Professional Documents
Culture Documents
اسهامات المسلمين في علم الطب
اسهامات المسلمين في علم الطب
س ّجل تاريخ الطب اإلسالمي سلسلة متتالية من إنجازات علماء المسلمين في الطب ،فتمكنوا .من تقديم ما يلي
لخدمة األمة اإلسالمية والعالم بأسره ،ومن أبرز اإلنجازات:
التفرقة بين الحصبة والجدري من قِبل الطبيب أبو بكر الرازي..
وصف عظم الفك السفلي وتشريحه على يد الطبيب عبد اللطيف البغدادي.
ابتكار طريقة تخدير المريض بواسطة االستنشاق ،وكانت حينتها تستند على المشروبات .المسكرة.
اكتشاف الدودة المستديرة المسببة لمرض اليرقان ،وتعرف هذه الدودة باسم األنكيلوستوما.
تحجيم أعمال الشعوذة ووضع .األسس الطبية والعلمية في العهود اإلسالمية القائمة على تشخيص
المرض والفحوصات..
أبو بكر الرازي،ابن سينا ،يعقوب الكندي ،ابن النفيس ،الطبري ،الزهراوي
خالصة القول:
يُع ُّد علم الطب من أوسع مجاالت العلوم الحياتية التي كان لعلماء المسلمين فيها إسهامات بارزة على مدار عصور
حضارتهم الزاهرة ،وكانت تلك اإلسهامات على نحو غير مسبوق شموالً وتميُّ ًزا وتص..حيحًا للمس..ار؛ ح..تى ليُخيَّل
للمطَّلع على هذه اإلسهامات الخالدة كأن لم يكن طبٌّ قبل حضارة المسلمين!!
ولم يقتصر اإلبداع على عالج األمراض فحسب ،بل تع َّداه إلى تأسيس منهج تجريبي أصيل انعكست آثاره الراقي..ة
والرائعة على كافَّة جوانب الممارسة الطبيَّة وقايةً وعال ًج..ا ،أو مراف..ق وأدوات ،أو أبع..ادًا إنس..انية وأخالقي..ة تحكم
األداء الطبي.
3
الشك في أن ال شي يعادل الرياضيات .فهي بتركيبها الدقيق .غنية بصورة ال تضاهيها .أي مادة في دقتها وقوة
منطقها وشدة تناسقها ،والنظرية المبرهنة رياضيا .تكون بمثابة يقين عقلي مطلق بصرف .النظر إذا كان
منطبقا على الواقع أم غير منطبق ..األهم أن يتسق .البناء المنطقي مع نفسه.
هو علم تراكمي البنيان (المعرفة التالية تعتمد على معرفة سابقة) يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة
وغير مباشرة ويتكون من أسس ومفاهيم – قواعد ونظريات – عمليات – حل مسائل (حل مشكالت) وبرهان
يتعامل مع األرقام والرموز ويعتبر .رياضة للعقل البشري . .حيث تتم المعرفة فيه وفقا القتناع .منطقي للعقل
يتم قبل أو بعد حفظ القاعدة ،ويقاس تمكن لدارس من علم الرياضيات .بقدرته ونجاحه في حل المسالة
( المشكلة ) وتقديم البرهان المناسب.
لقد دعا اإلسالم إلى األخذ بجميع العلوم التي تخدم المجتمع و تطوّر من شأنه ومنها علم الرياضيات .يقول هللا
َرهَا}،ت أَوْ ِديَةٌ بِقَد ِ َر} .ويقول { ”:أن َز َل ِمنَ ال َّس َماء َماء فَ َسالَ ْ تعالى في كتبه العزيز{:إنَّا ُك َّل َش ْي ٍء خَ لَ ْقنَاهُ بِقَد ٍ
ق أَالَ لَهُ ْال ُح ْك ُم َوهُ َو أَ ْس َر ُ
ع وا إِلَى هّللا ِ َموْ الَهُ ُم ْال َح ِّ
ان } كما جل جالله {ثُ َّم ُر ُّد ْ ويقول{:ال َّش ْمسُ َو ْالقَ َم ُر بِ ُح ْسبَ ٍ
ْال َح ِ
اسبِينَ }
كان للعلماء المسلمين اليد الطولى والفضل األكبر في تطور .العلوم الرئيسية وعلى رأسها الرياضيات .بكل
علومها المعقدة ومنها الجبر والهندسة والحساب والمقابلة وأقسام العدد والعددان المتحابان وخواص األعداد
والكسور .والضرب والقسمة والمساحة لألشكال الهندسية وقوانين األشكال الهندسية والجذور .واإلحصاء
وغيرها من العلوم الرياضية المعقدة ،وكان علماء المسلمين من أهل الرياضيات أعالما ،فحسبك
الخوارزمي .محمد بن موسى .المتوفى بعد سنة 232هـ .والذي يعود له الفضل األساس في علوم الحاسبات
الحديثة وباعتراف الغرب بأجمعه ،وكلمة )Algorithm( تعني الخوارزمي ،كما أنه يعتبر .مؤسس علم
4
الجبر الحديث وكلمة ( )Algebraمشتقة من كتابه (الجبر والمقابلة) .وهو باعتراف الغربيين أساس لكل
العلوم الحاضرة فال يكاد يخلو علم من العلوم المعقدة الحديثة إال وفيه جبر الخوارزمي ،إضافة إلى إبداعاته
في نظام األرقام واألعداد وعلم الحساب والمتواليات العددية والهندسية والتآلفية والمعادالت الجبرية والجذور.
واللوغارتمات والفلك والمثلثات واألرقام .الهندية والطريقة البيانية إليجاد الجذور ،وله أكثر من 27مؤلفا في
مختلف العلوم أشهرها “الجبر والمقابلة” الذي نقله إلى الالتينية روبرت أوفشستر “عن كتاب بغداد مدينة
السالم” .
ومن بين أشهر علماء الرياضيات المسلمين نذكر على سبيل المثال ال الحصر:.
خالصة القول:
علماء الرياضيات المسلمين ينتمون إلى عدة مناطق مختلفة من العالم اإلسالمي ،من بغداد والشام ومصر
والمغرب واألندلس وبالد المشرق .ولم يقتصر األمر على الرجال فقط ،بل أن المرأة المسلمة شاركت أيضا
في اإلنجازات العلمية الرياضية ،ومن هؤالء النسوة عالمة الرياضيات العربية أمة الواحد ستيتة المحاملي
البغدادية .
5
ال ريب أن علم التاريخ بدأ مع بداية وجود المجتمع اإلنساني نفسه منذ بدأ اإلنسان يسجِّل مظاهر حيات..ه بش..كل
ك أن هذا النمط المعرفي .قد جاء تلبيةً لحاجات أو بآخر ،مبتكرًا بذلك مجاالً جديدًا لمعرفة اإلنسان بذاته .وال َش َّ
ت نفسها منذ البداية على الجماعات اإلنسانية ،و ِمن ثَ َّم من الج..ائز أن نُقََ .
.رِّر أن للت..اريخ وظيف..ة ض ْاجتماعية فَ َر َ
اجتماعية؛ من حيث إنه يُلَبِّي حاجة الجماعة البشرية إلى معرفة ذاتها.
قد ساهم المؤرخون المسلمون مساهمة فعالة في مختلف جوانب علم التاريخ منها:
حيث دفع اهتما ُم المسلمين بأقوال الرسول وأفعاله لالهتداء بها ،واالعتماد عليها في التشريع اإلسالمي
اب إلى التصنيف في سيرة الرسول :من أبرز رجالها :عروة بن الزبير بن العوام ، والنظم اإلدارية -ال ُكتَّ َ
الزهري ،وابن إسحاق ،وابن هشام.
كتب الطبقات
فقد ظهرت الطبقات في مجاالت شتى؛ منها :كتب طبقات المحدِّثين ،وطبقات ال ُحفَّاظ ،وطبقات الفقهاء،
وطبقات الشافعية ،وطبقات الحنابلة ،وطبقات القُرَّاء ،وطبقات المفسِّرين ،وطبقات الصوفية ،وطبقات
الشعراء ،وطبقات النحويين ،وطبقات األطباء .ومن أشهر كتب الطبقات( :الطبقات الكبرى) لمحمد بن سعد
الزهري و(طبقات الشعراء) لمحمد بن سالم الجمحي ،و(طبقات األطباء) ألحمد بن أبي أصيبعة وغيرهم.
6
كتب التراجم
و من أشهرها( :معجم األدباء) لياقوت الحموي ،وأُسْد الغابة في معرفة الصحابة البن األثير ،ووفَيَات
األعيان) ال بن ِخلِّكان .
كتب الفتوح
وهي التي اهت َّم ْ
ت بفتوح البلدان واألمصار .مثل :كتاب (فتوح البلدان) للبالذري ،و(فتوح الشام) للواقدي
التواريخ المحلية
وهي المصنفات التاريخية التي ُك ِّر َس ْ
ت لتاريخ بلد ُم َعيَّ ٍن بكثير من التفاصيل ،ومن أشهرها :كتاب (تاريخ
بغداد) للخطيب البغدادي ،و(تاريخ دمشق) ال بن عساكر ،وكتاب (البيان ال ُم ْغ ِرب في أخبار المغرب) البن
عذاري
ومن أشهر مؤلِّفي التواريخ العامة :الطبري ،صاحب كتاب (تاريخ الرسل والملوك) ،وكتاب (مروج الذهب
ومعادن الجوهر) للمسعودي ،وكتاب (الكامل في التاريخ) ال بن األثير ، ،وكتاب (البداية والنهاية) البن كثير،
وكتاب (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر .ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر)
المشهور بتاريخ ابن خلدون البن خلدون.
خالصة القول
ليست الحضارة اإلسالمية مجرد حلقة من حلقات التاريخ اإلنساني وليست اإلسهامات اإلسالمية مجرد
اضافات الي حضارات الدنيا حيث أن الحضارة اإلسالمية قدمت النموذج الحضاري الذي يجب أن يحتذي به
من العالم اجمع ،وابرز .ما في هذا المقال هي زيادة اهمية الكتابة في هذا الموضوع .من الهجمة الشرسة
الموجهة إلى اإلسالم والمسلمين ووصفهم بالجمود .والهمجية حيث أن العالم الغربي ينكر تطور حضارة
المسلمين ،وإنما هي حضارة يتحتم على العالم أن يعرفها .بل أن يدرسها..
7
ارتبط علم الفلك عند المسلمين بكث..ير من ش.عائر دينهم ،فظه..رت الحاج.ة إلى دراس.ته لتحدي.د أوق..ات الص.الة
بحسب الموقع الجغرافي والفص..ل الموس..مي ،وك.ذلك تحدي..د اتج.اه القبل.ة ،ومتابع..ة حرك..ة القم.ر لتحدي.د ب..دء
الصوم ،والح ِّج ،وغير ذلك.
اهتمام المسلمين بالفلك
اطَّلع المسلمون في بداية تطويرهم .لعلم الفلك على ما خلَّفه علماء الحضارات السابقة فيه؛ فقاموا .أوالً بترجمة
الكتب الفلكيَّة التي ألَّفها اليونان والكلدان والسريان والفرس والهنود ،وكان أول كتاب قام علماء المسلمين
بترجمته هو كتاب (مفاتيح النجوم) المنسوب إلى هرمس الحكيم ،ترجموه من اليونانية إلى العربيَّة ،وذلك
أواخر عصر الدولة األمويَّة ،وكان من الكتب الفلكيَّة المه َّمة المترجمة عن اليونانية أيضًا كتاب (المجسطي)
لبطليموس في علم الفلك وحركات النجوم ،وكان ذلك في العصر العباسي.
لقد نبغ في العصر العباسي ثالثة عرفوا بأنهم أبناء موسى .بن شاكر ،وموسى بن شاكر .واستخدم .المأمون
جماعة من الفلكيين -كان منهم محمد بن موسى بن شاكر -ليرصدوا األجرام السماوية ،ويسجِّلوا .نتيجة هذه
األرصاد ،وليحققوا كشوف بطليموس .الفلكي ،ويدرسوا .كلف الشمس .واتخذوا كرية األرض أساسًا بدءوا منه
بقياس الدرجة األرضية بأن رصدوا .موضع الشمس من تدمر وسنجار .في وقت واحد.
إن أهم ما يؤكد اهتمام المسلمين بالتجارب العلمية الفلكية هو كثرة بناء المراصد الضخمة والمز َّودة باآلالت
المتن ِّوعة والعلماء المتف ِّرغين ،والتي كانت مبثوثة في العالم اإلسالمي من أقصاه إلى أقصاه؛ فبخالف
المراصد التي أنشأها المأمون على جبل قَاسيون في دمشق ،وفي الشماسيَّة في بغداد.
وقد استعان العلماء المسلمون في هذه المراصد بآالت وأجهزة ومعدات غاية في الدقَّة وجمال الصنعة يعرفون
بها الظواهر .الفلكيَّة ،وكثير من هذه اآلالت كان من اختراع علماء المسلمين ولم تُعرف .من قبلهم ،وذلك مثل:
8
ذات األوتار ،وذات الحلق ،وآلة الربع المجيب ،والربع المقنطر ،وذات الشعبتين ،وذات السمت واالرتفاع
والحلقة االعتداليَّة ،وأنواع .مختلفة من المزاول والمشخصات .لقياس الوقت.
صناعة األزياج
وقد نبغ المسلمون في عمل األزياج لحساب األجرام السماويَّة ،وهي من أه ِّم مستلزمات .الرصد الفلكي،
وال ِّزيج عبارة عن جداول رياضية عددية ،تحدِّد مواضع .الكواكب السيَّارة في أفالكها ،وقواعد .معرفة الشهور
واأليَّام والتواريخ الماضيَّة ،والوقوف على أوضاع الكواكب من حيث االرتفاع ،واالنخفاض ،والميول،
والحركات ،وتعتمد هذه الجداول على قواعد حسابيَّة وقوانين عدديَّة في منتهى الدقَّة ،ومن أشهر األزياج ِزي ُج
ابن يونس.
خالصة القول
كان علم الفلك من أول العلوم التي لفتت أنظار العلماء المسلمين ،وجلبت اهتمامهم وعنايتهم .بها .ولم يكن
االهتمام بعلم الفلك مقصورة على العلماء المختصين وحدهم ،بل إن الكثيرين من خلفاء المشرق واألندلس في
المغرب وبعض السالطين السالجقة والحانات المنحدرين من ساللة «جنكيز خان » أصبحوا شديدي .الشغف
والتعلق بهذا العلم .
لعب العلماء المسلمون دورًا رائدًا وأساسيًا في تطور .العلوم المختلفة؛ حيث كانت إسهاماتهم مميزة؛ ألنهم
استخدموا نهجًا مغاي ًرا لغيرهم من السابقين في تطور تلك العلوم ،ومن بينها علم الفلك ،فحرصوا على تطوير.
اآلالت التي تُستخدم .في األرصاد الفلكية ،فحققوا نتائج أفضل من سابقيهم ،وقد ذكر حاجي خليفة في كتابه
"كشف الظنون" عددًا من األجهزة الفلكية ،فقال" :إن علم اآلالت الرصدية هو فرع من فروع علم الهيئة
(يقصد علم الفلك) ،وهو علم يتعرف منه كيفية تصنيع اآلالت الرصدية قبل الشروع بالرصد ،فإن الرصد .ال
يتم إال بآالت كثيرة" .
نشط علم الفلك في الحضارة اإلسالمية في عدة مراحل ،ولعل االهتمام برصد ومتابعة األ ِهلَّة لتحديد مواعيد
األشهر الهجرية كان بداية لالهتمام بعلم الفلك عند المسلمين ،فقد حرص العلماء المسلمون على بناء مراصد
فلكية عديدة في مناطق مختلفة من الدولة اإلسالمية مثل بغداد ،والقاهرة ،وقرطبة ،وسمرقند ،والرقة
وغيرها ،واكتسبت تلك المراصد شهرة فائقة امتد أثرها مئات السنين وكانت نتائج أبحاثها مرجعًا لعلماء الفلك
قدي ًما وحديثًا ،ولقد حصل علماء الفلك المسلمون على نتائج أكثر دقة من تلك التي حصل عليها علماء الفلك
اليونايون ،والفرس ،والهنود؛ وذلك ألن العلماء المسلمين اعتمدوا األرصاد .التي قاموا .بها ،ثم اعتمد بعد ذلك
علماء أوروبا مثل كبلر وكوبرينكس وغيرهما على تلك النتائج إبان النهضة األوروبية؛ ولهذا فقد أضاف
علماء الفلك المسلمون إضافات ذات أثر واسع في علم الفلك ،فاستطاعوا .تحويل علم الفلك من المجال النظري
9
إلى مجال التجارب العملية ،وهذا ساعدهم على محاربة خرافات التنجيم.
لقد برع العديد من العلماء المسلمين في تطوير العديد من األجهزة الفلكية المستخدمة في الرصد ،فنجد أن
البنتاني اشتهر برصد األجرام السماوية والكواكب على الرغم من عدم توافر اآلالت الفلكية مثل التي تُستخدم
حاليًا ،فقد تمكن من جمع أرصاد مازالت محل إعجاب وتقدير علماء الفلك في العصر الحديث ،وقام ابن
يونس باختراع (البندول) في القرن العاشر الميالدي واستعمله لقياس الزمن ،وقام .ابن الهيثم بدراسة ظواهر.
انكسار الضوء وانعكاسه بشكل مفصل ،وخالف .اآلراء القديمة كنظريات بطليموس ،فنفى أن الرؤية تتم
بواسطة أشعة تنبعث من العين ،كما أسس لعلم العدسات البصرية ،والتي كانت مدخل لصناعة الكاميرا.
لم تقف جهود .العلماء المسلمين عند هذا الحد ،بل قاموا بقياس محيط الكرة األرضية بكل دقة ،وذلك في عهد
الخليفة العباسي .المأمون ،وقام العالم الفلكي أبو الريحان البيروني بوضع معادلة رياضية لحساب محيط
األرض ،وهي تُستخدم حتى وقتنا الحاضر ،وتُعرف .عند علماء الغرب بقاعدة البيروني لحساب نصف قطر
األرض.
وقام كذلك علماء الفلك المسلمين باكتشاف النجوم .وتقسيمها إلى مجموعات نجمية ،حيث قاموا بتسمية تلك
النجوم بأسماء عربية ال تزال تحمل هذه األسماء العربية حتى الوقت الحاضر مثل :سُهيل ،والجوزاء ،والدب
األكبر ،والدب األصغر ،والنسر الطائر ،وغيرها العديد من األسماء العربية.
كل هذه الجهود والتطورات .ما هي إال جزء بسيط مما قام به وقدمه علماء الفلك المسلمين في تطور وتقدم علم
الفلك الذي نستطيع .أن نرى أثره في وقتنا الحاضر..
خالصة القول
كان علم الفلك من أول العلوم التي لفتت أنظار العلماء المسلمين ،وجلبت اهتمامهم وعنايتهم .بها .ولم يكن
االهتمام بعلم الفلك مقصورة على العلماء المختصين وحدهم ،بل إن الكثيرين من خلفاء المشرق واألندلس في
المغرب وبعض السالطين السالجقة والحانات المنحدرين من ساللة «جنكيز خان » أصبحوا شديدي .الشغف
والتعلق بهذا العلم.
10
الجغرافيا هي علم بدأ قبل ظهور اإلسالم ،ولكن كان من أهم نتائج العرب األوائل ومعارفهم .الفلكية وكانت
تلك اإلسهامات هي أهم أسباب تقدم علم الجغرافيا ،فالعرب الذين أكتشفوا علم الجغرافيا في البداية من
اليونانيين خاصة إسهامات بطليموس في علم الجغرافيا ،وما أن تعلموا حتى تفوقوا .على أساتذتهم في هذا العلم
كعادتهم دائما ً
شارك العلماء المسلمون في استكشافات ومالحة مكثفة خالل القرنين التاسع والثاني .عشر ،بما في ذلك
الرحالت عبر العالم اإلسالمي ،باإلضافة إلى مناطق .مثل الصين وجنوب شرق .آسيا وجنوب إفريقيا ،وقد
شارك أيضا العديد من العلماء في الجغرافيا البشرية.
وساهم العديد من العلماء المسلمين في تطوير .الجغرافيا ورسم الخرائط ،ومن أبرزهم الخوارزمي وأبي زيد
البلخي (مؤسس مدرسة بلخي) والمسعودي وأبو ريحان بيروني .ومحمد اإلدريسي..
وهو من افضل علماء الجغرافيا في التاريخ االسالمي ،حيث طور .الحقًا أفكارًا يُنظر إليها على أنها توقع.
لنظام اإلحداثيات القطبية .حوالي عام ، 1025وصف .إسقاطًا قطبيًا متساوي .السمتي لمسافة متساوية للكرة
السماوية .
وفي أوائل القرن العاشر ، .أسس أبو زيد البلخي “ ،مدرسة بلخي” لرسم الخرائط األرضية في بغداد.
وأنتجت “مدرسة بلخي” ،التي ضمت جغرافيين مثل استاخري .والمقدسي وابن حوقل ،أطالس عالمية ،
تحتوي كل واحدة منها على خريطة للعالم وعشرين خريطة إقليمية .
الزالت إلى األن مؤلفات المسلمين في علم الجغرافيا تحتل الصدارة حتى األن ،ألن المعلومات الموجودة في
كتب التراث تزيد وتتضاعف .خاصة في الجغرافيا .التاريخية واثبتت صحتها.
تعد إثبات كروية األرض من أبرز اإلسهامات وأولها ،حيث كان اإلغريق في بداية األمر يعتقدون أن األرض
ما هي إال قرص مسطح على شكل دائري وتحيط .به مياه المحيطات من كافة الجوانب ،ثم جاءت الحضارة
اإلسالمية وعملت على إحياء تلك النظرية التي تشير إلى كروية األرض.
تعد ظهور .الخرائط اإلسالمية من أبرز إسهامات العلماء المسلمون وأهم تلك الخرائط خريطة اإلدريسي،
وتعد تلك الخرائط هي أعظم ما أنتجه علم رسم الخرائط .طوال فترة العصور .الوسطى ،فلم تُرسم قبلها أي
خرائط أدق منها وذات تفاصيل أوسع وأكثر .شموالً.
ويُعد المسلمون أول من وضع رسومات خطوط .الطول ودوائر العرض على خريطة الكرة األرضية ،وقد
وضعها العالم أبو علي المراكشي سنة 1262ميالدًيًّّ.ا و 660هجرًيًّّ.ا ،وذلك لكي يستدل المسلمون على
الساعات المتساوية في بقاع األرض للصالة.
حيث ذكر فاسكو دي جاما في كتبه ومذكراته أن المالحين العرب الذين قابلهم خالل رحلته كانوا يحملون
معهم بوصالت متطورة حتى يوجهون بها السفن باإلضافة إلى خرائط بحرية آالت رصد ،وأنه استعان بهم
إلتمام رحالته وأرسل بعض خرائطهم إلى الملك مانويل وذكر أن هناك مالحًا مسل ًما هو من قام بقيادة سفينته
من مالندي وصوالً إلى كالكوتا في الهند.
يعد من أهم األسباب التي أدت إلى شهرة علماء العرب المسلمين اكتشافهم .لكل من األمريكتين وقارة أستراليا
كما اكتشفوا القارة السادسة والمعروفة لدينا األن بـ قارة القطب الجنوبي ،على عكس ما أنجزه أو اكتشفه
علماء الغرب والذي ينسب إلهم فقط كريستوفر كولومبوس واكتشافه في سنة .1492
خالصة القول
وأخيراً ّ
فإن الجغرافيا .اإلسالمية التي بدأت بالرحالت وانتهت بالخرائط قد خرجت من مجرد الوصف .إلى
12
التحليل ومن التحليل إلى التركيب فتوجت الجغرافيا .اإلسالمية ،مثل الجغرافيا .اإلغريقية من قبل والجغرافيا.
الحديثة من بعد ،بالنظريات .التي تربط عنصري الجغرافيا ، .البيئة والمجتمع .وزادت على ذلك بأنها ربطت
الزمان بالمكان ،والتاريخ بالجغرافيا .
شأن كل العلوم التي تتق َّدم وتتط َّور مع تعاقب األمم والحضارات ،قامت العلوم الطبيعيَّة عند المسلمين في
بدئها على مؤلَّفات اليونان ،تلك التي استند فيها اليونانيُّون إلى الفلسفة المجرَّدة في محاوالتهم فَهْم الطبيعة،
ودون أن يكون للتجربة دور ي ُْذ َكر في تلك المحاوالت ،غير أن العلماء المسلمين ما لبثوا أن ط َّوروا هذا
األساس ،وخاضوا .غمار علم الفيزياء ببراعة وذكاء منقط َعي النظير ،حتى لكأنهم أنشئوا عل ًما جديدًا ،وذلك
حين جعلوا علم الفيزياء ِعل ًما يستند إلى التجربة واالستقراء ،عوضًا عن االعتماد على الفلسفة أو التأ ُّمالت
واألفكار .المجرَّدة.
فقد اتَّكأ المسلمون في البدء على كتب السابقين ،مثل كتاب (الطبيعة) ألرسطوطاليس الذي تحدث فيه عن علم
الحركة ،وكذلك مؤلفات أرشميدس .التي تحوي معلومات عن األجسام الطافية في الماء والوزن النوعي لبعض
الموادِّ ،ومصنفات أكتسبيوس .التي تتض َّمن نتائج علميَّة عن المض َّخة الرافعة والساعات المائيَّة.
بحث العلماء المسلمون في علم الصوت وفي منشئه وكيفيَّة انتقاله ،فكانوا أول من عرف أن األصوات تنشأ
عن حركة األجسام المح ِدثة لها ،وانتقالها في الهواء على هيئة موجات تنتشر على شكل كروي ،وهم أول من
قسَّم األصوات إلى أنواع ،وعلَّلوا سبب اختالفها عن الحيوانات باختالف طول أعناقها ،وسعة حالقيمها.
وتركيب حناجرها.
صصة في كيفية حساب الوزن النوعي لها؛ إذ ابتدعوا أما علم السوائل فقد ألَّف العلماء المسلمون فصوالً .متخ ِّ
طرقًا عديدة الستخراجه ،وتوصَّلوا .إلى معرفة كثافة بعض العناصر .،وكان حسابهم دقيقًا ومطابقًا -أحيانًا -لما
هو عليه اآلن ،أو مختلفًا عنه بفار ٍ
ق يسير.
13
قوانين الحركة
وإذا ما عددنا قوانين الحركة من بحوث علم الفيزياء ،فإن لعلماء المسلمين الفضل في اكتشاف هذه القوانين؛
إذ تكمن أهمية قوانين الحركة في أنها تُ َع ُّد صُلب الحضارة المعاصرة ،حيث إن كل علوم اآلالت المتح ِّركة في
العصر الحاضر ،ابتدا ًء من السيارة والقطار .والطائرة إلى صواريخ الفضاء والصواريخ العابرة للقارَّات
وغيرها ،إنما تقوم وترتكز عليها ،وبقوانين الحركة غزا اإلنسان الفضاء الخارجي ،واستطاع أن يهبط على
سطح القمر .وقوانين الحركة تُ َع ُّد كذلك أساس جميع العلوم الفيزيائية التي تقوم على الحركة؛ فالبصريات .هي
حركة الضوء ،والصوت .هو حركة الموجات الضوئية ،والكهرباء هي حركة اإللكترونات ...إلخ.
المشهور عند عموم الناس في الشرق والغرب أن مكتشف هذه القوانين هو العالم اإلنجليزي .إسحاق نيوتن،
وذلك منذ أن نشرها في كتابه المس َّمى (األصول الرياضية للفلسفة الطبيعية).
وقد ظلَّت هذه هي الحقيقة المعروفة في العالم كله ،بل وفي جميع المراجع العلمية -ومنها بالطبع مدارس
المسلمين -حتى مطلع القرن العشرين ،وذلك حين تص َّدى للبحث جماعة من علماء الطبيعة المسلمين
المعاصرين ،وكان في مقدمتهم الدكتور مصطفى .نظيف أستاذ الفيزياء ،والدكتور .جالل شوقي .أستاذ الهندسة
الميكانيكية ،والدكتور علي عبد هللا الدفاع أستاذ الرياضيات . .فتوفَّروا على دراسة ما جاء في المخطوطات.
اإلسالميَّة في هذا المجال ،فاكتشفوا .أن الفضل الحقيقي في اكتشاف هذه القوانين إنما يرجع إلى علماء
المسلمين ،وأن ما كان دور نيوتن وفضله فيها إال تجميع ما َّدة هذه القوانين وصياغتها ،وتحديده لها في قالب
رياضي!
أبو الريحان البيروني ،أبو الفتح الخازني ،ابن الهيثم ،اإلمام فخرالدينن الرازي ،بنو موسى بن شاكر ،أبو
يوسف الكندي وغيرهم
من علماء المسلمين الذين اشتهروا بالفيزياء أبو الريحان البيروني .،وهو الذي "عيَّن الكثافة النوعيَّة لثمانية
عشر نوعًا من أنواع الحجارة الكريمة ،ووضع القاعدة التي تنصُّ على أن الكثافة النوعيَّة للجسم تتناسب مع
حجم الماء الذي يزيحه ...وشرح أسباب خروج الماء من العيون الطبيعيَّة ،واآلبار االرتوازية بنظرية األواني
المستط َرقة"
قد أبدع الخازني في حقل الفيزياء أيَّما إبداع ،وخاصَّة موضو َعي .الحركي (الديناميكا) وعلم السوائل الساكنة
(الهيدروستاتيكا) ،لدرجة أدهشت الباحثين الذين أتوا بعده ،وال تزال نظرياته تدرَّس في حقل الحركيَّة في
المدارس والجامعات إلى يومنا هذا.
14
خالصة القول:
اشتهر العديد من العلماء العرب والمسلمين في علم الفيزياء ،وقاموا .بإنجازات عظيمة ،وال تزال باقية،
ويعدون من أهم العلماء الذين اكتشفوا وأنجزوا .في هذا العلم ،ومن أبرزهم .:أبو يوسف .الكندي ،أبو بكر
الرازي ،ابن سينا ،ابن الهيثم ،أبناء موسى .بن شاكر ،الخازني ،البيروني .،وغيرهم ،ويصعب حصرهم ،وقد.
أسهم هؤالء جميعًا في تطور علم الفيزياء بفروعه المختلفة بنسب متفاوتة ،ولم يكن هناك من يفوقهم في أي
أمة عاصرتهم..
جاء ظهور اإلسالم رحمةً باإلنسانيَّة ،ذلك الدين الذي دفع أتباعه إلى السبق والريادة؛ م..ا جع..ل األمم المنص.فة
.ور الكام..ل المش..تمل على جمي..ع ن..واحي .الحي..اة ،وق.د .حضَّ وتطورهم الحضاري ،التطُّ . ُّ تشهد بفضلهم وسبقهم
َّ
القرآن الكريم المسلمين على التفكر والتدبُّر .،وعدم التقيُّد بما جاء به األ َّولون إال إذا ظهر فيه الخير بعد التفكير
يل لَهُ ُم اتَّبِعُوا َما أَ ْنَ .ز َل والتمحيص؛ فقال تعالى في معرض ذ ِّمه للكفَّار الذين يكتفون بالتقليد دون تفكيرَ :
{وإِ َذا قِ َ
هللاُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِ ُع َما أَ ْلفَ ْينَا َعلَ ْي ِه آبَا َءنَا أَ َولَوْ َكانَ آبَا ُؤهُ ْم الَ يَ ْعقِلُونَ َش ْيئًا َوالَ يَ ْهتَ ُدونَ }.
يحث على إعادة النظر في كل األمور َو ْفق .المنط..ق الس..ليم ،والتفك..ير المؤيَّد بأدلَّة -ه..و ُّ وإن هذا المنهج -الذي
َ
الذي دفع رسول هللا rمثال إلى قبُ..ول فك..رة حف..ر الخن..دق في موقع..ة األحْ .زَ اب ،م..ع كونه..ا جدي..دة تما ًم..ا على َ ً
المجتمع العربي ،ومن ثَ َّم فلم يتقيَّد رسول هللا rبالقوالب العسكريَّة الجامدة التي ألِفَها العرب لع َّدة قرون.
...ونت فيوق...د .ورث العلم...اء المس...لمون ه...ذا المنهج ،و ِمن ثَ َّم لم يتقيَّدوا ب...األُطُر .العلميَّة الس...ابقة ،وال...تي ُك ِّ
يكت.ف بإض..افة ابتك.ارات في مج..االت العل..وم ِ الحضارات التي سبقت اإلسالم ،وه..ذا أ َّدى إلى فك..ر إب.داعي لم
المختلفة ،بل وصل إلى ابتكار علوم جديدة من األساس ،ومن ذلك علم الكيمياء.
جهود علماء المسلمين في الكيمياء
ا .خالد بن يزيد
بَ ْدء ظهور علم الكيمياء يمثله ظهور خالد بن يزي.د ال..ذي تتلم..ذ لل.راهب ال..رومي مري..انوس وتعلَّم من.ه ص..نعة
الطبِّ والكيمياء ،والذي انتقلت معه الكيمياء من ط..ور الب..دايات المترجم..ة عن اليونانيَّة إلى ط..ور اإلنج..ازات
العينيَّة واالكتشافات الواض..حة ،وق.د .ك..ان ل..ه فيه..ا ثالث رس..ائل؛ هي( :الس..ر الب..ديع في ف..ك الرم..ز الم..نيع)،
و(فردوس .الحكمة في علم الكيمي..اء) ،و(مقالت..ا مري..انوس ال..راهب) ،ذك..ر في..ه م..ا ك..ان بين..ه وبين مري..انوس.،
وكيف تعلَّم منه الرموز التي أشار إليها.
ب .جابر بن حيان
يعد جابر مؤسِّس العلم بال جدال وأش..هر .علم..اء المس..لمين في..ه ،وق..د أل..ف كتبً..ا كث..يرة تُ..رجم .الكث..ير منه..ا إلى
الالتينيَّة ،وظلَّت المرجع األوفى .للكيمياء ُزهاء ألف عام ،وقد اشتملت على كثير من المر َّكبات الكيميائية ال..تي
لم تكن معروفة من قبل ،وهو األمر الذي جعل مؤلَّفاته موضع دراسة مشاهير علم..اء الغ..رب ،أمث..ال :ك..وب،
15
وبرثولية ،وكراوس ،وهولمي..ارد .ال.ذي أنص.فه ووض..عه في الق َّمة ،وبَّ .دد .الش.كوك ال..تي أثاره..ا حول.ه العلم..اء
لحقبة من الزمن في تاريخ الحضارة اإلسالميَّة. المغرضون ،وكذا سارتون الذي أرَّخ به ِ
ج.الرازي
أما الرازي فقد تتلمذ على كتب جابر فساهم هو اآلخر بصورة عظيمة في تأسيس علم الكيمياء ،وقد د َّون ذل..ك
في مقدِّمة كتابه (سر األسرار) فقال" :وش.رحنا في ه.ذا الكت.اب م.ا س.طرته الق.دماء من الفالس.فة مث.ل :أغاث.ا
.ر
ديموس ،وهرمس ،وأرسطوطاليس ،وخالد بن يزيد بن معاوية ،وأستاذنا .جابر بن حيان ،بل وفيه أبواب لم يَُ .
مثله..ا ،وكت..ابي .ه..ذا مش..تمل على معرف..ة مع..ادن ثالث..ة :معرف..ة العق..اقير ،ومعرف..ة اآلالت ،ومعرف..ة الت..دابير.
(التجارب)"
ِ
خالصة القول
لعب المجتمع اإلسالمي .دور المؤسس والحاضن لعلم الكيمياء ،وك..ان لعلم..اء أمث..ال ج.ابر بن حي..ان وال.رازي.
دور أساس .ي .في االكتش..افات الكيميائي..ة ال..تي أسس..ت للحض..ارة المعاص..رة ،إن اكتش..اف وتس..مية أحم..اض
الهيدروكلوريك ،الكبريتيك ،النيتريك ،الخليك ،الص.ودا ،والبوت.اس .كله.ا ك.انت على أي.دي العلم.اء المس.لمين.
ومن أعظم اكتش..افات .علم..اء الكيمي..اء المس..لمين ،الم..اء الملكي..ة وه..و خلي..ط من ح..امض النيتري..ك وح..امض
الهيدروكلوريك .حيث يتميّز بقدرة عالية على إذابة معظم العناص.ر .ومن بينه..ا ال..ذهب .و ق..د ب..رزوا .أيض.ا ً في
صناعة الحديد وفي دباغة الجلود .وفوق ذلك تركوا إرث.ا ً ه..ائالً من المؤلف.ات التفص.يلية الوافي.ة ال.تي تن.اولت
صناعات عديدة ،منها صناعة السكر والزجاج والسيراميك والصابون .والعطور .والصلب واألحج..ار .الكريم..ة
والطالء.
16
العلوم المتداولة نعني بها العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،فكانت هناك علوم كثيرة متداولة قبل الحضارة
اإلسالمية ،عرفتها الشعوب المفتوحة وغيرها ،وقد كان للحضارات السابقة فيها آثار طيبة ،انتفع بها
المسلمون ،واقتبسوا منها ما يتناسب وعقيدتهم وثقافتهم ،ثم كانت لهم اإلضافات الباهرة التي تركت
بصمتهم على هذه العلوم وإلى اليوم ،ولع َّل أبرز هذه العلوم علم الفلسفة.
تعريف الفلسفة:
كلمة الفلسفة كلمة يونانية األصل ،وهي تتكون من مقطعين يونانيين هما )philien( :ومعناه( :يحب) .و(
يحب
ُّ )sophiaومعناه( :الحكمة) ،وعلى هذا يكون الفيلسوف ( )philosopherهو :الشخص الذي
(محب الحكمة)
ُّ الحكمة ،أو هو:
وقد تجلت إسهامات علماء المسلمين الواضحة في علم الفلسفة وتطويرها في تفنيد ما في كتب ومؤلَّفات
اليونان من معلومات ،وتصحيح ما فيها من أخطاء ،والربط بين ما جاء في أطرافها من معارف متناثرة
صل إليها علماء وشذرات متباعدة ،وإضافة شروح وافية لها ،ثم إضافة الجديد من المعلومات التي ت ََو َّ
المسلمين ولم يعرفها غيرهم من السابقين ،فكان أن تَ َع َّددَتْ جوانب التفكير الفلسفي في اإلسالم ،وكان من
أهمها :علم الكالم ،والتصوف ،والفلسفة اإلسالمية الخالصة ،وهذه نُبذة مختصرة من كل منها.
17
-1علم الكالم
يع ُّد هذا العلم باكورة من بواكير العقلية اإلسالمية ،وهو كما يعرفه ابن خلدون" :علم يتضمن الحجاج عن
العقائد اإليمانية باألدلة العقلية ،والر ّد على المبتدعة المنحرفين"
ص ا للمسلمين؛ على األقل في نشأته ،فقد نشأ من أجل الدفاع عن العقائد الدينية وهذا العلم يعتبر خال ً
وتفسيرها أو تأويلها تأويالً عقلًيّ|ًّا عندما ظهر الضالل والزندقة ،ومن خالل هذا العلم ظهرت المذاهب
الفلسفية الكبرى ،وظهر عمل المسلمين الباهر في تفسير الكون واكتشاف القوانين الطبيعية ،وتوصلهم إلى
مفهوم للوجود والحركة والعلة ،يخالف مفهوم| اليونان ويسبقون به مفكري أوربا المحدثين وفالسفتهم،
-2التصوف
يعتبر التصوف ميدانًا من ميادين التفكير الفلسفي اإلسالمي؛ ألنه وإن كان في جوهره تجربة روحية يعانيها
الصوفي ،فإن الفكر يمتزج بالواقع ،والعلم يمتزج بالعمل في هذه التجربة ،وهو بذلك ليس فلسفة خالصة
تهتم بالبحث العقلي النظري في طبيعة الوجود بقصد الوصول إلى نظرية ميتافيزيقية متكاملة وخالية من
التناقض ،ولكنه فلسفة خاصة في الحياة تمتزج فيها العاطفة بالفكر ،والعقل بالقلب ،تهدف إلى إدراك
الوجود الحق .ومن هنا كان في التصوف آراء ومذاهب ونظريات تعتبر ثمرة لتكامل الطاقات اإلنسانية
الثالث :العقل والوجدان والسلوك.
-3الفلسفة الخالصة
وهي فلسفة الذين أعجبوا بالفلسفة اليونانية وعكفوا على دراستها وشرحها وتحليلها وألفوا على نمطها،
من أمثال :الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن باجة وابن طفيل ..هذه الثُلَّة من الفالسفة المسلمين
الذين كانوا منارة استضاءت بها الدنيا والحضارة الغربية.
أ -الكندي
ق عن جدارة ومقدرة لقب( :فيلسوف س الفلسفة العربية اإلسالمية ،وقد استح َّ س َ
يعدُّه الكثيرون مؤ ِّ
العرب)؛ حيث َخلَفَ مؤلَّفا ٍ
ت تربو على المائتين في مختَلَ ِ
ف العلوم ،كان من أهمها في الفلسفة كتابه القيِّم:
(الفلسفة األولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد).
ب -الفارابي
وهومن أكبر فالسفة المسلمين ،ويُ ْع َرف بالمعلِّم الثاني لدراسته كتب أرسطو- المعلم األول -وشرحه لها،
ت الفلسفة األرسطوطاليسية إلى أقصى ما وصلت إليه من ازدهار. صل َ ِ
وعلى يده َو َ
ومن أشهر كتب الفارابي وأهمها كتابه( :آراء أهل المدين ِة الفاضلة
18
وهو اشتهر بالشيخ الرئيس ،و ُع ِرفَ بالمعلم الثالث بعد أرسطو والفارابي ،ولم تَقِ ّل شهرته كطبيب عن
شهرته كفيلسوف ،وقد َعدَّه سارتون من أعظم علماء اإلسالم ،ومن أشهر مشاهير العلماء العالميين.
اح فلسفة أرسطو ،حتى إنه ُع ِرفَ وهو يُ َع ُّد من أعظم فالسفة المسلمين في األندلس ،ويُ ْعتَبَ ُر من أعظم ُ
ش َّر ِ
باسم (الشارح) ،فهو الذي َميَّز بين تعاليم أرسطو وأفالطون ،كما تَ َميَّزَ بالتمحيص الكبير ،حتى إنه لم
ض كثي ًرا من آراء أرسطو التي ال تَتَّفِ ُ
ق مع الدين. يرت ِ
ومن تآليفه المه َّمة( :فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من االتصال) ،و(مناهج األدلة في عقائد
الملة).
خالصة القول
وإجماالً فإن الفلسفة اإلسالمية تعتبر اطّرادًا واستمرا ًرا للفكر اإلنساني ،بل وتقد ًما له في بعض النواحي؛
حيث أخذت ما أخذت عن الفلسفات القديمة ،ثم ساهمت في تنقيحها وإضافة الجديد إليها ،ومهدت لما بعدها
َّ
وغذت رجالها في العصر من فلسفات أخرى ،فدفعت الفلسفة المسيحية دفعة قوية ،وبعثت النهضة األوربية
الحديث.