Professional Documents
Culture Documents
بقلم /د.إياد قـنيبي
هذا النفاق فاحذروه
إن احلمد هلل حنم ده ونس تعينه ونس تغفره ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا ومن س يئات
أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له .وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده
ال شريك له ,وأشهد أن حممدا عبده ورسوله .أما بعد :
وق د قس مت الكت اب إىل مقدم ة ت بني أمهي ة املوض وع ،مث مف اهيم هام ة عن طبيع ة
النفاقَ ،مْتلَُّوةً بصفات املنافقني ،وحتت كل صفة العناصر اآلتية:
-آيات وأحاديث تبني الصفة املقابلة اليت ارتضاها اهلل تعاىل ورسوله صلى اهلل عليه
وسلم للمؤمن يف مقابلة الصفة النفاقية املذكورة
وذلك ،بعون اهلل تعاىل ،دون اختصار خمل وال تطويل ممل.
مقدمة
كثرة المنافقين:
ق ال ابن القيم يف املن افقني" :ك اد الق رآن أن يك ون كله يف ش أهنم ،لك ثرهتم على
ظهر األرض ،ويف أج واف القب ور ،فال خلت بق اع األرض منهم لئال يس توحش
املؤمن ون يف الطرق ات وتتعطل هبم أس باب املع ايش ،وختطفهم الوح وش والس باع يف
الفلوات" (مدارج السالكني ،جزء ،1ص .)358
أمل تر أن اهلل تعاىل بني مرض قلبهم وخمادعتهم للمؤمنني يف سورة البقرة ،مث جزعهم
وختذيلهم يف آل عمران ،مث إعراضهم عن حكم اهلل ورسوله يف النساء ،مث مواالهتم الكفار
يف املائ دة ،مث ش كهم يف وعد اهلل ب التمكني لل دين يف األنف ال ،مث نكوص هم عن اجله اد
والطعن يف املؤم نني يف التوب ة ،مث قلة ثب اهتم يف احلج ،مث انتق اءهم من ال دين ب أهوائهم يف
النور ،مث قلة صربهم يف العنكبوت ،مث إخالفهم عهد اهلل يف األحزاب ،مث جبنهم يف حممد،
مث سوء ظنهم باهلل يف الفتح ،مث اغرتارهم باألماين يف احلديد ،مث حلفهم كذبا يف اجملادلة،
مث خ ذالهنم ملن ض عُف من أولي ائهم يف احلش ر ،مث قلة أدهبم مع رس ول اهلل واملؤم نني يف
املن افقون ،مث اس تحقاقهم الغلظة يف التح رمي...س بع عش رة س ورة مليئة بالتح ذير منهم
وبالتفصيل يف صفاهتم...
أيُظن بعد ه ذا كله أن اآلي ات اليت تص فهم مل يعد هلا أمهية يف عص رنا إال الت ربك
بتالوهتا وتدوين هذه الظاهرة تارخييا!
فال شك إذا أن اهلل تعاىل قد أكثر من ذكر النفاق لنكون على بينة منه .قال تعاىل:
اللحظة احلامسة...هي تلك اليت يع رف فيها املن افق أنه هال ك...اس تفاق من حلم
اخلل ود يف نعيم اجلنة إىل يقني اخلل ود يف ع ذاب الن ار...حلظة رهيبة خياف منها كل
م ؤمن ...مر املؤمن ون عرب حمط ات التنقية فتم ايزوا عن الكف ار الص رحاء ،لكن ما زال يف
ص فوفهم من افقون...واملن افق تتع اظم أمانيه يف النج اة ومل يبق للجنة إال
خطوات...خط وات حتتاج نورا إلبص ار الطري ق...لكن املؤم نني تق دموا بنورهم تاركني
املنافقني يف ظلمات كظلمات نفاقهم وشكهم يف الدنيا...وما زال لديهم أماين...بعضهم
ال يعلم أن ما كان عليه هو النفاق ،وبعضهم يظن أنه ينجو مبا جنا به يف الدنيا من كذب
وخ داع...ظن أن حيلته تنطلي حىت على ربه عز وج ل...فين ادي املن افق كما يصف رب
العزة:
((يوم يقول املنافقون واملنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا
وراءكم فالتمس وا ن ورا فض رب بينهم بس ور له ب اب باطنه فيه الرمحة وظ اهره من قبله
الع ذاب ين ادوهنم أمل نكن معكم ق الوا بلى ولكنكم فتنتم أنفس كم وتربص تم وارتبتم
وغرتكم األماين حىت جاء أمر اهلل وغركم باهلل الغرور فاليوم ال يؤخذ منكم فدية وال من
الذين كفروا مأواكم النار هي موالكم وبئس املصري))
خ ادعوا اهلل تع اىل ط ويال فخ دعهم ((إن املن افقني خيادعون اهلل وهو
خ ادعهم))...ع ادوا يلتمس ون ن ورا يص لون به إىل النعيم املقيم فض رب الس ور وه ووا يف
عذاب اجلحيم...حلظة فاصلة مرعبة مهولة...
فاس أل نفسك يا أخي :هل س أكون قبل الس ور أم بع ده عند ه ذه اللحظ ة...تص ور
نفسك وقد ض رب الس ور من خلفك فعلمت أنك م ؤمن ن اج...فتجثو على ركبتيك
وتبكي مطأطئا رأسك من شدة الفرح واالمتنان هلل تعاىل أن مشلك برمحته...
أم يا ت رى يُض رب الس ور أمامك فتوضع األغالل يف عنقك وتس حب بالسالسل إىل
نار جهنم...إىل قعرها ودركها األسفل:
الحذر من المنافقين:
ق ال ابن القيم( :ف إن بلية اإلس الم هبم (باملن افقني) ش ديدة ج دا ألهنم منس وبون إليه
وإىل نصرته ومواالته وهم أعداؤه يف احلقيقة ،يخرجون عداوته يف كل قالب يظن اجلاهل
أنه علم وإصالح وهو غاية اجلهل واإلفسادِ .فلَّله كم من معقل لإلسالم قد هدموه! وكم
من حصن له قد قلع وا أساسه وخرب وه! وكم من علم له قد طمس وه! وكم من ل واء له
مرف وع قد وض عوه! وكم ض ربوا مبع اول الش به ىف أص ول غراسه ليقلعوه ا! وكم عم وا
عي ون م وارده ب آرائهم لي دفنوها ويقطعوه ا! فال ي زال اإلس الم وأهله منهم ىف حمنة وبلية.
وال يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية .ويزعمون أهنم بذلك مصلحون! أال إهنم هم
املفسدون ولكن ال يشعرون) (مدارج السالكني-اجلزء األول ص)348-347
وخلط ورهتم ق ال اهلل تع اىل(( :هم الع دو فاح ذرهم))...فحصر الع داوة فيهم ك أن ال
عدو غريهم ألهنم شر األعداء.
((ما من نيب بعثه اهلل يف أمة قبلي إال ك ان له من أمته حواري ون وأص حاب يأخ ذون
بسنته ويقتدون بأمره ،مث إهنا ختلف من بعدهم ُخلُوف يقولون ما ال يفعلون ،ويفعلون ما
ال ي ؤمرون ،فمن جاه دهم بي ده فهو م ؤمن ،ومن جاه دهم بلس انه فهو م ؤمن ،ومن
جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ،وليس وراء ذلك من اإلميان حبة خردل)) (مسلم).
من ذلك مجيعا يُعلم م دى ض رورة التع رف على ص فات املن افقني لنتوقاها يف ذوات
أنفسنا ولنعرف هبا أئمة النفاق...
ولئال ننخدع هبم فصل اهلل تعاىل لنا صفاهتم...حىت إذا ما حاولوا خداعنا كان ردنا
عليهم:
واملتتبع للت اريخ اإلس المي ي رى أن كل بلية ن زلت باإلس الم إمنا هي من
جهتهم...سودوا صفحات التاريخ سود اهلل وجوههم...
فمن جرثومة الش ر(أخ ذت ه ذه التس مية من شريط للش يخ علي الق رين) عبد اهلل بن
أيب بن سلول الذي طاملا أدخل احلزن على احلبيب رسول اهلل وجىن على خلق كثريين من
أتباعه...فبدل أن يكونوا صحابة يف عليني هوى هبم إىل الدرك األسفل يف الدنيا واآلخرة
مالعني.
إىل عبد اهلل بن س بأ...الس اعي خببثه بني الص حابة األخي ار حىت أوقع الفتنة بني
بعض هم...وأسس الطائفة اليت مجعت زي اإلس الم على قل وب اجملوس ف أذاقت وما زالت
تذيق أمة اإلسالم ألوان العذاب.
إىل بعض األم راء أي ام الص ليبيني ويف عهد مل وك الطوائف باألن دلس...من تلبس وا
بص فات املن افقني فح ادوا عن حكم اهلل و وال وا أع داء اهلل وك ذبوا على رعيتهم وعطل وا
وسبِيَت...
اجلهاد يف سبيل اهلل...فذلت األمة على أيديهم ومتزقت وأريق دمها ُ
إىل "حممد بن حممد مؤيد ال دين" ابن العلقمي...ال ذي خ ان حمم دا ص لى اهلل عليه
وسلم يف أمة حممد ،وأيد الترت ومرق من الدين ،وأذاق املسلمني العلقم...
إىل "حممد بن حممد نصري ال دين" الطوس ي...ويا ليت املس لمني يكف ون عن االغ رتار
بالظواهر ،فال يُذهب غيظ قلوهبم على املنافقني أن يسمعوا هلم أمساء إسالمية ...فتحسن
هبم الظن ون وتلني هلم القل وب...وليس املن افقون ل ذلك بأه ل...ف األول عبد اهلل ،والث اين
عبد اهلل ،والث الث والرابع حمم د...ال حممد فحس ب ،بل حممد بن حمم د! وكلهم ع دو هلل
تعاىل ولرسوله حممد صلى اهلل عليه وسلم...
إىل مجعيات النفاق اليت أوهنت الدولة العثمانية...فكانت الثمرة إلغاء اخلالفة وجعل
املسلمني أيتاما على موائد اللئام.
إنه مثة حق ائق ال بد من معرفتها لئال متر حالة من ح االت النف اق دون تش خيص.
ف املرء قد ي رى يف نفسه خ ريا ينكر ألجله أن عن ده نفاق ا ،وما ذلك إال جلهله أن النف اق
يتج زأ وليس على درجة واح دة .وقد متر به أي ام يق وى فيها إميانه فيس تبعد ألجلها أن ما
يتلبس به يف أي ام أخ رى هو ص فات نفاقي ة .وما ذلك إال جلهله أن املرء قد يتقلب بني
اإلميان والنف اق .وقد يطمئن إىل إرادته اخلري وحيسب أن لو ك ان منافقا َلعلِم من نفسه
النف اق .وما ذلك إال جلهله أن املرء قد يك ون منافقا من حيث ال يعلم ،إىل حد أن
الصحابة خافوا على أن أنفسهم أن يكون فيهم نفاق ال يعلمونه لشدة خفائه.
وعامة الن اس يتص ورون أن النف اق إمنا يك ون من ش خص ال خري فيه البت ة ،وليس يف
قلبه ذرة إميان ،و يبيت لإلسالم عداوة وبغضاء خيشى اطالع الناس عليهما.
وحقيقة األمر أن املن افقني ال ذين ه ذا ح اهلم قل ة .ل ذا فالنف اق ال ذي هو أقل ح دة
ووضوحا أخطر لكثرة انتشاره وخفائه حىت على أصحابه يف أكثر األحيان .فهم ال يرون
آيات النفاق تتحدث عنهم.
وألجل ذلك كله أحببنا أن نس تدل على حق ائق عامة عن النف اق قبل اخلوض يف
صفات النفاق تفصيال .وهذه احلقائق هي:
ا) ولذا قال اهلل تعاىل واصفا موقف املنافقني يوم أحد:
قال ابن كثري :استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به األحوال ،فيكون يف حال
أقرب إىل الكفر ،ويف حال أقرب إىل اإلميان.
وأحب أن أبني بداية أنين ال أذكر تفاسري بعض العلم اء يف ه ذا الكت اب اس تدالال
على أن معىن اآلية هو ما أذك ره يف موض عه...فاآلي ات كلها واض حة الداللة واحلمد هلل.
وإمنا أذكر أق وال العلم اء أحيانا ليعلم قارئنا أننا ال ن أيت مبا خيالف منهج أهل الس نة .وإال
فقد فهمنا من اآلي ات ما قاله العلم اء قبل ق راءة أق واهلم لوض وح داللتها واحلمد هلل .فال
يظنن ظان إن ذكرنا بعض أهل العلم أننا حنمل اآليات على فهمهم دون غريهم.
-ق ال ابن تيمية يف قوله تع اىل(( :هم للكفر يومئذ أق رب منهم لإلميان)) :فقد جعل
ه ؤالء إىل الكفر أق رب منهم لإلميان فعلم أهنم خملط ون وكف رهم أق وى وغ ريهم يك ون
خملطا وإميانه أق وى...ف بني س بحانه وتع اىل :أن الش خص الواحد قد يك ون فيه قسط من
والية اهلل حبسب إميانه وقد يك ون فيه قسط من ع داوة اهلل حبسب كف ره ونفاقه (أولي اء
ال رمحن وأولي اء الش يطان البن تيمية اجلزء األول ص .23وقد اطلعت على ه ذا النص
ألول مرة يف 2007-7-14فوافق فهمي متاما واحلمد هلل رب العاملني).
((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة
من النفاق حىت يدعها)) (متفق عليه).
ف انظر كيف أنه عليه الص الة والس الم قد بني أن املرء قد يتلبس بص فات جتعل فيه
شيئا من نفاق مع أنه ليس مبنافق خالص.
وينبغي أن ن ذكر أن بعض ش راح ه ذا احلديث استش كلوا ه ذا احلديث من حيث أن
ه ذه اخلص ال قد توجد يف املس لم املص دق بقلبه ولس انه واإلمجاع حاصل أنه ال حيكم له
بنف اق جيعله يف ال درك األس فل من الن ار هلذه الص فات .وخرج وا من ه ذا االستش كال
بت أويالت كاعتب ار النف اق املذكور نفاقا عمليا ال اعتقادي ا .وبالت ايل فهو ليس نفاقا خمرجا
من امللة.
غري أننا يف هذا الكتاب ال نتعرض هلذا التفريق بني النفاق االعتقادي والنفاق العملي
ألن ه ذا التفريق إمنا حيسن ذك ره ملنع املس لمني من الوق وع يف اإلف راط بتكفري من تلبس
بشيء من هذه الصفات .وحنن يف هذا الكتاب لسنا نتصدر للحكم على من تلبس بصفة
نف اق ب الكفر أو اإلميان احلكمي أو احلقيقي ،فه ذا مبحث حيت اج إىل مزيد علم
واستفصال .إمنا حنن هنا معنيون بالزجر عن صفات النفاق ،فيحسن يف مثل هذا املقام أن
نطلق النف اق كما أطلقه اهلل تع اىل ورس وله ص لى اهلل عليه وس لم ليك ون الزجر كما أريد
ل ه ،ولئال ت ركن النف وس وتقل نفرهتا عن ص فات املن افقني إن قيل إن ه ذه الص فة أو تلك
نفاق عملي ال خيرج من امللة.
ج) روى اإلم ام أمحد عن أيب س عيد ق ال :ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم
القل وب أربعة قلب أج رد فيه مثل الس راج يزهر وقلب أغلف مرب وط على غالفه وقلب
منك وس وقلب مص فح فأما القلب األج رد فقلب املؤمن س راجه فيه ن وره وأما القلب
األغلف فقلب الكافر وأما القلب املنكوس فقلب املنافق عرف مث أنكر وأما القلب املصفح
فقلب فيه إميان ونف اق فمثل اإلميان في ه كمثل البقلة ميدها املاء الطيب ومثل النف اق فيه
كمثل القرحة ميدها القيح والدم فأي المادتني غلبت على األخرى غلبت عليه) (قال ابن
كثري يف إسناده :وهذا إسناد جيد حسن .وضعفه األلباين) .فانظر كيف أنه عليه الصالة
والسالم َّفرق بني املنافق اخلالص والقلب الذي مجع إميانا ونفاقا يتغالبان.
ول ذا ق ال ابن كثري يف تفسري أوائل س ورة البق رة...( :ومن افقون ،وهم قس مان:
ُخلَّص ،وهم املض روب هلم املثل الن اري ،ومن افقون ي رتددون ،ت ارة يظهر هلم ملع اإلميان
وتارة خيبو ،وهم أصحاب املثل املائي ،وهم أخف حاال من الذين قبلهم) اهـ.
ويقصد باملثل الناري قوله تعاىل ((مثلهم كمثل الذي استوقد نارا)) واملثل املائي ((أو
كص يب من الس ماء)) .ويقصد بقول ه :ت ارة يظهر هلم ملع اإلميان قوله تع اىل ((كلما أض اء
هلم مش وا فيه وإذا أظلم عليهم ق اموا)) .وه ذا الص نف املرتدد ن راه يف واقعنا من أن اس
يتكلم ون بكالم املتش ككني يف ش رائع من ش رائع اإلس الم كتع دد الزوج ات واحلدود
ومرياث املرأة .لكنهم إن أوقع أعداء اإلسالم باألمة ظلما جديدا أحسوا بأهنم مستهدفون
وزاد متايز احلق عن دهم من الباطل فق وي إمياهنم وأظه روا على ال دين غ رية .لكنهم ما
يلبثون أن يعودوا إىل ما كانوا فيه من تشكك وريبة.
وههنا تنبي ه .وهو أنه ليس ش رطا أن ينطبق النص يف املن افقني بكامل جزئياته على
أح دنا حىت يش عر أنه خياطب ه .وبالت ايل ف إذا ق رأ ق ارئ آي ات تصف املن افقني وأحس بداية
بانطب اق الص فات عليه مث ج اءت ص فة يف اآلي ات ال تنطبق فال ينبغي أن يش عره ذلك أن
اآلي ات ال تعني ه .بل له من الوعيد ومن حتقق اسم النف اق فيه بق در انطب اق اآلي ات علي ه،
وله من اإلميان بقدر خمالفتها حلاله.
جتد مثل ه ذا الفهم يف تعامل الص حابة مثال مع اآلي ات اليت تصف الكف ار .ففي
احلديث الذي رواه احلاكم وقال فيه الذهيب يف التلخيص (على شرط البخاري ومسلم) أن
سعدا رضي اهلل عنه إستأذن على ابن عامر و حتته مرافق من حرير فأمر هبا فرفعت فدخل
عليه و عليه مط رف خز فق ال له :استأذنت علي و حتيت مرافق من حرير فأمرت فرفعت
فق ال له :نعم الرجل أنت يا ابن ع امر إن مل تكن ممن ق ال اهلل عز و جل { :أذهبتم
طيب اتكم يف حي اتكم ال دنيا } .و اهلل ألن أض طجع على مجر الغضا أحب إيل من أن
اضطجع عليها.
ف انظر كيف أن ه ذه اآلية أُن زلت يف الكف ار ((ويوم يعرض الذين كف روا على الن ار
أذهبتم طيب اتكم يف حي اتكم ال دنيا واس تمتعتم هبا ف اليوم جتزون ع ذاب اهلون مبا كنتم
تس تكربون يف األرض بغري احلق ومبا كنتم تفس قون)) لكن ذلك مل مينع س عدا رضي اهلل
عنه من زجر ابن ع امر هبا ملش اهبة يف جزئية من اآلية مع أن ابن ع امر ليس من ((ال ذين
كفروا)).
وك ذلك إي راد أهل الس نة لقوله تع اىل (( ما س لككم يف س قر( )42ق الوا مل نك من
املص لني ( )) )43يف مع رض ت رهيب املنتس بني إىل اإلس الم عن ت رك الص الة ،مع أن تتمة
الص فات املذكورة يف جمموعة ه ذه اآلي ات ((وكنا نك ذب بي وم ال دين)) ،وهي ص فة ال
تنطبق على كثري من تاركي الصالة.
وكما أن اإلميان يزيد وينقص-وه ذه عقي دة أهل الس نة واجلماع ة -فك ذلك النف اق
يزيد وينقص.
ا) فقد وصف اهلل تع اىل املن افقني بقول ه(( :مذب ذبني بني ذلك ال إىل ه ؤالء وال إىل
هؤالء))
قال ابن كثري يف تفسريها( :ومنهم من يعرتيه الشك ،فتارة مييل إىل هؤالء وتارة مييل
إىل أولئك)اهـ.
وميل املن افق إىل املؤم نني إما أن يك ون عن زي ادة طارئة يف إميانه أو لغلبة دنيوية يف
صراع املؤمنني مع الكفار واهلل تعاىل أعلم.
ب) وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :مثل املنافق كمثل الشاة العائرة بني
الغنمني ،تعري إىل هذه مرة ،وإىل هذه مرة ،وال تدري أيتهما تتبع)) (مسلم).
ج) عن جبري بن نفري أنه مسع أبا الدرداء وهو يف آخر صالته وقد فرغ من التشهد ،
يتعوذ باهلل من النفاق .فأكثر التعوذ منه .فقال جبري :ومالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟
فق ال( :دعنا عنك دعنا عن ك .فواهلل إن الرجل ليقلب عن دينه يف الس اعة الواح دة فيخلع
منه) (قال الذهيب يف سري أعالم النبالء :إسناده صحيح).
((ولئن س ألتهم ليق ولن إمنا كنا خنوض ونلعب قل أباهلل وآياته ورس وله كنتم
تستهزئون ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم))
وهذه اآلية ضمن آيات متتابعة كثرية تتحدث عن املنافقني .قال ابن تيمية:
ج) قال ابن القيم( :وأما النفاق :فالداء العضال الباطن الذى يكون الرجل ممتلئا منه
وهو ال يشعر) (مدارج السالكني-اجلزء األول ص)347
فكما أن م ريض الفم ال حيسن الت ذوق ف إن ه ؤالء مرضى القل وب ف ريون الفس اد
صالحا:
د) واآلي ات الدالة على ان املرء قد يس يء وهو حيسب أنه حمسن كث رية ،كقوله
تعاىل:
(( -ومن يعش عن ذكر ال رمحن نقيض له ش يطانا فهو له ق رين ( )36وإهنم
ليصدوهنم عن السبيل وحيسبون أهنم مهتدون ()) )37
وكقوله تعاىل:
هـ) قوله ص لى اهلل عليه وس لم(( :آية املن افق ثالث وإن ص لى وص ام وزعم أنه
مس لم)) (ص حيح مس لم) .فبعض من (زعم أنه مس لم) قد يص دق زعمه ه ذا ملا يرى من
صالة نفسه وصيامها وال شعر بنفاقه.
ا) فقد روى البخ اري عن ابن أيب مليك ة ,ووهو من كب ار الت ابعني أنه ق ال:
(أدركت ثالثني من أص حاب النيب ص لى اهلل عليه وس لم ،كلهم خياف النف اق على
نفسه).
ب) قال عمر حلذيفة ـ أمني سر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف املنافقني رضي
اهلل عنهم ا :ناش دتك باهلل هل مساين رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فيهم؟ فق ال :ال،
وال أزكي بعدك أحداً.
عند مساع ه ذه اآلث ار فإننا نقف ع ادة عند اإلعج اب ب ورع الص حابة واعتب ار أهنم
كانوا خيافون النفاق (زيادة عن اللزوم) .لكن ليس هذا ما ينبغي أن يفهم منها .فالصحابة
أفقه األم ة ،وهم بالت ايل يعط ون األم ور أوزاهنا املناس بة وخيافون مما جيب اخلوف من ه.
فخوفهم هذا يُشعر خبفاء النفاق إىل احلد الذي ميكن معه أن يوجد يف النفس وال يشعر به
ص احبه .فج دير هبم أن خيافوه وحنن ب ذلك أج در .فكلما زاد إميان املرء وفقهه بطبيعة
النفاق زاد خوفه منه.
ج) ُي ذكر عن احلسن البص ري أنه ق ال( :ما خافه إال م ؤمن وال أمنه إال من افق)
(البخاري) .أي :ما خاف النفاق إال مؤمن وال أمن النفاق إال منافق.
(قال ابن سريين :ما يف القرآن آية أخوف عندي من هذه ((ومن الناس من يقول
آمنا باهلل وب اليوم اآلخر وما هم مبؤم نني)).وق ال أي وب (أي :الس ختياين) :كل آية يف
الق رآن فيها ذكر النف اق أخافها على نفسي ،وق ال معاوية بن ق رة :ك ان عمر خيش اه
وآمنه أنا؟)
فه ذه حق ائق أربعة عن طبيعة النف اق أحببت أن أق دم هبا بني ي دي احلديث عن
صفات املنافقني
صفات المنافقين:
******************************
)1الشك في الدين
وصفة الشك أهم صفات النفاق ألهنا أصل كل شر ،وهي سبب الصفات النفاقية
األخرى كما سرتى.
قال اهلل تعاىل واصفا املنافقني(( :يف قلوهبم مرض فزادهم اهلل مرضا)) .قال املفسرون
يف معىن املرض :هو الشك .وهذا القول نقله ابن كثري عن عدد من الصحابة.
وق ال تع اىل يف آية االس ور املض روب بني املن افقني واملؤم نني(( :ق الوا بلى ولكنكم
فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم)) فريبهم شكهم.
وق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم موض حا خط ورة ه ذا الش ك(( :وثالثة ال
تسأل عنهم :رجل نازع اهلل عز وجل رداءه فإن رداءه الكربياء وإزاره العزة ورجل شك
يف أمر اهلل والقن وط من رمحة اهلل)) ( ص حيح ) .وقوله ((ال تس أل عنهم)) يوضح أهنم
هلكى.
فاملنافقون لشكهم:
رفض وا مرجعية الش ريعة(( :وإذا دع وا إىل اهلل ورس وله ليحكم بينهم إذا فريق منهم
معرضون وأن يكن هلم احلق يأتوا إليه مذعنني أيف قلوهبم مرض أم ارتابوا))
نكص وا عن اجله اد(( :إمنا يس تأذنك ال ذين ال يؤمن ون باهلل والي وم اآلخر وارت ابت
قلوهبم فهم يف ريبهم يرتددون))
وال وا الكف ار(( :ولو ك انوا يؤمن ون باهلل والنيب وما أن زل إليه ما اختذوهم أولي اء))
(املائدة)
تكاس لوا عن الطاع ات(( :ولو يعلم ون ما فيهم ا-أي :ص اليت الفجر والعش اء-
ألتومها ولو حبوا)) لكن لشكهم يف وجود هذا اجلزاء أصال تكاسلوا.
فش كه يُض عف عن ده التوكل على اهلل وانتظ ار املثوبة والعقوبة األخ رويني فيغش و
يرتشي ويفعل ما يرى فيه أمانا حلياته حل أم حرم.
إن الن اس ال جيدون ص عوبة يف االقتن اع ب أن منكر اإلس الم وجاح ده ك ربا يس تحق
العقوب ة .لكن الكث ريين يتس اءلون :إن ك ان إنس ان قد اس تعرض اإلس الم وفكر فيه فلم
يقتنع بوج ود اهلل تع اىل أو نب وة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم مع أنه ح اول أن يك ون
منصفا ،أو شك يف صحة هذا الدين ،فما ذنبه؟
((إن اهلل ي أمر بالع دل واإلحس ان وإيت اء ذي الق رىب وبنهى عن الفحش اء واملنكر
والبغي يعظكم لعلكم تذكرون))؟
وأي قلب ه ذا ال ذي ال حيب قول اهلل تع اىل(( :إن اهلل ي أمركم أن ت ؤدوا األمان ات
إىل أهلها وإذا حكمتم بني الناس أن حتكموا بالعدل))
ف القلب ال ذي ال يقتنع ب دين اهلل تع اىل قلب م ريض أفس ده ص احبه باملعاصي ،كما
تفسد احلواس بتعريضها ملا يؤذيها:
ف العيب ليس يف دين اهلل وال عن نقص حجة فيه ((قل فلله احلجة البالغ ة)) ,واهلل
تع اىل قد فطر الن اس مجيعا على االجنذاب لدين ه(( :وإذ أخذ ربك من بين آدم من
ظه ورهم ذريتهم وأش هدهم على أنفس هم ألست ب ربكم ق الوا بلى ش هدنا أن تقول وا ي وم
القيامة إنا كنا عن هذا غافلني * أو تقولوا إمنا أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم
أفتهلكنا مبا فعل املبطلون)) .إمنا العيب يف القلب الذي يستقبح دين اهلل وال يقتنع به.
فم رض القلب إذا مكتسب باملعاص ي .واألدلة على ذلك يف الق رآن والس نة كث رية
جدا منها قول اهلل تعاىل:
((فما لكم يف املن افقني فئ تني واهلل أركس هم مبا كس بوا)) (النس اء) أي ردهم
وأوقعهم يف اخلطأ والكفر بسبب معاصيهم .وقوله تعاىل:
ومنها قوله تع اىل (( :ذلك ب أهنم آمن وا مث كف روا فطبع على قل وهبم فهم ال يفقهون
)) (املنافقون) فالكفر أكرب املعاصي.
ومنها قوله تع اىل(( :كيف يه دي اهلل قوما كف روا بعد إمياهنم وش هدوا أن الرس ول
حق وجاءهم البينات واهلل ال يهدي القوم الظاملني (( )))86آل عمران).
يوضح اهلل احلق لإلنسان ويدركه اإلنسان ولو لفرتة قصرية .لكن اإلنسان إذا تعامى
وآثر الدنيا وحظوظ النفس أو استكرب َم ِرض قلبه فنسي هذا اليقني الذي تبدى له .يدل
على ذلك قول اهلل تعاىل(( :ونقلب أفئدهتم وأبصارهم كما مل يؤمنوا به أول مرة ونذرهم
يف طغياهنم يعمهون ()) )110
فليحذر امرؤ أن يتعامى عن حق ذاق طعمه حلظة وإال فقد ينساه بقية حياته.
((أف رأيت من اختذ إهله ه واه وأض له اهلل على علم وختم على مسعه وقلبه وجعل على
بصره غشاوة فمن يهديه من بعد اهلل)) وقوله تعاىل:
((ال ي زال بني اهنم ال ذي بن وا ريبة يف قل وهبم)) أي أن بن اء املن افقني ملس جد الض رار
أورثهم ش كا ونفاقا يف قل وهبم .وهلذا فعلى املرء أن حيذر من فعل معص ية قد تزيد م رض
قلبه وش كه ما دامت آثارها قائمة مع أن ص احبها قد يك ون نس يها فال ينتبه إىل ه ذا
املصدر من مصادر مرض قلبه.
ومن أدلة السنة النبوة على أن املعاصي تورث مرض القلب وبالتايل الشك يف الدين
قول النيب صلى اهلل عليه وسلم:
((من مسع الن داء ي وم اجلمعة فلم يأهتا ،مث مسعه فلم يأهتا ،مث مسعه فلم يأهتا ،طبع اهلل
على قلب ه ،وجعل قلبه قلب من افق)) (أخرجه أبو يعلى وال بيهقي وق ال ابن حج ر :رجاله
ثقات ،وصححه ابن املنذر وحسنه األلباين).
وك ذلك ح ديث ع رض الفنت على القل وب كع رض احلصري وح ديث ال ران .وه ذه
اآلي ات واألح اديث ت دل على أن فتنة الش هوة تق ود إىل فتنة الش بهة ،وأن املعاصي ختدش
العقيدة .فال يغرتن امرؤ بقوله أنه وإن كان مقيما على معصية إال أن إميانه يف قلبه كامل.
ومن ظن أن بإمكانه اإلس راف على نفسه من املعاصي دون أن يت أثر إميانه بأدراهنا فقد
وقع بظنه هذا يف كبرية جديدة ،وهي األمن من مكر اهلل تعاىل القائل:
((فليحذر الذين خيالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)) وشر فتنة
أن مترض قلوهبم ملخالفتهم أمر اهلل ورسوله فيصيبها كفر أو نفاق.
فمن ظن نفسه مفلتا من ه ذه العقوب ة ،وفعل املعص ية وهو يق ول :لن يع اقبين اهلل
مبرض القلب يك ون قد انطبق عليه ق ول ابن مس عود رضي اهلل عن ه(( :الكب ائر :اإلش راك
باهلل واألمن من مكر اهلل والقنوط من رمحة اهلل واليأس من روح اهلل))
وسنربهن على هذا التسلسل يف حتت الصفات النفاقية األخرى بإذن اهلل تعاىل.
إن العاصي يضائل نداء اإلميان يف قلبه ثالث مرات :قبل ممارستة املعصية ليُقبل على
املعص ية ،مث أثن اء ممارس تها ليس تمتع هبا ،مث بعد االنته اء منها ليتجنب الن دم على فعله ا.
عملية "التحجيم" هذه إذا كثرت قمعت إميان قلبه وأورثته مرضا وشكا.
كما أن العاصي إذا ت أخرت عقوبته قد حيمد اهلل تع اىل على لطفه بداي ة .لكن إن
واقع معصيته مرارا ومل ير عقوبة فقد يشك يف وجود الثواب والعقاب أصال.
أال ترى أن الطفل إن أقدم على ما ُزجر عنه فلم ير ضررا عاجال اجرتأ عليه ،مث بدأ
يشك يف ترتب الضرر على هذا الفعل أصال؟
وهلذا ملا اج رتأ يه ود على ال دعاء على النيب ص لى اهلل عليه وس لم بق وهلم (الس ام
عليك) ومل يُعاجلوا بعقوبة شكوا يف نبوته بعدما كانوا متيقنني منها:
((وإذا جاؤوك حيوك مبا مل حييك به اهلل ويقولون يف أنفسهم لوال يعذبنا اهلل مبا نقول
حسبهم جهنم يصلوهنا فبئس املصري ()) )8
أي :يقولون يف أنفسهم لو كان هذا نبيا لعذبنا اهلل مبا نقول له.
فص احب الطاعة يس تجمع إميانه ليدفعه إىل فعل الطاعة قبل فعلها مث ليس تمر عليها
أثناء أدائها مث ليفرح هبا بعد االنتهاء منها.
قال اهلل تعاىل(( :ومثل الذين ينفقون أمواهلم يف سبيل اهلل وتثبيتا من أنفسهم كمثل
جنة بربوة)) فاإلنفاق يُثَبِّتهم على اإلميان.
وقال تعاىل(( :ولو أهنم فعلوا ما يوعظون به لكان خريا هلم وأشد تثبيتا))
ويف احلالني ،يف حال املؤمن واملنافق ،يسكب اهلل اإلميان يف قلب من شاء(( :ويزيد
اهلل ال ذين اهت دوا ه دى)) ويضل من يش اء .فش يء من زي ادة اهلدى والض الل قد نفهم
س ببه وعمليته النفس ية ،لكن اهلدى واإلض الل بيد اهلل تع اىل أوال وآخ را ((ال يُس أل عما
يفعل وهم يُسألون)).
فإذا علم االرتباط بني املعص ية والشك يف الدين ظهر لنا بطالن دعوى العاصي أنه
وإن ك ان يعصي إال أن إميانه القليب كام ل .وإين أعلم رجال ش كا إيل أج واء عمله
املختلطة اليت فيها تربج شديد حيس منه باالفتتان .فنصحته برتك عمله فرد بأنه قد عود
أس رته على مس توى من املعيشة يتطلب دخال عاليا فال ميكنه ال نزول عن ه .وبعد ف رتة
ليست بالطويلة أرسل إيل رس الة بالربيد اإللك رتوين خيربين أن إميانه مير مبرحلة حرج ة،
وأنه حيس بأنه منافق خالص .وأنه إذا حاول حل مشكلته بسماع حماضرات زاد تشككا
يف النيب صلى اهلل عليه وسلم.
مث أال ترى املتربجة تعرتف أول األمر بذنبها وتطلب ممن حوهلت الدعاء هلا ,مث قد
جتدها بعد حني تق ول إن احلج اب ليس كل ش يء ،وإين ال أدع فرضا إال أديت ه ،مث إهنا
تبدأ بانتقاد احملجبات لبعض سلوكياهتن وتصرح أهنا بأخالقها خري منهن ،مث قد يصل هبا
األمر أخريا أن هتزأ باحلجاب وتقول :أتريد مين أن أبدو كاخليمة املتحركة! وما هي إال
معصيتها طمست بصريهتا .فليحذر العاقلون.
من وجد يف قلبه شكا يف الدين فعليه أوال بالدعاء .ف القلوب بني إصبعني من أصابع
ال رمحن يقلبها كيف يش اء .ويف احلديث القدسي ((يا عب ادي كلكم ض ال إال من هديته
فاستهدوين ِ
أهدكم)) (مسلم).
مث عليه بس ؤال أهل احلكمة من العلم اء .ففي احلديث ال ذي رواه اإلم ام أمحد وأبو
داود وابن ماجة عن ابن ال ديلمي ق ال( :وق ع يف نفسي ش يء من ه ذا الق در خش يت أن
يفسد علي ديين وأم ري .ف أتيت أيب بن كعب فقلت أبا املن ذر انه قد وقع يف نفسي ش يء
من ه ذا الق در فخش يت على ديين وأم ري .فح دثين من ذلك بش يء .لعل اهلل أن ينفعين
به) .ف ابن ال ديلمي مل ي رتك ه ذا اخلاطر يعتمل يف قلبه بل س ارع إىل ص حايب ليزيل ش بهته
بنور وحي مسعه من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم.
ف الكالم املتق دم إمنا هو عن الشك ال ذي يس تقر يف النفس ،ال عن اخلواطر الش يطانية
اليت يستعني صاحبها باهلل تعاىل ليدفعها .قال اهلل تعاىل(( :إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف
من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)).
وج اء رجل إىل النيب ص لى اهلل عليه وس لم فق ال ( :إين أح دث نفسي ب األمر ألن
أك ون محمة أحب إيل من أن أتكلم به) .فق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم(( :احلمد
هلل الذي رد أمره إىل الوسوسة)) (صحح إسناده ابن حجر)
.
وقال عليه الصالة والسالم(( :ال يزال الناس يتساءلون حىت يقال :هذا ،خلق اهلل
اخللق ،فمن خلق اهلل ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل :آمنت باهلل)) (مسلم) .
فمن كان بني رفقة سوء يزيدونه يف دينه شكا ،ودعاة هداية ،فليذكر ما أخرج ه ابن
جرير الط ربي وابن املن ذر عن قت ادة أن نيب اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ك ان يض رب مثال
للمؤمن والكافر واملنافق كمثل رهط ثالثة دفعوا إىل هنر فوقع املؤمن فقطع مث وقع املنافق
حىت كاد يصل إىل املؤمن ناداه الكافر أن هلم إيل فإين أخشى عليك وناداه املؤمن أن هلم
إيل فإن عندي وعندي حيصي له ما عنده .فما زال املنافق يرتدد بينهما حىت أتى عليه املاء
فغرقه وإن املن افق مل ي زل يف شك وش بهة حىت أتى عليه املوت وهو ك ذلك (فيه ض عف
إلرساله).
******************************
أسبابه:
تظهر هنا السلس لة اليت أص لنا هلا يف ص فة الشك يف ال دين .فه ذا اإلع راض ن اتج عن
الشك الذي هو ناتج عن مرض القلب الذي هو ناتج عن الذنوب .قال اهلل تعاىل:
((أفحكم اجلاهلية يبغون ومن أحسن من اهلل حكما لقوم يوقنون)) (املائدة) .فنقص
يقينهم-أي شكهم-جعلهم يبغون حكم اجلاهلية .وقال تعاىل:
((وإذا دع وا إىل اهلل ورس وله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرض ون وأن يكن هلم
احلق يأتوا إليه مذعنني أيف قلوهبم مرض أم ارتابوا أم خيافون أن حييف اهلل عليهم ورسوله
بل أولئك هم الظاملون)) .فإعراضهم ناتج عن الريب الذي هو ناتج عن مرض القلب.
وقال تعاىل(( :وأن احكم بينهم مبا أنزل اهلل وال تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك
عن بعض ما أن زل اهلل إليك ف إن تول وا ف اعلم أمنا يريد اهلل أن يص يبهم ببعض ذن وهبم))
(املائدة) .فذنوهبم السالفة اقتضت إمراض قلوهبم.
فشك املن افق يف ال دين جيعل حس اباته أرض ية ،فال ينظر إىل املص لحة األخروية يف
تطبيق أحكام اهلل تعاىل ،ويغريه له الشيطان بأن مصلحته الدنيوية يف حتكيم األهواء.
واملنافقون يعمدون إىل حتجيم صورة اإلسالم وعرضه على أنه إمنا جاء للقضاء على
عب ادة األوث ان فحس ب .وأنه ال عالقة له بأوض اعهم اجلاهلية من االحتك ام إىل الق وانني
الوضعية.
أعذارهم الكاذبة:
((أمل تر إىل ال ذين يزعم ون أهنم آمن وا مبا أن زل إليك وما أن زل من قبلك يري دون أن
يتحاكموا إىل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به و يريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا
( )60وإذا قيل هلم تع الوا إىل ما أن زل اهلل وإىل الرس ول رأيت املن افقني يص دون عنك
ص دودا ( )61فكيف إذا أص ابتهم مص يبة مبا ق دمت أي ديهم مث ج اؤوك حيلف ون باهلل إن
أردنا إال إحسانا وتوفيقا ()))62
قال ابن كثري( :أي :يعتذرون إليك ،وحيلفون ما أردنا بذهابنا إىل غريك ،وحتاكمنا
إىل ع داك إال اإلحس ان والتوفي ق ،أي املداراة و املص انعة ،ال اعتق ادا منا ص حة تلك
احلكومة) (تفسري ابن كثري).
وهذا مما يضحك به املنافقون على البعض .خيربوهنم أن شريعة اهلل على الرأس والعني
وأهنم ما حيتكم ون إىل الش رائع الوض عية واألجنبية إال لتجنب شر الكف ار (املداراة)
وملصلحة الشعب (اإلحسان).
مث ق ال اهلل تع اىل(( :أولئك ال ذين يعلم اهلل ما يف قل وهبم ف أعرض عنهم وعظهم وقل
هلمن يف أنفس هم ق وال بليغا ( )63وما أرس لنا من رس ول إال ليط اع ب إذن اهلل ولو أهنم إذ
ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا اهلل واستغفر هلم الرسول لوجدوا اهلل توابا رحيما ()64
)) (النساء).
فعجبا ممن يتظ اهر بتبجيل النيب ص لى اهلل عليه وس لم مث يع رض عن أحكامه املفص لة
يف الس لم واحلرب واالقتص اد واجلناي ات...وهو ما أُرسل إال ليط اع ،فما قيمة أن يُبجل
ويعصى بل وحتارب شريعته؟!
((فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك فيما شجر بينهم مث ال جيدوا يف أنفسهم حرجا
مما قضيت ويسلموا تسليما (( )) )65النساء).
فهي إذن ثالثة ش روط ال إميان بغي اب أح دها .والحظ قوله تع اىل(( :مث ال جيدوا يف
أنفسهم حرجا مما قضيت)) فاملؤمن حيب حكم اهلل ورسوله .واملنافق يبغض هذا احلكم.
وت رى هلذا البغض أش كاال .ك امرأة تق ول( :أنا إن ش ككت يف آية أهنا مدسوسة على
القرآن فهي آية مثىن وثالث ورباع)!...فهي تكره احلكم كحكم ،ال أهنا تكره أن يتزوج
زوجها عليها فحسب .وترى أخرى تقول( :كيف يقول القرآن :فعظوهن واهجروهن يف
املضاجع واضربوهن .أنا إنسانة يل كراميت)!
وأخ رى تق ول( :كيف تك ون ش هاديت أنا ال دكتورة على النصف من ش هادة ب واب
عم اريت جملرد أنين أن ثى)! وه ذا كله نف اق .ولنا على ه ذه األق وال ردود يف حماض رات
اإلميان بالغيب ويف سلسلة (إسالمنا أم حضارهتم) ويف حماضرة (مبطالت األعمال).
وقد روى احملدثون يف س بب ن زول اآلي ات من س ورة النس اء س ببني يُرجع إليهما يف
مظاهنما.
فمرض قلب املنافق جيعله يكره ما أنزل اهلل ،فيعرض عن االحتكام إليه .قال اهلل تعاىل
يف الك افرين(( :ذلك ب أهنم كره وا ما أن زل اهلل فأحبط أعم اهلم)) (حمم د) .وق ال يف
املنافقني:
((إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبني هلم اهلدى الشيطان سول هلم وأملى
هلم ( )25ذلك بأهنم قالوا للذين كرهوا ما نزل اهلل سنطيعكم يف بعض األمر واهلل يعلم
إس رارهم (( )))26حمم د) .فاملن افقون ملا خ الطوا الك افرين ال ذين كره وا ما ن زل اهلل،
ووعدوهم بالطاعة يف بعض األمر ،انتقل مرض كراهية الوحي إىل قلوهبم املريضة.
ويف املقاب ل ،حيب املؤمن حكم اهلل ورس وله(( :ولكن اهلل حبب إليكم اإلميان وزينه
يف قل وبكم وك ره إليكم الكفر والفس وق والعص يان أولئك هم الراش دون فضال من اهلل
ونعمة واهلل عليم حكيم)).
المن افق يحتكم إلى ما وافق ه واه من ش رع اهلل ليخ ادع اهلل تع الى والمس لمين،
بل ونفسه ،بأنه يطبق "بعض" الشريعة:
قال اهلل تعاىل(( :يا أيها الرسول ال حيزنك الذين يسارعون يف الكفر من الذين قالوا
آمنا بأفواههم ومل تؤمن قلوهبم ومن الذين هادوا)) إىل أن قال تعاىل(( :يقولون إن أوتيتم
هذا فخذوه وأن مل تؤتوه فاحذروا)) (املائدة).
ق ال ابن كث ري( :ق الوا فيما بينهم :تع الوا حىت نتح اكم إلي ه-أي إىل رسول اهلل ص لى
اهلل عليه وسلم -فإن حكم باجللد والتحميم فخذوا عنه ،واجعلوه حجة بينكم وبني اهلل،
ويك ون نيب من األنبي اء قد حكم بينكم ب ذلك .وإن حكم ب الرجم فال تتبع وه يف ذل ك)
اهـ.
((خيادعون اهلل والذين آمنوا وما خيدعون إال أنفسهم وما يشعرون))
مث قال تع اىل(( :ومن يرد اهلل فتنته فلن متلك له من اهلل شيئا أولئك الذين مل يرد اهلل
أن يطهر قلوهبم)) فـ"انتقائيتهم" هذه من الدين هي بسبب مرض قلوهبم.
إىل أن ق ال تع اىل(( :مساعون للك ذب أك الون للس حت)) .فم رض قل وهبم نتج عن
ٍ
وتعاط للرشوة. ذنوهبم ،من مساع للباطل
((وإذا دع وا إىل اهلل ورس وله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرض ون ( )48وإن يكن
هلم احلق يأتوا إليه مذعنني ()))49
فعلى مس توى أص حاب الس لطة ت راهم يس ارعون إىل اإلس الم حلل بعض املش اكل
االجتماعية ،ويعلقون يافطات اآليات واألحاديث النبوية احلاضة على إعطاء الفقري وإطعام
اليتيم ،ليحل اإلسالم مشكلة الفقر الناتج عن فسادهم وسرقتهم .ويف املقابل يُعرضون عن
حكم اهلل وحياربونه عن دما ي دعو إىل اجله اد يف س بيل اهلل و ينهى عن ت ويل اليه ود
والنصارى.
وعلى مس توى األف راد قد ت رى تلك اليت تس تاء من قوله تع اىل ((واض ربوهن)) أو
((مثىن وثالث ورب اع)) إن تُلي أمامها ق ول اهلل تع اىل ((وقضى ربك أال تعب دوا إال إي اه
وبالوال دين إحسانا)) وك انت أما لول د...قد تقول يف خشوع (ص دق اهلل العظيم)! ((قل
كل من عند اهلل فماهلؤالء القوم ال يكادون يفقهون حديثا)).
وما لـ"فنانة" تتكلم عن تسامح اإلسالم ومجاله وهي تضاد اإلسالم بتربجها ودعوهتا
إىل الفسوق والعصيان!
وما هلؤالء املفتونني بـ "املـنتقني" الذين جيعلون حماكم شرعية وحماكم مدنية يعمون هبا
على الن اس ب أن ه احنن نطبق بعض الش ريعة...مع أن تط بيقهم للج زء ال ذي يري دون من
ال دين جيعلهم غري مطبقني وال حىت جزئيا لل دين ،ألن ه ذا اجلزء إمنا طبق ب أهوائهم ،ال
استسالما وإذعانا هلل تعاىل.
-ولست أنسى كلمة رجل أم ريكي ق ال يل م دافعا عن دميق راطيتهم ما ترمجت ه:
(أعتقد أن علينا أن نسمح هلل بالتدخل يف حياتنا باملقدار الذي نريد فحسب).
ولعل أحد "املنتقني" حني قرأ كلمة األمريكي هذه استبشعها مع أهنا ما هي إال تعبري
بلسان املقال عن حال "املنتقني".
ومن أب واب ه ذه الص فة النفاقية تأييد من اهج تتع ارض مع اإلس الم كالدميقراطية يف
جزئية هلل فيها حكم َبنِّي ،كقبول جعل الوالية العامة لنصراين.
وقد ت رى ام رأة ال حتتجب من أخ زوجها ف إن نُص حت ق الت( :هو مثل أخي) .مع
أن اهلل تع اىل قد فصل يف احملارم وما جعله هلا حمرم ا .وت رى آخر يصر على ال دخول على
الع روس ليعطيها ما يس مونه نق وط الع روس وليس هلا حمرم ا ،ف إن قيل ل ه :إهنا متزينة
وليست يف حجاهبا ق ال( :عاداتنا وتقالي دنا)! ((وإذا قيل هلم اتبع وا ما أن زل اهلل ق الوا بل
نتبع ما وجدنا عليه آباءنا)) .فليحذر امرؤ لنفسه أن يتلبس بصفات النفاق وهو ال يعلم.
************************************
وقد أكثر اهلل تعاىل من اآليات اليت تُربز هذه الصفة يف املنافقني.
أسبابها الحقيقية:
جل:
وهذه الصفة كذلك هي وليدة الشك يف الدين .قال اهلل عز و َّ
((ترى كثريا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت هلم أنفسهم أن سخط اهلل
عليهم ويف الع ذاب هم خال دون ( )80ولو ك انوا يؤمن ون باهلل والنيب وما أن زل إليه ما
اختذوهم أولي اء ولكن كث ريا منهم فاس قون ( .)) )81ق ال جماه د :يعين ب ذلك املن افقني.
اهـ .وحىت لو عُين بذلك اليهود فإن اآليات تبني قاعدة عامة منسحبة على اليهود وغريهم
أن مت ويل الك افرين ال إميان عن ده .فاملن افقون إذن يتول ون الك افرين لش كهم وقلة إمياهنم.
وكذلك قوله تعاىل:
((ال جتد قوما يؤمن ون باهلل والي وم اآلخر ي وادون من ح اد اهلل ورس وله)) فاملن افق ملا
شك يف اهلل واليوم اآلخر أصبحت حساباته أرضية .فرأى أن القوة املادية بأيدي الكافرين
فواالهم ليكونوا له عزا(( :بشر املنافقني بأن هلم عذابا أليما () الذين يتخذون الكافرين
أولياء من دون املؤمنني () أيبتغون عندهم العزة فلله العزة مجيعا () ))
وشكهم هذا كما أسلفنا ناتج عن مرض قلوهبم .قال اهلل تعاىل(( :ف رتى الذين يف
قلوهبم مرض يسارعون فيهم)) (املائدة) فمسارعة املنافق يف مواالة الكفار ناجتة عن مرض
قلبه.
مبرراتهم المعلنة:
)1أن ت رك ه ذه املواالة جيلب عليهم املص ائب وي دفعهم إىل املواجهة مع من ال قبل
هلم هبم:
((فرتى الذين يف قلوهبم مرض يسارعون فيهم يقولون خنشى أن تصيبنا دائرة)).
وقد ن زلت اآلية يف وصف ح ال عبد اهلل بن أيب ودفاعه عن يه ود بين قينق اع وقوله
(إين امرؤ أخشى الدوائر).
ومن أعجب العجب أين مسعت رجال من باكستان يربر مواقف منافقي بلده املعادية
للمس لمني واملوالية للص ليبيني ق ائال أنه ل وال ه ذه املواقف ف إن مش روع القنبلة النووية يف
بلده سيكون مهددا! فيا عجيب كيف تصبح القنبلة النووية يف أيدي املنافقني سببا للخور
واجلنب والنذالة!
)2أهنم مبواالهتم ه ذه يص لحون بني املؤم نني والك افرين ،فيعيش الفريق ان يف س الم
وتعايش .قال اهلل تعاىل:
روى ابن إس حاق عن ابن عب اس يف تفس ريها( :أي :إمنا نريد اإلص الح بني الفريقني
من املؤمنني وأهل الكتاب) .فوصف اهلل تعاىل مواالهتم هذه بالفساد يف األرض ،كما قال
يف اآلية األخ رى بع دما ف رض على املؤم نني أن يت وىل بعض هم بعض ا(( :وال ذين كف روا
بعضهم أولياء بعض إال تفعلوه تكن فتنة يف األرض وفساد كبري(( )) )73األنفال).
ق ال اهلل تع اىل واص فا املن افقني(( :وإذا لق وا ال ذين آمن وا ق الوا آمنا وإذا خل وا إىل
شياطينهم قالوا إنا معكم إمنا حنن مستهزئون)) .وقال تعاىل:
((يا أيها الرسول ال حيزنك الذين يسارعون يف الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم
ومل تؤمن قلوهبم ومن الذين هادوا مساعون للكذب مساعون لقوم آخرين مل يأتوك))
فاملن افقون إذا التق وا بأولي ائهم وأس يادهم من أهل الكت اب والك افرين عموما تب اهوا
مبخادعتهم للمؤمنني وتلقوا من أسيادهم األوامر وتآمروا معهم للكيد باإلسالم وأهله.
قال اهلل تعاىل(( :إن اهلل جامع املنافقني والكافرين يف جهنم مجيعا))
فكما اجتمعوا على عداوة اإلسالم واالستهزاء بأهله يف الدنيا فسيجمعهم اهلل تعاىل
حيث يلعن بعضهم بعضا ويكفر بعضهم ببعض.
ق ال اهلل تع اىل(( :يا أيها ال ذين آمن وا ال تتخ ذوا اليه ود والنص ارى أولي اء .بعض هم
أولياء بعض ومن يتوهلم منكم فإنه منهم إن اهلل ال يهدي القوم الظاملني)) وقال تعاىل:
((يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا الكافرين أولياء من دون املؤمنني أتريدون أن جتعلوا
هلل عليكم سلطانا مبينا)) وقال تعاىل:
((ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤم نين ومن يفع ل ذل ك
فليس من هللا في شيء إال أن تتقوا منهم تقاة)) فاهلل يت برأ ممن ت والهم .وهللا
تعالى أعلى من أن يكون مع األنجاس في مواالة منافق.
ويهيج اهلل تع اىل يف املؤم نني مش اعر احملبة لدينه ليعلم وا أن حب اهلل ودينه ال جيتمع
مع حب املستهزئني بالدين يف قلب واحد(( :يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا الذين اختذوا
دينكم ه زوا ولعبا من ال ذين أوت وا الكت اب من قبلكم والكف ار أولي اء واتق وا اهلل إن كنتم
مؤمنني () وإذا ناديتم إىل الصالة اختذوها هزوا ولعبا ذلك بأهنم قوم ال يعقلون ()) )58
((يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم ال يألونكم خباال)) وهم املنافقون.
-فما ب ال ال ذين يقول ون عن الكف ار أهل الكت اب "إخواننا النص ارى" وقد كف روا
بالتوحيد وبرس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم .واهلل تع اىل ما جعل املؤمن أخا للك افر أب دا،
وإمنا جعل املنافق كذلك فقال(( :أمل تر إىل الذين نافقوا يقولون إلخواهنم الذين كفروا
من أهل الكتاب)).
-وقد بلغ من فساد بعض من ينتسبون إىل العلم أن أفتوا للمسلمني يف جيوش دول
ص ليبية مبحاربة املس لمني لئال يُشك يف والئهم وانتم ائهم إىل بالدهم وأت وا على ذلك
بـ"أدلة" .وصدق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذ قال(( :إن أخوف ما أخاف على أميت
من بع دي كل من افق عليم اللس ان)) (ص ححه اهليثمي واأللب اين) .روى البخاري أن ناسا
من املسلمني كانوا مع املشركني يكثرون سواد املشركني على رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم يأيت السهم فريمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب عنقه فيقتل .فأنزل اهلل(( :إن
الذين توفاهم املالئكة ظاملي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا منا مستضعفني يف األرض قالوا
أمل تكن أرض اهلل واس عة فته اجروا فيها فأولئك م أواهم جهنم وساءت مص ريا ()) )97
قال ابن كثري :فنزلت هذه اآلية الكرمية عامة يف كل من أقام بني ظهراين املشركني وهو
ق ادر على اهلج رة وليس متمكنا من إقامة ال دين ،فهو ظ امل لنفس ه ،م رتكب حراما
باإلمجاع ،وبنص ه ذه اآلية .اهـ .فه ؤالء أن اس فُرضت عليهم اهلج رة ليتمكن وا من إقامة
دينهم مبكة فآثروا اإلقامة يف األهل واملال واألوطان على إظهار دينهم حىت ُدفعوا دفعا إىل
اخلروج يف جيش املش ركني يف ب در .ف ُقتل من قُتل منهم ظاملا لنفس ه .فما ب ال الض الل
اجله ال ال ذين يُفت ون جلن دي أم ريكي مس لم أن حيارب املس لمني ليحافظ على جنس يته
األمريكية ودوالراته!
فلينظر كل ام رئ إىل حال ه ،أجيد الطمأنينة يف كنف املش ركني واملن افقني والظ املني.
ف إن ك ان ك ذلك فإنه من افق .فاهلل تع اىل ق ال(( :وهلل الع زة ولرس وله وللمؤم نني ولكن
املن افقني ال يعلم ون (( )) )8املن افقون) .فمن مل يس تيقن أن الع زة إمنا هي هلل وأن ليس
للكافرين منها شيء فهو منافق.
((إمنا وليكم اهلل ورس وله وال ذين آمن وا ال ذين يقيم ون الص الة ويؤت ون الزك اة وهم
راكعون () ومن يتول اهلل ورسوله والذين آمنوا فإن حزب اهلل هم الغالبون)) (املائدة).
******************************
وخلق رخيص .فإن املنافق ملا كانت حساباته أرضية وهذا يف املنافقني طبع خسيس ُ
طيني ة ،فإنه ينظر إىل كفة من م ال م يزان الق وى...ف إن طاشت كفة أوليائه تنكر هلم،
وأعط اهم دب ره وح الف ض دهم وس اعد عليهم ك أن مل تكن بينه وبينهم م ودة .فال يظنن
ظ ان أن مواالته للكف ار مرتك زة إىل ركن وثي ق ،بل هي املص لحة األرض ية املادي ة -مجع
الق روش وملء الك روش .فاملن افق ال يفهم معىن الوف اء لوليه واملروءة والش هامة والنبل
والنخ وة والنج دة...ومن اس تثار فيه ه ذه املع اين ك ان كمثل ال ذي ينعق مبا ال يس مع إال
دعاء ونداء.
((أمل تر إىل ال ذين ن افقوا يقول ون إلخ واهنم ال ذين كف روا من أهل الكت اب لئن
أخرجتم لنخرجن معكم وال نطيع فيكم أحدا أبدا ولئن قوتلتم لننصرنكم))
هكذا املنافق! وعود عريضة وجرأة عظيمة فيما يبدو...لكن اهلل بني كذهبم:
((واهلل يش هد إهنم لك اذبون ( )11لئن أُخرج وا ال خيرج ون معهم ولئن قوتل وا ال
ينصروهنم ولئن نصروهم ليولن األدبار مث ال ينصرون ()) )12
فبمج رد أن ي ذهب جمد الك افرين تظهر خسة املن افق ونذالت ه ...مث بني اهلل تع اىل
السبب فقال:
فاملنافق ملا واىل الكافر ما استحضر أمر اهلل وهنيه...وملا ترك هذه املواالة ما تركها هلل
وإمنا خوفا منَّ املؤم نني .فهو مل ي ذكر اهلل على كل ح ال! َّ((ذلك ب أهنم قوم ال يفقه ون (
.)) )13
واملنافق يف ذلك أخس من الكفرة .ففي غزوة بين قريظة اليت نزلت فيها هذه اآليات
أوىف ح يي بن أخطب لبين قريظة بوع ده أن ي دخل معهم يف احلصن ومل ي وف املن افقون
بوعد النصرة.
-واملن افق يعترب من احلكمة أن يتقلب ومييل مع ال ريح حيث متي ل .ق ال اهلل تع اىل
واصفا املنافقني:
((ال ذين يرتبص ون بكم ف إن ك ان لكم فتح من اهلل ق الوا أمل نكن معكم وإن ك ان
للكافرين نصيب قالوا أمل نستحوذ عليكم ومننعكم من املؤمنني))
فهم مع املنتصر أيا كان .وكأين باملنافق ميشي خمبوال حيك إسته ويسيل لعابه حامال
قلت ل ه:
يف ي ده ص حنا ي دور باحثا عن املنتصر يس تجديه أن ميأل الص حن طعام ا ...إن َ
"رض وان اهلل"" ،اجلن ة"" ،الغ رية على ال دين"...فتح فمه ببالهة ونظر إليك نظ رة من مل
يفهم شيئا مث توىل عنك وهو يقول( :وهل متأل هذه صحين؟)!
((وإن منكم ملن ليبطئن ف إن أص ابتكم مص يبة ق ال قد أنعم اهلل علي إذ مل أكن معهم
شهيدا))
((ولئن أص ابكم فضل من اهلل ليق ولن ك أن مل تكن بينكم وبينه م ودة يا ليتين كنت
معهم))
س يندم حينئذ ويتمىن لو ك ان مع املؤم نني .هل ت راه ين دم ألنه ي رى نصر اهلل لعب اده
املؤمنني فيعلم أن العزة هلل ولرسوله وللمؤمنني فيحتقر ما هو فيه من بطالة ونفاق وتشتاق
روحه إىل التحليق يف م دارج األبط ال النش امى؟ ال! ما زالت تطلعاته ال تع دو أص ابع
قدميه!
تح أق وام منس وبون إىل العلم من رهبم أن ينس بوا إىل دينه وإىل
-إن عُلم ه ذا فليس ِ
رسوله مذهب املنافقني يف تقليب الوالءات واخلنوع للقوي املبطل باسم الدين .واهلل من
ذلك بريء ،ورسوله صلى اهلل عليه وسلم سيد الشرفاء األوفياء.
*****************************
)5الكذب
لو طلب منك أن جُت ِمل ص فات املن افقني يف كلمة واح دة فق ل :هي "الك ذب"! ق ال
اهلل تعاىل:
((ليجزي اهلل الصادقني بصدقهم ويعذب املنافقني إن شاء أو يتوب عليهم)) فجعل
يف مقابلة الص ادقني :املن افقني .ويف ح ديث ((أربع من كن فيه ك ان منافقا خالص ا)) جتد
أن الصفات األربعة تدور حول الكذب :إذا حدث كذب ،وإذا وعد أخلف (واإلخالف
كذب) ،وإذا عاهد غدر (والغدر كذب) ،وإذا خاصم فجر (والفاجر يف خصومته كثريا
ما يكذب يف ذم من خاصمه).
والكذب كذب حديث ،كما أنه خمالفة الفعل للقول ،حبيث يُ َك ِّذب فعلك قولك.
فرتى أن اهلل تعاىل كره ،بل مقت أن يتلبس املؤمن هبذه الصفة اليت جتعله يتقاطع مع
شخصية املنافق يف شيء مشرتك فقال:
(( يا أيها الذين آمنوا مل تقولون ما ال تفعلون ( )2كرب مقتا عند اهلل أن تقولوا ما ال
تفعلون ()))3
وكم ن رى ه ذه الص فة-مخالف ة الفع ل للق ول -في المس لمين! كم ن راهم
يذمون واقعا هم لبِناتُه والمسهمون فيه:
تعب يف أحواضــها
وانظر بعينيك الذئاب ُّ
كم ترى من مسلم يذم اخليانة وتسليم البالد ألعدائها ويلعن املتآمرين من بين جلدتنا
وإن س ألته أتتمىن أن جتاهد ق ال بال ت ردد (يا ريت! طبع ا) .مث هو يش عل دخانه املس تورد
من بالد "األع داء" الس البني للـ"بالد" وجياهد خاليا جس مه وحيرق مع س يجارته ش عاراته
الرنانة ونواياه اجلهادية! فهذا مل تصدق نيته للجهاد ومل يُعد له العدة بل يفعل خالف ما
يقول.
قال القرطيب يف تفسري قوله تعاىل(( :انظر كيف كذبوا على أنفسهم)) ...( :وكذب
املنافقني باعتذارهم بالباطل وجحدهم نفاقهم)
فاملن افق يعت ذر لنفسه بالباطل وي ربر هلا نفاقها ويعميها عن احلق وي زين الباطل لنفسه
و حيجم ن داء اإلميان فيها ويقنعها ب أن طريق النف اق أس لم ...بل وال يعترب ص فات النف اق
نفاقا ،بل خيدر شعور نفسه بأن فيها صفات محيدة وأهنا على خري.
فهو يفعل كل بش عة ويتم رغ يف أوح ال النف اق مث حيلف باهلل ما أراد إال احلس ىن،
فينطلي حلفه على مؤم نني ال يتص ورون أن حيلف رجل ك ذبا! فيتم ادى املن افق يف طغيانه
بعد أن اطمأن إىل تصديق الناس له.
وانظر كيف ينكر اهلل تعاىل هذه الفعلة القبيحة-الكذب للصد عن سبيل اهلل ،فيقول:
((إهنم ساء ما كانوا يعملون))
(( اختذوا أمياهنم جنة فصدوا عن سبيل اهلل فلهم عذاب مهني))
فاألميان الكاذبة هي ال درع ال واقي ال ذي حيتمي به املن افق يف ال دنيا والس تار ال ذي
ميرر من وراءه كل ردية ،لكنها الغموس له يف نار جهنم خالدا فيها خملدا أبدا.
-1الشك يف ال دين(( :ومن الن اس من يق ول آمنا باهلل وب اليوم اآلخر وما هم
مبؤمنني))
وقال تعاىل:
((إذا جاءك املنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اهلل واهلل يعلم إنك لرسوله واهلل يشهد
إن املنافقني لكاذبون))
-2اإلعراض عن االحتكام إىل كتاب اهلل تعاىل وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم:
((أمل تر إىل ال ذين يزعم ون أهنم آمن وا مبا أن زل إليك وما أن زل من قبلك يري دون أن
يتحاكموا إىل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به و يريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا
( )) )60إىل أن قال تعاىل:
((فكيف إذا أص ابتهم مص يبة مبا ق دمت أي ديهم مث ج اؤوك حيلف ون باهلل إن أردنا إال
إحسانا وتوفيقا ()) )62
((أمل تر إىل الذين تولوا قوما غضب اهلل عليهم ما هم منكم وال منهم وحيلفون على
الكذب وهم يعلمون))
((ولَِي ْعلَ َم الذين نافقوا وقيل هلم تعالوا قاتلوا يف سبيل اهلل أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتاال
التبعن اكم هم للكفر يومئذ أق رب منهم لإلميان يقول ون ب أفواههم ما ليس يف قل وهبم واهلل
أعلم مبا يكتمون ()) )167
وقال تعاىل:
((حيلف ون لكم لرتض وا عنهم ف إن ترض وا عنهم ف إن اهلل ال يرضى عن الق وم
الفاسقني))
((حيلف ون باهلل ما ق الوا ولقد ق الوا كلمة الكفر وكف روا بعد إس المهم ومهوا مبا مل
ينالوا))
فهم ك انوا يش تمون النيب ص لى اهلل عليه وس لم ويكذبونه مث إذا نقل إليه ش يء من
ذلك حلفوا أهنم ما فعلوا.
وعن ابن عباس قال :كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم جالسا يف ظل حجرته
قد ك ان يقلص منه الظل فق ال ص لى اهلل عليه وس لم ألص حابه(( :جييئكم رجل ينظر
إليكم بعيين شيطان فإذا رأيتموه فال تكلموه)) .قال :فجاء رجل أزرق فلما رآه النيب
ص لى اهلل عليه وس لم دع اه ق ال (( :عالم تش تمين أنت وأص حابك؟)) ق ال :كما أنت
حىت آتيك هبم .فذهب فجاء هبم فجعلوا حيلفون باهلل ما قالوا وال فعلوا (رجاله رجال
الصحيح-اهليثميي)
فانظر إىل هذا الرجل كيف احرتف الكذب حىت أنه يتظاهر للنيب بأنه لن يقول شيئا
لئال يُك ذب بل س يأيت بأص حابه ليحلف وا بأنفس هم ما ق الوا ،وك أن ك ذب اجلماعة عن ده
أوثق من ك ذب الف رد! وختيلهم وقد اص طفوا أم ام النيب ص لى اهلل عليه وس لم وقد تقامسوا
األدوار فأحدهم يقسم باهلل رافعا إصبعه اآلمث إىل السماء ،واآلخر يقبض يديه مث ميدمها مع
بسط أصابعه إنكارا والثالث يقاطع صاحبيه وهو يشري إىل صدره األسود مشهدا اهلل على
ما يف قلبه من حب وتعظيم هلل ولرس وله .ورس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يف هدوئه
ورفعته ينتظرهم ليفرغوا من متثيلهم املبتذل ويتجاوز عنهم.
((والذين اختذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بني املؤمنني وإرصادا ملن حارب اهلل
ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إال احلسىن واهلل يشهد إهنم لكاذبون ()) )107
...وهكذا هم! سوء طوية وفساد نية ،وادعاء عريض مع عمل بغيض:
(( وأقس موا باهلل جهد أمياهنم لئن أم رهتم ليخ رجن قل ال تقس موا طاعة معروفة إن
اهلل خبري مبا تعملون ()) )53
((سيحلفون باهلل لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم)) وقال تعاىل:
((حيلفون باهلل لكم لريضوكم واهلل ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنني)) وقال
تعاىل:
((حيذر املنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم مبا يف قلوهبم قل استهزئوا إن اهلل خمرج
ما حتذرون))
فال خيافون إال الن اس ،وال يب الون أن يك ون ما بينهم وبني اهلل تع اىل خرابا بلقع ا! أال
شاهت الوجوه وعميت األبصار ،ونعوذ بالرمحن من قسوة القلب ومن أن نضل وحنسب
أنا مهتدون.
فاملؤمن بطهر قلبه وتعظيمه هلل تعاىل قد ال يتصور أن يوجد يف الناس من يك ذب -
بل وحيلف كذبا -هبذه الصورة املبتذلة:
((ومن الن اس من يعجبك قوله يف احلي اة ال دنيا ويش هد اهلل على ما يف قلبه وهو ألد
اخلصام))
أيُعقل أن يكون يف بين آدم من يقول( :أُشهد اهلل أين مؤمن به مصدق لرسوله حمب
لدين ه) وهو يف احلقيقة ع دو هلل مبغض لدين ه!؟ أيصل االس تخفاف إىل أن يُِش ِهد اهلل على
ما يف القلب ليتقي بطش املؤمنني ،وهو يعلم أنه ما يف القلب إال العفن وسواد النفاق! أي
استهزاء باهلل هذا؟! ((اهلل يستهزئ هبم وميدهم يف طغياهنم يعمهون)).
جسم البغال وأحالم العصافري ال بأس بالقوم من طول ومن عظم
فأرش دنا اهلل تع اىل أال ن ؤمن هلم وال نص دقهم إذ ظه رت لنا منهم أم ارات النف اق
وخالفت أفعاهلم أقواهلم ،فتصديقهم خطر:
فاملن افق لن يقف ليقسم باهلل العظيم وبوجهه الك رمي وبس لطانه الق دمي أنه ال ي ؤمن
باهلل ،لكن لسان حاله ينطق بذلك ،ولسان احلال أبلغ من لسان املقال.
يف أزمنة عزة املؤمنني وعلو شأهنم كان املنافقون ال يستعلنون خببثهم ،بل يتناجون به
خفية:
((ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتن اجون
باإلثم والعدوان ومعصية الرسول))
وهم يف ذلك كهمل املدارس الثانوية ال ذين ي دخنون يف محام ات املدرسة يف هنار
رمضان.
أما يف أيامنا هذه ،فمع علو أهل الكفر يف األرض واشتداد احملنة على املؤمنني أصبح
املن افقون ،وأئمتهم خاص ة ،يف أك ثر األحي ان ال حيت اجون إىل سرت س وءاهتم .فاالس تكبار
على الدين ورفض حكمه ومواالة الكفرة والطعن يف اجلهاد أصبحت كلها من مقومات
السيادة ومؤهالت الصدارة يف كثري من جمتمعات املسلمني .وإمنا أصبح املنافقون يكذبون
بال َق ْدر الذي خُيَدِّر غضب عامة املسلمني الذين ينخدعون بكلمات قليلة معسولة عن حب
ال دين يطلقها املن افق وهو يس بح يف وحل نفاقه الواضح لكل ذي بص رية .إمنا هو ال يريد
أن "يُقرف ه" ه ؤالء "ال دراويش" إذا أغض بت س لوكياته وتص رحياته "املتن ورة" ع واطفهم
الدينية "الساذجة" يف نظره!
وه ذا درك من العجب أن تنحط إليه نفس إنس انية ،واس تخفاف بعظمة اهلل تع اىل ال
أكاد أفهمها! خاصة إذا تذكرنا أن هذه احملاولة البائسة ستكون يوم البعث عندما يُكشف
الغطاء فالبصر حديد وال غيب يومئذ! قد عاين املنافق صدق ما كان يشك فيه وعلم أن
اهلل هو احلق املبني .أمع هذا كله ال زال يكذب ،بل حيلف كذبا! وليخادع من؟! ليخادع
اهلل تعاىل!
((يوم يبعثهم اهلل مجيعا فيحلفون لال ه كما حيلفون لكم وحيسبون أهنم على شيء
أال إهنم هم الك اذبون (( )) )18اجملادل ة) .فباهليئة املبتذلة نفس ها حيلف ون وحيس بون أن
ذلك ينفعهم مع من يعلم السر وأخفى.
فالمنافق ما وصل إلى هذا المستوى الدنيء إال بكثرة تدربه على الكذب
في الدنيا ...أدمن الكذب بل الحلف على الكذب فاستقر ذلك في قلبه ولم يب ل
مع الدفن وتعاقب القرون قبل البعث.
قد كانوا في الدنيا كما وصفهم هللا تعالى:
((وإذا خال بعض هم إىل بعض ق الوا أحتدثوهنم مبا فتح اهلل عليكم ليح اجوكم به عند
ربكم أفال تعقل ون ( )) )76يُقر فريق من من افقي اليه ود ب أن اهلل تع اىل قد بعث حمم دا
صلى اهلل عليه وسلم رسوال ويذكرون نعته يف التوراة املطابق للواقع ،فيلومهم فريق آخر
ألن ه ذا اإلق رار يقوي حجة املؤم نني على املن افقني أم ام اهلل يوم القيام ة .بل ويش تد ه ذا
الفريق يف النكري حىت يق ول لألولني( :أفال تعقل ون!) .وك أهنم يتكلم ون عن إله غ ائب ال
يسمعهم يف هذا احلوار ،بل ولن يطلع على ما يف صدورهم حىت وال يوم القيامة! إمنا كل
مههم أن يس تطيعوا الك ذب عليه ي وم القيامة وأن يقنع وه بض عف حجة املؤم نني! وه ذا
عندهم العقل كل العقل!
معجبا من سفاهتهم:
فقال تعاىل ِّ
أوال يعلمون أن اهلل يعلم ما يسرون وما يعلنون ()) )77
(( َ
وه ذا الق در من االحنراف حيت اج ت دربا ط ويال على الك ذب .فمخادعة للنفس .مث
خمادعة للن اس ،مث خمادعة هلل يف ال دنيا ،مث خمادعة هلل ي وم القيام ة .وما ذلك إال ألن قل وهبم
قست فـفـقدوا الشعور:
((خيادعون اهلل والذين آمنوا وما خيدعون إال أنفسهم وما يشعرون))
فالدعاوى يستطيعها كل أحد ،أما األفعال فال يثبت عليها إال الصادقون ،خاصة إذا
كان فيها التضحية بالنفس واملال كما يف اجلهاد .لذلك جتد يف سورة براءة أن اهلل تعاىل
فضح املنافقني وبني ختاذهلم عن اجلهاد مث قال تعاىل:
((يا أيها ال ذين آمن وا اتق وا اهلل وكون وا مع الص ادقني ( )119ما ك ان ألهل املدينة
ومن ح وهلم من األع راب أن يتخلف وا عن رس ول اهلل وال يرغب وا بأنفس هم عن نفسه))
فاملؤمن الصادق يربهن على صدق إميانه بأال يضن بنفسه عن تضحية ضحاها رسول اهلل.
وأال يتن اءى هبا عن معان اة ومش قة عاناها رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم .واملؤمن
الصادق ال يقول لنفسه :أيُعقل وأنا صاحب األمالك والعقارات وصاحب العقلية الذكية
واملواهب الفري دة أن تنتهي حي ايت يف معرك ة؟! ((وال يرغب وا بأنفس هم عن نفس ه)) .ف إن
كان جهادا حقيقيا شرعيا فإنه ال يربأ بنفسه عنه.
وقال تعاىل:
((قالت األعراب آمنا ق88ل لم تؤمن88وا ولكن قول88وا أس88لمنا)) إلى أن ق88ال
تعالى(( :إنما المؤمن88ون ال88ذين آمن88وا باهلل ورس88وله ثم لم يرت88ابوا وجاه88دوا
بأموالهم وأنفسهم في سبيل هللا أولئك هم الصادقون ()) )15
فجعل الص دق -ال ذي هو ضد الك ذب ص ِ
فة املن افقني -يف اإلميان ال ذي ال خيالطه
شك ويف اجلهاد.
وقال تعالى:
((ليس الرب أن تولوا وجوهكم قبل املشرق واملغرب ولكن الرب من آمن باهلل واليوم
اآلخر واملالئكة والكت اب والنب يني وآتى املال على حبه ذوي الق رىب واليت امى واملس اكني
وابن الس بيل والس ائلني ويف الرق اب وأق ام الص الة وآتى الزك اة واملوف ون بعه دهم إذا
عاه دوا والص ابرين يف البأس اء والض راء وحني الب أس أولئك ال ذين ص دقوا وأولئك هم
املتقون
()) )177
و(حني الب أس) أي :عند م واطن القت ال ،أي :يف اجله اد .وه ذه اآلية تنص على أن
الذين صدقوا-يف مقابلة املنافقني الذين كذبوا-هم أولئك الذين يأتون هبذه األفعال ،ومنها
اجلهاد .وقد رأينا ،وسنرى فيما يأيت ،أن املنافقني ال يأتون هبا .فبدل اإلميان شك ،وبدل
الوفاء إخالف عهد ،وبدل الصرب انتكاسة وجنب ،وبدل اجلهاد قعود.
********************************************
)6التخلف عن الجهاد
وكما يف ص فات املن افقني كلها فه ذا التخلف ن اتج عن الشك يف ال دين ال ذي هو
ناتج عن مرض القلب .ومرض القلب مثرة الذنوب.
وقد روى البخاري أهنا نزلت يف املنافقني الذين رجعوا من جيش رسول اهلل املنطلق
إىل أحد ،فأبوا أن يتابعوا معه املسري إىل اجلهاد .فالتخلف عن اجلهاد إذن مثرة الذنوب.
وقال تعاىل:
((إن الذين تولوا منكم يوم التقى اجلمعان إمنا استزهلم الشيطان ببعض ما كسبوا))
فال ذنوب اليت يُس لفها اإلنس ان أي ام الراحة جتتمع عليه ي وم اجله اد لتُض عفه عن إرادة
التضحية يف سبيل اهلل تعاىل.
((فإذا أنزلت سورة حمكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين يف قلوهبم مرض ينظرون
إليك نظر املغشي عليه من املوت فأوىل هلم ( )20طاعة وقول معروف فإذا عزم األمر فلو
ص دقوا اهلل لك ان خ ريا هلم ( )21فهل عس يتم إن ت وليتم أن تفس دوا يف األرض وتقطع وا
أرحامكم ()) )22
فمرض القلب جُي نب عن القتال وجيعل صاحبه يفغر فاه ويصفر وجهه وتدور عيناه إذا
علم بق رب املواجه ة .وانظر ارتب اط م رض القلب بال ذنوب من إفس اد يف األرض وتقطيع
لألرحام.
وقال تعالى:
((وإذا أنزلت سورة أن آمنوا باهلل وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم
وق الوا ذرنا نكن مع القاع دين ( )86رض وا ب أن يكون وا مع اخلوالف وطبع على قل وهبم
فهم ال يفقهون ()) )87
فرتك اجلهاد مقرتن بالطبع على القلب ،أي مرضه .فمرض القلب يُقعد عن اجلهاد،
والقعود عن اجلهاد يزيد مرض القلب.
)1فت ارة يق ول( :إنه ال ح رب على اإلس الم ك دين ،وإنكم أيها املش ايخ تؤمن ون
بنظرية املؤامرة وتفس رون كل ح دث على أنه ج زء من ه ذه احلرب الص ليبية يف زعمكم.
وه ذا من وساوس كم وعق دكم النفس ية) .وه ذا كما ق ال ابن س لول وفئته الناكصة ي وم
بدر .قال اهلل تعاىل:
((وما أص ابكم ي وم التقى اجلمع ان فب إذن اهلل وليعلم املؤم نني ( )166وليعلم ال ذين
نافقوا وقيل هلم تعالوا قاتلوا يف سبيل اهلل أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتاال التبعناكم)) أي:
لو نعلم أنكم تلقون حربا جلئناكم ولكن ال تلقون قتاال.
ولذلك ترى املنافق إذا ما خُن ز لينجد املسلمني ويدفع عن األمة قلل من شأن احلرب
على اإلس الم وأكد أن دوافع احلرب اقتص ادية أو أهنا تس تهدف فئة من أص حاب الغل و،
وليس اإلسالم ذاته!
)2وت ارة يتعلل بع دم مناس بة الطقس للجه اد! وانظر إىل س خافة أع ذارهم! وك أن
اجلهاد يتحمل التأجيل حىت يصبح اجلو مجيال وتكون رحلة اجلهاد نزهة شيقة .قال تعاىل:
((فرح املخلفون مبقعدهم خالف رسول اهلل وكرهوا أن جياهدوا بأمواهلم وأنفسهم
يف س بيل اهلل وق الوا ال تنف روا يف احلر)) ف رد اهلل عليهم ردا يهز الكي ان ويقش عر منه جل ُد
َمن به روح:
((فليضحكوا قليال وليبكوا كثريا جزاء مبا كانوا يكسبون ()) )82
َولْيبكوا كثريا...إن كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد قال:
((إن أهون أهل النار عذابا من له نعالن وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما
يغلي املرجل .ما ي رى أن أح دا أشد منه ع ذابا وإنه أله وهنم ع ذابا)) (البخ اري ومس لم
واللفظ ملسلم).
فما بالك مبن هو يف ال درك األس فل من الن ار؟! لن يفرح وا يومئذ مبقع دهم ،ولعل
املؤمنني يقولون هلم يومئذ وهم يضحكون :ال تنفروا يف احلر! فها قد أتاكم إىل عندكم!
وانظر كيف ق ال اهلل تع اىل(( :ف رح املخلف ون)) ...وه ذا ف ارق بني املؤمن واملن افق.
فإن املؤمن قد يقع يف معصية لشهوة ،لكنه بعد مقارفتها يندم عليها...كما وقع من كعب
بن مالك وصاحبيه رضي اهلل عنهم عندما ختلفوا عن تبوك.
)3وتارة يتعلل من يف قلبه نفاق بعدم مناسبة الوقت للجهاد .فما زال لديه طموح
وخطط مس تقبلية ال حيب أن تقطعها املني ة .وال زال ي رى يف نفسه إمكاني ات ينبغي أن
تُستغل لـ"صاحل البشرية" .فهو صاحب عقلية ومواهب ...خسارة أن تضيع بضربة سيف
أو رمية رمح! قال اهلل تعاىل:
((أمل تر إىل ال ذين قيل هلم كف وا أي ديكم وأقيم وا الص الة وآت وا الزك اة فلما كتب
عليهم القت ال إذا فريق منهم خيش ون الن اس كخش ية اهلل أو أشد خش ية وق الوا ربنا مل
كتبت علينا القت ال ل وال أخرتنا إىل أجل ق ريب قل مت اع ال دنيا قليل واآلخ رة خري ملن
اتقى وال تظلمون فتيال ()) )77
أما املن افقون ف إهنم ملا دنت املواجهة وف رض القت ال ض رب اخلوف أطنابه يف
قل وهبم ...فخش وا الن اس أك ثر من خش ية اهلل وبق وا معرتضني على ق در اهلل وأم ره
متس خطني عند كل اختب ار ق ائلني يف أنفس هم( :ربنا مِلَ كتبت علينا القت ال؟)! وأكرب
مههم أن يت واروا عن أعني املؤم نني فال يُعلم نكوص هم عن اجله اد ف إن خرج وا إليه
كارهني فإهنم ال يأتون البأس إال قليال .ويف قتاهلم هذا(( :وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه
من عندك)) أي من اتباعنا دين حممد.
(( لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا التبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة))
فما عند املنافق من إميان ال يكفي إال ملسافة قصرية ...وبعد هذه املسافة ينفد وقوده
اإلمياين! ويا حب ذا لو ك ان املنتظر من ه ذا اجله اد الق ريب غنيمة تس تحق اخلروج .فـ"جنة
عرضها السماوات واألرض" ال تفعل يف نفس املنافق فعل درهم أو قطيفة.
)5وتارة يتعلل بأن اجلهاد سيفتنه وبأن االلتزام بدين اهلل سينفره عن دين اهلل:
روى املفس رون أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أثن اء جته يزه لغ زو ال روم ق ال
للجد بن قيس(( :هل لك يا جد العام يف جالد بين األصفر؟)) .فقال( :يا رسول اهلل أو
ت أذن يل وال تفتين فواهلل لقد ع رف ق ومي ما رجل أشد عجبا بالنس اء مين ،وإني أخشي
إن رأيت نس اء بين األص فر أن ال أصرب عنهن) .ف أنزل اهلل (( :ومنهم من يق ول ائ ذن يل
وال تفتين))
(وسبب النزول هذا وإن كان يف إسناده ضعف إال أن الطربي قال فيه :وبذلك من
التأويل تظاهرت األخبار عن أهل التأويل).
وإن الواحد منا قد يتعذر لنفسه في ترك أمر من أوامر هللا بأن ه إن فع ل
هذا األمر فسينفر من الدين...فيقول في نفسه :فألبق على معصية فعلية خير
لي من هذه الموبقة العقدية :النفرة من الدين .قد تقول المتبرج ة ذل ك لنفس ها
وقد يقولها صاحب النظرة المحرمة.
فهذا التعذر األجوف املبتذل هو عني الفتنة .كما أن ترك أمر اهلل فتنة.
وكم يتعذر املعطلون للجهاد بدرء الفنت عن بالدهم وجتنيبها الويالت ،فإذا بالشباب
ال ذين ُجنب وا التض حية يف س بيل اهلل تأسن أرواحهم فيقع ون يف مس تنقعات الش هوات
والتنازع على الدنيا فيُهلكون دنياهم وأخراهم ((أال يف الفتنة سقطوا))
((ويس تأذن فريق منهم النيب يقول ون إن بيوتنا ع ورة وما هي بع ورة إن يري دون إال
فرارا ()) )13
فقد ادعى املن افقون أن بي وهتم قريبة من جي وش الع دو فيخ افون على أهليهم أو
أمواهلم.
وهكذا...إذا دهم العدو بلدا من بالد المس لمين ف إن المتخ اذلين في البالد
األخ رى يرفع ون ش عار أن المحافظ ة على أمن بل دهم أولى من نص رة
المسلمين المنكوبين.
((وأقسموا باهلل جهد أمياهنم لئن أمرهتم ليخرجن قل ال تقسموا طاعة معروفة إن اهلل
خبري مبا تعملون ( )) )53طاعة بالشروط املذكورة .فهم كمن قال:
ويكس ــر بيضــتني على التوايل ويل عـزم يشـق املاء شـقا
ق ال ابن كث ري :أي :ف إذا ك ان األمن تكلم وا كالما بليغا فص يحا عالي ا ،وادع وا
ألنفسهم املقامات العالية يف الشجاعة والنجدة ،وهم يكذبون يف ذلك.
وقال تعاىل:
بل ويتج اوز بعض هم كل حد فيس تغل ما يص يب املؤم نني من ابتالء يف معركة من
املعارك ذريعة للطعن يف الدين ذاته:
((يقولون لو كان لنا من األمر شيء ما قتلنا ههنا)) قال بعض املفسرين... :وقيل:
أي :لو كنا على احلق ما قتلنا ههنا (البغ وي) .فهم اعت ربوا ما أص اب املس لمني ي وم أحد
داللة على بطالن ال دين .فحس اباهتم أرض ية حبت ة ،ال يفهم ون أن اهلل تع اىل ميحص ب ذلك
االبتالء صف املؤم نني من ش وائب املن افقني ويتخذ ش هداء يعلي هلم املن ازل ويعظم
األجور.
فاملن افقون هرطق وا ب أن طاعة النيب ص لى اهلل عليه وس لم يف اخلروج إىل املش ركني
خارج املدينة سبب للمصيبة يف أحد .واحلق أن سبب املصيبة هو عصيان الرسول ((ولقد
صدقكم اهلل وعده إذ حتسوهنم بإذنه حىت إذا فشلتم وتنازعتم يف األمر وعصيتم من بعد
ما أراكم ما حتبون))
وهكذا املنافقون! ينسبون كل مصيبة حتل باملسلمني إىل اجلهاد واجملاهدين ((...وإن
تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك))
أي من ِقَبلك (يا حمم د) وبس بب اتباعنا لك واقت دائنا ب دينك (ابن كث ري) ويقول ون
هذه من عند حممد ،أساء التدبري وأساء النظر (الطربي)
جرنا حممد إىل مواجهة مل نستعد هلا وهيج علينا األمم .أال شاهت الوجوه يقولون َّ
ِ
وش لت ألسن تنسب الفشل إىل طاعة اهلل والرس ول .فما أُتيت األمة إىل من قبَل املن افقني
ُ
وإفسادهم وتفريقهم صف املسلمني وختذيلهم املسلمني عن رد عدوهم.
((يا أيها الذين آمنوا ال تكونوا كالذين كفروا وقالوا إلخواهنم إذا ضربوا يف األرض
أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل اهلل ذلك حسرة يف قلوهبم))
وعلى ه ذه األق وال مجيع ا...على من ق ال (لو أطاعونا ما قتل وا) وعلى من ق ال (لو
ك ان لنا من األمر ش يء ما قتلنا ههنا) وعلى من ق ال (لو ك انوا عن دنا ما م اتوا وما
قتل وا)...عليهم وعلى كل متخ اذل خمذل ج زع عن ن زول القض اء الئم لس اداته من
املؤمنني النبالء رد اهلل تعاىل بأمجل رد وأفصح بيان:
((قل لو كنتم يف بيوتكم لربز الذين كتب عليهم القتل إىل مضاجعهم))
((ولئن قتلتم يف سبيل اهلل أو متم ملغفرة من اهلل ورمحة خري مما جيمعون))
لكن ش تان بني طريقة م وت كل منهم ا ...وش تان بني ال ذكرى اليت يرتكها كل
منهما ...وشتان بني املآل واملصري.
شجاعا أمام الحديد والنار وتطاير األشالء .وحري ب ه أن يس تزله الش يطان
ببعض ما كسب فينكص ويخلخل صفوف المؤمنين .لذا َك ِره هللا انبعاثهم:
((ولكن كره هللا انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين))
لذا جعل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم غياب النية الصادقة للجهاد أمارة للنفاق:
((من مات ومل يغز ومل حيدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق)) (مسلم وأبو
داود).
فلي ربأ املؤمن لنفسه من ه ذه الش عبة ب أن ي وطن نفسه على حب اجله اد وي دعو اهلل
تع اىل أن يه يئ له س بله وي رتك املعاصي اليت حتول دونه و ُت َعلِّقه بال دنيا ويعد له الع دة .فإنه
إن فعل ذلك فم ات حتف أنفه بلغ من ازل الش هداء بعمل قلب ه .ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل
عليه وسلم:
((من س أل اهلل الش هادة من قلبه ص ادقا بلغه اهلل من ازل الش هداء وإن م ات على
فراشه)) (مسلم وأبو داود والرتمذي وابن ماجة)
وقال عليه الصالة والسالم(( :إن باملدينة أقواما ما سرمت مسريا وال قطعتم واديا إال
ك انوا معكم)) .ق الوا( :يا رس ول اهلل وهم باملدين ة؟) ق ال(( :وهم باملدينة .حبس هم
الع ذر(( (البخ اري)...فه ؤالء متن وا ص ادقني أن جياه دوا يف غ زوة تب وك لكنهم ما
اس تطاعوا ملرض أو ع دم نفقة فأث اهبم اهلل الك رمي ث واب اجملاه دين لص دقهم ،ألهنم ملا مل
جيدوا ما ينفق ون تول وا وأعينهم تفيض من ال دمع ...فهم تش تاق أرواحهم إىل س احات
التضحية يف سبيل اهلل تعاىل.
لكن ال ذم والعيب للمن افقني ال ذين ت وفرت ل ديهم أس باب اجله اد فرض وا بالدنية
واختاروا مكانا ال يليق بالرجال عندما يدعو داعي اجلهاد:
((إمنا السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع اخلوالف وطبع
اهلل على قلوهبم فهم ال يعلمون))
فاللهم ارزقنا شهادة يف سبيلك وقبلها نية صادقة نربأ هبا من النفاق.
******************************
((واستعينوا بالصرب والصالة وإهنا لكبرية إال على اخلاشعني ( )45الذين يظنون أهنم
مالقو رهبم وأهنم إليه راجعون ()) )46
فالص الة ثقيلة إال على ال ذين يظن ون (ويظن ون يف الق رآن مبعىن يوقن ون) بي وم ِ
آخر
يالقون فيه رهبم فيجزيهم على صربهم على تكاليف الصالة جزاء حسنا.
أما املن افقون ف إهنم يش كون يف ه ذا الي وم اآلخر أو ال يص دقون ب ه ،فثقلت عليهم
الصالة لذلك .ففيها تفريغ األوقات واستيفاء الشروط واالنقطاع للحظات عن الدنيا اليت
ال يؤمنون إال هبا .قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم:
((إن أثقل ص الة على املن افقني ص الة العش اء وص الة الفجر ولو يعلم ون ما فيها
ألتومها ولو حبوا ولقد مهمت أن آمر بالصالة فتقام مث آمر رجال فيصلي بالناس مث انطلق
معي برج ال معهم ح زم من حطب إىل ق وم ال يش هدون الص الة ف أحرق عليهم بي وهتم
بالنار)) (البخاري ومسلم).
وملاذا صالتا العشاء والفجر؟ ألهنم ال يراهم فيهما إال اهلل تعاىل! هم يف غريمها من
الص لوات ي دفعهم إىل املس اجد جتنب اإلح راج مع املؤم نني ،كما أهنم مس تيقظون يف
أوقات هذه الصلوات على كل حال .فال بأس واحلال كذلك أن يصلوا ...فإن كانت
آخرةُُ وجنة ونار فلم "خيسروا شيئا" بصلواهتم هذه .أما العشاء والفجر ،فوقتا عتمة ،ال
ي راهم فيهما املؤمن ون حض روا أم غ ابوا .مث يف ه ذين الوق تني ال بد من التض حية ب النوم.
وس اعة نوم أهم عند املنافق من جنة عرض ها الس ماوات واألرض .فاجلنة عن ده "حمتملة"
وليست باليقني الذي يضحى من أجله! وألن يعيش يف أحالم سعيدة أحب إليه من يقوم
ليعمل يف سبيل غيب يشك فيه!
((ولو يعلم ون ما فيهم ا)) لو ك انوا يوقن ون باملع اد وحسن اجلزاء...ألتومها ولو
حب وا...كما هو ح اهلم يف ش أن ال دنيا ...حيب ون خلفها على األي دي واألرجل بل
ويلهثون ألدىن عرض فيها.
((والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه جيد َعرقا مسينا أو مرماتني حسنتني لشهد
العش اء)) (البخ اري) .فاملن افق لو علم أنه بإتيانه املس جد يكسب عظمة عليها قطعة حلم
مسينة (عرقا مسينا) أو حىت ما بني ظلفي الش اة من اللحم (مرم اة) ألتى العش اء! أما جنة
عرضها السماوات واألرض فال تفعل يف نفسه مقدار ما تفعله قطعة حلم صغرية!
ويف أيامنا هذه ...فكر ...ماذا يكون حال مسجد يف حي مكتظ بالسكان تدخله
عشاء وليس فيه إال صفان أو ثالثة...ماذا يكون حاله لو أُعلن أن بعد الصالة طبيخا أو
أن مبلغا من املال سيوزع على احلاضرين؟ كم من اخللق حيضر؟
فإنك لتس مع من يتع ذر لنفسه عن ت رك الص الة بأنه ال جيح دها وإمنا هو الكس ل!
وال يعلم ه ذا أنه أقر على نفسه بالنف اق .فهو إن جنا من الكفر على ق ول من ال ي رى
بكفر تارك الصالة فقد وقع برتكه الصالة كسال يف خصلة من خصال النفاق .قال اهلل
تعاىل:
((إن املن افقني خيادعون اهلل وهو خ ادعهم وإذا ق اموا إىل الص الة ق اموا كس اىل
يراؤون الناس وال يذكرون اهلل إال قليال ( )) (142فقول أحدهم :أتركها كسال إدانة له
ال عذر .فاملنافقون قاموا إىل الصالة كساىل .أما هو فقد أقعده الكسل فما قام أصال!
فقد ق ال تع اىل(( :ي راؤون الناس)) .وه ذا الري اء يف الص الة مرض خفي يتج زأ على
درجات .فقد ال يكون الدافع إىل الصالة ابتداء الرياء عند بعضنا ،لكنه حُي سن الصالة إذا
كان بني الناس أكثر مما إذا خال بربه عز وجل...وهذا من الرياء .أال ترى أن أحدنا قد
ي دخل املس جد فيُق دَّم لإلمامة يف ص الة س رية ،فال يك اد يزيد على املع وذتني أو س ورة
اإلخالص .فإذا َّأم يف جهرية خرجت كنوز ما حيفظه من طوال السور جمودة؟! وال ميكن
أن يرضى لنفسه أن يؤم الناس يف جهريتني متتاليتني بالقصار! فنسأل اهلل تعاىل العفو.
((تلك صالة املنافق جيلس يرقب الشمس حىت إذا كانت بني قرين الشيطان (أي:
قاربت على الغروب) قام فنقرها أربعا ال يذكر اهلل فيها إال قليال)) (مسلم).
وكم ت رى من املس لمني إس راعا يف الص الة فال يطمئن ون بني الس جدتني وال بعد
القيام من الركوع.
((بشر املش ائني يف الظلم إىل املس اجد ب النور الت ام ي وم القيامة)) (رواه أبو داود
والرتمذي وابن ماجة وصححه األلباين وقال الذهيب :على شرط البخاري ومسلم).
((يوم ال خيزي اهلل النيب والذين آمنوا معه نورهم يسعى بني أيديهم وبأمياهنم))
((ي وم ت رى املؤم نني واملؤمن ات يس عى ن ورهم بني أي ديهم وبأمياهنم بش راكم الي وم
جنات جتري من حتتها األهنار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ()))12
مش وا في ظلم ات اللي ل فأث اهبم اهلل تع اىل ن ورا ي وم تش تد احلاجة إىل الن ور .ويف
املقابل:
((يوم يقول املنافقون واملنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا
وراءكم فالتمسوا نورا))
يري دون التطفل على املؤم نني ون وال اجلنة بال عم ل! لكن هيه ات...اكتسب
املؤمن ون الن ور مبش يهم يف الظلم .أما أنتم أيها املن افقون فعلى أي ش يء متنح ون الن ور؟
ارجعوا فالتمسوه يف شككم وريائكم وكسلكم...كطالب اللولؤ يف البيداء ...فيُضرب
السور وتنجلي احلقائق وجتزى كل نفس مبا كسبت..
فقد ق ال عليه الص الة والس الم(( :من مسع الن داء ي وم اجلمعة فلم يأهتا ،مث مسعه فلم
يأهتا ،مث مسعه فلم يأهتا ،طبع اهلل على قلبه وجعل قلبه قلب من افق)) (أخرجه ال بيهقي وأبو
يعلى وصححه ابن املنذر وحسنه األلباين).
والطبع على القلب شر عق اب دني وي .فال يع ود ص احبه يس تقبح معص يته .ف أىن له
إذن أن يتوب!
((وما منعهم أن تقبل منهم نفق اهتم إال أهنم كف روا باهلل وبرس وله وال ي أتون الص الة
إال وهم كساىل وال ينفقون إال وهم كارهون))
وقال تعاىل:
وال غرابة...فالصدقة عند املنافق خسارة حمضة إذ هو ال يؤمن جبزائها األخروي .لذا
ت رى أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم جعل الص دقة برهانا على ص حة اإلميان فق ال:
((الصدقة برهان)) (مسلم).
وكما أهنا برهان على اإلميان فإهنا تزيده كذلك .فاملؤمن حني يهم بإخراج الصدقة
يستجمع إميانه ويستذكر اآلخرة ليقاوم ختذيل الشيطان .فيزداد إميانا وثباتا بذلك .قال اهلل
تعاىل:
((ومثل ال ذين ينفق ون أم واهلم ابتغ اء مرض اة اهلل وتثبيتا من أنفس هم كمثل جنة
بربوة))
ق ال تع اىل(( :املن افقون واملنافق ات بعض هم من بعض ي أمرون ب املنكر وينه ون عن
املعروف))
فأميا رجل دعا إىل منكر وثبط عن طاعة فليعلم أنه تلبس بصفة من صفات املنافقني.
أميا شاب دعا صاحبه إىل معصية فليعلم أن هذا نفاق!
فه ؤالء املنافقون ختاذلوا عن اإلنف اق لتجه يز جيش العسرة لكنهم سارعوا إىل اللمز
يف املؤم نني! قع دوا يرتبص ون :فمن ج اء بص دقة كب رية ق الوا إمنا فعلها ري اء ،ومن ج اء
بصدقة صغرية على فقر حاله ينتزعها من أفواه أوالده نصرة لدين اهلل سخروا من صدقته
الصغرية يف أعينهم الكبرية يف ميزان اهلل تعاىل.
الش م...وال يس عفه ش كهوهك ذا املن افق! ي رى نفسه القزمة الوض يعة بني اجلب ال ُّ
وكس له لريتقي إىل قممهم ويبين جمدا كال ذي َبنَ وه...فال يرى س بيال إال أن يتط اول على
أسياده ويزدريهم لينزلوا إىل مستواه يف أعني الناس.
باإلكثار من ذكر اهلل تعاىل .فقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم:
((إن اهلل قسم بينكم أخالقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ،و إن اهلل يعطي ال دنيا من
حيب و من ال حيب ،و ال يعطي اإلميان إال من أحب .فمن ضن باملال أن ينفق ه ،و خ اف
العدو أن جياه ده ،و ه اب الليل أن يكاب ده ،فليكثر من ق ول :سبحان اهلل ،و احلمدهلل ،و
ال إله إال اهلل ،و اهلل أكرب)) فالبخل باملال والقع ود عن اجله اد واس تثقال قي ام الليل أق رب
إىل النفاق منه إىل اإلميان .وفيه شيء من نسيان اهلل تعاىل .أمل تر إىل قوله عز وجل:
((املن افقون واملنافق ات بعض هم من بعض ي أمرون ب املنكر وينه ون عن املع روف
ويقبضون أيديهم نسوا اهلل فنسيهم)) فلما نسوا اهلل ثقل عليهم اإلنفاق يف سبيله.
فمن أكثر من ذكر اهلل تعاىل عاجل هذا النسيان فنشطت نفسه لإلنفاق واجلهاد وقيام
الليل.
******************************
وه ذه بلية عظمى تشل إرادة املن افق عن نص رة ال دين .فهو ي رى أن قض ية ال دين
خاسرة .فعالم يتعب من أجلها؟! قال اهلل تعاىل:
((ويع ذب املن افقني واملنافق ات واملش ركني واملش ركات الظ انني باهلل ظن الس وء))
فاملنافق ملا كانت حساباته أرضية ورأى قوة الكفار وانتفاشهم ظن أن اإلسالم هالك وأن
اهلل تعاىل لن ينصر دينه .وهذا ظن سوء ميقته اهلل .لذا كان جزاؤهم:
((عليهم دائ رة الس وء وغضب اهلل عليهم ولعنهم وأعد هلم جهنم وس اءت مص ريا (
)) )6
كلم ات يظهر فيها ش دة غضب اهلل على من أس اء الظن فيه تع اىل ب أن يظن أن اهلل
خيذل دينه وال يظه ره ،وأن رس ول اهلل وطائفة املؤم نني يهلك ون يف احلرب فال تق وم
لإلسالم بعدهم قائمة .قال تعاىل بعدها بآيات:
((بل ظننتم أن لن ينقلب الرس ول واملؤمن ون إىل أهليهم أب دا وزين ذلك يف قل وبكم
وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ()) )12
فاملنافق ينظر إىل الكفار فريى لديهم قوة مادية ينخلع هلا قلبه ،مث يلوي عنقه فينظر
إىل املؤمنني فال جيد لديهم إال عدة ضئيلة هي غاية ما استطاعوه ،لكنهم مع ذلك مهللون
مك ربون مستبش رون موقن ون بنصر اهلل .فيض حك املن افق منهم ق ائال :ه ؤالء املس اكني
يعتقدون أن دينهم ينصرهم على الدبابات والطائرات والصواريخ!:
((إذ يقول املنافقون والذين يف قلوهبم مرض غر هؤالء دينهم .ومن يتوكل على اهلل
فإن اهلل عزيز حكيم ()) )49
فالشاك يف نصر اهلل تنهزم نفسيته وختور عزميته وتنشل إرادته ...خاصة إذا انضم إليه
شك يف اليوم اآلخر الذي ينصر فيه اهلل عباده على أعدائه متام النصر:
((إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا يف احلياة الدنيا ويوم يقوم األشهاد))
فرتاه بعد ذلك ينكص عن اجلهاد...فعالم جياهد إن كان اإلسالم هو اخلاسر عنده
وتراه يكذب على املؤمنني ليعرضوا عنه ويدعوه ينسل من املواجهة مع الكفار
وت راه خيلف العهد مع اهلل تع اىل ...فهو كما شك يف ق درة اهلل على نصر ال دين
يشك يف قدرة اهلل على عقاب من نقض العهد.
أفع ال س وء هي مجيعا مثار مش ؤومة للشك يف نصر اهلل .ق ال اهلل تع اىل واص فا ح ال
املنافقني أيام اخلندق:
((وإذ يقول املنافقون والذين يف قلوهبم مرض ما وعدنا اهلل ورسوله إال غرورا))
(( )1وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب ال مقام لكم فارجعوا)) فنكوص
عن اجلهاد
(( )2ويس تأذن فريق منهم النيب يقول ون إن بيوتنا ع ورة وما هي بع ورة إن
يريدون إال فرارا)) فكذب على املؤمنني
(( )3ولو دخلت عليهم من أقطارها مث سؤلوا الفتنة آلتوها وما تلبثوا هبا إال
يسريا)) فمسارعة يف الكفر وطاعة الكفار
(( )4ولقد ك انوا عاه دوا اهلل من قبل ال يول ون األدب ار وك ان عهد اهلل
مسؤوال)) فإخالف عهد مع اهلل تعاىل.
فاحلبيب املصطفى كان يبشر املؤمنني بفتح البالد وهو يف هذا الوضع الصعب يف يوم
اخلندق ،يقينا بوعد اهلل .لذا قال اهلل يف سورة األحزاب:
((وملا رأى املؤمن ون األح زاب قالوا ه ذا ما وع دنا اهلل ورسوله وص دق اهلل ورسوله
وما زادهم إال إميانا وتسليما))
فال يأس مع اإلميان .أمل تر إىل قوله تعاىل حكاية عن إبراهيم عليه السالم:
((وال تيأسوا من روح اهلل إنه ال ييأس من روح اهلل إال القوم الكافرون))
وكذا قال ابن مسعود تلميذ حممد صلى اهلل عليه وسلم:
((الكبائر :اإلشراك باهلل واألمن من مكر اهلل والقنوط من رمحة اهلل واليأس من روح
اهلل)) أي :اليأس من نصر اهلل.
فهذا الدين منصور...يضعف أهله لفرتة من الزمن مبقدار تفلتهم منه .لكنه لن جُي تث
ولن ين درس .ولن هتلك أمة حممد ص لى اهلل عليه وس لم .وال ذي حياول القض اء على
أس َفهُ ممن ينقطع جوفه وحيمر وجهه وهو ينفخ على الشمس ليطفئ نورها:اإلسالم ْ
((يريدون ليطفئوا نور اهلل بأفواههم واهلل متم نوره ولو كره الكافرون ( )8هو الذي
أرسل رس وله باهلدى ودين احلق ليظه ره على ال دين كله ولو ك ره املش ركون ()) )9
(الصف).
فهذا الدين منصور .قال عليه الصالة والسالم(( :بشر هذه األمة بالسناء والتمكني
يف البالد والنصر والرفعة يف ال دين .ومن عمل منهم بعمل اآلخ رة لل دنيا فليس له يف
اآلخرة نصيب))(.قال األلباين :إسناده صحيح على شرط البخاري) .فالذي يعمل بعمل
اآلخ رة من أجل ال دنيا كأنه أحس ب أن قض ية ال دين خاس رة فال حاجة إىل التض حية من
أجلها .فقال( :إذن أكسب هبذا العمل مكانة عند الناس ألنال شيئا بدال من اخلروج صفر
اليدين)!
وق ال عليه الص الة والس الم(( :ليبلغن ه ذا األمر ما بلغ الليل والنه ار .وال ي رتك اهلل
بيت م در وال وبر إال أدخله اهلل ه ذا ال دين .بعز عزيز أو بِ ُذل ذلي ل :ع زا يعز اهلل به
اإلسالم ،وذال يُذل به الكفر)) (رواه أمحد وقال شعيب األرنؤوط :إسناده صحيح على
شرط مسلم).
وقد بشر عليه الصالة والسالم بفتح القسطنطينية مث رومية (روما) يف احلديث الذي
قال فيه الذهيب (على شرط البخاري ومسلم) .أما قسطنطينية فقد فتحت كما بشر عليه
بعد .فنحن نوقن
الصالة والسالم ،وبعد 800سنة من بشرى النيب .وأما روما فلم تُفتح ُ
بأن ذلك كائن وأن املسلمني عندما يعز أمرهم فلن تقتصر العزة على اسرتداد ما احتل من
أراضيهم .بل سيعودون إىل مبادأة الكفار بالقتال ونشر سلطان اإلسالم يف ربوع األرض.
فاللهم اجعل لنا من ذلك نصيبا.
((من ك ان يظن أن لن ينص ره اهلل يف ال دنيا واآلخ رة)) أي :من ك ان س يئ الظن
باهلل ،فيظن أن اهلل سيخذل دينه ونبيه يف الدنيا واآلخرةَ (( ...ف ْليمدد بسبب إىل السماء))
قف بيته (فكل ما عالك فأظلك فهو فلريبط حبال على عنقه ويربط طرفه اآلخر بس
ِ
مساء)(( ...مث ليقطع فلينظر هل يذهنب كيده ما يغيظ)) ليشنق نفسه ...فإن كان وعد اهلل
ال يش في ص در املن افق من الشك واهللع وال يقطع أمل الك افر يف القض اء على اإلس الم
فلعل قطع األعناق يفي بالغرض!
فإن كنت يا أخي من املؤمنني لكنك يهولك ما ترى من انتفاش الباطل وتسلط أهله
وال يستوعب عقلك كيف ميكن أن ينصر اهلل دينه مع أن األسباب املادية ليست يف صاحل
الدين البتة فأقول لك ليطمئن قلبك:
((إن ريب لطيف ملا يش اء .إنه هو العليم احلكيم ( )) )100أي :إذا أراد أم را قيض
له أسبابا وقدره ويسره بطريقة لطيفة ال ختطر بالبال .فمن كرب شديد إىل فرج عجيب،
ومن ضعف إىل عزة ومتكني.
فه ذه اآلية حكاية عن يوسف عليه الس الم ال ذي نقله اهلل من ظُلمة الس جن إىل
كرسي حكم يتبوأ من األرض حيث يشاء برؤيا أُريَها امللك.
وهو سبحانه بعد ذلك جعل فرعون يلتقط موسى من تابوت يف البحر ويربيه يف بيته
ليكون هالك فرعون وجنوده على يد موسى عليه السالم
وهو س بحانه ال ذي ألقى اإلميان يف قلب نعيم بن مس عود ي وم غ در بنو قريظة وأُيت
فخ َّذل بني املش ركني واليه ود ...مث أرسل اهلل رحيا
املؤم نني من ف وقهم ومن أس فل منهم َ
وكفى املؤمنني القتال
وهو سبحانه الذي جعل "فاطميي" مصر يقتتلون فيستنجد بعضهم على بعض بنور
ال دين زنكي فريسل ص الح ال دين ،لتب دأ رحلة تطهري مصر منهم وتنضم مصر املعادية إىل
دولة صالح الدين فيحارب هبا الصليبيني.
وهو س بحانه ال ذي جعل التت ار ي بيعون س يف ال دين قطز يف السيب ب دراهم مع دودة
ليكون هالكهم على يديه.
وهو س بحانه ال ذي جعل اجليش الروسي ي درب أف رادا من الشيش ان فيق ودون بعد
ذلك اجلهاد الشيشاين على الروس وميرغون أنف روسيا يف الرتاب.
يكيدون كيدا بشريا هزيال يف مقابل كيد جبار السماوات واألرض سبحانه وتعالى:
((إن الذين كفروا ينفقون أمواهلم ليصدوا عن سبيل اهلل فسينفقوهنا مث تكون عليهم
حسرة مث يُغلبون))
فيا أخي املؤمن ال تش غل نفسك بـ"كيف ميكن أن ينصر اهلل دين ه؟" ولكن اش غل
نفسك بأن تكون من الطائفة املنصورة العاملة هلذا الدين ...فيكون لك شرف اإلسهام يف
نصر األمة ولو كان هذا النصر بعد مماتك .جعلين اهلل وإياك منهم.
******************************
فاملن افق يش رتط أن جيلب اإلس الم له منفعة دنيوية عاجلة لريضى به دين ا .كيف ال
وح دود بص ريته تقف عند احلدود ال دنيا لل دنيا ،واجلزاء األخ روي ليس يف حس اباته ألنه
يشك يف اآلخرة أصال .قال تعاىل واصفا املنافقني:
((ومنهم من يلم زك يف الص دقات ف إن أعط وا منها رض وا وإن مل يعط وا منها إذا هم
يسخطون))
وكم ق ال موت وروهم للنيب ص لى اهلل عليه وس لم( :اع دل فإنك مل تع دل)! كم م رة
جرحوا قلبه الكبري هبذه الكلمات اخلسيسة اليت ما قالوها إال جشعا وشرها وتطلعا إىل ما
ليس هلم حبق ...وهك ذا املن افق ،يرضى عن ال دين مبق دار ما يتحقق له من مت اع دني وي،
ألنه ما أس لم طمعا يف رض وان اهلل وإمنا أض مر يف قلبه أن يتخذ اإلس الم ُس لَّما إىل مت اع
الدنيا.
-روى البخاري عن ابن عباس أنه قال يف تفسري قوله تعاىل(( :ومن الناس من يعبد
اهلل على ح رف فإن أصابه خري اطم أن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا
واآلخرة ذلك هو اخلسران املبني)) قال :كان الرجل يقدم املدينة ،فإن ولدت امرأته غالما
دين
دين ص احل) ،وإن مل تلد امرأته ومل تنتج خيله ق ال( :ه ذا ُ
ونتجت خيله ق ال( :ه ذا ٌ
سوء).
فاملتعوس اعترب حتقُّق متاع الدنيا داللة على صحة اإلسالم ،فإذا تعرض البتالء ضاع
منه ما تأمل واعترب ذلك داللة على بطالن اإلس الم!! ف أي ض يق يف األفق وحمدودية يف
النظرة!!
وكم رأينا يف واقع حياتنا من أن اس يتس خطون على رهبم عند أدىن بالء ،وتس وء
منهم باهلل الظنون .فهؤالء املدعو عليهم بالتعاسة .قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم:
((تعس عبد ال دينار ،وعبد ال درهم ،وعبد اخلميص ة ،إن أعطي رض ي ،وإن مل يعط
سخط .تعس وانتكس ،وإذا شيك فال انتقش)) (البخاري).
فعبد ال درهم وال دينار يتنقل بني املب ادئ واملنهجي ات حبثا عن املال .وقد ال ينس لخ
من اإلسالم صراحة بل يغري ويبدل هبواه و يزعم أن ما هو عليه موافق لإلسالم ...يلهث
وراء بريق ال درهم على يديه ورجليه ك الكلب ،فلعل األش واك ت دخل يف يديه ورجليه يف
سعيه هذا...وإذ ذاك فـ(ال انتقش)...أي ال خرجت منه الشوكة كما دعا عليه النيب صلى
اهلل عليه وسلم.
((طوىب لعبد آخذ بعنان فرسه يف سبيل اهلل ،أشعث رأسه ،مغربة قدماه ،إن كان يف
احلراسة كان يف احلراسة ،وإن كان يف الساقة كان يف الساقة ،إن استأذن مل يؤذن له ،وإن
شَّفع))
شفع مل ُي َ
فقد ب دت عالم ات التض حية يف س بيل اهلل يف ش عث رأس ه ذا املؤمن وتغرُّب قدميه
وإمس اكه بعن ان الف رس ليتوجه به حيثما مسع ن داء اجله اد ،لكنه مع ذلك مل ينل ش يئا من
ال دنيا ،وال حىت االح رتام...فهو إن اس تأذن أم ريه يف اجله اد مل ي أذن ل ه ،وإن ج اء ش فيعا
ألحد رده أمريه خمذوال ومل يلتفت إليه وال لشفاعته...سوءَ تصرف من هذا األمري...فلعله
يأيت األمري فيقول له :مسعت أن أحد أوالدي مريض فأذن يل أن أغادر املعسكر لالطمئنان
عليه مث أع ود ،ف ريفض األم ري ...ولعل جن ديا يس يء َفيَ ِه ُّم األمري بتعزي ره فيطلب اجلن دي
ش فاعة ص احبنا املؤمن ألنه ظن أن تض حيات املؤمن جعلته وجيها عند األم ري ،في أيت
صاحبنا ليشفع فإذا باألمري يرفض شفاعته ويعزر اجلندي ويكسر قلب املؤمن...
فهل دفعه ذلك إىل أن ينقلب على عقبيه وي رتك اجله اد والتض حية؟ ال بل على
العكس ،ميتثل األوامر...فإن أمره األمري بأن يسهر والناس نيام للحراسة استجاب ووقف
حارسا أمينا جليش املس لمني...وإن أم ره األمري أن يت أخر يف ذيل اجليش (الس اقة) جيمع
املتاع الساقط من أفراد اجليش ويساعد من أبطأ لِ َعطَ ٍ
ب فيه أو يف ركوبته امتثل أمر األمري،
مع أن األمري مل يكرمه يف ش يء ...وليس ذلك كله عن نقص ع زة يف نفسه ولكن ألنه ال
يتعامل مع األمري وإمنا مع رب األمري س بحانه وتع اىل...وال يبتغي األجر واإلك رام من
األمري وإمنا ابتغى وجه ربه األعلى...فلسوف يرضى...فالنيب صلى اهلل عليه وسلم دعا له
بـ(طوىب).
هكذا املؤمن ،يقدم كل شيء ،ويضحي بكل شيء ،وال يسخط إن مل يعجل اهلل له
اجلزاء يف الدنيا وادخر له أجره كامال ليوم القيامة...
أما املنافق ،فال يريد أن يقدم شيئا إال إذا كان املقابل الدنيوي مضمونا! قال تعاىل:
فهؤالء ختلفوا عن عمرة احلديبية اليت وعد اهلل من شهدها مبغامن خيرب .فلما علموا أن
خيرب ستُفتح على املسلمني سارعوا يطالبون بالسماح هلم أن يشهدوا غزوة خيرب! ملاذا؟
ألن فيها الغنيمة! أما يف احلديبية فلم يك مث غنيمة دنيوية موعودة فما حرصوا عليها.
ف رد اهلل تع اىل عليهم(( :يري دون أن يب دلوا كالم اهلل)) فاهلل وعد مغ امن خيرب ألهل
احلديبية خاصة .مث قال تعاىل:
(( قل لن تتبعونا كذلكم قال اهلل من قبل فسيقولون بل حتسدوننا)) سريمون املؤمنني
بتهمة أهنم مينعوهنم من اخلروج إىل خيرب استئثارا بالدنيا عنهم فرد اهلل تعاىل بأن املخلفني:
((بل ك انوا ال يفقه ون إال قليال))...مث أعط اهم اهلل تع اىل فرصة أخ رى ليع دلوا نواي اهم
ويربهنوا على استعدادهم للتضحية دون ضمان املقابل الدنيوي فقال:
((قل للمخلفني من األعراب ستدعون إىل قوم أويل بأس شديد تقاتلوهنم أو يسلمون
فإن تطيعوا يؤتكم اهلل أجرا حسنا)) قال الطربي يف تأويل األجر احلسن أنه اجلنة .وكأن
اهلل تع اىل مل يض من الغنيمة الدنيوية يف ه ذه الفرصة للمخلفني كما ض منها يف خيرب
للمؤم نني .ف إن ك ان ه ؤالء املخلف ون يرض ون باجلنة برهنوا على ذلك بطاعة اهلل يف النفري
إىل القوم أويل البأس الشديد(( .وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما))
وذكر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بائعي الدين من أجل الدنيا بقوله:
((ب ادروا باألعم ال فتنا كقطع الليل املظلم .يص بح الرجل مؤمنا وميسي ك افرا .أو
ميسي مؤمنا ويصبح كافرا .يبيع دينه بعرض من الدنيا)) (مسلم).
ومن كان هذا حالَه يف اشرتاط املنفعة الدنيوية لريضى باإلسالم دينا فلن يكون على
استعداد للتضحية يف سبيل اهلل تعاىل .قال اهلل تعاىل:
((ومن الن اس من يق ول آمنا باهلل ف إذا أوذي يف اهلل جعل فتنة الن اس كع ذاب اهلل))
ف دعوى اإلميان باللس ان س هلة .لكنهم ملا أوذوا يف س بيل اإلميان ال ذي ادع وه تزل زلت
قلوهبم وتركوا الدين الذي ادعوه ألن قلوهبم الضعيفة رأت هذا األذى الدنيوي مساويا
لع ذاب اهلل الش ديد يف اآلخرة ،فاخت اروا ال ردة ليسلموا من أذية الدنيا ولو أدى ذلك هبم
إىل عذاب اهلل.
َولَْيتَهم وقفوا عند هذا احلد ،بل(( :ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم))
ف إن ارتفعت األذية وحتقق للمس لمني نصر ع اد ه ؤالء املن افقون إىل دع وى اإلميان لين الوا
نص يبا من ه ذا اخلري ال دنيوي! خيادعون اهلل وال ذين آمن وا ،فق ال اهلل تع اىل (( :أ ََوليس اهلل
بأعلم مبا يف صدور العاملني (َ )10ولََي ْعلَمن اهلل الذين آمنوا وليعلمن املنافقني ()) )3
فال زالت الباليا تصيب الناس ليُعرف هبا املؤمن من املنافق .قال اهلل تعاىل:
((ما كان اهلل لِيَ َذ َر املؤمنني على ما أنتم عليه حىت مييز اخلبيث من الطيب))
واملنافق خبيث ليس من أهل التضحية .فال يسقط عند االختبارات الصعبة فحسب،
بل عند أدىن بالء...
رأيت س فيها ش اب ش عره ُس رق ح ذاؤه يف املس جد إثر ص الة مجعة فص اح و"ه دد"
بأنه لن يص لي بعد الي وم يف املس اجد...وال أدري يه دد َمن! أهو ب ذلك يه دد الس ارق؟
فالس ارق ال يهمه أص لى الن اس يف املس اجد أم مل يص لوا إال ليس رق أح ذيتهم...أم هو
يتوعد اهلل تع اىل؟! فاهلل هو الغين احلمي د ،ال ينقص من ملكه ش يئا أن جيتمع الن اس على
أفجر قلب رجل فيهم ...ولكن املنافقني ال يفقهون.
ورب أناس قد يدخلون النار يف حذاء مل يصربوا دخلت النار امرأة يف هرة حبستهاُ ،
على فقدانه! وال أدري! إن كانوا ال يتحملون أن يبذلوا حذاء فكيف يبذلون أنفسهم يف
س بيل من ق ال(( :إن اهلل اش رتى من املؤم نني أنفس هم وأم واهلم ب أن هلم اجلنة يق اتلون يف
سبيل اهلل فيقتلون ويُقتلون))!
ومن يف قلبه نفاق ال يسقط عند بالء الضراء فحسب ،بل إنه ال يصرب على فوات ما
ي راه مص لحة دنيوية ل ه ،وإن ك ان يف ه ذه املص لحة حمرم ،ك القرض الرب وي وبيع الس لع
احملرم ة .ف إذا دعوته إىل تركها فجوابه املعد على الف ور( :ما الب ديل؟)! الب ديل الصرب على
فوات هذه املصلحة...البديل التقنُّع مبا عند اهلل تعاىل...ولكن املنافقني ال يفقهون.
وأود هنا أن أنقل عب ارات عظيمة البن القيم يصف هبا داء س وء الظن باهلل ،وه ذا
ال داء ق رين النف اق يف قل وب مل تع رف حق رهبا عز وج ل ،فافرتضت أن هلا على اهلل
"واجبات" .فإن أُنقصت شيئا من ه ذه الـ"واجبات" ساء ظنها برهبا ،وخرج ما ك ان يف
ه ذه القل وب من قيح وص ديد وحثالة فظهر على فلت ات األلس ن .وال واهلل ال يك ون ه ذا
وعظَّم قدره .قال ابن القيم:
من قلب صفا وده لربه َ
فأكثر اخللق بل كلهم إال من شاء اهلل يظنون باهلل غري احلق ظن السوء فإن غالب بين
آدم يعتقد أنه مبخوس احلق ناقص احلظ وأنه يستحق فوق ما أعطاه اهلل ولسان حاله يقول
ظلمين ريب ومنعين ما أستحقه ...وهو بلسانه ينكره وال يتجاسر على التصريح به .ومن
فتش نفسه وتغلغل يف معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها كامنا كمون النار يف الزناد
فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما يف زناده ولو فتشت من فتشته لرأيت عنده تعتبا
على القدر ومالمة له واقرتاحا عليه خالف ما جرى به وأنه كان ينبغي أن يكون كذا
وكذا فمستقل ومستكثر .وفتش نفسك هل أنت سامل من ذلك؟
وإال فإين ال إخالك ناجيا فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة
فليعنت الل بيب الناص ح لنفس ه هبذا املوض ع وليتب إىل اهلل تع اىل وليس تغفره ك ل وقت
من ظنه بربه ظن السوء وليظن السوء بنفسه اليت هي مأوى كل سوء ومنبع كل شر...
فهي أوىل بظن الس وء من أحكم احلاكمني وأع دل الع ادلني وأرحم ال رامحني الغ ين احلمي د
الذي له الغىن التام واحلمد التام واحلكمة التامة املنزه عن كل سوء يف ذاته وصفاته وأفعاله
وأمسائه ...وأفعاله كذلك كلها حكمة ومصلحة ورمحة وعدل وأمساؤه كلها حسىن
من الرمحن فاشكر للدليل وليس هبا وال منها ولكن
فقول ابن القيم( :فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما يف زناده) يعين به أن من
عنده هذه الصفة النفاقية إن ُوضع على احملك بتعرضه الختبار فإن سوء ظنه باهلل وجزعه
وقلة صربه ستظهر على صفات وجهه وفلتات لسانه.
أما املؤمن فإنه يثبت عند الشدائد ،وهذا الثبات رزق يرزقه اهلل من كان يتقيه يف أيام
الرخاء .قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم:
نسأل اهلل الرضا عند القضاء والثبات يف األمر وإذا أراد فتنة يف القوم أن يقبضنا إليه
غري مفتونني.