You are on page 1of 68

‫رسائل الجاحظ‬

‫كتاب ُمفاخرة الجواري والغلمان‬

‫‪ ‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫باهلل نستعين‪ ،‬وإ ياه نستهدي‪ ،‬وعليه نتوكل‪.‬‬

‫وي ْؤثرونه‪ ،‬وأصناف العلم ال‬


‫نوع من العلم أهالً يقصدونه ُ‬
‫إن لكل ٍ‬
‫ّ‬
‫تُحصى‪ ،‬منها الجز ُل ومنها السَّخيف‪ .‬وإ ذا كان موضع الحديث على ّأنه‬
‫حد المزج‪ ،‬فأُبدلت السَّخافة بالجزالة‬ ‫ك وم ٍ‬
‫له‪ ،‬وداخ ٌل في باب ّ‬ ‫ُمضح ٌ ُ‬
‫انقلب عن جهته‪ ،‬وصار الحديث الذي ُوضع على أن َي ُس َّر النفوس‬
‫ويغ ّمها‪.‬‬
‫يكرُبها ُ‬
‫ُ‬

‫ممرناً موقَّحا‪ ،‬إلف تفكير وتنقيب ودراسة‪،‬‬


‫ومن كان صاحب علم َّ‬
‫النظر في ِّ‬
‫الجد‬
‫فن من ّ‬ ‫كل ٍّ‬ ‫تبين‪ ،‬وكان ذلك عادةً له‪ ،‬لم يضره َّ ُ‬
‫وحلف ُّ‬
‫فإن األسماع قد ُّ‬
‫تمل‬ ‫والهزل؛ ليخرج بذلك من شكل إلى شكل‪َّ .‬‬
‫واألغاني الحسنة‪ ،‬إذا طال ذلك‬
‫َّ‬ ‫األصوات المطربة‪ ،‬واألوتار الفصيحة‪O،‬‬
‫عليها‪.‬‬

‫ألستجم نفسي‬
‫ُّ‬ ‫الدرداء رضي اهلل عنه أنه قال‪ِّ " :‬إني‬
‫وقد ُروي عن أبي ّ‬
‫الحق ما ُيملُّها " ‪.‬‬
‫ببعض الباطل مخافة أن أحمل عليها من ّ‬
‫وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه أنه قال‪ " :‬العلم أكثر‬
‫كل ٍ‬
‫شيء أحسنه " ‪.‬‬ ‫من أن ُيحصى‪ ،‬فخذوا من ِّ‬
‫إن القلوب ُّ‬
‫تمل األبدان‪ ،‬فابتغوا لها‬ ‫وروي عن َّ‬
‫الشعبي أنه قال‪ّ " :‬‬ ‫ُ‬
‫طرائف الحكمة " ‪.‬‬

‫والنيك َّ‬
‫تقزز‬ ‫ُّ‬
‫والتقشف إذا ُذكر الحر واألير َّ‬ ‫وبعض من ُيظهر النسك‬
‫وانقبض‪ .‬وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رج ٌل ليس معه من المعرفة‬
‫ُّ‬
‫التصنع‪.‬‬ ‫والنبل والوقار‪ ،‬إالَّ بقدر هذا‬
‫والكرم‪ُّ ،‬‬
‫حرم‪:‬‬
‫عباس أنشد في المسجد الحرام وهو ُم ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ولو علم َّ‬
‫أن عبد اهلل بن‬
‫ق الطَّ ْي ُر ْ‬
‫ننك لميسا‬ ‫تصد ِ‬
‫إن ُ‬‫وه َّن يمشين بنا هميسا ‪ْ O...‬‬
‫ُ‬
‫الرفث ما كان عند النساء‪.‬‬
‫الرفث! فقال‪ O:‬إنما َّ‬
‫إن هذا من َّ‬‫فقيل له‪َّ :‬‬
‫علي رضوان اهلل عليه ودخل على بعض أهل البصرة‪ ،‬ولم يكن‬
‫وقول ٍّ‬
‫في حسبه بذاك‪ ،‬فقال‪ O:‬من في هذه البيوت؟ فقال‪ O:‬عقائل من عقائل‬
‫طق به " ‪.‬‬
‫أير أبيه ينت ْ‬
‫العرب‪ O.‬فقال‪ " :‬من َيطُ ْل ُ‬
‫علي في التَّ ُّنزه ُي َع َّول‪.‬‬
‫فعلى ٍّ‬

‫الحديبية‪،‬‬ ‫وقول أبي ٍ‬


‫بكر الصديق رضي اهلل عنه ُلبديل بن ورقاء يوم ُ‬
‫ظر الالت‪O،‬‬ ‫وقد َّ‬
‫تهدد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬عضضت بب ْ‬
‫أنحن نخ ُذله؟! " ‪.‬‬
‫ُ‬

‫طلب رضي اهلل عنه‪ " :‬وأنت يا ابن مقطِّعة‬‫وقول حمزة بن عبد الم ّ‬
‫البظور ممن يكثِّر علينا! " ‪.‬‬
‫ُ‬
‫البظور " ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وحديث مرفوع‪ " :‬من عذيري من ابن ِّأم سباع مقطعة ُ‬
‫ٌ‬
‫ولو َّ‬
‫تتبعت هذا وشبهه وجدته كثيرا‪.‬‬

‫وإ نما ُُوضعت هذه األلفاظ ليستعملها أهل اللغة‪ ،‬ولو كان الرأي أالّ ُيلفظ‬
‫معنى‪ ،‬ولكان في التَّحريم والصَّون للُغة العرب‬ ‫ألو ِل كونها‬
‫بها ما كان ّ‬
‫ً‬
‫أن تُرفع هذه األسماء واأللفاظ منها‪.‬‬

‫لكل ٍ‬
‫مقام مقال " ‪.‬‬ ‫وقد أصاب َّ‬
‫كل الصَّواب‪ O‬من قال‪ِّ " :‬‬
‫رظي تَ ْجَبهه‬ ‫َّ‬
‫يتصوف ويتقشف‪ ،‬علم قول امرأة رفاعة القّ ّ‬
‫َّ‬ ‫ممن‬
‫ولو كان ّ‬
‫تزوجت عبد‬
‫عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم غير محتشمة‪ّ :‬إني ّ‬
‫الرحمن بن الزبير‪ ،‬وإ ّنما معه مثل ُهدبة الثَّواب‪ ،‬وكنت عند رفاعة‬
‫فطلَّقني ‪ -‬ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ما يزيد على التبسُّم حتى‬
‫قضت كالمها ‪ -‬فقال‪ " :‬تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ ال‪ ،‬حتَّى تذوقي‬
‫ْ‬
‫من ُعسيلته ويذوق من ُعسيلتك " ‪ .‬ورواه ابن المبارك عن معمر عن‬
‫ُّ‬
‫الزهري عن عروة عن عائشة رضي اهلل عنها لعلم ّأنه على سبيل‬
‫والرياء‪.‬‬ ‫التَّ ُّ‬
‫صنع ِّ‬

‫حازم حين زعم َّأنه ُيقيم ذكره ويصعد السُّلَّم‬


‫ولو سمعوا حديث ابن ٍ‬
‫وامرأته متعلقة بذكره حتَّى يصعد‪.‬‬

‫لعمه‪ْ :‬أن َخ ُر عند الجماع؟ قال‪ :‬يا‬ ‫وحديث ابن أخي أبي ِّ‬
‫الزناد إ ْذ يقول ِّ‬
‫بني‪،‬‬
‫أتنخر أنت؟ قال‪ :‬يا ّ‬
‫ُ‬ ‫عم‪،‬‬
‫ني إذا خلوت فاصنع ما أحببت‪ O.‬قال‪ :‬يا ِّ‬
‫ُب َّ‬
‫عمك يجامع لظننت ّأنه ال يؤمن باهلل العظيم!‪.‬‬
‫لو رأيت َّ‬
‫المجان‪.‬‬
‫وهذان من ألفاظ ُ‬

‫وروي عن بعض الصَّالحين من التابعين رحمه اهلل‪ ،‬أنه كان يقول في‬
‫ُ‬
‫قو ذكري على نكاح ما أحللت‪ O‬لي‪.‬‬
‫اللهم ِّ‬
‫دعائه‪َّ :‬‬

‫ونحن لم نقصد في ذكرنا هذه األخبار َّ‬


‫الرد على من أنكر هذهذ األمور‪،‬‬
‫ولكنا لما ذكرنا اختصام ِّ‬
‫الشتاء والصيف‪ ،‬واحتجاج‪ O‬أحدهما على‬ ‫َّ‬
‫والضأن بمثل ذلك‪ ،‬أحببنا أن نذكر ما‬ ‫َّ‬ ‫صاحبه‪ ،‬واحتجاج‪ O‬صاحب المعز‬
‫الرواة‪،‬‬ ‫جرى بين الالَّطة ُّ‬
‫والزناة‪ ،‬وذكرنا ما نقل ُح َّمال اآلثار وروتْه ُّ‬
‫من األشعار واألمثال‪ ،‬وإ ن كان في بعض البطاالت‪ ،‬فأردنا أن ِّ‬
‫نقدم‬
‫الح َّجة لمذهبنا في صدر كتابنا هذا‪.‬‬
‫ُ‬

‫ويردي‪ ،‬وإ ليه نرغب في التأييد والعصمة‪،‬‬


‫ونعوذ باهلل أن نقول ما ُيوتغ ُ‬
‫الدين ُّ‬
‫والدنيا برحمته‪.‬‬ ‫ونسأله السالمة في ِّ‬
‫قال (صاحب‪ O‬الغلمان)‪ :‬إن من فضل الغالم على الجارية أن الجارية إذا‬
‫ُوصفت بكمال الحسن قيل‪َّ :‬‬
‫كأنها غالم‪ ،‬ووصيفةٌ غالمية‪.‬‬
‫قال الشاعر يصف جارية‪:‬‬

‫قد الغالم وعارضاه ‪ ...‬وتفتير المبتَّلة اللَّ ِ‬


‫عوب‬ ‫لها ُّ‬
‫وقال‪:‬‬
‫والحْلِم‬ ‫المراه ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لحديث من نديم مواف ٍ‬ ‫ِ‬
‫ق ُ‬ ‫ق ‪ O...‬وساقية َب ْي َن ُ‬ ‫ب‬
‫فط ْ‬
‫ُّداسي طالها ‪ ..‬وبين َّ‬
‫النحيف الجسم والحسن الجسم‬ ‫إذا هي قامت والس َّ‬

‫الحباب‪O:‬‬
‫وقال والبة بن ُ‬

‫َّ‬
‫وميراثية تمشي اختياالً ‪ O...‬من التكريه قاتلة الكالم‬
‫ِ‬
‫بالغالم‬ ‫ُقصر‬
‫أقسها ‪ O...‬إليه ولم أ ِّ‬
‫زي الغالم ولم ْ‬
‫لها ُّ‬
‫وقال ُعكاشة‪:‬‬

‫مزرر ٍة ‪ ...‬في ّ‬
‫زي ذي ٍ‬
‫ذكر سيماهُ سيماها‬ ‫مص َّ‬ ‫مطمومة َّ‬
‫الش ْعر في قُ ٍ‬

‫لهم‬
‫غلمان ْ‬
‫ٌ‬ ‫عليهم‬
‫ْ‬ ‫عز وج ّل‪ " :‬يطوف‬
‫وأكثر من قول الشاعر قول اهلل ّ‬
‫دان‬
‫مكنون " وقال تبارك وتعالى‪ " :‬يطوف عليهم وْل ٌٌ‬
‫ٌ‬ ‫كأنهم لؤلؤ‬
‫موضع من كتابه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بأكواب وأباريق " ‪ .‬فوصفهم في غير‬ ‫ُمخلَّدون‪.‬‬
‫وشوق إليهم ْأولياءه‪.‬‬
‫َّ‬

‫قال (صاحب‪ O‬الجواري)‪ :‬قد ذكر اهلل َّ‬


‫جل اسمه الحور العين أكثر مما‬
‫حجتك في هذا إال َّ‬
‫كحجتنا عليك‪.‬‬ ‫ذكر الولدان‪ ،‬فما َّ‬

‫النساء َّأنه جعل في جميع األحكام شاهدين‪ :‬منها‬


‫ومما صان اهلل به ِّ‬
‫اإلشراك باهلل‪ ،‬وقتل َّ‬
‫الن ْفس التي حرم اهلل تعالى؛ وجعل الشهادة على‬
‫موضع‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫المرأة إذا ُرميت ِّ‬
‫بالزنى أربعةً مجتمعين غير مفترقين في‬
‫شيء عسير؛ لما إراد‬
‫ٌ‬ ‫كحلة‪ .‬وهذا‬ ‫يشهدون َّأنهم رأوه مثل الميل في ُ‬
‫الم ُ‬
‫اهلل من إغماض هذا الحد إذ جعل فيه َّ‬
‫الشدخ بالحجارة‪.‬‬
‫الرجال بالنساء‪.‬‬
‫وإ نما خلق اهلل ِّ‬

‫ونغمتها أرق‪،‬‬
‫وريح الجارية أطيب‪ ،‬وثيابها أعطر‪ ،‬ومشيتها أحسن‪ْ ،‬‬
‫ف من حيث يحسن‬‫والقلوب إليها أميل‪ .‬ومتى أردتها من قُ َّد ٍام أو َخْل ٍ‬
‫ْ‬
‫ويح ّل وجدت ذلك كما قال الشاعر‪:‬‬

‫كالغصن في ِّ‬
‫تثنيها‬ ‫ِ‬
‫كالغالم تصلح لل ‪ ...‬أمرين ُ‬ ‫وصيفةٌ‬
‫استتمت في ُحسنها‪ :‬إيها‬
‫َّ‬ ‫أكملها اهللُ ثم قال لها ‪ O...‬لما‬
‫جارية كأنها دمية في محراب‪ ،‬قد ْأبدت‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫الحاج إلى‬ ‫قال‪ :‬ونظر بعض‬
‫بالرفث‪ ،‬فقال‪ O:‬يا هذه‪ ،‬تكلَّمين بمثل‬
‫ذراع كأنه ُجمارة‪ ،‬وهي تكلَّ ُم َّ‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫يحج الجمل‪ ،‬ألست تراني‬ ‫حاجة‪ ،‬وإ نما ُّ‬
‫حاجة! قالت‪ :‬لست ّ‬ ‫هذا وأنت َّ‬
‫جالسةً وهو يمشي! قال‪ :‬ويحك‪ ،‬لم أر مثلك فمن أنت؟ قالت‪ O:‬أنا من‬
‫وصفهن َّ‬
‫الشاعر فقال‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫اللواتي‬

‫إنسان من الحسن ُجَّن ِت‬


‫ٌ‬ ‫ُكملت ‪ ...‬فلو ُج َّن‬
‫واسبكرت وأ ْ‬
‫ّ‬ ‫وجلَّت‬
‫ودقّت َ‬
‫َ‬

‫الجنة إال أمرد‪ ،‬كما جاء في‬


‫إن أحداً ال يدخل ّ‬
‫قال (صاحب‪ O‬الغلمان)‪ّ :‬‬
‫الم ْر ِد‬ ‫مكحلين " ‪ِّ .‬‬
‫والنساء إلى ُ‬ ‫الجنة يدخلونها ُج ْرداً َّ‬
‫الحديث‪ " O:‬إن أهل ّ‬
‫أميل‪ ،‬وله أشهى‪ ،‬كما قال األعشى‪:‬‬
‫ْ‬
‫وأرى الغواني ال يواصلن امرأً ‪ O...‬فقد َّ‬
‫الشباب وقد يصْلن األمردا‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫ِ‬
‫األوانس أملسا‬ ‫أروح َّ‬
‫مرجالً ‪ ...‬حبيباً إلى البيض‬ ‫ُ‬ ‫ب ٍ‬
‫يوم قد‬ ‫فيا ُر َّ‬
‫وقوسا‬ ‫قل ماله ‪ O...‬وال من رأين َّ‬
‫الشيب فيه َّ‬ ‫أراهن ال ُيحببن من َّ‬
‫وقال َعْلقمة بن عبدة‪:‬‬

‫طبيب‬
‫ُ‬ ‫بصير بأدواء ِّ‬
‫النساء‬ ‫ٌ‬ ‫فإنني ‪...‬‬ ‫فإن تسألوني ِّ‬
‫بالنساء ّ‬ ‫ْ‬
‫نصيب‬
‫ُ‬ ‫هن‬ ‫إذا شاب رأس المرء أو ق ّل ماله ‪ O...‬فليس له في ِّ‬
‫ود َّ‬
‫عجيب‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫عندهن‬ ‫وشرخ َّ‬
‫الشباب‬ ‫ُ‬ ‫ردن ثراء المال حيث علمنه ‪O...‬‬ ‫ُي ْ‬
‫قال (صاحب‪ O‬الجواري)‪ :‬فإن الحديث قد جاء عن الرسول صلى اهلل‬
‫النساء والطِّيب‪ ،‬وجعل قَُّرة عيني في الصالة "‬ ‫إلي ِّ‬
‫عليه وسلم‪ُ " :‬حبِّبت َّ‬
‫‪ .‬ولم يأت للغلمان مثل هذه الفضيلة‪ .‬وقد فُتن بالنساء األنبياء عليهم‬
‫ويوسف‪ ،‬عليهما السالم‪.‬‬
‫السالم‪ ،‬منهم داود‪ُ ،‬‬

‫الزنى ال يكون‬‫أن ِّ‬


‫بلية النساء إالّ ّ‬
‫قال (صاحب‪ O‬الغلمان)‪ :‬لو لم يكن من ّ‬
‫يأت في غيره في الكتاب‬ ‫إالّ بهن‪ ،‬وقد جاء في ذلك من التغليظ ما لم ِ‬
‫ّ‬
‫نصاً‪ ،‬وفي الروايات الصحيحة‪ O.‬قال اهلل تبارك وتعالى‪ " :‬وال ت ْقربوا‬
‫ّ‬
‫يفعل‬
‫ومن ْ‬ ‫ِّ‬
‫الزنى َّإنه كان فاحشةً وساء سبيالً " ‪ ،‬وقال‪ " :‬وال ْيزنون ْ‬
‫ويخلُ ْد فيه ُمهاناً " ‪،‬‬
‫ق أثاماً‪ُ .‬يضاعف له العذاب يوم القيامة ْ‬
‫ذلك ًيْل َ‬
‫واحد منهما مائة ٍ‬
‫جلدة وال تأخ ْذكم‬ ‫كل ٍ‬ ‫والزاني فاجلدوا َّ‬
‫الزانية َّ‬
‫وقال‪َّ " :‬‬
‫شهود التالعن والفرقة في‬
‫ٌ‬ ‫بهما رأفةٌ " ‪ .‬وقد جعل بينهما إذا لم يكن‬
‫أعد للكاذب منهما من اللَّعن والغضب في اآلخرة‪.‬‬
‫الدنيا‪ ،‬إلى ما َّ‬
‫عاجل ُّ‬
‫الحد على َّ‬
‫الزاني إالّ ما جعل‬ ‫قال (صاحب‪ O‬الجواري)‪ :‬ما جعل اهلل من ّ‬
‫طالب رضي اهلل عنه؟‪،‬‬‫ٍ‬ ‫وطي مثله‪ .‬وقد ُروي عن علي بن أبي‬ ‫على اللَّ‬
‫ّ‬
‫طي‪ ،‬فأُصعد المئذنة ثم رمي ِّ‬
‫منكساً على رأسه‪ ،‬وقال‪ " :‬هكذا‬ ‫ّأنه أُتي بلُ ٍّ‬
‫ُ‬
‫ُيرمى به في نار َّ‬
‫جهنم " ‪.‬‬

‫بلوطي فعرقب عليه‬


‫ٍّ‬ ‫وح ِّدث عن أبي بكر‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ّ ،‬أنه أُتي‬
‫ُ‬
‫حائطاً‪.‬‬

‫وحديث أبي بكر أيضاً رضي اهلل عنه‪َّ ،‬‬


‫أن خالد بن الوليد كتب إليه في‬
‫ٍ‬
‫قوم الطُوا فأمر بإحراقهم‪.‬‬

‫وأحرقهم هشام بن عبد الملك‪ O،‬وأحرقهم خالد بن عبد اهلل بأمر هشام‪.‬‬
‫وط لو اغتسل ِّ‬
‫بكل قطر ٍة‬ ‫أن الذي يعمل عمل قوم لُ ٍ‬‫وفي الحديث مجاهد َّ‬
‫يزل نجساً‪.‬‬ ‫من السَّماء ِّ‬
‫وكل قطرة في األرض لم ْ‬

‫حصن؛ ُسّنةٌ ماضيةٌ‬ ‫وطي ُيرجم‪ ،‬أُحصن أو لم ُي‬‫ُّ‬ ‫وحديث ُّ‬


‫ْ‬ ‫هري‪ " :‬الل ّ‬
‫الز ّ‬

‫لوطياً وقال‪ " :‬لعن‬


‫علياً رحمه اهلل رجم ّ‬
‫وروي عن الحكم بن ُعتَْيَبة أن ّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫الذكرين يلعب أحدهما باآلخر " ‪.‬‬
‫َّ‬
‫المؤنثين من‬ ‫وحديث ٍ‬
‫أنس قال‪ " :‬لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫َّ‬
‫والمذكرات من النساء " ‪.‬‬ ‫الرجال‪،‬‬

‫وقد نفى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َّ‬


‫مخنثاً من المدينة يقال له "‬
‫ألم سلمة زوج النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬إذا‬
‫هيت " وسمعه يقول ِّ‬
‫ٌ‬
‫هيفاء شموع‪ ،‬إذا قامت‬ ‫غيالن‪ ،‬فإنها‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫فتحتم الطائف فعليك بادية بنت ْ‬
‫ٍ‬
‫بثمان‪ ،‬وبين رجليها كاإلناء‬ ‫دبر‬
‫بأربع وتُ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ت‪ ،‬تُقبل‬ ‫تثنت‪ ،‬وإ ذا تكلَّمت َّ‬
‫تغن ْ‬ ‫َّ‬
‫فزوجيها ُعمر ابنك " ‪ .‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫المكفوء‪ِّ ،‬‬
‫عدو اهلل‪ ،‬وما ظننتك من ذوي اإلربة! " ‪.‬‬
‫" لقد تغلغلت في النظر يا َّ‬
‫فنفاه عن المدينة‪.‬‬

‫بت‬ ‫أن الرجل إذا صاحبها َّ‬


‫شي ْ‬ ‫قال (صاحب‪ O‬الغلمان)‪ :‬من عيوب المرأة ّ‬
‫وسودت لونه‪ ،‬وكثر بوله‪َّ .‬‬
‫وهن مصايد إبليس‬ ‫رأسه‪ ،‬وسهَّكت ريحه‪َّ ،‬‬
‫الغني‪ ،‬ويكلِّفن الفقير ما ال يجد‪ .‬وكم من ٍ‬
‫رجل‬ ‫َّ‬ ‫وحبائل الشيطان‪ُ ،‬يتعبن‬
‫مستور قد فلَّسته امرأته حتَّى هام على وجهه‪ ،‬أو جلس في بيته‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تاجر‬
‫أو أقامته من سوقه ومعاشه‪.‬‬
‫أضر على‬
‫وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬ما تركت بعدي فتنةً َّ‬
‫الرجال‪ O‬من ِّ‬
‫النساء " ‪.‬‬

‫قال (صاحب‪ O‬الجواري)‪ :‬قد جاء الحديث عن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫كاثر بكم األمم " ‪.‬‬ ‫تزوجوا ِّ‬
‫فإني ُم ٌ‬ ‫وسلم قال‪َّ " :‬‬
‫الكيس " ‪ .‬يعني النكاح‪O.‬‬
‫فالكيس ْ‬
‫وجاء عنه‪ " :‬إذا قضيتُم غزوكم ْ‬
‫مسكين رج ٌل ال زوجة له‪ .‬مسكينةٌ‬
‫ٌ‬ ‫وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬‬
‫مسكينةٌ امرأةٌ ال بعل لها " ‪.‬‬

‫ثمرات‬
‫ُ‬ ‫تزوجوا والتمسوا الولد؛ َّ‬
‫فإنهم‬ ‫وجاء عنه صلى اهلل عليه وسلم‪ّ " :‬‬
‫العقر " ‪.‬‬
‫والع ُجز ُ‬
‫القلوب‪ O.‬وإ ّياكم ُ‬
‫وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أكثر أهل عصره نساء‪ ،‬وكذلك‬
‫كانت األنبياء عليهم السالم قبله‪.‬‬

‫عز وج ّل بخير داود عليه السالم في القرآن‪ ،‬وما روي أنه‬


‫وقد أنبأك اهلل ّ‬
‫كان لسليمان عليه السالم‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مسعود في مرضه الذي مات فيه‪.‬‬ ‫وقد تزوج ابن‬
‫زوجوني ال ألقى اهلل تعالى وأنا عزب‪.‬‬
‫وقال ُمعاذ‪ِّ :‬‬
‫ُجهد نفسي في ِّ‬
‫النكاح‬ ‫وروي عن عمر رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬إني أل ْ‬
‫مني نسمةً تسبِّحه‪.‬‬
‫حتّى ُيخرج اهلل ّ‬
‫َّ‬
‫فإنهن أطيب أفواهاً‪ ،‬وأنتق‬ ‫وروي أنه قال‪ :‬عليكم باألبكار َّ‬
‫الشواب؛‬
‫أرحاماً‪O.‬‬

‫والحديث في هذا أكثر من أن نأتي عليه‪.‬‬

‫قال (صاحب‪ O‬الغلمان)‪:‬إن من عيوب الجواري َّ‬


‫أن الرجل إذا اشترى‬
‫ٍ‬
‫بشيء منها قبل ذلك‬ ‫محر ٌم عليه أن يستمتع‬
‫الوصيفة إلى أن يستبرئها َّ‬
‫والوصيف ال يحتاج إلى ذلك‪ .‬وقد قال الشاعر‪:‬‬

‫إنما اخترناك َع ْمداً ‪ O...‬ألنك ال تحيض وال تبيض‬


‫فديتك ّ‬
‫أن ِّ‬
‫الزنى فيه ست خصال‪ :‬ثالث في الدنيا وثالث‬ ‫وقد جاء في الحديث َّ‬
‫ويعجل الفناء‪ ،‬ويقطع‬
‫ّ‬ ‫في اآلخرة‪ .‬فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء‪O،‬‬
‫وأما اللواتي في اآلخرة فالحساب‪ ،‬والعذاب‪،‬‬
‫الرزق من السماء‪ّ .‬‬
‫ِّ‬
‫ودخول النار‪.‬‬

‫إن ألهل النار صرخةً من ريح ُّ‬


‫الزناة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مجاهد‪ ،‬قال‪َّ :‬‬ ‫وروي عن‬
‫وقالوا‪ :‬إن أهل النار َّ‬
‫ليتأذون بريح ُّ‬
‫الزناة‪.‬‬

‫حب غالم‪ .‬ونحن ُّ‬


‫نعد من‬ ‫قال (صاحب‪ O‬الجواري)‪ :‬لم نسمع بعاش ٍ‬
‫ق قتله ُّ‬
‫عمر قتله ُّ‬
‫حب‬ ‫الشعراء خاصةً اإلسالميِّين جماعةً‪ ،‬منهم جميل بن َم َ‬
‫عزة‪ ،‬وعروة قتله ُّ‬
‫حب عفراء‪ ،‬ومجنون بني‬ ‫ُبثينة‪ ،‬وكثيِّر قتله ُّ‬
‫حب ّ‬
‫عامر َّ‬
‫هيمته ليلى‪ ،‬وقيس بن ذريح قتلتْه لُْبنى‪ ،‬وعبد اهلل بن عجالن قتلته‬
‫هند‪ ،‬والغمر بن ضرار قتلتْه ُج ْمل‪ .‬هؤالء من أحصينا‪ ،‬ومن لم نذكر‬
‫أكثر‪.‬‬

‫قال (صاحب‪ O‬الغلمان)‪ :‬لو نظر كثيِّر وجمي ٌل وعروة‪ ،‬ومن سميِّت من‬
‫نظرائهم‪ ،‬إلى بعض خدم أهل عصرنا ممن قد اشتُرى بالمال العظيم‬
‫قد وقوام‪ ،‬لنبذوا‬ ‫ٍ‬
‫اعتدال‪ ،‬وجودة ٍّ‬ ‫وحسن‬
‫فراهة وشطاطاً ونقاء لون‪ُ ،‬‬
‫وتركوه َّن بمزجر الكالب‪ O.‬ولكنك‬
‫ُ‬ ‫وعزة وع ْفراء من حال ٍ‬
‫ق‪،‬‬ ‫ُبثينة ّ‬
‫والشقاء ونشؤوا‬ ‫ٍ‬
‫أجالف ُجفاة‪ُ ،‬غ ُذوا بالبؤس َّ‬ ‫ٍ‬
‫بأعراب‬ ‫احتججت‪ O‬علينا‬
‫فيه‪ ،‬ال يعرفون من رفاعة العيش َّ‬
‫ولذات الدنيا شيئاً‪ّ ،‬إنما يسكنون‬
‫القفار‪ ،‬وينفرون من الناس كنفور الوحش‪ ،‬ويقتاتون القنافذ والضِّباب‪O،‬‬
‫الدمنة ونعت المرأة‪،‬‬‫وينقُفُون الحنظل‪ ،‬وإ ذا بلغ أحدهم ُجهده بكى على ِّ‬
‫ويشبهها بالبقرة والظَّبية‪ ،‬والمرأة أحسن منهما‪ .‬نعم حتَّى يشبِّهها‬
‫ّ‬
‫بالحية‪ ،‬ويسِّميها شوهاء وجرباء‪ ،‬مخافة العين عليها بزعمه‪.‬‬
‫ّ‬
‫فأما األدباء والظرفاء فقد قالوا في الغلمان فأحسنوا‪ ،‬ووصفوهم‬
‫ّ‬
‫الجد منهم والهزل‪.‬‬
‫وقدموهم على الجواري‪ ،‬في ّ‬
‫فأجادوا‪ّ O،‬‬

‫وقال الشاعر يصف الغالم‪:‬‬

‫ِ‬
‫غريب‬ ‫غريب الحسن في ٍّ‬
‫قد‬ ‫ُ‬ ‫شبيهٌ بالقضيب وبالكثيب ‪...‬‬
‫ِ‬
‫الكثيب‬ ‫غصن ‪ O...‬ونيط بحقوه دعص‬ ‫ٍ‬ ‫براه اهلل بدراً فوق‬
‫ِ‬
‫القلوب‬ ‫أغن تولَّ ُد َّ‬
‫الشهوات منه ‪ O...‬فما تعدوه أهواء‬ ‫ُّ‬
‫الضمير من ُّ‬
‫الذ ِ‬
‫نوب‬ ‫عين ففاتت ‪ O...‬مسلَّمة َّ‬
‫وما اكتحلت به ٌ‬
‫ونزعت عنه ‪ ...‬ولم أدنس به دنس الم ِ‬
‫ريب‬ ‫ْ‬ ‫شغلت به الهوى‬
‫ُ‬
‫وقال آخر‪:‬‬

‫ُدمانه‬
‫سوالف أ ْ‬
‫ُ‬ ‫بظبي له ‪...‬‬
‫ٍ‬ ‫كلفت‬
‫ُ‬
‫عبتي بانه‬ ‫ٍ‬
‫قضيب على َر ْملة ‪ ...‬على ُش ْ‬
‫ٌ‬
‫وحشي ٍة ‪ ...‬وألفاظُ إنسانه‬
‫ّ‬ ‫له لحظ‬
‫وقال أبو نواس‪:‬‬

‫مي بالجر ِد‬


‫َس ْقيا لغير العلياء والسَّند ‪ ...‬وغير أطالل َّ‬
‫ويا صبيب السَّحاب إن كنت قد ‪ O...‬جدت اللِّوى مرةً فال ِ‬
‫تعد‬ ‫ُ‬
‫تسقين بلدةً إذا ع َّدت ال ‪ O...‬بلدان كانت زيادة ِ‬
‫الكبد‬ ‫ال‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مفرى منه إلى الص ِ‬
‫ُّرد‬ ‫أتحرز من الغراب بها ‪ O...‬يكن ِّ‬
‫ْ‬ ‫إن‬
‫ْ‬
‫الفجاج إلى ‪ O...‬أذنيك إالَّ تصايح َّ‬
‫الن ِقد‬ ‫ُ‪O‬‬ ‫بحيثث ال تجلب‬
‫لحاً به على ِ‬
‫وتد‬ ‫فهر ُم ّ‬
‫أحسن عندي من انكبابك بال ‪ْ ...‬‬
‫ريحانة على أُ ْذ ٍن ‪ O...‬وسير كأس إلى ٍفم ِ‬
‫بيد‬ ‫ٍ‬ ‫وقوف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األحد‬ ‫عيده إلى‬
‫منتسب ُ‬
‫ٌ‬ ‫يسقيكها من بني العباد رشاً ‪O...‬‬
‫إذا بنى الماء فوقها حبباً ‪ ...‬صلَّب فوق الجبين َّ‬
‫بالز ِبد‬
‫أشرب من كفِّه الشمول ومن ‪ ...‬فيه ُرضاباً يجري على بر ِد‬
‫ِ‬
‫والجسد‬ ‫الروح‬
‫خير من البكاء على ال ‪َّ O...‬ربع وأنمى في ُّ‬
‫فذاك ٌ‬
‫الحكمي شاعركم أيضاً‪O:‬‬
‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫نواس‬ ‫قال (صاحب‪ O‬الجواري)‪ :‬فقد قال أبو‬

‫تطرب إلى ِ‬
‫هند‬ ‫ْ‬ ‫ال ِ‬
‫تبك ليلى وال‬

‫ِ‬
‫كالورد‬ ‫واشرب على الورد من حمراء‬
‫ْ‬

‫ِّ‬
‫والخد‬ ‫انحدرت في حْل ِ‬
‫ق شاربها ‪ ...‬رأيت حمرتها في العين‬ ‫ْ‬ ‫كأساً إذا‬
‫كف لؤلؤ ٍة ممشوقة ِّ‬
‫القد‬ ‫فالخمر ياقوتةٌ والكأس لؤلؤةٌ ‪ ...‬من ِّ‬
‫تسقيك من عينها سحراً ومن يدها ‪ .‬خمراً فما لك من سكرين من ُب ِّد لي‬
‫شيء خصصت‪ O‬به من بينهم وحدي‬
‫ٌ‬ ‫نشوتان َّ‬
‫وللندمان واحدةٌ ‪O...‬‬
‫وقال أيضاً‪:‬‬

‫الداء‬
‫كانت هي ُ‬ ‫إغراء ‪ ...‬وداوني بالتي ْ‬
‫ُ‬ ‫دع عنك لومي َّ‬
‫فإن اللوم‬
‫اء‬
‫سر ُ‬
‫حجر مسَّته َّ‬
‫صفراء ال تنزل األحزان ساحتها ‪ O...‬لو مسَّها ٌ‬
‫ُ‬
‫اء‬
‫وزن ُ‬
‫لوطي ّ‬
‫ٌّ‬ ‫حبان‪:‬‬
‫حر في ذي ذكر ‪ ...‬لها ُم ّ‬‫كف ذات ٍ‬ ‫من ِّ‬
‫ألالء‬ ‫قامت بإبريقها واللَّيل معتكر ‪َّ ...‬‬
‫فظل من وجهها في البيت‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫إغفاء‬
‫ُ‬ ‫فأرسلت من فم اإلبريق صافيةً ‪َّ ...‬‬
‫كأنما أخذها بالعين‬ ‫ْ‬
‫ذل الزمان لهم ‪ O...‬فما يصيبهم إالَّ بما شاءوا‬ ‫في ٍ‬
‫فتية ُز ُه ٍر َّ‬
‫وأسماء‬ ‫هند‬
‫لمنزلة ‪ O...‬كانت تكون بها ٌ‬‫ٍ‬ ‫لتلك أبكي وال أبكي‬
‫ُ‬
‫قال صاحب الغلمان‪.....‬وقال النظام‪:‬‬
‫والنظير ‪َّ O...‬‬ ‫َّ‬
‫مير‬ ‫وجل عن وصفك َّ‬
‫الض ُ‬ ‫بان بك الشكل َّ ُ‬
‫كبير‬
‫أمر وال ُ‬ ‫صغير ٍ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫امتحان ‪...‬‬ ‫فليس ُيخطيك في‬

‫منير‬ ‫ُخلقت‪ O‬من مثل ال ٍ‬


‫عيان ‪ ...‬جسماً على ّأنه ُ‬
‫نور‬ ‫ِّ‬
‫نار ‪ ...‬وأنت عند اللحاظ ُ‬
‫المجس ٌ‬
‫ِّ‬ ‫فأنت عند‬
‫الخراز‪O:‬‬ ‫وقال أبو ٍ‬
‫هشام َّ‬

‫لما قصرن الصِّفات‪ O‬عن ُكُن ِ‬


‫هه‬ ‫يا من َّ‬
‫تعدى العباد من شبهه ‪ُ َّ ...‬‬
‫ِ‬
‫مرهه‬ ‫ويا غزاالً يسبي بلحظته ‪ O...‬مكتحالً راح أو على‬
‫النفوس في ُن ِ‬
‫زهه‬ ‫النفوس نزهته ‪ O...‬يوشك ُيفني ُّ‬
‫يجعل قتل ُّ‬
‫فقلت له ‪ ...‬والقلب في كربه وفي ِ‬
‫ولهه‬ ‫َّلبيك ٍ‬
‫داع دعا ُ‬
‫هذا فؤادي أتاك مبتدعاً ‪ O...‬طوعاً ولم يأتكم على ُكر ِ‬
‫هه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫شرهه‬ ‫يذوب من‬ ‫قلب‬ ‫ٍ‬
‫مواصلة ‪ ...‬يا ُبوس ٍ‬ ‫يشرهُ منكم إلى‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫منتبهه‬ ‫من ‪ O...‬أعيا عليه وصا ُل‬
‫يطرق ْ‬
‫ُ‬ ‫فاآلن قل للخيال‬
‫الحكمي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقال‬

‫رس ُم الكرى بين الجفون ُمحي ُل ‪ ...‬عفَّى عليه ُبكاً عليك طوي ُل‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫بينهن قتي ُل‬ ‫أقلعت نظراته ‪ ...‬حتّى َّ‬
‫تشحط‬ ‫ْ‬ ‫يا ناظراً ما‬
‫أحللت‪ O‬من قلبي هواك محلَّة ‪ ...‬ما حلَّها المشروب والمأكو ُل‬
‫وقال أيضاً‪:‬‬

‫حبيب كلَّما زاد في ‪ O...‬جفوته لي كان أ ْشهى‬


‫ٌ‬ ‫لي‬
‫نظرت عيناك منه كان وجها‬
‫ْ‬ ‫هو وجهٌ كلُّه في ِّ‬
‫كل ما ‪O...‬‬
‫وكذا ُّ‬
‫الد ّرة ال يدري الفتى ‪ُّ ...‬أيها من أيِّها في العين أبهى‬
‫وقال أيضاً‪:‬‬

‫ِ‬
‫وصفات ما ألقى من البلوى‬ ‫أفنيت فيك معاني الشكوى ‪...‬‬
‫قلَّ ُ‬
‫بت آفاق الكالم فما ‪ O...‬أبصرتني أغفلت عن معنى‬

‫وأع ُّد ما ال أشتكي غبناً ‪ ...‬فأعود فيه ّ‬


‫مرةً أخرى‬ ‫ُ‬
‫ظني من َّ‬
‫الشكوى‬ ‫أن ما أشكو إلى ٍ‬
‫بشر ‪ O...‬ألراحني ِّ‬ ‫فلو َّ‬
‫لكنني أشكو إلى ٍ‬
‫حجر ‪ ...‬تنبو المعاول عنه بل أ ْقسى‬ ‫ّ‬
‫فهذا وشبهه من الشعر كثير‪.‬‬

‫ذم النساء‪:‬‬
‫ممن َّ‬
‫الهزل كقول بعضهم َّ‬
‫وإ ذا جئت إلى أصحاب‪ْ O‬‬

‫ِ‬
‫مصعب‬ ‫هذه الخمر فاشرب ‪ O...‬واسقني يا ابن‬
‫لقب َّ‬
‫معذ ِب‬ ‫وغنني‪ ... :‬من ٍ‬
‫اسقنيها ِّ‬
‫مجن ِب‬
‫رب راج َّ‬
‫ط ْفلةٌ ‪َّ O...‬‬
‫في َ‬
‫طمعت ّ‬
‫ْ‬
‫أسفرت لي‪ :‬تنقَّبي‬
‫ْ‬ ‫لما رأيتها ‪O...‬‬
‫قلت ّ‬
‫ِ‬
‫عقرب‬ ‫لست واهلل ُمدخالً ‪ O...‬إصبعي ُج ْح َر‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ِ‬
‫باألرنب‬ ‫بالمرد مطمومةً ‪ ...‬وال أبيع الظّبي‬
‫ال أبتغي ُ‬
‫ِ‬
‫واالعقرب‬ ‫الج ْح َر يدي طائعاً ‪ O...‬أخشى من َّ‬
‫الحية‬ ‫ال أُدخل ُ‬
‫وقال آخر‪:‬‬

‫الحر حاجة ‪ ...‬نيكه عندي سماجة‬


‫ليس لي في ِّ‬
‫كل ذي ٍ‬
‫فقر وحاجة‬ ‫الر إالّ ‪ُّ ...‬‬
‫ما ينيك َّ‬
‫فإذا نكتم فنيكوا ‪ O...‬أمرداً في لون عاجة‬
‫وقال يوسف ل ْقوه‪:‬‬

‫ِ‬
‫بعرتين‬ ‫ك أنثى ‪ O...‬عند أيري‬
‫ما يساوي ني ُ‬
‫دي ٍن بعد ِ‬
‫دين‬ ‫ّإنما نيك الجواري ‪ُّ O...‬‬
‫حل ْ‬
‫ِ‬
‫صيتين‬ ‫الخ‬
‫ليس لألير حياةٌ ‪ O...‬غير ريح ُ‬
‫وهو الذي يقول‪:‬‬

‫ِ‬
‫الكاتب‬ ‫من كاتباً ‪ O...‬إن اللِّ ِ‬
‫واط َّ‬
‫سجيةٌ في‬ ‫ُّ‬
‫ّ‬ ‫وعلى اللواط فال تلُ ْ‬
‫الخصى ما عاش ليس ِ‬
‫بتائب‬ ‫ولقد يتُوب من المحارم كلِّها‪ ... ،‬وعن ُ‬
‫الحكمي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقال‬

‫مني العين َّ‬


‫والفكا‬ ‫أمرد ‪ ...‬تأخذ ّ‬
‫للطمةٌ يلطمني ٌ‬
‫مسكا‬ ‫ٍ‬ ‫أطيب من تُ ٍ‬
‫ملئت ْ‬
‫معضوضة قد ْ‬ ‫فاحة في يدي ‪O...‬‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫العزب‬
‫ُ‬ ‫عزب ال يرجم‬
‫ٌ‬ ‫ط‬
‫إن تزن محصنةٌ تُرجم عالنيةً ‪ O...‬وإ ن يلُ ْ‬
‫ْ‬
‫وقال آخر‪:‬‬

‫ك من طمثه ومن ِ‬
‫حبله‬ ‫أمُن َ‬ ‫ٍ‬
‫أيسر ما فيه من مفاضلة ‪ْ ...‬‬
‫الجد‬
‫وهذا قلي ٌل من كثير ما قالوا‪ ،‬فقد قالت الشعراء في الغالم في ّ‬
‫والهزل فأحسنوا‪ ،‬كما قالت الشعراء في الغزل َّ‬
‫والنسيب‪ ،‬وال يضير‬
‫المحسن منهم أقديماً كان أو محدثاً‪.‬‬

‫أما أنت فحيث اجتهدت واحتفلت جئت‬


‫قال (صاحب‪ O‬الجواري)‪ّ :‬‬
‫قاشي‪ ،‬ووالبة‪ ،‬ونظرائهم من الفُسَّاق والمرغوب عن‬
‫والر ّ‬
‫بالحكمي‪َّ ،‬‬
‫ّ‬
‫مذهبهم‪ ،‬الذين نبغوا في آخر الزمان‪ُ ،‬سقّاطٌ عند أهل المروءات‪،‬‬
‫ألنهم وإ ن أسهبوا في وصف الغلمان‪ ،‬فإنما‬
‫أوضاعٌ عند أهل الفضل؛ ّ‬
‫يمدحون اللِّواط ويشيدون بذكره‪.‬‬

‫وقد علمت ما قال اهلل تبارك وتعالى في قوم ٍ‬


‫لوط‪ ،‬وما َّ‬
‫عجل لهم من‬
‫الخزي والقذف بالحجارة‪ O،‬إلى ما َّ‬
‫أعد لهم من العذاب األليم‪ .‬فمن أسوأُ‬
‫ذمه اهلل‪ ،‬وحسَّن ما َّقبح! وأين قول من َّ‬
‫سميت من‬ ‫حاالً ممن مدح ما َّ‬
‫قول األوائل في الغزل َّ‬
‫والنسيب والنساء! وهل كان البكاء والتشبيب‬
‫ذمت العرب َّ‬
‫الشيب مع‬ ‫أجلهن! وهل َّ‬
‫ّ‬ ‫وعليهن‪ ،‬ومن‬
‫ّ‬ ‫والعويل إال َّ‬
‫فيهن‬
‫َّ‬
‫لكراهتهن له‪ .‬قال شاعر الشعراء من‬ ‫الخصال‪ O‬المحمودة التي فيه إال‬
‫األولين واآلخرين‪ ،‬امرؤ القيس‪:‬‬
‫ّ‬
‫وقوسا‬
‫الشيب فيه َّ‬ ‫أراه َّن ال ُيحببن من َّ‬
‫قل ماله ‪ O...‬وال من رأين َّ‬ ‫ُ‬
‫وقال علقمة بن عبدة الفحل‪ ،‬وكان نظير امرؤ القيس في عصره‪:‬‬
‫نصيب‬
‫ُ‬ ‫هن‬ ‫إذا شاب رأس المرء أو َّ‬
‫قل ماله ‪ O...‬فليس له في ِّ‬
‫ود َّ‬ ‫ُ‬
‫عجيب‬
‫ُ‬ ‫عنده ّن‬
‫ُ‬ ‫ردن ثراء المال حيث علمنه ‪ O...‬وشرخ َّ‬
‫الشباب‬ ‫ُي ْ‬
‫ْ‬
‫وما قالت القدماء في النسيب أكثر من أن نأتي عليه‪ .‬وأين قول من‬
‫ذكرت في صفات‪ O‬الغلمان من قول امرؤ القيس في التشبيب حيث يقول‪:‬‬

‫قلب مقتَّ ِل‬


‫أعشار ٍ‬
‫ِ‬ ‫ذرفت عيناك إالّ لتضربي ‪ ...‬بسهميك في‬ ‫ْ‬ ‫وما‬
‫يفعل‬ ‫أن ُحَّب ِك قاتلي ‪َّ O...‬‬
‫وأنك مهما تأمري القلب ِ‬ ‫مني َّ‬‫أغرك ّ‬
‫َّ‬
‫وقول األعشى‪:‬‬

‫أسندت ميتاً إلى نحرها ‪ O...‬عاش ولم ُينقل إلى ِ‬


‫قابر‬ ‫ْ‬ ‫لو‬
‫ِ‬
‫الناشر‬ ‫عجباً للقاتل‬
‫حتّى يقو ُل الناس مما رأوا ‪ O...‬يا ّ‬
‫وقال جرير‪:‬‬

‫غدوا بلبِّك غادروا ‪ O...‬وشالً بعينك ال يزا ُل معينا‬


‫إن الذين ْ‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫عبراتهن وقلن لي ‪ ...‬ماذا لقيت من الهوى ولقينا‬ ‫ض َن من‬ ‫َّ‬
‫غي ْ‬
‫وقال جميل‪:‬‬

‫خليلي فيما عشتما هل رأيتما ‪ O...‬قتيالً بكى من ِّ‬


‫حب قاتله قبلي‬ ‫ّ‬
‫طامي‪:‬‬
‫وقال القُ ّ‬
‫يعلمه ‪ ...‬من يتَّقين وال مكنونه بادي‬ ‫ٍ‬
‫يقتُلننا بحديث ليس ُ‬
‫الغلَّة الصادي‬
‫صبن به ‪ O...‬مواقع الماء من ذي ُ‬ ‫فهن ينبذن من ٍ‬
‫قول ُي ْ‬ ‫ّ‬
‫فهؤالء القدماء في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬فأين قول من احتججت به من‬
‫قولهم!‪.‬‬

‫الحكمي وهو من المحدثين‪ .‬وأين‬


‫ّ‬ ‫وال نعلم أحداً قال في الغالم ما قال‬
‫قاشي‬ ‫يقع قوله من قول األوائل الذين َّ‬
‫الر ّ‬‫فدع عنك َّ‬
‫شببوا بالنساء! ْ‬
‫حجة في الشعراء‪.‬‬
‫والخراز ومن أشبههم؛ فليست لك علينا ّ‬
‫َّ‬ ‫ووالبة‬
‫وأُخرى‪ :‬ليس من قال الشعر بقريحته وطبعه واستغنى بنفسه‪ ،‬كمن‬
‫يطرد شعره‪ ،‬ويحتذي مثاله‪ ،‬وال يبلُغ معشاره‪.‬‬
‫ُ‬ ‫احتاج إلى غيره‬
‫قال (صاحب‪ O‬الغلمان)‪ :‬ظلمت في المناظرة ولم تُنصف في َّ‬
‫الحجة؛ ألن‬
‫لم ندفع فضل األوائل من الشعراء‪ّ ،‬إنما قلنا إنهم كانوا أعراباً أجالفاً‬
‫ألن أحدهم إذا اجتهد عند‬‫لذات الدنيا؛ َّ‬ ‫جفاةً‪ ،‬ال يعرفون رقيق العيش وال َّ‬
‫ُ‬
‫فإن وصفها باالعتدال في‬ ‫والحية‪ْ .‬‬
‫ّ‬ ‫نفسه َّ‬
‫شبه المرأة بالبقرة‪ ،‬والظبية‪،‬‬
‫دية؛ألنهم مع الوحوش‬
‫ّ‬ ‫بالب ْر‬ ‫شبهها بالقضيب‪َّ O،‬‬
‫وشبه ساقها َ‬ ‫الخلقة ّ‬
‫واألحناش نشؤوا‪ ،‬فال يعرفون غيرها‪.‬‬

‫وأحسن من‬
‫ُ‬ ‫أحسن من البقرة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الحسن‬ ‫أن الجارية الفائقة ُ‬
‫وقد نعلم ّ‬
‫ت به‪.‬‬ ‫كل ٍ‬
‫شيء ُشبِّهَ ْ‬ ‫الظَّبية‪ ،‬وأحسن من ِّ‬

‫وكأنها الشمس؛ َّ‬


‫فالشمس وإ ن كانت حسنةً‬ ‫وكذلك قولهم‪َّ :‬‬
‫كأنها القمر؛ ّ‬
‫ضروب من‬
‫ٌ‬ ‫فإنما هي شيء واحد‪ ،‬وفي وجه اإلنسان الجميل وفي خلقه‬
‫أن عين اإلنسان أحسن‬ ‫الحسن الغريب‪ ،‬والتركيب العجيب‪ .‬ومن ُّ‬
‫يشك ّ‬ ‫ُ‬
‫من عين الظَّبي والبقرة‪ ،‬وأن األمر بينهما متفاوت!‪O.‬‬
‫الحجة‬ ‫َّ‬
‫والحجة عليك مث ُل ّ‬ ‫أشياء يشترك فيها الغلمان والجواري‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وهذه‬
‫لك في هذه الصفات‪O.‬‬

‫احتجاجك علينا بالقرآن واآلثار والفقهاء‪ O،‬فقد قرأنا مثل ما قرأت‪،‬‬


‫ُ‬ ‫وأما‬
‫ّ‬
‫وسمعنا من اآلثار مثل ما سمعت‪ .‬فإن كنت إلى سرور ُّ‬
‫الدنيا تذهب‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ول ّذاتها تريد‪ ،‬فالقول قولنا‪ .‬كما قال الشاعر‪:‬‬

‫دام‬
‫الم ْ‬
‫فزمان ُ‬
‫ُ‬ ‫فإن تولَّى‬ ‫ما العيش إالَّ في جنون ِّ‬
‫الصبا ‪ْ ...‬‬
‫الغالم‬
‫ْ‬ ‫الشيخ والى بها ‪ ...‬خمساً َّ‬
‫تردى برداء‬ ‫ُ‬ ‫كأساً إذا ما‬
‫التقشف والتزهيد في اللَّ َّذات تعمد فترك جميع َّ‬
‫الشهوات‬ ‫وإ ن كنت إلى ُّ‬
‫فأما أن تتلو‬
‫حجتنا‪ّ O.‬‬
‫فإن أنصفت فأْتنا بمثل ّ‬
‫وغيرهن أفضل‪ْ O.‬‬
‫ّ‬ ‫من النساء‬
‫علينا القرآن وتأتينا بأحاديث ألَّفتها فهذا منك انقطاع‪ .‬ومثلنا ومثلك في‬
‫وكوفي تفاخرا بعدد أشراف أهل البصرة وأشراف‬
‫ٍّ‬ ‫بصري‬
‫ٍّ‬ ‫ذلك مثل‬
‫للكوفي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫البصري‬
‫ّ‬ ‫أهل الكوفة‪ ،‬فقال‬

‫ٍ‬
‫رجال بالبصرة في أربع قبائل‪:‬‬ ‫هات في أربع قبائل الكوفة مثل أربعة‬
‫في تميم الكوفة مثل األحنف‪ ،‬وفي بكر الكوفة مثل مالك بن مسمع‪ ،‬وفي‬
‫قيس الكوفة مثل قتيبة بن مسلم‪ ،‬وفي أزد الكوفة مثل المهلب‪O.‬‬
‫الكوفي‪ :‬مخنف بن ُسليم من أزد السَّراة‪ ،‬وهم أشرف من أزد‬
‫ّ‬ ‫فقال‬
‫ُعمان‪.‬‬
‫البصري‪ :‬إنا لم نكن في شرف القبائل وفرق ما بينهما‪ ،‬فإنما ذكرنا‬
‫ّ‬ ‫فقال‬
‫المهلب بنفسه‪ ،‬وما علمت أن أحداً يبلغ من جهله أن يفخر بمخنف بن‬
‫وأخمل رجل من ولد المهلّب أشهر في‬
‫فيفضله على المهلب‪ْ O.‬‬
‫ّ‬ ‫سليم‬
‫الواليات وفي الفرسان وفي الناس من مخنف‪ .‬والمهلّب رج ٌل ليس له‬
‫وحه أكثر وأشهر من أن يجوز‬
‫وأيامه وفتُ ُ‬
‫نظير يقاومه‪ ،‬ومناقبه ّ‬
‫بالعراق ٌ‬
‫مخنف‪ .‬وما زالوا يقولون‪ " :‬بصرة المهلّب " ‪ .‬ولو‬ ‫لنا أن نجعله إزاء ْ‬
‫لم يكن للمهلّب إالَّ أنه ولد يزيد بن المهلّب كان كافيا‪ .‬ونحن إذا قلنا‪:‬‬
‫ليس في قيس الكوفة مثل قتيبة بن مسلم‪ ،‬قال قائل‪ :‬فزارة أشرف من‬
‫فإنما المعارضة أن تذكر أسماء بن‬
‫باهلة‪ .‬قلنا‪ :‬ليس هذه معارضة؛ ّ‬
‫خارجة ثم تقول ونقول‪ ،‬فنذكر فتوح قتيبة العظام‪َّ ،‬‬
‫والشهامة والنفس‬
‫األبية‪َّ ،‬‬
‫والشجاعة والحزم والرأي‪ ،‬والوفاء‪ ،‬وشرف الوالية‪ ،‬ونذكر‬
‫فأما أن نتخطّى أنفسهما إلى قبائلهما كما‬
‫ُسودد أسماء‪ ،‬وجوده ونواله‪ّ .‬‬
‫تخطَّيت بدن المهلَّب وبدن مخنف إلى ْأز ِد عمان ِ‬
‫وأزد السَّراة‪ ،‬فهذا ليس‬
‫من معارضة العلماء‪.‬‬
‫ونسَّاكها فقلنا‪ O:‬لنا مثل عامر بن‬
‫وز ّهادها ُ‬
‫وكذلك إذا ذكرنا ُعّباد البصرة ُ‬
‫فعَّباد الكوفة‪ :‬أ ٌ‬
‫ُويس‬ ‫عبد قيس‪ ،‬وهرم بن َّ‬
‫حيان‪ ،‬وصلة بن أ ْشيم‪ .‬قلت‪ُ O:‬‬
‫النخعي‪ .‬وهذا جواب‪.‬‬ ‫والربيع بن ُخثيم‪ ،‬واألسود بن يزيد َّ‬
‫القرني‪َّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الدنيا والتمتُّع من ل ّذاتها وصفات محاسنها‪ ،‬وتذكر‬
‫فأما أن تذكر طيب ُّ‬
‫ّ‬
‫الزهاد والفقهاء‪ ،‬فقد انقطع الحجاج‬
‫ظرفاءها وأربابها‪ ،‬وتجيئنا بأحاديث ّ‬
‫بيننا وبينك‪.‬‬
‫المزح والهزل‪ ،‬ثم‬
‫وقد قلنا في صدر كتابنا‪ :‬إن الكالم إذا ُوضع على ْ‬
‫تغير معناه وبطل‪.‬‬
‫الجد‪ّ ،‬‬
‫أخرجته عن ذلك إلى غيره من ّ‬
‫شباب من‬
‫ٌ‬ ‫وقد ُروي َّ‬
‫أن معاوية سأل عمرو بن العاص يوماً ‪ -‬وعنده‬
‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫قريش ‪ -‬فقال له‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬ما الل ّذة؟ فقال‪ُ O:‬مر شباب‬
‫فليقوموا‪ .‬فلما قاموا قال‪ " :‬إسقاط المروءة " ‪.‬‬

‫قال الشاعر في مثل ذلك‪:‬‬

‫من راقب الناس مات غماً ‪ ...‬وفاز باللّ ِ‬


‫ذة الجسور‬ ‫ّ‬
‫الحكمي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقال‬

‫َّبر‬
‫لما ُغلب الص ُ‬
‫تجاسرت فكاشفةُ ‪ ...‬ك ّ‬
‫ينهتك السِّتْ ُر‬
‫وما أحسن في مثل ‪ O...‬ك أن ْ‬
‫قال (صاحب‪ O‬الجواري)‪ :‬فنحن نترك ما أنكرت علينا ونقول‪ :‬لو لم يكن‬
‫حالل وال حرام‪ ،‬وال ثواب وال عقاب‪ ،‬لكان الذي ُيحصِّله المعقول‬
‫الحس والوجدان‪ ،‬داالً على َّ‬
‫أن االستمتاع بالجارية أكثر وأطول‬ ‫ويدركه ُّ‬
‫مدة؛ ألنه أقل ما يكون التمتُّع بها أربعون عاماً‪ ،‬وليس تجد في الغالم‬
‫ّ‬
‫فأرداف‬
‫ٌ‬ ‫معنى إالَّ وجدته في الجارية وأضعافه‪ .‬فإن أردت التفخيذ‬
‫ً‬
‫وثيرة‪ ،‬وأعجاز بارزة ال تجدها عند الغالم‪ .‬وإ ن أردت العناق فالثُّ ُّ‬
‫دي‬
‫معدوم في الغالم‪ .‬وإ ن أردت طيب المأتى فناهيك‪ ،‬وال‬ ‫ٌ‬ ‫النواهد‪ ،‬وذلك‬
‫محاشه حدث هناك من الطَّفاسة‬
‫ِّ‬ ‫تجد ذلك عند الغالم‪ .‬فإن أتوه في‬
‫كل عيش‪ ،‬وينغص َّ‬
‫كل ل ّذة‪.‬‬ ‫يكدر َّ‬
‫والقذر ما ِّ‬
‫وفي الجارية من نعمة البشرة ولدونة المفاصل‪ O،‬ولطافة الكفَّين‬
‫ِّ‬
‫والتثني وقلّة الحشن وطيب العرق ما ليس‬ ‫والقدمين‪ ،‬ولين األعطاف‪،‬‬
‫ٍ‬
‫خصال ال تحصى‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫للغالم‪ ،‬مع‬

‫وحسن الخرط‪ ،‬ويفرق بين المجدولة والسمينة‪.‬‬


‫القد ُ‬
‫يصف جودة ّ‬
‫وقولهم " مجدولة " يريدون جودة العصب وقلّة االسترخاء‪ ،‬ولذلك‬
‫جدل عنان‪َّ ،‬‬
‫وكأنها‬ ‫جان‪َّ ،‬‬
‫وكأنها ْ‬ ‫قالوا‪ُ :‬خمصانة وسيفانة‪ ،‬وكأنها ٌّ‬
‫قضيب خيزران‪ .‬والتثني في مشية الجارية أحسن ما فيها‪ ،‬وذلك في‬
‫عيب؛ ألنه بنسب إلى التخنيث والتأنيث وقد وصفت الشعراء‬
‫الغالم ٌ‬
‫المجدولة في أشعارها‪ ،‬فقال بعضهم‪:‬‬

‫وم ْذ ِر ُ‬
‫ف‬ ‫جيد َ‬ ‫لها قسمةٌ من خوط ٍ‬
‫بان ومن نقاً ‪ ...‬ومن رشأ األقواز ٌ‬
‫وقال آخر‪:‬‬

‫كثيب نصفها ‪ ...‬إذا مشت أقعدها ما خلفها‬


‫مجدولة األعلى ٌ‬
‫وقال آخر‪:‬‬

‫الروادف‬
‫مشت ‪ O...‬ينوء بخصريها ثقا ُل َّ‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫ومجدولة جدل العنان إذا‬
‫وقال األحوص‪:‬‬

‫تخودا‬
‫صناع أنعمت أن َّ‬
‫ٍ‬ ‫كأنها ‪ O...‬عنان‬
‫من المدمجات اللحم َج ْدالً ّ‬

‫وقالوا في ذلك أكثر من ان نأتي عليه‪.‬‬


‫خديه عشرة أعوام‪ ،‬إلى أن تتَّصل‬
‫والغالم أكثر ما تبقي بهجته ونقاء ّ‬
‫وقاخ طوراً ينتف لحيته‪ ،‬وتارة‬
‫حد المرودة‪ ،‬ثم هو ٌ‬
‫لحيته ويخرج من ّ‬
‫الرجال‪ O.‬وقد أغنى اهلل الجارية عن ذلك‪ ،‬لما‬
‫يهلُُبها ليستدعي شهوة ِّ‬
‫ْ‬
‫وهب لها من الجمال‪ O‬الفائق‪ ،‬والحسن الرائق‪.‬‬

‫إن من النساء من يتحسَّن ويستر عيبه بخضاب الشعر‬


‫فإن قلت‪ّ O:‬‬
‫وغيره‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬

‫هر‬ ‫ُّ‬ ‫ترجى أن تكون َّ‬


‫عجوز َّ‬
‫دب الظ ُ‬ ‫واحدو َ‬
‫ْ‬ ‫فتيةً ‪ O...‬وقد لحب الجنبان‬ ‫ٌ‬
‫هر‬
‫الد ُ‬‫ط ُار ما أفسد َّ‬
‫طار ميرة أهلها ‪ O...‬ولن يصلح الع ّ‬
‫تدس إلى الع ّ‬
‫ُّ‬
‫ِّبت وليس كالغالم‪ ،‬لعموم َهْلب‬
‫قلنا‪ :‬قد يفعل ذلك بعض النساء إذا ُشي ْ‬
‫اللِّحى في الغلمان‪.‬‬

‫وأن‬ ‫ُّ‬
‫والتلذذ بهم‪َّ ،‬‬ ‫وحسن قدودهم‪ ،‬ونعمة أبشارهم‪،‬‬
‫الخصيان ُ‬
‫ْ‬ ‫وذكرت‬
‫شيء ال تعرفه األوائل‪ ،‬فألجأْتنا إلى نصف ما في الخصيان وإ ن لم‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‬
‫إنما نقول في الجواري والغلمان‪.‬‬
‫كنا ّ‬
‫معنى في كتابنا‪ ،‬إذ ّ‬ ‫يكن لذلك‬
‫ً‬
‫والخصي ‪ -‬رحمك اهلل ‪ -‬في الجملة ممثَّل به‪ ،‬ليس برجل وال امرأة‪،‬‬
‫ُّ‬
‫الصبيان‪ ،‬وفيه من العيوب‬
‫وأخالقه ُمقسَّمة بين أخالق النساء وأخالق ِّ‬
‫الخصي‬
‫َّ‬ ‫حوراء كان حقيقاً أن ُيزهد فيها منه؛ ألن‬
‫التي لو كانت في ْ‬
‫حد البضاضة ومالسة الجلد‪ O،‬وصفاء اللَّون‬ ‫ُّ‬
‫والتنقل من ّ‬ ‫سريع ُّ‬
‫التبدل‬
‫ُّ‬
‫والتقبض‬ ‫ورقَّته‪ ،‬وكثرة الماء وبريقه‪ ،‬إلى التكسُّر والجمود والكمود‪،‬‬
‫الخصي َّ‬
‫وكأن‬ ‫َّ‬ ‫ألنك ترى‬ ‫ُّ‬
‫والتحدب‪ ،‬وإ لى الهزال وسوء الحال‪ّ O.‬‬ ‫والتجمد‬
‫ُّ‬
‫وكأنه‬
‫وكأنه ُجمارة‪ّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫صينية‪ّ ،‬‬ ‫السيوف تلمع في وجهه‪ ،‬وكأنه مرآةٌ‬
‫وكأن في وجناته الورد‪ .‬فإن مرض‬ ‫قضيب ّ ٍ‬
‫فضة قد مسَّه ذهب‪ّ ،‬‬
‫مرضةً‪ ،‬أو طعن في ِّ‬
‫السن ذهب ذهاباً ال يعود‪.‬‬ ‫ْ‬
‫قويت شهوته‪،‬‬
‫ْ‬ ‫الخصي إذا قُطع ذلك العضو منه‬
‫َّ‬ ‫إن‬
‫وقال بعض العلماء‪ّ O:‬‬
‫وكثرت دمعته‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وقويت معدته‪ ،‬والنت جلدته‪ ،‬وانجردت شعرته‪،‬‬
‫ْ‬
‫واتَّسعت ف ْقحته‪ ،‬ويصير كالبغل الذي ليس هو جماراً وال فرساً؛ ّ‬
‫ألنه‬
‫مذبذب ال إلى هؤالء وال إلى هؤالء‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫برجل وال امرأة‪ .‬فهو‬ ‫ليس‬

‫ويعرض للخصي ُسرعة َّ‬


‫الدمعة والغضب‪ ،‬وذلك من أخالق النساء‬ ‫ّ‬
‫ِّر‪.‬‬
‫وضيق الصَّدر بما أُودع من الس ِّ‬
‫ُ‬ ‫والصبيان‪ .‬ويعرض له ُّ‬
‫حب النميمة‬ ‫ِّ‬

‫ويعرض لهم البول في الفراش وال َّ‬


‫سيما إذا بات أحدهم ممتلئاً من‬
‫َّ‬
‫النبيذ‪.‬‬

‫شدة حبِّهم‬
‫النكاح مع ّ‬
‫ومما ناله من الحسرة واألسف لما فاتهم من ّ‬
‫للنساء‪ ،‬أبغضوا الفحول َّ‬
‫أشد من تباغض األعداء‪ ،‬فأبغضوا الفحول‬
‫ُبغض الحاسد لذوي ِّ‬
‫النعمة‪.‬‬

‫وزعم بعض أهل التجربة من ُّ‬


‫الشيوخ المعَّمرين َّأنهم اعتبروا أعمار‬
‫أعم من جميع أجناس‬
‫ضروب الناس فوجدوا طول أعمار الخصيان َّ‬
‫الرجال‪ ،‬وأنهم لم يجدوا لذلك ِعلّةً إالَّ عدم ّ‬
‫النكاح‪ .‬وكذلك طول أعمار‬
‫البغال لقلة َّ‬
‫الن ْزو‪ .‬ووجدوا أقل األعمار أعمار العصافير؛ لكثرة‬
‫سفادها‪.‬‬
‫الرجال‪ O‬امرأة‪ ،‬ومع ِّ‬
‫النساء رجل‪ .‬وهو من النمائم‬ ‫الخصي مع ِّ‬
‫ُّ‬ ‫ثم‬
‫وزوجه‪ ،‬على ما ليس عليه أحد‪ .‬وهذا‬
‫والتحريش واإلفساد بين المرء ْ‬
‫من َّ‬
‫النفاسة والحسد للفحول على النساء‪ .‬ويعتريه إذا طعن في ِّ‬
‫السن‬
‫الرجل‪.‬‬
‫والتواء في أصابع ِّ‬
‫ٌ‬ ‫اعوجاج في أصابع اليد‪،‬‬
‫خصي فاستترت منه‪ ،‬فقال لها‪:‬‬
‫ٌّ‬ ‫ودخل بعض الملوك على أهله ومعه‬
‫تستترين منه وإ نما هو بمنزلة المرأة! فقالت‪ :‬ألموضع الم ْثلة به ُّ‬
‫يحل له‬ ‫ُ‬
‫حرم اهلل عليه‪.‬‬
‫ما َّ‬

‫الخصي عيوباً يطول ذكرها‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫مع َّ‬
‫أن في‬

‫ولوال خوف المالل والسآمة على الناظر في هذا الكتاب‪ O،‬لقْلنا في‬
‫االحتجاج‪ O‬عليك بما ال يدفعه من كانت به ُمسكة عقل‪ْ ،‬أو له معرفة‪.‬‬
‫وفيما ُقلنا ما أقنع وكفى‪ .‬وباهلل الثِّقة‪.‬‬

‫عات من أحاديث البطَّالين والظُّرفاء‪،‬‬


‫وقد ذكرنا في آخر كتابنا هذا مقطَّ ٍ‬
‫قوة‬
‫ليزيد القارئ لهذا الكتاب نشاطا‪ ،‬ويذهب عنه الفتور والكالل‪ ،‬وال َّ‬
‫إال باهلل‪.‬‬

‫‪ - 1‬قال‪ :‬مرض رج ٌل من ُعتاة الالَّطة مرضاً شديدا‪ ،‬فأيسوا منه‪ ،‬فلما‬


‫أفاق َّ‬
‫وأبل من مرضه‪ ،‬دخل عليه جيرانه فقالوا له‪ :‬احمد اهلل الذي‬
‫ودع ما كنت فيه من طلب الغلمان واالنهماك فيهم‪ ،‬مع هذه ِّ‬
‫السن‬ ‫أقالك‪ْ O،‬‬
‫َّ‬
‫والمدة‬ ‫أن فرط العناية‬
‫التي قد بلغتها‪ .‬قال‪ :‬جزاكم اهلل خيراً؛ فقد علمت ّ‬
‫ولكني اعتدت هذه الصناعة وأنا صغير‪ ،‬وقد علمتم‬
‫دعاكم إلى عظتي‪ّ .‬‬
‫ما قال بعض الحكماء‪ :‬ما َّ‬
‫أشد فطام الكبير!‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬

‫ِ‬
‫رمسه‬ ‫والشيخ ال يترك أخالقه ‪ O...‬حتى ُيواري في ثرى‬

‫فقاموا من عنده آيسين من فالحه‪.‬‬

‫فشانهم‬ ‫أقدار ومروءات‪،‬‬ ‫َّ‬


‫ْ‬ ‫‪ - 2‬قال‪ :‬كان رج ٌل من الالطة وله بنون لهم ٌ‬
‫بمشيته مع الغلمان وطلبه لهم‪ ،‬فعاتبوه وقالوا‪ :‬نحن نشتري لك من‬
‫الوصائف على ما تشتهي‪ ،‬تشتغل َّ‬
‫بهن‪ ،‬فقد فضحتنا في الناس‪ .‬فقال‪:‬‬
‫لجلتين!‪ O‬فتركوا‬
‫الج ُ‬
‫هبكم تشترون لي ما ذكرتم فكيف لشيخكم بحرارة ُ‬
‫عتابه وعلموا ّأنه ال حيلة فيه‪.‬‬

‫ُّ‬
‫لمدورة؛ ولو‬ ‫‪ - 2‬وقال بعض اللوطيين‪َّ :‬إنما ُخلق األير للفَ ْقحة‪ّ ،‬‬
‫مدوٌر َّ‬
‫كان للحر كان على صيغة الطَّ ْبرزين‪.‬‬

‫وقال شاعرهم‪:‬‬

‫إذا وجدت صغيراً ‪ ...‬وجأتأصل الحمارة‬


‫وإ ن أصبت كبيرا ‪ ...‬قصدت قصد الحرارة‬
‫فما أبالي كبيراً ‪ O...‬قصدت أو ذا غرارة‬
‫المتزوجات‪ O:‬ما بالك مع‬
‫ِّ‬ ‫‪ - 4‬وقيل المرأة من األشراف كانت من‬
‫جمالك وشرفك ال تمكثين مع زوجك إالّ يسيراً حتى يطلِّقك؟ قالت‪O:‬‬
‫الضيق‪َّ ،‬‬
‫ضيق اهلل عليهم‪.‬‬ ‫يريدون ِّ‬
‫فمر رج ٌل في بعض الطُّرقات فسمع‬ ‫‪ - 5‬قال‪ :‬طلَّق رج ٌل امرأته‪َّ ،‬‬
‫امرأةً تسأل أخرى عنها فقالت‪ O:‬البائسة طلَّقها زوجها! فقالت‪ O:‬أحسن‬
‫بارك اهلل عليه‪ .‬فقال لها‪ :‬يا أمة اهلل‪ ،‬من شأن ِّ‬
‫النساء التعصُّب بعضهن‬
‫لبعض‪ ،‬وأسمعك تقولين ما قلت‪ O.‬قالت‪ :‬يا هذا‪ ،‬لو رأيتها لعلمت أن اهلل‬
‫تعالى قد َّ‬
‫أحل لزوجها ِّ‬
‫الزنى‪ ،‬من قُبح وجهها‪.‬‬

‫همةٌ إالّ طلب َّ‬


‫النيك‪،‬‬ ‫َّ‬
‫مالكن َّ‬ ‫ث المرأة‪ :‬يا معشر ِّ‬
‫النساء‪،‬‬ ‫‪ - 6‬وقال َّ‬
‫مخن ٌ‬
‫طبع‬
‫أمراً انتقلت من شهوته من ْ‬ ‫ال تُ ْؤثرون عليه شيئاً‪ .‬فقالت‪ O:‬إن ْ‬
‫الرجال‪ O‬إلى النساء حتَّى عقرت لحيتك له‪ ،‬لحقيق أال تُالم عليه‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫مخن ٍث حسن الوجه جداً‬


‫شاب َّ‬
‫‪ - 7‬قال إسحاق الموصلي‪ :‬نظرت إلى ٍّ‬
‫قد هلب لحيته فشان وجهه‪ ،‬فقلت له‪ :‬لم تفعل هذا بلحيتك‪ ،‬وقد علمت‬
‫أن جمال الرجال‪ O‬في اللِّحى؟ فقال‪ :‬يا أبا محمد‪ُّ ،‬‬
‫أيسرك باهلل ّأنها في‬ ‫ّ‬
‫استك؟ قلت‪ O:‬ال واهلل! فقال‪ O:‬ما أنصفتني‪ ،‬أتكره أن يكون في استك‬
‫شيء وتأمرني أن أدعه في وجهي!‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ - 8‬وقال‪ :‬اشترى بعض والة العراق قينةً ٍ‬
‫بمال كثير‪ ،‬فجلس يوماً‬
‫تغنت به‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫صوت َّ‬ ‫يشرب وأمرها أن ِّ‬
‫تغنيه‪ ،‬فكان ّأول‬

‫الخطى‬ ‫عشي ٍة ‪ِّ ...‬‬


‫أرجي ثواب اهلل في عدد ُ‬ ‫أروح إلى القصَّاص َّ‬
‫كل َّ‬
‫القاص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حزرة‬
‫فادفعها إلى أبي ْ‬
‫ْ‬ ‫فقال للخادم‪ :‬يا غالم‪ ،‬خ ْذ بيد هذه َّ‬
‫الزانية‬
‫فمضى بها إليه فلقيه بعد ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬كيف رأيت تلك الجارية؟ فقال‪ O:‬ما‬
‫أن فيها خصلتين من صفات‪ O‬الجنة! قال‪ :‬ويلك‬
‫شئت أصلحك‪ O‬اهلل‪ ،‬غير ّ‬
‫ما هما؟ قال‪ :‬البرد‪ ،‬والسِّعة‪.‬‬

‫‪ - 9‬قال ‪ :‬علق رج ٌل من أهل المدينة امرأةً فطال عناؤه بها حتّى ظفر‬
‫بها‪ ،‬فصار بها إلى منزل صدي ٍ‬
‫ق له ٍّ‬
‫مغن‪ ،‬ثم خرج يشتري ما يحتاج‬
‫إليه‪ ،‬فقالت له‪ :‬لو َّ‬
‫غنيت لي صوتاً إلى وقت مجي صديقك!‪O.‬‬
‫فأخذ العود َّ‬
‫وتغنى‪:‬‬

‫ترفع لوالدها شنارا‬


‫ْ‬ ‫تفضح أخاها ‪ O...‬ولم‬
‫ْ‬ ‫من الخفرات‪ O‬لم‬
‫ولبست إزارها وقالت‪ O:‬ويلي ويلي‪ ،‬ال واهلل ال‬
‫ْ‬ ‫قال‪ :‬فأخذت المرأة ُخفَّها‬
‫فأبت وصاحت‪ ،‬فخشي الفضيحة فأطلقها‪ O.‬وجاء‬
‫جلست! فجهد بها ْ‬
‫يجدها‪ ،‬فسأله عنها فقال‪ :‬جئتني بمجنونة؛ قال‪ :‬ما لها ويلك؟‬
‫الرجل فلم ْ‬
‫أغنيها صوتاً ففعلت‪ ،‬فضربت بيدها إلى خفِّها وثيابها‬
‫قال‪ :‬سألتْني أن ِّ‬
‫وأي‬ ‫ت أن أحبسها فصاحت َّ‬
‫فخليتها‪ O.‬قال‪ِّ :‬‬ ‫فلبست وقامت تولول‪ ،‬فجهَ ْد ُ‬
‫ْ‬
‫غنيتها؟ فأخبره‪ ،‬فقال‪ :‬لعنك اهلل! ُح َّ‬
‫ق لها أن تهرب!‪.‬‬ ‫شيء َّ‬
‫قوم الجماع‪ ،‬وأفاضوا في ذكر النساء‪ ،‬وإ لى جانبهم‬
‫قال‪ :‬تواصف ٌ‬
‫َّ‬
‫مخنث فقال‪ :‬باهلل عليكم دعوا ذكر الحر لعنه اهلل! فقال له بعضهم‪ :‬متى‬
‫تزوج رج ٌل امرأةٌ‪،‬‬
‫عهدك به؟ قال‪ُ :‬م ْذ خرجت منه! ‪ - 10‬قال‪ّ :‬‬
‫زوجه َّ‬
‫فقدمه إلى القاضي‬ ‫فمكثت عنده غير بعيد‪ ،‬ثم أتى الرجل بالذي ّ‬
‫وأي ٍ‬
‫شيء‬ ‫زوجني امرأةً مجنونة‪ .‬قال‪َّ :‬‬
‫إن هذا ّ‬‫فقال‪ O:‬أصلحك اهلل‪ّ ،‬‬
‫رأيت من جنونها؟ قال‪ :‬إذا جامعتها ُغشي عليها حتَّى أحسبها قد ماتت‪.‬‬
‫فقال له القاضي‪ :‬قم قبحك اهلل فما أنت لمثل هذه بأهل‪ .‬وكانت ربوخاً‪.‬‬

‫فتزوجها ُعمر بن‬ ‫المتزوجات‪ّ ،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 11‬قال‪ :‬كانت عائشة بنت طلحة من‬
‫زوارها إ ْذ‬ ‫ٍ‬
‫امرأة من َّ‬ ‫عبيد اهلل بن َمعمر التَّيمي‪ ،‬فبينا هي عنده َّ‬
‫تحدث مع‬ ‫ّ‬
‫النخير َّ‬
‫والشهيق أمراً‬ ‫دخل ُعمر فدعا بها فواقعها‪ ،‬فسمعت المرأة من َّ‬
‫وقدرك تفعلين مثل هذا!‬
‫فلما خرجت قالت لها‪ :‬أنت في شرفك ْ‬ ‫عجيباً‪َّ ،‬‬
‫الشرب إالَّ على الصَّفير!‪.‬‬
‫الدواب ال تُجيد ُّ‬
‫َّ‬ ‫إن‬
‫قالت‪ّ O:‬‬

‫المدينية من المغتلمات‪ O،‬فدخل عليها نسوةٌ من‬


‫ّ‬ ‫‪ - 12‬قال‪ :‬وكانت ُحَّبي‬
‫القبع عند الجماع يفعله‬
‫المدينة فقلن لها‪ :‬يا خالة‪ ،‬أتيناك نسألك عن ْ‬
‫شيء أحدثه ِّ‬
‫النساء؟ قالت‪ O:‬يا بناتي‪ ،‬خرجت‬ ‫ٌ‬ ‫شيء قديم أم‬
‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫النساء‪ ،‬أهو‬
‫فلما رجعنا ف ُكَّنا‬
‫للعمرة مع أمير المؤمنين عثمان رضي اهلل عنه‪َّ ،‬‬
‫مني ما أعجبني منه‬
‫إلي زوجي ونظرت إليه‪ ،‬فأعجبه ّ‬
‫بالعرج نظر ّ‬
‫ْ‬
‫عير عثمان فقبعت قبعةً وأدركني ما يصيب بنات‬
‫ومرت بنا ُ‬
‫فواثبني‪َّ ،‬‬
‫آدم‪ ،‬فنفرت العير ‪ -‬وكانت خمس مائة ‪ -‬فما التقى منها بعيران إلى‬
‫الساعة‪.‬‬

‫تسميه أهل‬
‫الرهز‪ .‬كذاك ِّ‬ ‫والقبع‪َّ :‬‬
‫النخير عند الجماع‪ O.‬والغربلة‪َّ :‬‬ ‫ْ‬
‫المدينة‪.‬‬

‫ويقال إن ُحَّبي علَّمت نساء المدينة ْ‬


‫القبع والغربلة‪.‬‬
‫دار‬
‫‪ - 13‬قال‪ :‬وكانت ُخليدة امرأةً سوداء ذات َخْلق عجيب‪ ،‬وكان لها ٌ‬
‫فتى من أهل العراق فاكترى منزلها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الحاج‪ ،‬فحج ً‬
‫ّ‬ ‫بمكة تكريها أيام‬
‫فانصرف ليلةً من المسجد وقد طاف فأعيا‪ ،‬فلما صعد السَّطح نظر إلى‬
‫الناس وأحسنه َخْلقاً‪ ،‬فدعتْه نفسه إليها‬
‫خليدة نائمة في القمر‪ ،‬فرأى أهيأ ّ‬
‫فدنا منها‪ ،‬فتركته حتى رفع برجليها فتابعتْه وأرتْه أنها نائمة‪ ،‬فناكها‪،‬‬
‫فلما فرغ ندم فجعل يبكي ويلطم وجهه‪ ،‬فتعاربت وقالت‪ O:‬ما شأنك؟‬
‫َّ‬
‫حية؟ لدغتْك عقرب؟ ما بالك ْتبكي؟ قال‪ :‬ال واهلل ِّ‬
‫ولكني نكتك‬ ‫لسعتك ّ‬
‫قم يا‬ ‫وأنا محرم‪ .‬قال‪ O:‬فتنيكني وتبكي؟ أنا واهلل ُّ‬
‫أحق بالبكاء منك‪ْ .‬‬
‫أرعن!‪.‬‬

‫أي الحاالت‪ O‬أعجب إلى ِّ‬


‫النساء من‬ ‫ُمه‪ُّ ،‬‬ ‫‪ - 14‬وقال ابن ُحَّبي ِّ‬
‫ألمه‪ :‬يا أ َّ‬
‫وألصق‬
‫ْ‬ ‫اهن؟ قالت‪ :‬يا بني‪ ،‬إذا كانت ُم َّ‬
‫سنة مثلي فأبر ْكها‬ ‫أخذ الرجال ّإي ّ‬ ‫ْ‬
‫ّ‬
‫فخذيها إلى‬
‫شابةً فاجمع ْ‬ ‫أوعبه فيها‪ .‬وإ ذا كانت ّ‬
‫خدها باألرض ثم ْ‬ ‫َّ‬
‫صدرها فأنت تدرك بذلك ما تريد منها وتبلغ حاجتك منها‪.‬‬
‫قوم بعيراً وكان صعباً‪ ،‬فأرادوا إدخاله الدار‬
‫‪ - 15‬وقال‪ :‬اشترى ٌ‬
‫كأنها شقَّة‬
‫فأشرفت عليهم امرأةٌ ّ‬
‫ْ‬ ‫فامتنع‪ ،‬فجعلوا يضربونه وهو يأبى‪،‬‬
‫فبهتوا ينظرون إليها‪ ،‬فقالت‪ O:‬ما شأنه؟ فقال لها بعضهم‪ :‬نربده‬
‫قمر‪ُ ،‬‬
‫الدخول فليس يدخل‪ .‬قالت‪ُ :‬ب َّل رأسه حتَّى يدخل‪.‬‬
‫على ُّ‬

‫سرية ترتفع عن الخدمة‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫جارية ّ‬ ‫‪ - 16‬قال‪ :‬نظر رج ٌل بالمدينة إلى‬
‫ولكن في رجلي‪.‬‬
‫فقال‪ O:‬يا جارية‪ ،‬في يدك عمل؟ قالت‪ :‬ال‪ْ ،‬‬
‫‪ - 17‬قال بعضهم‪ :‬كنا في مجلس ٍ‬
‫رجل من الفقهاء‪ O‬فقال لي رجل‪:‬‬
‫عندك حرةٌ أو مملوكة؟ قلت‪ :‬عندي ُّأم ٍ‬
‫ولد‪ ،‬ولم سألتني عن ذلك؟ قال‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫الحرة لها قدرها فأردت أن أعلّمك ضرباً من َّ‬
‫النيك طريفاً‪ .‬قلت‪ :‬قل‬ ‫إن ّ‬
‫ّ‬
‫مخدةً بين‬
‫لي‪ .‬قال‪ :‬إذا صرت إلى منزلك فنم على قفاك‪ ،‬واجعل ّ‬
‫وطاء لك‪ ،‬ثم ادعُ الجارية وأقم أيرك وأقعدها‬
‫ً‬ ‫رجليك وركبك ليكون‬
‫وتحول ظهرها إلى وجهك‪ ،‬وارفع رجليك ومرها أن تأخذ‬
‫َّ‬ ‫عليه‪،‬‬
‫بإبهامك كما يفعل الخطيب على المنبر‪ ،‬ومرها تصعد وتنزل عليه؛ َّ‬
‫فأنه‬
‫فلما صار الرجل إلى منزله فعل ما أمره به‪ ،‬وجعلت‬ ‫شيء عجيب‪َّ .‬‬
‫الجارية تعلو وتستفل‪ ،‬فقالت‪ O:‬يا موالي‪ ،‬من علَّمك هذا َّ‬
‫النيك؟ قال‪:‬‬
‫رد اهلل عليه بصره!‪.‬‬
‫فالن المكفوف‪ .‬قالت‪ O:‬يا موالي‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬

‫رائع ومال كثير‪،‬‬


‫‪ - 18‬قال‪ :‬كانت امرأة من قريش شريفةً ذات جمال ٍ‬
‫فردته وأجابت‬
‫شريف له ما ٌل كثير‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫فخطبها جماعةٌ وخطبها رج ٌل‬
‫غماً‬
‫فاغتم الرجل ّ‬
‫َّ‬ ‫وليها ليخطبوها‪،‬‬
‫الغد ِّو إلى ّ‬
‫غيره‪ ،‬وعزموا على ُ‬
‫فرأت ما به وسألته عن حاله‬
‫ْ‬ ‫الحي‬
‫عجوز من ّ‬‫ٌ‬ ‫شديداً‪ ،‬فدخلت عليه‬
‫زوجتُك بها؟ قال‪ :‬ألف درهم‪.‬‬
‫إن ّ‬
‫فأخبرها‪ O،‬وقالت‪ :‬ما تجعل لي ْ‬
‫وجعلت تنظر في‬
‫ْ‬ ‫ملياً‬
‫ثت عندها ّ‬ ‫فخرجت من عنده ودخلت عليها‪َّ ،‬‬
‫فتحد ْ‬ ‫ْ‪O‬‬
‫وجهها وتتنفَّس الصُّعداء‪ O،‬ففعلت ذلك غير َّ‬
‫مرة‪ ،‬فقالت‪ O‬الجارية‪ :‬ما‬
‫شأنك يا خالة‪ ،‬تنظرين في وجهي وتنفَّسين؟ قالت‪ :‬يا ُب ّنية‪ ،‬أرى شبابك‪،‬‬
‫يتم أمر المرأة إالَّ َّ‬
‫بالز ْوج‪،‬‬ ‫وما أنعم اهلل عليك به من هذا الجمال‪ O،‬وليس ُّ‬
‫يغ َّمك اهلل‪ ،‬قد خطبني غير ٍ‬
‫واحد وقد‬ ‫وأراك أيِّماً ال زوج لك‪ .‬قالت‪ O:‬فال ُ‬
‫عزمت على تزويج بعضهم‪ .‬قالت‪ O:‬فاذكري لي من خطبك‪ .‬قالت‪:‬‬
‫شريف‪ ،‬ومن؟ قالت‪ :‬فالن‪ .‬قالت‪ O:‬شريف‪ ،‬فما يمنعك‬
‫ٌ‬ ‫فالن‪ .‬قالت‪:‬‬
‫أف‪ ،‬ال تريدينه‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫وفالن ‪ -‬لصاحبها‪ - O‬قالت‪ :‬أ ٍّ‬
‫ُف ّ‬ ‫ٌ‬ ‫منه؟ قالت‪:‬‬
‫وماله أليس هو شريفاً كثير المال؟ قالت‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن فيه خصلةً أكرهها‬
‫لك‪ .‬قالت‪ O:‬وما هي؟ قالت‪ O:‬دعي عنك ذكرها‪ .‬قالت‪ :‬أخبريني على ِّ‬
‫كل‬
‫حال‪ O.‬قالت‪ :‬رأيته يبول يوماً فرأيت بين رجليه رجالً ثالثة‪ .‬وخرجت‬
‫أعد إليها رسولك‪ .‬وأتاها الرجل الذي كانت‬
‫من عندها فأتته‪ ،‬فقالت‪ْ O:‬‬
‫فردتْه وبعثت إلى صاحب‪ O‬المرأة‪ :‬أن‬
‫أجابته ‪ -‬بعد مجيء الرسول ‪ّ -‬‬
‫فلما أتتْها‬ ‫فتزوجها فلما بنى بها إذا معه مثل ِّ‬
‫الز ّر‪َّ ،‬‬ ‫اغد بأصحابك‪ّ O.‬‬
‫العجوز فقالت‪ O:‬بكم بعتيني يا لخناء؟‪ O‬قالت‪ :‬بألف درهم‪ .‬قالت‪ O:‬ال‬
‫أكلتيها إالّفي المرض!‪.‬‬

‫‪ - 19‬قال‪ :‬كان هشام بن عبد الملك يقبض الثِّياب من عظم أيره‪ ،‬فكتب‬
‫إلى عامله على المدينة‪ " :‬أما بعد فاشتر لي عكاك َّ‬
‫النيك " ‪ .‬قال‪ :‬وكان‬
‫مديني ظريف‪ ،‬فقال له‪ :‬ويحك‪ ،‬ما عكاك ِّ‬
‫النيك؟ قال‪:‬‬ ‫ٌّ‬ ‫كاتب‬
‫له ٌ‬
‫الن َّخاسين فسألهم عن ذلك‪ .‬فقالوا‪ :‬عكاك ِّ‬
‫النيك‬ ‫فوجه إلى َّ‬
‫الوصائف‪َّ .‬‬
‫ووجه َّ‬
‫بهن إليه‪.‬‬ ‫منهن حاجته‪ّ ،‬‬
‫الوصائف البيض الطوال‪ .‬فاشتري ّ‬

‫وضية‪ ،‬فخطبها جماعةٌ وكانت ال‬


‫ّ‬ ‫قال‪ :‬وكانت بالمدينة امرأةٌ جميلةٌ‬
‫أمها تقول‪ :‬ال أزوجها إالَّ من ترضاه‪ .‬فخطبها‬‫ترضى أحداً‪ ،‬وكانت ُّ‬
‫شاب جمي ُل الوجه ذو ٍ‬
‫مال وشرف‪ .‬فذكرتْه البنتها وذكرت حاله‬ ‫ٌّ‬
‫تزوجي هذا فمن َّتز َّوجين؟ قالت‪ :‬يا أ َّ‬
‫ُمه‪ :‬هو ما‬ ‫بنية إن لم ّ‬
‫وقالت‪ O:‬يا ّ‬
‫بنيتي ال‬
‫شيء ال أقدر عليه‪ .‬قالت‪ :‬يا ّ‬
‫ٌ‬ ‫ولكني بلغني عنه‬
‫تقولين‪ّ ،‬‬
‫كل ٍ‬
‫شيء في نفسك‪ .‬قالت‪ :‬بلغني َّ‬
‫أن معه‬ ‫أمك‪ ،‬اذكري َّ‬
‫تحتشمين من ِّ‬
‫أيراً عظيما وأخاف أالَّ أقوى عليه‪ .‬فأخبرت ُّ‬
‫األم الفتى فقال‪ :‬أنا أجعل‬
‫األمر إليك تُدخلين أنت منه ما تريد وتحبسين ما تريد‪ .‬فأخبرت‪ O‬االبنة‬
‫لشديد‬
‫ٌ‬ ‫إن هذا‬‫بنيةُ واهلل ّ‬ ‫فقالت‪ :‬نعم أرضى إن َّ‬
‫تكفلت لي بذلك‪ .‬قالت‪ O:‬يا ّ‬ ‫ْ‬
‫ُمه‪،‬‬
‫فتزوجته‪ .‬فلما كانت ليلة البناء قالت‪ O:‬يا أ َّ‬ ‫َّ‬ ‫علي‪ِّ ،‬‬
‫ولكني أتكلفه لك‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫األم وأغلقت الباب وقالت‬
‫مني ال يقتْلني بما معه‪ .‬فجاءت‪ّ O‬‬
‫كوني قريبةً ّ‬
‫له‪ :‬أنت على ما أعطيتنا من نفسك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬هو بين يديك‪ .‬فقبضت‬
‫وأدنته من ابنتها فدسَّت رأسه في حرها وقالت‪ :‬أزيد؟ قالت‪O:‬‬
‫األم عليه ْ‬
‫ّ‬
‫ُمه زيدي‪ .‬قالت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫زيدي‪ .‬فأخرجت‪ O‬إصبعاً من أصابعها فقالت‪ O:‬يا أ َّ‬
‫شيء منه‪ ،‬وأوعبه الرجل كلَّه فيها‪،‬‬‫ٌ‬ ‫فلم تزل كذلك حتَّى لم يب ِ‬
‫ق في يدها‬
‫ق في يدي شيء‪ .‬قالت بنتها‪:‬‬ ‫بنية لم يب ِ‬
‫ُمه زيدي‪ .‬قالت‪ :‬يا ّ‬ ‫قالت‪ O:‬يا أ َّ‬
‫فإنه كان أعرف الناس بك‪ ،‬كان يقول‪ :‬إذا وقع الشيء في‬
‫رحم اهلل أبي ّ‬
‫عني!‪.‬‬
‫يديك ذهب البركةُ منه‪ .‬قومي ّ‬

‫فلما ناكها‬
‫أير عظيم جداً‪َّ ،‬‬ ‫تزوج رج ٌل امرأةً وكان معه ٌ‬
‫‪ - 20‬قال‪ّ :‬‬
‫أدخله كلَّه في حرها‪ ،‬ولم تكن تقوى عليه امرأة‪ ،‬فلم تتكلَّم‪ ،‬فقال لها‪ُّ :‬‬
‫أي‬
‫شيء حالك خرج من خلفك بعد؟ قالت‪ :‬بأبي أنت وهل أدخلته؟ ‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫مشوهٌ‬
‫سرية‪ ،‬ورج ٌل في دارها دميم ّ‬
‫امرأة جميلة ّ‬ ‫قال‪:‬نظر رج ٌل إلى‬
‫يأمر وينهي‪َّ ،‬‬
‫فظن ّأنه عبدها‪ ،‬فسألها عنه فقالت‪ O:‬زوجي‪ .‬قال‪ :‬يا‬
‫تتزوجين مثل هذا؟ فقالت‪ :‬لو‬
‫سبحان اهلل‪ ،‬مثلك في نعمة اهلل عليك َّ‬
‫كشفت عن فخذها فإذا فيه‬
‫ْ‬ ‫استدبرك بما يستقبلني به لعظم في عينك‪ .‬ثم‬
‫ضر‪ ،‬فقالت‪ :‬هذا خطاؤه فكيف إصابته‪.‬‬
‫ُبقع ُخ ْ‬

‫‪ - 22‬قال‪ :‬وكانت بالمدينة امرأة ماجنة يقال لها سالَّمة الخضراء‪،‬‬


‫فرفعت إلى الوالي فأوجعها‬ ‫بكيرنج‪ُ ،‬‬
‫ْ‬ ‫مخن ٍث وهي تنيكه‬ ‫فأُخذت مع َّ‬
‫ضرباً وطاف بها على جمل‪ ،‬فنظر إليها رج ٌل يعرفها فقال‪ :‬ما هذا يا‬
‫أظلم من الرجال‪ ،‬أنتم تنيكونا‬ ‫ُّ‬
‫ت‪ ،‬ما في الدنيا ُ‬ ‫سالَّمة؟ فقالت‪ :‬باهلل اس ُك ْ‬
‫مرة واحدة قتلتمونا‪.‬‬
‫فلما نكنا كم َّ‬‫الدهر كلَّه َّ‬
‫َّ‬

‫تزوج رج ٌل امرأةً فقيل له‪ :‬كيف وجدتها؟ قال‪َّ :‬‬


‫كأن ركبها‬ ‫‪ - 23‬قال‪ّ :‬‬
‫ني‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وكأن ُش ْفريها أير حمار مثْ ّ‬
‫دارة القمر‪ّ ،‬‬

‫‪ - 24‬وقال بعض العجائز المغتلمات‪:‬‬

‫صبغي ودامت صبغة ِ‬


‫األيام‬ ‫وخضبت ما صبغ َّ‬
‫الزمان فلم يدم ‪ْ ...‬‬
‫ّأيام أُمسي َّ‬
‫والشباب غريرةً ‪ ...‬وأُناك من خلفي ومن قُ َّدامي‬ ‫ْ‬
‫‪ - 25‬وقال سياه‪ ،‬وكان من مردة الالّطة‪ ،‬وأسمه ميمون بن زياد بن‬
‫مولى لخزاعة‪:‬‬ ‫ْثروان‪ ،‬وهو‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫األفواه‬ ‫عد القبائل فخرهم ‪ ...‬فضعوا أكفَّكم على‬
‫إن َّ‬‫أخزاعُ ْ‬
‫ِ‬
‫األستاه‬ ‫إالّ إذا ُذكر اللِّواط وأهله ‪ O...‬والفاتقون مشارج‬
‫ِ‬
‫بسياه‬ ‫فإن لكم به ‪ O...‬مجداً تليداً طارفاً‬
‫فهناك فافتخروا ّ‬
‫‪ - 26‬قال‪ :‬وجاء سياه إلى الكميت فقال له‪ :‬يا أبا ُعمارة‪ ،‬قد قلت على‬
‫فس إالّ ِّادكارا " فقال‪ :‬هات‪ .‬فقال‪O:‬‬ ‫أبت هذه َّ‬
‫الن ُ‬ ‫عروض قصيدتك‪ْ " :‬‬

‫النفس إالّ خسارا ‪ ...‬وإ الّ ارتداداً وإ الّ ازورارا‬


‫أبت هذه ُ‬
‫ْ‬
‫وحمل ُّ‬
‫الديوك وقود الكالب ‪ ...‬فهذا هرشاً وهذا نقارا‬
‫وشرب الخمور بماء الغمام ‪ O...‬تنفجر األرض عنه انفجارا‪O‬‬
‫ك " ‪ ،‬وكان من كبار الالَّطة‪ ،‬وهو رج ٌل من أهل‬
‫‪ - 27‬وقال‪ :‬أُخذ " دي ٌ‬
‫عدو اهلل هبك تُعذر‬
‫كأنه قديدة‪ ،‬فقيل له‪َّ :‬‬ ‫الحجاز‪ ،‬مع ٍ‬
‫غالم من قُريش ّ‬
‫وأمي‪ ،‬قد واهلل‬
‫الصباح فما أردت إلى هذا؟ فقال‪ :‬بأبي أنتم ِّ‬
‫في الغلمان ِّ‬
‫علمت ّأنه كما تقولون‪ ،‬وإ َّنما نكته لشرفه‪.‬‬
‫‪ - 28‬وقد ُيضرب المثل في اللِّواط بالحجاز فيقال‪ " O:‬أْلوطُ من ديك " ‪،‬‬
‫كوفي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كما يقول أهل العراق‪ " :‬أْلوط من سياه " ‪ ،‬وهو‬
‫وقد اختصرت كتابي هذا لئال يملَّه القارئ‪ O.‬وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫تم كتاب مفاخرة الجواري والغلمان‪ ،‬واهلل المستعان‪ ،‬وعليه التُّكالن‪ ،‬وال‬
‫إله إال هو‪.‬‬

‫يتلوه إن شاء اللَّه تعالى كتاب القيان من كالم أبي عثمان عمرو بن ٍ‬
‫بحر‬
‫الجاحظ أيضاً‪ O،‬واللَّه الموفق للصواب‪ .‬والحمد للَّه أوالً وآخراً‪،‬‬
‫وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسالمه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫كتاب القيان‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫من أبي موسى بن إسحاق بن موسى‪ ،‬ومحمد بن خالد خذار خذاه‪ ،‬وعبد‬
‫اهلل بن أيوب أبي ُسمير‪ ،‬ومحمد بن حماد كاتب راشد‪ ،‬والحسن بن‬
‫إبراهيم بن رباح‪ ،‬وأبي الخيار‪ ،‬وأبي الرنال‪ O،‬وخاقان بن حامد‪ ،‬وعبد‬
‫اليزيدي المعروف بمشرطة‪ ،‬وعلك بن الحسن‪،‬‬
‫َّ‬ ‫اهلل بن الهيثم بن خالد‬
‫كبة‪ ،‬وإ خوانهم المستمتعين بالنعمة‪ ،‬والمؤثرين لل ّذة‪،‬‬
‫ومحمد بن هارون ّ‬
‫المتمتعين بالقيان وباإلخوان‪ ،‬المعدين لوظائف األطعمة وصنوف‬
‫األشربة‪ ،‬والراغبين بأنفسهم عن قبول شيء من الناس‪ ،‬أصحاب‪ O‬الستر‬
‫والستارات‪ ،‬والسرور والمراوءات‪.‬‬
‫الحس‪.‬‬
‫إلى أهل الجهالة والجفاء‪ ،‬وغلظ الطبع‪ ،‬وفساد ّ‬

‫سالم من وفق لرشده‪ ،‬وآثر حظَّ نفسه‪ ،‬وعرف قدر النعمة؛ ّ‬


‫فإنه ال‬
‫يشكر النعمة من لم يعرفها ويعرف قدرها‪ ،‬وال يزاد فيها من لم‬
‫يشكرها‪ ،‬وال بقاء لها على من أساء حملها‪.‬‬

‫الغني أشد من حمل الفقير‪ O،‬ومؤونة الشكر أضعف‬


‫ِّ‬ ‫وقد كان يقال‪ :‬حمل‬
‫من مشقة الصبر‪ .‬جعلنا اهلل وإ ياكم من الشاكرين‪.‬‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫صامت عن حجته مبطالً في اعتقاده‪ ،‬وال ُّ‬ ‫أما بعد فإنه ليس ُّ‬
‫كل‬ ‫ّ‬
‫يعجل‬
‫ْ‬ ‫ناط ٍ‬
‫ق بها ال برهان له محقّاً في انتحاله‪ .‬والحاكم العادل من لم‬
‫يحول القول‬
‫بفصل القضاء دون استقصاء ُحجج الخصماء‪ O،‬و دون أن ّ‬ ‫ْ‬
‫الحجة مداها من‬
‫فيمن حضر من الخصماء واالستماع منه‪ ،‬وأن تبلغ ّ‬
‫البيان‪ ،‬ويشرك القاضي الخصمين في فهم ما اختصما فيه‪ ،‬حتى ال‬
‫يكون بظاهر ما يقع عليه من حكمه أعلم منه بباطنه‪ ،‬وال بعالنية ما‬
‫بسره‪ .‬ولذلك ما استعمل أهل الحزم‬ ‫ُيفْلج الخصام‪ O‬منه َّ‬
‫أطب منه ِّ‬
‫والروية من القضاة‪ O‬طول الصمت‪ O،‬وإ نعام التفهُّم والتمهُّل‪ ،‬ليكون‬
‫ّ‬
‫االختيار بعد االختيار‪ ،‬والحكم بعد ُّ‬
‫التبين‪.‬‬

‫تضمنه كتابنا هذا اقتصاراً‪ O‬على‬


‫بحجتنا فيما َّ‬
‫وقد ُكّنا ممسكين عن القول ّ‬
‫مستغن عن أن ُي َّ‬
‫ستدل عليه‬ ‫ٍ‬ ‫بين عن نفسه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مكتف بظهوره‪ُ ،‬م ٌ‬ ‫َّ‬
‫الحق‬ ‫أن‬
‫بظاهر على باطن‪ ،‬وعلى الجوهر بالعرض‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إنما ُي ُّ‬
‫ستدل‬ ‫بغيره؛ إ ْذ كان َّ‬
‫َّ‬
‫يستدل بباطن على ظاهر‪.‬‬ ‫وال ُيحتاج أن‬

‫موهوا وزخرفوا‪ ،‬غير بالغين للفلج والغلبة‬


‫أن خصماءنا‪ O‬وإ ْن ّ‬
‫وعلمنا ّ‬
‫وأن َّ‬
‫كل دعوى ال يفلُ ُج صاحبها‬ ‫منا‪َّ ،‬‬
‫العدل دون االستماع ّ‬
‫عند ذوي ْ‬
‫وكرب حتَّى ِّ‬
‫تؤديه إلى‬ ‫ٌ‬ ‫المدعي ٌّ‬
‫كل‬ ‫بمنزلة ما لم يكن‪ ،‬بل هي على َّ‬
‫مسرة ُّ‬
‫النجح أو راحة اليأس‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫عصابة لو أمس ْكنا‬ ‫أن تفاقم األمر وعيل الصَّبر‪ ،‬وانتهى إلينا عيب‬
‫إلى ْ‬
‫عن اإلجابة عنها واالحتجاج فيها‪ ،‬علماً َّ‬
‫بأن من شأن الحاسد تهجين ما‬
‫ذم ما ُحرم وتصغيره والطَّعن على‬
‫يحسد عليه‪ ،‬ومن ُخلق المحروم َّ‬
‫فإن الحسد عقوبةٌ موجبة للحاسد بما‬
‫أهله كان لنا في اإلمساك سعة‪ّ .‬‬
‫ربه واستصغار نعمته‪ ،‬والسَّخط لقدره‪،‬‬
‫يناله منه ويشينه‪ ،‬من عصيان ّ‬
‫ص ُعداً‪ ،‬والتشاغل بما ال‬
‫مع الكرب الالزم والحزن الدائم‪ ،‬والتنفس ُ‬
‫أمر محدو ٍد يكون شكره‪،‬‬
‫وأن الذي يشكر فعلى ٍ‬
‫ُيدرك وال ُيحصى‪َّ .‬‬
‫والذي يحسد فعلى ما ال حد له يكون حسده‪ .‬فحسده متَّسع بقدر ُّ‬
‫تغير‬
‫يظن جاهل َّ‬
‫أن إمساكنا عن اإلجابة‬ ‫ألنا خفنا أن ّ‬
‫اتّساع ما جسد عليه‪ّ .‬‬
‫إقرار بصدق العضيهة‪ ،‬وأن إغضاءنا لذي الغيبة عجز عن دفعها‪.‬‬

‫فوضعنا في كتابنا هذا ُحججاً‪ O‬على من عابنا بملك القيان‪َّ ،‬‬


‫وسبنا بمنادمة‬
‫النصر إذ قد‬ ‫اإلخوان‪ ،‬ونقم علينا إظهار ِّ‬
‫النعم والحديث بها‪ .‬ورجونا ّ‬
‫الحق فصيح ‪ -‬ويروي " ولسان ِّ‬
‫الحق‬ ‫ّ‬ ‫بدينا والبادي أظلم‪ ،‬وكاتب‬
‫فصيح " ‪ -‬ون ْفس المحرج ال ُيقام لها‪ ،‬وصولة الحليم المتأني ال بقاء‬
‫بعدها‪.‬‬

‫الحجة في اطِّراح الغيرة في غير َّ‬


‫محرم وال ريبة‪ ،‬ثم وص ْفنا فضل‬ ‫فبيَّنا ّ‬
‫َّ‬
‫قصدنا‪.‬‬
‫جامع لما ْ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫موجز‬ ‫ونقضنا أقوال خصمائنا ٍ‬
‫بقول‬ ‫ْ‬ ‫النعمة علينا‪،‬‬
‫َّ‬
‫فليخف حمله‪.‬‬ ‫فمهما أطنبنا فيه َّ‬
‫فللشرح واإلفهام‪ ،‬ومهما أدمجنا وطوينا‬
‫والمطوي ُينشر‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والملخص يختصر‪،‬‬ ‫المطول يقصَّر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫واعتمدنا على َّ‬
‫أن‬
‫واألصول تتفرع‪ ،‬وباهلل الكفاية والعون‪.‬‬
‫إن الفروع ال محالة راجعةٌ إلى أصولها‪ O،‬واألعجاز الحقةٌ بصدورها‪،‬‬
‫ّ‬
‫والموالي تبعٌ ألوليائها‪ ،‬وأمور العالم ممزوجة بالمشاكلة ومنفردة‬
‫بالمضادة‪ ،‬وبعضها ِعلَّةٌ لبعض‪ ،‬كالغيث علَّة السَّحاب والسَّحاب علَّة‬
‫َّ‬
‫الحب‪َّ ،‬‬
‫والدجاجة‬ ‫ّ‬ ‫والزرع علَّته‬
‫الزرع‪َّ ،‬‬‫وكالحب ِعلّته َّ‬
‫ّ‪O‬‬ ‫والرطوبة‪،‬‬
‫الماء ُّ‬
‫علَّتها البيضة‪ ،‬والبيضة علَّتها الدجاجة‪ ،‬واإلنسان علّته اإلنسان‪.‬‬

‫وكل ما تُقلُّه أكنافها لإلنسان‬


‫والفلك وجميع ما تحويه أقطار األرض‪ُّ ،‬‬
‫أن أقرب ما ُس ِّخر له من روحه وألطفه عند‬
‫خو ٌل ومتاعٌ إلى حين‪ .‬إالّ ّ‬
‫مودة‬
‫وجعلت بينه وبينها ّ‬
‫فإنها ُخلقت له ليسكن إليها‪ُ ،‬‬
‫نفسه " األُنثى " ؟ ّ‬
‫ورحمة‪.‬‬

‫ووجب أن تكون كذلك وأن يكون َّ‬


‫أحق وأولى بها من سائر ما ُخ ِّول إ ْذ‬
‫كانت مخلوقةً منه‪ .‬وكانت بعضاً له وجزءاً من أجزائه‪ ،‬وكان بعض‬
‫الشيء أشكل ببعض وأقرب به قُرباً من بعضه ببعض غيره‪ .‬فالنساء‬
‫رزق لما ُجعل رزقاً له من الحيوان‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حرث للرجال‪ ،‬كما النبات‬
‫ٌ‬

‫حرم وتحليل ما أح ّل‪ ،‬وتخليص‬


‫ولوال المحنة والبلوى في تحريم ما َّ‬
‫المواليد من ُشبهات االشتراك فيها‪ ،‬وحصول المواريث في أيدي‬
‫ٍ‬
‫بواحدة منهن من اآلخر‪ ،‬كما ليس بعض‬ ‫واحد َّ‬
‫أحق‬ ‫األعقاب‪ O،‬لم يكن ٌ‬
‫برعي مواقع السَّحاب من بعض‪ ،‬ولكان األمر كما قالت‬ ‫السَّوام َّ‬
‫أحق ْ‬
‫أن‬
‫منهن‪ .‬إال ّ‬
‫المجوس‪ :‬إن للرجل األقرب فاألقرب إليه رحماً وسبباً ّ‬
‫مرعى‬ ‫فإنه‬ ‫فخص المطلق‪ ،‬كما فعل َّ‬
‫بالزرع ّ‬ ‫َّ‬ ‫الفرض وقع باالمتحان‬
‫ً‬
‫لولد آدم ولسائر الحيوان إالَّ ما منع منه التحريم‪.‬‬

‫وسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه‬


‫محرماً في كتاب اهلل ّ‬ ‫وكل ٍ‬
‫شيء لم ُيوجد َّ‬ ‫ُّ‬
‫قياس ما لم‬
‫فمباح ُمطلق‪ .‬وليس على استقباح الناس واستحسانهم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وسلم‬
‫نخرج من التحريم دليالً على حسنه‪ ،‬وداعياً إلى حالله‪.‬‬

‫ولم نعلم للغيرة في غير الحرام وجهاً‪ ،‬ولوال وقوع التحريم لزالت‬
‫أحد أولى‬
‫فإنه كان يقال‪ :‬ليس ٌ‬ ‫الغيرة ولزمنا قياس من ُّ‬
‫أحق بالنساء؛ َّ‬
‫المشام والتُّفَّاح الذي يتهاداه الناس بينهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بهن من أحد‪ ،‬وإ َّنما َّ‬
‫هن بمنزلة‬ ‫َّ‬
‫وفرق الباقي َّ‬
‫منهن على‬ ‫ولذلك اقتصر من له َّ‬
‫العدة على الواحدة َّ‬
‫منهن‪َّ ،‬‬
‫المقربين‪ .‬غير ّأنه لما عزم الفريضة بالفرق بين الحالل والحرام‪،‬‬
‫ّ‬
‫ورخصوه فيما تجاوزه‪.‬‬
‫الحد المضروب لهم‪ّ ،‬‬ ‫اقتصر المؤمنون على ِّ‬
‫حجاب‪ ،‬وال كانوا يرضون مع‬
‫ٌ‬ ‫فلم يكن بين رجال العرب ونسائها‬
‫الخْلسة‪ ،‬دون أن يجتمعوا على‬
‫الفْلتة وال لحظة ُ‬
‫سقوط الحجاب بنظرة َ‬
‫ويسمى المولع‬
‫َّ‬ ‫الحديث والمسامرة‪ ،‬ويزدوجوا في المناسمة والمثافنة‪،‬‬
‫الزير‪ ،‬المشتَّق من الزيارة‪ .‬وك ّل ذلك بأعين األولياء‬
‫بذلك من الرجال ِّ‬
‫وحضور األزواج‪ ،‬ال ينكرون ما ليس بمنكر إذا أمنوا المنكر‪ ،‬حتّى لقد‬
‫حسك في صدر أخي ُبثينة من جميل ما حسك من استعظام المؤانسة‪،‬‬
‫وخروج العذر عن المخالطة‪ ،‬وشكا ذلك إلى زوجها َّ‬
‫وهزه ما ح ّشمه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫لجميل عند إتيانه بثينة ليقتاله‪ ،‬فلما دنا لحديثه وحديثها سمعاه‬ ‫فكمنا‬
‫الرجال‪ O‬والنساء‪ ،‬فيما يشفي‬
‫يقول ممتحناً لها‪ :‬هل لك فيما يكون بين ِّ‬
‫َّ‬
‫الحب‬ ‫ويطفئ نائرة الشوق؟ قالت‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬ولم؟ قالت‪َّ O:‬‬
‫إن‬ ‫غليل العشق ُ‬
‫أما واهلل لو‬
‫إذا نكح فسد! فأخرج سيفاً قد كان أخفاه تحت ثوبه‪ ،‬فقال‪ّ O:‬‬
‫فلما سمعا بذلك وثقا بغيبه وركنا إلى عفافه‪،‬‬
‫ْأنعمت لي لمألته منك! َّ‬
‫وانصرفا عن قتله‪ ،‬وأباحاه النظر والمحادثة‪.‬‬

‫الرجال يتحدثون مع النساء‪ ،‬في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬حتَّى‬


‫فلم يزل ِّ‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم خاصَّة‪.‬‬
‫ضرب الحجاب على أزواج ّ‬ ‫ُ‬
‫وعروة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جميل وبثينة‪ ،‬وعفراء ُ‬ ‫وتلك المحادثة كانت سبب الوصلة بين‬
‫وقيس ولُبنى‪ ،‬وأسماء ومقِّش‪ ،‬وعبد اهلل بن عجالن وهند‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وكثيِّر َّ‬
‫وعزة‪،‬‬

‫للرجال‪ O‬للحديث‪ ،‬ولم يكن النظر من‬


‫ثم كانت الشرائف من النساء يقعدن ِّ‬
‫بعضهم إلى بعض عاراً في الجاهلية‪ O،‬وال حراماً في اإلسالم‪.‬‬
‫وكانت ضباعة‪ ،‬من بني عامر بن قُرط بن عامر بن صعصعة‪ ،‬تحت‬
‫عبد اهلل بن ُجدعان زماناً ال تلد‪ ،‬فأرسل إليها هشام بن المغيرة‬
‫المخزومي‪ :‬ما تصنعين بهذا َّ‬
‫الشيخ الكبير الذي ال يولد له‪ ،‬قولي له‬ ‫ُّ‬
‫حتّى يطلِّقك‪ .‬فقالت‪ O‬لعبد اهلل ذلك‪ ،‬فقال لها‪ِّ :‬إني أخاف عليك أن‬
‫أتزوجه‪ .‬قال‪ :‬فإن فعلت فعليك‬
‫تتزوجي هشام بن المغيرة‪ .‬قالت‪ O:‬ال ّ‬
‫َّ‬
‫مائة من اإلبل تنحرينها في الحزورة وتنسجين لي ثوباً يقطع ما بين‬
‫وأرسلت إلى‬
‫ْ‬ ‫األخشبين‪ ،‬والطواف بالبيت ُعريانة‪ .‬قالت‪ O:‬ال أطيقه‪.‬‬
‫ْ‬
‫يكرثك وأنا‬ ‫ٍ‬
‫هشام فأخبرتْه الخبر فأرسل إليها‪ :‬ما أيسر ما سألك‪ ،‬وما ُ‬
‫قريش في المال‪ ،‬ونسائي أكثر نساء رجل من قريش‪ ،‬وأنت أجمل‬ ‫ٍ‬ ‫أيسر‬
‫تأب ْي عليه‪ .‬فقالت‪ O‬البن ُجدعان‪ :‬طلِّ ْقني ْ‬
‫فإن تزوجت هشاماً‬ ‫ِّ‬
‫النساء فال َّ‬
‫هشام فنحر عنها ماءةً‬
‫ٌ‬ ‫فتزوجها‬‫فعلي ما قلت‪ O.‬فطلَّقها بعد استيثاقه منها‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫الج ُزر‪ ،‬وجمع نساءه فنسجن ثوباً يسع ما بين األخشبين‪ ،‬ثم طافت‬ ‫من ُ‬
‫بالبيت ُعريانة‪ ،‬فقال المطَّلب بن أبي وداعة‪ :‬لقد أبصرتها وهي ُعريانةٌ‬
‫أدبرت‪ ،‬وأستقبلها إذا أقبلت‪ O،‬فما‬
‫ْ‬ ‫تطوف بالبيت وإ ِّني ٌ‬
‫لغالم أتْبعها إذا‬
‫رأيت شيئاً مما خلق اهلل أحسن منها‪ ،‬واضعةً يدها على ركبها وهي‬
‫تقول‪:‬‬

‫اليوم يبدو بعضه أو كلُّه ‪ ...‬فما بدا منه فال أُحلُّه‬


‫باد ظلُّه‬
‫أخثم مثل القعب ٍ‬
‫ْ‬ ‫ناظر فيه فما يملُّه ‪ْ ...‬‬
‫كم ٍ‬
‫َّ‬
‫دونهن‬ ‫وأمهاتهن‪ ،‬فمن‬
‫إن النساء إلى اليوم من بنات الخلفاء ّ‬ ‫قال‪ :‬ثم َّ‬
‫يطفن بالبيت مك ّشفات الوجوه‪ ،‬ونحو ذلك ال يكمل ٌّ‬
‫حج إال به‪.‬‬
‫وأعرس عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه بعاتكة ابنة زيد بن عمرو بن‬
‫ُنفيل‪ ،‬وكانت قبله عند عبد اهلل بن أبي بكر‪ ،‬فمات عنها بعد أن اشترط‬
‫تتزوج بعده أبداً‪ ،‬على أن نحلها قطعةً من ماله سوى اإلرث‪،‬‬
‫عليها أال َّ‬
‫فخطبها عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‪ ،‬وأفتاها بأن يعطيها مثل ذلك‬
‫َّ‬
‫فتصدق به عن عبد اهلل بن أبي بكر‪ ،‬فقالت‪ O‬في مرثيته‪:‬‬ ‫من المال‬

‫تنفك عيني سخينةً ‪ ...‬عليك وال ُّ‬


‫ينفك جلدي أغبرا‬ ‫فأقسمت ال ُّ‬
‫فلما ابتنى بها عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه أولم‪ ،‬ودعا المهاجرين‬
‫علي بن أبي طالب عليه السالم قصد لبيت‬
‫فلما دخل ُّ‬
‫واألنصار‪َّ ،‬‬
‫حجلتها‪ O،‬فرفع السِّجف ونظر إليها فقال‪:‬‬

‫تنفك عيني سخينةً ‪ ...‬عليك وال ُّ‬


‫ينفك جلدي أصفرا‬ ‫فأقسمت ال ُّ‬
‫فخجلت‪ O‬فأطرقت‪ ،‬وساء عمر رضي اهلل عنه ما رأى من خجلها‬
‫علي إياها بنقض ما فارقت عليه زوجها‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫وتشورها عند تعيير ٍّ‬
‫ُّ‬
‫أبا الحسن‪ ،‬رحمك اهلل‪ ،‬ما أردت إلى هذا؟ فقال‪ :‬حاجةٌ في نفسي‬
‫قضيتها‪.‬‬

‫هذا‪ .‬وأنتم تروون أن عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه كان أغير‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم قال له‪ " :‬إني رأيت قصراً في‬
‫وأن َّ‬‫الناس‪َّ ،‬‬
‫الجنة فسألت‪ O:‬لمن هذا القصر؟ فقيل‪ :‬لعمر بن الخطاب‪ .‬فلم يمنعني من‬
‫غار‬
‫دخوله إالّ لمعرفتي بغيرتك " ‪ .‬فقال عمر رضي اهلل عنه‪ :‬وعليك ُي ُ‬
‫نبي اهلل!‪.‬‬
‫يا َّ‬

‫والدعابة ُيغار منها‪ ،‬لكان عمر َّ‬


‫المقدم في‬ ‫فلو كان النظر والحديث ُّ‬
‫شدة الغيرة‪ .‬ولو كان حراماً لمنع منه؛ إذ ال َّ‬
‫شك في‬ ‫لتقدمه في َّ‬
‫إنكاره؛ ُّ‬
‫زهده وورعه وعلمه وتفقُّهه‪.‬‬

‫تزوج حفصة ابنة عبد الرحمن‪،‬‬


‫وكان الحسن بن علي عليهما السالم َّ‬
‫الزبير يهواها‪ ،‬فبلغ الحسن عنها شيء فطلَّقها‪ ،‬فخطبها‬
‫وكان المنذر بن ُّ‬
‫تتزوجه وقالت‪ :‬شهَّرني!‪ .‬وخطبها عاصم بن عمر بن‬ ‫المنذر فأبت أن َّ‬
‫فتزوجها‪ ،‬فرقَّى المنذر عنها شيئاً فطلَّقها‪،‬‬
‫الخطاب‪ O‬رضي اهلل عنه َّ‬
‫تزوجيه ليعلم الناس َّأنه كان يعضهك‪.‬‬
‫وخطبها المنذر فقيل لها‪َّ :‬‬
‫لنستأذن عليها‬
‫ْ‬ ‫فتزوجتْه فعلم الناس َّأنه كذب عليها‪ ،‬فقال الحسن لعاصم‪:‬‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫فنتحدث عندها‪ ،‬فاستأذناه؛ فشاور أخاه عبد اهلل بن‬ ‫المنذر فندخل إليها‬
‫ٍ‬
‫عاصم أكثر نظراً منها‬ ‫الزبير فقال‪ :‬دعهما يدخالن‪ .‬فدخال فكانت إلى‬‫ُّ‬
‫إلى الحسن‪ ،‬وكان أبسط للحديث‪ O.‬فقال الحسن للمنذر‪ :‬خذ بيد امرأتك‪.‬‬
‫نما‬
‫وعاصم فخرجا‪ .‬وكان الحسن يهواها وإ َّ‬
‫ٌ‬ ‫فأخذ بيدها وقام الحسن‬
‫طلَّقها لما رقَّى إليه المنذر‪.‬‬

‫وقال الحسن يوماً البن أبي عتيق‪ :‬هل لك في العقيق؟ فخرجا فعدل‬
‫الحسن إلى منزل حفصة فدخل إليها َّ‬
‫فتحدثا طويال ثم خرج‪ ،‬ثم قال البن‬
‫أبي عتيق‪ :‬هل لك في العقيق؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فنزل بمنزلة حفصة ودخل‪،‬‬
‫مرة أخرى‪ :‬هل لك في العقيق؟ فقال‪ O:‬يا ابن أ ُِّم‪ ،‬أال تقول‪ :‬هل‬
‫فقال له َّ‬
‫لك في حفصة!!‪.‬‬

‫وكان الحسن في ذلك العصر أفضل أهل دهره‪ .‬فلو كان محادثة النساء‬
‫إليهن حراماً وعاراً لم يفعله ولم يأذن فيه المنذر بن ُّ‬
‫الزبير‪ ،‬ولم‬ ‫َّ‬
‫والنظر َّ‬
‫شر به عبد اهلل بن ُّ‬
‫الزبير‪.‬‬ ‫ُي ْ‬

‫األول‬ ‫شوية من َّ‬


‫أن النظر َّ‬ ‫الح ّ‬ ‫وهذا الحديث وما قبله ُيبطالن ما روت ُ‬
‫ألنه ال تكون محادثةٌ إالَّ ومعها ما ال يحصى عدده‬
‫حرام والثاني حرام؛ َّ‬
‫المحرمة َّ‬
‫النظر إلى الشعر‬ ‫َّ‬ ‫النظر‪ .‬إالَّ أن يكون عني بالنظرة‬
‫من َّ‬
‫والولي ويحرم على‬
‫ِّ‬ ‫للزوج‬ ‫والمجاسد‪ ،‬وما تخفيه الجالبيب مما ُّ‬
‫يحل ّ‬
‫غيرهما‪.‬‬

‫عبي‪ ،‬وهو في قُّب ٍة له مجلَّ ٍ‬


‫لة بوشى‪ ،‬معه فيها‬ ‫الزبير َّ‬
‫الش َّ‬ ‫ودعا مصعب بن ُّ‬
‫القبة؟ فقال‪ :‬ال أعلم أصلح اهلل‬
‫شعبي‪ ،‬من معي في هذه ّ‬ ‫ُّ‬ ‫امرأته‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫األمير! فرفع السِّجف‪ ،‬فإذا هو بعائشة ابنة طلحة‪.‬‬
‫ُّ‬
‫يستحل أن ينظر إن كان‬ ‫والشعبي فقيه أهل العراق وعالمهم‪ ،‬ولم يكن‬
‫ُّ‬
‫َّ‬
‫النظر حراماً‪O.‬‬

‫ورأى معاوية كاتباً له يكلِّم جاريةً المرأته فاختة بنت قرظة‪ ،‬في بعض‬
‫فزوجها منه‪ ،‬فدخل‬
‫طُرق داره‪ ،‬ثم خطب ذلك الكاتب تلك الجارية َّ‬
‫ِّ‬
‫متحشدة في تعبئة عطر لعرس جاريتها‪ ،‬فقال‪O:‬‬ ‫معاوية إلى فاختة وهي‬
‫هوني عليك يا ابنة قرظة‪ ،‬فإني أحسب االبتناء قد كان منذ حين!‪.‬‬
‫ِّ‬

‫األئمة‪ ،‬فلما لم يقع عنده ما رأى من الكالم موقع ٍ‬


‫يقين‪،‬‬ ‫ومعاوية أحد ّ‬
‫يوجبه‪ ،‬ولو أوجبه َّ‬
‫لحد‬ ‫ِ‬
‫يقض به ولم ْ‬ ‫ظن وحسبان‪ ،‬لم‬ ‫حل َّ‬
‫محل ٍّ‬ ‫وإ َّنما َّ‬
‫عليه‪.‬‬

‫فيجردها من ثيابها بحضرة جلسائه‪،‬‬


‫وكان معاوية يؤتى بالجارية ِّ‬
‫ويضع القضيب‪ O‬على ركبها‪ ،‬ثم يقول‪َّ :‬إنه لمتاعٌ لو وجد متاعاً! ثم يقول‬
‫فإنها ال ُّ‬
‫تحل ليزيد بعد أن‬ ‫لصعصعة بن صوحان‪ :‬خذها لبعض ولدك‪ّ ،‬‬
‫فعلت بها ما فعلت‪.‬‬
‫ولم يكن ُيعدم من الخليفة ومن بمنزلته في القدرة والتأتِّي أن تقف على‬
‫عام‬ ‫ٍ‬
‫مجلس ٍّ‬ ‫وتروحه‪ ،‬وتعاطيه أخرى في‬ ‫رأسه جارية ُّ‬
‫تذب عنه ِّ‬
‫بحضرة الرجال‪O.‬‬

‫فمن ذلك حديث الوصيفة التي اطلَّعت في كتاب عبد الملك بن مروان‬
‫الحجاج‪ O‬باللَّوم‬
‫سره‪ ،‬فلما فشا ما فيه رجع على ّ‬
‫الحجاج‪ O‬وكان ُي ُّ‬
‫إلى ّ‬
‫وتمثَّل‪:‬‬

‫أن وشاة الرجا ‪ O...‬ل ال يتركون أديماً صحيحاً‬ ‫ألم َتر َّ‬
‫نصيح نصيحا‬
‫ٍ‬ ‫لكل‬ ‫سرك إالَّ إليك ‪َّ O...‬‬
‫فإن ِّ‬ ‫فش َّ‬‫فال تُ ِ‬
‫فنمت عليه‪.‬‬
‫ثم نظر فوجد الجارية كانت تقرأ َّ‬

‫ومن ذلك حديثه حين نعس فقال للفرزدق وجرير واألخطل‪ :‬من وصف‬
‫ويحسن التمثيل‪ ،‬فهذه الوصيفة له‪ .‬فقال‬ ‫ٍ‬
‫وبمثل ُيصيب فيه ُ‬ ‫ُنعاساً ٍ‬
‫بشعر‬
‫الفرزدق‪:‬‬

‫ٍ‬
‫جالميد تركن به وقرا‬ ‫رماه الكرى في الرأس حتَّى َّ‬
‫كأنه ‪ ...‬أميم‬
‫فقال‪ O:‬شدختني ويلك يا فرزدق! فقال جرير‪:‬‬

‫رماه الكرى في الرأس حتَّى َّ‬


‫كأنه ‪ ...‬يرى في سواد الليل قُنبرة سقرا‬
‫فقال‪ O:‬ويلك تركتني مجنوناً! ثم قال‪ :‬يا أخطل فقل‪ .‬قال‪:‬‬
‫تروى بين ندمانه خمرا‬
‫نديم َّ‬ ‫رماه الكرى في الرأس حتَّى َّ‬
‫كأنه ‪ٌ ...‬‬
‫قال‪ :‬أحسنت‪ُ ،‬خ ْذ إليك الجارية‪.‬‬
‫إماء يختلفن في الحوائج‪ ،‬ويدخلن في‬
‫ثم لم يزل للملوك واألشراف ٌ‬
‫لسن للناس‪ ،‬مثل خالصة جارية الخيزران‪ ،‬وعتْبة‬ ‫يج ْ‬
‫ونساء ْ‬
‫ٌ‬ ‫الدواوين‪،‬‬
‫َّ‬
‫وتركية جاريتي ِّأم جعفر‪ ،‬ودقاق‬ ‫وس َّكر‬
‫جارية ريطة ابنة أبي العباس‪ُ ،‬‬
‫جارية َّ‬
‫العباسة‪ ،‬وظلوم وقسطنطينة جاريتي أم حبيب‪ ،‬وامرأة هارون‬
‫يبرزن‬
‫كن ْ‬‫ِّندي بن شاهك ثم ّ‬
‫أمة نصر بن الس ِّ‬
‫وحمدونة ّ‬
‫بن جعبويه‪ْ ،‬‬
‫منكر وال عابه‬ ‫كن وأشبه ما َّ‬
‫يتزي َّن به‪ ،‬فما أنكر ذلك ٌ‬ ‫للناس أحسن ما َّ‬
‫عائب‪.‬‬

‫ولقد نظر المأمون إلى ُس َّكر فقال‪ُ :‬‬


‫أح َّرةٌ أنت أم مملوكة؟ قالت‪ :‬ال‬
‫رضيت‬
‫ْ‬ ‫علي ُّأم جعفر قالت‪ O:‬أنت مملوكة‪ ،‬وإ ذا‬
‫غضبت َّ‬
‫ْ‬ ‫أدري‪ ،‬إذا‬
‫فكتبت‬
‫ْ‬ ‫قالت‪ O:‬أنت ُح َّرة‪ .‬قال‪ :‬فاكتبي إليها السَّاعة فاسأليها عن ذلك‪.‬‬
‫طائر من الهُ َّدى كان معها‪ ،‬أرسلتْه تعلم َّأم ٍ‬
‫جعفر‬ ‫كتاباً وصلته بجناح ٍ‬
‫فتزوجها‬
‫فكتبت إليها‪ " :‬أنت ُح َّرة " ‪ّ .‬‬
‫ْ‬ ‫ذلك‪ ،‬فعلمت ُّأم ٍ‬
‫جعفر ما أراد‬
‫على عشرة آالف درهم‪ ،‬ثم خال بها من ساعتها فواقعها وخلَّى سبيلها‪،‬‬
‫وأمر بدفع المال إليها‪.‬‬

‫أن المرأة َّ‬


‫المعنسة‬ ‫النظر إلى النساء كلِّ َّ‬
‫هن ليس بحرام‪َّ ،‬‬ ‫أن َّ‬ ‫َّ‬
‫والدليل على َّ‬
‫شابةٌ لم َّ‬
‫يحل إذا‬ ‫للرجال‪ O‬فال تحتشم من ذلك‪ .‬فلو كان حراماً وهي َّ‬ ‫تبرز ِّ‬
‫الخلق‬ ‫المتعدون َّ‬
‫حد الغيرة إلى سوء ُ‬ ‫ُّ‬ ‫أمر أفرط فيه‬ ‫ست‪َّ ،‬‬
‫ولكنه ٌ‬ ‫ُعِّن ْ‬
‫كالحق الواجب‪O.‬‬
‫ّ‬ ‫وضيق العطن‪ ،‬فصار عندهم‬
‫عدة أزواج ال ينقلها عن‬
‫وكذلك كانوا ال يرون بأساً أن تنتقل المرأة إلى ّ‬
‫ذلك إالّ الموت ما دام الرجال يريدونها‪ .‬وهم اليوم يكرهون هذا‬
‫الحرة إذا كانت قد نكحت‬ ‫ويستسمجونه في بعض‪ ،‬ويعافون المرأة ّ‬
‫ويلحقون به اللَّوم‪ ،‬ويعيِّرونها‬
‫زوجاً واحداً‪ ،‬ويلزمون من خطبها العار ُ‬
‫بذلك‪ ،‬ويتحظَّون األمة وقد تداولها من ال ُيحصى عدده من الموالي‪.‬‬
‫ولم ْلم يغاروا في اإلماء‬ ‫فمن حسَّن هذا في اإلماء َّ‬
‫وقبحه في الحرائر! َ‬
‫أمهات األوالد وحظايا الملوك‪ ،‬وغاروا على الحرائر‪ .‬أال ترى َّ‬
‫أن‬ ‫َّ‬
‫وهن ّ‬
‫َّ‬
‫لضعفهن أولع‪،‬‬ ‫بالنساء‬ ‫حرم اهلل فهي باط ٌل‪َّ ،‬‬
‫وأنها ِّ‬ ‫جاوزت ما ّ‬
‫ْ‬ ‫الغيرة إذا‬
‫يغرن على الظّ ّن والحْلم في َّ‬
‫النوم‪ .‬وتغار المرأة على أبيها‪،‬‬ ‫حتى ْ‬
‫وسريته‪.‬‬
‫وتعادي امرأته ِّ‬

‫ولم تزل القيان عند الملوك من العرب والعجم على وجه َّ‬
‫الدهر‪ .‬وكانت‬
‫تع ُّد الغناء أدباً ُّ‬
‫والروم فلسفةً‪.‬‬ ‫فارس ُ‬

‫الجاهلية الجرادتان لعبد اهلل بن ُجدعان‪.‬‬


‫ّ‬ ‫وكانت في‬

‫وغالكم يقال له " بديع "‬


‫ٌ‬ ‫جوار َّ‬
‫يتغن ْين‪،‬‬ ‫طيار ٍ‬
‫وكان لعبد اهلل بن جعفر ال ّ‬
‫علي أن آخذ الجيِّد من‬ ‫َّ‬
‫يتغنى‪ ،‬فعابه بذلك الحكم بن مروان‪ ،‬فقال‪ O:‬وما َّ‬
‫َّ‬
‫بحلوقهن‬ ‫ِّ‬
‫ويشذرنه‬ ‫َّ‬
‫فيترنمن به‬ ‫أشعار العرب وأُلقيه إلى الجواري‬
‫ونغمهن!‪.‬‬
‫ّ‬

‫وسمع يزيد بن معاوية الغناء‪.‬‬


‫َّ‬
‫عليهن‬ ‫واتَّخذ يزيد بن عبد الملك حبابة وسالَّمة‪ ،‬وأدخل الرجال‪O‬‬
‫للسَّماع‪ ،‬فقال الشاعر في حبابة‪:‬‬

‫ِ‬
‫الكرام‬ ‫ت دونه أُذن‬ ‫حن مزهرها إليها ‪َّ O...‬‬
‫وحن ْ‬ ‫إذا ما َّ‬
‫كأنهم وما ناموا ِ‬
‫نيام‬ ‫وأصغوا نحوه اآلذان حتَّى ‪ّ ...‬‬
‫وقال في سالَّمة‪:‬‬

‫بت في صوتها كيف تصنعُ‬


‫طر ْ‬‫شرها‪ ... ،‬إذا َّ‬‫ألم ترها‪ ،‬واهلل يكفيك َّ‬
‫لص ٍل من حلقها َّ‬
‫يترجعُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ترد نظام القول حتَّى َّ‬
‫ترده ‪ ...‬إلى ُ‬ ‫ُّ‬
‫وكان يسمع فإذا طرب َّ‬
‫شق ُبرده ثم يقول‪ :‬أطير! فتقول حبابة‪ :‬ال‬
‫تطير؛ َّ‬
‫فإن بنا إليك حاجة‪.‬‬

‫المتقدم في اللَّهو والغزل‪ ،‬والملوك بعد ذلك‬


‫ِّ‬ ‫ثم كان الوليد بن يزيد‬
‫األول‪.‬‬
‫يسلكون على هذا المنهاج وعلى هذا السبيل ّ‬
‫وكان عمر بن عبد العزيز رضي اهلل عنه‪ ،‬قبل أن تناله الخالفة َّ‬
‫يتغنى‪.‬‬
‫فمما يعرف من غنائه‪:‬‬
‫ّ‬

‫صاحبي ُنز ْر سعادا ‪ ...‬لقرب مزارها ودعا البعادا‬


‫َّ‬ ‫أما‬
‫َّ‬
‫وله‪:‬‬

‫عاود القلب سعادا ‪ O...‬فقال الطَّرف السُّهادا‬


‫مكسواً نغماً‪ :‬فما كان منه‬
‫ّ‬ ‫وال نرى بالغناء بأساً إذا كان أصله شعراً‬
‫فحسن‪ ،‬وما كان منه كذباً فقبيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫صدقاً‬

‫إن من ِّ‬
‫الشعر لحكمةً " ‪.‬‬ ‫وقد قال النبي عليه السالم‪َّ " :‬‬

‫حسن‪،‬‬
‫كالم‪ ،‬فحسنه ٌ‬
‫وقال عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‪ " :‬الشعر ٌ‬
‫وقبيحه قبيح " ‪.‬‬

‫يضره ذلك‪،‬‬
‫وال نرى وزن الشعر أزال الكالم عن جهته‪ ،‬فقد يوجد وال ُّ‬
‫وال يزيل منزلته من الحكمة‪.‬‬

‫فإن وزنه وتقفيته ال يوجبان تحريماً‬


‫محرم ّ‬
‫أن الكالم غير َّ‬
‫فإذا وجب ّ‬
‫لعلّة من العلل‪ .‬وإ ّن الترجيع له أيضاً ال يخرج إلى حرام‪ .‬وإ ّن وزن‬
‫حد‬
‫الشعر من جنس وزن الغناء‪ O،‬وكتاب الموسيقي‪ ،‬وهو من كتاب ّ‬
‫تحده األلسن ًّ‬
‫بحد م ْقنع‪ ،‬وقد يعرف بالهاجس كما يعرف‬ ‫النفوس‪ُّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫باإلحصاء‪ O‬والوزن‪ .‬فال وجه لتحريمه‪ ،‬وال أصل لذلك في كتاب اهلل‬
‫سنة نبيِّه عليه السالم‪.‬‬
‫تعالى وال ّ‬

‫يحرمه ألنه ُيلهى عن ذكر اهلل فقد نجد كثيراً من األحاديث‬


‫إنما ِّ‬
‫فإن كان ّ‬
‫والرياحين‪ ،‬واقتناص الصيد‪،‬‬ ‫والمطاعم والمشارب َّ‬
‫والنظر إلى الجنان َّ‬
‫أن‬
‫تصد وتُلهى عن ذكر اهلل‪ .‬ونعلم ّ‬ ‫والتشاغل بالجماع وسائر اللذات‪ُّ ،‬‬
‫أدى الرجل الفرض‬ ‫لمن أمكنه أفضل‪ ،‬إالّ ّأنه إذا َّ‬ ‫قطع َّ‬
‫الدهر بذكر اهلل ْ‬
‫فهذه األمور كلُّها له مباحة‪ ،‬وإ ذا قصَّر عنه لزمه المأثم‪.‬‬
‫ولو سلم من اللَّهو عن ذكر اهلل ٌ‬
‫أحد لسلم األنبياء عليهم السالم‪ .‬هذا‬
‫سليمان بن داود عليهما السالم‪ ،‬ألهاه عرض الخيل عن الصَّالة حتّى‬
‫غابت ال ّشمس‪ ،‬فعرقبها وقطع رقابها‪.‬‬

‫فإن الرقيق تجارةٌ من التجارات تقع عليه المساومات والمشاراة‬ ‫وبعد َّ‬
‫تأمالً ّبيناً‬
‫ويتأماله ُّ‬
‫ّ‬ ‫بالثَّمن‪ ،‬ويحتاج البائع والمبتاع إلى أن يستشفَّا العلق‬
‫يجب فيه خيار الرؤية المشترط في جميع البياعات‪ .‬وإ ن كان ال ُيعرف‬
‫عدد وال مساحة؛ فقد ُيعرف بالحسن والقبح‪.‬‬ ‫وزن وال ٍ‬‫بكيل وال ٍ‬‫مبلغه ٍ‬
‫وال يقف على ذلك أيضاً إالّ الثاقب‪ O‬في نظره‪ ،‬الماهر في بصره‪ ،‬الطَّ ُّ‬
‫ب‬
‫وأرق من أن يدركه ُّ‬
‫كل من أبصره‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫فإن أمر الحسن ُّ‬
‫أدق‬ ‫بصناعته؛ ّ‬

‫الوهمية‪ ،‬ال ُيقضى عليها بشهادة إبصار األعين‪ ،‬ولو‬


‫ّ‬ ‫وكذلك األمور‬
‫كل من رآها يقضى‪ ،‬حتّى َّ‬
‫النعم والحمير‪ ،‬يحكم‬ ‫قُضي عليها بها كان ُّ‬
‫فيها ِّ‬
‫لكل بصير العين يكون فيها شاهداً وبصيراً للقلب‪ ،‬ومؤدياً إلى‬
‫العقل‪ O،‬ثم يقع الحكم من العقل عليها‪.‬‬

‫وأنا مبين لك الحسن‪ .‬هو التمام واالعتدال‪ .‬ولست أعني بالتمام تجاوز‬
‫مقدار االعتدال كالزيادة في طول القامة‪ ،‬وكدقة الجسم‪ ،‬أو عظم‬
‫الجارحة من الجوارح‪ ،‬أو سعة العين أو الفم‪ ،‬مما يتجاوز مثله من‬
‫الخلق؛ فإن هذه الزيادة متى كانت فهي نقصان من‬
‫الناس المعتدلين في َ‬
‫الحسن‪ ،‬وإ ْن عدت زيادة في الجسم‪.‬‬
‫والحدود حاصرةٌ ألمور العالم‪ ،‬ومحيطة بمقاديرها الموقوتة لها‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬
‫ٍ‬
‫شيء خرج عن ِّ‬
‫الحد في ُخلُق‪ ،‬حتّى في الدين والحكمة الذين هما أفضل‬
‫قبيح مذموم‪.‬‬
‫األمور‪ ،‬فهو ٌ‬

‫وأما االعتدال فهو وزن الشيء ال الكمية‪ ،‬والكون كون األرض ال‬
‫استواؤها‪.‬‬

‫ووزن النفوس في أشباه أقسامها‪ .‬فوزن خلقة اإلنسان اعتدال محاسنه‬


‫وأالّ يفوت شيء منها شيئاً‪ ،‬كالعين الواسعة لصاحب األنف الصغير‬
‫الضيِّقة‪َّ ،‬‬
‫والذقن الناقص‬ ‫األفطس‪ ،‬واألنف العظيم لصاحب العين َّ‬
‫النضو‪ ،‬والظَّهر‬ ‫والرأس الضخم والوجه الفخم لصاحب البدن َّ‬
‫المدع ِّ‬
‫الطويل لصاحب‪ O‬الفخذين القصيرتين‪ ،‬والظَّهر القصير لصاحب‪ O‬الفخذين‬
‫الطويلتين‪ ،‬وكسعة الجبين بأكثر من مقدار أسفل الوجه‪.‬‬

‫ثم هذا أيضاً وزن اآلنية وأصناف الفُُرش والو ْشي واللباس‪ ،‬ووزن‬
‫القنوات التي تجري فيها المياه‪.‬‬

‫وإ نما نعني بالوزن االستواء في الخرط والتركيب‪.‬‬

‫الزرع والغرس والتفسُّح في‬ ‫مما ال يمنع الناظر من النظر إلى َّ‬ ‫فال َّ‬
‫بد ّ‬
‫ويسمى ذلك كلُّه له ِحالًّ ما لم يمد له‬
‫ّ‬ ‫خضرته واالستنشاق من روائحه‪.‬‬
‫حب ٍة من خردل بغير حقِّها فعل ما ال ُّ‬
‫يحل‪،‬‬ ‫مد يداً إلى مثقال ّ‬
‫يداً‪ .‬فإذا ّ‬
‫وأكل ما يحرم عليه‪.‬‬
‫َّ‬
‫ومصافحتهن للسَّالم‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ومفاكهتهن‪ ،‬ومغازلتهن‬ ‫وكذلك مكالمة القيان‬
‫عليهن للتَّقليب والنظر‪ ،‬حال ٌل ما لم ْ‬
‫يشب ذلك ما يحرم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ووضع اليد‬

‫وقد استثنى اهلل تبارك وتعالى اللَّمم فقال‪ " O:‬الذين يجتنبون كبائر اإلثم‬
‫ربك واسع المغفرة " ‪ .‬قال عبد اهلل بن مسعود‪،‬‬ ‫إن َّ‬ ‫َّ َّ‬
‫والفواحش إال اللمم ّ‬
‫فإن َّ‬
‫تقدم‬ ‫وسئل عن تأويل هذه اآلية فقال‪ O:‬إذا دنا الرجل من المرأة ْ‬ ‫ُ‬
‫فلمم‪ .‬وقال غيره من الصَّحابة‪ :‬القبلة واللَّ ْمس‪ .‬وقال‬ ‫ففاحشة‪ ،‬وإ ْن َّ‬
‫تأخر ٌ‬
‫آخرون‪ :‬اإلتيان فيما دون الفرج‪.‬‬

‫عما نال من عشيقته‪ ،‬فقال‪ O:‬ما أقرب ما‬


‫األعرابي حين سئل ّ‬
‫ّ‬ ‫وكذلك قال‬
‫حرم اهلل!‪.‬‬
‫أحل اهلل مما َّ‬

‫فرقوا بين أنفاس الرجال‪O‬‬


‫فإن قال قائل‪ :‬فيما روى من الحديث‪ِّ " O:‬‬
‫يخ ُل رج ٌل بامرأة في ٍ‬
‫بيت وإ ن قيل حموها‪ ،‬إال‬ ‫ِّ‬
‫والنساء " ‪ ،‬وقال‪ " :‬ال ْ‬
‫الرجال والقيان ما دعا إلى‬ ‫َّ‬
‫إن حموها الموت " وإ ّن في الجمع بين ِّ‬
‫تضطر‬
‫ُّ‬ ‫الغلمة التي‬
‫الفسق واالرتباط والعشق‪ ،‬مع ما ينزل بصاحبه من ُ‬
‫يحضر‬
‫ُ‬ ‫إنما‬
‫يحضر ّ‬
‫ُ‬ ‫إلى الفجور وتحميل على الفاحشة؛ َّ‬
‫وأن أكثر من‬
‫لذلك ال لسماع وال ابتياع‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬إن األحكام ّإنما على ظاهر األمور‪ ،‬ولم يكلِّف اهلل العباد الحكم‬
‫فيقضى للرجل باإلسالم بما يظهر‬ ‫على الباطن‪ ،‬والعمل على َّ‬
‫النيات‪ُ O،‬‬
‫ادعى‬ ‫يلده األب الذي َّ‬
‫ويقضى ّأنه ألبيه ولعلّه لم ْ‬
‫منه ولعلّه ملحد فيه‪ُ ،‬‬
‫مشهور باالنتماء إليه‪ .‬ولو ُكلِّف من‬
‫ٌ‬ ‫ط‪ ،‬إالَّ ّأنه مولود على فراشه‪،‬‬
‫إليه ق ّ‬
‫ٍ‬
‫بواحد من هذين المعنيين على الحقيقة لم تقم عليه شهادة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لرجل‬ ‫يشهد‬
‫ثم‬
‫ومن يحضر مجالسنا ال يظهر نسباً مما ينسبونه إليه‪ ،‬ولو أظهر َّ‬
‫أغضينا له عليه لم يلح ْقنا في ذلك إثم‪.‬‬

‫والحسب َّ‬
‫والنسب الذي بلغ به القيان األثمان الرغيبة إنما هو الهوى‪.‬‬
‫الرقيق لم تجاوز الواحدة َّ‬
‫منهن ثمن الرأس‬ ‫ولو اشترى على مثل شرى َّ‬
‫ٍ‬
‫جارية فبالعشق ولعله كان ينوي في‬ ‫الساذج‪ .‬فأكثر من بالغ في ثمن‬
‫الريبة‪ ،‬ويجد هذا أسهل سبيالً إلى شفاء غليله ثم َّ‬
‫تعذر ذلك عليه‬ ‫أمرها ِّ‬
‫فصار إلى الحالل وإ ن لم ينوه ويعرف فضله‪ ،‬فباع المتاع َّ‬
‫وحل العقد‬
‫بالعبَِّّية حتى ابتاع الجارية‪.‬‬
‫وأثقل ظهره ُ‬

‫فإنه ال‬
‫عليهن؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫وال يعمل عمالً ينتج خيراً غير إغرائه بالقيان وقيادته‬
‫فيهن العشق‪ ،‬فيعوق عن ذلك ضبط الموالي‬
‫ينجم األمر إالّ وغايته ّ‬
‫ومراعاة الرقباء َّ‬
‫وشدة الحجاب‪ O،‬فيضطر العاشق إلى الشراء‪ ،‬ويح ّل به‬
‫الفرج‪ O،‬ويكون الشيطان المدحور‪.‬‬

‫داء ال يملك دفعه‪ ،‬كما ال يستطاع دفع عوارض األدواء إالّ‬ ‫والعشق ٌ‬
‫بالحمية‪ ،‬وال يكاد ينتفع بالحمية مع ما تولِّد األغذية وتزيد في الطبائع‬
‫باالزدياد في الطُّعم‪.‬‬

‫عن كل غذاء‪ ،‬للزم ذلك‬


‫ولو أمكن أحداً أن يحتمي من كل ضرر ويقف ْ‬
‫المتطِّبب في آفات صحته‪ ،‬ونحل جسمه وضوي لحمه‪ ،‬حتَّى يؤمر‬
‫بالتخليط‪ ،‬ويشار عليه بالعناية في الطَّيبات‪ .‬ولو ملك أيضاً صرف‬
‫تغير الهواء وال اختالف‬
‫األغذية واحترس بالحمية‪ ،‬لم يملك ضرر ُّ‬
‫الماء‪O.‬‬

‫الروح ويشتمل‬
‫داء يصيب ُّ‬ ‫حد العشق لتعرف َّ‬
‫حده‪ :‬هو ٌ‬ ‫واصف لك َّ‬
‫ٌ‬ ‫وأنا‬
‫على الجسم بالمجاورة‪ ،‬كما ينال الروح الضعف في البطش والوهن في‬
‫المرء ينهكه‪ .‬وداء العشق وعمومه في جميع البدن بحسب منزلة القلب‪O‬‬
‫وأنه‬
‫من أعضاء الجسم‪ .‬وصعوبة دوائه تأتي من قبل اختالف علله‪ّ ،‬‬
‫يتركب من وجو ٍه شتَّى‪ ،‬كالحمى التي تعرض َّ‬
‫مركبةً من البرد والبلغم‪.‬‬
‫فمن قصد لعالج أحد الخلطين كان ناقصاً من دائه زائداً في داء الخلط‬
‫اآلخر‪ ،‬وعلى حسب قوة أركانه يكون ثبوته وإ بطاؤه في االنحالل‪.‬‬
‫ابتداء في‬
‫ٌ‬ ‫الحب والهوى‪ ،‬والمشاكلة واإللف‪ ،‬وله‬
‫ّ‬ ‫فالعشق يتركب من‬
‫المصاعدة‪ ،‬ووقوف على غاية‪ ،‬وهبوطٌ في التوليد إلى غاية االنحالل‬
‫ووقف المالل‪.‬‬

‫اسم واقع على المعنى الذي رسم به‪ ،‬ال تفسير له غيره؛ ألنه قد‬
‫والحب ٌ‬
‫ّ‬
‫يحب المؤمن‪ ،‬وإ ن الرجل‬
‫وعز ّ‬ ‫يقال‪ :‬إن المرء ُّ‬
‫يحب اهلل‪ ،‬وإ ن اهلل ج ّل ّ‬
‫ُّ‬
‫ويحب على‬ ‫ُّ‬
‫ويحب صديقه وبلده وقومه‪،‬‬ ‫يحب والده‬ ‫ُّ‬
‫يحب ولده‪ ،‬والولد ّ‬
‫الحب ال ُيكتفي‬
‫ّ‬ ‫يسمي ذلك عشقاً‪ .‬فيعلم حينئذ أن اسم‬
‫أي جهة يريد وال َّ‬
‫به في معنى العشق حتّى تُضاف إليه العلل األُخر إالّ أنه ابتداء العشق‪،‬‬
‫وربما عدل عنهما‪.‬‬
‫الحق واالختيار‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫فربما وافق‬ ‫ثم يتبعه ُّ‬
‫حب الهوى ّ‬
‫وهذه سبيل الهوى في األديان والبلدان وسائر األمور‪ .‬وال يميل صاحبه‬
‫حجته واختياره فيما يهوى‪ .‬ولذلك قيل‪ " :‬عين الهوى ال تصدق "‬
‫عن ّ‬
‫ويصم " ‪ .‬يتخذون أديانهم أرباباً ألهوائهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حبك الشيء يعمي‬‫وقيل‪ُّ " :‬‬
‫أن العاشق كثيراً ما يعشق غير ِّ‬
‫النهاية في الجمال‪ O،‬وال الغاية في‬ ‫وذلك َّ‬
‫حجته في‬
‫الكمال‪ O،‬وال الموصوف بالبراعة والرشاقة‪ ،‬ثم إن سئل عن ّ‬
‫حجة‪.‬‬
‫ذلك لم تقم له ّ‬
‫يسميان عشقاً‪ ،‬فيكون ذلك في الولد‬ ‫ُّ‬
‫الحب والهوى وال َّ‬ ‫ثم قد يجتمع‬
‫والدواب‪ .‬فلم نر أحداً‬
‫ّ‬ ‫والصنف من اللِّباس والفرش‬
‫ِّ‬ ‫والصديق والبلد‪،‬‬
‫حب بلده وال ولده‪ ،‬وإ ن كان قد‬
‫منهم يسقم بدنه وال تتلف روحه من ّ‬
‫يصيبه عند الفراق لوعةٌ واحتراق‪.‬‬

‫وقد رأينا وبلغنا عن كثير ممن تلف وطال ُجهده وضناه بداء العشق‪.‬‬
‫الحب والهوى المشاكلة‪ ،‬أعني مشاكلة الطبيعة‪،‬‬
‫ّ‪O‬‬ ‫فعلم ّأنه إذا أضيف إلى‬
‫َّ‬
‫المركب في جميع الفحول‬ ‫َّ‬
‫وحب النساء الرجال‪،‬‬ ‫حب الرجال‪ O‬النساء‬
‫أي ّ‬
‫واإلناث من الحيوان‪ ،‬صار ذلك عشقاً صحيحاً‪ O.‬وإ ن كان ذلك عشقاً من‬
‫يسم عشقاً إذا فارقت‬ ‫ذكر ٍ‬
‫لذكر فليس إال مشتقّاً من هذه الشهوة‪ ،‬وإ الّ لم َّ‬
‫الشهوة‪.‬‬

‫ثم لم نره ليكون مستحكماً عند َّأول لُقياه حتَّى يعقد ذلك اإللف‪ ،‬وتغرسه‬
‫الحبة في األرض حتَّى تستحكم‬
‫المواظبة في القلب‪ O،‬فينبت كما تنبت ّ‬
‫وربما صار لها كالجذع السَّحوق والعمود الصُّلب‪O‬‬
‫وتشتد وتثمر‪ّ ،‬‬
‫الشديد‪ .‬وربما انعقف فصار فيه بوار األصل‪ .‬فإذا اشتمل على هذه‬
‫العلل صار عشقاً تاماً‪.‬‬

‫ثم صارت قلّة العيان تزيد فيه وتوقد ناره‪ ،‬واالنقطاع يسعِّره حتى يذهل‬
‫وينهك البدن‪ ،‬ويشتغل القلب‪ O‬عن ِّ‬
‫كل نافعة‪ ،‬ويكون خيال المعشوق‬
‫نصب عين العاشق والغالب على فكرته‪ ،‬والخاطر في ِّ‬
‫كل حالة على‬
‫قلبه‪.‬‬

‫َّ‬
‫واضمحل على‬ ‫واستمرت األيام نقص على الفرقة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وإ ذا طال العهد‬
‫المطاولة‪ ،‬وإ ن كانت كلومه وندوبه ال تكاد تعفو آثارها وال ترس‬
‫رسومها‪.‬‬

‫أن بعض‬ ‫َّ‬


‫فكذلك الظفر بالمعشوق ُيسرع في ح ّل عشقه‪ .‬والعلة في ذلك ّ‬
‫الرقَّة‬
‫الناس أسرع إلى العشق من بعض؛ الختالف طبائع القلوب في ِّ‬
‫والقسوة‪ ،‬وسرعة اإللف وإ بطائه‪ ،‬وقلّة َّ‬
‫الشهوة وضعفها‪.‬‬
‫وقل ما يظهر المعشوق عشقاً إالَّ عداه بدائه‪ ،‬ونكت في صدره وشغف‬
‫َّ‬
‫فؤاده‪ .‬وذلك من المشاكلة‪ ،‬وإ جابة بعض الطبائع بعضاً‪ ،‬وتوقان بعض‬
‫األنفس إلى بعض‪ ،‬وتقارب األرواح‪ .‬كالنائم يرى آخر ينام وال نوم به‬
‫فينعس‪ ،‬وكالمتثائب يراه من ال تثاؤب به فيفعل مثل فعله‪ ،‬قسراً من‬
‫الطبيعة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مناسبة بينهما في‬ ‫عشق بين اثنين يتساويان فيه إالّ عن‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫وقل ما يكون‬
‫والخلُق وفي الظَّرف‪ ،‬أو في الهوى أو الطِّباع‪ .‬ولذلك‬
‫الخْلق ُ‬
‫الشبه في َ‬ ‫َّ‬
‫ما نرى الحسن يعشق القبيح‪ ،‬والقبيح ُّ‬
‫يحب الحسن ويختار المختار‬
‫فيتوهم الغلط‬
‫ّ‬ ‫األقبح على األحسن‪ ،‬وليس يرى االختيار في غير ذلك‬
‫لكنه لتعارف األرواح وازدواج القلوب‪.‬‬
‫عليه‪ّ ،‬‬

‫ومن اآلفة عشق القيان على كثرة فضائلهن‪ ،‬وسكون النفوس َّ‬
‫إليهن‪،‬‬
‫هن يجمعن لإلنسان من اللّ َّذات ما ال يجتمع في ٍ‬
‫شيء على وجه‬ ‫َّ‬
‫وأن َّ‬
‫األرض‪.‬‬
‫لحاسة‬ ‫ٌّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫بالحواس‪ ،‬والمأكول والمشروب حظ ّ‬
‫ّ‬ ‫إنما تكون‬
‫واللذات كلها ّ‬
‫الذوق ال يشركها فيه غيرها‪ .‬فلو أكل اإلنسان المسك الذي هو حظُّ‬
‫َّ‬
‫األنف وجده بشعاً واستقذره‪ ،‬إ ْذ كان دماً جامداً‪ .‬ولو تنسَّم أرواح‬
‫األطعمة الطَّيبة كالفواكه وما أشبهها عند انقطاع الشهوة‪ ،‬أو َّ‬
‫ألح َّ‬
‫بالنظر‬
‫إلى ٍ‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬عاد ضرراً‪ .‬ولو أدنى من سمعه كل طيِّب وطيب لم‬
‫يجد له َّ‬
‫لذة‪.‬‬

‫الحواس‪ ،‬وصار القلب لها‬


‫ِّ‬ ‫فإذا جاء باب القيان اشترك فيه ثالثة من‬
‫رابعاً‪ .‬فللعين َّ‬
‫النظر إلى القينة الحسناء والمشهِّية إ ْذ كان الحذق والجمال‬
‫ال يكادان يجتمعان لمستمتع ومرتع‪ ،‬وللسَّمع منها حظُّ الذي ال مؤونة‬
‫عليه‪ ،‬وال تطرب آلته إال إليه‪.‬‬

‫والحواس كلُّها رواد للقلب‪O،‬‬


‫ُّ‬ ‫وللَّمس فيها َّ‬
‫الشهوة والحنين إلى الباه‪.‬‬
‫وشهود عنده‪.‬‬
‫ٌ‬
‫حدق إليها الطَّ ْرف‪ ،‬وأصغى نحوها‬
‫تغني َّ‬
‫وإ ذا رفعت القينة عقيرة حلقها ِّ‬
‫السمع والبصر ُّأيهما ِّ‬
‫يؤدي إلى‬ ‫السَّمع‪ ،‬وألقى القلب‪ O‬إليها الملك‪ O،‬فاستبق ّ‬
‫فيفرغان ما‬ ‫القلب‪ O‬ما أفاد منها قبل صاحبه‪ ،‬فيتوافيان عند َّ‬
‫حبة القلب ُ‬
‫وعياه‪ ،‬فيتولَّد منه مع السُّرور حاسَّة اللمس‪ ،‬فيجتمع له في ٍ‬
‫وقت واحد‬
‫الحواس مثلها‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ثالث لذات ال تجتمع له في شيء قطّ‪ ،‬ولم ِّ‬
‫تؤد إليه‬
‫فيكون في مجالسته للقينة أعظم الفتنة؛ ألنه روى في األثر‪ " :‬إياكم‬
‫الشهوة " ‪ .‬وكفى بها لصاحبها‪ O‬فتنةً‪،‬‬‫فإنها ْتزرع في القلب‪َّ O‬‬ ‫َّ‬
‫والنظرة ّ‬
‫فكيف َّ‬
‫بالنظر والشهوة إذا صاحبهما السَّماع‪ ،‬وتكانفتهما المغازلة‪.‬‬

‫إن القينة ال تكاد تُخالص في عشقها‪ ،‬وال تُناصح في ِّ‬


‫ودها؛ ألنها مكتسبة‬ ‫َّ‬
‫والشرك للمتربِّطين‪ ،‬ليقتحموا في‬ ‫ومجبولةٌ على نصب الحبالة َّ‬
‫أُنشوطتها‪ ،‬فإذا شاهدنا المشاهد رامته باللَّحظ‪ ،‬وداعبتْه بالتبسُّم‪،‬‬
‫وغازلته في أشعار الغناء‪ ،‬ولهجت باقتراحاته‪ ،‬ونشطت ُّ‬
‫للشرب عند‬
‫شربه‪ ،‬وأظهرت َّ‬
‫الشوق إلى طول مكثه‪ ،‬والصَّبابة لسرعة عودته‪،‬‬
‫وأنه قد تع ّقل في‬ ‫والحزن لفراقه‪ .‬فإذا أحسَّت َّ‬
‫بأن سحرها قد نفذ فيه‪ّ ،‬‬
‫تزيدت فيما كانت قد شرعت فيه‪ ،‬وأوهمته َّ‬
‫أن الذي بها أكثر‬ ‫َّ‬
‫الشرك‪ّ ،‬‬
‫مما به منها‪ ،‬ثم كاتبته تشكو إليه هواه‪ ،‬وتقسم له َّأنها َّ‬
‫مدت الدواة‬
‫وشجوها في فكرتها‬ ‫بدمعتها‪ ،‬وبلَّت السِّحاءة بريقها‪ ،‬وأنه شجبها ْ‬‫ْ‬
‫وضميرها‪ ،‬في ليلها ونهارها‪َّ ،‬‬
‫وأنها ال تريد سواه‪ ،‬وال ْتؤثر أحداً على‬
‫هواه‪ ،‬وال تنوي انحرافاً عنه‪ ،‬وال تريده لماله بل لنفسه؛ ثم جعلت‬
‫س طومار‪ ،‬وختمتْه بزعفران‪َّ ،‬‬
‫وشدته بقطعة زير‪،‬‬ ‫الكتاب في ُس ْد ِ‬
‫وأظهرت ستره عن مواليها‪ ،‬ليكون المغرور أوثق بها‪َّ .‬‬
‫وألحت في‬
‫ادعت أنها قد َّ‬
‫صيرت الجواب سلوتها‪،‬‬ ‫اقتضاء‪ O‬جوابه‪ ،‬فإن أجيبت عنه ّ‬
‫وأقامت الكتاب مقام رؤيته‪ ،‬وأنشدت‪:‬‬

‫ٍ‬
‫مليحة نغماتُها‬ ‫ٍ‬
‫وصحيفة تحكي َّ‬
‫الضمي ‪ ...‬ر‬
‫استبطاتُها‬
‫جاءت‪ O‬وقد قرح الفؤا ‪ ...‬د لطول ما ْ‬
‫فضحكت حين رأيتُها ‪ ...‬وبكيت حين قراتُها‬
‫أنكرت ‪ O...‬فتبادرت عبراتُها‬
‫ْ‬ ‫عيني رأت ما‬
‫أظلوم‪ ،‬نفسي في يدي ‪ O...‬ك‪ :‬حياتُها ووفاتُها‬
‫ثم تغنت حينئذ‪:‬‬

‫باب كتاب الحبيب ندماني ‪ِّ O...‬‬


‫محدثي تارةً وريحاني‬
‫أضحكني في الكتاب ّأولُه ‪ ...‬ثم تمادى به فأبكاني‬
‫وتغايرت على أهله‪ ،‬وحمتْه النظر إلى‬
‫ْ‬ ‫ت عليه ُّ‬
‫الذنوب‪،‬‬ ‫تجن ْ‬
‫ثم ّ‬
‫وتحي ٍة‬
‫وجمشته بعضوض تفاحها‪َّ ،‬‬
‫صواحباتها‪ O،‬وسقتْه أنصاف أقداحها‪َّ ،‬‬
‫صلةً من شعرها‪ ،‬وقطعةً من‬ ‫وزودته عند انصرافه ُخ ْ‬‫من ريحانها‪ّ ،‬‬
‫وس َّكراً‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وشظيةً من مضرابها‪ ،‬وأهدت إليه في َّ‬
‫النيروز تكةً ُ‬ ‫َّ‬ ‫مرطها‪،‬‬
‫وفي المهرجان خاتماً وتفّاحة‪ ،‬ونقشت على خاتمها اسمه‪ ،‬وأبدت عند‬
‫العثرة اسمه‪َّ ،‬‬
‫وغنته إذا رأته‪:‬‬

‫عظيم‬
‫ُ‬ ‫خطر عليك‬
‫نعيم ‪ ...‬وصدوده ٌ‬ ‫المحب إلى الحبيب ُ‬ ‫ِّ‬ ‫نظر‬
‫تتهنأ بالطعام وجداً به‪ ،‬وال ُّ‬
‫تمل ‪-‬‬ ‫ثم أخبرته ّأنها ال تنام شوقاً إليه‪ ،‬وال َّ‬
‫إذا غاب ‪ُّ -‬‬
‫الدموع فيه‪ ،‬وال ذكرتْه إال َّ‬
‫تنغصت‪ ،‬وال هتفت باسمه إالّ‬
‫ارتاعت‪َّ ،‬‬
‫وأنها قد جمعت ِّقنينةً من دموعها من البكاء عليه‪ ،‬وتنشد عند‬
‫موافاة اسمه بيت المجنون‪:‬‬

‫أهوى من األسماء ما وافق اسمها ‪ O...‬وأشبهه‪ ،‬أو كان منه ُمدانيا‬


‫وعند ُّ‬
‫الدعاء به قوله‪:‬‬

‫وداع دعا إ ْذ نحن بالخيف من منى ‪َّ ...‬‬


‫فهيج أحزان الفؤاد وما يدري‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫فكأنما ‪ ...‬أطار بليلى طائراً كان في صدري‬
‫دعا باسم ليلى غيرها ّ‬
‫وربما شاركت صاحبها في البلوى‬‫وربما قادها التمويه إلى التصحيح‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫استحل‬ ‫حتَّى تأتي إلى بيته ِّ‬
‫فتمكنه من القبلة فما فوقها‪ ،‬وتُفرشه نفسها إن‬
‫وربما جحدت الصناعة لترحض عليه‪ ،‬وأظهرت العلّة‬ ‫ذلك منها‪َّ ،‬‬
‫الحرية احتياالً‬
‫ّ‬ ‫والتاثت على الموالي‪ ،‬واستباعت من السادة‪َّ ،‬‬
‫وادعت‬
‫سيما إذا صاد ْفته حلو‬
‫ألن يملكها‪ ،‬وإ شفاقاً أن يجتاحه كثرة ثمنها‪ ،‬وال ّ‬
‫الحس‪ ،‬خفيف‬ ‫َّ‬
‫الشمائل‪ ،‬رشيق اإلشارة‪ ،‬عذب اللفظ‪ ،‬دقيق الفهم‪ ،‬لطيف ّ‬
‫يترنم كان أحظى له عندها‪.‬‬‫الروح‪ .‬فإن كان يقول الشعر ويتمثَّل به أو َّ‬‫ُّ‬

‫وأكثر أمرها قلّة المناصحة‪ ،‬واستعمال الغدر والحيلة في استنطاف ما‬


‫وربما اجتمع عندها من مربوطيها ثالثة‬
‫يحويه المربوط واالنتقال عنه‪ّ .‬‬
‫أو أربعة على َّأنهم يتحامون من االجتماع‪ ،‬ويتغايرون عند االلتقاء‪،‬‬
‫لواحد بعين‪ ،‬وتضحك لآلخر باألخرى‪ ،‬وتغمز هذا بذاك‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فتبكي‬
‫سرها واآلخر عالنيتها‪ ،‬وتوهمه َّأنها له دون اآلخر‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫وتعطي وأحداً َّ‬
‫الذي تُظهر خالف ضميرها‪ .‬وتكتب إليهم عند االنصراف كتباً على‬
‫تبرمها بالباقين وحرصها على‬ ‫لكل ٍ‬
‫واحد منهم ُّ‬ ‫نسخة واحدة‪ ،‬تذكر ِّ‬
‫الخلوة به دونهم‪.‬‬

‫فلو لم يكن إلبليس شرك يقتل به‪ ،‬وال علم يدعو إليه‪ ،‬وال فتنةٌ يستهوي‬
‫بها إالّ القيان‪ ،‬لكفاه‪.‬‬

‫لهن‪َّ ،‬‬
‫ولكنه من فرط المدح‪ .‬وقد جاء في األثر‪ " :‬خير‬ ‫بذم َّ‬
‫وليس هذا ٍّ‬
‫نسائكم السَّواحر الخالَّبات‪. " O‬‬

‫وليس يحسن هاروت وماروت‪ ،‬وعصا موسى‪ ،‬وسحرة فرعون‪ ،‬إالَّ‬


‫ُ‬
‫دون ما ُيحسنه القيان‪.‬‬

‫َّ‬
‫ترميهن في‬ ‫َّ‬
‫عليهن مخارج بيوت الكشاخنة‬ ‫منعهن ِّ‬
‫الزنى غلبه‬ ‫َّ‬ ‫ثم إذا‬
‫لهن َّ‬
‫كل‬ ‫أن غفروا َّ‬ ‫ِّ‬
‫بالحب ْ‬ ‫أمهات أوالد من قد بلغ‬ ‫ُحجور ُّ‬
‫الزناة‪ .‬ثم َّ‬
‫هن َّ‬
‫منهن على ِّ‬
‫كل عيب‪.‬‬ ‫ذنب‪ ،‬وأغضوا َّ‬

‫َّ‬
‫عذرتهن‪ ،‬وإ ذا انتقلن إلى منازل‬ ‫كن في منزل ٍ‬
‫رجل من السُّوقة‬ ‫وإ ذا َّ‬
‫الع ْذر‪ .‬والسبب فيه واحد‪ ،‬والعلّة سواء‪.‬‬
‫الملوك زال ُ‬

‫نما تكتسب‬
‫وكيف تسلم القينة من الفتنة أو يمكنها أن تكون عفيفةً‪ ،‬وإ ّ‬
‫األهواء‪ ،‬وتتعلَّم األلسن واألخالق بالمنشأ‪ ،‬وهي تنشأ من لدن مولدها‬
‫إلى أوان وفاتها بما ُّ‬
‫يصد عن ذكر اهلل من لهو الحديث‪ ،‬وصنوف اللعب‬
‫والمجان‪ ،‬ومن ال يسمع منه كلمة ٍّ‬
‫جد وال‬ ‫َّ‬ ‫واألخانيث‪ O،‬وبين الخلعاء‪O‬‬
‫مروة‪.‬‬ ‫يرجع منه إلى ٍ‬
‫ثقة وال دين وال صيانة َّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫صوت فصاعداً‪ ،‬يكون الصَّوت فيما‬ ‫وتروي الحاذقة منهن أربعة آالف‬
‫بين البيتين إلى أربعة أبيات‪ ،‬عدد ما يدخل في ذلك من ِّ‬
‫الشعر إذا‬
‫بيت‪ ،‬ليس فيها ذكر اهلل عن غفلة وال‬ ‫ضرب بعضه ببعض عشرة آالف ٍ‬
‫ُ‬
‫ترغيب في ثواب؛‪ O‬وإ نما ُبنيت كلُّها على ذكر‬
‫ٌ‬ ‫ترهيب من عقاب‪ ،‬وال‬
‫الزنى والقيادة‪ ،‬والع ْشق والصَّبوة‪َّ ،‬‬
‫والشوق والغْلمة‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫ثم ال ُّ‬
‫تنفك من الدراسة لصناعتها َّ‬
‫منكبةً عليها‪ ،‬تأخذ من المطارحين‬
‫مضطرةٌ إلى ذلك‬
‫َّ‬ ‫تجميش وإ نشادهم مراودة‪ .‬وهي‬
‫ٌ‬ ‫الذين طرحهم كلُّه‬
‫نقصت‪ O،‬وإ ن لم تستفد‬
‫ْ‬ ‫ألنها إن جفتْها تفلَّتت‪ ،‬وإ ْن أهملتْها‬
‫في صناعتها؛ َّ‬
‫نقصان أقرب‪ O.‬وإ َّنما فرق بين أصحاب‪O‬‬
‫ٍ‬ ‫وكل واقف فإلى‬‫وقفت‪ُّ .‬‬
‫ْ‬ ‫منها‬
‫الصناعات‪ O‬وبين من ال ُيحسنها ُّ‬
‫التزي ُد فيها‪ ،‬والمواظبة عليها‪ .‬فهي لو‬
‫أرادت الهُدى لم تعرفه‪ ،‬ولو بغت الغفلة لم تقدر عليها‪ ،‬وإ ْن َّثبتت ُح ّجة‬
‫ألن فكرها‬‫خاصته؛ ّ‬‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫المتفكر زالت عنها‬ ‫أبي الهُذيل فيما يجب على‬
‫وقلبها ولسانها وبدنها‪ ،‬مشاغيل بما هي فيه‪ ،‬وعلى حسب ما اجتمع‬
‫عليها من ذلك في نفسها لمن يلي مجالستها عليه وعليها‪.‬‬

‫بالرغبة كما‬
‫أن الناس يقصدونه في رحله َّ‬ ‫منا ّ‬
‫ومن فضائل الرجال ّ‬
‫ويوصل وال‬ ‫َّ‬
‫فيزار وال ُيكلف الزيارة‪ُ ،‬‬
‫ُيقصد بها للخلفاء‪ O‬والعظماء‪ُ ،‬‬
‫ويهدى له وال تُقتضى منه َّ‬
‫الهدية‪ ،‬وتبيت العيون‬ ‫ُيحمل على الصِّلة‪ُ ،‬‬
‫ِّ‬
‫متصدعة‪ ،‬واألماني‬ ‫ساهرةً والعيون ساجمة‪ ،‬والقلوب واجفة‪ ،‬واألكباد‬
‫وتضمه يده‪ ،‬مما ليس في جميع ما يباع‬
‫ُّ‬ ‫واقفة‪ ،‬على ما يحويه ملكه‬
‫العقد َّ‬
‫النفيسة‪ .‬فمن يبلغ شيئاً من الثمن‬ ‫ويقتنى‪ ،‬بعد ُ‬
‫ويشترى‪ ،‬ويستفاد ُ‬
‫ُ‬
‫عون‪ ،‬مائةُ ألف دينار وعشرون ألف دينار‪.‬‬
‫حبشية جارية ْ‬
‫ّ‬ ‫ما بلغت‬
‫ويرسلون إلى بيت مالكها بصنوف الهدايا من األطعمة واألشربة‪ ،‬فإذا‬
‫جاءوا حصلوا على النظر وانصرفوا بالحسرة‪ ،‬ويجتني موالها ثمرة ما‬
‫ويكفي مؤونة جواريه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫غرسوا ويتملى به دونهم‪ُ ،‬‬
‫فالذي يقاسيه الناس من عيلة العيال‪ِّ ،‬‬
‫ويفكرون فيه من كثرة عددهم‬
‫يهتم بغالء‬ ‫ٍ‬
‫بمعزل‪ :‬ال ُّ‬ ‫وعظيم مؤونتهم‪ ،‬وصعوبة خدمتهم‪ ،‬هو عنه‬
‫الدقيق‪ ،‬وال عوز السَّويق‪ ،‬وال َّ‬
‫عزة الزيت‪ ،‬وال فساد النبيذ؛ قد ُكفي‬
‫حسرته إذا نزر‪ ،‬والمصيبة فيه إذا حمض‪ ،‬والفجيعة به إذا انكسر‪.‬‬
‫ويلقي أبداً‬ ‫ثم يستقرض إذا أعسر وال ُي ُّ‬
‫رد‪ ،‬ويسأل الحوائج فال ُيمنع‪ُ ،‬‬
‫حيا بطرائف األخبار‪،‬‬ ‫وي َّ‬ ‫وي َّ‬
‫فدى إذا ُدعي‪ُ ،‬‬ ‫باإلعظام‪َّ ،‬‬
‫ويكنى إذا نودي‪ُ ،‬‬
‫الربطاء عليه‪ ،‬ويتبادرون في‬
‫ويطلع على مكنون األسرار‪ ،‬ويتغاير ُّ‬
‫ُ‬
‫وده‪ ،‬ويتفاخرون بإيثاره‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ويتشاحون في ّ‬ ‫ِّبره‪،‬‬

‫وال نعلم هذه الصِّفة إالَّ للخلفاء‪ُ O:‬يع َ‬


‫طون فوق ما يأخذون‪ ،‬وتُحصَّل بهم‬
‫الرغائب‪ O،‬ويدرك منهم الغنى‪.‬‬

‫والمقيِّن يأخذ الجوهر ويعطي العرض‪ ،‬ويفوز بالعين ويعطي األثر‪،‬‬


‫الريح الهابة بالذهب الجامد‪ O،‬وفلذ اللجين والعسجد‪ .‬وبين‬
‫ويبيع ّ‬
‫المرابطين وبين ما يريدون منه خرط القداد؛ ألن صاحب‪ O‬القيان لو لم‬
‫يترك إعطاء المربوط سأله عفةً ونزاهة‪ ،‬لتركه حذقاً واختياراً‪ ،‬وشحاً‬
‫على صناعته‪ ،‬ودفعاً عن حريم ضيعته؛ ألن العاشق متى ظفر‬
‫بالمعشوق مرةً واحدة نقص تسعة أعشار عشقه‪ ،‬ونقص من ِّبره ورفده‬
‫بقدر ما نقص من عشقه‪ .‬فما الذي يحمل المقيِّن على أن يهبك جاريته‪،‬‬
‫ويكسر وجهه ويصرف الرغبة عنه‪.‬‬

‫ولوال أنه مث ٌل في هذه الصناعة الكريمة الشريفة لم يسقط الغيرة عن‬


‫جواريه ويعنى بأخبار الرقباء‪ ،‬ويأخذ أجرة المبيت ويتنادم قبل العشاء‪،‬‬
‫ويعرض عن الغمزة‪ ،‬ويغفر القبلة‪ ،‬ويتغافل عن اإلشارة‪ ،‬ويتعامى عن‬
‫المكاتبة‪ ،‬ويتناسى الجارية يوم ِّ‬
‫الزيارة‪ ،‬وال ُيعاتبها على المبيت‪ ،‬وال‬
‫سرها‪ ،‬وال يسألها عن خبرها في ليلها‪ ،‬وال يعبأ بأن تُقفل‬ ‫ُّ‬
‫يفض ختام ّ‬
‫ٍ‬
‫مربوط ُع َّدةً على حدة‪ ،‬ويعرف ما‬ ‫عد لك ّل‬
‫وي ّ‬ ‫وي َّ‬
‫شدد الحجاب‪ُ ،‬‬ ‫األبواب‪ُ ،‬‬
‫يميز التاجر أصناف تجارته فيسعِّرها على‬ ‫لكل ٍ‬
‫واحد منهم‪ ،‬كما ّ‬ ‫يصلح ِّ‬
‫مقاديرها‪ .‬ويعرف صاحب الضياع أراضيه لمزارع الخضر والحنطة‬
‫الربطاء اعتمد على جاهه وسأله‬ ‫والشعير‪ .‬فمن كان ذا ٍ‬
‫جاه من ُّ‬
‫الحوائج‪ .‬ومن كان ذا ٍ‬
‫مال وال جاه له استقرض منه بال عينة‪ .‬ومن كان‬
‫بسبب ُكفيت به عادية ُّ‬
‫الشرط واألعون‪ ،‬وأُعلنت في‬ ‫ٍ‬ ‫من السُّلطان‬
‫َّراني‪ ،‬مثل سلمة الفُقَّاعي‪َ O،‬‬
‫وح ْمدون الصِّحنائي‪،‬‬ ‫زيارته الطبول والس ّ‬
‫الفامي‪ ،‬وحجر التَّور‪ ،‬وف ْقحة‪ ،‬وابن دجاجة‪ ،‬وح ْفصويه‪ ،‬وأحمد‬
‫ّ‬ ‫وعلي‬
‫ّ‬
‫المجوسي‪ ،‬وإ براهيم الغالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شعرة‪ ،‬وابن‬
‫ْ‬
‫فأي صناعة في األرض أشرف منها!‪.‬‬
‫ُّ‬

‫المسمون فرق ما بين الحالل والحرام لم ينسبوا إلى‬


‫َّ‬ ‫ولو يعلم هؤالء‬
‫فيصيب منها‬
‫ُ‬ ‫ألنه قد يجوز أن تباع الجارية من الملئ‬
‫الك ْشخ أهلها؛ ّ‬
‫الربح‪ ،‬أو‬ ‫وهو في ذلك ثقةٌ‪ ،‬ثم يرتجعها َّ‬
‫بأقل مما باعها به فيحصل له ِّ‬
‫زوج ممن يثق به ويكون قصده للمتعة‪.‬‬
‫تُ َّ‬

‫أحد من سعة الحالل إالَّ الحائن‬


‫يفر ٌ‬
‫مزوجة من حرج‪ ،‬وهل ُّ‬ ‫فهل على َّ‬
‫الجاهل‪ ،‬وهل قامت الشهادة بزناء قطُّ في اإلسالم على هذه الجهة‪.‬‬
‫سميناها في‬
‫هذه الرسالة التي كتبناها من الرواة منسوبة إلى من َّ‬
‫أدينا منها َّ‬
‫حق الرواية‪ ،‬والذين كتبوها‬ ‫صدرها‪ .‬فإن كانت صحيحةً فقد ّ‬
‫أولى بما قد تقلَّدوا من ّ‬
‫الحجة منها‪ .‬وإ ن كانت منحولة فمن قبل‬
‫الحجة في اطِّراح الحشمة‪ ،‬والمرتبطين‬ ‫ُّ‬
‫الطفيليِّين؛ إ ْذ كانوا قد أقاموا ّ‬
‫ليسهِّلوا على المقيِّنين ما صنعه المقترفون‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صنف من هذه الثالثة األصناف حظاً‬ ‫إن لها في كل‬‫فإن قال قائل‪َّ :‬‬
‫التوفيق‪ .‬‬ ‫وسبباً فقد صدق‪ .‬وباهلل سبحانه‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

You might also like