You are on page 1of 4

‫في أن المغلوب مولع أبدا بتقليد الغالب‬

‫د‪.‬محمد صفار‬

‫منذ أكثر من ‪ 6‬قرون‪ ،‬كان العالمة ابن خلدون يخط سطور‪ $‬كتاب العبر‪ ،‬وقد أظلته ظرفية تاريخي‪$$‬ة‬
‫يصفها بانقالب أحوال العم‪$$‬ران وتبدل‪$$‬ه ووهن الس‪$$‬لطان واض‪$$‬محالل‪ $‬األم‪$$‬وال وخ‪$$‬راب األمص‪$$‬ار‪ $‬والمص‪$$‬انع؛‬
‫"وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول واالنقب‪$$‬اض فب‪$$‬ادر اإلجاب‪$$‬ة"‪ .‬لق‪$‬د ك‪$‬ان ابن خل‪$‬دون معاص‪$‬راًَ‪ $‬إذن‬
‫لخراب العمران اإلسالمي‪ ،‬الذي بدأ في المغرب وأخذ في الزحف على المشرق‪ $.‬ولم يجس‪$$‬د ابن خل‪$$‬دون ميالد‬
‫الوعي التاريخي‪ $‬اإلسالمي‪ ،‬ألن ذلك ابتدأ مع تثبيت القرآن الكريم للنموذج التاريخي لبني إسرائيل‪ ،‬باعتباره‪$$‬ا‬
‫أم‪$$‬ة رس‪$$‬الة انح‪$$‬رفت عن مس‪$$‬ارها في أذه‪$$‬ان المجتم‪$$‬ع اإلس‪$$‬المي األول‪ .‬لكن‪$$‬ه يع‪$$‬د معلم‪$‬ا ً ب‪$$‬ارزاً الص‪$$‬يرورة‬
‫التاريخية لذلك الوعي‪ ،‬وال تزال مالمح الوعي التاريخي الخلدوني الذي تخضب بالظرفي‪$$‬ة التاريخي‪$$‬ة لخ‪$$‬راب‬
‫العمران في آخر المائة الثامنة بعد هجرة الرسول‪ $‬الكريم تطل علينا في أكثر من جوانب حياتنا حتى تل‪$$‬ك ال‪$$‬تي‬
‫نعتق‪$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$‬د أنه‪$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$‬ا األبع‪$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$‬د عن أي وعي ت‪$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$‬اريخي‪$.‬‬
‫حاول ابن خلدون من وراء حجاب القرون المتطاولة أن ينفذ إلى القوانين الحاكم‪$‬ة لحرك‪$‬ة الت‪$‬اريخ ال‪$‬ذي قلب‬
‫ظهر المجن للعمران اإلسالمي وأحاله خرابا ً وانهياراً‪ $‬شكل ص‪$$‬دمة حقيقي‪$$‬ة للعق‪$$‬ل المس‪$$‬لم بالض‪$$‬ياع‪ $‬الت‪$$‬دريجي‪$‬‬
‫لديار األندلس‪ ،‬فردوس‪ $‬المسلمين المفقود‪ .‬تجسدت تلك المحاولة في سعيه لجعل س‪$$‬نن العم‪$$‬ران البش‪$$‬ري مبت‪$$‬دأ‬
‫يعرض عليه األخبار المختلفة والمتناقضة والخيالية أحيانا ً للمسلمين فيظفر من ذلك بديوان للعبر‪ .‬تشكل مقدمة‬
‫الكتاب في هذا السياق المبتدأ أو خالص‪$$‬ة أس‪$$‬س ال‪$$‬وعي الت‪$$‬اريخي ال‪$$‬ذي استخلص‪$$‬ه ابن خل‪$$‬دون من إطالعات‪$$‬ه‬
‫وخبراته العلمية وما مر من خطوب‪ .‬ولعل من أشهر مقدمات الوعي التاريخي الخلدوني‪ $‬التي تتداولها‪ $‬األلس‪$$‬ن‬
‫لتجعل منها مقدمة للتحلي‪$‬ل هي أن المغل‪$‬وب مول‪$‬ع بتقلي‪$‬د الغ‪$‬الب‪ .‬وس‪$‬يحاول‪ $‬ك‪$‬اتب ه‪$‬ذه الس‪$‬طور‪ $‬المتواض‪$‬عة‬
‫التعليق على تلك المقولة الخلدونية‪ ،‬وسيتجرأ على إضافة ما يخاله ثغرة في التحليل تركها‪ $‬العالمة ابن خلدون‬
‫في ذلك الفصل القليل المبني الهائل المعني في مقدمته‪.‬‬

‫فلنتأمل مقولة ابن خل‪$$‬دون الش‪$$‬هيرة ال‪$$‬تي تلخص فكرت‪$$‬ه‪ ،‬ربم‪$$‬ا ب‪$$‬أكثر من الالزم‪ ،‬وال‪$$‬تي عن‪$$‬ون به‪$$‬ا‬
‫الفصل الثالث والعشرين من مقدمته‪" .‬في أن المغلوب مولع أبداً بتقليد الغالب في شعاره وزيه ونحلت‪$$‬ه وس‪$$‬ائر‬
‫أحواله وعوائده"‪ .‬يبرز ابن خلدون العالقة االرتباطية بين ظ‪$$‬اهرتين تنتمي‪$$‬ان إلى مج‪$$‬الين مختلفين‪ ،‬وإن كانت‪$$‬ا‬
‫متداخلين أشد التداخل‪ ،‬أال وهم‪$‬ا ظ‪$‬اهرة الغلب في مج‪$‬ال السياس‪$‬ة وال‪$‬تي س‪$‬يقابلها ظ‪$‬اهرة التقلي‪$‬د في المج‪$‬ال‬
‫الثق‪$$‬افي – االجتم‪$$‬اعي‪ .‬ومم‪$$‬ا تج‪$$‬در اإلش‪$$‬ارة إلي‪$$‬ه أن ابن خل‪$$‬دون نظ‪$$‬ر إلي العالق‪$$‬ة االرتباطي‪$$‬ة من منظ‪$$‬ور‬
‫المغلوب‪/‬المهزوم‪ $‬أو الطرف‪ $‬األضعف في عالقة القوة‪ ،‬ومن هنا تح‪$$‬دث في المج‪$$‬ال الثق‪$$‬افي‪ -‬االجتم‪$$‬اعي عن‬
‫ظاهرة التقليد‪ .‬ولو نظر ابن خلدون إلى األمر من نظر الغ‪$$‬الب‪/‬المنتص‪$$‬ر أو الط‪$$‬رف األق‪$$‬وى في عالق‪$$‬ة الق‪$$‬وة‬
‫لتحدث عما نسميه اليوم بالهيمنة (‪ ( Hegemony‬في المجال الثق‪$$‬افي‪-‬االجتم‪$$‬اعي‪ .‬وه‪$$‬و م‪$$‬ا يفتح الب‪$$‬اب أم‪$$‬ام‬
‫الباحثين لدراسة الخلفية االجتماعية والسياسية التي دفعت ابن خلدون للنظر لألمر من هذه الزاوي‪$$‬ة على وج‪$$‬ه‬
‫التحديد‪.‬‬

‫من خالل إقامة العالقة السابقة تمكن ابن خلدون من تشييد تكوين تحليلي منمق نحتاج في هذا المقال‬
‫إلى رده إلى عناصره األولية‪ .‬أول عناصر‪ $‬الم‪$$‬ركب ه‪$$‬و الغلب وه‪$$‬و عب‪$$‬ارة عن عالق‪$$‬ة ق‪$$‬وة ب‪$$‬المعنى الواس‪$$‬ع‬
‫للكلمة الذي ي‪$$‬دخل فيه‪$$‬ا أش‪$$‬كاالً ترتب‪$$‬ط بظ‪$$‬اهرة الحكم في ال‪$$‬داخل أو م‪$$‬وازين الق‪$$‬وة بين األمم أو ح‪$$‬تى عالق‪$$‬ة‬
‫التحكم داخل نطاق األسرة‪ .‬ثاني عناصر المركب هو التقليد وه‪$$‬و عب‪$$‬ارة عن االقت‪$$‬داء الت‪$$‬دريجي ال‪$$‬ذي تتس‪$$‬ع‬
‫دائرته بالطرف‪ $‬األنثوي في عالقة القوة وهو يبدأ باألسهل فاألصعب أو بالخارج فال‪$$‬داخل(بالش‪$$‬عار الخ‪$$‬ارجي‬
‫ثم الزي ثم المعتقد ثم سائر األحوال والعادات) ومن ثم يصبح التقلي‪$$‬د ليس ان‪$$‬دياحا ً فحس‪$$‬ب للخل‪$$‬ل في عالق‪$$‬ات‬
‫القوة في المجال السياسي إلى المجال الثقافي‪-‬اإلجتماعي وإنما تعميقا ً لعالقات القوة غير المتكافئة لدى الطرف‬
‫المهزوم وكذلك إشاعتها ومأسستها في كافة مجاالت حياته بحيث تكتسب إل‪$$‬ف وتك‪$$‬رار‪ $‬الع‪$$‬ادة‪ .‬ث‪$$‬الث عناص‪$$‬ر‬
‫المركب هو الولع وهو يدخل في نطاق العنصر الث‪$$‬اني من حيث تكييف‪$$‬ه نفس‪$$‬يا ً وه‪$$‬و يش‪$$‬ير ك‪$$‬ذلك إلى األس‪$$‬اس‬
‫الذي يقوم عليه المركب‪ ،‬فالولع يدل على أن التقلي‪$$‬د ال يلقى أي‪$$‬ة مقاوم‪$$‬ة من المه‪$$‬زوم‪ $‬ب‪$$‬ل إن نفس‪$$‬ه كم‪$$‬ا تش‪$$‬ير‬
‫أصول اللفظ اللغوية تتحرق‪ $‬وتشتعل فيها الرغبة في التقليد ‪ ،‬أكثر من ذلك فداللة لفظ الول‪$$‬ع تع‪$$‬ني أن ص‪$$‬احبه‬
‫قد خلب لبه وصار‪ $‬مهووساً‪ $‬بما ولع به ‪ ،‬بحيث أن ذلك المولع به قد ص‪$$‬ار غاي‪$$‬ة في ح‪$$‬د ذات‪$$‬ه ال وس‪$$‬يلة ألمر‬
‫آخر‪ ،‬رابع عناصر المركب هو االرتباط أو التالزم األبدي بين الغلب والولع بالتقليد وذلك العنص‪$$‬ر ه‪$$‬و ال‪$$‬ذي‬
‫يشد بقية العناصر‪ $‬لبعضها ويجعل منها مركبا ً تتفاعل وتتكامل عناصره‪ ،‬فعن‪$$‬دما يظه‪$$‬ر ع‪$‬دم تك‪$‬افؤ‪ $‬في عالق‪$$‬ة‬
‫القوة بين طرفين‪ $‬ينشأ الولع بتقليد الطرف‪ $‬األق‪$$‬وى وه‪$$‬و م‪$$‬ا يص‪$$‬ب في زي‪$$‬ادة الخل‪$$‬ل في عالق‪$$‬ة الق‪$$‬وة المختل‪$$‬ة‬
‫األصلة ومن ثم يزداد الولع بالتقليد والشغف بالغالب من خالل األخذ عنه ي المزيد من المظاهر المرتبطة به‪،‬‬
‫وفي اعتقادنا أن كلمة ( أبداً ) التي يضعها ابن خلدون في المقولة السابقة بين الولع واالقتداء‪ $‬تش‪$$‬ير إلى دائري‪$‬ة‬
‫العالقة بين الغلب والتقليد‪.‬‬

‫ويبدو المركب ( الغلب‪-‬التقليد ) في الحقيقة ال منطقيا ً لمن ينظر إليه من الخارج الن التقليد ال يؤدي‪$‬‬
‫‪$‬ي س‪$$‬وى تعمي ‪$‬ق‪ $‬الخل‪$$‬ل في عالق‪$$‬ة الق‪$$‬وة بين الط‪$$‬رفين أي بعب‪$$‬ارة واض‪$$‬حة المزي‪$$‬د من تقوي‪$$‬ة األق‪$$‬وى‬
‫إلى ش‪ْ $‬‬
‫وإضعاف‪ $‬األضعف‪ ،‬أفال يدرك المغلوب‪ /‬المهزوم إذن أن‪$$‬ه بتقلي‪$$‬ده للغ‪$$‬الب يزي‪$$‬د من هيمنت‪$$‬ه و س‪$$‬يطرته علي‪$$‬ه‬
‫ويضعف‪ $‬ذاته؟ وهنا على وجه التحديد يصل تحليل ابن خلدون لعالقات القوة إلى ذروت‪$$‬ه حينم‪$$‬ا يجع‪$$‬ل التالزم‬
‫األبدي بين الغلب والتقليد الذي يشد دعائم المركب السابق مرتكزاً على العامل النفسي بمع‪$$‬نى خ‪$$‬داع ال‪$$‬ذات أو‬
‫بلغة ابن خلدون المغالطة‪ .‬إن العامل النفسي أو المغالطة تلك هي ما يؤكد ال منطقية التالزم األب‪$$‬دي بين الغلب‬
‫والولع بالتقليد ( للمراقب الخارجي ) ويرسى‪ $‬في الوقت ذاته شرعية ذلك االرتباط لمن يتواجد في داخل عالقة‬
‫الشي في تلك المغالطة التي أوقع المغلوب نفسه فيها كي يفسر بها‬
‫ْ‬ ‫القوة المختلة‪ .‬ويجدر بنا هنا التفصيل بعض‬
‫لنفسه غلب الغالب‪ ،‬والذي يدل على ذلك ما يسوقه ابن خلدون من كلمات انه يشير إلى أن وق‪$$‬ع الهزيم‪$$‬ة ش‪$$‬ديد‬
‫اإليالم بالنسبة للمهزوم‪ $‬بحيث أن الهزيمة مثلت بالنسبة له م‪$$‬ا يع‪$‬رف‪ $‬في علم النفس الح‪$$‬ديث بخ‪$$‬برة الرض‪$$‬ة (‬
‫‪ ( Trauma‬مما يجعله يفقد توازن‪$$‬ه فال يض‪$$‬ع األم‪$$‬ور‪ $‬في نص‪$$‬ابها‪ $‬أو ي‪$$‬دركها‪ $‬وفق‪$‬ا ً لحقيقته‪$$‬ا‪ .‬ف‪$$‬المغلوب يق‪$$‬وم‬
‫بإضفاء جوهر ثابت على الغالب يتسم بالكمال ومن ثم يقوم بإجالله وتعظيم‪$$‬ه‪ ،‬وي‪$$‬ترتب على ذل‪$$‬ك أن‪$$‬ه يض‪$$‬في‬
‫القداس‪$$‬ة على ك‪$$‬ل م‪$$‬ا يرتب‪$$‬ط ب‪$$‬ه من مظ‪$$‬اهر الق‪$$‬وة أو الغلب (العوائ‪$$‬د والنح‪$$‬ل) ويخفي عن نفس‪$$‬ه المرتك‪$$‬زات‬
‫الحقيقية لقوة الغالب (كان ذلك هو العصبية في تقدير ابن خلدون في إطار الظرفية التاريخية التي عاص‪$$‬رها)‪.‬‬
‫إذن هناك مغالطتان يقوم بهما المغلوب‪ ،‬اعتقاد الكمال في الغالب والخلط بين مظاهر القوة وأس‪$$‬بابها‪ $‬الحقيقي‪$$‬ة‪،‬‬
‫وهما تضفيان الشرعية على تقليده للغالب وتهيجان‪$$‬ه للقي‪$$‬ام ب‪$$‬ذاك التقلي‪$$‬د‪ .‬ويالح‪$$‬ظ أن الم‪$$‬بررات ال‪$$‬تي يس‪$$‬وقها‬
‫المهزوم لنفسه كي يبرر بها هزيمته سماها ابن خلدون بالمغالطة وندخلها نحن في باب خداع الذات ألنها تلقي‬
‫بتبعة الهزيمة برمتها‪ $‬على الغالب (ذي الجوهر الثابت الكامل )‪ ،‬ورغم أن المهزوم‪ $‬بحكم المنطق والعق‪$$‬ل الب‪$$‬د‬
‫أن يتحمل نصيبه من المسئولية‪ ،‬إال أن تلك التبريرات تدفع عنه المسئولية تماما وتنفي عنه أي ش‪$$‬بهة من ذنب‬
‫أو تقصير أفضى‪ $‬إلى الغلب‪ .‬لقد هزم المغلوب لكمال الغالب وتحليه بعوائد‪ $‬ونحل أرقى‪ $‬وال دخل للمغل‪$$‬وب في‬
‫ذلك من قريب أو من بعيد‪ ،‬ومن ثم يقي خداع النفس بتلك الطريقة المغلوب من األلم الناجم من الشعور‪ $‬بالذنب‬
‫الذي ال محالة أنه سيتولد‪ $‬من المحاس‪$$‬بة الج‪$$‬ادة للنفس عن التقص‪$$‬ير‪ $‬المفض‪$$‬ي إلى الهزيم‪$$‬ة‪ .‬ب‪$$‬ل أك‪$$‬ثر من ذل‪$$‬ك‬
‫سيتيح خداع النفس السالف للمغلوب فرصة رائعة لكي ال يفتح على نفس‪$$‬ه (أب‪$$‬داً) ب‪$$‬اب محاس‪$$‬بة النفس حيث تم‬
‫حسم المسألة بتحميل الذنب للطرف األقوى‪ $‬في العالقة وما على المغلوب س‪$$‬وى تقلي‪$$‬ده واالقت‪$$‬داء ب‪$$‬ه وس‪$$‬يكون‬
‫ذلك دون بذل أدنى جهد ألن التقليد سطحي‪ $‬ال يمس الجوهر أو ينزل في العمق الذي يتجنب المه‪$$‬زوم‪ $‬مواجه‪$$‬ة‬
‫نفسه فيه بأي شكل‪ .‬إن المهزوم‪ $‬في حقيقة األمر ال يرغب في مواجهة نفسه ويفر منه‪$$‬ا فال يمل‪$$‬ك حينئ‪$$‬ذ س‪$$‬وى‬
‫أن يرتمي‪ $‬في أحضان اآلخ‪$‬ر الغ‪$‬الب‪ ،‬ويص‪$‬ير ذوبان‪$‬ه في اآلخ‪$‬ر من خالل التقلي‪$‬د نوع‪$‬ا ً من العق‪$‬اب المس‪$‬تتر‬
‫للذات يمارسه المغلوب ربما دون وعي منه على نفسه لما ارتكبته من تقصير أدى إلى الهزيم‪$$‬ة ح‪$‬تى ل‪$$‬و ك‪$$‬ان‬
‫يفر من تلك الحقيقة في وعيه‪ .‬ليس هناك جدوى من االنسياق وراء المغلوب ومتابعته في فراره من الواقع إلى‬
‫عالم الخيال المرتبط‪ $‬بكمال الغالب وال في تحليل الحيل النفس‪$$‬ية الدقيق‪$$‬ة والمعق‪$$‬دة ال‪$$‬تي يق‪$$‬وم به‪$$‬ا لخ‪$$‬داع ذات‪$$‬ه‪،‬‬
‫وإنما تجدر إثارة بعض التساؤالت‪ :‬لماذا يفر المغلوب من واق‪$$‬ع هزيمت‪$$‬ه؟ لم‪$$‬اذا يته‪$$‬رب من المس‪$$‬ئولية وتبع‪$$‬ة‬
‫التقصير؟ بل ولماذا ش‪$$‬كلت الهزيم‪$$‬ة أو الغلب بلغ‪$$‬ة ابن خل‪$$‬دون خ‪$$‬برة رض‪$$‬ة ش‪$$‬ديدة اإليالم بلغتن‪$$‬ا المعاص‪$$‬رة‬
‫جعلته يفقد صوابه ويقوم‪ $‬بكل ذلك من األساس؟‬

‫تشكل الهزيمة أو الغلب خبرة رضة بالنسبة للطرف‪ $‬المغلوب بسبب أنه مصاب في المقام األول بتض‪$$‬خم‬
‫مرضي للذات‪ ،‬فهو حينما اعتقد الكمال في اآلخر حسب ابن خلدون إنما كان يقوم بإسقاط صورته المتض‪$$‬خمة‬
‫عن الذات التي توارت في الخلفية ولكنها سرعان ما تجس‪$‬دت في اآلخ‪$‬ر‪ /‬الغ‪$‬الب بس‪$‬بب حقيق‪$‬ة هزيم‪$‬ة ال‪$‬ذات‬
‫وغلب اآلخر‪ .‬إن صورة الذات المتضخمة التي تحيط بها هاالت الكمال في الجوهر والعصمة في السلوك‪ ،‬ل‪$$‬و‬
‫أردنا االستعانة بالتراث الديني في توصيفها‪ ،‬م‪$‬ا هي إال عق‪$‬دة الش‪$‬عب المخت‪$‬ار ال‪$‬ذي يظن نفس‪$‬ه مفض‪$‬ال على‬
‫العالمين بسبب صلة قربى خاصة بينه وبين قوة األزل واألبد التي تضفي عليها حماية ال حد لها‪.‬‬

You might also like