You are on page 1of 4

‫المحاضرة الثامنـــــــــــــة‬

‫تجربة ‪ : 7991‬تعثر محو الفوارق بين الجهات‬


‫بعد اإلقرار بفشل تجربة ‪ 1791‬في التنمية الجهوية‪ ،‬تم إطالق تجربة جديدة بهدف إعطاء دفعة قوية للتمية‬
‫و تجاوز االختالالت االجتماعية و المجالية التي تطبع التراب الوطني‪ .‬وقد تم التمهيد لها بإجراء ببعض‬
‫اإلصالحات السياسية و اإلدارية ‪،‬من ابرزها تعديل الدستور سنة ‪ 1771‬الذي نص على ترقية الجهة الى‬
‫جماعة محلية‪ ،‬ذات شخصية معنوية و استقالل مالي‪ ،‬لكي تصبح أداة رئيسية للتنمية و فضاء لممارسة‬
‫الديموقراطية المحلية‪.‬‬
‫وقد تعزز هذا االتجاه بالخطاب الملكي ل‪ 12‬غشت سنة ‪ 1771‬و الذي جاء فيه "‪ ...‬على ان تناط بالجهات‬
‫‪...‬مع مراعاة االختصاصات المسندة الى الجماعات المحلية األخرى العماالت و األقاليم و الجماعات‬
‫مهمة المساعدة في التنمية االقتصادية و االجتماعية للجماعة الجهوية "‪ ،‬مؤكدا على ان تطوير نظام‬
‫الجهوية هو وحده الكفيل بإدماج المناطق الصحراوية داخل النسيج الترابي و االقتصادي الوطني‪ ،‬وستعطى‬
‫االسبقية للمناطق المذكورة‪ .‬و في هذا االطار‪ ،‬دعم دستور ‪ 1771‬من خالل ظهير ‪ ، 79- 71‬الدور‬
‫المحوري الذي ينبغي ان يلعبه المجلس الجهوي كأداة رئيسية في تسيير شؤون الجهة و في انجاز برامج‬
‫التنمية االقتصادية و االجتماعية‪ .‬فقد اصبح المجلس الجهوي يتوفر على صالحيات تقريرية بدل الدور‬
‫االستشاري الذي كان يلعبه خالل تجربة ‪ .1791‬فهذا التحول الذي مس المجلس الجهوي واالختصاصات‬
‫المخولة له سيسمح له معالجة قضايا الجهة و يقرر في التدابير الواجب اتخاذها النعاش للتنمية ‪ .‬بعبارة‬
‫أخرى أصبحت الجهة اطارا جديدا للحياة السياسية و أداة للتنمية‪ .‬فهي اطار وسط بين المستوى المحلي‬
‫والوطني‪ .‬كما انها أصبحت تشكل قاعدة انتخابية حيث تتحكم في تشكيل البرلمان (‪ 3/5‬مجلس المستشارين‬
‫هم أعضاء الجهات ) ‪ .‬و من شان هذا التطور تعزيز الالمركزية و إعطاء نفس جديد للتنمية من خالل‬
‫تعبئة السكان و جميع الفاعلين المحليين في وقت تراجعت فيه الدولة عن التمويل الكلي للتنمية‪.‬‬
‫و هكذا تم تقسيم التراب الوطني سنة ‪ 1779‬الى ‪ 11‬جهة ( انظر الخريطة المرفقة)‪،‬‬
‫اعتمادا على مجموعة من المعايير من قبيل‪ :‬المعيار التاريخي و البيئي و معيار االندماج الوطني االقتصادي‬
‫و معيار االستقطاب الحضري والتكامل الطبيعي‪ ،‬فضال عن البعد االستراتيجي‪.‬‬
‫نظريا كانت الغاية من استحضار هذه العناصر في التوجهات االستراتيجية خلق دينامية في الجهات‬
‫وتجاوز االختالالت المجالية الكبرى التي تطبع التراب الوطني جهويا و داخل نفس الجهة ‪ .‬لكن الواقع‬
‫أظهر أن الرغبة في إخضاع المجال لضمان االحتكار السياسي والتحكم اإلداري ‪ ،‬هي التي حددت هذا‬
‫التقسيم أكثر من الهاجس التنموي ومحاربة االختالالت الجهوية ‪ .‬ولعل االنتقال من ‪9‬جهات إلى ‪ 11‬جهة‬
‫خير دليل على ذلك ‪.‬‬
‫استنادا إلى المعايير المعتمدة صنفت الجهات إلى خمس مجموعات ‪:‬‬
‫‪ 1-‬المجموعة األولى تتكون من وادي الذهب –الكويرة‪ ،‬جهة العيون بوجدور‪ ،‬الساقية الحمراء‪ ،‬جهة كلميم‬
‫سمارة‪ .‬استند في تحديدها الى ثالثة مؤشرات تاريخية و بيئية‪ ،‬فضال عن متطلبات االندماج الوطني‬
‫‪ – 1‬المجموعة الثانية و تضم خمس جهات و هي‪ :‬جهة الغرب –شراردة – بني احسن ‪ ،‬جهة الشاوية‬
‫ورديغة ‪ ،‬جهة مراكش‪ -‬تانسيفت‪ ،‬جهة سوس – ماسة –درعة ‪ ،‬الجهة الشرقية‪ .‬يغلب على هذه المجموعة‬
‫الطابع الفالحي و القروي باستثناء الجهة الشرقية التي تتميز بانتشار واسع للقطاع التجاري و الخدماتي‪.‬‬
‫‪ -3‬المجموعة الثالثة تتكون من جهة الدار البيضاء الكبرى ‪ ،‬جهة الرباط – سال –زمورزعير وهي امتداد‬
‫للمغرب النافع الموروث عن فترة الحماية‪ .‬وقد اعتمد في تحديدها على التكامل الوظيفي و االستقطاب‬
‫الحضري‪.‬‬
‫‪ -7‬المجموعة الرابعة وتضم جهة دكالة – عبدة ‪ ،‬جهة تادلة – ازيالل ‪ ،‬جهة مكناس – تافياللت ‪ ،‬جهة‬
‫فاس – بولمان ‪ .‬اخذ بعين االعتبار في تحديدها البعد األطلسي و الجبلي‪.‬‬
‫‪ -5‬المجموعة الخامسة وتضم جهتين و هما جهة تازة‪ -‬الحسيمة –تاونات ‪ ،‬و جهة طنجة‪ -‬تطوان ‪ .‬استند‬
‫في تحديدها الى برنامج تنمية أقاليم الشمال في افق تطوير بوابة المغرب نحو اروبا‪.‬‬
‫يظهر من خالل هذه المجموعات الخمس غنى و تنوع المجال المغربي‪ .‬غير ان هذا التطور الذي حصل‬
‫على مستوى التقطيع (االنتقال من ‪ 9‬الى ‪ 11‬الجهة ) و الصالحيات المخولة للمجالس الجهوية ( االنتقال‬
‫من الدور االستشاري الى الدور التنفيذي ) ‪ ،‬لم يتمكن من تصحيح و تجاوز االختالالت بين الجهات وداخل‬
‫نفس الجهة‪ ،‬ال سيما على مستوى التجهيزات و االستفادة من الخدمات‪ .‬وهوما يعني ان الفوارق االجتماعية‬
‫و المجالية و ما يترتب عنها من تباين مستويات التنمية البشرية‪ ،‬ظلت مستمرة‪ .‬لعل من ابرز تجلياتها‬
‫استحواذ ثالث جهات على ‪ 77‬في المئة من اإلنتاج الوطني‪ .‬وهي الدار البيضاء‪،‬طنجة‪-‬تطوان ‪ ،‬الرباط‪-‬‬
‫سال‪-‬زمور زعير‪ ،‬بحصص تصل الى ‪ 11‬في المئة‪ 7 ،‬في المئة و ‪ 17‬في المئة على التوالي‪ .‬ويتركز في‬
‫هذه الجهات الثالث ‪ 91‬في المئة من اإلنتاج الصناعي الوطني و ‪ 19‬في المئة من اليد العاملة المشتغلة في‬
‫القطاع الصناعي ‪.‬و يعود استمرار هذا التفاوت بين الجهات حسب المتتبعين الى عدة أسباب من ابرزها‪:‬‬
‫ضعف الموارد المالية و البشرية للجهات‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫تفاوت اندماجها في النسيج الوطني و تباين مواردها‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫غياب سلطة تنفيذية خاصة بها (استمرار وصاية وزارة الداخلية‪ ،‬بحيث ان هذه األخيرة هي‬ ‫‪-‬‬
‫المحددة و هي الموجهة و المنفذة ) ‪ .‬فال يمكن ألي قرار جهوي ان يرى النور اذا لم يؤشر عليه‬
‫من طرف الولي او العامل‪،‬‬
‫غياب معيار االندماج االجتماعي الذي يتشكل من خالل تراكمات ثقافية و عرقية المحفزة على‬ ‫‪-‬‬
‫التضامن‪ .‬فال يمكن االنتظار من جهات ضعيفة و مفككة ان تشهد اقالعا تنمويا في ظل محدودية‬
‫مواردها وضعف نخبها و تحكم سلطة الوصاية في قراراتها‪ .‬فالجهة ظلت خاضعة لمراقبة سلطة‬
‫الوصاية التي تعتبر عمليا هي المسؤولة الفعلية عن تأطير و تدبير الجهة ‪ ،‬بدل المجالس المنتخبة‬
‫و رؤساء الجهات‪ .‬فليس بمقدور هؤالء اتخاذ القرارات و تطبيقها على ارض الواقع اذا لم تحظ‬
‫بقبول سلطة الداخلية‪ ،‬رغم ان اختصاصات المجلس الجهوي محددة بشكل واضح من طرف‬
‫المشرع‪ .‬نذكر من بين هذه االختصاصات ‪:‬‬
‫إعداد مخطط التنمية االقتصادية واالجتماعية للجهة وفقا للتوجهات واألهداف المعتمدة في المخطط‬ ‫‪-‬‬
‫الوطني للتنمية‪،‬‬
‫إعداد التصميم الجهوي لتهيئة التراب وفقا للتوجهات واألهداف المعتمدة على المستوى الوطني ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬القيام باألعمال الالزمة إلنعاش االستثمارات الخاصة والتشجيع على إنجازها وال سيما اعداد‬
‫مناطق صناعية و مناطق األنشطة االقتصادية‪،‬‬
‫‪ -‬القيام باألعمال الالزمة النعش التشغيل‪،‬‬
‫‪ -‬انعاش مختلف األنشطة االجتماعية و الثقافية‪.‬‬
‫في الوقع‪ ،‬لم تحقق تجربة ‪ 1779‬األهداف التي جاءت من اجلها ‪ ،‬كما أتها لم تشكل قطيعة فعلية مع‬
‫تجربة ‪ ،1791‬نظرا الستمرار هيمنة المقاربة األمنية – السياسية –المركزية مما جعلها مثار انتقاد مختلف‬
‫األطراف‪ .‬وفي خضم هذه التطورات تدخلت الدولة بإدخال إصالحات جديدة عليها ترجمت باإلعالن عن‬
‫الجهوية المتقدمة‪.‬‬

You might also like