You are on page 1of 65

‫هذا النفاق فاحذروه‪...

‬‬
‫بقلم ‪/‬د‪.‬إياد قـنيبي‬
‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫إن احلمد هلل حنم ده ونس تعينه ونس تغفره ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا ومن س يئات‬
‫أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ .‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده‬
‫ال شريك له‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪ .‬أما بعد ‪:‬‬

‫ف إين ال أرى احلديث عن املن افقني يعطى يف زمانن ا حق ه يف اخلطب واملواع ظ‬


‫واملؤلف ات على خطورت ه البالغ ة وغفل ة الن اس الش ديدة عن ه وامتالء الق رآن والس نة ب زخم‬
‫كبري من هذا املوضوع‪ .‬لذا رأيت أن أستعني باهلل تعاىل على أن أمجع صفات املنافقني يف‬
‫هذا الكتاب آمال أن يكون مادة يتدارسها احلريصون على سالمة إمياهنم وينشروهنا فيما‬
‫بينهم عساه يسهم يف التنبيه على خطورة النفاق‪.‬‬

‫وق د قس مت الكت اب إىل مقدم ة ت بني أمهي ة املوض وع‪ ،‬مث مف اهيم هام ة عن طبيع ة‬
‫النفاق‪َ ،‬مْتلَُّوةً بصفات املنافقني‪ ،‬وحتت كل صفة العناصر اآلتية‪:‬‬

‫‪-‬اآليات واألحاديث اليت تشري إىل هذه الصفة‬

‫‪-‬أمثلة من واقعنا جتسد الصفة‬

‫‪-‬آيات وأحاديث تبني الصفة املقابلة اليت ارتضاها اهلل تعاىل ورسوله صلى اهلل عليه‬
‫وسلم للمؤمن يف مقابلة الصفة النفاقية املذكورة‬

‫وذلك‪ ،‬بعون اهلل تعاىل‪ ،‬دون اختصار خمل وال تطويل ممل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫مقدمة‬

‫كثرة المنافقين‪:‬‬

‫ق ال ابن القيم يف املن افقني‪" :‬ك اد الق رآن أن يك ون كله يف ش أهنم‪ ،‬لك ثرهتم على‬
‫ظهر األرض‪ ،‬ويف أج واف القب ور‪ ،‬فال خلت بق اع األرض منهم لئال يس توحش‬
‫املؤمن ون يف الطرق ات وتتعطل هبم أس باب املع ايش‪ ،‬وختطفهم الوح وش والس باع يف‬
‫الفلوات" (مدارج السالكني‪ ،‬جزء ‪ ،1‬ص ‪.)358‬‬

‫كثرة اآليات المتعلقة بالمنافقين‪:‬‬

‫فص ل اهلل تع اىل ص فاهتم يف س ور مدنية كث رية‪ .‬فال‬


‫ولك ثرة املن افقني وش دة خط رهم َّ‬
‫ينبغي أن يُظن أن ظاهرة املنافقني قد انقرضت‪.‬‬

‫أمل تر أن اهلل تعاىل بني مرض قلبهم وخمادعتهم للمؤمنني يف سورة البقرة‪ ،‬مث جزعهم‬
‫وختذيلهم يف آل عمران‪ ،‬مث إعراضهم عن حكم اهلل ورسوله يف النساء‪ ،‬مث مواالهتم الكفار‬
‫يف املائ دة‪ ،‬مث ش كهم يف وعد اهلل ب التمكني لل دين يف األنف ال‪ ،‬مث نكوص هم عن اجله اد‬
‫والطعن يف املؤم نني يف التوب ة‪ ،‬مث قلة ثب اهتم يف احلج‪ ،‬مث انتق اءهم من ال دين ب أهوائهم يف‬
‫النور‪ ،‬مث قلة صربهم يف العنكبوت‪ ،‬مث إخالفهم عهد اهلل يف األحزاب‪ ،‬مث جبنهم يف حممد‪،‬‬
‫مث سوء ظنهم باهلل يف الفتح‪ ،‬مث اغرتارهم باألماين يف احلديد‪ ،‬مث حلفهم كذبا يف اجملادلة‪،‬‬
‫مث خ ذالهنم ملن ض عُف من أولي ائهم يف احلش ر‪ ،‬مث قلة أدهبم مع رس ول اهلل واملؤم نني يف‬
‫املن افقون‪ ،‬مث اس تحقاقهم الغلظة يف التح رمي‪...‬س بع عش رة س ورة مليئة بالتح ذير منهم‬
‫وبالتفصيل يف صفاهتم‪...‬‬

‫أيُظن بعد ه ذا كله أن اآلي ات اليت تص فهم مل يعد هلا أمهية يف عص رنا إال الت ربك‬
‫بتالوهتا وتدوين هذه الظاهرة تارخييا!‬

‫خطورة النفاق والمنافقين‪:‬‬

‫فال شك إذا أن اهلل تعاىل قد أكثر من ذكر النفاق لنكون على بينة منه‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬

‫((وكذلك نفصل اآليات ولتستبني سبيل اجملرمني))‪.‬‬

‫فنحذر من النفاق يف ذوات أنفسنا وحنذر من املنافقني‪.‬‬

‫(‪)2‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫خطر النفاق على النفس‪:‬‬

‫اللحظة احلامسة‪...‬هي تلك اليت يع رف فيها املن افق أنه هال ك‪...‬اس تفاق من حلم‬
‫اخلل ود يف نعيم اجلنة إىل يقني اخلل ود يف ع ذاب الن ار‪...‬حلظة رهيبة خياف منها كل‬
‫م ؤمن‪ ...‬مر املؤمن ون عرب حمط ات التنقية فتم ايزوا عن الكف ار الص رحاء‪ ،‬لكن ما زال يف‬
‫ص فوفهم من افقون‪...‬واملن افق تتع اظم أمانيه يف النج اة ومل يبق للجنة إال‬
‫خطوات‪...‬خط وات حتتاج نورا إلبص ار الطري ق‪...‬لكن املؤم نني تق دموا بنورهم تاركني‬
‫املنافقني يف ظلمات كظلمات نفاقهم وشكهم يف الدنيا‪...‬وما زال لديهم أماين‪...‬بعضهم‬
‫ال يعلم أن ما كان عليه هو النفاق‪ ،‬وبعضهم يظن أنه ينجو مبا جنا به يف الدنيا من كذب‬
‫وخ داع‪...‬ظن أن حيلته تنطلي حىت على ربه عز وج ل‪...‬فين ادي املن افق كما يصف رب‬
‫العزة‪:‬‬

‫((يوم يقول املنافقون واملنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا‬
‫وراءكم فالتمس وا ن ورا فض رب بينهم بس ور له ب اب باطنه فيه الرمحة وظ اهره من قبله‬
‫الع ذاب ين ادوهنم أمل نكن معكم ق الوا بلى ولكنكم فتنتم أنفس كم وتربص تم وارتبتم‬
‫وغرتكم األماين حىت جاء أمر اهلل وغركم باهلل الغرور فاليوم ال يؤخذ منكم فدية وال من‬
‫الذين كفروا مأواكم النار هي موالكم وبئس املصري))‬

‫خ ادعوا اهلل تع اىل ط ويال فخ دعهم ((إن املن افقني خيادعون اهلل وهو‬
‫خ ادعهم))‪...‬ع ادوا يلتمس ون ن ورا يص لون به إىل النعيم املقيم فض رب الس ور وه ووا يف‬
‫عذاب اجلحيم‪...‬حلظة فاصلة مرعبة مهولة‪...‬‬

‫فاس أل نفسك يا أخي‪ :‬هل س أكون قبل الس ور أم بع ده عند ه ذه اللحظ ة‪...‬تص ور‬
‫نفسك وقد ض رب الس ور من خلفك فعلمت أنك م ؤمن ن اج‪...‬فتجثو على ركبتيك‬
‫وتبكي مطأطئا رأسك من شدة الفرح واالمتنان هلل تعاىل أن مشلك برمحته‪...‬‬

‫أم يا ت رى يُض رب الس ور أمامك فتوضع األغالل يف عنقك وتس حب بالسالسل إىل‬
‫نار جهنم‪...‬إىل قعرها ودركها األسفل‪:‬‬

‫((إن املنافقني يف الدرك األسفل من النار))‬

‫فاللهم ارزقنا األوىل‪.‬‬

‫الحذر من المنافقين‪:‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫ق ال ابن القيم‪( :‬ف إن بلية اإلس الم هبم (باملن افقني) ش ديدة ج دا ألهنم منس وبون إليه‬
‫وإىل نصرته ومواالته وهم أعداؤه يف احلقيقة‪ ،‬يخرجون عداوته يف كل قالب يظن اجلاهل‬
‫أنه علم وإصالح وهو غاية اجلهل واإلفساد‪ِ .‬فلَّله كم من معقل لإلسالم قد هدموه! وكم‬
‫من حصن له قد قلع وا أساسه وخرب وه! وكم من علم له قد طمس وه! وكم من ل واء له‬
‫مرف وع قد وض عوه! وكم ض ربوا مبع اول الش به ىف أص ول غراسه ليقلعوه ا! وكم عم وا‬
‫عي ون م وارده ب آرائهم لي دفنوها ويقطعوه ا! فال ي زال اإلس الم وأهله منهم ىف حمنة وبلية‪.‬‬
‫وال يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية‪ .‬ويزعمون أهنم بذلك مصلحون! أال إهنم هم‬
‫املفسدون ولكن ال يشعرون) (مدارج السالكني‪-‬اجلزء األول ص‪)348-347‬‬

‫وخلط ورهتم ق ال اهلل تع اىل‪(( :‬هم الع دو فاح ذرهم))‪...‬فحصر الع داوة فيهم ك أن ال‬
‫عدو غريهم ألهنم شر األعداء‪.‬‬

‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫((إن أخ وف ما أخ اف على أميت من بع دي من افق عليم اللس ان)) (ص ححه اهليثمي‬


‫واأللباين)‪...‬فاملنافق عليم اللسان يقبح احلق وجيمل الباطل ببيانه‪...‬وقد يستدل يف مسعاه‬
‫اخلبيث ه ذا بق ال اهلل وق ال رس وله‪...‬ح امال النص وص على غري حممله ا‪ .‬وه ذا معىن ق ول‬
‫ابن القيم (وكم عم وا عي ون م وارده ب آرائهم لي دفنوها ويقطعوها) فاملن افق امللسن حياول‬
‫دفن احلقيقة ونصر آرائه الس قيمة مس تخدما يف ذلك بالغته وخلطه لألم ور تعمية على‬
‫الناس‪.‬‬

‫وخلطورهتم أمرنا اهلل تعاىل أن نتخذ منهم موقفا واضحا حازما‪...‬‬

‫فلم يرض من املؤمنني أن ينقسموا يف شأهنم فئتني‪َ ...‬فتَلني فئة يف شأهنم‪...‬‬

‫((فما لكم يف املنافقني فئتني واهلل أركسهم مبا كسبوا))‬

‫وإمنا أحب للمؤمنني أن جيتمعوا على جهاد املنافقني والغلظة عليهم‪.‬‬

‫((يا أيها النيب جاهد الكفار واملنافقني واغلظ عليهم))‬

‫ونفى النيب صلى اهلل عليه وسلم اإلميان عمن مل جياهدهم‪:‬‬

‫(‪)4‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((ما من نيب بعثه اهلل يف أمة قبلي إال ك ان له من أمته حواري ون وأص حاب يأخ ذون‬
‫بسنته ويقتدون بأمره‪ ،‬مث إهنا ختلف من بعدهم ُخلُوف يقولون ما ال يفعلون‪ ،‬ويفعلون ما‬
‫ال ي ؤمرون‪ ،‬فمن جاه دهم بي ده فهو م ؤمن‪ ،‬ومن جاه دهم بلس انه فهو م ؤمن‪ ،‬ومن‬
‫جاهدهم بقلبه فهو مؤمن‪ ،‬وليس وراء ذلك من اإلميان حبة خردل)) (مسلم)‪.‬‬

‫وهنى اهلل تعاىل نبيه واملسلمني عن طاعة املنافقني‪:‬‬

‫((وال تطع الكافرين واملنافقني))‬

‫من ذلك مجيعا يُعلم م دى ض رورة التع رف على ص فات املن افقني لنتوقاها يف ذوات‬
‫أنفسنا ولنعرف هبا أئمة النفاق‪...‬‬

‫ولئال ننخدع هبم فصل اهلل تعاىل لنا صفاهتم‪...‬حىت إذا ما حاولوا خداعنا كان ردنا‬
‫عليهم‪:‬‬

‫((قل ال تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا اهلل من أخباركم))‬

‫واملتتبع للت اريخ اإلس المي ي رى أن كل بلية ن زلت باإلس الم إمنا هي من‬
‫جهتهم‪...‬سودوا صفحات التاريخ سود اهلل وجوههم‪...‬‬

‫فمن جرثومة الش ر(أخ ذت ه ذه التس مية من شريط للش يخ علي الق رين) عبد اهلل بن‬
‫أيب بن سلول الذي طاملا أدخل احلزن على احلبيب رسول اهلل وجىن على خلق كثريين من‬
‫أتباعه‪...‬فبدل أن يكونوا صحابة يف عليني هوى هبم إىل الدرك األسفل يف الدنيا واآلخرة‬
‫مالعني‪.‬‬

‫إىل عبد اهلل بن س بأ‪...‬الس اعي خببثه بني الص حابة األخي ار حىت أوقع الفتنة بني‬
‫بعض هم‪...‬وأسس الطائفة اليت مجعت زي اإلس الم على قل وب اجملوس ف أذاقت وما زالت‬
‫تذيق أمة اإلسالم ألوان العذاب‪.‬‬

‫إىل بعض األم راء أي ام الص ليبيني ويف عهد مل وك الطوائف باألن دلس‪...‬من تلبس وا‬
‫بص فات املن افقني فح ادوا عن حكم اهلل و وال وا أع داء اهلل وك ذبوا على رعيتهم وعطل وا‬
‫وسبِيَت‪...‬‬
‫اجلهاد يف سبيل اهلل‪...‬فذلت األمة على أيديهم ومتزقت وأريق دمها ُ‬

‫(‪)5‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫إىل "حممد بن حممد مؤيد ال دين" ابن العلقمي‪...‬ال ذي خ ان حمم دا ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم يف أمة حممد‪ ،‬وأيد الترت ومرق من الدين‪ ،‬وأذاق املسلمني العلقم‪...‬‬

‫إىل "حممد بن حممد نصري ال دين" الطوس ي‪...‬ويا ليت املس لمني يكف ون عن االغ رتار‬
‫بالظواهر‪ ،‬فال يُذهب غيظ قلوهبم على املنافقني أن يسمعوا هلم أمساء إسالمية‪ ...‬فتحسن‬
‫هبم الظن ون وتلني هلم القل وب‪...‬وليس املن افقون ل ذلك بأه ل‪...‬ف األول عبد اهلل‪ ،‬والث اين‬
‫عبد اهلل‪ ،‬والث الث والرابع حمم د‪...‬ال حممد فحس ب‪ ،‬بل حممد بن حمم د! وكلهم ع دو هلل‬
‫تعاىل ولرسوله حممد صلى اهلل عليه وسلم‪...‬‬

‫إىل مجعيات النفاق اليت أوهنت الدولة العثمانية‪...‬فكانت الثمرة إلغاء اخلالفة وجعل‬
‫املسلمني أيتاما على موائد اللئام‪.‬‬

‫ويف كل س احة جه اد قدمية وحديث ة‪...‬ن رى من اجملاه دين ص نوف البطولة‬


‫والثبات‪...‬ويكادون يقطفون مثرة النصر على الرغم من قلة عددهم وعُ ددهم‪...‬فتمتد يد‬
‫الغ در النفاقية لتطعن يف ظه ورهم وتقر أعني الك افرين‪" ...‬فالكفر الظ اهر على خط ره‬
‫وضرره يعجز يف كل مرة يواجه فيها أمة اإلسالم أن ينفرد بإحراز انتصار شامل عليها ما‬
‫مل يكن مسنوداً بطابور خامس من داخل أوطان املسلمني ويتسمى بأمساء املسلمني‪ ،‬ميد‬
‫األع داء ب العون‪ ،‬وخيلص هلم يف النص يحة‪ ،‬ويزيل من أم امهم العقب ات‪ ،‬ويفتح األب واب"‬
‫(عبارة مقتبسة مل أعرف كاتبها األصلي)‪.‬‬

‫حقائق خطيرة عن النفاق يجهلها عامة الناس‪:‬‬

‫إنه مثة حق ائق ال بد من معرفتها لئال متر حالة من ح االت النف اق دون تش خيص‪.‬‬
‫ف املرء قد ي رى يف نفسه خ ريا ينكر ألجله أن عن ده نفاق ا‪ ،‬وما ذلك إال جلهله أن النف اق‬
‫يتج زأ وليس على درجة واح دة‪ .‬وقد متر به أي ام يق وى فيها إميانه فيس تبعد ألجلها أن ما‬
‫يتلبس به يف أي ام أخ رى هو ص فات نفاقي ة‪ .‬وما ذلك إال جلهله أن املرء قد يتقلب بني‬
‫اإلميان والنف اق‪ .‬وقد يطمئن إىل إرادته اخلري وحيسب أن لو ك ان منافقا َلعلِم من نفسه‬
‫النف اق‪ .‬وما ذلك إال جلهله أن املرء قد يك ون منافقا من حيث ال يعلم‪ ،‬إىل حد أن‬
‫الصحابة خافوا على أن أنفسهم أن يكون فيهم نفاق ال يعلمونه لشدة خفائه‪.‬‬

‫وعامة الن اس يتص ورون أن النف اق إمنا يك ون من ش خص ال خري فيه البت ة‪ ،‬وليس يف‬
‫قلبه ذرة إميان‪ ،‬و يبيت لإلسالم عداوة وبغضاء خيشى اطالع الناس عليهما‪.‬‬

‫(‪)6‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫وحقيقة األمر أن املن افقني ال ذين ه ذا ح اهلم قل ة‪ .‬ل ذا فالنف اق ال ذي هو أقل ح دة‬
‫ووضوحا أخطر لكثرة انتشاره وخفائه حىت على أصحابه يف أكثر األحيان‪ .‬فهم ال يرون‬
‫آيات النفاق تتحدث عنهم‪.‬‬

‫وألجل ذلك كله أحببنا أن نس تدل على حق ائق عامة عن النف اق قبل اخلوض يف‬
‫صفات النفاق تفصيال‪ .‬وهذه احلقائق هي‪:‬‬

‫‪ )1‬النفاق يتجزأ وليس على درجة واحدة‪.‬‬


‫‪ )2‬قد يتقلب املرء بني اإلميان والنفاق‪.‬‬
‫‪ )3‬قد يكون املرء منافقا من حيث ال يعلم‪.‬‬
‫‪ )4‬خاف الصحابة النفاق لشدة خفائه‪.‬‬

‫‪ )1‬النفاق يتجزأ وليس على درجة واحدة‪:‬‬

‫وقد جيمع املرء بني نفاق وإميان‪.‬‬

‫ا) ولذا قال اهلل تعاىل واصفا موقف املنافقني يوم أحد‪:‬‬

‫((هم للكفر يومئذ أقرب منهم لإلميان))‪.‬‬

‫قال ابن كثري‪ :‬استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به األحوال‪ ،‬فيكون يف حال‬
‫أقرب إىل الكفر‪ ،‬ويف حال أقرب إىل اإلميان‪.‬‬

‫وأحب أن أبني بداية أنين ال أذكر تفاسري بعض العلم اء يف ه ذا الكت اب اس تدالال‬
‫على أن معىن اآلية هو ما أذك ره يف موض عه‪...‬فاآلي ات كلها واض حة الداللة واحلمد هلل‪.‬‬
‫وإمنا أذكر أق وال العلم اء أحيانا ليعلم قارئنا أننا ال ن أيت مبا خيالف منهج أهل الس نة‪ .‬وإال‬
‫فقد فهمنا من اآلي ات ما قاله العلم اء قبل ق راءة أق واهلم لوض وح داللتها واحلمد هلل‪ .‬فال‬
‫يظنن ظان إن ذكرنا بعض أهل العلم أننا حنمل اآليات على فهمهم دون غريهم‪.‬‬

‫ف انظر كيف أن اهلل تع اىل قد جعل اإلميان يف ه ذه اآلية يف ط رف والكفر يف ط رف‬


‫آخ ر‪ .‬واملن افقون‪-‬يف ي وم أح د‪-‬ك انوا بني الط رفني لكنهم ك انوا إىل الكفر أق رب‪ .‬وقد‬
‫ُحد فك انوا ت ارة إىل اإلميان أق رب وت ارة إىل الكفر‬
‫تقلبت ببعض هم األح وال قبل وبعد أ ُ‬
‫أقرب‪.‬‬

‫(‪)7‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫‪-‬ق ال ابن تيمية يف قوله تع اىل‪(( :‬هم للكفر يومئذ أق رب منهم لإلميان))‪ :‬فقد جعل‬
‫ه ؤالء إىل الكفر أق رب منهم لإلميان فعلم أهنم خملط ون وكف رهم أق وى وغ ريهم يك ون‬
‫خملطا وإميانه أق وى‪...‬ف بني س بحانه وتع اىل ‪ :‬أن الش خص الواحد قد يك ون فيه قسط من‬
‫والية اهلل حبسب إميانه وقد يك ون فيه قسط من ع داوة اهلل حبسب كف ره ونفاقه (أولي اء‬
‫ال رمحن وأولي اء الش يطان البن تيمية اجلزء األول ص‪ .23‬وقد اطلعت على ه ذا النص‬
‫ألول مرة يف ‪ 2007-7-14‬فوافق فهمي متاما واحلمد هلل رب العاملني)‪.‬‬

‫ب) قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة‬
‫من النفاق حىت يدعها)) (متفق عليه)‪.‬‬

‫ف انظر كيف أنه عليه الص الة والس الم قد بني أن املرء قد يتلبس بص فات جتعل فيه‬
‫شيئا من نفاق مع أنه ليس مبنافق خالص‪.‬‬

‫وينبغي أن ن ذكر أن بعض ش راح ه ذا احلديث استش كلوا ه ذا احلديث من حيث أن‬
‫ه ذه اخلص ال قد توجد يف املس لم املص دق بقلبه ولس انه واإلمجاع حاصل أنه ال حيكم له‬
‫بنف اق جيعله يف ال درك األس فل من الن ار هلذه الص فات‪ .‬وخرج وا من ه ذا االستش كال‬
‫بت أويالت كاعتب ار النف اق املذكور نفاقا عمليا ال اعتقادي ا‪ .‬وبالت ايل فهو ليس نفاقا خمرجا‬
‫من امللة‪.‬‬

‫غري أننا يف هذا الكتاب ال نتعرض هلذا التفريق بني النفاق االعتقادي والنفاق العملي‬
‫ألن ه ذا التفريق إمنا حيسن ذك ره ملنع املس لمني من الوق وع يف اإلف راط بتكفري من تلبس‬
‫بشيء من هذه الصفات‪ .‬وحنن يف هذا الكتاب لسنا نتصدر للحكم على من تلبس بصفة‬
‫نف اق ب الكفر أو اإلميان احلكمي أو احلقيقي‪ ،‬فه ذا مبحث حيت اج إىل مزيد علم‬
‫واستفصال‪ .‬إمنا حنن هنا معنيون بالزجر عن صفات النفاق‪ ،‬فيحسن يف مثل هذا املقام أن‬
‫نطلق النف اق كما أطلقه اهلل تع اىل ورس وله ص لى اهلل عليه وس لم ليك ون الزجر كما أريد‬
‫ل ه‪ ،‬ولئال ت ركن النف وس وتقل نفرهتا عن ص فات املن افقني إن قيل إن ه ذه الص فة أو تلك‬
‫نفاق عملي ال خيرج من امللة‪.‬‬

‫ج) روى اإلم ام أمحد عن أيب س عيد ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫القل وب أربعة قلب أج رد فيه مثل الس راج يزهر وقلب أغلف مرب وط على غالفه وقلب‬

‫(‪)8‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫منك وس وقلب مص فح فأما القلب األج رد فقلب املؤمن س راجه فيه ن وره وأما القلب‬
‫األغلف فقلب الكافر وأما القلب املنكوس فقلب املنافق عرف مث أنكر وأما القلب املصفح‬
‫فقلب فيه إميان ونف اق فمثل اإلميان في ه كمثل البقلة ميدها املاء الطيب ومثل النف اق فيه‬
‫كمثل القرحة ميدها القيح والدم فأي المادتني غلبت على األخرى غلبت عليه) (قال ابن‬
‫كثري يف إسناده‪ :‬وهذا إسناد جيد حسن‪ .‬وضعفه األلباين)‪ .‬فانظر كيف أنه عليه الصالة‬
‫والسالم َّفرق بني املنافق اخلالص والقلب الذي مجع إميانا ونفاقا يتغالبان‪.‬‬

‫ول ذا ق ال ابن كثري يف تفسري أوائل س ورة البق رة‪...( :‬ومن افقون‪ ،‬وهم قس مان‪:‬‬
‫ُخلَّص‪ ،‬وهم املض روب هلم املثل الن اري‪ ،‬ومن افقون ي رتددون‪ ،‬ت ارة يظهر هلم ملع اإلميان‬
‫وتارة خيبو‪ ،‬وهم أصحاب املثل املائي‪ ،‬وهم أخف حاال من الذين قبلهم) اهـ‪.‬‬

‫ويقصد باملثل الناري قوله تعاىل ((مثلهم كمثل الذي استوقد نارا)) واملثل املائي ((أو‬
‫كص يب من الس ماء))‪ .‬ويقصد بقول ه‪ :‬ت ارة يظهر هلم ملع اإلميان قوله تع اىل ((كلما أض اء‬
‫هلم مش وا فيه وإذا أظلم عليهم ق اموا))‪ .‬وه ذا الص نف املرتدد ن راه يف واقعنا من أن اس‬
‫يتكلم ون بكالم املتش ككني يف ش رائع من ش رائع اإلس الم كتع دد الزوج ات واحلدود‬
‫ومرياث املرأة‪ .‬لكنهم إن أوقع أعداء اإلسالم باألمة ظلما جديدا أحسوا بأهنم مستهدفون‬
‫وزاد متايز احلق عن دهم من الباطل فق وي إمياهنم وأظه روا على ال دين غ رية‪ .‬لكنهم ما‬
‫يلبثون أن يعودوا إىل ما كانوا فيه من تشكك وريبة‪.‬‬

‫وههنا تنبي ه‪ .‬وهو أنه ليس ش رطا أن ينطبق النص يف املن افقني بكامل جزئياته على‬
‫أح دنا حىت يش عر أنه خياطب ه‪ .‬وبالت ايل ف إذا ق رأ ق ارئ آي ات تصف املن افقني وأحس بداية‬
‫بانطب اق الص فات عليه مث ج اءت ص فة يف اآلي ات ال تنطبق فال ينبغي أن يش عره ذلك أن‬
‫اآلي ات ال تعني ه‪ .‬بل له من الوعيد ومن حتقق اسم النف اق فيه بق در انطب اق اآلي ات علي ه‪،‬‬
‫وله من اإلميان بقدر خمالفتها حلاله‪.‬‬

‫جتد مثل ه ذا الفهم يف تعامل الص حابة مثال مع اآلي ات اليت تصف الكف ار‪ .‬ففي‬
‫احلديث الذي رواه احلاكم وقال فيه الذهيب يف التلخيص (على شرط البخاري ومسلم) أن‬
‫سعدا رضي اهلل عنه إستأذن على ابن عامر و حتته مرافق من حرير فأمر هبا فرفعت فدخل‬
‫عليه و عليه مط رف خز فق ال له ‪ :‬استأذنت علي و حتيت مرافق من حرير فأمرت فرفعت‬
‫فق ال له ‪ :‬نعم الرجل أنت يا ابن ع امر إن مل تكن ممن ق ال اهلل عز و جل ‪ { :‬أذهبتم‬
‫طيب اتكم يف حي اتكم ال دنيا }‪ .‬و اهلل ألن أض طجع على مجر الغضا أحب إيل من أن‬
‫اضطجع عليها‪.‬‬

‫(‪)9‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫ف انظر كيف أن ه ذه اآلية أُن زلت يف الكف ار ((ويوم يعرض الذين كف روا على الن ار‬
‫أذهبتم طيب اتكم يف حي اتكم ال دنيا واس تمتعتم هبا ف اليوم جتزون ع ذاب اهلون مبا كنتم‬
‫تس تكربون يف األرض بغري احلق ومبا كنتم تفس قون)) لكن ذلك مل مينع س عدا رضي اهلل‬
‫عنه من زجر ابن ع امر هبا ملش اهبة يف جزئية من اآلية مع أن ابن ع امر ليس من ((ال ذين‬
‫كفروا))‪.‬‬

‫وك ذلك إي راد أهل الس نة لقوله تع اىل (( ما س لككم يف س قر(‪ )42‬ق الوا مل نك من‬
‫املص لني (‪ )) )43‬يف مع رض ت رهيب املنتس بني إىل اإلس الم عن ت رك الص الة‪ ،‬مع أن تتمة‬
‫الص فات املذكورة يف جمموعة ه ذه اآلي ات ((وكنا نك ذب بي وم ال دين))‪ ،‬وهي ص فة ال‬
‫تنطبق على كثري من تاركي الصالة‪.‬‬

‫‪ )2‬قد يتقلب المرء بين اإليمان والنفاق‪:‬‬

‫وكما أن اإلميان يزيد وينقص‪-‬وه ذه عقي دة أهل الس نة واجلماع ة‪ -‬فك ذلك النف اق‬
‫يزيد وينقص‪.‬‬

‫ا) فقد وصف اهلل تع اىل املن افقني بقول ه‪(( :‬مذب ذبني بني ذلك ال إىل ه ؤالء وال إىل‬
‫هؤالء))‬

‫قال ابن كثري يف تفسريها‪( :‬ومنهم من يعرتيه الشك‪ ،‬فتارة مييل إىل هؤالء وتارة مييل‬
‫إىل أولئك)اهـ‪.‬‬

‫وميل املن افق إىل املؤم نني إما أن يك ون عن زي ادة طارئة يف إميانه أو لغلبة دنيوية يف‬
‫صراع املؤمنني مع الكفار واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬

‫ب) وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬مثل املنافق كمثل الشاة العائرة بني‬
‫الغنمني‪ ،‬تعري إىل هذه مرة‪ ،‬وإىل هذه مرة‪ ،‬وال تدري أيتهما تتبع)) (مسلم)‪.‬‬

‫ج) عن جبري بن نفري أنه مسع أبا الدرداء وهو يف آخر صالته وقد فرغ من التشهد ‪،‬‬
‫يتعوذ باهلل من النفاق ‪ .‬فأكثر التعوذ منه‪ .‬فقال جبري‪ :‬ومالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟‬
‫فق ال‪( :‬دعنا عنك دعنا عن ك‪ .‬فواهلل إن الرجل ليقلب عن دينه يف الس اعة الواح دة فيخلع‬
‫منه) (قال الذهيب يف سري أعالم النبالء‪ :‬إسناده صحيح)‪.‬‬

‫‪ )3‬قد يكون المرء منافقا وهو ال يعلم‪:‬‬

‫(‪)10‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫ا) قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((ولئن س ألتهم ليق ولن إمنا كنا خنوض ونلعب قل أباهلل وآياته ورس وله كنتم‬
‫تستهزئون ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم))‬

‫وهذه اآلية ضمن آيات متتابعة كثرية تتحدث عن املنافقني‪ .‬قال ابن تيمية‪:‬‬

‫(ف دل على أهنم مل يكون وا عند أنفس هم قد أت وا كف را بل ظن وا أن ذلك ليس بكفر‪.‬‬


‫فبني أن االستهزاء باهلل وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إميانه فدل على أنه كان‬
‫عندهم إميان ضعيف ففعلوا هذا احملرم الذى عرفوا أنه حمرم ولكن مل يظنوه كفرا‪ .‬وكان‬
‫كف را كفروا به) (جمموع الفتاوى‪-‬اجلزء السابع ص‪ .220‬وفيه مبحث قيم للت دليل على‬
‫صحة ما ذهب إليه فراجعه)‪.‬‬

‫ب) يف البخاري‪ :‬باب‪ :‬خوف املؤمن من أن حيبط عمله وهو ال يشعر‬

‫ج) قال ابن القيم‪( :‬وأما النفاق‪ :‬فالداء العضال الباطن الذى يكون الرجل ممتلئا منه‬
‫وهو ال يشعر) (مدارج السالكني‪-‬اجلزء األول ص‪)347‬‬

‫فكما أن م ريض الفم ال حيسن الت ذوق ف إن ه ؤالء مرضى القل وب ف ريون الفس اد‬
‫صالحا‪:‬‬

‫أَال إِن َُّه ْم ُه ُم‬ ‫ص لِ ُحو َن‬


‫ض قَ الُواْ إِمَّنَا حَنْ ُن ُم ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ َوإِ َذا قي ِ َل هَلُ ْم الَ ُت ْفس ُدواْ ىِف ْ‬
‫ٱالر ِ‬
‫ٱلْ ُم ْفس ُدو َن َولَـٰكن الَّ يَ ْشعُُرو َن‬

‫د) واآلي ات الدالة على ان املرء قد يس يء وهو حيسب أنه حمسن كث رية‪ ،‬كقوله‬
‫تعاىل‪:‬‬

‫‪(( -‬ومن يعش عن ذكر ال رمحن نقيض له ش يطانا فهو له ق رين (‪ )36‬وإهنم‬
‫ليصدوهنم عن السبيل وحيسبون أهنم مهتدون (‪)) )37‬‬

‫وكقوله تعاىل‪:‬‬

‫‪(( -‬أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا))‬

‫(‪)11‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫هـ) قوله ص لى اهلل عليه وس لم‪(( :‬آية املن افق ثالث وإن ص لى وص ام وزعم أنه‬
‫مس لم)) (ص حيح مس لم)‪ .‬فبعض من (زعم أنه مس لم) قد يص دق زعمه ه ذا ملا يرى من‬
‫صالة نفسه وصيامها وال شعر بنفاقه‪.‬‬

‫‪ )4‬خاف الصحابة على أنفسهم من النفاق‪:‬‬

‫ا) فقد روى البخ اري عن ابن أيب مليك ة‪ ,‬ووهو من كب ار الت ابعني أنه ق ال‪:‬‬
‫(أدركت ثالثني من أص حاب النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬كلهم خياف النف اق على‬
‫نفسه)‪.‬‬

‫ب) قال عمر حلذيفة ـ أمني سر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف املنافقني رضي‬
‫اهلل عنهم ا‪ :‬ناش دتك باهلل هل مساين رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فيهم؟ فق ال‪ :‬ال‪،‬‬
‫وال أزكي بعدك أحداً‪.‬‬

‫عند مساع ه ذه اآلث ار فإننا نقف ع ادة عند اإلعج اب ب ورع الص حابة واعتب ار أهنم‬
‫كانوا خيافون النفاق (زيادة عن اللزوم)‪ .‬لكن ليس هذا ما ينبغي أن يفهم منها‪ .‬فالصحابة‬
‫أفقه األم ة‪ ،‬وهم بالت ايل يعط ون األم ور أوزاهنا املناس بة وخيافون مما جيب اخلوف من ه‪.‬‬
‫فخوفهم هذا يُشعر خبفاء النفاق إىل احلد الذي ميكن معه أن يوجد يف النفس وال يشعر به‬
‫ص احبه‪ .‬فج دير هبم أن خيافوه وحنن ب ذلك أج در‪ .‬فكلما زاد إميان املرء وفقهه بطبيعة‬
‫النفاق زاد خوفه منه‪.‬‬

‫ج) ُي ذكر عن احلسن البص ري أنه ق ال‪( :‬ما خافه إال م ؤمن وال أمنه إال من افق)‬
‫(البخاري)‪ .‬أي‪ :‬ما خاف النفاق إال مؤمن وال أمن النفاق إال منافق‪.‬‬

‫د) قال ابن رجب يف فتح الباري (‪:)179 ، 178 /1‬‬

‫(قال ابن سريين‪ :‬ما يف القرآن آية أخوف عندي من هذه ((ومن الناس من يقول‬
‫آمنا باهلل وب اليوم اآلخر وما هم مبؤم نني))‪.‬وق ال أي وب (أي‪ :‬الس ختياين)‪ :‬كل آية يف‬
‫الق رآن فيها ذكر النف اق أخافها على نفسي ‪ ،‬وق ال معاوية بن ق رة ‪ :‬ك ان عمر خيش اه‬
‫وآمنه أنا؟)‬

‫وهؤالء مجيعا من أئمة التابعني‪.‬‬

‫(‪)12‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فه ذه حق ائق أربعة عن طبيعة النف اق أحببت أن أق دم هبا بني ي دي احلديث عن‬
‫صفات املنافقني‬

‫صفات المنافقين‪:‬‬

‫الشك يف الدين‬ ‫‪)1‬‬


‫اإلعراض عن االحتكام إىل كتاب اهلل تعاىل وسنة رسوله صلى اهلل‬ ‫‪)2‬‬
‫عليه وسلم‬
‫مواالة اليهود والنصارى والكافرين عموما‬ ‫‪)3‬‬
‫تغيري الوالء حبسب ميزان القوى‬ ‫‪)4‬‬
‫الكذب‬ ‫‪)5‬‬
‫التخلف عن اجلهاد‬ ‫‪)6‬‬
‫ثقل العبادات على النفس‬ ‫‪)7‬‬
‫الشك يف وعد اهلل بالنصر والتمكني هلذا الدين‬ ‫‪)8‬‬
‫احلرص على الدنيا والتسخط عند البالء‬ ‫‪)9‬‬
‫القبول بعيشة الذل‬ ‫‪)10‬‬
‫تشويه مسعة الدعاة واملصلحني‬ ‫‪)11‬‬
‫قلة األدب مع اهلل وكتابه ورسوله وأصحاب رسول اهلل‬ ‫‪)12‬‬
‫إخالف العهد مع اهلل‬ ‫‪)13‬‬
‫الفتنة وتفرقة أمة حممد على أسس جاهلية‬ ‫‪)14‬‬
‫قسوة القلب جتاه القرآن‬ ‫‪)15‬‬
‫اإلعراض عن التوبة‬ ‫‪)16‬‬
‫نسيان اهلل تعاىل‬ ‫‪)17‬‬
‫األمن من مكر اهلل‬ ‫‪)18‬‬
‫استصغار املعصية واستعظام الطاعة‬ ‫‪)19‬‬
‫الفجور عند اخلصومة‬ ‫‪)20‬‬
‫الرياء‬ ‫‪)21‬‬
‫تعريض النفس للفنت‬ ‫‪)22‬‬

‫******************************‬

‫(‪)13‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫‪ )1‬الشك في الدين‬

‫فاملن افق قد يشك يف وج ود اهلل أو يف نب وة رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أو يف‬


‫صالحية اإلسالم للحياة‪.‬‬

‫وصفة الشك أهم صفات النفاق ألهنا أصل كل شر‪ ،‬وهي سبب الصفات النفاقية‬
‫األخرى كما سرتى‪.‬‬

‫الدليل على أن المنافق يشك في الدين‪:‬‬

‫قال اهلل تعاىل واصفا املنافقني‪(( :‬يف قلوهبم مرض فزادهم اهلل مرضا))‪ .‬قال املفسرون‬
‫يف معىن املرض‪ :‬هو الشك‪ .‬وهذا القول نقله ابن كثري عن عدد من الصحابة‪.‬‬

‫وق ال تع اىل يف آية االس ور املض روب بني املن افقني واملؤم نني‪(( :‬ق الوا بلى ولكنكم‬
‫فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم)) فريبهم شكهم‪.‬‬

‫وق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم موض حا خط ورة ه ذا الش ك‪(( :‬وثالثة ال‬
‫تسأل عنهم ‪ :‬رجل نازع اهلل عز وجل رداءه فإن رداءه الكربياء وإزاره العزة ورجل شك‬
‫يف أمر اهلل والقن وط من رمحة اهلل)) ( ص حيح )‪ .‬وقوله ((ال تس أل عنهم)) يوضح أهنم‬
‫هلكى‪.‬‬

‫سبب كل الصفات األخرى‬

‫فاملنافقون لشكهم‪:‬‬

‫رفض وا مرجعية الش ريعة‪(( :‬وإذا دع وا إىل اهلل ورس وله ليحكم بينهم إذا فريق منهم‬
‫معرضون وأن يكن هلم احلق يأتوا إليه مذعنني أيف قلوهبم مرض أم ارتابوا))‬

‫نكص وا عن اجله اد‪(( :‬إمنا يس تأذنك ال ذين ال يؤمن ون باهلل والي وم اآلخر وارت ابت‬
‫قلوهبم فهم يف ريبهم يرتددون))‬

‫وال وا الكف ار‪(( :‬ولو ك انوا يؤمن ون باهلل والنيب وما أن زل إليه ما اختذوهم أولي اء))‬
‫(املائدة)‬

‫(‪)14‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫تكاس لوا عن الطاع ات‪(( :‬ولو يعلم ون ما فيهم ا‪-‬أي‪ :‬ص اليت الفجر والعش اء‪-‬‬
‫ألتومها ولو حبوا)) لكن لشكهم يف وجود هذا اجلزاء أصال تكاسلوا‪.‬‬

‫الشك يجعل حسابات المنافق أرضية‬

‫فش كه يُض عف عن ده التوكل على اهلل وانتظ ار املثوبة والعقوبة األخ رويني فيغش و‬
‫يرتشي ويفعل ما يرى فيه أمانا حلياته حل أم حرم‪.‬‬

‫سيقول قائل‪ :‬فما ذنب المنافق إذن؟‬

‫إن الن اس ال جيدون ص عوبة يف االقتن اع ب أن منكر اإلس الم وجاح ده ك ربا يس تحق‬
‫العقوب ة‪ .‬لكن الكث ريين يتس اءلون‪ :‬إن ك ان إنس ان قد اس تعرض اإلس الم وفكر فيه فلم‬
‫يقتنع بوج ود اهلل تع اىل أو نب وة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم مع أنه ح اول أن يك ون‬
‫منصفا‪ ،‬أو شك يف صحة هذا الدين‪ ،‬فما ذنبه؟‬

‫واجلواب عن ذلك أن اهلل تعاىل قد أعطى كل إنسان قلبا سليما ال بد أن يستحسن‬


‫اإلسالم‪ .‬فأي قلب سليم ال حيب قول اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((إن اهلل ي أمر بالع دل واإلحس ان وإيت اء ذي الق رىب وبنهى عن الفحش اء واملنكر‬
‫والبغي يعظكم لعلكم تذكرون))؟‬

‫وأي قلب ه ذا ال ذي ال حيب قول اهلل تع اىل‪(( :‬إن اهلل ي أمركم أن ت ؤدوا األمان ات‬
‫إىل أهلها وإذا حكمتم بني الناس أن حتكموا بالعدل))‬

‫ف القلب ال ذي ال يقتنع ب دين اهلل تع اىل قلب م ريض أفس ده ص احبه باملعاصي‪ ،‬كما‬
‫تفسد احلواس بتعريضها ملا يؤذيها‪:‬‬

‫ومن يك ذا فم مر مريض جيد مرا به املاء الزالال‬

‫ف العيب ليس يف دين اهلل وال عن نقص حجة فيه ((قل فلله احلجة البالغ ة))‪ ,‬واهلل‬
‫تع اىل قد فطر الن اس مجيعا على االجنذاب لدين ه‪(( :‬وإذ أخذ ربك من بين آدم من‬
‫ظه ورهم ذريتهم وأش هدهم على أنفس هم ألست ب ربكم ق الوا بلى ش هدنا أن تقول وا ي وم‬
‫القيامة إنا كنا عن هذا غافلني * أو تقولوا إمنا أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم‬
‫أفتهلكنا مبا فعل املبطلون))‪ .‬إمنا العيب يف القلب الذي يستقبح دين اهلل وال يقتنع به‪.‬‬

‫(‪)15‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫مرض القلب ناتج عن المعاصي‪:‬‬

‫فم رض القلب إذا مكتسب باملعاص ي‪ .‬واألدلة على ذلك يف الق رآن والس نة كث رية‬
‫جدا منها قول اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((فما لكم يف املن افقني فئ تني واهلل أركس هم مبا كس بوا)) (النس اء) أي ردهم‬
‫وأوقعهم يف اخلطأ والكفر بسبب معاصيهم‪ .‬وقوله تعاىل‪:‬‬

‫ومنها قوله تع اىل‪ (( :‬ذلك ب أهنم آمن وا مث كف روا فطبع على قل وهبم فهم ال يفقهون‬
‫)) (املنافقون) فالكفر أكرب املعاصي‪.‬‬

‫ومنها قوله تع اىل‪(( :‬كيف يه دي اهلل قوما كف روا بعد إمياهنم وش هدوا أن الرس ول‬
‫حق وجاءهم البينات واهلل ال يهدي القوم الظاملني (‪( )))86‬آل عمران)‪.‬‬

‫يوضح اهلل احلق لإلنسان ويدركه اإلنسان ولو لفرتة قصرية‪ .‬لكن اإلنسان إذا تعامى‬
‫وآثر الدنيا وحظوظ النفس أو استكرب َم ِرض قلبه فنسي هذا اليقني الذي تبدى له‪ .‬يدل‬
‫على ذلك قول اهلل تعاىل‪(( :‬ونقلب أفئدهتم وأبصارهم كما مل يؤمنوا به أول مرة ونذرهم‬
‫يف طغياهنم يعمهون (‪)) )110‬‬

‫فليحذر امرؤ أن يتعامى عن حق ذاق طعمه حلظة وإال فقد ينساه بقية حياته‪.‬‬

‫ومنها قول اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((فلما زاغوا أزاغ اهلل قلوهبم)) وقوله تعاىل‪:‬‬

‫((أف رأيت من اختذ إهله ه واه وأض له اهلل على علم وختم على مسعه وقلبه وجعل على‬
‫بصره غشاوة فمن يهديه من بعد اهلل)) وقوله تعاىل‪:‬‬

‫((ال ي زال بني اهنم ال ذي بن وا ريبة يف قل وهبم)) أي أن بن اء املن افقني ملس جد الض رار‬
‫أورثهم ش كا ونفاقا يف قل وهبم‪ .‬وهلذا فعلى املرء أن حيذر من فعل معص ية قد تزيد م رض‬
‫قلبه وش كه ما دامت آثارها قائمة مع أن ص احبها قد يك ون نس يها فال ينتبه إىل ه ذا‬
‫املصدر من مصادر مرض قلبه‪.‬‬

‫ومن أدلة السنة النبوة على أن املعاصي تورث مرض القلب وبالتايل الشك يف الدين‬
‫قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫(‪)16‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((من مسع الن داء ي وم اجلمعة فلم يأهتا‪ ،‬مث مسعه فلم يأهتا‪ ،‬مث مسعه فلم يأهتا‪ ،‬طبع اهلل‬
‫على قلب ه‪ ،‬وجعل قلبه قلب من افق)) (أخرجه أبو يعلى وال بيهقي وق ال ابن حج ر‪ :‬رجاله‬
‫ثقات‪ ،‬وصححه ابن املنذر وحسنه األلباين)‪.‬‬

‫وك ذلك ح ديث ع رض الفنت على القل وب كع رض احلصري وح ديث ال ران‪ .‬وه ذه‬
‫اآلي ات واألح اديث ت دل على أن فتنة الش هوة تق ود إىل فتنة الش بهة‪ ،‬وأن املعاصي ختدش‬
‫العقيدة‪ .‬فال يغرتن امرؤ بقوله أنه وإن كان مقيما على معصية إال أن إميانه يف قلبه كامل‪.‬‬
‫ومن ظن أن بإمكانه اإلس راف على نفسه من املعاصي دون أن يت أثر إميانه بأدراهنا فقد‬
‫وقع بظنه هذا يف كبرية جديدة‪ ،‬وهي األمن من مكر اهلل تعاىل القائل‪:‬‬

‫((فليحذر الذين خيالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)) وشر فتنة‬
‫أن مترض قلوهبم ملخالفتهم أمر اهلل ورسوله فيصيبها كفر أو نفاق‪.‬‬

‫فمن ظن نفسه مفلتا من ه ذه العقوب ة‪ ،‬وفعل املعص ية وهو يق ول‪ :‬لن يع اقبين اهلل‬
‫مبرض القلب يك ون قد انطبق عليه ق ول ابن مس عود رضي اهلل عن ه‪(( :‬الكب ائر ‪ :‬اإلش راك‬
‫باهلل واألمن من مكر اهلل والقنوط من رمحة اهلل واليأس من روح اهلل))‬

‫فمحصل المس ألة أن المعص ية تق ود إلى م رض القلب‪ ،‬وال ذي ب دوره يق ود إلى‬


‫الشك في الدين‪ ،‬والشك بدوره يقود إلى الصفات النفاقية األخرى‬

‫وسنربهن على هذا التسلسل يف حتت الصفات النفاقية األخرى بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬

‫كيف تقود المعصية إلى مرض القلب والشك في الدين؟‬

‫إن العاصي يضائل نداء اإلميان يف قلبه ثالث مرات‪ :‬قبل ممارستة املعصية ليُقبل على‬
‫املعص ية‪ ،‬مث أثن اء ممارس تها ليس تمتع هبا‪ ،‬مث بعد االنته اء منها ليتجنب الن دم على فعله ا‪.‬‬
‫عملية "التحجيم" هذه إذا كثرت قمعت إميان قلبه وأورثته مرضا وشكا‪.‬‬

‫كما أن العاصي إذا ت أخرت عقوبته قد حيمد اهلل تع اىل على لطفه بداي ة‪ .‬لكن إن‬
‫واقع معصيته مرارا ومل ير عقوبة فقد يشك يف وجود الثواب والعقاب أصال‪.‬‬

‫أال ترى أن الطفل إن أقدم على ما ُزجر عنه فلم ير ضررا عاجال اجرتأ عليه‪ ،‬مث بدأ‬
‫يشك يف ترتب الضرر على هذا الفعل أصال؟‬

‫(‪)17‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫وهلذا ملا اج رتأ يه ود على ال دعاء على النيب ص لى اهلل عليه وس لم بق وهلم (الس ام‬
‫عليك) ومل يُعاجلوا بعقوبة شكوا يف نبوته بعدما كانوا متيقنني منها‪:‬‬

‫((وإذا جاؤوك حيوك مبا مل حييك به اهلل ويقولون يف أنفسهم لوال يعذبنا اهلل مبا نقول‬
‫حسبهم جهنم يصلوهنا فبئس املصري (‪)) )8‬‬

‫أي‪ :‬يقولون يف أنفسهم لو كان هذا نبيا لعذبنا اهلل مبا نقول له‪.‬‬

‫في المقابل تقود الطاعة إلى اليقين‪:‬‬

‫فص احب الطاعة يس تجمع إميانه ليدفعه إىل فعل الطاعة قبل فعلها مث ليس تمر عليها‬
‫أثناء أدائها مث ليفرح هبا بعد االنتهاء منها‪.‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪(( :‬ومثل الذين ينفقون أمواهلم يف سبيل اهلل وتثبيتا من أنفسهم كمثل‬
‫جنة بربوة)) فاإلنفاق يُثَبِّتهم على اإلميان‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪(( :‬ولو أهنم فعلوا ما يوعظون به لكان خريا هلم وأشد تثبيتا))‬

‫ويف احلالني‪ ،‬يف حال املؤمن واملنافق‪ ،‬يسكب اهلل اإلميان يف قلب من شاء‪(( :‬ويزيد‬
‫اهلل ال ذين اهت دوا ه دى)) ويضل من يش اء‪ .‬فش يء من زي ادة اهلدى والض الل قد نفهم‬
‫س ببه وعمليته النفس ية‪ ،‬لكن اهلدى واإلض الل بيد اهلل تع اىل أوال وآخ را ((ال يُس أل عما‬
‫يفعل وهم يُسألون))‪.‬‬

‫فإذا علم االرتباط بني املعص ية والشك يف الدين ظهر لنا بطالن دعوى العاصي أنه‬
‫وإن ك ان يعصي إال أن إميانه القليب كام ل‪ .‬وإين أعلم رجال ش كا إيل أج واء عمله‬
‫املختلطة اليت فيها تربج شديد حيس منه باالفتتان‪ .‬فنصحته برتك عمله فرد بأنه قد عود‬
‫أس رته على مس توى من املعيشة يتطلب دخال عاليا فال ميكنه ال نزول عن ه‪ .‬وبعد ف رتة‬
‫ليست بالطويلة أرسل إيل رس الة بالربيد اإللك رتوين خيربين أن إميانه مير مبرحلة حرج ة‪،‬‬
‫وأنه حيس بأنه منافق خالص‪ .‬وأنه إذا حاول حل مشكلته بسماع حماضرات زاد تشككا‬
‫يف النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫مث أال ترى املتربجة تعرتف أول األمر بذنبها وتطلب ممن حوهلت الدعاء هلا‪ ,‬مث قد‬
‫جتدها بعد حني تق ول إن احلج اب ليس كل ش يء‪ ،‬وإين ال أدع فرضا إال أديت ه‪ ،‬مث إهنا‬
‫تبدأ بانتقاد احملجبات لبعض سلوكياهتن وتصرح أهنا بأخالقها خري منهن‪ ،‬مث قد يصل هبا‬

‫(‪)18‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫األمر أخريا أن هتزأ باحلجاب وتقول‪ :‬أتريد مين أن أبدو كاخليمة املتحركة! وما هي إال‬
‫معصيتها طمست بصريهتا‪ .‬فليحذر العاقلون‪.‬‬

‫وسائل طرد الشك‪:‬‬

‫من وجد يف قلبه شكا يف الدين فعليه أوال بالدعاء‪ .‬ف القلوب بني إصبعني من أصابع‬
‫ال رمحن يقلبها كيف يش اء‪ .‬ويف احلديث القدسي ((يا عب ادي كلكم ض ال إال من هديته‬
‫فاستهدوين ِ‬
‫أهدكم)) (مسلم)‪.‬‬

‫مث عليه بس ؤال أهل احلكمة من العلم اء‪ .‬ففي احلديث ال ذي رواه اإلم ام أمحد وأبو‬
‫داود وابن ماجة عن ابن ال ديلمي ق ال‪( :‬وق ع يف نفسي ش يء من ه ذا الق در خش يت أن‬
‫يفسد علي ديين وأم ري‪ .‬ف أتيت أيب بن كعب فقلت أبا املن ذر انه قد وقع يف نفسي ش يء‬
‫من ه ذا الق در فخش يت على ديين وأم ري‪ .‬فح دثين من ذلك بش يء‪ .‬لعل اهلل أن ينفعين‬
‫به)‪ .‬ف ابن ال ديلمي مل ي رتك ه ذا اخلاطر يعتمل يف قلبه بل س ارع إىل ص حايب ليزيل ش بهته‬
‫بنور وحي مسعه من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫ليست الخواطر من الشك القادح في اإليمان‬

‫ف الكالم املتق دم إمنا هو عن الشك ال ذي يس تقر يف النفس‪ ،‬ال عن اخلواطر الش يطانية‬
‫اليت يستعني صاحبها باهلل تعاىل ليدفعها‪ .‬قال اهلل تعاىل‪(( :‬إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف‬
‫من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون))‪.‬‬

‫و ج اء ن اس من أص حاب النيب ص لى اهلل عليه وس لم فس ألوه‪( :‬إنا جند يف أنفس نا ما‬


‫يتع اظم أح دنا أن يتكلم به ‪ .‬ق ال ‪" :‬وقد وج دمتوه ؟ " ق الوا ‪ :‬نعم ‪ .‬ق ال‪(( :‬ذاك ص ريح‬
‫اإلميان))) (مسلم(‪.‬‬

‫وج اء رجل إىل النيب ص لى اهلل عليه وس لم فق ال ‪( :‬إين أح دث نفسي ب األمر ألن‬
‫أك ون محمة أحب إيل من أن أتكلم به)‪ .‬فق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪(( :‬احلمد‬
‫هلل الذي رد أمره إىل الوسوسة)) (صحح إسناده ابن حجر)‬

‫‪.‬‬

‫وقال عليه الصالة والسالم‪(( :‬ال يزال الناس يتساءلون حىت يقال ‪ :‬هذا ‪ ،‬خلق اهلل‬
‫اخللق ‪ ،‬فمن خلق اهلل ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل ‪ :‬آمنت باهلل)) (مسلم) ‪.‬‬

‫(‪)19‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فمن كان بني رفقة سوء يزيدونه يف دينه شكا‪ ،‬ودعاة هداية‪ ،‬فليذكر ما أخرج ه ابن‬
‫جرير الط ربي وابن املن ذر عن قت ادة أن نيب اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ك ان يض رب مثال‬
‫للمؤمن والكافر واملنافق كمثل رهط ثالثة دفعوا إىل هنر فوقع املؤمن فقطع مث وقع املنافق‬
‫حىت كاد يصل إىل املؤمن ناداه الكافر أن هلم إيل فإين أخشى عليك وناداه املؤمن أن هلم‬
‫إيل فإن عندي وعندي حيصي له ما عنده‪ .‬فما زال املنافق يرتدد بينهما حىت أتى عليه املاء‬
‫فغرقه وإن املن افق مل ي زل يف شك وش بهة حىت أتى عليه املوت وهو ك ذلك (فيه ض عف‬
‫إلرساله)‪.‬‬

‫******************************‬

‫‪ )2‬اإلعراض عن االحتكام إلى كتاب اهلل تعالى وسنة رسوله صلى‬


‫اهلل عليه وسلم‬

‫أسبابه‪:‬‬

‫تظهر هنا السلس لة اليت أص لنا هلا يف ص فة الشك يف ال دين‪ .‬فه ذا اإلع راض ن اتج عن‬
‫الشك الذي هو ناتج عن مرض القلب الذي هو ناتج عن الذنوب‪ .‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((أفحكم اجلاهلية يبغون ومن أحسن من اهلل حكما لقوم يوقنون)) (املائدة)‪ .‬فنقص‬
‫يقينهم‪-‬أي شكهم‪-‬جعلهم يبغون حكم اجلاهلية‪ .‬وقال تعاىل‪:‬‬

‫((وإذا دع وا إىل اهلل ورس وله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرض ون وأن يكن هلم‬
‫احلق يأتوا إليه مذعنني أيف قلوهبم مرض أم ارتابوا أم خيافون أن حييف اهلل عليهم ورسوله‬
‫بل أولئك هم الظاملون))‪ .‬فإعراضهم ناتج عن الريب الذي هو ناتج عن مرض القلب‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪(( :‬وأن احكم بينهم مبا أنزل اهلل وال تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك‬
‫عن بعض ما أن زل اهلل إليك ف إن تول وا ف اعلم أمنا يريد اهلل أن يص يبهم ببعض ذن وهبم))‬
‫(املائدة)‪ .‬فذنوهبم السالفة اقتضت إمراض قلوهبم‪.‬‬

‫فشك املن افق يف ال دين جيعل حس اباته أرض ية‪ ،‬فال ينظر إىل املص لحة األخروية يف‬
‫تطبيق أحكام اهلل تعاىل‪ ،‬ويغريه له الشيطان بأن مصلحته الدنيوية يف حتكيم األهواء‪.‬‬

‫(‪)20‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫واملنافقون يعمدون إىل حتجيم صورة اإلسالم وعرضه على أنه إمنا جاء للقضاء على‬
‫عب ادة األوث ان فحس ب‪ .‬وأنه ال عالقة له بأوض اعهم اجلاهلية من االحتك ام إىل الق وانني‬
‫الوضعية‪.‬‬

‫واآليات اليت تصف املنافقني باإلعراض عن حكم اهلل ورسوله كثرية‪.‬‬

‫أعذارهم الكاذبة‪:‬‬

‫قال اهلل تعاىل يف سورة النساء‪:‬‬

‫((أمل تر إىل ال ذين يزعم ون أهنم آمن وا مبا أن زل إليك وما أن زل من قبلك يري دون أن‬
‫يتحاكموا إىل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به و يريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا‬
‫(‪ )60‬وإذا قيل هلم تع الوا إىل ما أن زل اهلل وإىل الرس ول رأيت املن افقني يص دون عنك‬
‫ص دودا (‪ )61‬فكيف إذا أص ابتهم مص يبة مبا ق دمت أي ديهم مث ج اؤوك حيلف ون باهلل إن‬
‫أردنا إال إحسانا وتوفيقا (‪)))62‬‬

‫قال ابن كثري‪( :‬أي‪ :‬يعتذرون إليك‪ ،‬وحيلفون ما أردنا بذهابنا إىل غريك‪ ،‬وحتاكمنا‬
‫إىل ع داك إال اإلحس ان والتوفي ق‪ ،‬أي املداراة و املص انعة‪ ،‬ال اعتق ادا منا ص حة تلك‬
‫احلكومة) (تفسري ابن كثري)‪.‬‬

‫وهذا مما يضحك به املنافقون على البعض‪ .‬خيربوهنم أن شريعة اهلل على الرأس والعني‬
‫وأهنم ما حيتكم ون إىل الش رائع الوض عية واألجنبية إال لتجنب شر الكف ار (املداراة)‬
‫وملصلحة الشعب (اإلحسان)‪.‬‬

‫قال ابن تيمية‪( :‬‬


‫فإذا كان النفاق يثبت ويزول اإلميان مبجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إىل غريه مع أن هذا‬
‫(الصارم املسلول)‪.‬وهو يبني هبذا أن النفاق‬ ‫ترك حمض وقد يكون سببه قوة الش هوة فكيف بالتنقص والسب وحنوه)‬
‫يثبت مبج رد ترك االحتك ام إىل اهلل ورسوله‪ ،‬حىت وإن ك ان احملتكم مقتنعا بص حة الدين‪،‬‬
‫وحىت لو كان الدافع الشهوة‪ ،‬ال التكذيب واجلحد للدين‪.‬‬

‫مث ق ال اهلل تع اىل‪(( :‬أولئك ال ذين يعلم اهلل ما يف قل وهبم ف أعرض عنهم وعظهم وقل‬
‫هلمن يف أنفس هم ق وال بليغا (‪ )63‬وما أرس لنا من رس ول إال ليط اع ب إذن اهلل ولو أهنم إذ‬
‫ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا اهلل واستغفر هلم الرسول لوجدوا اهلل توابا رحيما (‪)64‬‬
‫)) (النساء)‪.‬‬

‫(‪)21‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فعجبا ممن يتظ اهر بتبجيل النيب ص لى اهلل عليه وس لم مث يع رض عن أحكامه املفص لة‬
‫يف الس لم واحلرب واالقتص اد واجلناي ات‪...‬وهو ما أُرسل إال ليط اع‪ ،‬فما قيمة أن يُبجل‬
‫ويعصى بل وحتارب شريعته؟!‬

‫المنافق يكره حكم اهلل ورسوله‪:‬‬

‫مث قال تعاىل‪:‬‬

‫((فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك فيما شجر بينهم مث ال جيدوا يف أنفسهم حرجا‬
‫مما قضيت ويسلموا تسليما (‪( )) )65‬النساء)‪.‬‬

‫فهي إذن ثالثة ش روط ال إميان بغي اب أح دها‪ .‬والحظ قوله تع اىل‪(( :‬مث ال جيدوا يف‬
‫أنفسهم حرجا مما قضيت)) فاملؤمن حيب حكم اهلل ورسوله‪ .‬واملنافق يبغض هذا احلكم‪.‬‬
‫وت رى هلذا البغض أش كاال‪ .‬ك امرأة تق ول‪( :‬أنا إن ش ككت يف آية أهنا مدسوسة على‬
‫القرآن فهي آية مثىن وثالث ورباع)!‪...‬فهي تكره احلكم كحكم‪ ،‬ال أهنا تكره أن يتزوج‬
‫زوجها عليها فحسب‪ .‬وترى أخرى تقول‪( :‬كيف يقول القرآن‪ :‬فعظوهن واهجروهن يف‬
‫املضاجع واضربوهن‪ .‬أنا إنسانة يل كراميت)!‬

‫وأخ رى تق ول‪( :‬كيف تك ون ش هاديت أنا ال دكتورة على النصف من ش هادة ب واب‬
‫عم اريت جملرد أنين أن ثى)! وه ذا كله نف اق‪ .‬ولنا على ه ذه األق وال ردود يف حماض رات‬
‫اإلميان بالغيب ويف سلسلة (إسالمنا أم حضارهتم) ويف حماضرة (مبطالت األعمال)‪.‬‬

‫وقد روى احملدثون يف س بب ن زول اآلي ات من س ورة النس اء س ببني يُرجع إليهما يف‬
‫مظاهنما‪.‬‬

‫فمرض قلب املنافق جيعله يكره ما أنزل اهلل‪ ،‬فيعرض عن االحتكام إليه‪ .‬قال اهلل تعاىل‬
‫يف الك افرين‪(( :‬ذلك ب أهنم كره وا ما أن زل اهلل فأحبط أعم اهلم)) (حمم د)‪ .‬وق ال يف‬
‫املنافقني‪:‬‬

‫((إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبني هلم اهلدى الشيطان سول هلم وأملى‬
‫هلم (‪ )25‬ذلك بأهنم قالوا للذين كرهوا ما نزل اهلل سنطيعكم يف بعض األمر واهلل يعلم‬
‫إس رارهم (‪( )))26‬حمم د)‪ .‬فاملن افقون ملا خ الطوا الك افرين ال ذين كره وا ما ن زل اهلل‪،‬‬
‫ووعدوهم بالطاعة يف بعض األمر‪ ،‬انتقل مرض كراهية الوحي إىل قلوهبم املريضة‪.‬‬

‫(‪)22‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫ويف املقاب ل‪ ،‬حيب املؤمن حكم اهلل ورس وله‪(( :‬ولكن اهلل حبب إليكم اإلميان وزينه‬
‫يف قل وبكم وك ره إليكم الكفر والفس وق والعص يان أولئك هم الراش دون فضال من اهلل‬
‫ونعمة واهلل عليم حكيم))‪.‬‬

‫المن افق يحتكم إلى ما وافق ه واه من ش رع اهلل ليخ ادع اهلل تع الى والمس لمين‪،‬‬
‫بل ونفسه‪ ،‬بأنه يطبق "بعض" الشريعة‪:‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪(( :‬يا أيها الرسول ال حيزنك الذين يسارعون يف الكفر من الذين قالوا‬
‫آمنا بأفواههم ومل تؤمن قلوهبم ومن الذين هادوا)) إىل أن قال تعاىل‪(( :‬يقولون إن أوتيتم‬
‫هذا فخذوه وأن مل تؤتوه فاحذروا)) (املائدة)‪.‬‬

‫ق ال ابن كث ري‪( :‬ق الوا فيما بينهم‪ :‬تع الوا حىت نتح اكم إلي ه‪-‬أي إىل رسول اهلل ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬فإن حكم باجللد والتحميم فخذوا عنه‪ ،‬واجعلوه حجة بينكم وبني اهلل‪،‬‬
‫ويك ون نيب من األنبي اء قد حكم بينكم ب ذلك‪ .‬وإن حكم ب الرجم فال تتبع وه يف ذل ك)‬
‫اهـ‪.‬‬

‫((خيادعون اهلل والذين آمنوا وما خيدعون إال أنفسهم وما يشعرون))‬

‫مث قال تع اىل‪(( :‬ومن يرد اهلل فتنته فلن متلك له من اهلل شيئا أولئك الذين مل يرد اهلل‬
‫أن يطهر قلوهبم)) فـ"انتقائيتهم" هذه من الدين هي بسبب مرض قلوهبم‪.‬‬

‫إىل أن ق ال تع اىل‪(( :‬مساعون للك ذب أك الون للس حت))‪ .‬فم رض قل وهبم نتج عن‬
‫ٍ‬
‫وتعاط للرشوة‪.‬‬ ‫ذنوهبم‪ ،‬من مساع للباطل‬

‫وقال تعاىل أيضا واصفا هذه "االنتقائية" عند املنافقني‪:‬‬

‫((وإذا دع وا إىل اهلل ورس وله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرض ون (‪ )48‬وإن يكن‬
‫هلم احلق يأتوا إليه مذعنني (‪)))49‬‬

‫فعلى مس توى أص حاب الس لطة ت راهم يس ارعون إىل اإلس الم حلل بعض املش اكل‬
‫االجتماعية‪ ،‬ويعلقون يافطات اآليات واألحاديث النبوية احلاضة على إعطاء الفقري وإطعام‬
‫اليتيم‪ ،‬ليحل اإلسالم مشكلة الفقر الناتج عن فسادهم وسرقتهم‪ .‬ويف املقابل يُعرضون عن‬
‫حكم اهلل وحياربونه عن دما ي دعو إىل اجله اد يف س بيل اهلل و ينهى عن ت ويل اليه ود‬
‫والنصارى‪.‬‬

‫(‪)23‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫وعلى مس توى األف راد قد ت رى تلك اليت تس تاء من قوله تع اىل ((واض ربوهن)) أو‬
‫((مثىن وثالث ورب اع)) إن تُلي أمامها ق ول اهلل تع اىل ((وقضى ربك أال تعب دوا إال إي اه‬
‫وبالوال دين إحسانا)) وك انت أما لول د‪...‬قد تقول يف خشوع (ص دق اهلل العظيم)! ((قل‬
‫كل من عند اهلل فماهلؤالء القوم ال يكادون يفقهون حديثا))‪.‬‬

‫وما لـ"فنانة" تتكلم عن تسامح اإلسالم ومجاله وهي تضاد اإلسالم بتربجها ودعوهتا‬
‫إىل الفسوق والعصيان!‬

‫وما هلؤالء املفتونني بـ "املـنتقني" الذين جيعلون حماكم شرعية وحماكم مدنية يعمون هبا‬
‫على الن اس ب أن ه احنن نطبق بعض الش ريعة‪...‬مع أن تط بيقهم للج زء ال ذي يري دون من‬
‫ال دين جيعلهم غري مطبقني وال حىت جزئيا لل دين‪ ،‬ألن ه ذا اجلزء إمنا طبق ب أهوائهم‪ ،‬ال‬
‫استسالما وإذعانا هلل تعاىل‪.‬‬

‫‪ -‬ولست أنسى كلمة رجل أم ريكي ق ال يل م دافعا عن دميق راطيتهم ما ترمجت ه‪:‬‬
‫(أعتقد أن علينا أن نسمح هلل بالتدخل يف حياتنا باملقدار الذي نريد فحسب)‪.‬‬

‫((وما قدروا اهلل حق قدره))‬

‫ولعل أحد "املنتقني" حني قرأ كلمة األمريكي هذه استبشعها مع أهنا ما هي إال تعبري‬
‫بلسان املقال عن حال "املنتقني"‪.‬‬

‫ومن أب واب ه ذه الص فة النفاقية تأييد من اهج تتع ارض مع اإلس الم كالدميقراطية يف‬
‫جزئية هلل فيها حكم َبنِّي ‪ ،‬كقبول جعل الوالية العامة لنصراين‪.‬‬

‫أشكال من االحتكام الخفي إلى غير حكم اهلل ورسوله‪:‬‬

‫وقد ت رى ام رأة ال حتتجب من أخ زوجها ف إن نُص حت ق الت‪( :‬هو مثل أخي)‪ .‬مع‬
‫أن اهلل تع اىل قد فصل يف احملارم وما جعله هلا حمرم ا‪ .‬وت رى آخر يصر على ال دخول على‬
‫الع روس ليعطيها ما يس مونه نق وط الع روس وليس هلا حمرم ا‪ ،‬ف إن قيل ل ه‪ :‬إهنا متزينة‬
‫وليست يف حجاهبا ق ال‪( :‬عاداتنا وتقالي دنا)! ((وإذا قيل هلم اتبع وا ما أن زل اهلل ق الوا بل‬
‫نتبع ما وجدنا عليه آباءنا))‪ .‬فليحذر امرؤ لنفسه أن يتلبس بصفات النفاق وهو ال يعلم‪.‬‬

‫************************************‬

‫(‪)24‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫‪ )3‬مواالة اليهود والنصارى والكافرين عموما‬

‫وقد أكثر اهلل تعاىل من اآليات اليت تُربز هذه الصفة يف املنافقني‪.‬‬

‫أسبابها الحقيقية‪:‬‬

‫جل‪:‬‬
‫وهذه الصفة كذلك هي وليدة الشك يف الدين‪ .‬قال اهلل عز و َّ‬
‫((ترى كثريا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت هلم أنفسهم أن سخط اهلل‬
‫عليهم ويف الع ذاب هم خال دون (‪ )80‬ولو ك انوا يؤمن ون باهلل والنيب وما أن زل إليه ما‬
‫اختذوهم أولي اء ولكن كث ريا منهم فاس قون (‪ .)) )81‬ق ال جماه د‪ :‬يعين ب ذلك املن افقني‪.‬‬
‫اهـ‪ .‬وحىت لو عُين بذلك اليهود فإن اآليات تبني قاعدة عامة منسحبة على اليهود وغريهم‬
‫أن مت ويل الك افرين ال إميان عن ده‪ .‬فاملن افقون إذن يتول ون الك افرين لش كهم وقلة إمياهنم‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعاىل‪:‬‬

‫((ال جتد قوما يؤمن ون باهلل والي وم اآلخر ي وادون من ح اد اهلل ورس وله)) فاملن افق ملا‬
‫شك يف اهلل واليوم اآلخر أصبحت حساباته أرضية‪ .‬فرأى أن القوة املادية بأيدي الكافرين‬
‫فواالهم ليكونوا له عزا‪(( :‬بشر املنافقني بأن هلم عذابا أليما () الذين يتخذون الكافرين‬
‫أولياء من دون املؤمنني () أيبتغون عندهم العزة فلله العزة مجيعا () ))‬

‫وشكهم هذا كما أسلفنا ناتج عن مرض قلوهبم‪ .‬قال اهلل تعاىل‪(( :‬ف رتى الذين يف‬
‫قلوهبم مرض يسارعون فيهم)) (املائدة) فمسارعة املنافق يف مواالة الكفار ناجتة عن مرض‬
‫قلبه‪.‬‬

‫مبرراتهم المعلنة‪:‬‬

‫‪ )1‬أن ت رك ه ذه املواالة جيلب عليهم املص ائب وي دفعهم إىل املواجهة مع من ال قبل‬
‫هلم هبم‪:‬‬

‫((فرتى الذين يف قلوهبم مرض يسارعون فيهم يقولون خنشى أن تصيبنا دائرة))‪.‬‬

‫وقد ن زلت اآلية يف وصف ح ال عبد اهلل بن أيب ودفاعه عن يه ود بين قينق اع وقوله‬
‫(إين امرؤ أخشى الدوائر)‪.‬‬

‫(‪)25‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫ومن أعجب العجب أين مسعت رجال من باكستان يربر مواقف منافقي بلده املعادية‬
‫للمس لمني واملوالية للص ليبيني ق ائال أنه ل وال ه ذه املواقف ف إن مش روع القنبلة النووية يف‬
‫بلده سيكون مهددا! فيا عجيب كيف تصبح القنبلة النووية يف أيدي املنافقني سببا للخور‬
‫واجلنب والنذالة!‬

‫‪ )2‬أهنم مبواالهتم ه ذه يص لحون بني املؤم نني والك افرين‪ ،‬فيعيش الفريق ان يف س الم‬
‫وتعايش‪ .‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((وإذا قيل هلم ال تفسدوا يف األرض قالوا إمنا حنن مصلحون))‬

‫روى ابن إس حاق عن ابن عب اس يف تفس ريها‪( :‬أي‪ :‬إمنا نريد اإلص الح بني الفريقني‬
‫من املؤمنني وأهل الكتاب)‪ .‬فوصف اهلل تعاىل مواالهتم هذه بالفساد يف األرض‪ ،‬كما قال‬
‫يف اآلية األخ رى بع دما ف رض على املؤم نني أن يت وىل بعض هم بعض ا‪(( :‬وال ذين كف روا‬
‫بعضهم أولياء بعض إال تفعلوه تكن فتنة يف األرض وفساد كبري(‪( )) )73‬األنفال)‪.‬‬

‫أئمة النفاق يتآمرون مع الكافرين ضد المسلمين‪:‬‬

‫ق ال اهلل تع اىل واص فا املن افقني‪(( :‬وإذا لق وا ال ذين آمن وا ق الوا آمنا وإذا خل وا إىل‬
‫شياطينهم قالوا إنا معكم إمنا حنن مستهزئون))‪ .‬وقال تعاىل‪:‬‬

‫((يا أيها الرسول ال حيزنك الذين يسارعون يف الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم‬
‫ومل تؤمن قلوهبم ومن الذين هادوا مساعون للكذب مساعون لقوم آخرين مل يأتوك))‬

‫فاملن افقون إذا التق وا بأولي ائهم وأس يادهم من أهل الكت اب والك افرين عموما تب اهوا‬
‫مبخادعتهم للمؤمنني وتلقوا من أسيادهم األوامر وتآمروا معهم للكيد باإلسالم وأهله‪.‬‬

‫وقال تعاىل مبينا نية املنافقني يف بناء مسجد الضرار‪:‬‬

‫((وإرصادا ملن حارب اهلل ورسوله من قبل))‬

‫اجتمعوا في الدنيا فسيجمعهم اهلل تعالى في اآلخرة‪:‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪(( :‬إن اهلل جامع املنافقني والكافرين يف جهنم مجيعا))‬

‫(‪)26‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فكما اجتمعوا على عداوة اإلسالم واالستهزاء بأهله يف الدنيا فسيجمعهم اهلل تعاىل‬
‫حيث يلعن بعضهم بعضا ويكفر بعضهم ببعض‪.‬‬

‫اهلل تعالى يحذر المؤمنين من اتخاذ الكافرين أولياء‪:‬‬

‫ق ال اهلل تع اىل‪(( :‬يا أيها ال ذين آمن وا ال تتخ ذوا اليه ود والنص ارى أولي اء‪ .‬بعض هم‬
‫أولياء بعض ومن يتوهلم منكم فإنه منهم إن اهلل ال يهدي القوم الظاملني)) وقال تعاىل‪:‬‬

‫((يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا الكافرين أولياء من دون املؤمنني أتريدون أن جتعلوا‬
‫هلل عليكم سلطانا مبينا)) وقال تعاىل‪:‬‬

‫((ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤم نين ومن يفع ل ذل ك‬
‫فليس من هللا في شيء إال أن تتقوا منهم تقاة)) فاهلل يت برأ ممن ت والهم‪ .‬وهللا‬
‫تعالى أعلى من أن يكون مع األنجاس في مواالة منافق‪.‬‬

‫ويهيج اهلل تع اىل يف املؤم نني مش اعر احملبة لدينه ليعلم وا أن حب اهلل ودينه ال جيتمع‬
‫مع حب املستهزئني بالدين يف قلب واحد‪(( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا الذين اختذوا‬
‫دينكم ه زوا ولعبا من ال ذين أوت وا الكت اب من قبلكم والكف ار أولي اء واتق وا اهلل إن كنتم‬
‫مؤمنني () وإذا ناديتم إىل الصالة اختذوها هزوا ولعبا ذلك بأهنم قوم ال يعقلون (‪)) )58‬‬

‫بل وهنى اهلل عز وجل عن تويل من يتوىل الكافرين فقال‪:‬‬

‫((يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم ال يألونكم خباال)) وهم املنافقون‪.‬‬

‫‪ -‬فما ب ال ال ذين يقول ون عن الكف ار أهل الكت اب "إخواننا النص ارى" وقد كف روا‬
‫بالتوحيد وبرس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ .‬واهلل تع اىل ما جعل املؤمن أخا للك افر أب دا‪،‬‬
‫وإمنا جعل املنافق كذلك فقال‪(( :‬أمل تر إىل الذين نافقوا يقولون إلخواهنم الذين كفروا‬
‫من أهل الكتاب))‪.‬‬

‫‪ -‬وقد بلغ من فساد بعض من ينتسبون إىل العلم أن أفتوا للمسلمني يف جيوش دول‬
‫ص ليبية مبحاربة املس لمني لئال يُشك يف والئهم وانتم ائهم إىل بالدهم وأت وا على ذلك‬
‫بـ"أدلة"‪ .‬وصدق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذ قال‪(( :‬إن أخوف ما أخاف على أميت‬
‫من بع دي كل من افق عليم اللس ان)) (ص ححه اهليثمي واأللب اين)‪ .‬روى البخاري أن ناسا‬
‫من املسلمني كانوا مع املشركني يكثرون سواد املشركني على رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يأيت السهم فريمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب عنقه فيقتل‪ .‬فأنزل اهلل‪(( :‬إن‬

‫(‪)27‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫الذين توفاهم املالئكة ظاملي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا منا مستضعفني يف األرض قالوا‬
‫أمل تكن أرض اهلل واس عة فته اجروا فيها فأولئك م أواهم جهنم وساءت مص ريا (‪)) )97‬‬
‫قال ابن كثري‪ :‬فنزلت هذه اآلية الكرمية عامة يف كل من أقام بني ظهراين املشركني وهو‬
‫ق ادر على اهلج رة وليس متمكنا من إقامة ال دين‪ ،‬فهو ظ امل لنفس ه‪ ،‬م رتكب حراما‬
‫باإلمجاع‪ ،‬وبنص ه ذه اآلية ‪ .‬اهـ‪ .‬فه ؤالء أن اس فُرضت عليهم اهلج رة ليتمكن وا من إقامة‬
‫دينهم مبكة فآثروا اإلقامة يف األهل واملال واألوطان على إظهار دينهم حىت ُدفعوا دفعا إىل‬
‫اخلروج يف جيش املش ركني يف ب در‪ .‬ف ُقتل من قُتل منهم ظاملا لنفس ه‪ .‬فما ب ال الض الل‬
‫اجله ال ال ذين يُفت ون جلن دي أم ريكي مس لم أن حيارب املس لمني ليحافظ على جنس يته‬
‫األمريكية ودوالراته!‬

‫((فإهنا ال تعمى األبصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور))‪.‬‬

‫فلينظر كل ام رئ إىل حال ه‪ ،‬أجيد الطمأنينة يف كنف املش ركني واملن افقني والظ املني‪.‬‬
‫ف إن ك ان ك ذلك فإنه من افق‪ .‬فاهلل تع اىل ق ال‪(( :‬وهلل الع زة ولرس وله وللمؤم نني ولكن‬
‫املن افقني ال يعلم ون (‪( )) )8‬املن افقون)‪ .‬فمن مل يس تيقن أن الع زة إمنا هي هلل وأن ليس‬
‫للكافرين منها شيء فهو منافق‪.‬‬

‫العز يف كنف العزيز ومن عبد العبيد أذله اهلل‬

‫((إمنا وليكم اهلل ورس وله وال ذين آمن وا ال ذين يقيم ون الص الة ويؤت ون الزك اة وهم‬
‫راكعون () ومن يتول اهلل ورسوله والذين آمنوا فإن حزب اهلل هم الغالبون)) (املائدة)‪.‬‬

‫******************************‬

‫‪ )4‬تغيير الوالء بحسب ميزان القوى‬

‫وخلق رخيص‪ .‬فإن املنافق ملا كانت حساباته أرضية‬ ‫وهذا يف املنافقني طبع خسيس ُ‬
‫طيني ة‪ ،‬فإنه ينظر إىل كفة من م ال م يزان الق وى‪...‬ف إن طاشت كفة أوليائه تنكر هلم‪،‬‬
‫وأعط اهم دب ره وح الف ض دهم وس اعد عليهم ك أن مل تكن بينه وبينهم م ودة‪ .‬فال يظنن‬
‫ظ ان أن مواالته للكف ار مرتك زة إىل ركن وثي ق‪ ،‬بل هي املص لحة األرض ية املادي ة‪ -‬مجع‬
‫الق روش وملء الك روش‪ .‬فاملن افق ال يفهم معىن الوف اء لوليه واملروءة والش هامة والنبل‬
‫والنخ وة والنج دة‪...‬ومن اس تثار فيه ه ذه املع اين ك ان كمثل ال ذي ينعق مبا ال يس مع إال‬
‫دعاء ونداء‪.‬‬

‫(‪)28‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((أمل تر إىل ال ذين ن افقوا يقول ون إلخ واهنم ال ذين كف روا من أهل الكت اب لئن‬
‫أخرجتم لنخرجن معكم وال نطيع فيكم أحدا أبدا ولئن قوتلتم لننصرنكم))‬

‫هكذا املنافق! وعود عريضة وجرأة عظيمة فيما يبدو‪...‬لكن اهلل بني كذهبم‪:‬‬

‫((واهلل يش هد إهنم لك اذبون (‪ )11‬لئن أُخرج وا ال خيرج ون معهم ولئن قوتل وا ال‬
‫ينصروهنم ولئن نصروهم ليولن األدبار مث ال ينصرون (‪)) )12‬‬

‫فبمج رد أن ي ذهب جمد الك افرين تظهر خسة املن افق ونذالت ه‪ ...‬مث بني اهلل تع اىل‬
‫السبب فقال‪:‬‬

‫((ألنتم أشد رهبة يف صدورهم من اهلل))‬

‫فاملنافق ملا واىل الكافر ما استحضر أمر اهلل وهنيه‪...‬وملا ترك هذه املواالة ما تركها هلل‬
‫وإمنا خوفا منَّ املؤم نني‪ .‬فهو مل ي ذكر اهلل على كل ح ال! َّ((ذلك ب أهنم قوم ال يفقه ون (‬
‫‪.)) )13‬‬

‫واملنافق يف ذلك أخس من الكفرة‪ .‬ففي غزوة بين قريظة اليت نزلت فيها هذه اآليات‬
‫أوىف ح يي بن أخطب لبين قريظة بوع ده أن ي دخل معهم يف احلصن ومل ي وف املن افقون‬
‫بوعد النصرة‪.‬‬

‫‪ -‬واملن افق يعترب من احلكمة أن يتقلب ومييل مع ال ريح حيث متي ل‪ .‬ق ال اهلل تع اىل‬
‫واصفا املنافقني‪:‬‬

‫((ال ذين يرتبص ون بكم ف إن ك ان لكم فتح من اهلل ق الوا أمل نكن معكم وإن ك ان‬
‫للكافرين نصيب قالوا أمل نستحوذ عليكم ومننعكم من املؤمنني))‬

‫فهم مع املنتصر أيا كان‪ .‬وكأين باملنافق ميشي خمبوال حيك إسته ويسيل لعابه حامال‬
‫قلت ل ه‪:‬‬
‫يف ي ده ص حنا ي دور باحثا عن املنتصر يس تجديه أن ميأل الص حن طعام ا‪ ...‬إن َ‬
‫"رض وان اهلل"‪" ،‬اجلن ة"‪" ،‬الغ رية على ال دين"‪...‬فتح فمه ببالهة ونظر إليك نظ رة من مل‬
‫يفهم شيئا مث توىل عنك وهو يقول‪( :‬وهل متأل هذه صحين؟)!‬

‫وقال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫(‪)29‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((وإن منكم ملن ليبطئن ف إن أص ابتكم مص يبة ق ال قد أنعم اهلل علي إذ مل أكن معهم‬
‫شهيدا))‬

‫فيعترب نذالته حكمة بل ونعمة من اهلل تعاىل!‬

‫((ولئن أص ابكم فضل من اهلل ليق ولن ك أن مل تكن بينكم وبينه م ودة يا ليتين كنت‬
‫معهم))‬

‫س يندم حينئذ ويتمىن لو ك ان مع املؤم نني‪ .‬هل ت راه ين دم ألنه ي رى نصر اهلل لعب اده‬
‫املؤمنني فيعلم أن العزة هلل ولرسوله وللمؤمنني فيحتقر ما هو فيه من بطالة ونفاق وتشتاق‬
‫روحه إىل التحليق يف م دارج األبط ال النش امى؟ ال! ما زالت تطلعاته ال تع دو أص ابع‬
‫قدميه!‬

‫((فأفوز فوزا عظيما)) يريد الغنيمة‪...‬بضعة دنانري ومتاعا زائال‪.‬‬

‫تح أق وام منس وبون إىل العلم من رهبم أن ينس بوا إىل دينه وإىل‬
‫‪-‬إن عُلم ه ذا فليس ِ‬
‫رسوله مذهب املنافقني يف تقليب الوالءات واخلنوع للقوي املبطل باسم الدين‪ .‬واهلل من‬
‫ذلك بريء‪ ،‬ورسوله صلى اهلل عليه وسلم سيد الشرفاء األوفياء‪.‬‬

‫*****************************‬
‫‪ )5‬الكذب‬

‫النفاق والكذب لفظتان مرتادفتان‪:‬‬

‫لو طلب منك أن جُت ِمل ص فات املن افقني يف كلمة واح دة فق ل‪ :‬هي "الك ذب"! ق ال‬
‫اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((ليجزي اهلل الصادقني بصدقهم ويعذب املنافقني إن شاء أو يتوب عليهم)) فجعل‬
‫يف مقابلة الص ادقني‪ :‬املن افقني‪ .‬ويف ح ديث ((أربع من كن فيه ك ان منافقا خالص ا)) جتد‬
‫أن الصفات األربعة تدور حول الكذب‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف (واإلخالف‬
‫كذب)‪ ،‬وإذا عاهد غدر (والغدر كذب)‪ ،‬وإذا خاصم فجر (والفاجر يف خصومته كثريا‬
‫ما يكذب يف ذم من خاصمه)‪.‬‬

‫(‪)30‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫والكذب كذب حديث‪ ،‬كما أنه خمالفة الفعل للقول‪ ،‬حبيث يُ َك ِّذب فعلك قولك‪.‬‬

‫فرتى أن اهلل تعاىل كره‪ ،‬بل مقت أن يتلبس املؤمن هبذه الصفة اليت جتعله يتقاطع مع‬
‫شخصية املنافق يف شيء مشرتك فقال‪:‬‬

‫(( يا أيها الذين آمنوا مل تقولون ما ال تفعلون (‪ )2‬كرب مقتا عند اهلل أن تقولوا ما ال‬
‫تفعلون (‪)))3‬‬

‫وكم ن رى ه ذه الص فة‪-‬مخالف ة الفع ل للق ول‪ -‬في المس لمين! كم ن راهم‬
‫يذمون واقعا هم لبِناتُه والمسهمون فيه‪:‬‬

‫كم قلت أمـراض البالد وأنت من أمراضها‬

‫والشؤم عـلتها فهل فتشـت عن أعراضها‬

‫يا من محلت الفأس هتدمها على أنقاضها‬

‫اقعـد فما أنـت الذي يسـعى إىل إهناضــها‬

‫تعب يف أحواضــها‬
‫وانظر بعينيك الذئاب ُّ‬

‫كم ترى من مسلم يذم اخليانة وتسليم البالد ألعدائها ويلعن املتآمرين من بين جلدتنا‬
‫وإن س ألته أتتمىن أن جتاهد ق ال بال ت ردد (يا ريت! طبع ا)‪ .‬مث هو يش عل دخانه املس تورد‬
‫من بالد "األع داء" الس البني للـ"بالد" وجياهد خاليا جس مه وحيرق مع س يجارته ش عاراته‬
‫الرنانة ونواياه اجلهادية! فهذا مل تصدق نيته للجهاد ومل يُعد له العدة بل يفعل خالف ما‬
‫يقول‪.‬‬

‫المنافق يكذب أول ما يكذب على نفسه‪:‬‬

‫قال القرطيب يف تفسري قوله تعاىل‪(( :‬انظر كيف كذبوا على أنفسهم))‪ ...( :‬وكذب‬
‫املنافقني باعتذارهم بالباطل وجحدهم نفاقهم)‬

‫(‪)31‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فاملن افق يعت ذر لنفسه بالباطل وي ربر هلا نفاقها ويعميها عن احلق وي زين الباطل لنفسه‬
‫و حيجم ن داء اإلميان فيها ويقنعها ب أن طريق النف اق أس لم‪ ...‬بل وال يعترب ص فات النف اق‬
‫نفاقا‪ ،‬بل خيدر شعور نفسه بأن فيها صفات محيدة وأهنا على خري‪.‬‬

‫المنافق يكذب ليبرر أعماله السيئة‪:‬‬


‫أ َما وقد خدع نفسه فالخطوة التالية هي مخادعة المؤمنين‪ .‬فالمؤمنون في‬
‫سذج ليس عندهم من الحكمة كالذي عنده‪ .‬فال بد من مخادعتهم‬ ‫نظره بسطاء َّ‬
‫"ترفع‪888‬ا" عن الخ‪888‬وض معهم في ج‪888‬دل عقيم‪ ،‬ووقاية للنفس من انفع‪888‬االت‬
‫ع‪88‬واطفهم "الس‪88‬اذجة" في نظ‪88‬ره‪ .‬فال يجد المن‪88‬افق حرجا من أن يحلف لهم‬
‫كذبا‪:‬‬
‫‪(( -‬اتخ ذوا أيم انهم جن ة فص دوا عن س بيل هللا إنهم س اء م ا ك انوا‬
‫يعملون))‬

‫فهو يفعل كل بش عة ويتم رغ يف أوح ال النف اق مث حيلف باهلل ما أراد إال احلس ىن‪،‬‬
‫فينطلي حلفه على مؤم نني ال يتص ورون أن حيلف رجل ك ذبا! فيتم ادى املن افق يف طغيانه‬
‫بعد أن اطمأن إىل تصديق الناس له‪.‬‬

‫وانظر كيف ينكر اهلل تعاىل هذه الفعلة القبيحة‪-‬الكذب للصد عن سبيل اهلل‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫((إهنم ساء ما كانوا يعملون))‬

‫وذلك كقوله تعاىل أيضا‪:‬‬

‫(( اختذوا أمياهنم جنة فصدوا عن سبيل اهلل فلهم عذاب مهني))‬

‫فاألميان الكاذبة هي ال درع ال واقي ال ذي حيتمي به املن افق يف ال دنيا والس تار ال ذي‬
‫ميرر من وراءه كل ردية‪ ،‬لكنها الغموس له يف نار جهنم خالدا فيها خملدا أبدا‪.‬‬

‫وانظر فيما يلي كيف يغطي املنافق صفاته النفاقية بالكذب‪:‬‬

‫‪ -1‬الشك يف ال دين‪(( :‬ومن الن اس من يق ول آمنا باهلل وب اليوم اآلخر وما هم‬
‫مبؤمنني))‬

‫وقال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)32‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((إذا جاءك املنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اهلل واهلل يعلم إنك لرسوله واهلل يشهد‬
‫إن املنافقني لكاذبون))‬

‫‪ -2‬اإلعراض عن االحتكام إىل كتاب اهلل تعاىل وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫((أمل تر إىل ال ذين يزعم ون أهنم آمن وا مبا أن زل إليك وما أن زل من قبلك يري دون أن‬
‫يتحاكموا إىل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به و يريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا‬
‫(‪ )) )60‬إىل أن قال تعاىل‪:‬‬

‫((فكيف إذا أص ابتهم مص يبة مبا ق دمت أي ديهم مث ج اؤوك حيلف ون باهلل إن أردنا إال‬
‫إحسانا وتوفيقا (‪)) )62‬‬

‫فيحلفون أهنم ما احتكموا إىل الطواغيت تكذيبا باإلسالم‪.‬‬

‫‪ -3‬مواالة اليهود والنصارى والكافرين عموما‪:‬‬

‫((أمل تر إىل الذين تولوا قوما غضب اهلل عليهم ما هم منكم وال منهم وحيلفون على‬
‫الكذب وهم يعلمون))‬

‫‪ -4‬ترك اجلهاد والتخذيل عنه‪:‬‬

‫((ولَِي ْعلَ َم الذين نافقوا وقيل هلم تعالوا قاتلوا يف سبيل اهلل أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتاال‬
‫التبعن اكم هم للكفر يومئذ أق رب منهم لإلميان يقول ون ب أفواههم ما ليس يف قل وهبم واهلل‬
‫أعلم مبا يكتمون (‪)) )167‬‬

‫وقال تعاىل‪:‬‬

‫((حيلف ون لكم لرتض وا عنهم ف إن ترض وا عنهم ف إن اهلل ال يرضى عن الق وم‬
‫الفاسقني))‬

‫‪ -5‬قلة األدب مع اهلل تعاىل ومع رسوله واملؤمنني‪:‬‬

‫((حيلف ون باهلل ما ق الوا ولقد ق الوا كلمة الكفر وكف روا بعد إس المهم ومهوا مبا مل‬
‫ينالوا))‬

‫(‪)33‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فهم ك انوا يش تمون النيب ص لى اهلل عليه وس لم ويكذبونه مث إذا نقل إليه ش يء من‬
‫ذلك حلفوا أهنم ما فعلوا‪.‬‬

‫وعن ابن عباس قال ‪ :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم جالسا يف ظل حجرته‬
‫قد ك ان يقلص منه الظل فق ال ص لى اهلل عليه وس لم ألص حابه‪(( :‬جييئكم رجل ينظر‬
‫إليكم بعيين شيطان فإذا رأيتموه فال تكلموه)) ‪ .‬قال ‪ :‬فجاء رجل أزرق فلما رآه النيب‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم دع اه ق ال ‪(( :‬عالم تش تمين أنت وأص حابك؟)) ق ال ‪ :‬كما أنت‬
‫حىت آتيك هبم ‪ .‬فذهب فجاء هبم فجعلوا حيلفون باهلل ما قالوا وال فعلوا (رجاله رجال‬
‫الصحيح‪-‬اهليثميي)‬

‫فانظر إىل هذا الرجل كيف احرتف الكذب حىت أنه يتظاهر للنيب بأنه لن يقول شيئا‬
‫لئال يُك ذب بل س يأيت بأص حابه ليحلف وا بأنفس هم ما ق الوا‪ ،‬وك أن ك ذب اجلماعة عن ده‬
‫أوثق من ك ذب الف رد! وختيلهم وقد اص طفوا أم ام النيب ص لى اهلل عليه وس لم وقد تقامسوا‬
‫األدوار فأحدهم يقسم باهلل رافعا إصبعه اآلمث إىل السماء‪ ،‬واآلخر يقبض يديه مث ميدمها مع‬
‫بسط أصابعه إنكارا والثالث يقاطع صاحبيه وهو يشري إىل صدره األسود مشهدا اهلل على‬
‫ما يف قلبه من حب وتعظيم هلل ولرس وله‪ .‬ورس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يف هدوئه‬
‫ورفعته ينتظرهم ليفرغوا من متثيلهم املبتذل ويتجاوز عنهم‪.‬‬

‫‪ -6‬التفريق بني املؤمنني‪:‬‬

‫((والذين اختذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بني املؤمنني وإرصادا ملن حارب اهلل‬
‫ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إال احلسىن واهلل يشهد إهنم لكاذبون (‪)) )107‬‬

‫‪ ...‬وهكذا هم! سوء طوية وفساد نية‪ ،‬وادعاء عريض مع عمل بغيض‪:‬‬

‫(( وأقس موا باهلل جهد أمياهنم لئن أم رهتم ليخ رجن قل ال تقس موا طاعة معروفة إن‬
‫اهلل خبري مبا تعملون (‪)) )53‬‬

‫المنافق يكذب خوفا من المؤمنين‪ ،‬واهللُ أحق أن يُخشى‪:‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((سيحلفون باهلل لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم)) وقال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)34‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((حيلفون باهلل لكم لريضوكم واهلل ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنني)) وقال‬
‫تعاىل‪:‬‬

‫((حيذر املنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم مبا يف قلوهبم قل استهزئوا إن اهلل خمرج‬
‫ما حتذرون))‬

‫فال خيافون إال الن اس‪ ،‬وال يب الون أن يك ون ما بينهم وبني اهلل تع اىل خرابا بلقع ا! أال‬
‫شاهت الوجوه وعميت األبصار‪ ،‬ونعوذ بالرمحن من قسوة القلب ومن أن نضل وحنسب‬
‫أنا مهتدون‪.‬‬

‫قد يُصدق المؤمن المنافق‪:‬‬

‫فاملؤمن بطهر قلبه وتعظيمه هلل تعاىل قد ال يتصور أن يوجد يف الناس من يك ذب ‪-‬‬
‫بل وحيلف كذبا‪ -‬هبذه الصورة املبتذلة‪:‬‬

‫((ومن الن اس من يعجبك قوله يف احلي اة ال دنيا ويش هد اهلل على ما يف قلبه وهو ألد‬
‫اخلصام))‬

‫أيُعقل أن يكون يف بين آدم من يقول‪( :‬أُشهد اهلل أين مؤمن به مصدق لرسوله حمب‬
‫لدين ه) وهو يف احلقيقة ع دو هلل مبغض لدين ه!؟ أيصل االس تخفاف إىل أن يُِش ِهد اهلل على‬
‫ما يف القلب ليتقي بطش املؤمنني‪ ،‬وهو يعلم أنه ما يف القلب إال العفن وسواد النفاق! أي‬
‫استهزاء باهلل هذا؟! ((اهلل يستهزئ هبم وميدهم يف طغياهنم يعمهون))‪.‬‬

‫وهكذا هم‪(( :‬يرضونكم بأفواههم وتأىب قلوهبم))‬

‫فاملؤمن قد يرضى عن املنافق حلالوة لسانه املومهة خبالف ما يف قلبه‪.‬‬

‫((وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقوهلم))‬

‫جسم البغال وأحالم العصافري‬ ‫ال بأس بالقوم من طول ومن عظم‬

‫فأرش دنا اهلل تع اىل أال ن ؤمن هلم وال نص دقهم إذ ظه رت لنا منهم أم ارات النف اق‬
‫وخالفت أفعاهلم أقواهلم‪ ،‬فتصديقهم خطر‪:‬‬

‫((قل ال تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا اهلل من أخباركم))‬

‫(‪)35‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فاملن افق لن يقف ليقسم باهلل العظيم وبوجهه الك رمي وبس لطانه الق دمي أنه ال ي ؤمن‬
‫باهلل‪ ،‬لكن لسان حاله ينطق بذلك‪ ،‬ولسان احلال أبلغ من لسان املقال‪.‬‬

‫من يدعي حب احلبيب ومل يفد من هديه فسفاهة وهراء‬

‫فاحلب أول شرطه وفروضه إن كان صدقا طاعة ووفاء‬

‫منافقو هذه األيام يستعلنون‪:‬‬

‫يف أزمنة عزة املؤمنني وعلو شأهنم كان املنافقون ال يستعلنون خببثهم‪ ،‬بل يتناجون به‬
‫خفية‪:‬‬

‫((ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتن اجون‬
‫باإلثم والعدوان ومعصية الرسول))‬

‫وهم يف ذلك كهمل املدارس الثانوية ال ذين ي دخنون يف محام ات املدرسة يف هنار‬
‫رمضان‪.‬‬

‫أما يف أيامنا هذه‪ ،‬فمع علو أهل الكفر يف األرض واشتداد احملنة على املؤمنني أصبح‬
‫املن افقون‪ ،‬وأئمتهم خاص ة‪ ،‬يف أك ثر األحي ان ال حيت اجون إىل سرت س وءاهتم‪ .‬فاالس تكبار‬
‫على الدين ورفض حكمه ومواالة الكفرة والطعن يف اجلهاد أصبحت كلها من مقومات‬
‫السيادة ومؤهالت الصدارة يف كثري من جمتمعات املسلمني‪ .‬وإمنا أصبح املنافقون يكذبون‬
‫بال َق ْدر الذي خُيَدِّر غضب عامة املسلمني الذين ينخدعون بكلمات قليلة معسولة عن حب‬
‫ال دين يطلقها املن افق وهو يس بح يف وحل نفاقه الواضح لكل ذي بص رية‪ .‬إمنا هو ال يريد‬
‫أن "يُقرف ه" ه ؤالء "ال دراويش" إذا أغض بت س لوكياته وتص رحياته "املتن ورة" ع واطفهم‬
‫الدينية "الساذجة" يف نظره!‬

‫تبلغ السفاهة بالمنافق أنه يحاول الكذب على اهلل تعالى‪:‬‬

‫وه ذا درك من العجب أن تنحط إليه نفس إنس انية‪ ،‬واس تخفاف بعظمة اهلل تع اىل ال‬
‫أكاد أفهمها! خاصة إذا تذكرنا أن هذه احملاولة البائسة ستكون يوم البعث عندما يُكشف‬
‫الغطاء فالبصر حديد وال غيب يومئذ! قد عاين املنافق صدق ما كان يشك فيه وعلم أن‬
‫اهلل هو احلق املبني‪ .‬أمع هذا كله ال زال يكذب‪ ،‬بل حيلف كذبا! وليخادع من؟! ليخادع‬
‫اهلل تعاىل!‬

‫(‪)36‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((يوم يبعثهم اهلل مجيعا فيحلفون لال ه كما حيلفون لكم وحيسبون أهنم على شيء‬
‫أال إهنم هم الك اذبون (‪( )) )18‬اجملادل ة)‪ .‬فباهليئة املبتذلة نفس ها حيلف ون وحيس بون أن‬
‫ذلك ينفعهم مع من يعلم السر وأخفى‪.‬‬

‫فالمنافق ما وصل إلى هذا المستوى الدنيء إال بكثرة تدربه على الكذب‬
‫في الدنيا‪ ...‬أدمن الكذب بل الحلف على الكذب فاستقر ذلك في قلبه ولم يب ل‬
‫مع الدفن وتعاقب القرون قبل البعث‪.‬‬
‫قد كانوا في الدنيا كما وصفهم هللا تعالى‪:‬‬

‫((وإذا خال بعض هم إىل بعض ق الوا أحتدثوهنم مبا فتح اهلل عليكم ليح اجوكم به عند‬
‫ربكم أفال تعقل ون (‪ )) )76‬يُقر فريق من من افقي اليه ود ب أن اهلل تع اىل قد بعث حمم دا‬
‫صلى اهلل عليه وسلم رسوال ويذكرون نعته يف التوراة املطابق للواقع‪ ،‬فيلومهم فريق آخر‬
‫ألن ه ذا اإلق رار يقوي حجة املؤم نني على املن افقني أم ام اهلل يوم القيام ة‪ .‬بل ويش تد ه ذا‬
‫الفريق يف النكري حىت يق ول لألولني‪( :‬أفال تعقل ون!)‪ .‬وك أهنم يتكلم ون عن إله غ ائب ال‬
‫يسمعهم يف هذا احلوار‪ ،‬بل ولن يطلع على ما يف صدورهم حىت وال يوم القيامة! إمنا كل‬
‫مههم أن يس تطيعوا الك ذب عليه ي وم القيامة وأن يقنع وه بض عف حجة املؤم نني! وه ذا‬
‫عندهم العقل كل العقل!‬

‫معجبا من سفاهتهم‪:‬‬
‫فقال تعاىل ِّ‬
‫أوال يعلمون أن اهلل يعلم ما يسرون وما يعلنون (‪)) )77‬‬
‫(( َ‬

‫وه ذا الق در من االحنراف حيت اج ت دربا ط ويال على الك ذب‪ .‬فمخادعة للنفس‪ .‬مث‬
‫خمادعة للن اس‪ ،‬مث خمادعة هلل يف ال دنيا‪ ،‬مث خمادعة هلل ي وم القيام ة‪ .‬وما ذلك إال ألن قل وهبم‬
‫قست فـفـقدوا الشعور‪:‬‬

‫((خيادعون اهلل والذين آمنوا وما خيدعون إال أنفسهم وما يشعرون))‬

‫اللهم فاعصمنا من االحنطاط يف هذه الدركات‪.‬‬

‫الصدق تدل عليه األعمال‪ ،‬وعلى رأسها الجهاد‪:‬‬

‫(‪)37‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فالدعاوى يستطيعها كل أحد‪ ،‬أما األفعال فال يثبت عليها إال الصادقون‪ ،‬خاصة إذا‬
‫كان فيها التضحية بالنفس واملال كما يف اجلهاد‪ .‬لذلك جتد يف سورة براءة أن اهلل تعاىل‬
‫فضح املنافقني وبني ختاذهلم عن اجلهاد مث قال تعاىل‪:‬‬

‫((يا أيها ال ذين آمن وا اتق وا اهلل وكون وا مع الص ادقني (‪ )119‬ما ك ان ألهل املدينة‬
‫ومن ح وهلم من األع راب أن يتخلف وا عن رس ول اهلل وال يرغب وا بأنفس هم عن نفسه))‬
‫فاملؤمن الصادق يربهن على صدق إميانه بأال يضن بنفسه عن تضحية ضحاها رسول اهلل‪.‬‬
‫وأال يتن اءى هبا عن معان اة ومش قة عاناها رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ .‬واملؤمن‬
‫الصادق ال يقول لنفسه‪ :‬أيُعقل وأنا صاحب األمالك والعقارات وصاحب العقلية الذكية‬
‫واملواهب الفري دة أن تنتهي حي ايت يف معرك ة؟! ((وال يرغب وا بأنفس هم عن نفس ه))‪ .‬ف إن‬
‫كان جهادا حقيقيا شرعيا فإنه ال يربأ بنفسه عنه‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪:‬‬
‫((قالت األعراب آمنا ق‪88‬ل لم تؤمن‪88‬وا ولكن قول‪88‬وا أس‪88‬لمنا)) إلى أن ق‪88‬ال‬
‫تعالى‪(( :‬إنما المؤمن‪88‬ون ال‪88‬ذين آمن‪88‬وا باهلل ورس‪88‬وله ثم لم يرت‪88‬ابوا وجاه‪88‬دوا‬
‫بأموالهم وأنفسهم في سبيل هللا أولئك هم الصادقون (‪)) )15‬‬
‫فجعل الص دق ‪-‬ال ذي هو ضد الك ذب ص ِ‬
‫فة املن افقني‪ -‬يف اإلميان ال ذي ال خيالطه‬
‫شك ويف اجلهاد‪.‬‬

‫وقال تعالى‪:‬‬

‫((ليس الرب أن تولوا وجوهكم قبل املشرق واملغرب ولكن الرب من آمن باهلل واليوم‬
‫اآلخر واملالئكة والكت اب والنب يني وآتى املال على حبه ذوي الق رىب واليت امى واملس اكني‬
‫وابن الس بيل والس ائلني ويف الرق اب وأق ام الص الة وآتى الزك اة واملوف ون بعه دهم إذا‬
‫عاه دوا والص ابرين يف البأس اء والض راء وحني الب أس أولئك ال ذين ص دقوا وأولئك هم‬
‫املتقون‬

‫(‪)) )177‬‬

‫و(حني الب أس) أي‪ :‬عند م واطن القت ال‪ ،‬أي‪ :‬يف اجله اد‪ .‬وه ذه اآلية تنص على أن‬
‫الذين صدقوا‪-‬يف مقابلة املنافقني الذين كذبوا‪-‬هم أولئك الذين يأتون هبذه األفعال‪ ،‬ومنها‬
‫اجلهاد‪ .‬وقد رأينا‪ ،‬وسنرى فيما يأيت‪ ،‬أن املنافقني ال يأتون هبا‪ .‬فبدل اإلميان شك‪ ،‬وبدل‬
‫الوفاء إخالف عهد‪ ،‬وبدل الصرب انتكاسة وجنب‪ ،‬وبدل اجلهاد قعود‪.‬‬

‫(‪)38‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فاللهم اجعلنا من الصادقني‪.‬‬

‫********************************************‬

‫‪ )6‬التخلف عن الجهاد‬

‫عالقته بالشك يف الدين ومرض القلب والذنوب‪:‬‬

‫وكما يف ص فات املن افقني كلها فه ذا التخلف ن اتج عن الشك يف ال دين ال ذي هو‬
‫ناتج عن مرض القلب‪ .‬ومرض القلب مثرة الذنوب‪.‬‬

‫أما الذنوب‪ ،‬فقال اهلل تعاىل‪:‬‬


‫(( فما لكم في المنافقين فئتين وهللا أركسهم بما كسبوا))‬

‫وقد روى البخاري أهنا نزلت يف املنافقني الذين رجعوا من جيش رسول اهلل املنطلق‬
‫إىل أحد‪ ،‬فأبوا أن يتابعوا معه املسري إىل اجلهاد‪ .‬فالتخلف عن اجلهاد إذن مثرة الذنوب‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪:‬‬

‫((إن الذين تولوا منكم يوم التقى اجلمعان إمنا استزهلم الشيطان ببعض ما كسبوا))‬

‫فال ذنوب اليت يُس لفها اإلنس ان أي ام الراحة جتتمع عليه ي وم اجله اد لتُض عفه عن إرادة‬
‫التضحية يف سبيل اهلل تعاىل‪.‬‬

‫وأما مرض القلب‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬

‫((فإذا أنزلت سورة حمكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين يف قلوهبم مرض ينظرون‬
‫إليك نظر املغشي عليه من املوت فأوىل هلم (‪ )20‬طاعة وقول معروف فإذا عزم األمر فلو‬
‫ص دقوا اهلل لك ان خ ريا هلم (‪ )21‬فهل عس يتم إن ت وليتم أن تفس دوا يف األرض وتقطع وا‬
‫أرحامكم (‪)) )22‬‬

‫فمرض القلب جُي نب عن القتال وجيعل صاحبه يفغر فاه ويصفر وجهه وتدور عيناه إذا‬
‫علم بق رب املواجه ة‪ .‬وانظر ارتب اط م رض القلب بال ذنوب من إفس اد يف األرض وتقطيع‬
‫لألرحام‪.‬‬

‫(‪)39‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫وقال تعالى‪:‬‬

‫((وإذا أنزلت سورة أن آمنوا باهلل وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم‬
‫وق الوا ذرنا نكن مع القاع دين (‪ )86‬رض وا ب أن يكون وا مع اخلوالف وطبع على قل وهبم‬
‫فهم ال يفقهون (‪)) )87‬‬

‫فرتك اجلهاد مقرتن بالطبع على القلب‪ ،‬أي مرضه‪ .‬فمرض القلب يُقعد عن اجلهاد‪،‬‬
‫والقعود عن اجلهاد يزيد مرض القلب‪.‬‬

‫وأما الشك يف الدين‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬


‫((إنما يستأذنك الذين ال يؤمنون باهلل واليوم اآلخر وارت ابت قل وبهم فهم‬
‫في ريبهم ي ترددون (‪ )) )45‬وال عجب‪ .‬فكي ف يض حي إنس ان بنفس ه في‬
‫سبيل قضية ال ي ؤمن به ا‪ .‬أن ك انت التك اليف المطلوب ة س هلة ميس ورة فال‬
‫بأس عند المن افق‪ ،‬على طريق ة ((وم ا أظن الس اعة قائم ة ولئن رددت إلى‬
‫ربي))‪ ...‬فالمنافق قد ي ؤدي بعض التك اليف "احتياط ا"‪ ،‬بحيث "في ح ال"‬
‫ثبت أن هناك إلها وآخرة وجنة ونارا فها قد قدم ما ق د ينجي ه في ظن ه‪ ،‬وفي‬
‫حال أن ذلك كله لم يكن فهو لم "يخسر" كث يرا‪ .‬أم ا أن "يغ امر" بنفس ه في‬
‫سبيل ما ال يتيقن‪ ،‬فالمنافق ال يرى ذلك من الحكمة‪.‬‬

‫المنافق يتفنن في األعذار للتخلف والتثبيط عن الجهاد‪:‬‬

‫‪ )1‬فت ارة يق ول‪( :‬إنه ال ح رب على اإلس الم ك دين‪ ،‬وإنكم أيها املش ايخ تؤمن ون‬
‫بنظرية املؤامرة وتفس رون كل ح دث على أنه ج زء من ه ذه احلرب الص ليبية يف زعمكم‪.‬‬
‫وه ذا من وساوس كم وعق دكم النفس ية)‪ .‬وه ذا كما ق ال ابن س لول وفئته الناكصة ي وم‬
‫بدر‪ .‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((وما أص ابكم ي وم التقى اجلمع ان فب إذن اهلل وليعلم املؤم نني (‪ )166‬وليعلم ال ذين‬
‫نافقوا وقيل هلم تعالوا قاتلوا يف سبيل اهلل أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتاال التبعناكم)) أي‪:‬‬
‫لو نعلم أنكم تلقون حربا جلئناكم ولكن ال تلقون قتاال‪.‬‬

‫ولذلك ترى املنافق إذا ما خُن ز لينجد املسلمني ويدفع عن األمة قلل من شأن احلرب‬
‫على اإلس الم وأكد أن دوافع احلرب اقتص ادية أو أهنا تس تهدف فئة من أص حاب الغل و‪،‬‬
‫وليس اإلسالم ذاته!‬

‫(‪)40‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫‪ )2‬وت ارة يتعلل بع دم مناس بة الطقس للجه اد! وانظر إىل س خافة أع ذارهم! وك أن‬
‫اجلهاد يتحمل التأجيل حىت يصبح اجلو مجيال وتكون رحلة اجلهاد نزهة شيقة‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬

‫((فرح املخلفون مبقعدهم خالف رسول اهلل وكرهوا أن جياهدوا بأمواهلم وأنفسهم‬
‫يف س بيل اهلل وق الوا ال تنف روا يف احلر)) ف رد اهلل عليهم ردا يهز الكي ان ويقش عر منه جل ُد‬
‫َمن به روح‪:‬‬

‫((قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون (‪.)) )81‬‬


‫تصورهم معي وهم يثنون أعن اق خي ولهم لتُ دبِر عن الجيش اإلس المي‬
‫قائلين‪( :‬ال تنفروا في الحر)‪ .‬ح تى إذا اس تدارت وج وههم اآلثم ة وت وارت‬
‫عن أنظ ار المؤم نين تغ امزوا ض احكين من ع ذرهم الس خيف‪ ...‬ق ال هللا‬
‫تعالى‪:‬‬

‫((فليضحكوا قليال وليبكوا كثريا جزاء مبا كانوا يكسبون (‪)) )82‬‬

‫َولْيبكوا كثريا‪...‬إن كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد قال‪:‬‬

‫((إن أهون أهل النار عذابا من له نعالن وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما‬
‫يغلي املرجل‪ .‬ما ي رى أن أح دا أشد منه ع ذابا وإنه أله وهنم ع ذابا)) (البخ اري ومس لم‬
‫واللفظ ملسلم)‪.‬‬

‫فما بالك مبن هو يف ال درك األس فل من الن ار؟! لن يفرح وا يومئذ مبقع دهم‪ ،‬ولعل‬
‫املؤمنني يقولون هلم يومئذ وهم يضحكون‪ :‬ال تنفروا يف احلر! فها قد أتاكم إىل عندكم!‬

‫وانظر كيف ق ال اهلل تع اىل‪(( :‬ف رح املخلف ون))‪ ...‬وه ذا ف ارق بني املؤمن واملن افق‪.‬‬
‫فإن املؤمن قد يقع يف معصية لشهوة‪ ،‬لكنه بعد مقارفتها يندم عليها‪...‬كما وقع من كعب‬
‫بن مالك وصاحبيه رضي اهلل عنهم عندما ختلفوا عن تبوك‪.‬‬

‫‪ )3‬وتارة يتعلل من يف قلبه نفاق بعدم مناسبة الوقت للجهاد‪ .‬فما زال لديه طموح‬
‫وخطط مس تقبلية ال حيب أن تقطعها املني ة‪ .‬وال زال ي رى يف نفسه إمكاني ات ينبغي أن‬
‫تُستغل لـ"صاحل البشرية"‪ .‬فهو صاحب عقلية ومواهب‪ ...‬خسارة أن تضيع بضربة سيف‬
‫أو رمية رمح! قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫(‪)41‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((أمل تر إىل ال ذين قيل هلم كف وا أي ديكم وأقيم وا الص الة وآت وا الزك اة فلما كتب‬
‫عليهم القت ال إذا فريق منهم خيش ون الن اس كخش ية اهلل أو أشد خش ية وق الوا ربنا مل‬
‫كتبت علينا القت ال ل وال أخرتنا إىل أجل ق ريب قل مت اع ال دنيا قليل واآلخ رة خري ملن‬
‫اتقى وال تظلمون فتيال (‪)) )77‬‬

‫وقد روى النس ائي وغ ريه بس ند ص حيح عن ابن عب اس ما ي دل على أن ه ذه اآلية‬


‫مشلت بعض الصحابة الصادقني الذين متنوا اجلهاد حقا لكنهم ضعفوا عند فرضه عليهم‪.‬‬
‫لكن ش تان بني ه ؤالء الص حابة واملن افقني‪ .‬ف إن ه ذا الفريق من الص حابة وإن كبا كب وة‬
‫عارضة إال أهنم بعد ت ذكري اهلل هلم اس تجابوا هلل وللرس ول فنهض وا ش جعانا ومل يتخلف وا‬
‫عن رسول اهلل بعدها ومسحوا هذه الزلة العارضة بتاريخ أبيض ناصع من الصرب والثبات‬
‫غ ازين ومغ زوين‪ ،‬مل ي ؤثَر عنهم بع دها (ليت) وال (ل و) وال (ل وال)‪ .‬وخري اخلط ائني‬
‫التوابون‪.‬‬

‫أما املن افقون ف إهنم ملا دنت املواجهة وف رض القت ال ض رب اخلوف أطنابه يف‬
‫قل وهبم‪ ...‬فخش وا الن اس أك ثر من خش ية اهلل وبق وا معرتضني على ق در اهلل وأم ره‬
‫متس خطني عند كل اختب ار ق ائلني يف أنفس هم‪( :‬ربنا مِلَ كتبت علينا القت ال؟)! وأكرب‬
‫مههم أن يت واروا عن أعني املؤم نني فال يُعلم نكوص هم عن اجله اد ف إن خرج وا إليه‬
‫كارهني فإهنم ال يأتون البأس إال قليال‪ .‬ويف قتاهلم هذا‪(( :‬وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه‬
‫من عندك)) أي من اتباعنا دين حممد‪.‬‬

‫ويبقى هذا اجلنب والتسخط يف قلب املنافق إىل أن ميوت‪.‬‬

‫‪ )4‬وتارة يتعلل ببعد املسافة عن أرض اجلهاد‪:‬‬

‫(( لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا التبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة))‬

‫فما عند املنافق من إميان ال يكفي إال ملسافة قصرية‪ ...‬وبعد هذه املسافة ينفد وقوده‬
‫اإلمياين! ويا حب ذا لو ك ان املنتظر من ه ذا اجله اد الق ريب غنيمة تس تحق اخلروج‪ .‬فـ"جنة‬
‫عرضها السماوات واألرض" ال تفعل يف نفس املنافق فعل درهم أو قطيفة‪.‬‬

‫‪ )5‬وتارة يتعلل بأن اجلهاد سيفتنه وبأن االلتزام بدين اهلل سينفره عن دين اهلل‪:‬‬

‫(‪)42‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫روى املفس رون أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أثن اء جته يزه لغ زو ال روم ق ال‬
‫للجد بن قيس‪(( :‬هل لك يا جد العام يف جالد بين األصفر؟))‪ .‬فقال‪( :‬يا رسول اهلل أو‬
‫ت أذن يل وال تفتين فواهلل لقد ع رف ق ومي ما رجل أشد عجبا بالنس اء مين‪ ،‬وإني أخشي‬
‫إن رأيت نس اء بين األص فر أن ال أصرب عنهن)‪ .‬ف أنزل اهلل‪ (( :‬ومنهم من يق ول ائ ذن يل‬
‫وال تفتين))‬

‫(وسبب النزول هذا وإن كان يف إسناده ضعف إال أن الطربي قال فيه‪ :‬وبذلك من‬
‫التأويل تظاهرت األخبار عن أهل التأويل)‪.‬‬

‫وإن الواحد منا قد يتعذر لنفسه في ترك أمر من أوامر هللا بأن ه إن فع ل‬
‫هذا األمر فسينفر من الدين‪...‬فيقول في نفسه‪ :‬فألبق على معصية فعلية خير‬
‫لي من هذه الموبقة العقدية‪ :‬النفرة من الدين‪ .‬قد تقول المتبرج ة ذل ك لنفس ها‬
‫وقد يقولها صاحب النظرة المحرمة‪.‬‬

‫وعلى هؤالء مجيعا يرد اهلل تعاىل فيقول‪:‬‬

‫((أال يف الفتنة سقطوا))‪.‬‬

‫فهذا التعذر األجوف املبتذل هو عني الفتنة‪ .‬كما أن ترك أمر اهلل فتنة‪.‬‬

‫وكم يتعذر املعطلون للجهاد بدرء الفنت عن بالدهم وجتنيبها الويالت‪ ،‬فإذا بالشباب‬
‫ال ذين ُجنب وا التض حية يف س بيل اهلل تأسن أرواحهم فيقع ون يف مس تنقعات الش هوات‬
‫والتنازع على الدنيا فيُهلكون دنياهم وأخراهم ((أال يف الفتنة سقطوا))‬

‫‪ )6‬وتارة يتعذر بأن وقوفه يف خط املواجهة يهدد أمنه الداخلي‪:‬‬

‫((ويس تأذن فريق منهم النيب يقول ون إن بيوتنا ع ورة وما هي بع ورة إن يري دون إال‬
‫فرارا (‪)) )13‬‬

‫فقد ادعى املن افقون أن بي وهتم قريبة من جي وش الع دو فيخ افون على أهليهم أو‬
‫أمواهلم‪.‬‬

‫وهكذا‪...‬إذا دهم العدو بلدا من بالد المس لمين ف إن المتخ اذلين في البالد‬
‫األخ رى يرفع ون ش عار أن المحافظ ة على أمن بل دهم أولى من نص رة‬
‫المسلمين المنكوبين‪.‬‬

‫(‪)43‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫‪(( )7‬سيقول لك المخلفون من األعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاس تغفر‬


‫لنا يقول‪88‬ون بألس‪88‬نتهم م‪88‬ا ليس في قل‪88‬وبهم)) فهم لم ين دموا على تخلفهم ولم‬
‫يتوبوا إلى هللا بقلوبهم‪ ،‬وإنما يطلبون االستغفار رياء ونفاقا‪.‬‬
‫فه ذه أع ذارهم! ظلم ات بعض ها ف وق بعض‪ ...‬حجج ال َخ ِزيِّ الجب ان‬
‫وادعاءات بطال كسالن‪ .‬فلن يجاهد المنافق إال إذا أ َّمنت له "جهادا" مفصال‬
‫على هواه‪ :‬جهاد في فصل الربيع على مسافة قص يرة وبغن ائم وف يرة‪ ،‬وفي‬
‫الوقت المناسب بعد أن يفرغ من تحقيق األماني‪ ،‬شريطة أن يك ون أهل ه في‬
‫غنى عنه وتجارته لها من يُسيرها وأن يتفرغ الجيش اإلسالمي لحماية بيت ه‬
‫من خلفه‪ ،‬وشريطة أن تخلو س احة الجه اد من نس اء فاتن ات وأال تك ون في‬
‫الجهاد تضحيات تفتنه عن دينه‪،‬‬
‫وشريطة أن يعلن العدو بلسانه أنه يحارب اإلسالم ذاته!‬
‫وهو مع ذلك كله يقسم‪:‬‬

‫((وأقسموا باهلل جهد أمياهنم لئن أمرهتم ليخرجن قل ال تقسموا طاعة معروفة إن اهلل‬
‫خبري مبا تعملون (‪ )) )53‬طاعة بالشروط املذكورة‪ .‬فهم كمن قال‪:‬‬

‫وأحـ ــمي ظـهرهم عند القتال‬ ‫أمحـس يف الوغى أبناء قومي‬


‫وإن كـــروا فــقد دبرت حالي‬ ‫فإن فروا سبقتهم جـميعـا‬

‫ويكس ــر بيضــتني على التوايل‬ ‫ويل عـزم يشـق املاء شـقا‬

‫وقال تعاىل يف املنافقني‪(( :‬فإذا ذهب اخلوف سلقوكم بألسنة حداد))‬

‫ق ال ابن كث ري‪ :‬أي‪ :‬ف إذا ك ان األمن تكلم وا كالما بليغا فص يحا عالي ا‪ ،‬وادع وا‬
‫ألنفسهم املقامات العالية يف الشجاعة والنجدة‪ ،‬وهم يكذبون يف ذلك‪.‬‬

‫ال يكتفي المنافق بقعوده عن الجهاد بل يثبط غيره‪:‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪:‬‬


‫((قد يعلم هللا المع‪88‬وقين منكم والق‪88‬ائلين إلخ‪88‬وانهم هلم إلين‪88‬ا وال ي‪88‬أتون‬
‫البأس إال قليال))‬

‫وقال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)44‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((وإن منكم ملن ليبطئن)) فيتباطأ هو يف نفسه ويبطئ غريه عن اجلهاد‪.‬‬

‫بل ويطعن املنافق على اجلهاد نفسه ويعترب تركه حكمة‪:‬‬

‫((الذين قالوا إلخواهنم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا)) ففي القعود السالمة!‬

‫يرى اجلبناء أن العجز عقل وتلك خديعة الطبع اللئيم‬

‫بل ويتج اوز بعض هم كل حد فيس تغل ما يص يب املؤم نني من ابتالء يف معركة من‬
‫املعارك ذريعة للطعن يف الدين ذاته‪:‬‬

‫((يقولون لو كان لنا من األمر شيء ما قتلنا ههنا)) قال بعض املفسرين‪... :‬وقيل‪:‬‬
‫أي‪ :‬لو كنا على احلق ما قتلنا ههنا (البغ وي)‪ .‬فهم اعت ربوا ما أص اب املس لمني ي وم أحد‬
‫داللة على بطالن ال دين‪ .‬فحس اباهتم أرض ية حبت ة‪ ،‬ال يفهم ون أن اهلل تع اىل ميحص ب ذلك‬
‫االبتالء صف املؤم نني من ش وائب املن افقني ويتخذ ش هداء يعلي هلم املن ازل ويعظم‬
‫األجور‪.‬‬

‫فاملن افقون هرطق وا ب أن طاعة النيب ص لى اهلل عليه وس لم يف اخلروج إىل املش ركني‬
‫خارج املدينة سبب للمصيبة يف أحد‪ .‬واحلق أن سبب املصيبة هو عصيان الرسول ((ولقد‬
‫صدقكم اهلل وعده إذ حتسوهنم بإذنه حىت إذا فشلتم وتنازعتم يف األمر وعصيتم من بعد‬
‫ما أراكم ما حتبون))‬

‫وهكذا املنافقون! ينسبون كل مصيبة حتل باملسلمني إىل اجلهاد واجملاهدين‪ ((...‬وإن‬
‫تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك))‬

‫أي من ِقَبلك (يا حمم د) وبس بب اتباعنا لك واقت دائنا ب دينك (ابن كث ري) ويقول ون‬
‫هذه من عند حممد‪ ،‬أساء التدبري وأساء النظر (الطربي)‬

‫جرنا حممد إىل مواجهة مل نستعد هلا وهيج علينا األمم‪ .‬أال شاهت الوجوه‬ ‫يقولون َّ‬
‫ِ‬
‫وش لت ألسن تنسب الفشل إىل طاعة اهلل والرس ول‪ .‬فما أُتيت األمة إىل من قبَل املن افقني‬
‫ُ‬
‫وإفسادهم وتفريقهم صف املسلمني وختذيلهم املسلمني عن رد عدوهم‪.‬‬

‫(‪)45‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫ل ذا ت رى أن اهلل تع اىل حيذرنا من ه ذا املنطق األع وج يف اعتب ار ما يص يب إخواننا‬


‫داللة على بطالن قض ية اجله اد ودافعا إىل القع ود لس المة األرواح وي بني أن ذلك دي دن‬
‫الكفار‪:‬‬

‫((يا أيها الذين آمنوا ال تكونوا كالذين كفروا وقالوا إلخواهنم إذا ضربوا يف األرض‬
‫أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل اهلل ذلك حسرة يف قلوهبم))‬

‫وعلى ه ذه األق وال مجيع ا‪...‬على من ق ال (لو أطاعونا ما قتل وا) وعلى من ق ال (لو‬
‫ك ان لنا من األمر ش يء ما قتلنا ههنا) وعلى من ق ال (لو ك انوا عن دنا ما م اتوا وما‬
‫قتل وا)‪...‬عليهم وعلى كل متخ اذل خمذل ج زع عن ن زول القض اء الئم لس اداته من‬
‫املؤمنني النبالء رد اهلل تعاىل بأمجل رد وأفصح بيان‪:‬‬

‫((قل فادرؤوا عن أنفسكم املوت إن كنتم صادقني))‬

‫((قل لو كنتم يف بيوتكم لربز الذين كتب عليهم القتل إىل مضاجعهم))‬

‫((ولئن قتلتم يف سبيل اهلل أو متم ملغفرة من اهلل ورمحة خري مما جيمعون))‬

‫فاملوت سيحصد الشجاع واجلبان‬

‫غري أن الفىت يالقي املنايا كاحلات وال يالقي اهلوانا‬

‫وإذا مل يكن من املوت بد فمن العار أن متوت جبانا‬

‫لكن ش تان بني طريقة م وت كل منهم ا‪ ...‬وش تان بني ال ذكرى اليت يرتكها كل‬
‫منهما‪ ...‬وشتان بني املآل واملصري‪.‬‬

‫حال المنافق أيام الرخاء ال تدل على نيته الجهاد‪:‬‬


‫كثيرا ما يتعذر المنافقون ألنفسهم بأنهم يتمنون في أنفس هم أن يجاه دوا‬
‫لكن الفرصة غير مواتية‪ .‬قال هللا تعالى‪ (( :‬ولو أرادوا الخ روج ألع دوا ل ه‬
‫عدة ))‬
‫فلو كان تمنيهم ه ذا ص ادقا لظه ر في أعم الهم‪ .‬لكنهم لم ا وهن وا أم ام‬
‫الشهوات مرضت قلوبهم فأصبح خروجهم خطرا على المؤمنين الصادقين‪،‬‬
‫ألن المن افق ال ذي ض عف أم ام الش هوات والش بهات ال يظن ب ه أن يق ف‬

‫(‪)46‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫شجاعا أمام الحديد والنار وتطاير األشالء‪ .‬وحري ب ه أن يس تزله الش يطان‬
‫ببعض ما كسب فينكص ويخلخل صفوف المؤمنين‪ .‬لذا َك ِره هللا انبعاثهم‪:‬‬
‫((ولكن كره هللا انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين))‬

‫لذا جعل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم غياب النية الصادقة للجهاد أمارة للنفاق‪:‬‬

‫((من مات ومل يغز ومل حيدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق)) (مسلم وأبو‬
‫داود)‪.‬‬

‫فلي ربأ املؤمن لنفسه من ه ذه الش عبة ب أن ي وطن نفسه على حب اجله اد وي دعو اهلل‬
‫تع اىل أن يه يئ له س بله وي رتك املعاصي اليت حتول دونه و ُت َعلِّقه بال دنيا ويعد له الع دة‪ .‬فإنه‬
‫إن فعل ذلك فم ات حتف أنفه بلغ من ازل الش هداء بعمل قلب ه‪ .‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم‪:‬‬

‫((من س أل اهلل الش هادة من قلبه ص ادقا بلغه اهلل من ازل الش هداء وإن م ات على‬
‫فراشه)) (مسلم وأبو داود والرتمذي وابن ماجة)‬

‫وقال عليه الصالة والسالم‪(( :‬إن باملدينة أقواما ما سرمت مسريا وال قطعتم واديا إال‬
‫ك انوا معكم))‪ .‬ق الوا‪( :‬يا رس ول اهلل وهم باملدين ة؟) ق ال‪(( :‬وهم باملدينة‪ .‬حبس هم‬
‫الع ذر(( (البخ اري)‪...‬فه ؤالء متن وا ص ادقني أن جياه دوا يف غ زوة تب وك لكنهم ما‬
‫اس تطاعوا ملرض أو ع دم نفقة فأث اهبم اهلل الك رمي ث واب اجملاه دين لص دقهم‪ ،‬ألهنم ملا مل‬
‫جيدوا ما ينفق ون تول وا وأعينهم تفيض من ال دمع‪ ...‬فهم تش تاق أرواحهم إىل س احات‬
‫التضحية يف سبيل اهلل تعاىل‪.‬‬

‫لكن ال ذم والعيب للمن افقني ال ذين ت وفرت ل ديهم أس باب اجله اد فرض وا بالدنية‬
‫واختاروا مكانا ال يليق بالرجال عندما يدعو داعي اجلهاد‪:‬‬

‫((إمنا السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع اخلوالف وطبع‬
‫اهلل على قلوهبم فهم ال يعلمون))‬

‫فاللهم ارزقنا شهادة يف سبيلك وقبلها نية صادقة نربأ هبا من النفاق‪.‬‬

‫******************************‬

‫(‪)47‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫‪ )7‬ثقل العبادات على النفس‬

‫وهذه أيضا من الثمار املشؤومة للشك يف الدين‪ .‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((واستعينوا بالصرب والصالة وإهنا لكبرية إال على اخلاشعني (‪ )45‬الذين يظنون أهنم‬
‫مالقو رهبم وأهنم إليه راجعون (‪)) )46‬‬

‫فالص الة ثقيلة إال على ال ذين يظن ون (ويظن ون يف الق رآن مبعىن يوقن ون) بي وم ِ‬
‫آخر‬
‫يالقون فيه رهبم فيجزيهم على صربهم على تكاليف الصالة جزاء حسنا‪.‬‬

‫أما املن افقون ف إهنم يش كون يف ه ذا الي وم اآلخر أو ال يص دقون ب ه‪ ،‬فثقلت عليهم‬
‫الصالة لذلك‪ .‬ففيها تفريغ األوقات واستيفاء الشروط واالنقطاع للحظات عن الدنيا اليت‬
‫ال يؤمنون إال هبا‪ .‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫((إن أثقل ص الة على املن افقني ص الة العش اء وص الة الفجر ولو يعلم ون ما فيها‬
‫ألتومها ولو حبوا ولقد مهمت أن آمر بالصالة فتقام مث آمر رجال فيصلي بالناس مث انطلق‬
‫معي برج ال معهم ح زم من حطب إىل ق وم ال يش هدون الص الة ف أحرق عليهم بي وهتم‬
‫بالنار)) (البخاري ومسلم)‪.‬‬

‫وملاذا صالتا العشاء والفجر؟ ألهنم ال يراهم فيهما إال اهلل تعاىل! هم يف غريمها من‬
‫الص لوات ي دفعهم إىل املس اجد جتنب اإلح راج مع املؤم نني‪ ،‬كما أهنم مس تيقظون يف‬
‫أوقات هذه الصلوات على كل حال‪ .‬فال بأس واحلال كذلك أن يصلوا‪ ...‬فإن كانت‬
‫آخرةُُ وجنة ونار فلم "خيسروا شيئا" بصلواهتم هذه‪ .‬أما العشاء والفجر‪ ،‬فوقتا عتمة‪ ،‬ال‬
‫ي راهم فيهما املؤمن ون حض روا أم غ ابوا‪ .‬مث يف ه ذين الوق تني ال بد من التض حية ب النوم‪.‬‬
‫وس اعة نوم أهم عند املنافق من جنة عرض ها الس ماوات واألرض‪ .‬فاجلنة عن ده "حمتملة"‬
‫وليست باليقني الذي يضحى من أجله! وألن يعيش يف أحالم سعيدة أحب إليه من يقوم‬
‫ليعمل يف سبيل غيب يشك فيه!‬

‫((ولو يعلم ون ما فيهم ا)) لو ك انوا يوقن ون باملع اد وحسن اجلزاء‪...‬ألتومها ولو‬
‫حب وا‪...‬كما هو ح اهلم يف ش أن ال دنيا‪ ...‬حيب ون خلفها على األي دي واألرجل بل‬
‫ويلهثون ألدىن عرض فيها‪.‬‬

‫قال عليه الصالة والسالم يف حديث آخر‪:‬‬

‫(‪)48‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه جيد َعرقا مسينا أو مرماتني حسنتني لشهد‬
‫العش اء)) (البخ اري)‪ .‬فاملن افق لو علم أنه بإتيانه املس جد يكسب عظمة عليها قطعة حلم‬
‫مسينة (عرقا مسينا) أو حىت ما بني ظلفي الش اة من اللحم (مرم اة) ألتى العش اء! أما جنة‬
‫عرضها السماوات واألرض فال تفعل يف نفسه مقدار ما تفعله قطعة حلم صغرية!‬

‫ويف أيامنا هذه‪ ...‬فكر‪ ...‬ماذا يكون حال مسجد يف حي مكتظ بالسكان تدخله‬
‫عشاء وليس فيه إال صفان أو ثالثة‪...‬ماذا يكون حاله لو أُعلن أن بعد الصالة طبيخا أو‬
‫أن مبلغا من املال سيوزع على احلاضرين؟ كم من اخللق حيضر؟‬

‫حسن أداء الصالة مقياس اإليمان من النفاق‪:‬‬


‫فالمؤمن يقوم إلى الص الة بنش اط‪ ،‬مخلص ا‪ ،‬حريص ا على الص الة في‬
‫الجماعة‪ ،‬ويطمئن في أدائها‪ .‬وأما المنافق فهذه الصفات عنده معكوس ة كم ا‬
‫يلي‪:‬‬
‫ا) المنافق ال يحرص على الجماعة‪:‬‬
‫للحديث الذي أسلفنا ولقول عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه‪:‬‬
‫((من سره أن يلقى هللا غدا مسلما فليحافظ على ه ؤالء الص لوات حيث‬
‫ينادى بهن‪ .‬فإن هللا شرع لنبيكم ص لى هللا علي ه وس لم س نن اله دى ‪ ،‬وإنهن‬
‫من سنن الهدى ‪ ،‬ولو أنكم صليتم في بي وتكم كم ا يص لي ه ذا المتخل ف في‬
‫بيته‪ ،‬لتركتم سنة نبيكم‪ .‬ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم‪ .‬وم ا من رج ل يتطه ر‬
‫فيحسن الطهور ‪ ،‬ثم يعمد إلى مسجد من ه ذه المس اجد إال كتب هللا ل ه بك ل‬
‫خطوة يخطوها حسنة‪ ،‬ويرفعه بها درجة‪ ،‬ويحط عنه بها سيئة‪ .‬ولق د رأيتن ا‬
‫وما يتخلف عنها إال منافق معلوم النفاق‪ .‬ولقد كان الرج ل ي ؤتى ب ه يه ادى‬
‫بين الرجلين حتى يقام في الصف)) (مسلم)‪ .‬فانظر كيف أن الصحابة ك انوا‬
‫يحرص ون على أدائه ا في جماع ة‪ ،‬ح تى الم ريض المع ذور منهم‪ ،‬في أتي‬
‫الجماعة متكئا على رجلين ما يستطيع أن يمشي وحده لمرضه أو كبر سنه‪.‬‬

‫ب) الكسل عن الصالة عالمة نفاق‪:‬‬

‫فإنك لتس مع من يتع ذر لنفسه عن ت رك الص الة بأنه ال جيح دها وإمنا هو الكس ل!‬
‫وال يعلم ه ذا أنه أقر على نفسه بالنف اق‪ .‬فهو إن جنا من الكفر على ق ول من ال ي رى‬
‫بكفر تارك الصالة فقد وقع برتكه الصالة كسال يف خصلة من خصال النفاق‪ .‬قال اهلل‬
‫تعاىل‪:‬‬

‫(‪)49‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((إن املن افقني خيادعون اهلل وهو خ ادعهم وإذا ق اموا إىل الص الة ق اموا كس اىل‬
‫يراؤون الناس وال يذكرون اهلل إال قليال (‪ )) (142‬فقول أحدهم‪ :‬أتركها كسال إدانة له‬
‫ال عذر‪ .‬فاملنافقون قاموا إىل الصالة كساىل‪ .‬أما هو فقد أقعده الكسل فما قام أصال!‬

‫جـ) المنافق يرائي في صالته‪:‬‬

‫فقد ق ال تع اىل‪(( :‬ي راؤون الناس))‪ .‬وه ذا الري اء يف الص الة مرض خفي يتج زأ على‬
‫درجات‪ .‬فقد ال يكون الدافع إىل الصالة ابتداء الرياء عند بعضنا‪ ،‬لكنه حُي سن الصالة إذا‬
‫كان بني الناس أكثر مما إذا خال بربه عز وجل‪...‬وهذا من الرياء‪ .‬أال ترى أن أحدنا قد‬
‫ي دخل املس جد فيُق دَّم لإلمامة يف ص الة س رية‪ ،‬فال يك اد يزيد على املع وذتني أو س ورة‬
‫اإلخالص‪ .‬فإذا َّأم يف جهرية خرجت كنوز ما حيفظه من طوال السور جمودة؟! وال ميكن‬
‫أن يرضى لنفسه أن يؤم الناس يف جهريتني متتاليتني بالقصار! فنسأل اهلل تعاىل العفو‪.‬‬

‫د) المنافق ال يتأنى في صالته‪:‬‬

‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫((تلك صالة املنافق جيلس يرقب الشمس حىت إذا كانت بني قرين الشيطان (أي‪:‬‬
‫قاربت على الغروب) قام فنقرها أربعا ال يذكر اهلل فيها إال قليال)) (مسلم)‪.‬‬

‫وكم ت رى من املس لمني إس راعا يف الص الة فال يطمئن ون بني الس جدتني وال بعد‬
‫القيام من الركوع‪.‬‬

‫الصالة في الجماعة سبب في تمايز المؤمن عن المنافق في اآلخرة‪:‬‬

‫فقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫((بشر املش ائني يف الظلم إىل املس اجد ب النور الت ام ي وم القيامة)) (رواه أبو داود‬
‫والرتمذي وابن ماجة وصححه األلباين وقال الذهيب‪ :‬على شرط البخاري ومسلم)‪.‬‬

‫فهذا النور الت ام ه و ال ذي س يمكنهم من العب ور على الص راط مخلفين‬


‫وراءهم المنافقين بال نور‪:‬‬

‫((يوم ال خيزي اهلل النيب والذين آمنوا معه نورهم يسعى بني أيديهم وبأمياهنم))‬

‫(‪)50‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((ي وم ت رى املؤم نني واملؤمن ات يس عى ن ورهم بني أي ديهم وبأمياهنم بش راكم الي وم‬
‫جنات جتري من حتتها األهنار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (‪)))12‬‬

‫مش وا في ظلم ات اللي ل فأث اهبم اهلل تع اىل ن ورا ي وم تش تد احلاجة إىل الن ور‪ .‬ويف‬
‫املقابل‪:‬‬

‫((يوم يقول املنافقون واملنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا‬
‫وراءكم فالتمسوا نورا))‬

‫يري دون التطفل على املؤم نني ون وال اجلنة بال عم ل! لكن هيه ات‪...‬اكتسب‬
‫املؤمن ون الن ور مبش يهم يف الظلم‪ .‬أما أنتم أيها املن افقون فعلى أي ش يء متنح ون الن ور؟‬
‫ارجعوا فالتمسوه يف شككم وريائكم وكسلكم‪...‬كطالب اللولؤ يف البيداء‪ ...‬فيُضرب‬
‫السور وتنجلي احلقائق وجتزى كل نفس مبا كسبت‪..‬‬

‫ترك الجمعة سبب في دخول النفاق إلى القلب‪:‬‬

‫فقد ق ال عليه الص الة والس الم‪(( :‬من مسع الن داء ي وم اجلمعة فلم يأهتا‪ ،‬مث مسعه فلم‬
‫يأهتا‪ ،‬مث مسعه فلم يأهتا‪ ،‬طبع اهلل على قلبه وجعل قلبه قلب من افق)) (أخرجه ال بيهقي وأبو‬
‫يعلى وصححه ابن املنذر وحسنه األلباين)‪.‬‬

‫والطبع على القلب شر عق اب دني وي‪ .‬فال يع ود ص احبه يس تقبح معص يته‪ .‬ف أىن له‬
‫إذن أن يتوب!‬

‫المنافق يستثقل اإلنفاق في سبيل اهلل تعالى‪:‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((وما منعهم أن تقبل منهم نفق اهتم إال أهنم كف روا باهلل وبرس وله وال ي أتون الص الة‬
‫إال وهم كساىل وال ينفقون إال وهم كارهون))‬

‫وقال تعاىل‪:‬‬

‫((فلما آتاهم من فضله خبلوا به وتولوا وهم معرضون))‬

‫(‪)51‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫وال غرابة‪...‬فالصدقة عند املنافق خسارة حمضة إذ هو ال يؤمن جبزائها األخروي‪ .‬لذا‬
‫ت رى أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم جعل الص دقة برهانا على ص حة اإلميان فق ال‪:‬‬
‫((الصدقة برهان)) (مسلم)‪.‬‬

‫وكما أهنا برهان على اإلميان فإهنا تزيده كذلك‪ .‬فاملؤمن حني يهم بإخراج الصدقة‬
‫يستجمع إميانه ويستذكر اآلخرة ليقاوم ختذيل الشيطان‪ .‬فيزداد إميانا وثباتا بذلك‪ .‬قال اهلل‬
‫تعاىل‪:‬‬

‫((ومثل ال ذين ينفق ون أم واهلم ابتغ اء مرض اة اهلل وتثبيتا من أنفس هم كمثل جنة‬
‫بربوة))‬

‫ال يكتفي المنافق بالكسل عن الطاعات بل يثبط غيره ويستهزئ بالعاملين‪:‬‬

‫ق ال تع اىل‪(( :‬املن افقون واملنافق ات بعض هم من بعض ي أمرون ب املنكر وينه ون عن‬
‫املعروف))‬

‫فأميا رجل دعا إىل منكر وثبط عن طاعة فليعلم أنه تلبس بصفة من صفات املنافقني‪.‬‬
‫أميا شاب دعا صاحبه إىل معصية فليعلم أن هذا نفاق!‬

‫وقال تعاىل يف وصف املنافقني‪(( :‬الذين يلمزون املطوعني من املؤمنني يف الصدقات‬


‫والذين ال جيدون إال جهدهم فيسخرون منهم سخر اهلل منهم وهلم عذاب أليم (‪)) )79‬‬
‫(التوبة)‬

‫فه ؤالء املنافقون ختاذلوا عن اإلنف اق لتجه يز جيش العسرة لكنهم سارعوا إىل اللمز‬
‫يف املؤم نني! قع دوا يرتبص ون‪ :‬فمن ج اء بص دقة كب رية ق الوا إمنا فعلها ري اء‪ ،‬ومن ج اء‬
‫بصدقة صغرية على فقر حاله ينتزعها من أفواه أوالده نصرة لدين اهلل سخروا من صدقته‬
‫الصغرية يف أعينهم الكبرية يف ميزان اهلل تعاىل‪.‬‬

‫الش م‪...‬وال يس عفه ش كه‬‫وهك ذا املن افق! ي رى نفسه القزمة الوض يعة بني اجلب ال ُّ‬
‫وكس له لريتقي إىل قممهم ويبين جمدا كال ذي َبنَ وه‪...‬فال يرى س بيال إال أن يتط اول على‬
‫أسياده ويزدريهم لينزلوا إىل مستواه يف أعني الناس‪.‬‬

‫كيف تتخلص من استثقال العبادات؟‬

‫(‪)52‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫باإلكثار من ذكر اهلل تعاىل‪ .‬فقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫((إن اهلل قسم بينكم أخالقكم كما قسم بينكم أرزاقكم‪ ،‬و إن اهلل يعطي ال دنيا من‬
‫حيب و من ال حيب‪ ،‬و ال يعطي اإلميان إال من أحب‪ .‬فمن ضن باملال أن ينفق ه‪ ،‬و خ اف‬
‫العدو أن جياه ده‪ ،‬و ه اب الليل أن يكاب ده‪ ،‬فليكثر من ق ول‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬و احلمدهلل‪ ،‬و‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬و اهلل أكرب)) فالبخل باملال والقع ود عن اجله اد واس تثقال قي ام الليل أق رب‬
‫إىل النفاق منه إىل اإلميان‪ .‬وفيه شيء من نسيان اهلل تعاىل‪ .‬أمل تر إىل قوله عز وجل‪:‬‬

‫((املن افقون واملنافق ات بعض هم من بعض ي أمرون ب املنكر وينه ون عن املع روف‬
‫ويقبضون أيديهم نسوا اهلل فنسيهم)) فلما نسوا اهلل ثقل عليهم اإلنفاق يف سبيله‪.‬‬

‫فمن أكثر من ذكر اهلل تعاىل عاجل هذا النسيان فنشطت نفسه لإلنفاق واجلهاد وقيام‬
‫الليل‪.‬‬

‫******************************‬

‫‪ )8‬الشك في وعد اهلل بالنصر والتمكين لهذا الدين‪:‬‬

‫وه ذه بلية عظمى تشل إرادة املن افق عن نص رة ال دين‪ .‬فهو ي رى أن قض ية ال دين‬
‫خاسرة‪ .‬فعالم يتعب من أجلها؟! قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((ويع ذب املن افقني واملنافق ات واملش ركني واملش ركات الظ انني باهلل ظن الس وء))‬
‫فاملنافق ملا كانت حساباته أرضية ورأى قوة الكفار وانتفاشهم ظن أن اإلسالم هالك وأن‬
‫اهلل تعاىل لن ينصر دينه‪ .‬وهذا ظن سوء ميقته اهلل‪ .‬لذا كان جزاؤهم‪:‬‬

‫((عليهم دائ رة الس وء وغضب اهلل عليهم ولعنهم وأعد هلم جهنم وس اءت مص ريا (‬
‫‪)) )6‬‬

‫كلم ات يظهر فيها ش دة غضب اهلل على من أس اء الظن فيه تع اىل ب أن يظن أن اهلل‬
‫خيذل دينه وال يظه ره‪ ،‬وأن رس ول اهلل وطائفة املؤم نني يهلك ون يف احلرب فال تق وم‬
‫لإلسالم بعدهم قائمة‪ .‬قال تعاىل بعدها بآيات‪:‬‬

‫((بل ظننتم أن لن ينقلب الرس ول واملؤمن ون إىل أهليهم أب دا وزين ذلك يف قل وبكم‬
‫وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا (‪)) )12‬‬

‫(‪)53‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فاملنافق ينظر إىل الكفار فريى لديهم قوة مادية ينخلع هلا قلبه‪ ،‬مث يلوي عنقه فينظر‬
‫إىل املؤمنني فال جيد لديهم إال عدة ضئيلة هي غاية ما استطاعوه‪ ،‬لكنهم مع ذلك مهللون‬
‫مك ربون مستبش رون موقن ون بنصر اهلل‪ .‬فيض حك املن افق منهم ق ائال‪ :‬ه ؤالء املس اكني‬
‫يعتقدون أن دينهم ينصرهم على الدبابات والطائرات والصواريخ!‪:‬‬

‫((إذ يقول املنافقون والذين يف قلوهبم مرض غر هؤالء دينهم‪ .‬ومن يتوكل على اهلل‬
‫فإن اهلل عزيز حكيم (‪)) )49‬‬

‫الشك في وعد اهلل سبب لكثير من صفات النفاق األخرى‪:‬‬

‫فالشاك يف نصر اهلل تنهزم نفسيته وختور عزميته وتنشل إرادته‪ ...‬خاصة إذا انضم إليه‬
‫شك يف اليوم اآلخر الذي ينصر فيه اهلل عباده على أعدائه متام النصر‪:‬‬

‫((إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا يف احلياة الدنيا ويوم يقوم األشهاد))‬

‫فرتاه بعد ذلك ينكص عن اجلهاد‪...‬فعالم جياهد إن كان اإلسالم هو اخلاسر عنده‬

‫وتراه يكذب على املؤمنني ليعرضوا عنه ويدعوه ينسل من املواجهة مع الكفار‬

‫وتراه يسارع يف طاعة الكفار على حساب دينه‪...‬فهم األقوى يف نظره‬

‫وت راه خيلف العهد مع اهلل تع اىل‪ ...‬فهو كما شك يف ق درة اهلل على نصر ال دين‬
‫يشك يف قدرة اهلل على عقاب من نقض العهد‪.‬‬

‫أفع ال س وء هي مجيعا مثار مش ؤومة للشك يف نصر اهلل‪ .‬ق ال اهلل تع اىل واص فا ح ال‬
‫املنافقني أيام اخلندق‪:‬‬

‫((وإذ يقول املنافقون والذين يف قلوهبم مرض ما وعدنا اهلل ورسوله إال غرورا))‬

‫فإالم قادهم هذا االعتقاد الفاسد‪:‬‬

‫‪(( )1‬وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب ال مقام لكم فارجعوا)) فنكوص‬
‫عن اجلهاد‬
‫‪(( )2‬ويس تأذن فريق منهم النيب يقول ون إن بيوتنا ع ورة وما هي بع ورة إن‬
‫يريدون إال فرارا)) فكذب على املؤمنني‬

‫(‪)54‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫‪(( )3‬ولو دخلت عليهم من أقطارها مث سؤلوا الفتنة آلتوها وما تلبثوا هبا إال‬
‫يسريا)) فمسارعة يف الكفر وطاعة الكفار‬
‫‪(( )4‬ولقد ك انوا عاه دوا اهلل من قبل ال يول ون األدب ار وك ان عهد اهلل‬
‫مسؤوال)) فإخالف عهد مع اهلل تعاىل‪.‬‬

‫قال ابن كثري يف وصف حال املنافقني يف غزوة األحزاب‪:‬‬

‫ف حاله فتنفس مبا جيده‬


‫(أما املنافق فنجم نفاقه‪ .‬والذي يف قلبه شبهة أو حسكة‪ ،‬ضعُ َ‬
‫من الوس واس يف نفسه لض عف إميانه وش دة ما هو فيه من ض يق احلال) اهـ‪ .‬وص دق‪ .‬فقد‬
‫قال معتب بن قشري املنافق‪" :‬كان حممد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر‪ ،‬وأحدنا ال‬
‫يقدر على أن يذهب إىل الغائط" (سرية ابن هشام)‪.‬‬

‫المؤمن ال يشك في نصر اهلل‪:‬‬

‫فاحلبيب املصطفى كان يبشر املؤمنني بفتح البالد وهو يف هذا الوضع الصعب يف يوم‬
‫اخلندق‪ ،‬يقينا بوعد اهلل‪ .‬لذا قال اهلل يف سورة األحزاب‪:‬‬

‫((لقد ك ان لكم يف رس ول اهلل أس وة حس نة ملن ك ان يرجو اهلل والي وم اآلخر وذكر‬


‫اهلل كثريا))‬

‫وقال يف وصف املؤمنني الصادقني‪:‬‬

‫((وملا رأى املؤمن ون األح زاب قالوا ه ذا ما وع دنا اهلل ورسوله وص دق اهلل ورسوله‬
‫وما زادهم إال إميانا وتسليما))‬

‫فال يأس مع اإلميان‪ .‬أمل تر إىل قوله تعاىل حكاية عن إبراهيم عليه السالم‪:‬‬

‫((ومن يقنط من رمحة ربه إال الضالون))‬

‫وقوله تعاىل حكاية عن يعقوب عليه السالم‪:‬‬

‫((وال تيأسوا من روح اهلل إنه ال ييأس من روح اهلل إال القوم الكافرون))‬

‫وكذا قال ابن مسعود تلميذ حممد صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫(‪)55‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫((الكبائر ‪ :‬اإلشراك باهلل واألمن من مكر اهلل والقنوط من رمحة اهلل واليأس من روح‬
‫اهلل)) أي‪ :‬اليأس من نصر اهلل‪.‬‬

‫فهذا الدين منصور‪...‬يضعف أهله لفرتة من الزمن مبقدار تفلتهم منه‪ .‬لكنه لن جُي تث‬
‫ولن ين درس‪ .‬ولن هتلك أمة حممد ص لى اهلل عليه وس لم‪ .‬وال ذي حياول القض اء على‬
‫أس َفهُ ممن ينقطع جوفه وحيمر وجهه وهو ينفخ على الشمس ليطفئ نورها‪:‬‬‫اإلسالم ْ‬

‫((يريدون ليطفئوا نور اهلل بأفواههم واهلل متم نوره ولو كره الكافرون (‪ )8‬هو الذي‬
‫أرسل رس وله باهلدى ودين احلق ليظه ره على ال دين كله ولو ك ره املش ركون (‪)) )9‬‬
‫(الصف)‪.‬‬

‫فهذا الدين منصور‪ .‬قال عليه الصالة والسالم‪(( :‬بشر هذه األمة بالسناء والتمكني‬
‫يف البالد والنصر والرفعة يف ال دين‪ .‬ومن عمل منهم بعمل اآلخ رة لل دنيا فليس له يف‬
‫اآلخرة نصيب))‪(.‬قال األلباين‪ :‬إسناده صحيح على شرط البخاري)‪ .‬فالذي يعمل بعمل‬
‫اآلخ رة من أجل ال دنيا كأنه أحس ب أن قض ية ال دين خاس رة فال حاجة إىل التض حية من‬
‫أجلها‪ .‬فقال‪( :‬إذن أكسب هبذا العمل مكانة عند الناس ألنال شيئا بدال من اخلروج صفر‬
‫اليدين)!‬

‫وق ال عليه الص الة والس الم‪(( :‬ليبلغن ه ذا األمر ما بلغ الليل والنه ار‪ .‬وال ي رتك اهلل‬
‫بيت م در وال وبر إال أدخله اهلل ه ذا ال دين‪ .‬بعز عزيز أو بِ ُذل ذلي ل‪ :‬ع زا يعز اهلل به‬
‫اإلسالم‪ ،‬وذال يُذل به الكفر)) (رواه أمحد وقال شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح على‬
‫شرط مسلم)‪.‬‬

‫وقد بشر عليه الصالة والسالم بفتح القسطنطينية مث رومية (روما) يف احلديث الذي‬
‫قال فيه الذهيب (على شرط البخاري ومسلم)‪ .‬أما قسطنطينية فقد فتحت كما بشر عليه‬
‫بعد‪ .‬فنحن نوقن‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬وبعد ‪ 800‬سنة من بشرى النيب‪ .‬وأما روما فلم تُفتح ُ‬
‫بأن ذلك كائن وأن املسلمني عندما يعز أمرهم فلن تقتصر العزة على اسرتداد ما احتل من‬
‫أراضيهم‪ .‬بل سيعودون إىل مبادأة الكفار بالقتال ونشر سلطان اإلسالم يف ربوع األرض‪.‬‬
‫فاللهم اجعل لنا من ذلك نصيبا‪.‬‬

‫فإلى كل من ال زال في شك من وعد اهلل بعد هذا كله‪:‬‬

‫((من ك ان يظن أن لن ينص ره اهلل يف ال دنيا واآلخ رة)) أي‪ :‬من ك ان س يئ الظن‬
‫باهلل‪ ،‬فيظن أن اهلل سيخذل دينه ونبيه يف الدنيا واآلخرة‪َ (( ...‬ف ْليمدد بسبب إىل السماء))‬

‫(‪)56‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫قف بيته (فكل ما عالك فأظلك فهو‬ ‫فلريبط حبال على عنقه ويربط طرفه اآلخر بس‬
‫ِ‬
‫مساء)‪(( ...‬مث ليقطع فلينظر هل يذهنب كيده ما يغيظ)) ليشنق نفسه‪ ...‬فإن كان وعد اهلل‬
‫ال يش في ص در املن افق من الشك واهللع وال يقطع أمل الك افر يف القض اء على اإلس الم‬
‫فلعل قطع األعناق يفي بالغرض!‬

‫إن ربي لطيف لما يشاء‪:‬‬

‫فإن كنت يا أخي من املؤمنني لكنك يهولك ما ترى من انتفاش الباطل وتسلط أهله‬
‫وال يستوعب عقلك كيف ميكن أن ينصر اهلل دينه مع أن األسباب املادية ليست يف صاحل‬
‫الدين البتة فأقول لك ليطمئن قلبك‪:‬‬

‫((إن ريب لطيف ملا يش اء‪ .‬إنه هو العليم احلكيم (‪ )) )100‬أي‪ :‬إذا أراد أم را قيض‬
‫له أسبابا وقدره ويسره بطريقة لطيفة ال ختطر بالبال‪ .‬فمن كرب شديد إىل فرج عجيب‪،‬‬
‫ومن ضعف إىل عزة ومتكني‪.‬‬

‫فه ذه اآلية حكاية عن يوسف عليه الس الم ال ذي نقله اهلل من ظُلمة الس جن إىل‬
‫كرسي حكم يتبوأ من األرض حيث يشاء برؤيا أُريَها امللك‪.‬‬

‫إن ريب لطيف ملا يشاء‬

‫وهو سبحانه بعد ذلك جعل فرعون يلتقط موسى من تابوت يف البحر ويربيه يف بيته‬
‫ليكون هالك فرعون وجنوده على يد موسى عليه السالم‬

‫إن ريب لطيف ملا يشاء‬

‫وهو س بحانه ال ذي ألقى اإلميان يف قلب نعيم بن مس عود ي وم غ در بنو قريظة وأُيت‬
‫فخ َّذل بني املش ركني واليه ود‪ ...‬مث أرسل اهلل رحيا‬
‫املؤم نني من ف وقهم ومن أس فل منهم َ‬
‫وكفى املؤمنني القتال‬

‫إن ريب لطيف ملا يشاء‬

‫وهو سبحانه الذي جعل "فاطميي" مصر يقتتلون فيستنجد بعضهم على بعض بنور‬
‫ال دين زنكي فريسل ص الح ال دين‪ ،‬لتب دأ رحلة تطهري مصر منهم وتنضم مصر املعادية إىل‬
‫دولة صالح الدين فيحارب هبا الصليبيني‪.‬‬

‫(‪)57‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫إن ريب لطيف ملا يشاء‬

‫وهو س بحانه ال ذي جعل التت ار ي بيعون س يف ال دين قطز يف السيب ب دراهم مع دودة‬
‫ليكون هالكهم على يديه‪.‬‬

‫إن ريب لطيف ملا يشاء‬

‫وهو س بحانه ال ذي جعل اجليش الروسي ي درب أف رادا من الشيش ان فيق ودون بعد‬
‫ذلك اجلهاد الشيشاين على الروس وميرغون أنف روسيا يف الرتاب‪.‬‬

‫إن ريب لطيف ملا يشاء‬

‫وغري ذلك كثري‪ .‬ميكر الكافرون فينقلب مكرهم عليهم‪:‬‬

‫((وميكرون وميكر اهلل واهلل خري املاكرين))‬

‫((وال حييق املكر السيئ إال بأهله))‬

‫يكيدون كيدا بشريا هزيال يف مقابل كيد جبار السماوات واألرض سبحانه وتعالى‪:‬‬

‫((إهنم يكيدون كيدا وأكيد كيدا))‬

‫ينفقون أمواهلم يف الصد عن سبيل اهلل فتنقلب عليهم‪:‬‬

‫((إن الذين كفروا ينفقون أمواهلم ليصدوا عن سبيل اهلل فسينفقوهنا مث تكون عليهم‬
‫حسرة مث يُغلبون))‬

‫فيا أخي املؤمن ال تش غل نفسك بـ"كيف ميكن أن ينصر اهلل دين ه؟" ولكن اش غل‬
‫نفسك بأن تكون من الطائفة املنصورة العاملة هلذا الدين‪ ...‬فيكون لك شرف اإلسهام يف‬
‫نصر األمة ولو كان هذا النصر بعد مماتك‪ .‬جعلين اهلل وإياك منهم‪.‬‬

‫******************************‬

‫‪ )9‬الحرص على الدنيا والتسخط عند البالء‬

‫(‪)58‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فاملن افق يش رتط أن جيلب اإلس الم له منفعة دنيوية عاجلة لريضى به دين ا‪ .‬كيف ال‬
‫وح دود بص ريته تقف عند احلدود ال دنيا لل دنيا‪ ،‬واجلزاء األخ روي ليس يف حس اباته ألنه‬
‫يشك يف اآلخرة أصال‪ .‬قال تعاىل واصفا املنافقني‪:‬‬

‫((ومنهم من يلم زك يف الص دقات ف إن أعط وا منها رض وا وإن مل يعط وا منها إذا هم‬
‫يسخطون))‬

‫وكم ق ال موت وروهم للنيب ص لى اهلل عليه وس لم‪( :‬اع دل فإنك مل تع دل)! كم م رة‬
‫جرحوا قلبه الكبري هبذه الكلمات اخلسيسة اليت ما قالوها إال جشعا وشرها وتطلعا إىل ما‬
‫ليس هلم حبق‪ ...‬وهك ذا املن افق‪ ،‬يرضى عن ال دين مبق دار ما يتحقق له من مت اع دني وي‪،‬‬
‫ألنه ما أس لم طمعا يف رض وان اهلل وإمنا أض مر يف قلبه أن يتخذ اإلس الم ُس لَّما إىل مت اع‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫‪ -‬روى البخاري عن ابن عباس أنه قال يف تفسري قوله تعاىل‪(( :‬ومن الناس من يعبد‬
‫اهلل على ح رف فإن أصابه خري اطم أن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا‬
‫واآلخرة ذلك هو اخلسران املبني)) قال‪ :‬كان الرجل يقدم املدينة‪ ،‬فإن ولدت امرأته غالما‬
‫دين‬
‫دين ص احل)‪ ،‬وإن مل تلد امرأته ومل تنتج خيله ق ال‪( :‬ه ذا ُ‬
‫ونتجت خيله ق ال‪( :‬ه ذا ٌ‬
‫سوء)‪.‬‬

‫فاملتعوس اعترب حتقُّق متاع الدنيا داللة على صحة اإلسالم‪ ،‬فإذا تعرض البتالء ضاع‬
‫منه ما تأمل واعترب ذلك داللة على بطالن اإلس الم!! ف أي ض يق يف األفق وحمدودية يف‬
‫النظرة!!‬

‫وكم رأينا يف واقع حياتنا من أن اس يتس خطون على رهبم عند أدىن بالء‪ ،‬وتس وء‬
‫منهم باهلل الظنون‪ .‬فهؤالء املدعو عليهم بالتعاسة‪ .‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫((تعس عبد ال دينار‪ ،‬وعبد ال درهم‪ ،‬وعبد اخلميص ة‪ ،‬إن أعطي رض ي‪ ،‬وإن مل يعط‬
‫سخط‪ .‬تعس وانتكس‪ ،‬وإذا شيك فال انتقش)) (البخاري)‪.‬‬

‫فعبد ال درهم وال دينار يتنقل بني املب ادئ واملنهجي ات حبثا عن املال‪ .‬وقد ال ينس لخ‬
‫من اإلسالم صراحة بل يغري ويبدل هبواه و يزعم أن ما هو عليه موافق لإلسالم‪ ...‬يلهث‬
‫وراء بريق ال درهم على يديه ورجليه ك الكلب‪ ،‬فلعل األش واك ت دخل يف يديه ورجليه يف‬
‫سعيه هذا‪...‬وإذ ذاك فـ(ال انتقش)‪...‬أي ال خرجت منه الشوكة كما دعا عليه النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫(‪)59‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫عبد اهلل‪ ،‬ال ِ‬


‫عبد‬ ‫ويف املقابل يدعو النيب صلى اهلل عليه وسلم يف تتمة احلديث للمؤمن ِ‬
‫الدنيا فيقول‪:‬‬

‫((طوىب لعبد آخذ بعنان فرسه يف سبيل اهلل‪ ،‬أشعث رأسه‪ ،‬مغربة قدماه‪ ،‬إن كان يف‬
‫احلراسة كان يف احلراسة‪ ،‬وإن كان يف الساقة كان يف الساقة‪ ،‬إن استأذن مل يؤذن له‪ ،‬وإن‬
‫شَّفع))‬
‫شفع مل ُي َ‬

‫فقد ب دت عالم ات التض حية يف س بيل اهلل يف ش عث رأس ه ذا املؤمن وتغرُّب قدميه‬
‫وإمس اكه بعن ان الف رس ليتوجه به حيثما مسع ن داء اجله اد‪ ،‬لكنه مع ذلك مل ينل ش يئا من‬
‫ال دنيا‪ ،‬وال حىت االح رتام‪...‬فهو إن اس تأذن أم ريه يف اجله اد مل ي أذن ل ه‪ ،‬وإن ج اء ش فيعا‬
‫ألحد رده أمريه خمذوال ومل يلتفت إليه وال لشفاعته‪...‬سوءَ تصرف من هذا األمري‪...‬فلعله‬
‫يأيت األمري فيقول له‪ :‬مسعت أن أحد أوالدي مريض فأذن يل أن أغادر املعسكر لالطمئنان‬
‫عليه مث أع ود‪ ،‬ف ريفض األم ري‪ ...‬ولعل جن ديا يس يء َفيَ ِه ُّم األمري بتعزي ره فيطلب اجلن دي‬
‫ش فاعة ص احبنا املؤمن ألنه ظن أن تض حيات املؤمن جعلته وجيها عند األم ري‪ ،‬في أيت‬
‫صاحبنا ليشفع فإذا باألمري يرفض شفاعته ويعزر اجلندي ويكسر قلب املؤمن‪...‬‬

‫فهل دفعه ذلك إىل أن ينقلب على عقبيه وي رتك اجله اد والتض حية؟ ال بل على‬
‫العكس‪ ،‬ميتثل األوامر‪...‬فإن أمره األمري بأن يسهر والناس نيام للحراسة استجاب ووقف‬
‫حارسا أمينا جليش املس لمني‪...‬وإن أم ره األمري أن يت أخر يف ذيل اجليش (الس اقة) جيمع‬
‫املتاع الساقط من أفراد اجليش ويساعد من أبطأ لِ َعطَ ٍ‬
‫ب فيه أو يف ركوبته امتثل أمر األمري‪،‬‬
‫مع أن األمري مل يكرمه يف ش يء‪ ...‬وليس ذلك كله عن نقص ع زة يف نفسه ولكن ألنه ال‬
‫يتعامل مع األمري وإمنا مع رب األمري س بحانه وتع اىل‪...‬وال يبتغي األجر واإلك رام من‬
‫األمري وإمنا ابتغى وجه ربه األعلى‪...‬فلسوف يرضى‪...‬فالنيب صلى اهلل عليه وسلم دعا له‬
‫بـ(طوىب)‪.‬‬

‫هكذا املؤمن‪ ،‬يقدم كل شيء‪ ،‬ويضحي بكل شيء‪ ،‬وال يسخط إن مل يعجل اهلل له‬
‫اجلزاء يف الدنيا وادخر له أجره كامال ليوم القيامة‪...‬‬

‫أما املنافق‪ ،‬فال يريد أن يقدم شيئا إال إذا كان املقابل الدنيوي مضمونا! قال تعاىل‪:‬‬

‫((سيقول املخلفون إذا انطلقتم إىل مغامن لتأخذوها ذرونا نتبعكم))‬

‫(‪)60‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫فهؤالء ختلفوا عن عمرة احلديبية اليت وعد اهلل من شهدها مبغامن خيرب‪ .‬فلما علموا أن‬
‫خيرب ستُفتح على املسلمني سارعوا يطالبون بالسماح هلم أن يشهدوا غزوة خيرب! ملاذا؟‬
‫ألن فيها الغنيمة! أما يف احلديبية فلم يك مث غنيمة دنيوية موعودة فما حرصوا عليها‪.‬‬

‫ف رد اهلل تع اىل عليهم‪(( :‬يري دون أن يب دلوا كالم اهلل)) فاهلل وعد مغ امن خيرب ألهل‬
‫احلديبية خاصة‪ .‬مث قال تعاىل‪:‬‬

‫(( قل لن تتبعونا كذلكم قال اهلل من قبل فسيقولون بل حتسدوننا)) سريمون املؤمنني‬
‫بتهمة أهنم مينعوهنم من اخلروج إىل خيرب استئثارا بالدنيا عنهم فرد اهلل تعاىل بأن املخلفني‪:‬‬
‫((بل ك انوا ال يفقه ون إال قليال))‪...‬مث أعط اهم اهلل تع اىل فرصة أخ رى ليع دلوا نواي اهم‬
‫ويربهنوا على استعدادهم للتضحية دون ضمان املقابل الدنيوي فقال‪:‬‬

‫((قل للمخلفني من األعراب ستدعون إىل قوم أويل بأس شديد تقاتلوهنم أو يسلمون‬
‫فإن تطيعوا يؤتكم اهلل أجرا حسنا)) قال الطربي يف تأويل األجر احلسن أنه اجلنة‪ .‬وكأن‬
‫اهلل تع اىل مل يض من الغنيمة الدنيوية يف ه ذه الفرصة للمخلفني كما ض منها يف خيرب‬
‫للمؤم نني‪ .‬ف إن ك ان ه ؤالء املخلف ون يرض ون باجلنة برهنوا على ذلك بطاعة اهلل يف النفري‬
‫إىل القوم أويل البأس الشديد‪(( .‬وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما))‬

‫وذكر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بائعي الدين من أجل الدنيا بقوله‪:‬‬

‫((ب ادروا باألعم ال فتنا كقطع الليل املظلم‪ .‬يص بح الرجل مؤمنا وميسي ك افرا‪ .‬أو‬
‫ميسي مؤمنا ويصبح كافرا‪ .‬يبيع دينه بعرض من الدنيا)) (مسلم)‪.‬‬

‫عدم االستعداد للتضحية في سبيل اهلل‪:‬‬

‫ومن كان هذا حالَه يف اشرتاط املنفعة الدنيوية لريضى باإلسالم دينا فلن يكون على‬
‫استعداد للتضحية يف سبيل اهلل تعاىل‪ .‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((ومن الن اس من يق ول آمنا باهلل ف إذا أوذي يف اهلل جعل فتنة الن اس كع ذاب اهلل))‬
‫ف دعوى اإلميان باللس ان س هلة‪ .‬لكنهم ملا أوذوا يف س بيل اإلميان ال ذي ادع وه تزل زلت‬
‫قلوهبم وتركوا الدين الذي ادعوه ألن قلوهبم الضعيفة رأت هذا األذى الدنيوي مساويا‬
‫لع ذاب اهلل الش ديد يف اآلخرة‪ ،‬فاخت اروا ال ردة ليسلموا من أذية الدنيا ولو أدى ذلك هبم‬
‫إىل عذاب اهلل‪.‬‬

‫(‪)61‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫َولَْيتَهم وقفوا عند هذا احلد‪ ،‬بل‪(( :‬ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم))‬
‫ف إن ارتفعت األذية وحتقق للمس لمني نصر ع اد ه ؤالء املن افقون إىل دع وى اإلميان لين الوا‬
‫نص يبا من ه ذا اخلري ال دنيوي! خيادعون اهلل وال ذين آمن وا‪ ،‬فق ال اهلل تع اىل‪ (( :‬أ ََوليس اهلل‬
‫بأعلم مبا يف صدور العاملني (‪َ )10‬ولََي ْعلَمن اهلل الذين آمنوا وليعلمن املنافقني (‪)) )3‬‬

‫فال زالت الباليا تصيب الناس ليُعرف هبا املؤمن من املنافق‪ .‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫((ما كان اهلل لِيَ َذ َر املؤمنني على ما أنتم عليه حىت مييز اخلبيث من الطيب))‬

‫واملنافق خبيث ليس من أهل التضحية‪ .‬فال يسقط عند االختبارات الصعبة فحسب‪،‬‬
‫بل عند أدىن بالء‪...‬‬

‫رأيت س فيها ش اب ش عره ُس رق ح ذاؤه يف املس جد إثر ص الة مجعة فص اح و"ه دد"‬
‫بأنه لن يص لي بعد الي وم يف املس اجد‪...‬وال أدري يه دد َمن! أهو ب ذلك يه دد الس ارق؟‬
‫فالس ارق ال يهمه أص لى الن اس يف املس اجد أم مل يص لوا إال ليس رق أح ذيتهم‪...‬أم هو‬
‫يتوعد اهلل تع اىل؟! فاهلل هو الغين احلمي د‪ ،‬ال ينقص من ملكه ش يئا أن جيتمع الن اس على‬
‫أفجر قلب رجل فيهم‪ ...‬ولكن املنافقني ال يفقهون‪.‬‬

‫ورب أناس قد يدخلون النار يف حذاء مل يصربوا‬ ‫دخلت النار امرأة يف هرة حبستها‪ُ ،‬‬
‫على فقدانه! وال أدري! إن كانوا ال يتحملون أن يبذلوا حذاء فكيف يبذلون أنفسهم يف‬
‫س بيل من ق ال‪(( :‬إن اهلل اش رتى من املؤم نني أنفس هم وأم واهلم ب أن هلم اجلنة يق اتلون يف‬
‫سبيل اهلل فيقتلون ويُقتلون))!‬

‫ومن يف قلبه نفاق ال يسقط عند بالء الضراء فحسب‪ ،‬بل إنه ال يصرب على فوات ما‬
‫ي راه مص لحة دنيوية ل ه‪ ،‬وإن ك ان يف ه ذه املص لحة حمرم‪ ،‬ك القرض الرب وي وبيع الس لع‬
‫احملرم ة‪ .‬ف إذا دعوته إىل تركها فجوابه املعد على الف ور‪( :‬ما الب ديل؟)! الب ديل الصرب على‬
‫فوات هذه املصلحة‪...‬البديل التقنُّع مبا عند اهلل تعاىل‪...‬ولكن املنافقني ال يفقهون‪.‬‬

‫ف عن ه ذا احلرام ق ال نعم‪ ،‬وال بد من‬


‫ولينظر كل منا يف نفس ه‪...‬هل إذا قيل له ُك َّ‬
‫التضحيات‪ .‬أم يقول ما البديل فيكون يف قلبه نفاق؟‬

‫وأود هنا أن أنقل عب ارات عظيمة البن القيم يصف هبا داء س وء الظن باهلل‪ ،‬وه ذا‬
‫ال داء ق رين النف اق يف قل وب مل تع رف حق رهبا عز وج ل‪ ،‬فافرتضت أن هلا على اهلل‬
‫"واجبات"‪ .‬فإن أُنقصت شيئا من ه ذه الـ"واجبات" ساء ظنها برهبا‪ ،‬وخرج ما ك ان يف‬

‫(‪)62‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫ه ذه القل وب من قيح وص ديد وحثالة فظهر على فلت ات األلس ن‪ .‬وال واهلل ال يك ون ه ذا‬
‫وعظَّم قدره‪ .‬قال ابن القيم‪:‬‬
‫من قلب صفا وده لربه َ‬

‫فأكثر اخللق بل كلهم إال من شاء اهلل يظنون باهلل غري احلق ظن السوء فإن غالب بين‬
‫آدم يعتقد أنه مبخوس احلق ناقص احلظ وأنه يستحق فوق ما أعطاه اهلل ولسان حاله يقول‬
‫ظلمين ريب ومنعين ما أستحقه‪ ...‬وهو بلسانه ينكره وال يتجاسر على التصريح به‪ .‬ومن‬
‫فتش نفسه وتغلغل يف معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها كامنا كمون النار يف الزناد‬
‫فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما يف زناده ولو فتشت من فتشته لرأيت عنده تعتبا‬
‫على القدر ومالمة له واقرتاحا عليه خالف ما جرى به وأنه كان ينبغي أن يكون كذا‬
‫وكذا فمستقل ومستكثر‪ .‬وفتش نفسك هل أنت سامل من ذلك؟‬

‫وإال فإين ال إخالك ناجيا‬ ‫‪ ‬‬ ‫فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة‬

‫فليعنت الل بيب الناص ح لنفس ه هبذا املوض ع وليتب إىل اهلل تع اىل وليس تغفره ك ل وقت‬
‫من ظنه بربه ظن السوء وليظن السوء بنفسه اليت هي مأوى كل سوء ومنبع كل شر‪...‬‬
‫فهي أوىل بظن الس وء من أحكم احلاكمني وأع دل الع ادلني وأرحم ال رامحني الغ ين احلمي د‬
‫الذي له الغىن التام واحلمد التام واحلكمة التامة املنزه عن كل سوء يف ذاته وصفاته وأفعاله‬
‫وأمسائه‪ ...‬وأفعاله كذلك كلها حكمة ومصلحة ورمحة وعدل وأمساؤه كلها حسىن‬

‫فإن اهلل أوىل باجلميل‬ ‫‪ ‬‬ ‫فال تظنن بربك ظن سوء‬

‫وكيف بظامل جان جهول‬ ‫‪ ‬‬ ‫وال تظنن بنفسك قط خريا‬

‫أيرجى اخلري من ميت‬


‫خبيل‬ ‫‪ ‬‬ ‫وقل يا نفس مأوى كل سوء‬

‫كذاك وخريها كاملستحيل‬ ‫‪ ‬‬ ‫وظن بنفسك السوآى جتدها‬

‫فتلك مواهب الرب اجلليل‬ ‫‪ ‬‬ ‫وما بك من تقى فيها وخري‬

‫من الرمحن فاشكر للدليل‬ ‫‪ ‬‬ ‫وليس هبا وال منها ولكن‬

‫(‪)63‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذا النفاق فاحذروه‬

‫(من زاد املعاد بتصرف)‬

‫فقول ابن القيم‪( :‬فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما يف زناده) يعين به أن من‬
‫عنده هذه الصفة النفاقية إن ُوضع على احملك بتعرضه الختبار فإن سوء ظنه باهلل وجزعه‬
‫وقلة صربه ستظهر على صفات وجهه وفلتات لسانه‪.‬‬

‫أما املؤمن فإنه يثبت عند الشدائد‪ ،‬وهذا الثبات رزق يرزقه اهلل من كان يتقيه يف أيام‬
‫الرخاء‪ .‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫((تعرف إىل اهلل يف الرخاء يعرفك يف الشدة))‪.‬‬

‫واملنافقون ما اتقوا اهلل يف رخائهم فما ثبتهم عند الشدة‪.‬‬

‫نسأل اهلل الرضا عند القضاء والثبات يف األمر وإذا أراد فتنة يف القوم أن يقبضنا إليه‬
‫غري مفتونني‪.‬‬

‫منبر التوحيد والجهاد‬


‫* * *‬
‫‪:ptth‬‬
‫‪:ptth‬‬
‫‪:ptth‬‬
‫‪:ptth‬‬
‫‪:ptth‬‬

‫(‪)64‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

You might also like