ،‬ككاف أكثر قساكة عليهم من‬
‫السالجقة أنفسهم‪ 2.‬فاستوذل على البّبة‪ ،‬الٍب كاف وبكمها القائد اْلرميِب أبو الغريب‬
‫)‪ٍ .(Abelgharib‬ب ىاجم بقراط‪ ،‬شقيق كوغ فاسيل‪ ،‬الذم كاف وبكم إمارة صغّبة ُب خوركس‬
‫الواقعة غرب الفرات‪ ،‬كىو الصديق القدصل‪ ،‬كُب نفس الوقت العدك القدصل لبلدكين البولوشل‪ ،‬فهو الذم‬
‫أرشده من نيقية إذل قيليقيا ٍب نصحو بالتوجو إذل الفرات‪ ،‬كىو أكؿ من تذمر من سلطة الفرقبة‪ٍ .‬ب‬
‫غزا بلدكين دك بور بالد قسطنطْب صاحب كركر‪ ،‬كىو اآلخر كاف حليفا لبلدكين البولوشل عشية‬
‫دخوؿ الصليبيْب إذل الشرؽ‪ ،‬كرمى بو ُب سجن ظبيساط‪ٍ ،‬ب يكجد جثة ىامدة بعد أف ألقى بو الزلزاؿ‬
‫‪3‬‬
‫من أعلى إذل أسفل مربوطا بعمود كاف ُب سجنو‪ ،‬فلقي حتفو غرقا‪.‬‬

‫كيسرد اؼبؤرخ مٌب الرىاكم‪ ،‬اؼبآسي الٍب عاشها اْلرمن ُب ظل اغبكم الصلييب‪ ،‬كاعبرائم الٍب‬
‫ارتكبها الفرقبة ُب حق شعبو‪ ،‬كيصفهم بأهنم يبتلكوف ركحا حاقدة شريرة‪ ،‬كَل كجود للرضبة ُب قلؤّم‪،‬‬
‫كما أف أمة اْلرمن فقدت الثقة ُب أمة الفرقبة‪ .‬كلكنو َل يستطيع مواصلة الكتابة‪ ،‬فيتوقف عن سرد‬
‫اْلحداث‪ْ ،‬لنو كاف يكتب خبوؼ شديد من الصليبيْب‪ ،‬حيث قاؿ "لقد أردنا حصر جرائمهم غّب‬
‫‪4‬‬
‫أننا دل نتجرأ على فعل ذلك ْلننا كنا ربت سلطتهم"‪.‬‬

‫لقد رحب كل ىؤَلء اْلمراء اْلرمن بقدكـ الصليبيْب‪ ،‬كدل يكونوا يتوقعوف نزكؿ ىذا اغبظ عليهم‬
‫من أكربا‪ ،‬فهم مسيحيوف‪ ،‬كأكثر من ذلك أعداء للبيزنطيْب‪ ،‬لقد كانوا وبلموف بإهباد حلفاء‪ ،‬كىا ىو‬

‫‪ 1‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪210‬؛‬


‫‪Grousset : Histoire des Croisades, t. I, pp. 530-532.‬‬
‫‪ 2‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.202-201‬‬
‫‪3‬‬
‫رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪211‬؛ ‪Chalandon Ferdinand : op. cit., p. 102.‬‬
‫‪ 4‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫‪211‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫حلمهم يتحقق‪ .‬كلكنو أصبح كابوسا‪ ،‬بل كارثة عليهم‪ ،‬فبعد أف استغلهم "حلفاؤىم" ردكا ؽبم‬
‫‪1‬‬
‫اعبميل بتجريدىم من عركشهم‪ ،‬كفبتلكاهتم‪ ،‬كُب كثّب من اْلحياف باغتياؽبم‪.‬‬

‫بعد أف ذابت اإلمارات اْلرمينية اْلكذل كاندثرت‪ ،‬كبعد أف قضى بلدكين دك بور على ما تبقى‬
‫منها ُب الفرات‪ ،‬دل يبق من اْلمراء اؼبستقلْب إَل آؿ ركبْب ُب اعبهات الغربية من جباؿ طوركس‪،‬‬
‫كعائلة أبناء ركبْب كحدىا الٍب استطاعت البقاء كالتعايش مع اإلمارات الصليبية‪ ،‬كىو موضوع الفصل‬
‫القادـ‪.‬‬

‫‪ -4‬جبريل في ملطية‬
‫أجل الثغور اَلسالمية كأشهرىا‪ 2،‬كرغم أف اؼبسلمْب‬‫كانت مدينة ملطية )‪ (Mélitène‬من ّْ‬
‫‪4‬‬
‫فتحوىا خالؿ القرف اْلكؿ اؽبجرم‪/‬السابع اؼبيالدم‪ 3،‬فقد تعاكرهتا غّب مرة أيدم الركـ كاؼبسلمْب‪.‬‬
‫كُب سنة ‪467‬ق‪1074/‬ـ‪ ،‬استوذل عليها فيالريت كانتزعها من البيزنطيْب‪ ،‬كأضحت تشكل جزءا‬
‫من إمارتو‪ 5،‬كعْب عليها بعض أعوانو من اْلرمن‪ ،‬فأسند حكمها ُب البداية إذل ثوركس بن ىيثوـ‬
‫)‪- ،(Thoros fils de Héthoum‬كىو الذم حكم الرىا فيما بعد‪ ،‬كاستنجد ببلدكين البولوشل‪-‬‬
‫‪6‬‬
‫حارب )‪ٍ ،(Hareb‬ب بالتيانوس )‪ (Balatianos‬كأخّبا جربيل )‪.(Gabriel‬‬
‫ٍب حكمها ى‬
‫يعترب جربيل أحد اؼبغامرين اْلرمن‪ 7،‬كمن رجاؿ فيالريت‪ ،‬الذم عينو نائبا عنو ُب ملطية سنة‬
‫‪477‬ق‪1084/‬ـ‪ 8،‬كمنذ أف توذل اؼبدينة إذل غاية كفاتو سنة ‪496‬ق‪1102/‬ـ‪ ،‬كاجهتو عدة‬
‫ربديات داخلية كخارجية‪ .‬فعلى اعببهة الداخلية‪ ،‬تعرض لكراىية رعاياه بسبب زبليو عن الكنيسة‬

‫‪1‬‬
‫‪Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 386.‬‬
‫‪ 2‬ابن حوقل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪ 3‬البالذرم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.261‬‬
‫‪ 4‬اإلدريسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪650‬؛ ابن الشحنة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪196‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.153‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Grousset : L'Empire du levant, p. 179.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, pp. 173-174.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grousset : op. cit., p. 184.‬‬
‫‪ 8‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪212‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫اْلرمينية كاعتناقو ؼبذىب الكنيسة البيزنطية‪ ،‬ككاف ىدفو من ىذه اػبطوة ىو اغبفاظ على حسن‬
‫العالقات مع اَلمرباطورية البيزنطية‪ 1.‬كإذا عرفنا أف اْلرمن كالسرياف ظلوا يشكلوف أغلبية السكاف ُب‬
‫ملطية‪ 2،‬فيمكن أف ندرؾ درجة توتر العالقات بينو كبْب شعبو‪ ،‬خاصة بعد أف أقدـ على إعداـ أحد‬
‫اْلساقفة‪.‬‬

‫أ ‪ -‬ملطية في مواجهة الدانشمند‬


‫كأىم ربد كاجهو جربيل على اعببهة اػبارجية‪ ،‬كاف يتمثل ُب إحاطة اْلتراؾ دبدينتو من صبيع‬
‫النواحي‪ ،‬كمع بداية حكمو تعرضت ملطية إذل ىجوـ قاـ بو أضبد دانشمند غازم‪ ،‬مستغال فرصة‬
‫انشغاؿ فيالريت حبركبو ضد اْلمّب سليماف بن قتلمش ُب أنطاكية‪ 3،‬فوجد جربيل نفسو ُب ظركؼ‬
‫صعبة‪ ،‬كعجز عن اؼبقاكمة‪ ،‬ككافق على دفع جزية سنوية‪ ،‬كبقاء حامية دانشمندية ترابط قرب حدكد‬
‫ملطية‪ 4،‬كباتت اؼبدينة مهددة باكتساح اْلتراؾ ؽبا ُب حالة رفض دفع اعبزية اؼبقررة عليها‪ .‬كؼبا توُب‬
‫فيالريت سنة ‪483‬ق‪1090/‬ـ‪ ،‬استقل جربيل دبدينة ملطية كأعلن نفسو أمّبا عليها‪ ،‬مستغال ُب‬
‫ذلك ضعف اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كعجزىا عن الدفاع عن مدهنا كأراضيها ُب الشرؽ كاعبنوب‪.‬‬
‫كلكي يضمن استمرار سلطتو‪ ،‬أعلن تبعيتو لألمّب السلجوقي بوزاف الذم عينو السلطاف ملكشاه ُب‬
‫كقت سابق حاكما على مدينة الرىا‪ٍ 5،‬ب أراد أف يعطي ؽبذه التبعية شرعية أكرب‪ ،‬فأرسل زكجتو ُب‬
‫مهمة دبلوماسية إذل بغداد إلعالف التبعية‪ ،‬للخالفة العباسية‪ ،‬كعادت الزكجة كىي ربمل عبربيل‬
‫تأكيدا بضماف بقائو ُب إمارتو‪ 6،‬كاعتقد اْلمّب اْلرميِب أنو قد كفل إلمارتو اَلستقرار كاَلستمرار‪،‬‬
‫كأهنا أصبحت آمنة من ىجومات اْلتراؾ‪.‬‬

‫‪ 1‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.145‬‬


‫‪ 2‬ابن حوقل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪166‬؛‬
‫‪ 3‬انظر الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪.181-175‬‬
‫‪ 4‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪ 5‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 179.‬‬

‫‪213‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ككاف جربيل وبسن اغتناـ الفرص‪ ،‬إذ حدث ُب سنة ‪487‬ق‪1094/‬ـ‪ ،‬أف قيتل سيده بوزاف‬
‫أمّب الرىا‪ ،‬على يد تاج الدكلة تتش بن ألب أرسالف صاحب دمشق‪ 1،‬فانتقلت اؼبدينة إذل أيدم‬
‫‪2‬‬
‫اْلمّب اْلرميِب ثوركس بن ىيثوـ‪ ،‬كحدث تقارب بْب اْلمّبين‪ ،‬حيث كاف جربيل كالد زكجة ثوركس‪،‬‬
‫فتكونت جبهة أرمينية غبماية اإلمارات اْلرمينية الصغّبة من ىجمات السالجقة‪ ،‬ككانت ىذه اعببهة‬
‫أكىن من بيت العنكبوت‪ .‬كدل يكن اػبطر قادما من كراء اْلسوار فحسب بل كاف يكمن بْب‬
‫السكاف‪ْ ،‬لف استياء أىارل اؼبدينتْب من تصرفات اْلمّبين ظل يتفاقم مع الوقت‪.‬‬

‫كؼبا َلحظ أمّب سيواس أضبد دانشمند أف جربيل يتأرجح ُب كَلئو بْب اػبالفة العباسية‪،‬‬
‫كسلطنة السالجقة‪ ،‬كإمارة الرىا‪ ،‬صمم على فتح مدينة ملطية كضمها إذل إمارتو‪ ،‬كشرع ُب ذبهيز‬
‫قواتو استعدادا للزحف عليها‪ ،‬كسرعاف ما كصلت إذل أظباع سلطاف سالجقة الركـ ُب قونية قلج‬
‫أرسالف أنباء ىذه اَلستعدادات‪ ،‬فأمر قواتو بالتحرؾ سريعا كبو ملطية الٍب كصلها قبل القوات‬
‫الدانشمندية‪ ،‬كضرب عليها حصارا سنة ‪488‬ق‪1095/‬ـ‪ٍ 3،‬ب كصل أمّب سيواس مسرعا للحيلولة‬
‫دكف سيطرة السالجقة عليها‪ .‬فاستغل جربيل التنافس القائم بْب القائدين الَبكيْب‪ ،‬كعبأ إذل إثارة‬
‫النزاع كإيقاع الفتنة كالبغضاء بينهما‪ 4،‬حيث أقنع أضبد دانشمند بضركرة عقد ربالف معو ضد قلج‬
‫أرسالف حٌب َل تسقط اؼبدينة بْب أيديهم‪ 5،‬كبذلك يكوف قد قبح ُب التفريق بْب أعدائو‪ ،‬كما‬
‫استطاع أف يدس السم ُب شراب أحد قادة جيش السالجقة ا﵀اصر ؼبدينتو‪ 6،‬ما أدل إذل تسرب‬
‫الشك بْب صفوفهم فضال عن حدكث الفوضى كاَلرتباؾ بينهم‪.‬‬

‫كرغم ذلك فإف قوات السالجقة ظلت رباصر ملطية أمال ُب استسالمها‪ ،‬كؼبا اشتد اغبصار‬
‫على اؼبدينة‪ ،‬جرت مفاكضات بْب الطرفْب‪ .‬كتقدـ مطراف اؼبدينة سعيد بن صابوشل من جربيل‬
‫‪1‬‬
‫اغبسيِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪76‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪15‬؛ ‪Grousset : L'Empire du Levant, p. 183.‬‬
‫‪ 2‬اعبنزكرم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪ 3‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ 4‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.250‬‬
‫‪ 5‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 179.‬‬

‫‪214‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كنصحو قائال ‪" :‬خليق بنا أف ىنر ّْحل السلطاف عنا بكلمات طيبة كىدايا موافقة‪ ،‬كأنت ترل ما يعاشل‬
‫اْلغنياء كالفقراء من الضيق"‪ 1،‬ككاف ىذا اؼبطراف رجال سريانيا‪ ،‬زاىدا عاكفا على العبادة كخدمة‬
‫الكنائس‪ ،‬كوبظى باحَباـ قومو‪ ،‬كلكن جربيل ارتاب ُب كَلئو لو‪ ،‬كأضمر لو الشر‪ .‬كُب الغد أراد‬
‫جربيل أف ينفذ حكم اإلعداـ ُب أحد الضباط –لسبب ما‪ -‬فتدخل اؼبطراف مرة أخرل يريد إنقاذ‬
‫الضابط من حبل اؼبشنقة‪ ،‬غّب أف جربيل شتمو كاهتمو باػبيانة ٍب انقض عليو بسيفو كأجهز عليو‪ ،‬كدل‬
‫يسمح ْلتباعو بدفنو إَل بعد يومْب من قتلو‪ 2.‬ىذه اغبادثة جعلت السرياف بصفة خاصة ُب ملطية َل‬
‫يغفركف مطلقا عبربيل ما قاـ بو ضد مطراهنم‪ 3.‬كسبادل ُب ظلمو كغطرستو ذباه رعاياه‪ ،‬فسقى السم‬
‫ذبار اؼبدينة كأثرياءىىا‪ ،‬فانتزع منهم الذىب كالفضة‪ ،‬كطالت يده فبتلكات‬
‫لبعض رجاؿ الدين كابتز ى‬
‫‪5‬‬
‫الكنائس كدكر العبادة‪ 4،‬كفرض على اْلرمن كالسرياف اَلحتفاؿ بعيد الفصح كفق الرزنامة البيزنطية‪،‬‬
‫ىذه التصرفات زادت من حقد سكاف اؼبدينة عليو‪ ،‬ككانوا ينتظركف الفرصة اؼبناسبة لتسليم مدينتهم‬
‫للسالجقة لينقذكىم من جحيم جربيل اْلرميِب‪ .‬كلكن أحداثا طرأت أطالت ُب عمر ىذه اإلمارة‬
‫الصغّبة كأجلت سقوطها ُب يد السالجقة إذل حْب‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.122‬‬


‫‪2‬‬
‫الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪27‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪122‬؛ ‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 186.‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.67‬‬
‫‪4‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪123‬؛ ‪Ibid. p. 180.‬‬
‫‪ 5‬عيد الفصح ىو أىم أعياد النصارل السنوية‪ ،‬كيسمى أيضا عيد القيامة‪ ،‬كيعترب امتدادا لعيد الفصح اليهودم‪ ،‬كلكن معناه عند‬
‫اؼبسيحيْب ىبتلف عن معناه عند اليهود ‪ ،‬فبينما يعتقد اليهود أف الفصح ىو ذكرل عبورىم من العبودية إذل اغبرية بعد خركجهم‬
‫من مصر‪ ،‬كيعتقد اؼبسيحيوف أف ُب عيد الفصح يستذكركف (قياـ السيد اؼبسيح من اؼبوت بعد ثالثة أياـ من صلبو)‪ .‬كيأٌب عيد‬
‫الفصح بعد الصوـ ؼبدة ‪ 55‬يوما‪ٍ ،‬ب يفطركف على غبم اػبركؼ كإشعاؿ الشموع‪ ،‬كترديد اْلناشيد ‪ ...‬كقد نص ؾبمع نيقية‬
‫اؼبنعقد سنة ‪ 325‬ـ‪ ،‬أف يكوف اَلحتفاؿ بو ُب اْلحد اْلكؿ الذم يلي اكتماؿ البدر الذم يظهر بعد اَلعتداؿ الربيعي‪ ،‬كيكوف‬
‫اَلحتفاؿ بو ُب الكنائس الغربية بْب ‪ 22‬مارس ك ‪ 25‬افريل‪ ،‬بينما تتأخر الكنائس الشرقية اْلرثوذكسية‪ ،‬مثل الكنيسة اْلرمينية‬
‫كالسريانية إذل ما بْب ‪ 4‬افريل ك ‪ 8‬مام‪ .‬أما بالنسبة ؼبدينة ملطية فقد كقع اضطراب شديد بْب اؼبسيحيْب حوؿ ربديد يوـ‬
‫اَلحتفاؿ‪ ،‬فالكنيسة البيزنطية‪ ،‬حددتو بيوـ ‪ 5‬افريل‪ ،‬أما اْلرمن كالسرياف فقد حددكه بيوـ ‪ 6‬افريل‪ ،‬فحاكؿ جربيل الذم يعتنق‬
‫مذىب الكنيسة البيزنطية أف يفرض على اعبميع يوـ ‪ 5‬افريل‪ ،‬فاعتربه اْلرمن ضالَل‪( .‬انظر ‪ :‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬
‫‪127-125‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 189; Feuillet Michel : Vocabulaire du Christianisme,‬‬
‫‪Presses Universitaires de France, 2e édition, Paris, 2004. p. 86).‬‬
‫‪215‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫كبينما كانت قوات السالجقة تواصل حصارىا ؼبدينة ملطية‪ ،‬بلغتهم أنباء كصوؿ القوات‬
‫الصليبية الٍب عسكرت حوؿ أسوار مدينة نيقية‪ ،‬عاصمة سالجقة الركـ‪ ،‬سنة ‪490‬ق‪1097/‬ـ‪،‬‬
‫عندئذ أمر قلج أرسالف قواتو باَلنسحاب كالعودة‪ ،‬عساه يفك اغبصار عنها‪ ،‬كيبنع سقوطها ُب أيدم‬
‫الفرقبة‪ 1،‬كىكذا فقد سانبت اغبملة الصليبية اْلكذل ُب إنقاذ مدينة ملطية من السقوط ُب أيدم‬
‫السالجقة‪ ،‬كأجلت انتقاؽبا من اْلرمن إذل اؼبسلمْب‪.‬‬

‫كبعد سقوط مدينة نيقية ُب أيدم الصليبيْب‪ ،‬تصدل ؽبم الدانشمند كابن سليماف‪ 2،‬فصرفا‬
‫نظرنبا عن ملطية فَبة من الزمن‪ ،‬كحينما اطمأف اضبد دانشمند إذل ابتعاد اػبطر الصلييب‪ ،‬عاد إليها‬
‫مرة أخرل يريد فتحها‪ ،‬كيبدك أنو قد كجد نفسو ُب حل من اتفاقو السابق مع جربيل بعد جالء‬
‫اػبطر السلجوقي‪ 3،‬كظل على مدار ثالث سنوات بدءا من عاـ ‪491‬ق‪1097/‬ـ‪" ،‬يلح على‬
‫جربيل اليوناشل صاحب ملطية ُب الطلب كيقبل ُب أثناء الصيف من سبسطية كيعيث ُب البلد كيأكل‬
‫غاللو كينصرؼ ُب الشتاء"‪ّٔ 4،‬دؼ إهناؾ اإلمارة اقتصاديا‪ .‬كُب سنة ‪493‬ىػ‪1100/‬ـ‪ ،‬أعد أضبد‬
‫دانشمند‪ 5‬قواتو كربرؾ صوب مدينة ملطية لفتحها‪ ،‬كؼبا شعر جربيل باػبطر كأدرؾ أنو َل قًبى ىل لو‬
‫باؼبواجهة‪ ،‬راح يبحث بْب الصليبيْب الذين استقركا ُب الفرات كُب انطاكية عن حليف ينقذه من‬
‫هتديدات الدانشمنديْب‪ ،‬فأرسل إذل بوىيموند أمّب أنطاكية‪ ،‬يطلب منو النجدة‪ ،‬كأقسم لو ثالثا بأنو‬

‫‪1‬‬
‫‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 187.‬‬
‫‪ 2‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.358‬‬
‫‪ 3‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪4‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪125‬؛ ‪Ibid.‬‬
‫‪ 5‬تذكر بعض اؼبراجع اغبديثة مثل سعيد عبد الفتاح عاشور‪ ،‬كركشل جركسي‪ ،‬كفرديناند شالندكف ‪ ...‬أف الذم سار ﵀اصرة ملطية‬
‫ىو اؼبلك غازم كمشتكْب بن الدانشمند‪ ،‬أمّب سيواس‪ ،‬كيذكر ابن العربم اظبا آخر كىو اظباعيل الدانشمند‪ ،‬كىذا خطأ؛ ْلف‬
‫أمّب سيواس آنذاؾ ىو كمشتكْب أضبد الدانشمند الذم حكم بْب ‪499-477‬ىػ‪1105-1084/‬ـ‪ ،‬ففي عهده حث اغبصار‬
‫على ملطية (سنة ‪1100‬ـ)‪ ،‬أما اؼبلك غازم كمشتكْب بن الدانشمند فهو ابنو‪ ،‬كقد حكم بعد كفاة أبيو بْب ‪-499‬‬
‫‪529‬ىػ‪1135-1105/‬ـ‪ ،‬أما اظباعيل فقد حكم بعد ‪ 560‬ىػ‪1164/‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.)177 ،62 ،50 ،37‬‬
‫‪216‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫سيسلمو اؼبدينة إف ىو قبح ُب إزاحة اػبطر الدانشمندم عنها‪ 1،‬كدل يشأ أف يطلب النجدة من‬
‫بلدكين ُب الرىا كىي أشد قربا إليو من أنطاكية‪ ،‬ما يدؿ على أنو اتعظ بتجربة صهره ثوركس أمّب‬
‫‪2‬‬
‫الرىا سابقا‪.‬‬

‫كدل يَبدد بوىيموند ُب اَلستجابة لنداء جربيل‪ ،‬نظرا للعالقات الطيبة الٍب تربطو باْلرمن‪ ،‬كما‬
‫أف الوعد اؼبغرم الذم تلقاه بتسليمو اؼبدينة أساؿ لعابو‪ ،‬فذىب مسرعا كمعو ابن عمو ريتشارد أمّب‬
‫سالرنو‪ ،‬كثالشبائة فارس كاتباعهم من الرجالة‪ ،‬كلعلو كاف من بْب فرسانو صباعة من اْلرمن‪ .‬كاعتقد أنو‬
‫يستطيع أف يتغلب على اْلتراؾ‪ ،‬كينقذ ملطية بقوة صغّبة العدد‪ 3،‬كلذلك سار "من غّب حيطة أك‬
‫حذر"‪ .4‬كبعد أف علم أضبد دانشمند بواسطة اعبواسيس خط سّبه‪ ،‬نصب لو كمينا‪ ،‬كانتهى بو اْلمر‬
‫أف كقع أسّبا‪ُ ،‬ب أكاخر رمضاف ‪493‬ق‪/‬أكائل أكت ‪1100‬ـ‪" 5،‬فخيب ا﵁ ظن الفرنج"‪ 6،‬كنيقل إذل‬
‫قلعة نيكسار )‪ ،(Nîksâr ou Néocésarée‬الواقعة قرب شواطئ البحر اْلسود‪ 7.‬ككاف ؽبذه‬
‫اغبادثة نتائج أخرل‪ ،‬إذ تبخرت أحالـ بوىيموند ُب توسيع إمارتو على حساب حلب كاإلمارات‬
‫‪8‬‬
‫اَلسالمية آّاكرة ؽبا‪.‬‬

‫كقد حاكؿ بلدكين البولوشل انقاذ مدينة ملطية‪ ،‬كربرير بوىيموند من أسره‪ ،‬فخرج من الرىا يقود‬
‫قوة عسكرية‪ ،‬كاذبو ّٔا إذل ملطية‪ ،‬كلكن أضبد دانشمند‪ ،‬فك اغبصار كانسحب عائدا إذل بالده‪.‬‬
‫كأجل عملية اقتحاـ اؼبدينة إذل فرصة أخرل أكثر مالءمة‪ .‬كما كاف من بلدكين إَل اقتفاء أثره‪ ،‬عساه‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪183‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.452-451‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪195‬؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪110-108‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 414.‬‬
‫‪ 4‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪ 5‬سبط ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪337‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪126‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 188; Grousset : Histoire des Croisades, t. I, p. 424.‬‬
‫‪ 6‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.246‬‬
‫‪ 7‬سبط ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪338-337‬؛ العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪360‬؛ ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬
‫‪138-137‬؛ فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪150‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.184-183‬‬
‫‪ 8‬عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫‪217‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫يقبض عليو‪ ،‬كيدمر قوتو العسكرية‪ ،‬كوبرر بوىيموند من أسره‪ ،‬كلكن دانشمند توغل بعيدا داخل‬
‫البالد‪ ،‬كخشي بلدكين أف يكوف ضحية خيانة اؼبسيحيْب ا﵀ليْب‪ ،‬أك أف يقع ُب كمْب اْلتراؾ‪ ،‬كبعد‬
‫ثالثة أياـ من اؼبطاردة‪ ،‬عاد أدراجو إذل ملطية‪ ،‬كمنها إذل الرىا‪ُ ،‬ب شواؿ ‪493‬ىػ‪/‬أكاخر أكت كبداية‬
‫‪1‬‬
‫سبتمرب ‪1100‬ـ‪.‬‬

‫كالسؤاؿ الذم يطرح على الباحث‪ ،‬ؼباذا دل يستوؿ بلدكين البولوشل على مدينة ملطية كينتزعها‬
‫من جربيل اْلرميِب كيضمها إذل إمارتو ُب الرىا ؟ الواقع أف بلدكين جاءتو فرصة أفضل من اَلستيالء‬
‫على ىذه اؼبدينة من اْلرمن‪ ،‬إذ بلغو نعي أخيو جودفرم ملك فبلكة بيت اؼبقدس بتاريخ ‪ 10‬رمضاف‬
‫‪493‬ىػ‪ 18/‬جويلية ‪1100‬ـ‪ ،‬كظهر أنو الوريث الشرعي الوحيد‪ ،‬فانتقل إذل فلسطْب ليتسلم مقاليد‬
‫اغبكم ىناؾ‪ ،‬كلذلك دل يهتم بأمر ملطية كثّبا‪ 2،‬أك ردبا أجل عملية ضمها كإغباقها بأمالكو إذل‬
‫كقت َلحق‪ ،‬كترؾ الرىا بْب أيدم ابن عمو بلدكين دك بور‪.‬‬

‫كشبة سؤاؿ آخر يطرح حبدة‪ ،‬كىو ؼباذا تراجع دانشمند عن ملطية ؟ كما أنو أطاؿ ُب العودة‬
‫إليها‪ ،‬إذ دل يعد إذل ملطية إَل بعد سنتْب‪ ،‬فما السر كراء ىذا التأخر ؟ رغم أنو كاف أكؿ أمّب تركي‬
‫حقق انتصارا على الصليبيْب كما أف جربيل كاف ُب أضعف موقف بعد كقوع بوىيموند ُب اْلسر‪،‬‬
‫كرحيل بلدكين إذل فلسطْب‪.‬‬

‫يبدك أف قرار أضبد دانشمند بفك اغبصار عن ملطية كانسحابو إذل سيواس‪ ،‬يدؿ على كعي‬
‫سياسي ُب التخطيط العسكرم لدل أتراؾ آسيا الصغرل بصفة عامة‪ 3،‬إذ كاف من السهل أف ييطٍبق‬
‫الصليبيوف على قوتو أماـ ملطية‪ ،‬فبعد خركج بلدكين من الرىا‪ ،‬كاف من اؼبمكن أف ىبرج جيش‬
‫جربيل من ملطية‪ ،‬فيجد الدانشمنديوف أنفسهم بْب فكي كماشة‪ ،‬كيتحوؿ أكؿ حصاد حققو اْلتراؾ‬

‫‪ 1‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪150‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪184‬؛ طقوش ‪ :‬تارخ اغبركب‬
‫الصليبية‪ ،‬ص ‪188‬؛ ;‪Raoul de Caen : op. cit., pp. 262-263; Guibert de Nogent : op. cit., p. 320‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 425.‬‬
‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.187،192‬‬
‫‪ 3‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪218‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ضد الصليبيْب إذل ىشيم تذركه الرياح‪ ،‬كلذلك كاف من اغبكمة أف يَباجع من أماـ أسوار ملطية‪،‬‬
‫كتأجيل اَلقتحاـ إذل كقت آخر‪ .‬كحينما رأل جربيل انسحاب الدانشمنديْب‪ ،‬اعتقد أنو بتحالفو مع‬
‫الصليبيْب قد أبعد اػبطر عن مدينتو‪ ،‬كاغبقيقة أف انصراؼ اْلتراؾ عن ملطية دل يكن إَل تكتيكا‬
‫حربيا‪ ،‬كإذل حْب‪.‬‬

‫ٍب حدث أف انشغل أضبد دانشمند‪ ،‬بالتحالف مع قلج ارسالف ليتعاكنا معا ضد اغبملة‬
‫الصليبية اللومباردية‪ 1‬الٍب حلت بآسيا الصغرل سنة ‪495‬ق‪1101/‬ـ‪ ،‬فصرفا نظرنبا عن ملطية‪،‬‬
‫كتفرغا ﵀اربة الصليبيْب الذين تكبدكا خسائر فادحة‪ ،‬كاهنزموا ىذه اؼبرة شر ىزيبة أماـ التحالف الذم‬
‫صبع بْب البيتْب الَبكيْب‪ ،‬آؿ دانشمند ُب سيواس‪ ،‬كآؿ سلجوؽ ُب قونية‪ .‬كدبجرد هناية ىذه اغبملة‬
‫الصليبية الٍب ضاعت بْب الرماؿ ُب آسيا الصغرل‪ ،‬شرع اْلمّب الدانشمندم ُب تعبئة جيشو‪ ،‬كتزكيده‬
‫باؼبؤف استعدادا لفتح ملطية‪.‬‬

‫كُب ىذه اْلثناء كاف بلدكين دك بور قد شرع ُب التفاكض مع أضبد دانشمند إلطالؽ سراح‬
‫بوىيموند‪ ،‬مقابل فدية يؤديها لو‪ ،‬كؼبا علم اإلمرباطور البيزنطي ألكسيس كومنْب بأمر ىذه‬
‫اؼبفاكضات‪ ،‬أرسل إذل اْلمّب الَبكي‪ ،‬كعرض عليو مبلغا سخيا مقابل تسليمو بوىيموند‪ ،‬ؼبعاقبتو على‬
‫عدـ الوفاء بقسمو كرفضو إعادة أنطاكية إذل اَلمرباطورية البيزنطية‪ .‬ككصل نبأ ىذا العرض اؼبغرم إذل‬
‫مسامع قلج أرسالف فطلب من أضبد دانشمند أف يعطيو نصف الفدية‪ ،‬باعتباره سيدا على صبيع‬
‫اْلتراؾ ُب آسيا الصغرل‪ ،‬كْلنو حليفو ضد اغبملة الصليبية اللمباردية‪ ،‬كلكن اْلمّب الدانشمندم‬
‫رفض اقتساـ اؼببلغ‪ ،‬كرفض أيضا العرض البيزنطي‪ ،‬كأبقى على اَلتصاَلت مع حاكم الرىا بلدكين دك‬
‫بور‪ 2،‬عن طريق كوغ فاسيل أمّب كيسوـ الذم كاف كسيطا ُب ىذه اؼبفاكضات‪.‬‬

‫‪ 1‬اللمبارديوف ‪ :‬من الشعوب اعبرمانية القديبة‪ ،‬استوطنوا ُب القرف اْلكؿ اؼبيالدم البالد الواقعة على طوؿ هنر اْللب اْلدسل‪ٍ ،‬ب‬
‫ظبح ؽبم اَلمرباطور جوستنياف اْلكؿ باَلستيطاف ُب آّر كشرؽ النمسا‪ٍ ،‬ب غزكا بقيادة زعيمهم البوين مشاؿ إيطاليا سنة ‪568‬ـ‪،‬‬
‫كأسسوا فبلكة عاصمتها بافيا ُب ؼببارديا‪ٍ ،‬ب توغلوا ُب كسط إيطاليا كجنؤّا‪ ،‬كبلغت فبلكتهم أكجها ُب القرنْب السابع كالثامن‬
‫اؼبيالديْب‪ ،‬حٌب قضى شارؼباف على فبلكتهم حوارل سنة ‪774‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬اؼبوسوعة العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.)2877‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. II, p. 72-73.‬‬

‫‪201‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ب ‪ -‬سقوط إمارة ملطية‬
‫‪1‬‬
‫كقبل أف تكتمل اؼبفاكضات‪ ،‬سار أضبد دانشمند جبيشو‪ ،‬كفرض حصارا على مدينة ملطية‪،‬‬
‫كطلب من جربيل أف يسلمو اؼبدينة دكف إراقة للدماء‪ ،‬غّب أنو رفض ذلك‪ ،‬كأرسل إذل صهره بلدكين‬
‫دك بور‪ 2،‬يلتمس منو الغوث‪ 3،‬كلكن حاكم الرىا أراد ُب ىذه اللحظة اغبرجة أَل يسيء إذل أمّب‬
‫سيواس‪ 4،‬خوفا من فشل اؼبفاكضات اعبارية بينهما إلخالء سبيل بوىيموند‪ ،‬فلم يعر صهره اىتماما‪،‬‬
‫كدل يرسل لو اؼبساعدة الٍب طلبها‪.‬‬

‫كؼبا اشتد اغبصار على ملطية‪ ،‬تضرر السكاف من ندرة اؼبؤف كارتفاع اْلسعار‪ ،‬كبات شبح‬
‫آّاعة يهدد اؼبدينة‪ ،‬فنفد صربىم‪ ،‬ككانوا قد ضاقوا ذرعا من تسلط جربيل عليهم‪ ،‬كدل يغفركا لو قٍتلو‬
‫ْلحد أساقفتهم سابقا‪ ،‬فتآمر عليو ضابطاف كمعهما ؾبموعة من اعبنود‪ ،‬كقبضوا عليو كأخذكه أسّبا‬
‫إذل أضبد دانشمند‪ٍ ،‬ب فتحوا أبواب اؼبدينة الٍب دخلها اْلتراؾ بدكف صعوبة بتاريخ ‪ 4‬ذك اغبجة‬
‫‪495‬ق‪ 18/‬سبتمرب ‪1102‬ـ‪ 5.‬كلكن قلعة تقع داخل اؼبدينة كانت تقيم فيها زكجة جربيل‪،‬‬
‫صمدت ُب كجو اْلتراؾ‪ ،‬كرفضت اَلستسالـ‪ ،‬فطلب أضبد دانشمند من جربيل أف يصدر أكامره إذل‬
‫القلعة باإلذعاف كاَلستسالـ‪ ،‬كلكن جربيل عبأ إذل اؼبكر كاػبديعة‪ ،‬حيث كتب إذل زكجتو رسالة جاء‬
‫فيها ‪" :‬سلمي القلعة كىذه لك إشارة مِب‪ ،‬إشل قبل أياـ أرسلت إليك فٌب اظبو ميداس" كميداس لفظ‬
‫أرميِب معناه َل تسلمي‪ 6،‬أم أنو كاف يدفع زكجتو إذل مواصلة اؼبقاكمة كالصمود‪ ،‬كردبا كاف ينتظر‬
‫مددا يصلو من صهره ُب الرىا‪ ،‬كلكن أضبد دانشمند اطلع على حقيقة الرسالة‪ ،‬كأدرؾ أف خصمو‬

‫‪ 1‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪ 2‬تزكج بلدكين دك بور باْلمّبة مورفيا )‪ ،(Morfia‬صغرل بنات جربيل سنة ‪1101‬ـ‪ ،‬باقَباح من بلدكين البولوشل ملك بيت‬
‫اؼبقدس آنذاؾ‪( .‬انظر ‪ :‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪27‬؛‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. II, pp. 977-978).‬‬
‫‪ 3‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪ 4‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪104‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.67‬‬
‫‪ 5‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪126‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 188; Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 426.‬‬
‫‪6‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪126‬؛ ‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 189‬‬

‫‪200‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫ماكر كـبادع فنفذ فيو حكم اإلعداـ أماـ أسوار القلعة‪ ،‬كتقوؿ اؼبصادر السريانية أنو ألقى بو‬
‫للكالب‪ ،‬كأزاؿ بيتو من الوجود كليا‪ 1.‬كبذلك انتقلت ملطية إذل اْلتراؾ‪ ،‬كأيسدؿ الستار على إمارة‬
‫جربيل اْلرميِب الذم تعلق بأىداب الصليبيْب‪ ،‬كعلق عليهم اْلمل ُب ضبايتو من اْلتراؾ‪.‬‬

‫كؼبا دانت ىذه اؼبدينة ْلضبد دانشمند‪ .‬أمر أتباعو بعدـ التعرض ْلىاليها بالقتل أك باْلسر‪،‬‬
‫كدافع عنهم كأهنم خاصتو‪ ،‬كمكنهم من دخوؿ بيوهتم كدل ييقتل أحد منهم‪ٍ ،‬ب نقل ؽبم من بلده ما‬
‫وبتاجوف إليو من غذاء كمؤكنة‪ ،‬كحثهم على مواصلة أعماؽبم دكف خوؼ‪ ،‬كأطلق سراح صبيع السجناء‬
‫الذين كانوا ُب ملطية كُب سيواس‪ٍ ،‬ب عْب عليها حاكما يدعى باسيل )‪ 2.(Basile‬كيبدك من بعض‬
‫اؼبصادر أف سكاف ملطية كانوا ُب ظل حكم الدانشمند‪ُ ،‬ب رغد من العيش‪ ،‬كُب أمن كاستقرار‪ ،‬ما‬
‫‪3‬‬
‫جعل تلك اؼبصادر تثِب على أضبد دانشمند‪ ،‬كتصفو بالرجل الطيب كا﵀سن‪ ،‬كاؼبعطاء‪.‬‬

‫كفبا يبكن استنتاجو من ىذا الفصل ‪:‬‬

‫أكال ‪ :‬لقد رحب اْلمراء اْلرمن بدخوؿ الصليبيْب إذل قيليقيا‪ ،‬كإذل إقليم الفرات‪ٍ ،‬ب اكتشفوا‬
‫أهنم أكثر عداكة ؽبم من البيزنطيْب‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬لقد كانت اغبملة الصليبية اْلكذل كارثة على اْلرمن‪ ،‬إذ بعد أف استغلهم الصليبيوف‬
‫كحلفاء ؽبم تارة ضد البيزنطيْب كتارة ضد اْلتراؾ‪ ،‬زبلصوا منهم إما بتشتيتهم‪ ،‬أك بالقضاء عليهم‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أكدت كثّب من اؼبصادر اْلرمينية كالسريانية أف حكم السالجقة لألرمن ىو أرحم من‬
‫حكم الصليبيْب‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬دل تكن عالقة اغبكاـ اْلرمن برعاياىم حسنة بل ميزىا التوتر كالدسائس‪ ،‬كاندَلع‬
‫الثورات كاَلنقالبات‪.‬‬

‫‪ 1‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪2‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪126‬؛ ‪Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 188‬‬
‫‪3‬‬
‫نفسو؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪142‬؛ ‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p 256.‬‬

‫‪201‬‬
‫مرحمة الحرب كالمكاجية مع الصميبييف‬ ‫الفصؿ الخامس‬
‫خامسا ‪ :‬إف نفوذ اْلرمن الذم دل ينقرض ُب إقليم الثغور‪ ،‬مع الفراغ السياسي كاَلنقساـ‬
‫اؼبذىيب الذم أرىق اؼبشرؽ اإلسالمي‪ ،‬ساعد إذل حد بعيد بلدكين كبوىيموند ُب تأسيس إمارة ؽبما‬
‫ُب كل من الرىا كأنطاكية‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬سلم الصليبيوف إذل ألكسيس كومنْب كل اؼبدف الٍب استولوا عليها من السالجقة‪،‬‬
‫ماعدا تلك الواقعة ُب قيليقيا كاعبزيرة كبالد الشاـ‪ْ ،‬لهنم كجدكا فيها جالية أرمينية قوية‪ ،‬تعاكنت‬
‫معهم ضد السالجقة كضد البيزنطيْب معا‪.‬‬

‫سابعا ‪ :‬إف تضامن فرنسا اليوـ بشكل َلفت‪ ،‬مع اْلرمن ُب قضيتهم ضد اْلتراؾ كىم‬
‫سالجقة‪ ،‬ماىو إَل رد للجميل‪ْ ،‬لف جزءا كبّبا من الصليبيْب كانوا فرقبة (فرنسيْب)‪ ،‬كأكؿ إمارة‬
‫صليبية تأسست ُب الرىا كانت نورماندية‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫الفصل الطادع‬
‫ثبات آؿ ركبين في قيليقيا‬

‫‪ - 1‬قسطنطين األكؿ بن ركبين (‪898-844‬ق‪5599-5991/‬ـ)‬


‫أ – توسيع حدكد اإلمارة‬
‫ب ‪ -‬مساعدة قسطنطين للصليبيين‬
‫‪ - 2‬ثوركس األكؿ بن قسطنطين (‪524/494‬ق‪1129-1177/‬ـ)‬
‫أ ‪ -‬عالقتو بالسالجقة‬
‫ب ‪ -‬دكر ثوركس األكؿ في الحرب األىلية بين السالجقة‬
‫ج – عالقتو بالصليبيين‬
‫‪ - 3‬ليوف األكؿ (‪532-524‬ق‪1137-1129/‬ـ)‬
‫أ ‪ -‬الحرب بين ليوف األكؿ كالصليبيين‬
‫ب – قضاء االمبراطور يوحنا كومنين على إمارة أرمينيا الصغرل (‪0026‬ـ)‬
‫‪ - 4‬ثوركس الثاني بن ليوف األكؿ (‪563-539‬ق‪)1168-1145/‬‬
‫أ – إحياء اإلمارة‬
‫ب ‪ -‬الحرب بالوكالة‬
‫ج ‪ -‬التحالف األرميني الصليبي ضد نور الدين زنكي‬
‫د – االمبراطور مانويل كومنين في قيليقيا‬
‫ق – ثوركس في معركة حارـ‬
‫ك‪ -‬مشركع مستوطنة أرمينية في فلسطين‬
‫‪ - 5‬مليح بن ليوف األكؿ (‪569-566‬ق‪1174-1177/‬ـ)‬
‫أ – التحالف مع نور الدين محمود زنكي‬
‫ب – محاربة مليح الصليبيين كالبيزنطيين‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬

‫يتعرض ىذا الفصل إذل إمارة آؿ ركبْب الٍب نشأت ُب جباؿ طوركس بقيليقيا‪ ،‬كيعود الفضل ُب‬
‫ذلك إذل اْلمّب ركبْب اْلكؿ الذم كضع أسس أكؿ إمارة أرمينية مستقلة عن البيزنطيْب كعن اْلتراؾ‬
‫السالجقة‪ 1.‬كإذا كانت اإلمارات اْلرمينية السابقة قد اندثرت كتالشت بفعل توسع اْلتراؾ‪ ،‬أك‬
‫استوذل عليها الفرقبة كحولوىا إذل إمارات صليبية‪ ،‬فإف تلك اإلمارة صمدت كدل تقاكـ اؼبد السلجوقي‬
‫كالصلييب فحسب‪ ،‬بل كقفت ُب كجو اإلمرباطورية البيزنطية الٍب عملت على استعادة أراضيها ُب‬
‫قيليقيا‪ .‬ككانت ؽبا عالقات مع عدة قول إسالمية معاصرة مثل سالجقة الركـ‪ ،‬كالفاطميْب ُب مصر‪،‬‬
‫كآؿ زنكي‪ ،‬كاْليوبيْب ُب الشاـ‪ ،‬كحاكلت أف تستغل صبيع الفرص لضماف بقائها كسط كل تلك‬
‫القول الٍب كانت تناصبها العداء‪ ،‬بل كدخلت أحيانا ُب صراع مكشوؼ ضد الصليبيْب ُب أنطاكية‪،‬‬
‫فما ىي أىم اْلحداث الٍب عاصرهتا ىذه اإلمارة ؟ ككيف كانت عالقتها باْلتراؾ السالجقة‬
‫كبالصليبيْب ؟ ككيف ربولت إذل فبلكة ُب أكاخر القرف الثاشل عشر اؼبيالدم ؟‬

‫مات اْلمّب ركبْب بعد أف قبح ُب زرع إمارة أرمينية ضبلت اظبو مدة قرف كنيف فوؽ أعارل‬
‫جباؿ طوركس‪ .‬كإذا كانت اؼبصادر دل تتطرؽ بالتفصيل إذل اغبركب الٍب خاضها ركبْب ضد البيزنطيْب‬
‫أك ضد السالجقة‪ ،‬كَل إذل العالقات الٍب أقامها مع خصومو كجّبانو‪ ،‬فإهنا أسهبت ُب اغبديث عن‬
‫ابنو قسطنطْب اْلكؿ الذم كرث عرش اإلمارة عن كالده سنة ‪377‬ق‪0184/‬ـ‪ .‬كمنذ ذلك الوقت‬
‫تغّبت اؼبعطيات كالظركؼ الدكلية كاإلقليمية‪ ،‬كجرت الرياح دبا يشتهيو بِب ركبن‪ ،‬إذ ساقت إليهم‬
‫(حجاجا) مسيحيْب مسلحْب قاصدين بيت اؼبقدس‪ ،‬كجنودا من الفرقبة يدفعهم ضباس شديد‬
‫لالنتقاـ من اؼبسلمْب‪ ،‬ككجد فيهم أمراء اْلسرة الركبينية فرصة َل تعوض لالستعانة ّٔم ضد أعدائهم‬
‫من اؼبسلمْب كالبيزنطيْب على حد سواء‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر ص من الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪.194-187‬‬


‫‪204‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫‪ - 1‬قسطنطين األكؿ بن ركبين (‪898-844‬ق‪5599-5991/‬ـ)‬
‫أشادت اؼبصادر اْلرمينية كالالتينية بالدكر الذم قاـ بو اْلمّب قسطنطْب اْلكؿ بن ركبْب ُب تثبيت‬
‫أركاف ىذه اإلمارة‪ ،‬كيعترب ُب نظر كثّب من اؼبؤرخْب اْلرمن‪ ،‬اؼبؤسس اغبقيقي إلمارة أرمينيا الصغرل ُب‬
‫قيليقيا‪ ،‬فقد كاف قائدا ُب جيش جاجيك الثاشل‪ 1،‬كىو أكؿ من أخرج آؿ ركبْب من عزلتهم ُب أعارل‬
‫جباؿ طوركس‪ ،‬كثبت أقدامهم ُب سهل قيليقيا‪ 2.‬فبعد أف توذل عرش ىذه اإلمارة الناشئة‪ ،‬كضع نصب‬
‫عينيو‪ ،‬ربقيق ثالثة أىداؼ أساسية ليضمن اغبياة إلمارتو‪ ،‬أكؽبا‪ :‬توسيع حدكد رقعتها الصغّبة بقوة‬
‫‪4‬‬
‫سيفو‪ 3،‬كثانيها‪ :‬إعمارىا بعناصر أرمينية ؿباربة‪ ،‬كثالثها‪ :‬إهباد موارد مالية كافية إذا أراد ؽبا اَلستمرارية‪.‬‬

‫أ – توسيع حدكد اإلمارة‬


‫استوذل على قلعة فاىكو )‪ 5(Vahka‬سنة ‪491‬ق‪ ،1098/‬ككانت ؿبصنة كمركزا حربيا‬
‫ىاما‪ ،‬كقد سقطت ُب قبضتو بعد أف حاصرىا كغلب البيزنطيْب فيها‪ 6،‬كىي تشرؼ على أحد دركب‬

‫‪ 1‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.102 ،74‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Vahram Rapoun : Chronique du royaume Arménien de la Cilicie à l'époque des croisades,‬‬
‫‪traduit par Sahag Bedrosian, Benjamin Duprat, Paris, 1864. p. 8; Matthieu d'Edesse : op. cit.,‬‬
‫‪p. 227; Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 368.‬‬
‫‪ 3‬اسكندر فايز قبيب ‪" :‬فبلكة أرمينية الصغرل بْب الصليبيْب كدكلة اؼبماليك اْلكذل (‪1375-1250‬ـ‪776-648/‬ىػ)"‪،‬‬
‫رسالة مقدمة للحصوؿ على درجة الدكتوراه ُب اآلداب‪ ،‬إشراؼ أ د جوزيف نسيم‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اَلسكندرية‪ ،‬السنة‬
‫اعبامعية ‪ .1980-1979‬ص ‪.52‬‬
‫‪ 4‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.225‬‬
‫‪ 5‬فاىكو ‪ :‬حصن يقع ُب جباؿ طوركس‪ ،‬كُب سفح جبل صخرم معزكؿ‪ ،‬إذل الشرؽ من هنر سيحاف )‪ ،(Sarus‬كإذل الشماؿ‬
‫الشرقي من مدينة سيس الٍب يبعد عنها حبوارل طبسْب كلم‪ .‬كىو حصن ؿبصن طبيعيا أكثر فبا حصنتو يد اإلنساف‪ ،‬يبلغ ارتفاعو‬
‫‪ 0161‬ـ فوؽ مستول سطح البحر‪ ،‬اْلمر الذم جعل منو مركز مراقبة لكل الطرؽ العابرة للمنطقة‪ .‬كيعود تارىبو إذل العهد‬
‫الركماشل‪ ،‬كلكن البيزنطيْب زبلوا عنو ُب القرف العاشر اؼبيالدم‪ ،‬فأثرت فيو عوامل الطبيعة كاَلنساف‪ ،‬فرفبو قسطنطْب كأعاد بناءه‪،‬‬
‫كزاد ُب ربصيناتو كازبذه مقرا لو‪ .‬كؼبا تغّبت عاصمة اإلمارة‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬ربوؿ إذل سجن لكبار الشخصيات‪ ،‬كخاصة ُب عهد‬
‫اؼبلك ليوف اْلكؿ (‪ .)0108-0076‬يقع حاليا ُب جنوب تركيا‪ ،‬كسط قرية صغّبة تعرؼ باسم )‪( ،(Féké‬انظر ‪:‬‬
‫‪Alishan : op. cit., p. 172; Langlois : op. cit., p. 408; Dulaurier, op. cit., p. 47, note 4; Mutafian‬‬
‫‪Claude : op. cit., t. I, p. 304).‬‬
‫‪6‬‬
‫اسكندر فايز قبيب ‪ :‬فبلكة أرمينية‪ ،‬ص ‪53‬؛ ‪Sempad (le Connétable) : Chronique du royaume de la‬‬
‫;‪Petite Arménie, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème éd., Paris, 1969. p. 610‬‬
‫‪Mahé Annie : op. cit., p. 192.‬‬
‫‪205‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫التجارة الرئيسة ُب جباؿ طوركس‪ 1،‬ك َّأمن بذلك موردا ماليا منتظما أخذ يستوفيو من الرسوـ اعبمركية‬
‫اؼبفركضة على البضائع اؼبارة منو‪ 2.‬ازبذ قسطنطْب من ىذه القلعة عاصمة إلمارتو‪ٍ ،‬ب انطلق منها‬
‫يتوسع ُب اْلراضي آّاكرة‪ ،‬فاقَبب من مدينة سيس ))‪ ،3(Sis(Սիս‬كمن مدينة عْب ىزٍرىىب‪ ،‬فأضحى‬
‫الطريق الرابط بينها كبْب مدينة قيصرية ربت رقابتو‪ 4.‬كتذكر بعض اؼبصادر أنو بلغ سواحل البحر‬
‫اؼبتوسط كانتزع من اَلمرباطورية البيزنطية خليج اسكندركنة‪ 5،‬ككانت معظم توسعاتو على حساب‬
‫البيزنطيْب‪ ،‬كاْلتراؾ ُب نفس الوقت‪" 6،‬كانتصر على الركـ أمرارا [مرات] كثّبة كأخذ منهم مواضع‬
‫عديدة كّٔا كسع سلطنتو"‪ 7.‬كيضيف اسَباجياف‪ ،‬كفايز قبيب اسكندر أف قسطنطْب كاف يريد ّٔذه‬
‫‪8‬‬
‫اغبركة‪ ،‬ربصْب إمارتو ضد اؼبماليك ُب مصر‪.‬‬

‫كيبدك أف اؼبصادر اْلرمينية قد بالغت ُب ربديد اْلراضي الٍب توسع فيها كاؼبدف الٍب ضمها إذل‬
‫إمارتو‪ ،‬كالواقع أف حدكد بالده دل تتجاكز هنر بّباموس )‪ْ ،(Ceyhan çay‬لف اؼبدف الواقعة إذل‬
‫اعبنوب من ىذا النهر كأنبها طرسوس‪ ،‬كاؼبصيصة‪ ،‬كأذنة‪ ،‬كاف قد استوذل عليها فيالريت ُب كقت‬
‫سابق من البيزنطيْب‪ٍ ،‬ب انتزعها منو سليماف بن قتلمش منذ ‪366‬ق‪0173/‬ـ‪ٍ ،‬ب آلت إذل‬
‫الصليبيْب الذين طردكا منها السالجقة سنة ‪381‬ق‪0186/‬ـ‪ ،‬كإذا كاف قسطنطْب قد استوذل على‬
‫فاىكة سنة ‪380‬ق‪0187/‬ـ‪ ،‬فإنو دل يكن قادرا على التوسع جنوبا ُب سهل قيلقيا اؼبطل على‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬موقع القلعة كصورهتا ُب اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪ ،486‬كاؼبلحق اػبامس عشر‪ ،‬ص ‪.489‬‬
‫‪2‬‬
‫اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪225‬؛ ‪Mahé Annie : op. cit., p. 192; Mutafian : La Cilicie, t. I, p. 368.‬‬
‫يسيَّة‪ ،‬كىي تقع على اؼبنحدر الشمارل ُب كتلة جبلية‬ ‫سيس ‪ :‬اظبها القدصل ىو فالفيوبوليس )‪ (Flaviopolis‬كعامة أىلها يسموهنا ًس ً‬‫‪3‬‬

‫صخرية‪ ،‬بْب هنرم سيحاف كجيحاف‪ .‬كتدؿ آثارىا اغبالية أهنا كانت من أعظم مدف الثغور الشامية كَل يفصلها عن حصن عْب زرىب إَل مسافة‬
‫‪25‬كلم‪ ،‬ازبذىا اؼبلك ليوف اْلكؿ –من آؿ ركبْب‪ -‬عاصمة ؼبملكتو‪ٍ ،‬ب استمرت عاصمة ؼبملكة أرمينيا الصغرل ُب عهد آؿ ىيثوـ‪ ،‬إذل أف‬
‫سقطت ُب يد اؼبماليك سنة ‪0264‬ـ‪ ،‬كحاليا تسمى كوزاف )‪ُ ،(Kozan‬ب ؿبافظة أذنة جنوب تركيا‪( .‬أنظر ‪ :‬موقع اؼبدينة كصورهتا ُب اؼبلحق‬
‫الثالث عشر‪ ،‬ص ‪ 375‬كاؼبلحق السابع عشر‪ ،‬ص ‪380‬؛ اغبموم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪014‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)062‬‬
‫)‪Langlois Victor : op. cit., p. 381-384; Texier Charles : op. cit., p. 583.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., p. 106.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Vahram Rapoun : op. cit., p. 8.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Sempad : loc. cit.; Vahram d'Edesse : op. cit., p. 498; Payaslian Simon : op. cit., p. 81.‬‬
‫‪ 7‬خاقبي أنطوف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ 8‬اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪207‬؛ اسكندر فايز قبيب ‪ :‬فبلكة أرمينية‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪206‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫البحر اؼبتوسط‪ْ ،‬لف الصليبيْب كانوا قد سبقوه إذل اؼبنطقة‪ ،‬كبسطوا أيديهم على أىم مدهنا‪ .‬كمن شبة‪،‬‬
‫فإف اإلقليم الذم حكمو قسطنطْب اْلكؿ‪ ،‬دل يتجاكز مدينة عْب زرىب الواقعة ُب الضفة الشمالية لنهر‬
‫بّباموس‪ ،‬كدل تصل حدكد إمارتو إذل البحر اؼبتوسط‪ .‬كفبا َل شك فيو أنو كاف يطمح لتوسيع حدكد‬
‫إمارتو ُب كل اَلذباىات‪ ،‬كربصينها من أعدائو‪ ،‬كلكن ليس من دكلة اؼبماليك الٍب كانت دل تتأسس‬
‫بعد ُب عهده‪.‬‬

‫كسواء توسع قسطنطْب ضد اْلتراؾ أك ضد البيزنطيْب‪ ،‬فإنو ّٔذه اغبركة لفت انتباه اَلمرباطورية‬
‫البيزنطية إذل اػبطر الذم يبكن أف تشكلو ىذه اإلمارة اْلرمينية الناشئة على حدكدىا اعبنوبية‪ 1،‬الٍب‬
‫كجدت نفسها زبوض صراعا مريرا كطويال من أجل البقاء‪ ،‬حيث كانت تعاشل من ىجمات‬
‫كتوسعات السالجقة من جهة‪ ،‬كرغبة اإلمرباطورية البيزنطية ُب استعادة اْلراضي كاؼبدف الٍب فقدهتا ُب‬
‫قيليقيا من جهة أخرل‪ .‬كإذا كاف اليعقويب قد قاؿ عن أرمينيا الكربل ُب القرف الثالث اؽبجرم‪/‬التاسع‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬بأهنا بلد "وبيط ّٔا اْلعداء"‪ 2،‬فإف ىذا الوصف ينطبق على إمارة أرمينيا الصغرل الٍب‬
‫نشأت ُب قيليقيا‪ ،‬أكاخر القرف اػبامس اؽبجرم‪/‬اغبادم عشر اؼبيالدم‪ .‬فكيف استطاع اْلمّب‬
‫قسطنطْب اْلكؿ أف وبفظ ْلرمينيا كجودىا كسط ؿبيط يناصبهم العداء ؟‬

‫أكرد ميخائيل السرياشل ُب حوليتو جزءان من اعبواب عن ىذا السؤاؿ‪ ،‬فبعد أف ربدث عن اغبملة‬
‫الصليبية اْلكذل كتغلُّب الصليبيْب على اؼبسلمْب ُب مشاؿ سوريا‪ ،‬قاؿ ‪" :‬ؼبا كصل جنود اغبملة‬
‫الصليبية اْلكذل إذل آسيا الصغرل‪ ،‬كاف أبناء ركبْب قد استقركا ُب جزء من قيليقيا"‪ 3،‬كيستنتج من‬
‫ذلك أف اغبملة الصليبية اْلكذل كانت متنفسا كـبرجا من العزلة كالطوؽ الذم تعاشل منو إمارة آؿ‬
‫ركبْب ُب مرتفعات طوركس‪ ،‬فبمجرد ما كطئت أقداـ الصليبيْب أرض قيليقيا‪ ،‬كجد اْلرمن ُب‬
‫الصليبيْب سندا قويا ؼبواجهة البيزنطيْب‪ ،‬كالسالجقة معا‪ ،‬كما كجد اعبيش الصلييب ُب اْلرمن عنصرا‬

‫‪ 1‬اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.207‬‬


‫‪ 2‬اليعقويب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 198.‬‬

‫‪207‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫بشريا فعاَل يتميز خبربة كبّبة ُب اغبركب‪ ،‬كدراية باؼبسالك كالدركب‪ ،‬كعنصرا أساسيا للتموين‪ 1.‬كرغم‬
‫اختالؼ اْللسنة بْب اْلرمن كالفرقبة القادمْب من أكربا‪" ،‬كنا نبدك اخوة ُب حب الرب كتفكّبنا‬
‫‪2‬‬
‫كاحد تقريبا"‪.‬‬

‫كبالعودة إذل ما كرد ُب الفصل الرابع حوؿ خط سّب اغبملة الصليبية اْلكذل‪ 3،‬فإف اعبيش‬
‫الصلييب الذم سار عرب قيليقيا متوجها إذل أنطاكية‪ ،‬قد ضم بْب صفوفو ؾبموعة من اْلرمن كمرشدين‬
‫كمساعدين‪ ،‬كىم الذين ربطوا اَلتصاؿ بْب قادة الصليبيْب كاْلمراء اْلرمن ُب مرتفعات طوركس‬
‫كالفرات‪ .‬كما أف مدف قيليقيا مثل طرسوس‪ ،‬كاؼبصيصة‪ ،‬كأذنة‪ ،‬دل تسقط ُب أيدم الصليبيْب إَل‬
‫دبساعدة سكاهنا اْلرمن‪ .‬كإذا كانت بعض اؼبصادر الالتينية قد ذكرت أف تانكرد نسج عالقات ُب‬
‫‪4‬‬
‫مٌب الرىاكم قد ذكر أف الصليبيْب أرسلوا رسالة إذل‬
‫مدينة أذنة مع أكشْب اْلرميِب أمّب ؼبربكف‪ ،‬فإف َّ‬
‫"القائد اْلرميِب الكبّب قسطنطْب بن ركبْب الذم كاف وبتل جبل طوركس ُب بلد غوبيدار‬
‫)‪ 5"،(Gobidar‬دكف أف يكشف عن فحواىا‪ ،‬كمن دكف شك أهنا تطرقت إذل ضركرة التحالف‬
‫معهم ضد السالجقة‪ ،‬كتقدصل اؼبؤكنة للجيش الصلييب الذم كجد صعوبة ُب التموين نظرا لبعده عن‬
‫قواعده ُب أكربا‪ ،‬كَل يبكن لو اَلعتماد على البيزنطيْب الذين فقدكا نفوذىم ُب قيليقيا‪ .‬كمن اؼبمكن‬
‫أف تكوف ىذه اؼبراسلة قد حدثت ؼبا كصل الصليبيوف إذل مدينة عْب زرىب‪ 6‬الٍب تفصلها عن فاىكة‪،‬‬
‫عاصمة آؿ ركبْب‪ ،‬مسافة أربعة كشبانْب كلم فقط‪ .‬كمن ا﵀تمل أيضا أف يكوف قسطنطْب اْلكؿ على‬
‫عالقة مع جودفرم البويوشل )‪ ،(Godefroy de Bouillon‬الذم كاف يقود اعبيش الصلييب‬
‫الرئيسي اؼبتوجو إذل أنطاكية عرب جباؿ طوركس الداخلية الواقعة مشاؿ شرؽ قيليقيا غّب بعيدة عن إمارة‬

‫‪ 1‬اسكندر فايز قبيب ‪ :‬فبلكة أرمينية‪ ،‬ص ‪53‬؛ بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ 2‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪ 3‬انظر اؼبلحق الثاشل عشر‪ ،‬ص ‪.485‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Raoul de Caen : op. cit., pp. 81-86.‬‬
‫‪5‬‬
‫مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪73‬؛ ‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 216.‬‬
‫‪ 6‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪208‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫آؿ ركبْب‪ 1.‬كما هبعل ىذه اَلحتماَلت أكثر قبوَل‪ ،‬ىو الدكر الذم قاـ بو قسطنطْب اْلكؿ ُب‬
‫مساعدة الصليبيْب أثناء حصارىم ْلنطاكية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬مساعدة قسطنطين للصليبيين‬


‫بعد أف حط الصليبيوف رحاؽبم قرب أسوار أنطاكية ُب ‪ 02‬ذم اغبجة ‪381‬ق‪ 10/‬اكتوبر‬
‫‪0186‬ـ‪ ،‬كبعد شهرين من اغبصار الذم ضربوه على اؼبدينة نفد ما كاف معهم من مؤف‪ ،‬فخرج‬
‫بوىيموند يقود شطرا من اعبيش لنهب القرل كالضياع آّاكرة للمدينة‪ ،‬كؼبا كصل إذل قرية البارة‪ 2‬يوـ‬
‫‪ 20‬ديسمرب‪ ،‬باغتو جيش من اؼبسلمْب يقوده دقاؽ ملك دمشق‪ ،‬كاف ُب طريقو إذل أنطاكية لنجدة‬
‫ياغي سياف‪ ،‬كرغم أف النصر دل يكن حليف اؼبسلمْب ُب ىذه اؼبعركة‪ ،‬فإف اعبيش الصلييب ارتد‬
‫مسرعا إذل معسكره بعد أف هنب قرية أك قريتْب فقط‪ 3.‬كعلى حد تعبّب كليم الصورم‪" ،‬عادت اغبملة‬
‫و‬
‫بأيد خالية كبطوف خاكية"‪ 4.‬كاغبقيقة أف الصليبيْب دل هبدكا ما ينهبوه‪ْ ،‬لهنم "خربوا النواحي كافة‪ ،‬كدل‬
‫يعد فبكنا أف هبدكا اػببز ليشَبكه من أم مكاف‪ ،‬كعانوا من اعبوع معاناة متزايدة‪ .‬كنتيجة ؽبذا‪ ،‬تسرب‬
‫اليأس إذل اعبميع‪ ،‬كبدأ كثّبكف ينسحبوف من اغبصار سران‪ ،‬عن طريق الرب كعن طريق البحر على‬
‫‪6‬‬
‫السواء"‪ 5،‬ككاف بطرس الناسك من بينهم‪.‬‬

‫كؼبا اشتد الفقر كالبؤس دبعسكر الصليبيْب‪ ،‬كبلغ ّٔم اْلمر إذل أكل جلود اغبيوانات كبذكر‬
‫الغالؿ الٍب كجدكىا ُب القمامة كالسباخ‪ 7،‬كحْب رأل اْلرمن الذين يقيموف ُب قيليقيا كُب جباؿ‬

‫‪1‬‬
‫‪Tournebize F. : op. cit., p. 115; Dédéyan Gérard : Les Arménien entre Grecs, t. I, p. 406.‬‬
‫‪ 2‬البارة ‪ :‬بلدة صغّبة من نواحي حلب‪ ،‬كفيها حصن‪ ،‬تقع شرؽ هنر العاصي )‪ ،(Oronte‬على بعد حوارل أربعة كشبانْب كلم‬
‫جنوب غرب حلب‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪256‬؛ ‪Cahen Claude: La Syrie du nord, p. 162.‬‬
‫‪ 3‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪134‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪238-237‬؛‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, pp. 165-166; Cahen Claude: op. cit., p. 213; Grousset René :‬‬
‫‪Histoire des Croisades, t. I, p. 144.‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪300 ،292‬‬
‫‪ 5‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ 6‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 7‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪211‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫طوركس كاْلمانوس كُب الفرات‪ ،‬أف الصليبيْب عادكا صفر اليدين خاليي الوفاض من غزكات النهب‬
‫‪1‬‬
‫الٍب قاموا ّٔا ُب اؼبناطق آّاكرة‪ ،‬أخذكا على عاتقهم عملية سبوين اعبيش الصلييب كتزكيده باْلطعمة‪.‬‬

‫ككاف قسطنطْب من بْب اْلمراء اْلرمن اْلكثر نشاطا ُب خضم ىذه اْلحداث‪ ،‬حيث عمل‬
‫على تزكيد الصليبيْب دبا وبتاجونو من مؤف‪ ،‬كدل يكن اغبافز تقدصل اؼبساعدة‪ ،‬أك القياـ بأعماؿ خّبية‪،‬‬
‫بل كاف حريصا على استغالؿ آّاعة الٍب خيمت على معسكرىم ليحقق إلمارتو أرباحا طائلة‪ .‬فكاف‬
‫اْلرمن ُب إمارتو يشَبكف اغبنطة كاْلطعمة كيرسلوهنا إذل معسكر الصليبيْب الذم كانت آّاعة‬
‫القاسية تتفاقم فيو يوما بعد يوـ‪ ،‬كباعوا ؽبم اػببز‪ ،‬كالزيت‪ ،‬كاؼبلح‪ ،‬كاْلبقار‪ ،‬كاغبمّب ‪ ...‬بأسعار‬
‫‪3‬‬
‫مضاعفة‪" 2،‬فمات الكثّبكف من رجالنا الذين عجزكا عن دفع ىذا الثمن الفاحش اَلرتفاع"‪.‬‬

‫كدل يقتصر عمل قسطنطْب على سبوين الصليبيْب باؼبؤف‪ ،‬بل ربالف معهم عسكريا‪ ،‬كيستنتج‬
‫من بعض اؼبصادر اْلرمينية‪ ،‬أنو حارب إذل جانبهم ضد اْلتراؾ‪ 4.‬فبعد اهنزاـ اؼبلك دقاؽ أماـ‬
‫الصليبيْب ُب معركة البارة يوـ ‪ 4‬صفر ‪381‬ق‪ 20/‬ديسمرب ‪0187‬ـ‪ ،‬انتقلت مسؤكلية الدفاع عن‬
‫أنطاكية إذل أخيو رضواف ملك حلب‪ ،‬فهو يعترب اؼبدينة جزءا من نصيبو بعد كفاة ملكشاه‪ .‬ككاف‬
‫ياغي سياف قد أرسل ابنو إذل حلب –بعد معركة البارة‪ -‬يعتذر عما بدر منو ُب كقت سابق‪ ،‬كيطلب‬
‫اؼبدد إلنقاذ أنطاكية‪ ،‬فخرج رضواف مع قوات أخرل من ضباة‪ ،‬كضبص‪ ،‬كمن ديار بكر‪ ،‬كاحتشدت‬
‫ىذه القوات كلها ُب حا ًرـ‪ 5.‬كقضت اػبطة اؼبتفق عليها أف تقوـ ىذه القوات ّٔجوـ مفاجئ على‬

‫‪ 1‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪54‬؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.80-79‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪134‬؛ ‪Albert d'Aix : op. cit., t. I, p. 169.‬‬
‫‪ 3‬مؤرخ ؾبهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Samuel d'Ani : Chronographie de Samuel d'Ani, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème‬‬
‫‪éd., Paris, 1969. t. I, p. 448; Vahram d'Edesse : op. cit., p. 498; Vahram Rapoun, op. cit., p. 8.‬‬
‫‪ 5‬حا ًرـ ‪ :‬حصن حصْب ككورة جليلة ذباه أنطاكية‪ ،‬تقع غّب بعيدة عن الطريق الرابط بْب انطاكية كحلب‪ ،‬كانت ُب اؼباضي زريبة‬
‫للماشية‪ ،‬بُب البيزنطيوف ُب مكاهنا قلعة صغّبة‪ ،‬طورىا الفرقبة كثّبا كجلوا منها حصنا منيعا‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‬
‫‪ ،3‬ص ‪108‬؛ ‪.)Cahen Claude: La Syrie du nord, p. 135‬‬

‫‪210‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫اؼبعسكر الصلييب الذم وباصر أنطاكية‪ ،‬كُب الوقت نفسو ىبرج ياغي سياف جبيشو من اؼبدينة كيهاجم‬
‫‪1‬‬
‫من اَلذباه اؼبقابل‪ ،‬فيقع اعبيش الصلييب بْب فكي الكماشة‪.‬‬

‫ككاف أىل حارـ من اْلرمن‪ ،‬كؼبا علموا بتلك اػبطة‪ ،‬أرسلوا سرا إذل الصليبيْب أماـ أسوار‬
‫أنطاكية ىبربكهنم دبا ييعده اؼبسلموف‪ .‬كبعد أف علم قادة الصليبيْب باْلمر‪ ،‬كضعوا خطة تقضي بأف‬
‫يبقى اؼبشاة وبرسوف اؼبعسكر‪ ،‬كيستمركف ُب اغبصار‪ ،‬كىبرج بوىيموند على رأس ما تبقى من الفرساف‬
‫(حوارل سبعمائة)‪ٍ ،‬ب يقوموف ّٔجوـ مفاجئ على جيش سالجقة الشاـ الذم عسكر ُب حارـ‪.‬‬
‫كانتهت اؼبعركة الٍب دارت رحاىا يوـ ‪ 3‬ربيع اْلكؿ ‪380‬ق‪ 7/‬فيفرم ‪0187‬ـ‪ ،‬باهنزاـ جيش‬
‫السالجقة‪ ،‬كعودة رضواف إذل حلب‪ .‬كيبدك أف قسطنطْب اْلكؿ شارؾ ُب ىذه اؼبعركة بفرسانو‪،‬‬
‫حيث يذكر ابن العدصل أنو "ُب شهر ربيع اْلكؿ من السنة كصل خلق من اْلرمن إذل تل قبَّاسْب‬
‫بناحية الوادم فقتلوا من فيو"‪ 2،‬كالقائد الوحيد الذم كاف بإمكانو أف وبشد اْلرمن كيقَبب ّٔم من‬
‫حلب ىو من دكف شك قسطنطْب اْلكؿ الذم كاف يعمل على استغالؿ كل فرصة لتوسيع إمارتو ُب‬
‫قيليقيا على حساب كل من اؼبسلمْب كالبيزنطيْب‪ْ 3.‬لف اْلمراء اْلرمن اآلخركف‪ ،‬كاف بعضهم من‬
‫أتباع اَلمرباطورية البيزنطية كَل يستطيعوف القياـ بأم مبادرة عسكرية إَل دبوافقة القسطنطينية‪ ،‬من‬
‫بينهم اْلمّب أكشْب ُب ؼبربكف‪ ،‬الذم يبدك أنو دل يتعاكف مع الصليبيْب منذ أف التقى ّٔم ُب مدينة أذنة‬
‫ُب أكاخر سبتمرب سنة ‪381‬ق‪0186/‬ـ‪ ،‬كاْلمّب ثاتوؿ ُب مرعش الذم نصبو البيزنطيوف حاكما‬
‫على اؼبدينة باظبهم‪ .‬كبعضهم كانوا يصارعوف السالجقة كالصليبيْب معا ُب إقليم الفرات‪ ،‬غبماية‬
‫إماراهتم من العواصف اؼبتضاربة الٍب أحاطت ّٔم‪ ،‬مثل ثوركس ُب الرىا‪ ،‬ككوغ فاسيل ُب كيسوـ‪،‬‬
‫كجربيل ُب ملطية‪.‬‬

‫‪ 1‬طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.103‬‬


‫‪ 2‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪238-237‬‬
‫‪ 3‬اسكندر فايز قبيب ‪ :‬فبلكة أرمينية‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪211‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كفبا يدؿ على مشاركتو مع الصليبيْب ُب حرّٔم ضد السالجقة‪ ،‬أهنم اعَبفوا لو بالفضل كمنحوه‬
‫لقب مركيز‪" ،(Marquis) 1‬كقدموا للمذكور ىدايا شبينة كأعطوه شرؼ الوزارة كمدحوه كثّبا"‪ 2،‬ؽبذا‬
‫ناؿ شهرة ُب أكربا‪ 3.‬كرغم أف فَبة حكمو قصّبة (طبس سنوات) إَل أنو ناؿ مكانة سامية بْب‬
‫رعاياه‪ ،‬حيث لقبتو اؼبصادر اْلرمينية باْلمّب الكبّب‪ ،‬أك اْلمّب الكبّب لألرمن‪ 4،‬كتفسّب ذلك أنو‬
‫عاصر أحداث اغبملة الصليبية اْلكذل الٍب استغلها لصاحل إمارتو‪ .‬كّٔذه اؼبواقف يكوف قسطنطْب‬
‫اْلكؿ قد كضع دعائم سياسة خارجية قائمة على التحالف مع الصليبيْب ؿبل التحالف مع‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬أك مع السالجقة‪ ،‬كىي السياسة الٍب دأب خلفاؤه على اتباعها بعد كفاتو سنة‬
‫‪5‬‬
‫‪382‬ق‪0011/‬ـ‪ ،‬حيث آؿ عرش اإلمارة إذل ابنو ثوركس‪.‬‬

‫‪ - 2‬ثوركس األكؿ بن قسطنطين (‪524/494‬ق‪1129-1100/‬ـ)‬


‫ىو اَلبن البكر لقسطنطْب اْلكؿ‪ 6.‬كؼبا توذل شؤكف اإلمارة ُب سنة ‪383‬ق‪0011/‬ـ‪ ،‬كانت‬
‫حدكد بالده ؿباطة بعديد القول اؼبتصارعة‪ .‬كباستثناء كوغ فاسيل ُب الشرؽ‪ ،‬فقد كاف تانكرد‬
‫كألكسيس كومنْب يتصارعاف حوؿ سهل قيليقيا ُب اعبنوب‪ ،‬ككاف سالجقة الركـ كالدانشماند‬
‫يطمعوف ُب اَلستيالء على اْلراضي الواقعة غرب كجنوب اإلمارة‪ .‬فكيف استطاع ثوركس اْلكؿ أف‬
‫وبافظ على توازف إمارتو كسط كل تلك العواصف ؟‬

‫دل يبق ثوركس متفرجا على اْلحداث الٍب ذبرم حولو‪ ،‬بل حاكؿ أف يكوف فاعال كمؤثرا فيها‪،‬‬
‫ليضمن اْلمن كاَلستمرار إلمارتو‪ .‬كبدأ سياستو بتوسيع رقعة بالده على حساب السالجقة أحيانا‬

‫‪ 1‬مركيز ‪ :‬رتبة عسكرية فرقبية سبنح ؼبن يقود فرقة من اؼبشاة‪ ،‬كتطور ىا اللقب فأصبح يطلق على بعض النبالء الذين ؽبم مرتبة بعد‬
‫الدكؽ كقبل الكونت‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Le Petit Robert : dictionnaire alphabétique et analogique de la langue française, Le Robert,‬‬
‫)‪Paris, 1983. p. 1158.‬‬
‫‪ 2‬خاقبي انطوف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 498; Samuel d'Ani, op. cit., p. 448; Aslan Kévork : op. cit., p. 76.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 216; Samuel d'Ani, lo. cit.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Héthoum : op. cit., p. 473.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Vahram Rapoun, op. cit., p. 8.‬‬

‫‪212‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كعلى حساب البيزنطيْب أحيانا أخرل‪ ،‬ككانت معظم توسعاتو ُب اؼبناطق اعببلية‪ْ ،‬لف سهل قيليقيا‬
‫انتقل إذل حيازة الصليبيْب منذ سنة ‪412‬ق‪0018/‬ـ‪.‬‬

‫انتزع من البيزنطيْب مدينة عْب زرىب‪ 1‬الواقعة على حافة سهل قيليقيا كسفح اعببل‪ ،‬كازبذىا مقرا‬
‫لو‪ ،‬ككانت ىذه العملية بداية تعاظم قوتو‪ ،‬كاشتداد شوكتو‪ 2.‬كَل تذكر اؼبصادر بدقة تاريخ استيالئو‬
‫على ىذه اؼبدينة‪ ،‬كلكن بعض اؼبؤرخْب ا﵀دثْب يرجحوف أف العملية سبت ُب بداية عهده كردبا ُب سنة‬
‫‪411‬ق‪0016/‬ـ‪ 3.‬كحسب ما كرد ُب بعض اؼبصادر فإف اَلستيالء عليها يعترب أكرب قباح لألمّب‬
‫ثوركس اْلكؿ‪ 4،‬كمن ا﵀تمل أنو استوذل على مدينة سيس قبلها‪ 5.‬كتدؿ ىذه التوسعات على أنو دل‬
‫يعَبؼ بالتبعية لإلمرباطور البيزنطي ألكسيس كومنْب‪ 6.‬كازدادت العالقة سوءان بينو كبْب السلطات‬
‫البيزنطية بعد أف انتزع من اإلخوة ماندارل )‪ 7(Mandale‬قلعة كيزسَبا )‪ 8.(Kyzistra‬كتوسع‬
‫أخوه ليوف ُب اعبهات الشرقية عبباؿ طوركس كاقَبب من مدينة مرعش‪ ،‬فانتزع من السالجقة عدة‬
‫قالع كحصوف ضمها إذل إمارة أخيو‪ .‬كدل يكن بإمكانو التوسع أكثر من ذلك‪ْ ،‬لف اْلتراؾ يطوقوف‬
‫إمارتو من جهة الشماؿ‪ ،‬كقوات تانكرد سبنعو من التوسع ُب قيليقيا جنوبا‪ 9.‬كبذلك امتدت أرمينيا‬
‫الصغرل ُب عهد ثوركس اْلكؿ من كيزسَبا مشاَل إذل عْب زرىب جنوبا‪ ،‬كمن برسربرت شرقا إذل نواحي‬

‫‪1‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 499; Samuel d'Ani, op. cit., p. 449.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mahé Annie : op. cit., p. 193.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Alishan : op. cit., p. 274; Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 442.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : loc. cit.; Samuel d'Ani, loc. cit.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dardel Jean : Chronique d'Arménie, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème éd.,‬‬
‫‪Paris, 1969. t. II, p. 7.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Chalandon Ferdinand : op. cit., t. II, p. 106.‬‬
‫‪ 7‬اإلخوة ماندارل ‪ :‬ىم ثالثة إخوة أبناء ماندارل‪ ،‬أتباع لإلمرباطورية البيزنطية الٍب أقطعتهم ىذه قلعة كيزسَبا‪ ،‬كىم الذين قاموا‬
‫باغتياؿ اؼبلك اْلرميِب جاجيك الثاشل البجراطي ُب ىذه القلعة انتقاما منو‪ْ ،‬لنو قتل رئيس أساقفة مدينة قيصرية‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Dulaurier : op. cit., p. XXII; Cheynet Jean-Claude : Les Arméniens de l'Empire en Orient, p. 68‬‬
‫‪ 8‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪178-175‬؛ عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ 9‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.193‬‬
‫‪213‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫مرعش غربا‪ 1.‬كلكي يعزز استقاللو عن اَلمرباطورية البيزنطية ضرب السكة باظبو‪ 2.‬كنظرا للرقعة‬
‫الواسعة الٍب بلغتها أرمينيا الصغرل ُب عهده‪ ،‬كاؼبدة الطويلة الٍب ظل فيها على رأس اإلمارة‪ ،‬أصبح ُب‬
‫نظر اؼبصادر اْلرمينية فاربا عظيما‪ ،‬كضبلت البالد الٍب حكمها اظبو‪ ،‬فأصبحت تعرؼ ببالد‬
‫‪3‬‬
‫ثوركس‪.‬‬

‫أ ‪ -‬عالقتو بالسالجقة‬
‫ظلت العالقة بْب آؿ ركبْب كالسالجقة متوترة‪ ،‬بسبب التحالف كالتعاكف القائم بْب اْلرمن‬
‫كالصليبيْب من جهة‪ ،‬كبسبب رغبة سالجقة الركـ ُب التوسع على حساب إمارة آؿ ركبْب‪ ،‬كاستعادة‬
‫اؼبدف كالقالع الٍب فتحهوىا منذ أياـ سليماف بن قتلمش من جهة أخرل‪ ،‬كلذلك كاف أمراء بيت‬
‫ركبْب ُب جباؿ طوركس‪ ،‬أشد تعرضا ؽبجماهتم‪ 4.‬كلكي وبمي إمارتو منهم نسج ثوركس اْلكؿ ُب‬
‫بداية عهده عالقات حسنة مع إمارة الدانشمنديْب الٍب كانت ُب صراع مع سالجقة قونية‪ 5،‬كردبا ىو‬
‫الذم بلَّغ عن بوىيموند فبا أدل إذل كقوعو أسّبا بْب يدم أضبد الدانشمند‪ ،‬سنة ‪493‬ىػ‪1100/‬ـ‪،‬‬
‫حيث يذكر ابن العربم أف أبناء ركبْب الذين "خشوا أف يستورل الفرنج عليهم كىبرجوىم من نواحيهم‬
‫‪6‬‬
‫فكتبوا سرا إذل اظباعيل بن دنشمند ليكمن ؽبم"‪.‬‬

‫كُب ىذا اَلطار‪ ،‬يذكر مٌب الرىاكم ضمن أحداث سنة ‪411‬ق‪0016/‬ـ‪ ،‬أف جيشا تركيا‬
‫عرب جباؿ طوركس كاذبو إذل بالد ثوركس‪ ،‬كؼبا كصل إذل عْب زرىب‪ ،‬أخذ‬
‫تعداده اثنا عشر ألفا‪ ،‬ى‬
‫عرب سهل مرعش‪ ،‬تصدل لو كوغ فاسيل أمّب كيسوـ‪ ،‬الذم انتصر‬‫العديد من اْلسرل‪ .‬كأثناء عودتو ٍ‬
‫على اْلتراؾ كأجربىم على التقهقر‪ ،‬كاستعاد منهم الغنائم كاْلسرل‪ 7.‬كَل يذكر اؼبصدر خركج ثوركس‬

‫‪ 1‬انظر اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪.486‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Alishan : op. cit., p. 452; Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, pp. 465-471.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 499.‬‬
‫‪ 4‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.193‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : op. cit., t. I, pp. 505-506.‬‬
‫‪.126‬‬ ‫‪ 6‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص‬
‫‪7‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 264.‬‬

‫‪214‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫ؼبواجهة ىذه القوات الَبكية‪ ،‬إما ْلهنا دل تتوغل ُب اؼبناطق اعببلية الٍب وبكمها آؿ ركبْب‪ْ ،‬لف مدينة‬
‫عْب زرىب آنذاؾ (‪0016‬ـ)‪ ،‬كانت َل تزاؿ ربت حكم البيزنطيْب‪ ،‬أك ْلنو أدرؾ بأنو َل يستطيع‬
‫مقاكمتها فلجأ إذل قلعة فاىكة اغبصينة منتظرا انسحأّا من بالده‪ .‬كردبا تساءؿ بعض الباحثْب من‬
‫أين جاء ىذا اعبيش الَبكي ؟ من قونية‪ ،‬أك من ملطية‪ ،‬أك من جهة أخرل ؟ كمن كاف يقوده قلج‬
‫أرسالف أـ قائد تركي آخر ؟‬

‫الراجح أف ىذا اعبيش قدـ من ملطية‪ ،‬الٍب كاف قلج أرسالف قد انتزعها من ياغي سياف‪ 1‬سنة‬
‫‪387‬ق‪0014/‬ـ‪ 2،‬كازبذىا مقرا إلقامتو‪ .‬إذ ُب الوقت الذم كاف فيو ثوركس يتوسع ُب مرتفعات‬
‫طوركس‪ ،‬كاف سالجقة الركـ يبحثوف ْلنفسهم عن مواقع جديدة ُب جنوب آسيا الصغرل لتعويض‬
‫ما فقدكه من أر و‬
‫اض على يد الصليبيْب كالبيزنطيْب‪.‬‬

‫كيذكر الفارقي ضمن أحداث سنة ‪387‬ق‪0014/‬ـ‪ ،‬أف السلطاف قلج أرسالف اْلكؿ‬
‫‪3‬‬
‫(‪411-374‬ق‪0016-0181/‬ـ) استقبل دبلطية اْلمراء كالوزراء الذين سلموا لو ميافارقْب‪،‬‬
‫"كحضر إذل خدمتو أمراء صبيع ديار بكر ‪ ...‬كأقاـ دبلطية كصبع العساكر"‪ 4.‬كُب السنة اؼبوالية‪ ،‬خرج‬
‫م ػ ػ ػن ػ ػ ػهػ ػ ػ ػا ع ػ ػ ػلػ ػ ػ ػ ػى رأس ج ػ ػ ػيػ ػ ػش كثيف لفتح الرىا كنزؿ قريبا منها‪ 5،‬غّب أنو فشل ُب اقتحامها‪ .‬كقد‬
‫منحتو ىذه الػ ػ ػحػ ػ ػم ػ ػ ػالت ش ػ ػ ػهػ ػ ػ ػرة ف ػ ػ ػ ػي كػ ػ ػاف ػ ػ ػ ػة أرج ػ ػ ػ ػ ػاء الػ ػ ػ ػعػ ػ ػ ػ ػال ػ ػ ػ ػم اَلس ػ ػ ػ ػ ػالمػ ػ ػ ػ ػ ػي‪ ،‬كتػ ػ ػطػ ػلػ ػع‬
‫الػ ػمػ ػسػ ػلػ ػمػ ػوف إلػ ػيػ ػو لػ ػيػ ػقػ ػود حػ ػركة الػ ػج ػ ػهػ ػ ػاد ضػ ػ ػد ال ػ ػص ػ ػل ػ ػيػ ػ ػب ػ ػيػ ػ ػي ػ ػ ػن‪ 6.‬ف ػ ػ ػكػ ػ ػت ػ ػ ػب إلػ ػ ػي ػ ػ ػو أىػ ػ ػل‬

‫‪ 1‬ياغي سياف ‪ :‬أك أغوسياف‪ ،‬ىو أحد أبناء أضبد دانشمند‪ ،‬ككاف على رأس السلطة ُب مدينة ملطية أثناء كقوع اؽبجوـ عليها من‬
‫طرؼ قلج أرسالف‪( .‬انظر ‪ :‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪).48‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 192.‬‬
‫‪ 3‬ىميافا ًرقْب ‪ :‬أشهر مدينة بديار بكر‪ ،‬كاظبها العريب ىو ربريف َلسم ميفركت )‪ (Maypharkath‬اْلرامي أك موفركرف‬
‫)‪ (Moufargin‬اْلرميِب‪ ،‬كظباىا اليوناف مرتّبكبولس )‪ ،(Martyropolis‬ككانت ؿبل صراع بْب الفرس كالركـ‪ٍ ،‬ب فتحها‬
‫اؼبسلموف ُب عهد عمر بن اػبطاب‪ ،‬كّٔا قرب سيف الدكلة بن ضبداف‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪349‬؛‬
‫لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)143‬‬
‫‪ 4‬الفارقي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.273-272‬‬
‫‪ 5‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫‪ 6‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪215‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫‪2‬‬
‫ح ػ ػ ػ ػراف‪" 1‬لػ ػ ػ ػيػ ػ ػ ػس ػ ػ ػل ػ ػ ػمػ ػ ػ ػوى ػ ػ ػا إل ػ ػي ػ ػ ػو ف ػ ػس ػ ػ ػار إليهم كتسلم البلد كفرح بو الناس ْلجل جهاد الفرنج"‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫إَل أنو أصيب دبرض شديد أكجب عودتو إذل ملطية فعاد مريضا كترؾ أصحابو حبراف‪.‬‬

‫كىذا يدؿ على أف ملطية غدت مركزا لنشاطاتو العسكرية كالسياسية‪ ،‬كمنها تطلع قلج أرسالف إذل‬
‫التوسع ُب إقليم اعبزيرة كمشاؿ سوريا‪ ،‬كقيليقيا‪ .‬كلكنو دل يتمكن من إسباـ مشركعو‪ ،‬حيث اهنزـ أماـ‬
‫جاكرل‪ 4‬كمات غرقا ُب هنر اػبابور‪ 5‬بتاريخ ‪ 8‬شواؿ سنة ‪411‬ق‪ 11/‬جواف ‪0016‬ـ‪ 6.‬كبعد كفاتو‬
‫آلت ملطية إذل ابنو اْلصغر طغرؿ أرسالف‪412-411( 7‬ق‪0018-0016/‬ـ)‪ ،‬الذم كاف ربت‬

‫‪ 1‬ىحَّراف ‪ :‬تقع جنوب مدينة الرىا‪ ،‬بينهما مسّبة يوـ‪ ،‬اظبها القدصل كرىا )‪ (Carrhae‬كقيل ظبيت ّٔاراف أخي أبراىيم عليو السالـ‬
‫ْلنو أكؿ من بناىا‪ ،‬ككانت مدينة الصابئْب (الصابئة اغبرانية كىم ىبتلفوف عن صابئة العراؽ اليوـ)‪ ،‬كىم على دين ابراىيم‪ ،‬كيقاؿ‬
‫إف حراف كانت أكؿ مدينة بنيت على اْلرض بعد الطوفاف‪ .‬فتحها اؼبسلموف ُب عهد عمر بن اػبطاب رضي ا﵁ عنو على يد‬
‫عياض بن غنم‪ .‬تقع حاليا جنوب شرؽ تركيا عند منبع هنر البليخ أحد ركافد هنر الفرات‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪،3‬‬
‫ص ‪130‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)134‬‬
‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.236‬‬
‫‪ 3‬نفسو‪.‬‬
‫‪ 4‬جاكرل سقاكه (أك سقاكك) ‪ :‬من فباليك كأمراء السلطاف ؿبمد بن ملكشاه‪ ،‬أقطعو اؼبوصل سنة ‪500‬ق‪ ،‬ككاف قبل ىذا قد‬
‫استوذل على البالد الٍب بْب خوزستاف كفارس كأقاـ ّٔا سنتْب كعمر قالعها كحصنها كاساء السّبة ُب أىلها‪ ،‬فلما سبكن السلطاف‬
‫ؿبمد من السلطنة خافو جاكرل‪ٍ ،‬ب دخل ُب خدمتو‪ ،‬كأمره السلطاف باؼبسّب إذل الفرنج ليأخذ البالد منهم كأقطعو اؼبوصل كاْلعماؿ‬
‫الٍب بيد جكرمش‪ ،‬كديار بكر كاعبزيرة كلها‪ .‬كؼبا كصل إذل اؼبوصل امتنع عليو جكرمش كخرج للقائو‪ ،‬غّب أنو اهنزـ إثر اؼبعركة الٍب‬
‫حدثت بينهما خارج اؼبدينة‪ ،‬ككقع أسّبا ُب يد جاكرل‪ .‬فأرسل أىل اؼبوصل إذل قلج أرسالف يطلبوف منو اؼبساعدة‪ ،‬فتوجو إليهم‬
‫كاستقبلوه حبفاكة‪ٍ ،‬ب دارت اؼبعركة بينو كبْب جاكرل‪ ،‬كبعد أف أدرؾ أنو خسر اؼبعركة‪ ،‬حاكؿ الفرار فألقى بنفسو ُب هنر اػبابور‪،‬‬
‫فاكبدر الفرس بو إذل قاع النهر‪ ،‬كغرؽ كظهرت جثتو بعد أياـ‪( .‬انظر ‪ :‬سبط ابن اعبوزم‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،445‬ىامش رقم ‪2‬؛ ابن‬
‫اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.)241-238‬‬
‫‪ 5‬اػبابور ‪ :‬ىو اسم لنهر كبّب منبعو ُب رأس عْب كمصبو ُب الفرات من أرض اعبزيرة‪ ،‬كنسبت إليو البالد الٍب هبرم ُب أراضيها‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪206‬؛ لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)127‬‬
‫‪ 6‬سبط ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪480-479 ،477‬؛ ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪157‬؛ مٌب الرىاكم ‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.153‬‬
‫‪7‬‬
‫طغرؿ أرسالف ‪ :‬ىو أصغر أبناء قلج أرسالف بن سليماف بن قتلمش‪ ،‬توذل السلطة عقب كفاة أبيو سنة ‪500‬ق‪1107/‬ـ‪ ،‬بتدبّب من‬
‫بزميش (أك اْلمّب أيدبر) أحد رجاؿ أبيو عندما نقل امرأة السلطاف الراحل قلج أرسالف كابنو الصغّب طغرؿ أرسالف من اؼبوصل إذل ملطية‪،‬‬
‫كنادل بطغرؿ أرسالف سلطانا ُب ملطية‪ ،‬حيث ظل ُب السلطنة حٌب عاد أخوه اْلكرب ملكشاه بن أرسالف من اْلسر‪ ،‬إذل ملطية كنادكا بو‬
‫ملكا فخلع أخاه الصغّب طغرؿ أرسالف‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪132-131‬؛ طقوش‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪،113‬‬
‫‪120‬؛ ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،83‬ىامش ‪1‬؛ ‪.)Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 194.‬‬
‫‪216‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫الوصاية‪ .‬كدل تؤثر كفاة ألب أرسالف ُب الركح العسكرية الٍب بثها بْب أتباعو ُب ضبلتو اْلخّبة‪ ،‬فخرجوا‬
‫من ملطية يتوسعوف ُب اْلقاليم آّاكرة‪ ،‬كبلغوا أعارل قيليقيا‪ 1،‬الٍب تعترب جزءا من إمارة آؿ ركبْب‪.‬‬

‫كبينما كاف ثوركس اْلكؿ يبحث عن سبل غبماية إمارتو من هتديدات سالجقة الركـ‪ ،‬فإف‬
‫اْلحداث ساقتو ليجد نفسو ُب حرب أخرل ضد سالجقة فارس‪ .‬ذلك أف بعض أىارل حلب ضاقوا‬
‫بالصليبيْب ذرعان‪ ،‬كأرسلوا كفدا إذل اػبليفة يلتمسوف منو إعالف اعبهاد‪ ،‬لتخليصهم فبا يتعرضوف لو من‬
‫هتديد من قًبىل الفرنج‪ ،‬كؼبا دل يتحصلوا إَل على كعود جوفاء‪ ،‬أثاركا أىل بغداد كضبلوىم على التظاىر‬
‫ُب جامع السلطاف‪" 2،‬كمضى بعضهم إذل بغداد كاستغاثوا ُب أياـ اعبمع‪ ،‬كمنعوا اػبطباء من اػبطبة‬
‫مستصرخْب بالعساكر اإلسالمية على الفرنج‪ 3".‬كُب منتصف سنة ‪413‬ق‪/‬أكائل ‪0000‬ـ‪ ،‬أرسل‬
‫ألكسيس كومنْب سفارة إذل بغداد ؿبملة "ّٔدايا كربف كمراسالت مضموهنا البعث على قصد اَلفرنج‬
‫كاإليقاع ّٔم كاَلجتماع على طردىم من ىذه اْلعماؿ كترؾ الَباخي ُب أمرىم كاستعماؿ اعبد‬
‫كاَلجتهاد ُب الفتك ّٔم قبل اعضاؿ خطبهم كاستفحاؿ شرىم"‪ 4.‬أدل يتحالف ألكسيس سابقا مع‬
‫الصليبيْب لدفع خطر السالجقة عن بالده‪ ،‬فلماذا يستنفر اؼبسلمْب اليوـ ضد الصليبيْب ؟‬

‫كاغبقيقة أف ظاىر ىذه السفارة ىو استثارة اػبليفة العباسي‪ ،‬كسلطاف السالجقة‪ 5‬ضد‬
‫الصليبيْب‪ ،‬كلكن باطنها ىو استغالؿ اؼبسلمْب ﵀اربة تانكرد الذم بات يشكل خطرا على‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬حيث استوذل على عدة مدف ُب اقليم قيليقيا‪ ،‬فضال عن مدينة أنطاكية الٍب‬
‫رفض تسليمها إذل السلطات البيزنطية‪ .‬كبعبارة أدؽ‪ ،‬فإف ألكسيس كومنْب دعا إذل تكافل أىل‬

‫‪1‬‬
‫‪Cahen Claude: La Syrie du nord, p. 253.‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.196‬‬
‫‪ 3‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.253‬‬
‫‪ 4‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪ 5‬اػبليفة العباسي ىو أبو العباس أضبد اؼبلقب باؼبستظهر با﵁ (‪512-487‬ق‪1118-1094/‬ـ)‪ ،‬كالسلطاف السلجوقي ىو ؿبمد‬
‫بن ملكشاه (‪511-498‬ق‪1118-1104/‬ـ)‪( .‬انظر ‪ :‬السيوطي (جالؿ الدين عبد الرضبن بن أيب بكر (ت ‪911‬ق) ‪ :‬تاريخ‬
‫اػبلفاء‪ ،‬ربقيق اضبد ابراىيم زىوة ك سعيد بن أضبد العيدركسي)‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط‪ ،4‬بّبكت ‪ .2003‬ص ‪.330-326‬‬
‫‪217‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫الشرؽ ضد الغزاة الفرقبة‪ 1.‬كيبدك أف ىذه السفارة تركت أثرا عميقا ُب نفسية اؼبسلمْب‪ ،‬فصاح أىل‬
‫حلب ُب السلطاف ‪" :‬أما تتقي ا﵁ تعاذل أف يكوف ملك الركـ أكثر ضبية منك لإلسالـ حٌب قد‬
‫أرسل إليك ُب جهادىم"‪ 2.‬كأماـ ىذه اْلكضاع‪" ،‬أرسل اػبليفة إذل السلطاف ُب اؼبعُب يأمره‬
‫باَلىتماـ ّٔذا الفتق كرتقو"‪ 3‬فبادر السلطاف السلجوقي ؿبمد بن ملكشاه إذل إصدار أمر إذل مودكد‬
‫أتابك اؼبوصل بالدعوة إذل اعبهاد كتكوين حلف إسالمي كالسّب لقتاؿ الفرنج‪ .‬كاستجاب لندائو أمراء‬
‫ميافارقْب‪ ،‬كمراغة‪ ،‬كأربل‪ ،‬كنبذاف‪ ،‬كتربيز‪ ،‬كديار بكر‪ ،‬كماردين‪ ،‬كشيزر‪ٍ ،‬ب رحلوا إذل الشاـ ُب‬
‫منتصف ؿبرـ سنة ‪414‬ق‪ 12/‬جويلية ‪0000‬ـ‪ 4.‬كزبلى عنهم رضواف ملك حلب فأغلق ُب‬
‫كجههم أبواب اؼبدينة‪ ،‬كأمر باعتقاؿ عدد كبّب من أعياهنا خوفا من اتصاؽبم بالقوات اَلسالمية‬
‫اؼبتحالفة كتسليمها ؽبم‪ 5،‬كفضل ا﵀افظة على عالقاتو اعبيدة بالفرقبة‪ ،‬مدعيا أف عهودا كمواثيق تربطو‬
‫‪6‬‬
‫ّٔم كَلبد من الوفاء ّٔا‪.‬‬

‫كؼبا ربرؾ الشرؽ كلو استجابة لدعوة السلطاف السلجوقي ؿبمد بن ملكشاه للجهاد‪ ،‬أدرؾ‬
‫الصليبيوف كاْلرمن أف مصدر اػبطر ليس من سالجقة الركـ فقط‪ ،‬بل اػبطر اْلكرب الذم يهدد‬
‫كجودىم مصدره سالجقة فارس‪ .‬كأم ػاـ ىذا التحدم اإلسالمي‪ ،‬اس ػت ػج ػاب ب ػل ػدكي ػن اْلكؿ‬
‫(‪400-383‬ق‪0007-0011/‬ـ) ملك بيت اؼبقدس‪ ،‬لنداء اَلستغاثة الذم أرسلو كونت الرىا‬
‫‪7‬‬
‫بلدكين دك بور )‪ ،(Baudouin de Bourg‬كدعا سائر الفرساف بالشرؽ الفرقبي‪ ،‬ليلحقوا بو‪،‬‬
‫فتكوف حلف مسيحي شارؾ فيو بعض اْلمراء اْلرمن منهم كوغ فاسيل صاحب كيسوـ‪ ،‬كأبو‬

‫‪1‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arménien entre Grecs, t. I, p. 506.‬‬
‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.262‬‬
‫‪ 3‬اؼبصدر السابق ج ‪ ،8‬ص ‪.261‬‬
‫‪ 4‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪174‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.262‬‬
‫‪ 5‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. II, p. 171; Cahen Claude: La Syrie du nord, p. 262.‬‬
‫‪7‬‬
‫فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪217‬؛ مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪167‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪،2‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. II, p. 172; Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 488.‬‬ ‫ؽ ‪ ،1‬ص ‪198‬؛‬
‫‪218‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫الغريب صاحب البّبة‪ 1،‬كثوركس اْلكؿ )‪ (Antevelle‬مع أخيو ليوف‪ 2،‬اللذاف التحقا بتانكرد قرب‬
‫أسوار أنطاكية‪ ،‬كباَلنضماـ ؽبذا التحالف اؼبسيحي‪ ،‬أقحم ثوركس إمارتو ُب اغبرب ضد سالجقة‬
‫فارس كىو دل يتخلص بعد من ضغوط سالجقة الركـ على حدكد بالده‪.‬‬

‫كيبدك أف طغرؿ أرسالف (‪412-411‬ق‪0018-0016/‬ـ) أمّب ملطية دل يشارؾ ُب‬


‫التحالف اإلسالمي ضد الصليبيْب‪ ،‬كاستغل فرصة انسحاب معظم اعبنود اْلرمن كمن معهم من‬
‫الفرقبة من اغبدكد الشمالية كانضمامهم للتحالف اؼبسيحي‪ ،‬فهجم على مدينة البستاف كاعبهات‬
‫آّاكرة‪ٍ ،‬ب أغار على قيليقيا‪ ،‬الٍب كجدىا خالية من اعبند‪ ،‬فبلغ مدينة عْب زرىب‪ ،‬كطرد منها حامية‬
‫صليبية قليلة العدد‪ 3.‬كدبا أف ثوركس اْلكؿ كاف مع جيشو قرب أنطاكية يقف إذل جانب تانكرد‪ ،‬فإنو‬
‫دل ىباطر بالعودة إذل إمارتو ﵀اربة السالجقة الذين أخذكا "معهم عددا َل وبصى من اْلسرل ككثّبا‬
‫‪4‬‬
‫من الغنائم"‪.‬‬

‫ب ‪ -‬دكر ثوركس األكؿ في الحرب األىلية بين السالجقة‬


‫كلكن العصر الذىيب لسالجقة الركـ انتهى بوفاة قلج أرسالف بن سليماف بن قتلمش سنة‬
‫ككذل العهد الذم كانوا يهددكف فيو حدكد اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كحدكد إمارة‬
‫‪411‬ق‪0016/‬ـ‪َّ ،‬‬
‫آؿ ركبْب‪ ،‬حيث انفجرت النزاعات بْب أبنائو‪ ،‬الذين غرقوا ُب صراعات كحركب مدمرة حوؿ عرش‬
‫السلطنة‪ ،‬الٍب اقتسموىا بينهم‪ٍ ،‬ب راح كل كاحد منهم يتوسع على حساب اآلخر‪ .‬أكربىم ملكشاه‬
‫الذم سقط أسّبا ُب يد جاكرل بعد معركة اػبابور‪ٍ ،‬ب أرسلو إذل السلطاف ؿبمد بن ملكشاه ُب فارس‪،‬‬
‫كلكنو ىرب من معتقلو كعاد إذل ملطية سنة ‪412‬ق‪0018/‬ـ‪ .‬فخلع أخاه الصغّب طغرؿ أرسالف‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫ليخلو لو العرش‪ .‬كلكن أخاه مسعود سبكن من اؽبرب من السجن‬
‫ى‬ ‫كسجن أخويو مسعود كعرب‬

‫‪ 1‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.168‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. II, p. 172.‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 200, 205.‬‬ ‫‪ 3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪172‬؛‬
‫‪ 4‬نفسو‬
‫‪ 5‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪368‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪221‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كعبأ إذل اْلمّب غازم بن كمشتكْب أضبد دانشمند صاحب سيواس‪ ،‬كربالف معو‪ٍ ،‬ب أعلن الثورة ضد‬
‫أخيو ملكشاه‪ ،‬فتمكن من قتلو كاَلستيالء على اغبكم‪ ،‬كاعبلوس على عرش السلطنة سنة‬
‫‪1‬‬
‫‪401‬ق‪0005/‬ـ‪.‬‬

‫كإثر مقتل ملكشاه‪ ،‬تقلصت سلطنة سالجقة الركـ‪ ،‬كاقتسمها اإلخوة الثالثة الذين أسسوا‬
‫إمارات مستقلة عن بعضها البعض كىي ‪:‬‬

‫‪ -‬إمارة قونية الٍب آؿ مصّبىا إذل ركن الدين مسعود بن قلج أرسالف (‪-401‬‬
‫‪441‬ق‪0044-0005/‬ـ)‪.‬‬

‫‪ -‬إمارة أنقرة‪ 2،‬الٍب حكمها اْلخ الثاشل كىو عرب‪ ،‬بعد أف فر من سجنو ُب أنقرة إثر مقتل‬
‫ملكشاه‪ ،‬كضم قسطموشل )‪ 3،(Kastamonou‬إذل إمارتو‪.‬‬
‫‪ -‬إمارة ملطية الٍب حكمها اْلخ اْلصغر طغرؿ أرسالف‪ ،‬ككاف ربت كصاية أمو‪.‬‬

‫كاف ىذا اَلنقساـ فرصة لألمّب غازم بن دانشمند صاحب سيواس َلستعادة ملطية من سالجقة‬
‫الركـ‪ ،‬فضرب عليها حصارا مكنو ُب اْلخّب من اَلستيالء عليها سنة ‪407‬ق‪0013/‬ـ‪ ،‬كضمها‬
‫‪5‬‬
‫إذل فبتلكاتو دبساعدة مسعود أمّب قونية‪ 4،‬كخرج منها طغرؿ أرسالف مع أمو‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪132‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ 2‬أنقرة ‪ :‬تسمى أيضا انكورة )‪ (Angora‬كباليونانية انقّبا )‪ ،(Ancyra‬كبالفارسية انكورية‪ .‬تقع كسط اْلناضوؿ كىي حاليا عاصمة تركيا‪.‬‬
‫نالت شهرة ُب التاريخ ْلهنا كانت مركزا ذباريا ىاما منذ عهد اغبيثيْب‪ ،‬كأصبحت عاصمة إقليمية ربت حكم الركماف‪ ،‬كتضم أرضها عدة‬
‫أطالؿ‪ .‬كصل إليها اؼبسلموف خالؿ القرف اْلكؿ اؽبجرم كدل يتمكنوا من فتحها‪ ،‬كظلت خاضعة للبيزنطيْب‪ ،‬حٌب انتزعها منهم سالجقة‬
‫الركـ‪ ،‬فيها تغلب تيمورلنك سنة ‪804‬ق‪1402/‬ـ‪ ،‬على بايزيد الثاشل ككقع ُب أسره‪( .‬انظر ‪ :‬لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪182‬؛‬
‫اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪486‬؛ ‪)Texier Charles : op. cit., pp.479-492‬‬
‫‪3‬‬
‫قسطموشل ‪ :‬مدينة تقع ُب حوض هنر قارة سو )‪ ،(Kara sou‬كىو أحد ركافد هنر ىاليس (حاليا ىو هنر قزؿ ارماؽ )‪(Kızılırmak‬‬
‫(النهر اْلضبر) ُب تركيا)‪ .‬دل يرد اظبها ُب الكتب القديبة‪ ،‬كدل تربز ُب التاريخ إَل ُب هناية القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ .‬تقع اؼبدينة ُب سفح‬
‫جبل صخرم كبّب يعلوه قصر شيده آؿ كومنْب‪ّٔ ،‬ا عدة مساجد ذات ىندسة معمارية رائعة يعود تارىبها إذل عهد السالجقة‪ ،‬خضعت فَبة‬
‫من الزمن إلمارة الدانشمنديْب‪ٍ ،‬ب انتقل حكمها إذل بايزيد‪ .‬ىي حاليا عاصمة ؿبافظة قسطموشل على ساحل البحر اْلسود ُب تركيا‪( .‬انظر‬
‫‪.)Texier Charles : op. cit., p. 617. :‬‬
‫‪4‬‬
‫الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪42‬؛ ‪Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., pp. 77-78.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 220.‬‬

‫‪220‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫أثارت خسارة ملطية كخركجها من يد السالجقة إذل الدانشمنديْب‪ ،‬غضب السلطاف عرب‪ ،‬كما‬
‫زاد من غضبو تعاكف أخيو مسعود مع غازم بن دانشمند ضد أخيو اْلصغر طغرؿ بن أرسالف‪ ،‬فاهتمو‬
‫باػبيانة‪ ،‬كعقد العزـ على ؿباربتو كاعبلوس مكانو على العرش‪ ،‬كإعادة توحيد القول السلجوقية ربت‬
‫سلطانو‪ 1.‬فحشد قوة عسكرية كزحف على مدينة قونية سنة ‪411‬ق‪0015/‬ـ‪َ ،‬لنتزاعها من أخيو‬
‫مسعود‪ ،‬فلجأ ىذا اْلخّب إذل اَلمرباطور البيزنطي يوحنا كومنْب‪-400 Jean Comnène) 2‬‬
‫‪426‬ق‪0032-0007/‬ـ)‪ ،‬الذم خلف كالده ألكسيس‪ ،‬يطلب منو اؼبساعدة للتغلب على أخيو‬
‫‪3‬‬
‫عرب‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫غادر مسعود القسطنطينية بعد اف استقبلو اَلمرباطور يوحنا حبفاكة‪" ،‬كأعطاه ذىبا كجيشا كثّبا"‪،‬‬
‫كتوجو إذل سيواس‪ ،‬يطلب اؼبساعدة من غازم بن دانشمند‪ ،‬عمال بنصيحة اَلمرباطور‪ ،‬كأماـ ىذا‬
‫التحالف السلجوقي الدانشمندم البيزنطي‪ ،‬عجز عرب عن اؼبقاكمة‪ ،‬فخرج من قونية َلجئا إذل‬
‫اْلمّب اْلرميِب ثوركس اْلكؿ ُب قيليقيا‪ 5.‬فما اؼبصلحة الٍب ذبمع بْب عرب السلجوقي كثوركس اْلكؿ‬
‫اْلرميِب ؟ كىل كجد عرب عند ثوركس اؼبساعدة الٍب كاف ُب حاجة إليها ؟‬

‫يبدك أف عرب أحسن استغالؿ الظركؼ السياسية لتحقيق ىدفو‪ ،‬حيث كانت اغبرب تندلع من‬
‫حْب آلخر بْب إمارة بِب ركبْب كالدانشمنديْب الذين كانوا يشنوف ىجمات على اغبدكد الشمالية‬

‫‪ 1‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.121‬‬


‫‪ 2‬يوحنا كومنْب ‪ :‬كرد ُب اؼبصادر العربية باسم كيالياشل‪ ،‬كأطلق عليو رعاياه اسم يوحنا الصاحل‪ ،‬كالويوانس )‪،(Kaloioannes‬‬
‫توذل عرش اَلمرباطورية كىو ُب الثالثْب من عمره‪ ،‬دل يكن يشارؾ فيما اشتهر بو أفراد أسرتو من اؼبيل إذل اْلدب كاؼبناقشات‬
‫الدينية‪ .‬كاف جنديا يفضل النهوض للقتاؿ على البقاء ُب القصر اَلمرباطورم‪ ،‬كاشتهر أيضا بكفاءتو كعدالتو ُب اإلدارة‪ .‬كرث عن‬
‫أبيو اسطوَل قويا‪ ،‬كجيشا منظما كمسلحا‪ ،‬كخزانة عامرة باؼباؿ‪ .‬كانت سياستو اػبارجية قائمة على ا﵀افظة على أطراؼ الدكلة‬
‫كإعادهتا إذل حدكدىا السابقة‪ .‬كحسب رنسيماف دل يكن ُب كسع احد من اؼبؤرخْب اؼبعاصرين لو أف يلصق بو شيئا من العيوب‪،‬‬
‫باستثناء مؤرخ كاحد‪ ،‬ىي اختو أنَّا كومنْب‪( .‬انظر ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪258‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪،‬‬
‫ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪335-332‬؛ ‪.)Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., pp. 1-11.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 223.‬‬
‫‪ 4‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪5‬‬
‫نفسو؛ ‪Michel Le Syrien : loc. cit.‬‬

‫‪221‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫لإلمارة‪ّٔ ،‬دؼ اَلستيالء على بعض اؼبدف كاغبصوف‪ 1.‬كدل يكن ثوركس اْلكؿ قادرا على تأمْب‬
‫حدكده الشمالية بسبب رغبتو ُب التوسع جنوبا ُب سهل قيليقيا‪ ،‬كلذلك فقد كاف ُب حاجة ماسة إذل‬
‫حليف يقف معو ُب حركبو ضد إمارة بِب دانشمند‪ ،‬كجاءتو الفرصة ؼبا عبأ إذل بالطو اْلمّب عرب‬
‫السلجوقي يبحث عن حليف ضد أخيو مسعود‪ .‬كدبا أف اؼبصلحة صبعت بْب اْلمّبين‪ ،‬فقد كاف من‬
‫السهل على عرب أف يقنع ثوركس اْلكؿ بعقد ربالف بينهما ؼبواجهة غازم بن دانشمند‪.‬‬

‫إذ تذكر اؼبصادر السريانية –كىي الوحيدة الٍب سبدنا ّٔذه اؼبعلومات‪ -‬أنو ُب صيف‬
‫‪410‬ق‪0016/‬ـ‪ ،‬صبع اْلمّب عرب جيشا من اْلتراؾ كاْلرمن‪ ،‬كأعلن اغبرب ضد اإلمارة‬
‫الدانشمندية معتمدا على حرب الكمائن أك ما يشبو حرب العصابات‪ ،‬فتمكن من أسر بعض أبناء‬
‫غازم‪ ،‬ككانت اغبرب سجاَل‪ ،‬كانتهت ُب اْلخّب باهنزاـ عرب الذم عبأ إذل القسطنطينية كضاع خربه‬
‫ىناؾ‪ 2.‬كيعلق ميخائيل السرياشل قائال ‪" :‬كل ىذه اْلحداث الٍب اندلعت بْب اْلتراؾ‪ ،‬بسبب سبرد‬
‫بعضهم ضد بعض‪ ،‬دفعتهم إذل طلب النجدة من اؼبسيحيْب"‪ 3.‬ككانت ىذه النزاعات فرصة لألمّب‬
‫ثوركس اْلكؿ الذم كضع جزءا من قواتو ربت تصرؼ اْلمّب عرب‪ ،‬ليغزك ّٔا إمارة غازم بن‬
‫دانشمند‪ ،‬الذم كاف يهدد اغبدكد الشمالية إلمارة بِب ركبْب بشكل مستمر‪ ،‬كلكن ما أف كضعت‬
‫اغبرب أكزارىا بْب السالجقة كالدانشمديْب‪ ،‬حٌب "صبع غازم جيشا للهجوـ على أراضي اْلرمن‬
‫‪4‬‬
‫أبناء (رافْب)"‪.‬‬

‫ج – عالقتو بالصليبيين‬
‫استوذل بوىيموند على أنطاكية كحقق فيها حلمو بتأسيس إمارة نورمندية صليبية سنة‬
‫‪380‬ق‪0187/‬ـ‪ ،‬رغم إرادة اَلمرباطور ألكسيس كومنْب‪ٍ ،‬ب أخذ يعمل على توطيد مركزه كتوسيع‬

‫‪ 1‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.53 ،52‬‬


‫‪2‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪141‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, pp. 223-224.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 224.‬‬
‫‪ 4‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪222‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫إمارتو ُب السهوؿ كاْلقاليم آّاكرة‪ .‬ككانت مدينة الالذقية )‪ 1(Laodicée‬الساحلية من بْب اؼبدف‬
‫الٍب أثارت أطماعو‪ 2،‬فهي تقع إذل اعبنوب من أمالكو‪ ،‬كتعترب أقصى ما يقع من اؼبوانئ ُب الطرؼ‬
‫اعبنويب لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كامتالؾ البيزنطيْب ؽبا يشكل خطرا كبّبا على إمارتو‪ ،‬إذ بإمكاهنم‬
‫مهاصبتو من اعبنوب كمنعو من التوسع‪ 3،‬لذلك ىاصبها بوىيموند كحاصرىا ُب أكاسط سنة‬
‫‪381‬ق‪/‬صيف ‪0188‬ـ‪ ،‬دكف اف يتمكن من اقتحامها‪ٍ 4.‬ب أراد التوسع على حساب اْلمراء‬
‫‪6‬‬
‫اؼبسلمْب آّاكرين إلمارتو‪ ،‬فبدأ دبهاصبة أفامية )‪ُ 5(Apamée‬ب رجب ‪382‬ق‪/‬افريل ‪0011‬ـ‪،‬‬
‫ٍب ىاجم أراضي سالجقة الشاـ بْب حلب كأنطاكية‪ ،‬كانتزع منهم عدة قالع‪ٍ 7،‬ب اذبو كبو الشماؿ‬
‫كحاصر مدينة مرعش الٍب كاف يتوَلىا ثاتوؿ اْلرميِب غبساب البيزنطيْب‪ ،‬كؼبا دل يستطع اقتحاـ‬
‫اؼبدينة‪ ،‬اكتفى بالسيطرة على اْلراضي اؼبكشوفة ا﵀يطة ّٔا‪ 8.‬كمن مرعش اذبو مسرعا إذل مدينة‬

‫‪ 1‬الالَّ ًذقًيىة (‪ : )Lattaquié‬مدينة فينيقية قديبة‪ ،‬تضم مقابر كآثارا متنوعة‪ ،‬تقع على الساحل الشرقي للبحر اؼبتوسط‪ ،‬تداكلتها‬
‫أيدم البيزنطيْب كاؼبسلمْب‪ ،‬كالصليبيْب الذين استغلوا ميناءىا للحصوؿ على اؼبؤكنة كإنزاؿ اعبيش‪ ،‬فتحها صالح الدين اْليويب ُب‬
‫سنة ‪1188‬ـ‪ ،‬كىدمها ٍب استعادىا الصليبيوف‪ ،‬كاستوذل عليها قالككف ُب سنة ‪1288‬ـ‪ ،‬كىي اْلف تقع غرب سوريا كأىم‬
‫منافذىا على البحر اؼبتوسط‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪169‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪2832‬؛‬
‫‪Raoul de Caen : op. cit., pp. 266-267).‬‬
‫‪ 2‬فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫‪3‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪310‬؛ ‪Grousset : Histoire des Croisades, t. I, p. 417.‬‬
‫‪ 4‬أنا كومينا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪61‬؛ ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪253‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪183‬؛‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, p. 301.‬‬
‫‪5‬‬
‫أفامية ‪ :‬مدينة قديبة تقع على بعد ‪ 60‬كلم مشاؿ غرب مدينة ضباة‪ ،‬كقد بنيت على أنقاض مدينة قديبة خالؿ القرف الرابع قبل‬
‫اؼبيالد‪ ،‬من طرؼ اؼبلك سلوقس نيكاتور‪ ،‬كقد ظباىا أفاميا تكريبا ْلمو (أبامي)‪ .‬كأصبحت اؼبدينة مركزا حضاريا كذباريا مهما ُب عهد‬
‫السلوقيْب‪ ،‬كتعرضت عرب تارىبها لعدة ىزات أرضية فبا أدل إذل تدمّب كثّب من مبانيها‪ .‬بعد أف حكمها الركماف‪ ،‬فتحها اؼبسلموف‬
‫خالؿ القرف اْلكؿ اؼبيالدم بعد معركة الّبموؾ‪ٍ ،‬ب احتلها الصليبيوف‪ ،‬كدل تعد إذل حضن اؼبسلمْب إَل بعد أف حررىا نور الدين زنكي‬
‫عاـ ‪1149‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬ابن العدصل ‪ :‬بغية الطلب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪144-143‬؛ ‪Texier Charles : op. cit., pp. 446-447.‬‬
‫‪ 6‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫‪ 7‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.246-245‬‬
‫‪8‬‬
‫مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪108-107‬؛ ‪Grousset René : op. cit., t. I, p. 423.‬‬

‫‪223‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫ملطية استجابة لنداء اَلستغاثة الذم أرسلو اْلمّب جربيل اْلرميِب ؼبقاكمة اغبصار الدانشمندم‪ ،‬بل‬
‫‪1‬‬
‫كعرض عليو تسليم اؼبدينة مٌب توقف خطر الَبؾ عنها‪.‬‬

‫كإذا كاف ىدؼ بوىيموند من ىذه اغبركة التوسعية ىو السيطرة على دركب جبل اللكاـ‬
‫(اْلمانوس)‪ ،‬ليقطع الطريق عن أم ىجوـ يبكن أف يقوـ بو ألكسيس كومنْب َلنتزاع انطاكية من‬
‫الصليبيْب‪ 2،‬فإنو ّٔذه اغبركة قد أثار ـباكؼ اْلمّب اْلرميِب ثوركس اْلكؿ‪ .‬كبناء على الركاية الٍب انفرد ّٔا‬
‫اؼبؤرخوف السرياف فإف ثوركس تآمر مع أضبد دانشمند‪ ،‬كزكده دبعلومات دقيقة حوؿ خط سّب بوىيموند‪،‬‬
‫فبا أدل إذل أسره ُب أكاخر رمضاف ‪493‬ق‪/‬أكائل أكت ‪1100‬ـ‪" 3.‬ككاف فريق من اْلرمن منذ أياـ‬
‫فيلردس يتولوف بعض اْلمكنة منهم كوغ باسيل أعِب اللص صاحب كيسوـ كرعباف‪ ،‬كأبناء ركفْب‬
‫أصحاب بعض نواحي أرمينية‪ .‬فهؤَلء خشوا أف يستورل الفرنج عليهم كىبرجوىم من نواحيهم فكتبوا‬
‫سرا إذل اظبعيل بن دنشمند ليكمن ؽبم"‪ 4،‬كحسب ىذه الركاية فإف ثوركس اْلكؿ كاف ىبشى من‬
‫"بوىيموند الذم َل يشبع من أطماعو"‪ 5،‬فيستورل على إمارتو أك بعض مدهنا‪ ،‬فبا جعلو يتصل سرا‬
‫بأضبد دانشمند‪ .‬كدل يكن كحده ُب ىذه اؼبؤامرة بل شارؾ معو اْلمّب اْلرميِب كوغ فاسيل –كىو الذم‬
‫ساىم بعد ثالث سنوات ُب دفع الفدية إلطالؽ سراح بوىيموند‪ -‬كاْلمّب جربيل اْلرميِب صاحب‬
‫ملطية الذم كجو نداء اَلستغاثة إذل بوىيموند‪ 6،‬لو ضلع ُب ىذه اؼبؤامرة‪" ،‬أما جربائيل اؼبلعوف فلما‬
‫كصل بوىيموند إذل قرية جفنة فوؽ ملطية جعل يبلثو كيؤجلو من يوـ إذل يوـ ريثما كصل ابن دنشمند‬
‫كأقاـ الكمناء ذباىو ٍب قبض عليو كبعثو إذل سبسطية كأقبل ىو إذل ملطية كشدد عليها"‪ 7.‬كتبقى ىذه‬
‫الركاية ؿبل تساؤَلت كشك عند كثّب من اؼبؤرخْب‪ ،‬خاصة كأف اؼبصادر السريانية ربمل ُب كثّب من‬
‫اْلحياف أحكاما كآراء سلبية ذباه اْلرمن‪.‬‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪183‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.451‬‬
‫‪ 3‬انظر ماقبل ُب ‪ :‬ص ‪.308 ،289‬‬
‫‪4‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪126‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 188.‬‬
‫‪ 5‬ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.253‬‬
‫‪ 6‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪7‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪126‬؛ ‪Michel Le Syrien : loc. cit.‬‬

‫‪224‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كمهما كاف مدل صحة ىذه الركاية‪ ،‬فإف اؼبصادر دل تشر كثّبا إذل العالقات بْب آؿ ركبْب‬
‫كبوىيموند‪ ،‬الذم ظل غائبا عن الساحة السياسية ُب آسيا الصغرل بعد أسره‪ ،‬كدل يكن ُب أنطاكية‬
‫خالؿ عهد ثوركس اْلكؿ إَل ُب سنٍب ‪1104-1103‬ـ‪ .‬كعلى العكس من ذلك فإف العالقة مع‬
‫تانكرد كانت أطوؿ‪.‬‬

‫توذل تانكرد الوصاية على إمارة أنطاكية‪ ،‬كسار ُب نفس الطريق الذم رظبو بوىيموند قبلو‪،‬‬
‫فعمل على توسيع حدكدىا على حساب البيزنطيْب كاؼبسلمْب صبيعا‪ .‬فبدأ دبهاصبة البيزنطيْب ُب‬
‫قيليقيا‪ُ ،‬ب صيف سنة ‪494‬ق‪1101/‬ـ‪ ،‬كاسَبد منهم اؼبدف الرئيسية الثالث‪ ،‬اؼبصيصة كاذنة‬
‫كطرسوس‪ 1،‬كىي اؼبدف الٍب انتزعها البيزنطيوف من الصليبيْب منذ ثالث سنوات خلت‪ٍ .‬ب انصرؼ‬
‫‪2‬‬
‫إذل الالذقية الٍب استسلمت لو بعد حصار طويل‪ُ ،‬ب بداية سنة ‪496‬ق‪1103/‬ـ‪.‬‬

‫كقد شارؾ ؾبموعة من اعبنود اْلرمن ُب كثّب من ىذه العمليات العسكرية‪ ،‬معظمهم قدموا‬
‫من إمارة آؿ ركبْب الٍب كاف وبكمها ثوركس‪ 3،‬حيث تذكر أنَّا كومنْب )‪،(Anne Comnène‬‬
‫متحدثة عن القائد البيزنطي بوتوميتس )‪ ،(Boutoumitès‬ؼبا أراد استعادة قيليقيا من الصليبيْب‬
‫‪4‬‬
‫سنة ‪496‬ق‪1103/‬ـ‪" ،‬كعندما كجد أف اْلرمن كانوا على كفاؽ كاتفاؽ مع تانكرد‪ ،‬مر ّٔم"‪.‬‬
‫فمن ىم اْلرمن الذين كانوا ُب قيليقيا ُب تلك السنة ؟ آؿ ركبْب أـ آؿ ىيثوـ ؟‬

‫كاف أكشْب أمّب آؿ ىيثوـ يشرؼ على اعبهات الغربية من جباؿ طوركس‪ ،‬فقد أقطعتو‬
‫السلطات البيزنطية ؾبموعة من اْلراضي كاغبصوف‪ ،‬منها حصن ؼبربكف الذم ازبذه قاعدة لً يملكو‪ ،‬كىو‬
‫غّب بعيد عن سهل قيليقيا‪ ،‬كيعترب أكشْب تابعا ـبلصا لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬بل ىو حارسها اْلمْب‬
‫ُب ىذا الركن من آسيا الصغرل‪ ،‬كلذلك من غّب اؼبتوقع أف يتعاكف مع تانكرد ضد بيزنطة‪ .‬كعلى‬
‫العكس منو‪ ،‬فإف آؿ ركبْب عبأكا إذل اعبهات الشرقية من جباؿ طوركس‪ ،‬فرارا من بطش البيزنطيْب‬

‫‪ 1‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪25‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.59‬‬
‫‪ 2‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪191‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ‪ :‬ص ‪.191‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arménien entre Grecs, t. I, pp. 487-489.‬‬
‫‪4‬‬
‫كومينا أنَّا ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪66‬؛ ‪Comnène Anne : op. cit., t. III, p. 41.‬‬

‫‪225‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫الذين اغتالوا اؼبلك جاجيك الثاشل‪ ،‬كانتزعوا منهم اغبصوف كالقالع الٍب استقركا فيها بقوة السيف‪ ،‬كدل‬
‫تتنازؿ ؽبم عنها السلطات البيزنطية‪ 1.‬كمن شبة فإف اْلمّب ثوركس اْلكؿ كرث عن أسرتو ما كانت‬
‫تكنو من عداكة لبيزنطة‪ ،‬فمن الطبيعي أف يكوف على كفاؽ كاتفاؽ مع تانكرد‪ ،‬عدك ألكسيس‬
‫كومنْب‪.‬‬

‫كلكن ىذا الوفاؽ‪ ،‬زبللتو بعض اْلكقات اغبرجة‪ ،‬فبا أدل إذل فتور ُب العالقات بْب ثوركس‬
‫اْلكؿ كجّبانو الصليبيْب ُب أنطاكية‪ .‬حيث استأنف بوىيموند نشاطو التوسعي كالعدائي‪ ،‬بعد إطالؽ‬
‫سراحو سنة ‪496‬ق‪1103/‬ـ‪ ،‬فأغار على بالد حلب كاغبصوف آّاكرة ؽبا‪ ،‬كانتزع من اْلىارل إتاكة‬
‫كبّبة استخدمت لتسديد القركض الٍب دفعت َلفتداء بوىيموند‪ٍ 2.‬ب اذبو مشاَل كىاجم مرعش‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫كاستوذل على مدينة البستاف الواقعة إذل الشماؿ من مرعش‪.‬‬

‫كاستغل الصليبيوف ما كاف سائدا من سبزؽ بْب السالجقة ُب اؼبشرؽ اإلسالمي‪ ،‬فصمموا على‬
‫احتالؿ مدينة حراف‪ ،‬لقطع اَلتصاؿ بْب اؼبسلمْب ُب العراؽ كفارس من جهة كبالد الشاـ من جهة‬
‫أخرل‪ ،‬كما يبكنهم إف ىم سيطركا على ىذه اؼبدينة من مهاصبة اؼبوصل كاعبزيرة مستقبال‪ 4.‬كانزعج‬
‫اؼبػ ػس ػ ػل ػ ػم ػ ػ ػوف م ػ ػمػ ػ ػا يػ ػ ػ ػتعػ ػ ػ ػرضػ ػ ػ ػوف ل ػ ػ ػ ػو م ػ ػ ػن أخ ػ ػ ػ ػطػ ػ ػ ػار عػ ػ ػ ػلى يػ ػ ػ ػد ال ػ ػ ػص ػ ػ ػل ػ ػ ػي ػ ػ ػبيْب‪ .‬كاق ػت ػض ػت‬
‫ال ػش ػه ػام ػة م ػن أم ػي ػري ػن ت ػرك ػي ػي ػن‪ ،‬ى ػم ػا ج ػك ػرم ػش أت ػاب ػك ال ػم ػوص ػل‪ ،‬كس ػق ػم ػاف اْلرتػ ػقػ ػي‪ 5‬صػ ػاح ػ ػب‬

‫‪ 1‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪233‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪279‬؛‬
‫‪Grousset : L'Empire du levant, p. 177; Mutafian : La Cilicie, t. I, p. 368.‬‬
‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪211‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.324‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪69‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪ 4‬عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪ 5‬سقماف اْلرتقي (ت ‪498‬ق‪1104/‬ـ) ‪ :‬اؼبلقب دبعْب الدكلة‪ ،‬ىو صاحب حصن ماردين ككيفا (من ‪495‬ق‪1101/‬ـ)‪،‬‬
‫كقبلهما كاف صاحب حصن سركج‪ .‬من كبار قادة اؼبسلمْب‪ ،‬حارب الفرقبة أثناء اغبركب الصليبية‪ ،‬أسر جوسلْب كبلدكين اْلكؿ‬
‫ُب الرىا ‪ .‬كصفو ابن اْلثّب أنو حازـ داىية ذا رأم كثّب اػبّب‪ ،‬توُب سنة ‪498‬ق‪1104/‬ـ‪ ،‬كىو ُب طريقو إذل طرابلس استجابة‬
‫لالستغاثة الٍب أرسلها لو فخر اؼبلك بن عمار صاحب طرابلس‪ ،‬لنصرتو على الصليبيْب‪ ،‬فمرض ُب الطريق‪ ،‬فأشار عليو أصحابو‬
‫بالعودة إذل حصن كيفا‪ ،‬فامتنع كقاؿ ‪« :‬بل أسّب فإف عوفيت سبمت ما عزمت عليو كَل يراشل ا﵁ تثاقلت عن قتاؿ الكفار خوفا‬
‫من اؼبوت‪ ،‬كإف أدركِب أجلي كنت شهيدا سائرا ُب جهاد»‪( .‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪227 ،221 ،211‬؛‬
‫اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪1855‬؛ ‪Cahen Claude : Artukids, pp. 662-667.‬‬

‫‪226‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫م ػ ػا ًردي ػ ػن‪ 1،‬أف يػ ػ ػن ػ ػس ػ ػي ػ ػا م ػ ػا ك ػ ػاف بينهما من نزاعات كحزازات‪ 2،‬كأف يتحالفا على مقاكمة الصليبيْب‬
‫‪3‬‬
‫الذين احتشدكا أماـ حراف‪ .‬كنشبت اؼبعركة بْب الطرفْب ُب ‪ 9‬شعباف ‪497‬ق‪ 6/‬مام ‪1104‬ـ‪،‬‬
‫تلقى فيها الصليبيوف ىزيبة ساحقة‪ ،‬كَلذ بوىيوند بالفرار‪" 4،‬كدل يفلت إَل ُب نفر قليل"‪ 5،‬ككتب ابن‬
‫القالنسي معلقا على انتصار اؼبسلمْب ‪" :‬ككاف نصرا حسنا للمسلمْب دل يتهيأ مثلو كبو ضعفت‬
‫كشكتهم كقويت نفوس اؼبسلمْب كارىنت كارىفت‬ ‫نفوس اَلفرنج كقلَّت عيدهتم كفيػلَّت شوكتهم‪َّ ،‬‬
‫عزائمهم ُب نصرة الدين كؾباىدة اؼبلحدين كتباشر الناس بالنصر عليهم كأيقنوا بالنكاية فيهم كاَلدالة‬
‫منهم"‪ ،6‬كاندثرت أسطورة أف الفرنج َل يقهركف‪.‬‬

‫دل يتسبب بوىيموند كرىطو ُب إزعاج اؼبسلمْب فقط‪ ،‬بل حٌب اؼبسيحيْب ا﵀ليْب كعلى‬
‫رأسهم اْلرمن الذين تضايقوا من توسعات الصليبيْب‪ ،‬فاستغلوا فرصة اهنزامهم أماـ اؼبسلمْب‪ ،‬كأعلنوا‬
‫الثورة ضد حكم النورماف‪ .‬كسلم اْلرمن ُب أرتاح حصنهم للمسلمْب "عبور الفرنج"‪ ،7‬كاغتبطوا‬
‫لإلفالت من طغياف أنطاكية‪ ،‬كدل تكن أرتاح اؼبدينة الوحيدة الٍب تنازؿ عنها أىلها من اْلرمن‬
‫للمسلمْب‪ ،‬كإمبا كانت ىناؾ حاَلت أخرل مشأّة‪ 8.‬كيركم مٌب الرىاكم ُب حوليتو اؼبآسي‬
‫كالويالت الٍب عاسل منها اْلرمن ُب مدينة البستاف على أيدم الصليبيْب الذين كصل ّٔم اْلمر إذل‬

‫‪ 1‬ما ًردين )‪ : (Mardin‬تقع ُب ديار بكر باعبزيرة (جنوب تركيا)‪ ،‬كىي حصن حصْب منيع َل يراـ كَل يقدر عليو‪ ،‬مبِب على قمة‬
‫جبل شاىق‪ ،‬يقاؿ ؽبا الباز‪ ،‬مساكن أىلها كالدرج كل دار فوؽ اْلخرل‪ ،‬ككل درب منها يشرؼ على ما ربتو من الدركب‪.‬‬
‫فتحها عياض بن غنم سنة ‪19‬ق‪ .‬ككانت معقل أمراء بِب ضبداف‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حوقل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪202‬؛ لسَبنج كي ‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)126-125‬‬
‫‪2‬‬
‫انظر ىذه النزاعات ُب ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪228-227‬؛ ‪Grousset : Histoire des Croisades, t. I, p. 447.‬‬
‫‪ 3‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪ 4‬حوؿ تفاصيل اؼبعركة (انظر ‪)Grousset René : op. cit., t. I, pp. 445-449. :‬‬
‫‪ 5‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪ 6‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪ 7‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪148‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪249‬؛ سبط ابن اعبوزم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.440‬‬
‫‪ 8‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪326‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪77‬؛‬
‫‪Grousset René : op. cit., t. I, p. 454.‬‬
‫‪227‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫إغالؽ الكنائس‪ ،‬كتدمّب بعضها‪ ،‬فبا جعل السكاف ينتقموف ْلنفسهم‪ ،‬فتحالفوا مع السالجقة كقاموا‬
‫‪1‬‬
‫دبهاصبة القلعة كؿباصرهتا‪ ،‬كقالوا لقائد اَلفرنج ‪" :‬اذىب إذل كطنك كليكن ا﵁ معك"‪.‬‬

‫كُب قيليقيا ابتهج اْلرمن ؼبا بلغهم نبأ ىزيبة الصليبيْب ُب حراف‪ٍ ،‬ب ثاركا عليهم‪ ،‬فلم هبد‬
‫اعبيش البيزنطي ُب صيف‪497‬ق‪1104/‬ـ‪ ،‬صعوبة ُب أف وبتل من جديد مدف شرؽ قيليقيا‪،‬‬
‫كطرد منها اغباميات الصليبية‪ 2.‬كدل وبرؾ ثوركس اْلكؿ ساكنا ؼبنع‬
‫طرسوس كأذنة كاؼبصيصة‪ ،‬ى‬
‫البيزنطيْب من الدخوؿ إليها‪ ،‬فبا يدؿ على أنو كقف على اغبياد‪ ،‬كردبا كاف يفضل أف تبقى قيليقيا‬
‫بيزنطية‪ ،‬حٌب يستطيع إغباقها بسهولة بإمارتو ؼبا ربْب الظركؼ‪ ،‬كستصعب عليو ىذه اؼبهمة إف بقيت‬
‫بْب أيدم الصليبيْب‪.‬‬

‫كحينما اهنزـ بوىيموند أماـ اَلمرباطورية البيزنطية ُب صفر ‪501‬ق‪/‬سبتمرب ‪1107‬ـ‪ ،‬ربت‬
‫أسوار حصن دكرازك )‪ 3،(Durazzo‬حرص ألكسيس كومنْب ُب معاىدة ديفوؿ اؼبربمة بْب الطرفْب‬
‫سنة ‪501‬ق‪1108/‬ـ‪ ،‬على ضباية حقوؽ أتباعو من آؿ ركبْب‪ ،‬حيث ذكر بوىيموند بالتفصيل صبيع‬
‫اْلراضي كاؼبدف الٍب تنازؿ لو عنها اَلمرباطور كاستثُب منها "بالد آؿ ركبْب‪ ،‬ليوف كثوركس‪ ،‬اْلرمن‬
‫الذين ىم رجاؿ امرباطوريتك"‪ 4،‬كُب ىذا إشارة إذل أف اَلمرباطور كاف يعترب اْلرمن ُب جباؿ طوركس‬

‫‪ 1‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.151-150‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Raoul de Caen : op. cit., p. 183.‬‬
‫‪ 3‬دكرازك )‪ : (Durazzo‬ىي التسمية اإليطالية ؼبدينة قديبة اشتهرت عند البيزنطيْب باسم (‪ ،)Dyrrhachium‬ك‬
‫(‪ ،) Epidamne‬ككردت عند اَلدريسي باسم دراس‪ ،‬كذكرىا من بْب اؼبدف الٍب تطل على حبر البنادقيْب من جهة الشرؽ‪ ،‬كقاؿ‬
‫أف الطريق من دراس إذل القسطنطينية مساحال‪ .‬كىي أقول حصن بيزنطي عند مدخل اْلدرياتيك‪ ،‬كتعد مفتاح البلقاف‪ ،‬كىي اآلف‬
‫ثاشل أكرب مدينة ُب ألبانيا بعد العاصمة تّبانا الٍب تبعد عنها ‪ 33‬كلم‪ ،‬كتقع ُب منتصف الشاطئ اْللباشل على حبر اْلدرياتيك‪.‬‬
‫حاكؿ بوىيموند بعد عودتو من أكربا‪ ،‬كقيامو حبملة ضد اإلمرباطور ألكسيس الثاشل‪ ،‬أف يغزك اَلمرباطورية البيزنطية انطالقا من ىذه‬
‫اؼبدينة الٍب ظل النورماف زمنا طويال يطمعوف ُب اَلستيالء عليها‪ ،‬كلكن ألكسيس استعد للمعركة‪ ،‬فاهنزـ بوىيموند‪ ،‬كتبخرت آمالو‬
‫على شواطئ حبر اْلدرياتيك‪( .‬انظر ‪ :‬اَلدريسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪798-790‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪،2‬‬
‫ؽ ‪ ،1‬ص ‪ 84-83‬؛ التائب ؿبمد علي ‪ :‬ألبانيا عرب القرف العشرين‪ ،‬منشورات صبعية الدعوة اَلسالمية العاؼبية‪ ،‬بنغازم‪،‬‬
‫‪ .1991‬ص ‪27‬؛ ‪.)Comnène Anne : op. cit., t. III, p. 65.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Comnène Anne : Ibid., t. III, p. 134.‬‬

‫‪228‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫اض عن ربررىم من بوتقة اَلمرباطورية‪ 1.‬فما الذم جعل ألكسيس كومنْب يعترب آؿ‬
‫من أتباعو‪ ،‬كغّب ر و‬
‫ركبْب من أتباعو‪ ،‬كوبرص على حقوقهم ؟ من دكف شك‪ ،‬فإف اْلمّب ثوركس كأخاه ليوف تعاكنا مع‬
‫اعبيش البيزنطي لطرد الصليبيْب من قيليقيا بعد ىزيبة حراف سنة ‪497‬ق‪1104/‬ـ‪ ،‬كالذم يؤكد ذلك‬
‫أف تانكرد حينما كاف يستعد ؼبهاصبة قيليقيا كاستعادة مدهنا من البيزنطيْب ُب منتصف سنة‬
‫‪501‬ق‪/‬أكاخر سنة ‪1108‬ـ كأكائل سنة ‪1109‬ـ‪ ،‬اشَبط على برتراند‪ 2‬أف يساىم معو ُب "ؿباصرة‬
‫كقتاؿ كغزك مدينة اؼبصيصة‪ْ ،‬لنو فقدىا من خالؿ خيانة اْلرمن كاإلمرباطور البيزنطي"‪ 3.‬كيستحيل‬
‫أف يكوف آؿ ىيثوـ ُب قيليقيا الغربية ىم الذين خانوا تانكرد‪ ،‬فهؤَلء أتباع لبيزنطة كَل عالقة ؽبم‬
‫بالصليبيْب‪ ،‬كيبقى اؼبقصود ّٔا إذف آؿ ركبْب الذين ردبا اتصلوا سرا بألكسيس كومنْب‪ ،‬ليحفظ ؽبم‬
‫حقوقهم بعد ىزيبة بوىيموند‪ .‬كلكن ىل ساءت العالقة بْب ثوركس اْلكؿ كالصليبيْب إذل حد انعداـ‬
‫الثقة أك اندَلع اغبرب بْب الطرفْب ؟‬
‫‪4‬‬
‫بعض اؼبراجع اغبديثة تتحفظ ُب حديثها عن طبيعة العالقات بْب ثوركس اْلكؿ كالصليبيْب‪.‬‬
‫كلإلجابة عن ىذا السؤاؿ َلبد من العودة إذل بعض اْلحداث‪ ،‬كالنصوص القليلة الٍب كردت ُب‬
‫اؼبصادر‪ .‬حيث كرد ُب بعضها أف ثوركس اْلكؿ )‪ (Antevelle‬انضم مع أخيو ليوف‪ ،‬سنة‬

‫‪1‬‬
‫‪Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., p. 107.‬‬
‫‪ 2‬برتراند ‪ :‬ىو اَلبن اْلكرب لريبوند كونت تولوز الذم كاف أغُب من خرج ُب سنة ‪1096‬ـ‪ ،‬من اْلمراء ُب اغبملة الصليبية اْلكذل‪،‬‬
‫كحافظ على عالقاتو اعبيدة باَلمرباطور البيزنطي ألكسيس‪ ،‬ككاف يعمل على تأسيس إمارة صليبية ُب طرابلس الشاـ‪ ،‬كلكنو توُب‬
‫ُب سنة ‪1105‬ـ قبل ربقيق حلمو‪ .‬أما برتراند فهو ابن ريبوند من زكجتو اْلكذل‪ ،‬ابنة مراكيز بركفانس‪ ،‬كقد تقرر إلغاء ىذا الزكاج‬
‫فيما بعد ؼبا بينهما من صلة قرابة كثيقة سبنعو‪ ،‬على أف ىذا اإللغاء دل يبنع ريبوند من اعتبار برتراند كريثا لو ُب تولوز‪ .‬كبعد كفاة‬
‫ريبوند التحق ابنو برتراند بالشرؽ ُب سنة ‪1108‬ـ َلستكماؿ إنشاء إمارتو اؼبقبلة باَلستيالء على طرابلس‪ .‬كؼبا التقى بتانكرد‬
‫اشَبط عليو ىذا اْلخّب أف يساىم معو ُب ؿباصرة كقتاؿ كغزك مدينة اؼبصيصة‪ ،‬مقابل أف يبنحو إقطاعا ُب أنطاكية ْلف كالده‬
‫ريبوند كاف على رأس الغزاة ؼبا سقطت ىذه اؼبدينة‪ ،‬كرفض برتراند ىذا الطلب‪ ،‬فبا أدل إذل غضب تانكرد‪ٍ ،‬ب طلب منو أف يغادر‬
‫مع جيشو أنطاكية على كجو السرعة‪( .‬انظر ‪ :‬ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪471-462‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪:‬‬
‫اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪305-277‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪115-93‬؛‬
‫)‪Grousset : Histoire des Croisades, t. I, pp. 483-487; Cahen : La Syrie du Nord, pp. 244-246.‬‬
‫‪ 3‬ألربت فوف آخن ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.464‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., p. 107.‬‬

‫‪231‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫‪414‬ق‪0000/‬ـ‪ .‬إذل تانكرد للدفاع عن أنطاكية الٍب تعرضت لتهديد التحالف اإلسالمي‪ 1.‬كُب‬
‫سنة ‪509‬ىػ‪1115/‬ـ‪ ،‬ذىب دغا فاسيل إذل بِب ركبْب طالبا اؼبصاىرة كباحثا عن ربالف معهم ضد‬
‫خصومو الصليبيْب‪ ،‬فقاـ ثوركس اْلكؿ باعتقالو كسلمو إذل بلدكين دك بور أمّب الرىا‪ 2.‬كؼبا حشد‬
‫ركجر دك سالّبنو‪ ،‬قواتو َلنتزاع مدينة ىعىز ياز‪ 3‬من اؼبسلمْب ُب سنة ‪401‬ق‪0007/‬ـ‪ ،‬انضم إليو ليوف‬
‫بن قسطنطْب بن ركبْب‪ ،‬الذم كاف شريكا ُب اغبكم مع أخيو ثوركس اْلكؿ‪ 4،‬كبعد ثالثْب يوما من‬
‫اغبصار ترؾ مهمة اؽبجوـ لألرمن الذين حققوا انتصارا‪" ،‬كاكتسب ليوف ُب ذلك اليوـ ظبعة بسبب‬
‫‪5‬‬
‫شجاعتو‪ ،‬كأصبح اظبو موضوع ثناء عند اَلفرنج‪ ،‬كمنذ ىذا الوقت أحب ركجر القوات اْلرمينية"‪.‬‬
‫كتعززت العالقات أكثر بْب الصليبيْب كآؿ ركبْب بعد أف ازبذ كونت الرىا اعبديد جوسلْب دك‬
‫كورتينام‪526-513( Jocelin de Courtenay( 6‬ق‪1131-119/‬ـ)) زكجة أرمينية‪ ،‬ىي‬

‫‪ 1‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪174‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪262‬؛‬
‫‪Albert d'Aix : op. cit., t. II, p. 172; Cahen Claude: La Syrie du nord, p. 263.‬‬
‫‪ 2‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪ 3‬ىعىزا يز ‪ :‬بلدة صغّبة فيها قلعة تقع مشارل حلب‪ ،‬ككانت تعرؼ ُب صدر اَلسالـ بتل عزاز‪ ،‬كَل ذكر ؽبا إَل بالعبور ّٔا كاَلجتياز‪ .‬كخالؿ‬
‫القرف السابع اؽبجرم‪/‬الثالث عشر اؼبيالدم‪ ،‬أصبحت مدينة عامرة‪ ،‬يقصدىا التجار‪ ،‬كاؼبسافركف‪ ،‬كاغبجاج‪ ،‬فاتسعت أرجاؤىا‪ ،‬ككثرت‬
‫منفعتها‪ .‬استوذل عليها الصليبيوف ُب سنة ‪512‬ق‪ ،‬كبقيت بأيديهم إذل أف فتحها نور الدين ؿبمود ابن زنكي بن آؽ يسٍنػ يقر سنة ‪545‬ق‪،‬‬
‫كتسلمها من يد جوسلْب‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪324‬؛ ابن العدصل ‪ :‬بغية الطلب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)268-267‬‬
‫‪ 4‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪368‬؛‬
‫‪Mathieu d'Edesse : op. cit., p. 298; Vahram d'Edesse : op. cit., p. 500; Grousset : Histoire des‬‬
‫‪Croisades, t. I, p. 549.‬‬
‫‪ 5‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.208‬‬
‫‪ 6‬جوسلْب دك كورتينام ‪ :‬منحو بلدكين دك بور حكم اْلراضي الرىاكية الواقعة غرب الفرات‪ ،‬مثل تل باشر‪ ،‬كدلوؾ‪ ،‬كعْب تاب‪ٍ ،‬ب طرده‬
‫منها‪ْ ،‬لنو أخذ يتصرؼ ُب ذلك الوقت ذباه بلدكين دك بور تصرفات تدؿ على عدـ اللياقة كاإلخالص‪ ،‬فبا أثار حنق بلدكين كشكوكو‪ ،‬بعد‬
‫أف كجد أنو ؿببوب من اْلرمن‪ .‬كبعد أف أطلق سراحو‪ ،‬عزلو بلدكين دك بور عن حكم تل باشر‪ ،‬فلجأ إذل ملك بيت اؼبقدس بلدكين اْلكؿ‬
‫ُب فلسطْب‪ ،‬طامعا ُب عطفو‪ .‬فأقطعو إمارة طربية كاعبليل‪ .‬كبعد كفاة اؼبلك سنة ‪1118‬ـ‪ ،‬دافع جوسلْب بشدة ُب ؾبلس اؼبملكة على‬
‫إسناد عرش فبلكة بيت اؼبقدس إذل‪ ،‬بلدكين دك بور‪ ،‬باعتباره ابن عم اؼبلك الراحل كالوريث الشرعي‪ ،‬كىو الوحيد الذم بقي من كبار فرساف‬
‫اغبملة الصليبية اْلكذل‪ .‬كاغبقيقة أف جوسلْب كاف يريد استغالؿ الفرصة َلسَبضاء سيده ككرل نعمتو السابق‪ ،‬كإزالة ما كقر ُب صدره من‬
‫ركاسب اؼباضي‪ .‬كبعد تعيْب بلدكين دك بور ملكا على بيت اؼبقدس باسم بلدكين الثاشل‪ ،‬دل يكتف اؼبلك اعبديد بإعادة ابن عمتو جوسلْب‬
‫دك كورتينام إذل تل باشر فقط‪ ،‬بل كافأه على موقفو ككفائو بتعيينو أمّبا على مدينة الرىا بأكملها ُب سنة ‪1119‬ـ‪ ،‬على أف يكوف تابعا لو‬
‫ُب حكمها‪( .‬انظر ‪ :‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ج‪ ،2‬ص ‪231-230‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪240-239 ،225‬؛ اغبارثي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪87‬؛ ‪(Grousset : op. cit., t. I, pp. 566-567‬‬

‫‪230‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫أخت ثوركس اْلكؿ‪ ،‬ككانت تنتمي إذل الكنيسة اْلرمينية اؼبنفصلة‪ ،‬أم من أتباع الطبيعة الواحدة‪،‬‬
‫كلذلك كانت شديدة العطف على مواطنيها من اْلرمن‪ ،‬كجوسلْب نفسو دل ييظهر مطلقا ازاءىم من‬
‫الشدة كالصرامة‪ ،‬ما اشتهر بو سلفو بلدكين دك بور‪ 1.‬كؼبا كقع جوسلْب كبلدكين الثاشل أسّبين ُب يد‬
‫بلك‪ 2‬بْب سنٍب ‪406-405‬ق‪0012-0011/‬ـ‪ 3،‬بذؿ ثوركس اْلكؿ جهودا دبلوماسية مضنية‬
‫إلطالؽ سراحهما‪ ،‬مستفيدا من اؼبفاكضات الٍب كانت ذبرم بْب ال يك ٍرج كالسالجقة إلطالؽ سراح‬
‫بعض اْلسرل اؼبسلمْب‪ 4.‬كتشبو ىذه اؼبساعي الدبلوماسية تلك الٍب قاـ ّٔا كوغ فاسيل ُب كقت‬
‫سابق إلطالؽ سراح بوىيموند‪.‬‬

‫‪ 1‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.260‬‬


‫‪ 2‬بلك ‪ :‬ىو نور الدكلة بلك بن ّٔراـ بن أرتق صاحب حلب‪ ،‬ابن أخي قبم الدين إيلغازم (صاحب ماردين)‪ ،‬ككاف ُب السابق‬
‫حاكما على سركج (‪494-488‬ق)‪ٍ ،‬ب عانو (‪497‬ق)‪ٍ ،‬ب حلب كحراف (سنٍب ‪ 517‬ك ‪518‬ق)‪ .‬ك تسلم حلب من بدر‬
‫الدكلة سليماف بن عبد اعببار بن أرتق الذم كاف متخاذَل ُب جهاد الصليبيْب‪ .‬كتزكج ابنة اؼبلك رضواف بن تتش صاحب حلب‬
‫سابقا بقصد توطيد مكانتو السياسية ُب قلوب اغبلبيْب‪ .‬كقد لعب بلك دكرا بارزا ُب جهاد الصليبيْب‪ .‬توُب إثر إصابتو بسهم‬
‫طائش انطلق من حصن منبج‪ ،‬فانتزعو كبصق عليو كقاؿ ‪" :‬ىذا قتل اؼبسلمْب كلهم"‪ ،‬كىو ُب ذلك على صواب‪ ،‬إذ أنو فاؽ‬
‫سائر القادة الَبؾ الذين التقى ّٔم الصليبيوف‪ ،‬فيما أظهره من نشاط كافر كحكمة بالغة‪ .‬كدل تبق قوة اْلراتقة طويال بعده‪ ،‬ككانت‬
‫كفاتو يوـ ‪ 20‬ربيع اْلكؿ ‪518‬ق‪ 6/‬مايو ‪1124‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪209‬؛ سبط ابن اعبوزم‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪773‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪315-311 ،309 ،304 ،302‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة‬
‫اغبلب‪ ،‬ص ‪289 ،285-284‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪264‬؛‬
‫‪Cahen Claude : Artukids, vol. I. pp. 662-667).‬‬
‫‪ 3‬سبط ابن اعبوزم‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.773‬‬
‫‪ 4‬كاف وبكم بالد ال يك ٍرج (جورجيا) آنذاؾ اؼبلك داكد الثالث بن جورج الثاشل (‪518-482‬ق‪1124-1089/‬ـ)‪ ،‬اؼبلقب‬
‫بآّدد‪ ،‬كىو ينتسب إذل اْلسرة البجراطية اْلرمينية‪ .‬كيعترب داكد ىذا مؤسس الدكلة الكرجية اؼبسيحية الٍب حاكلت ُب عهده‬
‫اَلستقالؿ عن الدكلة البيزنطية‪ ،‬كانتزاع ما يبكن انتزاعو من اْلراضي السلجوقية‪ .‬كما فتئ يقوـ بعدة غارات على سلطنات‬
‫السالجقة‪ ،‬كُب عهده ًب انتزاع تفليس من أيدم اؼبسلمْب‪ .‬ككاف لسالجقة الركـ دكر كبّب ُب مواجهة فبلكة جورجيا بفعل اغبدكد‬
‫اؼبشَبكة بينهما‪ .‬كاشتدت الغارات الكرجية أكثر بعد انقساـ السالجقة كاندَلع اغبركب بينهم‪ ،‬كامتدت تلك الغارات إذل أرمينيا‬
‫الكربل حٌب كصلوا إذل أذربيجاف كتفليس كآشل‪ ،‬كىددكا سالجقة الشاـ كمن أشهر ضبالهتم تلك الٍب قاـ ّٔا اؼبلك داكد الثالث‬
‫ابتداء من سنة ‪515‬ق‪1121 /‬ـ‪ ،‬الذم استعاد الكاتدرائية اْلرمينية ُب آشل‪ ،‬كسقط ُب يده العديد من اْلسرل اؼبسلمْب‪ .‬كرغم‬
‫أنو دل يكن عند الكرج من الدكاعي ما هبعلهم يبيلوف إذل الفرنج‪ ،‬إَل أف غزكاهتم الٍب تزامنت مع اغبملة الصليبية اْلكذل‪ ،‬جعلت‬
‫بعض اؼبؤرخْب يسموهنا ضبلة الكرج الصليبية‪( .‬انظر ‪ :‬سبط ابن اعبوزم‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪744-739‬؛ اللهييب ‪ :‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪175-154‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪255-253‬؛‪.) Samuel d'Ani, op. cit., p. 451.‬‬
‫‪231‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كعموما فإف العالقات بْب ثوركس اْلكؿ كالصليبيْب ُب أنطاكية كالرىا‪ ،‬كانت قائمة على‬
‫التحالف كالتعاكف‪ ،‬رغم توترىا ُب بعض اْلحياف خاصة ُب عهد بوىيموند‪ .‬كقد دخلت تلك‬
‫العالقات منعرجا جديدا بعد ؾبيء بوىيموند الثاشل (‪413-411‬ق‪ ،)0021-0015/‬من إيطاليا‬
‫ليتوذل إمارة أنطاكية ُب أكاخر سنة ‪411‬ق‪0015/‬ـ‪ٍ 1،‬ب كفاة ثوركس اْلكؿ ُب سنة‬
‫‪413‬ق‪0018/‬ـ‪ ،‬فتوذل أخوه ليوف عرش إمارة آؿ ركبْب‪.‬‬

‫‪ - 3‬ليوف األكؿ (‪532-524‬ق‪1137-1129/‬ـ)‬


‫كرد اظبو ُب اؼبصادر مقركنا باسم أخيو ثوركس اْلكؿ‪ 2،‬فبا يدؿ على أنو كاف شريكا لو ُب‬
‫السلطة‪ ،‬كردبا منحو أخوه اْلمّب استقالَل ذاتيا ُب اعبهة الشرقية من اإلمارة‪ ،‬مع اَلعَباؼ بالسيادة‬
‫لثوركس اْلكؿ‪ .‬كتثّب بعض اؼبصادر تساؤَلت حوؿ طريقة انتقاؿ العرش إذل اْلمّب ليوف اْلكؿ‪ ،‬حيث‬
‫جاء فيها ‪" :‬بعد كفاة ثوركس يس ًجن ابنو اْلكرب ككريثو‪ٍ ،‬ب مات مسموما ُب السجن‪ ،‬على يد زمرة‬
‫من اْلشرار‪ ،‬فانتقلت اإلمارة إذل ليوف"‪ 3،‬كاعبدير بالذكر‪ ،‬أف لثوركس اْلكؿ ابنا آخر‪ ،‬توُب قبل سنة‬
‫‪413‬ق‪0018/‬ـ‪ 4.‬فمن اؼبستفيد من سجن كاغتياؿ الوريث الشرعي كالوحيد للعرش ؟ من دكف‬
‫شك ىو اْلمّب ليوف اْلكؿ‪ ،‬كرغم أف أصابع اَلهتاـ َل تشّب إليو مباشرة‪ ،‬كَل توجد مصادر أخرل‬
‫ذكرت ذلك‪ ،‬فإف ىذه اعبملة الٍب أكردىا صموئيل دآشل (ت سنة ‪470‬ق‪0074/‬ـ)‪ ،‬توحي أف‬
‫قسطنطْب بن ثوركس اْلكؿ تعرض ؼبؤامرة أبعدتو عن البالط ككضعتو ُب السجن ٍب التحق بأبيو بعد‬
‫بضعة شهور‪ .‬كمن الطبيعي أف اإلمارة آلت مباشرة إذل الذم يليهما ُب اغبكم‪ ،‬كىو ليوف اْلكؿ‬
‫شقيق ثوركس‪ .‬كل ىذا يدؿ أف اْلمّب اعبديد كاجو صعوبات أك منافسة حوؿ تورل عرش اإلمارة‪.‬‬

‫‪ 1‬فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.326‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Samuel d'Ani, op. cit., p. 448; Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 187, 198.‬‬
‫‪3‬‬
‫اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪208‬؛ ‪Samuel d'Ani, op. cit., p. 451; Vahram Rapoun : op. cit., p. 9.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Alishan : op. cit., p. 275; Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 524.‬‬

‫‪232‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫أ ‪ -‬الحرب بين ليوف األكؿ كالصليبيين‬
‫كدبجرد أف توذل شؤكف اإلمارة‪ ،‬كجد نفسو ُب حرب سافرة ضد الصليبيْب ُب أنطاكية‪ ،‬إذ طمع‬
‫أمّبىا بوىيموند الثاشل ُب توسيع مساحة إمارتو‪ ،‬كبو الشماؿ‪ .‬فسار ُب مطلع سنة‬
‫‪413‬ق‪0021/‬ـ‪ ،‬على رأس جيش صغّب لالستيالء على مدينة عْب زرىب الٍب كانت ُب حوزة آؿ‬
‫ركبْب‪ ،‬كمقر إقامة أمرائهم‪ ،‬كلكنو دل يكن كحده ُب قيليقيا‪ ،‬حيث دخل غازم بن دانشمند أمّب‬
‫سيواس كملطية‪ 1،‬من اعبهة الشمالية دكف أف يعلم أحدنبا بوجود اآلخر‪ ،‬ككالنبا يريد غزك إمارة بِب‬
‫ركبْب‪ .‬فارتاع ليوف اْلكؿ أماـ ىذا اؽبجوـ اؼبزدكج‪ ،‬كدل يسعو إَل أف يقاكـ بوىيموند الثاشل مقاكمة‬
‫كترجح بعض اؼبراجع اغبديثة أنو‬
‫ضعيفة‪ ،‬حيث قاـ بسد الدركب ُب مشاؿ جبل اللكاـ (اْلمانوس)‪ّْ ،‬‬
‫أرسل إذل ابن دانشمند من أخربه بوجود الصليبيْب‪ ،‬الذين كاف خطرىم أشد من خطر‬
‫الدانشمنديْب‪ 2.‬كبينما كاف بوىيموند يتقدـ دكف اكَباث على امتداد هنر جيحاف )‪،(Pyramus‬‬
‫كبو عْب زرىب‪ ،‬انقض عليو جنود دانشمند‪ ،‬كقتلوه مع صبيع رجالو‪ ،‬دكف معرفة شخصيتو‪ 3.‬أما ليوف‬
‫الثاشل فبعد أف كانت إمارتو ُب عْب اإلعصار‪ ،‬فإنو استطاع أف يربح كل شيء دكف أف ىبسر شيئا‪،‬‬
‫حيث بقي بعيدا عن ميداف اؼبعركة‪ ،‬كدل يتعرض ػبصميو‪ ،‬كقبح ُب توجيههما ليضرب كل منهما‬

‫‪ 1‬ذىبت بعض اؼبراجع اغبديثة إذل أف ليوف اْلكؿ ربالف مع غازم بن دانشمند كاستنجد بو ضد بوىيموند الثاشل‪ .‬كاغبقيقة أف‬
‫دخوؿ غازم إذل قيليقيا كاف انتقاما كعقابا لبِب ركبْب؛ ْلف اْلمّب السابق ثوركس اْلكؿ‪ ،‬استقبل ُب سنة ‪411‬ق‪0015/‬ـ‬
‫اْلمّب السلجوقي عرب الذم كاف ُب حرب ضد أخيو مسعود اؼبتحالف مع غازم بن دانشمند‪ ،‬ككانت ىذه النزاعات فرصة‬
‫لألمّب ثوركس اْلكؿ الذم كضع جزءا من قواتو ربت تصرؼ اْلمّب عرب‪ ،‬ليغزك ّٔا إمارة غازم بن دانشمند‪ ،‬الذم كاف يهدد‬
‫اغبدكد الشمالية إلمارة بِب ركبْب بشكل مستمر‪ .‬كقد جاءتو الفرصة اؼبواتية لإلنتقاـ من آؿ ركبْب‪ ،‬خاصة بعد اإلنتصار الذم‬
‫حققو على قسطنطْب جابراس البيزنطي )‪ُ ،(Constantin Gabras‬ب منطقة البنطس )‪ ،(Pont‬الواقعة على الساحل اعبنويب‬
‫للبحر اْلسود‪ ،‬كانتهى بإبراـ صلح مع البيزنطيْب‪ .‬كدل يدخل غازم إذل قيليقيا استجابة لطلب اؼبساعدة الذم أرسلو لو ليوف اْلكؿ‬
‫الذم كاف يريد التحالف معو ضد بوىيموند الثاشل كما كرد عند بعض اؼبؤرخْب‪( .‬انظر ‪ 222-221 :‬من ىذا الفصل؛ رنسيماف‬
‫‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪292‬؛ ‪.)Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 349‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 547.‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪73-72‬؛ الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪52‬؛ فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪327‬؛ ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪143‬؛ عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪142‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 227; Cahen Claude : op. cit., pp. 349-350.‬‬
‫‪233‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫اآلخر‪ .‬كخرج منها ساؼبا ْلنو دل يتكبد فيها خسائر‪ ،‬كخرج منها غامبا ْلف عْب زرىب بقيت ُب يده‪،‬‬
‫كأبعد خطر الصليبيْب عن حدكد بالده‪ .‬كمن عجائب الصدؼ أف أضبد دانشمند‪ ،‬ىزـ جيش‬
‫بوىيموند اْلكؿ ُب سنة ‪493‬ق‪1100/‬ـ‪ ،‬كأبقاه عنده أسّبا ما يقارب ثالث سنوات‪ ،‬كبعد ثالثْب‬
‫سنة‪ ،‬ىزـ غازم بن أضبد دانشمند جيش بوىيموند الثاشل ابن بوىيموند اْلكؿ‪.‬‬

‫كاف موت بوىيموند الثاشل كىو ُب ريعاف شبابو‪" ،‬خطبا فادحا نزؿ بأىل أنطاكية"‪ 1،‬فلم يَبؾ‬
‫ذكرا يرث عرشو‪ ،‬كدل ييرزؽ من زكاجو بأليس )‪ 2،(Alice‬إَل بابنة دل تتجاكز الثانية من عمرىا‪.‬‬
‫كبادرت أمها إذل أف تتوذل بنفسها الوصاية على انطاكية‪ ،‬فأرسلت إذل اْلتابك زنكي‪ُ 3‬ب حلب‬
‫زبطره بأهنا على استعداد لتدخل ُب تبعيتو إذا تكفل بإبقاء انطاكية ربت حوزهتا‪ .‬كؼبا قى ًدـ أبوىا اؼبلك‬
‫بلدكين الثاشل إذل أنطاكية‪ ،‬أغلقت اْلمّبة اْلرملة أبواب اؼبدينة ُب كجهو‪ ،‬كدل تيػ ٍفتح لو إَل بعد أف‬
‫تدخل بعض النبالء‪ٍ ،‬ب قاـ اؼبلك بعزؿ أليس كأبعدىا إذل الالذقية‪ ،‬كتوذل بنفسو الوصاية على‬
‫أنطاكية‪ 4.‬كلكن ابنتو دل تتوقف عن حبك اؼبؤامرات للعودة إذل أنطاكية كالقبض على زماـ اْلمور‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.73‬‬


‫‪ 2‬أليس ‪ :‬ىي ابنة بلدكين الثاشل ملك بيت اؼبقدس‪ ،‬كاْلمّبة اْلرمينية مورفيا )‪ ،(Morfia‬البنت الصغرل عبربيل اْلرميِب صاحب‬
‫ملطية‪( .‬انظر ‪.)Grousset René : Histoire des Croisades, t. I, p. 704. :‬‬
‫‪ 3‬زنكي ‪ :‬ىو عماد الدين زنكي‪ ،‬ابن آؽ سنقر (الصقر اْلبيض)‪ ،‬الذم ينتمي إذل قبيلة ساب يو الَبكمانية‪ ،‬كاف أبوه قائدا‬
‫عبيش السلطاف السلجوقي ملكشاه‪ٍ ،‬ب أمّبا على مدينة حلب قبل قدكـ الصليبيْب‪ ،‬كلقي حتفو سنة ‪1094‬ـ‪ ،‬على يد تتش أخ‬
‫ملكشاه‪ .‬كاف عمر زنكي آنذاؾ عشرة أعواـ‪ ،‬فوضعو السلطاف ُب خدمة أتابكة اؼبوصل‪ ،‬كتلقى تكوينو العسكرم على يد أكرب‬
‫قادة عصره‪ ،‬كربوغا‪ ،‬كجكرمش‪ ،‬كمودكد‪ ،‬كالربسقي‪ ،‬كؼبا أتػقن فنوف القتاؿ كَله السلطاف السلجوقي ؿبمود‪ ،‬قيادة اعبيش‪ ،‬فذاع‬
‫صيتو بعد أف ىزـ جيش اػبليفة العباسي اؼبسَبشد‪ ،‬كأرغمو على اػبضوع للسلطاف السلجوقي‪ .‬كنظرا لدماثة اػبلق كاللباقة الٍب‬
‫يتميز ّٔما عماد الدين زنكي‪ ،‬اقَبحو اػبليفة على السلطاف ؿبمود ليكوف أتابكا على اؼبوصل خلفا للربسقي الذم توُب ُب سنة‬
‫‪521‬ق‪1127/‬ـ‪ .‬كسع زنكي ملكو من اؼبوصل إذل نصيبْب كسنجار كحراف‪ ،‬كفتح حلب ُب سنة ‪ ،1128‬كضباة كضبص‬
‫كبعلبك ُب سنة ‪1129‬ـ‪ .‬كبعد أف كطد سلطانو‪ ،‬كأًب استعداده عزـ على مقاتلة الصليبيْب‪ ،‬كُب أكؿ مواجهة لو مع الصليبيْب ُب‬
‫سنة ‪524‬ق‪1130/‬ـ‪ ،‬قاؿ ْلصحابو أثناء حصاره غبصن اْلثارب ‪« :‬ىذا أكؿ مصاؼ عملناه معهم فلنذقهم من بأسنا ما يبقى‬
‫رعبو ُب قلؤّم ففعلوا"‪ .‬قاد حركة رد الفعل اإلسالمي ضد الصليبيْب‪ ،‬فانتزع الرىا من جوسلْب ُب سنة ‪1144‬ـ‪ ،‬فبا حوؿ دفة‬
‫اغبرب ؼبصلحة اؼبسلمْب‪( .‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪84-74 ،27-4‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪،‬‬
‫ج ‪.)2285 ،4‬‬
‫‪ 4‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.305-304‬‬
‫‪234‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫فيها‪ .‬كبعد سنة تقريبا توَب بلدكين الثاشل بتاريخ ‪ 15‬رمضاف ‪414‬ق‪ 10/‬أكت ‪0020‬ـ‪ ،‬كخلفو‬
‫فولك اػبامس كونت أقبو )‪ 1،(Foulques V d'Anjou‬على رأس فبلكة بيت اؼبقدس‪ ،‬كلكنو‬
‫كاف كافدا جديدا‪ ،‬حديث العهد ُب عادل الشرؽ‪ .‬كُب أكاخر السنة توَب جوسلْب دك كورتينام أمّب‬
‫الرىا‪ ،‬فخلفو ابنو جوسلْب الثاشل‪434-414( 2‬ق‪0041-0020/‬ـ)‪ ،‬الذم دل يكن يبتلك شيئا‬
‫‪4‬‬
‫من حزـ كشجاعة أبيو‪ ،‬ك"كانت تعوزه اؼبعرفة كالفهم"‪ ،3‬كبذلك بدأ أمر الصليبيْب ُب اَلكبالؿ‪.‬‬

‫ُب ىذه اْلثناء ظفر اؼبسلموف ببطل بالغ القوة كالطموح‪ ،‬ىو عماد الدين زنكي الذم بدأ قبمو‬
‫يلمع ُب ظباء اؼبشرؽ‪ 5،‬حيث استعاد حصن اْلثارب‪ 6‬من أيدم الصليبيْب ُب سنة‬
‫‪413‬ق‪0021/‬ـ‪ ،‬كىو من أمنع اغبصوف الصليبية القريبة من حلب‪ ،‬كبعد أف فتح اغبصن‪ ،‬خربو‬

‫‪ 1‬فولك (‪1144-1131‬ـ) ‪ :‬كرد ُب اؼبصادر العربية باسم كندياجور‪ ،‬ىو فولك اػبامس كونت أقبو‪ ،‬ابن فولك الرابع ريشْب‬
‫الذم زار بيت اؼبقدس سنة ‪1120‬ـ‪ ،‬كأضحت لو معرفة شخصية باؼبلك بلدكين‪ ،‬ككاف يبلك إقطاعا يعترب من أغُب كأقول‬
‫اَلقطاعات بفرنسا‪ .‬رزؽ اؼبلك بلدكين الثاشل بأربع بنات‪ ،‬كدل ينجب ذكرا يرث عرش فبلكة بيت اؼبقدس‪ ،‬كرغم أف إحدل بناتو‬
‫كىي أليس كانت متزكجة من بوىيموند الثاشل أمّب أنطاكية‪ ،‬فإف اؼبلك دل يفكر إطالقا ُب أف هبعل من صهره النورمندم كريثا لو ُب‬
‫فبلكة بيت اؼبقدس‪ .‬كبعد أف استشار ؾبلسو ُب سنة ‪1128‬ـ‪ ،‬أرسل إذل لويس السادس ملك فرنسا‪ ،‬يطلب منو أف ىبتار رجال‬
‫شجاعا كقديرا من نبالء فرنسا يصلح زكجا َلبنتو مليسند‪ ،‬فاقَبح لويس على بلدكين الثاشل‪ ،‬اْلمّب فولك اػبامس الذم كاف من‬
‫أجدر اؼبرشحْب‪ ،‬فهو من أقدر أمراء اؼبملكة الفرنسية عندئذ‪ ،‬كقد حظي ىذا اَلقَباح بتأييد البابا ىونوريوس الثاشل‪ ،‬فضال عن‬
‫مساندة ملك فرنسا لو‪ .‬كُب أكائل ربيع سنة ‪1129‬ـ‪ ،‬أحبر فولك من فرنسا‪ ،‬كتزكج دبليسند كسط مظاىر الفرح كالسركر‪ ،‬كحبكم‬
‫زكاجو من كريثة ابنة بلدكين الثاشل‪ ،‬أصبح ىو ملك بيت اؼبقدس اؼبقبل‪( .‬انظر ‪ :‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪-309‬‬
‫‪310‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪66-65‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪314‬؛ فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪326‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.)284-283‬‬
‫‪ 2‬جوسلْب الثاشل ‪ :‬كصفو كليم الصورم قائال ‪" :‬كاف جوسلْب الصغّب كونت الرىا دكف أبيو ُب صفاتو‪ ،‬فقد كاف شخصا يتسم‬
‫بالَباخي‪ ،‬فهو مسلم قياده للملذات الوضيعة الفاسقة حائدا عن الطريق القوصل‪َ ،‬ل يعف عن سلوؾ السبل الدنيئة مع إضماره‬
‫الكراىية السوداء ْلمّب أنطاكية الذم كاف سقوطو أكرب ما يشرح صدره كيثلج قلبو‪ ،‬لذلك دل يعبأ باؼبثل القائل ‪« :‬إف شبت النار‬
‫ُب بيت جارؾ‪ ،‬فدارؾ ىي اْلخرل ُب خطر»‪( .".‬انظر ‪ :‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.)327‬‬
‫‪ 3‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪73‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪297-292‬؛ عاشور سعيد‬
‫عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪429‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪262-261‬؛‬
‫‪5‬‬
‫‪Pasdermadjian H. : op. cit., p. 207.‬‬
‫‪ 6‬اْلثارب ‪ :‬اْلثارب ‪ :‬قلعة بْب حلب كانطاكية (انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)80‬‬
‫‪235‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كي َل يطمع الصليبيوف ُب استعادتو‪ٍ 1.‬ب انتقل إذل حارـ قرب أنطاكية‪" ،‬كقد استدار اؼبسلموف‬
‫بتلك اْلعماؿ كضعفت قول الكافرين كعلموا أف البالد قد جاءىا ما دل يكن ؽبم ُب حساب كصار‬
‫قصاراىم حفظ ما بأيديهم بعد أف كانوا قد طمعوا ُب ملك اعبميع"‪ 2.‬فوجد اؼبسلموف ُب عماد‬
‫الدين زنكي قيادة قوية كـبلصة توحد صفوفهم‪ ،‬كتقودىم إذل اعبهاد لدفع اػبطر الصلييب اعباٍب على‬
‫صدكرىم‪ .‬كبذلك بدأ ما يسميو اؼبؤرخوف عصر توازف القول ُب اغبركب الصليبية‪.‬‬

‫استغل ليوف اْلكؿ أمّب بِب ركبْب ىذه اْلكضاع الصعبة الٍب بات الصليبيوف يعيشوهنا؛ حيث‬
‫تداعت سلطة أنطاكية ُب سهل قيليقيا‪ .‬فنزؿ إليو‪ ،‬كاستوذل على اؼبصيصة‪ ،‬كطرسوس‪ ،‬كأذنة ُب أكاخر‬
‫سنة ‪0021‬ـ‪ ،‬كبداية ‪0020‬ـ‪ ،‬كىي اؼبدف الٍب كانت تابعة إلمارة أنطاكية‪ 3،‬كبذلك يكوف ليوف‪،‬‬
‫أكؿ من قبح من بْب أمراء آؿ ركبْب‪ُ ،‬ب توسيع حدكد اإلمارة جنوبا حٌب بلغت البحر اؼبتوسط‪.‬‬
‫كبعد أف سيطر على قيليقيا ربسنت أحوالو كبلغ أكج قوتو‪ ،‬كزادت سلطتو على الصليبيْب‪ ،‬ككبدىم‬
‫خسائر كثّبة‪ 4.‬كتعود أنبية ىذه اؼبدف الٍب تعترب أمهات الثغور‪ 5،‬أهنا ربتل مواقع اسَباتيجية‪ ،‬ككل من‬
‫يتحكم فيها فهو يبلك مفاتيح الطرؽ الربية بْب آسيا الصغرل‪ ،‬كبالد الشاـ‪ ،‬كيستطيع كذلك مراقبة‬
‫اػبطوط البحرية ُب اغبوض الشرقي للبحر اؼبتوسط‪ ،‬فهي إذف مصدر ثركة ضخمة‪ ،‬من جراء اؼبكوس‬
‫كالرسوـ الٍب تفرض على القوافل كالبضائع اؼبارة ّٔا‪ .‬كلذلك كانت ىذه اؼبدف الواقعة ُب ثغور الشاـ‪،‬‬
‫ؿبل شد كجذب بْب البيزنطيْب‪ ،‬كالعرب‪ ،‬كاْلرمن‪ ،‬كالسالجقة‪ ،‬كالصليبيْب‪.‬‬

‫دل يواصل ليوف اْلكؿ توسعاتو على حساب إمارة أنطاكية الصليبية‪ْ ،‬لنو تعرض ؽبجوـ قاـ بو‬
‫غازم بن دانشمند ُب سنة ‪415‬ق‪0020/‬ـ‪ ،‬فانكفأ للدفاع عن حدكد إمارتو‪ٍ ،‬ب كعد اْلمّب‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪42-93‬؛ الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.321‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Sempad : op. cit., p. 615; Vahram d'Edesse : op. cit., p. 500; Chalandon Ferdinand : t. II, op.‬‬
‫‪cit., p. 107; Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, p. 58; Cahen Claude : La Syrie du‬‬
‫‪Nord, p. 354; Mutafian Claude : La Cilicie au carrefour, t. I, p. 387.‬‬
‫‪ 4‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ 5‬ابن شداد ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ؽ‪ ،2‬ص ‪.149-148‬‬
‫‪236‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫الدانشماندم بدفع اعبزية سنويا‪ ،‬كلكنو دل يلتزـ بوعده‪ 1.‬غادر ابن دانشمند قيليقيا‪ ،‬كانشغل حبركبو‬
‫ضد الدكلة البيزنطية‪ ،‬فبا جعل اغبدكد الشمالية إلمارة بِب ركبْب آمنة من أم غزك خارجي كلو مؤقتا‪.‬‬
‫فهاجم ليوف اْلكؿ حصن ًمشار‪ 2‬كانتزعو من اْلتراؾ ُب سنة ‪417‬ق‪0022/‬ـ‪ٍ 3،‬ب التفت إذل‬
‫حدكده اعبنوبية الٍب تتاخم حدكد إمارة أنطاكية‪.‬‬

‫كيبدك أف ىذه اإلمارة الٍب بقيت بدكف أمّب منذ كفاة بوىيموند الثاشل‪ ،‬استهوت جوسلْب الثاشل‬
‫أمّب الرىا‪ ،‬فطلب أف سبنح لو الوصاية على مدينة أنطاكية مستغال قباحو ُب الدفاع عنها ضد ىجوـ‬
‫قاـ بو اْلتراؾ الدانشمند سنة ‪418‬ق‪0023/‬ـ‪ ،‬كلكن فولك ملك بيت اؼبقدس‪ ،‬كأعياف اؼبدينة‬
‫رفضوا ذلك‪ ،‬فنقم منهم جوسلْب الثاشل‪ .‬كاستغل اْلمّب ركبْب اْلكؿ ىذه الفرصة الساكبة‪ ،‬كاستعاف‬
‫بأمّب الرىا الذم ىو ُب نفس الوقت ابن أختو‪ ،‬كانتزع من إمارة أنطاكية ُب سنة ‪421‬ق‪0024/‬ـ‪،‬‬
‫قلعة سرفنتيكار‪ 5،(Sarvantikar) 4‬ليقطع على الصليبيْب ُب أنطاكية اَلتصاؿ دبدينة مرعش ُب‬
‫الشماؿ‪ ،‬كدل تلبث أف دخلت العالقات بْب إمارة آؿ ركبْب ُب قيليقيا من جهة‪ ،‬كالصليبيْب ُب‬
‫أنطاكية من جهة أخرل ُب دكر من العداء اؼبتبادؿ‪ 6،‬فبا أدل إذل اشتعاؿ شرارة اغبرب بْب اْلرمن ُب‬
‫قيليقيا كالصليبيْب ُب أنطاكية‪ ،‬الذين كجدكا أنفسهم منقسمْب إذل فريقْب‪ .‬الفريق اْلكؿ يتكوف من‬
‫أمّب آؿ ركبْب كجوسلْب الثاشل أمّب الرىا‪ ،‬الذم يعترب من الناحية القانونية تابعا للملك فولك‪ ،‬كلكنو‬
‫اكباز إذل عواطفو‪ ،‬فتحالف مع خالو اْلمّب ليوف اْلكؿ‪ .‬كالفريق الثاشل يتكوف من ملك بيت اؼبقدس‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪144‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 230.‬‬
‫صىر )‪ : (Mesra‬قرية تقع جنوب شرؽ ملطية‪ ،‬على الطريق اؼبصيصة‪( .‬انظر ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪ً2‬‬
‫مشار )‪ : (Mechar‬أك م ٍ‬
‫‪Dulaurier : op. cit., p. 143, note n° 2.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Sempad : op. cit., p. 616; Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 552.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 233; Sempad : op. cit., p. 616.‬‬
‫‪ 5‬سرفنتيكار ‪ :‬تقع ُب جباؿ اْلمانوس ‪ ،‬كاف ركجر اْلنطاكي قد انتزعها من بِب ركبْب ُب كقت سابق‪( ،‬انظر ‪ :‬اسَباجياف ‪ :‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.)209‬‬
‫‪ 6‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪237‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كأمّب أنطاكية اعبديد ريبوند بواتييو )‪ 1،(Raymond Poitiers‬الذم حل بأنطاكية ُب رجب‬
‫‪2‬‬
‫‪/421‬ابريل ‪0025‬ـ‪.‬‬

‫أثار طموح ليوف اْلكؿ كنشاطو على حدكد إمارة أنطاكية ـباكؼ ريبوند بواتييو‪ُ ،‬ب الوقت‬
‫الذم كاف فيو ىذا اْلمّب النورماشل َل يقل عنو طمعا كرغبة ُب التوسع‪ .‬فبدأ نشاطو السياسي‬
‫كالعسكرم بإعالف اغبرب على آؿ ركبْب‪ْ ،‬لنو اعترب إقليم قيليقيا آّاؿ اغبيوم إلمارة أنطاكية‪،‬‬
‫كصمم على انتزاعو من إمارهتم‪ 3.‬كبعد أف ربصل على موافقة اؼبلك فولك‪ ،‬سار جبيش ضخم‬
‫﵀اربتهم‪ ،‬كلكن جيش انطاكية اهنزـ كعاد على أعقابو‪ ،‬بفضل اؼبساعدة الٍب تلقاىا اْلرمن من‬
‫جوسلْب الثاشل‪ .‬كؼبا أدرؾ ريبوند أنو غّب قادر على ربقيق انتصار حاسم‪ ،‬عبأ إذل اؼبكر كاػبديعة‪،‬‬
‫حيث طلب من بلدكين صاحب مرعش‪ ،‬أف يرتب لو لقاء مع ليوف اْلكؿ للتفاكض كإبراـ معاىدة‬
‫‪4‬‬
‫صلح‪ ،‬كلكنو غدر بو كأسره‪ٍ ،‬ب سلمو لريبوند بواتييو‪ ،‬الذم كضعو ُب السجن‪.‬‬

‫كبدَل من أف يسعى أبناؤه إلنقاذ أبيهم من السجن‪ ،‬كالسهر على شؤكف اإلمارة‪ ،‬راحوا‬
‫يتشاجركف فيما بينهم‪ ،‬ككثبا اثناف منهم على أخيهما اْلكرب قسطنطْب فسمال عينيو‪ ،‬كبذلك اهنارت‬

‫‪ 1‬ريبوند بواتييو (‪ : )1149-1136‬ىو اَلبن اْلصغر لوليم التاسع دكؽ أكيتانيا‪ ،‬كالذم يقيم باقبلَبا ُب بالط اؼبلك ىنرم‬
‫اْلكؿ الذم تزكجت ابنتو أخّبا من جفرم بن فولك‪ .‬ككاف سبب ؾبيء ريبوند بواتييو إذل أنطاكية أف اْلمّبة اْلرملة أليس‬
‫استعملت ُب منفاىا بالالذقية كل الوسائل لتعود إذل أنطاكية كتسيطر على شؤكهنا‪ ،‬كتنتزع حقوؽ ابنتها كونستانس‪ .‬كاستعانت‬
‫بأختها اؼبلكة ميلزاندا لتحقيق ذلك‪ ،‬ككانت ىذه اْلخّبة زكجة اؼبلك فولك الذم رضخ لو‪ ،‬ككافق على عودة أليس إذل أنطاكية‪.‬‬
‫كآخر خطة عبأت إليها أليس أهنا بعثت هناية صيف ‪1135‬ـ‪ ،‬رسوَل إذل القسطنطينية يعرض خطبة ابنتها ؼبانويل‪ ،‬اَلبن اْلصغر‬
‫لإلمرباطور يوحنا كومنْب ‪ .‬كقد ارتاع نبالء أنطاكية كرجاؿ كنيستها ؼبا قامت بو أليس‪ْ ،‬لهنم سيجدكف أنفسهم تابعْب للدكلة‬
‫البيزنطية ككنيستها الشرقية‪ .‬فأرسلوا فورا إذل اؼبلك فولك طالبْب منو اختيار زكج مناسب لألمّبة كونستانس البالغة من العمر تسع‬
‫سنوات‪ ،‬لّبعى شؤكف اإلمارة كوبفظها من الفوضى الداخلية كاْلخطار اػبارجية‪ ،‬فوقع اختيار اؼبلك على ريبوند بواتييو‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪129-126 ،104-102‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص‬
‫‪318-315‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪281-280‬؛‬
‫‪Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., p. 121; Grousset : Histoire des Croisades, t. II, pp. 43-48).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Sempad : op. cit., p. 616.‬‬
‫‪ 3‬عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.146‬‬
‫‪ 4‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪56‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪263‬؛‬
‫‪Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., p. 110; Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 358.‬‬
‫‪238‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫سلطة بِب ركبْب‪ ،‬كتعرضت إمارهتم لعدة ضبالت عسكرية قاـ ّٔا اْلتراؾ الدانشمنديوف‪ ،‬كغدت‬
‫قيليقيا مرتعا كمالذا لقطاع الطرؽ‪ ،‬كقراصنة البحر‪ 1.‬كدل تكن ىذه الكوارث خافية على اْلمّب ليوف‬
‫اْلكؿ الذم قضى شهرين ُب معتقلو بأنطاكية‪ ،‬كإذ ارتاع ؼبا وبدث ُب بالده‪ ،‬عرض على ريبوند‬
‫التخلي عن مدف قيليقيا‪ ،‬كقلعة سرفنتيكار‪ ،‬كأف يدفع لو ستْب ألف قطعة ذىبية‪ ،‬كيَبؾ أبناءه رىائن‬
‫‪2‬‬
‫ُب أنطاكية‪ ،‬مقابل إطالؽ سراحو‪.‬‬

‫كدبجرد عودتو إذل مقر إقامتو بعْب زرىب‪ ،‬ضرب اَلتفاقية الٍب أبرمها مع ريبوند عرض اغبائط‪،‬‬
‫فنظم جيشو‪ ،‬كاحتل مدف قيليقيا من جديد‪ ،‬كاستعد للزحف على أنطاكية‪ ،‬فتجددت اغبرب بْب‬
‫الطرفْب‪ .‬كلكنها كانت حربا قصّبة إذ سرعاف ما قاـ جوسلْب الثاشل بدكر الوساطة‪ ،‬كتدخل اؼبلك‬
‫فولك‪ ،‬لعقد ىدنة بْب اؼبتحاربْب‪ ،‬أدت إذل إحالؿ السلم كإعادة الرىائن إذل ليوف اْلكؿ‪ 3.‬كدل‬
‫تتحدث اؼبصادر عن مصّب اؼبدف الٍب أعاد ليوف اْلكؿ احتالؽبا‪ ،‬ىل احتفظ ّٔا أـ أجرب على التنازؿ‬
‫عنها ْلنطاكية ؟ ىل احتفظ ببعضها كتنازؿ عن البعض اآلخر ؟ كؼباذا دل يتدخل اؼبلك فولك‬
‫إلطالؽ سراح ليوف اْلكؿ ؼبا سجن غدرا كخيانة ؟ كما مصلحتو ؼبا تدخل لتوقيف اغبرب الٍب نشبت‬
‫ؾبددا بْب الطرفْب ؟ كما السر كراء ىذه السرعة ُب اَلستجابة للوساطة كتوقيف اغبرب ؟‬

‫دل ترد ُب اؼبصادر معلومات كافية كدقيقة حوؿ ىذه اْلحداث كالسنوات كاْلشهر الٍب كقعت‬
‫فيها‪ ،‬رغم أف بعض اؼبراجع اغبديثة تذكر أف ليوف اْلكؿ أعاد إذل أنطاكية كل اؼبدف الٍب احتلها‪ ،‬بل‬
‫‪4‬‬
‫كتذىب بعضها إذل كضع إمارة أنطاكية ربت اغبماية اْلرمينية‪.‬‬

‫كالواقع أف أنباء ترامت من الشماؿ عجلت بإبراـ عقد الصلح بْب الصليبيْب كاْلرمن‪ ،‬حيث‬
‫ربدثت اؼبصادر اؼبعاصرة‪ ،‬عن ضبلة عسكرية ضخمة أعدىا اَلمرباطور يوحنا كومنْب‪ ،‬كانت ُب‬

‫‪ 1‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪249‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪320‬؛‬
‫‪Sempad : op. cit., p. 616,‬‬
‫‪2‬‬
‫العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪388‬؛‪Ibid; Grousset : Histoire des Croisades, t. II, p. 59.‬‬
‫‪3‬‬
‫اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪209‬؛ ‪Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., p. 110.‬‬
‫‪ 4‬نفسو؛ اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.228‬‬
‫‪241‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫طريقها كبو قيليقيا كبالد الشاـ‪ 1.‬كاغبقيقة أف اَلمرباطور يوحنا ما فتئ يقوـ بعمليات عسكرية ُب‬
‫أكباء ـبتلفة من بالده منذ كراثتو العرش‪ ،‬فقد كاف عسكريا كؿباربا قديرا‪ ،‬قضى معظم سنوات حكمو‬
‫يقود اعبيوش‪ ،‬كيؤثر اػبركج للقتاؿ على البقاء ُب القصر اَلمرباطورم‪ ،‬كدل يكن يريد أف وبافظ على‬
‫أطراؼ الدكلة فقط‪ ،‬بل كاف يطمح أف يعيد الدكلة إذل حدكدىا السابقة‪ ،‬كما كانت ُب عهد نقفور‬
‫فوقاس‪ 2.‬كبعد أف اسَبد لإلمرباطورية البيزنطية الشاطئ اعبنويب للبحر اْلسود‪ ،‬كفقدت إمارة‬
‫الدانشمنديْب قوهتا إثر كفاة اْلمّب غازم بن دانشمند ُب سنة ‪418‬ق‪0024/‬ـ‪ ،‬كالتزـ السالجقة‬
‫ُب قونية باؽبدكء كالسكينة‪ 3،‬التفت كبو اعببهة اعبنوبية‪ .‬فحشد من كافة أرجاء اَلمرباطورية صفوة‬
‫جنوده كفرسانو‪ ،‬كرجاَل من قوميات كألسنة متباينة‪ 4،‬كبعد أف "كصلتو مراكبو البحرية باْلثقاؿ كاؼبّبة‬
‫كاؼباؿ"‪" 5،‬خرج ملك الركـ من القسطنطينية‪ ،‬كمعو خلق عظيم َل وبصوف كثرة من الركـ كالفرنج‪،‬‬
‫كغّبنبا من أنواع النصارل‪ ،‬فقصد الشاـ‪ ،‬فخافو الناس خوفا عظيما"‪ 6.‬كأضحى يوحنا كومنْب‬
‫مستعدا للسّب جبيشو جنوبا‪ ،‬لتحقيق اْلىداؼ الٍب كضعها ؽبذه اغبملة‪ ،‬كىي َل زبرج عن معاىدة‬
‫ديفوؿ الٍب أبرمت بْب كالده ألكسيس كبوىيموند ُب سنة ‪501‬ق‪1108/‬ـ‪ ،‬كمنها ‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫‪-‬اسَبداد اقليم قيليقيا ُب اعبنوب الشرقي آلسيا الصغرل من اْلرمن‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪-‬إجبار الصليبيْب ُب أنطاكية على اَلعَباؼ بسيادة اَلمرباطور‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-‬إخراج اؼبسلمْب من مشاؿ الشاـ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪258‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪315‬؛ ‪Sempad : op. cit., p. 616.‬‬
‫‪ 2‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪335‬؛‬
‫‪Bréhier : Vie et mort, p. 308; Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 388.‬‬
‫‪3‬‬
‫طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪127‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, p. 90‬‬
‫‪4‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪134‬؛ ‪Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., p. 113.‬‬
‫‪ 5‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪ 6‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪7‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪134‬؛ ‪Vasiliev : op. cit., t. II, p.53.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 9‬عاشور ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.456‬‬
‫‪240‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كالواقع أف ىذه اْلراضي كانت ُب اْلصل تابعة للدكلة البيزنطية‪ ،‬كالصراع القائم بْب اْلرمن‬
‫كالصليبيْب حوؿ سهل قيليقيا‪ ،‬ىو صراع على إقليم َل يبتلكو أم طرؼ منهما‪ ،‬ككل ما يريد أف يقوـ‬
‫بو يوحنا كومنْب ُب ضبلتو ىذه‪ ،‬ىو إعادة اؽبيبة للدكلة البيزنطية ُب اؼبناطق اؼبتنازع عليها‪ 1.‬كمهما‬
‫تعددت أىداؼ ىذه اغبملة‪ ،‬فإف الدكلة البيزنطية َل يبكن ؽبا أف تتنازؿ عن قيليقيا بتلك السهولة‬
‫ليستقل ّٔا اْلرمن‪ ،‬كَل يبكن ْلباطرهتا أف يغفركا ؽبم كللصليبيْب ما فعلوه ُب الربع اْلخّب من القرف‬
‫اغبادم عشر اؼبيالدم من اقتطاع أشبن أجزاء اَلمرباطورية ُب جنوب شرؽ آسيا الصغرل‪ ،‬كمشاؿ‬
‫الشاـ‪ ،‬فضال عن اػبالفات اؼبذىبية كالدينية‪ ،‬الٍب جعلتهم منفصلْب عن الكنيسة البيزنطية‬
‫اْلرثوذكسية‪.‬‬

‫كيبدك أف ىذه اغبملة عجلت بوقف اغبرب بْب ريبوند بواتييو أمّب أنطاكية‪ ،‬كليوف اْلكؿ أمّب‬
‫قيليقيا‪ ،‬اللذين تفاجآ عندما بلغهما نبأ اقَباب اعبيش البيزنطي من قيليقيا‪ ،‬كاستبدت ّٔما الدىشة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫كدبا أف اػبطر اؼبشَبؾ بات يهددنبا معا‪ ،‬فقد نسيا ما بينهما من خالفات عميقة كأحقاد قديبة‪.‬‬
‫كردبا أراد الصليبيوف ُب أنطاكية من ىذه اػبطوة‪ ،‬أف هبعلوا من إمارة اْلرمن ُب قيليقيا حاجزا يعيق‬
‫تقدـ اعبيش البيزنطي كبوىم‪ ،‬كمركزا حربيا متقدما‪ ،‬ذبرم فيو اغبرب نيابة عنهم‪ ،‬فيستغرؽ اَلمرباطور‬
‫بعض الوقت ُب ؿباربة ليوف اْلكؿ‪ ،‬كيستهلك كثّبا من معداتو‪ ،‬فبا يكفل ؽبم اَلستعداد كأخذ التدابّب‬
‫ؼبواجهتو حينما يقَبب من أسوار مدينتهم‪.‬‬

‫ب – قضاء االمبراطور يوحنا كومنين على إمارة أرمينيا الصغرل (‪1137‬ـ)‬


‫كعندما كصلت مقدمة اعبيش البيزنطي إذل سهل قيليقيا‪ُ ،‬ب رجب ‪420‬ق‪/‬افريل ‪0026‬ـ‪،‬‬
‫اندىش اْلرمن من القوات البيزنطية الٍب دل تظهر ُب ىذه اؼبناطق منذ عشرات السنْب‪ 3.‬ككاف كاضحا‬
‫أف إمارة أرمينيا الصغرل اغبديثة العهد‪ ،‬غّب قادرة على الصمود‪ ،‬خاصة بعد أف رفض كثّب من نبالء‬

‫‪1‬‬
‫‪Pasdermadjian : op. cit., p. 204.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., p. 112; Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, p.‬‬
‫‪87; Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. I, p. 564.‬‬
‫‪ 3‬السرجاشل راغب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.457‬‬
‫‪241‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫اْلرمن اَلنقياد ْلمّبىم‪ .‬بل إف بعضهم شارؾ ُب اغبملة إذل جانب اإلمرباطور البيزنطي‪ ،‬حيث‬
‫ربدث ابن القالنسي ‪-‬كىو معاصر لألحداث‪ -‬عن ضبلة يوحنا كومنْب‪ ،‬كأكرد نصا ينفرد بو بْب صبيع‬
‫اؼبصادر‪ ،‬يفيد أف أكشْب اْلرميِب صاحب ؼبربكف‪ ،‬كاف مع يوحنا كومنْب يوـ دخولو إذل قيليقيا‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫عمر مينا‬
‫"كملك تل ضبدكف كضبل أىلو إذل جزيرة قربص ككاف صاحبو ابن ىيثم اْلرمِب ٍب َّ‬
‫‪2‬‬
‫اَلسكندرية ٍب خرج إذل انطاكية كنزؿ عليها كضايق أىلها ُب سلخ ذم القعدة"‪.‬‬

‫كرغم عدـ تكافؤ القول‪ ،‬فقد حاكؿ ليوف اْلكؿ تنظيم اؼبقاكمة عند ظباعو نبأ اقَباب اعبيش‬
‫البيزنطي من بالده‪ .‬فقد هنض لوقف تقدمو باَلستيالء على سلوقية‪ ،‬كلكنو اضطر إذل اَلنسحاب‬
‫كاَلحتماء بالعاصمة‪ ،‬تاركا سهل قيليقيا مفتوحا أماـ اَلمرباطور يوحنا كومنْب الذم استوذل من غّب‬
‫صعوبة على أمهات الثغور‪ ،‬طرسوس كأذنة كاؼبصيصة‪ .‬كحسب اؼبعلومات الٍب أكردىا كليم الصورم‬
‫فإف ىذه اؼبدف كانت تابعة إلمارة أنطاكية كليس إلمارة أرمينيا الصغرل‪ 3.‬كىو أمر غّب مستبعد حبكم‬
‫الوساطة الٍب قاـ ّٔا جوسلْب الثاشل كاؼبلك فولك‪ ،‬بْب ليوف اْلكؿ كريبوف بواتييو قبم عنها توقيف‬
‫اغبرب بينهما‪ ،‬كإبراـ صلح‪ ،‬ردبا نص على إعادة تلك اؼبدف إذل أنطاكية‪ ،‬مقابل إعادة الرىائن (أبناء‬
‫ليوف) إذل إمارهتم‪ .‬كفبا يدعم ىذا الرأم أف ليوف اْلكؿ دل يقاكـ اعبيش البيزنطي عند استيالئو على‬
‫ىذه اؼبدف‪ ،‬كإمبا تراجع إذل عاصمتو‪.‬‬

‫عرج يوحنا كومنْب كبو مدينة عْب زرىب عاصمة إمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كؼبا‬
‫بعد سهل قيليقيا‪َّ ،‬‬
‫بلغ أسوارىا اصطدـ دبقاكمة شديدة‪ ،‬ككجد صعوبة ُب اقتحامها‪ .‬كبعد سبعة كثالثْب يوما‪ ،‬خرت‬

‫‪ 1‬ابن ىيثم ‪ :‬ىو اكشْب بن ىيثوـ‪ ،(Ochine fils de Hethoum) ،‬يعرؼ ُب اؼبصادر العربية باسم ابن ىيثم أك حلقم‪،‬‬
‫كأصل اَلسم فارسي أك عريب‪ْ ،‬لنو أكؿ من عرؼ ّٔذا اَلسم بْب اْلرمن‪ .‬ىاجر مع عائلتو من أرمينيا الكربل‪ ،‬كاستقر بقيليقيا‪ُ ،‬ب‬
‫حصن ؼبربكف‪ ،‬الذم منحو لو صهره أبلغريب )‪ ،(Apelgharip‬كىو أحد رجاؿ اؼبلك جاجيك الثاشل‪ ،‬ككاف من أتباع اَلمرباطور‬
‫ميخائيل السابع (‪ .)1078-1067‬ككاف أكشْب تابعا كفيا كحارسا أمينا لإلمرباطورية البيزنطية‪( .‬انظر ‪ :‬ص ‪172-170‬؛‬
‫‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. II, pp. 660-661).‬‬
‫‪ 2‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.258‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.135‬‬
‫‪242‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫استحكاماهتا اؼبنيعة أماـ آَلت اغبصار‪ ،‬كأذعنت اؼبدينة لإلمرباطور الذم "ملكها عنوة"‪ُ 1‬ب شهر‬
‫جويلية من نفس السنة‪ٍ ،‬ب أزاؿ قالعا كحصونا أرمينية كثّبة كانت ذباكرىا‪ .‬أما ليوف اْلكؿ فقد رقص‬
‫رقصة الديك اؼبذبوح‪ ،‬حيث عبأ إذل حصونو القديبة مثل سيس كفاىكة الواقعتْب ُب أعارل اعبباؿ‪،‬‬
‫لعلو هبد فيها اؼبأكل‪ ،‬ليتقي ّٔا شر اْلسر‪ .‬كدل يرد يوحنا كومنْب اقتفاء أثر خصمو‪ ،‬بل أمهلو إذل‬
‫حْب عودتو من أنطاكية‪ ،‬الٍب ىي أىم كأكذل عنده من مسألة قيليقيا‪ ،‬كلكنو ترؾ كتيبة تراقب كتتابع‬
‫‪2‬‬
‫ربركات اْلمّب اْلرميِب‪.‬‬

‫كالسؤاؿ الذم يتبادر إذل الذىن ىنا‪ ،‬ؼباذا دل يتقدـ الصليبيوف ُب اْلقاليم آّاكرة‪ ،‬مثل أنطاكية‬
‫كالرىا‪ ،‬كمرعش‪ ،‬كطرابلس‪ ،‬كبيت اؼبقدس‪ ،‬لتقدصل اؼبساندة العسكرية لألمّب ليوف اْلكؿ كمساعدتو ُب‬
‫ؿبنتو أماـ اَلمرباطورية البيزنطية ؟‬

‫الواقع أف الصليبيْب صبيعا كانوا يبركف بظركؼ بالغة اغبرج كالصعوبة‪ ،‬إذ تراجعت قوهتم كثّبا‬
‫بعد انقراض الركاد اْلكائل من اعبيل القدصل‪ ،‬ككجد اعبيل اعبديد نفسو يفتقر إذل اػبربة كالزعامة‪ ،‬كعلى‬
‫العكس منهم فإف اؼبسلمْب صادفوا كقتذاؾ ُب عماد الدين زنكي رجال قادرا على توحيد القول‬
‫اَلسالمية‪ ،‬كذاعت شهرتو على أنو بطل اؼبسلمْب ُب ؿباربة الصليبيْب‪ .‬كانتهز فرصة اختالؿ أكضاع‬
‫الصليبيْب ُب أنطاكية‪ ،‬كشػ ػ ػرع فػ ػ ػي م ػ ػه ػ ػاجػ ػم ػ ػة م ػ ػواق ػ ػع ػ ػه ػ ػم‪ ،‬مػ ػ ػسػ ػ ػت ػ ػه ػ ػدف ػ ػا أدن ػ ػاى ػ ػا كأش ػ ػدى ػ ػا‬
‫خ ػ ػط ػ ػ ػرا عػ ػ ػل ػ ػى ك ػ ػي ػ ػان ػ ػو الػ ػ ػسيػ ػ ػاس ػ ػي ف ػ ػي حػ ػ ػل ػ ػب‪ 3.‬كم ػ ػن بػ ػي ػ ػن الػ ػ ػمػ ػ ػ ػواق ػ ػ ػع ال ػ ػ ػت ػ ػ ػي ى ػ ػاصبها قلعة‬
‫بعرين )‪ ،4(Barin‬الٍب عبأ إليها فولك ملك بيت اؼبقدس‪ ،‬بعد اهنزامو اماـ زنكي ُب شواؿ‬
‫‪420‬ق‪/‬جواف ‪0026‬ـ‪ ،‬فحاصره عماد الدين زنكي داخل القلعة‪ .‬كأرسل اؼبلك استغاثة عاجلة إذل‬
‫بطريرؾ بيت اؼبقدس‪ ،‬كإذل أمّبم الرىا كأنطاكية يطلب منهم اؼببادرة إذل بذؿ اؼبساعدة‪ ،‬فاستجابوا‬

‫‪ 1‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.258‬‬


‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪358‬؛ اؼبدكر‪ ،‬مرجع سابق‪228 ،‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪335‬؛‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 152; Mutafian Claude, La Cilicie, p. 389.‬‬
‫‪ 3‬طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.276‬‬
‫‪ 4‬بعرين ‪ :‬ىي اؼبعركفة عند الصليبيْب باسم قلعة مونتفراد )‪ ،(Montferrand‬تقع بْب حلب كضباة‪ ،‬كجددىا الصليبيوف حوارل‬
‫عاـ ‪1190‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪357‬؛ كليم الصورم‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،154‬ىامش رقم ‪.)29‬‬
‫‪243‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫لندائو‪ 1.‬كبذلك انصرؼ الصليبيوف إذل قبدة ملكهم‪ ،‬خوفا من زكاؿ اؼبملكة‪ ،‬كأغفلوا ما دكف ذلك‬
‫من أخطار‪ ،‬كتركوا ليوف اْلكؿ كحده هبابو اآللة البيزنطية الٍب كانت أكرب منو بكثّب‪.‬‬

‫كؼبا كصل "أقول ملوؾ العادل"‪ 2‬على حد تعبّب كليم الصورم‪ ،‬إذل أنطاكية الٍب دانت لو دكف‬
‫مقاكمة تذكر‪ ،‬أقبل أمّبىا ريبوند بواتييو فركع أماـ اَلمرباطور‪ ،‬كبذؿ لو التبعية‪ 3،‬كدل تتطرؽ اؼبفاكضات‬
‫الٍب دارت بينهما إذل مسألة قيليقيا كليوف اْلكؿ‪ ،‬فبا يدؿ على أف إمارة أرمينيا الصغرل ُب نظر‬
‫اَلمرباطور البيزنطي‪ ،‬أصبحت ُب خرب كاف‪ ،‬كأف ريبوند بواتييو زبلص من أخطر منافس لو ُب‬
‫الشماؿ‪.‬‬

‫كردبا يتساءؿ اؼبرء‪ ،‬ما سر ىذا التفاىم السريع بْب الصليبيْب كالبيزنطيْب ؟ أدل يعارض نبالء‬
‫أنطاكية منذ سنتْب زكاج ابنة أليس دبانويل اَلبن اْلصغر لإلمرباطور يوحنا كومنْب خوفا من إغباؽ‬
‫إمارهتم باإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كىا ىم اآلف يعلنوف التبعية التامة ؽبذه اَلمرباطورية الكريهة ؟‬

‫كاغبقيقة إف ما حدث ليس ؾبرد تفاىم‪ ،‬بل تقارب ُب اؼبفاىيم كالرؤل‪ ،‬أملتو الرسالة الٍب‬
‫أرسلها اؼبلك فولك إذل ريبوف بواتييو أثناء اؼبفاكضات مع اَلمرباطور البيزنطي‪ ،‬كنصحو فيها باَلعَباؼ‬
‫بسلطة اإلمرباطور عل مدينة أنطاكية‪ 4.‬إذ أصبحت قضية قيليقيا‪ ،‬كتبعية أنطاكية لإلمرباطورية مسائل‬
‫ثانوية‪ ،‬أماـ بركز عماد الدين زنكي‪ .‬فقد أدرؾ ملك بيت اؼبقدس أف زنكي ىو اػبطر اْلكرب على‬
‫الوجود الصلييب ُب بالد الشاـ‪ ،‬كأف الدكلة البيزنطية ىي القوة اؼبسيحية الوحيدة القادرة على كقف‬
‫تقدـ اؼبسلمْب‪ ،‬كلالستفادة من ىذه القوة كتوجيهها ضد زنكي‪َ ،‬ل بد من كسب كد البيزنطيْب‬
‫كالتعاكف معهم ُب ضبالهتم ضد اؼبسلمْب‪ .‬ككاف اَلمرباطور من جهتو كاقعيا ُب تفكّبه السياسي‪ ،‬فلم‬
‫يطلب من الصليبيْب ُب أنطاكية أكثر فبا نصت عليو معاىدة ديفوؿ‪ ،‬كأدرؾ بأف مصلحة اؼبسيحيْب‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.145-136‬‬


‫‪ 2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.146‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪258‬؛ ‪Bréhier : Vie et mort, p. 311.‬‬
‫‪ 4‬انظر نص ىذه الرسالة ُب ‪ :‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.341‬‬
‫‪244‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫ُب الظرؼ الراىن تقتضي عدـ طرد الصليبيْب‪ْ ،‬لف إماراهتم يبكن أف تكوف درعا كاقيا‪ ،‬يقي‬
‫اَلمرباطورية من ضربات اؼبسلمْب‪ 1.‬أما مسألة اْلرمن ُب قيليقيا فهو كفيل ّٔا‪.‬‬

‫كُب خريف سنة ‪420‬ق‪0026/‬ـ‪ ،‬قفل يوحنا كومنْب عائدا من أنطاكية إذل قيليقيا‪ ،‬الٍب‬
‫أمضى فيها الشتاء مع جيشو‪" ،‬كرحل عائدا إذل الدركب فافتتح ما بقي ُب يد ابن ليوف اْلرمِب من‬
‫اغبصوف كشتا ّٔا"‪ 2.‬كتفرغ َلستئصاؿ إمارة آؿ ركبْب‪ .‬فحاصر قلعة فاىكة الٍب عبأ إليها اْلمّب ليوف‬
‫اْلكؿ‪ .‬كبعد أسابيع من اؼبقاكمة‪ ،‬استوذل اعبيش البيزنطي على القلعة كسقط اْلمّب أسّبا مع اثنْب من‬
‫أبنائو نبا ركبْب كثوركس‪ .‬كعبأ ثالثة من أبنائو ىم مليح )‪ ،(Mléh‬كستيفن )‪،(Stéphane‬‬
‫كقسطنطْب )‪ (Constantin‬الضرير إذل ابن عمتهم جوسلْب دك كورتينام أمّب الرىا‪ 3.‬كعند ىذه‬
‫اْلحداث توقف مٌب الرىاكم عن الكتابة‪ ،‬كجاء ُب آخر فقرة من حوليتو "كُب اغبقيقة إف اَلمرباطور‬
‫كاف قد اقَبب من انطاكية مدمرا بالد اؼبسلمْب‪ ،‬بعد أف انتزع من أمّبنا ليوف حكمو‪ ،‬كاستوذل على‬
‫مدنو‪ ،‬كقالعو‪ ،‬كبعد أف تأكد من شخصو‪ ،‬قاـ بإرسالو إذل بالد اليوناف ُب اعبهة اْلخرل من البحر‬
‫‪4‬‬
‫على زبوـ آسيا"‪.‬‬

‫كُب منتصف سنة ‪421‬ق‪/‬بداية ‪0027‬ـ‪ ،‬كاف يوحنا كومنْب قد أهنى ضبلتو على إقليم‬
‫الثغور‪ ،‬كصادؼ فيها قباحا تاما‪ ،‬حيث أعاد إذل حظّبة اإلمرباطورية البيزنطية إقليم قيليقيا الذم‬
‫فقدتو منذ زمن طويل‪ .‬أما إمارة أرمينيا الصغرل فقد أثبتت اْلحداث أهنا دل تنضج بعد‪ ،‬كىي أكىن‬
‫من بيت العنكبوت مهما تى ىشبَّو أمراؤىا بالصقور الذين ازبذكا من أعارل اعبباؿ بيوتا‪ .‬كبنقل أمّبىا‬
‫كأبنائو أسرل إذل القسطنطينية‪ ،‬فإف ما شيده أبناء ركبْب منذ نصف قرف‪ ،‬قد أصبح ُب مهب الريح‪.‬‬

‫‪ 1‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪341‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.287‬‬
‫‪ 2‬ابن القالنسي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.258‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪343‬؛ اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪228‬؛‬
‫‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 501; Mutafian : L'Arménie du Levant, t. I, p. 75; Grousset :‬‬
‫‪Histoire des Croisades, t. II, pp. 91-92.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mathieu d'Edesse : op. cit., p. 322.‬‬

‫‪245‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كَل يبكن اعبزـ ُب طريقة إلقاء القبض عليهم‪ ،‬إما أهنم عبأكا إذل شعاب اعبباؿ‪ ،‬بعد سقوط‬
‫القلعة‪ ،‬كىناؾ كقعوا بْب أيدم فرقة بيزنطية أحاطت ّٔم‪ ،‬بعد أف أضناىم اعبوع كالعطش‪ 1.‬كإما أف‬
‫اعبيش البيزنطي قبض على زكجة اْلمّب كابنيها‪ ،‬كأخذىم رىائن عنده‪ ،‬فلم هبد ليوف اْلكؿ بدا من‬
‫اَلستسالـ لإلمرباطور‪ 2.‬كدل تذكر اؼبصادر اْلرمينية كغّبىا أف ليوف اْلكؿ تفاكض مع اَلمرباطور‬
‫البيزنطي‪ ،‬إَل ابن العدصل الذم أشار إذل ذلك أثناء حديثو عن ضبلة يوحنا كومنْب فقاؿ ‪" :‬فعاد إذل‬
‫بالد َلكف فافتتحها صبيعها‪ ،‬فدخل إليو َلكف متطارحا‪ ،3‬فقاؿ ‪« :‬أنت بْب الفرنج كاْلتراؾ َل يصلح‬
‫لك اؼبقاـ»‪ .‬فسّبه إذل القسطنطينية‪ ،‬كأقاـ ُب عْب زرىب كأذنة كالثغور‪ ،‬مدة الشتاء"‪ 4.‬كيفهم من ىذا‬
‫اغبوار القصّب‪ ،‬أف ليوف اْلكؿ ربدث مع اَلمرباطور البيزنطي‪ ،‬كردبا اقَبح عليو أف يَبكو على رأس‬
‫اإلمارة‪ ،‬مع اَلعَباؼ بسيادة بيزنطة‪ ،‬كبالتبعية لإلمرباطور‪ ،‬كلكن ىذا اْلخّب أجابو بالرفض‪ ،‬حبجة‬
‫أف اإلمارة تقع ُب زاكية ضعيفة على الطريق بْب الصليبيْب ُب الشاـ‪ ،‬كاْلتراؾ ُب آسيا الصغرل‪ ،‬فهي‬
‫سّبه إذل القسطنطينية‪ ،‬أنو أرغمو على الذىاب إذل‬
‫معرضة ػبطرنبا معا‪ .‬كيفهم من كلمة َّ‬
‫القسطنطينية كدل يَبؾ لو حرية اختيار أحد اْلقاليم لإلقامة فيو‪ ،‬كدل يشر إطالقا إذل أسره‪ ،‬كىو ما كرد‬
‫ُب كل اؼبصادر اْلرمينية كالسريانية‪ .‬أما ابن اْلثّب الذم كتب بعد حوارل قرف من اْلحداث‪ ،‬فهو‬
‫ينفرد بركاية أخرل‪ ،‬فبعد أف ربدث عن اَلتفاؽ الذم ًب بْب اَلمرباطور يوحنا كومنْب كريبوند بواتييو‬
‫صاحب أنطاكية‪ ،‬قاؿ ‪" :‬كرحل عنها إذل بغراس كدخل منها إذل بلد ابن ليوف اْلرميِب فبذؿ لو ابن‬
‫ليوف أمواَل كثّبة كدخل ُب طاعتو كا﵁ أعلم"‪ 5.‬كىي ركاية شاذة‪ ،‬فكيف يدخل ُب طاعتو ٍب كجد‬
‫نفسو ُب السجن ؟‬

‫‪1‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 501; Chalandon Ferdinand : t. II, op. cit., p. 117.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 152-153; Sempad : op. cit., p. 617.‬‬
‫‪ 3‬متطارحا ‪ :‬أم عارضا عليو اؼبشكلة‪ ،‬أك مناقشا لو فيها‪ .‬من طرح طرحا عليو مسألة‪ ،‬أم عرضها‪ .‬طارح الكالـ أك الشعر أك‬
‫الغناء أم ناظره كجاكبو فيو‪ ،‬تطارح القوـ الكالـ أك الغناء أم طارح فيو بعضهم بعضا‪ .‬اْلطركحة ‪ :‬اؼبسألة تطرحها‪( .‬انظر ‪ :‬ابن‬
‫منظور ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مج ‪ ،2‬ص ‪.)529-528‬‬
‫‪ 4‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.358‬‬
‫‪246‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كمهما كانت الطريقة‪ ،‬فإف اَلمرباطور‪ ،‬أمر بإرساؽبم فورا إذل القسطنطينية‪ ،‬كإيداعهم السجن‬
‫ىناؾ‪ .‬كيبدك أهنم حظوا بعطف يوحنا كومنْب فيما بعد‪َّ ،‬‬
‫كرؽ غباؽبم فسمح ؽبم بالعيش معو ُب‬
‫قصره‪ ،‬فأكرمهم كأنعم عليهم‪ٍ .‬ب كضعهم من جديد ربت رقابة مشددة‪ ،‬توُب خالؽبا ليوف اْلكؿ ُب‬
‫سنة ‪426‬ق‪0031/‬ـ‪ .‬كأثار ابنو ركبْب شكوؾ اَلمرباطور البيزنطي‪ ،‬فأمر بسجنو‪ ،‬يً‬
‫كظبلت عيناه‪ٍ ،‬ب‬
‫مات ربت التعذيب‪ .‬أما ابنو ثوركس فقد حظي بتشريف اَلمرباطور لو‪ ،‬ك ًأذف لو باإلقامة ُب قصره‪ٍ ،‬ب‬
‫استغل فرصة كفاتو سنة ‪0032‬ـ‪ ،‬كفر من القسطنطينية كعاد إذل قيليقيا‪ ،‬ليعمل على بعث اإلمارة‬
‫من جديد‪ 1.‬كحٌب وبْب ذلك الوقت‪ ،‬وبق للباحث أف يتساءؿ عن انعكاسات اختفاء ىذه اإلمارة‬
‫على أكضاع السالجقة كالصليبيْب ُب آسيا الصغرل ؟‬

‫ظلت أرمينيا الصغرل شبانية أعواـ بدكف أمّب وبكمها‪ ،‬كخالؿ ىذه اؼبدة كانت خاضعة لسيادة‬
‫البيزنطيْب الذين اعتربكا اْلرمن منشقْب عن الكنيسة البيزنطية اْلرثوذكسية‪ ،‬فأحرقوا كنائسهم‪،‬‬
‫كأديرهتم‪ ،‬كتعرض رجاؿ الدين لالضطهاد كاؼبتابعة‪ 2،‬فبا يدؿ على اَلهنيار التاـ إلمارة أرمينيا‬
‫الصغرل‪ .‬كالواقع أف زكاؿ دكلة اْلرمن من قيليقيا أدل إذل زيادة الضغط الصلييب البيزنطي على‬
‫اؼبسلمْب ُب الشاـ‪ ،‬كُب آسيا الصغرل‪ْ .‬لف اختفاء ىذه اإلمارة الصغّبة‪ ،‬جعل اغبدكد مفتوحة بْب‬
‫البيزنطيْب كالصليبيْب النورماف ُب أنطاكية‪ 3.‬كترتب عن ذلك أف زبلص الصليبيوف ُب أنطاكية من‬
‫منافس عنيد‪ ،‬ىو ليوف اْلكؿ الذم كاف يشكل خطرا على حدكدىم الشمالية‪ ،‬ككانت أطماعو َل‬
‫تقل خطرا عن أطماعهم‪.‬‬

‫كلكن الصليبيْب كانوا يبركف بأزمة حادة‪ ،‬ناذبة عن اضطرابات اغبكم اؼبتكررة ُب أنطاكية‪،‬‬
‫كناذبة أيضا عن الضربات اؼبوجعة الٍب تلقوىا من عماد الدين زنكي أمّب اؼبوصل الذم رفع لواء‬

‫‪ 1‬انطوف خاقبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪219‬؛ اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪210‬؛‬
‫‪Vahram Rapoun : op. cit., pp. 9-10; Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 360.‬‬
‫‪ 2‬اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.210‬‬
‫‪3‬‬
‫عاشور ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪463‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, p. 95.‬‬

‫‪247‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫اعبهاد ضدىم‪ 1،‬كما زاد من حدة اْلزمة أهنم كانوا يفتقركف إذل زعامة حقيقية تقودىم ُب حركّٔم‬
‫ضد اؼبسلمْب بعد انقراض الركاد اْلكائل من الصليبيْب‪ ،‬كما أهنم كانوا َل يبلكوف القوة العسكرية الٍب‬
‫ربفظ ؽبم كياهنم أماـ كحدة اؼبسلمْب‪ .‬كلذلك جاء اهنيار‪ ،‬أك باْلحرل اختفاء إمارة أرمينيا الصغرل‬
‫ُب الوقت اؼبناسب‪ .‬كبعد أف أصبح ظهرىم ؿبميا‪ ،‬فإهنم يستطيعوف التفرغ ُب اؼبستقبل ؼبواجهة‬
‫اإلمارات اإلسالمية ُب اعبنوب‪ ،‬كيبكن ؽبم اَلستعانة باإلمرباطورية البيزنطية بعد أف زاؿ اغباجز الذم‬
‫كاف قائما بينها كبْب إمارة أنطاكية‪ ،‬كاهنارت اغبدكد الٍب كانت تعرقل كصوؿ اعبيش البيزنطي إذل‬
‫الشاـ‪ .‬ككاف اؼبلك فولك‪ ،‬كاْلمّب ريبود بواتييو كغّبنبا من اْلمراء الصليبيْب يدركوف جيدا ىذا الواقع‪.‬‬
‫كلذلك دبجرد أف كصل يوحنا كومنْب إذل حدكد أنطاكية‪ ،‬أذعنوا لو صبيعا بدكف قيد كَل شرط‪.‬‬

‫كنتيجة ؽبذا التقارب الصلييب البيزنطي "انضاؼ الفرنج إذل ملك الركـ"‪ ،2‬كظهر مشركع ضبلة‬
‫صليبية كربل ُب ربيع ‪0027‬ـ‪ ،‬يشَبؾ فيها البيزنطيوف كالصليبيوف ضد اؼبسلمْب ُب الشاـ‪ .‬كقد‬
‫كضعت تلك اغبملة من بْب أىدافها ربطيم قوة عماد الدين زنكي‪ .‬كلكي ىبفي اَلمرباطور يوحنا‬
‫كومنْب أىداؼ ضبلتو‪ ،‬أرسل إذل زنكي ىبربه بأنو ذاىب "ليحاصر بالد َلكف"‪ 3،‬كىو ينوم خداعو‬
‫ليطمئن‪ .‬كُب منتصف ‪421‬ق‪/‬بداية ‪0027‬ـ‪ ،‬أرسل اَلمرباطور إذل جوسلْب أمّب الرىا‪ ،‬كإذل ريبوف‬
‫أمّب أنطاكية ىبطرنبا باَلستعداد للقتاؿ‪ 4،‬كاغبرص على أَل تتسرب أخبار اَلستعدادات إذل عماد‬
‫الدين زنكي عن طريق التجار كاؼبسافرين اؼبسلمْب‪ ،‬كعندما كصل إذل أنطاكية انضمت اليو القوات‬
‫الصليبية‪ ،‬فارتاع اؼبسلموف ؽبذه اْلنباء‪ ،‬كخافو الناس خوفا عظيما‪" 5،‬كنقض الفرنج اؽبدنة الٍب كانت‬
‫بينهم كبْب زنكي على حلب‪ ،‬كأظهركا العناد‪ ،‬كقبضوا على التجار بأنطاكية كالسفار من أىل حلب‪،‬‬
‫ُب صبادل اْلكذل من السنة‪ ،‬بعد إحسانو إليهم كاصطناعو ؼبقدميهم‪ ،‬حْب أظفره ا﵁ ّٔم‪ ،‬كانضافوا‬

‫‪ 1‬السرجاشل راغب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.457‬‬


‫‪ 2‬العظيمي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.393‬‬
‫‪ 3‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.159‬‬
‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪248‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫اعةي‬
‫ز‬
‫ي ى‬‫ب‬ ‫بعدىا‬ ‫كمن‬ ‫حلب‬ ‫مدينة‬ ‫الصليبية‪،‬‬ ‫نطية‬
‫ز‬ ‫البي‬ ‫ات‬
‫و‬ ‫الق‬ ‫ىذه‬ ‫ىاصبت‬ ‫ٍب‬ ‫إذل ملك الركـ كالياشل"‪.‬‬
‫كشٍيػىزر‪ 3،‬كانتهى اؽبجوـ بفشل التحالف الصلييب‪ ،‬كرفع يوحنا كومنْب اغبصار عن شيزر‬ ‫كاْلثارب‪ ،‬ى‬
‫‪4‬‬
‫كرجع إذل أنطاكية‪.‬‬

‫أما بالنسبة لألتراؾ فقد استغلوا سقوط اْلسرة اغباكمة ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬كغياب اَلمرباطور‬
‫البيزنطي‪ ،‬كانشغالو دبسألة أنطاكية‪ ،‬فقاموا دبهاصبة بالد اْلرمن‪ .‬حيث زبلى السلطاف السلجوقي‬
‫مسعود اْلكؿ صاحب قونية‪441-401( ،‬ق‪0044-0005/‬ـ)‪ ،‬عن معاىدة التفاىم اؼبربمة بينو‬
‫كبْب يوحنا كومنْب‪ ،‬كربالف مع ؿبمد بن غازم دانشمند فهاجم كيسوـ ٍب دخل إذل قيليقيا كفتح‬
‫مدينة أذنة "كأجلى أىاليها صبيعا مع أسقفهم كاستاقهم إذل ملطية"‪ 5.‬كُب سنة ‪423‬ق‪0028/‬ـ‪،‬‬
‫زحف اْلمّب ؿبمد صاحب ملطية إذل قيليقيا كفتح بعض حصوهنا‪ 6.‬كلكن يوحنا كومنْب تصدل ؽبما‬
‫‪7‬‬
‫بعد أف عاد من بالد الشاـ‪.‬‬

‫كدبا أف يوحنا كومنْب أحس بنشوة النصر بعد أف أخضع ليوف اْلكؿ كأرسلو أسّبا إذل‬
‫القسطنطينية‪ ،‬كأزاؿ اغباجز الذم كاف بْب اَلمرباطورية البيزنطية كإمارة أنطاكية‪ ،‬كبات الطريق أمامو‬
‫مفتوحا إذل الشاـ‪ ،‬فقد شجعو ذلك على القياـ حبملة ثانية ُب ربيع‪426‬ق‪0031 /‬ـ‪ ،‬على انطاكية‬

‫‪ 1‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.316‬‬


‫‪ 2‬بزاعة ‪ :‬بلدة بْب حلب كمنبج‪ ،‬ؽبا حصن مانع‪ ،‬كعليو خندؽ‪ .‬ككاف البيزنطيوف مع الصليبيْب قد استولوا على ىذا اغبصن ُب‬
‫سنة ‪531‬ق‪ ،‬كأخذكه بالسيف‪ ،‬كعاد كا إليو ُب السنة اؼبوالية كفتحوه باْلماف‪ٍ ،‬ب غدركا بأىل اغبصن‪ ،‬كنادل مناديهم‪ : ،‬من تنصر‬
‫فهو آمن‪ /‬كمن أىب فهو مقتوؿ أك مأسور‪ ،‬فتنصر من أىلو أكثر من طبسمائة انساف‪ ،‬منهم القاضي كالشهود‪ ،‬كؼبا ضاؽ اػبناؽ‬
‫باؼبسلمْب‪ ،‬فتحو عماد الدين زنكي كانتزعو من الصليبيْب‪ُ ،‬ب سنة ‪563‬ق‪ ،‬كخربو حٌب َل يطمعوا فيو ثانية‪( .‬انظر ‪ :‬ابن شداد ‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪.)123-122‬‬
‫‪ 3‬شيزر ‪ :‬مدينة صغّبة بالشاـ قرب اؼبعرة‪ ،‬بينها كبْب ضباة يوـ‪ ،‬استوذل عليها الفرنج ؼبا دخلوا إذل الشاـ ُب اغبملة الصليبية اْلكؿ‪،‬‬
‫أسس فيها آؿ منقذ إمارة صغّبة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن العدصل ‪ :‬بغية الطلب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.)145‬‬
‫‪ 4‬انظر تفاصيل ىذه اْلحداث ُب ‪ :‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪266-258‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪-55‬‬
‫‪57‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪171-159‬؛ عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.94-91‬‬
‫‪ 5‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.153‬‬
‫‪ 6‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪ 7‬طقوش ‪ :‬تاريخ السالجقة‪ ،‬ص ‪.128-127‬‬
‫‪251‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كأرمينيا الصغرل‪ ،‬كجعلهما إقطاعا َلبنو اؼبفضل مانويل‪ 1.‬كمن دكاعي ربريك ىذه اغبملة أف دعوة‬
‫كصلتو من ريبوند بواتييو‪ ،‬يلتمس منو اؼبساعدة ضد اؼبسلمْب‪ ،‬حيث "تلقى كثّبا من الكتب من أمّب‬
‫أنطاكية كمن أىلها ربمل إليو التماسا بآّيء إليهم‪ ،‬فاستجاب ؽبم كخرج إذل أنطاكية ُب العدد‬
‫الكبّب‪ ،‬كمعو اػبيل كالعربات كاْلمواؿ الٍب َل وبصيها العد"‪ 2.‬كتعود أسباب ىذه الدعوة إذل اَلنتصار‬
‫الباىر الذم حققتو قوات عماد الدين زنكي على قوات أنطاكية على ضفاؼ هنر العاصي‪ 3.‬كاجتاز‬
‫اعبيش البيزنطي قيليقيا كسلسلة جباؿ اْلمانوس العليا الٍب كانت ربت سلطة آؿ ركبْب سابقا‪ ،‬كؼبا‬
‫بلغ تل باشر‪ ،‬ىرع إليو أمّب الرىا جوسلْب الثاشل كقدـ لو فركض الوَلء‪ٍ ،‬ب يبَّم كجهو صوب‬
‫أنطاكية‪ 4.‬كلكن ىذه اغبملة انتهت بدكف أف وبقق اَلمرباطور يوحنا كومنْب أىدافو‪ ،‬كشعر خبيبة أمل‬
‫كبّبة من موقف ريبوند بواتييو الذم رفض تسليمو مدينة أنطاكية‪ ،‬كمن موقف اؼبلك فولك الذم‬
‫اعتذر لو بلباقة عن عدـ قدرتو على استقبالو لزيارة اْلراضي اؼبقدسة‪ .‬فعاد إذل قيليقيا ليقضي فيها‬
‫اض عن الصليبيْب‪ ،‬كلذلك عزـ على العودة ُب الربيع التارل لتأديبهم‪ 5.‬كلكن‬
‫فصل الشتاء‪ ،‬كىو غّب ر و‬
‫‪6‬‬
‫اؼبوت اختطفو قبل أف وبقق عزمو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Diehl Charles : Histoire de l'Empire byzantin, Auguste Picard, éditeur, Paris, 1924. p. 157.‬‬
‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.199‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪276‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪323‬؛ ‪Chalandon : t. II, op. cit., p. 184.‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪200‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫‪ 5‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪204-202‬؛ عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.83-82‬‬
‫‪6‬‬
‫توُب يوحنا كومنْب ُب ‪ 21‬رمضاف ‪537‬ق‪ 8/‬افريل ‪1143‬ـ‪ُ ،‬ب قيليقيا كىو يستعد ؼبنازلة الصليبيْب ُب أنطاكية كانتزاعها منهم بعد‬
‫اػبالؼ الذم كقع بينهم خالؿ ضبلتو الثانية‪ .‬كحينما أًب استعداده التمس فرصة قصّبة للتوجو إذل الصيد ُب جباؿ طوركس‪ ،‬كبينما ىو‬
‫يطارد فريستو‪ ،‬أصابو سهم جرحو ُب يده‪ ،‬فلم يعره اىتماما‪ ،‬غّب أف اعبرح التهب‪ ،‬كتورمت ذراعو‪ ،‬كدل يلبث اَلمرباطور أف دانبو اؼبوت‬
‫بسبب ىذا اعبرح‪ .‬ككاف معو أبناؤه اْلربعة‪ ،‬اْلكرب ككرل عهده‪ ،‬ألكسيس‪ ،‬خر مريضا كمات خالؿ اغبملة‪ ،‬فتوذل كلداه الثاشل كالثالث‬
‫أندركنيكوس‪ ،‬كاسحاؽ‪ ،‬مرافقة اعبثة عند نقلها حبرا إذل القسطنطينية ‪ ،‬غّب أف أندركنيكوس مات أيضا ُب الطريق على ظهر السفينة‪ ،‬ككاصل‬
‫مانويل اغبملة مع كالده‪ .‬ككاف إسحاؽ ُب العاصمة ؼبا توُب كالده‪ ،‬ككاد أف يستورل على العرش‪ .‬ك ظل اَلمرباطور خالؿ مرضو‪ ،‬رابط‬
‫اعبأش‪ ،‬يعمل على ترتيب كراثة اؼبلك‪ ،‬كقرر أف يكوف كريثو مانويل أصغر أبنائو سنا كأؼبعهم‪( .‬انظر ‪ :‬الرىاكم آّهوؿ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬
‫‪61‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪359-358‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪128‬؛‬
‫‪Chalandon : t. II, op. cit., pp. 192-193).‬‬
‫‪250‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كَل يبكن متابعة تفاصيل ما جرل بْب اؼبسلمْب كالصليبيْب‪ُ ،‬ب الشاـ‪ ،‬حٌب َل ىبرج البحث‬
‫عن إطاره التارىبي‪ ،‬كلكن ىذه اْلحداث تدؿ دَللة قاطعة أف أرمينيا الصغرل كانت دكلة حاجزة بْب‬
‫البيزنطيْب كالصليبيْب‪ .‬كدبجرد ما اختفت اجتمع الصليبيوف كالبيزنطيوف على ؿباربة اؼبسلمْب‪ .‬كما‬
‫لبث أف تغّب ىذا الواقع‪ ،‬حيث عاد ثوركس الثاشل ابن ليوف اْلكؿ من القسطنطينية‪ ،‬كأخرج اإلمارة‬
‫من رمادىا‪.‬‬

‫‪ - 4‬ثوركس الثاني بن ليوف األكؿ (‪563-539‬ق‪)1168-1145/‬‬


‫كاف ثوركس أسّبا ُب القسطنطينية مع أبيو كأخيو‪ ،‬كلكن اَلمرباطور يوحنا كومنْب عفا عنو‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فأطلق سراحو‪ ،‬كمنحو بعض الوظائف ُب القصر اَلمرباطورم‪ٍ ،‬ب أصبح ضابطا ُب اعبيش البيزنطي‪.‬‬
‫كلكنو استطاع أف يفر جبلده‪ ،‬كعاد إذل قيليقيا كعمل على إعادة بعث الدكلة اْلرمينية من ٍرمسها‪.‬‬
‫كزبتلف اؼبصادر كثّبا ُب سرد الطرؽ الٍب فر ّٔا ثوركس من القسطنطينية‪ 2.‬حيث تذكر بعض‬
‫الركايات أنو كاف مع اَلمرباطور يوحنا ُب ضبلتو الثانية على قيليقيا‪ ،‬كانتهز فرصة موتو ُب سنة‬
‫‪3‬‬
‫‪426‬ق‪0032/‬ـ‪ ،‬كىرب عن طريق البحر إذل مدينة أنطاكية‪ ،‬كمنها ازبذ طريقو إذل قيليقيا‪.‬‬
‫كتذىب ركاية أخرل‪ ،‬إذل أنو كاف ُب القسطنطينية‪ ،‬كؼبا بلغو خرب كفاة اَلمرباطور‪ ،‬استغل فرصة‬
‫انشغاؿ آؿ كومنْب دبسألة كراثة العرش اَلمرباطورم‪ ،‬كاحتفاَلت التتويج‪ ،‬كفر من القسطنطينية عائدا‬
‫‪4‬‬
‫إذل قيليقيا متنكرا ُب زم تاجر‪.‬‬

‫كإذا كاف اختالؼ اؼبصادر هبعل من الصعب ربديد تاريخ كطريقة عودتو إذل أرمينيا الصغرل‬
‫بشكل دقيق‪ ،‬فاؼبؤكد أف ذلك جاء ُب أعقاب كفاة اَلمرباطور يوحنا كومنْب‪ .‬كيذكر ميخائيل‬
‫السرياشل ُب حوليتو كىو معاصر لألحداث‪ ،‬أف ثوركس عاد إذل قيليقيا سّبا على اْلقداـ‪ ،‬كدل يكن‬

‫‪1‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 503.‬‬
‫‪2‬‬
‫انظر ىذه الركايات كالتفاصيل اؼبتعلقة بطريقة اؽبركب ُب ‪Samuel d'Ani, op. cit., pp. 452-453; Sempad : op. :‬‬
‫‪cit., p. 618; Vahram d'Edesse : op. cit., pp. 503-504; Vahram Rapoun : op. cit., p. 11; Grégoire‬‬
‫‪le Prêtre : op. cit., p. 167; Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 281.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Vahram Rapoun : loc. cit.‬‬
‫‪4‬‬
‫خاقبي أنطوف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪225‬؛ اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪211‬؛ ‪Héthoum : op. cit., p. 474.‬‬

‫‪251‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫يبلك شيئا‪ ،‬فلجأ إذل أحد الكهنة السرياف‪ ،‬كاف يثق فيو كيعرفو منذ أياـ حكم أبيو‪ .‬كبعد أف أفضى‬
‫لو حبقيقة شخصو‪ ،‬اتصل الكاىن ببعض أعياف اْلرمن كنبالئهم‪ ،‬فالتحقوا بثوركس كأخذكا هبتمعوف‬
‫سرا‪ .‬كؼبا بلغ عددىم حوارل اثنا عشر فارسا‪ ،‬خرج ّٔم إذل قلعة عامودا )‪ ،(Amouda‬كبعد أف‬
‫عرفو اغبراس اْلرمن أنو ابن اْلمّب ليوف اْلكؿ‪ ،‬سلموىا لو دكف تردد‪ 1.‬كمنها أخذ يستعيد شيئا فشيئا‬
‫إمارة أبيو‪ ،‬حيث بدأ بقلعة فاىكة‪ 2‬الٍب كانت معقل عائلتو‪ ،‬كفيها اعتلى عرش كالده باسم ثوركس‬
‫‪3‬‬
‫الثاشل‪.‬‬

‫أ – إحياء اإلمارة‬
‫كؼبا ذاع خرب ؾبيئو إذل قيليقيا‪ ،‬كفهم اعبميع قصده‪ ،‬ماؿ إليو أكثر اْلرمن‪ ،‬كالتف حولو اْلمراء‬
‫كاْلعياف كرجاؿ الدين الناقمْب على السلطة البيزنطية‪ .‬كبعد أف صبع حوارل عشرة آَلؼ مقاتل شرع‬
‫ُب مهاصبة القالع كاؼبدف‪ ،‬كانتزاعها من اغباميات البيزنطية الٍب تتوذل حراستها‪ ،‬كاحتل ُب مدة كجيزة‬
‫أماكن شٌب‪ 4.‬كيبدك أف ىذه العمليات دل تستغرؽ منو كقتا طويال‪ ،‬بدليل أف اؼبصادر دل تشر إذل أم‬
‫عمل عسكرم قاـ بو اَلمرباطور مانويل كومنْب (‪465-428‬ق‪0071-0032/‬ـ)‪ ،‬ضد‬
‫توسعات ثوركس الثاشل‪ ،‬حٌب سنة ‪436‬ق‪0041/‬ـ‪ .‬فلماذا ىذا اؼبوقف السليب من اَلمرباطور ؟‬
‫ىل كاف عاجزا عن ازباذ إجراءات تأديبية أك عقابية ضد اْلمّب اْلرميِب اؼبتمرد ؟ أـ شغلتو شؤكف‬
‫اَلمرباطورية كحركّٔا اؼبتعددة ؟‬

‫اغبقيقة أف أربعة أحداث ىامة تزامن كقوعها مع حرب اَلسَبداد الٍب قاـ ّٔا ثوركس الثاشل‪،‬‬
‫صرفت اَلمرباطور عن قيليقيا فَبة من الزمن‪ ،‬كمكنت اْلمّب اْلرميِب من بسط نفوذه‪ ،‬كفرض سيادتو‬
‫على اإلقليم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 281.‬‬
‫‪ 2‬انظر موقع ىذه القلعة ُب اؼبلحق الثالث عشر‪ ،‬ص ‪486‬؛ كاؼبلحق اػبامس عشر‪ ،‬ص ‪.489‬‬
‫‪3‬‬
‫بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪25‬؛ ‪Sempad : op. cit., p. 618.‬‬
‫‪ 4‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪163‬؛ قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪304‬؛ خاقبي انطوف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫‪252‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫األكؿ ‪ :‬انشغاؿ مانويل كومنْب بتأديب ريبوند بواتييو أمّب أنطاكية الذم استغل فرصة كفاة‬
‫اَلمرباطور يوحنا كومنْب كطالب اَلمرباطور اعبديد بإعادة قيليقيا إذل إمارتو‪ٍ ،‬ب قاـ دبهاصبة بعض‬
‫القالع البيزنطية ُب ىذا اإلقليم‪ .‬كاعترب مانويل ىذا العمل هتديدا خطّبا غبدكد اَلمرباطورية كؼبركزه‪،‬‬
‫فأرسل قوة برية كأخرل حبرية‪ ،‬قامت بطرد قوات ريبوند من قيليقيا كمطاردهتا حٌب أسوار أنطاكية‪ 1.‬كدل‬
‫يلجأ اَلمرباطور البيزنطي إذل التحالف مع اْلمّب ثوركس الذم فر من القسطنطينية كاستعمالو ضد‬
‫ريبوند‪ْ ،‬لف ذلك يعترب اعَبافا سياسيا بشرعيتو كبقياـ إمارة أرمينيا الصغرل من جديد‪ ،‬كسيمنحو‬
‫اغبق ُب ضم اؼبدف كالقالع الٍب ينتزعها من ريبوند إذل إمارتو‪ ،‬كسيزيد اؼبشكلة تعقيدا ُب اؼبستقبل‪.‬‬
‫كدبا أف مانويل اكتفى بتأديب ريبوند دك بواتييو كدل يػيٍل ًق باَل بعودة ثوركس الثاشل‪ ،‬فإف ىذا اْلخّب كجد‬
‫الوقت الكاُب للتخطيط كاَلستعداد إلحياء إمارة أرمينيا الصغرل‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬استعادة مدينة الرىا من الصليبيْب‪ ،‬إذ كاف عماد الدين زنكي‪ ،‬ىبطط لفتحها كإعادهتا‬
‫غبظّبة اؼبسلمْب طواؿ مدة حكمو‪ ،‬فهو "دل يزؿ ؽبا طالبا كُب سبلكها راغبا كَلنتهاز الفرصة فيها‬
‫مَبقبا َل يربح ذكرىا جائال ُب خلده كسره كأمرىا ماثال ُب خاطره كقلبو"‪ 2،‬كلتحقيق ىدفو كاف يراقب‬
‫ربركات الصليبيْب كالبيزنطيْب ُب الشاـ‪ ،‬كالنزاعات الٍب كانت ربدث بْب قادهتم من حْب آلخر‪.‬‬
‫كبعد أف بلغو أف العالقة قد ساءت إذل حد كبّب بْب ريبوند أمّب أنطاكية‪ ،‬كجوسلْب الثاشل أمّب‬
‫الرىا‪ 3،‬أدرؾ بأهنا الفرصة الٍب طاؼبا انتظرىا لتحقيق حلمو الذم راكده عرب سنوات كفاحو الطويل‬
‫ضد الصليبيْب‪ .‬فتظاىر بأنو "مشتغل بديار بكر ليوىم الفرنج انو غّب متفرغ لقصد بالدىم"‪ 4.‬كالبدع‬
‫جوسلْب "عاتيهم كشيطاهنم"‪ 5،‬فغادر الرىا إذل تل باشر الٍب كانت تركؽ لو ليجد فيها "ش ػت ػى‬
‫ضػ ػركب ال ػل ػ ػ ػهػ ػو كال ػم ػ ػتعػ ػ ػ ػة"‪ 6.‬ف ػن ػ ػادل عماد الدين ُب "العسكر بالتجهيز كالتشمّب‪ ،‬كاعبد ُب‬

‫‪ 1‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪378-377‬؛ عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪ 2‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.279‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.236‬‬
‫‪ 4‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.8‬‬
‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ 6‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.235‬‬
‫‪253‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫اؼبسّب‪ 1"،‬كبعد أربعة أسابيع من اغبصار سقطت ُب يده بتاريخ ‪ 15‬صبادل الثاشل ‪428‬ق‪12/‬‬
‫ديسمرب ‪0033‬ـ‪ 2.‬ككانت الرىا أكؿ إمارة صليبية يؤسسها اْلجانب الدخالء ُب بالد الشاـ‪ ،‬كىي‬
‫‪3‬‬
‫أكؿ إمارة يسَبدىا اؼبسلموف‪ ،‬كلذلك "كاف ىذا فتح الفتوح حقا"‪.‬‬

‫ُب ىذه اْلثناء كاف ثوركس الثاشل قد شرع ُب إعادة تأسيس إمارة أرمينيا الصغرل ُب قيليقيا‪.‬‬
‫كازبذ اَلمرباطور مانويل كومنْب موقفا سلبيا منو‪ ،‬كدل يقم بأم رد فعل إهبايب ضده بعد ىركبو من‬
‫القسطنطينية‪ْ ،‬لنو كاف منشغال حبركبو ضد سالجقة الركـ‪ .‬كقياـ اإلمارة ُب ىذه الظركؼ بالذات‪،‬‬
‫سيجعل منها دكلة حاجزة بْب اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كبْب القول اَلسالمية ُب الشاـ الٍب استعادت‬
‫قوهتا بعد فتح الرىا‪ ،‬كراحت تعمل على إعادة بسط نفوذىا ُب كامل اؼبنطقة‪ .‬خاصة بعد ضعف‬
‫الصليبيْب‪ ،‬كاهنيار معنوياهتم‪" ،‬كتفرقوا ُب أعماؽبم كمعاقلهم مفلولْب ـبذكلْب"‪ 4.‬ىذا بالنسبة‬
‫للبيزنطيْب‪ ،‬أما بالنسبة للمسلمْب فإف قياـ ىذه اإلمارة اؼبعادية لإلمرباطورية البيزنطية سيكوف دبثابة‬
‫‪5‬‬
‫خط دفاع أمامي عن اؼبمتلكات اإلسالمية ُب الشاـ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬انشغاؿ مانويل كومنْب باغبرب ضد السالجقة‪ ،‬إذ دبجرد أف توذل عرش اَلمرباطورية‪،‬‬
‫سار ُب نفس الطريق الذم سلكو كالده‪ ،‬كىو مواصلة اغبرب ضد اْلتراؾ كالعمل على تقليص‬
‫نفوذىم ُب آسيا الصغرل‪ 6.‬كحٌب يتفرغ لسالجقة الركـ دكف غّبىم من اْلتراؾ‪ ،‬ربالف ُب سنة‬
‫‪426‬ق‪0032/‬ـ‪ ،‬مع اْلمراء الدانشمنديْب‪ ،‬الذين كانوا عرضة ؽبجمات السلطاف مسعود اْلكؿ‪.‬‬
‫كعندئذ التفت مانويل إذل السالجقة‪ ،‬كلكي يضع حدا ؽبجماهتم‪ ،‬بُب على اغبدكد سلسلة من‬
‫اْلبراج كثيقة اَلرتباط فيما بينها‪ ،‬كما شيد بعض اغبصوف كالقالع على الطرؽ الٍب يسلكوهنا خالؿ‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪.68‬‬


‫‪ 2‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.279‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ 4‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.280‬‬
‫‪ 5‬عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Diehl Charles : Histoire de l'Empire, p. 149-150.‬‬

‫‪254‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫ىجماهتم‪ٍ 1.‬ب قاـ حبملتْب على السلطاف مسعود‪ ،‬اْلكذل ُب سنة ‪428‬ق‪0034/‬ـ‪ ،‬كدل تتعد ىذه‬
‫اغبملة طرد اْلتراؾ السالجقة من منطقة مالجينة )‪ ،(Mélangia‬الواقعة على الطريق اؼبمتد من‬
‫نيقية إذل دكريليوـ‪ .‬كبعد سنة قاـ حبملتو الثانية الٍب بلغ فيها قونية عاصمة سلطاف سالجقة الركـ‬
‫مسعود اْلكؿ‪ ،‬كحاصرىا مدة أربعة أشهر‪ .‬كخالؿ ذلك انتشرت أخبار تفيد بتحرؾ ضبلة صليبية‬
‫جديدة إذل الشرؽ‪ ،‬فأثارت ـباكؼ كال من العاىلْب‪ ،‬فبا عجل بتوقيف اغبرب كإبراـ ىدنة ُب سنة‬
‫‪431‬ق‪0036/‬ـ‪ 2.‬كفبا َل شك فيو أف ىذه اغبركب الٍب خاضها مانويل كومنْب ُب اْلناضوؿ‬
‫جعلتو َل يهتم دبا يقوـ بو ثوركس الثاشل على حدكد بالده ُب قيليقيا‪ْ ،‬لف سالجقة الركـ أعظم خطرا‬
‫من اْلرمن‪ ،‬كلذلك ركز جهوده ُب اغبرب ضدىم‪ ،‬كدل ييلق باَل لًما وبدث ُب قيليقيا‪ ،‬فوجد ثوركس‬
‫نفسو كحيدان ُب اؼبيداف‪ ،‬فبا ساعده على إعادة تأسيس اإلمارة ُب زمن قياسي كدكف صعوبات كبّبة‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬اغبملة الصليبية الثانية‪ ،‬إذ كاف قباح عماد الدين زنكي ُب ربرير مدينة الرىا من‬
‫اَلحتالؿ الصلييب‪ ،‬كإعادهتا غبظّبة اؼبسلمْب السبب اؼبباشر ُب قياـ اغبملة الصليبية الثانية‪ .‬كدبا أهنا‬
‫"من أشرؼ اؼبدف عند النصارل كأعظمها ؿبال"‪ 3،‬فقد أحدث سقوطها‪ ،‬صدعا عميقا‪ ،‬كصدمة مؤؼبة‬
‫للصليبيْب ُب الشرؽ‪ .‬كتعكس قصيدة الشاعر اْلرميِب سانت نرسيس )‪ (Saint Nersès‬الٍب كتبها‬
‫‪4‬‬
‫عن سقوط الرىا‪ ،‬مدل اْلدل كاْلسى الذم يعتصر قلوب النصارل ا﵀ليْب على فقداهنم ؽبذه اؼبدينة‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمسيحيْب ُب غريب أكربا‪ ،‬فقد أثارت أنباء سقوط الرىا الرعب بينهم‪ ،‬ككانت إيذانا ؽبم‬
‫بَبنح البناء الصلييب الكبّب الذم أقامو الصليبيوف اْلكائل بالشرؽ‪ .‬كلذلك أسرع زعماء الغرب اْلكريب‬
‫إذل ترميم ذلك الصدع‪ ،‬خشية أف يبتد إذل بقية اإلمارات الصليبية اْلخرل‪ 5.‬كَل يبكن التعرض‬
‫ْلحداث اغبملة الصليبية بكل تفاصيلها‪ ،‬حٌب َل يكوف ىناؾ استطراد كخركج عن موضوع ا للبحث‪.‬‬

‫‪ 1‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.129‬‬


‫‪2‬‬
‫اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪135-131‬؛ ‪Chalandon : t. II, op. cit., pp. 242-257; Bréhier : Vie et mort, pp. 315-316.‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Saint Nersès Schnorhali (le gracieux) : Élégie sur la prise d'Edesse, ds. : R.H.C.D. Arm.,‬‬
‫‪Imprimerie impériale, 2ème éd., Paris, 1969. pp. 226-268.‬‬
‫‪5‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪493‬؛ ‪Grousset : Histoire des Croisades, t. II, p. 222.‬‬

‫‪255‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كجو البابا يوجْب الثالث (‪1153-1145( Eugène III‬م))‪ 1،‬خطابا إذل اؼبلك الفرنسي‬
‫لويس السابع )‪ُ 2،(Louis VII‬ب سنة ‪431‬ق‪0034/‬ـ‪ ،‬وبثو فيو على النهوض لنجدة الصليبيْب‬
‫ُب الشرؽ‪ ،‬كتناكؿ ُب رسالتو سقوط مدينة الرىا‪ ،‬كما ترتب عن ذلك من نتائج تنذر باهنيار كشيك‬
‫لإلمارات الصليبية كلها ُب الشرؽ‪ .‬كاستجاب اؼبلك لويس السابع ُب ؽبفة كشغف لنداء البابا‪ ،‬كُب‬
‫بالطو تبلورت كن ػم ػت ف ػك ػرة ال ػح ػم ػل ػة ال ػص ػل ػي ػب ػي ػة ال ػث ػان ػي ػة‪ ،‬ث ػم اس ػت ػج ػاب ك ػون ػراد ال ػثالث‬
‫(‪1152-1093( Conrad III‬م))‪ 3،‬ملك أؼبانيا للدعوة‪ .‬كىكذا تكونت اغبملة الصليبية الثانية‬
‫من جيشْب كبّبين ينتمياف إذل أكرب دكلتْب ُب الغرب اْلكريب‪ ،‬كيقودنبا اثناف من أقول اؼبلوؾ ُب‬
‫غرب اكربا‪ 4.‬كانتظرت اَلمرباطورية البيزنطية كصبيع دكؿ الشرؽ ُب خوؼ أك ُب أمل قدكـ اغبملة‬
‫‪5‬‬
‫الصليبية اؼبعركفة بالثانية‪.‬‬

‫كصلت الطالئع اْلكذل للقوات اْلؼبانية إذل القسطنطينية ُب طريقها إذل الشاـ‪ُ ،‬ب ربيع الثاشل‬
‫‪431‬ق‪/‬سبتمرب ‪0036‬ـ‪ ،‬كبعد شهر كصل اعبيش الفرنسي يقوده اؼبلك لويس السابع‪ ،‬كبعد أف‬
‫زكدىم مانويل كومنْب باؼبؤف كباؼبرشدين‪ ،‬سلكت ىذه اعبيوش طريقها عرب اْلناضوؿ خبالؼ ما‬

‫‪ 1‬يوجْب الثالث ‪ :‬كاف راىبا ُب دير كلّبفو‪ ،‬ككاف اظبو برناردك باجانيللي دم مونتيمانيو‪ ،‬مات ُب تيفورل عاـ ‪( .1153‬انظر ‪:‬‬
‫الربيعي عبد ا﵁ عبد الرضبن ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،468‬ىامش رقم ‪.)3‬‬
‫‪ 2‬لويس السابع "الشاب" ‪ :‬كلد عاـ ‪1120‬ـ‪ ،‬ابن لويس السادس‪ ،‬تصادـ مع البابا انوسنت الثاشل‪ ،‬قبح ُب توطيد حكمو‬
‫دبساعدة رجاؿ الدين‪ ،‬كساند البابا ألكسندر الثالث ضد فردريك بربركسا‪ .‬كبزكاجو من الينور اْلكيتينية‪ ،‬سبكن من ضم إقليم‬
‫أكيتْب جنوب غرب فرنسا عاـ ‪1152‬ـ‪ .‬كمات ُب باريس عاـ ‪1180‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬الربيعي عبد ا﵁ عبد الرضبن ‪ :‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪ ،469‬ىامش رقم ‪.)1‬‬
‫‪ 3‬كونراد الثالث ‪ :‬ملك أؼبانيا كأحد قادة اغبملة الصليبية الثانية‪ ،‬ىو ابن فردريك اْلكؿ دكؽ سوابيا‪ ،‬كأغنس ابنة ىنرم الرابع‪ ،‬امرباطور‬
‫اَلمرباطورية الركمانية اؼبقدسة‪ ،‬كمن ا﵀تمل أف يكوف قد زار البقاع اؼبسيحية اؼبقدسة ُب فلسطْب عاـ ‪1125/1124‬ـ‪ ،‬أم قبل‬
‫اغبملة الصليبية الثانية‪ ،‬كمن اؼبؤكد أنو تعهد بالنزكؿ إذل بيت اؼبقدس‪ ،‬كدل يكن حاضرا ُب انتخاب ملك جديد ْلؼبانيا عاـ ‪،1125‬‬
‫حينما كاف أخوه الدكؽ فردريك الثاشل السوايب (ت ‪1147‬ـ) أحد اؼبرشحْب‪ .‬كونراد نفسو أظهر اىتماما بالتاج منذ ديسمرب ‪،1127‬‬
‫كمن ا﵀تمل أف يكوف بعد عودتو من بقليل من الشرؽ‪ٍ .‬ب ًب انتخابو ملكا ُب مارس ‪ ،1138‬بعد كفاة اَلمرباطور لوثر الثالث‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Loud -G. A. : Conrad III of Germany (1093-1152), in : Crus. Enc., ABC-Clio, California,‬‬
‫‪2006. p. 270).‬‬
‫‪4‬‬
‫ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪297‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪268‬؛ الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪80‬؛‬
‫‪Odon de Deuil : Histoire de la Croisade de Louis VII, J.-L.-J. libraire, Paris, 1825. pp. 283-284.‬‬
‫‪ 5‬عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪256‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫نصحهم بو مانويل كومنْب‪ .‬فسقطت غنيمة باردة ُب يد السالجقة‪ ،‬الذين كانوا يدركوف بأف ىذه‬
‫القوات الصليبية ذاىبة لقتاؿ إخواهنم ُب الشاـ‪ ،‬كانتزاع مدينة الرىا من اؼبسلمْب‪ .‬كإذا تركوىا تتجو إذل‬
‫‪1‬‬
‫الشاـ سليمة ككاملة فإهنم يطعنوف اخواهنم اؼبسلمْب من اػبلف‪.‬‬

‫كفشلت اغبملة فشال ذريعا ُب ربقيق أىدافها ْلسباب كثّبة‪ ،‬كعاد اْلؼباف كالفرنسيوف إذل‬
‫بلداهنم "خائبْب ىائبْب‪ ،‬خاسئْب خاسرين"‪ 2،‬كظل مانويل على اتصاؿ دائم بالقوات الصليبية‪ ،‬منذ‬
‫نزكؽبا ُب القسطنطينية إذل غاية عودهتا خائبة‪ ،‬كقد صرفتو ىذه اغبملة عن قيليقيا‪ ،‬كدل يهتم بأمر‬
‫ثوركس الثاشل الذم ثار على اَلمرباطورية البيزنطية ُب اؼبنطقة‪ ،‬فبا ساعده على إعادة تأسيس إمارتو ُب‬
‫كقت قصّب‪.‬‬

‫كاعبدير بالذكر‪ ،‬أف اؼبصادر دل تشر إذل اتصاؿ اْلرمن بقادة اغبملة الصليبية الثانية‪ ،‬أك تقدصل‬
‫اؼبؤكنة كالغذاء ؽبم كما حدث خالؿ اغبملة الصليبية اْلكذل‪ .‬كؼبا عرب الصليبيوف مدينة طرسوس ُب‬
‫سهل قيليقيا‪ ،‬تعرضوا ؽبجوـ عنيف من السالجقة‪ 3،‬كدل تتحدث اؼبصادر عن قبدة أرسلها ثوركس‬
‫الثاشل ؼبساعدهتم رغم أهنم مركا غّب بعيد عن حدكد إمارتو‪ .‬فما السر ياترل ُب ىذا اؼبوقف السليب‬
‫كالبارد من اغبملة الصليبية الثانية ؟ ردبا يعود ذلك إذل سببْب رئيسيْب ‪:‬‬

‫اْلكؿ ‪ :‬أف اْلرمن بعد أربعْب سنة من اَلحتكاؾ بالصليبيْب‪ ،‬تعرفوا عليهم عن قرب‪ ،‬كأدركوا‬
‫أف ىدفهم ىو اَلحتالؿ كتكوين إمارات صليبية مسيحية فرقبية‪ .‬كما اتعظ اْلرمن من التجربة‬
‫القاسية الٍب مركا ّٔا ُب الرىا كُب بقية اإلمارات اْلرمينية اْلخرل‪ ،‬الٍب تعرضت غبرب شعواء من‬
‫الصليبيْب‪.‬‬

‫‪ 1‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪80‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪270-269‬؛ عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪،‬‬
‫ص ‪148‬؛ ‪Odon de Deuil : op. cit., p. 362.‬‬
‫‪ 2‬اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.205‬‬
‫‪ 3‬عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪160‬؛‬
‫‪Odon de Deuil : op. cit., pp. 379-380; Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, p. 238.‬‬
‫‪257‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫الثاشل ‪ :‬أف اْلرمن ُب قيليقيا أك ُب الفرات‪ ،‬كانوا يبركف بظركؼ حرجة‪ ،‬ففي قيليقيا دمر‬
‫اَلمرباطور يوحنا كومنْب إمارهتم‪ ،‬كبشق اْلنفس عملوا على إعادة تأسيسها من جديد‪ .‬كُب إقليم‬
‫الفرات‪ ،‬تالشت إماراهتم‪ ،‬كفقدكا السلطة‪ ،‬كما فقد الصليبيوف كاؼبسلموف معا الثقة فيهم‪ ،‬كأصبح‬
‫اعبميع وبذرىم‪ ،‬بفعل اػبيانات الٍب اشتهركا ّٔا‪ .‬كمن ذلك أهنم بعد سقوط الرىا ُب يد زنكي‪ ،‬دبركا‬
‫‪1‬‬
‫مؤامرة إلعادة اؼبدينة إذل الصليبيْب من جديد‪ .‬كالبعض منهم فضل الدخوؿ ربت اغبكم اَلسالمي‪.‬‬
‫كلذلك حينما قدـ رجاؿ اغبملة الصليبية الثانية دل يكن اْلرمن يبلكوف شيئا‪ ،‬كلذلك دل يكن ُب‬
‫كسعهم تقدصل أم شيء‪.‬‬

‫كاػبالصة‪ ،‬أف اْلحداث السابقة صرفت اَلمرباطور مانويل كومنْب عن ؿباربة ثوركس الثاشل‬
‫كاسَبجاع قيليقيا‪ ،‬رغم إدراكو اْلكيد للحقيقة‪ .‬بدليل أف اؼبصادر دل تشر إذل أم عمل عسكرم قاـ‬
‫بو ضد ثوركس‪ ،‬قبل سنة ‪436‬ق‪0041/‬ـ‪ .‬ككاف اْلمّب اْلرميِب يعرؼ من أين تؤكل الكتف‪،‬‬
‫فاستغل ىذه الفرصة كشرع ُب مهاصبة اغباميات البيزنطية اؼبرابطة ُب قيليقيا‪ .‬فاستوذل على اؼبدف‬
‫الواحدة تلو اْلخرل‪ ،‬كأخّبا كل سهل قيليقيا‪ ،‬كتفاقم نفوذه بعد اف انضم إليو أخواه مليح‬
‫)‪ ،(Mléh‬كستيفن )‪ ،(Stéphane‬اللذاف كانا َلجئْب ُب الرىا‪ 2.‬كَل يبكن ربديد تواريخ احتاللو‬
‫ؽبذه اؼبدف بشكل دقيق‪ ،‬بسبب تضارب اؼبعلومات الواردة ُب اؼبصادر‪ ،‬كعدـ دقتها‪ ،‬كاختالطها‬
‫باْلساطّب‪ ،‬كتركيزىا ُب كثّب من اْلحياف على الطابع اْلديب أكثر من الطابع التارىبي‪ ،‬كذبعل من‬
‫ثوركس الثاشل بطال كرمزا للمقاكمة ضد البيزنطيْب كالسالجقة كالصليبيْب صبيعا‪.‬‬

‫كبعد فشل اغبملة الصليبية الثانية‪ ،‬ازداد موقف الصليبيْب سوءان‪ ،‬كفقدكا ىيبتهم‪ ،‬كمكانتهم ُب‬
‫الشاـ‪ .‬ككتب كليم الصورم عبارات ربمل زفرة كأسى حيث قاؿ ‪" :‬كبدأ كضع الالتْب يتدىور ُب‬
‫الشرؽ بصورة كاضحة للعياف منذ ذلك اغبْب‪ ،‬كرأل خصومنا ما آلت إليو جهود أعظم ملوكنا كقوادنا‬
‫من الفشل‪ ،‬كذىاب ؿباكَلهتم أدراج الرياح‪ ،‬فأخذكا يسخركف من تدىور بأس الذين يبثلوف الركن‬

‫‪ 1‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪315‬؛ عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mutafian : La Cilicie, t. I, p. 393; Dédéyan : Les Arménien entre Grecs, t. I, pp. 620-621.‬‬

‫‪258‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫الركْب للمسيحيْب‪ ،‬كيهزأكف من ؾبدىم اؼبنهار‪ ،‬كيزدركف من كانت أظباؤىم كحدىا تبث الفزع ُب‬
‫نفوسهم‪ٍ ،‬ب زاد إقدامهم كغركرىم زيادة بلغت الذركة فلم يعودكا يقيموف كزنا للعساكر اؼبسيحيْب‪،‬‬
‫كَل يتأخركف عن مهاصبتهم مهاصبة شرسة دل تعهد فيهم من قبل"‪ 1.‬كما زاد من ضعفهم مصرع ريبوند‬
‫دك بواتييو أمّب أنطاكية ُب إحدل اؼبعارؾ ُب سنة ‪433‬ق‪0038/‬ـ‪" 2،‬ككاف عاتيا من عتاة الفرنج‬
‫كعظيما من عظمائهم"‪ 3.‬كُب السنة اؼبوالية سقط جوسلْب الثاشل أسّبا ُب أيدم اؼبسلمْب‪" 4،‬ككاف‬
‫جوسلْب لعنو ا﵁ فارس الفرنج غّب مدافع قد صبع الشجاعة كالرأم (‪ )...‬ككاف أسره من أعظم‬
‫‪5‬‬
‫الفتوح ْلنو كاف شيطانا عاتيا شديدا على اؼبسلمْب قاسي القلب كأصيبت النصرانية كافة بأسره"‪.‬‬
‫كُب الوقت الذم كاف الصليبيوف يفقدكف نفوذىم‪ ،‬كاف اؼبسلموف يزدادكف نفوذا‪ ،‬فأخذكا ينتزعوف‬
‫منهم اغبصوف كالقالع ا﵀يطة بالرىا كأنطاكية‪ ،‬ككثّب منها سلمها أىلها من اْلرمن كالسرياف‬
‫للمسلمْب بدكف حرب‪ 6.‬كقد انزعج اَلمرباطور البيزنطي مانويل كومنْب من ىذه اْلعماؿ‪ ،‬كاعترب‬
‫نفسو مسؤكَل أماـ الرأم العاـ اؼبسيحي على ضباية ىذه اؼبدف كالقالع‪ ،‬فأرسل قوة صغّبة ؼبنع نور‬
‫الدين ؿبمود زنكي‪ 7‬كنػوابو من استالـ اؼبدف كالقالع‪ ،‬كدارت اؼبعركة ُب دلوؾ‪ ،‬كقد قبح اؼبسلموف ُب‬
‫إنزاؿ ىزيبة ساحقة بالقوات البيزنطية‪.‬‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.322-321‬‬


‫‪ 2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪323 ،321‬؛ الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 4‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪310‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪165‬؛ اْلصفهاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.206‬‬
‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 6‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪103-102‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.336‬‬
‫‪ 7‬نور الدين ؿبمود زنكي (‪458-430‬ق‪0063-0035/‬ـ) ‪ :‬ىو ابو القاسم نور الدين ؿبمود بن اْلتابك عماد الدين زنكي‬
‫بن قسيم الدكلة آقسنقر الَبكي‪ ،‬كيعرؼ بالشهيد‪ ،‬كلد ُب حلب ُب شواؿ سنة ‪511‬ق‪1118/‬ـ‪ ،‬كنشأ على اػبّب كالصالح‪ٍ ،‬ب‬
‫آلت إليو بعد استشهاد كالده ُب سنة ‪541‬ق‪1146/‬ـ‪ ،‬خالؿ حصاره لقلعة جعرب‪ ،‬ككاف ابنو نورالدين ُب خدمتو‪ .‬فاستقل‬
‫حبلب‪ ،‬كمنها انتقلت الدكلة النورية إذل كل من دمشق سنة ‪549‬ق‪1154/‬ـ‪ٍ ،‬ب إذل مصر سنة ‪576‬ق‪1171/‬ـ‪ ،‬كامتدت‬
‫سلطتو إذل كل من بالد الشاـ‪ ،‬كاعبزيرة‪ ،‬كاؼبوصل‪ ،‬كديار بكر كاؼبغرب‪ ،‬كاليمن‪ ،‬كخطب لو باغبرمْب‪ .‬ككاف مشهورا بالصالح‬
‫كالعدؿ‪ ،‬مداكما على اعبهاد مباشرا لو بنفسو‪ ،‬موفقا ُب حركبو ضد الصليبيْب معتنيا بإصالح شؤكف رعيتو كبالده‪ .‬كحينما سيطر‬
‫على حلب‪ ،‬كما قاـ حبملة تصفية كاسعة ضد الشيعة‪ ،‬كألزمهم بتغيّب صيغة اْلذاف ُب مساجدىم إذل الصيغة اؼبعتمدة لدل أىل=‬
‫‪261‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫اغتنم اْلمّب ثوركس الثاشل اؽبزائم الٍب غبقت بالبيزنطيْب على يد نور الدين زنكي كقواتو‪ ،‬كشن‬
‫ىجوما على اغباميات البيزنطية اؼبوجودة ُب قيليقيا‪ ،‬فاستوذل على طرسوس‪ ،‬كاؼبصيصة ُب سنة‬
‫‪435‬ق‪0040/‬ـ‪ ،‬كسقط ُب أسره توماس اغباكم البيزنطي للمنطقة‪ 1.‬كأحس مانويل كومنْب‪ ،‬بتزايد‬
‫نفوذ ثوركس‪ ،‬كاػبطر الذم يبكن أف يشكلو على اغبدكد اعبنوبية لإلمرباطورية‪ .‬فقرر ُب سنة‬
‫‪0041‬ـ‪ ،‬إرساؿ ابن عمو أندركنيك )‪ (Andronic Comnène‬للقضاء على ثورة ثوركس كاغبد‬
‫من ضباس اْلرمن لالستقالؿ‪ ،‬ككضع ربت قيادتو جيشا بلغ تعداده اثنا عشر ألف مقاتل‪ ،‬ضم ُب‬
‫‪2‬‬
‫صفوفو بعض زعماء اْلرمن‪ ،‬من أتباع اَلمرباطورية البيزنطية‪.‬‬

‫كفشل القائد البيزنطي ُب ربقيق النصر‪ ،‬حيث تعرضت قواتو ؽبزيبة قاسية على يد القوات‬
‫اْلرمينية‪ ،‬أما أندركنيك فقد َلذ بالفرار إذل القسطنطينية‪ .‬كترتب عن اؼبعركة سقوط عدد كبّب من‬
‫الزعماء اْلرمن أسرل ُب أيدم قوات ثوركس‪ ،‬فأطلق سراحهم صبيعا بعدما ارتبطوا معو دبعاىدات‬
‫صداقة كربالف ضد البيزنطيْب‪ ،‬ماعدا اْلمّب أكشْب الذم كاف يسيطر كقتذاؾ على اعبهات الغربية‬
‫من قيليقيا كنائب عن اَلمرباطور البيزنطي‪ ،‬متخذا من ؼبربكف قاعدة غبكمو‪ 3.‬حيث طلب منو ثوركس‬
‫الثاشل دفع فدية ضخمة نظرا ؼبا يتمتع بو من ثركة كنفوذ‪ .‬كلقد سبكن أكشْب من دفع نصف الفدية‬
‫كترؾ ابنو ىيثوـ رىينة عند اْلمّب ثوركس حٌب يدفع بقية الفدية‪ٍ .‬ب ما لبثت أف ربسنت العالقات‬
‫بْب اْلمّبين كتوجت بزكاج ىيثوـ من ابنة ثوركس كعقد ربالف بينهما‪ .‬كىكذا قبح ثوركس ُب‬
‫اغبصوؿ على اؼباؿ كاكتساب صداقة الزعماء اْلرمن كالتحالف معهم ضد البيزنطيْب‪ ،‬كما سبكن من‬

‫= السنة‪ ،‬كنفى عددا من أعياف الشيعة اغبلبيْب‪ .‬ككانت كفاتو ُب دمشق ُب شواؿ سنة ‪569‬ق‪1174/‬ـ‪( .‬ابن خلكاف ‪ :‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪189-184‬؛ الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪167-166‬؛ ‪Elisseefe N. : Nur Al‬‬
‫‪Din Mahmud b. Zanki, in : Enc. Isl., E.J. Brill, Leiden, 1995. vol. VIII, pp. 127-133).‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 310; Sempad : op. cit., p. 619.‬‬
‫‪ 2‬اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪211‬؛ شينيو جاف‪-‬كلود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪105‬؛‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., pp. 167-168.‬‬
‫‪ 3‬بوعمامة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪260‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫بسط نفوذه على إقليم قيليقيا بأكملو‪ ،‬كسطع قبمو كقائد ثورة‪ ،‬كأضحى سيد أرمينيا الصغرل بدكف‬
‫‪1‬‬
‫منازع‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الحرب بالوكالة‬
‫ُب الوقت الذم كانت فيو إمارة أرمينيا الصغرل تتشكل من جديد كسط ؿبيط يناصبها العداء‪،‬‬
‫كيزداد فيها اْلمّب ثوركس الثاشل قوة كنفوذا‪ ،‬كانت القول السياسية آّاكرة لو ُب اؼبنطقة تزداد قلقا من‬
‫اَلنتصارات كالتوسعات الٍب حققتها ىذه اإلمارة اؼبتنامية‪ ،‬الٍب يبكن أف تشكل خطرا على حدكدىا‬
‫ُب اؼبستقبل‪ .‬كالدكؿ الٍب كانت باْلمس تريد أف ذبعل من أرمينيا الصغرل دكلة حاجزة بينها كبْب‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬أمست –بعد انتصار ثوركس على البيزنطيْب‪ -‬تبحث عن فرصة تسمح ؽبا‬
‫بالتدخل عسكريا ضدىا للقضاء عليها أك التقليص من دكرىا ُب اؼبنطقة‪.‬‬

‫تفطن اَلمرباطور مانويل إذل ىذا الواقع السياسي‪ ،‬كعبأ إذل سياسة ماكرة ُب منطقة آسيا‬
‫الصغرل كىي سياسة ضرب العدك بالعدك‪ ،‬أك ما يسمى حاليا "اغبرب بالوكالة" أك "اغبرب بالنيابة"‪.‬‬
‫كىي تعتمد على احتواء إحدل قول اؼبنطقة أك التحالف معها ليضرب ّٔا قوة أخرل ُب نفس‬
‫اؼبنطقة‪ ،‬تكوف سياستها معادية للسياسة البيزنطية‪ ،‬كبذلك تنشغل القوتاف ببعضهما عن الصراع مع‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كسيخرجاف من ىذا الصراع ضعيفتْب كمنهكتْب‪ ،‬فبا يعطي الفرصة لإلمرباطورية‬
‫‪2‬‬
‫لزيادة نفوذىا كالتخلص من خصومها‪.‬‬

‫قاـ ثوركس الثاشل ُب سنة ‪437‬ق‪0042/‬ـ‪ ،‬باجتياح كبادككيا كمهاصبة ملطية الٍب كانت نظريا‬
‫ربت سلطة السلطاف مسعود حاكم قونية‪ ،‬متشجعا ُب ذلك باَلنتصارات الٍب أحرزىا على القوات‬
‫البيزنطية‪ ،‬كعاد إذل بالده ؿبمال باْلسرل كالغنائم‪ 3.‬استغل مانويل ىذه اغبادثة كأرسل إذل السلطاف‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪168‬؛ عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪194-190‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 310; Vahram d'Edesse : op. cit., pp. 506-507; Tournebize‬‬
‫‪F. : op. cit., p. 121; Cahen Claude : La Syrie du Nord, pp. 389-390.‬‬
‫‪ 2‬عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪168‬؛ ‪Michel Le Syrien : loc. cit.‬‬

‫‪261‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫مسعود الذم كاف اظبو يلقي الرعب ُب نفوس اْلرمن‪ 1،‬كعرض عليو مهاصبة ثوركس مقابل حصولو‬
‫على أمواؿ كىدايا‪ ،‬كىي الفرصة الٍب كاف ينتظرىا بشغف‪ ،‬فجمع قواتو كتقدـ ّٔا كبو قيليقيا‪ .‬كعندما‬
‫ظبع ثوركس بنبأ ربرؾ السالجقة ذباه بالده‪ ،‬أمر قواتو بنصب الكمائن ُب اؼبمرات كالدركب اعببلية‬
‫الواقعة على اغبدكد بْب سلطنة السالجقة كإمارة أرمينيا الصغرل‪ 2.‬كؼبا رأل مسعود استعداد اْلرمن‬
‫للدفاع عن إمارهتم‪ ،‬أدرؾ أف الدخوؿ ُب حرب ضدىم ضرب من ضركب اَلنتحار‪ ،‬فأرسل مندكبْب‬
‫إذل اْلمّب ثوركس ليبلغوه بأنو دل وبضر لتخريب بالده‪ ،‬كإمبا للمطالبة بإعادة اؼبدف كالقالع الٍب ُب‬
‫حوزتو إذل اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬مع اعَبافو بسيادة السلطاف مسعود عليو‪ .‬فوافق على الشرط اْلخّب‪،‬‬
‫كلكنو رفض إعادة اؼبناطق الٍب استوذل عليها إذل اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كانتهت اؼبفاكضات بعقد‬
‫‪3‬‬
‫معاىدة صلح‪ ،‬كانسحاب السالجقة دكف أم اشتباؾ‪.‬‬

‫دل يستسلم مانويل كومنْب‪ ،‬كدل يتخل عن خطتو السياسية اؽبادفة إذل ضرب اْلرمن‬
‫بالسالجقة‪ ،‬فاتصل بالسلطاف مسعود مرة ثانية ُب سنة ‪438‬ق‪0043/‬ـ‪ ،‬كضاعف لو اؽبدايا‬
‫كاْلمواؿ‪ ،‬كحرضو على اَلنتقاـ من اْلمّب ثوركس الثاشل بصفة خاصة كمن اْلرمن بصفة عامة‪ ،‬كطلب‬
‫منو تدمّب القالع‪ ،‬كحرؽ الكنائس اْلرمينية‪ ،‬كأَل يغادر إمارة أرمينيا الصغرل إَل بعد أف تصبح‬
‫رمادا‪" 4.‬فزحف مسعود سلطاف قونية ُب جيش تركي جرار إذل قيليقيا"‪ 5،‬كاعتمد على اؼبباغتة‪ ،‬حيث‬
‫ازبذ طريقو ىذه اؼبرة عرب جباؿ اْلمانوس‪ ،‬كرغم ذلك فشل ُب اقتحاـ أسوار مدينٍب عْب زرىب‬
‫كاؼبصيصة‪ ،‬فاذبو إذل حصن تل ضبدكف ﵀اصرتو‪ ،‬كلكن الوباء تفشى بْب قواتو‪ ،‬فاضطر إذل مغادرة‬
‫الثغور دكف أف وبقق ىدفو‪ 6.‬كتعرض السالجقة أثناء انسحأّم إذل كارثة‪ ،‬فمن قبا منهم من الوباء‬

‫‪1‬‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 169.‬‬
‫‪ 2‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪168‬؛‬
‫‪ 3‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪157-156‬؛‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 170; Sempad : op. cit., p. 620; Vahram Rapoun : op. cit., p. 13.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 171.‬‬
‫‪ 5‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.169‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 311; Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 173-174; Sempad :‬‬
‫‪op. cit., p. 621.‬‬
‫‪262‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫حصدتو سيوؼ اْلرمن‪ ،‬حيث كضع ثوركس بعض قواتو ُب طريق عودهتم‪ ،‬كطاردكىم ُب فبرات اعبباؿ‬
‫‪1‬‬
‫دكف رضبة أك شفقة‪ٍ ،‬ب تسلل اعبنود اْلرمن إذل كبادككيا كقاموا بأعماؿ السلب كالنهب‪.‬‬

‫لكن ؼباذا اعتمد مانويل على سياسة التحالف مع السالجقة‪ ،‬كأحجم عن تنظيم ضبلة يقودىا‬
‫بنفسو ضد ثوركس الثاشل ؟ كؼباذا ربالف مع قوة إسالمية ضد قوة مسيحية ؟ أدل يكن ىبشى رد فعل‬
‫الصليبيْب ؟ كإثارة الرأم العاـ اؼبسيحي ضده ؟ خاصة كأف رئيس الكنيسة اْلرمينية آنذاؾ كىو‬
‫اعبثليق جرهبوار الثالث (‪0055-0002( Grégoire III‬ـ))‪ ،‬أرسل ُب سنة‬
‫‪428‬ق‪0034/‬ـ‪ ،‬أم قبيل اغبملة الصليبية الثانية‪ ،‬سفارة إذل البابا يوجْب الثالث‪ ،‬يطلب منو‬
‫اؼبساندة ؼبناىضة اَلمرباطورية البيزنطية الٍب َل تعَبؼ بالكنيسة اْلرمينية‪ ،‬كرباكؿ إجبار اْلرمن على‬
‫الدخوؿ ربت قبة الكنيسة البيزنطية‪ 2.‬كىذا اْلمر لو دَللتو‪ْ ،‬لف القرف الثاشل عشر ىو عصر اإليباف‬
‫أك عصر التعصب الديِب كما ظباه بعض اؼبؤرخْب‪ 3،‬يضاؼ إذل ذلك أف بعض الدكائر ُب الغرب‬
‫‪4‬‬
‫كضبَّلٍتو مسؤكلية فشلها‪.‬‬
‫اهتمت مانويل بالتحالف مع السالجقة ضد اغبملة الصليبية الثانية‪ ،‬ى‬
‫يبدك أف اَلمرباطور كاف منصرفا عن إمارة أرمينيا الصغرل حبركبو ضد ركجر الثاشل‪ 5‬ملك صقلية‬
‫)‪0043-0184(Roger II‬ـ))‪ُ ،‬ب ؿباكلة إلعادة النفوذ البيزنطي على إيطاليا‪ .‬كما قاـ مانويل‬
‫ُب سنة ‪435‬ق‪0040/‬ـ‪ ،‬بتنظيم ضبلة عسكرية قادىا بنفسو إذل البلقاف إلطباد ثورة الصرب‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.169‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Tournebize F. : op. cit., pp. 539-540; Vernier Donat, op. cit., pp. 213-214.‬‬
‫‪ 3‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ أكربا ُب العصور الوسطى‪ ،‬ص ‪.362‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, p. 262.‬‬
‫‪ 5‬ركجر الثاشل (‪ : )1154-1095‬ىو اَلبن اْلصغر لركجر اْلكؿ‪ ،‬كملك صقلية النورماشل‪ ،‬استوذل على ابوليا كسالرنو ‪1127‬ـ‬
‫رغم معارضة البابا كأخذ جانب البابا اؼبضاد أناكليتوس الثاشل (الذم توجو ملكان عاـ ‪1130‬ـ) ضد البابا إنوسنت الثاشل فجمع‬
‫إنوسنت اَلمرباطور لوثّب الثاشل كحلفاء آخرين ضد ركجر‪ .‬كلكنو ىزـ ُب سنة ‪1139‬ـ‪ ،‬كاعَبفت نابلي ككابوا بسيادة ركجر‪،‬‬
‫كونت إذل سبعة قركف تالية فبلكٍب نابلي كصقلية‪ ،‬كاستوذل ركجر أيضا على عدة‬ ‫كأجرب إنوسنت على أف يقطعو صبيع اْلراضي الٍب َّ‬
‫مدف ُب الساحل اَلفريقي‪ ،‬كشجع اندماج اعبماعات البشرية اؼبختلفة ُب فبلكتو‪ ،‬كأقاـ إدارة مركزية قوية‪ ،‬استعادت لصقلية‬
‫رخاءىا‪ .‬كاف بالطو ُب بالرمو مركزا للفنوف كاآلداب كالعلوـ‪ ،‬خلفو ابنو كليم اْلكؿ‪( .‬انظر ‪ :‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج‬
‫‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪405-403‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪1671‬؛‬
‫‪Loud -G. A. : Roger II of Sicily, in : Crus. Enc., ABC-Clio, California, 2006. p. 1044).‬‬
‫‪263‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫ىناؾ‪ 1.‬كلذلك منح الوكالة للسلطاف مسعود ليقاتل باظبو ضد ثوركس الثاشل‪ .‬أما عن ربالفو مع قوة‬
‫إسالمية ضد إمارة مسيحية‪ُ ،‬ب اغبقيقة أف اَلمرباطور مانويل كومنْب ليس ىو أكؿ من ربالف مع‬
‫اؼبسلمْب ضد اؼبسيحيْب‪ ،‬فقد سبقو جده ألكسيس إذل ذلك حينما استنجد بالسلطاف قلج أرسالف‬
‫اْلكؿ ضد بوىيموند ُب العقد اْلكؿ من القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪ .‬كبالنسبة للبيزنطيْب فإف اْلرمن‬
‫يعتربكف منشقْب عن الكنيسة البيزنطية‪ ،‬الٍب فرضت عليهم حصارا مذىبيا‪ ،‬ككصل ّٔا اْلمر إذل‬
‫اؼبطالبة بإعادة تعميد اْلرمن‪ 2،‬كمعُب ذلك أهنا َل تعَبؼ بالكنيسة اْلرمينية إطالقا‪ ،‬كمن شبة فإف‬
‫مانويل دل هبد حرجا ُب التحالف مع السالجقة اؼبسلمْب ضد اْلرمن اؼبسيحيْب‪.‬‬

‫توُب السلطاف مسعود بعد أشهر قليلة من عودتو إذل بالده‪ ،‬دكف أف وبقق أية فائدة من ربالفو‬
‫مع اَلمرباطور مانويل كومنْب‪ ،‬بل حطم جيشو أماـ ثوركس الثاشل‪ .‬كآؿ عرش سلطنة سالجقة الركـ‬
‫إذل ابنو قلج أرسالف الثاشل‪477-441( 3‬ق‪0081-0044/‬ـ)‪ٍ ،‬ب ما لبث أف دب اػبالؼ بينو‬
‫كبْب أخيو شاىنشاه‪ ،‬كطمع آؿ دانشمند ُب بالده‪ ،‬فبا جعل البالد تعيش حالة من الفوضى‬
‫كاَلضطراب‪ 4.‬ككانت ىذه اؼبرحلة فرصة لألمّب ثوركس الثاشل لالنتقاـ من السالجقة الذين ىاصبوا‬
‫إمارتو مرتْب ُب أكاخر حكم السلطاف مسعود الذم ربالف مع اَلمرباطور البيزنطي مانويل‪ ،‬فأرسل‬

‫‪ 1‬ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪225-223‬؛‬


‫‪Bréhier : Vie et mort, pp. 318-319; Vasiliev : op. cit., t. II, pp. 63-65‬‬
‫‪2‬‬
‫بوعمامة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪115‬؛ ‪Valognes Jean-Pierre : op. cit., p. 455.‬‬
‫‪ 3‬قلج أرسالف الثاشل ‪ :‬ىو عز الدين بن قلج ارسالف بن مسعود‪ ،‬خلف أباه مسعود ُب سلطنة سالجقة الركـ‪،‬‬
‫كيتمتع بذكاء حاد‪ ،‬كوبتل مكانة فبيزة بْب سالطْب سالجقة الركـ‪ ،‬بل يعد من أؼبعهم شهرة‪ ،‬مارس اغبكم ُب أياـ‬
‫كالده‪ ،‬فقد عينو على البالد اؼبفتوحة ُب اعبنوب الشرقي آلسيا الصغرل‪ ،‬ككاف حريصا على تتوهبو ُب حياتو‪ .‬تابع‬
‫هنج كالده السياسي‪ ،‬كعمل من أجل الوحدة السياسية لألتراؾ السالجقة‪ ،‬كاَلزدىار اَلقتصادم كالثقاُب لبالده‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪161‬؛‬
‫‪Cahen Claude : Kilidj Arslan II, in : Enc. Isl., E. J. Brill, Leiden, 1986. Vol. V, p. 104).‬‬
‫‪ 4‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.163-162‬‬
‫‪264‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫أخاه ستيفاشل على رأس قوة أرمينية قامت دبهاصبة كيسوـ كبىػ ىه ٍسنا‪ 1‬كمرعش‪ 2،‬كىي البالد الٍب آلت‬
‫إذل السالجقة حديثا من بقية إمارة الرىا‪ .‬كلعل ما دفع اْلرمن إذل مهاصبة ىذه اؼبدف أهنا ضاعت من‬
‫‪4‬‬
‫زكجة جوسلْب اْلرمينية‪ 3‬كبذلك يكوف ؽبم اغبق من كجهة نظرىم كأرمن ُب اسَبدادىا‪.‬‬

‫كبعد اف َلحظ مانويل كومنْب انغماس اْلتراؾ السالجقة ُب خالفاهتم الداخلية‪ ،‬كفشلهم ُب‬
‫‪5‬‬
‫ربقيق انتصار على اْلرمن‪ ،‬عبأ إذل حليف آخر إلخضاع ثوركس الثاشل‪ ،‬كىو رينو دك شاتيوف‬
‫)‪ ،(Renaud de Châtillon‬أمّب أنطاكية اعبديد‪ .‬كرغم أف مانويل دل يكن ينظر بعْب الرضا إذل‬

‫‪ّٔ 1‬سنا ‪ :‬قلعة عظيمة حصينة مانعة‪ ،‬بْب مرعش كظبيساط‪ ،‬يسكنها اؼبسلموف كاْلرمن‪ ،‬كىي متاطبة إلمارة أرمينيا الصغرل‪،‬‬
‫انتزعها السالجقة من اْلرمن سنة ‪ 545‬ق‪ٍ ،‬ب انتقل حكمها إذل اؼبغوؿ‪ ،‬كؼبا عجز أىلها عن الدفاع عنها سلموىا لألرمن إذل اف‬
‫انتزعها منهم اؼبماليك ُب سنة ‪660‬ق‪( .‬انظر ‪ :‬ابن شداد ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ؽ‪ ،2‬ص ‪.)119-116‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 314; Vahram Rapoun : op. cit., pp. 13-14.‬‬
‫‪ 3‬ىي بياتريس بنت قسطنطْب بن ركبْب‪ ،‬كأخت ثوركس اْلكؿ كليوف اْلكؿ‪ ،‬أم ىي عمة ثوركس الثاشل بن ليوف‪ ،‬أما زكجها فهو‬
‫جوسلْب دك كورتينام أمّب الرىا‪ ،‬الذم توُب ُب سنة ‪414‬ق‪0020/‬ـ‪ ،‬فخلفو ابنو جوسلْب الثاشل‪ ،‬الذم سقط أسّبا ُب يد نور‬
‫الدين زنكي ُب سنة ‪433‬ق‪0038/‬ـ‪ .‬كؼبا رأت بياتريس نفسها عاجزة عن الدفاع عما تبقي ربت يديها من مدف كقالع إمارة‬
‫الرىا‪ ،‬تنازلت عنها لإلمرباطورية البيزنطية مقابل معاش سنوم‪ .‬كلكن نور الدين زنكي‪ ،‬كمسعود سلطاف قونية‪ ،‬قبحا ُب طرد‬
‫اغباميات البيزنطية منها كانتزعاىا من اَلمرباطورية البيزنطية‪( .‬انظر ‪ :‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪343-337‬؛‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, pp. 386-387, Grousset René : Histoire des Croisades, t. II,‬‬
‫‪pp. 286-287.).‬‬
‫‪ 4‬عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪ 5‬رينو دك شاتيوف ‪ :‬يعرؼ ُب اؼبصادر العربية باسم أرناط‪ ،‬كىو اَلبن اْلصغر عبيوفرم كونت جيْب كسيد اقطاع شاتيوف سّب‬
‫لورانج‪ .‬قدـ مع لويس السابع ُب اغبملة الصليبية الثانية‪ ،‬كؼبا دل يكن لو أماؿ ُب كطنو‪ ،‬فإنو آثر البقاء ُب فلسطْب بعد عودة رجاؿ‬
‫اغبملة الصليبية إذل بالدىم‪ .‬كدخل ُب خدمة اؼبلك بلدكين الثالث‪ ،‬الذم صحبو إذل أنطاكية ُب سنة ‪1151‬ـ‪ ،‬كردبا حاز إقطاعا‬
‫ّٔا‪ .‬شد ىذا الفارس انتباه كونستانس أرملة ريبوند دك بواتييو‪ ،‬أمّب أنطاكية السابق‪ ،‬ككانت ىذه اْلمّبة اْلرملة قد رفضت الزكاج‬
‫من اْلمراء الصليبيْب كالبيزنطيْب الذين يرشحوا للزكاج ّٔا بعد مقتل زكجها‪ ،‬كلعل اقامة رينو دك شاتيوف ُب إمارهتا ىي الٍب حفزهنا‬
‫على رفض العرساف الذين تقدموا إليها‪ .‬كردبا تزكج ّٔا رينو دك شاتيوف سرا‪ٍ ،‬ب تقدـ إذل بلدكين الثالث ملك بيت اؼبقدس‪،‬‬
‫كالوصي على إمارة أنطاكية‪ ،‬كطلب منو اَلذف بالزكاج من كونستانس باعتباره من أتباع اؼبلك‪ ،‬فوافق اؼبلك دكف تردد‪ ،‬كبذلك‬
‫أصبح رينو أمّبا على أنطاكية ُب سنة ‪548‬ق‪1153/‬ـ‪ .‬كلكن اَلمرباطور مانويل كومنْب الذم يعترب نفسو السيد اْلكؿ إلمارة‬
‫أنطاكية‪ ،‬دل يكن راضيا عن ىذا الزكاج الذم ًب دكف موافقتو‪ ،‬كشعر رينو أنو ضايق اَلمرباطور مانويل بزكاجو من كونستانس دكف‬
‫استشارتو كموافقتو‪ ،‬لذلك كاف يتودد إذل اَلمرباطور للحصوؿ على رضاه‪ .‬كقاؿ عنو اؼبؤرخوف بأنو كاف مغامرا خطّبا‪ ،‬اتصف ُب‬
‫كثّب من تصرفاتو بالبطش كالتهور كعدـ مراعاة العهود‪ ،‬كاعبهل بأحكاـ السياسة كأصوؽبا‪( .‬انظر ‪ :‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‬
‫‪ ،3‬ص ‪359‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪557‬؛‪Grousset René : op. cit, t. II, pp. 316-317‬‬

‫‪265‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫زكاج رينو بأرملة ريبوند دك بواتييو‪ ،‬فقد ربالف معو ْلف ثوركس ُب ىذه اْلثناء ىو أخطر على‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية من رينو دك شاتيوف‪ 1.‬كقد استغل مانويل تودد رينو إليو للموافقة على زكاجو‪،‬‬
‫فأرسل كفدا إذل أنطاكية‪ ،‬طلب منو حشد قواتو كالتوجو ّٔا إذل قيليقيا ﵀اربة ثوركس كإخراجو من‬
‫‪2‬‬
‫اْلراضي الٍب استوذل عليها‪ ،‬ككعده اَلمرباطور بإغداؽ اؼباؿ عليو‪ ،‬كاَلعَباؼ بو أمّبا على أنطاكية‪،‬‬
‫كىذا أقصى ما كاف يريده رينو دك شاتيوف‪.‬‬

‫كدبا أف اْلمّب اعبديد ْلنطاكية‪ ،‬كاف يبحث عن الشرعية‪ ،‬كعن موافقة مانويل على زكاجو من‬
‫أمّبة أنطاكية‪ ،‬فقد كافق على القياـ ّٔذه اؼبهمة‪ ،‬كىكذا زج بو اَلمرباطور مانويل ُب الصراع القائم‬
‫بينو كبْب اْلرمن‪ .‬كحبث رينو عن سبب يشعل بو فتيل اغبرب ضد ثوركس الثاشل‪ ،‬فطلب منو إعادة‬
‫قلعة جاستوف )‪ 3،(Gastoun‬إذل الفرساف الداكية )‪ 4،(les Templiers‬باعتبار أف ىذه الطائفة‬

‫‪1‬‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 391.‬‬
‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪402-401‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.342‬‬
‫‪ 3‬جاسطوف ‪ :‬ىو حصن بغراس )‪ (Baghrâs‬الواقع بْب اَلسكندركنة كأنطاكية‪ ،‬كجاء ُب اؼبصادر أهنا قلعة حصينة تقع على‬
‫الطريق الذم كاف يسلكو الفاربوف اؼبتوجهوف إذل إقليم الثغور‪ ،‬اىتم بأمره اػبلفاء اْلمويوف كالعباسيوف ربصينا كتعمّبا‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫ابن شداد ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ؽ‪ ،2‬ص ‪418-411‬؛ ابن العدصل ‪ :‬بغية الطلب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.)151‬‬
‫‪4‬‬
‫الفرساف الداكية ‪ :‬تعرؼ ُب اؼبصادر العربية باسم فرساف اؼبعبد‪ ،‬أك الداكية أك الديوية‪ ،‬كما عرفت ُب اؼبصادر اْلجنبية بعد أظباء منها ‪:‬‬
‫‪ Templiers pauvres Soldats du Christ‬أم جنود السيد اؼبسيح الفقراء‪ ،Les Chevaliers de Temple ،‬أك فرساف اؼبعبد‬
‫كغّبىا من اْلظباء‪ .‬كىي تنظيم عسكرم ديِب تأسس حوارل سنة ‪1119‬ـ‪ُ ،‬ب فبلكة بيت اؼبقدس‪ .‬كنشأت ىذه اؽبيئة بعد استيطاف‬
‫الصليبيْب ُب بالد الشاـ ‪ ،‬عندما ظهر لزكارىم كرعاياىم مشكلة الطرؽ غّب اآلمنة نتيجة اغارات اؼبسلمْب عليها كسطو قطاع الطرؽ عليهم‬
‫بغرض السلب كالنهب‪ .‬كقد اىتم بلدكين الثاشل ‪ ،‬ملك بيت اؼبقدس‪ ،‬دبشكلة تأمْب طرؽ زكار فبلكة بيت اؼبقدس‪ ،‬كذلك بأف شجع بعض‬
‫الفرساف اؼبتحمسْب بتكوين ىيئة ىدفها ضباية كحراسة (اغبجاج)‪ ،‬كىي اؽبيئة الٍب أصبحت فيما بعد تشكل أكرب ىيئة عسكرية صليبية ُب‬
‫الشرؽ‪ ،‬كىي الٍب عرفت باسم ىيئة فرساف اؼبعبد أك فرساف الداكية‪ .‬كقد بدأ ربمس ىؤَلء الفرساف النبالء لفكرهتم ُب تأسيس ىيئة حربية‬
‫جديدة عندما زار اْلراضي اؼبقدسة فارساف نبا ‪ :‬ىيو دم باين )‪ ،(Hugh de Paynes‬كىو فارس من إقليم شامبِب بفرنسا‪ ،‬كزميلو‬
‫جفرل دم سانت أكمّب )‪ ،(Geoffrey de St. Omer‬كمعهم تسعة من زمالئهم كلهم من أصل فرنسي‪ .‬كبوصوؿ ىؤَلء الفرساف إذل‬
‫فبلكة بيت اؼبقدس‪ ،‬نالوا تصروبا سنة ‪1118‬ـ من بطريرؾ بيت اؼبقدس جاريبوند )‪ ،(Guarimond‬كمن اؼبلك بلدكين الثاشل بإنشاء‬
‫منظمة حربية مهمتها ؿباربة اؼبسل مْب‪ ،‬كضباية طرؽ (اغبجاج)‪ ،‬كضباية معبد سليماف‪ .‬كقد قسم الفرساف على ذلك جبانب القسم الكنسي‬
‫اْلكؿ القائم على الفقر كالعفة كالطاعة‪ .‬ككىب ىؤَلء الفرساف حياهتم كاملة ﵀اربة اؼبسلمْب‪ ،‬كبذلك شكلوا خطرا ظل يشكل أنبية خاصة‬
‫لدل حكاـ اؼبسلمْب‪ .‬كحلت اؼبنظمة من قبل البابا كليمونت اػبامس ُب مؤسبر فينا ُب سنة ‪1312‬ـ‪( .‬انظر ‪ :‬مقامي نبيلة ابراىيم ‪ :‬فرؽ‬
‫الرىباف الفرساف ُب بالد الشاـ ُب القرنْب الثاشل عشر كالثالث عشر‪ ،‬مطبعة جامعة القاىرة كالكتاب اعبامعي‪ ،‬القاىرة‪ .1994 ،‬ص ‪-16‬‬
‫‪20‬؛ ‪.)Barber Malcolm : Templar of Tyre, in : Crus. Enc., ABC-Clio, California, 2006. pp. 1149-1157.‬‬

‫‪266‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫تعمل لفائدة اغبركة الصليبية‪ 1،‬كؼبا رفض ثوركس طلبو‪ ،‬تقدـ رينو بقواتو كبو جنوب قيليقيا‪" ،‬ككسره‬
‫‪3‬‬
‫كأجهز سباما على جيشو"‪ 2،‬ككانت ىذه الواقعة قرب اَلسكندركنة‪ُ ،‬ب سنة ‪441‬ق‪0044/‬ـ‪.‬‬

‫كلكن اَلمرباطور زبلى عن كعده لألمّب الصلييب‪ ،‬كرفض أف يؤدم لو اؼباؿ اؼبتفق عليو‪ْ 4،‬لف‬
‫كل‬
‫اؽبدؼ اْلساسي دل يتحقق كىو القضاء على إمارة أرمينيا الصغرل هنائيا‪ .‬كأماـ ىذا الرفض انتبو ّّ‬
‫من ثوركس‪ ،‬كرينو أف صاحب اؼبصلحة من اندَلع اغبرب بينهما ىو مانويل كومنْب‪ ،‬عدكنبا‬
‫اؼبشَبؾ‪ .‬فانقلب السحر على الساحر‪ ،‬إذ سرعاف ما غّب رينو سياستو ذباه اَلمرباطورية البيزنطية‪،‬‬
‫كعقد صلحا مع ثوركس الثاشل ٍب انضم إليو‪ ،‬كأخذا يهاصباف ما تبقى للبيزنطيْب من اغبصوف كالقالع‬
‫اؼبتاطبة ْلرمينيا الصغرل‪ .‬كدل يكتفيا بذلك‪ ،‬بل قاما بغزك جزيرة قربص التابعة لإلمرباطورية البيزنطية‪،‬‬
‫ُب أكائل ‪440‬ق‪0045/‬ـ‪ ،‬كدل ىبرجا منها إَل بعد أف تركاىا قاعا صفصفا‪ 5.‬كدل يتوقف التحالف‬
‫بْب ثوركس كأمّب أنطاكية على ؿباربة البيزنطيْب فقط‪ ،‬بل تعداه إذل ؿباربة نور الدين زنكي‪.‬‬

‫ج – التحالف األرمينيي الصليبي ضد نور الدين زنكي‬


‫بعد أف قبح نور الدين زنكي ُب ضم دمشق إذل إمارتو حبلب سنة ‪438‬ق‪0043/‬ـ‪ ،‬أراد‬
‫اَلنصراؼ إذل ترتيب أكضاع دكلتو‪ ،‬خاصة بعد الزلزاؿ الذم أحدث كثّبا من اْلضرار ُب بالد الشاـ‪،‬‬
‫فأبرـ ىدنة مع بلدكين الثالث ملك بيت اؼبقدس ؼبدة سنة‪ ،‬كذلك ُب شهر شواؿ من سنة‬
‫‪440‬ق‪/‬نوفمرب ‪0045‬ـ‪ 6.‬كاستغلت ؾبموعة من الرعاة الَبكماف كالفالحْب العرب ىذه اؽبدنة‪،‬‬
‫كحصلت على إذف من اؼبلك بلدكين الثالث برعي ماشيتهم كخيوؽبم ُب منطقة الشَّعراء آّاكرة‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.171‬‬


‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.402‬‬
‫‪3‬‬
‫قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪306‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 314.‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.402‬‬
‫‪5‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪515‬؛ ;‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, pp. 314, 315‬‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 187; Sempad : op. cit., p. 621; Bréhier : Vie et mort, p. 319.‬‬
‫‪ 6‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.335‬‬
‫‪267‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫لبانًياس‪ 1.‬كنظرا لتوفر اْلمن كاَلستقرار‪ ،‬فقد أصبح فيها ما َل وبصى من اؼباشية‪ ،‬كيبدك أف اػبيوؿ‬
‫الكثّبة الٍب امتلكها أكلئك الرعاة‪ ،‬أسالت لعاب بلدكين الثالث‪ ،‬فنقض اؽبدنة‪ ،‬ك"غدر الكفرة‬
‫اَلفرنج كنقضوا ما كاف استقر من اؼبوادعة كاؼبهادنة"‪ 2،‬فهاجم جنوده أكلئك الرعاة العزؿ من السالح‬
‫ُب أكاخر ‪440‬ق‪/‬بداية ‪0046‬ـ‪" ،‬كاستاقوا صبيع ما كجدكه كأفقركا أىلو منو مع ما أسركه من‬
‫تركماف كغّبىم كعادكا ظافرين غامبْب آشبْب"‪ 3.‬أثارت ىذه اغبادثة نور الدين زنكي‪ ،‬فخرج من دمشق‬
‫لالنتقاـ من الصليبيْب‪ ،‬كضرب حصارا على حصن بانياس‪ٍ ،‬ب انقض اؼبسلموف على الصليبيْب‪ ،‬كدل‬
‫ص ىفد‪ 4،‬كمكث فيها ثالثة أياـ َل‬
‫ينج منهم إَل القليل‪ ،‬من بينهم اؼبلك بلدكين الثالث الذم فر إذل ى‬
‫أحد يعرؼ مصّبه‪" ،‬كقيل إف ملكهم لعنهم ا﵁ فيهم كقيل أنو ُب صبلة القتلى كدل ييعرؼ لو خرب"‪ٍ 5‬ب‬

‫‪ 1‬بانوياس ‪ :‬مدينة تقع على الطريق يبْب دمشق كصور‪ ،‬كانت ُب القدصل تعرؼ بقيصرية فيليب )‪،(Césarée de Philippe‬‬
‫خالؿ فَبة احتالؿ الصليبيْب لفلسطْب‪ ،‬كانت بانياس جزءا من اْلراضي كاْلمالؾ التابعة ؼبدينة دمشق‪ ،‬كدل يكن ؽبا أم دكر‬
‫سياسي‪ ،‬أك اقتصادم‪ ،‬أك اجتماعي‪ ،‬خالؿ الفَبة الٍب سبقت اغبركب الصليبية‪ ،‬كبدأت أنبيتها تظهر بعد تأسيس فبلكة بيت‬
‫اؼبقدس‪ ،‬كأصبحت قاعدة متقدمة ؼبدينة دمشق‪ ،‬كُب سنة ‪1126‬ـ‪ ،‬منحها اْلتابك طغتكْب إذل اَلظباعيلية الذين جعلوا منها‬
‫حصنا لطائفتهم‪ٍ ،‬ب تنازلوا عنها لبلدكين الثاشل ملك بيت اؼبقدس ُب سنة ‪1128‬ـ‪ .‬كانت بانياس ؿبل نزاع بْب اؼبسلمْب‬
‫كالصليبيْب فبا عرضها للحصار عدة مرات‪( .‬انظر ‪ :‬اغبيارم مصطفى ‪ :‬مدينة بانياس ُب القرف السادس اؽبجرم‪/‬الثاشل عشر‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬ؾبلة دراسات‪ ،‬ع ‪ ،12‬مج ‪ ،13‬اعبامعة اْلردنية‪ ،‬عماف‪ ،‬ديسمرب ‪ .1986‬ص ‪161‬؛‬
‫‪Murray Alan V. : Banyas, in : Crus. Enc., ABC-Clio, California, 2006. pp.151-152; Aryeh‬‬
‫‪Graboïs : La cité de Baniyas et le château de Subeibeh pendant les croisades. ds: Cahiers de‬‬
‫‪civilisation médiévale, 13e année (n°49), Janvier-mars 1970. pp. 43-45).‬‬
‫‪ 2‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.337‬‬
‫‪ 3‬نفسو‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ص ىف يد ‪ :‬ذكر اغبموم أف صفد مدينة ُب جباؿ بِب عاملة اؼبطلة على ضبص بالشاـ كىي من جباؿ لبناف‪ .‬كىي ُب نفس الوقت‬ ‫ى‬
‫حصن يقع ُب فلسطْب‪ ،‬بْب منطقٍب اعبليل كاعبوَلف‪ 13 ،‬كلم مشاؿ غرب طربية‪ .‬احتل الصليبيوف حصن صفد نظرا ؼبوقعو‬
‫اَلسَباتيجي فهو يشرؼ على الطريق بْب دمشق كعكا‪ ،‬ككضع ربت تصرؼ الداكية فَبة من الزمن ليحمي فبلكة بيت اؼبقدس من‬
‫اؽبجمات اَلسالمية القادمة من ناحية دمشق‪ ،‬كإليو عبأ اؼبلك بلدكين الثالث اثر اندحار قواتو أماـ اؼبلك نورالدين زنكي‪ .‬كبعد‬
‫معركة حطْب‪ ،‬فتحو صالح الدين اْليويب كانتزعو من الصليبيْب‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪193‬؛‬
‫‪Kennedy Hugh : Saphet, in : Crus. Enc., ABC-Clio, California, 2006. p.1074-.‬‬
‫‪ 5‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.341‬‬
‫‪268‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫سقط حصن بانياس ُب أيدم اؼبسلمْب‪ ،‬كسرعاف ما سبكن الصليبيوف من استعادتو‪ ،‬كظل كالكرة‬
‫‪1‬‬
‫تتقاذفها أيدم الصليبيْب حينا كاؼبسلمْب أحيانا أخرل طواؿ سنوات عديدة‪.‬‬

‫شكلت ىذه اغبملة خطرا على الصليبيْب ُب الشاـ‪ ،‬فقرركا توحيد صفوفهم ٍب حشدكا‬
‫جيوشهم كعزموا على مهاصبة نور الدين زنكي‪ ،‬الذم كاف ىو اآلخر يعد العدة ؼبواجهتهم‪ ،‬كلكن‬
‫كضبل إذل حلب كىو أقرب إذل اؼبوت منو إذل اغبياة‪ ،‬كىلل‬
‫مرضا أدلَّ بو‪ ،‬أشرؼ بسببو على اؼبوت‪ ،‬ي‬
‫الصليبيوف فرحا َلعتقادىم بأف خصمهم اللدكد قد مات‪ ،‬كلن يلبث أف ينقسم اؼبسلموف من‬
‫جديد‪ 2.‬كحرص اؼبلك بلدكين الثالث على حشد صبيع القول الصليبية كاؼبسيحية‪ ،‬كدل يكتف بأمّبم‬
‫أنطاكية كطرابلس‪ ،‬كالداكية‪ 3،‬بل أرسلوا إذل ثوركس "يلتمسوف منو أف وبسن إليهم فينضم دبن عنده‬
‫إليهم ُب ضبلتهم الٍب يتوقعوف ؽبا النجاح التاـ‪ ،‬كعهدكا إذل أكلئك الرسل أف يصطنعوا كل كسيلة حٌب‬
‫يتخلى عن كل اؼبعاذير كينضم بإمداداتو إذل عسكر اغبلفاء اؼبوجود ُب أنطاكية‪ ،‬فتلقى ثوركس ىذه‬
‫الدعوة بالغبطة"‪ 4.‬كأسرع إذل أنطاكية على رأس جيش كبّب‪ ،‬للمشاركة ُب عرقلة أعماؿ نور الدين‬
‫ككقف تقدمو‪ 5،‬كاستئصاؿ الدكلة النورية الٍب سبثل أمل اؼبسلمْب صبيعا‪ٍ .‬ب سار مع اعبيش الصلييب‬
‫﵀اصرة مدينة شيزر ُب رمضاف ‪442‬ق‪/‬اكتوبر ‪0046‬ـ‪ 6.‬كقد أكسبتو ىذه اؼبساعدة الٍب قدمها‬
‫للصليبيْب شهرة‪ ،‬كاعتيًرب أشهر كأقول شخصية أرمينية‪ 7،‬حيث مدحو كليم الصورم ُب قولو ‪" :‬ثوركس‬
‫‪8‬‬
‫اْلمّب اْلرمِب القوم (‪)...‬كاف رجال ذا خلق قوصل كطبيعة نشيطة"‪.‬‬

‫‪ 1‬عاشور ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪528‬؛ اغبيارم مصطفى ‪ :‬مدينة بانياس‪ ،‬ص ‪.184-182‬‬
‫‪ 2‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪340‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.359‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Chevalier Marie-Anna : Les Ordres religieux-militaires en Arménie cilicienne, Geuthner,‬‬
‫‪Paris, 2009. pp. 98-99.‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.417‬‬
‫‪ 5‬اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪6‬‬
‫الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪84‬؛ ‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 79.‬‬
‫‪ 7‬اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ 8‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.417‬‬
‫‪271‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كُب نفس السنة ربالف أيضا مع السلطاف السلجوقي قلج أرسالف الثاشل الذم شكل خطرا على‬
‫نور الدين زنكي‪ ،‬حيث قاـ دبهاصبة مشاؿ الشاـ‪ ،‬كإقليم الفرات‪ ،‬كظهر أماـ أنطاكية‪ ،‬كىدد منطقة‬
‫حلب‪ 1،‬كبدَل من أف يضم سالحو إذل سالح اؼبسلمْب ﵀اربة الصليبيْب‪ ،‬راح يزيد ُب جراح إخوانو‪ٍ .‬ب‬
‫أرسل سفارة إذل ثوركس قبحت ُب ابراـ اتفاقية معو‪ ،‬أعاد دبوجبها بعض القالع إذل السالجقة‪ّٔ ،‬دؼ‬
‫كسب كدىم ضد اَلمرباطورية البيزنطية‪ 2.‬كأثبتت ىذه اْلحداث أف ثوركس الثاشل دل ينجح ُب إعادة‬
‫تأسيس إمارة أرمينيا الصغرل فحسب‪ ،‬بل قبح أيضا ُب اكتساب اغبلفاء‪ ،‬كزيادة نفوذه‪ ،‬كما أثبتت أنو‬
‫أظهر مهارة فائقة ُب اَلحتفاظ بإمارة أرمينيا الصغرل كسط العواصف العاتية الٍب أحاطت ّٔا‪ .‬كلكن‬
‫اَلمرباطور مانويل كومنْب مازاؿ يتحْب الفرص لالنقضاض عليو‪.‬‬

‫د – االمبراطور مانويل كومنين في قيليقيا‬


‫ُب سنة ‪442‬ق‪0047/‬ـ‪ ،‬انتهى اَلمرباطور مانويل كومنْب من مشاكلو ُب أكربا‪ ،‬كأصبح متفرغا‬
‫للجبهة الشرقية‪ ،‬كشرع ىبطط غبملة أرادىا أف تكوف جولة عسكرية‪ 3.‬كاف يريد تنظيم ضبلة عسكرية‬
‫جديدة ينتقم فيها من ثوركس الثاشل كمن رينو دك شاتيوف‪ٍ 4،‬ب يواصل زحفو إذل حلب‪ ،‬كبذلك يعيد‬
‫لإلمرباطورية حقوقها الٍب ضاعت بْب اْلرمن ُب قيليقيا‪ ،‬كىيبتها الٍب دنسها أمّب أنطاكية ُب الشاـ‪.‬‬
‫كحرص على ضباية ظهره من أم ىجوـ يقوـ بو اْلتراؾ على مؤخرة جيشو‪ ،‬خاصة بعد أف تصاحل‬
‫الدانشمنديوف كالسالجقة ُب اْلناضوؿ كصبدكا خالفاهتم‪ ،‬كتوحدكا ؼبهاصبة اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كما‬
‫أثار ـباكفو التقارب السلجوقي اْلرميِب الذم حدث منذ سنة‪ .‬فعقد صلحا ُب صيف سنة‬
‫‪442‬ق‪0047/‬ـ‪ ،‬مع سالجقة الركـ الذين أعادكا إليو بعض اؼبدف الٍب فتحوىا‪ ،‬كأغدؽ عليهم اْلمواؿ‬
‫كاؽبدايا لكسب رضاىم‪ 5،‬كبذلك يكوف قد قبح ُب عزؿ ثوركس الثاشل عن حلفائو‪.‬‬

‫‪ 1‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.164‬‬


‫‪2‬‬
‫;‪Grégoire le Prêtre : op. cit., pp. 178-179; Sempad : op. cit., p. 621; Alishan : op. cit., p. 52‬‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 391; Mutafian Claude, La Cilicie, t. I, p. 395.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bréhier Louis : Vie et mort, p. 320.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Alishan : op. cit., p. 53; Dédéyan Gérard : Le rayonnement de l'état arménien, p. 338.‬‬
‫‪5‬‬
‫طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪165-164‬؛ ‪Diehl Charles : Histoire de l'Empire, pp. 152-153.‬‬

‫‪270‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كبعد أف أًب اَلمرباطور مانويل استعداداتو‪ ،‬خرج ُب سبتمرب ‪442‬ق‪0047/‬ـ على رأس قواتو‬
‫متجها إذل قيليقيا‪ .‬كاعتمد على عنصر اؼبفاجأة‪ ،‬حيث سلك الطريق الساحلي اؼبلتوم‪ ،‬كما من أحد‬
‫علم بقدكمو حٌب أصبح على مسّبة يوـ كاحد من طرسوس‪ ،‬الٍب كاف يقيم فيها ثوركس الثاشل‬
‫آنذاؾ‪ 1.‬كتفاجأ اْلمّب اْلرميِب بقدكـ اَلمرباطور‪ ،‬كأدرؾ أنو غّب قادر على مواجهة اعبيش البيزنطي‪،‬‬
‫فجمع على الفور كل أموالو‪ ،‬كثركاتو‪ ،‬كأىل بيتو‪ ،‬كبعض أصدقائو اؼبقربْب‪ ،‬كبادر باؽبركب إذل اعبباؿ‪،‬‬
‫ٍب التحق بو بعض فرسانو‪ .‬كظلوا يتنقلوف بْب شعاب اعبباؿ كغاباهتا حٌب َل تكتشف القوات‬
‫‪2‬‬
‫البيزنطية مكاهنم‪.‬‬

‫عسكر اَلمرباطور مانويل ُب اؼبصيصة‪ ،‬كانساب جنوده بيسر ُب أرمينيا الصغرل دكف أف هبدكا‬
‫مقاكمة تذكر من قبل اؼبواطنْب اْلرمن‪ ،‬كقبحوا ُب أسر اغباميات اْلرمينية الٍب كانت ربمي اؼبدف‪.‬‬
‫فقد كاف ؽبركب ثوركس‪ ،‬كالعدد الضخم للقوات البيزنطية أبلغ اْلثر ُب قباحهم‪ .‬كُب ظرؼ أسبوعْب‬
‫‪3‬‬
‫عترب معاديان‬
‫ي ى‬ ‫ي‬ ‫ار‬
‫و‬ ‫جرهب‬ ‫خ‬‫اؼبؤر‬ ‫أف‬ ‫كرغم‬ ‫كانت اؼبدف كاغبصوف اؽبامة قد كقعت ُب قبضة اَلمرباطور‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫لكل ما ىو بيزنطي‪ ،‬فقد اعَبؼ ُب حوليتو أف مانويل كومنْب دل يلحق أم ضرر بالسكاف اْلرمن‪.‬‬

‫كُب اؼبصيصة جاءه رينو دك شاتيوف ذليال مهانا‪ ،‬يسَبضيو كيطلب منو العفو عما بدر منو ذباه‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كيعلن خضوعو ككَلءه لإلمرباطور‪ 5.‬كقد َلحظ اؼبلك بلدكين الثالث‪ ،‬أثناء‬
‫ضيافتو ؼبانويل كومنْب ُب معسكره باؼبصيصة‪ ،‬شدة غضب اَلمرباطور على ثوركس الثاشل‪ ،‬كانو رفض‬
‫توسالت البعض للعفو عنو بعدما عفا عن رينو‪ ،‬كأمر قواتو باَلستعداد ؼبهاصبة ثوركس كتعقبو كالبحث‬
‫عنو‪ .‬كلكن اؼبلك دل ييأس‪ ،‬فتوسط مع فرساف الداكية للصلح بْب اَلمرباطور كثوركس‪ 6،‬كعندما‬

‫‪ 1‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪354‬؛ كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.429-428‬‬
‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪429‬؛ عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪ 3‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 354‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪173‬؛‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, p. 384.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 187.‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .431-430‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪.569-568‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Chevalier Marie-Anna : op. cit., p. 99.‬‬

‫‪271‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫حضر ىذا اْلخّب أماـ مانويل طرده ُب أكؿ اْلمر‪ 1.‬كاغبقيقة أف اَلمرباطور كاف مستعدا للعفو عن‬
‫ثوركس بعد ما عفا عن رينو‪ ،‬كلكنو كاف يريد من اْلمّب اْلرميِب أف يظهر أمامو ُب رداء اؼبتضرع‬
‫اؼبتوسل‪ ،‬كبنفس مظاىر اإلىانة كاإلذَلؿ الٍب ظهر ّٔا اْلمّب رينو قبلو‪.‬‬

‫كما لبث أف اكتسب ثوركس عطف مانويل بعدما أكضح لو أف الوشايات ىي السبب ُب كل‬
‫ما حدث‪ٍ ،‬ب أدل يبْب الوَلء كأعلن خضوعو لإلمرباطور‪ 2،‬الذم قلده حكم بعض اؼبدف الٍب ربت‬
‫‪4‬‬
‫يده‪ 3،‬كعينو قائدا عبميع اعبيوش البيزنطية ُب ساحل البحر‪ ،‬كمنحو لقب سباستوس )‪،(Sebaste‬‬
‫مع التبعية لإلمرباطورية البيزنطية‪ 5.‬كلضماف ذلك عْب حاكما بيزنطيا يتوذل شؤكف قيليقيا‪ٍ 6.‬ب أذف لو‬
‫بالعودة إذل طرسوس‪ ،‬كاشَبط عليو أف وبضر على كجو السرعة ُب أم كقت يطلبو‪ .‬كسرعاف ما عاد‬
‫ثوركس إذل اؼبعسكر البيزنطي ُب اؼبصيصة كمعو قطيع كبّب من اػبيوؿ كاؼباشية‪ ،‬نالت إعجاب مانويل‬
‫كومنْب‪ ،‬فأكرمو باؽبدايا كعفا عنو‪ 7.‬فمن ىو الرابح كاػباسر ُب ىذه اؼبواجهة ؟‬

‫يبدك أف كليهما خرج ظافرا من ىذه اؼبعركة‪ ،‬كاْلكثر من ذلك أهنما استفادا من ذبربتهما‬
‫السابقة‪ .‬اَلمرباطور مانويل أعاد إقليم قيليقيا إذل حظّبة اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كأدرؾ أف اْلمّب‬
‫اْلرميِب صعب اؼبراس‪ ،‬كاْلفضل أف يقبلو ربت طاعتو‪ ،‬على أف يستمر ُب ؿباربتو‪ ،‬خاصة كأف خطره‬
‫قد تالشى بإعالف توبتو‪ .‬كدبا أف اَلمرباطور كاف ىبطط ؼبهاصبة نور الدين زنكي ُب حلب‪ ،‬فإنو كاف‬
‫ُب حاجة إذل ربالف كل القول اؼبسيحية معو‪ .‬كُب نظره‪ ،‬فإف خطر اْلرمن يهوف أماـ خطر‬
‫اؼبسلمْب‪ ،‬كلتحقيق ىدفو سار مانويل كومنْب ُب سياسة اؼبصاغبة الٍب ىي أفضل من سياسة‬
‫اؼبواجهة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 188.‬‬
‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.433‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 191; Pasdermadjian H. : op. cit., p. 205.‬‬
‫‪4‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪173‬؛ ‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 80.‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪433-432‬؛ اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪213‬؛ اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪229‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 316.‬‬
‫‪6‬‬
‫عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪243‬؛ ‪Payaslian Simon : op. cit., p. 83.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 188.‬‬

‫‪272‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كاؼبعركؼ أف اإلمرباطور البيزنطي‪ ،‬ارربل إذل أنطاكية بعد أف أكمل مهمتو ُب قيليقيا‪ ،‬كخرج‬
‫منها ُب حشد ىائل من القوات البيزنطية كالصليبية‪ُ ،‬ب طريقها إذل حلب‪ .‬كيفهم من كالـ كليم‬
‫الصورم أف ثوركس الثاشل قد انضم إليو‪ ،‬حيث قاؿ ‪" :‬امر اَلمرباطور اؼبنادين أف ينادكا ُب قادة كتائبو‬
‫أف يبعثوا أمامهم آَلهتم اغبربية‪ ،‬كأف يسّبكا باعبيش إذل حلب ُب يوـ حدده ؽبم‪ ،‬كخرج ىو كراءىم‬
‫كقد صحبو اؼبلك كحكاـ اؼبملكتْب‪ٍ ،‬ب رحل عن أنطاكية كالطبوؿ تقرع حولو كحوؿ من معو‪،‬‬
‫كاْلبواؽ يتعاذل نفخها"‪ 1،‬كتوقفوا صبيعا على مسافة بضع ساعات من حلب‪ .‬اؼبلك الذم صحب‬
‫اَلمرباطور ىو بلدكين الثالث ملك فبلكة بيت اؼبقدس‪ ،‬فمن نبا حكاـ اؼبملكتْب ؟ اْلكؿ ىو رينو‬
‫دك شاتيوف أمّب أنطاكية‪ ،‬كالثاشل من ا﵀تمل أف يكوف ثوركس الثاشل أمّب أرمينيا الصغرل‪ْ 2،‬لف‬
‫‪3‬‬
‫مانويل طلب منو ؼبا أذف لو بالعودة إذل طرسوس‪ ،‬أف وبضر على كجو السرعة ُب أم كقت يطلبو‪.‬‬
‫كبذلك يكوف مانويل قد قبح ُب أف هبعل من ثوركس جنديا ُب صفوؼ قواتو‪ ،‬مستغال طاقتو ُب‬
‫ؿباربة اؼبسلمْب‪.‬‬

‫أما ثوركس فقد أدرؾ أف اَلمرباطور مصمم على اقتالع إمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كَل يبكن لو أف‬
‫يظل ىاربا من كجهو‪ ،‬كستكوف عاقبتو اْلسر أك اؼبوت ُب شعاب اعبباؿ‪ ،‬كاْلخطر من ذلك‬
‫ستختفي إمارتو أك ستزكؿ هنائيا‪ ،‬كاْلفضل لو ُب ىذه اغبالة أف يقنع بسيادة ناقصة‪ ،‬أم بالتبعية‬
‫لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كوبفظ ىذه النواة الالزمة َلستمرار ىذه اإلمارة ؼبن يأٌب بعده من اْلمراء‪ُ ،‬ب‬
‫انتظار ما ستسفر عنو اْلحداث‪.‬‬

‫كباستثناء سبرد قصّب قاـ بو ضد اغباكم البيزنطي ُب قيليقيا انتقاما ؼبقتل أخيو ستيفاف‪ 4،‬أمضى‬
‫ثوركس الثاشل بقية حياتو خادما كفيا كمطيعا لإلمرباطور البيزنطي‪ ،‬كحليفا ـبلصا للصليبيْب ُب حركّٔم‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.435‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Chevalier Marie-Anna : op. cit., p. 101.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grégoire le Prêtre : op. cit., p. 188.‬‬
‫‪ 4‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪27‬؛‬
‫‪Guiragos de Kantzag : L'Histoire d'Arménie de Guiragos de Kantzag, ds. : R.H.C.D. Arm.,‬‬
‫‪Imprimerie impériale, 2ème éd., Paris, 1969. p. 416.‬‬
‫‪273‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫ضد اؼبسلمْب‪ .‬حيث انضم إذل مانويل كومنْب ُب سنة ‪446‬ق‪0050/‬ـ‪ ،‬كشاركو ضبلتو العسكرية‬
‫‪1‬‬
‫الٍب قاـ ّٔا ضد سالجقة الركـ الذين نقضوا اؽبدنة مع البيزنطيْب‪.‬‬

‫ق – ثوركس في معركة حارـ‬


‫ككانت معركة حارـ ُب رمضاف ‪448‬ق‪/‬أكت ‪0053‬ـ‪ ،‬دليال آخر على أف ثوركس الثاشل‬
‫أصبح يشكل شوكة ُب حلق اؼبسلمْب‪ .‬حيث قاـ نور الدين زنكي دبهاصبة حصن حارـ إلجبار اؼبلك‬
‫عمورم اْلكؿ‪461-447( Amaury Ier( 2‬ق‪0063-0051/‬ـ))‪ ،‬على اَلنسحاب من‬
‫مصر‪ ،‬كزبفيف الضغط الصلييب عليها‪ .‬فتكتل الصليبيوف‪" ،‬فجاؤكا ُب حدىم كحديدىم كملوكهم‬
‫كفرساهنم كقسوسهم كرىباهنم كأقبلوا إليو من كل حدب ينسلوف"‪ 3،‬كانضم إليهم اْلمّب اْلرميِب‬
‫ثوركس الثاشل‪ 4‬للقضاء على نور الدين الذم ؼبا رأل ضخامة القوات اؼبتحالفة‪ ،‬رفع اغبصار عن‬
‫حارـ‪ ،‬كتوجو كبو أرتاح‪ ،‬كفق خطة عسكرية ؿبكمة َلستدراجهم إذل مكاف بعيد عن قواعدىم‪.‬‬
‫كلكن اْلمّب اْلرميِب الذم اتصف باغبذر الشديد‪ ،‬كعركتو اغبركب‪ ،‬نصح اْلمراء اآلخرين بعدـ‬

‫‪ 1‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.171‬‬


‫‪ 2‬عمورم اْلكؿ ‪ :‬أك أمالرؾ أك أماريك اْلكؿ‪ ،‬ملك صلييب َل تيِب على بيت اؼبقدس (‪1174-1162‬ـ)‪ ،‬كرث أخاه اؼبلك‬
‫بلدكين الثالث‪ .‬كاف كونت يافا كعسقالف‪ ،‬كؼبا توذل عرش اؼبملكة كاف عمره طبسا كعشرين سنة‪ ،‬كدل ينل من التعليم ما نالو‬
‫اخوه‪ ،‬كلكنو كاف كاسع اَلؼباـ باْلمور القانونية‪ ،‬كلكن حياتو اػباصة دل تكن مقبولة عند رعاياه‪ ،‬كطد عالقاتو باإلمرباطور‬
‫البيزنطي مانويل كومنْب‪ ،‬كربالف معو ُب عدة مناسبات‪ .‬كانت عْب عمورم اْلكؿ على مصر‪ ،‬فقد اىتم بشؤكف مصر اىتماما‬
‫عظيما‪ ،‬حيث كاف حريصا على حرماف نور الدين من توحيد مصر مع بالد الشاـ ُب جبهة إسالمية كاحدة‪ ،‬ككاف مستعدا لفعل‬
‫كل ما بوسعو ؼبنع نور الدين من كضع يده على مصر‪ ،‬ؼبا ُب ذلك من خطر على فبلكة بيت اؼبقدس‪ ،‬كعلق ابن اْلثّب على ذلك‬
‫قائال ‪" :‬ككاف الفرنج قد أيقنوا باؽبالؾ إف ًب ملكو ؽبا"‪ ،‬كلذلك قضى حكمو ُب ؿباكلة اَلستيالء على مصر كاَلحتفاظ بالسيادة‬
‫عليها‪ ،‬مستغال ُب ذلك تدىور أكضاع الدكلة الفاطمية‪ .‬لكن السلطاف نور الدين ؿبمود زنكي تصدل لو كأحبط ؿباكَلتو‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪85‬؛ كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ُب تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ترصبة سهيل زكار‪ ،‬دار‬
‫الفكر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬دمشق‪ .1995 ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪259-251‬؛ رنسيماف ‪ :‬ج‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪589-585‬؛‬
‫الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪113‬؛ ‪203-202‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪413‬؛‬
‫‪Gerish Deborah : Amalric of Jerusalem (1136–1174), in : Crus. Ency., ABC-Clio,‬‬
‫‪California, 2006. pp. 58-59).‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.86‬‬
‫‪ 4‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.346‬‬
‫‪274‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫الدخوؿ ُب اؼبعركة كانتظار اؼبلك عمورم اْلكؿ حٌب يعود من مصر‪ ،‬غّب أف القادة الصليبيْب دل‬
‫يأخذكا بنصيحتو‪ ،‬فانسحب من اؼبعركة مع أخيو مليح‪ 1.‬كؼبا كقع الصداـ اهنزـ الصليبيوف شر ىزيبة‪،‬‬
‫كسقط منهم ستة أَلؼ أسّب ُب أيدم اؼبسلمْب‪ ،‬من صبلتهم "صاحب أنطاكية‪ ،‬كصاحب طرابلس‪،‬‬
‫كالدكؾ مقدـ الركـ‪ ،‬كابن جوسلْب"‪ 2،‬كدل ينج منهم إَل اْلمّب ثوركس‪ ،‬كأخوه مليح اللذاف انسحبا‬
‫من ميداف اؼبعركة كعبآ إذل أنطاكية‪ 3،‬بعد أف تبْب ؽبما عدـ جدكل مقاكمة اؼبسلمْب‪ .‬كرغم ذلك‬
‫سقط عدد كبّب من اعبنود اْلرمن ُب اْلسر‪ .‬كبعد أف كضعت اغبرب أكزارىا‪ ،‬تلقى نور الدين بعض‬
‫اؽبدايا من اْلمّب ثوركس‪ ،‬مع إلتماس بإطالؽ سراح اْلرمن‪ ،‬غّب أنو رفض ىذا الطلب‪ .‬فقاـ ثوركس‬
‫بغزك مدينة مرعش "كاعتقل أربعمائة تركي كأرسل إذل نور الدين يقوؿ ‪ :‬إشل مزمع أف أحرقهم أك ترد‬
‫إرل الزعماء الذين عندؾ"‪ 4،‬فاضطر نور الدين إذل تبادؿ اْلسرل معو‪.‬‬

‫بعد سقوط حارـ ُب أيدم اؼبسلمْب‪ ،‬اصبح الطريق مفتوحا أماـ نور الدين لفتح أنطاكية‪،‬‬
‫كمنها يغزك إمارة أرمينيا الصغرل ُب قيليقيا‪ 5،‬فأشار عليو أصحابو باغتناـ فرصة كقوع أمّب أنطاكية ُب‬
‫اْلسر‪ ،‬كاؽبجوـ على اؼبدينة كاستعادهتا من الصليبيْب‪ ،‬فهي تكاد تكوف خالية‪ ،‬فرفض نور الدين‪،‬‬
‫كأجأّم بقولو ‪" :‬أما اؼبدينة فأمرىا سهل‪ ،‬كأما القلعة الٍب ؽبا فهي منيعة َل تؤخذ إَل بعد طوؿ‬
‫حصار‪ ،‬كإذا ضيقنا عليهم أرسلوا إذل صاحب القسطنطينية كسلموىا إليو‪ ،‬كؾباكرة بيمند أحب إرل‬
‫من جوار ملك الركـ"‪ 6.‬كيفهم من ذلك أف نور الدين كاف يفضل أف تبقى إمارة أنطاكية‪ ،‬كإمارة‬
‫أرمينيا الصغرل حاجزا بينو كبْب اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬حٌب َل تتكرر التجربة الٍب حدثت سابقا مع‬
‫اَلمرباطور يوحنا كومنْب‪ ،‬الذم قضى على إمارة أرمينيا الصغرل‪ٍ ،‬ب انساب بسهولة إذل الشاـ‪ ،‬كصبع‬
‫الصليبيْب حولو ﵀اربة عماد الدين زنكي‪.‬‬

‫‪ 1‬الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪86-85‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ص ‪.384‬‬
‫‪ 2‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.347‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 324.‬‬
‫‪ 4‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 399.‬‬
‫‪ 6‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪275‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫ك‪ -‬مشركع مستوطنة أرمينية في فلسطين‬
‫انشغل ثوركس الثاشل ُب سنواتو اْلخّبة حبركبو ضد اْلمّب اْلرميِب أكشْب صاحب ؼبربكف‪ٍ 1،‬ب‬
‫‪3‬‬
‫زار البقاع اؼبسيحية اؼبقدسة ُب فبلكة بيت اؼبقدس بفلسطْب‪ 2،‬فأكرـ اؼبلك عمورم اْلكؿ كفادتو‪.‬‬
‫كَل حظ ثوركس خالؿ ىذه الزيارة مدل ضعف اؼبملكة من الناحية البشرية‪ ،‬إذ أف عدد اؼبسيحيْب‬
‫فيها قليل‪ْ ،‬لف ىجرة الفرقبة إذل بيت اؼبقدس اقتصرت على أصحاب السلطة‪ ،‬كالعسكريْب‪،‬‬
‫كالفرساف‪ ،‬كىذه الطبقة يَبكز كجودىا ُب اؼبناطق اغبضرية فقط‪ ،‬كغّب قادرة على ذبديد القوة البشرية‬
‫للمملكة‪ .‬أما اؼبسلموف الذين يشكلوف اْلغلبية ُب اْلرياؼ‪ ،‬فمعظمهم من الفالحْب كالتجار‪.‬‬
‫فاقَبح ثوركس الثاشل على اؼبلك مشركع إقامة مستوطنة أرمينية ُب فبلكتو‪ 4.‬كتعود أنبية ىذا اؼبشركع‬
‫إذل توفر أعداد ضخمة من اْلرمن الذين نزحوا من أرمينيا الكربل‪ ،‬خالؿ القرف اغبادم عشر‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬كاستقركا ُب إقليمي قيليقيا كالفرات‪ ،‬كىم يشكلوف موردا بشريا ىائال‪ ،‬معظمهم فالحوف‬
‫كذبار‪ ،‬كأقصى ما يطلبوف ىو اْلمن ُب أراضي مسيحية‪ ،‬كاحَباـ كنيستهم الوطنية‪ ،‬كاذا ما سبكن‬
‫ىؤَلء اْلرمن الذين كلدكا أعداء لإلسالـ‪ ،‬من ضرب جذكرىم ُب اؼبملكة‪ ،‬سيشكلوف حاجزا أماـ‬
‫سيل اؼبسلمْب‪ ،‬كيستطيعوف أف يوفركا للملكة ما ربتاجو من أغلبية مسيحية ُب اْلرياؼ كاغبواضر‪.‬‬
‫كىذه اؽبجرة اْلرمينية اؼبنظمة سيكوف ُب مقدكرىا إنقاذ اؼبمتلكات الفرقبية‪.‬‬

‫كفهم اؼبلك عمورم اْلكؿ مشركع اَلمّب اَلرميِب فورا‪ ،‬كبعد أف شكره استدعى رجاؿ الدين‬
‫كالباركنات ؼبناقشة ىذا اَلقَباح‪ ،‬كتسوية اجراءات اؽبجرة اَلرمينية‪ ،‬ككاف رأيو أف يبنح للمستوطنْب‬
‫اْلرمن نفس القانوف اػباص بالرعايا العرب اتباع اؼبلك الذين يعيشوف ُب اؼبملكة‪ ،‬أم نفس‬
‫‪1‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 81.‬‬
‫‪ 2‬يذكر أليشاف أف ىذه الزيارة جرت ُب السنة ‪ ،1162‬كيقوؿ أف ثوركس حظي باستقباؿ اؼبلوؾ من طرؼ اؼبلك اعبديد‪ٍ ،‬ب قدـ‬
‫لو التهاشل‪ ،‬كأدل لو فركض الطاعة‪ ،‬كأقسم لو أنو سيبقى دائما من أتباع ملك فبلكة بيت اؼبقدس‪ ،‬كالصليبيْب كؼبا عاد إذل قيليقيا‬
‫أرسل إليو ثالثْب ألف جندم‪ ،‬ككضع ُب خدمتو ُب اغباؿ طبسة عشر ألفا عربوف كفاء‪ .‬كلكن الكنيسة طلبت منو دفع ضريبة‬
‫العشر ‪( ...‬انظر ‪.)Alishan : op. cit., p. 53. :‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ernoul : Chronique d'Ernoul et de Bernard le trésorier, Librairie de la société de l'histoire de‬‬
‫‪France, Paris, 1871. p. 25; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 82.‬‬
‫‪ 4‬براكر يوشع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪276‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫اَلمتيازات الشخصية كالثقافية‪ ،‬كيضاؼ إليهم اجبارية اػبدمة العسكرية‪ ،‬كأيد الباركنات ىذا الرأم‪.‬‬
‫كلكن اَلكلّبكس ا﵀لي الالتيِب الذم كاف ُب بعض اَلحياف يرتاب كثّبا من الطوائف اؼبسيحية‬
‫اْلخرل‪ ،‬اشَبط على ثوركس الثاشل أف يدفع اؼبستوطنوف اْلرمن ُب فبلكة بيت اؼبقدس ضريبة دينية‬
‫خاصة‪ ،‬كازبذ رجاؿ الدين ىذا القرار بدكف العودة اذل رئيس الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬الذم بنظرتو‬
‫البعيدة َل يرفض مشركعا فرقبيا ارمينيا كهذا‪ .‬كرفض ثوركس الثاشل باسم الشعب اْلرميِب اػبضوع‬
‫لشركطهم‪ ،‬قائال ‪َ" :‬ل يأٌب اْلرمن إذل ارض اؼبملكة ليصبحوا عبيدا"‪ 1.‬كىكذا أفشل رجاؿ الدين‬
‫الالتْب فكرة إقامة مستوطنة أرمينية ُب فلسطْب‪ ،‬ككلد اؼبشركع ميتا‪.‬‬

‫بعد عودتو من بيت اؼبقدس‪ ،‬انقطع ثوركس ُب أكاخر حياتو إذل الرىبنة‪ ،‬مع احتفاظو بعالقاتو‬
‫اعبيدة مع الداكية‪ 2،‬إذل أف توُب ُب ربيع اْلكؿ ‪453‬ق‪/‬ديسمرب ‪0057‬ـ‪ ،‬كأكصى بالعرش َلبنو‬
‫‪3‬‬
‫الصغّب كحرـ أخاه مليح من كراثتو‪.‬‬

‫‪ - 5‬مليح بن ليوف األكؿ (‪569-566‬ق‪1174-1170/‬ـ)‬


‫تعترب شخصية اْلمّب مليح فريدة ُب تاريخ أرمينيا‪ ،‬فهو دل يتحالف مع البيزنطيْب أك مع‬
‫الصليبيْب ضد اؼبسلمْب على عادة أمراء أرمينيا الصغرل‪ ،‬بل سار عكس التيار الذم كاف سائدا ُب‬
‫بالده‪ ،‬حيث ربالف مع نور الدين ؿبمود زنكي‪ ،‬الذم كضع ربت تصرفو فرقا من عساكر اؼبسلمْب‪،‬‬
‫شن ّٔم حربا على بِب جلدتو من اْلرمن كعلى البيزنطيْب‪ ،‬كالصليبيْب‪ ،‬كشكل خطرا عليهم‪ ،‬كظل‬
‫حليفا لنور الدين إذل كفاتو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ernoul : op. cit., p. 26-30; Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, pp. 574-575.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Alishan : op. cit., p. 55; Chevalier Marie-Anna : op. cit., p. 100.‬‬
‫‪ 3‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪179‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 331; Vahram d'Edesse : op. cit., p. 508; Chevalier : op. cit., p. 106.‬‬
‫‪277‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫أ – التحالف مع نور الدين محمود زنكي‬
‫كتعود بداية العالقة بْب اْلمّب مليح كنور الدين ؿبمود زنكي‪ ،‬إذل ما بعد معركة حارـ الٍب‬
‫جرت ُب سنة ‪448‬ق‪0053/‬ـ‪ .‬حيث ساءت العالقة بْب اْلمّب ثوركس الثاشل كأخيو مليح ُب‬
‫أكاخر حياتو‪ ،‬فقد كرد ُب حولية ظبباد‪ ،‬أف مليح دبر مؤامرة َلغتياؿ أخيو‪ ،‬كؼبا باءت ا﵀اكلة بالفشل‪،‬‬
‫طرده أخوه من اإلمارة‪ ،‬فلجأ إذل حلب‪ 1،‬كىناؾ رحب بو نور الدين زنكي كأحسن كفادتو‪ٍ ،‬ب أقطعو‬
‫كص‪ .(Cyrrhus) 2‬كدل تذكر اؼبصادر سبب ؿباكلة اَلغتياؿ‪ ،‬فردبا يعود السبب إذل طمع‬
‫قلعة يخ ير ي‬
‫ثوركس ُب اَلنفراد بعرش أرمينيا الصغرل‪ 3،‬أك ردبا كاف مليح يتوقع أف تؤكؿ إليو اإلمارة بعد كفاة‬
‫أخيو‪ ،‬أك على اْلقل يكوف كصيا على ابن أخيو القاصر‪ ،‬فخابت توقعاتو‪ 4.‬كالراجح أف اْلمّب ثوركس‬
‫كاف فاقدا للثقة ُب أخيو مليح لسبب ما‪ 5،‬فأكصى بوَلية العهد إذل ابنو الصغّب ركبْب من بعده‪،‬‬
‫كأككل الوصاية عليو إذل أحد أقربائو‪ 6،‬فأثار بذلك حفيظة أخيو‪ ،‬الذم أدرؾ بأف عرش اإلمارة أصبح‬
‫بعيد اؼبناؿ‪ ،‬فحاكؿ أف يصل إليو بطريقتو اػباصة‪.‬‬

‫كبعد كفاة ثوركس الثاشل‪ ،‬كعمال بالوصية‪ ،‬فقد نصب نبالء اْلرمن ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬ابنو‬
‫ركبْب أمّبا عليهم‪ ،‬باسم ركبْب الثاشل (‪455-453‬ق‪0061-0057/‬ـ)‪ ،‬كىو دل يبلغ سن‬

‫‪1‬‬
‫‪Smbat : La chronique attribuée au connétable Smbat, introduction, traduction et notes par‬‬
‫‪Gérard Dédéyan, librairie orientaliste Paul Geuthner, Paris, 1980. pp. 49-50.‬‬
‫‪2‬‬
‫كص ‪ :‬مدينة قديبة‪ ،‬تقع على بعد كيلومَبات أسفل قلعة الراكنداف‪ ،‬عند مصب هنرم صابوف كعفرين (انظر اػبريطة)‪.‬‬
‫يخير ي‬
‫س )‪ ،(Kilis‬جنوب تركيا‪( .‬انظر ‪ :‬ابن شداد ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪12‬؛‬ ‫ًّْ‬
‫كحاليا تقع مشاؿ غرب مدينة كل ٍ‬
‫‪.)Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 19‬‬
‫‪ 3‬الغامدم علي ؿبمد عودة ‪ :‬سياسة نور الدين ؿبمود العسكرية إزاء اْلرمن ُب قيليقيا ‪569-563‬ق‪1147-1168/‬ـ‪ ،‬حبث‬
‫منشور ُب ‪ :‬بحوث تاريخية‪ ،‬حبوث علمية ؿبكمة حصيلة اللقاءين العلميْب اْلكؿ كالثاشل‪ ،‬شواؿ ‪1409‬ق ك شواؿ ‪1410‬ق‪،‬‬
‫إصدار اعبمعية التارىبية السعودية‪ ،‬الرياض‪ .1993/1413 ،‬ص ‪.314‬‬
‫‪ 4‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪ 5‬عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪.319‬‬
‫‪6‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪179‬؛ ‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, pp. 539-540‬‬

‫‪278‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫الرشد‪ .‬فتوذل الوصاية عليو توماس )‪ ،(Thomas‬كىو من أنطاكية كمن أصل فرقبي‪ 1،‬كفضال عن‬
‫قرابتو العائلية‪ ،‬فقد كاف على عالقة قديبة بأبيو‪ 2.‬غّب أنو افتقر إذل اؼبقدرة كاإلدراؾ‪ ،‬كدل يستطع أف‬
‫‪3‬‬
‫يكيف نفسو بسرعة كسط ؿبيطو اعبديد‪ ،‬بسبب أصلو الالتيِب‪ ،‬كمذىبو الكاثوليكي‪.‬‬

‫كبعد سنة من تورل اْلمّب اْلرميِب اعبديد شؤكف أرمينيا الصغرل‪ ،‬خرج مليح من حلب ُب سنة‬
‫‪454‬ق‪0061/‬ـ‪ ،‬كمعو فرساف نور الدين زنكي‪ ،‬كقاـ بغزك اْلرمن ُب قيليقيا‪" ،‬كأجلى ستة عشر‬
‫ألفا من فتياف كفتيات كرجاؿ كنساء كقسوس كرىباف كأساقفة كاستاؽ اعبميع إذل حلب كباعهم كدفع‬
‫أشباهنم إذل اْلتراؾ"‪ 4،‬كدل هبد توماس الوصي بدا من اؽبركب إذل أنطاكية‪ ،‬أما النبالء اْلرمن فقد‬
‫أخذكا اْلمّب ركبْب الثاشل إذل قلعة الركـ‪ 5،‬عساه هبد اغبماية فيها عند رئيس الكنيسة اْلرمينية‪ٍ .‬ب‬
‫اتفقوا مع مليح على أف يتوذل نصف البالد‪ ،‬كتعهد ؽبم باغبفاظ على حقوؽ ابن أخيو اْلمّب ركبْب‬
‫الثاشل الوريث الشرعي‪ ،‬كلكنو ما لبث أف نقض ىذا العهد كأرسل رجالو يتعقبونو‪ ،‬فاغتالوه‪ ،‬كخال‬
‫‪6‬‬
‫عرش أرمينيا الصغرل لألمّب مليح‪.‬‬

‫‪ 1‬خاقبي انطوف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪224‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪629‬؛ اسكندر فايز قبيب ‪:‬‬
‫فبلكة أرمينية‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 83.‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪361‬؛ الغامدم علي ؿبمد عودة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪ 4‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪ 5‬قلعة الركـ )‪ : (Hromgala‬قلعة حصينة تقع فوؽ جبل صخرم‪ُ ،‬ب غريب الفرات مقابل البّبة بينها كبْب ظبيساط‪ّٔ ،‬ا مقر‬
‫جثليق اْلرمن‪ ،‬كيسمونو باْلرمينية كتاغيكوس (‪ ،)Catholicos‬كقد منحتها لو الكونتيسة بياتريس اْلرمينية‪ ،‬أرملة جوسلْب‬
‫كونت الرىا ُب سنة ‪ 1150‬ـ‪ .‬كفتح اؼبسلموف ما حوؽبا من البالد‪ ،‬كبقيت القلعة ُب كسط بالدىم كدل ينتزعوىا من اعبثليق‪،‬‬
‫ْلجل مقاـ رب اؼبلة عندىم كأهنم يَبكوهنا كما يَبكوف البيع كالكنائس ُب بالد اَلسالـ‪ .‬كما كاف فيها من بناء بيزنطي قدصل‪،‬‬
‫أكملو جثالقة اْلرمن ُب أكاخر القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬كبقيت قلعة الركـ مقرا للجثليق كبو قرف كنصف ُب ظل السيادة‬
‫الَبكية‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪84-83‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪530‬؛‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 122; Augé Isabelle : Le catholicos arménien pendant la‬‬
‫‪période cilicienne, ds : Cahiers de civilisation médiévale Xe-XIIe siècles, n° 52, centre‬‬
‫‪d'études supérieures de civilisation médiévale, université de Potiers, 2009. p. 338.‬‬
‫‪ 6‬عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪319‬؛ الغامدم علي ؿبمد عودة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪315‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 331; Smbat : op. cit., p. 53.‬‬
‫‪281‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كلكن أليس من اؼبدىش أف يطلب مليح مساعدة السلطاف نور الدين ؿبمود كىو الذم زرع‬
‫الرعب ُب قلوب الصليبيْب كاؼبسيحيْب اؼبتحالفْب معهم ؟ ما الذم جعل مليح يذىب إذل حلب‪ ،‬كدل‬
‫يتجو إذل أنطاكية أك إذل بيزنطة ؟ ىل كاف مسلما ىبفي إسالمو ؟ أـ كاف يريد اَلنتقاـ من أخيو ؟‬
‫كما مصلحة نور الدين ُب قبولو َلجئا ؟ كؼباذا منحو قلعة خركص بالذات ؟‬

‫لإلجابة عن ىذه اْلسئلة َل بد من البحث ُب حياة ثوركس اػباصة قبل طرده من أرمينيا‬
‫الصغرل‪ .‬كتربر الدراسات اْلرمينية اغبديثة موقف مليح‪ ،‬بأنو عاش ؿبركما ُب طفولتو‪ٍ ،‬ب مر دبرحلة‬
‫مراىقة مضطربة‪ .‬حيث تركو كالده رىينة عند ريبوند بواتييو أمّب أنطاكية سابقا‪ٍ ،‬ب كقع أبوه أسّبا بْب‬
‫يدم يوحنا كومنْب‪ ،‬الذم سجنو ُب القسطنطينية حٌب مات ىناؾ‪ .‬فأمضى مليح نصف حياتو كحيدا‬
‫ُب قيليقيا‪ ،‬كدل ينل ُب صغره تربية صحيحة تؤىلو لتورل شؤكف اإلمارة‪ ،‬كظل مهمال‪ ،‬كعاش ُب حياتو‬
‫متأرجحا مَبددا‪ ،‬كتقلب بْب الديانات كاؼبذاىب‪ ،‬كالبرط ُب طائفة فرساف اؽبيكل‪ ،‬فاكتسب منهم‬
‫شجاعة كجرأة‪ ،‬كلكنو أظهر عنادا كغرركا‪ ،‬فطردكه من صفوفهم أك انسحب بإرادتو‪ ،‬كتذىب ىذه‬
‫‪1‬‬
‫الدراسات إذل القوؿ أنو ارتد عن اؼبسيحية كاعتنق اَلسالـ بعد مغادرتو للطائفة‪.‬‬

‫كالواقع أف مليح دل يكن مهمال ُب صغره‪ ،‬كدل يكن كحيدا ُب قيليقيا‪ ،‬بل قضى شطرا من شبابو‬
‫َلجئا عند ابن عمتو جوسلْب الثاشل أمّب الرىا كمرعش‪ ،‬متنقال بْب قصوره ىناؾ‪ .‬كاكتسب من‬
‫انضمامو إذل صفوؼ الداكية‪ ،‬تربية عسكرية كركحية قائمة على اَلنضباط كالتفاشل ُب خدمة‬
‫اؼبسيحية‪ .‬كشارؾ معهم ُب التحالف الصلييب ضد اؼبسلمْب ُب معركة حارـ الٍب جرت كقائعها أربع‬
‫‪2‬‬
‫سنوات قبل كفاة أخيو‪ ،‬كفر جبلده من اؼبعركة دبساعدة قبيلة تركمانية‪ ،‬يقوؿ ابن العدصل أنو خاؽبم‪.‬‬

‫كمن شبة فإف اعتناقو لإلسالـ أمر غّب ثابت‪ ،‬خاصة كأف صبيع اؼبصادر العربية كاْلرمينية‬
‫كالسريانية‪ ،‬كالالتينية‪ ،‬دل تذكر إطالقا ىذه اؼبسألة كربدثت فقط عن تعاكنو مع نور الدين ضد‬
‫اؼبسيحيْب‪ ،‬كىي نفسها الٍب ذكرت أف فيالريت مؤسس أكؿ دكلة أرمينية ُب قيليقيا‪ ،‬أنو اعتنق‬

‫‪ 1‬اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪214‬؛ بوعمامة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪28‬؛‬
‫‪Alishan : op. cit., p. 55; Pasdermadjian : op. cit., p. 205; Chevalier : op. cit., pp. 107-108.‬‬
‫‪ 2‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.347‬‬
‫‪280‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫اَلسالـ ُب الثمانينيات من القرف اغبادم عشر‪ ،‬فلماذا تتجاىل مليح لو أصبح مسلما ؟! كرغم أف‬
‫كليم الصورم كصفو بأقذع الصفات‪ ،‬إَل أنو دل يصرح بأنو اعتنق اَلسالـ‪ 1.‬كيفهم من سياؽ النص‬
‫الذم أكرده ابن اْلثّب أف نور الدين كجد معارضة من بعض مستشاريو ؼبا منح قلعة خركص إذل‬
‫مليح‪ ،‬حيث قاؿ ‪" :‬فإف نور الدين ؼبا قيل لو ُب معُب استخدامو كإعطائو اَلقطاع ُب بالد الشاـ قاؿ‬
‫أستعْب بو على قتاؿ أىل ملتو"‪ 2،‬كمن دكف شك أف اؼبعارضْب استندكا إذل عقيدة مليح اؼبسيحية‪،‬‬
‫كما يزيد من تأكيد ىذا الرأم أف نور الدين قاؿ أنو يستعْب بو على أىل ملتو‪ ،‬كىذا يثبت أنو كاف‬
‫مسيحيا‪ .‬أما الذىيب فقد كصفو بالنصراشل ‪" :‬ككاف نور الدين قد استخدـ مليح بن َلكف اْلرمِب‬
‫النصراشل على بالد سيس"‪ 3،‬كىذا َل يدع ؾباَل للشك ُب عقيدتو‪ .‬كمن اْلدلة القاطعة على أنو دل‬
‫يعتنق اَلسالـ‪ ،‬زكاجو بابنة شقيق اعبثليق اْلرميِب نرسيس شنورىارل (‪Nersês Chnorhali‬‬
‫(‪0062-0055‬ـ))‪ ،‬كىو رئيس الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬كاعبدير باؼبالحظة‪ ،‬أف مليح ىو اْلمّب الوحيد‬
‫من آؿ ركبْب الذم تزكج بأمّبة أرمينية‪ ،‬كاْلمراء اآلخركف تزكجوا بأمّبات بيزنطيات أك فرقبيات‪ .‬كما‬
‫أنو دفن ُب دير ىمٍتػ ٍزكار )‪ ،(MètzK'ar‬الذم أشرؼ ىو على بنائو‪ ،‬ككاف ختمو وبمل سبثاَل نصفيا‬
‫للسيدة مرصل‪ 4.‬كل ىذا يثبت أف مليح ظل على عقيدتو اؼبسيحية‪ ،‬كمن دكف شك أف فكرة اعتناقو‬
‫اَلسالـ‪ ،‬الٍب ركجت ؽبا كثّبا بعض اؼبراجع اغبديثة‪ ،‬تعود إذل ربالفو مع نور الدين ؿبمود‪ ،‬أقول‬
‫عاىل مسلم آنذاؾ‪ ،‬كىو َل يزيد عن كونو ربالفا سياسيا‪.‬‬

‫أما عن عبوئو إذل حلب‪ ،‬كليس إذل بيزنطة أك أنطاكية أك بيت اؼبقدس‪ ،‬فلم يرد ُب اؼبصادر أف‬
‫مليح كاف على عالقة مع نور الدين قبل طرده من إمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كلذلك يبدك أف اْلمر يتعلق‬
‫برغبة مليح ُب اَلنتقاـ من أخيو ثوركس‪ ،‬الذم كانت تربطو عالقات متينة بالبيزنطيْب كبفرساف اؼبعبد‪،‬‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ج ‪ ،7‬ص ‪.361‬‬


‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.119‬‬
‫‪ 3‬الذىيب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.73‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Vahram Rapoun, op. cit., p. 14; Chevalier : op. cit., p. 107; Mutafian : L'Arménie du Levant, p. 84.‬‬

‫‪281‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كبالصليبيْب صبيعا‪ ،‬كىؤَلء صبيعا يشَبكوف ُب عداكهتم لنور الدين‪ ،‬فأراد مليح أف يستغل ىذه العداكة‬
‫كيستعْب بو ضد أخيو‪.‬‬

‫كأحسن نور الدين ؿبمود استغالؿ ىذه الفرصة الٍب لن تتكرر‪ ،‬لشق جبهة اؼبسيحيْب‬
‫‪1‬‬
‫تس ٍد‪ .‬كبرر‬
‫ي‬ ‫ؽ‬‫ر‬
‫ّْ‬ ‫ػ‬
‫ى‬‫ف‬ ‫سياسة‬ ‫مطبقا‬ ‫اؼبتحالفْب ضد اؼبسلمْب‪ ،‬كقبح بسياستو ىذه ُب فصل اْلرمن عنهم‪،‬‬
‫نور الدين سياستو ىذه بقولو ‪" :‬أستعْب بو على قتاؿ أىل ملتو كأريح طائفة من عسكرم تكوف‬
‫بإزائو سبنعو من الغارة على البالد آّاكرة لو"‪ 2.‬كعلى سبيل اؼبقارنة‪ ،‬إذا كانت سياسة مانويل كومنْب‬
‫ُب ؿباربة اْلرمن قائمة على ضرب العدك بالعدك‪ ،‬فإف سياسة نور الدين ُب ؿباربة اْلرمن قائمة على‬
‫ضرب العدك لنفسو بنفسو‪.‬‬

‫كؼبا منحو قلعة خركص بالذات‪ ،‬فإف ذلك يدؿ عل بعد النظر عند نور الدين ؿبمود‪ ،‬فهذه‬
‫القلعة تعترب قاعدة مراقبة متقدمة للدفاع عن حلب‪ ،‬فهي تشرؼ على مشاؿ إمارة أنطاكية كجنوب‬
‫إقليم قيليقيا‪ ،‬كؼبا منحها نور الدين إذل مليح كانت خرابا‪ 3،‬فعليو أف يصلحها كيرمم أسوارىا‪ٍ ،‬ب‬
‫هبعل منها ؿبطة إنذار مبكر‪ُ ،‬ب حالة ىجوـ بيزنطي أك صلييب‪ ،‬على إمارة حلب من جهة الشماؿ‪،‬‬
‫كما تصلح لتكوف قاعدة ؼبهاصبة أرمينيا الصغرل‪ .‬كالراجح أف نور الدين اشَبط شركطا مقابل‬
‫مساعدتو ؼبليح‪ 4،‬ردبا تضمنت القضاء على النفوذ البيزنطي كالصلييب ُب منطقة قيليقيا‪ْ ،‬لهنا نقطة‬
‫اَلتصاؿ الربية الوحيدة بْب الدكلة البيزنطية كاإلمارات الصليبية ُب بالد الشاـ‪ 5.‬ككاف نور الدين يعرؼ‬
‫جيدا طبيعة اؼبنطقة الٍب قدر لو أف يتوذل إحدل قياداهتا اؼبهمة‪ ،‬كيقف على ثغر من ثغورىا اؼبتقدمة‬
‫‪6‬‬
‫دبواجهة خطر التحالف الصلييب اؼباثل أمامها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 413.‬‬
‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.119‬‬
‫‪ 3‬ابن شداد ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪.115‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ج ‪ ،7‬ص ‪.361‬‬
‫‪ 5‬الغامدم علي ؿبمد عودة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪6‬‬
‫اؼبزيِب ابراىيم بن ؿبمد بن ضبد ‪ :‬ظبات اغبكم الزنكي ُب عهد نور الدين ؿبمود (‪569-541‬ق‪1147-1146/‬ـ)‪ ،‬مجلة جامعة‬
‫االماـ محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬ع ‪ ،22‬جامعة اَلماـ ؿبمد بن سعود اَلسالمية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ربيع الثاشل ‪1419‬ق‪ .‬ص ‪.444‬‬
‫‪282‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كإذا قبح نور الدين ُب مساعدة مليح للوصوؿ إذل السلطة‪ ،‬فإنو سيجعل من إمارة أرمينيا‬
‫الصغرل دكلة حاجزة بينو كبْب اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬تقيو ضرباهتا‪ .‬ككاف نور الدين ؿبمود يعرؼ‬
‫جيدا ما يقع ُب مشاؿ بالده‪ ،‬حيث كاف إقليم قيليقيا يتعرض باستمرار ؽبجمات اْلتراؾ أك اْلرمن‬
‫الذين ينزلوف من جباؿ طوركس‪ ،‬كإذا أراد اَلمرباطور البيزنطي الذىاب إذل أنطاكية‪ ،‬أك إذل الشاـ‪،‬‬
‫هبب عليو أف يسيطر على قيليقيا‪ 1،‬كحٌب تكوف اغبدكد الشمالية للدكلة الزنكية آمنة‪ ،‬جعل من‬
‫اْلمّب مليح حارسا عليها‪ .‬كقد أفصح عن ذلك حينما قاؿ ؼبستشاريو ‪" :‬كأجعلو سدا بيِب كبْب ملك‬
‫‪2‬‬
‫القسطنطينية"‪.‬‬

‫كيوضح ابن اْلثّب سياسة نور الدين ىذه الٍب سلكها مع مليح بأهنا خدعة من خدعو الٍب كاف‬
‫يكثر من استعماؽبا ضد أعدائو‪ .‬فهو َل يستطيع أف يسيطر على قيليقيا ؼبناعتها‪ ،‬بينما كاف ُب مقدكر‬
‫القول اؼبعادية الٍب تسيطر على قيليقيا شن الغارات على أعماؿ حلب كالعودة عرب دركب قيليقيا‬
‫كالتحصن دبعاقلها اعببلية‪ ،‬كأماـ ىذه اغبقيقة الٍب كاف نور الدين يعرفها جيدا‪ ،‬عبأ إذل استمالة مليح‪،‬‬
‫حيث قاؿ ‪" :‬كمن جيد الرأم ما سلكو مع مليح بن ليوف ملك اْلرمن صاحب الدركب‪ ،‬فإنو ما زاؿ‬
‫ىبدعو كيستميلو حٌب جعلو ُب خدمتو سفران كحضران‪ ،‬ككاف يقاتل بو الفرنج‪ ،‬ككاف يقوؿ‪ :‬إمبا ضبلِب‬
‫على استمالتو‪ ،‬أف بالده حصينة كعرة اؼبسالك‪ ،‬كقالعو منيعة‪ ،‬كليس لنا إليها طريق‪ ،‬كىو ىبرج منها‬
‫ب ٍاكبى ىجىر فيها فال يقدر عليو‪ ،‬فلما رأيت اغباؿ ىكذا‪،‬‬ ‫ً‬
‫إذا أراد فيناؿ من بالد اإلسالـ‪ ،‬فإذا طيل ى‬
‫بذلت لو شيئا من اإلقطاع على سبيل التألف حٌب أجاب إذل طاعتنا كخدمتنا‪ ،‬كساعدنا على‬
‫‪3‬‬
‫الفرنج"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Elisséeff Nikita : Nūr Ad-dīn un grand prince musulman de Syrie au temps des croisades‬‬
‫‪(511-569h./1118-1174), Librairie d'Amérique et d'Orient, Damas, 1967. T. II, p. 536.‬‬
‫‪ 2‬الذىيب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.73‬‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪.169‬‬
‫‪283‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كلكن مشس الدين الذىيب الذم كتب بعد حوارل قرف من ابن اْلثّب‪ ،‬دل يعترب ما قاـ بو نور‬
‫‪1‬‬
‫الدين ذباه مليح من جيد الرأم‪ ،‬بل قاؿ ‪" :‬كعيدَّت ىذه من غلطات نور الدين‪ ،‬رضبو ا﵁ تعاذل"‪.‬‬
‫فما الذم ضبلو على ىذا القوؿ ؟ ككيف يبكن تفسّب ىذا التناقض بْب اؼبؤرخْب بشأف تصرؼ نور‬
‫الدين ذباه مليح ؟‬

‫الواقع أف مليح دل يشكل خطرا على اإلمارات اَلسالمية آّاكرة لو‪ ،‬حٌب يعد ذلك من أخطاء‬
‫نور الدين ؿبمود‪ ،‬فكانت نزاعاتو مع اىل ملتو اؼبسيحيْب من بيزنطيْب كصليبيْب كافية لتشغلو عن‬
‫شؤكف اؼبسلمْب ُب مشاؿ الشاـ أك ُب آسيا الصغرل‪ .‬ككاف نور الدين ؿبمود يدرؾ ىذه اغبقيقة‬
‫كلذلك كاف يرسل إليو ما وبتاجو من قوة عسكرية لتثبيت مركزه ُب قيليقيا‪ ،‬لكي تبقى جبهة‬
‫الصليبيْب مقسمة كمشغولة بقضاياىا الداخلية‪ ،‬كىذه من حيل اغبرب ككيدىا‪ ،‬كمن باب استعانة‬
‫اؼبسلم بكافر ضد كافر‪ .‬كلكن اْلمراء اْلرمن الذين حكموا بعد مليح أعادكا لإلمارة قوهتا‪ ،‬كربالفها‬
‫مع الصليبيْب كشكلت خطرا على اإلمارات اإلسالمية ُب اؼبنطقة‪ ،‬خاصة ُب عهد اؼبلك ليوف اْلكؿ‪،‬‬
‫كىيثوـ اْلكؿ‪ ،‬كردبا ىذا ما يشّب إليو الذىيب‪ ،‬أم أف خطر أرمينيا الصغرل على اؼبسلمْب دل يكن‬
‫قائما ُب عهد اْلمّب مليح أك ُب عهد نور الدين‪ ،‬كلكن مواقع القول تغّبت بعد كفاهتما لصاحل‬
‫اْلرمن‪.‬‬

‫ب – محاربة مليح الصليبيين كالبيزنطيين‬


‫كبعد أف سيطر مليح على دفة اغبكم ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬بدأ نور الدين هبِب شبار استخدامو‬
‫ؽبذا اْلمّب‪ ،‬الذم شرع يضايق الصليبيْب كينكل ّٔم‪ .‬حيث شرع بصحبة فرساف نور الدين‪ ،‬بطرد‬
‫فرساف اؽبيكل‪ ،‬من قالعهم الٍب منحهم إياىا أخوه ثوركس‪ ،‬كىي سبتد على طوؿ جباؿ اْلمانوس‬
‫الفاصلة بْب إمارة أرمينيا الصغرل ُب الشماؿ كإمارٌب حلب كأنطاكية ُب اعبنوب‪ .‬ككاف يكن حقدا‬
‫دفينا ؽبذا التنظيم العسكرم الديِب‪ ،‬الذم سبق لو كأف البرط فيو‪ٍ 2،‬ب غادره بعد اختالفو معهم‪،‬‬

‫‪ 1‬الذىيب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.73‬‬


‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ج ‪ ،7‬ص ‪361‬؛ مقامي نبيلة ابراىيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪132‬؛‬
‫‪Tournebize F. : op. cit., p. 126.‬‬
‫‪284‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫ككثّبا ما كانت تستخدـ تلك القالع مراكز ؼبهاصبة اؼبسلمْب‪ ،‬كخطوط إمداد للصليبيْب‪ ،‬أبرزىا قلعة‬
‫بغراس ذات اؼبوقع اَلسَباتيجي‪ ،‬كىي تشرؼ على الطريق الرابط بْب قيليقيا كأنطاكية‪ 1.‬كبانتزاعو من‬
‫الداكية‪ ،‬صبيع القالع كبطردىم إذل خارج قيليقيا‪ ،‬يكوف مليح قد كجو ضربة قوية للنفوذ الصلييب‬
‫داخل إمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كربح اعبولة اْلكذل من اؼبعركة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫كُب سنة ‪455‬ق‪0060/‬ـ‪ ،‬ق ػ ًدـ إل ػى ف ػل ػس ػط ػي ػن عن طريق البحر ستيفن كونت سانكّب‪،‬‬
‫)‪ (le comte Étienne de Sancerre ou de Blois,‬للزكاج باْلمّبة سبيلال )‪،(Sibylle‬‬
‫اَلبنة الكربل للملك عمورم اْلكؿ‪ ،‬كلكنو عدؿ عن رأيو‪ ،‬كقطع ا﵀ادثات حوؿ إسباـ الزهبة‪ٍ .‬ب أراد‬
‫العودة إذل بالده بران مع صباعة من فرسانو‪ ،‬قاصدين زيارة أنطاكية كالقسطنطينية‪ .‬كؼبا بلغ اؼبصيصة ُب‬
‫سهل قيليقيا‪ ،‬كقع ُب كمْب نصبو لو اْلمّب مليح‪ ،‬فانقض عليو كأسره مع أتباعو‪ ،‬كغنم صبيع الكنوز‬
‫الثمينة الٍب كانت معو‪ .‬كبعد توسالت مذلة بذؽبا ستيفن‪ ،‬أطلق مليح سراحو مع بعض مرافقيو‪ ،‬كدل‬
‫يَبؾ لو إَل فرسا ىزيال َلستخدامو ُب ما بقي لو من طريق إذل القسطنطينية الٍب بلغها بعد مشقة‬
‫‪3‬‬
‫كبّبة‪ ،‬كتركت ىذه اغباثة أسوأ اْلثر ُب نفوس الصليبيْب‪.‬‬

‫ٍب التفت مليح إذل اعببهة البيزنطية ُب بداية سنة ‪457‬ق‪0062/‬ـ‪ ،‬للقضاء على ما تبقى من‬
‫نفوذ بيزنطي ُب قيليقيا‪ ،‬فهاجم آؿ ىيثوـ جّبانو اْلرمن الذين يعتربكف من أتباع اَلمرباطورية البيزنطية‪،‬‬
‫ُب اعبهة الغربية من جباؿ طوركس‪ ،‬كحاصر عاصمتهم ؼبربكف دكف أف يتمكن من اقتحامها‪ٍ 4.‬ب‬
‫ىاجم اغباميات البيزنطية اؼبرابطة ُب أذنة كطرسوس كاؼبصيصة‪ ،‬كسبكن من السيطرة عليها‪ 5.‬فأرسل‬

‫‪1‬‬
‫‪Elisséeff Nikita : Nūr Ad-dīn un grand prince, t. II, p. 556; Chevalier Marie-Anna : op. cit.,‬‬
‫‪pp. 108-110; Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, , p. 401.‬‬
‫‪2‬‬
‫ستيفن كونت سانكّب أك ستيفن شامبْب ‪ :‬ىو حفيد ا﵀ارب الصلييب كونت بلوا‪ ،‬كأصغر أبناء ثيوبلد الثاشل ‪(Thibaut de‬‬
‫)‪ Champagne‬كونت بلوا كشارتر كتركم‪ ،‬كلد حوارل سنة ‪1130‬ـ كيبدك أنو تزكج أكثر من مرة‪ ،‬ككاف أرمال ُب سنة‬
‫‪1170‬ـ‪ ،‬كلكنو كاف بالغ الثراء كالتجربة‪( .‬انظر ‪ :‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪ ،643‬ىامش رقم ‪.)1‬‬
‫‪ 3‬كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ج ‪ ،7‬ص ‪358‬؛ الغامدم علي ؿبمد عودة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪315‬؛‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 414.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Sempad : op. cit., pp. 632-624; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 85.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Le rayonnement de l'Etat arménien de Cilicie, p. 338.‬‬

‫‪285‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫اَلمرباطور مانويل كومنْب قوة عسكرية َلستعادة ىذه اؼبدف الٍب تعترب أـ الثغور‪ ،‬كأرسل نور الدين‬
‫بدكره قوة عسكرية ؼبساعدة اْلمّب مليح‪ ،‬فاهنزـ البيزنطيوف ككثر فيهم القتل كاْلسر‪ ،‬كانقطع دابرىم ُب‬
‫أرمينيا الصغرل‪ ،‬بفضل اإلمدادات الٍب كصلت من حلب‪ .‬فأرسل مليح إذل نور الدين كثّبا من‬
‫الغنائم كثالثْب أسّبا من أعياف القوـ الذين كقعوا ُب اْلسر‪ ،‬فسّب نور الدين بعضهم إذل اػبليفة‬
‫‪1‬‬
‫العباسي اؼبستضيء بأمر ا﵁ (‪464-455‬ق‪0071-0061/‬ـ)‪.‬‬

‫كبعد أف سيطر اْلمّب مليح على قالع الداكية ُب اْلمانوس‪ ،‬كتعرض لستيفن أثناء عبوره‬
‫قيليقيا‪ ،‬كاستعاد من البيزنطيْب أذنة كطرسوس كاؼبصيصة‪ ،‬كقويت شوكتو‪ ،‬دل يعد ُب مقدكر الصليبيْب‬
‫‪2‬‬
‫اَلنتقاؿ برا من الشاـ إذل الدكلة البيزنطية‪ .‬كشعر بوىيموند الثالث (‪-1163( Bohémond III‬‬
‫‪ ))1201‬أمّب أنطاكية‪ ،‬أف إمارتو باتت مهددة‪ ،‬إذ أصبح مليح يشرؼ عليها من الشماؿ كيبكنو أف‬
‫يهاصبها ُب أم كقت إذا ما أكعز إليو نور الدين بذلك‪.‬‬

‫ككجد الصليبيوف أنفسهم أماـ كاقع جديد‪ ،‬كىو أف إمارة أرمينيا الصغرل الٍب كانت برج حراسة‬
‫لإلمارات الصليبية ُب الشماؿ‪ ،‬انقلبت عليهم‪ ،‬كأصبحت ؿبطة ىجوـ ضدىم‪ ،‬كمنبع اػبطر الذم‬
‫‪3‬‬
‫يهددىم‪ .‬كُب الوقت الذم كاف فيو صالح الدين اْليويب (‪478-421‬ق‪0082-0026/‬ـ)‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪119‬؛ عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪320‬؛ بوعمامة فاطمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪28‬؛‬
‫‪Elisséeff Nikita : Nūr Ad-dīn un grand prince, t. II, p. 536.‬‬
‫‪ 2‬بوىيموند الثالث ‪ :‬أمّب أنطاكية (‪ ،)1201-1163‬ابن كونستانس (ابنة ككريثة بوىيموند الثاشل)‪ ،‬كزكجها ريبوند بواتييو أمّب‬
‫أنطاكية الذم لقي مصرعو ُب معركة بينو كبْب نور الدين ؿبمود زنكي ُب سنة ‪1149‬ـ‪ٍ .‬ب تزكجت برينالد دك شاتيوف الذم كقع‬
‫ُب أسر نور الدين عاـ ‪1160‬ـ‪ .‬كاف بوىيموند الثالث آنذاؾ يبلغ من العمر طبس عشرة سنة‪ ،‬ككانت أمو تريد أف تستأثر‬
‫بالسلطة لنفسها‪ ،‬فتدخل بلدكين الثالث ملك بيت اؼبقدس كأعلن بوىيموند الثالث أمّبا شرعيا‪ ،‬كعهد باغبكومة إذل البطريرؾ‬
‫ايبرم حٌب يبلغ اْلمّب سن الرشد‪ ،‬اْلمر الذم أغضب كونستانس فبادرت إذل اَلستنجاد باَلمرباطور مانويل كومنْب‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Mac-Evitt Christopher : Bohemund III of Antioch (d. 1201), in : Crus. Ency., ABC-Clio,‬‬
‫‪California, 2006. p.177).‬‬
‫‪ 3‬صالح الدين اْليويب ‪ :‬ىو صالح الدين يوسف بن قبم الدين أيوب‪ ،‬مهندس كمنفذ معركة حطْب‪ ،‬كاػبصم اْلكرب للصليبيْب‪،‬‬
‫كلد ُب تكريت منأصل كردم‪ ،‬كنشأ ُب بالط عماد الدين زنكي‪ ،‬كقضى طفولتو ُب ظل كالده ُب بعلبك‪ ،‬كحفظ القرآف الكرصل‬
‫كدرس الفقو كاغبديث كاؼبذىب السِب‪ .‬رحل مع أبيو إذل دمشق كالتحق ببالط نور الدين ؿبمود سلطاف حلب‪ ،‬رافق عمو أسد‬
‫الدين شّبكوه ُب اغبمالت الٍب أرسلها نور الدين إذل مصر‪ ،‬كالٍب انتهت بتورل شّبكوه الوزارة‪ ،‬كعند كفاتو ُب سنة‬
‫‪565‬ق‪1169/‬ـ‪ ،‬خلفو صالح الدين كعندما كطد سلطتو دبصر أهنى حكم الفاطميْب‪ ،‬كظل تابعا اظبيا للسلطاف نور الدين =‬
‫‪286‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫وباصرىم من اعبنوب الغريب بعد فتحو ؼبصر‪ ،‬جاءت (خيانة) مليح لتحاصرىم من جهة الشماؿ‬
‫‪1‬‬
‫الغريب‪.‬‬

‫أماـ ىذا الواقع‪ ،‬بدأ الصليبيوف يتحركوف للقضاء على اْلمّب مليح‪ ،‬الذم "بدا أنو من أسوأ‬
‫أعدائهم"‪ 2،‬حيث زحف بوىيموند الثالث كمعو بعض اْلمراء الصليبيْب آّاكرين لو على أرمينيا‬
‫الصغرل ُب ربيع سنة ‪457‬ق‪0062/‬ـ‪ ،‬كلكنو فشل ُب ربقيق اَلنتصار‪ .‬فاستنجد بعمورم اْلكؿ‬
‫ملك فبلكة بيت اؼبقدس الذم أسرع بقواتو ؼبساعدة أمّب أنطاكية‪ 3،‬فقد كاف يرل أف قتاؿ القوات‬
‫الصليبية للقوات اْلرمينية فيو إىدار ؽبذه القول الٍب هبب ادخارىا لقتاؿ اؼبسلمْب‪ .‬كلذلك سعى‬
‫لتحقيق السالـ قبل أف يباشر القتاؿ‪ ،‬لعل مليحا يفيق إذل رشده‪ ،‬كيقدر أنبية الوازع الديِب‪ .‬فأرسل‬
‫إليو كفدا طلب منو اغبضور دبفرده لعقد اجتماع معو لتصفية اػبالفات كإجراء الصلح بينو كبْب أمّب‬
‫أنطاكية‪ .‬أظهر اْلمّب مليح سعادة بتلقيو رسالة من اؼبلك‪ ،‬كلكنو ظل يراكغ‪ ،‬كدل يعط إجابة ؿبددة‬
‫كَل تارىبا معينا لعقد اَلجتماع‪ ،‬كالراجح أف اْلمّب مليح أراد كسب الوقت‪ ،‬حٌب يتمكن من اَلتصاؿ‬
‫بنور الدين‪ ،‬ككضع خطة مشَبكة ازاء تدخل اؼبلك الصلييب‪ .‬كؼبا نفذ صرب اؼبلك حشد قواتو‪ ،‬كصبيع‬
‫القوات الصليبية ُب تلك اؼبنطقة‪ ،‬كقاـ حبملة عسكرية عقابية ضد مليح الذم عبأ إذل إحدل القالع‬
‫كاعتصم ّٔا‪ .‬فهاجم أرمينيا الصغرل‪ ،‬متخذا الطريق الساحلي‪ ،‬حٌب َل يسقط ُب الكمائن الٍب نصبها‬

‫= الذم دخل ُب خالؼ معو‪ .‬كبعد كفاتو أعلن صالح الدين استقاللو كنصب نفسو سلطانا على مصر‪ ،‬سنة ‪569‬ق‪1174/‬ـ‪،‬‬
‫ٍب ضم الشاـ كاعبزيرة‪ ،‬كأصلى الصليبيْب نارا حامية‪ ،‬كىزمهم ُب معركة حطْب ُب سنة ‪583‬ق‪1187/‬ـ‪ .‬ذاع صيتو بْب اؼبسيحيْب‬
‫ؿباربا شهما كرصل اػبلق حٌب مع أعدائو‪ ،‬كسياسيا ماىرا‪ ،‬كقائدا ؿبنكا‪ ،‬كؿببا للعلم كمشجعا للعلماء‪ .‬كيوجد جداؿ بْب صباعٍب‬
‫السنة كالشيعة حوؿ تقييم اعبوانب اؼبختلفة من شخصيتو كدكافعو‪ ،‬فأىل السنة يركف أف صدؼ صالح الدين كمثاليتو أمرا بديهياف‬
‫َل يقبالف النقاش‪ ،‬فهو الذم كحد العادل اَلسالمي كحرر القدس من الصليبيْب‪ ،‬كىو مثاؿ للقائد التقي الشجاع اؼبتجرد‪ .‬أما‬
‫الشيعة اليوـ فّبكف صالح الدين ؾبرد مغامر عسكرم أناشل‪ ،‬خاف أمتو كفرط ُب ثقة قادتو كجنوده‪ ،‬كتصاحل مع الصليبيْب‪َّ ،‬‬
‫كىد‬
‫أركاف أعظم اَلمرباطوريات ُب التاريخ اَلسالمي‪ ،‬كىي الدكلة الفاطمية‪( .‬انظر ‪ :‬الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪272-235‬؛ اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،4 ،‬ص ‪2102-2101‬؛‬
‫‪Richards D.S. : Salah Al-Din, in : Enc. Isl., EJ. Brill, Leiden, 1995. pp. vol. VIII, 910-914).‬‬
‫‪1‬‬
‫اؼبزيِب ابراىيم بن ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪450‬؛‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, p. 540.‬‬
‫‪ 2‬كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ج ‪ ،7‬ص ‪.361‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Elisséeff Nikita : Nūr Ad-dīn un grand prince, t. II, p. 556; Payaslian Simon : op. cit., p. 84.‬‬

‫‪287‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫لو مليح ُب الدركب كاؼبمرات الضيقة‪ .‬فأحرقت قواتو اغببوب كا﵀اصيل الزراعية‪ ،‬كحاكلوا أف يقتحموا‬
‫‪1‬‬
‫القالع الواقعة على طريقهم دكف جدكل‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫كأراد نور الدين أف ىبفف الضغط على حليفو مليح‪ ،‬فسار بقواتو كاذبو ّٔا كبو حصن ال ىكىرؾ‪،‬‬
‫التابع ؼبملكة بيت اؼبقدس الصليبية‪ ،‬فحاصره كنصب عليو آّانيق‪ 3،‬ك"أحدث ىذا النبأ كربا شديدا‬
‫للملك"‪ 4،‬الذم اضطر إذل ترؾ أرمينيا الصغرل على حالو‪ ،‬كالعودة مع قواتو بأقصى سرعة إذل بيت‬
‫اؼبقدس‪ ،‬خوفا من أف يهاصبها نور الدين‪ .‬كبذلك انشغل الصليبيوف حبصار الكرؾ‪ ،‬كقبح نور الدين‬
‫ُب صرؼ نظرىم عن مليح ُب قيليقيا‪ ،‬كتشتيت صفوفهم‪ ،‬كؼبا تأكد نور الدين من عودة عمورم‬
‫‪5‬‬
‫اْلكؿ إذل فلسطْب‪ ،‬فك اغبصار كقفل عائدا إذل بالده‪.‬‬

‫كبوفاة نور الدين ُب ‪ 00‬شواؿ ‪458‬ق‪ 03/‬مام ‪0063‬ـ‪ 6،‬ربطم التحالف اَلسالمي اْلرميِب‪،‬‬
‫ككاف مليح أكؿ من تأثر بذلك‪ ،‬إذ فقد حليفا قويا‪ ،‬طاؼبا ساعده ُب حركبو ضد الصليبيْب كالبيزنطيْب‪ 7.‬كدل‬
‫يعد النبالء اْلرمن أك جنده اػباص ىبشونو‪ ،‬فثاركا عليو ُب سنة ‪461‬ق‪0064/‬ـ‪ ،‬كؼبا حاكؿ اللجوء إذل‬
‫إحدل القالع اؼبنيعة‪ ،‬قبضوا عليو كفتكوا بو ُب مدينة سيس‪ ،‬كىو أكؿ أمّب أرميِب تعرض لالغتياؿ ُب‬
‫ساللة بِب ركبْب‪ 8،‬كتذكر اؼبصادر السريانية أف حراس القلعة "قطعوه إربا إربا كألقوا جثتو للكالب"‪ 9،‬كإف‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ج ‪ ،7‬ص ‪362‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪183‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح ‪:‬‬
‫اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪19‬؛ اسكندر فايز قبيب ‪ :‬فبلكة أرمينية‪ ،‬ص ‪58‬؛ عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪325‬؛ الغامدم‬
‫علي ؿبمد عودة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪317‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 337.‬‬
‫‪ 2‬ال ىكىرؾ ‪ :‬قلعة حصينة جدا ُب طرؼ الشاـ من نواحي البلقاء ُب جباؽبا بْب أيلة كالبحر اْلضبر‪ ،‬كالبيت اؼبقدس‪ ،‬كىي على رأس‬
‫عاؿ ربيط ّٔا أكدية إَل من جهة الربض‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر ستبق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.)131‬‬ ‫جبل و‬
‫‪ 3‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫‪ 4‬كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ج ‪ ،7‬ص ‪.362‬‬
‫‪ 5‬نفسو؛ ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪106‬؛ الذىيب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪69‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج‬
‫‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪640‬؛ ‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 83.‬‬
‫‪ 6‬ابن اْلثّب ‪ :‬التاريخ الباىر‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ 7‬اسكندر فايز قبيب ‪ :‬فبلكة أرمينية‪ ،‬ص ‪58‬؛ عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Alishan : op. cit., p. 57.‬‬
‫‪9‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪192‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 361.‬‬

‫‪288‬‬
‫ثبات آؿ ركبيف في قيميقيا‬ ‫الفصؿ السادس‬
‫كانت ىذه الركاية مبالغ فيها كثّبا كَل يبكن تصديقها‪ْ ،‬لف قربه موجود ُب دير متزكار‪ 1،‬فإهنا تدؿ على أف‬
‫اؼبسيحيْب عموما كاْلرمن خصوصا تربموا من حكمو‪ ،‬كاعتربكه شخصية سلبية شوىت تاريخ أرمينيا‬
‫الصغرل‪ 2،‬حٌب أف بعض اؼبؤرخْب اْلرمن ذباىلوه إطالقا ُب حولياهتم كدل يذكركا اظبو‪ ،‬كاْلحداث الٍب‬
‫‪3‬‬
‫اندلعت ُب عهده‪ ،‬ليس سهوا منهم‪ ،‬بدليل أهنم ذكركا اْلمراء الذين حكموا أرمينيا الصغرل قبلو كبعده‪.‬‬

‫كلكن اؼبؤرخ الفرنسي ركشل جركسيو‪ ،‬بعد أف عدد مساكئ الرجل‪ ،‬اعَبؼ لو بالفضل ُب القضاء على‬
‫النفوذ البيزنطي ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬كاعتربه ؿبرر البالد من كل أشكاؿ التبعية‪ 4.‬كيبدك أف مليح ىو أكثر‬
‫اْلمراء اْلرمن كطنية‪ ،‬فقد استفاد من دركس التاريخ‪ ،‬كتعلم بأف الصليبيْب غزاة كىم الذين أذاقوا اْلرمن من‬
‫كأس اؽبواف‪ُ ،‬ب الرىا كُب كيسوـ‪ ،‬كُب مرعش‪ ،‬كينظركف بعْب الطمع إذل قيليقيا‪ ،‬أما اَلمرباطورية البيزنطية‬
‫فما زالت تعترب أف إقليم قيليقيا جزءان من أراضيها‪ ،‬كأف اْلرمن ىراطقة‪ ،‬فرأل أف من مصلحتو التحالف مع‬
‫نورالدين ؿبمود زنكي بغض النظر عن كونو مسلما‪.‬‬

‫كمن اْلمور الٍب يبكن استنتاجها من ىذا الفصل ‪:‬‬

‫أكال ‪ :‬استطاع أمراء أرمينيا الصغرل أف يضمنوا اَلستمرار إلمارهتم‪ ،‬بفضل ربالفهم كتعاكهنم مع‬
‫الصليبيْب‪ ،‬رغم النزاعات الٍب كانت تندلع بينهم من حْب آلخر‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬كما كانت أرمينيا الكربل ُب العهد العباسي دكلة حاجزة بْب اَلمرباطورية البيزنطية كاػبالفة‬
‫العباسية‪ ،‬كذلك اْلمر بالنسبة ْلرمينيا الصغرل‪ ،‬فقد كانت حاجزا بْب اَلمرباطورية البيزنطية كالدكلتْب‬
‫النورية‪ ،‬كاْليوبية ُب بالد الشاـ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬إف ربالف نور الدين زنكي مع اْلمّب مليح اْلرميِب‪ ،‬كاف ْلغراض سياسية كعسكرية كليس‬
‫دينية‪ ،‬ككاف يبكن ؽبذا التحالف أف يعطي شبارا أكثر‪ ،‬لو سار على منوالو السالطْب الذين حكموا بعده‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 509, Alishan Léonce : op. cit., p. 57, 217.‬‬
‫‪ 2‬بوعمامة فاطمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Vartan le Grand : Extrait de l'histoire universelle, ds. R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale,‬‬
‫‪2ème ed., Paris, 1969. p. 485; Guiragos de Kantzag : op. cit., p. 421.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grousset René : L'Empire du levant, p. 391.‬‬

‫‪311‬‬
‫الفصل الطابع‬

‫من إمارة إلى مملكة‬

‫‪ - 1‬ركبين الثالث بن ستيفاف (‪583-577‬ق‪1187-1175/‬ـ)‬


‫أ – ىجوـ صالح الدين األيوبي على أرمينيا الصغرل‬

‫ب – الحرب بين أرمينيا الصغرل كإمارة أنطاكية‬

‫‪ - 2‬ليوف الثاني (‪616-583‬ق‪1219-1187/‬ـ)‬


‫أ – بين صالح الدين األيوبي كليوف الثاني‬

‫ب ‪ -‬ليوف الثاني كالحملة الصليبية الثالثة (‪585‬ق‪1189/‬ـ)‬

‫ج – التوسع على حساب المسلمين‬

‫د ‪ -‬السعي للحصوؿ على التاج الملكي‬

‫‪ – 3‬مالمح التحوالت الدينية كالثقافية في أرمينيا الصغرل‬


‫أ ‪ -‬الكنيسة األرمينية بين التسامح االسالمي كالتعصب المذىبي المسيحي‬

‫ب ‪ -‬عالقة الكنيسة األرمينية بالكنيسة الكاثوليكية‬


‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬

‫ُب أكاخر القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬كاف أمراء أرمينيا الصغرل قد تغلبوا على كثّب من‬
‫الصعاب كالتحديات الٍب كاجهت إمارهتم‪ ،‬كقبحوا ُب تثبيت أسسها كسط ؿبيط يناصبهم العداء‪.‬‬
‫فقد عمل اْلمّب ركبْب الثالث على ؿبو آثار سياسة عمو اْلمّب مليح‪ ،‬كعاد للتحالف من جديد مع‬
‫الصليبيْب‪ٍ ،‬ب دخل ُب حرب ضدىم‪ .‬كخالؿ اغبملة الصليبية الثالثة بذؿ اْلمّب ليوف الثاشل جهدا‬
‫منقطع النظّب‪ ،‬للحصوؿ على التاج اؼبلكي‪ ،‬فنسج خيوط التحالف مع اؼبؤسسة البابوية‪ ،‬كمع بعض‬
‫الدكؿ الكربل ُب أكربا الغربية‪ ،‬كاكتسب بذلك اعَباؼ القول الركحية كالزمنية بدكلتو الٍب ربولت إذل‬
‫فبلكة مسيحية ترعى مصاحل الصليبيْب بعد اهنيار فبلكة بيت اؼبقدس ُب معركة حطْب‪ .‬كلكن القول‬
‫اَلسالمية اؼبعاصرة‪ ،‬تصدت ؽبذا اؼبولود اعبديد الغريب عن ديارىم‪ْ ،‬لهنم أدركوا أنو يعيش بفضل‬
‫الركح الٍب نفختها فيو الكنيسة الكاثوليكية اغباقدة على اَلسالـ كاؼبسلمْب‪ ،‬كىي الٍب دفعت حبشود‬
‫الصليبيْب إذل أرضهم قبل قرف من الزماف‪.‬‬

‫يتعرض ىذا الفصل إذل تفاصيل تلك اْلحداث‪ ،‬بدءان بظركؼ تورل ليوف الثاشل السلطة ُب‬
‫إمارتو‪ ،‬ككيف تعاطى مع أحداث اغبملة الصليبية الثالثة‪ ،‬كاستغالؽبا لتنفيذ مآربو‪ ،‬كعالقتو بصالح‬
‫الدين اْليويب الذم ارتاع َلقَباب جنود ىذه اغبملة من بالده‪ٍ .‬ب اؼبساعي الدبلوماسية الٍب بذؽبا‬
‫ليوف الثاشل لتتوهبو ملكا على أرمينيا الصغرل‪ .‬كينتهي الفصل بالبحث عن مظاىر الصراع اؼبسيحي‬
‫اؼبذىيب ككيف أدل ذلك إذل استقالؿ الكنيسة اْلرمينية عن الكنائس اْلخرل‪ٍ ،‬ب التعرض ُب اْلخّب‬
‫إذل أىم مظاىر التحوَلت اَلجتماعية كالثقافية‪ ،‬الٍب مست أرمينيا الصغرل بعد عقود طويلة من‬
‫احتكاكها بشعوب كاجناس زبتلف عنها ُب اْلصوؿ كاَلنتماء اغبضارم‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫‪ - 1‬ركبين الثالث بن ستيفاف (‪583-570‬ق‪1187-1175/‬ـ)‬
‫ىو ابن ستيفاف أخ ثوركس الثاشل كمليح‪ ،‬كاف مقيما عند أخوالو مع أخيو اْلصغر ليوف منذ أف‬
‫استوذل عمو مليح على السلطة‪ .‬كبعد اغتيالو أرسل النبالء اْلرمن إذل ركبْب ليخلف عمو كهبلس‬
‫على عرش أجداده‪ .‬فنصبوه أمّبا على أرمينيا الصغرل باسم ركبْب الثالث‪ ،‬فبا جعل اؼبؤرخ كلود‬
‫موتافياف يطرح احتماؿ ضلوعو ُب اؼبؤامرة الٍب أكدت حبياة عمو اْلمّب مليح‪ 1.‬كبعد أف توذل شؤكف‬
‫اإلمارة‪ ،‬غّب ركبْب الثالث سياسة إمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كاتبع خطا ـبالفا سباما لًما كاف عليو سلفو‪.‬‬
‫كعلى حد تعبّب بعض اؼبؤرخْب‪ ،‬انصرؼ اْلمّب اعبديد إذل إزالة اآلثار السيئة كمداكاة اعبراح الٍب‬
‫سببها اْلمّب مليح بالنسبة لألرمن‪ 2.‬كمن مظاىر ىذا التحوؿ أنو أعاد ربط العالقات مع فرساف‬
‫اؼبعبد‪ ،‬كظبح ؽبم باستعادة قالعهم ُب جباؿ اْلمانوس‪ 3.‬كربالف مع الصليبيْب كشارؾ معهم ُب‬
‫حصار حصن حارـ ُب سنة ‪462‬ق‪0066/‬ـ‪ 4،‬كازدادت عالقتو متانة ّٔم بعد زيارتو لبيت اؼبقدس‪،‬‬
‫كزكاجو ُب سنة ‪466‬ق‪0070/‬ـ‪ ،‬بأمّبة فرقبية ىي ايزابيال )‪ ،(Isabelle‬ابنة أمّب الكرؾ‪ 5.‬كأظهر‬
‫خالؿ مدة حكمو أنو حليف ـبلص للفرنج‪ .‬كما اىتم باعبالية اْلرمينية خارج أرمينيا الصغرل‪ ،‬حيث‬
‫أرسل سفارة إذل مصر‪ ،‬للمطالبة بإعادة فتح كنيستْب أرمينيتْب‪ ،‬كاف قد كىبهما بدر اعبمارل لألرمن‬
‫ُب كقت سابق‪ ،‬كدل ربقق ىذه السفارة ىدفها بسبب معارضة أحد الفقهاء ُب مصر‪ 6.‬كاىتم بالعمراف‬
‫‪8‬‬
‫كاؼبدف‪ ،‬كبناء الكنائس‪ ،‬كاْلديرة‪ 7،‬كسعى ليجعل من إمارة أرمينيا الصغرل دكلة قوية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Smbat : op. cit., p. 55; Alishan : op. cit., p. 57; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 87.‬‬
‫‪ 2‬اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪215‬؛ اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Chevalier Marie-Anna : op. cit., p. 111.‬‬
‫‪ 4‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪143-142‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪376‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, pp. 375-376.‬‬
‫‪ 5‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪681‬؛‬
‫‪Vahram Rapoun : op. cit., p. 14; Sempad : op. cit., p. 627‬‬
‫‪ 6‬أبو صاحل اْلرمِب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪8-7‬؛ عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪7‬‬
‫بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪29‬؛ ‪Pasdermadjian : op. cit., p. 206.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. II, p. 649.‬‬

‫‪312‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫أ – ىجوـ صالح الدين األيوبي على أرمينيا الصغرل‬
‫لقد شاءت الظركؼ أف يتم تنصيب ركبْب الثالث أمّبا على إمارة أرمينيا الصغرل‪ُ ،‬ب كقت‬
‫فقدت فيو اَلمرباطورية البيزنطية ىيبتها بعد اؽبزيبة القاسية الٍب تلقتها على أيدم قوات سلطنة‬
‫‪2‬‬
‫سالجقة الركـ ُب معركة مّبيو كيفالوف‪ُ )Myriokképhalon( 1‬ب سنة ‪461‬ق‪0065/‬ـ‪.‬‬
‫كخالؿ اْلعواـ التالية دل يعد اعبيش البيزنطي ُب كضع يسمح لو بشن اؽبجوـ على قيليقيا‪ ،‬كذلك‬
‫بسبب اػبسائر الٍب تكبدىا‪ ،‬كانشغالو بالدفاع عن اغبدكد البيزنطية ضد السالجقة‪ ،‬فبا أدل إذل زكاؿ‬
‫طموح بيزنطة للسيطرة على اْلناضوؿ أك أرمينيا الصغرل من جديد‪ 3.‬كبقدر ما حزف البيزنطيوف‪،‬‬
‫ىلل اْلرمن ؽبزيبة بيزنطة‪ْ ،‬لهنم كانوا يدركوف بأف إمارهتم ستكوف الضحية القادمة ُب حالة انتصار‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية على السالجقة‪ ،‬كلكن اَلمرباطور مانويل كومنْب مازاؿ يعلق آماَل على الطابور‬
‫‪4‬‬
‫اػبامس اؼبتمثل ُب آؿ ىيثوـ ُب مرتفعات أرمينيا الغربية‪.‬‬

‫كإذا كانت إمارة أرمينيا الصغرل ُب عهد ركبْب الثالث قد زبلصت من أطماع اَلمرباطورية‬
‫البيزنطية هنائيا‪ ،‬فإهنا كجدت نفسها معرضة لتهديدات جديدة من جّباهنا الثالثة ‪ :‬إمارة أنطاكية الٍب‬
‫كاف على رأسها بوىيموند الثالث‪ ،‬كسلطنة سالجقة الركـ الٍب آؿ عرشها إذل السلطاف قلج أرسالف‬
‫الثاشل‪ ،‬كالدكلة اْليوبية الٍب كضع أسسها صالح الدين اْليويب بعد كفاة نور الدين ؿبمود زنكي‪.‬‬

‫‪ 1‬مّبيو كيفالوف ‪ :‬ىو اسم غبصن خرب يقع ُب هناية فبر تزيربتز )‪ ،(Tzivritze‬مشاؿ حبّبة أجردير )‪ (Eğirdir‬كسط جباؿ‬
‫السلطاف ُب غرب أسيا الصغرل (حاليا ُب تركيا)‪ .‬كنسبت اؼبعركة إذل ىذا اغبصن‪ ،‬حيث تلقت قوات مانويل كومنْب ىزيبة قاسية‬
‫على أيدم سالجقة الركـ‪ ( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Rosemary Morris : Myriokephalon, Battle (1176), in : Crus. Ency., ABC-Clio, California,‬‬
‫‪2006. pp. 861-862).‬‬
‫‪ 2‬حوؿ معركة مّبيو كيفالوف‪( ،‬انظر ‪ :‬كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ج ‪ ،7‬ص ‪393‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص‬
‫‪193-192‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪668-665‬؛ عمراف ‪ :‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪-330‬‬
‫‪353‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪193-179 ،‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 369.‬‬
‫‪ 3‬عطا زبيدة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪102‬؛ قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪338‬؛‬
‫‪Dédéyan Gérard : Le rayonnement de l'Etat arménien de Cilicie, p. 338.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 403.‬‬

‫‪313‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كصادؼ ُب سنة ‪465‬ق‪0071/‬ـ‪ ،‬أف فتك ركبْب الثالث دبجموعة من الرعاة الَبكماف كانوا‬
‫يرعوف ماشيتهم ُب بالده‪ ،‬بعد أف منحهم اْلماف‪ ،‬كظبح ؽبم باإلقامة ُب أرضو‪" ،‬كاف قد استماؿ‬
‫قوما من الَبكماف كبذؿ ؽبم اْلمواؿ فأمرىم أف يرعوا مواشيهم ُب بالده كىي بالد حصينة كلها‬
‫حصوف منيعة كالدخوؿ إليها صعب ْلهنا مضايق كجباؿ كعرة ٍب غدر ّٔم كسىب حريبهم كأخذ‬
‫‪1‬‬
‫أمواؽبم كأسر رجاؽبم بعد أف قتل منهم من حاف أجلو"‪.‬‬

‫كُب ىذه اْلثناء توجو صالح الدين اْليويب إذل اْلناضوؿ على رأس قوة عسكرية‪ ،‬ليس ﵀اربة‬
‫اْلمّب اْلرميِب‪ ،‬كلكن لوقف قلج أرسالف الثاشل عند حده‪ ،‬بسبب مشكلة عائلية‪ 2.‬فعقد السلطاف‬
‫اْليويب ؾبلسا للصلح انتهى برأب الصدع‪ ،‬كاإلصالح بْب اؼبتخاصمْب ُب ‪01‬صبادل اْلكذل‬
‫‪465‬ق‪ 0/‬اكتوبر ‪0071‬ـ‪ .‬كيبدك أف قلج أرسالف الثاشل أثناء إقامتو ُب اؼبعسكر اْليويب‪ ،‬قد‬
‫َلحظ شدة بأس صالح الدين‪ ،‬ككثرة سالحو كدكابو‪ ،‬فالتمس منو على ىامش اؼبباحثات الٍب جرت‬
‫‪3‬‬
‫بينهما‪ ،‬مساعدتو على اَلنتقاـ من ركبْب الثالث‪ ،‬الذم اعتدل على رعاياه الَبكماف‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.151‬‬


‫‪ 2‬اؼبشكلة العائلية بْب عز الدين قلج أرسالف الثاشل الذم َّزكج ابنتو سلجوقة خاتوف بنور الدين ؿبمد بن قرا أرسالف صاحب‬
‫حصن كيفا‪ ،‬كمنحو عددا من اغبصوف الٍب ذباكر بالده‪ ،‬كمهر‪ .‬كبعد مدة كقع نور الدين ؿبمد ُب غراـ فتاة سبتهن الغناء كالرقص‪،‬‬
‫فتزكجها‪ ،‬كماؿ إليها كحكمت بالده كخزائنو‪ ،‬كاعرض عن زكجتو السلجوقية كتركها نسيا منسيا‪ .‬فكتبت إذل أبيها تشكوه‪ ،‬فطلب‬
‫منو أف وبسن عشرهتا أك يفارقها‪ ،‬فلم يلتفت إليو‪ ،‬عند ذلك‪ ،‬قرر قلج أرسالف الثاشل استخداـ القوة العسكرية ضد صهره لتأديبو‪،‬‬
‫كضم بالده‪ ،‬فاستجار ىذا اْلخّب بصالح الدين اْليويب‪ ،‬كترددت الرسل بينو كبْب قلج أرسالف الثاشل دكف أف تسفر عن نتيجة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فاضطر صالح الدين اْليويب إذل التوجو على رأس قوة عسكرية إذل اْلناضوؿ‪ ،‬كالتحق بو نور الدين ؿبمد‪ ،‬فتقدـ إذل تل باشر‪ٍ ،‬ب‬
‫عرج على رعباف‪ .‬كؼبا بلغت أنباء ىذا التقدـ مسامع قلج أرسالف الثاشل‪ ،‬هتيب اؼبوقف‪ ،‬فأرسل إليو أحد كبار أمرائو‪ ،‬ليشرح لو‬
‫القضية‪ ،‬كأنو َلبد من تأديب نور الدين ؿبمد على تصرفو‪ .‬ككادت أف تندلع اغبرب‪ ،‬بعدما ىدد صالح الدين بالزحف على‬
‫ملطية كبقية بالد السالجقة‪ .‬كانتهت اؼبشكلة ُب اْلخّب باقتناع بإصالح ذات البْب كعقد صلح تضمن ؾبموعة من الشركط‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪151-150‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪680‬؛ طقوش ‪:‬‬
‫تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.) Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 388; 201-200‬‬
‫‪ 3‬ابن شداد (ّٔاء الدين أبو ا﵀اسن يوسف (ت ‪632‬ق‪1239/‬ـ)) ‪ :‬النوادر السلطانية كا﵀اسن اليوسفية‪ ،‬ربقيق صباؿ الدين‬
‫الشياؿ‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاىرة‪ .1994 ،‬ص ‪98‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪314‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كأثناء عودتو إذل الشاـ‪ ،‬ىاجم صالح الدين إمارة أرمينيا الصغرل‪ 1،‬فأسر عددان من اْلرمن‪،‬‬
‫كاستوذل ُب جباؿ اْلمانوس على أحد حصوهنم اؼبنيعة دبا فيو من ذخّبة كأقوات‪ .‬كخشي ركبْب‬
‫الثالث أف يقوـ صالح الدين باكتساح بالده‪ ،‬فجنح إذل التفاكض كعدـ اؼبقاكمة‪" ،‬كخاؼ اْلرمِب‬
‫كدخل الرعب قلبو فأرسل بإطالؽ اْلسارل مذعنا كبذؿ من ؾبهوده ُب اَلسَبضاء كاَلستعطاؼ ما‬
‫كاف فبكنا"‪ 2،‬فاقَبح على السلطاف اْليويب مبلغا من اؼباؿ‪ ،‬كإطالؽ ما عنده من اْلسرل‪ ،‬فلم يرض‬
‫السلطاف دبا أعطاه‪ ،‬فزاد اْلمّب اْلرميِب ُب اؼببلغ‪ ،‬كأنو يشَبم طبسمائة أسّب مسلم من الصليبيْب‬
‫كيعتقهم‪ ،‬فوافق السلطاف‪ ،‬كأخذ منو رىينة على ذلك‪ ،‬فأذعن ركبْب الثالث‪ ،‬كأطلق ما بيده من‬
‫اْلسرل‪ 3،‬كعاد صالح الدين إذل دمشق كتبارل الشعراء ُب مدحو‪ 4.‬كمن حسن حظ ركبْب الثالث‬
‫أف إمارة أرمينيا الصغرل دل تكن آنذاؾ من أكلويات صالح الدين اْليويب‪.‬‬

‫ب – الحرب بين أرمينيا الصغرل كإمارة أنطاكية‬


‫غّب أف اػبطر اْلكرب الذم كاجهو اْلمّب ركبْب الثالث خالؿ فَبة حكمو دل يكن من جانب‬
‫اؼبسلمْب‪ ،‬بل كاف مصدره إمارة أنطاكية الصليبية آّاكرة إلمارتو‪ .‬إذ ما لبثت العالقات بينو كبْب‬
‫بوىيموند الثالث أف دخلت ُب دكر من العداء اؼبتبادؿ‪ ،‬رغم ما كاف بْب أمراء إمارة أرمينيا الصغرل‬
‫كأمراء اإلمارات الصليبية ُب الشاـ من ربالف كعالقات مصاىرة‪ .‬كتعود بدايات ىذا التوتر إذل سنة‬
‫‪467‬ق‪0071/‬ـ‪ ،‬إذ قرر ركبْب الثالث إزالة ما بقي من مظاىر السيادة البيزنطية ُب قيليقيا‪ ،‬فضرب‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.196‬‬


‫‪ 2‬البندارم (الفتح بن علي) ‪ :‬سنا الربؽ الشامي ‪562‬ق‪1166/‬ـ ‪583 :‬ق‪1187/‬ـ‪ ،‬إختصار الفتح بن علي البندارم‪ ،‬من‬
‫كتاب الربؽ الشامي للعماد الكاتب اْلصفهاشل‪ ،‬ربقيق فتحية النرباكم‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬القاىرة‪ .1979 ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪ 3‬أبو شامة (شهاب الدين عبد الرضبن بن اظباعيل بن ابراىيم بن عثماف اؼبقدسي الدمشقي (ت ‪665‬ق)) ‪ :‬كتاب الركضتْب ُب‬
‫أخبار الدكلتْب النورية كالصالحية‪ ،‬كضع حواشيو إبراىيم مشس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪ .2002 ،‬ج ‪ ،4-3‬ص ‪.37‬‬
‫‪ 4‬كاف اعبماؿ الواسطي أبو غالب ؿبمد بن سلطاف بن اػبطاب اؼبقرئ شاىدا على ىذه الغزكة‪ ،‬فنظم قصيدة منها ‪:‬‬
‫فأضحى بو خربا عن ًعي ً‬
‫اف‬ ‫ت ابػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػن َلكف ْل ىٍكاءىه‬
‫ى‬ ‫أ ىىزٍر ى‬
‫فات اللّْداف‬ ‫اع ً‬‫الر ً‬
‫ًحذاران من َّ‬ ‫الذ ًؿ َل يرع ػ ػ ػ ػ ػ ػوم‬ ‫كداف من ُّ‬
‫كل ػي ػس ل ػو بًػ يس ػطػاكػٍم يػى ىد ًاف‬ ‫فػ ػال قىػ ىد هـ ع ػن ػده ل ػلػ ػث ػب ػ ػ ػ ػ ػ ػات‬
‫(انظر ‪ :‬أبو شامة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4-3‬ص ‪.)38-37‬‬
‫‪315‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫حصارا على قلعة ؼبربكف‪ 1،‬عاصمة آؿ ىيثوـ‪ ،‬كىم عمالء الدكلة البيزنطية ً‬
‫كظلها ُب قيليقيا الغربية‪.‬‬
‫كصمدت القلعة نظرا غبصانتها كموقعها ُب قمة اعببل‪ ،‬كعجز ركبْب الثالث عن ربقيق انتصار حاسم‬
‫على خصمو‪ ،‬كلكنو ظل يضايقو‪ ،‬كيهاصبو من حْب آلخر‪ .‬كدل يكن بإمكاف اْلمّب ىيثوـ حاكم‬
‫ؼبربكف التماس اؼبساعدة من اَلمرباطورية البيزنطية‪ْ ،‬لهنا كانت تعاشل من التدىور كالضعف كاَلهنيار‬
‫بعد كفاة اَلمرباطور مانويل كومنْب‪ 2.‬فاستجار ببوىيموند الثالث أمّب أنطاكية‪ ،‬الذم يعترب نفسو نائبا‬
‫للسلطة البيزنطية العاجزة ُب أرمينيا‪ 3،‬كظل يلح عليو لكسر شوكة ركبْب الثالث‪ .‬فلجأ بوىيموند إذل‬
‫اغبيلة كالغدر‪ ،‬حيث كجو دعوة ُب سنة ‪470‬ق‪0074/‬ـ‪ ،‬إذل اْلمّب اْلرميِب ليقابلو ُب أنطاكية‬
‫كالبحث عن حلوؿ لتسوية اؼبشكلة بطريقة كدية‪ ،‬كإبراـ الصلح‪ ،‬فأجاب ركبْب الثالث الدعوة‪ ،‬كلكن‬
‫بوىيموند الثالث قبض عليو كسجنو‪ 4.‬كالواقع أف أسباب حقد بوىيموند الثالث عليو‪َ ،‬ل تعود إذل‬
‫حصار ؼبربكف فقط‪ ،‬بل ْلنو استقبل ُب إمارتو معظم الباركنات كرجاؿ الدين الذين طردىم بوىيموند‬
‫الثالث من أنطاكية‪ ،‬بسبب مواقفهم اؼبعارضة لتصرفاتو السياسية كاْلخالقية اؼبسيئة لألداب كالدين‪،‬‬
‫كَل تليق بو كأمّب على مدينة ؽبا قدسيتها الدينية عند اؼبسيحيْب‪ ،‬فبا أدل إذل صدكر قرار عقوبة‬
‫‪5‬‬
‫اغبرماف الكنسي ضده‪.‬‬

‫كاستغل بوىيموند الثالث فرصة كجود اْلمّب ركبْب الثالث ُب السجن‪ ،‬كراح يهاجم إمارة أرمينيا‬
‫الصغرل لبسط سيادتو على سهل قيليقيا‪ 6.‬كؼبا بلغت ىذه اْلنباء أظباع أخية ليوف‪ ،‬بادر حبشد قوة‬
‫عسكرية كتصدل لو‪ٍ ،‬ب توجو على رأس قواتو ﵀اصرة ؼبربكف‪ ،‬كأرغم أمّبىا على التوسط عند صديقو‬

‫‪1‬‬
‫بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪29‬؛ ‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 509.‬‬
‫‪ 2‬ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪232‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 381; Vasiliev : op. cit., t. II, p. 75.‬‬
‫‪ 3‬عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪ 4‬يذكر ظبباد ُب حوليتو أف ركبْب الثالث ذىب إذل أنطاكية للمتعة كالتسلية‪ ،‬كاستغل بوىيموند الثالث ىذه الفرصة فقبض عليو‬
‫كسجنو‪( .‬انظر ‪.)Sempad : op. cit., p. 628, Vahram Rapoun : op. cit., p. 14. :‬‬
‫‪ 5‬كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ج ‪ ،7‬ص ‪443-439‬؛ عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪200-197‬؛‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 89.‬‬
‫‪6‬‬
‫عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪204‬؛ ‪Vahram d'Edesse : op. cit., p. 510.‬‬

‫‪316‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫أمّب أنطاكية َلطالؽ سراح شقيقو‪ .‬كاستجاب أمّب أنطاكية‪ ،‬فأخلى سبيل ركبْب الثالث مقابل فدية‪،‬‬
‫كتنازلو عن مدينٍب اؼبصيصة كأذنة‪ ،‬كمواقع أخرل‪ ،‬كلكن اْلمّب اْلرميِب أعلن اغبرب على إمارة‬
‫‪1‬‬
‫أنطاكية حٌب سبكن من استعادة اؼبدينتْب‪.‬‬

‫بعد ىذه اْلحداث بقليل‪ ،‬اعتزؿ ركبْب الثالث السلطة كالسياسة‪ ،‬كتنازؿ عن العرش ْلخيو‬
‫اْلمّب ليوف )‪ٍ ،(Léon‬ب أكصاه بالسهر على تربية ابنتيو‪ ،‬كأف َل يزكجهما بأم أجنيب‪ .‬كيبدك أنو‬
‫تاب أك ندـ عما اقَبفو‪ ،‬حيث اعتذر آلؿ ىيثوـ عما أغبقو ّٔم كببالدىم من أضرار‪ ،‬كلبس اؼبسوح‪،‬‬
‫ٍب دخل الدير كتنسك‪ ،‬كأمضى فيو بقية حياتو‪ .‬كؼبا توُب ُب ‪ 15‬صفر ‪472‬ق‪ 5/‬مام سنة‬
‫‪2‬‬
‫‪0076‬ـ‪ ،‬دفن ُب دير ترازارؾ )‪.(Trazargue‬‬

‫‪ - 2‬ليوف الثاني (‪616-583‬ق‪1219-1187/‬ـ)‬


‫ىو اْلمّب كاؼبلك اْلكثر شهرة ُب تاريخ أرمينيا الصغرل‪ُ ،‬ب عهده بلغت اإلمارة أقصى اتساع‬
‫ؽبا‪ ،‬كعرفت استقرارا سياسيا كازدىارا اقتصاديا كثقافيا‪ ،‬كجعل من مدينة سيس عاصمة جديدة‬
‫إلمارتو‪ ،‬كأقاـ عالقات سياسية مع عدة قول معاصرة لو‪ ،‬إسالمية كمسيحية‪ .‬ككاف لو أثر كبّب ُب‬
‫تغيّب مستقبل الشعب اْلرميِب كبعثو من جديد‪ 3.‬ككاف طموحا إذل أعلى درجات آّد‪ 4،‬كأصبحت‬
‫أرمينيا الصغرل تعرؼ ُب اؼبصادر العربية باسم بالد ابن َلكف‪ ،‬كَلكف ىنا ربريف للفظ ليوف أك ليو‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫أكؿ ملوؾ أرمينيا الصغرل‪.‬‬

‫جلس ليوف الثاشل على عرش أرمينيا الصغرل قبيل كفاة أخيو ركبْب الثالث‪ ،‬كعمره شباشل كثالثْب‬
‫سنة‪ ،‬كرغم أنو كرث عن سلفو نفس اْلكضاع السياسية كالعسكرية اؼبضطربة‪ ،‬فقد أخرج إمارتو من‬

‫‪1‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪206‬؛ اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪231‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III,‬‬
‫‪pp. 396-397; Pasdermadjian : op. cit., pp. 205-206; Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 424.‬‬
‫‪ 2‬خاقبي أنطوف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪229‬؛ اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪216‬؛‬
‫‪Smbat : op. cit., p. 58; Alishan : op. cit., pp. 58-59.‬‬
‫‪ 3‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 4‬اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ 5‬عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.239‬‬
‫‪317‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫عنق الزجاجة‪ ،‬كأظهر مهارة فائقة ُب اَلحتفاظ ّٔا‪ ،‬كجعل منها فبلكة تقف ُب مصاؼ الدكؿ‬
‫الكربل رغم صغر مساحتها كحداثة نشأهتا‪ .‬حيث كانت ثالث قول كربل ربيط بإمارة أرمينيا‬
‫الصغرل‪ ،‬ىي سلطنة سالجقة الركـ ُب الشماؿ‪ ،‬كالدكلة اْليوبية‪ ،‬كإمارة أنطاكية الصليبية ُب الشرؽ‬
‫كاعبنوب الشرقي‪ 1،‬فضال عن جحافل اغبملة الصليبية الثالثة الٍب مرت ببالده‪ .‬فكيف سبكن ليوف‬
‫الثاشل من اَلحتفاظ بإمارتو كسط تلك العواصف السياسية كالتيارات اغبضارية اؼبتضاربة ؟‬

‫أ – بين صالح الدين األيوبي كليوف الثاني‬


‫كصادؼ أنو ُب الوقت الذم استلم فيو ليوف الثاشل شؤكف اغبكم‪ ،‬برز خطر جديد شكل‬
‫هتديدا إلمارٌب أرمينيا الصغرل كأنطاكية معا‪ .‬حيث حشد رجل تركماشل من الرعاة يقاؿ لو رستم‬
‫طبسة آَلؼ فارس كعدد ضخم من اؼبشاة‪ 2،‬جاء ّٔم من أعارل اعبزيرة‪ ،‬كاجتاحوا اْلراضي‬
‫اإلسالمية كاؼبسيحية على السواء‪ ،‬كدل يتصد ؽبم قلج أرسالف الثاشل ؼبا مركا ببالده‪ ،‬بسب انشغالو‬
‫بتمرد أبنائو ضده‪ .‬فأغاركا على جنوب أرمينيا الصغرل كبلغوا مدينة سيس‪ ،‬كمشاؿ إمارة أنطاكية‬
‫كالالذقية‪ ،‬ككانوا ينهبوف كىبربوف كوبرقوف اؼبناطق الٍب يبركف ّٔا كأسركا عددا كبّبا من الناس‪ 3.‬كقد‬
‫دفعت ىذه الغزكات إذل تعاكف بْب إمارٌب أنطاكية كأرمينيا الصغرل كأحدثت تقاربا بينهما ؼبواجهة‬
‫اػبطر اؼبشَبؾ حيث تصدل ؽبم ليوف الثاشل ُب نواحي مرعش‪ ،‬فقضى على قائدىم ككثّب من‬
‫‪5‬‬
‫أتباعو‪ 4.‬كُب نواحي أنطاكية برز إليهم بوىيموند الثالث كسحق كثّبا منهم‪.‬‬

‫كَل شك أف ىذا التقارب بْب اإلمارتْب اؼبسيحيتْب‪ ،‬قد منحهما قوة‪ ،‬فبا أثار ـباكؼ صالح‬
‫الدين اْليويب الذم كاف يعد العدة لفتح بيت اؼبقدس‪ .‬فبعث ببعض قواتو قبيل معركة حطْب إذل‬

‫‪ 1‬انظر اؼبلحق الرابع عشر‪ ،‬ص ‪.487‬‬


‫‪ 2‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.213‬‬
‫‪ 3‬ابن شداد (ّٔاء الدين) ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪120‬؛ ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪171-170‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, pp. 400-402‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Alishan Leonce M. : Léon le magnifique premier roi de Sissouan ou de l'Arménocilicie,‬‬
‫‪traduit par Georges Bayan, Imprimerie Mekhithariste, Venise, 1888. p. 83.‬‬
‫‪Vahram d'Edesse : op. cit., pp. 510-511; Smbat : op. cit., p. 64.‬‬ ‫‪ 5‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪213-212‬؛‬
‫‪318‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫مشاؿ الشاـ‪ ،‬كربً ى‬
‫ضت على اغبدكد مع أرمينيا الصغرل كأنطاكية‪ ،‬ؼبراقبة ربركات ليوف الثاشل كبوىيموند‬
‫الثالث‪ ،‬ك"ليعلم العدك أف ىذا اعبانب ليس دبهمل"‪ 1.‬فوضع ليوف الثاشل قواتو ُب حالة استنفار‬
‫كتأىب خوفا من ىجوـ مباغت تقوـ بو تلك القوات على إمارة أرمينيا الصغرل‪ .‬كبذلك كبَّلو صالح‬
‫الدين فوؽ جباؿ طوركس الشاـبة‪ ،‬كقبح ُب عزلو عن اْلحداث اعبارية ُب اؼبنطقة‪ .‬كترتب عن ذلك‬
‫‪2‬‬
‫حرماف الصليبيْب ُب فلسطْب من مساعدة اْلرمن ؽبم ضد صالح الدين اْليويب‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫كبعد ىذه اْلحداث بقليل‪ ،‬سقطت فبلكة بيت اؼبقدس الصليبية ُب معركة حطْب الشهّبة‪،‬‬
‫بتاريخ ‪ 14‬ربيع الثاشل ‪472‬ق‪ 2/‬جويلية ‪0076‬ـ‪ ،‬كبعد ما يقارب مدة قرف من سيطرة الصليبيْب‬
‫عليها‪ ،‬حل اؽبالؿ ؿبل الصليب‪ٍ .‬ب شرع صالح الدين اْليويب ُب فتح اغبصوف كالقالع الٍب طاؼبا‬
‫أغارت على بالد اؼبسلمْب‪ ،‬بعضها فتح عنوة كأخرل صلحا‪" ،‬كفتح أيضا صبيع إقليم أنطاكية‬
‫كمعاقلها الٍب للفرنج كاْلرمن‪ ،‬كحدُّه من أقصى ىجبىػلىة كالالذقية إذل بالد ابن َلكف‪ ،‬كبقيت أنطاكية‬
‫دبفردىا"‪ 4.‬ككاف حصن بغراس من أنبها‪ ،‬فهو وبتل موقعا فريدا هبعلو يتحكم ُب الطريق بْب أنطاكية‬
‫كإمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كبعد ما تسلمو اؼبسلموف دبا فيو من ذخائر كأمواؿ كسالح‪ ،‬أمر صالح الدين‬
‫بتخريبو‪ .‬كينتقد ابن اْلثّب ىذا التصرؼ‪ ،‬ؼبا ترتب عنو من ضرر كبّب على اؼبسلمْب‪ْ ،‬لف "ابن ليوف‬
‫صاحب اْلرمن خرج إليو من كَليتو كىو ؾباكره‪ ،‬فجدد عمارتو كأتقنو كجعل فيو صباعة من عسكره‬

‫‪ 1‬ابن شداد (ّٔاء الدين) ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬


‫‪2‬‬
‫عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪206‬؛ ‪Sempad : op. cit., p. 630; Cahen : La Syrie du Nord, p. 426.‬‬
‫‪ 3‬البندارم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.295‬‬
‫‪ 4‬أبو شامة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.34‬‬
‫‪301‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫يغّبكف منو على البالد فتأذل ّٔم السواد الذم ُب حلب كىو إذل اآلف بأيديهم"‪ 1.‬كيبدك أف صالح‬
‫‪2‬‬
‫الدين كاف يريد الدخوؿ إذل قيليقيا‪ ،‬كلكن أحداثا طرأت جعلتو يتخلى عن ىذه الفكرة إذل حْب‪.‬‬

‫كاعبدير بالذكر أف تصدع اؼبعسكر الشيعي بانضماـ مصر للمعسكر السِب كاف لو أبلغ اْلثر‬
‫ُب بداية العد التنازرل إلزالة اؼبستوطنات الصليبية الدخيلة على اؼبشرؽ اَلسالمي‪ ،‬ككاف ىذا من‬
‫حسنات صالح الدين اْليويب الذم أحيا موات أمة خامدة ىامدة‪ ،‬كامتد ذلك اإلحياء حٌب كصل‬
‫الزكايا اؼبعتمة الٍب احتواىا العدك الصلييب‪ .‬ككانت بداية اإلحياء دبعركة حطْب الٍب كانت زلزاَل شديدا‬
‫ىدـ معظم ما شيده الصليبيوف ُب الشرؽ منذ قرف‪ ،‬كدل يتبق ؽبم إَل بعض اؼبراكز ُب بالد الشاـ‪ ،‬الٍب‬
‫غدت ظباؤىا ملبدة بالغيوـ اؼبنذرة بأكخم العواقب على الوجود الصلييب فيها‪.‬‬

‫ككاف من الطبيعي أف ربدث ىذه اْلنباء رد فعل عنيف كسريع ُب الغرب اْلكريب‪" ،‬كقامت‬
‫قيامتهم على ذىاب القدس منهم"‪ 3،‬فتحركت البابوية‪ ،‬كدعت ملوؾ الغرب إذل كضع حد ػبالفاهتم‬
‫كنزاعاهتم‪ ،‬كاإلسراع لنجدة اؼبسيحيْب ُب الشرؽ‪ ،‬كإنقاذ اإلمارات الصليبية الٍب أكشكت على اَلهنيار‬
‫التاـ أماـ اعببهة اَلسالمية اؼبتحدة الٍب قامت آنذاؾ‪.‬‬

‫ككانت البابوية تدرؾ أنبية العنصر اْلرميِب ُب معركتها ضد اإلسالـ‪ ،‬كدل تنس ما قدمو اْلرمن‬
‫من مساعدات للحملة الصليبية اْلكذل‪ ،‬فأرسل البابا كليمنت الثالث (‪-0076( Clément III‬‬
‫‪ُ ))0080‬ب‪ 00‬ربيع الثاشل ‪474‬ق‪ 17/‬مام ‪0078‬ـ‪ ،‬خطابا إذل اْلمّب ليوف الثاشل‪ ،‬كخطابْب‬
‫إذل اعبثليق جرهبوار الرابع‪ 4،‬طلب فيها من اْلرمن اَلستعداد ؼبساعدة الصليبيْب َلستعادة بيت‬

‫‪ 1‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .195‬كيرل بعض اؼبؤرخْب أف ابن اْلثّب –حليف البيت الزنكي‪ -‬يتحامل على صالح‬
‫الدين‪ ،‬فهو يرل أف صالح الدين كاف يعتقد أف نور الدين زنكي مٌب زاؿ الفرنج عن طريقو‪ ،‬أخذ البالد منو فكاف وبتمي ّٔم‬
‫عليو‪ ،‬كَل يؤثر استئصاؽبم‪ .‬كيرل آخركف أف ابن اْلثّب كاف كَلؤه اْلكؿ ؼبدينتو اؼبوصل كربيزه ؽبا ضد اؼبدف كاؼبناطق اْلخرل كاف –‬
‫على ما يبدك‪ -‬من أسباب أحكامو السلبية على سّبة صالح الدين كسياساتو‪( .‬انظر ‪ :‬عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪220‬؛ الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪237‬؛‪.)Chevalier Marie-Anna : op. cit., p. 127-130.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Alishan Leonce M. : Léon le magnifique, p. 94.‬‬
‫‪ 3‬الذىيب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.92‬‬
‫‪ 4‬انظر نص اػبطاب كامال ُب السادس‪ ،‬ص ‪.476-474‬‬
‫‪300‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫اؼبقدس‪ 1.‬كبناء على ىذه التحركات تأسس حلف صلييب جديد‪ ،‬شاركت فيو ثالث دكؿ أكربية‬
‫كربل‪ ،‬ذبهزت للقياـ حبملة مشَبكة ضد اؼبسلمْب ُب الشرؽ‪ ،‬كىو ما عرؼ باغبملة الصليبية الثالثة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ليوف الثاني كالحملة الصليبية الثالثة (‪585‬ق‪1189/‬ـ)‬


‫ش ػارؾ ف ػي ال ػح ػم ػل ػة ال ػص ػل ػي ػب ػي ػة ال ػث ػال ػث ػة اَلم ػب ػراط ػور اْلل ػم ػان ػي ف ػردريك بارباركسا‬
‫(‪0081-0041( Frédéric Barberousse‬ـ))‪ ،‬كف ػ ػ ػي ػ ػل ػ ػي ػ ػب ال ػث ػان ػي أغ ػس ػط ػس‬
‫(‪0112-0071( Philippe II Auguste‬ـ)) ملك فرنسا‪ ،‬كريتشارد اْلكؿ قلب اْلسد‬
‫(‪0088-0078( Richard I Cœur de Lion‬ـ)) ملك اقبلَبا‪ ،‬كىم أقول أباطرة كملوؾ‬
‫عصرىم ُب الغرب اْلكريب‪ 2.‬كقد اختار ملكا فرنسا كاقبلَبا الطريق البحرم اؼبؤدم مباشرة إذل‬
‫فلسطْب‪ .‬بينما سلك اَلمرباطور اْلؼباشل طريق الرب‪ ،‬الذم يبر عرب القسطنطينية‪ ،‬كبالد سلطنة‬
‫سالجقة الركـ‪ٍ ،‬ب إمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬ككاف ىو أكؿ من أسرع إذل اؼبسّب‪ ،‬إذ غادر بالده ُب ربيع‬
‫الثاشل ‪474‬ق‪/‬مام ‪0078‬ـ‪ ،‬كمعو عدة عظيمة‪" 3،‬قصد العبور إذل بالد اإلسالـ‪ ،‬كقطع بالد الركـ‬
‫كاْلرمن إذل الشاـ"‪ 4.‬كبعد أف تعرض فردريك بربركسا لبعض اؼبتاعب ُب أراضي اَلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪ ،‬كُب بالد سالجقة الركـ‪ ،‬كنزؿ ض ػي ػفا عند السلطاف قلج أرسالف الثاشل كطمأنو بقولو ‪" :‬ما‬
‫‪5‬‬
‫قصدنا بالدؾ كَل أردناىا كإمبا قصدنا البيت اؼبقدس"‪.‬‬

‫كُب قونية ًب تبادؿ السفارات بْب اَلمرباطور اْلؼباشل‪ ،‬كاْلمّب اْلرميِب الذم أراد استغالؿ ىذه‬
‫اغبملة لتحقيق حلمو‪ ،‬حيث كاف يتطلع إذل التاج ليكوف ملكا متوجا يتمتع دبا للملوؾ من مكانة‬

‫‪ 1‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪63‬؛‬


‫‪Alishan : Léon le magnifique, p. 162-163; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 93-94.‬‬
‫‪ 2‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية ج ‪ ،2‬ص ‪117-116‬؛‬
‫‪Grousset René : Histoire des Croisades, t. III, pp. 53-54.‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن شداد (ّٔاء الدين) ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪178‬؛ ‪Grousset René : Les Croisades, p. 56.‬‬
‫‪ 4‬أبو شامة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.66‬‬
‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .207‬كانت أكلوية السلطاف فلج أرسالف الثاشل مواجهة البيزنطيْب َل الصليبيْب‪ ،‬كقد ظل‬
‫موقفو من الصليبيْب متذبذبا‪ ،‬كقد غضب صالح الدين اْليويب من ىذا اؼبوقف كاعتربه تواطؤان كخيانة‪( .‬انظر ‪ :‬الشنقيطي ؿبمد بن‬
‫اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)66‬‬
‫‪301‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كىيبة‪" ،‬فأعرب لو عن خضوعو كطاعتو"‪ 1،‬ككعده اَلمرباطور فردريك بربركسا بإعطائو التاج كتنصيبو‬
‫ملكا على أرمينيا الصغرل‪ٍ 2.‬ب قاد قواتو كعرب دركب جباؿ طوركس دكف أف يصادؼ مقاكمة‪ ،‬ككلما‬
‫اقَبب من قيليقيا زاد إحساس ليوف الثاشل بقرب ربقيق حلمو‪ .‬كؼبا بلغ أرمينيا الصغرل‪ ،‬خرج حكاـ‬
‫القالع كاغبصوف اْلرمينية الٍب مر ّٔا اعبنود اْلؼباف‪ ،‬كرحبوا ّٔم‪ ،‬كاقَبحوا عليهم اؼبساعدة‪ 3.‬كبعد أف‬
‫ربدث ابن اْلثّب عن كصوؿ فردريك بربركسا إذل بالد اْلرمن‪ ،‬أكرد عبارة تدؿ على أف ليوف الثاشل‬
‫أعلن تبعيتو لإلمرباطور اْلؼباشل كدخل ُب خدمتو‪" ،‬حٌب أتى بالد اْلرمن كصاحبها َلفوف بن‬
‫اصطفانة بن ليوف فأمدىم باْلقوات كالعلوفات كحكمهم ُب بالده كأظهر الطاعة ؽبم"‪ 4.‬أما‬
‫اؼبسلموف ُب الشاـ فقد أصأّم اؽبلع َلقَباب القوات اْلؼبانية من بالدىم‪ ،‬كاستوذل اليأس على‬
‫عامتهم‪" 5.‬كاشتد ذلك على السلطاف كعظم عليو"‪ 6،‬فبادر صالح الدين اْليويب إذل إعالف الدعوة‬
‫‪7‬‬
‫للجهاد‪ ،‬كشرع يعد العدة للمواجهة‪.‬‬

‫كؼبا اقَبب فردريك بربركسا من مدينة سلوقية الٍب كانت بأيدم اْلرمن‪ ،‬ذبهز لعبور هنر‬
‫كاليكادنوس‪ ،)Calycadnus( 8‬لكي يدخل اؼبدينة‪ ،‬كلكنو توُب فجأة بعد أف تاقت نفسو‬
‫للسباحة ُب النهر‪ُ ،‬ب ‪ 3‬صبادل اْلكذل ‪475‬ق‪ 01/‬جواف ‪0081‬ـ‪ 9.‬كمات معو مشركع استعادة‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.218‬‬


‫‪2‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪236‬؛ ‪Vartan : op. cit., pp. 440-441.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 94.‬‬
‫‪ 4‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.207‬‬
‫‪ 5‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.421‬‬
‫‪ 6‬ابن شداد (ّٔاء الدين) ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪ 7‬نفسو‪.‬‬
‫‪ 8‬كاليكادنوس ‪ :‬يعرؼ أيضا باسم هنر السلف (‪ ،)Saleph‬كىو أطوؿ هنر ُب سهل قيليقيا‪ ،‬يقع حاليا ُب جنوب تركيا كيعرؼ‬
‫باسم هنر جوكسو (‪ ،)Göksu‬كىذا النهر يقع قرب مدينة سلوقية‪ ،‬كليس مدينة طرسوس كما كرد ُب كثّب من اؼبصادر العربية‪،‬‬
‫كنقلت عنها اؼبراجع اغبديثة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن شداد (ّٔاء الدين) ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪190‬؛‬
‫‪Alishan : Sissouan, : pp. 12-13; Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, , p. 15.‬‬
‫‪ 9‬تتضارب اؼبعلومات الواردة ُب اؼبصادر كاؼبراجع حوؿ كيفية غرؽ فردريك بربركسا ككفاتو‪ .‬كما حدث عندئذ ليس معركفا على‬
‫كجو التأكيد‪ ،‬فإما أف يكوف اَلمرباطور قد كثب عن حصانو إذل اؼباء البارد ليستعيد نشاطو‪ ،‬كلكن تيار النهر فاؽ ُب القوة ما كاف‬
‫يعتقده‪ ،‬كإما أف جسمو اؽبرـ (ُب السبعينيات من عمره) دل يستطع أف يقاكـ الصدمة اؼبفاجئة‪ ،‬أك زلت قدما فرسو‪ ،‬فقذفو إذل =‬
‫‪302‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫بيت اؼبقدس من قبضة صالح الدين‪ُ .‬ب ىذه اْلثناء كاف اعبثليق جرهبور الرابع كاْلمّب ليوف ُب‬
‫طريقهما َلستقبالو كالفرحة سبأل قلؤّما‪ 1،‬فوصلهما خرب غرؽ اَلمرباطور‪ ،‬كأصيب ليوف الثاشل خبيبة‬
‫أمل‪ ،‬فأجل مشركع التتويج إذل حْب‪ ،‬كاحتفظ بفكرتو حية ُب ذىنو‪ 2.‬كىكذا فقد أنقذ القدر صالح‬
‫الدين اْليويب من أصعب موقف عسكرم كاجهو ُب حياتو‪ 3.‬أما الصليبيوف فقد أصيبوا بصدمة عنيفة‬
‫ىزت كياف اغبملة الصليبية الثالثة‪.‬‬

‫كبعد أف فقد اْلمّب اْلرميِب أملو ُب اغبصوؿ على التاج اؼبلكي‪ ،‬أشاح بوجهو عن مساعدة‬
‫فردريك السوايب ابن اَلمرباطور فردريك بربركسا‪ ،‬الذم خلف كالده ُب قيادة اغبملة اعبرمانية‪ ،‬فَبكو‬
‫ليوف الثاشل كانقطع عنو‪ ،‬كعاد إذل حصونو‪ُ ،‬ب كقت كاف فيو فردريك السوايب ؿبتاجا إذل مساعدة‬
‫‪4‬‬
‫اْلمّب اْلرميِب‪ ،‬بعد ا﵀نة الٍب حلت بو‪.‬‬

‫كيبدك أف اْلمّب ليوف ؼبا رأل فشل مشركعو ُب التحالف مع فردريك بربركسا‪ ،‬خشي من رد‬
‫فعل صالح الدين اْليويب‪ ،‬فأكعز إذل اعبثليق جرهبوار الرابع أف يكتب خطابا إذل صالح الدين ىبربه‬
‫عن كصوؿ اعبيش اْلؼباشل كىالؾ فردريك بربركسا‪ ،‬كأف اْلمّب عاد إذل حصونو بعد أف بلغو كفاة‬
‫اؼبلك‪ .‬كأكرد الكاتب اػباص لصالح الدين اْليويب كمؤرخ حياتو ّٔاء الدين بن شداد‪ ،‬نص اػبطاب‬
‫كامال‪ 5.‬كبعد أياـ قليلة من كصوؿ اػبطاب اْلكؿ‪ ،‬كصل مبعوث آخر من اعبثليق اْلرميِب‪ ،‬وبمل‬
‫خطابا ثانيا‪ ،‬ككاف ّٔاء الدين حاضرا ُب ؾبلس السلطاف غبظة كصولو‪ ،‬ربدث فيو عن فردريك السوايب‬
‫ابن اَلمرباطور الذم خلف أباه ُب قيادة اغبملة اْلؼبانية دبعنويات منهارة‪ ،‬كفتكت اْلكبئة بكثّب من‬

‫= اؼباء‪ ،‬فغرؽ بسبب ثقل أسلحتو‪ ،‬كإما أنو سبح ُب النهر بعد تعب كنصب‪ ،‬ككاف ماؤه شديد الربكدة‪ ،‬فأصابتو كعكة أدت إذل‬
‫كفاتو‪( .‬انظر ‪ :‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪207‬؛ ابن شداد (ّٔاء الدين) ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪190‬؛ ابن العربم ‪ :‬تاريخ‬
‫الزماف‪ ،‬ص ‪218‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ج ‪ ،3‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪40-39‬؛‬
‫‪Ernoul : op. cit., p. 249; Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 407; Vartan : op. cit., p. 441.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 95.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Alishan : Léon, p. 151; Tournebize F. : op. cit., p. 130; Pasdermadjian H. : op. cit., p. 210.‬‬
‫‪ 3‬الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ 4‬أبو شامة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.77‬‬
‫‪ 5‬انظر نص ىذه الرسالة كامال ُب اؼبلحق السابع‪ ،‬ص ‪.478-477‬‬
‫‪303‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫فرسانو كجنوده‪" ،‬كيقوؿ ‪ :‬ىم عدد كثّب‪ ،‬لكنهم ضعفاء قليلو اػبيل كالعدة كأكثرىم ثقلهم على ضبّب‬
‫كخيل ضعيفة"‪ 1.‬كيضيف أف اْلمّب ليوف الثاشل ؼبا أحس منهم ّٔذا الضعف طمع فيهم حٌب أنو عزـ‬
‫على أخذ ماؿ اؼبلك ؼبرضو‪ ،‬كضعفو‪ ،‬كقلة‪ ،‬من معو من اعبند‪ 2.‬كقد كاصل ىؤَلء اعبنود طريقهم كبو‬
‫أنطاكية بعد أف زاؿ خطرىم كتشتت مشلهم‪ 3،‬كيتهكم اؼبؤرخ ابن اْلثّب جبموع اْلؼباف الذين كصلوا‬
‫ساؼبْب إذل الشاـ بقولو ‪" :‬كقع فيهم الوباء كاؼبوت فوصلوا إذل أنطاكية ككأهنم قد نبشوا من القبور"‪.4‬‬

‫كرغم شك بعض اؼبؤرخْب اْلرمن ُب صحة ىذه الرسالة‪ 5،‬كبعضهم ينفيها إطالقا‪ ،‬فإف ىدفها‬
‫كاضح‪ ،‬حيث تريد أف تثبت لصالح الدين أف عالقة ليوف الثاشل بفردريك بربركسا‪ ،‬ليست عالقة‬
‫ربالف‪ ،‬كلكن عالقة خضوع لقانوف اْلقول‪ ،‬كما كاف اْلرمن يريدكف طمأنة صالح الدين لربح‬
‫الوقت‪ُ ،‬ب انتظار ما ستسفر عنو ضبلة اؼبلكْب الفرنسي كاَلقبليزم‪ .‬كعرب عن ذلك أبو شامة ُب قولو‬
‫‪" :‬كَل شك أنو إذل جنسو النجس مائل‪ ،‬كدبالءة أىل ملتو قائل"‪ 6.‬كىذا يدؿ دَللة قاطعة أف صالح‬
‫الدين كاف مدركا غبيلة ليوف الثاشل‪.‬‬

‫كرغم أف اؼبصادر اْلرمينية كالعربية دل تذكر ما يفيد بتعاكف ليوف الثاشل عسكريا مع ملك فرنسا‪،‬‬
‫كملك اقبلَبا‪ 7،‬فإف حولية اقبليزية كبعض الدراسات اغبديثة‪ ،‬أشارت إذل مسانبة قواتو ُب حصار‬
‫عكا‪ 8،‬ككاف مع اْلمراء الصليبيْب الذين رافقوا ريتشارد اْلكؿ قلب اْلسد‪ ،‬ملك اقبلَبا‪ُ ،‬ب غزكه‬

‫‪ 1‬ابن شداد (ّٔاء الدين) ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.196-195‬‬


‫‪ 2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪ 3‬قمعوف عاشورم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.353‬‬
‫‪ 4‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.207‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 95.‬‬
‫‪ 6‬أبو شامة ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.67‬‬
‫‪ 7‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪ 8‬عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪304‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫عبزيرة قربص‪ُ ،‬ب سنة ‪476‬ق‪0080/‬ـ‪ ،‬كأدل لو فركض التبعية كالوَلء‪ 1.‬ككاف ىذا النشاط كفيال‬
‫بإعالء مكانتو‪ ،‬كإظهار إخالصو كذباكبو مع أىداؼ الصليبيْب‪.‬‬

‫ج – التوسع على حساب المسلمين‬


‫كبعد أف زاؿ خطر اغبملة اْلؼبانية‪ ،‬انشغل السلطاف اْليويب حبركبو ضد الصليبيْب ُب عكا كُب‬
‫مراكز أخرل على ساحل الشاـ‪ 2،‬فوجد ليوف الثاشل الفرصة لتوسيع مساحة إمارتو على حساب‬
‫جّبانو اؼبسلمْب‪ 3،‬مستغال ُب ذلك اندَلع اغبرب بْب أبناء السلطاف قلج أرسالف الثاشل‪ .‬كؼبا فرغ‬
‫صالح الدين اْليويب من الفرنج‪ ،‬كعاد إذل دمشق ُب سنة ‪478‬ق‪0082/‬ـ‪ ،‬أظهر اىتماما ببالد‬
‫الركـ‪ 4،‬كَل بد لو من عبور جباؿ اْلمانوس التابعة إلمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬فأرسل إذل اْلمّب ليوف‬
‫الثاشل يطلب منو تسليم بالده كيبكنو أف يرحل منها بسالـ‪ ،‬فأجاب ليوف بازدراء‪ ،‬قائال ؼببعوث‬
‫صالح الدين ‪" :‬قل للسلطاف ليس رل أرضان أعطيها لو‪ ،‬كلكن إذا دخل بالدم‪ ،‬سأجعل سيفو يرتد‬
‫عليو مثل صاحبو رستم"‪ ،‬فجهز صالح الدين جيشا كأمره بالسّب إذل قيليقيا‪ ،‬كشاء القدر أف تعود‬
‫قوات صالح الدين من سفوح جباؿ اْلمانوس‪ ،‬كَل تدخل إذل بالد ابن َلكف‪ْ ،‬لف السلطاف مرض‬
‫‪5‬‬
‫كمات بعد ذلك بقليل‪.‬‬

‫‪ 1‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ج ‪ ،3‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪91‬؛ عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪230‬؛‬
‫‪Benedict of Peterborough : Gesta regis Henrici secundi benedicti abbatis, edited by William‬‬
‫‪Stubbs, Longmans, London, 1867. Vol. II, p. 165; Du Cange Charles : Les Familles d'Outre-‬‬
‫‪Mer de Du cange, publiées par E.-G. Rey, bibliothèque S. J. Les Fontaines, Paris, 1869. pp.‬‬
‫‪119-120; Hill Georges : A History of Cyprus, Cambridge university press, New York, 2010.‬‬
‫‪Vol. 1, p. 319; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 93.‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪221-208‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, pp. 407-409.‬‬
‫‪ 3‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .145‬حوؿ اغبركب الٍب اندلعت بْب أبناء قلج أرسالف‪ ،‬كعالقتهم بأرمينيا الصغرل‪،‬‬
‫(انظر ‪ :‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪244-212‬؛ بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)118-143‬‬
‫‪ 4‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.225‬‬
‫‪ 5‬ظبباد ىو الوحيد بْب اؼبصادر الذم يذكر ىذه الركاية‪ ،‬كيبدك أف صالح الدين دل يكن على رأس ىذه اغبملة العسكرية‪ ،‬بل‬
‫أسند قيادهتا ْلحد أبنائو‪ْ ،‬لنو كاف مريضا كبقي ُب دمشق إذل أف مات فيها ُب ‪ 27‬صفر ‪589‬ق‪ 3/‬مارس ‪1193‬ـ)‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫ابن شداد (ّٔاء الدين) ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪366-359‬؛ ‪Smbat : op. cit., p. 69; Mutafian : La Cilicie, p. 409.).‬‬

‫‪305‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كابتسم اغبظ لألمّب ليوف‪ْ ،‬لف قلج أرسالف الثاشل صاحب قونية كاف قد توُب منذ سنة‪ ،‬كُب‬
‫ىذه السنة توُب صالح الدين اْليويب‪ ،‬كانشغل أبناؤنبا بصراعاهتم كنزاعاهتم العائلية حوؿ العرش‪ ،‬فبا‬
‫ىيأ اعبو لألمّب اْلرميِب ليتوسع على حساب اؼبسلمْب‪ ،‬حيث شن عدة غارات على ضواحي‬
‫حلب‪ 1،‬كاستنجد بو أبناء قلج أرسالف الثاشل ُب حركّٔم ضد بعضهم البعض‪ٍ ،‬ب سبكن من احتالؿ‬
‫‪2‬‬
‫اثنْب كسبعْب حصنا‪ ،‬انتزع بعضها من سالجقة الركـ كمن اْليوبيْب‪ ،‬كبعضها اآلخر من البيزنطيْب‪.‬‬

‫غّب أف اَلنتصارات الٍب حققها ليوف الثاشل‪ ،‬اصطدمت دبصاحل سالجقة الركـ‪ ،‬كعرضت طريق‬
‫القوافل التجارية بْب آسيا الصغرل كبالد الشاـ للشلل التاـ‪ .‬فبا دفع ببعض سالطينهم الذين قبحوا‬
‫ُب إعادة توحيد بالدىم‪ ،‬إذل الرد على تلك اَلعتداءات‪ ،‬بغزك قيليقيا‪ ،‬على أساس اَلحتياجات‬
‫اَلقتصادية كالتجارية لسلطنتهم‪ .‬كحرصوا كل اغبرص على إهباد منافذ حبرية لبالدىم على الساحل‬
‫الشمارل كالساحل اعبنويب‪ ،‬فنجحوا ُب اَلستيالء على مينائي سينوب كسامسوف على البحر اْلسود‪،‬‬
‫كميناء أنطالية على البحر اؼبتوسط‪ 3.‬كُب سنة ‪478‬ق‪0082/‬ـ‪ ،‬دخل ليوف الثاشل ُب صراع ضد‬
‫بوىيموند الثالث أمّب أنطاكية‪ ،‬حوؿ امتالؾ حصن بغراس‪ ،‬فاعتقلو‪ ،‬ككضعو ُب السجن دبدينة‬
‫سيس‪ ،‬انتقاما ْلخيو ركبْب الثالث‪ ،‬كأجربه على أف يتنازؿ لو عن السيادة على أنطاكية‪ ،‬ف ػت ػدخ ػل‬
‫‪5‬‬
‫ى ػن ػرم دك ش ػام ػب ػان ػيا‪ ،)Henri de Champagne( 4‬كفض النزاع بينهما‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪.448-446‬‬


‫‪2‬‬
‫ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪228‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪212‬؛ ‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 411.‬‬
‫‪3‬‬
‫باذياب نورة بنت عبد ا﵁ بن سعيد ‪ :‬سلطنة سالجقة الركـ كفبلكة أرمينيا الصغرل ُب النصف اْلكؿ من القرف السابع‬
‫اؽبجرم‪/‬الثالث عشر اؼبيالدم‪ ،‬مجلة الجمعية التاريخية السعودية‪ ،‬ع ‪ ،4‬السنة الثانية‪ ،‬اعبمعية التارىبية السعودية‪ ،‬الرياض‪ .‬جويلية‬
‫‪ .2001‬ص ‪.91-89‬‬
‫‪4‬‬
‫ىنرم دك شامبانيا ‪ :‬برز خالؿ حصار عكا ُب أحداث اغبملة الصليبية الثالثة‪ ،‬كىو ابن أخت ريتشارد قلب اْلسد‪ ،‬كحاكم فبلكة‬
‫بيت اؼبقدس اعبديدة الٍب نشأت ُب عكا (بدكف بيت اؼبقدس)‪( .‬انظر ‪ :‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ج ‪ ،3‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪-126‬‬
‫‪145 ،127‬؛ ‪)Grousset René : Histoire des Croisades, t. III, p. 78.‬‬
‫‪ 5‬ابن العربم ( جرهبوريوس أبو الفرج) ‪ :‬ـبطوطة تاريخ اْلزمنة‪ ،‬ترصبة شادية توفيق حافظ‪ ،‬اؼبركز القومي للَبصبة‪ ،‬القاىرة‪ .2007 ،‬ص‬
‫‪28-27‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ج ‪ ،3‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪163‬؛ عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪239-237‬؛‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 411; Balard Michel : op. cit., p. 215; Mutafian : La Cilicie, p. 409.‬‬
‫‪306‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫غّب أف طموح ليوف الثاشل دل يتوقف عند ىذا اغبد‪ ،‬فقد كاف يسعى للحصوؿ على التاج‬
‫اؼبلكي‪ ،‬ككاف رأم رجاؿ القانوف ُب ذلك العصر‪ ،‬أنو َل يصح أف يبذؿ التاج إَل اَلمرباطور‪ ،‬أك البابا‬
‫كفقا لرأم الفرنج‪ .‬كلذلك كاف حريصا على التوجو إذل الغرب اْلكريب‪ ،‬حٌب َل يبدك ُب صورة أقل من‬
‫اْلمراء الصليبيْب ُب الشرؽ‪ ،‬خاصة كأف اَلمرباطورية البيزنطية دل تعد سبلك من القوة ما يكفي ْلف‬
‫‪1‬‬
‫يقدر ألقأّا الفرنج‪ ،‬فضال عن أطماعها ُب قيليقيا‪.‬‬

‫د ‪ -‬السعي للحصوؿ على التاج الملكي‬


‫كدل ييأس ليوف الثاشل من اغبصوؿ على التاج الذم كعده بو اَلمرباطور فردريك بربركسا‪ ،‬إذ بعد‬
‫كفاة ىذا اْلخّب كلَّف اْلمّب ليوف أحد اْلساقفة بالذىاب إذل ابنو فردريك السوايب الذم توذل قيادة‬
‫مؤىل ؼبنح التاج إذل اْلمّب اْلرميِب‪ٍ 2.‬ب استغل فرصة ؾبيئ ىنرم دك‬
‫اعبيش اْلؼباشل‪ ،‬فأجابو بأنو غّب و‬
‫مشبانيا إذل سيس‪ ،‬للصلح بينو كبْب أمّب أنطاكية‪ ،‬فطلب منو تتوهبو ملكا على أرمينيا الصغرل‬
‫كأنطاكية‪ ،‬أك التوسط لو لدل ملوؾ الدكؿ اْلكربية لتحقيق ىذا الغرض‪ 3،‬كدل يكن ىنرم يبلك من‬
‫الصالحيات كاؼبؤىالت ما هبعلو قادرا على تلبية ىذا الطلب‪.‬‬

‫غّب أف ليوف الثاشل كاصل مساعيو الدبلوماسية لدل الغرب اْلكريب‪ ،‬فأرسل سفارة إذل البابا‬
‫سلستْب الثالث (‪ ،)0087-0080‬يطلب منو التاج اؼبلكي‪ ،‬كدبا أف البابوية تعترب الكنيسة اْلرمينية‬
‫كنيسة متهطرقة‪ ،‬فقد أشار ليوف الثاشل إذل خضوع كنيستو إذل الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬غّب أف رجاؿ‬
‫الدين اْلرمن رفضوا إطالقا التخلي عن مذىبهم كاستقالؽبم‪ ،‬كقاكموا ُب عنف انصهار كنيستهم ُب‬
‫الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬كلكن ليوف الثاشل دل يكف عن اؼبثابرة‪ ،‬حٌب أقنع رجاؿ الدين بأف السيادة‬
‫البابوية سوؼ تكوف اظبية فقط‪ ،‬كلن تغّب شيئا من الواقع‪ ،‬كأنو يرغب ُب ارتباط سياسي فقط‪ ،‬كلن‬
‫هبرب أحدا على التخلي عن مذىب الطبيعة الواحدة‪ ،‬كأكد ؽبم أنو سيبقى اغبارس كاؼبدافع عن‬
‫اعبثليق كالكنيسة اْلرمينية اؼبقدسة‪ .‬كىذه ىي سياسة اؼبخادعة الٍب َل تليق برجل دكلة كقائد شعب‪.‬‬

‫‪ 1‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ج ‪ ،3‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪167‬؛ عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 97.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ernoul : op. cit., p. 322; Alishan Leonce M. : Léon : p. 152.‬‬

‫‪307‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كعندئذ أذعن لو رجاؿ الدين اْلرمن على مضض‪ .‬غّب أف البابا دل يتسرع ُب إرساؿ التاج‪ ،‬بل نصح‬
‫‪1‬‬
‫مندكبيو بالتحلي بالصرب كالدبلوماسية‪.‬‬

‫كُب نفس الوقت الذم كاف فيو ليوف الثاشل يعمل على كسب القوة الركحية ُب الغرب‪ ،‬كانت‬
‫آلتو الدبلوماسية تعمل ُب خط متوازم لكسب القوة الزمنية أيضا‪ ،‬عساه يكسبهما معا كتوظيفهما‬
‫‪2‬‬
‫لتحقيق أىدافو‪ .‬فأرسل سفارة ُب سنة ‪480‬ق‪0083/‬ـ‪ ،‬إذل اَلمرباطور اْلؼباشل ىنرم السادس‬
‫)‪1197-1190( Henri VI‬ـ))‪ ،‬الذم كاف آنذاؾ ُب إيطاليا يضع اػبطط لتنظيم ضبلة صليبية‬
‫جديدة‪ 3،‬فوعده بالتتويج‪ ،‬مٌب قدـ إذل الشرؽ‪ ،‬مقابل اَلعَباؼ لو حبقوؽ السيادة على أرمينيا‬
‫الصغرل‪ .‬غّب أنو توُب ُب ذم القعدة ‪482‬ق‪/‬سبتمرب ‪0086‬ـ‪ .‬كلكنو كاف قد أرسل جزءا من‬
‫قواتو عن طريق البحر إذل الشاـ‪ ،‬كأسند قيادهتا إذل متورل ديواف الوثائق عنده‪ ،‬ىو كونراد دك‬
‫كويرفورت‪ ،‬أسقف ىيلدسهاصل (‪،)Conrad de Querfurt, évêque de Hildeshein‬‬
‫كم ػ ػعػ ػػو تػ ػػاجػ ػػاف‪ .‬كك ػ ػاف ب ػ ػرف ػ ػق ػ ػت ػ ػو فبثل البابا‪ 4،‬ك ػ ػون ػ ػراد دك ف ػ ػي ػ ػت ػ ػل ػ ػس ػ ػ ػب ػ ػاخ‪ ،‬رئ ػ ػي ػ ػس أس ػ ػاق ػ ػف ػ ػة م ػ ػاي ػ ػ ػن ػز‬
‫(‪ ،)Conrad de Wittelsbach, archevêque de Mayence‬فوضع أحدنبا ُب سبتمرب‬
‫‪1197‬ـ‪ ،‬على رأس عمورم دك لوزنياف (‪ )Amaury de Lusignan‬صاحب قربص‪ 5.‬كؼبا‬
‫كصل كونراد إذل عكا‪ ،‬اتصلت بو سفارة من اْلمّب ليوف الثاشل‪ ،‬يرأسها اؼبطراف يوحنا من مدينة‬

‫‪ 1‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ج ‪ ،3‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪168-167‬؛ بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪66‬؛‬
‫‪Guiragos de Kantzag : op. cit., p. 423; Grousset : L'Empire du levant, p. 394; Alishan : Léon : p. 166.‬‬
‫‪ 2‬ىنرم السادس ‪ :‬كلد ُب نيميج عاـ ‪1165‬ـ‪ ،‬كىو ابن فردريك بربركساف توج ملكا على إيطاليا عاـ ‪1186‬ـ‪ ،‬كتوج ُب ركما‬
‫إمرباطورا للدكلة الركمانية اؼبقدسة عاـ ‪1191‬ـ‪ ،‬باسم ىنرم ليوف‪ ،‬تزكج كونستانس ابنة كليم الثاشل ملك صقلية عاـ ‪1186‬ـ‪،‬‬
‫فبا أىلو غبمل لقب "ملك صقلية" عاـ ‪1194‬ـ‪ .‬مات ُب مسْب عاـ ‪1197‬ـ‪ ،‬كىو يعمل على إعداد ضبلة صليبية سبأل الفراغ‬
‫الذم تركتو نكسة اغبملة الصليبية الثالثة‪( .‬انظر ‪ :‬انظر ‪ :‬الربيعي عبد ا﵁ بن عبد الرضبن ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)482‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Guiragos de Kantzag : op. cit., p. 422; Alishan Leonce M. : Léon : p. 153.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 589; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 98.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ernoul : op. cit., pp. 302-303.‬‬

‫‪308‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫سيس‪ 1،‬لَبافقو إذل أرمينيا الصغرل‪ .‬كدبا أف كونراد بقي ُب الشاـ‪ ،‬فقد أسند مهمة نقل التاج اؼبلكي‬
‫‪2‬‬
‫إذل مرافقو كونراد رئيس أساقفة ماينز‪ ،‬اؼبندكب البابوم‪.‬‬

‫كُب ‪ 26‬صفر ‪594‬ق‪ 6/‬جانفي ‪1198‬ـ‪ 3،‬توذل اعبثليق اْلرميِب جرهبوار أبّباد‬
‫(‪ )Grégoire Abirad‬كضع التاج على رأس ليوف الثاشل‪ ،‬بينما منحو كونراد صوعباف اؼبلك‪.‬‬
‫كبذلك ًب تتويج ليوف الثاشل ملكا على أرمينيا الصغرل‪ُ ،‬ب كاتدرائية القديسة صوفيا ‪(Sainte-‬‬
‫)‪ ،Sophie‬بطرسوس‪ ،‬كليس ُب العاصمة سيس‪ُ ،‬ب حفل مهيب‪ ،‬حضره عدد كبّب من فبثلي‬
‫الدكؿ‪ ،‬كرجاؿ الدين‪ ،‬كالنبالء‪ 4.‬كمنذ ذلك التاريخ أصبح ليوف الثاشل يدعى باؼبلك ليوف اْلكؿ‪ .‬كإذا‬
‫كاف ىنرم السادس‪ ،‬يهدؼ ّٔذا التتويج أف يضع قدما لبالده ُب بالد الشاـ‪ ،‬كيؤسس ُب اؼبستقبل‬
‫مستوطنات جرمانية على غرار اؼبستوطنات الفرقبية أك النورمانية‪ 5،‬فإف البابا كاف يرل بأف أرمينيا‬
‫الصغرل ىي شعاع اْلمل الذم يومض بْب دياجّب اػبوؼ من التهديد اَلسالمي‪ ،‬باعتبارىا خصما‬

‫‪1‬‬
‫‪Smbat : op. cit., p. 73.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Alishan Leonce M. : Léon : p. 155; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, p. 98.‬‬
‫‪ 3‬يوجد خالؼ بْب اؼبؤرخْب حوؿ تاريخ تتويج ليوف الثاشل‪ ،‬إذ يذكر البعض منهم يوـ ‪ 06‬جانفي ‪ ،1199‬كسبب اَلختالؼ‬
‫يعود إذل اعتماد اؼبصادر اْلرمينية على التقوصل اْلرميِب‪( ،‬السنة اْلرمينية سنة مشسية تتكوف من ‪ 365‬يوـ فقط‪ ،‬كيتوافق أكؿ يوـ‬
‫ُب أكؿ سنة أرمينية مع يوـ ‪ 11‬جويلية ‪552‬ـ‪ .).‬حيث جاء ُب حولية صموئيل دآشل (ت سنة ‪1185‬ـ)‪ ،‬الٍب توقفت عند سنة‬
‫‪ 626‬اْلرمينية (من ‪5‬فيفرم ‪1177‬ـ إذل ‪ 4‬فيفرم ‪1178‬ـ)‪ ،‬كأكملها مؤرخ ؾبهوؿ بعده‪ ،‬أف التتويج حدث ُب سنة ‪646‬‬
‫حسب التقوصل اْلرميِب (من ‪ 31‬جانفي ‪ 1197‬إذل ‪ 30‬جانفي ‪1198‬ـ)‪ .‬أما ظبباد (ت سنة ‪1276‬ـ)‪ ،‬الذم كتب بعده‬
‫بكثّب‪ ،‬فيذكر أف عملية التتويج كانت ُب سنة ‪ 647‬حسب التقوصل اْلرميِب‪ ،‬كىي السنة الٍب تبدأ من ‪ 31‬جانفي ‪1198‬ـ إذل‬
‫‪ 30‬جانفي ‪ 1199‬ـ‪ .‬كقدـ اؼبؤرخ كلود موتافياف حبثا معمقا حوؿ ىذه اؼبسألة‪ ،‬اعتمد فيو على أدلة اقتبسها من ـبطوطات‬
‫أرمينية‪ ،‬أثبت فيو أف التتويج كاف يوـ ‪ 06‬جانفي ‪1198‬ـ‪ ،‬كمعظم الدراسات اغبديثة ترجح سنة ‪ 646‬اْلرمينية‪ ،‬الٍب تتوافق مع‬
‫ىذا التاريخ‪ .‬علما أف يوـ ‪ 6‬جانفي ىو عند اؼبسيحيْب يوـ عيد يسمى بعيد الظهور اإلؽبي‪ ،‬أكعيد الغطاس‪ ،‬أك عيد‬
‫الدنح أك عيد العماد‪ (jour de Épiphanie) ،‬حسب اؼبذاىب اؼبسيحية‪ ،‬كىو أيضا يوـ ميالد سيدنا اؼبسيح ُب الكنيسة‬
‫اْلرمينية )‪( .(jour de Nativité‬انظر ‪:‬‬
‫‪Samuel d'Ani : op. cit., p. 588; Sempad : op. cit., p. 634; Alishan Leonce M. : Léon : pp. 169-‬‬
‫‪171; Grousset : L'Empire du levant, p. 394; Feuillet : op. cit., p. 47, 78; Valognes Jean-Pierre :‬‬
‫‪op. cit., p. 468; Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. I, pp. 99-101.‬‬
‫‪ 4‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ج ‪ ،3‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪168‬؛‬
‫‪Dulaurier : op. cit., p. LIII; Pasdermadjian : op. cit., p. 210; Cahen : La Syrie du Nord, p. 589.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cahen Claude : op. cit., p. 588.‬‬

‫‪311‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫من خصوـ اؼبسلمْب‪ ،‬كلذلك كافق على منح التاج إذل ليوف الثاشل‪ ،‬مكافأة لو على ماقدمو من‬
‫مساعدات كخدمات بشرية كمادية للصليبيْب‪ 1،‬كبذلك يكوف قد ً‬
‫ضمن ّٔذا التتويج كجود تاب وع لو‬
‫وبتاج إليو ُب اغبمالت الصليبية القادمة‪ 2،‬ككاف البابا اينوسنت الثالث (‪ ،)0105-0087‬يرل أف‬
‫أرمينيا الصغرل ُب قيليقيا‪ ،‬الدكلة اؼبسيحية الوحيدة القادرة على الوقوؼ ُب كجو اؼبسلمْب كاَلنتقاـ‬
‫منهم‪ 3.‬كىكذا فقد شهد هناية القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬ميالد فبلكة مسيحية جديدة‪ُ ،‬ب شرؽ‬
‫البحر اؼبتوسط‪ ،‬قدر ؽبا –إذل جانب فبلكة قربص‪ -‬أف تنهض بعبء ؿباربة اؼبسلمْب أمدا طويال ُب‬
‫‪4‬‬
‫أكاخر العصور الوسطى‪.‬‬

‫كسباشيا مع سياسة اْلمر الواقع‪ ،‬كحٌب َلتنفرد اَلمرباطورية الركمانية اؼبقدسة بإقليم قيليقيا‪،‬‬
‫أرسل اَلمرباطور البيزنطي ألكسيس الثالث أقبيلوس (‪0112-0084‬ـ)‪ ،‬تاجا إذل اؼبلك ليوف‪.‬‬
‫كأرسل مع التاج رسالة قصّبة جاء فيها ‪َ" :‬ل تضع على رأسك تاج الالتْب‪ ،‬كلكن ضع تاجنا‪ْ ،‬لف‬
‫بالدؾ ىي قريبة منا أكثر من قرّٔا من ركما"‪ 5.‬كسبثل ىذه اػبطوة الٍب أقدـ عليها اَلمرباطور‬
‫ألكسيس الثالث اعَبافا باستقالؿ أرمينيا الصغرل‪ ،‬كتنازَل منو لألرمن عن إقليم قيليقيا الذم ظل‬
‫ردحا من الزمن ؿبل صراع كتنافس بْب عدة قول‪ .‬كمع بداية القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬انتقلت‬
‫جباؿ طوركس من السيادة البيزنطية إذل السيادة اْلرمينية‪ 6،‬رغم إرادة اَلمرباطور البيزنطي‪ .‬كما أراد‬
‫اَلمرباطور البيزنطي من خالؿ ىذا اَلعَباؼ‪ ،‬اَلحتفاظ باػبيط الواىي الذم ظل يربط دكلتو بأرمينيا‬
‫الصغرل‪ .‬كلكن بيزنطة تأخرت كثّبا ُب القياـ ّٔذه اػبطوة‪ْ ،‬لف أرمينيا الصغرل غدت فبلكة جديدة‬
‫ذات كياف مستقل‪ ،‬كما أف اؼبلك ليوف الثاشل الذم كاف مغرما باغبضارة الالتينية‪ ،‬أدار ظهره لعادل‬

‫‪ 1‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. I, p. 98.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dédéyan Gérard : Le rayonnement de l'Etat arménien de Cilicie, p. 338.‬‬
‫‪4‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪166‬؛ ‪Iogra : op. cit., p. 37.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Guiragos de Kantzag : op. cit., p. 424.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Cahen Claude : Orient et Occident, p. 181.‬‬

‫‪310‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫البيزنطيْب‪ ،‬كباشر ُب تطبيق سياسة إصالحية شاملة‪ 1،‬ىي أشبو بسياسة اَلدماج‪ ،‬ليجعل من‬
‫فبلكتو‪ ،‬دكلة شبيهة ُب أنظمتها بالدكؿ الفرقبية كالصليبية آّاكرة لو‪.‬‬

‫كلكن بعد نشوة آّد قصّبة اْلمد‪ ،‬أدرؾ اْلرمن ُب فبلكتهم اعبديدة‪ ،‬أهنم دل يكسبوا ُب آخر‬
‫اْلمر من الصبغة الغربية إَل رحبا ضئيال‪ ،‬إذ كجدكا أنفسهم مفصولْب حضاريا عن اْلرمن بأرمينيا‬
‫الكربل‪ ،‬موطن عنصرىم كجنسهم‪ 2،‬كبعد أف كانت ذبمعهم مؤسسة دينية كاحدة‪ ،‬أضحوا مقسمْب‬
‫بْب أتباع الكنيسة اْلرمينية كالكنيسة الكاثوليكية‪ٍ 3.‬ب تأزمت العالقات بْب فبلكة أرمينيا الصغرل‬
‫كإمارة أنطاكية فيما بْب ‪512‬ق‪ 0115/‬ك ‪505‬ق‪0108/‬ـ‪ ،‬بسبب السياسة التوسعية الٍب سار‬
‫عليها اؼبلك ليوف الثاشل‪ ،‬كزجت ىذه اْلزمة بأطراؼ كثّبة ُب النزاع بْب أمراء أنطاكية كاؼبلك ليوف‬
‫‪4‬‬
‫اْلكؿ الذم أراد بسط سيادتو على انطاكية عن طريق الوراثة‪.‬‬

‫لكن ماموقف اؼبسلمْب من تأسيس ىذه اؼبملكة اؼبسيحية اعبديدة ؟ كما انعكاسات ىذه‬
‫التطورات ُب أرمينيا الصغرل عليهم ؟‬

‫رغم أف بعض اؼبراجع اغبديثة ذكرت حضور رسل من قًبىل اػبليفة العباسي أثناء حفل‬
‫التتويج‪ 5،‬فإف اؼبصادر اؼبعاصرة لألحداث‪ ،‬دل يرد فيها ما يفيد بإرساؿ كفد أك تاج أك ىدايا من قًبىل‬
‫أم خليفة أك حاكم مسلم‪ ،‬بل إف اؼبصادر العربية دل تتحدث إطالقا عن تتويج ليوف الثاشل‪ .‬كيبدك‬
‫من اؼبصادر اؼبتأخرة‪ ،‬أف اؼبسلمْب دل ينسوا أبدا أف ىذا اإلقليم كاف خاضعا لنفوذىم منذ كقت‬
‫مبكر‪ .‬كسواء حكمها اْلمراء أـ اؼبلوؾ اْلرمن‪ ،‬فعليهم صبيعا دفع اعبزية رمزا للخضوع كالتبعية‪ .‬كُب‬
‫ىذا السياؽ كتب شهاب الدين بن العمرم يقوؿ ‪" :‬ككانت طاعتهم (أم اْلرمن) آخرا لبقية اؼبلوؾ‬

‫‪ 1‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.81-69‬‬


‫‪ 2‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ج ‪ ،3‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.169‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 410.‬‬
‫‪ 4‬ابن العربم ‪ :‬ـبطوطة تاريخ اْلزمنة‪ ،‬ص ‪62‬؛ اسكندر فايز قبيب ‪ :‬فبلكة أرمينية‪ ،‬ص ‪75-70‬؛ بوعمامة ‪ :‬اؼبرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪96-84‬؛ مقامي نبيلة ابراىيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪135‬؛ ‪Mutafian Claude : op. cit., t. I, pp. 413-414.‬‬
‫‪5‬‬
‫رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية ج ‪ ،3‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪168‬؛ اسَباجياف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪221‬؛ ‪Alishan : Léon : p. 156.‬‬

‫‪311‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫السالجقة بالركـ‪ ،‬كعليهم جزية مقررة‪ ،‬كطاعة معركفة (‪ )...‬حٌب ضعفت تلك الدكلة‪( ،‬يقصد دكلة‬
‫سالجقة الركـ) كسكنت شقائق تلك الصولة‪ ،‬كانتدب بعضهم لقتاؿ بعض (‪ )...‬فطمع ىذا اللعْب‬
‫(يقصد ملك أرمينيا الصغرل) كاستنسر بغاثو‪ 1،‬كاشتد إنكاثو‪ ،‬كرأل سواما‪َ 2‬ل ذائد عنو فساقو‪،‬‬
‫كمتاعا َل حامية لو فمأل منو أكساقو‪ 3،‬كاستوذل على ىذه البالد كسبلكها‪ ،‬كربيف مواريث بِب‬
‫سلجوؽ كاستهلكها"‪ .4‬كقد كاف فيالريت‪ ،‬يدفع اعبزية لشرؼ الدكلة مسلم بن قريش العقيلي حاكم‬
‫حلب‪ ،5‬كحٌب ليوف الثاشل الذم رفض دفع اإلتاكة اؼبتوجبة عليو للسلطاف السلجوقي عز الدين‬
‫كيكاكس اْلكؿ (‪616-608‬ق‪1219-1211/‬ـ)‪ ،‬كجد نفسو ُب اْلخّب مضطرا إذل إعالف‬
‫‪6‬‬
‫الطاعة التامة للسلطاف السلجوقي‪ ،‬كمضاعفة اػبراج مع دفع اؼببالغ اؼبستحقة عن السنْب اؼباضية‪.‬‬

‫كيبدك من كتابات اؼبسلمْب‪ ،‬أهنم رفضوا اَلعَباؼ باؼبكانة اعبديدة الٍب حققتها أرمينيا الصغرل‬
‫بعد ‪594‬ق‪1198/‬ـ‪ ،‬حيث كصفهم العمرم بأهنم "اخبث عدك لإلسالـ"‪ 7.‬كيقوؿ القلقشندم‬
‫ُب معرض حديثو عن فبلكة أرمينيا ‪" :‬كإمبا يقاؿ لو متملك سيس دكف ملك سيس ؼبا تقدـ من أهنا‬
‫كانت أكَل بيد اؼبسلمْب‪ٍ ،‬ب كثب عليها رئيس اْلرمن اؼبقدـ ذكره فملكها من أيدم اؼبسلمْب"‪،8‬‬
‫‪9‬‬
‫ككلمة متملك تدؿ على أنو ملك البالد قهرا‪.‬‬

‫اث بأرضنا يى ٍستىػٍن ًسر"‪ ،‬كالبغاث من ضعاؼ الطّب‪ ،‬كاستنسر أم صار كالنسر ُب القوة‪ .‬يضرب‬
‫من اؼبثل العريب القائل ‪" :‬إف البيػغى ى‬
‫‪1‬‬

‫ضعيف صار قويان‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن منظور ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.)118‬‬ ‫ه‬ ‫عز بو‪ ،‬أك‬‫للعزيز إذا نزؿ عنده ذليل َّ‬
‫‪ 2‬السواـ كالسائمة‪ ،‬مفرد سوائم ‪ :‬اؼباشية كاإلبل الراعية‪( .‬أنظر ‪ :‬ابن منظور ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.)311‬‬
‫‪ 3‬أكساؽ ‪ :‬ستوف صاعا (ضبل البعّب)‪( .‬أنظر ‪ :‬اعبوىرم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)1566‬‬
‫‪4‬‬
‫الع ىمرم ‪ :‬التعريف باؼبصطلح الشريف‪ ،‬ص ‪.81-80‬‬ ‫ابن فضل ا﵁ ي‬
‫‪ 5‬طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ 6‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.234-233‬‬
‫‪7‬‬
‫الع ىمرم ‪ :‬التعريف باؼبصطلح الشريف‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫ابن فضل ا﵁ ي‬
‫‪ 8‬القلقشندم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.33‬‬
‫‪ 9‬ابن منظور ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.92‬‬
‫‪312‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كما استخدـ اؼبسلموف ألقابا عديدة للتعبّب عن أرمينيا الصغرل أك ملكها‪ ،‬منها "بالد ابن‬
‫َلكف"‪ ،1‬كاؼبقصود بو ىو اؼبلك ليوف‪ ،‬ك"متملك سيس" أك "صاحب سيس"‪ ،‬كسيس ىي العاصمة‬
‫الٍب انتقل إليها اؼبلك ليوف‪ .‬كذكر العمرم ُب كتابو اؼبصطلح الشريف‪" ،‬كمن ملك منهم ظبي‬
‫«التكفور»"‪ ،2‬كىو لفظ أرميِب معناه "ال يػمتىػ َّوج"‪ ،3‬كما يقصد بو اؼبلك أك العظيم‪.4‬‬

‫توَب ليوف الثاشل بتاريخ ‪ 16‬صفر ‪616‬ق‪ 02/‬مام ‪1219‬ـ‪ ،‬كدل يَبؾ ابنا ذكران‪ ،‬فانتقل التاج‬
‫َلبنتػو زابػيل )‪ ،(Zabel ou Isabelle‬شبرة زكاجو الثاشل‪ .‬تزكجت بػ فيليب ‪-‬ابن بوىيموند الرابع‪،‬‬
‫حاكم أنطاكية‪ -‬كقد اشَبط عليو اْلرمن‪ ،‬أف يػي ٍق ًسم بأف يعيش معهم كفق طقوس الكنيسة اْلرمينية‪،‬‬
‫كاحَباـ امتيازات عائالهتم الكبّبة‪ .‬كلكنو دبجرد أف أصبح ملكا‪ ،‬أظهر ميال كبو الالتْب‪ ،‬كعامل‬
‫اْلرمن على أهنم رعايا أقل درجة‪ ،‬كاهتم بتحويل كل شيء شبْب إذل أنطاكية‪ ،‬فبا أدل إذل انتزاعو من‬
‫‪5‬‬
‫بْب أيدم زكجتو كإبعاده عن السلطة‪ٍ ،‬ب اغتيالو سنة ‪622‬ق‪1225/‬ـ‪.‬‬

‫كقاـ كصي اؼبلكة اْلرملة الصغّبة قسطنطْب ‪-‬أمّب َلمربكف كزعيم آؿ ىيثوـ‪ -‬بإرغامها على‬
‫الزكاج ثانية‪ ،‬بابنو ىيثوـ بتاريخ ‪ 16‬صبادل اْلكذل ‪ 623‬ىػ‪ 14/‬مام ‪ 1226‬ـ‪ 6.‬كّٔذا الزكاج انتقل‬
‫العرش من آؿ ركبْب إذل آؿ ىيثوـ‪ 7.‬كإذا كانت السياسة اػبارجية ْلرمينيا الصغرل قد قامت على‬
‫التعاكف مع الصليبيْب منذ اغبملة الصليبية اْلكذل‪ ،‬فإف اؼبلك ىيثوـ اْلكؿ (‪667-623‬ق‪-1226/‬‬
‫‪1269‬ـ) خليفة ليوف اْلكؿ‪ ،‬قد كضع دعائم سياسة خارجية جديدة‪ ،‬قائمة على التحالف مع‬

‫‪ 1‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.12‬‬


‫‪2‬‬
‫الع ىمرم ‪ :‬التعريف باؼبصطلح الشريف‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫ابن فضل ا﵁ ي‬
‫‪ 3‬نفسو‪.‬‬
‫‪ 4‬بوعمامة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪ 5‬ابن اْلثّب ‪ :‬الكامل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪372-371‬؛ ابن العربم ‪ :‬ـبطوطة تاريخ اْلزمنة‪ ،‬ص ‪76-75 ،69‬؛ خاقبي ‪ :‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪237‬؛‬
‫‪Guiragos de Kantzag : op. cit., pp. 428-429; Smbat : op. cit., pp. 92-94, Aslan Kévork : op. cit., p. 80.‬‬
‫‪ 6‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪271‬؛ طقوش ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ‪ ،‬ص ‪243‬؛ خاقبي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪237‬؛‬
‫‪Smbat : op. cit., p. 96; Grousset : L'Empire du Levant, p. 396.‬‬
‫‪ 7‬بوعمامة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.151-148‬‬
‫‪313‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫اؼبغوؿ بدَل من التحالف مع الغرب اْلكريب بعد أف ثبت انشغاؿ الدكؿ اْلكربية دبشاكلها اػباصة عن‬
‫اؼبسانبة اعبدية ُب اغبركب الصليبية‪ ،‬فبا أدل إذل فتور تيار اغبركة الصليبية‪ ،‬كاكبرافها عن كجهتها‬
‫الصحيحة منذ أكائل القرف الثالث عشر‪ 1.‬كىكذا حل اْلرمن ؿبل الفرقبة ُب قيادة اغبركة الصليبية‬
‫اعبديدة الٍب كلت كجهها شطر اؼبغوؿ‪ ،‬ككانت فبلكة أرمينيا الصغرل ُب الصف اْلكؿ‪ ،‬لتوجيو آّهودات‬
‫اؼبسيحية الغربية كبو إعادة احتالؿ الشاـ كإعادة السيطرة اؼبسيحية على بيت اؼبقدس‪ 2.‬كبذلك تبدأ مرحلة‬
‫جديدة من تاريخ أرمينيا الصغرل أك كما ظباىا ٍج يركسي أرمينيا اعبديدة‪.‬‬

‫‪ – 3‬مالمح التحوالت الدينية كالثقافية في أرمينيا الصغرل‬


‫فبا َل شك فيو‪ ،‬أف العقود الٍب عاشتها إمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كاغبركب كاؼبعارؾ الٍب خاضتها‬
‫ضد اؼبسلمْب‪ ،‬كالتحالفات الٍب أبرمتها مع الصليبيْب‪ ،‬قد أدت إذل كجود احتكاؾ حضارم بْب‬
‫اْلرمن كغّبىم من الشعوب كاْلجناس اؼبختلفة عن بعضها البعض ُب أصوؽبا كلغاهتا‪ ،‬كعاداهتا‬
‫كأدياهنا‪ .‬كترتب عن ىذا التداخل بْب التيارات اغبضارية اؼبختلفة‪ ،‬كضع حضارم جديد ُب أرمينيا‬
‫‪3‬‬
‫الصغرل‪ ،‬خاصة ُب اعبانب اَلجتماعي بأبعاده الدينية كاللغوية‪.‬‬

‫كيبدك من الوىلة اْلكذل‪ ،‬أف الصليبيْب تركوا بصماهتم كاضحة ُب اغبياة اَلجتماعية كالثقافية‬
‫لألرمن رغم اؼبدة القصّبة الٍب قضوىا ُب بالد الشاـ‪ ،‬مقارنة باؼبسلمْب الذين احتكوا باْلرمن مدة‬
‫تزيد عن سبعة قركف‪ .‬فإف تأثر اْلرمن باغبضارة اَلسالمية كمسانبتهم فيها يبدك بسيطا إذا دل يكن‬

‫‪ 1‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬حبوث كدراسات‪ ،‬ص ‪ .243‬حوؿ ربالف فبلكة أرمينيا الصغرل مع اؼبغوؿ‪( ،‬انظر ‪ :‬بوعمامة ‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪191-165‬؛ زرقوؽ ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 62‬كما بعدىا)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Iogra : op. cit., p. 29, 40, 45.‬‬
‫‪ 3‬إف البحث ُب ىذا اؼبوضوع شائك كيتطلب جهد مؤسسات متخصصة‪ ،‬ذبمع عددا من اؼبتخصصْب ُب التاريخ كاْلنثركبولوجيا‬
‫كاللغات‪ ،‬تكشف النقاب عن أىم التفاعالت اغبضارية ُب الفكر كاللغة كآّتمع‪ ،‬بْب اْلرمن كاؼبسلمْب كالصليبيْب‪ .‬كالواقع أف‬
‫الكتابة التارىبية عن اْلرمن خالؿ اغبركب الصليبية‪ ،‬من الناحية الثقافية كاَلجتماعية ليست باْلمر اليسّب‪ ،‬بل إهنا تعد مشكلة ُب‬
‫حد ذاهتا‪ ،‬على اعتبار أف اؼبصادر التارىبية الٍب ألفها اْلرمن أك الصليبيوف أك اؼبسلموف‪ ،‬اىتم أصحأّا باعبوانب السياسية كاغبربية‬
‫ُب اؼبقاـ اْلكؿ‪ ،‬كدل يتعرضوا بنفس اَلىتماـ للجوانب اغبضارية اْلخرل‪ .‬كاؼبصادر العربية‪ ،‬تركز على اعبوانب اغبربية كالسياسية‪،‬‬
‫كهتمل البعد اَلجتماعي كاَلقتصادم‪ ،‬فيما يتعلق بالتعامل مع اآلخر‪ ،‬كاؼبقصود بو ىنا اْلرمن‪ ،‬ناىيك عن كجود فجوات مصدرية‬
‫ُب مراحل تارىبية معينة‪ ،‬كمن ٍب فإف حجم اؼبادة التارىبية عن ىذا اؼبوضوع ليس متوازنا بصفة عامة‪ ،‬كىو وبتاج إذل دراسة خاصة‪.‬‬
‫‪314‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫منعدما‪ .‬كَل يبكن أف يعود السبب إذل ىوية اْلرمن كاؼبسيحية الٍب اعتنقوىا منذ عهد بعيد‪ْ ،‬لف‬
‫شعوبا مسيحية ؿبلية مثل السرياف كاْلقباط‪ ،‬تعاطوا مع اغبضارة اَلسالمية فسانبوا فيها‪ ،‬كهنلوا منها‬
‫ُب آف كاحد‪ ،‬كحافظوا على معتقداهتم‪ .‬كردبا من بْب العوامل الٍب يبكن اَلشارة إليها ُب البداية أف‬
‫اْلرمن سيطرت على حياهتم ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬فكرة اغبرب‪ ،‬فهم ؿباربوف‪ ،‬مثل الصليبيْب سباما‪،‬‬
‫كاستمرت ظالؿ اغبرب زبيم عليهم إذل غاية سقوط فبلكتهم على يد اؼبماليك‪ .‬كمن الطبيعي ُب مثل‬
‫ىذه الظركؼ أف تنعدـ اعبسور اغبضارية بْب اْلرمن كغّبىم من العرب كاْلتراؾ اؼبسلمْب‪.‬‬

‫أ ‪ -‬الكنيسة األرمينية بين التسامح االسالمي كالتعصب المذىبي المسيحي‬


‫تسربت اؼبسيحية إذل أرمينيا ُب كقت مبكر‪ ،‬ككاف ذلك عن طريق اؼببشرين القادمْب من‬
‫القدس أك أنطاكية أك الرىا‪ .‬كعاسل اْلرمن اْلكائل الذين اعتنقوا اؼبسيحية من اضطهاد الفرس كالركماف‬
‫ؽبم‪ .‬كدل يكن اغبكاـ اْلرمن آنذاؾ يعَبفوف ّٔا‪ ،‬فبا جعل عددا كبّبا من الشعب اْلرميِب يتأرجح بْب‬
‫اؼبنور‬
‫الوثنية كاؼبسيحية‪ ،‬إل ػى أف ح ػس ػم اْلم ػر ال ػق ػدي ػس ج ػري ػج ػوار ال ػم ػك ػُب بالنوراشل أك ّْ‬
‫)‪ 1(Grégoire l'Illuminateur‬الذم يرجع إليو الفضل ُب إدخاؿ اؼبسيحية ْلرمينيا ُب سنة‬
‫‪301‬ـ‪ُ ،‬ب عهد اؼبلك درطاد الثالث (‪ 330-298( Tiridate III‬ـ))‪ 2،‬كًب تعيْب جّبجوار‬

‫‪1‬‬
‫اؼبنور ‪ ،)Grégoire l'Illuminateur‬ابن اْلمّب أناؾ )‪ ،(Anak‬الذم قتل اؼبلك‬ ‫ىو جرهبور لوسافوريج (يلقب جبرهبور ّْ‬
‫خسركؼ اْلكؿ (درطاد الثاشل)‪ ،‬فتعرضت أسرتو إذل اإلبادة إَل الطفل جرهبور‪ ،‬حيث ىرب مع مربيتو إذل كبادككيا فرارا من اؼبوت‪.‬‬
‫كىناؾ تلقى عناية من شقيق ىذه اؼبربية‪ ،‬ككاف مسيحيا فرباه على مبادئ الدين اعبديد‪ .‬كعندما كرب‪ ،‬غادر قيصرية تاركا كراءه‬
‫زكجتو ككلديو ليقوـ بالتبشّب باؼبسيحية ُب قلب أرمينية ‪ ...‬تعرض للتعذيب كاؼبتابعة كرمى بو اؼبلك درطاد الثالث ُب بئر سحيقة‪،‬‬
‫ْلنو رفض تقدصل قربانا ْلحد اْلصناـ اؼبعبودة من طرؼ اْلرمن‪ .‬كتركم اؼبصادر اْلرمينية‪ ،‬عدة أساطّب حوؿ ىذه الشخصية‬
‫ككيفية خركجو من البئر كجهوده لنشر اؼبسيحية‪ .‬توُب سنة ‪ 325‬ـ‪( .‬أنظر ‪ :‬خوريناتسي ‪ :‬مصدر سابق ص ‪180-179‬؛‬
‫‪Grousset : Histoire de l'Arménie, p. 125; Mouradian Claire : op. cit., p. 16).‬‬
‫‪ 2‬حكم أرمينيا ثالث مرات‪ ،‬آخرىا بْب ‪ 330-298‬ـ‪ .‬كاف متحالفا مع الركماف ضد الساسانيْب‪ ،‬متعلقا بالوثنية‪ ،‬كارىا للمسيحية‪،‬‬
‫بل كقاـ بتعذيب كإعداـ العديد من اؼبسيحيْب‪ .‬أصيب دبرض نفساشل‪ ،‬جعلو يتطبع بأخالؽ اغبيوانات كُب حالة من الالكعي كالشذكذ‪،‬‬
‫جعلتو أبعد ما يكوف عن اإلنسانية (‪ .)...‬شفي على يد جرهبور بعد أف أطلق سراحو‪ .‬بعدىا‪ ،‬اعتنق اؼبسيحية عقيدة‪ ،‬كأصبح من‬
‫دعاهتا‪ ،‬كقاـ بتهدصل اؼبعابد الوثنية‪( .‬خوريناتسي ‪ :‬مصدر السابق ص ‪187-182‬؛ خاقبي ‪ :‬مرجع السابق‪ ،‬ص ‪102-101‬؛‬
‫‪Mahé Jean-Pierre : Affirmation de l'Arménie chrétienne, pp. 163-165).‬‬
‫‪315‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫أكؿ جثليق للكنيسة اْلرمينية‪ٍ 1،‬ب راح يعمل لتنصّب بقية أبناء شعبو كتنظيم شؤكف كنيستو‪ .‬كبذلك‬
‫‪2‬‬
‫كانت أرمينيا أكؿ فبلكة ُب التاريخ تتبُب اؼبسيحية كديانة رظبية للدكلة كالشعب ُب آف كاحد‪.‬‬

‫كاعبدير بالذكر ُب بداية ىذا الفصل‪ ،‬أف موجة اَلضطهاد الٍب تعرض ؽبا ركاد اؼبسيحية ُب‬
‫تارىبها الباكر‪ ،‬على أيدم الركماف‪ ،‬جعلتهم متماسكْب ُب جبهة كاحدة للدفاع عن كياهنم‪ ،‬كدل يكن‬
‫ؽبم من الوقت ما يسمح ؽبم باعبدؿ حوؿ تفاصيل القضايا العقائدية كالالىوتية‪ .‬كبعد ما خفت ىذه‬
‫الضغوط كاَلضطهادات‪ ،‬بانتصار اؼبسيحية على الوثنية‪ ،‬كصدكر مرسوـ ميالف الشهّب ُب سنة‬
‫‪313‬ـ‪ ،‬طفت إذل السطح عدة مشاكل ُب كجو معتنقي اؼبسيحية‪ ،‬أدت إذل حدكث خالفات‬
‫مذىب ية‪ ،‬كاف أخطرىا ذلك اػبالؼ اؼبذىيب الذم يبس جوىر العقيدة نفسها كيتناكؿ ألوىية اؼبسيح‪،‬‬
‫كمكانة اْلقنوـ‪ 3‬الثاشل (اَلبن) ُب الثالوث اؼبقدس‪ ،‬أم ربديد العالقة بْب (اؼبسيح اَلبن كاَللو اْلب)‬
‫حسب معتقدات اؼبسيحيْب‪ .‬ككاف القسم الشرقي من اَلمرباطورية الركمانية‪ ،‬اليوناشل الفكر كالثقافة‬
‫كاللساف ىو آّاؿ اغبيوم الذم تدكر ُب رحابو عملية اعبدؿ الديِب كذلك َلنتشار اؼبدارس الفلسفية‬
‫ُب كثّب من مدنو مثل اَلسكندرية كأنطاكية‪ ،‬كأثينا‪ ،‬فضال عن اليونانية الٍب كانت لغة أـ العلوـ‬
‫‪4‬‬
‫آنذاؾ‪.‬‬

‫‪ 1‬اظبها الرظبي ىو الكنيسة اْلرمينية الرسولية )‪ ،(Eglise Arménienne Apostolique‬كما تعرؼ أيضا باسم الكنيسة‬
‫اْلرمينية اْلرثذككسية كيطلق عليها عادة اسم الكنيسة اْلرمينية اعبرهبورية‪ ،‬نسبة إذل القديس جرهبوريوس اؼبنور‪ ،‬كَل عالقة بذلك‬
‫باعبرهبورية البابوية الركمانية‪( .‬موسوعة عادل اْلدياف‪ ،Nobilis ،‬بّبكت‪ .1113 ،‬ج ‪ ،04‬ص ‪.).01-00‬‬
‫‪ 2‬خوريناتسي ‪ :‬مصدر السابق ص ‪130-129‬؛ عطية عزيز سولاير ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪394‬؛ خاقبي ‪ :‬ارجع السابق‪ ،‬ص ‪102‬؛‬
‫‪Dulaurier Édouard : Histoire Dogmes, Traditions et Liturgie de l'Église Arménienne orientale,‬‬
‫‪A. Durand, Librairie, 3eme. éd. Paris, 1859. pp. 9-25.‬‬
‫‪ 3‬اْلقنوـ )‪ : (Hypostase‬كلمة من أصل سرياشل كتعِب حرفيان "شخص" أم صفات كخصائص الكائن الٍب ّٔا نتعرؼ علي‬
‫ماىيتو اػباصة الٍب نشخصو ّٔا‪ ،‬ىذا معناىا اللغوم‪ .‬كباليونانية )‪ (upostatis‬كىي مكونة من مقطعْب ىيبو )‪ (upo‬كتعِب ربت‬
‫كستاتيس )‪ (statis‬كتعِب قائم أك كاقف‪ ،‬كبذلك تعِب لغويان ربت القائم أك ما يقوـ عليو الشيء‪ .‬كَلىوتيان تعِب ما يقوـ عليو‬
‫اعبوىر أك ما يقوـ بو اعبوىر أك الطبيعة‪ ،‬كاْلقنوـ ىو كائن حقيقي لو شخصيتو اػباصة بو كلو إرادة‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Feuillet Michel : op. cit., p. 59).‬‬
‫‪ 4‬نافع أمّبة ؿبمد ‪ :‬اؼبسيحيوف ا﵀ليوف ُب بالد الشاـ عصر اغبركب الصليبية (‪691-491‬ق‪1291-1097/‬ـ)‪ ،‬عْب‬
‫للدراسات كالبحوث اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬القاىرة‪ .2016 ،‬ص ‪.31-30‬‬
‫‪316‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كدبا أف ىذا البحث دراسة ُب التاريخ السياسي َل ُب العقائد كالفلسفة‪ ،‬فستتم اَلشارة فقط‬
‫إذل قضيتْب من أمهات القضايا ذات الصلة دبوضوع الدراسة‪ ،‬كنبا عالقة اؼبسيح عليو السالـ با﵁‬
‫تعاذل كدبرصل العذراء‪ ،‬كقضية طبيعة اؼبسيح‪ ،‬كقد شغلت ىاتاف القضيتاف اؼبسيحيْب قركنا طوية‪ ،‬ككانت‬
‫من أعظم أسباب الصراع اؼبذىيب بْب اؼبسيحيْب الذم أدل إذل انقساـ اؼبسيحية إذل عدة مذاىب‬
‫ككنائس‪ .‬ككانت بداية اعبداؿ ُب مدينة اَلسكندرية بْب اثنْب من رجاؿ الكنيسة‪ ،‬اْلكؿ ىو القس‬
‫آريوس )‪ 1(Arius‬الذم فجر اػبالؼ ُب عاـ ‪318‬ـ‪ ،‬عندما أنكر ألوىية اؼبسيح حْب قاؿ ‪" :‬ماداـ‬
‫اؼبسيح ىو ابن ا﵁ فال بد كأف يكوف أقل منو شأنا كأدسل منزلة‪ ،‬كإذا كاف اػبلود ىو صفة ا﵁ الذم َل‬
‫أكؿ كَل آخر لو‪ ،‬فإف اؼبسيح َل يعد خالدا ْلف لو بداية؛ كؽبذا فليس اؼبسيح إؽبا‪ ،‬كما أف اؼبسيح‬
‫ـبلوؽ فقد خلقو ا﵁ من العدـ‪ ،‬كمن شبة فقد كاف ىناؾ زمن دل يكن فيو اَلبن موجود كبالتارل فهو َل‬
‫يساكم اْلب ُب اعبوىر"‪ 2،‬كبعبارة بسيطة فإف اؼبسيح ـبلوؽ َل إلو‪ ،‬كإَل فإف اؼبسيحيْب يصبحوف‬
‫متهمْب بعدـ التوحيد كبعبادة اؽبْب‪ 3.‬كالثاشل ىو أثناسيوس )‪ (Athanasius‬أسقف كنيسة‬
‫اَلسكندرية‪ ،‬الذم قاؿ ‪" :‬إف اَلبن مسا وك سباما لإللو اْلب ُب اؼبكانة كاؼبنزلة كالقدرة حبكم أهنما من‬
‫عنصر كاحد‪ ،‬كأف فكرة الثالوث اؼبقدس‪ ،‬اْلب‪ ،‬اَلبن‪ ،‬الركح القدس‪ ،‬تدعو إذل اعتبار اؼبسيح إؽبا َل‬
‫يقل شأنا عن اإللو اْلب"‪ 4.‬لقد كانت أفكار آريوس تقوـ على أساس من اؼبنطق كالتعقل‪ ،‬كلذلك‬
‫كجدت طريقها بْب اؼبثقفْب كاؼبتعلمْب ُب الشاـ‪ ،‬كآسيا الصغرل‪.‬‬

‫كنظرا َلىتماـ صبيع الناس ُب الشرؽ اؼبسيحي ّٔذا النقاش الديِب‪ ،‬دل يعد اػبوض ُب اؼبسائل‬
‫الالىوتية يقتصر على رجاؿ الدين فقط‪ ،‬بل نزؿ إذل عامة الناس‪ ،‬حٌب أصبح العماؿ كالعبيد يشتغلوف‬
‫بقضايا الالىوت كالناسوت ُب مدينة القسطنطينية‪ ،‬فمن يقصد صرافان َلستبداؿ قطعة نقود يوقفو‬
‫لّبكم لو أكجو اػبالؼ بْب (اؼبسيح اَلبن كاإللو اْلب)‪ ،‬كإذا ذىب أحدىم لشراء رغيف خبز أخربه‬

‫‪ 1‬كاميللو بيّب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .11‬انظر ايضا ص ‪ 57‬ىامش رقم ‪. 2‬‬
‫‪ 2‬نافع أمّبة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 3‬حافظ اضبد غازل ‪ :‬اَلمرباطورية الركمانية من النشأة إذل اَلهنيار‪ ،‬دار اؼبعرفة اعبامعية‪ ،‬اَلسكندرية‪ .2007 ،‬ص ‪222 ،211‬؛‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ أكربا ُب العصور الوسطى‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 4‬نافع أمّبة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪317‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫اػبباز بأف اَلبن هبب أف يكوف دكف اْلب‪ ،‬كإذا طلب من اغبمامي أف يعد لو اغبماـ‪ ،‬أجابو بأف‬
‫اَلبن كجد من َل شيء‪ 1.‬بينما انتشرت أفكار أثناسيوس ُب الغرب الالتيِب‪ ،‬حيث تكاد تنعدـ‬
‫اؼبدارس الفلسفية‪ ،‬كاؼبستول العلمي كالثقاُب أقل فبا ىو عليو ُب شرؽ اَلمرباطورية الركمانية‪ ،‬كىو‬
‫يتفق إذل حد بعيد مع طريقة تفكّب عامة الناس الذين يتميزكف ببساطة التفكّب‪ ،‬كعدـ اَلىتماـ‬
‫بالنظر ُب القضايا الفلسفية كالفكرية‪.‬‬

‫كتوسعت دائرة اعبداؿ الديِب بْب اؼبسيحيْب‪ ،‬من النقاش حوؿ عالقة اؼبسيح با﵁‪ ،‬إذل قضية‬
‫أخرل َل تقل خطورة عن اْلكذل‪ ،‬كىي تتعلق بطبيعة السيد اؼبسيح (عليو السالـ)‪ .‬كقد أدل ىذا‬
‫الصراع اؼبذىيب إذل ظهور عدة مذاىب مسيحية‪ ،‬أنبها اؼبذىب اؼبونوفيزم )‪،(Monophysisme‬‬
‫الذم يقوؿ ‪" :‬أف يسوع اؼبسيح إلو كامل كإنساف كامل‪ ،‬كاْللوىية كالبشرية باربادنبا آّرد عن‬
‫اَلختالط‪ ،‬كونتا طبيعة كاحدة ُب اؼبسيح"‪ 2،‬كيسمى أتباع ىذا اؼبذىب باؼبنافزة‪ ،‬أك أصحاب الطبيعة‬
‫الواحدة‪ 3.‬كاؼبذىب الديوفيزم )‪ 4،(Diophysisme‬أك اػبلقدكشل )‪ ،(Chalcédonien‬الذم‬
‫يقوؿ ‪ :‬أف اؼبسيح يتكوف من "طبيعتْب متميزتْب‪ ،‬طبيعة إنسانية كطبيعة إؽبية‪ ،‬متحدتْب كل اَلرباد‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫كلكنهما غّب ـبتلطتْب أك فبتزجتْب"‪ 5،‬كعرؼ أتباعو باسم اؼبلكانية‪ 6‬أك اػبلقدكنيْب‪.‬‬

‫‪ 1‬عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ أكربا ُب العصور الوسطى‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪2‬‬
‫اؼبدكر ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪283-282‬؛ ‪Mahé Jean-Pierre : Affirmation de l'Arménie , pp. 197-202.‬‬
‫يسمى ىذا اؼبذىب عند اؼبسلمْب باليعقوبية‪ ،‬كىم أتباع يعقوب الربادعي‪ ،‬الذين قالوا ‪" :‬انقلبت الكلمة غبما كدما‪ ،‬فصار اإللو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ين قىاليوا إ َّف ا﵁ى‬
‫ىو اؼبسيح‪ .‬كىو الظاىر جبسده‪ ،‬بل ىو ىو‪ .‬كعنهم أخربنا القرآف الكرصل‪ُ ،‬ب سورة اؼبائدة‪ ،‬اآلية ‪{ 72‬لى ىق ٍد ىك ىفىر الذ ى‬
‫يح اًبٍ ين ىم ٍرىصلى}" (انظر ‪ :‬الشهرستاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪182‬؛ الفصل اْلكؿ ص ‪ ،56‬ىامش رقم ‪. 2‬‬ ‫ً‬
‫هى ىو اؼبىس ي‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 135-136; Michel Le Syrien : Extrait de la chronique, p. 369.‬‬
‫‪ 4‬كلمة ‪ ،Monophysisme‬مركبة من كلمتْب يونانيتْب نبا ‪ mono‬تعِب كاحد‪ ،‬ك ‪ physis‬تعِب الطبيعة‪ ،‬أم طبيعة كاحدة‪،‬‬
‫كنفس الَبكيب ُب كلمة ‪ ،Diophysisme‬حيث كلمة ‪ dio‬تعِب إثناف‪( .‬انظر ‪ :‬موسوعة أدياف العادل ‪ :‬ج ‪ ،13‬ص ‪-12‬‬
‫‪13‬؛ ‪.)Feuillet Michel : op. cit., p. 76, 78.‬‬
‫‪ 5‬اؼبدكر ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪172‬؛ أنظر أيضا ‪ :‬الفصل اْلكؿ ص ‪ ،45‬ىامش رقم ‪.2‬‬
‫‪ 6‬الشهرستاشل ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.181-179‬‬
‫‪ 7‬إضافة إذل ىذا عرفت اؼبسيحية مذىبْب آخرين نبا ‪ :‬اؼبذىب النسطورم )‪ : (Nestorianisme‬الذم يقوؿ بوجود طبيعتْب‬
‫منفصلتْب ُب اؼبسيح إحدانبا إؽبية كاْلخرل بشرية‪ ،‬كالطبيعة البشرية ىي الٍب تطغى على اؼبسيح ْلنو أمو مرصل العذراء من البشر‪=.‬‬
‫‪318‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كقبل انفجار ىذا اعبداؿ كانت الكنيسة اْلرمينية من الناحية العملية كاحدة من الكنائس‬
‫اؼبسيحية اْلخرل اؼبنتشرة ُب العادل‪ ،‬حٌب انعقاد ؾبمع خلقدكنية ُب سنة ‪451‬ـ‪ 1،‬الذم تبُب مذىب‬
‫الطبيعتْب‪ ،‬كغدا اؼبذىب الرظبي للكنيسة البيزنطية‪ .‬لكن رجاؿ الدين اْلرمن اشتموا فيو رائحة‬
‫النسطورية الٍب أدانتها آّامع الدينية السابقة‪ ،‬فبا جعلهم يرفضوف ما كرد فيو من قرارات‪ٍ ،‬ب عقدكا‬
‫ؾبمعا دينيا ُب مدينة دكين‪ (Dwin) 2‬عاـ ‪506‬ـ‪ ،‬حضره أساقفة أرمن‪ ،‬كجورجيْب‪ ،‬كخزريْب‪،‬‬
‫أعلنوا فيو سبسكهم دبذىب الطبيعة الواحدة‪ ،‬كتلتو ؾبامع كنسية أخرل أنبها الذم انعقد ُب ‪21‬‬
‫مارس ‪555‬ـ‪ ،‬دبدينة دكين دائما‪ ،‬الذم يبكن اعتباره يوـ ميالد الكنيسة اْلرمينية القومية‪ ،‬حيث‬

‫= كاؼبذىب اؼبونوثيليٍب )‪ : (Monothélisme‬القائل بوجود إرادة كاحدة ُب اؼبسيح دكف التعرض لطبيعتو‪( .‬انظر ‪ :‬الشهرستاشل ‪:‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪181‬؛ الدبس يوسف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪334-333‬؛ حافظ اضبد غازل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪211‬؛‬
‫كيلَب ج ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪93-91‬؛ نافع أمّبة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪34-33‬؛‬
‫‪Valognes Jean-Pierre : op. cit., pp. 36-37, 41-42).‬‬
‫‪َ 1‬ل تعَبؼ الكنيسة اْلرمينية إَل بآّامع الدينية الثالث اْلكذل‪ ،‬كىي ؾبمع نيقية (‪325‬ـ)‪ ،‬الذم أقر تأليو اؼبسيح كمساكاتو التامة‬
‫مع ا﵁‪ ،‬كازبذ قرارا بتكفّب آريوس ككل من يقوؿ أف اؼبسيح إنساف‪ ،‬كؾبمع القسطنطينية (‪270‬ـ)‪ ،‬الذم أقر ألوىية الركح القدس‪،‬‬
‫كمساكاتو التامة مع اْلب‪ ،‬كؾبمع أفسس (‪320‬ـ )‪ ،‬الذم أداف نسطور‪ْ ،‬لنو فصل بْب الطبيعة اإلؽبية كالطبيعة البشرية للسيد‬
‫اؼبسيح )‪ .(Diophysisme‬أما ؾبمع خلقدكنية (‪340‬ـ)‪ ،‬فقد تقرر فيو أف للمسيح طبيعتْب دكف خلط كدكف امتزاج‪ ،‬كدكف‬
‫انفصاؿ كدكف تفريق‪ ،‬كىذا ما يسمى اصطالحا دبذىب الطبيعة الثنائية )‪ .(Diophysisme‬كدل يكن لألرمن من يبثلهم ُب ؾبمع‬
‫خلقدكنية بسبب انشغاؽبم دبعركة افارير )‪ ،(Avaraïr‬ضد الفرس‪ ،‬كمن شبة فلم يكونوا على علم بقراراتو‪( .‬أنظر ‪ :‬نبيل نيقوَل‬
‫جورج بوخاركؼ ‪ :‬اؼبسيحية دين ا﵁ الذم أنزلو على اؼبسيح أـ ىي ديانة بولس‪( ،‬بدكف دار كمكاف النشر) ‪ .1116‬ص ‪70-71‬؛‬
‫موسوعة عادل اْلدياف؛ ج‪ ،04‬ص ‪26 ،20‬؛ كاميللو بيّب ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪32-26‬؛ الفصل اْلكؿ ص ‪ ،67‬ىامش رقم ‪.)2‬‬
‫‪Grousset : Histoire de l'Arménie, pp. 202-206; Mouradian : op. cit. p. 17; Augé Isabelle :‬‬
‫‪Byzantins, Arméniens, p. 19).‬‬
‫اح هد} (اؼبائدة «‪،)»62‬‬ ‫ث ثىالىثىوة كما ًم ًن اًلىوو اًَلَّ إًلىو ك ً‬ ‫ً‬
‫ين قىاليوا إً َّف ا﵁ى ثىال ي‬
‫ً‬
‫هى‬ ‫ىى‬ ‫كحوؿ ىذا نزلت آيات قرآنية كثّبة منها ‪{ :‬لى ىق ٍد ىك ىفىر الذ ى‬
‫أم أف اؼبسيحيْب يقولوف أف طبيعة ا﵁ عبارة عن ثالثة أقانيم متساكية ‪ :‬ا﵁ اْلب‪ ،‬كا﵁ اإلبن‪ ،‬كا﵁ الركح القدس‪ .‬كليس بعد قوؿ‬
‫ت ًمن قىػٍبلً ًو ُّ‬
‫الر يس يل ىكأ ُّيموي ًصدّْي ىقةه ىكانىا‬ ‫يح اًبٍ ين ىم ٍرىصلى إًَلَّ ىر يس ه‬
‫وؿ قى ٍد ىخلى ٍ‬
‫ً‬
‫ا﵁ تعاذل قوؿ‪ ،‬حيث يذكر أف اؼبسيح كأمو بشر ‪َّ { :‬ما اؼبىس ي‬
‫ت يٍبَّ اىنٍظير اى َّسل ييوفى يكو ىف } (اؼبائدة «‪( .)»64‬أنظر ‪ :‬قطب سيد ‪ُ :‬ب ظالؿ القرآف‪ ،‬دار‬ ‫يا يكالى ًف الطَّعاـ اىنٍظير ىكيف نػيبػ ّْْب ىؽبم الالىي ً‬
‫ى ى ٍ ٍ ى ى ي يي ى‬ ‫ى‬
‫الشركؽ‪ ،‬ط‪ ،00 .‬القاىرة‪ .0871 ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.).834-832‬‬
‫‪ 2‬دكين ‪ :‬تسمى أيضا توين كدبيل‪ ،‬كىي اآلف قرية صغّبة ُب جنوب يريفاف‪ ،‬ككانت ُب العصر الوسيط من أكرب اؼبدف بأرمينيا‬
‫الكربل‪ ،‬كانت ثغرا فتحو حبيب بن مسلمة ُب أياـ عثماف بن عفاف (رضي ا﵁ عنو)‪ ،‬كمنذ القرف اػبامس اؼبيالدم ازبذىا جثالقة‬
‫اْلرمن مقرا ؽبم‪ ،‬إذل أف تعرضت لزلزاؿ عنيف ُب هناية التاسع اؼبيالديي‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪288‬؛‬
‫لسَبنج كي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪216‬؛ ‪.)Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. I, p. 477‬‬
‫‪321‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫أكد اغباضركف فيو رفضهم اؼبطلق لتعاليم ؾبمع خلقدكنية‪ ،‬فانقطعت بذلك الكنيسة اْلرمينية عن‬
‫الكنيسة البيزنطية ككرسي القسطنطينية كركما‪ .‬كبذلك تكوف الكنيسة اْلرمينية قد حددت موقفها‬
‫اؼبذىيب بالوقوؼ ُب خندؽ كاحد مع اؼبنافزة ُب الشرؽ كانفصلت عن الكنائس اؼبسيحية اْلخرل ُب‬
‫‪1‬‬
‫طقوسها كمعتقداهتا‪.‬‬

‫كاعبدير باؼبالحظة‪ ،‬أف قرار انفصاؿ الكنيسة اْلرمينية عن الكنيسة البيزنطية‪ ،‬كاف مدفوعان‬
‫بدكافع سياسية أكثر منها دينية‪ ،‬ذلك أف اَلمرباطورية البيزنطية رباكؿ أف تكوف كريثة اَلمرباطورية‬
‫الركمانية بكل امتدادىا اعبغراُب‪ ،‬كرباكؿ فرض سياستها اؼبركزية عن طريق مذىبها العقائدم‪ .‬ككاف‬
‫اْلباطرة البيزنطيوف ىبشوف أف تؤدم ىذه اَلختالفات اؼبذىبية إذل اضطرابات أك حركب داخلية تفقد‬
‫فيها اَلمرباطورية كَلياهتا الشرقية‪ ،‬لذلك سعوا للسيطرة على الكنيسة كرجاؽبا حٌب َل يعطوا الفرصة‬
‫ؽبم ليستقلوا بكنائسهم ككَلياهتم‪ ،‬لذلك كاف اْلباطرة يرغبوف ُب غالب الوقت ُب اَلنتصار‬
‫لكنيستهم البيزنطية‪ ،‬اْلمر الذم هبعلهم يضطهدكف أتباع اؼبذاىب اْلخرل‪ 2.‬كبلغ ّٔم اْلمر إذل‬
‫تنظيم ضبلة عسكرية ُب عهد اَلمرباطور قسطنطْب دكقاس‪ ،‬للقضاء على اؼبؤسسة الدينية لألرمن‪،‬‬
‫فهجموا على اعبثليق‪ ،‬كحاكلوا إزالة مقر إقامتو من أجل إرغاـ أرمينيا على تطبيق قرارات ؾبمع‬
‫خلقدكنية‪ 3.‬كذكر ميخائيل السرياشل أف بطريرؾ القسطنطينية أمر بطرد صبيع السرياف كاْلرمن الذين َل‬
‫‪4‬‬
‫يعَبفوف ّٔرطقتو‪ ،‬كأحرؽ كل كتبهم‪.‬‬

‫ككاف أشد ما يكرىو اْلرمن ىذه اؼبركزية‪ ،‬خاصة إذا مست مذىبهم اؼبونوفيزم‪ ،‬خشية ضياع‬
‫شخصيتهم الدينية كالسياسية‪ .‬كسرعاف ما كجدكا ُب سبسكهم دبذىبهم اؼبخالف ؼبذىب كنيسة‬
‫القسطنطينية شخصيتهم السياسية اؼبستقلة‪ .‬ؽبذا حرصوا أشد اغبرص على أَل يذكبوا ُب كياف سياسي‬

‫‪ 1‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪282‬؛ عطية عزيز سولاير ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪404‬؛ موسوعة عادل اْلدياف؛ ج‪ ،04‬ص ‪27‬؛‬
‫;‪Dulaurier Édouard : Histoire Dogmes; p. 35; Valognes Jean-Pierre : op. cit., pp. 450-451‬‬
‫‪Mahé Annie : op. cit., pp. 97-100.‬‬
‫‪ 2‬عطية عزيز سولاير ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪404‬؛ نافع أمّبة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 114-115.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michel Le Syrien : op. cit., t. III, p. 166-167.‬‬

‫‪320‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫آخر‪ ،‬لذا ظلوا منذ ذلك التاريخ متهمْب باَلنشقاؽ‪ ،‬كُب حالة شك كارتياب متبادلة بيهم كبْب‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬الٍب حاكلت ُب أكثر من مرة أف ذبربىم على اعتناؽ مذىبها الرظبي‪ ،‬كطاؼبا‬
‫عانوا من اضطهاد البيزنطيْب ؽبم‪ .‬ككاف من نتائج تلك السياسة التعسفية الٍب مارسها اْلباطرة‬
‫البيزنطيوف ضد رعاياىم اْلرمن اؼبخالفْب ؽبم ُب اؼبذىب‪ ،‬أف بلغ الكره بْب البيزنطيْب كاْلرمن أقصاه‪،‬‬
‫فتحوؿ أتباع الكنيسة اْلرمينية اؼبضطهدة من اػبالؼ اؼبذىيب إذل اؼبعارضة السياسية‪ ،‬اْلمر الذم‬
‫جعلهم يرحبوف بالفاربْب اؼبسلمْب باعتبارىم منقذين ؽبم عندما طرقوا بالدىم فاربْب ُب القرف السابع‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬كسرعاف ما شعر اْلرمن بسماحة اؼبسلمْب الذين دل يتدخلوا ُب شؤكهنم الدينية‪ ،‬كظبحوا‬
‫ؽبم دبمارسة شعائرىم‪ ،‬كدل وباكلوا أف يفرضوا عليهم دينا أك مذىبا بعينو‪ ،‬كلذلك فضلوا اإلقامة ُب‬
‫مناطق زبضع للسيادة اَلسالمية ليتمكنوا من فبارسة عبادهتم حبرية دكف تدخل من بيزنطة‪ .‬كُب هناية‬
‫اْلمر أفلتت أرمينيا من اَلرباد مع الكنيسة البيزنطية‪ ،‬كتعززت ىذه اَلستقاللية ربت اغبكم‬
‫‪1‬‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫كما عزز ىذه اَلستقاللية أكثر‪ ،‬ىو اخَباع اْلجبدية اْلرمينية فيما بْب ‪ 392‬ك ‪405‬ـ‪،‬‬
‫فتحولت اْلرمينية من لغة منطوقة إذل لغة مكتوبة‪ ،‬ككاف اَلقبيل أكؿ كتاب ترجم إليها ٍب تبعتو‬
‫الكتب الدينية اْلخرل‪ ،‬كشيئا فشيئا حلت اللغة اْلرمينية ؿبل اليونانية كالسريانية ُب الطقوس‬
‫كالشعائر الدينية‪ .‬كبذلك دل تعد الكنيسة اْلرمينية ؾبرد مكاف يلتقي فيو اْلرمن ْلداء عباداهتم‪ ،‬بل‬
‫ربولت إذل كعاء كرمز للهوية كالشخصية اْلرمينية‪ ،‬كساعدت اْلرمن خالؿ تارىبهم الطويل على‬
‫التميز حيثما انتشركا‪ ،‬بفضل كنيستهم الوطنية‪ 3،‬الٍب بقيت متمسكة دبوقفها اؼبناىض ؼبذىب‬
‫الطبيعتْب اػبلقدكشل‪ ،‬كدل تقبل اؼبساكمة على قواعد إيباهنا القائم على مذىب الطبيعة الواحدة أك‬

‫‪ 1‬رنسيماف ستيفن ‪ :‬اغبضارة البيزنطية‪ ،‬ص ‪292‬؛ عطية عزيز سولاير ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪407‬؛ العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪:‬‬
‫أرمينية‪ ،‬ص ‪45‬؛ موسوعة عادل اْلدياف‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪51‬؛‬
‫‪Bréhier Louis : L'Eglise et l'Orient, pp. 18-19; Grousset : Histoire de l'Arménie, p. 234-‬‬
‫‪237,315; Augé Isabelle : Byzantins, Arméniens, pp. 20-21.‬‬
‫‪ 2‬خوريناتسي ‪ :‬مصدر السابق ص ‪.265-262‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset : op. cit., pp. 171-176; Mouradian Claire : op. cit. p. 19.‬‬

‫‪321‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫اؼبونوفيزية‪ .‬كىذا اؼبوقف الواضح ىو الذم حدد مواقف اْلرمن طواؿ تارىبهم من كنيسٍب‬
‫القسطنطينية كركما‪ ،‬إذل جانب رفضهم التاـ لكل ما ىو يوناشل كسرياشل‪ .‬كمن ىذا اؼبنطلق يعتز‬
‫‪1‬‬
‫اْلرمن بتقاليدىم اػباصة ُب احتفاَلهتم الدينية كبأجبديتهم‪ ،‬كبالنسخة اْلرمينية للكتاب اؼبقدس‪.‬‬
‫كيقوؿ اسقف أرميِب معاصر ‪" :‬إف اْلرميِب الذم َل ينتمي إذل اؼبسيحية َل يعد أرمينيا‪ ،‬إيباننا كىويتنا‬
‫ينبعاف من مصدر كاحد"‪ 2.‬كدل يقتصر سبيز الكنيسة اْلرمينية ُب عقيدهتا كطقوسها فحسب‪ ،‬بل‬
‫سبيزت عن الكنائس اْلخرل حٌب ُب طرازىا اؼبعمارم الفريد الذم جعلها زبتلف ُب شكلها‬
‫كىندستها عن الكنائس البيزنطية كالقبطية كالسريانية‪ ،‬كقد بلغت اغبضارة اْلرمينية ُب ىذا آّاؿ شأكا‬
‫بعيدا حيث ذباكزت اؼبؤثرات اْلرمينية ُب فنوف العمارة حدكد أرمينيا لتصل إذل بلداف كحضارات‬
‫أخرل كثّبة ؾباكرة كنائية‪ ،‬كيقوؿ أحد العلماء اؼبختصْب ُب اؽبندسة اؼبعمارية‪ ،‬أف لألرمن دكرا رئيسا‬
‫‪3‬‬
‫ُب خلق أصوؿ اؽبندسة اؼبعمارية اْلكربية كتطور العمارة اؼبسيحية بشكل عاـ‪.‬‬

‫كإذا كاف اؼبؤرخ القبطي عزيز عطية سولاير يعَبؼ بأف كضع الكنيسة اْلرمينية ربت اغبكم‬
‫العريب اإلسالمي‪ ،‬كاف أفضل بكثّب من كضعها ربت سيطرة البيزنطيْب‪ 4،‬فإنو يتهم اْلتراؾ بالشدة‬
‫كعدـ التسامح‪ ،‬حيث يقوؿ ‪" :‬كدل يكن السالجقة يتحلوف بالسماحة الٍب ؼبسها اْلرمن ُب أياـ‬
‫العرب كعدؽبم ُب اغبكم‪ ،‬فلقد جاء السالجقة لإلقامة الدائمة على أرض أرمينيا‪ ،‬كما أهنم كانوا‬
‫أشداء ُب تعاملهم مع الشعب اْلرميِب"‪ 5.‬كاغبقيقة الوحيدة الٍب كردت ُب حديث ىذا اؼبؤرخ أف‬
‫السالجقة فعال كانوا أشداء ُب حركّٔم‪ ،‬ليس ضد اْلرمن أك اؼبسيحيْب فقط بل ضد كل الشعوب‬
‫الٍب كاجهوىا دبا ُب ذلك اؼبسلمْب‪ ،‬كىذه عادة كل اغبكاـ اعبدد إذ يستخدموف الشدة مع السكاف‬

‫‪ 1‬عطية عزيز سولاير ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.423‬‬


‫‪ 2‬موسوعة عادل اْلدياف؛ ج‪ ،15‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 3‬وبتاج موضوع اؽبندسة اؼبعمارية اْلرمينية ُب ميداف بناء الكنائس إذل حبث مستقل يضطلع بو باحثوف متخصصوف ُب اؼبوضع‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪365-353‬؛ عطية عزيز سولاير ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪441-433‬؛‬
‫‪Dédéyan, Les Arméniens en Occident, p. 131; Thierry Nicole : op. cit., p. 363-364.‬‬
‫‪ 4‬عطية عزيز سولاير ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.407‬‬
‫‪ 5‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.410‬‬
‫‪322‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫ُب بداية حكمهم لتوطيد سلطتهم‪ .‬كلكنهم دل هبربكا اؼبسيحيْب ُب الشرؽ على اعتناؽ اَلسالـ‪ ،‬أك‬
‫منعوىم من فبارسة شعائرىم‪ ،‬أك أجربكىم على اتباع مذىب معْب‪ْ ،‬لف اإلكراه ُب الدين أك اؼبذىب‬
‫‪1‬‬
‫يأٌب بنتائج عكسية ككخيمة‪.‬‬

‫كالدليل على ذلك ما كرد ُب حولية مٌب الرىاكم حيث كصف السلطاف السلجوقي ملكشاه‬
‫بأنو صديق اؼبسيحيْب‪ ،‬كأعفى كنائسهم من اعبزية اؼبفركضة عليهم‪ 2.‬كؼبا تعرض رئيس الكنيسة‬
‫اْلرمينية اعبثليق اْلرميِب جرهبور الثاشل فيكاياسر لضغوط اْلمّب اْلرميِب فيالريت بعد معركة منازكرد‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫كضاؽ بو ذرعان‪ ،‬عبأ إذل أرمينيا الكربل الٍب كانت خاضعة ؼبلكشاه مستفيدا من تسامح السالجقة‪،‬‬
‫كلذلك يوـ كفاة السلطاف ملكشاه حزف عليو اؼبسيحيوف حزنا شديدا‪ 4.‬كربدث مٌب الرىاكم عن‬
‫الَبكماشل أضبد دانشمند صاحب سيواس قائال ‪" :‬كاف رجال طيبا كؿبسنا كمعطاءن ذباه شعبو كرحيما‬
‫ذباه اؼبؤمنْب‪ ،‬كسبَّب رحيلو اْلسى للمسيحيْب"‪ 5.‬كُب نظر ميخائيل السرياشل‪ ،‬فإف اَلضطهاد الذم‬
‫مارستو ضدىم بيزنطة أسوأ بكثّب من السلب كالنهب الذم مارسو اْلتراؾ السالجقة‪ْ ،‬لهنم دل‬
‫يتعرضوا ْلمور العقيدة‪ ،‬فذكر‪ ،‬أف السالجقة اؼبسلمْب "يعتربكف معتقدات الديانة اؼبسيحية خاطئة‪،‬‬
‫كلكنهم دل يضطهدكا أحدان بسبب عقيدتو أك مذىبو كما يفعل البيزنطيوف اؽبراطقة اؼبنبوذكف"‪ 6.‬ىذه‬
‫بعض شهادات مؤرخْب مسيحيْب معاصرين لألحداث‪ .‬كأكرب دليل على تسامح اؼبسلمْب مع‬
‫الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬أف اؼبسلمْب ُب عهد الدكلة اْليوبية فتحوا كثّبا من اؼبدف كالقالع ُب منطقة‬
‫الفرات‪ ،‬كبقيت قلعة الركـ كحدىا كسط بالدىم‪ ،‬كدل ينتزعوىا ليس غبصانتها كمناعة أسوارىا كلكن‬

‫‪ 1‬اسكندر فايز قبيب ‪ :‬سيبيوس )‪- (Sébêos‬اؼبؤرخ اْلرميِب اؼبعاصر للفتح اَلسالمي ْلرمينية‪ -‬كصورة اآلخر‪ ،‬حبث مقدـ ُب ‪:‬‬
‫الندكة الدكلية للعالقات الثقافية العربية‪-‬األرمنية‪ 16 ،‬مارس ‪ ،2009‬منشورات مركز الدراسات اْلرمينية‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬
‫جامعة القاىرة‪ .2009 ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., pp. 201-204; Augé Isabelle : Byzantins, Arméniens, pp.70-71.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Grousset : Histoire de l'Arménie, p. 636; Augé Isabelle : Le catholicos, p. 344.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Matthieu d'Edesse : loc. cit.‬‬
‫‪ 5‬مٌب الرىاكم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Michel le Syrien : op. cit. t. III, p. 222.‬‬

‫‪323‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫احَباما كتبجيال للجثليق اْلرميِب الذم ازبذ من ىذه القلعة مقرا لو كغباشيتو‪ْ" ،‬لجل مقاـ رب اؼبلة‬
‫عندىم كأهنم يَبكوهنا كما يَبكوف البيع كالكنائس"‪ ،‬كبقيت ىذه القلعة كسط بالد اؼبسلمْب دكف أف‬
‫ينازعهم فيها أحد كبو قرف كنصف‪ 1.‬كاعبدير بالذكر أنو دل يكن قائدا ركحيا لألرمن ُب قيليقيا فقط‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫بل عبميع اْلرمن حيثما كانوا‪.‬‬

‫كإنصافا للحقيقة التارىبية‪ ،‬فإف بعضا من اْلرمن عارضوا بقوة الفتوحات اَلسالمية‪ ،‬كرفضوا‬
‫اَلنصياع للدكلة اَلسالمية‪ ،‬كقاكموا بشدة اْلتراؾ السالجقة‪ ،‬كأبرز ىؤَلء اْلرمن الذين ناىضوا‬
‫اؼبسلمْب كانوا من أتباع الكنيسة البيزنطية اػبلقدكنية‪َ ،‬ل من أتباع الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬ككاف معظمهم‬
‫ُب خدمة اَلمرباطورية البيزنطية إما منخرطْب ُب جيشها أك موظفْب ُب إدارهتا‪ ،‬منهم فيالريت‬
‫براخاميوس ُب طوركس‪ ،‬كجربيل ُب ملطية كثوركس ُب الرىا كثاتوؿ ُب مرعش ‪ ...‬فهؤَلء كغّبىم كانوا‬
‫ينعموف حبماية الدكلة البيزنطية ؽبم‪ ،‬كَل يرغبوف ُب ظهور حكاـ جدد ُب اؼبنطقة‪ ،‬لذلك استمركا على‬
‫كَلئهم لبيزنطة‪ ،‬كشكلوا خطرا على اؼبسلمْب‪ ،‬ككانت مقاكمتهم للوجود اإلسالمي ُب قيليقيا‬
‫كالفرات‪ ،‬امتدادا للمقاكمة البيزنطية‪.‬‬

‫فهل يعِب ذلك أف اْلرمن كغّبىم من اؼبنافزة أتباع مذىب الطبيعة الواحدة كانوا أقرب إذل‬
‫اؼبسلمْب ُب عقيدهتم من اػبلقدكنيْب أتباع مذىب الطبيعتْب ؟‬

‫الواقع أف اَلجابة عن ىذا السؤاؿ ربتاج إذل حبث يغوص ُب عمق العقائد كاؼبقارنة بْب‬
‫العقيدة اَلسالمية كمعتقدات اليعاقبة كاؼبنافزة‪ ،‬كاؼبلكانية‪ .‬كىذا ىبرج عن موضوع البحث‪ .‬كما يبكن‬
‫قولو ُب ىذا اؼبوضوع أف اؼبسلمْب عموما كالسالجقة خصوصا‪ ،‬ؼبا فتحوا اْلمصار كالبلداف‪ ،‬كاستقركا‬
‫ُب الشاـ كُب آسيا الصغرل‪ ،‬كجدكا أنفسهم كسط طوائف كصباعات مسيحية‪ ،‬كغّب مسيحية يعتنقوف‬
‫مذاىب شٌب‪ ،‬فأقرىم اؼبسلموف على ما ىم عليو‪ ،‬كدل يفرقوا بْب الطوائف اؼبسيحية اؼبختلفة فهم‬

‫‪ 1‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪84-83‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪530‬؛‬
‫‪Cahen Claude : La Syrie du Nord, p. 122.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mutafian Claude : La Cilicie, t. I, p. 410.‬‬

‫‪324‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫صبيعا يتمتعوف باغبماية طاؼبا يدفعوف اعبزية‪ ،‬كَل يتدخلوا ُب شؤكف الدين اإلسالمي‪ 1.‬كدل يتدخل‬
‫اؼبسلموف عربا أك سالجقة ُب عقائد غّبىم‪ ،‬كتركوا ؽبم حرية فبارسة حياهتم الدينية كاَلجتماعية كفقا‬
‫ؼبذىب كل طائفة‪ ،‬ككضعوا أحكاما خاصة ّٔم تنظم عالقتهم باؼبسلمْب كمعامالهتم اليومية‪ ،‬كعرفت‬
‫ىذه التشريعات بفقو كأحكاـ أىل الذمة‪ .‬أما اغبركب الٍب اندلعت بْب اؼبسلمْب كاْلرمن كغّبىم من‬
‫الطوائف اؼبسيحية‪ ،‬فقد كانت ْلسباب كدكافع سياسية كليس لدكافع دينية أك مذىبية‪ .‬كإذا كانت‬
‫الكنيسة اْلرمينية قد خرجت ساؼبة غامبة من اغبرب الدينية الٍب فرضتها عليها بيزنطة‪ ،‬فقد كجدت‬
‫نفسها –بعد استقرار الصليبيْب ُب الشاـ‪ -‬زبوض صراعا مذىبيا جديدا من أجل البقاء‪.‬‬

‫ب ‪ -‬عالقة الكنيسة األرمينية بالكنيسة الكاثوليكية‬


‫َل بد من اَلشارة إذل أف اػبالؼ الذم اندلع بْب كنيسة القسطنطينية ككنيسة ركما ُب‬
‫منتصف القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ 2،‬كأدل ُب اْلخّب إذل تكريس اَلنشقاؽ هنائيا ُب سنة‬
‫‪3‬‬
‫‪446‬ق‪1054/‬ـ‪ ،‬بْب الكنيستْب الشرقية كالغربية‪ ،‬حيث ظبيت اْلكذل بالكنيسة اْلرثوذكسية‪،‬‬
‫كظبيت الثانية بالكنيسة الكاثوليكية‪ 4.‬كدل يكن للكنيسة اْلرمينية دكر فيو‪ْ ،‬لهنا دل تكن معنية بو‪،‬‬
‫كذلك ْلهنا انفصلت منذ زمن بعيد عن كنيسة القسطنطينية ككنيسة ركما بسبب قرارات ؾبمع‬
‫خلقدكنية‪ .‬كرغم ذلك ظبيت كنيسة اْلرمن خطأ بالكنيسة اْلرثوذكسية اْلرمينية‪ ،‬بينما ىي ُب‬
‫‪5‬‬
‫اْلصل ربمل اسم "الكنيسة اْلرمينية" فقط‪ ،‬أك اسم "الكنيسة الرسولية اْلرمينية"‪.‬‬

‫‪ 1‬نافع أمّبة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫‪ 2‬حوؿ أسباب كظركؼ ىذا اَلنشقاؽ كتطوره‪( ،‬انظر ‪ :‬نافع أمّبة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪79-73‬؛‬
‫‪Bréhier Louis : L'Eglise et l'Orient, pp. 40-50).‬‬
‫‪3‬‬
‫اْلرثوذكسية )‪ : (Orthodoxie‬كلمة يونانية مركبة من أرثو )‪ ،(Orthos‬كتعِب مستقيم أك راشد أك قوصل‪ ،‬كمن دككسا‬
‫)‪ ،(doxa‬كمعناىا الرأم‪ ،‬كتعِب أف الكاثوليك ملتزموف بالعقيدة اؼبسيحية اؼبستقيمة كما كردت ُب اؼبذاىب الكنسية القديبة منذ‬
‫‪395‬ـ‪ ،‬كمنذ ‪ ،1054‬اصبح ىذا اؼبصطلح يستعمل لتمييز ؾبموع الكنائس الشرقية غّب اؼبرتبطة بكنيسة ركما‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Feuillet Michel : op. cit., p. 84; Valognes Jean-Pierre : op. cit., 43-46, 134-140).‬‬
‫‪4‬‬
‫الكاثوليكية )‪ : (Catholisme‬كلمة يونانية )‪ ،(Katholikos‬معناىا عاؼبي‪ ،‬كيطلق ىذا اؼبصطلح على صبيع اؼبسيحيْب‬
‫كالكنائس التابعْب للبابا ُب الفاتيكاف بركما‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Feuillet Michel : op. cit., p. 23; Valognes Jean-Pierre : op. cit., 140-142, 146-148.‬‬
‫‪ 5‬اؼبدكر عثماف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.284‬‬
‫‪325‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كرغم طغياف طابع اؼبشاحنات كالنزاعات على العالقات بْب اَلمرباطورية البيزنطية كإمارة‬
‫أرمينيا الصغرل‪ ،‬فإف ذلك دل يبنع من قياـ عدة ؿباكَلت للتقريب بْب الكنيسة اْلرمينية كالكنيسة‬
‫البيزنطية‪ ،‬خاصة بعد اَلنشقاؽ؛ ْلف ىذه اْلخّبة كانت تريد احتواء الكنائس الشرقية لتقف معها ُب‬
‫حرّٔا اؼبذىبية ضد كنيسة ركما الكاثوليكية‪ .‬كُب ىذا اإلطار‪ ،‬جرت عدة مراسالت كعيقدت عدة‬
‫لقاءات بْب اَلكلّبكس اْلرميِب كنظّبه البيزنطي‪ .‬كلكن شساعة اؽبوة بْب الكنيستْب‪ ،‬أدت إذل بقاء‬
‫نقاط ظل كثّبة دل يتمكن الطرفاف من التوصل إذل اتفاؽ حوؽبا‪ ،‬فبا جعل كل تلك ا﵀اكَلت إلعادة‬
‫الكنيسة اْلرمينية إذل الكنيسة البيزنطية تذىب أدراج الرياح؛ بسبب العداء الدفْب الذم يكنو كل‬
‫طرؼ لآلخر‪ ،‬كتقدصل بيزنطة ؼبطالب مبالغ فيها‪ ،‬مثل إعادة التعميد‪ ،‬كاَلعَباؼ بقرارات ؾبمع‬
‫‪1‬‬
‫خلقدكنية‪ ،‬الذم يعتربه اْلرمن ُب ذمة التاريخ‪.‬‬
‫كؼبا فشلت ؿباكَلت التطبيع بْب الكنيسة اْلرمينية كالكنيسة البيزنطية‪َّ ،‬‬
‫كذل رؤساء اؼبؤسسة‬
‫الدينية اْلرمينية كجوىهم شطر ركما‪ ،‬لعلهم وبظوف بتأييد البابا ؽبم فيتدخل غبمايتهم من اضطهاد‬
‫الكنيسة البيزنطية‪ 2.‬كتعود اَلتصاَلت اْلكذل بْب اْلرمن ككنيسة ركما إذل ما قبل اغبملة الصليبية‬
‫اْلكذل‪ ،‬حيث زار اعبثليق جرهبور الثاشل فيكاياسر‪ ،‬كنيسة ركما كالتقى بالبابا جرهبوار السابع كما مر‬
‫سابقا‪ ،‬كدل تكن الزيارة هتدؼ إذل البحث عن سبل التقارب بْب الكنيستْب‪ ،‬كلكنها كانت لالستغاثة‬
‫بالغرب الالتيِب ضد اْلتراؾ السالجقة الذين اكتسحوا آسيا الصغرل كاقَببوا من القسطنطينية‪.‬‬

‫كؼبا حل الصليبيوف ُب آسيا الصغرل كُب الشاـ‪ ،‬خالؿ ضبلتهم اْلكذل‪َ ،‬لحظ اْلرمن أف‬
‫الصليبيْب َل يبحثوف ُب عقائد الطوائف اؼبسيحية‪ ،‬كيبتعدكف عن اؼبناقشات الالىوتية‪ 3،‬كشعركا بأهنم‬

‫‪ 1‬حوؿ نقاط اػبالؼ بْب الكنيسة البيزنطية كنظّبهتا اْلرمينية كؿباكَلت التوفيق بينهما‪( ،‬انظر ‪ :‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪124-113‬؛‬
‫‪Dulaurier : Histoire Dogmes, pp. 38-53; Mutafian : L'Arménie du Levant, t. I, pp. 543-553.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Tournebize F. : op. cit., pp. 539-540.‬‬
‫‪ 3‬براكر يوشع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪82‬؛ العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬اْلرمن ُب اغبرب الصليبية‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪326‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫أكثر قربا إذل الالتْب ُب أفكارىم كأحاسيسهم‪ ،‬من البيزنطيْب‪ 1.‬فاعتقدكا انو من السهل استغالؿ‬
‫ىذا العنصر اعبديد لتحقيق ىدفهم اؼبتمثل ُب إحياء دكلتهم كبعث فبلكتهم الغابرة‪ ،‬كُب سبيل ربقيق‬
‫ىذا اؽبدؼ بذؿ رؤساء الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬كاْلمراء اْلرمن ُب قيليقيا‪ ،‬طيلة القرف الثاشل عشر‬
‫اؼبيالدم‪ ،‬جهودا دبلوماسية مضنية مع البابوية‪ ،‬كقد أشبرت تلك اعبهود ُب أكاخر القرف‪ ،‬بتتويج ليوف‬
‫الثاشل ملكا على أرمينيا الصغرل‪.‬‬

‫ككاف الصليبيوف من جهتهم براغماتيْب ُب عالقتهم باْلرمن‪ .‬فهم يعتربكهنم ىراطقة كأصحاب‬
‫بدع‪ ،‬كلكنهم يدركوف أنبيتهم ُب اؼبنطقة‪ ،‬فاستعانوا ّٔم إلقامة إماراهتم الصليبية‪ ،‬كدل ىبوضوا معهم‬
‫جداَل فلسفيا أك نقاشا حوؿ الالىوت كالناسوت ُب سيدنا اؼبسيح‪ ،‬كيتضح ذلك من الرسالة الٍب‬
‫أرسلها قادة اغبملة الصليبية ُب ‪ 12‬شواؿ ‪491‬ق‪ 11/‬سبتمرب ‪1098‬ـ‪ ،‬إذل البابا أكرباف الثاشل‬
‫ىبربكنو استيالءىم على القسطنطينية‪ ،‬حيث جاء فيها ‪" :‬لقد أخضعنا اْلتراؾ كالوثنيْب‪ ،‬كلكننا دل‬
‫نستطع التغلب على اؽبراطقة من اليونانيْب كاْلرمن كالسورياف كاليعاقبة"‪ 2.‬كيبدك أف كراىية الصليبيْب‬
‫كاْلرمن للبيزنطيْب قد قاربت بْب الطرفْب ُب بعض اْلحياف‪ ،‬كباعتبار اْلرمن أشهر اؼبناكئْب للكنيسة‬
‫البيزنطية الٍب انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية الراعية للحملة الصليبية‪ ،‬فقد كجدكا كغّبىم من‬
‫اليعاقية‪ ،‬معاملة كدية إذل حد ما من جانب الصليبيْب الذين أظهركا –على العموـ‪ -‬احَباما للكنيسة‬
‫اْلرمينية كجثليقها‪ ،‬كلكنهم دل يقبلوا إطالقا أف يكونوا ربت سيادة رجاؿ الدين الشرقيْب أرمن أك‬
‫‪3‬‬
‫غّبىم‪ ،‬كلذلك عينوا بطاركة كاثوليك ُب كل اؼبدف الٍب خضعت ؽبم‪.‬‬

‫كلكن ىل ىذا يعِب بأف عالقة الكنيسة اْلرمينية بالصليبيْب كانت دائما قائمة على الود كالصفاء ؟‬

‫لقد شاب ىذه العالقة بعض اؼبشاحنات‪ ،‬أحيانا ْلسباب سياسية كأخرل ْلسباب دينية‪.‬‬
‫كمن أمثلة ذلك‪ ،‬ما حدث من نزاع بْب الكنيستْب ُب بداية القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬حيث أرادت‬
‫‪1‬‬
‫‪Tournebize F. : Histoire politique et religieuse de l'Arménie, ds. : R.O. Chr., dixième année,‬‬
‫‪Librairie A. Picard et fils, Paris, 1905. p. 15.‬‬
‫‪ 2‬فوشيو الشارترم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪ 3‬فيتارل أكرديك ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪184‬؛ براكر يوشع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪86 ،80‬؛‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 253; Augé Isabelle : Byzantins, Arméniens, p. 99.‬‬
‫‪327‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫البطريركية الكاثوليكية ْلنطاكية فرض سيادهتا على الكنيسة اْلرمينية ُب قيليقيا حبجة أف ىذا اإلقليم‬
‫تابع سياسيا كإداريا إلمارة أنطاكية الصليبية‪ ،‬فبا أدل إذل احتداـ النزاع بْب الصليبيْب كاْلرمن‪ ،‬كبلغ‬
‫‪1‬‬
‫اْلمر ّٔما إذل اَلحتكاـ لدل البابوية‪.‬‬

‫غّب أف أىم مظهر لتدخل الكنيسة الكاثوليكية كؿباكلة تأثّبىا ُب الكنيسة اْلرمينية يظهر ُب‬
‫عهد ليوف الثاشل‪ ،‬حيث سعى ىذا اْلخّب للحصوؿ على التاج من الغرب اْلكريب‪ ،‬كانتهج سياسة‬
‫تقارب كاضحة ذباه كنسية ركما‪ ،‬بل كرغب ُب اَلرباد معها‪ ،‬معتمدا ُب ذلك على مطراف مدينة‬
‫طرسوس‪ ،‬نرسيس دك ؼبربكف (‪ 2،))1198-1153( Narsês de Lambron‬عراب سياسة‬
‫اَلندماج ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬ككاف ىذا التقارب استجابة لظركؼ سياسية أكثر من كونو تقاربا‬
‫كنسيا‪ .‬كلكن اعبثليق جرهبوار اػبامس (‪ ،)1194-1193‬عارض بشدة السياسة الدينية الٍب سار‬
‫عليها ليوف الثاشل‪ ،‬فما كاف على ىذا اْلخّب إَل أف كضعو ُب قلعة قرب مدينة سيس‪ ،‬كفرض عليو‬
‫حراسة مشددة‪ ،‬كؼبا حاكؿ الفرار سقط من أعلى السور كلقي حتفو ُب سنة ‪591‬ق‪1195/‬ـ‪ 3.‬كُب‬
‫نفس السنة‪ ،‬كبعد جداؿ كبّب‪ ،‬اعَبؼ ليوف الثاشل‪ ،‬كمعو اعبثليق جرهبوار السادس أبّباد (الشرير)‬
‫(‪ ،))1202-1195( Grégoire VI Abirad‬للبابا سلستْب الثالث ُب سنة ‪1196‬ـ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫بقرارات ؾبمع خلقدكنية (مذىب الطبيعتْب)‪ ،‬كعربوف عن حسن النية‪.‬‬

‫كلكن البابا اشَبط من جثليق اْلرمن ثالثة شركط‪ ،‬سبس بشعائر كطقوس الكنيسة اْلرمينية‪،‬‬
‫حٌب تيرفع عنها صفة اؽبرطقة‪ ،‬كتدخل ربت عباءة الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬كىذه الشركط ىي‪: 5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Dulaurier : ds. R.H.C.D. Arm., t. I, p. 29, note n° 2; Mutafian : L'Arménie du Levant, t. I, pp. 543.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cahen Claude : Orient et Occident, p. 180; Pasdermadjian H. : op. cit., p. 231; Augé Isabelle :‬‬
‫‪Byzantins, Arméniens, p. 46.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Tournebize : R.O. Chr., 10eme année, p. 17; Vernier Donat : op. cit., p. 224; Augé Isabelle :‬‬
‫‪Le catholicos, p. 340, 342.‬‬
‫‪4‬‬
‫بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪128‬؛ ‪Tournebize F. : op. cit., p. 22-26.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Guiragos de Kantzag : op. cit., pp. 422-423; Vernier Donat : op. cit., p. 226.‬‬

‫‪328‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫‪ .1‬اَلحتفاؿ بعيد ميالد السيد اؼبسيح )‪ ،(Noël ou Nativité‬كاْلعياد الدينية اْلخرل حسب‬
‫‪1‬‬
‫الرزنامة الٍب ربددىا الكنيسة الكاثوليكية‪.‬‬
‫‪ .2‬عدـ قطع صياـ اَلحَباس‪ ،‬لعيدم اؼبيالد الفصح‪ ،‬باغبليب‪ ،‬بل بتناكؿ الزيت كالسمك فقط‪.‬‬
‫‪ .3‬قراءة الَباتيل حسب اْلكقات ا﵀ددة داخل الكنيسة كليس خارجها‪.‬‬
‫كأضاؼ بعض اؼبؤرخْب شرطْب آخرين نبا‪: 2‬‬
‫‪ .1‬تعليم اللغة الالتينية ُب أرمينيا‪ ،‬كتلقينها لألطفاؿ ُب سن الثانية عشر‪.‬‬
‫‪ .2‬على جثليق اْلرمن أف يرسل ُب كقت ؿبدد كمعلوـ‪ ،‬كفدا إذل ركما بصفة منتظمة‪ ،‬لتقدصل التحية‬
‫كمظاىر اَلحَباـ للبابا‪.‬‬

‫كبعد أف تلقى ليوف الثاشل التاج اؼبلكي‪ ،‬كتب الكاثوليكوس جرهبوار السادس عدة رسائل إذل‬
‫البابا اعبديد إنوسنت الثالث )‪ ،(Innocent III‬خاطبو فيها بقولو ‪" :‬أيها القائد للكنيسة‬
‫الكاثوليكية الركمية‪ ،‬بعد اؼبسيح‪ ،‬أـ صبيع الكنائس‪ ،‬كأساس اْلمة اؼبسيحية ‪ ،‬أنا ابن كنيستكم"‪.‬‬
‫كأرسل اؼبلك ليوف الثاشل بدكره رسالة بتاريخ ‪ 26‬رجب ‪595‬ق‪ 23/‬مام ‪1199‬ـ‪ ،‬إذل البابا‪،‬‬
‫كصفو برئيس الكنيسة اعبامعة‪ ،‬كأعرب لو فيها عن رغبتو ُب ربقيق اَلرباد بْب الكنيسة اْلرمينية‬
‫ككنيسة ركما‪ ،‬كأف هبمع حوؽبا كل اْلرمن حيثما كانوا‪ ،‬كطلب منو أف يساعده لتحقيق ىذه الغاية‪،‬‬
‫كأف يقف إذل جانبو ضد أعداء اؼبسيح‪ ،‬كأجابو البابا برسالة أخرل ربمل تاريخ ‪ 4‬صفر ‪596‬ق‪24/‬‬
‫نوفمرب ‪1199‬ـ‪،‬شكره فيها‪ ،‬كىنأه‪ ،‬كأخربه أف عددا من اعبنود ضبلوا الصليب كىم ُب طريقهم‬
‫‪3‬‬
‫ؼبساعدتو ُب اغبرب ضد اؼبسلمْب )‪.(sarrasins‬‬

‫كىكذا‪ ،‬كمن أجل اغبصوؿ على التاج أراد ليوف الثاشل كمعو بعض رجاؿ الدين اْلرمن‪ ،‬ربويل‬
‫كنيستهم الوطنية إذل ملحقة للكنيسة الكاثوليكية الصليبية‪ ،‬عمال دببدأ "الغاية تربر الوسيلة" كىي‬

‫‪ 1‬وبتفل اْلرمن بعيد اؼبيالد يوـ ‪ 6‬جانفي من كل عاـ‪ ،‬كوبتفل بو الكاثوليك يوـ ‪ 25‬ديسمرب‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Valognes Jean-Pierre : op. cit., p. 469).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Alishan Leonce M. : Léon : p. 167; Tournebize F. : R.O. Chr., 10eme année, p. 26.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Tournebize F. : op. cit., pp. 27-29, Vernier Donat : op. cit., pp. 226-227.‬‬

‫‪331‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫السياسة الٍب سار عليها كل أمراء أرمينيا‪ ،‬منذ فيالريت ُب سنة ‪465‬ق‪1072/‬ـ‪ ،‬إذل تتويج ليوف‬
‫الثاشل ُب سنة ‪594‬ق‪1198/‬ـ‪ .‬كلكن شبة فرؽ كبّب بْب أحالـ أرباب القصور ُب أرمينيا الصغرل‪،‬‬
‫كطموح الشعب اْلرميِب‪ ،‬إذ سرعاف ما كجد ليوف الثاشل نفسو يسبح ضد التيار‪ ،‬حيث كجدت‬
‫سياسة اَلندماج ىذه معارضة قوية من اَلكلّبكس كمن عامة الشعب‪ ،‬كاهتم نرسيس دك ؼبربكف خبيانة‬
‫قواعد اَليباف اْلساسية‪ ،‬كتقاليد الكنيسة اْلرمينية‪ ،‬كلتربير موقفو كتب رسالة طويلة إذل ليوف الثاشل‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫قدـ فيها ؾبموعة من النصائح للملك‪ ،‬كدعا لو بالنجاح ُب مسعاه‪.‬‬

‫كنتيجة ؽبذه اْلزمة‪ ،‬تعرضت الكنيسة اْلرمينية للشقاؽ كالفرقة‪ ،‬فقاـ ؾبموعة من رجاؿ الدين‬
‫بانتخاب جثليق جديد مناىض كمعارض لسياسة اَلنضماـ إذل حظّبة الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬كازبذ‬
‫من مدينة أجثمار )‪ُ (Aghtamar‬ب أرمينيا الكربل مقرا لو‪ ،‬فبا أدل إذل كجود جثليقْب متنافسْب‪،‬‬
‫اْلكؿ ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬كيبثل فريق اؼبطالبْب باَلنضماـ إذل كنيسة ركما‪ ،‬كالثاشل ُب أرمينيا الكربل‬
‫كيبثل أنصار ا﵀افظْب على اؼبذىب اؼبونوفيزم‪ ،‬كبذلك بدأ فصل جديد ُب تاريخ الكنيسة اْلرمينية‪.‬‬
‫ٍب شرع بعض بطاركة اْلرمن يعَبفوف باؼبذىب الكاثوليكي الواحد بعد اآلخر‪ ،‬كرغم ذلك دل يعَبؼ‬
‫أم ؾبمع كنسي أرميِب باَلنضماـ إذل الكاثوليكية‪ ،‬كظل ىذا اَلنقساـ قائما إذل غاية سقوط أرمينيا‬
‫الصغرل على يد اؼبماليك ُب سنة ‪776‬ق‪1375/‬ـ‪ .‬كدل يتمكن اْلرمن الكاثوليك من تأسيس‬
‫كنيسة خاصة ّٔم إَل ُب سنة ‪1740‬ـ‪ ،‬فبادر البابا بندكت الرابع عشر (‪Benoît XIV‬‬
‫‪2‬‬
‫(‪1758-1740‬ـ))‪ ،‬باعتمادىا‪ ،‬كمقرىا ُب مدينة بّبكت إذل اليوـ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Nersês de Lampron : Lettre adressée au roi Léon II, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie‬‬
‫‪impériale, 2ème éd., Paris, 1969. pp. 579-603.‬‬
‫‪ 2‬عطية عزيز سولاير ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪419-413‬؛‬
‫‪Valognes Jean-Pierre : op. cit., p. 494; Payaslian Simon : op. cit., p. 89.‬‬
‫‪330‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫ج ‪ -‬المؤثرات االجتماعية كالثقافية‬
‫‪ -‬الزكاج بين األرمن كالصليبيين‬

‫سبثل عالقات اؼبصاىرة بْب اْلرمن كالفرقبة‪ ،‬خالؿ فَبة اغبركب الصليبية‪ ،‬أىم مظهر للتفاعل‬
‫اَلجتماعي بْب فئتْب ـبتلفْب حضاريا‪ .‬كمنذ اْلياـ اْلكذل الٍب استقر فيها الصليبيوف ُب اإلمارات الٍب‬
‫أسسوىا ُب الشاـ‪ ،‬ازبذ بعض نبالئهم كفرساهنم زكجات أرمينيات‪ .‬ككاف بلدكين البولوشل‪ ،‬أكؿ أمّب‬
‫صلييب ُب الرىا‪ ،‬كثاشل ملك على فبلكة بيت اؼبقدس‪ ،‬قد تزكج من أردا‪ ،‬ابنة أحد اْلمراء اْلرمن ُب‬
‫إقليم الفرات‪ .‬كحذا حذكه خليفتو‪ ،‬بلدكين الثاشل إذ تزكج من مورفيا ابنة جربيل صاحب ملطية‪ .‬كازبذ‬
‫جوسلْب دك كورتينام‪ ،‬أمّب الرىا‪ ،‬زكجة أرمينية ىي أخت ثوركس اْلكؿ بن قسطنطْب‪ 1،‬أمّب بِب‬
‫ركبْب ُب أرمينيا الصغرل‪ .‬كنفس اْلمر بالنسبة لألمراء كالنبالء اْلرمن فقد تزكج كثّب منهم من‬
‫فرقبيات‪ ،‬مثل اْلمّب ليوف اْلكؿ الذم تزكج باْلمّبة بياتريس )‪ ،(Béatrice‬قريبة بلدكين الثاشل‪ٍ ،‬ب‬
‫اؼبلك ليوف اْلكؿ الذم تزكج بزابيل )‪ (Zabêl‬أخت سبيل زكجة بوىيموند الثالث‪ ،‬أمّب أنطاكية‪،‬‬
‫بسبيل )‪ (Sibylle‬ابنة عمورم ملك قربص‪ .‬كقد اصبحت ىذه اؼبصاىرات‬ ‫كبعد أف طلقها ارتبط ً‬
‫كالعالقات الزكجية بْب اْلرمن كالصليبيْب ظبة بارزة ُب تاريخ أرمينيا اعبديدة إذل غاية سقوطها سنة‬
‫‪776‬ق‪1375/‬ـ‪ 2.‬كدل يقتصر ىذا الزكاج اؼبختلط على فئة اْلمراء كالنبالء فقط‪ ،‬بل شاع أيضا بْب‬
‫فقراء اعبنود الفرنج الذين ازبذكا من اْلرمينيات زكجات ؽبم‪ 3.‬كىذه الزهبات العديدة الٍب حدثت بْب‬
‫اْلمراء اْلرمن كنظرائهم الصليبيْب‪ ،‬ككذلك بْب عامتهم َل يوجد مثلها بْب اْلرمن كاؼبسلمْب‪.‬‬
‫باستثناء ما حدث من مصاىرات قبل اغبركب الصليبية‪ ،‬حيث استوطنت بعض القبائل كاْلسر العربية‬

‫‪1‬‬
‫‪Aslan Kévork : op. cit., p. 76.‬‬
‫‪ 2‬أنظر القائمة الكاملة لعالقات الزكاج كاؼبصاىرة الٍب سبت بْب أمراء من أصوؿ أكربية‪ ،‬كأمّبات أرمينيات كأمراء أرمن بأمّبات‬
‫فرقبيات‪ُ ،‬ب ‪Dulaurier : op. cit., pp. CXXIII-CXXIV. :‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪164‬؛ الركيضي ؿبمود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪331‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫منطقة أرمينيا كاستقرت ىناؾ إذل جانب اْلرمن كاختلطت ّٔم إذل حد الزكاج‪ ،‬كما كانت أمهات‬
‫‪1‬‬
‫عدد من اػبلفاء العرب أرمينيات اؼبولد‪.‬‬

‫كقد أقببت ىذه العالقات الزكجية بْب الصليبيْب كاؼبسيحيْب ا﵀ليْب جيال جديدا مهجنا‪،‬‬
‫يعرؼ بالبوَلف )‪ 2،(Poulains‬كقد حل ىذ اعبيل اعبديد دبركر الوقت ؿبل طبقة عامة ا﵀اربْب من‬
‫الصليبيْب كقاـ بدكره ُب خدمة آّتمع الصلييب بالشاـ‪ 3.‬منهم جوسلْب الثاشل أمّب الرىا‪ ،‬الذم كانت‬
‫أمو أرمينية ىي أخت اْلمّب اْلرميِب ليوف اْلكؿ‪ ،‬كأبوه ىو جوسلْب دك كورتينام اؼبعركؼ جبوسلْب‬
‫‪4‬‬
‫اْلكؿ‪ ،‬صاحب الرىا‪ ،‬كبعض اؼبؤرخْب يعتربه مع أمثالو نصف أرميِب )‪.(demi-arménien‬‬

‫كعن طريق ىذا الزكاج اؼبختلط‪ ،‬كجد فن الطهي الشرقي طريقو إذل اؼبستوطنات الصليبية‪،‬‬
‫كتسرب معو السركر كالرضا إذل اؼبطبخ الصلييب‪ ،‬بسبب زكاج الصليبيْب بسيدات أرمينيات على‬
‫مستول اؼبلوؾ كاْلمراء‪ ،‬كىؤَلء كن يوب ً‬
‫ضرف اػبدـ الشرقيْب البارعْب ُب فن الطهي‪ .‬كما تزكج أفراد‬ ‫ٍ‬
‫‪5‬‬
‫الطبقة الدنيا من الصليبيْب بنساء من اْلرمن ماىرات ُب الطهي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫بوَلدياف آرشاؾ ‪ :‬أرمينيا ُب التاريخ العريب‪-‬اَلسالمي‪ ،‬حبث مقدـ ُب ‪ :‬الندكة الدكلية للعالقات الثقافية العربية‪-‬األرمنية‪،‬‬
‫‪ 16‬مارس ‪ ،2009‬منشورات مركز الدراسات اْلرمينية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاىرة‪ .2009 ،‬ص ‪.9 ،7‬‬
‫‪ 2‬البوَلف ‪ :‬أك البوَلنيوف كتعِب طبقة اْلفراخ‪ ،‬كىم اْلبناء اؼبنحدرين من الزهبات اؼبختلفة‪ ،‬بْب الفرقبة كاؼبسيحيْب ا﵀ليْب من أرمن‬
‫كيعاقبة كسرياف كغّبىم‪ ،‬كقد كثرت تلك الزهبات خاصة ُب اؼبدف‪ .‬كيوصفوف بأهنم تربوا ُب الَبؼ‪ ،‬كاؼبيل إذل الرفاىية‪ ،‬كأقاموا‬
‫عالقات كطيدة مع اؼبسلمْب كتأثركا ّٔم كثّبا‪ .‬كىناؾ رأم آخر يعترب أف البوَلف ُب اللغة الفرنسية القديبة اشتقت من بولوس‬
‫)‪ ،(Pullus‬كتعِب صغّب حيواف ما‪ ،‬كإف البوَلشل كانوا على اعبيل الثاشل من اؼبستعمرين‪ ،‬كدل يكونوا على اَلطالؽ من دماء‬
‫ـبتلطة‪ .‬كتوجد فئة أخرل تشبهها‪ ،‬ىي الَبكبولية )‪ ،(Turcoples‬كىم اْلبناء الذين كلدكا من آباء أتراؾ كأمهات مسيحيات‬
‫يونانيات ُب الغالب‪( .‬انظر ‪ :‬اغبويرم ؿبمود ؿبمد ‪ :‬اْلكضاع اغبضارية ُب بالد الشاـ ُب القرنْب الثاشل عشر كالثالث عشر من‬
‫اؼبيالد‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ .1979 .‬ص ‪80‬؛ عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪139‬؛‬
‫‪Crawford Paul : Poulains, in : Crus. Enc., ABC-Clio, California, 2006. p. 984;Balard Michel :‬‬
‫‪Les Latins en Orient XIe-XVe siècle, Presses universitaires de France, Paris, 2006. p. 93.‬‬
‫‪ 3‬رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج‪ ،2‬ؽ ‪ ،2‬ص ‪470-469‬؛ نافع أمّبة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cahen Claude : Orient et Occident, p. 73.‬‬
‫‪ 5‬براكر يوشع ‪ :‬اَلستيطاف الصلييب ُب فلسطْب فبلكة بيت اؼبقدس الالتينية‪ ،‬ترصبة عبد اغبافظ عبد اػبالق البنا‪ ،‬عْب للدراسات‬
‫كالبحوث اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬القاىرة‪ .2001 ،‬ص ‪616‬؛ نافع أمّبة ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪332‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫‪ -‬األلقاب كالعادات‬

‫كعلى ضوء اغبمالت الصليبية الٍب طغى عليها الطابع الفرقبي (الفرنسي)‪ 1،‬ككثرة اؼبصاىرات‬
‫كالعالقات الزكجية بْب اْلرمن كالفرنج‪ ،‬فقد كاف من الطبيعي أف صارت اللغة كالعادات الفرنسية‬
‫عنصرا مهما كأساسيا ُب حياة البالط اْلرميِب‪ ،‬طيلة اغبقبة الٍب كاف فيها اْلرمن سادة على إقليم‬
‫قيليقيا‪ ،‬بل كاستمرت إذل ما بعد سقوط اؼبملكة‪ .‬كمن بْب مظاىر التأثر بالفرقبة‪ ،‬إطالؽ اْلرمن‬
‫ألقابا غربية على أصحاب اؼبناصب السياسية كاَلدارية كالعسكرية‪ ،‬مثل باركف‪ ،‬ككونت‪ ،‬كما ًرشاؿ‪.‬‬
‫كيستنتج من اػبطاب الذم كجهو اؼبطراف نرسيس اللمربكشل إذل اؼبلك ليوف الثاشل‪ ،‬أف تأثّب الفرقبة ُب‬
‫اْلرمن بلغ شأكا بعيدا‪ ،‬فبا جعل اؼبطراف –رغم أنو من دعاة اإلندماج كاَلنضماـ إذل الكنيسة‬
‫الكاثوليكية الغربية‪ -‬ينصح اؼبلك ُب ىذا اػبطاب بالتمسك بعادات كتقاليد آبائو كأجداده‪ ،‬كفبا جاء‬
‫ُب ىذه الرسالة الطويلة‪َ ..." ،‬ل تذىب إذل آّالس حاسر الرأس مثل الالتْب الذين يقولوف بأف‬
‫‪2‬‬
‫اْلرمن مصابوف بداء الصرع‪ ،‬اترؾ غبيتك تنمو على الذقن كما فعل أجدادؾ‪ ،‬البس التورة‬
‫)‪ ،(tour'a‬العريضة اؼبكسوة بالشعر‪ ،‬كليس معطفا أك سَبة قصّبة ضيقة حوؿ اعبسم‪)...( ،‬‬
‫استعمل ألقابا شرفية مثل أمّب‪ ،‬حاجب‪ ،‬مرزباف‪ ،‬كأخرل تشبهها‪ ،‬كَل تستعمل ألقابا مثل سّب‬
‫)‪ ،(sire‬كبرككسيموس‪ ،(proximos) 3‬ككونّْتابل‪ )...( ،(connétable) 4‬مثلما يفعل الالتْب‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫غّب لباس كألقاب ىؤَلء‪ ،‬كاعطهم ألقابا فارسية (تركية) كأرمينية ‪."...‬‬
‫ّْ‬
‫كمن أبرز العادات الٍب كاف يبقتها اْلرمن عند الالتْب‪ ،‬عادة حلق اللحية الٍب كاف اْلرمن‬
‫يعتربكهنا من مقومات الرجولة‪ ،‬كراعهم ما شاىدكه من كثرة الصليبيْب الذين وبلقوف غباىم‪ .‬كيذكر‬

‫‪1‬‬
‫‪Cahen Claude : Orient et Occident, op. cit., p. 67.‬‬
‫‪ 2‬التورة ‪ :‬معطف مصنوع من جلد اؼباعز‪ ،‬عادة ما يكوف شعره طويل‪ ،‬كُب الوجو اػبارجي للمعطف‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫)‪Dulaurier : ds. R.H.C.D. Arm., t. I, pp. 597-598, note n° 4.‬‬
‫‪ 3‬برككسيموس ‪ :‬ىو ضابط أك مساعد قائد معسكر‪ ،‬كُب النصوص اْلرمينية يقصد بو أحد اؼبوظفْب السامْب اؼبكلف بالشؤكف اؼبالية‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪75‬؛ )‪Dulaurier : op. cit., t. I, p. 598, note n° 6.‬‬
‫‪ 4‬كونّْتابل ‪ :‬ىو الذم وبمل لواء اؼبلك أثناء اغبرب (انظر ‪ :‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)75‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Nersês de Lampron : op. cit., pp.597-598.‬‬

‫‪333‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كليم الصورم حادثة كقعت بْب جربيل اْلرميِب صاحب ملطية‪ ،‬كبلدكين الثاشل أمّب الرىا‪ ،‬الذم كاف‬
‫متزكجا من مورفيا صغرل بنات جربيل‪ .‬ككاف بلدكين شرىا ُب اكتساب اؼباؿ‪ ،‬كَل يتورع عن ازباذ أم‬
‫كسيلة للحصوؿ عليو‪ ،‬فدبر مؤامرة مع فرسانو من أجل ابتزاز صهره اْلرميِب اْلمّب جربيل‪ ،‬الذم كاف‬
‫فاحش الثراء‪ .‬كتنفيذا للخطة اؼبدركسة بذكاء كمكر‪ ،‬قاـ بلدكين بزيارة ؾباملة إذل صهره ُب ملطية‪،‬‬
‫كبينما كانا يتجاذباف أطراؼ اغبديث‪ ،‬دخل عليهما صبع من الفرساف الصليبيْب‪ ،‬كتقدـ أحدىم طالبا‬
‫من بلدكين أف يسدد ما عليو من ديوف ذباىهم‪ ،‬كأهنم سئموا اَلنتظار كىم يرفضوف التأجيل أكثر فبا‬
‫احتملوا‪ ،‬فإما أف يدفع ؽبم ما يستحقونو أك يفكوف اَلرتباط معو كينصرفوف عن خدمتو ُب اغباؿ‪ .‬كؼبا‬
‫استفسر جربيل من زكج ابنتو عن كاقع اْلمر‪ ،‬اعَبؼ لو بلدكين بأنو مدين دببلغ ثالثْب ألف قطعة‬
‫ذىبية‪ ،‬إذل رجالو‪ ،‬كأنو أقسم ؽبم‪ ،‬بأنو سوؼ وبلق غبيتو إذا دل يدفع ؽبم ىذا اؼباؿ‪ ،‬كىو َل يبلكو‬
‫لحق بو اْلذل كالضرر‪ ،‬فبادر كسلم اؼببلغ إذل‬ ‫اآلف‪ .‬كاعتقد جربيل أف صهره إذا حلق غبيتو‪ ،‬سي ً‬
‫ي‬
‫بلدكين‪ ،‬حٌب َل يعرض نفسو لإلىانة كالسخرية‪ ،‬كوبفظ شرفو‪ ،‬كطلب من بلدكين على أف َل يقسم‬
‫‪1‬‬
‫مرة أخرل برىن غبيتو مطلقا‪.‬‬

‫كلكن الصليبيْب قاكموا تلك العادة الشرقية‪ ،‬إذ استمركا ُب حلق ذقوهنم‪ ،‬فبا جعلهم موضع‬
‫احتقار الشرقيْب كامتعاضهم‪ ،‬كُب نفس الوقت كاف الصليبيوف يتهكموف كينتقدكف اْلرمن كغّبىم من‬
‫اؼبسيحيْب الشرقيْب؛ ْلهنم يتشبهوف باؼبسلمْب ُب إعفاء اللحى‪ 2.‬كيبدك أف اْلرمن بعد قرف من‬
‫احتكاكهم بالصليبيْب‪ ،‬أصبحوا ىم أيضا وبلقوف غباىم‪ ،‬حيث طلب نرسيس اللمربكشل‪ ،‬من اؼبلك‬
‫‪3‬‬
‫ليوف الثاشل ُب اػبطاب السابق الذكر أف يَبؾ غبيتو تنمو على ذقنو كَل وبلقها كما يفعل الالتْب‪.‬‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪283-280‬؛ رنسيماف ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ج‪ ،2‬ؽ ‪ ،1‬ص ‪.65-64‬‬
‫‪ 2‬براكر يوشع ‪ :‬عادل الصليبيْب‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Nersês de Lampron : op. cit., p.597.‬‬

‫‪334‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫‪ -‬اللغة كالترجمة‬

‫كمع كثرة عدد الزهبات الٍب كقعت بْب اْلمراء اْلرمن كاْلمّبات الفرقبيات‪ ،‬كنظرا لالحتكاؾ‬
‫الدائم بْب اْلرمن كالصليبيْب‪ُ ،‬ب اغبركب كالتجارة كـبتلف اؼبعامالت‪ ،‬فقد غزت اللغة الفرنسية بالط‬
‫فبلكة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كازبذت مع اللغة الالتينية طابعا رظبيا منافسا للغة اْلرمينية‪ُ ،‬ب اؼبعامالت‬
‫اليومية‪ ،‬كّٔا كانت تدكف السجالت كالقرارات الرظبية‪ ،‬إذل جانب اللغة الوطنية‪ 1،‬بينما كانت‬
‫اَليطالية لغة التجارة كاَلقتصاد‪ 2.‬كأصبحت اللغة الفرنسية لغة الكتابة كالتأليف ُب أرمينيا الصغرل‪،‬‬
‫كمن اْلمثلة عن ذلك أف اؼبؤرخ اْلرميِب ىيثوـ )‪ ،(Héthoum‬الذم اشتهر ُب أكربا باسم ىايتوف‬
‫)‪ ،(Hayton‬كىو ابن أخ اؼبلك اْلرميِب ىيثوـ اْلكؿ‪ ،‬كشغل عدة مناصب ُب أرمينيا الصغرل‪.‬‬
‫ألَّػػف ك ػت ػاب ػا ف ػي ال ػت ػاري ػخ ب ػال ػل ػغ ػة ال ػف ػرن ػس ػي ػة ال ػق ػدي ػم ػة‪ ،‬ع ػن ػوان ػو "زى ػرة ت ػواري ػخ أرض ال ػ ػم ػ ػش ػ ػرؽ"‬
‫)‪ٍ (La Flor des estoires de la terre d'orient‬ب ترصبو إذل اللغة الالتينية كقدمو ُب سنة‬
‫‪707‬ق‪1307/‬ـ‪ ،‬إذل البابا كليمونت اػبامس (‪1314-1305‬ـ)‪ ،‬تعرض فيو ؽبجمات اؼبغوؿ‬
‫على منطقة الشرؽ دبا فيها أرمينيا كفارس‪ ،‬كالعراؽ‪ ،‬كفيو كصف غبصار حلب كاقتحاـ قلعتها من قبل‬
‫ىوَلكو‪ ،‬كمعو اؼبلك ىيثوـ اْلكؿ‪ ،‬كىو الذم َّركج ُب الغرب اْلكريب لفكرة أف اػباف اؼبغورل مونكو‬
‫‪3‬‬
‫اعتنق اؼبسيحية‪.‬‬

‫كإذا كانت اللغة الفرنسية قد كجدت طريقها إذل بالط فبلكة أرمينيا‪ ،‬فعلى العكس من ذلك‬
‫بالنسبة للغة الَبكية‪ ،‬كالعربية‪ .‬كإذا كانت الَبكية لغة ؿبدكدة اَلنتشار كاَلستعماؿ ْلهنا لغة اْلتراؾ‬
‫فقط‪ ،‬اْلمر الذم حاؿ دكف تسرّٔا إذل اْلرمن‪ ،‬فإف اللغة العربية الٍب كانت اْلكثر انتشارا كاستعماَل‬
‫يومذاؾ‪ ،‬كرغم ذلك دل ذبد طريقها إذل اؼبؤسسات الرظبية اْلرمينية‪ .‬كما يزيد من غرابة ىذه الظاىرة‪،‬‬
‫أف الشعوب اؼبسيحية ا﵀لية اْلخرل‪ ،‬مثل السرياف‪ ،‬كاْلقباط‪ ،‬كاؼباركنيْب‪ ،‬كغّبىم كانوا يتكلموف‬

‫‪ 1‬بوعمامة فاطمة ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Pasdermadjian H. : op. cit., p. 231.‬‬
‫‪ 3‬اسكندر فايز قبيب ‪ :‬فبلكة أرمينية؛ ص ‪9-5‬؛ زرقوؽ ؿبمد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪105-88 ،12‬؛ (انظر أيضا ‪:‬‬
‫‪Hayton : La Flor des estoires de la terre d'Orient, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale,‬‬
‫‪2ème éd., Paris, 1969. t. II, p. 113.‬‬
‫‪335‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫اللغة العربية‪ 1.‬كؼبا استقر الصليبيوف ببالد الشاـ‪ ،‬كانوا هبهلوهنا جهال مطلقا‪ ،‬كدبركر الوقت تعلوىا‬
‫ْلسباب عديدة‪ ،‬منها حاجة بعض أفراد الطبقات الدنيا من الصليبيْب للمفردات كالكلمات العربية‬
‫َلستخدامها ُب حياهتم اليومية‪ ،‬أك على اْلقل للتحدث ّٔا ُب السوؽ كفبارسة التجارة للحصوؿ على‬
‫الربح اؼبادم‪ 2.‬كدل يقتصر استخدامها على عامة الصليبيْب‪ ،‬بل تعلمها بعض علية القوـ إذل درجة‬
‫اَلتقاف قراءة ككتابة‪ ،‬مثل كليم الصورم أسقف مدينة صور‪ ،‬كىو اؼبؤرخ الالتيِب اؼبشهور‪ ،‬كعلماء‬
‫‪3‬‬
‫آخركف أقل شهرة‪ ،‬كبعض رجاؿ الدين الذين كانوا يقوموف حبركة التنصّب بْب اؼبسلمْب‪.‬‬

‫كَل شك أف اْلرمن كانوا وبسنوف معرفة كاستعماؿ بعض اؼبفردات كالكلمات العربية عن‬
‫طريق التعامل اؼبتكرر مع آّتمع اإلسالمي‪ ،‬على الرغم من أف ىذه التعامالت كانت قليلة كنادرة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫حيث تتحدث بعض اؼبراجع اغبديثة عن كجود سبعمائة كلمة من أصل عريب ُب اللغة اْلرمينية‪،‬‬
‫منها على سبيل اؼبثاؿ‪ ،‬فعل ترجم باللغة اْلرمينية )‪،)(Թարզմանություն) Targmanal‬‬
‫ككلمة أرزاؽ )‪ (Erzak‬تعِب ُب اْلرمينية بضاعة كثركة‪ ،‬ككلمة العليق الٍب تعِب علف الدكاب‪،‬‬
‫احتفظت بصيغتها العربية ُب اللغة اْلرمينية )‪ ،(Aleg‬ككلمة ىغ ًزٍؿ باْلرمينية تدؿ على ضرب من‬
‫ضركب الشعر‪ ،‬كىو الغزؿ بنفس اؼبعُب ُب الشعر العريب‪ ،‬كاحتفظت النباتات الطبية بأظبائها العربية ُب‬
‫اللغة اْلرمينية‪ 5.‬كتدؿ ىذه اْلمثلة على كجود تفاعل فكرم كثقاُب بْب اؼبسلمْب كاْلرمن ُب العصر‬
‫الوسيط‪ ،‬كما يوجد طبسمائة أثر كتايب باللغة العربية على أرض أرمينيا‪ 6،‬كلكنها تعود إذل العهد‬
‫اْلموم كالعباسي‪ ،‬كليس إذل حقبة اغبركب الصليبية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cahen Claude : Orient et Occident, p. 170.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cahen Claude, La Syrie du Nord, p. 184; Balard Michel : Les Latins en Orient, p. 151.‬‬
‫‪ 3‬براكر يوشع ‪ :‬اَلستيطاف الصلييب‪ ،‬ص ‪.625-623‬‬
‫‪ 4‬زىر الدين صاحل ‪ :‬عيّْنات ثقافية ُب العالقات العربية‪-‬اْلرمينية‪ ،‬حبث مقدـ ُب ‪ :‬الندكة الدكلية للعالقات الثقافية العربية‪-‬‬
‫األرمنية‪ 16 ،‬مارس ‪ ،2009‬منشورات مركز الدراسات اْلرمينية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاىرة‪ .2009 ،‬ص ‪.39-38‬‬
‫‪5‬‬
‫غساف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.87 ،71‬‬
‫كجو ٌ‬
‫‪ 6‬زىر الدين صاحل ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.39-38‬‬
‫‪336‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫كتسهب اؼبصادر العربية ُب ذكر مفكرين كعلماء مسلمْب ينتسبوف إذل مناطق من أرمينيا‬
‫التارىبية‪ ،‬نبغوا ُب ـبتلف ضركب العلم‪ ،‬كما يوجد بعض اؼبؤرخْب اْلرمن من القرف اْلكؿ‬
‫اؽبجرم‪/‬السابع اؼبيالدم‪ ،‬الذين كتبوا عن ظهور الرسالة اَلسالمية ُب شبو اعبزيرة العربية‪ ،‬كعن‬
‫الفتوحات اَلسالمية‪ ،‬الٍب كانوا معاصرين كشهود عياف لبعض أحداثها منهم جيفوند‬
‫)‪ ،(Ghévond‬ك سيبيوس )‪ .(Sébéôs‬كما ترجم بعض رجاؿ الدين اْلرمن ُب العهد العباسي‬
‫‪1‬‬
‫بعض اؼبؤلفات الفلسفية العربية إذل لغتهم‪.‬‬

‫كدل تنقطع حركة الَبصبة من اللغة العربية إذل اللغة اْلرمينية ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬حيث أمر‬
‫اؼبلك ىيثوـ اْلكؿ (‪667-623‬ق‪1269-1226/‬ـ)‪ ،‬بَبصبة ؾبموعة من اؼبؤلفات العربية تبحث‬
‫ُب علم تعدين الفوَلذ كصهره‪ ،‬كصناعة السيوؼ‪ ،‬كالتنجيم‪ ،‬كالكيمياء‪ ،‬كتربية اػبيل‪ .‬كمن الكتب‬
‫اؼبثّبة للجدؿ حوؿ أصلها العريب أك اْلرميِب‪" ،‬كتاب اػبيل" ؼبؤلفو الطبيب فرج‪ ،‬كىو كتاب ألفو‬
‫صاحبو من أجل اؼبلك اْلرميِب ظبباط الثالث (‪1298-1296‬ـ)‪ ،‬كأىداه إليو‪ ،‬كمضمونو معرفة‬
‫اعبياد من اػبيل كأمراضها كعللها كمعاعبتها باْلدكية كالعقاقّب‪ ،‬كيبدك أنو يكتب باللغة اْلرمينية ٍب‬
‫ترجم إذل العربية‪ ،‬رغم كجود من يقوؿ بأف الكتاب كتب أصال باللغة العربية‪ٍ ،‬ب ترجم إذل اْلرمينية‪،‬‬
‫كلكن اْلصل العريب للكتاب فقد‪ ،‬كبقيت الَبصبة اْلرمينية‪ ،‬كمنها نقلت النسخة العربية‪ .‬كقصة ترصبة‬
‫الكتاب تعود إذل عهد القائد اؼبملوكي حساـ الدين َلجْب الذم ىاجم سيس عاصمة اْلرمن ُب‬
‫قيليقيا ليستورل على قصر اؼبلك اْلرميِب‪ ،‬فوجد ُب اػبزانة نسخة ؽبذا اؼبخطوط فأعطاه إذل خادمو‪،‬‬
‫كؼبا علم أف للمخطوط قيمة شبينة استدعى أحد اْلسرل اْلرمن يدعى ؿببوب اْلرميِب‪ ،‬كطلب منو‬
‫‪2‬‬
‫ترصبة الكتاب إذل العربية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫غساف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫بوَلدياف آرشاؾ ‪ :‬مرجع سابق‪19-9 ،‬؛ كجو ٌ‬
‫‪2‬‬
‫غساف ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.76-74‬‬‫كجو ٌ‬
‫‪337‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫‪ -‬اعتناؽ االسالـ‬

‫أشارت عديد اؼبصادر إذل بعض من اْلرمن الذين اعتنقوا اَلسالـ‪ ،‬كىي حاَلت ؿبدكدة كَل‬
‫تشكل البتة ما يوصف بالظاىرة‪ ،‬كيعود سبب اعتناقهم اَلسالـ‪ ،‬إذل اغبصوؿ على كظائف عسكرية‬
‫أك إدارية؛ إذ كاف من اؼبستحيل التعيْب ُب كظيفة كىم على اؼبسيحية‪ ،‬كلذلك كانوا ىبتفوف كراء أظباء‬
‫إسالمية‪ ،‬كردبا اعتنق بعضهم اَلسالـ حفاظا على فبتلكاهتم كثركاهتم‪ .‬كينفرد ابن العربم ُب ركاية‬
‫حادثة كقعت ُب سنة ‪460‬ق‪1067/‬ـ‪ ،‬تفيد أف أحد بطارقة اْلرمن خرج من حصنو كمعو مائٍب‬
‫رجل أرميِب‪ ،‬إذل حصن أكثر مناعة خوفا من اْلتراؾ‪ ،‬فوقعوا بْب يدم أمّب تركي‪ ،‬فقالوا لو ‪" :‬إننا‬
‫ماضوف إذل السلطاف لنجاىر باإلسالـ بْب يديو‪ .‬فسّبىم إليو مكرمْب كجاىركا باإلسالـ مرغمْب‪،‬‬
‫كقرر السلطاف أف يدفع للبطريق كل سنة عشرين ألف دينار ؼبعاشو‪ ،‬غّب أف أكلئك اْلرمن ما عتم أف‬
‫عادكا إذل أرمينيا الداخلية كرجعوا إذل ديانتهم النصرانية"‪ 1.‬كَل يبكن اعبزـ ُب صحة ىذه الركاية‪،‬‬
‫حيث أف اؼبصادر دل تذكر أف اْلتراؾ أرغموا غّبىم من الشعوب على اعتناؽ اَلسالـ ربت التهديد‬
‫أك باستعماؿ القوة‪ ،‬كما أف ابن العربم ىو الوحيد من بْب اؼبصادر الذم أكرد ىذه الركاية‪ ،‬فلم‬
‫يذكرىا قبلو أريستاكيتس اللستيفرٌب اؼبعاصر لألحداث‪ ،‬كَل ميخائيل السرياشل‪.‬‬

‫أما بالنسبة ْلرمينيا الصغرل‪ ،‬فإذا كاف اْلمّب مليح دل يعتنق اَلسالـ‪ ،‬رغم ربالفو مع‬
‫السلطاف نورالدين ؿبمود زنكي ضد الصليبيْب كالبيزنطيْب‪ ،‬فإنو من الثابت أف فيالريت براخاميوس‬
‫قد اعتنق اَلسالـ أماـ السلطاف السلجوقي ملكشاه‪ .‬كىو أكؿ من حاكؿ إقامة دكلة أرمينية ُب قيليقيا‬
‫بعد معركة منازكرد‪ُ ،‬ب سبعينيات القرف اغبادم عشر اؼبيالدم‪ ،‬غّب أنو دل يستطع مواجهة الرياح‬
‫العاتية الٍب جاءتو من قًبل السالجقة‪ .‬حيث أسس سليماف بن قتلمش سلطنة سالجقة الركـ ُب‬
‫نيقية‪ ،‬كحاكؿ سبديد حدكد بالده كبو جباؿ طوركس كمشاؿ الشماؿ‪ ،‬فانتزع من فيالريت مدف الثغور‬
‫كأنطاكية‪ٍ ،‬ب كصل السلطاف السلجوقي ملكشاه من جهة الشرؽ إذل مشاؿ الشاـ‪ ،‬فانتزع منو مدينة‬
‫الرىا‪ .‬كؼبا رأل أف دكلتو أصبحت ىشيما تذركه الرياح‪ ،‬التقى ُب ضواحي مدينة الرىا بالسلطاف‬

‫‪ 1‬ابن العربم ‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ص ‪.108‬‬


‫‪338‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫ملكشاه‪ ،‬كعرض عليو دفع اعبزية كاإلقرار بالتبعية للخليفة كالسلطاف‪ ،‬مقابل استعادة اؼبدف كاغبصوف‬
‫الٍب انتزعت منو‪ .‬كذبمع اؼبصادر أنو أعلن إسالمو أماـ السلطاف الذم أبقاه معو ُب معسكره فَبة من‬
‫الزمن‪ ،‬كردبا أخذه معو ملكشاه إذل بغداد‪ ،‬كىناؾ أعلن إسالمو ُب حضرة السلطاف السلجوقي‪ ،‬كأخذ‬
‫يتودد إليو أف يقره على إمارتو‪ 1.‬كؼبا َلحظ ملكشاه أف فيالريت َل وبظى بشعبية كبّبة بْب بِب‬
‫جلدتو ْلنو كاف من أتباع الكنيسة البيزنطية (خلقدكنيا)‪ٍ ،‬ب بسبب اعتناقو لإلسالـ‪ ،‬دل يعًد لو كل‬
‫اؼبدف الٍب انتزعها منو اْلتراؾ‪ ،‬بل أعاد لو مدينة مرعش فقط‪ ،‬كردبا أضاؼ إليو مدينة ملطية‪ ،‬مع‬
‫اَلعَباؼ بسيادة السالجقة‪ .‬كمن الواضح‪ ،‬أف فيالريت أراد بإسالمو أف وبافظ على فبتلكاتو كثركاتو‪،‬‬
‫بدليل أنو عاد كاعتنق اؼبسيحية من جديد‪ ،‬كمن شبة فإف إسالمو كاف لفَبة مؤقتة‪ ،‬كلغرض ُب نفس‬
‫‪2‬‬
‫يعقوب‪.‬‬

‫كخارج قيليقيا توجد حالة فّبكز الزراد‪ ،‬كحارس اْلبراج ُب أنطاكية‪ ،‬فمما َلشك فيو أنو كاف‬
‫أرمينيا مسلما حسب اؼبصادر اؼبعاصرة‪ ،‬كلذلك كاف ؿبل ثقة ياغي سياف حاكم اؼبدينة‪ ،‬فأسند إليو‬
‫حراسة أحد اْلبراج أثناء حصار الصليبيْب ؼبدينة أنطاكية‪ ،‬كخبيانتو للمسلمْب سقطت اؼبدينة ُب‬
‫أيدم الصليبيْب‪ٍ ،‬ب انقطعت أخباره ُب اؼبصادر العربية‪ ،‬فبا يدؿ على أنو انضم إذل معسكر‬
‫بوىيموند‪ .‬كحسب أحد اؼبصادر الالتينية‪ ،‬فإنو سار مع الصليبيْب إذل بيت اؼبقدس‪ ،‬كشارؾ معهم ُب‬
‫ضبلتهم ضد اؼبسلمْب‪ ،‬كاعتنق اؼبسيحية من جديد‪ٍ ،‬ب عاد إذل جباؿ اْلمانوس حيث فبتلكاتو‬
‫‪3‬‬
‫كأراضيو‪ٍ ،‬ب عاد كاعتنق اَلسالـ من جديد‪ ،‬كالتحق خبدمة رضواف بن تتش السلجوقي أمّب حلب‪.‬‬

‫كتذكر اؼبصادر عددا من اْلرمن الذين اعتنقوا اَلسالـ كدخلوا ُب خدمة اْلمراء كالسالطْب‬
‫اؼبسلمْب‪ ،‬كالتزموا بواجباهتم ذباه الدكلة اَلسالمية‪ ،‬منهم بدر اعبمارل ُب مصر‪ ،‬كابنو اْلفضل‪،‬‬
‫كياركقتاش اؼبلقب بشمس اػبواص‪ ،‬الذم كاف قائدا للجيش ُب حلب كمتورل أقطاع اعبند‪ ،‬كتوذل‬

‫‪ 1‬الركيضي ؿبمود ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.178‬‬


‫‪ 2‬ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪240‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪220‬؛ ابن العربم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪120‬؛‬
‫‪Matthieu d'Edesse : op. cit., p. 196; Michel Le Syrien, op. cit., t. III, p. 173; Augé Isabelle : Le‬‬
‫‪dilemme de l'Eglise, p. 337.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Guibert de Nogent : op. cit., p. 218-219; Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 847-849.‬‬

‫‪341‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫مدينة حلب ُب سنة ‪511‬ق‪1117/‬ـ‪ ،‬لفَبة قصّبة بعد مقتل اؼبلك رضواف‪ 1.‬كمنهم أيضا اْلمّب‬
‫‪3‬‬
‫ص ٍر ىخد‪ 2،‬الذم كاف غالما ْلمْب الدكلة كمشتكْب‪.‬‬‫ألتونتاش )‪ ،(Altountâsh‬صاحب قلعة ى‬
‫فقد توجو ُب سنة ‪542‬ق‪1147/‬ـ‪ ،‬إذل الصليبيْب ُب فبلكة بيت اؼبقدس "لالستنصار ّٔم كتقرير‬
‫أحواؿ الفساد معهم"‪ 4،‬حيث طلب منهم‪ ،‬أف يبنحوه إقطاعا داخل فبلكتهم‪ ،‬مقابل أف يتنازؿ ؽبم‬
‫عن القلعة الٍب وبكمها‪ ،‬كىي ربتل موقعا اسَباتيجيا ُب ضواحي دمشق الٍب كانوا يسعوف َلحتالؽبا‪،‬‬
‫كلكن ؿباكلتو باءت بالفشل بعد تدخل السلطاف نور الدين زنكي‪ ،‬كؼبا عاد ألتونتاش من فبلكة بيت‬
‫اؼبقدس إذل دمشق‪ ،‬اعتقل ٍب يًظبلىت عيناه‪ 5.‬ىذه أمثلة ؼبن اعتنق اَلسالـ من اْلرمن كتبوأ منزلة رفيعة‬
‫ُب الدكلة اَلسالمية‪ .‬كتوجد حاَلت أخرل فباثلة ؽبا ُب مصر كُب الشاـ‪ ،‬تعود إذل عهد الدكلة‬
‫اْليوبية‪.‬‬

‫كرغم أف العالقات بْب اْلرمن كاؼبسلمْب سبيزت عموما بطابع التوتر‪ ،‬كاندَلع اغبركب‪ ،‬فقد‬
‫نسج بعض اْلمراء العرب عالقات صداقة مع أمراء بِب ركبْب ُب أرمينيا الصغرل‪ ،‬خالؿ فَبة اغبركب‬
‫الصليبية‪ .‬حيث يركم أسامة بن منقذ‪ُ 6‬ب كتابو‪ ،‬اف أباه الذم كاف مولعا بالصيد‪ ،‬تعود على إرساؿ‬

‫‪1‬‬
‫ابن اْلثّب ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪279‬؛ ابن العدصل ‪ :‬زبدة اغبلب‪ ،‬ص ‪266-263‬؛‬
‫‪Cahen :La Syrie du Nord, p. 276-277; Dédéyan :Un émir arménien du Hawrân entre la principauté‬‬
‫‪turque de Damas et le royaume latin de Jérusalem (1147), ds. : Dei gesta per Francos. Etudes sur‬‬
‫‪les croisades dédiées à Jean Richard, ed. by Michel Balard, Ashgate, 2001. pp. 179-185.‬‬
‫‪2‬‬
‫صرخد ‪ :‬بلد مالصق لبالد حوراف من أعماؿ دمشق‪ ،‬كىي قلعة حصينة ككَلية حسنة كاسعة‪( .‬انظر ‪ :‬اغبموم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪،5‬‬
‫ص ‪.)184‬‬
‫‪ 3‬ىو نائب اْلتابك طي ٍغتًكْب على قلعٍب صرخد كبصرل‪ ،‬توُب ُب ربيع الثاشل ‪541‬ق‪ ،‬كىو كاقف اؼبدرسة اْلمينية بدمشق‪( .‬انظر‪:‬‬
‫ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.)289‬‬
‫‪ 4‬نفسو‪.‬‬
‫‪ 5‬ابن القالنسي ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪290-288‬؛ كليم الصور ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪180-175‬؛‬
‫‪Dédéyan : Les Arméniens entre Grecs, t. II, pp. 880-881.‬‬
‫‪6‬‬
‫أسامة بن منقذ ‪ :‬ينتسب إذل بِب منقذ‪ ،‬كىي أسرة عربية أصيلة‪ ،‬تعود أصوؽبا إذل كنانة القحطانية الٍب كانت تسكن حوؿ مكة قبل‬
‫اَلسالـ‪ .‬كلد أسامة ُب قلعة شيزر عاـ ‪488‬ق‪1095/‬ـ‪ ،‬كىو ابن اْلمّب مرشد‪ ،‬كقد ترىب على تقاليد الفركسية‪ ،‬كما درس العلوـ الدينية‬
‫كاآلداب كاللغة‪ .‬كقد صبع ُب شخصو ب كل جدارة‪ ،‬إمارة السيف كالقلم‪ .‬ككاف من اؼبتوقع أف يتوذل اَلمارة بعد عمو سلطاف‪ ،‬إَل أف اْلخّب‬
‫آثر أكَلده الذين أقببهم بعد أف تقدمت بو السن‪ ،‬على ابن أخيو‪( .‬انظر ‪ :‬ابن خلكاف ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪199-195‬؛ زيتوف‬
‫عادؿ ‪ :‬آّتمع الصلييب ُب مذكرات أمّب عريب‪ ،‬ؾبلة العربي‪ ،‬ع ‪ ،555‬كزارة اَلعالـ‪ ،‬الكويت‪ ،‬فيفرم ‪ .2005‬ص ‪.)115-114‬‬
‫‪340‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫غلمانو لشراء البزاة كاصطيادىا حيثما كانت‪ ،‬ككاف وبصل على البعض منها من جباؿ طوركس الٍب‬
‫كاف ربت حكم آؿ ركبْب‪ ،‬كلذلك جرت عدة مراسالت بينو كبْب اْلمّب ليوف اْلكؿ‪ ،‬كابنو اْلمّب‬
‫ثوركس الثاشل‪ّٔ ،‬دؼ اغبصوؿ على البزاة‪ ،‬حيث كانوا يرسلوف لو كل سنة "عشرة من بزاة أك ما حوؽبا‬
‫صن كالطيب كمن‬
‫رجالة أرمن بازياريَّة‪ ،‬كينفذكف الكالب الزغارية‪ .‬كينفذ ؽبم ىو [أبوه] اغبي ي‬
‫على أيدم َّ‬
‫كسوة مصر‪ ،‬فكاف هبيئنا من عندىم بزاة مالح نادرة فاجتمع عندنا ُب بعض السنْب بزاة قد جاءت‬
‫من الدركب فيها باز فرخ مثل العقاب كبزاة دكنو"‪ 1.‬كتدؿ ىذه الشهادة‪ ،‬على كجود أرمن مكلفوف‬
‫بَبكيض البزاة ُب قصر أمراء بِب شيزر‪ ،‬كتشّب ركاية أخرل إذل كجود مسيحيْب آخرين يقوماف بنفس‬
‫اؼبهمة‪ ،‬أحدنبا اظبو نيقوَل‪ ،‬كاآلخر يدعى بطرس‪ 2.‬كما تدؿ شهادة أخرل أف ؾبموعة من اْلرمن‬
‫‪3‬‬
‫كانوا يقيموف ُب أراضي اإلمارة حيث خرج أسامة كمعو "عشرين راجال من اْلرمن اْلجياد رماة"‪،‬‬
‫َلصطياد أسد كاف وبوـ حوؿ التالؿ آّاكرة للقصر‪ .‬كيستفاد من ىذه الركايات كلها‪ ،‬الٍب ىي عبارة‬
‫عن مذكرات شخصية ْلسامة بن منقذ‪ ،‬أف العالقات بْب اْلرمن كاؼبسلمْب‪ ،‬دل تقتصر على اغبركب‬
‫كالنزاعات فقط‪ ،‬بل زبللتها عالقات صداقة‪.‬‬

‫كمن اْلحداث السابقة تتضح ؾبموعة من اغبقائق التارىبية منها ‪:‬‬

‫أكال ‪ :‬إف انتقاؿ أرمينيا الصغرل من إمارة إذل فبلكة ُب هناية القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬جاء‬
‫دبوافقة كمباركة من البابوية‪ ،‬الٍب كانت هتدؼ ّٔذه اػبطوة‪ ،‬أف ذبعل من أرمينيا الصغرل دركيا‬
‫مسيحيا يضمن استمرار الوجود الصلييب ُب بالد الشاـ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬دل ينس اؼبسلموف بأف إقليم قيليقيا الذم نشأت فيو فبلكة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كاف خاضعا‬
‫لنفوذىم منذ القرف اْلكؿ اؽبجرم‪ ،‬كلذلك دل يعَبفوا ّٔذه الدكلة الٍب بدت ؽبم كيانا غريبا ذبب إزالتو‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن منقذ أسامة (مؤيد الدكلة أبو مظفر أسامة بن مرشد الكناشل الشيزرم (ت ‪584‬ق‪1188/‬ـ)) ‪ :‬كتاب اَلعتبار‪ ،‬حرره‬
‫فيليب حٍب‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاىرة‪( ،‬بدكف تاريخ)‪ .‬ص ‪.202‬‬
‫‪ 2‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.224 ،218‬‬
‫‪ 3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪341‬‬
‫مف إمارة إلى مممكة‬ ‫الفصؿ السابع‬
‫ثالثا ‪ :‬اختالؼ اؼبسيحيْب حوؿ طبيعة اؼبسيح مزؽ جسد الديانة اؼبسيحية َّ‬
‫كحوؽبا إذل عدة‬
‫مذاىب ـبتلفة‪ٍ ،‬ب ربوؿ معتنقوىا إذل فرؽ متطاحنة كمتصارعة‪ ،‬كحاكلت اَلمرباطورية البيزنطية فرض‬
‫مذىبها بالقوة على اْلرمن‪ ،‬فبا أدل إذل نفورىم منها‪ ،‬بسبب سبسكهم بكنيستهم القومية إذل درجة‬
‫التعصب‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬استفاد اْلرمن كثّبا من التسامح الديِب أثناء تعايشهم مع اؼبسلمْب‪ ،‬كلكن الصليبيْب‬
‫أرادكا إدماج الكنيسة اْلرمينية مع كنيستهم الكاثوليكية لتكوف كسيلة كأداة ُب أيديهم خالؿ حركّٔم‬
‫ضد اؼبسلمْب‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬دل تكن عالقة اْلرمن بالصليبيْب‪ ،‬قائمة على التعاكف كالتعايش السلمي‪ ،‬بل زبللتها‬
‫حركب كنزاعات كثّبة‪ ،‬فبا جعل فَبة اَلحتالؿ الصلييب‪ ،‬لبالد الشاـ‪ ،‬فَبة معاناة لألرمن ُب أرمينيا‬
‫الصغرل‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬دل يتأثر اْلرمن كثّبا دبظاىر اغبضارة اَلسالمية‪ ،‬كعلى العكس من ذلك بالنسبة‬
‫لتأثرىم بالصليبيْب‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫اخلامت٘‬
‫خاتمة‬
‫ُب ختاـ ىذا البحث الذم أخذ بأيدينا ُب مسارب ملتوية من تاريخ العالقات اْلرمينية‬
‫السلجوقية الصليبية‪ُ ،‬ب ظل إمارة أرمينيا الصغرل‪ ،‬كُب غبظة حرجة من غبظات التاريخ‬
‫اَلسالمي‪ ،‬أرجو أف أكوف قد كفقت ُب ؿباكلة تتبع مسّبة ىذه اإلمارة‪ ،‬منذ استيالء‬
‫اَلمرباطورية البيزنطية على اؼبمالك اْلرمينية ُب أرمينيا الكربل‪ ،‬الٍب سقطت ُب أيدم السالجقة‬
‫بعد معركة منازكرد ُب سنة ‪463‬ق‪1071/‬ـ‪ ،‬إذل غاية تطورىا إذل فبلكة على يد اؼبلك ليوف‬
‫اْلكؿ ُب سنة ‪1198‬ـ‪.‬‬

‫لقد دخل اْلرمن بعد اهنزاـ البيزنطيْب اماـ السالجقة ُب نفق مظلم‪ ،‬دل يستطيعوا اػبركج‬
‫منو‪ .‬حيث تعرضت بالدىم إذل اجتياح القبائل الَبكية‪ ،‬فبا جعلهم يهاجركف من موطنهم‬
‫اْلصلي‪ ،‬كخرجوا باحثْب عن مأكل جديد‪ .‬كرغم أهنم كجدكا ُب قيليقيا كطنا بديال‪ ،‬حاكلوا فيو‬
‫توحيد جهودىم‪ ،‬كتشكيل قوة سياسية كعسكرية ذبمع مشلهم‪ ،‬فإهنم كجدكا أنفسهم مهددين‬
‫بالزكاؿ‪ ،‬كسط قول متضاربة‪ ،‬كتيارات حضارية متناقضة‪ .‬كنظرا لتشبثهم‪ ،‬كإصرارىم على البقاء‪،‬‬
‫فقد سبكنوا من التكيف مع التغّبات كاؼبعطيات اعبديدة الٍب دخلت على منطقة آسيا الصغرل‪.‬‬
‫فتأرجحت عالقاهتم بالسالجقة كالبيزنطيْب كالصليبيْب بْب الوَلء كالعداء‪.‬‬

‫كظلت إمارة أرمينيا الصغرل كسط تلك العواصف القوية مثل بيت العنكبوت‪ ،‬معلقة‬
‫بْب السماء كاْلرض‪ ،‬كدلت اْلحداث الٍب مرت ّٔا أهنا معرضة للسقوط عاجال أك آجال على‬
‫يد القول آّاكرة ؽبا‪ ،‬كلكن اغبمالت الصليبية الثالث‪ ،‬كانت دبثابة جرعات من اْلككسجْب‪،‬‬
‫أنقذهتا من موت ؿبتوـ‪.‬‬

‫كيبقى أف أػبص النتائج الٍب توصلت إليها‪ ،‬بشكل ؿبدد كمباشر‪ ،‬أكثر فبا كردت‬
‫مضمرة ُب ثنايا البحث‪ ،‬كىي تتمثل ُب ‪:‬‬

‫‪344‬‬
‫خاتمة‬
‫أكال ‪ :‬أحدثت معركة منازكرد ربوَل كبّبا ُب العالقات الدكلية الٍب كانت سائدة حٌب‬
‫منتصف العصر الوسيط‪ ،‬كما نتج عنها ربوَلت عرقية كاجتماعية عميقة ُب آسيا الصغرل‬
‫َلزالت آثارىا فبتدة إذل اليوـ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يعترب إقليم قيليقيا من اْلراضي الٍب فتحها اؼبسلموف ُب القرف اْلكؿ اؽبجرم‪،‬‬
‫كأصبح جزءا من دار اإلسالـ‪ ،‬كدبوجب ذلك أصبح فيو للمسلمْب حقوؽ كَل ينبغي ؽبم التفريط‬
‫فيها‪ .‬كدل يكن آنذاؾ لألرمن أم كجود سياسي ىناؾ‪ .‬لذلك ظلت القول اإلسالمية القائمة‬
‫يومذاؾ ُب اؼبنطقة‪ ،‬تعترب اْلرمن مغتصبْب كؿبتلْب ؽبذا اَلقليم الذم كاف جزءان من أراضي‬
‫اػبالفة العباسية‪ .‬كيتضح ذلك من خالؿ اؼبصطلحات الٍب استعملها اؼبؤرخوف ُب اؼبصادر‬
‫اَلسالمية‪ .‬كمن شبة‪ ،‬فإف اغبرب ضد إمارة أرمينيا‪ ،‬دل تكن ىدفا ُب حد ذاتو‪ ،‬بل كسيلة إلعادة‬
‫قيليقيا إذل اغبظّبة اإلسالمية‪ .‬كالدليل على ذلك ىو اْلمّب مليح اْلرميِب الذم ربالف مع نور‬
‫الدين زنكي‪ ،‬فاحتفظ دبنصبو كبإمارتو‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬دل يهاجر اْلرمن من موطنهم اْلصلي ُب أرمينيا الكربل نتيجة دخوؿ السالجقة‬
‫إذل بالدىم فقط‪ ،‬بل بدأكا يغادركف بالدىم أفرادا كصباعات منذ أف استولت اإلمرباطورية‬
‫البيزنطية على فبلكتاىم‪ ،‬كأقطعت ملوكهم بعض اْلراضي ُب أكباء شٌب من أراضيها‪ٍ ،‬ب قامت‬
‫حب ّْل كحدات اعبيش اْلرمينيي‪ .‬كرغم الظركؼ القاسية الٍب مركا ّٔا‪ ،‬من تعرضهم للغزك‪ ،‬كمن‬
‫تشتت ُب اؼبنفى‪ ،‬كانقساـ سياسي‪ ،‬فإهنم حافظوا على ىويتهم‪ ،‬كدل يتنازلوا عن لغتهم‪،‬‬
‫كمذىبهم‪ ،‬كعاداهتم‪ ،‬كتقاليدىم‪ ،‬كيعود الفضل ُب ذلك إذل الكنيسة اْلرمينية اؼبستقلة عن‬
‫الكنائس اْلخرل‪ .‬كىذا يدعو إذل احَباـ ىذا الشعب كتقديره‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬كضع فيالريت أسس أكؿ دكلة أرمينية ُب اؼبنفى‪ ،‬قبل قدكـ جيوش اغبملة‬
‫الصليبية اْلكذل‪ ،‬كيعود إليو الفضل ُب صبع مشل اْلرمن ُب قيليقيا‪ .‬كالواقع‪ ،‬إف تأسيس ىذه‬
‫الدكلة‪ ،‬أك إمارة أرمينيا الصغرل كاستمرارىا ُب جنوب شرقي آسيا الصغرل‪ٍ ،‬ب تطورىا إذل فبلكة‬
‫‪345‬‬
‫خاتمة‬
‫كاف إفرازان طبيعيا لضعف القول اَلسالمية ا﵀يطة ّٔا‪ .‬خاصة بعد كفاة سليماف بن قتلمش‪،‬‬
‫كملكشاه‪ ،‬كقليج أرسالف اْلكؿ‪ ،‬أقول سالطْب السالجقة‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬عاش اْلرمن ُب ظل الدكلة اَلسالمية ينعموف بالتسامح الذم يتميز بو‬
‫اإلسال ـ‪ .‬كما أهنم عرفوا تطورا حضاريا بالغا‪ُ ،‬ب ظل اغبكم اإلسالمي‪ ،‬باعَباؼ اؼبؤرخْب‬
‫الغربيْب أنفسهم‪ .‬بينما كانت عالقتهم الدينية بالدكلة البيزنطية‪ ،‬سيئة منذ البداية‪ ،‬كسبيزت‬
‫باَلضطهاد كعدـ اَلعَباؼ بالكنيسة اْلرمينية‪ .‬كدل تكن عالقتهم برجاؿ الدين الالتْب‪ ،‬أك‬
‫دبلوكهم كأمرائهم‪ ،‬أفضل فبا كانت عليو مع البيزنطيْب‪ ،‬حيث كانت مدة اَلحتالؿ الصلييب‬
‫مرحلة معاناة كاملة لألرمن‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬كاف اْلرمن أكؿ من اتصل بالغرب اْلكريب‪ ،‬عن طريق رئيس كنيستهم‪ ،‬كىم‬
‫أكؿ من اتصل بالفرقبة عند نزكؽبم ُب آسيا الصغرل‪ ،‬فاستغل الصليبيوف حاجة اْلرمن إليهم‪،‬‬
‫كجعلوىم طابورا خامسا لتنفيذ ـبططهم اَلستعمارم ُب الشاـ‪ ،‬ككانوا ىم أكؿ ضحاياىم ُب‬
‫إقليم الفرات‪ .‬كظهر ذلك بوضوح ُب الرىا‪ ،‬الٍب شكل اْلرمن غالبية سكاهنا‪ٍ ،‬ب زبلوا عنهم‪،‬‬
‫كاعتمدكا على أبناء جلدهتم ُب حكم اإلمارات اإلفرقبية كإدارهتا‪.‬‬

‫سابعا ‪ :‬نشأت إمارة أرمينيا الصغرل قبيل اغبملة الصليبية اْلكذل‪ ،‬كلذلك‪ ،‬فهي ليست‬
‫دخيلة كبقية اإلمارات الٍب أنشأىا الفرقبة ُب بالد الشاـ‪ ،‬كلكن اغبمالت الثالث اْلكذل‪ ،‬كانت‬
‫فرصة للمحافظة على كجودىا كضباية حدكدىا‪ ،‬كتثبيت أقدامها ُب قيليقيا‪ .‬كدل تكن قادرة على‬
‫اَلستمرار‪ ،‬إَل بالتحالف مع القول الصليبية‪ ،‬كبدكهنا فهي معرضة للزكاؿ‪ .‬كلوَل انقساـ‬
‫اؼبسلمْب كانشغاؽبم باغبركب ضد الفرقبة‪ ،‬ما سبكنت ىذه اإلمارة من البقاء حوارل ثالثة قركف‪.‬‬

‫ثامنا ‪ :‬حصل ليوف على التاج اؼبلكي‪ ،‬كربولت إمارتو إذل فبلكة‪ ،‬اعَبؼ ّٔا الغرب‬
‫اْلكريب‪ْ ،‬لف البابوية أصبحت تنظر إذل إمارة أرمينيا‪ ،‬على أهنا اؼبالذ اْلخّب للمسيحيْب ُب‬
‫اؼبشرؽ اإلسالمي‪ .‬بعد استعادة اؼبسلمْب لبيت اؼبقدس من الصليبيْب‪.‬‬
‫‪346‬‬
‫خاتمة‬
‫تاسعا ‪ :‬أشبرت العالقات اْلرمينية الصليبية ُب العصر الوسيط‪ ،‬تقاربا بْب اْلرمن كالغرب‬
‫اْلكريب‪ ،‬امتد إذل كقتنا اغبارل‪ ،‬خاصة مع الدكلة الفرنسية الٍب كانت كراء أغلب اغبمالت‬
‫الصليبية‪ ،‬فنشأت بينهما عالقات تارىبية متينة‪ ،‬عن طريق اؼبصاىرة الٍب ربطت بْب اْلمراء‬
‫كاؼبلوؾ اْلرمن كنظرائهم الفرنسيْب‪ .‬كلذلك مازاؿ اْلرمن يعلقوف آماَل كبّبة على فرنسا إذل يوما‬
‫ىذا‪ .‬كقد ساعدهتم خالؿ اغبرب العاؼبية اْلكذل‪ ،‬على ؿباكلة بعث دكلتهم من جديد ُب قيليقيا‪.‬‬
‫كىي اآلف من أكثر الدكؿ اْلكربية الٍب تتبُب قضيتهم كتضغط على تركيا لالعَباؼ دبذابح اْلرمن‬
‫ُب العهد العثماشل‪ .‬كدل يقتصر اْلمر على فرنسا بل تعدت ىذه العالقات إذل اؼبؤسسة البابوية‪،‬‬
‫حيث قاـ البابا بولص الثاشل بزيارة إذل صبهورية أرمينيا ُب عاـ ‪2001‬ـ‪ ،‬كبعد طبسة عشر عاما‪،‬‬
‫قاـ البابا فرنسيس بزيارة إذل أرمينيا ُب جواف ‪ ،2016‬كدعا إذل اَلرباد بْب اؼبسيحيْب‪ ،‬رغم أف‬
‫الكاثوليك َل يشكلوف إَل نسبة ضئيلة من آّتمع اْلرميِب‪.‬‬
‫كُب اػبتاـ‪ ،‬أرجو أف أكوف قد كفقت ُب ىذا البحث‪ ،‬كحسيب ؿباكلة اَلجتهاد‪ ،‬كَل‬
‫أعتقد أف نتائجو هنائية‪ ،‬كسيزيدىا اْلساتذة اؼبتخصصوف ربليال‪ ،‬كتصويبا‪ ،‬دبالحظاهتم كآرائهم‬
‫السديدة‪.‬‬
‫كا﵁ أسأؿ السداد كالتوفيق‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫املالسل‬
‫‪ – 1‬الوثائق‬
‫اؼبلحق اْلكؿ ‪ :‬رسالة اَلمرباطور يوحنا تزمسكس إذل آشوط الثالث ملك أرمينا‪.‬‬
‫بورجنديا‪(Guillaume 1er duc de Bourgogne).‬‬ ‫اؼبلحق الثاشل ‪ :‬رسالة البابا جرهبوار السابع إذل كيلياـ دكؽ‬
‫اؼبلحق الثالث ‪ :‬رسالة البابا جرهبوار السابع إذل كل اؼبسيحيْب‪.‬‬
‫اؼبلحق الرابع ‪ :‬رسالة البابا جرهبوار السابع إذل ىنرم الرابع ملك أؼبانيا‪.‬‬
‫اؼبلحق اػبامس ‪ :‬رسالة فّبكز اْلرميِب الزراد إذل بوىيموند‪.‬‬
‫اؼبلحق السادس ‪ :‬رسالة البابا كليمنت الثالث إذل رئيس الكنيسة اْلرمينية‬
‫اؼبلحق السابع ‪ :‬رسالة جثليق اْلرمن إذل السلطاف صالح الدين اْليويب‬
‫‪ – 2‬السالطين كاألمراء‪.‬‬
‫اؼبلحق الثامن ‪ :‬أمراء آؿ ركبْب ُب قيليقيا‬
‫اؼبلحق التاسع ‪ :‬سالطْب سالجقة الركـ‬
‫‪ – 3‬الخرائط‪.‬‬
‫اؼبلحق العاشر ‪ :‬خريطة أرمينيا الكربل‪.‬‬
‫اؼبلحق اغبادم عشر ‪ :‬توسع السالجقة حٌب سنة ‪1095‬ـ‬
‫اغبملة الصليبية اْلكذل‬ ‫اؼبلحق الثاشل عشر ‪:‬‬
‫أرمينيا الصغرل بْب ‪0108-0161‬ـ‪.‬‬ ‫اؼبلحق الثالث عشر ‪:‬‬
‫أرمينيا الصغرل عند كفاة اؼبلك ليوف اْلكؿ ‪0108‬ـ‪.‬‬ ‫اؼبلحق الرابع عشر ‪:‬‬
‫‪ – 4‬الصور‪.‬‬
‫اؼبلحق اػبامس عشر ‪ :‬قلعة فاىكو‬
‫اؼبلحق السادس عشر ‪ :‬عْب زرىب‬
‫اؼبلحق السابع عشر ‪ :‬مدينة سيس‬
‫‪ .1‬الوثائق‬
‫المالحؽ‬
‫الملحق األكؿ‬
‫رسالة االمبراطور يوحنا تزمسكس إلى آشوط الثالث ملك أرمينيا‬
‫"آسشود شاىنشاه أرمينيا الكربل‪ ،‬ابِب الركحي‪ ،‬إظبع كتعلم من اآليات الٍب أبدعها الرب من‬
‫أجلنا‪ ،‬كانتصاراتنا الٍب تنم عم إعجاز‪ ،‬كتظهر أنو من اؼبستحيل التكهن بالرأفة اإلؽبية‪ ،‬اؼبتمثلة‬
‫باْلكظبة الرفيعة من اآليات اؼبستمدة من إرثو ُب ىذه السنة‪ ،‬كبواسطة الرب أردنا ّٔذه اْلكظبة أف‬
‫كُب عباللتنا أنك ستبتهج ؼبا‬ ‫و‬
‫تزين ؾبدؾ‪ ،‬آه يا آسشود‪ ،‬يا بِب‪ ،‬تعلم كمسيحي كمؤمن كصديق ٌ‬
‫حققناه كستجمد عظمة السيد اؼبسيح كستعرؼ أف الرب ىو اغبامي الدائم للمسيحيْب‪ ،‬كأنو يسمح‬
‫ْلبانا ُب السماء أف يقطع دابر العبودية ُب الشرؽ الفارسي‪ ،‬كستعلم كيف جلبنا من نصيبْب‬
‫)‪ (Nisibe‬مدينة اؼبسلمْب ذخائر البطريرؾ القديس جاؾ )‪ ،(Jacques‬ككيف جعلناىم يدفعوا لنا‬
‫اعبزية الٍب فرضوىا علينا ُب السايق‪ ،‬ككيف حررنا اْلسرل منهم‪ ،‬ككاف من أىداؼ ضبلتنا‪ ،‬معاقبة‬
‫غطرسة ككربياء أمّب اؼبؤمنْب حاكم اْلفارقة اؼبسمى ماكّب العرب )‪ .(Maker Arabes‬كالذم‬
‫تقدـ كبونا جبيش كبّب‪ ،‬كقد شكل ُب البداية خطر على جيشنا‪ ،‬لكن قبحنا ُب ىزيبتهم بفضل قوتنا‬
‫اغبذرة‪ ،‬كلنصرة ا﵁ لنا‪ ،‬فاضطرت قواهتم إذل اَلنسحاب مهزكمة شأف كل أعدائنا‪ ،‬كسيطرنا بعد ذلك‬
‫على مناطق بالدىم الداخلية‪ ،‬بعد أف سفكنا دماء سكاهنا‪ ،‬كحبلوؿ فصل الشتاء انسحبنا بسرعة إذل‬
‫أراضينا لقضاء الشتاء فيها‪.‬‬
‫كُب بداية نيساف عززنا سالح الفرساف كجهزنا ضبلة‪ ،‬دخلنا ّٔا أراضي فنيقيا )‪(Pnenicie‬‬
‫[لبناف] كفلسطْب )‪ُ ،(Palestine‬ب أثر اْلفارقة اؼبالعْب الذين ىرعوا لنجدة الشاـ (سوريا)‪ ،‬كتركنا‬
‫أنطاكية بكامل جيشنا‪ ،‬كتقدمنا مباشرة عرب البالد الٍب كانت خاضعة لنا‪ ،‬كأعدنا سيطرتنا عليها‪،‬‬
‫كطبقنا فيها قوانيننا‪ ،‬كفرضنا على أىلها جزية كبّبة بعد أف أخذنا اْلسرل منهم‪ .‬كعندما كصلنا إذل‬
‫مدينة ضبص )‪ (Emesse‬قاـ سكاهنا الذين كانوا ُب السابق يدفعوف اعبزية لنا باستقبالنا خّب‬
‫استقباؿ‪ٍ .‬ب قصدنا مدينة بعلبك الٍب ربمل اسم ىيليوبوليس )‪ (Heliopolis‬أم مدينة الشمس‪،‬‬
‫كىي مدينة صبيلة‪ ،‬ضخمة‪ ،‬غنية كمليئة باؼبؤف‪ ،‬كقد خرج لنا سكاهنا بشكل عدكاشل متأىبْب للقتاؿ‬
‫فأجربهتم قواتنا على الفرار‪ ،‬كنكلت سيوفنا ُب رقأّم‪ٍ ،‬ب حاصرنا اؼبدينة‪ ،‬كقبضنا على عدد من‬
‫‪350‬‬
‫المالحؽ‬
‫اْلسرل‪ ،‬كاستحوذنا على كميات كبّبة من الذىب كالفضة‪ ،‬كعدد من اؼباشية‪ .‬كتابعنا سّبنا متجهْب‬
‫كبو مدينة دمشق الكبّبة كبنيتنا اغبصار‪ ،‬لكن حاكمها الذم كاف شيخا فطنا‪ ،‬أرسل إلينا كفدا ؿبمال‬
‫باؽبدايا الفيسة‪ ،‬ملتمسْب أف َل نأخذىم أسرل أك عبيدا‪ ،‬كسكاف بعلبك‪ ،‬كأف َل ندمر مدينتهم كما‬
‫حل بسابقيهم‪ ،‬فقدموا لنا اؽبدايا الفاخرة‪ ،‬كعددا من اػبيوؿ اْلصيلة‪ ،‬كبغاَل صبيلة كأسرجة مرصعة‬
‫بالذىب كالفضة‪ .‬كاعبزية الٍب دفعها العرب زادت على أربعْب ألف تايغاف )‪ (Tahegans‬من‬
‫الذىب كزعت عن طريقنا على جنودنا‪ .‬ككتب السكاف ا﵀ليْب رسالة لنا‪ ،‬يعدنا فيها بالبقاء ربت‬
‫طاعتنا جيال بعد جيل كإذل اْلبد‪ ،‬كأقمنا على حكم دمشق رجال قدـ من بغداد يدعى الَبكي ‪(Le‬‬
‫)‪ Turk‬كبرفقتو طبسمائة فارس‪ ،‬فقدـ كَلءه لنا ياعتناقو اؼبسيحية‪ ،‬ككاف على علم بسطوتنا فأقسم‬
‫ىو كفرسانو باَللتزاـ على دفع اعبزية بشكل مستمر‪ ،‬كىتفوا بآّد عباللتنا‪ ،‬كتعهدكا على ؿباربة‬
‫أعدائنا‪ ،‬كدبقتضى ىذه الشركط تركناىم كشأهنم‪ .‬كمن ىناؾ توجهنا كبو حبّبة طربيا‪ ،‬حيث قاـ سيدنا‬
‫اؼبسيح دبعجزتو مع ظبكتْب كطبس خبزات من الشعّب‪ ،‬فعزمنا على حصار اؼبدينة غّب أف سكاهنا‬
‫أعلنوا خضوعهم لنا‪ .‬كترتب عليهم مثلما فرض على سكاف دمشق‪ ،‬اؽبدايا الفاخرة‪ ،‬كمبلغ ثالثْب‬
‫ألف تايغاف‪ ،‬ناىيك عن اْلمور اْلخرل‪ ،‬كطالبونا أف ننصب قائدا منا عليهم‪ ،‬ككتبوا تعهدا يلتزموف‬
‫فيو بالبقاء ـبلصْب لنا مع دفع اعبزية إذل اْلبد‪ ،‬كعليو‪ ،‬تركناىم أحرارا‪ ،‬كأعتقناىم من اْلسر‪،‬‬
‫كالعبودية‪ ،‬كامتنعنا عن تدمّب مدينتهم‪ ،‬كزبريب أراضيهم‪ ،‬كأعفيناىم من دفع ضريبة استخداـ‬
‫الطرقات؛ ْلف مدهنم كانت موطن رسل السيد اؼبسيح‪ٍ ،‬ب توجهنا بعد ذلك إذل الناصرة اؼبدينة الٍب‬
‫تلقت فيها مرصل العذراء أـ الرب البشرم الطيبة من اؼبالؾ‪ .‬كقصدنا بعدىا إذل جبل طابور‬
‫)‪ ،(Thabor‬حيث اؼبكاف الذم ذبلى فيو سيدنا يسوع اؼبسيح‪ ،‬كخالؿ صعودنا‪ ،‬جاءنا أناس من‬
‫الرملة كالقدس‪ ،‬يتوسلوف إلينا كيلتمسوف الرضبة‪ ،‬كطالبوا بتنصيب شخص ليحصل اعبزية‪ ،‬كيفرض‬
‫سيطرتنا‪ ،‬فكاف ؽبم كل ما رغبوا بو‪ .‬ككانت رغبتنا ربرير قرب اؼبسيح من دنس اؼبسلمْب‪ .‬كقد عينا‬
‫عددا من اغبكاـ العسكريْب ُب كل الثيمات [اؼبقاطعات] لتحصيل اعبزية ُب بيساف الٍب كانت‬
‫تسمى الديكابوليس )‪/(Decapolis‬جنزاريت )‪ ،(Genesareth‬كعكا الٍب كانت تسمى‬
‫بتوليمام [بطلمية] )‪ ،(Ptolemis‬كتعهد السكاف خطيا بدفع جزية سنوية ثابتة‪ ،‬كالعيش ربت‬
‫‪351‬‬
‫المالحؽ‬
‫كنف سلطتنا‪ٍ .‬ب انطلقنا كبو قيصرية [قيسارية] الٍب تقع على ساحل اؼبتوسط‪ ،‬ككاف قد تقلص‬
‫حجمها‪ ،‬كلو أف ىؤَلء اؼبلعونْب اْلفارقة الذين بنوا فيها مساكنهم‪ ،‬دل يلجأكا إذل القالع الساحلية‪،‬‬
‫لكنا ذىبنا مسلحْب بنصرة الرب إذل اؼبدينة اؼبقدسة القدس‪ ،‬كَلستطعنا الصالة ُب تلك اْلماكن‬
‫اؼبقدسة‪ .‬كؼبا اهنزمت شعوب الساحل‪ ،‬قمنا بإخضاع القسم اْلعلى من البالد للهيمنة الركمانية‪،‬‬
‫كاستبدلنا حاكم اؼبنطقة‪ ،‬ككسبنا كد السكاف‪ ،‬لكن الذين أظهركا العصياف أجربناىم على اَلستسالـ‪.‬‬
‫ٍب تتيعنا الطريق الساحلي الذم يفضي خبط مستقيم إذل بّبت )‪ (Beryte‬كىي مدينة مشهورة‪،‬‬
‫ؿبصنة بأسوار منيعة‪ ،‬كربمل ىذه اْلياـ اسم بّبكت )‪ ،(Berouth‬كقد فرضنا سيطرتنا عليها بعد‬
‫قتاؿ شديد‪ ،‬كأسرنا ألفان من اْلفارقة‪ ،‬باإلضافة إذل نوصّبم )‪ (Nouceiry‬قائد أمّب اؼبؤمنْب‪ ،‬كعدد‬
‫آخر من الضباط ذكم الرتب العالية‪ ،‬كعهدنا ىذه اؼبدينة إذل حاكم من اختيارنا‪ ،‬كبعد ذلك تابعنا‬
‫السّب إذل صيدا‪ ،‬كعندما علم السكاف بنيتنا‪ ،‬أرسلوا مبعوثيهم إذل جاللتنا‪ ،‬يناشدكنو أف يدفعوا اعبزية‬
‫كيصبحوا عبيدا لنا لألبد‪ .‬ككفقا ؽبذه التعهدات استمعنا لتضرعاهتم‪ ،‬كحققنا إرادهتم‪ ،‬ففرضنا اعبزية‪،‬‬
‫كعْب عليهم اغبكاـ‪ ،‬كتابعنا السّب متجهْب كبو (جبيل) بيبلوس )‪ (Byblos‬كىي مدينة عريقة‬
‫كمنيعة‪ ،‬استولينا عليها عنوة‪ ،‬كأسرنا حاميتها‪ ،‬كبعدىا تابعنا احتالؿ كل اؼبدف الساحلية‪ ،‬كأخذنا‬
‫سكاهنا عبيدا‪ٍ ،‬ب سلكنا طريقا ضيقة دل يسلكها فرساف من قبل‪ ،‬فكانت شاقة كمتعبة‪ ،‬كصادفنا‬
‫مدنا آىلة بالسكاف‪ ،‬كحصونا ربميها أسوار قوية‪ ،‬كحاميات من العرب‪ ،‬فحاصرناىا‪ ،‬كدمرناىا صبيعا‬
‫كأخذنا سكاهنا أسرل‪ .‬كقبل الوصوؿ قبالة طرابلس أرسلنا خيالة [الثيمات] ثيماتسيس‬
‫)‪ (Thimatsis‬كداشكاماداتسيس )‪ (Daschkhamadatsis‬إذل فبر كاريرس )‪،(Kareres‬‬
‫ْلننا علمنا أف اْلفارقة اؼبالعْب كانوا قد سبركزكا ُب ىذا اؼبمر‪ ،‬فأمرتا قواتنا بالَببص كذبهيز كمْب قاتل‬
‫ؽبم‪ ،‬فنفذت أكامرنا غّب أف ألفْب من اْلفارقة اكتشفوا ذلك فانقضوا على قواتنا‪ ،‬كلكن سبكنا من قتل‬
‫عدد كبّب منهم كأسر عدد آخر اقتيدكا على مرأل منا‪ ،‬كاحتجزنا عددا من اْلسرل من كل حدب‬
‫كصوب‪ ،‬كهنبنا كل مقاطعة طرابلس‪ ،‬كخربنا صبيع مزارع الكرمة‪ ،‬كالزيتوف كالبساتْب‪ ،‬كنشرنا الدمار‬
‫كاػبراب ُب كل مكاف‪ ،‬كلكن اْلفارقة الذين سبركزكا‪ ،‬ذباسركا بالتقدـ كبونا فانقضضنا عليهم فجأة‪،‬‬
‫كسبكنا من إبادهتم صبيعا‪ ،‬كسبكنا من فرض سيادتنا على اؼبدينة الكبّبة دجوؿ )‪ (Djouel‬كتسمى‬
‫‪352‬‬
‫المالحؽ‬
‫أيضا جابوف )‪ (Gabaon‬كعلى بالشل )‪ (Balanee‬كصهيوف )‪ ،(Sehoun‬باإلضافة إذل مدينة‬
‫بورزك )‪ (Bourzo‬اؼبشهورة‪ ،‬كدل يعد حٌب الرملة كقيصرية َل حبر كَل أرض إَل كخضع لنا بقوة الرب‬
‫الذم َل ـبلوؽ سواه‪.‬‬
‫إف فتوحاتنا كصلت إذل بابل العظمى‪ ،‬كقد أملينا قوانيننا على السكاف‪ ،‬كجعلنا منهم عبيدان لنا‪،‬‬
‫كذلك ْلنو خالؿ طبسة أشهر جبنا البالد بقوات كثّبة‪ ،‬ندمر اؼبدف‪ ،‬كلبرب اؼبقاطعات‪ ،‬دكف أف يتجرأ‬
‫أمّب اؼبؤمنْب اػبركج من بابل ؼبواجهتنا‪ ،‬أك حٌب إرساؿ فرؽ اػبيالة لنجدة قواتو‪ ،‬كهبب أف تعرؼ يا‬
‫صاحب آّد أنو لوَل اغبرارة الشديدة‪ ،‬كالطرؽ اػبالية من اؼبياه ُب اْلماكن آّاكرة لتلك اؼبدينة‪،‬‬
‫َلستطعنا الوصوؿ إليها؛ ْلننا طاردنا ىذا اْلمّب حٌب مصر‪ ،‬كانتصرنا عليو بفضل ا﵁ الذم كىبنا تاجنا‪.‬‬
‫إف فينيقيا كفلسطْب كسوريا أيعتقت من طغياف اؼبسلمْب‪ ،‬كأخضعت للركماف‪ ،‬ككذلك اعببل‬
‫الكبّب ُب لبناف خضع غبكمنا‪ ،‬ككل العرب الذين احتللنا أراضيهم كقعوا أسرل بْب أيدينا بأعداد ىائلة‪،‬‬
‫ككزعناىم على فرساننا‪ .‬كقد حكمنا أشور بلطف كإنسانية‪ ،‬كرفق كجلبنا منها عشرين ألف شخص من‬
‫أجل بناء جابوف‪ ،‬ستعرؼ أف ا﵁ منح اؼبسيحيْب قباحا دل يبنحو أحد من قبل‪ ،‬كقد كجدنا ُب جابوف‬
‫نعل اؼبسيح اؼبقدس الذم مشى بو عندما نزؿ على اْلرض‪ ،‬ككذلك صورة اؼبخلص الٍب طعنت من قبل‬
‫اليهود‪ ،‬حيث ساؿ على أثرىا بعض من الدـ كاؼباء‪ ،‬لكننا دل قبد فيها موضعا للطعن‪ ،‬كما كجدنا ُب‬
‫ىذه اؼبدينة جديلة شعر اؼببشر يوحنا اؼبعمداف‪ ،‬كصبعنا بقايا القديسْب كضبلناىا لالحتفاظ ّٔا ُب مدينيتنا‬
‫ضباىا ا﵁‪ .‬كُب شهر أيلوؿ قدنا جيشنا الذم ضباه الرب دبقدرتو إذل إنطاكية‪ +‬لقد أردنا يا صاحب آّد‬
‫أف تعرؼ ىذه اْلعماؿ كي ندخل عليك اؼبسرة بعد قراءتك ىذه الرسالة‪ ،‬كلكي سبجد من جانبك‬
‫الرب‪ ،‬كحٌب تعرؼ مقدار اْلعماؿ اغبسنة الٍب أقبزت ُب ىذا الزمن‪ ،‬ككم كبن عظيموف‪ ،‬كأف سيطرة‬
‫الصليب اؼبقدس امتدت إذل صبيع اْلصقاع من ىذه اْلقطار‪ ،‬كأف اسم الرب العظيم يؾبد بركعة كجالؿ‬
‫ُب صبيع أكباء إمرباطوريٍب‪ .‬كىكذا فإف أفواىنا لن تتوقف عن ذكر اْلعماؿ اؼببجلة‪ ،‬كاَلنتصارات‬
‫‪1‬‬
‫العظيمة الٍب حدثت بفضل الرب‪ ،‬فليتبارؾ رب إسرائيل إذل اْلبد"‪.‬‬

‫‪ 1‬مٌب الرىاكم مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.60-50‬‬


‫‪353‬‬
‫المالحؽ‬
‫الملحق الثاني‬
‫رسالة البابا جريجوار السابع إلى كيلياـ دكؽ بورجنديا )‪(Guillaume 1er duc de Bourgogne‬‬

‫ملخص الرسالة‬

‫إلى كيلياـ كونت بورجنديا‬


‫ىذا اػبطاب موجو من البابا جرهبوار السابع (‪ ،)1085-1073‬إذل كيلياـ كونت‬
‫بورجنديا (‪ُ ،)1087-1057‬ب غريب فرنسا‪ ،‬كىو يعترب من أتباع اَلمرباطورية اْلؼبانية الٍب كانت‬
‫على عالقة جيدة مع البابوية‪ ،‬قبل اػبالؼ الذم كقع بْب اَلمرباطور ىنرم الرابع (‪-1054‬‬
‫‪ ،)1105‬كالسلطة الركحية اؼبسيحية ُب سنة ‪1076‬ـ‪.‬‬

‫يي ىذ ّْكر البابا ُب ىذه الرسالة الكونت كلياـ بأنو ملزـ بتنفيذ الوعود الٍب قطعها البابا السابق‬
‫اَلسكندر الثاشل )‪1073-1061( Alexandre II‬ـ))‪ ،‬أماـ قرب القديس بطرس‪ ،‬كحبضور‬
‫اْلساقفة‪ ،‬كرؤساء اْلديرة كيطلب منو إعداد قوة عسكرية‪ ،‬كإذا لزـ اْلمر يأٌب معها الكونت‪ ،‬ليكوف‬
‫ُب خدمة الرب‪ ،‬كالدفاع عن فبتلكات الكنيسة الٍب تتعرض لتهديدات النورماف‪ ،‬كينصحو باغبذر حٌب‬
‫َل تراؽ دماء اؼبسيحيْب‪ ،‬كىو ينتظر بفارغ الصرب كصوؿ ىذه القوة‪ .‬كبعد استسالـ النورماف‪ ،‬يأمل‬
‫البابا بأف يتوجو ىذا اعبيش مع صبيع اؼبؤمنْب الذين توحدكا بفضل اإليباف‪ ،‬إذل القسطنطينية إلنقاذ‬
‫اؼبسيحيْب الذين أصبحوا بعد ضعفهم‪ ،‬يتعرضوف باستمرار للدغات اؼبسلمْب‪( ،‬يسميهم‬
‫‪1‬‬
‫(‪ Saraceni‬أم ‪.)Sarrasins‬‬
‫‪AD GUILIELMUM COMITEM BURGUNDIÆ.‬‬
‫)‪(Anno 1074‬‬
‫‪Monet ut una quibusdam aliis principibus (prout promissrat) Ecclesiœ‬‬
‫‪auxilio veniat, ut, pacatis Normannis, auxilium Constantinopolitanis ferre possit.‬‬
‫‪GREGORIUS episcopus, servus servorum Dei, GUILIELMO Burgundionum‬‬
‫‪comiti salutem et apostolicam benedictionem.‬‬

‫‪ 1‬أقبز ىذا اؼبلخص بالتعاكف مع د‪ .‬دريس سليم الذم يتقن اللغة الالتينية‪ ،‬كىو أستاذ ُب قسم اآلثار‪ ،‬جبامعة اعبزائر ‪.-2-‬‬
‫‪354‬‬
‫المالحؽ‬
Meœinisse vale prudentia vestra quam larga affluentia dilectionis Romana
Ecclesia valentiam vestram jamdudum recepit, et quam speciali charitate
vestram familiaritatem dilexit. Neque enim se condecet oblivisci promissionis
qua Deo se, ante corpus apostolorum principis Petri, præsente venerabili
antecessore nostro Alexandro papa, et episcopis, abbatibus plurimis, atque
diversarum gentium multitudine quarum non est numerus, obligavit ut,
quacunque hora necesse fuisset, vestra manus ad dimicandum pro defensione
rerum sancti Petri non deeset, si quidem requisita fuisset. Unde, memores
nobilitatis vestræ fidei, rogamus et admonemus strenuitatis vestræ prudentiam
quatenus præparetis vestræ militiæ fortitudinem ad succrrendum Romanæ
Ecclesiæ, libertati scilicet [forte et] si necesse fuerit, veniatis huc cum exercitu
vestro in servitio sancti Petri : et hoc idem rogamus vos monere comitem sancti
Ægidii, et socerums Riccardi Capuani principis et Amedeum filium Adelettæ
[Adelictæ], cæterosque quos cognoscitis sancti Petri esse fideles, et qui similiter
manibus ad cœlum extensis promisere. Si quid vero certæ responsiionis
prudenetiæ vestræ nobis placet remittere, per eum nuntium nobis mandate, qui
modis omnibus nos reddat indubios, et idem vester nuntius veniat per
comitissam Beatricem, quæ cum filia et genero in hoc negotio laborare procuret.
Hanc autem militum multitudinem non ideo coacervare curamus, ut ad
effusionem sanguinis Christianorum intendamus, sed ut ipsi videntes
expeditionem, dum confligere timuerint, facilius subdantur justitiæ. Speramus
etiam quod forsitan alia inde utiliatas oriatur, scilicet ut, pacatis Normannis,
transeamus Constantinopolim in adjutorium Christianorum; qui nimium afflicti
creberrimis morsibus Saracenorum, inhianter flagitant, ut sibi manum vestri [f.,
nostri, et sic in Mutin.] auxilii porrigamus. Nam contra eos Normannos qui
nobis rebelles sunt, satis sufficiunt milites isti qui nobiscum sunt. Certus enim
esto quoniam te, et omnes qui tecum in hac expeditione fuerint fatigati, duplici,
imo multiplici remuneratione, ut credimus, Petrus et Paulus principes
apostolorum donabunt.
Data Roma IV Nonas Ferruarii, indictione duodecima.1

1
Migne Jacques-Paul : S. Gregorii VII Romani Pontificis Epistolae et Diplomata pontificia,
tomus unicus, Apud Garnier Fratres Editores et J-P successores, Paris, 1878. Col. 325-326.
355
‫المالحؽ‬
‫الملحق الثالث‬

‫رسالة البابا جريجوار السابع إلى كل المسيحيين‬


‫كما ىو كاضح من عنواف الرسالة ‪" :‬إذل كل اؼبسيحيْب"‪ ،‬أهنا غّب موجهة إذل جهة معينو‪ ،‬بل‬
‫يريد البابا من خالؽبا لفت انتباه اؼبسيحيْب إذل أكضاع إخواهنم ُب الشرؽ اؼبسيحي‪ .‬حيث ربدث‬
‫فيها عن سفّب جاءه من كراء البحار‪ ،‬للصالة عند قبور الرسل‪ ،‬كقدـ لو معلومات عن الكارثة الٍب‬
‫بات اؼبسيحيوف يعيشوهنا ُب الشرؽ‪ .‬كجاءت ىذه الرسالة بعد كصوؿ اعبثليق جّبجوار الثاشل‬
‫فيكاياسر إذل ركما‪ ،‬كلذلك‪ ،‬يرجح بأف اؼببعوث الذم يتحدث عنو البابا ىو رئيس الكنيسة اْلرمينية‪.‬‬
‫كاؼبالحظ‪ ،‬أنو يسمي اْلتراؾ السالجقة اؼبسلمْب‪ ،‬بالوثنيْب (‪ ،)gentem‬كىي الصفة الٍب أطلقتها‬
‫معظم اؼبصادر اؼبسيحية على اْلتراؾ‪ .‬إذ يقوؿ ‪ :‬بأف آَلؼ اؼبسيحيْب ذىبوا ضحية توسعاهتم‪ ،‬كأهنم‬
‫كصلوا إذل أسوار القسطنطينية‪ .‬كُب ىذا الصدد‪ ،‬إذا كاف اؼبسيح قد ضحى حبياتو من أجلنا‪ ،‬فال بد‬
‫أف نضحي حبياتنا إلنقاذ اؼبسيحيْب من الشقاء‪ ،‬كالتعاسة الٍب كقعوا فيها‪ .‬كهبب علينا أخذ التدابّب‬
‫كاَلستعدادات الالزمة لتقدصل اؼبساعدة لألمة اؼبسيحية‪ .‬كيوجو خطابو للمسيحيْب قائال ‪ :‬هبب أف‬
‫تتحملوا اْلعماؿ الصعبة‪ ،‬كالقاسية‪ ،‬ؼبساعدة إخوانكم‪ ،‬مهما كاف القرار اؼبتخذ ُب ىذا الشأف‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫كسنعلن بدكف تأخّب عن تنفيذ مهمات خاصة‪.‬‬
‫‪AD OMNES CHRISTIANOS.‬‬
‫)‪(Anno 1074.‬‬
‫‪Monet ut Constantinopolitanis opem ferant, qui a Saracenis multis‬‬
‫‪calamitatibus afficiebantur.‬‬
‫‪GREGORIUS episcopus, servus servorum Dei, omnibus Christianam fidem‬‬
‫‪defendere volentibus salutem et apostolicam benedictionem.‬‬
‫‪Notu; vobis esse volu; usm hunc virum præsentium portitorem, dum de‬‬
‫‪ultramarinis nuper reverteretur partibus, apostolorum limina et nostram‬‬
‫‪præsentiam visitasse. A quo, sicut a plerisque aliis, cognovimus gentem‬‬
‫‪paganorum contra Christianum fortiter invaluisse imperium, et miseranda‬‬

‫‪ 1‬أقبز ىذا اؼبلخص بالتعاكف مع د‪ .‬دريس سليم الذم يتقن اللغة الالتينية‪ ،‬كىو أستاذ ُب قسم اآلثار‪ ،‬جبامعة اعبزائر ‪.-2-‬‬
‫‪356‬‬
‫المالحؽ‬
crudelitate jam fere uque ad muros Constantinopolitanæ civitatis omnia
devastasse et tyrannica violentia occupasse, et multa millia Christianorum quasi
pecudes occidisse. Qua de re, si Deum diligimus, et Christianos nos esse
cognoscimus, pro miseranda fortuna tanti imperii et tanta Christianorum clade
nobis valde dolendum est : et non solum dolere super hac re debitæ sollicitudini
nostræ sufficit, sed animas pro liberatione fratrum ponere, exemplum
Redemptoris nostri, et debitum fraternæ charitatis a nobis exigit : quia, sicut ipse
pro nobis animam suam posuit, et nos debemus pro fratribus nostris animas
ponere. Scitote igitur nos, in misericordia Dei et in potentia virtutis ejus
confisos, omnibus modis id agere atque parare ut adjutorium Christiano imperio
quam citius, Deo juvante, faciamus. Unde vos per fidem, in qua per Christum in
adoptionem filiorum Dei uniti estis, obsecramus, et auctoritate beati Petri
apostolorum principis admonemus, ut et vos vulnera et sanguis fratrum, et
periculum præfati imperii digna compassione moveat, et vestra virtus pro Christi
nomine non invitam fatigationem ad ferenda fratribus auxilia subeat. Quidquid
autem super hac re divina pietas vestris animis indiderit, sine mora certis
legationibus nobis renuntiare studete.
Data Romæ Kal. Martii, indictione duodecima.1

1
Migne Jacques-Paul : op. cit., Col. 329.

357
‫المالحؽ‬
‫الملحق الرابع‬

‫رسالة البابا جريجوار السابع إلى ىنرم الرابع ملك ألمانيا‬


‫(‪ ،))1105-1054‬ملك أؼبانيا‪ ،‬كىي‬ ‫)‪Henri IV‬‬ ‫ىذه الرسالة‪ ،‬موجهة إذل ىنرم الثالث‬
‫ربمل رقم ‪ ،31‬جاءت بعنواف "إذل نفس الشخص"‪ْ )Ad eumdem( ،‬لف الرسالة الٍب سبقتها ُب‬
‫الَبتيب‪ ،‬الٍب ربمل رقم ‪ ،30‬عنواهنا إذل اؼبلك ىنرم (‪.)Ad Henricum Regem Romanorum‬‬
‫ربدث البابا فيها عن "كارثة حدثت ُب الشرؽ"‪ ،‬كيقصد ّٔا اهنزاـ اَلمرباطورية البيزنطية أماـ اْلتراؾ‬
‫السالجقة ُب معركة منازكرد ُب سنة ‪1071‬ـ‪ .‬كأخربه بأف سفارة كصلت إذل ركما من مسيحيي ما‬
‫كراء البحر‪ ،‬طلبت منو تقدصل اؼبساعدة من اؼبسيحيْب ُب أكربا إلخواهنم ُب الشرؽ‪ .‬كيقوؿ فيها إنو‬
‫مستعد ليقود بنفسو جيشا يتكوف من طبسْب ألف جندم من مسيحيي الغرب‪ ،‬ليصل ّٔم إذل‬
‫كنيسة القيامة‪ .‬كيشّب فيها إذل اختالؼ كجهات النظر بْب اؼبسيحيْب ُب مسائل دينية‪ ،‬كردبا يشّب‬
‫بذلك إذل ضركرة عودة الكنيسة البيزنطية إذل أحضاف الكنيسة الكاثوليكية الٍب يسموهنا بػ "الكنيسة‬
‫اعبامعة"‪ ،‬كفبا جاء ُب ىذا اإلطار قولو ‪" :‬أنا مصمم على القياـ ّٔذه اؼبهمة أكثر من كنيسة‬
‫القسطنطينية الٍب ؽبا كجهة نظر زبتلف عن نظرتنا للركح القدس‪ ،‬كىي ُب انتظار اَلتفاؽ مع الكرسي‬
‫الرسورل‪ ،‬كعالكة على ذلك فإف كل اْلرمن تقريبا اكبرفوا عن اإليباف الكاثوليكي‪ ،‬كأف القسم اْلكرب‬
‫من اؼبسيحيْب الشرقيْب ينتظركف أف يركا إيباف القديس بطرس‪ ،‬الذم ىبتلف عنهم‪ ،‬يدخل بْب‬
‫معتقداهتم"‪ .‬كفبا َلشك فيو أف ىذا اَلىتماـ دبسيحيي الشرؽ‪ ،‬يعود إذل التأثّب الذم تركو اعبثليق‬
‫‪1‬‬
‫جرهبور الثاشل فيكاياسر‪ ،‬على رئيس الكنيسة الكاثوليكية‪.‬‬
‫‪AD EUMDEM.‬‬
‫)‪(Anno 1074.‬‬
‫‪Summum in eum amorem testatur. Rogat ut avertat aures ab his qui‬‬
‫‪discordiam inter se et illum seminant. Recenset Christianorum calamitates, qui‬‬
‫‪in transmarinis partibus a paganis vexabantur : ad quos sublevandos se‬‬

‫‪ 1‬أقبز ىذا اؼبلخص بالتعاكف مع د‪ .‬دريس سليم الذم يتقن اللغة الالتينية‪ ،‬كىو أستاذ ُب قسم اآلثار‪ ،‬جبامعة اعبزائر ‪.-2-‬‬
‫‪358‬‬
‫المالحؽ‬
Christianos omnes provocasse, seque paratum esse affirmat : tu mea causa eo
contendere, tum ut orientalis Ecclesiœ cum Romana unio fieret.
GREGORIUS episcopus, servus servorum Dei, HENRICO glorioso regim
salutem et apostolicam benedictionem.
Si Deus modo aliquo suæ pietatis concederet ut mens mea tibi pateret,
indubitanter scio, sua largiente gratia, nullus te a mea dilectione posset separare.
Attamen de illius confido misericordia, quia quandoque clarebit, quod te sincera
charitate diligam. Ad hoc enim me commune præceptum omnium Christianorum
dirigit, ad hoc etiam imperaratoria majestas, et apostolicæ sedis mansueta
potestas impellit; quia si te, ut oportet, non diligo in vanum de misericordia Dei,
meritis beati Petri confido. Sed quia die nocteque in vinea Domini laborare, per
multa pericula etiam usque ad mortem desidero, non solum tibi, quem Deus in
summo culmine rerum posuit, per quem multi possunt aut a recto tramite
aberrare, aut Christianam religionem observare, sed etiam minimo Christiano,
adjuvante Deo, semper studebo sanctam et condignam charitatem custotire. Hac
enim sine veste regales nuptias adire qui tentaverit, dedecus immane sustinebit.
Heu,proh dolor ! hæc vigilanti animo non attendunt, qui discordiam seminare
inter nos quotidie disponunt, ut his retibus diabolico instinctu præparatis sua
possint captare commada, sua palliare vitia, quibus iram Dei et gladium sancti
Petri contra se insana mente provocant. Moneo itaque te, et hortor, charissime
fili, ab hi saures tuas averte, et eis auditum indubitanter præbe, qui non sua, sed
quæ sunt Jesu Christi quærunt (I Cor. XIII), neque honorem suum vel lucrum
justitiæ præponunt, ut eorum consilio hujus vitæ gloriam non amittas, sed eam
quæ est in Christo Jesu fiducialiter acquiras. Præterea indico tuæ magnitudini,
quia Christiani, ex partibus ultra marinis, quorum maxima pars a paganis
inaudita clade destruitur, et more pecudum quotidie occiditur, gensque
Christiana ad nihilum redigitur, ad me humiliter miserunt, nimia compulsi
miseria implorantes, ut modis quibus possem eisdem fratribus nostris
succurrerem, ne Christiana religio nostris temporibus, quod absit, omnino
deperiret. Ego autem nimio dolore tactus, et usque ad mortis desiderium ductus,
magis enim vellem prohis animan meam ponere quam eos negligens universo
orbi ad libitum carnis imperare, procuravi Christianos quosque ad hoc
provocare, ad hoc impellere, ut appetant, defendendo legem Christ, animam
suam pro fratribus ponere (Joan.X) et nobilitatem filiorum Dei luce clarius
ostentare. Quam admonitionem Italici et ultramontani, Deo inspirante, ut reor,
imo etiam omnino affirmo, libenter acceperunt, et jam ultra quinquaginta millia
ad hoc se præparant, ut si me possunt in expeditione pro duce ac pontifice

361
‫المالحؽ‬
habere, armata manu contra inimicos Dei volunt insurgere, et usque ad
sepulcrum Domini, ipso ducente, pervenire. Illud etiam me ad hoc opus
permaxime instigat, quod Constantinopolitana Ecclesia de sancto Spiritu a nobis
dissidens, concordiam apostolicæ sedis exspectat [expetat] Armeni etiam fere
omnes a catholica fide aberrant, et pene universi orientales præstolantur quid
fides apostoli Petri inter diversas opiniones eorum decernat. Instat enim nostro
tempore ut impleatur quod pius Redemptor speciali gratia dignatus est
apostolorum principi indicare ac præcipere dicens : Ego pro te rogavi, Petre, ut
non deficiat fides tua, et tu aliquando conversus confirma fratres tuos (Luc.
XXII). Et quia patres nostri, quorum vestigia licet indigni sequi optamus, partes
illas pro fide catholica confirmanda sæpe adierunt, nos etiam adjuti precibus
omnium Christianorum, si Christo duce via patuerit, quia non est via hominis in
manu ejus, et a Domino gressus hominis diriguntur (Psal. XXXVI), illuc transire
pro eadem fide et Christianorum defensione compellimur. Sed quia magna res
magno indigent consilio et magnorum auxilio, si hoc Deus me permiserit
incipere, a te quæro consilium et, ut tibi placet, auxilium, quia si illuc favente
Deo ivero, post Deum tibi Romanam Ecclesiam relinquo, ut eam et sicut
sanctam matrem custodias, et ejus honorem defendas. Quid tibi super his
placeat, et quid prudentia tua divintus aspirata decernat, mihi quantocius potes
remittas. Nam si de te plusquam plurimi putent non sperarem, verba hæc frustra
proferrem. Sed quia forsan non est homo, cui de sinceritate dilectionis maæ
adhuc indubitanter credas, Spiritui sancto, qui omnia potest, commito ut menti
tuæ suo more indicet quid tibi cupiam, quantumve te diligam : et eodem modo
circa me tuam mentem componat, ut impiorum desiderium depereat et bonorum
accrescat. Hæc enim duo desideria circa nos duos, licet diverso modo,
incessanter invigilant, et secundum voluntatem eorum, a quo prodeunt,
decertant. Omnipotens Deus, a quo cuncta bona procedunt, meritis et auctoritate
beatorum apostolorum Petri et Pauli, a cunctis peccatis te absolvat, et per viam
mandatorum suorum incedere faciat, atque ad vitam mandatorum suorum
incedere faciat, atque ad vitam æternam perducat.
Data Romæ septimo Idus Decembris, indictione decima tertia.1

1
Migne Jacques-Paul : op. cit., Col. 385-387.

360
‫المالحؽ‬
‫الملحق الخامس‬

‫رسالة فيركز األرميني الزراد إلى بوىيموند‬

‫«اعلم يا أحسن الرجاؿ‪ ،‬كيا من ىو أغلى علي من اغبياة ذاهتا‪ ،‬أنِب قد أحببتك حبا خالصا‬
‫منذ اللحظة الٍب شاءت فيها إرادة ا﵁ أف تقوـ بيننا ىذه الرابطة من الصداقة اؼبتبادلة‪ ،‬كدعِب اذكرؾ‬
‫أكثر من ىذا أنِب كجدت ُب كلماتك صادؽ العزـ الذم َل يتوفر إَل ُب الرجل الصاحل‪ ،‬كمن ٍب فإف‬
‫حبك أخذ يزداد رسوخا ُب فؤادم يوما بعد يوـ كيعظم قدرؾ عندم‪ .‬أما عن اْلمر الذم كثر‬
‫تذكّبؾ رل بو فقد أمعنت فيو النظر مليا‪ ،‬كعنْب ببحثو مرارا‪ ،‬كقلبتو على شٌب جوانبو‪ ،‬فأيقنت يقينا‬
‫جازما أنِب إذا استطعت أف أعيد بلدم إذل حريتو السالفة‪ ،‬كطردت ىذه الكالب القذرة الٍب تعاشل‬
‫ربكمها فينا‪ ،‬كأحللت بدَل منها شعبا يعبد ا﵁‪ ،‬فلن يضيع أجرم يوـ اغبساب‪ ،‬كسوؼ أنعم‬
‫بصحبة القديسْب اؼبباركْب إذل اْلبد‪.‬‬
‫كمن ناحية أخرل‪ ،‬فلو قمت أنا ّٔذه اؼبهمة الشاقة اػبطرة‪ ،‬كدل يكتب رل النجاح فيها‪ ،‬فلن‬
‫يشك أحد ُب أف سيكوف ذلك هناية بيٍب كاهنيار ظبعة عشّبٌب الطيبة سباـ اَلهنيار‪ ،‬كلن هبرم على‬
‫اللساف اظبنا أبدا‪ ،‬غّب أف اْلمل ُب النصر َل يزاؿ يراكد النفس ُب القياـ ّٔذه اؼبخاطرة‪ ،‬كمع ذلك‬
‫فإنِب مستعد للنهوض ّٔذا العمل إف كافق رفاقك على أف تؤكؿ إليك أنت كحدؾ دكف سواؾ ىذه‬
‫اؼبدينة حْب استسالمها بفضل جهودم القوية‪ ،‬كبعوف الرب الذم ربط بيننا برباط الصداقة الوثيق‪،‬‬
‫كسأقوـ باؼبهمة مهما كانت صعوبتها‪ ،‬كسيكوف قيامي ّٔا بسبب حيب لصغارم الذين أرجو ؽبم كلك‬
‫كل اػبّب‪.‬‬
‫كسأسلم إليك من غّب عائق ىذا الربج الشديد اغبصانة‪ ،‬الذم تعرؼ أنو ُب حوزٌب‪ ،‬كحينذاؾ‬
‫تستطيع أنت كمن معك دخوؿ اؼبدينة آمنْب ساؼبْب‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫المالحؽ‬
‫أما إف رأيت أنكم صبيعا متساككف فيما بينكم كرأيت أنت أف تقسم كإياىم اؼبدينة حْب‬
‫تؤخذ على ىذه الصورة فإنِب لن أزج بنفسي ُب ىذا اؼبأزؽ اػبطّب‪ ،‬كمن أجل خاطر قوـ ليس رل‬
‫ىول فيهم‪.‬‬
‫كإنو ليتحتم عليك –من أجل الصاحل العاـ كسالمة اعبميع‪ -‬أف تبذؿ قصارل جهدؾ‬
‫للحصوؿ على ىذه اؼبوافقة من القادة اؼبرتبطْب بك‪ ،‬ككن كاثقا كل الثقة أنِب حاؼبا أتسلم منك اػبرب‬
‫اليقْب بأنكم كفيتم ّٔذا العهد‪ ،‬فلن أتواسل ُب فتح باب اؼبدينة لكم لتدخلوىا‪ .‬كىذه ىي الغاية الٍب‬
‫تلح علي من أجلها‪.‬‬
‫كازيدؾ علما بأنك إف دل تتحرؾ بأسرع ما يبكن‪ ،‬فلن تدخلوىا بعد ذلك أبد‪ْ ،‬لف حكم‬
‫ىذه اؼبدينة تصلو الرسائل‪ ،‬كتتواذل عليو الكتب كل يوـ‪ ،‬مشّبة إذل اَلمدادات الٍب تتجمع من كافة‬
‫أرجاء الشرؽ ؼبساعدتو قد عسكرت حوؿ هنر الفرات‪ُ ،‬ب قوة بلغت مائٍب ألف فارس‪ ،‬فإذا كجدتكم‬
‫ىذه اعبيوش َل زلتم خارج اؼبدينة فلن تكونوا قادرين بعد ذلك أبدا على مقاكمة قوة اْلىارل كجيوش‬
‫‪1‬‬
‫حلفائهم القادمة‪».‬‬

‫‪ 1‬كليم الصورم ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.337-336‬‬


‫‪362‬‬
‫المالحؽ‬
‫الملحق السادس‬

‫رسالة البابا كليمنت الثالث إلى رئيس الكنيسة األرمينية‬


‫(‪ ،))0080-0076‬إذل جثليق‬ ‫(‪Clément III‬‬ ‫الرسالة الٍب أرسلها البابا كليمنت الثالث‬
‫اْلرمن جرهبوار الرابع‪ ،‬كالرسالة اْلصلية اؼبكتوبة باللغة الالتينية غّب موجودة ُب اؼبصادر‪ ،‬كقد كصلت‬
‫إلينا مَبصبة إذل اللغة اْلرمينية عن طريق نرسيس اللمربكشل (‪،))1198-1153( Nersès de Lampron‬‬
‫مطراف مدينة طرسوس‪ ،‬كمن اللغة اْلرمينية‪ ،‬ترصبت حديثا إذل اللغة الفرنسية‪.‬‬

‫ُب ىذه الرسالة وبث البابا نظّبه اْلرميِب على تقدصل اؼبساعدة إذل رجاؿ اغبملة الصليبية‬
‫الثالثة َلستعادة بيت اؼبقدس كانتزاعها من أيدم اؼبسلمْب‪ .‬كيذكره ُب البداية بأف اؼبسيحي اغبقيقي َل‬
‫يستطيع الصرب على اآلَلـ الٍب يعاشل منها صبيع اؼبسيحيْب بعد سقوط فبلكة بيت اؼبقدس‪ ،‬كيذكره‬
‫بأف بالده قريبة من البقاع اؼبقدسة اؼبسيحية كبذلك فهو أكثر إحساسا من اآلخرين ّٔذه اآلَلـ‪.‬‬
‫كيقوؿ لو ُب الفقرة الثالثة من الرسالة‪ ،‬بأف الرب عهد إليك شعبا جاىال‪ ،‬ككضعك مثل ضوء كسط‬
‫ىذه البالد لتنّب ؽبم! كيطلب منو أف يتحرؾ حبماس حٌب تستعد شعوب أرمينيا كلها (لتحرير) البقاع‬
‫اؼبقدسة‪ ،‬إما بتقدصل اْلسلحة‪ ،‬أك باْلمواؿ‪ ،‬أك باَلنضماـ إذل الفرؽ العسكرية القادمة من الغرب‬
‫لتحقيق اَلنتصار ُب اؼبعركة كإنقاذ (مّباث الرب)‪ ،‬كىي فرصة ليتوب صبيع من أخطأ كيكفر عن‬
‫ذنوبو باؼبشاركة ُب معركة (ربرير بيت اؼبقدس)‪.‬‬

‫كىذا نص الرسالة ‪:‬‬


‫‪Clément, évêque, serviteur des serviteurs de Dieu, à notre vénérable frère‬‬
‫!‪Grégoire, Catholicos de toute l'Arménie, salut et bénédiction apostolique‬‬
‫‪L'épreuve que, de nos jours, les pays d'Orient viennent de subir par la‬‬
‫‪volonté juste de Dieu, a d'autant plus affligé ton cœur, nous en sommes‬‬
‫‪persuadé, que tu es plus près des pays qui ont été éprouvés et que tu as pu être‬‬
‫‪témoin des tortures et des peines qu'on leur fait endurer. Car toi qui, par la‬‬
‫‪miséricorde de Dieu, es le chef de la foi catholique, tu ne peux supporter ces‬‬
‫‪choses et tu sens les sanglots te gonfler le cœur et les larmes te venir aux yeux, à‬‬
‫‪la vue de l'opprobre des Chrétiens. Qui même, parmi ceux qui ont le nom de‬‬
‫‪363‬‬
‫المالحؽ‬
Chrétiens et qui sont véritablement chrétiens, peut supporter de voir la Sainte-
Terre humiliée à ce point, telle que nous la voyons aujourd'hui, souillée par les
plus infâmes et les plus honteuses abominations? Qui pourrait voir sans frémir le
Saint Sacrement regardé comme une vile ordure et jeté sous les pieds, les fidèles
de Jésus-Christ massacrés, exterminés par le glaive des musulmans. Toutes
choses dont nous ne pouvons parler ici sans éprouver une profonde tristesse au
fond de notre cœur …
Oh! Ce furent des jours terribles que ceux pendant lesquels la terre de
Jérusalem fut perdue, les fidèles massacrés et le Saint Sacrement foulé aux
pieds. Les malheurs prédits par les prophètes se sont accomplis de nos jours : "O
Dieu! Les Infidèles sont entrés dans ton héritage et ils ont souillé ton saint
Temple!" Or, tout cela nous est connu et vous le voyez de vos yeux, car votre
province est voisine de ce pays. Nous aussi, nous avons eu hâte de l'annoncer
aux fidèles qui se sont préparés hardiment et accourent à l'aide de ce malheureux
pays. Ils arrivent en personne, en biens, et en armes, pour s'exposer à tous les
périls par amour pour Celui qui naquit en cette terre sainte et souffrit tant
d'ignominies, et qui à la fin nous obtint le pardon de nos péchés sur l'instrument
de honte, sur la croix, et nous délivra de la mort éternelle. Nous espérons qu'en
voulant nous punir, il voudra nous corriger et nous consoler; et c'est par là que
les siens sont reconnus, ceux qui font voir sur eux les mépris de Jésus-Christ.
Nous espérons aussi que sa colère contre son peuple n'est pas implacable, car au
plus fort de son indignation il appelle sa miséricorde et il fait retourner plein de
joie celui qui s'en vient en pleurant.
Que Dieu t'épargne, toi, à qui il a confié un peuple ignorant, en te plaçant
comme une lumière au milieu de ce pays afin que tu les éclaires! Observe ce
douloureux et terrible évènement et viens-lui en aide chaque jour par ton
énergie; réconforte le peuple qui t'a été confié, afin qu'en te voyant zélé, tous les
peuples de l'Arménie qui sont placés sous ta tutelle se préparent à la délivrance
des Lieux-saints, soit par l'aide de leurs armes, soit par des dons sur leurs biens,
soit par l'appui de leurs personnes, pour vaincre et abaisser les fiers dans des
batailles. A cette participation à la guerre de tes hommes, viendront s'adjoindre
les troupes de l'Occident, par la grâce de Dieu, afin que l'héritage de Dieu soit
sauvé ...
Nous qui sommes le vicaire de Jésus-Christ et qui avons le pouvoir de
remettre les péchés à tous ceux qui font de bonnes œuvres, nous croyons que
c'est Dieu qui fournit l'occasion à tous les Chrétiens de faire pénitence pour leurs
péchés. Aussi pour ceux qui s'exposent à ces tribulations ou qui offrent leurs

364
‫المالحؽ‬
biens pour cela, nous espérons en la miséricorde de Dieu et en les grâces des
Saints Apôtres Pierre et Paul, que s'ils meurent dans cette guerre ou s'ils y
survivent, comme ils auront accompli leur devoir, ils reçoivent la rémission de
tous leurs péchés qu'ils auront confessés. Et que ceux qui viennent soit de votre
province, soit d'autres pays, au secours de la Terre-Sainte reçoivent la rémission
de leurs péchés selon la générosité de cœur que Dieu leur aura donnée et selon la
valeur de leur offre.
Veille à cela, cher Frère, selon la lumière que la miséricorde de Dieu
t'aura dispensée, afin que toi-même et tout le peuple d'Orient gouverné par toi,
vous soyez zélés pour la délivrance des Saints-Lieux. Et 2cris-moi aussitôt le
résultat que cette œuvre aura obtenu par tes efforts et par la grâce de Dieu. Sache
aussi que, bien que tu sois loin de nos yeux corporels, nous te voyons toujours
par nos yeux spirituels et nous t'embrassons de tout notre cœur et en toute
1
affection et nous faisons de bonne grâce tout ce que tu nous demandes.

1
Alishan Leonce M. : Léon le magnifique, p. 163-164.

365
‫المالحؽ‬
‫الملحق السابع‬
‫رسالة جثليق األرمن إلى السلطاف صالح الدين األيوبي‬
‫بعد موت اَلمرباطور اْلؼباشل فردريك بربركسا كىو يستعد للدخوؿ إذل أرمينيا الصغرل‪ ،‬أرسل‬
‫جثليق اْلرمن رسالة إذل صالح الدين اْليويب‪ .‬كقد أكرد ىذه الرسالة ّٔاء الدين بن شداد‪ ،‬قاضي‬
‫العسكر ُب عهد صالح الدين‪ ،‬ككاف مرافقا لو ُب كثّب من حركبو‪ ،‬كمالزما لو ُب ؾبالسو‪ ،‬كىو أيضا‬
‫كاتب تارىبو كسّبتو‪.‬‬
‫صورة كتاب الكاغيكوس األرمني‬
‫كلقد كصل إذل السلطاف –رضبو ا﵁‪ -‬كتاب من الكاغيكوس كىو مقدـ اْلرمن‪ ،‬كىو‬
‫صاحب قلعة الركـ الٍب على طرؼ الفرات‪.‬‬
‫ىذه ترصبتو ‪:‬‬
‫كتاب الداعي اؼبخلص الكاغيكوس ‪« :‬فبا أطالع بو علوـ موَلنا كمالكنا السلطاف‬
‫الناصر جامع كلمة اإليباف‪ ،‬رافع علم العدؿ كاإلحساف‪ ،‬صالح الدنيا كالدين‪ ،‬سلطاف اإلسالـ‬
‫كاؼبسلمْب‪ ،‬أداـ ا﵁ إقبالو‪ ،‬كضاعف جاللو‪ ،‬كصاف مهجتو ككمالو‪ ،‬كبلغو هناية آمالو‪ ،‬بعظمتو كجاللو‬
‫‪ :‬من أمر ملك اْلؼباف كما جرل لو عند ظهوره‪ ،‬كذلك ‪ :‬أنو أكؿ ما خرج من دياره‪ ،‬كدخل بالد‬
‫اؽبىٍنكر غصبا‪ ،‬كغصب ملك اؽبىٍن ًكر باإلذعاف كالدخوؿ ربت طاعتو‪ ،‬كأخذ من مالو كرجالو ما اختار‪،‬‬
‫ٍب إنو دخل أرض مقدّْـ الركـ‪ ،‬كفتح البالد‪ ،‬كهنبها‪ ،‬كأقاـ ّٔا كأخالىا‪ ،‬كأحوج ملك الركـ إذل أف‬
‫أطاعو‪ ،‬كأخذ رىائنو ‪ :‬كلده كأخاه كأربعْب نفرا من خلصائو‪ ،‬كأخذ منو طبسْب قنطارا ذىبا كطبسْب‬
‫كثياب أطلس مبلغا عظيما‪ ،‬كاغتصب اؼبراكب‪ ،‬كعاد ّٔا إذل ىذا اعبانب‪ ،‬كصحبتو‬ ‫ى‬ ‫قنطارا فضة‪،‬‬
‫الرىائن إذل أف دخل حدكد بالد قًليج أرسالف‪َّ ،‬‬
‫كرد الرىائن‪ ،‬كبقى سائرا ثالثة أياـ‪ ،‬كتركماف اْلكج‬
‫يلقونو باْلغناـ كاْلبقار كاػبيل كالبضائع‪ ،‬فتداخلهم الطمع‪ ،‬كصبعوا من صبيع البالد‪ ،‬ككقع القتاؿ بْب‬
‫قطب الدين كلد قًليد‬
‫الَبكماف كبينو‪ ،‬كضايقوه ثالثة كثالثْب يوما كىو سائر كؼبا قرب من قونية صبع ي‬
‫أرسالف العساكر كقصده كضرب معو مصافا عظيما‪ ،‬فظفر بو ملك اْلؼباف‪ ،‬ككسره كسرة عظيمة‪،‬‬
‫كسار حٌب أشرؼ على قونية‪ ،‬فخرج إليو صبوع عظيمة من اؼبسلمْب‪ ،‬فردىم مكسورين‪ ،‬كىجم قونية‬
‫بالسيف‪ ،‬كقتل منها عاؼبا عظيما من اؼبسلمْب كالفرس‪ ،‬كأقاـ ّٔا طبسة أياـ‪ ،‬فطلب قليج أرسالف منو‬
‫اْلؼباف‪ ،‬فأمنو اؼبلك‪ ،‬كاستقر بينهم قاعدة أكيدة‪ ،‬كأخذ منو اؼبلك رىائن ‪ :‬كعشرين من أكابر دكلتو‪،‬‬
‫كأشار على اؼبلك أف هبعل طريقو على طرسوس كاؼبصيصة‪ ،‬ففعل‪ ،‬كقبل منو‪ .‬كقبل كصولو إذل ىذه‬
‫‪366‬‬
‫المالحؽ‬
‫البالد نفذ كتابو كرسولو يشرح حالو كأين قصده‪ ،‬كما لقيو ُب طريقو‪ ،‬كانو َلبد ؾبتاز ىذه الديار‬
‫اختيارا أك كرىا‪ ،‬فاقتضى اغباؿ إنفاذ اؼبملوؾ حاًب‪ ،‬كصحبتو ما سأؿ‪ ،‬كمعو من اػبواص صباعة للقاء‬
‫اؼبلك ُب جواب كتابو‪ .‬ككانت الوصية معهم أف وبرفوه على بالد قًليج أرسالف إف أمكن‪ ،‬فلما‬
‫اجتمعوا باؼبلك الكبّب كأعادكا عليو اعبواب‪ ،‬كعرفوا اْلحواؿ‪ ،‬أىب اَلكبراؼ‪ٍ ،‬ب كثر عليو العساكر‬
‫كاعبموع‪ ،‬كنزؿ على شط بعض اْلهنار‪ ،‬فأكل خبزا كناـ ساعة‪ ،‬كانتبو‪ ،‬فتاقت نفسو إذل اَلستحماـ‬
‫ُب اؼباء البارد‪ ،‬فنكث أياما قالئل كمات‪ .‬كأما َلفوف فكاف سائرا يلقى اؼبلك‪ ،‬فلما جرل ىذا آّرل‪،‬‬
‫ىرب الرسل من العسكر‪ ،‬كتقدموا إليو‪ ،‬كأخربكه باغباؿ‪ ،‬فدخل ُب بعض حصونو كاحتمى ىناؾ‪.‬‬
‫كأما ابن اؼبلك فكاف أبوه منذ توجو إذل قصد ىذه الديار نصب كلده الذم معو عوضو‬
‫كتوطدت قواعده كبلغو ىرب رسل ابن كَلف فانفذ كاستعطفهم كأحضرىم كقاؿ ‪ :‬إف أيب كاف شيخا‬
‫كبّبا كإمبا قصد ىذه الديار ْلجل حج بيت اؼبقدس‪ ،‬كأنا الذم دبرت اؼبلك كعانيت اؼبشاؽ ُب ىذه‬
‫الطريق فمن أطاعِب كإَل بدأت بقصد دياره‪.‬‬
‫كاستعطف ابن َلكف كاقتضى اغباؿ اَلجتماع بو ضركرة ُب اعبملة ىم ُب عدد كثّب‪.‬‬
‫كلقد عرض عسكره فكاف اثنْب كأربعْب ألف ؾبفجفا كأما الرجالة فال وبصى‪ ،‬عددىم كىم‬
‫أجناس متفاكتة‪ ،‬كخلق غريبة‪ ،‬كىم على قصد عظيم كجد ُب أمرىم كسياسة ىائلة حٌب أف من جُب‬
‫منهم جناية فليس لو جزاء إَل أف يذبح مثل الشاة‪.‬‬
‫كلقد بلغهم عن بعض أكابرىم أنو جُب على غالـ لو كجاكز اغبد ُب ضربو‪ ،‬فاجتمعت‬
‫القسوس للحكم فاقتضى اغباؿ كاغبكم العاـ ذحبو‪ ،‬كشفع إذل اؼبلك منهم خلق عظيم‪ .‬فلم يلتفت‬
‫إذل ذلك كذحبو كقد حرموا اؼبالذ على أنفسهم حٌب أف من بلغهم عنو بلوغ لذة ىجركه كعزركه كل‬
‫ذلك كاف حزنا على بيت اؼبقدس‪.‬‬
‫كلقد صح عن صبع منهم أهنم ىجركا الثياب مدة طويلة‪ ،‬كحرموىا على أنفسهم كدل يلبسوا إَل‬
‫اغبديد‪ ،‬حٌب أنكر عليهم اْلكابر ذلك‪ ،‬كىم من الصرب على الشقاء كالذؿ كالتعب ُب حاؿ عظيم‬
‫بعد يطالع بو إف شاء ا﵁ تعاذل»‪.‬‬
‫طالع اؼبلوؾ باغباؿ كما يتجدد ي‬
‫‪1‬‬
‫ىذا كتاب الكاغيكوس كمعُب ىذا اللفظ اػبليفة كاظبو بركرل كور ابن باسيل‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن شداد (ّٔاء الدين) ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.193-191‬‬


‫‪367‬‬
‫السالطين كاألمراء‬ ‫‪.2‬‬
‫المالحؽ‬
‫الملحق الثامن‬
‫أمراء آؿ ركبين في قيليقيا‬

‫(‪ )1‬ركبيف‬
‫(‪)1095-1080‬‬

‫(‪ )2‬قسطنطيف‬
‫(‪)1102-1095‬‬

‫(‪ )3‬ثكركس األكؿ‬ ‫(‪ )4‬ليكف األكؿ‬ ‫بياترس ‪ +‬جكسميف األكؿ‬


‫(‪)1129-1102‬‬ ‫(‪)1137-1129‬‬

‫(‪ )5‬ثكركس الثاني‬ ‫(‪ )7‬مميح‬ ‫ستيفاف ريتا البابيركنية‬


‫(‪)1168-1145‬‬ ‫(‪)1175-1170‬‬
‫(عائمة آؿ ىيثكـ)‬

‫(‪ )6‬ركبيف الثاني‬


‫(‪ )8‬ركبيف الثالث‬ ‫(‪ )9‬ليكف الثاني‬
‫(‪)1169‬‬
‫(‪)1187-1175‬‬ ‫(‪)1219-1187‬‬
‫تكج ممكا باسـ ليكف األكؿ‬
‫في ‪1198‬‬

‫‪371‬‬
‫المالحؽ‬
‫الملحق التاسع ‪ :‬سالطين سالجقة الركـ في قونية‬

‫(‪ )1‬سميماف بف قتممش‬


‫(‪)1086-1080‬‬

‫(‪ )2‬قميج أرسالف األكؿ‬


‫(‪)1107-1092‬‬

‫(‪ )3‬ممكشاه‬ ‫(‪ )4‬مسعكد األكؿ‬


‫(‪)1116-1106‬‬ ‫(‪)1155-1116‬‬

‫(‪ )5‬قميج أرسالف الثاني‬


‫(‪)1192-1155‬‬

‫(‪ )7‬سميماف الثاني‬ ‫(‪ )6‬كيخسرك األكؿ‬


‫ركف الديف‬ ‫(‪)1196-1192‬‬
‫(‪)1204-1196‬‬ ‫(‪)1210-1205‬‬

‫(‪ )8‬قميج أرسالف الثالث‬ ‫(‪ )9‬كيقباذ األكؿ‬ ‫(‪ )10‬كيكاكس األكؿ‬
‫(‪)1205-1204‬‬ ‫عالء الديف‬ ‫(‪)1219-1210‬‬
‫(‪)1236-1219‬‬

‫(‪ )11‬كيخسرك الثاني‬ ‫بنت ؟ ‪ +‬كرماف‬


‫(‪)1247-1237‬‬
‫إمارة كرماف‬

‫(‪ )12‬كيقباذ الثاني‬ ‫(‪ )13‬كيكاكس الثاني‬ ‫(‪ )14‬قميج أرسالف الرابع‬
‫عالء الديف‬ ‫(‪)1261-1247‬‬ ‫ركف الديف(‪)1266-1261‬‬
‫(‪)1253-1247‬‬
‫‪370‬‬
‫(‪ )15‬كيخسرك الثالث‬
‫(‪)1283-1267‬‬
‫‪ .3‬الخرائط‬
‫المالحؽ‬
‫‪1‬‬
‫الملحق العاشر ‪ :‬خريطة أرمينيا الكبرل‬

‫‪1‬‬
‫مَبصبة للغة العربية كبتصرؼ‪ ،‬عن ‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. II, carte n° 01 :‬‬
‫‪372‬‬
‫المالحؽ‬
1
‫ـ‬1095 ‫ توسع السالجقة حتى سنة‬: ‫الملحق الحادم عشر‬

1
Riley-Smith Jonathan : Atlas des Croisades, traduit par Camille : ‫ عن‬،‫مَبصبة إذل الغة العربية كبتصرؼ‬
Cantoni, Editions Autrement, Paris. 1996. p. 27.
373
‫المالحؽ‬
‫‪1‬‬
‫الملحق الثاني عشر ‪ :‬الحملة الصليبية األكلى (‪)1099-1097‬‬

‫‪1‬‬
‫مَبصبة إذل الغة العربية كبتصرؼ‪ ،‬عن ‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. II, carte n° 17 :‬‬

‫‪374‬‬
‫المالحؽ‬
‫‪1‬‬
‫الملحق الثالث عشر ‪ :‬إمارة أرمينيا الصغرل بين ‪1119-1072‬ـ‬

‫‪1‬‬
‫مَبصبة إذل اللغة العربية كبتصرؼ‪ ،‬عن ‪Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs, t. II, p. 1539. :‬‬

‫‪375‬‬
‫المالحؽ‬
‫‪1‬‬
‫الملحق الرابع عشر ‪ :‬مملكة أرمينيا الصغرل عند كفاة الملك ليوف األكؿ (‪)1219‬‬

‫‪1‬‬
‫مَبصبة إذل اللغة العربية كبتصرؼ‪ ،‬عن ‪Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. II, carte n° 25 :‬‬

‫‪376‬‬
‫‪ .4‬الصور‬
‫المالحؽ‬
1
‫ قلعة فاىكو‬: ‫الملحق الخامس عشر‬

1
Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. II, fig. n° 61
378
‫المالحؽ‬
1
‫ قلعة عين زربى‬: ‫الملحق السادس عشر‬

1
Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. II, fig. n° 59.
381
‫المالحؽ‬
1
‫ مدينة سيس‬: ‫الملحق السابع عشر‬

1
Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, t. II, fig. n° 60.
380
‫قائن٘ املصادز‬
‫ّاملسادع‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫أكال ‪ :‬القرآف الكريم‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المصادر العربية كالمعربة‬


‫‪ .1‬ابن اْلثّب (أبو اغبسن علي بن أيب الكرـ ؿبمد بن ؿبمد بن عبد الكرصل بن عبد الواحد‬
‫الشيباشل (ت ‪ 630‬ىػ)) ‪ :‬الكامل ُب التاريخ‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط ‪ ،4‬بّبكت‪.1983 ،‬‬
‫‪ .2‬ابن اْلثّب (ابو اغبسن علي بن أيب الكرـ ؿبمد بن ؿبمد بن عبد الكرصل بن عبد الواحد‬
‫الشيباشل (ت ‪ 630‬ق)) ‪ :‬التاريخ الباىر ُب الدكلة اْلتابكية (باؼبوصل)‪ ،‬ربقيق عبد القادر‬
‫أضبد طليمات‪ ،‬دار الكتب اغبديثة‪ ،‬القاىرة‪.1963 ،‬‬
‫‪ .3‬اإلدريسي (أبو عبد ا﵁ ؿبمد بن ؿبمد بن عبد ا﵁ بن إدريس (ت ‪559‬ىػ‪1166/‬ـ)) ‪:‬‬
‫نزىة اؼبشتاؽ ُب اخَباؽ اآلفاؽ‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاىرة‪.2002 ،‬‬
‫‪ .4‬اْلصبهاشل (أبو الفرج) ‪ :‬كتاب اْلغاشل‪ ،‬مطبعة التقدـ‪( ،‬د ـ)‪( ،‬د ت)‪.‬‬
‫‪ .5‬اَلصطخرم (ابو اسحاؽ ابراىيم بن ؿبمد الفارسي (ت ‪ 346‬ىػ‪957/‬ـ)) ‪ :‬مسالك‬
‫اؼبمالك‪ ،‬مطبعة بريل‪ ،‬ليدف‪.1927 ،‬‬
‫‪ .6‬اْلصفهاشل (عماد الدين ؿبمد بن ؿبمدبن حامد (ت ‪597‬ىػ‪1201/‬ـ)) ‪ :‬تاريخ دكلة آؿ‬
‫سلجوؽ‪ ،‬اختصار ابن علي بن ؿبمد البندارم اْلصفهاشل‪ ،‬شركة طبع الكتب العربية‪،‬‬
‫القاىرة‪.1900 ،‬‬
‫‪ .7‬ألربت فوف آخن ‪ :‬تاريخ اغبملة الصليبية اْلكذل كفبلكة بيت اؼبقدس (‪1120-1095‬ـ)‪،‬‬
‫ترصبة ؿبمد ضبداف أضبد‪ ،‬دار اَلعصار العلمي للنشر كالتوزيع‪ ،‬دمشق‪.2016 ،‬‬
‫‪ .8‬البالذرم (أبو العباس أضبد بن وبي بن جابر (ت ‪ 271‬ىػ)) ‪ :‬فتوح البلداف‪ ،‬حققو عبد ا﵁‬
‫أنيس الطباع‪ ،‬مؤسسة اؼبعارؼ للطباعة كالنشر‪ ،‬بّبكت‪.1987 ،‬‬
‫‪ .9‬البندارم (الفتح بن علي) ‪ :‬سنا الربؽ الشامي ‪562‬ق‪1166/‬ـ ‪:‬‬
‫‪583‬ق‪1187/‬ـ‪،‬إختصار الفتح بن علي البندارم‪ ،‬من كتاب الربؽ الشامي للعماد الكاتب‬
‫اْلصفهاشل‪ ،‬ربقيق فتحية النرباكم‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬القاىرة‪.1979 ،‬‬

‫‪382‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫البيهقي (ابو الفضل ؿبمد بن حسْب (ت ‪470‬ىػ‪1077/‬ـ)) ‪ :‬تاريخ البيهقي‪،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫ترصبو إذل العربية وبي اػبشاب كصادؽ نشأت‪ ،‬مكتبة اْلقبلو مصرية‪ ،‬القاىرة‪.1956 ،‬‬
‫ابن اعبوزم (أبو الفرج عبد الرضبن بن علي بن ؿبمد (ت ‪ 597‬ىػ)) ‪ :‬اؼبنتظم ُب‬ ‫‪.11‬‬
‫تاريخ اؼبلوؾ كاْلمم‪ ،‬ربقيق ؿبمد عبد القادر عطا ك مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بّبكت‪.1992 ،‬‬
‫اغبسيِب (صدر الدين أبو اغبسن علي ناصر بن علي (ت بعد ‪622‬ىػ‪1125/‬ـ))‪:‬‬ ‫‪.12‬‬
‫أخبار الدكلة السلجوقية‪ ،‬ربقيق ؿبمد إقباؿ‪ ،‬نشريات كلية فنجاب‪َ ،‬لىور‪.1933 ،‬‬
‫اغبموم (شهاب الدين أبو عبد ا﵁ ياقوت بن عبد ا﵁) ‪ :‬معجم البلداف‪ ،‬دار إحياء‬ ‫‪.13‬‬
‫الَباث العريب‪ ،‬بّبكت‪.2008 ،‬‬
‫ابن حوقل (أبو القاسم بن حوقل النصييب (ت ‪367‬ىػ‪977/‬ـ)) ‪ :‬صورة اْلرض‪،‬‬ ‫‪.14‬‬
‫منشورات دار مكتبة اغبياة‪ ،‬بّبكت‪.1979 ،‬‬
‫ابن خرداذبو (أبو القاسم عبيد ا﵁ بن عبد ا﵁ ت ‪ 280‬ىػ‪893/‬ـ)) ‪ :‬اؼبسالك‬ ‫‪.15‬‬
‫كاؼبمالك‪ ،‬مطبعة بريل‪ ،‬ليدف‪.1889 ،‬‬
‫ابن خلدكف (أبو زيد عبد الرضبن بن ؿبمد (ت ‪1406‬ـ)) ‪ :‬كتاب العرب كديواف‬ ‫‪.16‬‬
‫اؼببتدأ كاػبرب ُب أياـ العرب كالعجم كالرببر كمن عاصرىم من ذكم السلطاف اْلكرب‪ ،‬دار‬
‫الكتاب اللبناشل‪ ،‬مكتبة اؼبدرسة‪ ،‬بّبكت‪.1983 ،‬‬
‫ابن خلكاف (ابو العباس مشس الدين أضبد بن ؿبمد بن أيب بكر (ت ‪681‬ق)) ‪:‬‬ ‫‪.17‬‬
‫كفيات اْلعياف كأنباء أبناء الزماف‪ ،‬حققو د‪ .‬إحساف عباس‪ ،‬دار صادر بّبكت‪.1969 ،‬‬
‫خوريناتسي موسيس ‪ :‬تاريخ اْلرمن من البداية حٌب هناية القرف اػبامس اؼبيالدم‪،‬‬ ‫‪.18‬‬
‫نقلو عن اْلرمنية نزار خليلي‪ ،‬إشبيلية للدراسات كالنشر كالتوزيع‪ ،‬دمشق‪.1999 ،‬‬
‫الذىيب (مشس الدين أبو عبد ا﵁ ؿبمد بن أضبدبن عثماف (ت ‪748‬ىػ)) ‪ :‬دكؿ‬ ‫‪.19‬‬
‫اإلسالـ‪ ،‬حققو حسن إظباعيل مركة‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بّبكت‪.1999 ،‬‬

‫‪383‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫الراكندم (ؿبمد بن علي بن سليماف(ت بعد ‪603‬ىػ)) ‪ :‬راحة الصدكر كآية السركر‬ ‫‪.20‬‬
‫ُب تاريخ الدكلة السلجوقية‪ ،‬نقلو إذل العربية‪ ،‬ابراىيم أمْب الشواريب كآخركف‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫القاىرة‪.1960 ،‬‬
‫الرىاكم آّهوؿ ‪ :‬تاريخ الرىاكم آّهوؿ‪ ،‬ترصبة سهيل زكار‪ُ ،‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية‬ ‫‪.21‬‬
‫ُب تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬دار الفكر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬دمشق‪.1995 ،‬‬
‫ابن الساعي (علي بن أقبب البغدادم (ت ‪674‬ىػ)) ‪ :‬ـبتصر أخبار اػبلفاء‪،‬‬ ‫‪.22‬‬
‫اؼبطبعة اْلمّبية‪ ،‬بوَلؽ‪1309 ،‬ىػ‪.‬‬
‫سبط ابن اعبوزم (مشس الدين أبو اؼبظفر يوسف بن قزاكغلى (ت ‪654‬ق)) ‪ :‬مرآة‬ ‫‪.23‬‬
‫الزماف ُب تاريخ اْلعياف‪ ،‬ربقيق كدراسة مسفر بن سادل بن عريج الغامدم‪ ،‬جامعة أـ القرل‪،‬‬
‫مكة اؼبكرمة‪.1987 ،‬‬
‫السيوطي (جالؿ الدين عبد الرضبن بن أيب بكر (ت ‪911‬ق) ‪ :‬تاريخ اػبلفاء‪،‬‬ ‫‪.24‬‬
‫ربقيق اضبد ابراىيم زىوة ك سعيد بن أضبد العيدركسي)‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط‪ ،4‬بّبكت‬
‫‪.2003‬‬
‫الد ُّر اؼبنتخب ُب تاريخ‬
‫ابن الشحنة (أبو الفضل ؿبمد (ت ‪890‬ىػ‪1485/‬ـ) ‪ :‬ي‬ ‫‪.25‬‬
‫فبلكة حلب‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬دمشق‪.1984 ،‬‬
‫أبو شامة (شهاب الدين عبد الرضبن بن اظباعيل بن ابراىيم بن عثماف اؼبقدسي‬ ‫‪.26‬‬
‫الدمشقي (ت ‪665‬ق)) ‪ :‬كتاب الركضتْب ُب أخبار الدكلتْب النورية كالصالحية‪ ،‬كضع‬
‫حواشيو كعلق عليو إبراىيم مشس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪.2002 ،‬‬
‫ابن شداد (ّٔاء الدين أبو ا﵀اسن يوسف (ت ‪632‬ق‪1239/‬ـ)) ‪ :‬النوادر‬ ‫‪.27‬‬
‫السلطانية كا﵀اسن اليوسفية‪ ،‬ربقيق صباؿ الدين الشياؿ‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاىرة‪،‬‬
‫‪.1994‬‬

‫‪384‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫ابن شداد (عز الدين ؿبمد بن علي بن ابراىيم (ت ‪684‬ق‪1285/‬ـ)) ‪ :‬اْلعالؽ‬ ‫‪.28‬‬
‫اػبطّبة ُب ذكر أمراء الشاـ كاعبزيرة‪ ،‬حققو وبي زكرياء عباده‪ ،‬منشورات كزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪.1991‬‬
‫الشهرستاشل (ابو الفتح ؿبمد عبد الكرصل بن أيب بكر أضبد (ت ‪548‬ىػ)) ‪ :‬اؼبلل‬ ‫‪.29‬‬
‫كالنحل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بّبكت‪.2008 ،‬‬
‫أبو صاحل اْلرمِب ‪ :‬تاريخ الشيخ أيب صاحل اْلرمِب ‪ :‬تذكر فيو أخبار من نواحي مصر‬ ‫‪.30‬‬
‫كإقطاعها‪ ،‬اؼبطبعة اؼبدرسية‪ ،‬أككسفورد‪.1895 ،‬‬
‫ابن الصّبُب (أمْب الدين تاج الرياسة أيب القاسم علي بن منجب بن سليماف) ‪:‬‬ ‫‪.31‬‬
‫اإلشارة إذل من ناؿ الوزارة‪ ،‬عِب بتحقيقو كالتعليق عليو‪ ،‬عبد ا﵁ ـبلص‪ ،‬مطبعة اؼبعهد العلمي‬
‫الفرنسي اػباص بالعاديات الشرقية‪ ،‬القاىرة‪.1923 ،‬‬
‫الطرسوسي (أبو عمرك عثماف بن عبد ا﵁)‪ً ،‬س ىّب الثغور‪ ،‬تقدصل كدراسة شاكر‬ ‫‪.32‬‬
‫مصطفى‪ ،‬دار طالس للدراسات كالَبصبة كالنشر‪ ،‬دمشق‪.1998 ،‬‬
‫ابن العربم (غرغوريوس أبو الفرج صباؿ الدين اؼبلطي (ت ‪685‬ىػ‪1286/‬ـ)) ‪:‬‬ ‫‪.33‬‬
‫تاريخ الزماف‪ ،‬نقلو إذل العربية اْلب إسحق أرملة‪ ،‬دار اؼبشرؽ‪ ،‬ط ‪ ،2‬بّبكت‪.2005 ،‬‬
‫ابن العربم (غرغوريوس أبو الفرج صباؿ الدين اؼبلطي (ت ‪685‬ىػ‪1286/‬ـ)) ‪:‬‬ ‫‪.34‬‬
‫تاريخ ـبتصر الدكؿ‪ ،‬دار اؼبسّبة‪ ،‬بّبكت‪( ،‬د ت)‪.‬‬
‫ابن العربم ( جرهبوريوس أبو الفرج) ‪ :‬ـبطوطة تاريخ اْلزمنة‪ ،‬ترصبة شادية توفيق‬ ‫‪.35‬‬
‫حافظ‪ ،‬اؼبركز القومي للَبصبة‪ ،‬القاىرة‪.2007 ،‬‬
‫ابن العدصل (الصاحب كماؿ الدين عمر بن أضبد بن أيب جرادة (ت ‪660‬ىػ)) ‪ :‬بغية‬ ‫‪.36‬‬
‫الطلب ُب تاريخ حلب‪ ،‬ربقيق سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬بّبكت‪،‬‬
‫‪.1988‬‬

‫‪385‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫ابن العدصل (الصاحب كماؿ الدين أيب القاسم عمر بن أضبد بن أضبد بن ىبة ا﵁‬ ‫‪.37‬‬
‫(ت ‪660‬ىػ)) ‪ :‬زبدة اغبلب من تاريخ حلب‪ ،‬كضع حواشيو خليل اؼبنصور‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بّبكت‪.1996 ،‬‬
‫العظيمي (ؿبمد بن علي اغبليب (ت ‪556‬ق)) ‪ :‬تاريخ حلب‪ ،‬حققو كقدـ لو ابراىيم‬ ‫‪.38‬‬
‫زعركر‪( ،‬د ف)‪ ،‬دمشق‪.1984 ،‬‬
‫الفارقي (أضبد بن يوسف بن علي بن اْلزرؽ (ت بعد ‪577‬ىػ‪1181/‬ـ)) ‪ :‬تاريخ‬ ‫‪.39‬‬
‫الفارقي‪ ،‬حققو كقدـ لو بدكم عبد اللطيف عوض‪ ،‬اؽبيئة العامة لشؤكف اؼبطابع اْلمّبية‪،‬‬
‫القاىرة‪.1959 ،‬‬
‫ابن فضل ا﵁ العمرم (شهاب الدين أضبد بن وبي (ت ‪ 749‬ىػ)) ‪ :‬التعريف‬ ‫‪.40‬‬
‫باؼبصطلح الشريف‪ ،‬ربقيق ؿبمد حسْب مشس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪.1988 ،‬‬
‫ابن فضل ا﵁ العمرم (شهاب الدين أضبد بن وبي (ت ‪ 749‬ىػ)) ‪ :‬مسالك‬ ‫‪.41‬‬
‫اْلبصار ُب فبالك اْلمصار‪ ،‬ربقيق كامل سلماف اعببورم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪،‬‬
‫‪.1971‬‬
‫ابن الفقيو (أضبد بن ؿبمد بن إسحاؽ بن إبراىيم اؽبمذاشل (ت كبو ‪ 340‬ىػ)) ‪:‬‬ ‫‪.42‬‬
‫كتاب البلداف‪ ،‬ربقيق يوسف اؽبادم‪ ،‬عادل الكتب‪ ،‬بّبكت‪.1996 ،‬‬
‫فوشيو الشارترم ‪ :‬اَلستيطاف الصلييب ُب فلسطْب‪ ،‬تاريخ اغبملة إذل بيت اؼبقدس‬ ‫‪.43‬‬
‫(‪ ،)1127-1095‬ترصبة قاسم عبده قاسم‪ ،‬دار الشركؽ‪.2001 ،‬‬
‫فيتارل أكرديك ‪ :‬التاريخ الكنسي‪ ،‬ترصبة سهيل زكار‪ ،‬دار التكوين‪ ،‬دمشق‪.2008 ،‬‬ ‫‪.44‬‬
‫قدامة بن جعفر‪ ،‬اػبراج كصناعة الكتابة‪ ،‬شرح كتعليق ؿبمد حسْب الزبيدم‪ ،‬دار‬ ‫‪.45‬‬
‫الرشيد للنشر‪ ،‬بغداد‪.1981 ،‬‬
‫قسطنطْب بورفّبكجنيتوس ‪ :‬إدارة اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬عرض كربليل كتعليق ؿبمود‬ ‫‪.46‬‬
‫سعيد عمراف‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪.1980 ،‬‬

‫‪386‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫ابن القالنسي (أبو يعلى ضبزة (ت ‪555‬ق)) ‪ :‬ذيل تاريخ دمشق‪ ،‬مطبعة اآلباء‬ ‫‪.47‬‬
‫اليسوعيْب‪ ،‬بّبكت‪.1908 ،‬‬
‫القلقشندم (أبو العباس أضبد (ت ‪821‬ىػ‪1418/‬ـ)) ‪ :‬صبح اْلعشى‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪.48‬‬
‫السلطانية‪ ،‬القاىرة‪.1915 ،‬‬
‫الكاشغرم (ؿبمود بن اغبسْب بن ؿبمد) ‪ :‬ديواف لغات الَبؾ‪ ،‬دار اػبالفة العلية‪( ،‬د‬ ‫‪.49‬‬
‫ـ)‪ 1333 ،‬ىػ‪.‬‬
‫ابن كثّب (أبو الفدا إظباعيل (ت ‪774‬ىػ)) ‪ :‬البداية كالنهاية‪ ،‬دار الغد اعبديد‪،‬‬ ‫‪.50‬‬
‫القاىرة‪.2007 ،‬‬
‫كومينا أنَّا ‪ :‬اْللكسياد‪ُ ،‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ُب تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ترصبة‬ ‫‪.51‬‬
‫سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬دمشق‪.1995 ،‬‬
‫الرىاكم ‪ :‬تاريخ مٌب الرىاكم اإلفرنج (الصليبيوف) – اؼبسلموف – اْلرمن‪ ،‬ترصبة‬
‫مٌب َّ‬
‫َّ‬ ‫‪.52‬‬
‫كتعليق ؿبمود ؿبمد الركيضي كعبد الرحيم مصطفى‪ ،‬دار اليازكرم‪ ،‬عماف‪.2012 ،‬‬
‫ابن مسكويو (ابو علي أضبد بن ؿبمد بن يعقوب مسكويو (ت ‪ 421‬ىػ)) ‪ :‬ذبارب‬ ‫‪.53‬‬
‫اْلمم كتعاقب اؽبمم‪ ،‬ربقيق سيد كسركم حسن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪.2003 ،‬‬
‫اؼبقدسي (مشس الدين أبو عبد ا﵁ ؿبمد بن أضبد بن أيب بكر) ‪ :‬أحسن التقاسيم ُب‬ ‫‪.54‬‬
‫معرفة اْلقاليم‪ ،‬مطبعة بريل‪ ،‬ليدف‪.1906 ،‬‬
‫اؼبقريزم (تقي الدين أضبد بن علي) ‪ :‬اتعاظ اغبنفا بأخبار اْلئمة الفاطميْب اػبلفا‪،‬‬ ‫‪.55‬‬
‫ربقيق د‪ .‬ؿبمد حلمي ؿبمد أضبد‪ ،‬آّلس اْلعلى للشؤكف اإلسالمية‪ ،‬القاىرة‪.1971 ،‬‬
‫اؼبقريزم (تقي الدين أبو العباس أضبد بن علي بن عبد القادر العبيدم (ت ‪845‬‬ ‫‪.56‬‬
‫ىػ)) ‪ :‬السلوؾ ؼبعرفة دكؿ اؼبلوؾ‪ ،‬ربقيق ؿبمد عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫اؼبقريزم (تقي الدين (ت ‪ : ))1441/845‬كتاب اؼبقفى الكبّب‪ ،‬ربقيق ؿبمد‬ ‫‪.57‬‬
‫اليعالكم‪ ،‬دار الغرب اَلسالمي‪.1991 ،‬‬
‫‪387‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫ابن منقذ أسامة (مؤيد الدكلة أبو مظفر أسامة بن مرشد الكناشل الشّبزم ت‬ ‫‪.58‬‬
‫‪584‬ق‪1188/‬ـ)) ‪ :‬كتاب اَلعتبار‪ ،‬حرره فيليب حٍب‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫(بدكف تاريخ)‪.‬‬
‫مؤلف ؾبهوؿ ‪ :‬أعماؿ الفرقبة كحجاج بيت اؼبقدس‪ ،‬ترصبة حسن حبشي‪ ،‬عبنة‬ ‫‪.59‬‬
‫البياف العريب‪ ،‬القاىرة‪.1958 ،‬‬
‫الواقدم (أبو عبد ا﵁ ؿبمد بن عمر بن كاقد اْلسلمي (ت ‪ 207‬ىػ)) ‪ :‬فتوح‬ ‫‪.60‬‬
‫الشاـ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ط‪ ،2‬بّبكت‪.2010 ،‬‬
‫كليم الصورم ‪ :‬اغبركب الصليبية‪ ،‬ترصبة د‪ .‬حسن حبشي‪ ،‬مؤسسة اَلسراء للنشر‬ ‫‪.61‬‬
‫كالتوزيع‪ ،‬القاىرة‪.1991 ،‬‬
‫كليم الصورم ‪ُ :‬ب ‪ :‬اؼبوسوعة الشامية ُب تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬ترصبة سهيل زكار‪،‬‬ ‫‪.62‬‬
‫دار الفكر للطباعة كالنشر كالتوزيع‪ ،‬دمشق‪.1995 ،‬‬
‫وبي اْلنطاكي (وبي بن سعيد (ت ‪458‬ىػ‪1067/‬ـ)) ‪ :‬تاريخ اْلنطاكي اؼبعركؼ‬ ‫‪.63‬‬
‫ً‬
‫بصلىة تاريخ أكتيخا‪ ،‬ربقيق عمر عبد السالـ تدمرم‪ ،‬جركس برس‪ ،‬طرابلس (لبناف)‪،‬‬
‫‪.1990‬‬
‫اليعقويب (أضبد بن أيب يعقوب إسحاؽ بن جعفر بن كىب بن كاضح (ت سنة ‪284‬‬ ‫‪.64‬‬
‫ىػ) ‪ :‬البلداف‪ ،‬كضع حواشيو ؿبمد أمْب ضناكم‪ ،‬منشورات ؿبمد علي بيضوف لنشر كتب‬
‫السنة كاعبماعة كدار الكتب العلمية‪ ،‬بّبكت‪( ،‬د ت)‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬المصادر األجنبية‬


‫‪1. Albert d'Aix : Histoire des faits et gestes dans les régions‬‬
‫‪d'outre-mer, J.-L.-J. Brière Libraire, Paris, 1824.‬‬
‫‪2. Arisdaguès de Lasdiverd : Histoire d'Arménie, traduite par‬‬
‫‪Evariste Prud'homme, Benjamin Duprat, Paris, 1863.‬‬

‫‪388‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
3. Asolik Etienne (de Tarôn) : Histoire universelle, traduite de
l'arménien et annotée par Frédéric Macler, Ernest Leroux
éditeur, Paris, 1917.
4. Benedict of Peterborough : Gesta regis Henrici secundi benedicti
qbbatis, edited by William Stubbs, Longmans, London, 1867.
5. Catholicos Jean : Histoire d'Arménie, traduit par M. J. Saint-
Martin, Imprimerie royale, Paris, 1861.
6. Comnène Anne : Alexiade (règne de l'empéreur Alexis I
Comnène 1081-1118), traduit par Bernard Leib, Les Belles
Lettres, Paris, 1937.
7. Dardel Jean : Chronique d'Arménie, ds. : R.H.C.D. Arm.,
Imprimerie impériale, 2ème éd., Paris, 1969.
8. Ernoul : Chronique d'Ernoul et de Bernard le trésorier, Librairie
de la société de l'histoire de France, Paris, 1871.
9. Ghévond Léonce : Histoire des guerres et des conquêtes des
Arabes en Arménie, traduit en français par Garabed V.
Chahnazarian, Paris, 1856.
10. Grégoire le prêtre : Chronique de Grégoire le prêtre, ds. :
R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème éd., Paris, 1969.
11. Guibert de Nogent : Histoire des Croisades, chez J.-L.-J.
Brière, Librairie, Paris, 1825.
12. Guiragos de Kantzag : L'Histoire d'Arménie de Guiragos
de Kantzag, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème éd.,
Paris, 1969.
13. Héthoum (comte de Gorigos) : Table chronologique, ds. :
R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème éd., Paris, 1969.
14. Mardiros de Crimée : Liste rimée des souverains de la
Petite Arménie, ds. R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2 ème
ed., Paris, 1969.
15. Matthieu d'Edesse : Chronique de Matthieu d'Edesse (962-
1136), Traduit par Edouard Dulaurier, A. Durand Libraire, Paris,
1858.
16. Michel le Syrien : Chronique de Michel le Syrien, traduite
par J.-B Chabot, Ernest Leroux éditeur, Paris, 1901.
17. Michel Le Syrien : Extrait de la chronique de Michel le
syrien, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème éd.,
Paris, 1969.

411
‫البيبميكغرافيا‬
18. Migne Jacques-Paul : S. Gregorii VII Romani Pontificis
Epistolae et Diplomata pontificia, tomus unicus, Apud Garnier
Fratres Editores et J-P successores, Paris, 1878.
19. Nersês de Lampron : Lettre adressée au roi Léon II, ds. :
R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème éd., Paris, 1969.
20. Odon de Deuil : Histoire de la Croisade de Louis VII, J.-
L.-J. libraire, Paris, 1825.
21. Raoul de Caen : Faits et gestes du prince Tancrède pendant
l'expédition de Jérusalem, chez J.-L.-J. Brière, Librairie, Paris,
1852.
22. Saint Nersès Schnorhali (le gracieux) : Élégie sur la prise
d'Edesse, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème éd.,
Paris, 1969.
23. Samuel d'Ani : Chronographie de Samuel d'Ani, ds. :
R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème éd., Paris, 1969.
24. Sébèos (L'Evêque) : Histoire d'Héraclius, Traduit en
français par Frédéric Macler, Paris, 1904.
25. Sempad (le Connétable) : Chronique du royaume de la
Petite Arménie, ds. : R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème
éd., Paris, 1969.
26. Smbat : La chronique attribuée au connétable Smbat,
introduction, traduction et notes par Gérard Dédéyan, librairie
orientaliste Paul Geuthner, Paris, 1980.
27. Vahram d'Edesse : Chronique rimée des rois de la petite
Arménie, ds. R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2 ème éd.,
Paris, 1969.
28. Vahram Rapoun : Chronique du royaume Arménien de la
Cilicie à l'époque des croisades, traduit par Sahag Bedrosian,
Benjamin Duprat, Paris, 1864.
29. Vartan le Grand : Extrait de l'histoire universelle, ds.
R.H.C.D. Arm., Imprimerie impériale, 2ème ed., Paris, 1969.

410
‫البيبميكغرافيا‬
‫رابعا ‪ :‬المراجع العربية كالمعربة‬
‫ابراىيم نعيمة ؿبمد ‪ :‬آسيا الصغرل كاغبركب الصليبية ُب القرف الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬دار‬ ‫‪.1‬‬
‫اآلفاؽ العربية‪ ،‬القاىرة‪.2014 ،‬‬
‫اسكندر فايز قبيب ‪ :‬أرمينية بْب البيزنطيْب كاْلتراؾ السالجقة (‪1071-1000‬ـ‪-392/‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪463‬ىػ) ُب مصنف أريستاكيتس اللستيفرٌب‪ ،‬اؼبطبعة العصرية‪ ،‬اَلسكندرية‪.1983 ،‬‬
‫اسَباجياف ؾ‪ .‬ؿ‪ : .‬تاريخ اْلمة اْلرمينية‪ ،‬مطبعة اَلرباد اعبديدة‪ ،‬اؼبوصل‪.1951 ،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫اسكندر فايز قبيب ‪ :‬الفتوحات اَلسالمية ْلرمينية‪ ،‬دار نشر الثقافة‪ ،‬اَلسكندرية‪.1983 ،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫إميل بوؿ ‪ :‬تاريخ أرمينيا‪ ،‬ترصبة شكرم عالكم‪ ،‬منشورات دار مكتبة اغبياة‪ ،‬بّبكت‪( ،‬دت)‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫أكزطونا يلماز ‪ :‬اؼبدخل إذل التاريخ الَبكي‪ ،‬ترصبة أرشد اؽبرمزم‪ ،‬الدار العربية للموسوعات‪،‬‬ ‫‪.6‬‬
‫بّبكت‪2005 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .7‬بارتولد ڤاسيلي ڤالديبّبكڤتش ‪ :‬تاريخ الَبؾ ُب آسيا الوسطى‪ ،‬ترصبة أضبد سعيد سليماف‪،‬‬
‫اؽبيئة اؼبصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاىرة‪.1996 ،‬‬
‫‪ .8‬براكر يوشع ‪ :‬اَلستيطاف الصلييب ُب فلسطْب فبلكة بيت اؼبقدس الالتينية‪ ،‬ترصبة عبد اغبافظ‬
‫عبد اػبالق البنا‪ ،‬عْب للدراسات كالبحوث اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬القاىرة‪.2001 ،‬‬
‫‪ .9‬براكر يوشع ‪ :‬عادل الصليبيْب‪ ،‬ترصبة قاسم عبده قاسم ك ؿبمد خليفة حسن‪ ،‬عْب للدراسات‬
‫كالبحوث اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬القاىرة‪.1999 ،‬‬
‫برككلماف كارؿ ‪ :‬تاريخ الشعوب اإلسالمية‪ ،‬نقلو إذل العربية نبيو أمْب فارس ك منّب‬ ‫‪.10‬‬
‫البعلبكي‪ ،‬دار العلم للماليْب‪ ،‬بّبكت‪ .1981 ،‬تركماشل أسامة أضبد ‪ :‬جولة سريعة ُب تاريخ‬
‫اْلتراؾ كالَبكماف ما قبل اإلسالـ كما بعده‪ ،‬دار اإلرشاد للنشر‪ ،‬سوريا‪.2007 ،‬‬
‫اعبنزكرم علية عبد السميع ‪ :‬إمارة الرىا الصليبية‪ ،‬اؽبيئة اؼبصرية العامة للكتاب‪،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫القاىرة ‪.2001‬‬
‫اغبارثي عبد ا﵁ بن ناصر بن سليماف ‪ :‬اْلكضاع اغبضارية ُب إقليم اعبزيرة الفراتية ُب‬ ‫‪.12‬‬
‫القرنْب السادس كالسابع للهجرة‪/‬الثاشل عشر كالثالث عشر للميالد‪ ،‬الدار العربية‬
‫للموسوعات‪ ،‬بّبكت‪.2007 ،‬‬
‫حافظ اضبد غازل ‪ :‬اَلمرباطورية الركمانية من النشأة إذل اَلهنيار‪ ،‬دار اؼبعرفة اعبامعية‪،‬‬ ‫‪.13‬‬
‫اَلسكندرية‪.2007 ،‬‬
‫‪411‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫اغبويرم ؿبمود ؿبمد ‪ :‬اْلكضاع اغبضارية ُب بالد الشاـ ُب القرنْب الثاشل عشر‬ ‫‪.14‬‬
‫كالثالث عشر من اؼبيالد‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪.1979 .‬‬
‫خاقبي انطوف ‪ :‬ـبتصر تواريخ اْلرمن‪ ،‬دير اآلباء الفرنسيسكاف‪ ،‬أكرشليم‪.1868 ،‬‬ ‫‪.15‬‬
‫خطاب ؿبمود شيت ‪ :‬قادة فتح بالد الركـ‪ ،‬دار لبناف للطباعة كالنشر‪ ،‬بّبكت‪،‬‬ ‫‪.16‬‬
‫‪.2009‬‬
‫طباش قبدة ‪ :‬الشاـ ُب صدر اَلسالـ من الفتح حٌب سقوط خالفة بِب أمية دراسة‬ ‫‪.17‬‬
‫لألكضاع اَلجتماعية كاإلدارية‪ ،‬طالس للدراسات كالَبصبة كالنشر‪ ،‬دمشق‪.1987 ،‬‬
‫الدبس يوسف ‪ :‬تاريخ الشعوب اؼبشرقية ُب الدين كالسياسة كاَلجتماع‪ ،‬دار نظّب‬ ‫‪.18‬‬
‫عبود (بدكف مكاف)‪.2000 ،‬‬
‫دركزة ؿبمد عزة ‪ :‬العرب كالعركبة ُب حقبة التغلب الَبكي من القرف الثالث إذل الثلث‬ ‫‪.19‬‬
‫اْلكؿ من القرف الرابع اؽبجرم‪ ،‬منشورات اؼبكتبة العصرية‪ ،‬ط ‪ ،2‬صيدا‪.1981 ،‬‬
‫دياب صابر ؿبمد ‪ :‬أرمينية من الفتح اإلسالمي إذل مستهل القرف اػبامس اؽبجرم‪،‬‬ ‫‪.20‬‬
‫دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة‪.1978 ،‬‬
‫دياب صابر ؿبمد ‪ :‬اؼبسلموف كجهادىم ضد الركـ ُب أرمينية كالثغور اعبزرية كالشامية‬ ‫‪.21‬‬
‫خالؿ القرف الرابع اؽبجرم‪ ،‬مكتبة السالـ العاؼبية‪( ،‬د ـ)‪.1984 ،‬‬
‫ربيع حسنْب ؿبمد ‪ :‬دراسات ُب تاريخ الدكلة البيزنطية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة‪،‬‬ ‫‪.22‬‬
‫‪.1983‬‬
‫رزقانة ابراىيم ‪ :‬اعبغرافية اَلقليمية للعادل اإلسالمي القسم الثاشل العادل اَلسالمي غّب‬ ‫‪.23‬‬
‫العريب ‪ 1‬تركيا‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة‪( ،‬دت)‪.‬‬
‫رستم أسد ‪ :‬الركـ ُب سياستهم كحضارهتم كدينهم كثقافتهم كصالهتم بالعرب‪ ،‬دار‬ ‫‪.24‬‬
‫اؼبكشوؼ‪ ،‬بّبكت‪.1955 ،‬‬
‫رنسيماف ستيفن ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬نقلو إذل العربية‪ ،‬السيد الباز العريِب‪ ،‬دار‬ ‫‪.25‬‬
‫الثقافة‪ ،‬بّبكت‪.1997 ،‬‬
‫رنسيماف ستيفن ‪ :‬اغبضارة البيزنطية‪ ،‬ترصبة عبد العزيز توفيق جاكيد‪ ،‬اؽبيئة اؼبصرية‬ ‫‪.26‬‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬ط ‪ ،3‬القاىرة‪.2010 ،‬‬

‫‪412‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫الزقرطي إبراىيم موسى ‪ :‬أسس اْلظباء اعبغرافية‪ ،‬اؼبركز اعبغراُب اؼبلكي اْلردشل‪،‬‬ ‫‪.27‬‬
‫عماف‪.1997 ،‬‬
‫أبو زيد عال عبد العزيز ‪ :‬الدكلة اْلموية دكلة الفتوحات ‪132-41‬ىػ‪-661/‬‬ ‫‪.28‬‬
‫‪750‬ـ‪ ،‬اؼبعهد العاؼبي للفكر اإلسالمي‪ ،‬القاىرة‪.1996 ،‬‬
‫السرجاشل راغب ‪ :‬قصة اغبركب الصليبية من البداية إذل عهد عماد الدين زنكي‪،‬‬ ‫‪.29‬‬
‫مؤسسة اقرأ للنشر كالتوزيع كالَبصبة‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاىرة‪.2009 ،‬‬
‫أبو سعيد حامد غنيم ‪ :‬اعببهة اَلسالمية ُب مواجهة اؼبخططات الصليبية‪ ،‬دار‬ ‫‪.30‬‬
‫السالـ للطباعة كالنشر‪ ،‬القاىرة‪.2007 ،‬‬
‫سيد أيبن فؤاد ‪ :‬الدكلة الفاطمية ُب مصر ‪ :‬تفسّب جديد‪ ،‬الدار اؼبصرية اللبنانية‪ ،‬ط‬ ‫‪.31‬‬
‫‪ ،2‬القاىرة‪.2000 ،‬‬
‫السيد ؿبمود ‪ :‬تاريخ الدكلة البيزنطية‪ ،‬مؤسسة شباب اعبامعة‪ ،‬اَلسكندرية‪،‬‬ ‫‪.32‬‬
‫‪.2007‬‬
‫شبارك عصاـ ؿبمد ‪ :‬السالطْب ُب اؼبشرؽ العريب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪،‬‬ ‫‪.33‬‬
‫‪.1994‬‬
‫الشنقيطي ؿبمد بن اؼبختار ‪ :‬أثر اغبركب الصليبية على العالقات السنية الشيعية‪،‬‬ ‫‪.34‬‬
‫الشبكة العربية لألحباث كالنشر‪ ،‬بّبكت‪.2016 ،‬‬
‫شينيو جاف‪-‬كلود ‪ :‬تاريخ بيزنطة‪ ،‬ترصبة جورج زيناٌب‪ ،‬دار الكتاب اعبديد اؼبتحدة‪،‬‬ ‫‪.35‬‬
‫بّبكت‪2008 ،‬‬
‫الصاليب علي ؿبمد ‪ :‬دكلة السالجقة كبركز مشركع إسالمي ؼبقاكمة التغلغل الباطِب‬ ‫‪.36‬‬
‫كالغزك الصلييب‪ ،‬دار اؼبعرفة‪ ،‬ط ‪ ،2‬بّبكت‪.2008 ،‬‬
‫طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬تاريخ اغبركب الصليبية‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بّبكت‪.2011 ،‬‬ ‫‪.37‬‬
‫طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬تاريخ سالجقة الركـ ُب آسيا الصغرل‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بّبكت‪،‬‬ ‫‪.38‬‬
‫‪.2002‬‬
‫طقوش ؿبمد سهيل ‪ :‬تاريخ السالجقة ُب بالد الشاـ‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬ط ‪ ،3‬بّبكت‪،‬‬ ‫‪.39‬‬
‫‪.2009‬‬

‫‪413‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح‪ ،‬حبوث كدراسات ُب تاريخ العصور الوسطى‪ ،‬جامعة بّبكت‬ ‫‪.40‬‬
‫العربية‪ ،‬بّبكت‪.1977 ،‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ أكربا ُب العصور الوسطى‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫‪.41‬‬
‫بّبكت‪1976 ،‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬تاريخ العالقات بْب الشرؽ كالغرب ُب العصور الوسطى‪،‬‬ ‫‪.42‬‬
‫دار النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪.1976 ،‬‬
‫عاشور سعيد عبد الفتاح ‪ :‬اغبركة الصليبية صفحة مشرفة ُب تاريخ اعبهاد اإلسالمي‬ ‫‪.43‬‬
‫ُب العصور الوسطى‪ ،‬مكتبة اْلقبلو اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪.2010 ،‬‬
‫العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬أرمينية كعالقاهتا السياسية بكل من البيزنطيْب‬ ‫‪.44‬‬
‫كاؼبسلمْب ‪1064-653‬ـ‪457-33/‬ىػ‪ ،‬مؤسسة الكويت للتقدـ العلمي‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫‪.1989‬‬
‫العريِب السيد الباز ‪ :‬اؼبغوؿ‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪.1981 ،‬‬ ‫‪.45‬‬
‫عطا زبيدة ‪ :‬الَبؾ ُب العصور الوسطى بيزنطة كسالجقة الركـ كالعثمانيوف‪ ،‬دار الفكر‬ ‫‪.46‬‬
‫العريب‪( ،‬د‪ .‬ـ)‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫عطية حسْب ؿبمد ‪ :‬إمارة أنطاكية الصليبية كاؼبسلموف ‪1268-1171‬ـ‪-567/‬‬ ‫‪.47‬‬
‫‪666‬ق‪ ،‬دار اؼبعرفة اعبامعية‪ ،‬اَلسكندرية‪.1989 ،‬‬
‫عطية عزيز سولاير ‪ :‬تاريخ اؼبسيحية الشرقية‪ ،‬ترصبة إسحاؽ عبيد‪ ،‬آّلس اْلعلى‬ ‫‪.48‬‬
‫للثقافة‪ ،‬القاىرة‪.2005 ،‬‬
‫عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬اَلمرباطورية البيزنطية كحضارهتا‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بّبكت‪،‬‬ ‫‪.49‬‬
‫‪.2002‬‬
‫عمراف ؿبمود سعيد ‪ :‬السياسة الشرقية لإلمرباطورية البيزنطية ُب عهد اَلمرباطور‬ ‫‪.50‬‬
‫مانويل اْلكؿ (‪1180-1143‬ـ)‪ ،‬دار اؼبعرفة اعبامعية‪ ،‬اَلسكندرية‪.2010 ،‬‬
‫عوض ؿبمد مؤنس ‪ :‬تاريخ الصليبيات الصراع العاؼبي ُب العصور الوسطى‪ ،‬دار العادل‬ ‫‪.51‬‬
‫العريب‪ ،‬القاىرة‪.2012 ،‬‬
‫الغزم (كامل بن حسْب بن ؿبمد بن مصطفى البارل) ‪ :‬هنر الذىب ُب تاريخ حلب‪،‬‬ ‫‪.52‬‬
‫اؼبطبعة اؼباركنية‪ ،‬حلب‪.1926 ،‬‬
‫‪414‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫قاسم قاسم عبده ‪ :‬اػبلفية اْليديولوجية للحركب الصليبية‪ ،‬دراسة عن اغبملة اْلكذل‬ ‫‪.53‬‬
‫‪1099-1095‬ـ‪ ،‬عْب للدراسات كالبحوث اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬القاىرة‪.1999 ،‬‬
‫كاميللو بيّبكا كآخركف ‪ :‬آّامع اؼبسكونية‪ ،‬نقلو إذل العربية السيد بولس عطا ا﵁‪،‬‬ ‫‪.54‬‬
‫دار شرقيات للنشر كالتوزيع‪ ،‬القاىرة‪.2005 ،‬‬
‫لسَبنج كي‪ ،‬بلداف اػبالفة الشرقية‪ ،‬نقلو إذل العربية بشّب فرنسيس ككوريكس عواد‪،‬‬ ‫‪.55‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ ،2‬بّبكت‪.1985 ،‬‬
‫اللهييب فتحي سادل ‪ :‬فبلكة جورجيا ُب العصور الوسطى‪ ،‬دار غيداء‪ ،‬عماف‪،‬‬ ‫‪.56‬‬
‫‪ .2015‬ا﵀يميد علي بن صاحل ‪ :‬الدانشمنديوف كجهادىم ُب اْلناضوؿ‪ ،‬مؤسسة شباب‬
‫اعبامعة‪ ،‬اَلسكندرية‪.1994 ،‬‬
‫اؼبدكر عثماف‪ ،‬اْلرمن عرب التاريخ‪ ،‬منشورات دار نوبل‪ ،‬ط ‪ ،2‬دمشق‪( ،‬د ت)‪.‬‬ ‫‪.57‬‬
‫كيلَب ج‪ : .‬اؽبرطقة ُب اؼبسيحية تاريخ البدع الدينية اؼبسيحية‪ ،‬تعريب صباؿ سادل‪،‬‬ ‫‪.58‬‬
‫التنوير‪ ،‬بّبكت‪.2010 ،‬‬
‫مقامي نبيلة ابراىيم ‪ :‬فرؽ الرىباف الفرساف ُب بالد الشاـ ُب القرنْب الثاشل عشر‬ ‫‪.59‬‬
‫كالثالث عشر‪ ،‬مطبعة جامعة القاىرة كالكتاب اعبامعي‪ ،‬القاىرة‪.1994 ،‬‬
‫نافع أمّبة ؿبمد ‪ :‬اؼبسيحيوف ا﵀ليوف ُب بالد الشاـ عصر اغبركب الصليبية (‪-491‬‬ ‫‪.60‬‬
‫‪691‬ق‪1291-1097/‬ـ)‪ ،‬عْب للدراسات كالبحوث اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫‪.2016‬‬
‫نبيل نيقوَل جورج بوخاركؼ ‪ :‬اؼبسيحية دين ا﵁ الذم أنزلو على اؼبسيح أـ ىي‬ ‫‪.61‬‬
‫ديانة بولس‪( ،‬بدكف دار كمكاف النشر) ‪.1116‬‬
‫يوسف أبو النصر ؿبمد عبد العظيم ‪ :‬السالجقة تارىبهم السياسي كالعسكرم‪ ،‬عْب‬ ‫‪.62‬‬
‫للدراسات كالبحوث اإلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬القاىرة‪.2001 ،‬‬

‫خامسا ‪ :‬المراجع األجنبية‬


‫‪1. Alain Ducellier, (et autres) : Le Moyen Âge en Orient : Byzance‬‬
‫‪et l'Islam : Des Barbares aux Ottomans, Hachette, Paris, 2006.‬‬
‫‪2. Alishan Léonce : Sissouan ou l'Armino-Cilicie description‬‬
‫‪géographique et historique, traduit par George Bayan, Pères‬‬
‫‪Mekhitaristes, Venise, 1899.‬‬
‫‪415‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
3. Aslan Kévork : L'Arménie et les Arméniens depuis les origines
jusqu'à nos jours, Librairie Weiss, Constantinople, 1914.
4. Augé Isabelle : Byzantins, Arméniens et Francs au temps de la
croisade, Geuthner, 2007.
5. Augé Isabelle : Le dilemme de l'Eglise : ouverture ou défense de
la tradition nationale, ds. : H.P. Arm., sous la direction de Gérard
Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008.
6. Balard Michel : Croisades et Orient latin (11e-14e siècle),
Armand Colin, Paris, 2003
7. Balard Michel : Les Latins en Orient XIe-XVe siècle, Presses
universitaires de France, Paris, 2006.
8. Bréhier Louis : L'Eglise et l'Orient au moyen âge. Les croisades,
J. Cabalda, éditeur, 4eme éd., Paris 1921.
9. Bréhier Louis : Les institutions de l'empire byzantin, Editions
Albin Michel, Paris, 1949.
10. Bréhier Louis : Vie et mort de Byzance, Editions Albin
Michel, Paris, 1969.
11. Cahen Claude : La Syrie du nord à l'époque des Croisades
et la principauté franque d'Antioche, Librairie Orientaliste Paul
Geuthner, Paris, 1940.
12. Cahen Claude : Orient et Occident au temps des croisades,
Aubier Montaigne, Paris, 1983.
13. Chalandon Ferdinand : Les Comnène étude sur l'empire
Byzantin au XIe et XIIe siècles, Burt Franklin, New York, 1925.
14. Chaumont Marie-Louise et Traina Giusto : Les arméniens
entre l'Iran et le monde gréco-romain (Ve siècle av. J.-C.-vers
300 ap. J.-C.), ds. H.P. Arm., sous la direction de Gérard
Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008.
15. Chevalier Marie-Anna : Les Ordres religieux-militaires en
Arménie Cilicienne, Geuthner, Paris, 2009.
16. Cheynet Jean-Claude : Les Arméniens de l'Empire en
Orient de Constantin X à Alexis Comnène (1059-1081), ds.
L'Arménie et Byzance histoire et culture, Publications de la
Sorbonne, Paris, 1996.
17. Cheynet Jean-Claude et Vannier Jean-François : Etudes
prosopographiques, Publications de la Sorbonne, Paris, 1986.
18. Cheynet Jean-Claude: Les Arméniens dans l'armée
byzantine au Xe siècle, ds. : Travaux et mémoires 18 Mélanges
416
‫البيبميكغرافيا‬
Jean-Pierre Mahé, Association des Amis du Centre d'Histoire et
Civilisation de Byzance, Paris, 2014.
19. De Morgan Jacques : Histoire du peuple arménien, depuis
les temps les plus reculés de ses annales jusqu'à nos jours,
Berger-Levrault, Libraires-Editeurs, Paris, 1919.
20. Dédéyan Gérard : Le rayonnement de l'état arménien de
Cilicie, ds. : H.P. Arm., sous la direction de Gérard Dédéyan,
Éditions Privat, Toulouse, 2008.
21. Dédéyan Gérard : Les Arméniens dans la France
médiévale, ds. H.P. Arm., sous la direction de Gérard Dédéyan,
Éditions Privat, Toulouse, 2008.
22. Dédéyan Gérard : Les Arméniens entre Grecs Musulmans
et Croises, étude sur les pouvoirs arméniens dans le Proche-
Orient Méditerranéen (1068-1150), Fondation Calouste
Gulbenkian, Lisbonne, 2003.
23. Dédéyan Gérard : Un émir arménien du Hawrân entre la
principauté turque de Damas et le royaume latin de Jérusalem
(1147), ds. : Dei gesta per Francos. Etudes sur les croisades
dédiées à Jean Richard, ed. by Michel Balard, Ashgate, 2001.
24. Diehl Charles : Byzance grandeur et décadence, Ernest
Flammarion éditeur, Paris 1920.
25. Diehl Charles : Histoire de l'Empire byzantin, Auguste
Picard, éditeur, Paris, 1924.
26. Du Cange Charles : Les Familles d'Outre-Mer de Du
cange, publiées par E.-G. Rey, bibliothèque S. J. Les Fontaines,
Paris, 1869.
27. Dulaurier Édouard : Histoire Dogmes, Traditions et
Liturgie de l'Église Arménienne orientale, A. Durand, Librairie,
3eme. éd. Paris, 1859.
28. Dulaurier Edouard : Introduction, ds. : R.H.C.D. Arm.,
Imprimerie impériale, 2eme ed., Paris. 1969.
29. Elisséeff Nikita : Nūr Ad-dīn un grand prince musulman de
Syrie au temps des croisades (511-569h./1118-1174), Librairie
d'Amérique et d'Orient, Damas, 1967.
30. Garsoïan Nina : Le royaume du nord, ds. H.P. Arm., sous
la direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008.
31. Grousset René : Histoire de l'Arménie des origines à 1071,
Payot, Paris, 1984.
417
‫البيبميكغرافيا‬
32. Grousset René : Histoire des croisades, Perrin, Paris, 1991.
33. Grousset René : L'Empire des steppes Attila, Gengis-Khan,
Tamerlan, Payot, 4eme ed., Paris, 1965.
34. Grousset René : L'Empire du Levant histoire de la question
d'orient, Payot, Paris, 1949
35. Grousset René : Les Croisades : Presses universitaires de
France, Paris, 1964.
36. Hewsen Robert H. : Géographie physique, ds. : H.P. Arm.,
sous la direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse,
2008.
37. Hewsen Robert H. : Les hommes, ds. : H.P. Arm., sous la
direction de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008.
38. Hill Georges : A History of Cyprus, Cambridge university
press, New York, 2010.
39. Iorga N. : Brève histoire de la petite Arménie, Librairie
universitaire J. Gamber, Paris, 1930.
40. Jean-Pierre Alem : L'Arménie, Presses Universitaires de
France, Paris, 1959.
41. Kherumian R. : Les Arméniens race -origines ethno-
raciales, Vigot frères éditeurs, Paris, 1941.
42. Langlois Victor : Voyage dans la Cilicie et dans les
montagnes de Taurus, Librairie de Benjamin Duprat, Paris,
1861.
43. Laurent J. : L'Arménie entre Byzance et l'Islam depuis la
conquête arabe jusqu'en 886, Fontemoing et Cie, Paris, 1919
44. Laurent J. Byzance et les Turcs Seldjoucides dans l'Asie
occidentale jusqu'en 1081, Berger-Levurlta éditeurs, Paris, 1914.
45. Macler Frédéric : La France et L'Arménie à travers l'art et
l'histoire, Imprimerie H. Turabian, Paris, 1917.
46. Mahé Annie et Mahé Jean-Pierre : Histoire de l'Arménie
des origines à nos jours, Perrin, Paris, 2012.
47. Mahé Jean-Pierre : Affirmation de l'Arménie chrétienne
(vers 301-590), ds. : H.P. Arm., sous la direction de Gérard
Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008.
48. Martin-Hisard Bernadette : Domination arabe et libertés
arméniennes (VIIe-IXe siècle), ds. H.P. Arm., sous la direction
de Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008.

418
‫البيبميكغرافيا‬
49. Mouradian Claire, L'Arménie, Presse universitaire de
France, 9eme ed. Paris, 2009.
50. Mutafian Claude : La Cilicie au carrefour des empires,
Société d'édition «Les belles lettres», Paris, 1988.
51. Mutafian Claude : L'Arménie du Levant, Les Belles
Lettres, Paris, 2012.
52. Pasdermadjian H. : Histoire de l'Arménie depuis les
origines jusqu'au traité de Lausanne, Librairie orientale H.
Samuelian, 2e éd. Paris, 1964.
53. Ramsay W. M. : The historical geography of Asia minor,
John Murray, London, 1890.
54. Schlumberger Gustave : Un empereur byzantin au dixième
siècle Nicéphore Phocas, Librairie de Firmin-Didot et Cie, Paris,
1890.
55. Schlumberger Gustave: L'épopée byzantine à la fin du
dixième siècle, seconde partie, Basile II le tueur des bulgares,
Hachette & Cie., Paris, 1900.
56. Schlumberger Gustave: L'épopée byzantine à la fin du
dixième siècle, troisième partie, les porphyrogénètes Zoé et
Thhéodora (1025-1057), Hachette & Cie., Paris, 1905.
57. Seydi Süleyman : Esquisse de 2000 ans d'histoire de la
Turquie, Editions du ministère de la culture et du tourisme de la
république de Turquie, Ankara, 2010.
58. Simon : The History of Armenia from the origins to the
present, Palgrave Macmillan, New York, 2007.
59. Tariel Michel : Chronique des civilisations anciennes, Les
Editions du Panthéon, Paris, 1997.
60. Texier Charles : Asie mineure description géographique,
historique et archéologique, Firmin Didot frères fils et Cie
Editeurs, Paris, 1862.
61. Thierry Nicole : L'éclosion artistique des XIIIe et XIVe
siècles, Ds. : H.P. Arm., sous la direction de Gérard Dédéyan,
Éditions Privat, Toulouse, 2008.
62. Thorossian H. : Histoire de L'Arménie et du peuple
arménien, (S. E.), Paris, 1957.
63. Treadgold Warren : A History of the Byzantine state and
society, Stanford university press, Stanford California, 1997.

401
‫البيبميكغرافيا‬
‫‪64.‬‬ ‫‪Valognes Jean-Pierre : Vie et mort des chrétiens‬‬
‫‪d'Orient des origines à nos jours, Fayard, Paris, 1999.‬‬
‫‪65.‬‬ ‫‪Vasiliev A. A. : Histoire de l'empire byzantin, traduit du‬‬
‫‪russe par P. Brodin et A. Bourguina, Editions A. Picard, Paris,‬‬
‫‪1932.‬‬
‫‪66.‬‬ ‫‪Vernier Donat : Histoire du Patriarcat arménien‬‬
‫‪Catholique, Delhomme et Briguet éditeurs, Paris, Lyon, 1891.‬‬
‫‪67.‬‬ ‫‪Zekiyan Levon B. : Les colonies arméniennes des origines‬‬
‫‪à la fin du XVIIIe siècle, ds. H.P. Arm., sous la direction de‬‬
‫‪Gérard Dédéyan, Éditions Privat, Toulouse, 2008.‬‬

‫سادسا ‪ :‬الرسائل كالمذكرات الجامعية‬


‫اسكندر فايز قبيب ‪" :‬فبلكة أرمينية الصغرل بْب الصليبيْب كدكلة اؼبماليك اْلكذل‬ ‫‪.1‬‬
‫(‪1375-1250‬ـ‪776-648/‬ىػ)"‪ ،‬رسالة مقدمة للحصوؿ على درجة الدكتوراه ُب‬
‫اآلداب‪ ،‬إشراؼ أ د جوزيف نسيم‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اَلسكندرية‪ ،‬السنة اعبامعية‬
‫‪.1980-1979‬‬
‫باذياب نوره عبد ا﵁ ‪" :‬قونية عاصمة سلطنة سالجقة الركـ دراسة تارىبية كحضارية"‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه ُب التاريخ اَلسالمي‪ ،‬إشراؼ أ‪ .‬د‪ .‬أضبد السيد دراج‪،‬‬
‫قسم الدراسات العليا التارىبية كاغبضارية‪ ،‬كلية الشريعة كالدراسات اَلسالمية‪ ،‬جامعة أـ‬
‫القرل دبكة اؼبكرمة‪.1994 ،‬‬
‫البساـ ىيفاء عبد ا﵁ العلي ‪" :‬الوزير السلجوقي نظاـ اؼبلك"‪ ،‬حبث مقدـ لنيل درجة‬ ‫‪.3‬‬
‫اؼباجستّب ُب التاريخ اإلسالمي‪ ،‬إشراؼ د‪ .‬حساـ الدين السامرائي‪ ،‬الدراسات العليا‬
‫التارىبية كاغبضارية‪ ،‬كلية الشريعة كالدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة اؼبلك عبد العزيز‪ ،‬السنة‬
‫اعبامعية ‪.1980-1979‬‬
‫بوعمامة فاطمة ‪" :‬العالقات اػبارجية ؼبملكة أرمينيا الصغرل منذ منتصف القرف الثاشل‬ ‫‪.4‬‬
‫عشر اؼبيالدم حٌب سنة ‪1375‬ـ"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة اؼباجستّب ُب تاريخ العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬إشراؼ ابراىيم فخار‪ ،‬معهد التاريخ‪ ،‬جامعة اعبزائر‪ ،‬السنة اعبامعية ‪-1993‬‬
‫‪.1994‬‬

‫‪400‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫‪ .5‬زرقوؽ ؿبمد ‪" :‬فبلكة أرمينيا الصغرل بْب اؼبغوؿ كاؼبماليك (‪776-623‬ىػ‪-1226/‬‬
‫‪1375‬ـ)"‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة اؼباجستّب ُب التاريخ الوسيط‪ ،‬إشراؼ أ‪ .‬د‪.‬‬
‫بشارم لطيفة‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬كلية العلوـ اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬جامعة اعبزائر ‪،2‬‬
‫‪.2012-2011‬‬
‫‪ .6‬ابن فرج لطفي ‪" :‬اْلسرل ُب العالقات العباسية‪-‬البيزنطية من قياـ الدكلة العباسية إذل‬
‫كاقعة مالزكرد (‪132‬ىػ‪750/‬ـ‪463-‬ىػ‪1071/‬ـ)"‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الكفاءة ُب‬
‫البحث العلمي‪ ،‬اؼبرحلة الثالثة‪ ،‬إشراؼ د‪ .‬ؿبمد الطاىر اؼبنصورم‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬كلية‬
‫العلوـ اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬جامعة تونس اْلكذل‪ ،‬السنة اعبامعية ‪.1993-1992‬‬
‫‪ .7‬قمعوف عاشورم ‪" :‬العالقات العسكرية بْب الدكلتْب السلجوقية كالبيزنطية (‪-429‬‬
‫‪794‬ق‪1391-1038/‬ـ)"‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه ُب التاريخ الوسيط‪،‬‬
‫إشراؼ أ د ؿبمد اْلمْب بلغيث‪ ،‬كلية العلوـ اَلنسانية كاَلجتماعية‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬جامعة‬
‫اعبزائر‪ ،‬السنة اعبامعية‪.2009-2008 ،‬‬

‫سابعا ‪ :‬المقاالت العربية‬


‫‪ .1‬باذياب نورة بنت عبد ا﵁ بن سعيد ‪ :‬سلطنة سالجقة الركـ كفبلكة أرمينيا الصغرل ُب‬
‫النصف اْلكؿ من القرف السابع اؽبجرم‪/‬الثالث عشر اؼبيالدم‪ ،‬مجلة الجمعية التاريخية‬
‫السعودية‪ ،‬ع ‪ ،4‬السنة الثانية‪ ،‬اعبمعية التارىبية السعودية‪ ،‬الرياض‪ .‬جويلية ‪.2001‬‬
‫‪ .2‬اغبيارم مصطفى علي ‪ :‬حياة الناس ُب مدف الثغور‪ ،‬ؾبلة دراسات تارىبية‪ ،‬مجلة‬
‫دراسات تاريخية‪ ،‬ع ‪ ،4‬جامعة دمشق‪ ،‬افريل ‪1981‬ـ‪.‬‬
‫‪ .3‬اغبيارم مصطفى ‪ :‬مدينة بانياس ُب القرف السادس اؽبجرم‪/‬الثاشل عشر اؼبيالدم‪ ،‬مجلة‬
‫دراسات‪ ،‬ع ‪ ،12‬مج ‪ ،13‬اعبامعة اْلردنية‪ ،‬عماف‪ ،‬ديسمرب ‪.1986‬‬
‫‪ .4‬الربيعي عبد ا﵁ بن عبد الرضبن ‪ :‬موقف اَلمرباطورية البيزنطية من قادة اغبمالت‬
‫الصليبية‪ ،‬مجلة جامعة االماـ محمد بن سعود االسالمية‪ ،‬ع ‪ ،36‬جامعة اَلماـ ؿبمد‬
‫بن سعود اَلسالمية‪ ،‬الرياض‪ ،‬شواؿ ‪ 1422‬ق‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫‪ .5‬الركيضي ؿبمود ك الطاكنة ؿبمد سادل ‪ :‬دكر اْلرمن ُب تأسيس إمارٌب الرىا كأنطاقية‬
‫الصليبيتْب (‪491-490‬ق‪1098-1097/‬ـ)‪ ،‬حوليات آداب عين شمس‪ ،‬مج‬
‫‪ ،30‬جويلية‪-‬سبتمرب ‪.2003‬‬
‫‪ .6‬زعركر ابراىيم ‪ :‬ربرير الرىا كأثرىا على ؾبرل اغبركب الصليبية‪ ،‬ؾبلة دراسات تاريخية‪ ،‬ع‬
‫‪ ،60-59‬جامعة دمشق‪ ،‬جانفي‪-‬افريل ‪.1997‬‬
‫‪ .7‬زيتوف عادؿ ‪ :‬آّتمع الصلييب ُب مذكرات أمّب عريب‪ ،‬مجلة العربي‪ ،‬ع ‪ ،555‬كزارة‬
‫اَلعالـ‪ ،‬الكويت‪ ،‬فيفرم ‪ .2005‬ص ‪.)115-114‬‬
‫‪ .8‬الطائي سناء عبد ا﵁ عزيز ‪ :‬اقتصاديات الثغور ُب القرنْب الثالث كالرابع للهجرة‪/‬التاسع‬
‫كالعاشر للميالد‪ ،‬مجلة أبحاث كلية التربية األساسية‪ ،‬مج ‪ ،9‬ع ‪ ،3‬جامعة اؼبوصل‪،‬‬
‫العراؽ‪.2010 ،‬‬
‫‪ .9‬العبد الغِب عبد الرضبن ؿبمد ‪ :‬اْلرمن ُب اغبرب الصليبية (‪ ،)1099-1097‬مجلة‬
‫المواقف للبحوث كالدراسات في المجتمع كالتاريخ‪ ،‬ع ‪ ،03‬اؼبركز اعبامعي مصطفى‬
‫اسطمبورل‪ ،‬معسكر‪ ،‬ديسمرب ‪.2008‬‬
‫‪ .10‬العميد طاىر مظفر ‪ :‬ربصينات الدكلة العباسية اؼبواجهة للبيزنطيْب ُب عهد الرشيد‪،‬‬
‫مجلة المؤرخ العربي‪ ،‬ع ‪ ،44‬السنة ‪ ،16‬اْلمانة العامة َلرباد اؼبؤرخْب العرب‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪.1991‬‬
‫‪ .11‬عودات أضبد عبد ا﵁ ‪ :‬التسلط السلجوقي على اػبالفة العباسية كموقف اػبلفاء من‬
‫ذلك (‪590-429‬ىػ‪1193-1037/‬ـ)‪ ،‬مجلة الجمعية التاريخية السعودية‪ ،‬ع ‪،9‬‬
‫السنة اػبامسة‪ ،‬اعبمعية التارىبية السعودية‪ ،‬الرياض‪1424 ،‬ىػ‪2004/‬ـ‪.‬‬
‫‪ .12‬كنعاف عاصم اظباعيل ‪ :‬نظاـ ضباية اغبدكد ُب العصر اْلموم‪ ،‬مجلة الفتح‪ ،‬مج ‪،4‬‬
‫ع ‪ ،32‬جامعة ديارل‪ ،‬العراؽ‪.2008 ،‬‬
‫‪ .13‬ماىر سعاد ‪ :‬أثر اؼباكردم ُب الفن السلجوقي‪ ،‬المؤرخ العربي‪ ،‬العدد العاشر‪ ،‬اْلمانة‬
‫العامة َلرباد اؼبؤرخْب العرب‪ ،‬بغداد‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ .14‬ؿبل طالب صبار ‪ :‬العالقات السياسية للقبائل العربية ُب بالد الشاـ كاعبزيرة الفراتية‬
‫مع البيزنطيْب ُب القرنْب الرابع كاػبامس اؽبجريْب‪ ،‬مجلة آداب الفراىيدم‪ ،‬مج ‪ ،11‬ع‬
‫‪ ،9554-2074‬جامعة تكريت‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬العراؽ‪.2012 ،‬‬
‫‪402‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫ الفتح كالتوسع السلجوقي ُب آسيا الصغرل ُب النصف الثاشل من‬: ‫ ؿبمد عمر وبي‬.15
: ‫ مجلة جامعة الملك عبد العزيز‬،‫اغبادم عشر اؼبيالدم‬/‫القرف اػبامس اؽبجرم‬
،‫ جدة‬،‫ جامعة اؼبلك عبد العزيز‬،14 ‫ مج‬،‫اآلداب كالعلوـ اإلنسانية‬
.‫ىػ‬1427/‫ـ‬2006
‫ ظبات اغبكم الزنكي ُب عهد نور الدين ؿبمود‬: ‫ اؼبزيِب ابراىيم بن ؿبمد بن ضبد‬.16
‫ مجلة جامعة االماـ محمد بن سعود‬،)‫ـ‬1147-1146/‫ق‬569-541(
‫ ربيع الثاشل‬،‫ الرياض‬،‫ جامعة اَلماـ ؿبمد بن سعود اَلسالمية‬،22 ‫ ع‬،‫اإلسالمية‬
.‫ق‬1419

‫ المقاالت األجنبية‬: ‫ثامنا‬


1. Adontz N. : Notes Arméno-Byzantines, ds. : Byzantion, t. IX,
fasc. 1, Bruxelles, 1934.
2. Aryeh Graboïs : La cité de Baniyas et le château de Subeibeh
pendant les croisades. Ds : Cahiers de civilisation
médiévale, 13e année (n°49), Janvier-mars 1970.
3. Augé Isabelle : Le catholicos arménien pendant la période
cilicienne, ds : Cahiers de civilisation médiévale Xe-XIIe
siècles, n° 52, centre d'études supérieures de civilisation
médiévale, université de Potiers, 2009.
4. Cahen Claude : La campagne de Mantzikert d'après les
sources Musulmanes, Byzantion, t. IX, fascicule 2, Bruxelles,
1934.
5. Cheynet Jean-Claude : De Tziliapert à Sébastè, ds. Studies in
Byzantine Sigillography, vol. 9, Walter de Gruyter, Berlin,
2006.
6. Cheynet Jean-Claude : La perte de l’Asie Mineure au Xie
siècle a-t-elle laissé des traces dans l’anthroponymie familiale
?, ds. Studies in Byzantine Sigillography, vol. 12, Walter de
Gruyter, Berlin, 2016.

403
‫البيبميكغرافيا‬
7. Cheynet Jean-Claude : Mantzikert un désastre militaire,
Byzantion, t. L, fasicule 2, organe de la Société belge
d'Etudes byzantines, Bruxelles, 1980.
8. Cheynet Jean-Claude : Thathoul archonte des archontes,
Revue des études byzantines, t. 48, n° 1, Institut français
d'études byzantines, Paris, 1990.
9. Dédéyan Gérard : Les Arméniens sur la frontière sud-
orientale de Byzance, fin IXe - fin XIe siècles, : La
Frontière. Séminaire de recherche, vol. 21, n° 1, Maison de
l'Orient Méditerranéen, Lyon, 1993.
10. Kapoïan-Kouymjian Angèle : Le Catholicos Grégoire II le
Martyrophile (vkayaser) et ses peregrinations, ds. Bazmavep,
vol. 132, n° 3-4, Venise, 1975.
11. Kiourtzian Georges : En attendant les Seldjouks : une
inscription des remparts d'Alanya en Asie mineure de 1199, :
Revue des études byzantines, t. 70, année 2012, De Boccard,
Paris, 2012.
12. Laurent J. : Byzance et Antioche sous le curopalate
Philarète, Revue des études Arméniennes, t. IX fasc. 1,
Librairie orientaliste Paul Geuthner, Paris, 1929.
13. Laurent J. : Des Grecs aux Croisés. Étude sur l'histoire
d'Édesse entre 1071 et 1098, ds. : Byzantion, t. I, publié par,
Paul Graindor et Henri Grégoire, Paris, 1924.
14. Tournebize F. : Histoire politique et religieuse de
l'Arménie, ds. : Revue de l'Orient Chrétien, neuvième et
dixième année, Librairie A. Picard et fils, Paris, 1904.

‫ المؤتمرات كالندكات العلمية‬: ‫تاسعا‬


‫ ذبارة فبلكة أرمينية الصغرل مع اؼبدف اَليطالية كسلطنة اؼبماليك‬: ‫ اسكندر فايز قبيب‬.1
‫ الندكة العلمية الدكلية‬: ‫ حبث مقدـ ُب‬،)‫ىػ‬776-595/‫ـ‬1375-1198( ‫البحرية‬
‫ منشورات مركز الدراسات‬،2010 ‫ مارس‬29 ،‫عن االقتصاد بين العرب كاألرمن‬
.2010 ،‫ جامعة القاىرة‬،‫ كلية اآلداب‬،‫اْلرمينية‬
404
‫البيبميكغرافيا‬
‫‪ .2‬اسكندر فايز قبيب ‪ :‬سيبيوس )‪- (Sébêos‬اؼبؤرخ اْلرميِب اؼبعاصر للفتح اَلسالمي‬
‫ْلرمينية‪ -‬كصورة اآلخر‪ ،‬حبث مقدـ ُب ‪ :‬الندكة الدكلية للعالقات الثقافية العربية‪-‬‬
‫األرمنية‪ 16 ،‬مارس ‪ ،2009‬منشورات مركز الدراسات اْلرمينية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة‬
‫القاىرة‪.2009 ،‬‬
‫‪ .3‬بوَلدياف آرشاؾ ‪ :‬أرمينيا ُب التاريخ العريب‪-‬اَلسالمي‪ ،‬حبث مقدـ ُب ‪ :‬الندكة الدكلية‬
‫للعالقات الثقافية العربية‪-‬األرمنية‪ 16 ،‬مارس ‪ ،2009‬منشورات مركز الدراسات‬
‫اْلرمينية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاىرة‪.2009 ،‬‬
‫‪ .4‬زىر الدين صاحل ‪ :‬عيّْنات ثقافية ُب العالقات العربية‪-‬اْلرمينية‪ ،‬حبث مقدـ ُب ‪ :‬الندكة‬
‫الدكلية للعالقات الثقافية العربية‪-‬األرمنية‪ 16 ،‬مارس ‪ ،2009‬منشورات مركز‬
‫الدراسات اْلرمينية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاىرة‪.2009 ،‬‬
‫‪ .5‬الغامدم علي ؿبمد عودة ‪ :‬سياسة نور الدين ؿبمود العسكرية إزاء اْلرمن ُب قيليقيا‬
‫‪569-563‬ق‪1147-1168/‬ـ‪ ،‬حبث منشور ُب ‪ :‬بحوث تاريخية‪ ،‬حبوث علمية‬
‫ؿبكمة حصيلة اللقاءين العلميْب اْلكؿ كالثاشل‪ ،‬شواؿ ‪1409‬ق ك شواؿ ‪1410‬ق‪،‬‬
‫إصدار اعبمعية التارىبية السعودية‪ ،‬الرياض‪.1993/1413 ،‬‬
‫غساف ‪ :‬حركة اؼبثاقفة اْلرمينية العربية كدكر اْلرمن ُب حركة النهضة العربية‪ ،‬حبث‬
‫‪ .6‬كجو ٌ‬
‫مقدـ ُب ‪ :‬الندكة الدكلية للعالقات الثقافية العربية‪-‬األرمنية‪ 16 ،‬مارس ‪،2009‬‬
‫منشورات مركز الدراسات اْلرمينية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاىرة‪.2009 ،‬‬
‫– ‪7. Dédéyan Gérard : Les Arméniens en Occident, fin du Xe siècle‬‬
‫‪début du XIe, ds. Actes des congrès de la Société des historiens‬‬
‫‪médiévistes de l'enseignement supérieur public, 9e congrès,‬‬
‫‪Dijon, 1978. Occident et Orient au Xe siècle.‬‬
‫‪8. Dédéyan Gérard : Les origines de l'état arménien de Cilicie, Actes‬‬
‫‪du XXIXe Congrès international des Orientalistes, ds. Orient‬‬
‫‪Chrétien, L'Asiathèque, 1975.‬‬
‫‪9. Dédayan Gérard : Reconquête territoriale et immigration‬‬
‫‪arménienne dans l'aire cilicienne sous les empereurs macédoniens‬‬
‫‪(de 867-1028), ds. : Migrations et diasporas méditerranéennes‬‬
‫‪(Xe-XXIe siècles), Actes du colloque de Conques (octobre‬‬
‫‪1999), Publications de la Sorbonne, Paris, 2002.‬‬

‫‪405‬‬
‫البيبميكغرافيا‬
‫ الموسوعات كالقواميس األجنبية‬: ‫عاشرا‬
1. Barber Malcolm : Templar of Tyre, in : The Crusades An
Encyclopedia, ABC-Clio, California, 2006.
2. Barthold W. : Turkistan, in : The encyclopaedia of Islam,
Brill, Leiden, 2000. vol. X.
3. Bosworth C.E. : Ukaylids, in : The encyclopaedia of Islam,
Brill, Leiden, 2000. vol. X.
4. Cahen Claude : Alp Arslan, in : The encyclopaedia of Islam,
E. J. Brill, Leiden, 1986. vol. I.
5. Cahen Claude : Artukids, in : The encyclopaedia of Islam, E.
J. Brill, Leiden, 1986. vol. I.
6. Cahen Claude : Kilidj Arslan II, in : The encyclopaedia of
Islam, E. J. Brill, Leiden, 1986. Vol. V.
7. Canard M. : Arminiya, in : The encyclopaedia of Islam, E. J.
Brill, Leiden, 1986. vol. I.
8. Crawford Paul : Poulains, in : The Crusades An
Encyclopedia, ABC-Clio, California, 2006.
9. Elisseefe N. : Nur Al Din Mahmud b. Zanki, in : The
encyclopaedia of Islam, E.J. Brill, Leiden, 1995. Vol. VIII.
10. Feuillet Michel : Vocabulaire du Christianisme, Presses
Universitaires de France, 2e édition, Paris, 2004.
11. Gerish Deborah : Amalric of Jerusalem (1136–1174), in :
The Crusades An Encyclopedia, ABC-Clio, California, 2006.
12. Hillenbrand R. : Saldjukids, in : The encyclopaedia of
Islam, E. J. Brill, Leiden, 1995. vol. VIII.
13. Kellner-Heinkele Barbara : Turkman, in. The
encyclopaedia of Islam, Brill, Leiden, 2000. T. X.
14. Kennedy Hugh : Saphet, in : The Crusades An
Encyclopedia, ABC-Clio, California, 2006.
15. Leiser G. : Sulayman b. Kutulmish, in : The
encyclopaedia of Islam, Brill, Leiden, 1997. vol. IX,
16. Loud -G. A. : Conrad III of Germany (1093-1152), in :
The Crusades An Encyclopedia, ABC-Clio, California, 2006.
17. Loud -G. A. : Roger II of Sicily, in : The Crusades An
Encyclopedia, ABC-Clio, California, 2006.

406
‫البيبميكغرافيا‬
18. MacEvitt Christopher : Bohemund III of Antioch (d.
1201), in : The Crusades An Encyclopedia, ABC-Clio,
California, 2006.
19. Moure Michel : Dictionnaire encyclopédique d'histoire,
Bordas, Paris, 1996.
20. Murray Alan V. : Banyas, in : The Crusades An
Encyclopedia, ABC-Clio, California, 2006.
21. Murray Alan V. : Franks, in : The Crusades An
Encyclopedia, ABC-Clio, California, 2006.
22. Richards D.S. : Salah Al-Din, in : The encyclopaedia of
Islam, EJ. Brill, Leiden, 1995. pp. vol. VIII.
23. Riley-Smith Jonathan : Atlas des Croisades, traduit par
Camille Cantoni, Editions Autrement, Paris. 1996.
24. Rosemary Morris : Myriokephalon, Battle (1176), in :
The Crusades An Encyclopedia, ABC-Clio, California, 2006.
25. Sayyid Ayman F. : Samanids, in : The encyclopaedia of
Islam, E. J. Brill, Leiden, 1995. vol. VIII.
26. Sobernheim M. : Muslim B. Kuraysh, in : The
encyclopaedia of Islam, E. J. Brill, Leiden, 1993. vol. VII.
‫ القواميس العربية كالموسوعات كاألطالس‬: ‫إحدل عشر‬
‫ ربقيق أضبد عبد الغفور‬،‫ الصحاح تاج اللغة كصحاح العربية‬،)‫اعبوىرم (اظباعيل بن ضباد‬ .1
.1979 ،‫ بّبكت‬،2 ‫ ط‬،‫ دار العلم للماليْب‬،‫عطار‬
،‫ بّبكت‬،‫ دار صادر‬،‫ لساف العرب‬،)‫ابن منظور (أبو الفضل صباؿ الدين ؿبمد بن مكرـ‬ .2
.1997
.1113 ،‫ بّبكت‬،Nobilis ،‫موسوعة عادل اْلدياف‬ .3
.2010 ،‫ بّبكت‬،‫ اؼبكتبة العصرية‬،‫اؼبوسوعة العربية اؼبيسرة‬ .4

407
‫الفَازع‬
‫الفيارس‬
‫فهرس األعالـ‬
‫ألب أرسالف‪،118 ،117 ،116 ،110 ،100 ،90 ،‬‬
‫أ‬
‫‪،131 ،130 ،129 ،127 ،126 ،125 ،121‬‬
‫‪،148 ،142 ،136 ،135 ،134 ،133 ،132‬‬ ‫إبراىيم الغزنوم‪117 ،‬‬
‫‪،204 ،199 ،181 ،180 ،175 ،156 ،155‬‬ ‫إبراىيم يناؿ‪108 ،‬‬
‫‪233‬‬ ‫يب أ ٍىرٍزركشل‪330 ،302 ،267 ،187 ،‬‬
‫أىبػىٍلغىر ٍ‬
‫ألتونتاش‪451 ،‬‬ ‫أتسز‪199 ،127 ،‬‬
‫ألكسيس الثالث أقبيلوس‪421 ،‬‬ ‫آتوـ‪143 ،129 ،‬‬
‫آلٍيات الكبادككي‪134 ،‬‬ ‫أثناسيوس‪429 ،428 ،57 ،‬‬
‫أليس‪391 ،355 ،349 ،346 ،345 ،‬‬ ‫أضبد دانشمند‪،298 ،261 ،256 ،239 ،233 ،157 ،‬‬
‫امرؤ القيس‪43 ،‬‬ ‫‪،311 ،310 ،309 ،308 ،307 ،305 ،304‬‬
‫اندركنيك دككاس‪134 ،‬‬ ‫‪335 ،312‬‬
‫إنوسنت الثالث (البابا)‪440 ،‬‬ ‫أدىيمار‪243 ،230 ،‬‬
‫أكرباف الثاشل (البابا)‪231 ،228 ،210 ،209 ،203 ،‬‬ ‫آراـ‪37 ،‬‬
‫أكشْب‪،293 ،285 ،248 ،247 ،244 ،193 ،187 ،‬‬ ‫أردا‪442 ،269 ،‬‬
‫‪296‬‬ ‫أرسياغي‪129 ،126 ،125 ،‬‬
‫أرميِب بن لىنطى‪38 ،‬‬
‫ب‬ ‫آريوس‪430 ،428 ،78 ،57 ،‬‬
‫بارسوما‪182 ،181 ،‬‬ ‫إسرائيل بن سلجوؽ‪98 ،‬‬
‫باسيل اْلكؿ‪65 ،64 ،‬‬ ‫اسكندر الثاشل (البابا)‪212 ،‬‬
‫باسيل الثاشل‪،115 ،110 ،85 ،84 ،83 ،82 ،81 ،‬‬ ‫آشوط الثالث‪461 ،459 ،202 ،81 ،74 ،‬‬
‫‪141 ،138 ،123‬‬ ‫أشوط الرابع‪87 ،86 ،‬‬
‫باسيل بن أبوخاب‪172 ،‬‬ ‫أقسنقر‪300 ،183 ،‬‬
‫باىاف‪54 ،‬‬ ‫آؿ ركبْب‪،188 ،187 ،146 ،18 ،17 ،13 ،8 ،‬‬
‫بدر اعبمارل‪،403 ،227 ،226 ،225 ،224 ،223 ،‬‬ ‫‪،314 ،303 ،301 ،285 ،277 ،241 ،194‬‬
‫‪450‬‬ ‫‪،326 ،325 ،319 ،318 ،317 ،316 ،315‬‬
‫برتراند‪340 ،‬‬ ‫‪،347 ،344 ،343 ،339 ،336 ،330 ،328‬‬
‫بركياركؽ‪156 ،‬‬ ‫‪،452 ،424 ،392 ،361 ،356 ،349 ،348‬‬
‫برنارد الفلنسي‪296 ،‬‬ ‫‪480 ،459‬‬
‫بطرس‪465 ،452 ،320 ،273 ،229 ،212 ،203 ،‬‬ ‫آؿ ىيثوـ‪،340 ،336 ،317 ،285 ،189 ،23 ،13 ،‬‬
‫بطرس (القديس)‪469 ،219 ،211 ،‬‬ ‫‪424 ،407 ،404 ،396‬‬
‫بطرس الناسك‪320 ،229 ،203 ،‬‬ ‫اإلسكندر اؼبقدكشل‪51 ،‬‬
‫اْلفشْب‪126 ،‬‬

‫‪411‬‬
‫الفيارس‬
‫ت‬ ‫بقراط‪،254 ،253 ،252 ،249 ،246 ،244 ،240 ،‬‬
‫‪302 ،290 ،288 ،287 ،286 ،255‬‬
‫تاتيكيوس‪280 ،251 ،250 ،243 ،232 ،‬‬
‫بالتيانوس‪303 ،171 ،‬‬
‫تانكرد‪،245 ،244 ،243 ،233 ،231 ،230 ،7 ،‬‬
‫بلدكين (اْلكؿ) البولوشل‪،262 ،244 ،240 ،230 ،‬‬
‫‪،289 ،283 ،273 ،256 ،249 ،248 ،247‬‬
‫‪،291 ،290 ،288 ،287 ،272 ،271 ،268‬‬
‫‪،297 ،295 ،294 ،293 ،292 ،291 ،290‬‬
‫‪329 ،311 ،309 ،308 ،301‬‬
‫‪،328 ،324 ،323 ،319 ،300 ،299 ،298‬‬
‫بلدكين الثالث‪،384 ،382 ،380 ،379 ،378 ،376 ،‬‬
‫‪341 ،340 ،336 ،330‬‬
‫‪397 ،385‬‬
‫تتش‪305 ،258 ،181 ،180 ،176 ،155 ،‬‬
‫بلدكين (الثاشل) دك بور‪،289 ،287 ،286 ،256 ،7 ،‬‬
‫تفركؽ‪271 ،269 ،‬‬
‫‪،297 ،296 ،295 ،293 ،292 ،291 ،290‬‬
‫تورنيك بن موشل‪215 ،170 ،‬‬
‫‪،310 ،309 ،303 ،302 ،301 ،300 ،298‬‬
‫‪442 ،377 ،346 ،345 ،341 ،329 ،311‬‬
‫ث‬
‫بلق‪266 ،261 ،260 ،‬‬
‫ثاتوؿ‪334 ،322 ،251 ،194 ،186 ،‬‬ ‫بندكت الرابع عشر(البابا)‪441 ،‬‬
‫ثوركس (أمّب الرىا)‪،258 ،256 ،241 ،186 ،170 ،‬‬ ‫بنديكتيس السابع (البابا)‪212 ،‬‬
‫‪،265 ،264 ،263 ،262 ،261 ،260 ،259‬‬ ‫بوتوميتس (القائد)‪336 ،235 ،234 ،‬‬
‫‪،308 305 ،303 ،301 ،291 ،287 ،271‬‬ ‫بوزاف‪305 ،304 ،258 ،183 ،182 ،‬‬
‫‪322‬‬ ‫بولس (القديس)‪211 ،‬‬
‫ثوركس اْلكؿ‪،328 ،325 ،324 ،323 ،314 ،8 ،‬‬ ‫بومبيوس‪52 ،‬‬
‫‪،339 ،337 ،336 ،335 ،333 ،332 ،330‬‬ ‫بوىيموند‪،246 ،243 ،236 ،232 ،230 ،27 ،‬‬
‫‪442 ،376 ،344 ،343 ،340‬‬ ‫‪،282 ،281 ،280 ،279 ،278 ،274 ،273‬‬
‫ثوركس الثاشل‪،364 ،363 ،362 ،314 ،24 ،22 ،8 ،‬‬ ‫‪،293 ،292 ،291 ،290 ،289 ،288 ،286‬‬
‫‪،373 ،372 ،371 ،369 ،368 ،366 ،365‬‬ ‫‪،310 ،309 ،308 ،307 ،300 ،299 ،296‬‬
‫‪،382 ،381 ،378 ،377 ،376 ،375 ،374‬‬ ‫‪،335 ،333 ،325 ،322 ،320 ،313 ،311‬‬
‫‪452 ،403 ،389 ،388 ،387 ،385 ،384‬‬ ‫‪،344 ،343 ،342 ،339 ،338 ،337 ،336‬‬
‫‪،404 ،398 ،397 ،375 ،348 ،346 ،345‬‬
‫ج‬ ‫‪،450 ،442 ،424 ،417 ،409 ،407 ،406‬‬
‫جاجيك اْلكؿ‪82 ،‬‬ ‫‪472 ،459‬‬
‫جاجيك الثاشل‪،189 ،184 ،143 ،109 ،86 ،23 ،‬‬ ‫بوىيموند الثالث‪407 ،397 ،‬‬
‫‪،316 ،225 ،216 ،214 ،192 ،191 ،190‬‬ ‫بوىيموند الثاشل‪397 ،344 ،343 ،‬‬
‫‪353 ،337 ،324‬‬ ‫بياتريس‪442 ،390 ،376 ،‬‬
‫جاجيك بن عباس‪87 ،‬‬ ‫بيغو‪117 ،95 ،‬‬
‫جاكرل‪330 ،327 ،‬‬ ‫بيل‪49 ،‬‬

‫‪410‬‬
‫الفيارس‬
‫خ‬ ‫جربيل‪،303 ،291 ،289 ،266 ،256 ،186 ،171 ،‬‬
‫‪،311 ،309 ،308 ،307 ،306 ،305 ،304‬‬
‫خاتشاتور‪162 ،‬‬
‫‪445 ،335 ،322‬‬
‫خالد بن الوليد‪58 ،‬‬
‫جرهبوار أبّباد‪420 ،‬‬
‫ىخطىاب‪142 ،132 ،‬‬
‫جرهبوار (اْلمّب)‪54 ،‬‬
‫جرهبوار الثالث‪374 ،‬‬
‫د‬
‫جرهبوار الرابع‪474 ،414 ،411 ،‬‬
‫دارا‪66 ،‬‬ ‫جرهبوار السابع (البابا)‪،220 ،219 ،218 ،217 ،12 ،‬‬
‫دارا اْلكؿ‪51 ،‬‬ ‫‪،467 ،465 ،459 ،437 ،228 ،223 ،221‬‬
‫دارا الثالث‪51 ،‬‬ ‫‪469‬‬
‫داكين (القديس)‪212 ،‬‬ ‫جرهبوار السادس‪440 ،439 ،‬‬
‫درطاد الثالث‪426 ،‬‬ ‫جرهبور الثاشل (اعبثليق)‪،214 ،213 ،196 ،11 ،7 ،6 ،‬‬
‫دغا فاسيل‪341 ،301 ،300 ،‬‬ ‫‪،221 ،220 ،219 ،218 ،217 ،216 ،215‬‬
‫دقاؽ‪321 ،320 ،276 ،274 ،96 ،95 ،94 ،‬‬ ‫‪284 ،253 ،228 ،226 ،225 ،223 ،222‬‬
‫دقلديانوس‪158 ،‬‬ ‫‪437 ،434 ،426‬‬
‫ديكراف الثاشل‪158 ،52 ،‬‬ ‫جرهبور الرابع‪414 ،‬‬
‫جغرم بك‪116 ،109 ،‬‬
‫ر‬ ‫ج ػكػػرمػػش أتػػابػػك اؼبوصل‪337 ،293 ،‬‬
‫الراضي با﵁‪63 ،‬‬ ‫جودفرم‪،251 ،246 ،243 ،233 ،230 ،222 ،‬‬
‫رستم‪503 ،416 ،409 ،200 ،57 ،56 ،‬‬ ‫‪،290 ،289 ،288 ،287 ،286 ،277 ،263‬‬
‫رضواف (امّب حلب)‪،294 ،283 ،282 ،274 ،121 ،‬‬ ‫‪319 ،309‬‬
‫‪450 ،329 ،321‬‬ ‫جورج اْلكؿ‪85 ،84 ،82 ،‬‬
‫ركن الدين مسعود (اْلكؿ)‪365 ،360 ،331 ،98 ،96 ،‬‬ ‫جوسلْب الثاشل‪،361 ،353 ،350 ،349 ،348 ،346 ،‬‬
‫ركبْب اْلكؿ‪315 ،194 ،192 ،189 ،‬‬ ‫‪443 ،391 ،376 ،370‬‬
‫ركبْب الثالث‪،404 ،403 ،402 ،401 ،24 ،18 ،8 ،‬‬ ‫جوسلْب دك كورتينام‪341 ،‬‬
‫‪417 ،408 ،407 ،406 ،405‬‬
‫ركبْب الثاشل‪390 ،389 ،‬‬ ‫ح‬
‫ركجر دك سالرنو‪341 ،300 ،‬‬ ‫حارب‪303 ،171 ،‬‬ ‫ى‬
‫ركسل بايلوؿ‪135 ،130 ،‬‬ ‫اغباكم بأمر ا﵁‪207 ،‬‬
‫ركمانوس الرابع (اَلمرباطور)‪،123 ،100 ،90 ،86 ،‬‬ ‫اغبتيٍب‪183 ،181 ،‬‬
‫‪،134 ،133 ،132 ،131 ،127 ،125 ،124‬‬ ‫أبو اغبسن اْلشعرم‪106 ،‬‬
‫‪،166 ،163 ،162 ،151 ،142 ،140 ،135‬‬ ‫اغبسن بن طاىر‪184 ،‬‬
‫‪204 ،169 ،168 ،167‬‬ ‫حسْب بن مالعب‪276 ،‬‬
‫ريتشارد اْلكؿ قلب اْلسد‪415 ،412 ،‬‬
‫‪411‬‬
‫الفيارس‬
‫ش‬ ‫ريتشارد دك سالرنو‪308 ،297 ،293 ،‬‬
‫ريببو‪170 ،‬‬
‫شابور اْلكؿ‪52 ،‬‬
‫ريبوند بواتييو‪،278 ،243 ،236 ،233 ،231 ،230 ،‬‬
‫شارؼباف‪310 ،211 ،‬‬
‫‪،361 ،355 ،352 ،350 ،349 ،340 ،283‬‬
‫مشس الدين نصر‪148 ،‬‬
‫‪397 ،391 ،377 ،376 ،370 ،364‬‬
‫رينو دك شاتيوف‪384 ،382 ،381 ،378 ،377 ،376 ،‬‬
‫ص‬
‫صفركنيوس‪198 ،‬‬ ‫ز‬
‫صالح الدين اْليويب‪،401 ،397 ،379 ،334 ،29 ،8 ،‬‬
‫زابيل‪424 ،‬‬
‫‪،412 ،411 ،410 ،409 ،406 ،405 ،404‬‬
‫‪477 ،459 ،417 ،416 ،414 ،413‬‬ ‫س‬
‫صنداؽ‪132 ،‬‬ ‫ي‬
‫سابق اؼبرداسي‪175 ،‬‬
‫ط‬ ‫ستيفن‪،200 ،198 ،175 ،166 ،161 ،150 ،64 ،‬‬
‫‪،237 ،236 ،234 ،233 ،231 ،230 ،229‬‬
‫طغتكْب‪296 ،276 ،‬‬
‫‪،250 ،248 ،246 ،245 ،244 ،243 ،241‬‬
‫طغرؿ‪108 ،‬‬
‫‪،263 ،261 ،260 ،259 ،254 ،252 ،251‬‬
‫طغرؿ بك‪،109 ،108 ،103 ،101 ،100 ،99 ،90 ،‬‬
‫‪،273 ،272 ،271 ،270 ،266 ،265 ،264‬‬
‫‪،121 ،116 ،115 ،114 ،113 ،111 ،110‬‬
‫‪،285 ،283 ،281 ،280 ،278 ،277 ،275‬‬
‫‪251 ،156 ،148 ،130‬‬
‫‪503 ،432 ،396 ،369 ،287 ،286‬‬
‫طغرؿ بن أرسالف‪332 ،330 ،‬‬
‫سعيد بن صابوشل‪305 ،‬‬
‫طمغاج خاف‪148 ،117 ،‬‬
‫سقماف بن أرتق‪337 ،292 ،266 ،‬‬
‫سلستْب الثالث (البابا)‪439 ،418 ،‬‬
‫ظ‬
‫سلوقس اْلكؿ‪52 ،‬‬
‫الظاىر (الفاطمي)‪104 ،‬‬ ‫سليماف بن قتلمش‪،154 ،153 ،152 ،149 ،110 ،‬‬
‫‪،181 ،179 ،178 ،177 ،157 ،156 ،155‬‬
‫ع‬ ‫‪330 ،325 ،274 ،238 ،192‬‬
‫عبد الرضبن الثالث‪67 ،‬‬ ‫ظبباد الثالث‪448 ،109 ،‬‬
‫عثماف بن عفاف‪58 ،40 ،‬‬ ‫ظبباد الثاشل‪82 ،‬‬
‫عز الدين كيكاكس اْلكؿ‪423 ،‬‬ ‫ظبباط‪172 ،‬‬
‫علي بن أيب طالب‪58 ،‬‬ ‫ظبعاف‪249 ،212 ،‬‬
‫عماد الدين زنكي‪،346 ،345 ،65 ،53 ،28 ،20 ،‬‬ ‫ظبعاف (القديس)‪212 ،184 ،‬‬
‫‪،364 ،361 ،360 ،359 ،358 ،355 ،354‬‬ ‫أبو سهل‪143 ،129 ،‬‬
‫‪504 ،397 ،386 ،370 ،366‬‬ ‫سيف الدكلة اغبمداشل‪71 ،68 ،66 ،44 ،‬‬

‫‪412‬‬
‫الفيارس‬
‫ؽ‬ ‫عمر بن اػبطاب‪199 ،198 ،74 ،58 ،43 ،‬‬
‫عمورم اْلكؿ‪399 ،396 ،387 ،385 ،24 ،‬‬
‫القائم بأمر ا﵁‪117 ،103 ،101 ،‬‬
‫قتلمش‪304 ،176 ،156 ،117 ،110 ،‬‬ ‫غ‬
‫قسطنطْب اْلكؿ‪،315 ،314 ،244 ،241 ،18 ،8 ،‬‬
‫غازم بن دانشمند‪،347 ،344 ،333 ،332 ،331 ،‬‬
‫‪323 ،322 ،319 ،318 ،316‬‬
‫‪351‬‬
‫قسطنطْب التاسع دككاس‪88 ،‬‬
‫غازم بن كمشتكْب‪331 ،‬‬
‫قسطنطْب التاسع مونوماخوس‪112 ،111 ،86 ،‬‬
‫غريغور الثالث‪222 ،‬‬
‫قسطنطْب الثامن‪86 ،‬‬
‫غريغور ماجيسَبكس‪214 ،‬‬
‫قسطنطْب العاشر دكقاس‪،169 ،166 ،123 ،122 ،‬‬
‫‪431 ،214‬‬
‫ؼ‬
‫قسطنطْب أمّب حصن كركر‪269 ،‬‬
‫قسطنطْب أمّب كركر‪262 ،261 ،‬‬ ‫باىلى يوكشل‪173 ،‬‬ ‫فاساؾ ٍ‬
‫قسطنطْب ‪-‬أمّب َلمربكف‪424 ،‬‬ ‫فاسيالؾ‪142 ،132 ،‬‬
‫قسطنطْب مونوماخوس‪115 ،114 ،113 ،112 ،‬‬ ‫فاسيل دغا‪301 ،299 ،‬‬
‫قلج أرسالف‪،233 ،227 ،157 ،156 ،146 ،6 ،‬‬ ‫فالرياف‪52 ،‬‬
‫‪،307 ،305 ،241 ،239 ،238 ،237 ،236‬‬ ‫فردريك السوايب‪418 ،414 ،‬‬
‫‪،381 ،375 ،331 ،330 ،327 ،326 ،310‬‬ ‫فردريك بربركسا‪477 ،418 ،414 ،413 ،412 ،367 ،‬‬
‫‪417 ،416 ،412 ،409 ،405 ،404‬‬ ‫فولك (اؼبلك)‪،354 ،353 ،350 ،349 ،348 ،346 ،‬‬
‫‪412 ،361 ،359 ،355‬‬
‫ؾ‬ ‫فّب‪254 ،253 ،‬‬
‫فّبكز‪،450 ،282 ،280 ،279 ،256 ،101 ،7 ،‬‬
‫كربيانوس‪283 ،‬‬
‫‪472 ،459‬‬
‫كربوغا‪283 ،280 ،277 ،259 ،‬‬
‫فيالريت‪،164 ،155 ،146 ،125 ،21 ،18 ،17 ،6 ،‬‬
‫كليمنت الثالث‪474 ،459 ،411 ،‬‬
‫‪،171 ،170 ،169 ،168 ،167 ،166 ،165‬‬
‫كليمونت اػبامس‪446 ،377 ،‬‬
‫‪،178 ،177 ،176 ،175 ،174 ،173 ،172‬‬
‫كمشتكْب أضبد الدانشمند‪307 ،289 ،‬‬
‫‪،186 ،185 ،184 ،183 ،182 ،181 ،179‬‬
‫كوظباس‪216 ،‬‬
‫‪،215 ،214 ،193 ،192 ،191 ،189 ،187‬‬
‫كوغ فاسيل‪،256 ،241 ،194 ،192 ،186 ،7 ،‬‬
‫‪،255 ،251 ،250 ،249 ،244 ،225 ،216‬‬
‫‪،290 ،289 ،288 ،287 ،286 ،285 ،284‬‬
‫‪،304 ،303 ،285 ،284 ،274 ،258 ،257‬‬
‫‪،299 ،298 ،296 ،295 ،294 ،292 ،291‬‬
‫‪،449 ،441 ،435 ،434 ،423 ،391 ،317‬‬
‫‪،335 ،329 ،325 ،323 ،310 ،302 ،300‬‬
‫‪456‬‬
‫‪342‬‬
‫فيليب‪424 ،‬‬
‫كومنْب إسحاؽ‪173 ،138 ،122 ،115 ،‬‬
‫ف ػ ػ ػي ػ ػل ػ ػيػ ػػب ال ػثػػانػػي أغ ػس ػطػػس‪412 ،‬‬

‫‪413‬‬
‫الفيارس‬
‫ليوف دياباتينوس‪130 ،‬‬ ‫كومنْب ألكسيس‪،157 ،156 ،154 ،153 ،23 ،‬‬
‫ليوف فوقاس‪70 ،67 ،66 ،‬‬ ‫‪،229 ،227 ،211 ،210 ،209 ،203 ،175‬‬
‫‪،258 ،251 ،243 ،240 ،235 ،231 ،230‬‬
‫ـ‬ ‫‪،293 ،292 ،291 ،285 ،280 ،275 ،265‬‬
‫اؼبأموف (اػبليفة)‪106 ،61 ،43 ،‬‬ ‫‪،337 ،335 ،333 ،328 ،324 ،313 ،310‬‬
‫اؼبستنصر (الفاطمي)‪223 ،‬‬ ‫‪339‬‬
‫اؼبسيح (عليو السالـ)‪،200 ،142 ،78 ،74 ،57 ،56 ،‬‬ ‫كومنْب مانويل ‪،364 ،363 ،314 ،167 ،22 ،8 ،‬‬
‫‪،377 ،306 ،282 ،231 ،208 ،206 ،201‬‬ ‫‪،375 ،373 ،371 ،370 ،369 ،367 ،365‬‬
‫‪،440 ،438 ،430 ،429 ،428 ،427 ،420‬‬ ‫‪،393 ،385 ،383 ،382 ،381 ،378 ،376‬‬
‫‪506 ،467 ،464 ،462 ،461 ،453‬‬ ‫‪407 ،404 ،397‬‬
‫اؼبطيع ﵁‪72 ،‬‬ ‫كومنْب يوحنا‪،350 ،349 ،332 ،314 ،22 ،8 ،‬‬
‫اؼبقتدم‪117 ،‬‬ ‫‪،359 ،358 ،357 ،356 ،355 ،353 ،352‬‬
‫اؼبهدم‪165 ،100 ،61 ،43 ،‬‬ ‫‪391 ،386 ،369 ،364 ،362 ،361 ،360‬‬
‫ماندارل (اإلخوة)‪324 ،‬‬ ‫كػػون ػراد الػػثالث‪367 ،‬‬
‫ابن ا﵀لباف‪133 ،‬‬
‫ؿبمد بن ملكشاه‪329 ،‬‬
‫ؿ‬
‫ؿبمود بن سبكتكْب‪98 ،‬‬ ‫ابن َلكف‪424 ،194 ،46 ،44 ،‬‬
‫ؿبمود بن صاحل اؼبرداسي‪124 ،‬‬ ‫لويس السابع‪376 ،367 ،‬‬
‫مرصل‪429 ،‬‬ ‫ليباريت‪113 ،111 ،‬‬
‫مسلم بن قريش‪،180 ،179 ،178 ،176 ،175 ،‬‬ ‫ليباريت أكربيلياف‪111 ،‬‬
‫‪423 ،181‬‬ ‫ليو تورنيكيوس‪112 ،‬‬
‫معاكية بن أيب سفياف‪79 ،59 ،‬‬ ‫ليوف‪424 ،317 ،112 ،47 ،45 ،‬‬
‫ملك غازم بن دانشمند‪298 ،‬‬ ‫ليوف اْلكؿ‪،194 ،31 ،29 ،23 ،22 ،21 ،13 ،8 ،‬‬
‫ملكشاه‪،149 ،148 ،146 ،117 ،116 ،105 ،6 ،‬‬ ‫‪،349 ،348 ،347 ،344 ،343 ،316 ،314‬‬
‫‪،181 ،180 ،179 ،177 ،175 ،156 ،155‬‬ ‫‪،357 ،356 ،355 ،354 ،353 ،352 ،350‬‬
‫‪،239 ،215 ،206 ،193 ،192 ،183 ،182‬‬ ‫‪،420 ،395 ،388 ،363 ،362 ،360 ،358‬‬
‫‪،304 ،300 ،296 ،274 ،269 ،267 ،258‬‬ ‫‪،459 ،455 ،452 ،443 ،442 ،424 ،422‬‬
‫‪،345 ،331 ،330 ،329 ،328 ،327 ،321‬‬ ‫‪487‬‬
‫‪449 ،434‬‬ ‫ليوف الثاشل‪،402 ،401 ،344 ،189 ،24 ،18 ،8 ،‬‬
‫مليح‪،369 ،356 ،314 ،158 ،25 ،24 ،18 ،8 ،‬‬ ‫‪،414 ،413 ،412 ،411 ،410 ،409 ،408‬‬
‫‪،393 ،392 ،391 ،390 ،389 ،388 ،386‬‬ ‫‪،421 ،420 ،419 ،418 ،417 ،416 ،415‬‬
‫‪،400 ،399 ،398 ،397 ،396 ،395 ،394‬‬ ‫‪،444 ،440 ،439 ،438 ،424 ،423 ،422‬‬
‫‪456 ،449 ،403 ،402‬‬ ‫‪445‬‬
‫مودكد‪300 ،296 ،‬‬ ‫ليوف تفادانوس‪172 ،‬‬
‫‪414‬‬
‫الفيارس‬
‫نيقوَل‪506 ،452 ،430 ،‬‬ ‫مورفيا‪345 ،311 ،290 ،‬‬
‫موشيل ماميكونياف‪54 ،‬‬
‫ق‬ ‫ميخائيل اْلكؿ كّبكَلريوس‪221 ،‬‬
‫ىاركف الرشيد‪،211 ،165 ،100 ،70 ،46 ،44 ،43 ،‬‬ ‫ميخائيل السابع (اَلمرباطور)‪،163 ،162 ،151 ،136 ،‬‬
‫‪513 ،497‬‬ ‫‪،216 ،208 ،174 ،171 ،169 ،168 ،167‬‬
‫ىايك‪49 ،37 ،‬‬ ‫‪226 ،221 ،220‬‬
‫ىرقل‪200 ،83 ،57 ،56 ،55 ،54 ،53 ،‬‬ ‫ميخائيل السادس‪115 ،‬‬
‫ىنرم الرابع‪469 ،459 ،220 ،219 ،209 ،‬‬ ‫ميخائيل كريوَلريوس‪88 ،‬‬
‫ىنرم السادس‪420 ،419 ،‬‬ ‫ميكائيل‪109 ،98 ،97 ،‬‬
‫ى ػنػػرم دك شػػام ػبػػانػػيا‪418 ،417 ،‬‬
‫ىيثوـ اْلكؿ‪448 ،446 ،424 ،189 ،31 ،23 ،13 ،‬‬
‫ف‬
‫ىيالنو‪208 ،‬‬ ‫نرسيس اللمربكشل‪474 ،445 ،444 ،439 ،‬‬
‫نرسيس شنورىارل‪392 ،322 ،‬‬
‫ك‬ ‫أبو نصر ؿبمد‪133 ،‬‬
‫كالَب اؼبفلس‪230 ،229 ،‬‬ ‫نظاـ الدكلة نصر‪170 ،‬‬
‫ًكلٍف‪247 ،‬‬ ‫نظاـ اؼبلك (الوزير)‪،149 ،117 ،107 ،106 ،105 ،‬‬
‫‪511 ،239 ،181 ،179‬‬
‫م‬ ‫نقفور الثالث‪220 ،194 ،174 ،168 ،153 ،152 ،‬‬
‫نقفور برياف‪135 ،134 ،132 ،128 ،‬‬
‫ياركقتاش‪450 ،‬‬
‫نقفور بوتانياتس‪220 ،174 ،173 ،151 ،‬‬
‫ياغي سياف‪،277 ،275 ،274 ،256 ،184 ،7 ،‬‬
‫نقفور فوقاس‪،73 ،72 ،71 ،70 ،69 ،68 ،67 ،64 ،‬‬
‫‪450 ،326 ،321 ،320 ،281 ،279‬‬
‫‪201 ،81 ،77 ،75 ،74‬‬
‫يافث بن نوح‪37 ،36 ،‬‬
‫نقفور ميليسينوس‪170 ،152 ،‬‬
‫يوحنا تزمسكس‪461 ،459 ،201 ،74 ،69 ،‬‬
‫نوح‪49 ،37 ،‬‬
‫يوحنا ظبباد‪86 ،85 ،83 ،‬‬
‫نور الدين‪،68 ،28 ،25 ،24 ،22 ،18 ،8 ،7 ،6 ،‬‬
‫يوحنا سنحاريب‪109 ،83 ،‬‬
‫‪،378 ،376 ،371 ،370 ،341 ،334 ،314‬‬
‫يوحنا كوركواز‪65 ،‬‬
‫‪،389 ،388 ،386 ،385 ،383 ،381 ،380‬‬
‫يوسف تراخانيوتس‪132 ،130 ،128 ،‬‬
‫‪،397 ،395 ،394 ،393 ،392 ،391 ،390‬‬
‫يوناف بن يافث‪38 ،‬‬
‫‪،456 ،451 ،411 ،405 ،404 ،400 ،399‬‬
‫‪516 ،514‬‬

‫‪415‬‬
‫الفيارس‬
‫فهرس األماكن كالبلداف‬
‫‪،255 ،254 ،237 ،235 ،231 ،229 ،222‬‬
‫أ‬
‫‪310 ،309 ،295 ،269 ،258‬‬
‫أصفهاف‪156 ،148 ،100 ،‬‬ ‫أخبازيا‪82 ،‬‬
‫أفامية‪334 ،‬‬ ‫أبالستا‪294 ،‬‬
‫إفريقيا‪42 ،‬‬ ‫أىبػيلي ٍستىػ ٍْب‪170 ،44 ،‬‬
‫افريقية‪104 ،‬‬ ‫اْلثارب‪346 ،345 ،‬‬
‫أؼبانيا‪469 ،459 ،219 ،‬‬ ‫أدريانوبل‪112 ،‬‬
‫اْلمانوس‪،249 ،242 ،214 ،68 ،47 ،46 ،41 ،‬‬ ‫أذربيجاف‪،132 ،118 ،115 ،108 ،100 ،85 ،38 ،‬‬
‫‪،348 ،344 ،335 ،282 ،280 ،279 ،277‬‬ ‫‪208‬‬
‫‪،416 ،406 ،403 ،397 ،395 ،373 ،361‬‬ ‫أذنة‪،242 ،196 ،161 ،69 ،66 ،53 ،48 ،45 ،7 ،‬‬
‫‪450‬‬ ‫‪،360 ،322 ،319 ،317 ،293 ،247 ،246‬‬
‫اْلناضوؿ‪،107 ،100 ،76 ،54 ،50 ،42 ،39 ،‬‬ ‫‪397 ،396‬‬
‫‪،149 ،137 ،136 ،125 ،124 ،123 ،122‬‬ ‫أرارات‪82 ،49 ،37 ،‬‬
‫‪،236 ،233 ،212 ،210 ،159 ،157 ،151‬‬ ‫أربل‪329 ،‬‬
‫‪506 ،237‬‬ ‫أرتاح‪385 ،338 ،293 ،273 ،124 ،‬‬
‫اْلندلس‪218 ،202 ،‬‬ ‫أرجيش‪126 ،‬‬
‫اقبلَبا‪230 ،212 ،‬‬ ‫أرزف‪158 ،135 ،130 ،115 ،111 ،100 ،36 ،‬‬
‫أنطاكية‪،54 ،52 ،46 ،41 ،31 ،26 ،24 ،8 ،7 ،‬‬ ‫اَلسكندركنة‪378 ،377 ،317 ،249 ،53 ،‬‬
‫‪،159 ،158 ،155 ،124 ،74 ،73 ،71 ،67‬‬ ‫اَلسكندرية‪،223 ،199 ،162 ،111 ،65 ،56 ،30 ،‬‬
‫‪،173 ،172 ،171 ،169 ،167 ،164 ،162‬‬ ‫‪،502 ،428 ،427 ،353 ،316 ،280 ،233‬‬
‫‪،181 ،180 ،179 ،178 ،177 ،176 ،174‬‬ ‫‪511 ،506 ،505 ،504‬‬
‫‪،199 ،196 ،195 ،193 ،192 ،184 ،183‬‬ ‫إسوس‪51 ،‬‬
‫‪،250 ،244 ،242 ،239 ،237 ،227 ،202‬‬ ‫آسيا‪،93 ،92 ،89 ،67 ،61 ،53 ،50 ،42 ،36 ،‬‬
‫‪،270 ،264 ،259 ،257 ،256 ،252 ،251‬‬ ‫‪،118 ،115 ،110 ،107 ،102 ،100 ،99 ،94‬‬
‫‪،278 ،277 ،276 ،275 ،274،273 ،272‬‬ ‫‪،150 ،149 ،148 ،138 ،126 ،123 ،120‬‬
‫‪،288 ،287 ،285 ،283 ،282 ،280 ،279‬‬ ‫‪،199 ،196 ،195 ،161 ،157 ،153 ،152‬‬
‫‪،296 ،294 ،293 ،292 ،291 ،290 ،289‬‬ ‫‪513 ،504 ،502 ،501 ،233‬‬
‫‪،319 ،315 ،310 ،307 ،304 ،300 ،299‬‬ ‫آسيا الصغرل‪،108 ،89 ،81 ،76 ،62 ،50 ،41 ،‬‬
‫‪،335 ،333 ،330 ،328 ،322 ،321 ،320‬‬ ‫‪،125 ،124 ،121 ،120 ،111 ،110 ،109‬‬
‫‪،344 ،343 ،341 ،340 ،338 ،337 ،336‬‬ ‫‪،153 ،151 ،149 ،147 ،145 ،143 ،136‬‬
‫‪،351 ،350 ،349 ،348 ،347 ،346 ،345‬‬ ‫‪،195 ،185 ،162 ،160 ،159 ،157 ،156‬‬
‫‪،358 ،357 ،356 ،355 ،354 ،353 ،352‬‬ ‫‪،217 ،212 ،209 ،207 ،204 ،200 ،198‬‬
‫‪416‬‬
‫الفيارس‬
‫البىػىرىداف (هنر)‪48 ،‬‬ ‫‪،376 ،370 ،364 ،362 ،361 ،360 ،359‬‬
‫برسربرت‪324 ،191 ،‬‬ ‫‪،390 ،386 ،384 ،381 ،380 ،378 ،377‬‬
‫البستاف (أبلستْب)‪،337 ،330 ،294 ،171 ،44 ،‬‬ ‫‪،398 ،397 ،396 ،394 ،393 ،392 ،391‬‬
‫‪338‬‬ ‫‪،410 ،409 ،408 ،407 ،406 ،404 ،401‬‬
‫البسفور‪154 ،‬‬ ‫‪،439 ،426 ،424 ،422 ،418 ،417 ،415‬‬
‫البصرة‪63 ،‬‬ ‫‪505 ،464 ،461 ،450 ،442‬‬
‫بعرين‪354 ،‬‬ ‫آشل‪،109 ،89 ،87 ،86 ،85 ،83 ،81 ،69 ،36 ،‬‬
‫بغداد‪،97 ،88 ،79 ،71 ،64 ،62 ،60 ،46 ،44 ،‬‬ ‫‪،208 ،143 ،139 ،135 ،121 ،120 ،119‬‬
‫‪،105 ،104 ،103 ،102 ،101 ،100 ،99‬‬ ‫‪225‬‬
‫‪،328 ،304 ،269 ،201 ،130 ،117 ،107‬‬ ‫أكربا‪،118 ،112 ،58 ،57 ،55 ،50 ،49 ،42 ،‬‬
‫‪513 ،497 ،462‬‬ ‫‪،220 ،218 ،213 ،210 ،197 ،122 ،120‬‬
‫بغراس‪417 ،410 ،396 ،377 ،357 ،273 ،58 ،‬‬ ‫‪،292 ،249 ،246 ،235 ،231 ،228 ،221‬‬
‫بالد اعبوؼ‪47 ،‬‬ ‫‪504 ،299 ،293‬‬
‫بالد الرافدين‪200 ،42 ،‬‬ ‫أيبّبيا‪109 ،‬‬
‫بالد الركـ‪،67 ،61 ،60 ،58 ،44 ،43 ،40 ،39 ،‬‬ ‫إيراف‪،132 ،108 ،103 ،102 ،100 ،93 ،38 ،‬‬
‫‪،155 ،151 ،149 ،127 ،111 ،108 ،102‬‬ ‫‪148‬‬
‫‪503 ،239 ،200 ،183 ،177 ،157‬‬ ‫إيطاليا‪،217 ،215 ،212 ،210 ،154 ،136 ،112 ،‬‬
‫بالد ال يك ٍرج‪118 ،‬‬ ‫‪،374 ،343 ،310 ،292 ،278 ،228 ،221‬‬
‫بلغاريا‪81 ،50 ،‬‬ ‫‪419‬‬
‫البلقاف‪292 ،137 ،123 ،50 ،‬‬
‫بليكانوـ‪234 ،‬‬ ‫ب‬
‫البوسفور‪229 ،87 ،‬‬ ‫بابل‪464 ،49 ،‬‬
‫بولونيا‪122 ،‬‬ ‫البارة‪321 ،320 ،276 ،‬‬
‫بومبيوبوليس‪52 ،‬‬ ‫بارم‪136 ،‬‬
‫بّبامس‪344 ،317 ،170 ،48 ،‬‬ ‫بانياس‪512 ،380 ،379 ،‬‬
‫بيالم‪152 ،‬‬ ‫حبر اآلراؿ‪93 ،‬‬
‫البّبة‪330 ،302 ،285 ،267 ،‬‬ ‫البحر اْلسود‪،152 ،122 ،118 ،115 ،109 ،83 ،‬‬
‫‪417 ،331 ،308 ،233‬‬
‫ت‬ ‫حبر اػبزر‪92 ،‬‬
‫البحر اؼبتوسط‪،75 ،52 ،49 ،48 ،41 ،40 ،36 ،‬‬
‫تربيز‪329 ،‬‬
‫‪،202 ،193 ،184 ،173 ،161 ،152 ،102‬‬
‫تراقيا‪50 ،‬‬
‫‪421 ،417 ،347 ،334 ،318 ،317‬‬
‫تركستاف‪195 ،150 ،108 ،98 ،97 ،96 ،94 ،92 ،‬‬
‫حبر مرمرة‪154 ،152 ،149 ،‬‬
‫خبارل‪98 ،94 ،92 ،‬‬
‫‪417‬‬
‫الفيارس‬
‫جيحاف (هنر)‪170 ،48 ،‬‬ ‫تركيا‪،50 ،48 ،47 ،44 ،43 ،41 ،40 ،39 ،38 ،‬‬
‫جيحوف (هنر)‪148 ،98 ،96 ،93 ،‬‬ ‫‪،100 ،93 ،87 ،84 ،83 ،73 ،70 ،53 ،52‬‬
‫‪،294 ،165 ،154 ،152 ،122 ،120 ،112‬‬
‫ح‬ ‫‪503 ،331 ،317 ،301‬‬
‫حارب‪303 ،171 ،‬‬ ‫تساليا‪50 ،‬‬
‫ى‬
‫حارـ‪،385 ،347 ،322 ،321 ،314 ،276 ،8 ،‬‬ ‫تفليس‪118 ،87 ،82 ،40 ،36 ،‬‬
‫‪403 ،391 ،389 ،386‬‬ ‫تل باشر‪،265 ،263 ،261 ،259 ،253 ،249 ،‬‬
‫اغبجاز‪226 ،‬‬ ‫‪405 ،364 ،361 ،341 ،296 ،288 ،277‬‬
‫اغبدث‪61 ،59 ،58 ،45 ،44 ،43 ،‬‬ ‫تل ضبدكف‪373 ،353 ،‬‬
‫حراف‪340 ،339 ،337 ،327 ،269 ،‬‬ ‫تل قباسْب‪322 ،276 ،‬‬
‫حصن ابن رحواف‪61 ،‬‬ ‫تيزين‪61 ،46 ،‬‬
‫حصن اغبسينية‪61 ،‬‬
‫حصن الربض‪59 ،‬‬
‫ث‬
‫حصن القديس يوحنا‪261 ،‬‬ ‫الثغور‪،60 ،59 ،58 ،48 ،46 ،45 ،44 ،43 ،41 ،‬‬
‫حصن اؼبثقب‪59 ،‬‬ ‫‪،75 ،74 ،71 ،70 ،67 ،66 ،64 ،63 ،62 ،61‬‬
‫حصن بِب اؼبؤمن‪61 ،‬‬ ‫‪،175 ،166 ،165 ،158 ،154 ،107 ،100‬‬
‫حصن طبارجي‪61 ،‬‬ ‫‪،294 ،284 ،268 ،249 ،195 ،180 ،176‬‬
‫حصن منصور‪298 ،295 ،288 ،285 ،165 ،‬‬ ‫‪513 ،496 ،317 ،303‬‬
‫حلب‪،71 ،69 ،68 ،66 ،60 ،51 ،47 ،30 ،29 ،‬‬
‫‪،155 ،149 ،130 ،127 ،124 ،116 ،74‬‬ ‫ج‬
‫‪،181 ،180 ،179 ،175 ،170 ،161 ،156‬‬
‫‪،274 ،269 ،267 ،253 ،213 ،193 ،183‬‬ ‫جاستوف‪377 ،‬‬
‫‪،321 ،320 ،308 ،294 ،283 ،282 ،276‬‬ ‫جاَلتيا‪152 ،‬‬
‫‪،342 ،341 ،337 ،334 ،329 ،328 ،322‬‬ ‫اعببل اْلسود‪214 ،‬‬
‫‪،380 ،370 ،360 ،359 ،354 ،346 ،345‬‬ ‫اعبزيرة‪،77 ،76 ،74 ،66 ،63 ،60 ،53 ،45 ،40 ،‬‬
‫‪،392 ،391 ،390 ،389 ،384،383 ،381‬‬ ‫‪،272 ،261 ،253 ،175 ،141 ،127 ،107‬‬
‫‪،423 ،417 ،411 ،397 ،395 ،394 ،393‬‬ ‫‪301 ،298 ،295‬‬
‫‪505 ،497 ،496 ،495 ،450 ،446‬‬ ‫جزيرة ابن عمر‪37 ،‬‬
‫ضبص‪461 ،379 ،276 ،56 ،‬‬ ‫يج ىس ٍسطىركف (قلعة)‪143 ،‬‬
‫جند‪97 ،56 ،‬‬
‫خ‬ ‫جنزاؾ‪187 ،‬‬
‫جنوة‪277 ،‬‬
‫اػبابور (هنر)‪327 ،‬‬
‫جورجيا‪،118 ،112 ،109 ،83 ،82 ،40 ،38 ،‬‬
‫‪506 ،130‬‬
‫‪418‬‬
‫الفيارس‬
‫ر‬ ‫خراساف‪،124 ،108 ،102 ،99 ،98 ،97 ،63 ،‬‬
‫‪252 ،239 ،183 ،181 ،155 ،148 ،133‬‬
‫رعباف‪،285 ،254 ،187 ،171 ،170 ،68 ،46 ،‬‬
‫خرتربت (قلعة)‪171 ،‬‬
‫‪302 ،301 ،300 ،298 ،296 ،288‬‬
‫خركص‪393 ،392 ،391 ،389 ،‬‬
‫الراكنداف‪،286 ،265 ،252 ،244 ،241 ،240 ،‬‬
‫خالط‪167 ،166 ،133 ،132 ،130 ،100 ،36 ،‬‬
‫‪288‬‬
‫خلقدكنية‪،431 ،430 ،173 ،152 ،78 ،56 ،55 ،‬‬
‫الرس‪36 ،‬‬
‫‪439 ،437 ،436‬‬
‫الرملة‪462 ،199 ،127 ،‬‬
‫خوارزـ‪99 ،‬‬
‫الرىا‪،131 ،127 ،126 ،66 ،53 ،26 ،21 ،20 ،7 ،‬‬
‫خوركس‪302 ،‬‬
‫‪،183 ،182 ،181 ،178 ،176 ،172 ،160‬‬
‫‪،246 ،241 ،195 ،194 ،192 ،186 ،184‬‬ ‫د‬
‫‪،259 ،258 ،257 ،256 ،255 ،253 ،249‬‬
‫داندانقاف‪100 ،99 ،‬‬
‫‪،266 ،265 ،264 ،263 ،262 ،261 ،260‬‬
‫يل‪36 ،‬‬ ‫ً‬
‫‪،273 ،272 ،271 ،270 ،269 ،268 ،267‬‬ ‫ىدب ه‬
‫دجلة‪40 ،37 ،36 ،‬‬
‫‪،289 ،288 ،287 ،286 ،283 ،277 ،275‬‬
‫دراكوف‪229 ،‬‬
‫‪،296 ،295 ،294 ،293 ،292 ،291 ،290‬‬
‫الد ٍَّرب‪43 ،‬‬
‫‪،304 ،303 ،301 ،300 ،299 ،298 ،297‬‬
‫درب اغبدث‪44 ،43 ،‬‬
‫‪،322 ،313 ،311 ،310 ،309 ،308 ،305‬‬
‫دلوؾ‪370 ،161 ،68 ،46 ،‬‬
‫‪،346 ،345 ،341 ،337 ،329 ،327 ،326‬‬
‫دمشق‪،55 ،54 ،47 ،43 ،37 ،36 ،29 ،28 ،27 ،‬‬
‫‪،365 ،364 ،361 ،359 ،356 ،354 ،348‬‬
‫‪،149 ،125 ،105 ،79 ،76 ،74 ،68 ،60 ،59‬‬
‫‪،391 ،390 ،376 ،369 ،368 ،367 ،366‬‬
‫‪،232 ،230 ،229 ،223 ،199 ،180 ،155‬‬
‫‪،449 ،445 ،443 ،442 ،435 ،426 ،400‬‬
‫‪،320 ،305 ،276 ،274 ،268 ،267 ،258‬‬
‫‪513 ،512 ،502 ،457‬‬
‫‪،416 ،406 ،397 ،385 ،379 ،378 ،370‬‬
‫الركج‪276 ،‬‬
‫‪،497 ،496 ،495 ،494 ،493 ،462 ،451‬‬
‫ركدس‪152 ،‬‬
‫‪513 ،512 ،506 ،503 ،499 ،498‬‬
‫ركسيا‪161 ،94 ،93 ،92 ،50 ،‬‬
‫دكرازك‪339 ،292 ،‬‬
‫ركما‪،216 ،214 ،213 ،211 ،209 ،196 ،56 ،‬‬
‫دكريليوـ‪239 ،238 ،237 ،236 ،‬‬
‫‪،226 ،224 ،223 ،221 ،220 ،219 ،217‬‬
‫دكين‪430 ،78 ،‬‬
‫‪469 ،253 ،228‬‬
‫ديار بكر‪،271 ،269 ،266 ،261 ،76 ،66 ،40 ،‬‬
‫ركمانوبوليس‪171 ،‬‬
‫‪338 ،329 ،326 ،321‬‬
‫الرم‪156 ،117 ،100 ،‬‬
‫ديار ربيعة‪63 ،‬‬
‫ز‬
‫زبطرة‪61 ،‬‬

‫‪421‬‬
‫الفيارس‬
‫‪،75 ،74 ،73 ،70 ،68 ،66 ،64 ،63 ،62 ،60‬‬ ‫س‬
‫‪،103 ،102 ،100 ،91 ،81 ،79 ،77 ،76‬‬
‫سارديس‪150 ،‬‬
‫‪،130 ،129 ،127 ،118 ،114 ،107 ،105‬‬
‫سارس‪48 ،‬‬
‫‪،155 ،154 ،149 ،147 ،138 ،136 ،131‬‬
‫ساسوف‪216 ،215 ،170 ،‬‬
‫‪،175 ،174 ،161 ،160 ،157 ،156‬‬
‫سامسوف‪417 ،‬‬
‫‪،201 ،199 ،197 ،196 ،188 ،176،180‬‬
‫سبسطية‪307 ،‬‬
‫‪،223 ،218 ،207 ،205 ،204 ،203 ،202‬‬
‫سرفنتيكار‪350 ،348 ،‬‬
‫‪،257 ،239 ،238 ،232 ،227 ،226 ،224‬‬
‫سرمْب‪294 ،‬‬
‫‪،283 ،277 ،274 ،273 ،269 ،267 ،259‬‬
‫سركج‪266 ،‬‬
‫‪،329 ،322 ،315 ،313 ،301 ،298 ،292‬‬
‫سلوقية‪413 ،353 ،52 ،‬‬
‫‪،352 ،351 ،347 ،342 ،340 ،337 ،334‬‬
‫ظبيساط‪،262 ،261 ،260 ،253 ،249 ،176 ،65 ،‬‬
‫‪،364 ،362 ،360 ،359 ،358 ،357 ،355‬‬
‫‪302 ،297 ،287 ،285 ،267 ،266 ،264‬‬
‫‪،380 ،378 ،377 ،370 ،369 ،367 ،365‬‬
‫سوريا‪،72 ،68 ،57 ،56 ،55 ،53 ،52 ،47 ،38 ،‬‬
‫‪،395 ،394 ،393 ،392 ،386 ،385 ،381‬‬
‫‪،173 ،172 ،170 ،167 ،164 ،124 ،96‬‬
‫‪،411 ،410 ،406 ،400 ،399 ،398 ،397‬‬
‫‪،257 ،253 ،241 ،225 ،185 ،176 ،175‬‬
‫‪،420 ،419 ،417 ،416 ،415 ،413 ،412‬‬
‫‪502 ،461‬‬
‫‪،443 ،442 ،437 ،435 ،428 ،427 ،425‬‬
‫السويدية‪280 ،193 ،184 ،73 ،‬‬
‫‪،461 ،457 ،453 ،452 ،451 ،449 ،447‬‬
‫سيبّبيا‪93 ،‬‬
‫‪،513 ،506 ،504 ،503 ،502 ،499 ،496‬‬
‫سيحاف (هنر)‪316 ،48 ،‬‬
‫‪541‬‬
‫سيحوف (هنر)‪97 ،94 ،‬‬
‫شبو اعبزيرة العربية‪73 ،53 ،‬‬
‫سيس‪،316 ،213 ،191 ،190 ،70 ،68 ،46 ،42 ،‬‬
‫شّبباز‪170 ،168 ،‬‬
‫‪،409 ،408 ،399 ،392 ،354 ،324 ،317‬‬
‫شيزر‪329 ،‬‬
‫‪،448 ،439 ،424 ،423 ،420 ،418 ،417‬‬
‫شيمشاط‪170 ،‬‬
‫‪491‬‬
‫ص‬ ‫سينوب‪417 ،‬‬
‫سيواس‪،150 ،142 ،129 ،126 ،124 ،116 ،84 ،‬‬
‫ص ىفد‪379 ،‬‬
‫ى‬ ‫‪،291 ،289 ،239 ،233 ،167 ،158 ،157‬‬
‫صقلية‪202 ،‬‬
‫‪،312 ،311 ،310 ،309 ،307 ،305 ،298‬‬
‫الصْب‪149 ،102 ،92 ،‬‬
‫‪434 ،344 ،332 ،331‬‬

‫ط‬ ‫ش‬
‫الطاركف‪170 ،81 ،80 ،‬‬
‫الشاـ‪،42 ،41 ،39 ،35 ،31 ،29 ،12 ،11 ،6 ،‬‬
‫طربستاف‪100 ،93 ،‬‬
‫‪،58 ،57 ،56 ،55 ،54 ،53 ،48 ،45 ،44 ،43‬‬

‫‪420‬‬
‫الفيارس‬
‫ؼ‬ ‫طرابلس‪499 ،463 ،223 ،81 ،73 ،‬‬
‫طرابيزكف‪83 ،‬‬
‫فارس‪،111 ،105 ،101 ،98 ،96 ،94 ،63 ،54 ،‬‬
‫طرسوس‪،66 ،61 ،59 ،51 ،48 ،45 ،44 ،43 ،7 ،‬‬
‫‪502 ،473 ،296 ،269 ،252 ،238 ،156‬‬
‫‪،176 ،159 ،154 ،72 ،71 ،70 ،69 ،68 ،67‬‬
‫فاسبوراكاف‪110 ،109 ،85 ،84 ،83 ،‬‬
‫‪،245 ،242 ،201 ،199 ،196 ،193 ،187‬‬
‫فاىكو (قلعة)‪489 ،459 ،316 ،‬‬
‫‪،353 ،339 ،319 ،317 ،293 ،248 ،246‬‬
‫فايا‪61 ،‬‬
‫‪،439 ،413 ،384 ،383 ،382 ،371 ،368‬‬
‫الفرات‪،160 ،130 ،124 ،59 ،45 ،40 ،39 ،36 ،‬‬
‫‪477 ،474‬‬
‫‪،215 ،192 ،187 ،173 ،171 ،170 ،164‬‬
‫طرندة‪59 ،‬‬
‫‪،259 ،257 ،254 ،252 ،251 ،241 ،240‬‬
‫طليطلة‪202 ،‬‬
‫‪،294 ،288 ،286 ،285 ،275 ،267 ،260‬‬
‫الطوانة‪242 ،‬‬
‫‪473 ،312 ،307 ،303 ،302 ،299‬‬
‫طوركس‪،59 ،58 ،49 ،48 ،47 ،43 ،41 ،40 ،39 ،‬‬
‫فرنسا‪313 ،230 ،228 ،215 ،212 ،‬‬
‫‪،157 ،144 ،143 ،121 ،71 ،65 ،62 ،60‬‬
‫فرهبيا‪153 ،150 ،‬‬
‫‪،189 ،188 ،170 ،167 ،164 ،161 ،160‬‬
‫فلسطْب‪،199 ،75 ،55 ،54 ،53 ،40 ،25 ،17 ،8 ،‬‬
‫‪،242 ،241 ،195 ،194 ،192 ،191 ،190‬‬
‫‪،227 ،226 ،216 ،211 ،208 ،207 ،203‬‬
‫‪،316 ،303 ،301 ،285 ،277 ،249 ،248‬‬
‫‪،282 ،267 ،261 ،236 ،232‬‬
‫‪317‬‬
‫الفولغا‪93 ،‬‬
‫ع‬
‫ؽ‬
‫العاصي‪361 ،320 ،184 ،73 ،‬‬
‫قارص‪،143 ،129 ،121 ،114 ،87 ،85 ،36 ،‬‬ ‫العراؽ‪،91 ،72 ،66 ،63 ،62 ،60 ،46 ،45 ،38 ،‬‬
‫‪251‬‬ ‫‪،175 ،149 ،130 ،108 ،103 ،102 ،101‬‬
‫قاليقال‪111 ،‬‬ ‫‪،337 ،327 ،269 ،267 ،252 ،239 ،226‬‬
‫القاىرة‪،59 ،57 ،56 ،55 ،54 ،47 ،40 ،37 ،29 ،‬‬ ‫‪513‬‬
‫‪،110 ،104 ،103 ،99 ،98 ،93 ،92 ،83 ،64‬‬ ‫ىعىز ياز‪341 ،‬‬
‫‪،183 ،172 ،166 ،156 ،131 ،120 ،113‬‬ ‫عسقالف‪199 ،127 ،‬‬
‫‪،245 ،229 ،223 ،213 ،211 ،200 ،196‬‬ ‫عكا‪224 ،223 ،‬‬
‫‪،498 ،497 ،496 ،495 ،494 ،493 ،269‬‬ ‫عمورية‪166 ،126 ،61 ،‬‬
‫‪،506 ،505 ،504 ،503 ،502 ،501 ،499‬‬ ‫العواصم‪170 ،124 ،61 ،46 ،41 ،‬‬
‫‪516‬‬ ‫عْب تاب‪288 ،267 ،249 ،68 ،‬‬
‫قربص‪،421 ،419 ،416 ،378 ،353 ،280 ،277 ،‬‬ ‫عْب زرىب‪،325 ،324 ،319 ،318 ،317 ،68 ،‬‬
‫‪442‬‬ ‫‪490 ،459 ،373 ،357 ،353 ،344 ،330‬‬

‫‪421‬‬
‫الفيارس‬
‫قيصرية‪،143 ،126 ،124 ،122 ،70 ،68 ،40 ،‬‬ ‫القدس‪،205 ،199 ،198 ،141 ،78 ،74 ،54 ،‬‬
‫‪،317 ،294 ،249 ،242 ،199 ،150 ،144‬‬ ‫‪،463 ،430 ،235 ،232 ،222 ،219 ،212‬‬
‫‪463 ،426 ،324‬‬ ‫‪469‬‬
‫قيليقيا‪،23 ،22 ،18 ،17 ،16 ،13 ،11 ،8 ،6 ،5 ،‬‬ ‫قرطبة‪67 ،‬‬
‫‪،40 ،35 ،34 ،33 ،32 ،31 ،29 ،28 ،27 ،25‬‬ ‫القرـ‪122 ،‬‬
‫‪،54 ،53 ،52 ،51 ،49 ،48 ،47 ،46 ،42 ،41‬‬ ‫قزكين‪،110 ،109 ،95 ،93 ،92 ،63 ،52 ،36 ،‬‬
‫‪،70 ،69 ،67 ،66 ،65 ،62 ،61 ،60 ،59 ،57‬‬ ‫‪156 ،112‬‬
‫‪،136 ،125 ،89 ،88 ،76 ،75 ،74 ،72 ،71‬‬ ‫قسطموشل‪331 ،‬‬
‫‪،158 ،157 ،154 ،147 ،146 ،145 ،144‬‬ ‫القسطنطينية‪،54 ،53 ،44 ،43 ،23 ،22 ،12 ،7 ،‬‬
‫‪،167 ،164،163 ،162 ،161 ،160 ،159‬‬ ‫‪،79 ،78 ،69 ،67 ،65 ،64 ،62 ،58 ،56 ،55‬‬
‫‪،184 ،176 ،174 ،173 ،171 ،170 ،168‬‬ ‫‪،116 ،113 ،112 ،111 ،104 ،88 ،86 ،83‬‬
‫‪،191 ،190 ،189 ،188 ،187 ،186 ،185‬‬ ‫‪،142 ،137 ،136 ،128 ،126 ،125 ،123‬‬
‫‪،207 ،201 ،197 ،195 ،194 ،193 ،192‬‬ ‫‪،169 ،167 ،163 ،162 ،154 ،152 ،151‬‬
‫‪،232 ،228 ،225 ،217 ،215 ،213 ،209‬‬ ‫‪،210 ،209 ،208 ،203 ،196 ،175 ،174‬‬
‫‪،249 ،247 ،245 ،244 ،243 ،242 ،238‬‬ ‫‪،220 ،219 ،218 ،217 ،216 ،215 ،213‬‬
‫‪،285 ،275 ،273 ،265 ،257 ،253 ،251‬‬ ‫‪،234 ،232 ،230 ،229 ،226 ،224 ،221‬‬
‫‪،312 ،302 ،298 ،293 ،289 ،287 ،286‬‬ ‫‪،265 ،243 ،240 ،239 ،237 ،236 ،235‬‬
‫‪،320 ،319 ،318 ،316 ،315 ،314 ،313‬‬ ‫‪،351 ،349 ،339 ،333 ،332 ،322 ،301‬‬
‫‪،333 ،332 ،330 ،328 ،324 ،323 ،322‬‬ ‫‪،364 ،362 ،361 ،360 ،358 ،357 ،356‬‬
‫‪،349 ،348 ،347 ،344 ،340 ،339 ،336‬‬ ‫‪،394 ،391 ،386 ،371 ،368 ،367 ،365‬‬
‫‪،358 ،356 ،355 ،353 ،352 ،351 ،350‬‬ ‫‪،436 ،433 ،431 ،430 ،428 ،412 ،396‬‬
‫‪،366 ،365 ،364 ،363 ،362 ،361 ،360‬‬ ‫‪469 ،467 ،465 ،438 ،437‬‬
‫‪،381 ،378 ،377 ،373 ،371 ،369 ،368‬‬ ‫قطر غاش‪59 ،‬‬
‫‪،390 ،389 ،387 ،386 ،384 ،383 ،382‬‬ ‫قلعة الركـ‪477 ،434 ،390 ،288 ،285 ،‬‬
‫‪،399 ،397 ،396 ،395 ،394 ،393 ،391‬‬ ‫س‪46 ،‬‬ ‫قي ىور ى‬
‫‪،416 ،413 ،411 ،407 ،406 ،404 ،400‬‬ ‫القوقاز‪118 ،89 ،82 ،81 ،38 ،36 ،16 ،‬‬
‫‪،444 ،439 ،438 ،435 ،421 ،418 ،417‬‬ ‫قونية‪،149 ،147 ،126 ،125 ،124 ،122 ،39 ،‬‬
‫‪،457 ،456 ،455 ،452 ،450 ،449 ،448‬‬ ‫‪،295 ،242 ،241 ،236 ،167 ،157 ،153‬‬
‫‪541 ،516 ،480 ،459 ،458‬‬ ‫‪،351 ،332 ،331 ،326 ،325 ،310 ،305‬‬
‫‪،417 ،412 ،376 ،373 ،372 ،366 ،360‬‬
‫ؾ‬ ‫‪511 ،481 ،477‬‬
‫كالنجر (قلعة)‪98 ،‬‬ ‫قيسارية‪463 ،75 ،40 ،‬‬
‫كاليكادنوس‪413 ،52 ،‬‬

‫‪422‬‬
‫الفيارس‬
‫ماردين‪338 ،329 ،269 ،‬‬ ‫كبادككيا‪،116 ،88 ،87 ،84 ،70 ،60 ،40 ،39 ،‬‬
‫يم ىَباسوف‪215 ،‬‬ ‫‪،144 ،143 ،127 ،126 ،125 ،123 ،122‬‬
‫مراغة‪329 ،‬‬ ‫‪،192 ،189 ،173 ،166 ،160 ،159 ،158‬‬
‫مرعش‪،124 ،68 ،66 ،59 ،58 ،45 ،44 ،43 ،7 ،‬‬ ‫‪243 ،242 ،217‬‬
‫‪،172 ،170 ،169 ،168 ،167 ،161 ،144‬‬ ‫كرباخ‪38 ،‬‬
‫‪،244 ،242 ،196 ،194 ،186 ،184 ،183‬‬ ‫الكرؾ‪403 ،399 ،‬‬
‫‪،285 ،272 ،254 ،252 ،251 ،250 ،249‬‬ ‫كركر‪302 ،269 ،262 ،261 ،171 ،‬‬
‫‪،348 ،337 ،334 ،325 ،324 ،322 ،295‬‬ ‫كريت‪201 ،67 ،‬‬
‫‪450 ،435 ،409 ،400 ،386 ،376 ،349‬‬ ‫كريسوبوليس‪152 ،‬‬
‫مرك‪148 ،99 ،‬‬ ‫كوبيتار‪244 ،192 ،190 ،‬‬
‫مصر‪،68 ،63 ،62 ،57 ،56 ،55 ،53 ،52 ،25 ،‬‬ ‫كودنس‪48 ،‬‬
‫‪،113 ،106 ،105 ،104 ،103 ،101 ،71‬‬ ‫كور‪478 ،36 ،‬‬
‫‪،207 ،199 ،160 ،138 ،127 ،118 ،114‬‬ ‫كوركموزكؿ (قلعة)‪192 ،191 ،‬‬
‫‪،306 ،227 ،226 ،225 ،224 ،223 ،214‬‬ ‫كوس‪152 ،‬‬
‫‪،403 ،397 ،385 ،370 ،348 ،317 ،315‬‬ ‫كوكسن‪250 ،‬‬
‫‪504 ،496 ،464 ،452 ،450 ،411‬‬ ‫كومانا‪250 ،‬‬
‫مصرين‪294 ،‬‬ ‫كيزسَبا‪324 ،‬‬
‫اؼبصيصة‪،161 ،70 ،69 ،67 ،59 ،48 ،46 ،45 ،7 ،‬‬ ‫كيسوـ‪،291 ،286 ،285 ،284 ،256 ،187 ،‬‬
‫‪،293 ،251 ،248 ،242 ،196 ،190 ،171‬‬ ‫‪335 ،329 ،302 ،301 ،300 ،299 ،298‬‬
‫‪،396 ،383 ،382 ،348 ،347 ،340 ،336‬‬ ‫كيسوف‪288 ،254 ،171 ،‬‬
‫‪408‬‬
‫اؼبعرة‪294 ،‬‬ ‫ؿ‬
‫معرة النعماف‪283 ،‬‬ ‫الالذقية‪345 ،336 ،334 ،‬‬
‫معرة مصرين‪276 ،‬‬ ‫اللكاـ‪344 ،242 ،68 ،58 ،47 ،45 ،41 ،‬‬
‫اؼبغرب‪104 ،‬‬ ‫ؼبربكف‪،296 ،285 ،247 ،244 ،193 ،188 ،187 ،‬‬
‫مالجينة‪366 ،‬‬ ‫‪،396 ،387 ،371 ،353 ،336 ،322 ،319‬‬
‫ملطية‪،125 ،116 ،65 ،59 ،45 ،39 ،26 ،7 ،‬‬ ‫‪441 ،439 ،407‬‬
‫‪،176 ،170 ،167 ،166 ،156 ،132 ،126‬‬ ‫لورم‪181 ،85 ،‬‬
‫‪،257 ،256 ،249 ،233 ،194 ،186 ،183‬‬ ‫ليكيا‪212 ،‬‬
‫‪،290 ،289 ،285 ،266 ،264 ،261 ،258‬‬
‫‪،307 ،306 ،305 ،304 ،303 ،298 ،291‬‬ ‫ـ‬
‫‪،326 ،322 ،312 ،311 ،310 ،309 ،308‬‬
‫ما كراء النهر‪،148 ،116 ،109 ،97 ،96 ،94 ،92 ،‬‬
‫‪،348 ،345 ،335 ،332 ،331 ،330 ،327‬‬
‫‪199‬‬
‫‪450 ،445 ،442 ،435 ،405 ،372 ،360‬‬
‫‪423‬‬
‫الفيارس‬
‫ق‬ ‫منبج‪124 ،68 ،61 ،46 ،‬‬
‫منغوليا‪92 ،‬‬
‫اؽباركنية‪61 ،46 ،45 ،‬‬
‫اؼبوصل‪،179 ،175 ،131 ،66 ،63 ،46 ،37 ،28 ،‬‬
‫ىاليس‪158 ،‬‬
‫‪،297 ،296 ،293 ،277 ،269 ،259 ،190‬‬
‫ىايستاف‪37 ،‬‬
‫‪،411 ،358 ،345 ،337 ،329 ،327 ،300‬‬
‫ىرقلة‪249 ،244 ،242 ،61 ،‬‬
‫‪513 ،502‬‬
‫نبذاف‪329 ،‬‬
‫مولدافيا‪122 ،‬‬
‫اؽبند‪102 ،98 ،96 ،37 ،‬‬
‫ميافارقْب‪329 ،170 ،66 ،40 ،‬‬
‫مّبيو كيفالوف‪404 ،‬‬
‫ك‬
‫كاسط‪63 ،‬‬ ‫ف‬
‫كاف‪،81 ،77 ،70 ،62 ،57 ،53 ،50 ،37 ،10 ،‬‬
‫نصيبْب‪269 ،‬‬
‫‪،126 ،121 ،111 ،104 ،103 ،101 ،96 ،85‬‬
‫هنر دراكو‪154 ،‬‬
‫‪297 ،292 ،286 ،231 ،161 ،132‬‬
‫نػىٍيسابور‪148 ،‬‬
‫كسطاف‪208 ،‬‬
‫نيقوميديا‪152 ،‬‬
‫نيقية‪،154 ،153 ،152 ،150 ،115 ،78 ،57 ،‬‬
‫م‬
‫‪،233 ،232 ،229 ،196 ،195 ،157 ،156‬‬
‫اليمن‪226 ،‬‬ ‫‪،244 ،243 ،241 ،240 ،239 ،236 ،235‬‬
‫‪430 ،307 ،306 ،302 ،286 ،275 ،273‬‬
‫نيكسار‪308 ،‬‬

‫‪424‬‬
‫الممخص‬
‫الملخص‬
‫ – باللغة العربية‬1
‫يسعى ىذا البحث إذل دراسة تاريخ إمارة أرمينيا الصغرل الٍب نشأت ُب جنوب شرقي آسيا‬
‫ كالَبكيز على عالقتها بكل من السالجقة‬،‫ـ‬1226-1071/‫ق‬623-463 ‫ بْب‬،‫الصغرل‬
‫ على إقليم قيليقيا بعد ضعف اػبالفة‬،‫اإلسالمي‬-‫ مع التطرؽ إذل الصراع البيزنطي‬.‫كالصليبيْب‬
‫ ٍب اكتساحهم ْلرمينيا‬،‫ كاعتناقهم اَلسالـ‬،‫ ٍب بركز اْلتراؾ السالجقة ُب بالد ما كراء النهر‬.‫العباسية‬
‫ أدت ىذه اْلحداث إذل نزكح اْلرمن بأعداد‬.‫ كأجزاء كبّبة من أراضي اَلمرباطورية البيزنطية‬،‫الكربل‬
‫ كصلت اغبملة‬،‫ كبعدىا بقليل‬.‫ كُب جباؿ طوركس‬،‫ضخمة من موطنهم اْلصلي كاَلستقرار ُب قيليقيا‬
‫ فبا أدل إذل ربالف اْلرمن مع‬،‫الصليبية اْلكذل إذل آسيا الصغرل ُب طريقها كبو بيت اؼبقدس‬
،‫ كركز البحث على الدكر الذم قاـ بو اْلرمن ُب أحداث اؼبشرؽ اَلسالمي‬.‫الصليبيْب ضد اؼبسلمْب‬
‫ كينتهي ُب اْلخّب بالتطرؽ إذل أبرز‬،‫ خالؿ حقبة من حقب اغبركب الصليبية‬،‫خاصة بالد الشاـ‬
.‫اؼبؤثرات الٍب تركها الصليبيوف كاؼبسلموف ُب آّتمع اْلرميِب‬
: ‫ – باللغة الفرنسية‬2
Cette recherche a pour but d'étudier l'histoire de la Principauté
de la Petite Arménie, située au Sud-Est de l'Asie Mineure, entre 463-
623 h/1071-1226, et se concentre sur sa relation avec les Seldjoukides
et les Croisés. Elle aborde aussi le conflit byzantin-islamique، sur le
territoire de Cilicie après le déclin du califat Abbasside. Après cela
La montée des Turcs Seldjoukides dans la transoxiane, et leur
conversion à l'Islam, puis leur conquête de la Grande Arménie et de
grandes parties du territoire de l'Empire Byzantin. Ces évènements ont
conduit à l'exode massif des Arméniens de leur patrie d'origine et se
stabilisent en Cilicie, et dans les montagnes du Taurus. Peu de temps
après, la première croisade a atteint l'Asie Mineure en route vers
Jérusalem, ce qui a conduit à une alliance des Arméniens aves les
Croisés contre les Musulmans. La recherche a porté surtout sur le rôle
joué par les Arméniens dans les évènements de l'Orient islamique,
pendant une ère des Croisades. Se termine en dernier, par les effets les
plus importants laissés par les Croisés et les Musulmans dans la
société Arménienne.

425

You might also like