You are on page 1of 230

‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

Çağdaş Düşünce Akımları


Türkçe Basım Editörü ‫حترير النسخة الرتكية‬
(Prof.Dr. Ahmet Turan ARSLAN) ‫ أمحد طوران أرسالن‬.‫د‬.‫أ‬
Yazarlar ‫تأليف‬

1, 2, 3, 4, 5, 6 ‫ حممد علي بويوك قره‬.‫د‬.‫أ‬


7, 8, 9, 10 ‫الوحدة‬ (Prof.Dr. Mehmet Ali BÜYÜKKARA)

Arapça Çeviri Editörü ‫حترير الرتمجة العربية‬


(Prof.Dr. Ahmet Turan ARSLAN) ‫ أمحد طوران أرسالن‬.‫د‬.‫أ‬
Çeviri ‫الرتمجة‬
‫حممد فاتح أرغن‬
1 ‫الوحدة‬ (Muhammed Fatih ERGEN)
(Arş.Gör. Abdurrahman
‫املعيد عبد الرمحن خمجي أوغلو‬
2 ‫الوحدة‬ MIHÇIOĞLU)

3 ‫الوحدة‬ (Osman KURAN) ‫عثمان قرآن‬


‫احملاضر حممد جباوي‬
4 ‫الوحدة‬ (Öğr.Gör. Muhammed CİBAVİ)
‫طوناخان صاغالم‬
5 ‫الوحدة‬ (Tunahan SAĞLAM)

6 ‫الوحدة‬ (Dr. Hasna Mohammed H K ALWALİ) ‫ حممد الوايل‬.‫د‬


‫يونس حيىي‬
7 ‫الوحدة‬ (Younis YAHYA)

8 ‫الوحدة‬ (Mustafa ALMULLA) ‫مصطفى املال‬


‫ حممد الوايل‬.‫د‬
9, 10 ‫الوحدة‬ (Dr. Hasna Mohammed H K ALWALİ)
Program Akademik Koordinatörleri
Prof.Dr. Ali Erbaş T.C.
Prof.Dr. İbrahim Hatiboğlu ANADOLU
ÜNİVERSİTESİ
Program Akademik Koordinatör Yardımcısı YAYINI NO: 3815
Prof.Dr. Ahmet Turan Arslan
AÇIKÖĞRETİM
Genel Koordinatör FAKÜLTESİ
Doç.Dr. Murat Akyıldız YAYINI NO: 2625

Grafik Tasarım Koordinatörü


ve Öğretim Tasarım
ÇAĞDAŞ DÜŞÜNCE AKIMLARI
Doç.Dr. Halit Turgay Ünalan
E-ISBN: 978-975-06-2917-4
Kitap Basım ve Dağıtım Koordinatörü
Bu
Dr.Öğr.Üyesi Murat Doğan Şahin
kitabın
basım, yayım
Kapak Düzeni
Doç.Dr. Halit Turgay Ünalan ve satış hakları
Anadolu Üniversitesine
Dizgi ve Yayıma Hazırlama aittir.
Mehmet Emin Yüksel
Gizem Dalmış “Uzaktan Öğretim” tekniğine uygun olarak
Süreyya Çelik hazırlanan bu kitabın bütün hakları saklıdır.
Gözde Soysever İlgili kuruluştan izin almadan kitabın tümü ya da bölümleri
Gülşah Sokum mekanik, elektronik, fotokopi, manyetik kayıt veya başka
Nihal Sürücü şekillerde çoğaltılamaz, basılamaz ve dağıtılamaz.
Arzu Ercanlar
Burcu Vurucu
Copyright © 2018 by Anadolu University
Yasin Narin
All rights reserved
No part of this book may be reproduced or stored in a retrieval system,
or transmitted in any form or by any means mechanical, electronic,
photocopy, magnetic tape or otherwise, without permission
in writing from the University.

Bu kitabın tüm hakları Anadolu Üniversitesi’ne aittir.

ESKİŞEHİR, Kasım 2018

3302-0-0-0-1809-V01
‫احملتويات‬

‫‪2‬‬ ‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل األساسية‬ ‫الوحدة األوىل‬

‫‪1‬‬ ‫التقليدية‬
‫‪20‬‬ ‫الوحدة الثانية‬
‫السلفية التقليدية‬

‫‪52‬‬ ‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬ ‫الوحدة الثالثة‬

‫‪76‬‬ ‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬ ‫الوحدة الرابعة‬

‫‪96‬‬ ‫اإلصالحية الثقافية‬ ‫الوحدة اخلامسة‬

‫‪118‬‬ ‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬ ‫الوحدة السادسة‬

‫‪142‬‬ ‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬ ‫الوحدة السابعة‬

‫‪162‬‬ ‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬ ‫الوحدة الثامنة‬

‫‪184‬‬ ‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة والتقليد‬ ‫الوحدة التاسعة‬

‫الطابع النفسي واالجتماعي‬


‫‪202‬‬ ‫الوحدة العاشرة‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫‪iii‬‬
‫متهيد‬

‫إن املذاهب الكبرية يف التاريخ اإلسالمي اليت ما زال بعضها مستمراً حىت اآلن كاخلوارج والشيعة واملعتزلة‪ ،‬ما هي إال‬
‫مطورة للحركات الدينية والفكرية والسياسية املتنوعة اليت برزت خالل القرن اإلسالمي األول‪ .‬إن قسماً من‬ ‫أشكال َ‬
‫تلك احلركات املتنوعة اليت ظهرت يف تلك الفرتة هبدف اإلحياء واإلصالح كربت وتطورت يف القرون الالحقة مكونةً‬
‫اضمحل وانعدم وبقي أثراً من التاريخ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫املذاهب واألفكار املختلفة‪ ،‬أما القسم اآلخر منها فقد‬
‫إن تلك النشوءات والتطورات واالنعدامات االجتماعية ليست حوادث منحصرًة بالقرون األوىل‪ .‬بل على العكس‬
‫من ذلك إمنا هي ظواهر متكررة يف التاريخ باستمرار‪ .‬إمنا يتحقق فهم املذاهب واجلماعات واحلركات والتيارات‬
‫احلديثة بدراستها بشكل أكادميي أوالً وقبل كل شيء من خالل التعقب بشكل علمي لتطور الفكر اإلسالمي‬
‫من املاضي إىل اليوم‪ .‬حيث أننا يف ضوء جتارب املاضي ال ميكننا جتاهل أن مجاعات اليوم حتمل يف طياهتا بذور‬
‫املذهبية بشكل دائم‪.‬‬
‫إن اجلهود العلمية املوجهة لفهم هذه التجارب والظواهر ال تتم دون االستعانة برؤية وفهم احلقائق االجتماعية‬
‫والسياسية والدينية واملذهبية للمسلمني يف يومنا احلاضر‪ .‬كما أنه إىل جانب أهداف املعرفة والتعارف‪ ،‬يهدف علماء‬
‫املسلمني واملسلمني هذه األيام إىل ختطي األحكام املسبقة املتبادلة‪ ،‬واعتماد األولوية استناداً إىل أرضية علمية متينة‬
‫يف مشاريع الوحدة واالجتماع وحل النزاعات واخلالفات‪ ،‬وإنارة الطريق للحاضر واملستقبل من خالل بيان مواطن‬
‫القوة‪ ،‬وجوانب الضعف واالختالف‪.‬‬
‫وقد ُج ِّهزت مفردات درس التيارات اإلسالمية احلديثة بالنظر لتلك األهداف‪ .‬ونسأل اهلل اخلري والربكة والتوفيق‪.‬‬

‫احملرر‬
‫حممد علي بيوك كارا‬

‫‪iv‬‬
‫الوحدة األوىل‬
‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل األساسية‬

‫األهداف‬
‫بعد االنتهاء من هذه الوحدة ينبغي على الطالب أن‪:‬‬
‫قادرا على إجراء تقييمات حول املناقشات اليومية املتكررة حبيث يقف على مفاهيم التجديد‬ ‫ يكون ً‬
‫واإلحياء واإلصالح واإلسالموية‪.‬‬
‫قادرا على شرح شروط وظروف احلركة اإلسالموية‪.‬‬ ‫ يكون ً‬
‫قادرا على التمييز واملقارنة بني املظاهر املختلفة يف بداية احلركة اإلسالموية‬
‫ يكون ً‬
‫قادرا على التفكري يف الشخصيات اليت تعترب من أول ممثلي اإلسالموية وأفكارها‪.‬‬ ‫ يكون ً‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫اإلسالموية‬ ‫ ‬
‫إحياء‬ ‫ ‬
‫إصالح‬ ‫ ‬
‫جتديد‬ ‫ ‬
‫االحتاد اإلسالمي‬ ‫ ‬

‫‪2‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املدخل‬
‫بعد أن عاش العامل اإلسالمي يف العصور اجمليدة أخذ يرتاجع رويدا رويدا‪ ،‬ويبدأ تراجع األمة االسالمية بالنصف‬
‫الثاين من القرن الثامن عشر عموما‪ .‬ودخل بعض العلماء واملفكرين يف األنشطة السياسية والفكرية من أجل إعادة‬
‫قوى األمة االسالمية حبكومتها ومؤسساهتا اليت بدأت تضعف يف السياسة الدولية واالقتصاد والتعليم والعلوم مقارنة‬
‫بالعامل الغريب إىل فرتاهتا اجمليدة أو على األقل من أجل توقف االجتاه السليب املستمر‪ .‬فأطلقوا على هذا اجلهد الذي‬
‫سيوصل إىل اهلدف اسم اإلحياء والتجديد والتصحيح‪ .‬يشري اإلحياء إىل القيامة والتجديد إىل التجدد واإلصالح‬
‫إىل التصحيح و التصليح‪ .‬حيث سعى هؤالء األفراد الذين أرادوا حتقيق هذا اهلدف أوالً إىل حتديد املشاكل أمام‬
‫املسلمني‪ ،‬مث حل هذه املشكالت ومعاجلة األمراض االجتماعية والسياسية والدينية‪ .‬وقد ظهرت بعض األنشطة‬
‫الشخصية مث حتولت إىل تنظيم حركات كانت فعالة للغاية يف فكر وسياسة العامل اإلسالمي يف القرنني املاضيني‪.‬‬
‫وال تظهر هذه اهلياكل التنظيمية اليت تسعى لنفس الغرض ميزات مماثلة يف أصوهلا و طريقتها اليت تتبعها‪ .‬فقد متسك‬
‫البعض بالرتاث التقليدي للمسلمني وظلوا بعيدين عن التجديد‪ .‬والبعض اآلخر انطلق للتجديد واحلداثة بشدة‬
‫أو حىت رفض الرتاث التقليدي وشرع يف اإلصالحية احلداثية‪ .‬وقد طورت بعض احلركات خطا وسطاً بني هذين‬
‫النمطني‪ .‬وقد كان ينظر إىل العمل بشكل براغمايت من أجل اإلصالح االجتماعي‪-‬السياسي على املدى القصري‬
‫واملتوسط على أنه طريقة أكثر فائدة وإمكانيات لبعض التحركات بدال من مواجهة العواقب املشددة للبقاء عالقني‬
‫يف التقاليد أو التحمل خبطر اإلصالح‪ .‬قبل االنتقال إىل احلركات االسالمية احلالية‪ ،‬ويكون من املفيد فهم كيفية‬
‫ظهور هذه واحلركات واجملتمعات املرتبطة هبا يف جو اجتماعي وسياسي يف عملية تارخيية تعود إىل القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬والتواصل إىل حمتويات املفاهيم األساسية حول موضوعنا‪.‬‬

‫حركات اإلحياء يف العامل اإلسالمي‬


‫الغاية املشرتكة للشخصيات واحلركات اليت توصف باإلحياء هي إرجاع األمة االسالمية اليت يعتقدون أهنا ضلت‬
‫عن القرآن والسنة إىل هذه املصادر األصيلة‪ ،‬وتطهري األفكار واالعتقادات من البدع واخلرافات‪ .‬وأيضا كان اهلدف‬
‫من هذه الغاية التجديد واملرونة‪ .‬لذلك باإلضافة إىل اإلحياء‪ ،‬مت استخدام مصطلح ”التجديد”‪ .‬وأيضا يهدف هذا‬
‫اجلهد إىل اإلصالح و إصالح األجزاء الفاسدة وإزالة النواقص‪ .‬واستخدم مصطلح اإلصالح إلفادة هذه املعاين‪.‬‬
‫ومن املمكن تعريف هذه احلركة املعروفة باسم اإلحياء‪،‬والتجديد‪ ،‬واإلصالح‪ ،‬أو تسمى أكثر شيوعا اإلسالموية‪،‬‬
‫على النحو التايل‪:‬‬
‫هي احلركة اليت حتتوي على مجيع الدراسات السياسية والفكرية والعلمية والبحوث واملقرتحات واحللول ألجل إعادة‬
‫سيادة اإلسالم كليا (اإلعتقاد و العبادة واألخالق والفلسفة والسياسة واحلقوق والتعليم وغريه) على احلياة ولتحرير‬
‫املسلمني والعامل اإلسالمي من اإلستغالل الغريب واحلكام الظاملة املستبدة واألسر والتقليد واخلرافات وألجل‬
‫احلضارة والتوحيد والتطور‪)Kara ,1995, s.9( .‬‬

‫‪3‬‬
‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل األساسية‬

‫وتُربز فورا غاية التقدم و التطور يف احلركات اليت قمنا بتعريفها نفسها‪ .‬و التقدم والتطور الذي يفهم بكلمة الرتقي‬
‫يفضل اإلسالمويون كلمة اإلصالح باللغة‬
‫غالباً سوف جيد معناه حبركة التجديد اليت يؤكد التجدد يف تعريفها‪ .‬وال ّ‬
‫الفرنسية بسبب الدواعي اليت قامت هبا وإن كانت استخدمت أحيانا موضع كلمة التجديد يف اللغة العربية‪ .‬حيث‬
‫إن التجديد يفيد التجديد مع الرجوع إىل أصل الدين واإلصالح يدعي تغيريا عمليا على أصل الدين نفسه كما‬
‫كان يف التاريخ يف املسيحية الغربية‪ .‬واألسوأ من ذلك أن اإلصالح له هدف خارجي قصدي للتغيري‪ .‬فمع ذلك‬
‫من املعروف أن اإلسالم هو اهليكل املناسب متاما للتجديد الداخلي بوسائل مثل اإلجتهاد‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ما رأيك يف اإلختالف الدقيق بني مفهوم اإلصالح ومفهوم التجديد اللذان مها نفس املعىن يف القاموس؟‬

‫األسباب التحضريية‬
‫لقد جددت احلضارة األوروبية الغربية نفسها كثريا حبركة النهضة واإلصالح عرب القرن ‪ .16-15‬وقد سهل‬
‫فقدان قوة الدوغماتية املسيحية يف جمال اإلجتماعية والثقافية والسياسية مع األسباب أخرى الثورة الصناعية‪.‬‬
‫وقد أخذ الغرب هبذا التطور مسافات كبرية من جانب التقنية واإلقتصادية مقارنةً بالعامل اإلسالمي‪ .‬وقد‬
‫تعرضت الدول االسالمية يف مواجهة هذا التفوق لالحتالل العسكري واإلقتصادي والثقايف للقوى اإلمربيالية‬
‫الغربية‪ .‬والوترية اليت بدأت بإحتالل نابليون على املصر يف عام ‪ 1798‬واستمرت بدخول شبه القارة اهلندية حتت‬
‫احلماية الربيطانية‪ .‬ويف عام ‪ 1882‬مت احتالل مصر من قبل الربيطانيني‪ .‬كما تعرض مشال أفريقيا الحتالل فرنسا‬
‫العديد من املزايا اإلقتصادية إىل هذه القوات من خالل إتفاقات اإلمتيازات‪.‬‬
‫َ‬ ‫وإيطاليا‪ .‬ومنحت الدولة العثمانية‬
‫وفقدت جزءا كبريا من أراضها بتأثري احلروب اليت شاركتها واحلركات القومية اليت أطلقتها الثروة الفرنسية‪ .‬هذه‬
‫اهلزائم من ناحية سببت العداء ضد اإلمربيالية الغربية‪ ،‬بينما من ناحية أخرى‪َّ ،‬قوت فكرة ”إعادة االستقرار‬
‫ممكنة من خالل تقليد الدول املنتصرة” مع ما يرافقه من ثقة يف النفس‪ .‬وأدى اإلعجاب بالغرب بني السفراء‬
‫يف أوروبا واملفكرين والطالب للشعور بالنقص فكان بني التأثري يف جزء كبري من اجملتمع‪ .‬وكانت األيديولوجيات‬
‫هز االستشراق واألنشطة التبشريية‬‫التنويرية املختلفة شائعة بني املسلمني املتعلمني ِوف مقدمتها اإلجيابية‪ .‬وقد َّ‬
‫على حنو جدي ثقة املسلمني بأنفسهم‪ .‬وقد كانت تشعرهم باحلرج أو على األقل من الشك يف أصوهلا وثقافتها‬
‫وحضاراهتا (‪.)Kara, 1995, s. 14-5‬‬
‫على الرغم من صعوبة مقاومة هذا اجلريان الضار فإن اجلماهري االسالمية اليت فقدت حريتها يف ظل احلكم‬
‫االستعماري دخلها بعض الشخصيات املعروفة باسم ”اإلسالمويني األوائل” عرب اجلهد الثقايف والسياسي بسلوك‬
‫ناشط‪ .‬وكانت أيضا جهود مماثلة يف البلدان اليت مل تفقد استقالهلا‪ .‬وأثناء حتملهم بعض املراقبات والضغوط بدأت‬
‫املناقشات حول مسائل حقوق اإلنسان والنظام الدستوري والقضايا احلداثية مثل اإلصالح الرتبوي يف الدول اليت‬
‫أكثرها حتكم باحلكومات املضطهد‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪2‬‬

‫كيف دمر االستشراق ثقة املسلمني بأنفسهم؟‬

‫املسائل األساسية‬
‫ميكننا سرد املوضوعات اليت سنتحدث عنها يف البداية وستفتح النقاش كالتايل‪:‬‬
‫ا‪ .‬العودة إىل املصادر األولية‪:‬كان اقرتاح إعادة سيادة اإلسالم على احلياة جزءا مهما يف خطاب املفكرين‬
‫اإلسالمويني‪ .‬ووفقا لرأي معظم اإلسالمويني سبب تراجع املسلمني هو االبتعاد عن جوهر اإلسالم‬
‫و أصوله‪ .‬واحلل هو االلتجاء إىل اإلسالم الصحيح أي التأسلم‪ .‬وطريقة حتقيق ذلك هي العودة إىل‬
‫عهد النيب صلى اهلل عليه وسلم أو بعبارة أخرى العودة إىل عصر السعادة واملصادر األساسية والتمسك‬
‫بالكتاب والسنة‪ .‬وكانت الوظيفة املهمة التالية هي إعادة النظر يف العادات اليت ظهرت بعد العصر‬
‫السعادة وأصبحت دينيةً يف اصطالحها‪ .‬ومتييز اخلرافات والبدع اليت تسوق املسلمني إىل الطرق اخلاطئة‬
‫تعرف حركات اإلحياء يف بعض البحوث احلديثة بالسلفية‬ ‫وتعمي الفكر اإلسالمي‪ .‬وهلذا السبب ّ‬
‫اجلديدة أو السلفية اإلصالحية حيث أن من خصائصها العودة إىل املصادر األساسية‪.‬‬

‫ِوف الواقع ال يوجد تشابه واضح وقريب بني السلفية اجلديدة والسلفية احلالية اليت تسمى‬
‫بالوهابية إال السري على طريقة أهل احلديث والقاسم املشرتك ”العودة إىل املصادر األصلية”‪.‬‬
‫تعز لتحديث‬ ‫وبينما كانت اإلحيائية واإلسالموية هي اسم املشروع السياسي العلمي اليت ّ‬
‫اجملتمع اإلسالمي واليت ترجح جوانب املثقف املتطور الناشط و احيانا يرى فيها العقالنية‬
‫والعلمية واليت هتدف إىل توحيد املسلمني فتمثل السلفية التقليدية باملبادرة احملافظة اليت تبتعد‬
‫عن احللول العقلية باختاذ مسلك النصية حول احلديث واليت تغلب فيها طبيعة اإلقصائية‪ .‬ومن‬
‫األنسب عدم إستخدام مصطلح ”السلفية” لالجتاهات اليت هتيمن فيها الطبيعة العصرية مثل‬
‫مذهب األفغاين ‪ -‬عبده حبيث أال يتسبب يف تشوش املفاهيم‪.‬‬

‫ب‪ .‬االجتهاد للرتقي ‪ :‬إن الفكرة القائلة بأن اإلسالم لديه احملتوى السياسي‪-‬االجتماعي والعاملي لتلبية‬
‫االحتياجات احلديثة كانت فكرة غالية أشار اليها اإلسالمويون‪ .‬وميكن أن يأسس مشول اإلسالم يف‬
‫عامل احلداثة على الفهم بالعقل مع أخذ املصدر من املقدس‪ .‬حيث إن اإلسالم دين معقول‪ .‬ولذا ميكن‬
‫‪5‬‬
‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل األساسية‬

‫بسهولة تكييف ابتكارات العصر‪ .‬وال مينع عن التقدم بل يأمر التقدم نفسه‪ .‬والعناصر الدينية اليت متنع عن‬
‫التقدم هي بقايا التقليد الذي يضاف إليه الحقا‪ .‬وجيب جتنب تقليد املذاهب و إنتاج األحكام اجلديدة‬
‫وإعادة فتح باب اإلجتهاد الذي أغلق يف القرون الوسطى للتخلص من الروابط احملافظة ولتقدمي املصادر‬
‫األصلية إىل خدمة النظام الديين املتطور‪.‬‬
‫ج‪ .‬االستفادة من الغرب‪ :‬جيب على املسلمني أن يفوقوا جمتمعاهتم عن طريق أخذ األساليب العلمية واملدنية‬
‫والتقنية اليت تفوق هبا الغرب‪ .‬وقد وصلت احلضارة الغربية بالفعل إىل مستواها العايل الْيـَْوَم مبا تعلموا من‬
‫املسلمني من قبل‪ .‬ال بد من األخذ بقول النيب صلى اهلل عليه وسلم (احلكمة ضالة املؤمن فحيث وجدها‬
‫فهو أحق هبا)‪ .‬ولكن جيب أن تتم هذه االستفادة بالطريقة االنتقائية‪.‬‬
‫ ألهنا إذا أخذت اإليديولوجيات األجنبية والتفامهات األخالقية يف هذه األثناء ال ينتج هذا التقليد تقدما‬
‫بل ينتج دمارا إذ إهنا ال تتفق مع القيم األساسية االسالمية‪.‬‬
‫د‪ .‬النظرة من اجلانبني إىل التصوف‪ :‬بشكل عام نظر اإلسالمويون إىل التصوف والطرق الصوفية سلبيا‬
‫حملاربة التقاليد‪ .‬وتعرب كثريا عن اإلدعاء بأن الطرق الصوفية أصبحت موطن الكسولة و خفضت اإلرادة‬
‫اهتم بعض اإلسالمويون‬ ‫البشرية ومنعت التقدم بالتفسري اخلاطئ للتقوى والتوكل والزهد‪ .‬ومع ذلك ّ‬
‫اهتماما خاصا بفكرة وحدة الوجود حيث كان هلا البعد الفلسفي و الفهم املتسامح الشامل على مجيع‬
‫األديان‪)Kutluer, 2001,s.66-7( .‬‬
‫ه‪ .‬اإلصالح يف التعليم‪ :‬التعليم‪ -‬الرتبية من املواضع املهمة اليت وقف عليها اإلسالمويون‪ .‬ووفقا هلم كان‬
‫من الضروري تغيري النظام املدرسي وإصالحه وتدريس املواد اليت تستجيب الحتياجات هذا الْيـَْوَم بدال‬
‫من املناهج العلمية اليت مضى دورها و ال فائدة عمليةً فيها‪ )Kara,1995,s.77( .‬وقد أسس سيد أمحد‬
‫خان مدرسة عليكره باهلند من أجل هذه األهداف وعمل حممد عبده إلصالح املناهج الدراسية لألزهر‬
‫و خطط سعيد النورسي إلنشاء مؤسسة للتعليم العايل شرق األناضول واليت كان يفكر أن يفتحها بإسم‬
‫مدرسة الزهرة‪.‬‬
‫و‪ .‬االحتاد اإلسالمي‪ :‬وفقا لإلسالمويني فإن الوحدة السياسية للمسلمني ‪-‬اليت مساها اإلحتاد اإلسالمي أو‬
‫مساها الفرجنة اجلامعة االسالمية ‪ -‬كانت السبيل الوحيد ملنع ختلف العامل اإلسالمي وإستالء املستعمرين‪.‬‬
‫وجعلها عبد احلميد الثاين سياسة الدولة‪ .‬وكان اهلدف األساسي من هذه السياسة هو جلب دعم‬
‫الدول االسالمية ماديا ومعنويا مستندا إىل أن سالطني الدولة العثمانية هم خلفاء األمة وبذلك أبقى‬
‫اإلمرباطورية قائمةً يف مواجهة القوات األمربيالية‪.‬‬
‫وكان النموذج املثايل جلمال الدين االفغاين للوحدة االسالمية هو األكثر مشوالً‪ .‬ووفقاً له فإن اإلحتاد اإلسالمي كان‬
‫له ثالثة أركان وهي رابطةُ الدين واحلج واخلالفة‪ .‬و يرى األفغاين أن العامل القومي عنصرا مفيدا بشرط االّ يرتك‬
‫تقوي الرابط الديين وتبعد‬ ‫الرابط الديين يف ظله وان ال يزيد التعصب القومي‪ .‬وكان جبانب القومية اإلجيابية اليت ّ‬
‫عن امليول العنصرية‪ .‬وقد أثبت أن مكة واملدينة مركزان معنويان للوحدة االسالمية‪ .‬واقرتح اجتماع املسلمني يف‬
‫هذه املراكز خالل موسم احلج ليتكلموا فيها باملسائل املشرتكة لألمة ويتجهون بينهم إىل تقسيم األعمال‪ ،.‬وأنه‬
‫قد قبِل بأن مؤسسة اخلالفة هي املرجع الوحيد هلذه الوحدة‪ .‬ولكن هذه اخلالفة تن ّفذ باشرتاك األمة و على أساس‬
‫الشورى وترتك مطلقية احلكم وينتقل إىل املشروعية‪.)Karaman, 1994, s. 462-3( .‬‬

‫‪6‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ز ‪ .‬اإلدارة القائمة على الشورى ‪ :‬قال اإلسالمويون الذين يدعون أن القرآن والسنة مل يثبت فيهما شكال‬
‫إداريا معينا بل اكتفيا بتحديد املبادئ العامة وادعوا أن مؤسسة اخلالفة ليست وكالة للنبوة كما قال الفهم‬
‫التقليدي بل أهنا وكالة للشعب‪ .‬وكانت هتدف هذه الفكرة اجلديدة إىل تعزيز املؤسسات اجلديدة مثل‬
‫الدستور (القانون األساسي) و جملس النواب مع التأكيد على السيادة الشعبية‪ .‬وعملوا لتطوير اإليديولوجية‬
‫االسالمية السياسة من خالل تأسيس التقارب بني املفاهيم االسالمية مثل الشورى و البيعة وبني املفاهيم‬
‫الغربية مثل الدميقراطية والربملان واإلنتخابات احلرة والرأي العام‪)Özcan, 2001, s. 60, 63-4.( .‬‬
‫ح‪ .‬اإلنتاج الكتايب‪ :‬عندما ننظر إىل النصوص األدبية اليت كتبتها الشخصيات املؤيدة لإلحيائية واإلسالموية‬
‫فنرى أن املقاالت املدافعة عن حتسني مكانة املرأة املسلمة يف اجملتمع ومنح حقوق اإلنسان األساسية يف‬
‫الشريعة االسالمية مع جانب تلك املسائل األساسية اليت بيناها يف األعلى تشمل حجما مهماً‪.‬‬
‫وألفت كتب عديدة لغرض الرد على اإلنتقادات اإلستشراقية وجملادلة التيارات األجنبية املوصوفة بالفلسفية‬
‫واإليديولوجية‪ .‬وكان من املؤلفات األدبية اجلذابة كتاب ”رد األفغاين على الدهريني” لكونه إنتقاد للمذهب‬
‫الطبيعي و كتاب ”إضمحالل مذهب املادية” إلمساعيل الفين‪ ،‬الذي انتقد فيه الفلسفة املادية وامللحدة والردود‬
‫اليت كتبت ردا على أرنست رينان املدعي بأن اإلسالم مانع جبوهره للتطورات العلمية والرسائل النقدية لسيد أمحد‬
‫خان على ‪ life of muhammed‬ل ‪ william Muir‬وغريه‪.‬‬
‫وحنن نفهم أن العلماء الباحثني الذين لديهم فكرة قرآنية عندما يفسرون اآليات قاموا بإظهار أن القرآن الكرمي‬
‫كتاب موافق لعلم احلديثة‪ .‬وهذه الطريقة جواب على ادعاء أن اإلسالم مينع عن التطورات العلمية‪ .‬و كتاب اجلواهر‬
‫لطنطاوي اجلوهري هو أشهر األمثلة املعروفة على مثل هذا التفسري‪ .‬وتظهر يف مؤلفات تلك الفرتة امثلة عجيبة اليت‬
‫فسر اآلية (فلما جتلى ربه للجبل‬
‫جهدت جلعل املعجزات احلسية عقليةً و علميةً مثل تفسري سيد أمحد خان الذي ّ‬
‫جعله دكا‪( )...‬االعراف ‪ )143‬بإنفجار الربكان أو تفسري سعيد النورسي الذي فسر اآلية ( فاجبست منه اثنتا عشرة‬
‫عينا) ( االعراف ‪ )160‬إشارًة إىل بئر االرتوازية أو تفسري عبده الذي فسر ( وأرسل عليهم طريا أبابيل ترميهم حبجارة‬
‫من سجيل فجعلهم كعصف مأكول) (سورة الفيل ‪ )5-3‬مبرض اجلدري املنتشر‪)Kara, 1995, s. 68-9( .‬‬

‫اجلوانب املشرتكة واملختلفة من اإلحيائيني\اإلسالمويني‬


‫ال ميكن القول إن العلماء واملفكرين اإلسالميني يتفقون متاما يف الوجهات األساسية املذكورة أعاله ولكن جيب‬
‫التأكيد على وجود بعض القبول املشرتك الذي يشكل اهلوية اإلسالموية‪ .‬تقريبا كل من اإلسالمويني اتفق على‬
‫الدفاع عن اإلسالم مثل أن الدين اإلسالم ال مينع عن التطور والتقدم وأن العناصر اليت ترفع من شأن احلضارة‬
‫الغربية مأخوذة من املسلمني وجيب على املسلم أن يكون يف العمل املستمر و تقويته و لزوم وحدة األمة واتفقوا‬
‫على األهداف املهمة مثل جعل املسلمني أصحاب العقيدة السليمة الصافية على أساس التوحيد وفتح املعركة‬
‫الفعال عن طريق تغيري الفهم األخالقي‬
‫بإصالح التعليم والرتبية على العقل املقلد وبناء الشخص املسلم املتشبث ّ‬
‫احلايل الذي يفقد ملّعة اجملتمع وتنويع منطق اجملادلة ضد العدو من خالل تطوير فكرة اجلهادية اجلديدة الشاملة‪.‬‬
‫ويرتكز يف سياق هذه اخلصائص على بعض العناوين مثل الرد على البدع واخلرافات وإصالح املدارس والطرق‬
‫الصوفية و تطوير الفهم اجلديد للفلسفة وعلم املصطلحات‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل األساسية‬

‫وعلى اجلانب اآلخر على سبيل املثال نرى يف احلركة اإلحيائية اختالفات كثرية يف اإلجابات االسالمية الواردة يف‬
‫مسألة ” من أين نبدأ” وكان جواب مجال الدين األفغاين يف هذا السياق هو احلرية والثورة وأنفق عمره مسافرا من‬
‫بلد إىل بلد وتداخل ذاتا أو مستشارا على الفعاليات السياسية مركزاً على أهداف املؤمن يف األماكن اليت زارها‪.‬‬
‫وأما تلميذه حممد عبده ابتعد عن السياسة وقد رَّكز على املوضوعات مثل حتسني املؤسسات باملنطوق اإلصالحي‬
‫واإلصالح يف التعليم وتربية الطالب املهرة وجعل العقيدة والفكر الديين صافيا وبراقا وإجياد األجوبة احلديثة‬
‫للمسائل الدينية‪ .‬وأما تلميذ عبده رشيد رضا ترك بعد وفاة أستاذه خط اإلصالحي احلديث ووضع مدرسة املنار‬
‫الذي ورثها يف اخلط السياسي احملافظ والسلفي‪.‬‬
‫وال يعين أنه ال توجد احلركات الدالة على اجملادلة املسلحة جزءًا متمماً جلهد التجديد واإلصالح‪ .‬وأعلنت اجلهاد‬
‫حركة الفرائزي اليت أسسها احلاج شريعة اهلل يف البنغال ووسعت ب ـ‪ Duzu miyan‬لصد االستعمار الربيطاين‬
‫وملتعاونيهم من اهلندوس‪ .‬وقد اتبع نفس الطريقة السيد أمحد الشهيد و منظمته الطريقة احملمدية الذي تقاتل‬
‫لسنوات ضد قوات سيخ يف اهلند‪ .‬و أما جهاد توانكو إمام بوجنول وحاجي مسكني لصد االستعمار اهلولندي يف‬
‫أندونيسيا دخل التاريخ باسم بدري (‪ .)1837-1808‬ومل يبق الشيخ عثمان بن فهدي أو بامسه اآلخر عثمان فوديو‬
‫يف غرب أفريقيا إصالحياً بل توجه إىل اجملادلة املسلحة لتأسيس الدولة حتكم فيها الشريعة‪ .‬وأظهرت السنوسية اليت‬
‫هي حركة الطريقة يف أصوهلا مقاومةً قوية ناجحة لالحتالل الفرنسي واإليطايل والربيطاين يف مشال أفريقيا خاصة‬
‫يف عهد الشيخ أمحد شريف السنوسي‪.‬‬
‫وكان اجلواب اإلسالمي لألشخاص التقليديني بأن الثقل و األسلوب أو التفاعل األدىن هو معايري املؤلفني‬
‫والباحثني لتقييمهم أهنم حديثني أو حمافظني‪ .‬مثال على الرغم من أن السيد أمحد خان واألفغاين كالمها حديثيان‬
‫وعقالنيان وحىت األفغاين ال يتحمل وجهات نظر أمحد خان الذي توجه يف وجهاته إىل املذهب الطبيعي باملستوى‬
‫املتطرف الذي كتب له ردا هبذا السبب‪ .‬وكانت اإلسالميون الثالث مصطفى صربي وسعيد النورسي وأملاللي‬
‫محدي يف عهد العثماين من الشخصيات احملافظة‪ .‬ولكن األول ضد اإلجتهاد والثاين مع أنه مؤيد لالجتهاد ولكنه‬
‫خالف حيث أن الظروف مل تتوفر الْيـَوَم والثالث مؤيد لإلجتهاد‪)Kara, 1995, s. 38-9( .‬‬
‫ْ‬
‫وعموما اختذ احملافظون اإلسالميون مثل مصطفى صربي أسكلبلي عاطف وسعيد النورسي موقفا خمالفا للثورات‬
‫اجلمهورية‪ .‬واستوظف امساعيل حقي اإلزمريي ومشس الدين قنعلب وحممد شرف الدين يالتكايا الذين وصفوا‬
‫طوروا خطابا مدافعا عن تصرفات النظام اجلديد‪.‬‬
‫باحلداثة على املهام اهلامة يف اإلدارة العلمانية حىت أهنم َّ‬

‫أوائل اإلسالمويني‬
‫سيكون من املفيد أن يعرف بعض األشخاص الرمزية اليت ميكن لنا أن نسميها معمار فكرة اإلسالمي أو قدوة‬
‫فكرة اإلسالمي وإن كان باالختصار لفهم األفضل جلذور التيار األساسي و مصادر أفكارهم وأمثاهلم‪ِ .‬وف وقت‬
‫نفسه ستساعدك هذه النظرة يف رؤية األفكار واملواقف والرتجحات املختلفة لإلسالمويني الذين قد أنشطوا متوجها‬
‫إىل نفس اهلدف‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫السيد أمحد خان (‪)1898-1817‬‬


‫ولد أمحد خان يف عام ‪ 1817‬بدهلي وحيمل عنوان السيد إلدعاء أن نسب عائلته قد وصل إىل النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ .‬ودرس العلوم الشرعية واحلقوق‪ .‬وقد كان مسؤال عن منصب القضاء لسنوات عديدة يف اهلند اليت هي حتت‬
‫احلكم الربيطاين يف ذاك الوقت‪ .‬ويرى مستحقا لوسام التقدير حيث أنه صادق الربيطانيني خالل ثورة سيباهي اليت‬
‫بدأت يف عام ‪ 1857‬ضد احلكم االستعماري‪ .‬وذهب إىل إجنلرتا يف عام ‪ 1869‬ودقّق يف نظام اجلامعة الربيطانية‬
‫على مدى سبعة عشر شهرا‪ .‬وحاول أن يآنس املسلمني إىل الثقافات الغربية واحلكومة االجنليزية ولذلك نشر بعد‬
‫عودته جريدة شهرية بإسم ”هتذيب األخالق”‪ .‬ودافع عن الفصل بني األمور الدينية والدنيوية وعن عدم تداخل‬
‫الدين على كل شيء‪ .‬وأنشأ ‪ scientific society‬شبيها لدار احلكمة يف بغداد زمن العباسيني ليؤدي وظيفة ترمجة‬
‫الكتب من اللغة اإلجنليزية إىل اللغة األردية لفكرة إبتداء النهضة االسالمية مثلما بدأت الرتاجم من اليونانية يف‬
‫القرن الثاين اإلسالمي‪ .‬وأسس مدرسةً بعليكرة يف عام ‪ 1877‬يدرس فيها باملعايري الغربية‪ .‬وبعد موته حتولت هذه‬
‫املدرسة إىل جامعة يف عام ‪ .1920‬وبدأ يف عام ‪ 1886‬مبؤمتر تعليم مجيع مسلمي اهلند لينورهم يف جماالت التعليم‬
‫والسياسة‪ .‬وحصل أمحد خان على لقب ”سيد وفارس من اإلجنليز قبيل وفاته وتويف يف عام ‪ 1898‬يف عليكرة‪.‬‬
‫كان يعتقد أمحد خان أن اإلسالم يصلح للعقل فتأثّر حبد كبري بالفلسفة الطبيعية وعقالنية التنوير األورويب‪.‬‬
‫وعند تقييم نظم املعتقدات‪ ،‬وافق على مبدأ ”إطاعة الطبيعة” وتوصل إىل نتيجة أن اإلسالم هو الدين األوفق‬
‫هلذه املبادئ‪ .‬وادعى أمحد خان أن الكائنات تدوم بعالقات السبب والنتيجة متاما وبناء عليه مل يقبل املعجزات‬
‫فسر النصوص املتعلقة باملعجزات موافقا للقوانني الطبيعة‪ .‬وإن أمحد خان الذي ال يعترب األحكام‬ ‫والكرامات و ّ‬
‫طور معايري املوافقة العقالنية والطبيعة لقبول األحاديث الشريفة‬
‫الدنيوية يف القرآن الكرمي كجزء من الدين والذي َّ‬
‫ورد األحاديث اليت مل جيد فيها هذه املعايري قد اكتفى بالقرآن الكرمي لفهم الدين‪.‬‬
‫ّ‬
‫من املفهوم أن أمحد خان قد جعل لنفسه موقعا وسيطا بني اإلجنليز واملسلمني حىت ال يفسد الوضع اإلجتماعي‬
‫والسياسي للشعب املسلم بعد ثورة سباهي اليت أدت اىل الكارثة الكاملة خاصة للمسلمني‪ .‬وهلذا السبب أنه يقدم‬
‫احلضارة الغربية للمسلمني الذين حياولون اإلستقالل و التطور والتقدم منوذجا جيب أخذه كمثال‪ .‬وبىن برنامج‬
‫التقدم على ثالثة أسس‪:‬‬
‫األول‪ :‬قبول النمط الغريب وعلومه دون تردد و إنشاء املؤسسة التعليمية اجلديدة وفقا للمعايري الغربية‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬تقدمي التفسري العقالين للكتب الدينية واملقدسة يف ضوء الظروف احلديثة‪.‬‬
‫(‪)Halıcı, 2003, s. 150-1‬‬ ‫الثالث‪ :‬بناء اجلسور لتضييق املسافات بني الشعب املسلم وحكامه‪.‬‬
‫وتالحظ رغبة أمحد خان يف تطوير حركة مشاهبة باإلصالح الربوتستانيت يف العامل اإلسالمي من قوله أن علوم‬
‫الفقه واحلديث والتفسري وأصوهلا قد حيتاج إىل املناقشة اجلديدة ومن هذا الوجه حيتاج إىل شخص مثل لوثر‪.‬‬
‫(‪)Kavak, 2003, s.144-6; Öz, 1989, s.74-5‬‬

‫‪9‬‬
‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل األساسية‬

‫وميكن أن أمحد خان الذي يدافع عن فصل الدين والسياسة وال يلتفت إىل إدارة اخلالفة العاملية يع ّد من السبَّاقني‬
‫العلماين اليت دافع عنها بشدة بعض األشخاص مثل علي عبد الرزاق املصري (‪)1966-1888‬‬ ‫ِ‬ ‫لفكرة اإلسالمي‬
‫وطه حسني (‪ِ .)1973-1889‬وف احلقيقة يتخذ أمحد خان بني أوائل اإلسالمويني موقفا خمالفا بأفكاره‪ .‬وي ّدعى‬
‫حرف الدين‪ .‬واهتمه األفغاين وعبده خبدمة االستعمار االجنليزي‪ .‬وميكن أن‬ ‫أنه ليس ممن أحىي الدين بل ممن َّ‬
‫يكون االهتام ”باحملاولة على تشكيل اإلسالم وفق احلياة العصرية بدال من حماولة تطوير النظرة االسالمية األصيلة‬
‫معيارا لفصل أمحد خان عن اإلسالمويني اآلخرين‪ .‬وسيتناول االهتامات املماثلة املتوجهة إىل‬ ‫حنو احلياة العصرية” ً‬
‫احلداثة االسالمية العهد القريب على نطاق أوسع يف جزء حبثنا الذي يتعلق بتيار احلداثة‪.‬‬

‫(‪)1897-1838‬‬ ‫مجال الدين األفغاين‬


‫عاش مجال الدين يف كابل حىت بلغ الثامنة عشرة من عمره وقد قيل أنه من أصل أذربيجاين أو فارسي أو أفغاين‪.‬‬
‫ودرس على أشهر علماء أفغانستان يف جماالت اللغة والتاريخ والدين والفلسفة والسياسة‪ .‬مث انتقل إىل اهلند اليت‬
‫وتعرف فيها على العلم األورويب و آدابه‪ .‬وسافر إىل العديد من البلدان طوال حياته‪.‬‬‫كانت حتت حكم االجنليز‪ّ .‬‬
‫وسافر إىل احلجاز و إيران واهلند ومصر وإستانبول ولندن وباريس وروسيا عدة مرات‪.‬‬
‫وشارك أفغاين الذي قام باألنشطة السياسية والعلمية والثقافية يف منظمات املختلفة حىت أصبح لبعضها مؤسسا يف‬
‫كل بلد سكن فيه طويال أو قصريا لغرض إيقاظ الوعي الديين والشعيب وإلقامة الروابط املتينة بني الدول االسالمية‬
‫وملنع الصراعات املذهبية وجملادلة االستعمار من خالل تأسيس إحتاد القوة‪ .‬وحىت أنه قام يف أفغانستان بوظيفة‬
‫رئيس الوزراء لفرتة من الوقت‪ .‬واعتقل عدة مرات طوال جمادلته فرتحل‪ .‬وكانت جريدة العروة الوثقى اليت نشرها‬
‫مع طالبه و رفيق دعواه يف باريس خالل سنوات ‪ 1884-1883‬دعما لفكرة احلرية واإلصالح يف البالد االسالمية‪.‬‬
‫صارت جمادلته مع العلماء الشيعة ضد الشركات اإلجنيليزية اليت احتكرت التبغ يف إيران (‪ )1890‬حركةً ثوريةً تسببت‬
‫تطرف‬
‫بتغري النظام‪ .‬و كان تأثريه عظيما على السلطان عبد احلميد الثاين يف تأسيس سياسته االسالمية و على ّ‬
‫العثمانيني اجلدد يف الدستور واملشروطية‪ .‬وتويف يف اسطنبول عام ‪ 1897‬وغالبا أنه يعترب كأول مؤسس لإلسالموية‪.‬‬
‫وكانت لفكرة الوحدة االسالمية يف برنامج اإلصالح لألفغاين مكانة مهمة جدا‪ .‬وجيب أن يكون على رأس هذا‬
‫االحتاد خليفة‪ .‬ولكن ينبغي أن تتم اإلدارة من خالل مشاركة األمة وطريقة الشورى‪ .‬واحلكومات املطلقية أو امللكية‬
‫أعمى ليس حال‪ .‬و تقدم الغرب بكشف أسرار القوة واحلاكمية‬ ‫ليست إسالمية وال أخالقية‪ .‬وتقليد الغرب تقليداً ً‬
‫فاستخدمها يف حملها‪ .‬ويأيت يف بداية هذه األسرار النظام والصرب والثبات‪ .‬وجيب على املسلمني أن يأخذوا هذه‬
‫القيم ويطوروها‪ .‬وقد أوصى األفغاين املسلمني بعدم التعصب يف دينهم ويرى عقدة النقص أمام الغرب عدمية املعىن‬
‫ويذ ّكر باحلضارة االسالمية العليا يف العصور الوسطى‪ .‬وجيب اإلجتهاد وفقا للظروف اإلجتماعية واإلقتصادية‬
‫والسياسة املتغرية لكي يستجيب اإلسالم لظروف العصر ولكي تستمر املبادئ االسالمية حيّةً‪ .‬ومن هذه اجلهة‬
‫مضرة وخاطئة‪ .‬و قد توقفت هذه احلضارة بعوامل مثل نظام السلطنة‬ ‫إن الفكرة القائلة ”أن باب اإلجتهاد مغلق” ّ‬
‫والباطنية والقدرية ووضع احلديث وفساد نظام املدرسة واجلهل والكسل مث بدأت يف الرتاجع‪ .‬وال ميكن حتويل هذه‬
‫املسرية إىل التقدم إال مبشروع اإلصالح املنتظم‪)Karaman, 1994,s. 461-2 ( .‬‬

‫‪10‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ويعطي أفغاين األولوية يف اإلصالح للعمل السياسي‪ .‬وقد أعطى األولوية يف حياته لألنشطة اليت تتسبب يف‬
‫اإلصالح االجتماعي السريع الذي يبدأ من اإلدارة وينزل إىل الشعب أي يبدأ التحسن من القمة إىل األسفل‪.‬‬
‫ويسند خطابه ضد مؤيدي االستعمار على هذه األنشطة‪ .‬ويعترب أن املنظمات السياسية مثل اإلخوان املسلمني‬
‫يف مصر واجلماعة االسالمية يف باكستان من املنظمات اليت تقفَّت أثر االفغاين يف جهوده اإلصالحية‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪)1905 1849‬‬ ‫حممد عبده (‬
‫بدأ حممد عبد هو من أفراد عائلة تركمانية مصرية حياته التدريسية يف طنطا مث َّأتَّها يف القاهرة‪ .‬وعرف ذاك الوقت‬
‫باألفغاين يف مصر فتلقى منه دروس الرياضيات والفلسفة والكالم‪ .‬وبعد ذلك بدأ يرِّكز بتوجيه من معلمه على‬
‫املوضوعات السياسية واالجتماعية‪ .‬وقام يف تلك األثناء بالتدريس يف جامعة األزهر وكتب يف الصحف‪ .‬وأُرسل‬
‫إىل بريوت حبكم الرتحيل حيث أنه قد دعم حركة املقاومة لعرايب باشا ضد االستعمار الربيطاين‪ .‬وذهب إىل باريس‬
‫يف هناية عام ‪ 1883‬بدعوة أفغاين ونشر فيها معه جريدة العروة الوثقى و عمل يف اجلمعية اليت أسسوها بنفس‬
‫االسم‪ .‬وعندما أغلقت اجمللة أصبح على قناعة بأنه ال ميكن حترير مصر والعامل اإلسالمي باجلهد املوقت القصري‬
‫الذي يلمع وما يلبث أن ينطفئ وقرر أن يتبع طريقة خمتلفة عن األفغاين‪ .‬وركز بعد عودته إىل بريوت على التعليم‬
‫والثقافة والفكر و احلوار بني األديان‪ .‬وعندما عاد إىل مصر عام ‪ 1989‬بعد عفو عن عقوبة الرتحيل قلَّل من أنشطته‬
‫السياسية واتفاقه مع األفغاين‪ .‬وألقى درس التفسري يف األزهر وبقي على تلك احلالة حىت وفاته‪ .‬ورَّكز يف جملة املنار‬
‫اليت نشرها على املواضيع العلمية والفكرية أكثر من املواضيع السياسية‪ .‬وتوىل يف هذه األثناء منصب القضاء‪ .‬ومت‬
‫تعيينه عضواً يف جملس إدارة األزهر وتطوير املشاريع فيها إلصالح منهج اجلامعة‪ .‬وقد زار هلذا املقصد جامعيت‬
‫أكسفورد وكامربيدج واستقر هناك‪ .‬وتويف يف االسكندرية عام ‪.1905‬‬
‫وكان اهلدف األساسي لعبده فهم الدين من مصادره األصلية وتقوية عالقة االعتقاد بالعقل والعلم من خالل‬
‫إرجاعه إىل جوهره يف عصر السعادة وتنشيط دور الدين مع ظروف العامل املتغرية‪ .‬كان يفكر يف تطوير العالقات‬
‫مع الغرب احلديث إلنشاء الفكرة االسالمية املعاصرة ويف الوقت الذي كان يرغب فيه بأخذ العلم والتكنولوجيا‬
‫من الغرب كان يريد أن يبتعد عن جوانبه املتعارضة مع ديننا‪.‬‬
‫واعترب عبده كسب اإلنسان وإرادته يف مسألة القدر أكثر من املذهب األشعرية فاقرتب إىل مذهب املاتريدية واملعتزلة‪.‬‬
‫وقال بأن القرآن أنزل لرفع مستوى علم الناس وأخالقهم‪ .‬وانتقد حتويل القرآن الكرمي إىل الكتاب املقروء على‬
‫األموات واملرضى‪ .‬وافرتق عن السلفية التقليدية بأن جعل القرآن الكرمي مركزا لفهم الدين وأمهل دالالت السنة النبوية‪.‬‬
‫وحاول أن يفسر بعض اآليات الكرمية وفق املعلومات العلمية العصرية يف زمنه‪ .‬ودافع عن اإلجتهاد يف الفقه‪ .‬واقرتح‬
‫تطبيق مبادئ املصلحة على الفتوى والقضاء‪ .‬وانتقده بعض علماء عصره على آرائه كإباحة صنع اهليكل بدون قصد‬
‫العبادة ولبس بعض املالبس الغربية مثل القبعة وأكل ذبح أهل الكتاب (‪)özervarlı, 2005, s.484‬‬

‫وكان حممد عبده هبذه الطريقة واألفكار قدوًة للحركات اإلصالحية الثقافية أكثر من السياسية اليت تتوقع اإلنشاء‬
‫اإلجتماعي من األرض إىل السقف‪ .‬ويوجد التشابه الواضح بني طريقة عبده وبني احلركات الدينية اليت تركز‬

‫‪11‬‬
‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل األساسية‬

‫على األنشطة مثل التعليم والتدريس واإلعالم والنشر وتفضل أن تبتعد عن السياسة املتغرية من أجل تطوير هذه‬
‫األنشطة ومنع الضرر عنها‪ .‬وأحيانا ترى فكرة احلداثة يف فهم عبده للدين‪ .‬وإن األشخاص الذين تأثروا كثريا‬
‫بعبده وأفغاين كمحمد عاكف وموسى جار اهلل وحممد إقبال قد أظهروا وقفةً قريبة إىل وقفة اإلصالح الثقايف‬
‫لعبده أكثر من وقفة اإلصالح السياسي ألفغاين‪ .‬و قد دافع التجديد الروسي ومن بينهم العامل التاتاري والباحث‬
‫واملفكر موسى جار اهلل (ت‪ )1949.‬الذي يفكر يف كثري من املواضيع السياسة والدينية مطابقا لعبده عن نظام‬
‫التعليم املصلح املتأثر عن منهج التعليم الغريب خالفا عن العلماء املتابعني يف أصول املدرسة لطريقة التعليم‬
‫القدمية‪ )Akyol, 1993, s. 211-3; kanlıdere, 2006, s. 214-6 ( .‬ويقبل يف هذا التيار فهم اإلسالم فوق املذاهب‬
‫وموافق للعقل وحياة احلداثة مع التأكيد على االجتهاد وعلى أن القرآن الكرمي مصدر أساسي‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫هل رأيت اختالفا يف اإلجابات اليت قدمها مجال الدين أفغاين وحممد عبده للسؤال ” من أين يبدأ‬
‫اإلصالح”؟ اشرح ذلك باختصار‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪)1954 1869‬‬ ‫مصطفى صربي أفندي (‬
‫ولد مصطفى صربي أفندي يف مدينة طوقات و ارتقى إىل وظيفة مدرس احلديث يف مدرسة السليمانية‪ .‬وأظهر‬
‫وقفة خمالفة لعبد احلميد الثاين يف مدة معينة كعضو يف حزب االحتاد والرتقي‪ .‬مث كان من بني مؤسسي حزب‬
‫احلرية واالئتالف‪ .‬وصار رئيسا جلمعية العلوم االسالمية‪ .‬وتوىل وظيفة املشيخة االسالمية يف حكومة الداماد فريد‬
‫(‪ .)1920-1919‬وكان ال يثق يف حركة النضال الوطين و رئاستها يف األناضول‪ .‬فاقرتح التداريب املضادة‪ .‬فلم يقبل‬
‫إقرتاحه واستقال من منصبه‪ ( .‬أيلول ‪ .)1920‬وعمل يف هذه الوترية مع عاطف أفندي اإلسكلييب وسعيد النورسي‬
‫يف مجعية تعاليم اإلسالم اليت أسسها‪ .‬وأدرجته احلكومة اجلديدة بعد إعالن اجلمهورية إىل قائمة ‪ 150‬املخالفني‬
‫فأسقطت عنه اجلنسية عام ‪.1924‬‬
‫و أوال انتقل مصطفى صربي إىل مصر مث إىل كوموتيين وانتقد حركة التغريب يف العامل اإلسالمي يف جملته ”الغد” اليت‬
‫نشرها أيام إقامته فيها‪ .‬وتابع هذا اخلطاب يف القاهرة‪ .‬وانتقد بلهجة شديدة على بعض العلماء واملفكرين املصريني‬
‫مثل فريد وجدي ومراغي وحممد هيكل وعلي عبد الرزاق ويف مقدمتهم حممد عبده ورشيد رضا حيث أهنم كانوا‬
‫يفسرون الدين اإلسالمي وفقا للفكرة الغربية وقيمها‪ .‬وكان يعتقد أن امليزان قد فسد يف حركات التجديد واإلصالح‪.‬‬
‫ومل يتخلف عن كتابة الردود على الفتاوى اليت تقدم احلل احلداثي وعلى األفكار اليت تنكر املعجزات احلسية باسم‬
‫العقالنية‪ .‬ولكنه أصر على فكرة أن اإلسالم ال يتعارض مع العلم‪ .‬وابتعد مصطفى صربي أفندي يف مسألة أفعال‬
‫اإلنسان عن آراء املعتزلة واملاتريدية اليت مال إليها أكثر اإلسالموية وعلى الرغم من كونه من املذهب احلنفية إال أنه‬
‫اقرتب إىل مذهب األشعرية بتلقي اجلربية‪ .‬وال يرى بأسا يف متثيل جملس النواب اخلالفة من الناحية الدينية مع أنه كان‬

‫‪12‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫من املعارضني إللغاء اخلالفة‪ .‬وحاول بكتاباته أن مينع التساهل الذي رآه يف حجاب املرأة‪ .‬وعلى الرغم من العفو مل‬
‫يعد إىل الوطن حبجة أن مل يبق شيئ يف تركيا من احلكومة االسالمية‪)Yavuz,2006, s. 350-3( .‬‬

‫وكان مصطفي صربي أفندي اإلسم املؤسس ملدرسة االسالمية احملافظة التقليدية املختلفة احلداثة املؤيدة لألصول‬
‫القدمية يف التعليم ضد املدرسة االسالمية اليت متثل بعبده وحتمل الفكرة احلداثية‪ .‬وكان من املؤيدين املهمني هلذه‬
‫الفكرة الزاهد الكوثري الدوزجوي (‪ )1951‬ويوسف النبهاين اللبناين (‪ِ )1932‬وف الفرتة األخرية العامل السوري‬
‫عبد الفتاح ابو غدة ( ‪ .)1997‬وانتقلت هذه الفكرة بيدي أمحد داود أغلو من طالب مصطفى صربي (‪.)1983‬‬
‫وخططت هذه الفكرة خمالفة للفكرة اإلسالموية بإنتقاداهتا الشديدة على املخالفني التصوف واملذهب والعلمانية‬
‫والتغرب‪ .‬وعند َد ُاوَد أغلو الذي من األشخاص املهمة هلذه الفكرة يف تركيا أن الدين ليس ”الطني الفخار” كما‬
‫يفهمه أتباع التجديد‪ .‬فال يستطيع اجلميع أن يصنع منه اإلناء والقدر واملزهرية واهليكل حيث أن الدين قد حفظ‬
‫وصفه الرباين بوقفته اجلامدة وليس بإنتشاره (‪ .)Davutoğlu, c.1 s. E‬وبناء عليه ما يفعله أتباع التجديد ما هو إال‬
‫حتريف الدين‪.‬‬
‫ستقوم األقسام التالية من دراستنا بتقييم التيارات الثالثة الرئيسيّة يف العامل اإلسالمي املعاصر التقليدية واإلصالحية‬
‫واحلداثة وممثلهم املهمة ومنظماهتم وآرائهم‪.‬‬
‫وليس من املمكن أن نقول إن هذه التيارات مفصولة عن بعضها البعض خبطوط حمددة‪ .‬وال شك أن بينها أوجه‬
‫التشابه‪ .‬حيث توجد املمرات بني التشكيالت من خالل التيارات املختلفة‪ .‬وغالبا تصدف يف اهلياكل التقليدية‬
‫امليول اإلصالحية أو يف اهلياكل اإلصالحية فكرة احلداثة القوية‪ .‬ولكن على الرغم من أوجه الشبه واملمرات نعتقد‬
‫أنه من املمكن تصنيف التشكيالت السياسية والعلمية والثقافية اليت هلا األوصاف الدينية يف العامل اإلسالمي على‬
‫ثالثة أصناف أساسية بالنظر إىل أقواهلا وأفعاهلا وجذورها التارخيية و من املمكن تفصيل هذه األصناف حتتهم‪.‬‬

‫‪Albert Hourqni‬‬ ‫يرجى الرجوع إىل كتاب ”الفقه العريب يف العصر النهدى” ل‬
‫‪ 1939-1798‬لتتبع اإلجتاهات اإلحيائية واإلسالموية يف الفرتة احلداثة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل األساسية‬

‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل‬


‫األساسية‬ ‫‪1‬‬

‫قادرا على إجراء تقييمات حول املناقشات‬


‫يكون ً‬
‫اليومية املتكررة حبيث يقف على مفاهيم التجديد‬
‫واإلحياء واإلصالح واإلسالموية‪.‬‬

‫يفيد التجديد معىن التجدد واإلحياء هو اإلنبعاث واإلصالح هو التصحيح والتصويب‪ .‬واإلسالموية وجدت‬
‫لنفسها ساحة أكثر شيوعا ومشولة لكل هذه املفاهيم وتستخدم هذه املفاهيم من قبل األشخاص أو األوساط‬
‫اخلالصة‬

‫املختلفة من الذين يريدون قلب ما يعيشه عامل اإلسالم من التدهور إلفادة نشاطاهتم الشخصية أو التنظيمية‬
‫الفكرية والسياسية والعلمية‪.‬‬

‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل‬


‫األساسية‬ ‫‪1‬‬

‫قادرا على شرح شروط وظروف احلركة‬


‫يكون ً‬
‫اإلسالموية‪.‬‬

‫إن حضارة الغرب املرتكزة يف أوروبا جددت نفسها حبركة النهضة واإلصالح األوروبية يف القرن ‪ 51‬و‪61‬‬
‫اىل حد كبري‪ .‬وهبذا التطور طوى الغرب مسافة كبرية اقتصاديا وتقنياً باملقارنة مع العامل اإلسالمي وأدخل يف‬
‫اجلهد العلمي والثقايف والسياسي عدد من األشخاص ما يعرفون باإلسالمويون األول مبوقف نشيط وبدأو‬
‫نقاش املفاهيم و املؤسسات والتكلم والكتابة عن أسباب التأخر‬

‫‪14‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل‬


‫األساسية‬ ‫‪1‬‬

‫قادرا على التمييز واملقارنة بني املظاهر‬


‫يكون ً‬
‫املختلفة يف بداية احلركة اإلسالموية‬

‫ال ميكن القول بأن علماء و رجال األفكار اإلسالموية على رأي واحد يف نقاش املوضوعات و إثبات‬
‫املشاكل والتسوية واإلقرتاحات حيث يوجد مطلقا بعض االتفاقات على اهلوية اإلسالموية واىل جانب ذلك‬

‫اخلالصة‬
‫يرى اختالف األجوبة اإلسالموية مثل‪ :‬من أين نبدأ يف حركة اإلحياء و يتقدم البعض باملشروعات السياسية‬
‫و البعض باملشروعات العلمية والفكرية أو يالحظ التوجهات العصرية واحملافظة يف النظرة الدينية التقليدية‪.‬‬

‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل‬


‫األساسية‬ ‫‪1‬‬

‫قادرا على التفكري يف الشخصيات اليت‬


‫يكون ً‬
‫تعترب من أول ممثلي اإلسالموية وأفكارها‪.‬‬

‫يصعب القول بأن األشخاص األوائل املشهورين على نفس اخلطة العملية فمن يدقق ويراقب األفكار عندهم‬
‫مثل سييد أمحد خان و مجالدين األفغاين و حممد عبده و مصطفى صربي أفندي سيفهم بشكل واضح‪.‬‬
‫كما أن تنوع مواضيع البحث اليت تناولوها أثر بشكل واضح على توجهات كثري من املؤسسات واملذاهب‬
‫اإلصالحية يف القرن العشرين‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ميالد الفكر اإلسالمي‪ :‬األسباب واملسائل األساسية‬

‫‪ 4‬من األوصاف التالية أيها تعرف بالعامل فكر‬ ‫‪ 1‬من التطورات اليت يف األسفل أي منها ليس‬
‫سيد أمحد خان بشكل أصح‬ ‫من األسباب املهيئة لإلسالموية‪:‬‬
‫طائفية‬ ‫أ‪ .‬‬ ‫اهلجمات الفكرية للمستشرقني‬ ‫أ‪ .‬‬
‫قومية‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫التملك األمربيايل‬ ‫ب‪ .‬‬
‫الفلسفة الوضعية‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫احلرب العاملية الثانية‬ ‫ج‪ .‬‬
‫اخترب نفسك‬

‫التقليدية‬ ‫د‪ .‬‬ ‫التيارات الفكرية الغربية املضادة‬ ‫د‪ .‬‬


‫العصرية‬ ‫ه‪ .‬‬ ‫األنشطة التبشريية‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪ 2‬كيف توضح األنشطة اإلسالموية األولية بأهنا‬


‫‪ 5‬أي طريقة اتبعها اإلسالمويون يف استفادهتم‬
‫نوع من السلفية‬
‫من الغرب‬
‫اإلنتقائية‬ ‫أ‪ .‬‬ ‫خلاصية العودة اىل املصادر الرئيسية‬ ‫أ‪ .‬‬
‫اإلعجاب‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫لدقتهم يف موضوع مصدرية األحاديث‬ ‫ب‪ .‬‬
‫التقليد‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫لتفسريهم يف القرآن الكرمي بأدواة الرواية‬ ‫ج‪ .‬‬
‫اإلنكار‬ ‫د‪ .‬‬ ‫التباعهم يف حممد بن عبد الوهاب‬ ‫د‪ .‬‬
‫التعصب األعمى‬ ‫ه‪ .‬‬ ‫ملقاومتهم على املدرسة التقليدية‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪ 3‬من األنشطة التالية أيها مجعت بني مجال دين‬


‫األفغاين و حممد عبده‬
‫معارضتهم للسلطان عبد احلميد الثاين‬ ‫أ‪ .‬‬
‫جريدة العروة الوثقى‬ ‫ب‪ .‬‬
‫حتضري القانون األساسي‬ ‫ج‪ .‬‬
‫تفسري املنار‬ ‫د‪ .‬‬
‫ؤمتر اخلالفة‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪16‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫فإن مل يكن جوابكم صحيح إقرؤوا مرة أخرى‬ ‫‪.4‬ه‬ ‫فإن مل يكن جوابكم صحيح إقرؤوا مرة أخرى‬ ‫‪.1‬ج‬
‫موضوع سيد أمحد خان‬ ‫موضوع األسباب املهيئة‬

‫مفتاح األجوبة لـ “اخترب‬


‫فإن مل يكن جوابكم صحيح إقرؤوا مرة أخرى‬ ‫‪.5‬أ‬ ‫فإن مل يكن جوابكم صحيح إقرؤوا مرة أخرى‬ ‫‪.2‬أ‬
‫موضوع القضايا األساسية‬ ‫موضوع القضايا األساسية‬

‫فإن مل يكن جوابكم صحيح إقرؤوا مرة أخرى‬ ‫‪.3‬ب‬


‫موضوع مجال دين األفغاين‬

‫نفسك”‬
‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪1‬‬

‫التجديد يفيد عند التعبري عن التجديد رجوعا اىل اصل الدين وريفورم تذكر‬
‫بالتغري التشغيلي على أصل الدين بذاته كما شهدت يف املسيحية الغربية يف‬ ‫‪1‬‬ ‫جاء دورك‬
‫التاريخ و أسوء من ذلك توجد يف الريفورم جهدا عمدا خارجيا للتغيري يعين بينما‬
‫يوجد يف التجديد إنشاء يف اإلجتاه اإلجيايب و يف الرفيورم تذكر يف البال التحريف‬

‫املستشرقون كانوا يهددون ثقة املسلمني بأنفسهم باملعىن احلقيقي و كانوا يطرحون‬
‫بأن املكتسبات العلمية للمسلمني ومؤسساهتم ليست بغرض أن جيعلوهنم يشعرون‬ ‫‪2‬‬ ‫جاء دورك‬
‫باخلجل من أنفسهم و ثقافتهم و حضارهتم أو على األقل كانوا يعملون على أن يقعوا‬
‫يف التشكيك‬

‫مجال الدين األفغاين كان يرى أعمال السياسة ضرورية كي يتمكن من القيام‬
‫باإلصالحات بشكل سريع وكان هدف األفغاين األساسي أن تكون قوة الدولة أو‬ ‫‪3‬‬ ‫جاء دورك‬
‫احلكومة بيد الناس املناسبني وحممد عبدو كان يهتم بالتنمية الثقافية ويعطف اىل‬
‫إصالح التعليم أمهية كبرية وتراجع عن السياسة كي حيقق هذه األمور‬

‫‪17‬‬
‫ األسباب واملسائل األساسية‬:‫ميالد الفكر اإلسالمي‬

‫املصادر‬
:‫بالرتكية‬
Akyol, Taha. (1993). “Cedidcilik”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 7, s. 211-3.
Davudoğlu, Ahmed. (tarihsiz). Selamet Yolları: Bülûğu’l-Merâm Tercümesi ve Şerhi, İstanbul, “Mukaddime”
bölümü.
Kanlıdere, Ahmet. (2006). “Mûsâ Cârullah”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 31, s. 214-6.
Kara, İsmail. (1995). Türkiye’de İslamcılık, İstanbul: Yeni Şafak Kitaplığı.
Karaman, Hayrettin (1994). “Efgânî, Celâleddin”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 10, s. 456-466.
Kavak, Özgür. (2003). “Modernizmin Dönüştürücü Etkisi: Seyyid Ahmed Han ve Ahkâmın Dünyevîleşmesi”,
Divân, 14 (2003/1), s. 137-164.
Kutluer, İlhan. (2001). “İslamcılık (Düşüncede), Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 23, s. 65-7.
Öz, Mustafa. (1989). “Ahmed Han, Seyyid”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 2, s. 73-5.
Özcan, Azmi. (2001). “İslamcılık (İkinci Meşrutiyet)”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 23, s. 62-5.
Özervarlı, M. Sait. (2005). “Muhammed Abduh”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 30, s. 482-7.
Özkan, Gülseren Halıcı. (2003). “Bağımsızlık Mücadelesinde Yenilikçi Bir Ruh: Sir Seyyid Ahmed Han ve Ali-
garh Hareketi”, Nüsha: Şarkiyat Araştırmaları Dergisi, 3/8, s. 147-156.
Yavuz, Yusuf Şevki. (2006). “Mustafa Sabri Efendi”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 31, s. 350-3.

18
‫الوحدة الثانية‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫األهداف‬
‫عند إمتام هذه الوحدة ميكنك‪:‬‬
‫ إمكانية املقارنة بني الشخصية اخلاصة باملوجة التقليدية اإلسالمية ومبعرفة اخلصائص املشرتكة هلذه‬
‫املوجة وبقية االجتاهات‪.‬‬
‫ بيان جذور السلفية التقليدية وشروط تشكلها‪.‬‬
‫ إمكانية إيضاح الفروق األساسية بني املظاهر املختلفة للسلفية التقليدية املعاصرة‪.‬‬
‫ إبداء الرأي والتعليق على درجات ميول الصدمة والتكفري يف بنية السلفية التقليدية املعاصرة‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫التقليدية‬ ‫ ‬
‫السلفية‬ ‫ ‬
‫الوهابية‬ ‫ ‬
‫اجلهادية‬ ‫ ‬
‫التكفريية‬ ‫ ‬

‫‪20‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املدخل‬
‫عند تصنيف احلركات االسالمية املعاصرة وقبل اإلفصاح عن املوجة التقليدية اليت جيب أن حنللها أوال‪ ،‬حيث أنه‬
‫من املناسب جداً اخلوض بشكل خمتصر يف ماهية التقليدية‪.‬‬

‫التقليدية باملعىن العام‬


‫هي انتقال العادات والتقاليد القدمية املتبقية والتصرفات‪ ،‬واملعارف اليت هلا قدرة معينة على التأثري وتكسب ثقة‬
‫بالنفس وتعزز الروابط املعنوية بني أعضاء جمتمع مع احلفاظ على هذه العادات القيمة سواءً بشكل مساعي أو‬
‫مكتوب من جيل اىل أخر‪.‬‬
‫مثال‪ :‬توجد تقاليد خاصة باملؤسسات كاملدارس وأصحاب الطريقة واملذاهب وهذه املؤسسات تشكل جزءا مهما‬
‫ضمن البنية األساسية فيما يسمى التقليد اإلسالمي أو األمة‪.‬‬

‫اخلواص اهلامة واملظاهر اخلاصة التقليدية‬


‫لفهم املظاهر اخلاصة بالتقليدية واليت متيزها عن بقية املوجات (االجتاهات)جيب البحث والتمحيص يف خصائص‬
‫هذه املوجة (االجتاه) وميكن ترتيب ذلك كالتايل‪:‬‬
‫أ‪ .‬من وجهة نظر تقليدي‪ ،‬التقليد مقدس ويستحق التقدير واالحرتام‪.‬‬
‫ب‪ .‬لكون التقليد قدمي وذو استمرارية يف نفس الوقت فهو يكسب الثقة ملنتسيب هذا التقليد‪ .‬وبذلك ‬
‫يكون قد مت تقاسم (تشارك) تاريخ علوي (عريق)‪.‬‬
‫ت‪ .‬ولنفس السبب‪ ،‬حيقق التحضري للرتابط الداخلي ويقوي الروابط املادية واملعنوية بني منتسيب التقليد‪.‬‬
‫ث‪ .‬وهذا الوضع يؤدي لظهور شعور باهلوية املشرتكة‪.‬‬
‫ج‪ .‬النظر اىل التغري والتطوير واحلداثة والتجديد‪ ،‬حيث أن هذه املفاهيم تؤدي اىل االبتعاد عن التقليد ‬
‫أو االنسالخ عنها‬
‫ح‪ .‬وعلى أن التقاليد تبدو ثابتة ومتجمدة‪ ،‬فهي قادرة على التأقلم والتحول وخالل مرحلة ما دون ‬
‫تغيري اخلصائص األساسية هلا‪ .‬ومتتاز بأهنا ذات مرونة وقادرة على مواكبة الزمن املعاصر‪ ،‬وهلذه ‬
‫األسباب تكتسب الظواهر التقليدية االستمرارية والبقاء بشكل قوي يف األزمنة احلديثة‪.‬‬
‫خ‪ .‬ويلعب التقليد بطرح بدائل عن احلداثيون دور املوازن والكابح يف مراحل التغيري السريعة‪.‬‬
‫د‪ .‬يف متابعة وتعقب التقليد يتم معاقبة املنسوبني للتقليد املهملني والالمبالني وغري احملرتمني للتقليد ‬
‫بشكل مقصود‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫ما هي التقليدية اإلسالمية؟‬


‫عند احلديث عن موضوع التقليدية اإلسالمية سنبحث يف ثالثة تقاليد دينية أساسية كسبت استقالليتها يف املراحل‬
‫التارخيية‪.‬‬
‫وهذه التقاليد هي‪ :‬التقليدية السلفية‪ ،‬التقليدية املدرسية (مدارس خمتلفة) وتقليدية الطريقة‪.‬‬
‫أ‪ .‬جذورها املختلفة‪ :‬تعتمد التقليدية السلفية يف أساسها على احلديث‪ ،‬أما املدارس التقليدية فتعتمد‬
‫الفقه أساسا‪ ،‬أما بالنسبة لتقليدية الطرق فتعتمد على التصوف‪ .‬وعلى هذا األساس فإن شخصية‬
‫هذه املوجات عرب التاريخ ويف زماننا الراهن وبالرغم من تالقيها يف موضوع التقليد وباألخذ‬
‫باالعتبار جذور هذه املوجات نراها قد اختلفت فيما بينها بل أصبحت متنافسة وأحيانا متناحرة‪.‬‬
‫ت‪ .‬قبول التقليد األعمى (دون شروط وحبث)‪ :‬يوجد يف البنية اإلسالمية التقليدية عناصر صحيحة‬
‫كما يوجد عناصر صحيحة بالقدر ذاته‪ ،‬وحيث أنه ال حرج يف التقليد‪ ،‬فمن اخلواص اليت جتعل‬
‫املؤسسات واألفراد يف داخل هذه املوجة تقليديني‪ ،‬قبوهلم دون البحث والتمحيص لتفريق الصحيح‬
‫عن اخلطأ‪.‬‬
‫ت‪ .‬احملافظة على التقليد‪ :‬األولية يف البنية التقليدية هي نقل موجة التقليد من جيل اىل آخر حيث‬
‫أنه جيب استمرار التقليد مهما كلف األمر‪ ،‬وهبذا املعىن يكون التقليدي حمافظا جدا وغالبا ال يتم‬
‫البحث يف صحة هذه التقاليد أو مالءمتها للعصر وإمكانية تطبيقها يف أزمنة خمتلفة‪.‬‬
‫ث‪ .‬خصائص القيادة‪ :‬غالبا ما يدعى قادة اجملموعات التقليدية بالشيخ ‪ -‬األستاذ ‪ -‬العالمة ‪ -‬موالنا‬
‫‪ -‬حجة ‪ُ -‬مالّ‪ .‬ومعظمهم ممن تلقى التعليم التقليدي‪ .‬أي أهنم يتلقون العلم يف مقاعد املدرسة أو‬
‫الزاوية عن طريق التلقي من الشيخ مباشرة وهو األهم ما يعين أن التحصيل األكادميي ليس له أمهية‬
‫كبرية يف املراحل املختلفة لتشكيل القيادة‪.‬‬
‫ وبشكل عام يلبس القادة األلبسة التقليدية ‪ -‬لفة على الرأس جبة وهي األجزاء األساسية يف‬
‫اللباس‪ ،‬لون اللباس وشكل اللبس وتغطية الرأس ال يتوقف اللباس فقط على الرمزية اخلاصة بالقائد‬
‫بل أحيانا تشري اىل وضعية التسلسل اهلرمي‪.‬‬
‫ج‪ .‬احملافظة على السلسلة ‪ /‬السلسلة يف السلفية التقليدية‪ :‬يف العادات (التقاليد) اإلسالمية تربط‬
‫السلسلة املاضي باحلاضر‪ .‬والتقليد بدون سلسلة كالعدم‪.‬‬
‫ويف السلفية التقليدية تكون السلسلة بالرواية املسندة‪ ،‬حيث يتم نقل األحاديث أو األخبار بأخذ احلديث أو الفعل‬
‫املنقول من صاحبه األول (الراوي ‪ -‬القائم بالفعل) مباشرة من جيل اىل أخر يف العصور الثالثة األوىل خصوصا‬
‫مت انتقال التقليد السلفي هبذه الطريقة‪.‬وقد مت قبول كتب احلديث الصحيحة كمصدر أساسي لعلوم الدين بدون‬
‫نقاش من قبل أصول احلديث السين‪ .‬وتعترب كتب احلديث الستة املصادر األكثر صحة يف احلديث النبوي‪ .‬ومن‬
‫ناحية أخرى باألخذ بعني االعتبار اإلخبارية يف االمامية الشيعية تذكر نوعا ما بالسلفية السنية التقليدية‪ .‬وتعترب‬
‫الروايات املوجودة يف الكتب األربعة كمصادر أساسية للدين دون شرط‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫السلسلة يف تقليد املدرسة‪ ،‬تربط علماء اليوم بالفقيه األول سيدنا حممد (صلى اهلل عليه وسلم) بالنسبة ملؤسس‬
‫املذهب احلنفية أبو حنيفة اخذ فقهه عن استاذه محاد ومحاد عن استاذه إبراهيم النخعي وهو عن أستاذه علقمة‬
‫وهذا استاذه الصحايب ابن مسعود وهو أخذ عن النيب ()‪ .‬هذه السلسلة العلمية يف هناية املطاف ومبا أهنا ترتبط‬
‫بالذات اإلهلية اليت أرسلت الرسول () فهي مقدسة بقداسة االله‪ .‬وشيوخ املذهب احلنفي يف يومنا هذا تنتهي‬
‫رابطة حلقة هذه السلسلة عند سيدنا أبو حنيفة وهذه السلسلة تسمى عندهم اإلجازة‪ .‬واإلجازة املأخوذة من‬
‫الشيخ بالذات واملتسلسلة رجوعا اىل صاحب املذهب ومنه اىل رسول اهلل () ختتلف عن اإلجازة االكادميية‬
‫وحيث أهنا تعترب أكثر قيمة من اإلجازة األكادميية‪.‬‬
‫السلسلة يف تقليد الطرق (الطريقة)‪ :‬تربط السلسلة الطريقة الشيخ (الضليع يف الطريقة) أو خبري الطريقة أو العارف‬
‫بالطريقة ومنه يتم الربط بسيدنا حممد () الذي يعترب شيخ التصوف األول ومنه االرتباط باإلله املرسل وهناك‬
‫سلسلة خاصة لكل طريقة‪ .‬مثال‪ :‬سلسلة اخلالدية النقشبندية بعد النيب () يأيت العارف بالطريقة شاه نقش بند‬
‫باملرتبة ‪ 15‬ويف املرتبة ‪ 23‬يأيت األمام الرباين ويف املرتبة ‪ 29‬خالد البغدادي‪ ،‬ومبا أن هؤالء قد وصلوا اىل مرتبة االرشاد‪،‬‬
‫فهم من خالل مريديهم املوكلني يف مقام (كخلفاء) حيققون استمرارية السلسلة‪ .‬والتوكل هو نوع من اإلجازة كما هو‬
‫يف تقليد املدرسة يتم توثيقه كتابيا بشكل عام‪ ،‬والفرق بينهما أن إجازة املدرسة علمية أما إجازة الطريقة فهي معنوية‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫هل أمكنكم فهم أمهية السلسلة يف التيارات التقليدية؟ هل ميكنكم شرح ذلك باختصار؟‬

‫ أمهية املراتب‪ :‬التسلسل اهلرمي يف اهليكلية التقليدية تكون على شكل نظام تراتيب‪ ،‬جيب احرتامه ‬ ‫ح‪.‬‬
‫ ومراعاته من قبل املرتبطني هبا‪.‬‬
‫يف التقليد السلفي (أخيار الناس من عاش يف زمان الصحابة) مث بعد ذلك (التابعني) وبعدها (تابعي التابعني)‬
‫(فضائل األصحاب‪ ،1 ،‬البخاري)‪ ،‬حسب احلديث فقد مت تعريف املراتب العليا (هنا املقام التارخيي العايل هم‬
‫السلف الصاحل) من أجل فهم صحيح للدين وتطبيقه جيب متابعة وتعليم األجيال القادمة‪.‬‬
‫أما بالنسبة لتقليد املدرسة ومع أمهية اجليل األول وهو السلف فهناك أمهية كبرية للرتاتبية الالحقة لألجيال إال‬
‫وهي اخللف ومت البناء على ذلك‪ .،‬وابتداء من القرن الثالث لإلسالم مت تش ّكل وجتدد الفقه من خالل مؤسسي‬
‫املذاهب واجملتهدين وتبيعتهم منهجيا‪ ،‬مع أتباعهم لنفس املنهج‪ ،‬وإمكانية االجتهاد يف كل مسألة بشكل مستقل‬
‫(جمتهدين باملذهب) واجملتهدين يف بعض املسائل (جمتهدين باملسألة) ومع عدم قدرهتم على االجهاد تبقى كلمتهم‬
‫مسموعة وهم يصنفون كالتايل (خمرجني ‪ -‬مرجحني ‪ -‬مميزين ) ويف أدىن درجات السلم هناك فئة تطبق األحكام‬
‫تقليدا وهم املقلدون وهم يشكلون قاعدة اهلرم يف التسلسلي اهلرمي‪ .‬اإلمام األعظم (أكرب األئمة) شيخ اإلسالم‬
‫(كبري املسلمني) فخر اإلسالم (حمل فخر اإلسالم) مشس األئمة (مشس اإلمامية) ومثل هذه األلقاب واملراتب‬
‫الرفيعة يف التسلسل اهلرمي لتقليد املدرسة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫أما الرتاتبية يف تقليد املدرسة وشيوخهم فهو كالتايل معيد ‪ -‬مفيد ‪ -‬درس عام وهو ما يشبه التسلسل اهلرمي‬
‫األكادميي‪ .‬كما يتم تقسيم الطلبة حسب مستواهم العلمي‪ .‬أما يف املدارس الشيعية فيعرف الطلبة ظاهريا من‬
‫خالل اللباس املختلف لكل مستوى علمي‪.‬‬
‫أما يف تقليد الطريقة فيكون التسلسل اهلرمي على الشكل التايل‪ :‬مرشد ‪ -‬مريد او بصيغة أخرى شيخ ‪ -‬درويش‪،‬‬
‫وعلى هذا األساس يتم التعامل ضمن الطريقة‪ .‬وخارج هذه العالمة هناك ما يدعى برجال الغيب وهم رجال اهلل‬
‫غري معروفني وال مرئيني‪ ،‬وهم مثل الثالثة والسبعة واألربعني وهؤالء أما بالنسبة للشيوخ ذات الدرجة العليا فيدعون‬
‫الغوث ‪ -‬الغوث األعظم (الغوث األكرب) ‪ -‬قطب ‪ -‬قطب األقطاب (كبري األقطاب) أبدال ‪ -‬أوتاد (األعمدة) ‪-‬‬
‫النجباء (املنتقون) وهذه املصطلحات يف تقليد الطريقة تظهر التسلسل اهلرمي للغيبيات واملعنويات‪.‬‬
‫ويف إحدى الروايات يف هذا الصدد يروى أن‪ :‬األبدال وهم من أهل الشام وعددهم أربعني‪ ،‬وحسب الرواية‬
‫يستبدل الرب مكان الذين ميوتون غريهم‪ .‬يهبط املطر بسببهم‪ ،‬وحيرز الشعب االنتصارات بسبب هؤالء األبدال‪.‬‬
‫(أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند‪ ،1 ،‬ص ‪.)112‬‬
‫مركزية املنت‪ :‬اجلماعات التقليدية متيل اىل إشغال احللول العقلية يف املسائل الدينية والدنيوية والعلوم النقلية‬
‫والتكاليف الدينية‪ .‬يف التقليدية السلفية جمموعات احلديث وشروحاهتا هي أساس مصادر االجتهاد‪ .‬أما يف التقليد‬
‫املدرسي (املدرسة) الفقه الكالسيكي هو األساس أما يف تقليد الطريقة فيكون التصوف الكالسيكي هو األساس‪.‬‬
‫وباعتبار صحة الرأي يف ذلك الوقت وإمكانية تطبيق هذه احللول وتعترب املصادر الكالسيكية التقليدية اليت حتوي‬
‫هذه املعلومات مصادر من الدرجة األوىل‪.‬‬
‫أما قول التقليدية السلفية اليت تسمى أصحاب احلديث أيضا فعندها (السنة حاكمة على القرآن من جهة البيان)‪.‬‬
‫حيث يشري ذلك القول إىل أن كلمات القرآن الكرمي ال ميكن فهمها دون الرجوع اىل األحاديث الشريفة‪ .‬وحسب‬
‫رأي أمحد بن حنبل‪ ،‬بعد القرآن الكرمي والسنة‪ ،‬يؤخذ رأي الصحابة واألحاديث املرسلة اليت تعد مصدرا ضعيفا‬
‫عند علماء احلديث‪ .‬فال يعتمد االستدالل العقلي والرأي والقياس واالجتهاد إال يف حاالت الضرورة‪ .‬ولنفس‬
‫األسباب ينظر إىل علوم الفلسفة والكالم والذي يعتمد على العقل كأساس للمحاكمة على أهنا حيز ضار حيث‬
‫ينقد ويالم من يشتغل هبذه العلوم‪.‬‬
‫أما مصادر الفقه والتصوف واليت تتألف من املتون املتشكلة بعد السلف الصاحل‪ ،‬فألن األول يعتمد على االجتهاد‬
‫املذهيب‪ ،‬واألخر يستند اىل الكشف‪ ،‬مل جيد اعتبار من قبل السلفيني‪.‬‬
‫أما يف تقليدية املدارس فيتم تعقب املتون التقليدية للمذهب الفقهي واالعتقادي املرتبط باملدرسة‪ ،‬مع البقاء ضمن‬
‫املذهب واحملافظة على األصول األساسية للمذاهب بالرغم من إمكانية اصدار احكام وفتاوى جديدة وختص زماننا‬
‫الذهنية التقليدية (الفكر التقليدية)‪ .‬يف هذه النقطة إلظهار نفسه ميكنه التخلص والتفلت من األحكام والفتاوى‬
‫التارخيية املاضية (الغائبة)‪ .‬أما جمموعات األحاديث املعتربة اليت تعتمد عليها التقليدية السلفية‪ ،‬تكتسب قيمة‬
‫اجتهادية عندما يتم دراستها وترجيحها من قبل فقهاء تقليدية املدرسة‪ .‬أما بالنسبة للمتون التصوفية ميكن الرجوع‬
‫إليها بشرط املوافقة عليها من قبل الفقه واملراقبة الفقهية هلذه املتون‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫التقليدية يف الطريقة تؤخذ املتون األساسية كتوصية ومثال‪ .‬طبقات ‪ -‬مناقب ‪ -‬حلية ‪ -‬تذكرة ‪ -‬مكتوبات ‪ -‬رسائل‬
‫‪ -‬لطائف ‪ -‬مقامات ‪ -‬جتليات ‪ -‬فتوحات ‪ -‬فيوضات ‪ -‬سر األسرار ‪ -‬اركان نامه ‪ -‬طريقت نامه‪ -‬وما شابه‬
‫من هذه املصطلحات موجودة تقريبا يف أدبيات مجيع الطرق الكربى ويتم متابعة هذه املصطلحات يف الدروس‬
‫واالجتماعات‪ .‬وحيث أن هذه الصفات مت الوصول إليها بالسري والسلوك واالنكشاف والرتبية التصوفية وهي‬
‫معلومات خاصة (العلم اللدين) وهؤالء الذوات الذين توصلوا هلذا املستوى من املعلومات حبياة منوذجية وأخالق‬
‫عالية ذو أمهية كبرية جدا‪.‬‬
‫ومن هذه الوجهة يقدم التصوف خصوصية ما وراء العقل‪ ،‬ألنه ومن أجل الوصول اىل احلقيقة (معرفة اهلل)‬
‫جيب استخدام وسائل اإلدراك كالكشف والتجلي واإلهلام‪ .‬وعلى اعتبار املتون التصوفية كمصدر أساسي ولكن‬
‫تكتسب أمهية من وجهة الوساطة بني التجربة والنضج الفكري‪.‬‬
‫د‪ .‬سيادة التكوين الذكوري‪ :‬سواء رضينا أو ال استمرار وضع املرأة ودورها ضمن القالب التقليدي يف احلياة‬
‫اإلسالمية التقليدية وهبذه النظرة تكون املرأة قد انعزلت عن احلياة االجتماعية واحنصرت وظيفتها يف‬
‫أعمال املنزل وتربية األوالد‪ .‬وقد أعطي حلجاب املرأة يف هذا التيار أمهية أكرب من بقية التيارات املماثلة‬
‫والتشكيالت التقليدية هي مكونات ذكورية من أعلى اهلرم إىل أسفله‪ ،‬ويتم تطبيق سياسة العزل الشديد‬
‫يف مواضع االلتقاء الضرورية بني الذكور واإلناث (اتباع سياسة حرملك) يف ساحات العلم والعمل واختاذ‬
‫أماكن منقسمة للذكور واإلناث ‪ -‬اجتماعات مستقلة صفوف تعليمية معزولة (إناث ‪ -‬ذكور) وهذا‬
‫التفريق يتم مبعرفة الشيوخ وتشجيعهم‪.‬‬
‫تقليدية الطريقة يف هذا املنحىن تتخذ موقفا أكثر مساحية‪ ،‬ويتم قبول انتساب العنصر النسائي للطريقة بشكل عام‪.‬‬
‫ويف بعض الطرق جند ارتقاء النساء اىل مستوى مقام الشيخ وقد يصادف يف بعض الطرق الباطنية الفاسدة اشرتاك‬
‫النساء والرجال يف حلقات الذكر والصحبة على حد سواء‪ .‬حيث أهنم يزعمون عند الوصول اىل حد اخلشوع‬
‫والوجد قد امتأل قلب وذهن اإلنسان بالتفكر باخلالق فقط وترك ما سواه واالبتعاد عما سوى اهلل وبناء على ذلك‬
‫يكون االختالط مسموح به وغري حمظور‪.‬‬
‫حيث سنبحث يف هذه التيارات ونتعرف على ممثلي هذه التيارات يف أيامنا هذه‪ .‬ويف وحدتنا هذه سنبحث يف‬
‫السلفية التقليدية‪.‬‬

‫التقليدية السلفية‬
‫إن مدرسة أهل احلديث وهي أحد الفرعني الرئيسني ألهل السنة واجلماعة‪ ،‬واستنادا اىل حديث النيب () هم أخيار‬
‫املسلمني ويكون أول األجيال الصاحلة هم السلف الصاحل وهم الصحابة ويأيت من بعدهم التابعني‪ ،‬وهبذا الفهم‬
‫وحياة اإلسالم بناء على هذا الفهم واختاذ ذلك هدفا يف حياهتم قد مت تسميتهم بالسلفية‪ .‬وهذا يعين ابتعاد اخللف‬
‫أي األجيال التالية عن القرآن والسنة واتباع الطرق الدينية العقلية وبدال عن مراجعة الناس مباشرة‪ ،‬حتولوا اىل الرموز‬
‫العقلية املمذهبة وحتلقوا حول أفكار بعض مؤسسي املدارس االعتقادية والفقهية‪ .‬وبدال من معيشة حياة التقوى والزهد‬
‫املستندة لألحاديث‪ ،‬معيشة التعاليم الدينية املتكاملة يف الطريقة وهذا ما يوصف يف السلفية بشكل عام البدعة‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫املدارس األخرى أهل الرأي وعلى عكس أهل احلديث قامت باتباع الرأي الذي يكون مبحاكاة‬
‫تفكري عقلي ومنطقي وهو يعترب اساس االجتهاد ومعظم منتسيب اهل الرأي هم من اهل العراق‬
‫وتابعي هذا التيار يعرفون بأهل الرأي‪ ،‬ويشكل املذهب احلنفي العمود الفقري هلذا التيار‪.‬‬

‫وهلذا السبب ووضع املقدم ألهل احلديث والسلفية فهم يعتربون أنفسهم املمثلني ألهل السنة أهل الفرقة الناجية‬
‫‪ -‬أهل االستقامة ‪ -‬أو الطائفة املنصورة‪ .‬وهذه التسميات استخدمت من قبل السلفية ولنفس السبب حيث أهنا‬
‫تناسبهم متاما‪ .‬وقد استخدموا أيضا مصطلحات (أهل األثر ‪ -‬أهل االتباع) وهذه املصلحات تبني تبعية هذا التيار‬
‫للحديث ومعايشتهم ملعانيه‪ .‬أما ما سوى السلفية فهم األحناف واألشعرية والشيعية وسالكي الطرق الصوفية‬
‫و منتسيب باقي الفرق والتيارات اإلسالمية فيعتربون برأي السلفية من أهل البدعة وهم حيتاجون للدعوة والتبليغ‪.‬‬
‫وحسب مفهوم السلفية االميان هو مقياس حلالة تكامل التصديق واالقرار والعمل‪ ،‬وبسبب وجود عالقة مباشرة بني‬
‫العمل واالميان يزداد االميان بزيادة العمل وينقص بنقصانه‪ .‬اإلصرار على الذنوب الكبرية أو عدم العمل يؤدي اىل‬
‫ذهاب االميان والوصول لدرجة الكفر‪ .‬وعندها يذهب االميان ويبقى لدى الفرد اسالميته‪ .‬أي أن ذهاب إميانه ال‬
‫خيرجه من الدين وتستمر حصانة حياته وماله‪ ،‬ومن وجهة النظر هذه يكون االميان واإلسالم مفهومان خمتلفان‪.‬‬
‫وحبسب السلفية جيب االميان بذات اهلل وجبميع صفاته كما جاء يف القرآن والسنة السنية‪ .‬وال جيوز تأويل اآليات‬
‫املتشاهبة وال الصفات اإلخبارية‪ .‬وجيب قبول مثل هذه النصوص بدون تعليق وتفسري‪ .‬عند إيضاح صفات اهلل‬
‫تعاىل عند السلفية فعل (اهلل على العرش استوى ‪ -‬وجهه ويده ‪ -‬نزوله كل ليلة اىل السماء الدنيا) وجيب االبتعاد‬
‫عن الشرح والتعليق فإن بعض علمائهم مل ينجوا من الوقوع يف مشكلة التجسيم والتشبيه وذلك عند تشبيه صفات‬
‫اهلل لصفات خملوقاته‪ .‬ومبا أن السلفية شبهوا صفات اهلل بالصفات البشرية وحاش اهلل ومت ذلك بشكل غري مناسب‬
‫وغري الزم وبشكل فظ (حشو) فإن املعتزلة وأهل الرأي أبدو اعرتاضا شديدا واستخدموا لفظة احلشوية للداللة‬
‫على السلفية‪.‬‬
‫أن من أهم أسس العقيدة هي الوالء (اختاذ صداقة املؤمنني كأساس) والرباء (االبتعاد عن معاداهتم لغري املؤمنني)‬
‫جيب االبتعاد عن املذاهب السياسية والكالمية والطرق اليت تكون يف مركز حمرمة البدعة استنادا اىل مبدأ الوالء‬
‫والرباء‪ ،‬ووظيفتهم األساسية هي اجملادلة‪ .‬الدالئل الدينية يف مجيع اجملاالت بالنصح واإليعاظ (األمر باملعروف‬
‫والنهي عن املنكر) يأيت (الكتاب والسنة وكالم الصحابة وأعماهلم) أوال‪ ،‬ويف حاالت تستدعي اجملبورية يتم الرجوع‬
‫اىل الدالئل العقلية‪ .‬ال يكون للعوام الذين ال ميكنهم أدراك الدالئل الشرعية مذهب وجيب عليهم العمل بفتوى‬
‫علمائهم‪ .‬وجيب اتباع وطاعة والة األمور ما مل خيرجوا عن االميان حىت ولو كانوا فاسدين وال جيوز ترك الصالة‬
‫خلفهم‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫وميكننا اعتبار امحد ابن حنبل (‪ )855\241‬من السمات اهلامة للسلفية وأهل احلديث يف مراحلها األوىل‪ .‬واألمام‬
‫أمحد هو بنفس الوقت مؤسس املذهب احلنبلي وهو أحد املذاهب السنية الفقهية املعروفة‪ .‬حيث أنه رجح‬
‫األحاديث اليت فقدت شروط الصحة بانقطاع سند الراوي على دليل القياس وهو أيضا مدون وصاحب كتاب‬
‫املسند مبجموعته الكاملة‪ .‬وقد حصر أمحد بن حنبل والعلماء يف عصره الذين اتبعوا طريقته جل جهودهم بسماع‬
‫األحاديث وروايتها وكتابتها وتنظيمها وتصنيفها حسب األحكام الواردة فيها‪ ،‬وقد حذى حذوهم االمام البخاري‬
‫(‪ )870\256‬واألمام مسلم (‪ )871\261‬وهم من احملدثني الكبار الذين خاضوا يف هذا اجملال‪.‬‬
‫ولكوهنم اختذوا القرآن واحلديث أساسا ملتوهنم وبسبب خمالفتهم للرأي والقياس وعدم قبوهلم به ولكون أهل الرأي‬
‫يستخدمون الدالئل العقلية فقد اهتموا بعداوهتم للسنة وأهلها‪ .‬واعتربوا انفسهم محاة الشريعة وهادمي البدعة‬
‫وبذلك يكونوا قد عطفوا على أنفسهم رؤية تارخيية خاصة‪ .‬إن أئمة احلديث الكبار كالشافعي ومالك وأمحد بن‬
‫حنبل هم من أصول عربية‪ .‬وقد مت تقدمي حب العرب يف بعض رسائل العقائد أنه شعبة من شعب اإلميان‪ ،‬وهذا‬
‫الوضع يدل على خصوصية تضاد عند املوايل وهم أهل الرأي الذين خياطبون غري العرب من املسلمني‪ .‬وباألصل‬
‫حيمل أهل احلديث فكرة عن أهل الرأي والذين يأخذون باالستدالل العقلي وهم غالبا من غري العرب وترسخت‬
‫لديهم هذه القناعة‪( .‬أي أن املشتغلني باالستدالل العقلي هم من غري العرب عموما) (‪)Kutlu, 2000, s. 57-63‬‬
‫أن خط أهل احلديث‪ -‬السلفية وجبميع اجتاهاته يكون ممثال جلناح االلتزام يف بنية الفكر اإلسالمي‪ .‬إن األدبيات‬
‫املخالفة للعقل‪ ،‬وحيث أهنا بقيت مقولبة يف نطاق ضيق لبنيتهم الفكرية وبسبب سلوكهم التطريف مل يتمكنوا من‬
‫تسجيل أي تقدم مع الزمن قياسا بأهل الرأي ومل يتمكنوا من خماطبة شرائح واسعة من اجملتمع‪ ،‬ولكن ومبقاييس‬
‫متطرفة جنحوا يف البقاء كمذهب لزمرة معروفة ومنتقاة ومنهم ابن قتيبة (‪ )276/889‬حالل (‪ )311/923‬برهباري‬
‫(‪ )329/940‬ابن بطة (‪ )387/997‬القاضي أبو يعلى (‪ )458/1065‬ابن عاقل (‪ )513 /1119‬ابن اجلوزي (‪/1201‬‬
‫‪ )597‬ابن قدامة (‪.)620/1223‬‬
‫ومن أهم علماء السلفية يف تاريخ الفكر اإلسالمي تقي الدين ابن تيمية (‪ )728/1328‬حيث ملع املذهب السلفي‬
‫من خالهلم وأعاد للمذهب شعبيته وحيث أنه دخل مع الفالسفة وعلماء الكالم والشيعة وقسم من الصوفية‬
‫مبناظرات كتابية ساخنة أدت اىل إحياء املذهب الذي كاد أن يتجمد‪ ،‬وبدخوله جبدال ومناظرة علماء عصره أعاد‬
‫السلفية اىل جدول أعمال علماء وعوام عصره‪.‬‬
‫لقد عاش ابن تيمية يف عصر االحتالل املغويل للعامل اإلسالمي وهو عصر مليء باملرارة واألمل على األمة اإلسالمية‪،‬‬
‫وكان ابن تيمية صد احملتل وضمن من قاوموا هذا احملتل فعليا‪ ،‬وكان املغول قد دخلوا يف اإلسالم بعد تثبيت‬
‫حكمهم يف املناطق اإلسالمية‪ ,‬وكان ابن تيمية قد أصدر فتوى وجوب استمرار اجلهاد والقتال ضد املغول ألهنم‬
‫ومع قبول اإلسالم كدين ظلوا يطبقون قوانني جنكيز خان بدال من القوانني الشرعية اإلسالمية‪ .‬وصار ابن تيمية‬
‫مصدر إهلام وفتاواه املعروفة بفتاوى ماردين والترت اليت دخلت التاريخ‪ .‬يف عصرنا هذا من وجهة نظر املنظمات‬
‫السلفية واليت جتيز اجلهاد املسلح يف البلدان اإلسالمية ضد أنظمتها الغري شرعية‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫كما أن ابن تيمية أعطى فتاوى قاسية جدا ضد املذاهب القدمية يف الشرق األوسط‪ .‬واليت كانت دائما تقوم‬
‫مبساعدة احملتلني وتتضمن يف بنيتها العقائدية ما خيالف التوحيد كالعلوية النصريية والدرزية وقد شكلت هيئة‬
‫الفتاوى مصادر مشروعية معاقبة والتطبيق على منتسيب هذه املذاهب من قبل األنظمة واإلدارات السنية املختلفة‪.‬‬

‫الوهابية كمظهر متطرف للسلفية‬


‫وبعد ابن تيمية استمرت موجة التجديد والتطور يف التيارات السلفية عرب علماء التيار املشهورين ومنهم احلافظ‬
‫الذهيب (املتوىف ‪ 748‬هـ‪ 1348 -‬م)‪ ،‬ابن قيم اجلوزية (املتويف ‪ 751‬هـ ‪ 1359 -‬م)‪.‬‬
‫ابن الوزير (املتوىف ‪ 840‬هـ ‪ 1436 -‬م)‪ ،‬ويف القرن الثاين عشر اهلجري الثامن عشر امليالدي جاء دور حممد بن عبد‬
‫الوهاب (املتويف ‪ 1206‬ه ‪ 1792 -‬م) فقد دخلت السلفية يف عهده منعطفا جديدا حيث مسع صوهتا بشكل قوي‬
‫وحتت اسم الوهابية ويف مركز اجلزيرة العربية يف منطقة جند وبشكل قوي ومؤثر‪.‬‬
‫والتجديد الذي جاء للسلفية مع ابن عبد الوهاب وحتوله اىل مذهب سياسي أدى اىل حتول يف مضمون الدولة‬
‫السعودية اىل دولة مذهبية‪.‬‬
‫وكان الوهابيون يتقامسون يف كثري من املسائل رؤية املذهب احلنبلي‪ ،‬وقد وقفوا على مسألة التوحيد ويف هذا الصدد‬
‫بذلوا جهودا إليضاح مسألة زيارة القبور وحسب طريقتهم عملوا على حماربة البدع‪ .‬وميكننا تقيم الوهابية على أهنا‬
‫التحاد يف بنية السلفية‪.‬‬
‫التطرف و َ‬
‫ومن مظاهر هذا التطرف االستخدام الزائد للتكفري هبذا األسلوب أدى اىل توجيه العنف لفئات املسلمني املنبوذين‪،‬‬
‫ويف هذا االجتاه مت انتقاد الوهابية حىت من علماء عصره مثل األمري الصنعاين (املتويف ‪ 1182‬ه ‪ 1768 -‬م) حممد‬
‫الشوكاين (املتويف ‪ 1250‬ه ‪ 1834 -‬م) وهم من علماء السلفية‪.‬‬
‫وبالنتيجة ميكننا القول أن التقييم يكون أكثر دقة إذا قلنا أن الوهابية وبدال من أن نقدمها على أهنا مذهب خمتلف‬
‫ومستقل بل هو مذهب السلفية مع بعض التطرف وحبماية النظام السياسي السعودي وبتقدمي جديد من وجهة‬
‫النظر التارخيية وأكثر واقعية وعلمية ويكون هذا التقييم أكثر صحة وصوابا‪.‬‬
‫والتطرف الذي أشرنا إليه عند الوهابية من ناحية التكفري والتدهيش ولو أن ذلك يذكرنا بتطرف اخلوارج لكن‬
‫يعطينا احلق خبصوص تثبيتنا أن التيار الوهايب يف ناحية إطاعته للحاكم السياسي املشروع كانت لديهم قناعة بطاعة‬
‫احلاكم وعدم اخلروج عليه وانتقاد اخلوارج يف هذا اخلصوص‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى نعلم أن املخالفني للوهابية استخدموا ذلك االسم ملخالفتهم‪.‬‬
‫وقد أطلق منتسبوا هذا التيار على أنفسهم أهنم سلفيون أو أهل احلديث وذلك زمانيا ومكانيا‪.‬‬
‫لقد ولد حممد بن عبد الوهاب ابن القاضي احلنبلي يف عيينه يف منطقة جند يف السعودية وبعد إمتام حتصيله العلمي‬
‫يف مكة واملدينة عاد اىل جند وبدأ بنشر أفكاره يف بلده مث بدأ بتأليف كتبه‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪2‬‬

‫ما هو تفكريكم وحتليلكم حول اإلضافة اليت حققتها الوهابية للتيار السلفي؟‬

‫فكرة‪ :‬بالنسبة البن عبد الوهاب اإلميان هو تصديق وإقرار وعمل‪ .‬يزداد أو ينقص‪ ،‬وجيب اإلميان بذات اهلل‬
‫وصفاته كلها كما جاء إخباره يف القرآن والسنة (احلديث) وال جيوز تأويل اآليات املتشاهبة ويستند يف ذلك باهتمام‬
‫كبري على أن األلوهية والربوبية اليت هي من عقائد التوحيد تتعلق بأبعاد العمل‪.‬‬
‫وقد بني أن انتظار الشفاعة من الرسول () أو صحابته بروحانيتهم أو األولياء الصاحلني يف هذه الدنيا هو سبب‬
‫من أسباب الشرك‪ .‬كما أنه انتقد التوسل بالنيب () أو األولياء واختاذهم وسيلة عند اهلل أثناء قيامهم بالدعاء‬
‫والطلب من اهلل‪ ،‬حيث أنه نوه اىل أن ذلك يشبه اختاذ عرب اجلاهلية أصنامهم وسيلة عند الدعاء اىل اهلل وذلك‬
‫يوقع يف مهلكة الشرك‪.‬‬
‫وكذلك انتقد اختاذ األموات شفعاء يف الدعاء اىل اهلل عند زيارة القبور واملقامات‪.‬‬
‫أو احتمال اختاذهم وسطاء وكذلك انتقد الصالة عند املقابر‪ ،‬واعترب بن عبد الوهاب األعمال اليت يقوم هبا زائر‬
‫القبور من صالة ودعاء يف املقابر يف إطار الشرك‪.‬‬
‫بالنسبة البن عبد الوهاب فإن عقيدة التوحيد جيب أن تنعكس على األعمال بشكل مطلق وال يعترب مع يعمل من‬
‫أعمال الشرك والبدع من املؤمنني احلقيقيني‪ ،‬البدعة هي مصطلح ظهر مع الوهابية واثضح وهي األعمال والعقائد‬
‫اليت ظهرت اىل الساحة وهي العقائد واألعمال اليت مل ترد مباشرة يف القرآن والسنة‪ .‬حيث أن املذاهب االعتقادية‬
‫والطرق واالشتغال بعلم الكالم والفلسفة مت اعتبارهم من البدعة‪ .‬وعالوة على ذلك مت اعتبار تزين املساجد وإنشاء‬
‫املنارات املزخرفة العالية والقبب وانشاء القبور وتزينها وزخرفتها من البدع اليت تؤدي اىل الشرك (تفتح بابا للشرك)‪،‬‬
‫وكما مت اعتبار قراءة املولد وتكرار األذكار اليت مل ترد يف القرآن واألحاديث واالحتفال باملناسبات الدينية األخرى‬
‫وقراءة القرآن باملقام والتغين واستخدام السبحة أيضا يف إطار البدع‪ .‬واعترب الدخان (التبغ) على انه من املسكرات‬
‫فيهو حمرم إذا‪ .‬وقد مت انتقاد بعض التصرفات واملصطلحات الصوفية من قبل علماء الوهابية مثل (الرابطة وتعين‬
‫االرتباط املعنوي بالشيخ غري املوجود يف حياة املريد ‪ -‬االستمداد واالستعانة ويعين طلب العون واملساعدة من‬
‫الشيخ) وذلك بسبب الضرر الذي يلحق هذا التصرف يف توحيد األلوهية‪ .‬وأيضا اعتربوا أن طريقة املكاشفة وهي‬
‫طريقة احلصول على العلم عند الصوفية على أهنا غري مأمونة‪ .‬وقد يؤدي ارتباط اإلنسان يف حياته الدينية بالشيخ‬
‫اىل الشرك‪.‬‬
‫وكذلك نظروا إىل الشيعة بنظرة مشاهبة للصوفية وذلك ألهنم أبدوا احرتاما زائدا (اىل حد العلو) ألهل البيت‬
‫وقبورهم ومقاماهتم‪ ،‬وتكفريهم ولعنهم لبعض الصحابة وانكارهم لبعض االحاديث الصحيحة ويف هذا السياق‬
‫اعتربوا الشيعة قد ارتدوا وادعوا أهنم وقعوا يف كفر اجملتمع والوطن‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫ومن أجل أن يستقر التوحيد احلقيقي يف القلوب وإزالة كل أنواع الشرك والبدع فقد كان رأي ابن عبد الوهاب‬
‫العمل مببدأ (األمر باملعروف والنهي عن املنكر) وقد اشرتط لذلك وجود حاكم عادل وعامل وحازم وقوي على رأس‬
‫احلكم يف اجملتمع اإلسالمي وتكون مبايعة هذا احلاكم ضرورية على كل مسلم‪ .‬وتتم إدارة اجملتمع حسب أوامر‬
‫الشريعة ويساعده يف تنفيذ مبدأ األمر باملعروف والنهي عن املنكر علماء عصره ويتم تنفيذ هذه الوظيفة بأسلوب‬
‫التبليغ والوعظ والنصيحة واإليقاظ واملناظرة واملناقشة‪.‬‬
‫ويف حال استمرار الناس على الشرك والبدع وعدم تركهم له تتم إزالة هذه البدع السنية عند احلاجة بإعالن احلرب‬
‫واستخدام القوة من قبل القوة املعينة من قبل احلاكم وبعد أخذ األمر منه‪( .‬بيوك قرا ‪ 2012‬ص ‪)2-611‬‬
‫وقد قام الوهابيون وعلى أساس الفهم الذي مر معنا وحتت مسمى اجلهاد باملقاومة املسلحة ضد الدولة العثمانية‬
‫وحكومة احلجاز والشيعة وباقي خصومهم‪ .‬ويف هذه املرحلة وبسبب تسرعهم يف تكفري الفئات من املسلمني‬
‫املخالفني ألفكارهم واستخدامهم العنف والتضييق على الناس يف مناطق نفوذهم أدى اىل صدوع يصعب‬
‫معاجلتها‪ ،‬حيث أن الوهابية قد حتولت اىل مذهب خمتلف فقد وصفوا باخلوارج لبتكفريهم املسلمني وبسبب‬
‫استحالل أمواهلم وأرواحهم‪ ،‬وبسبب ختريبهم للمقابر مت تسميتهم هبدام القبور‪.‬‬
‫وكذلك ناهلم حقد وغضب الرأي العام اإلسالمي بشكل عام بسبب إغالق املدارس الفقهية املرتبطة باملذاهب‬
‫ومنع فعاليات ونشاطات الطرق وحرقهم كثري من كتب وآثار الفقه التصويف يف املكتبات‪.‬‬
‫تاريخ‪ :‬حممد بن عبد الوهاب ويف استقامة أفكاره كما سلف ذكره وأيضا بسبب جتمع الناس حوله ونشاطاته‬
‫التطرفية وبعد ابعاده عن (عيينه) ذهب اىل منطقة (ديرة) القريبة من مدينة الرياض‪ .‬ودخل يف محاية حممد بن سعود‬
‫الذي كان حاكماً على املنطقة ورئيسها‪ .‬ومت يف عام ‪ 1744‬م تفاهم سياسي وينص هذا التفاهم على مبايعة حممد‬
‫بن عبد الوهاب حملمد بن سعود على أنه قائد سياسي ويف مقابل ذلك يضمن البن عبد الوهاب من أجل دعواه‬
‫الدينية كل ما يلزم من دعم لوجيسيت وسياسي وعسكري‪ .‬وقد أعطى هذا التفاهم مثاره وحىت وفاة حممد بن عبد‬
‫الوهاب ‪ 1792‬وجتتمع القوة العسكرية املتعصبة للوهابية دخلت منطقة جند حتت حكم السعوديني‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 1802‬م هجمت القوات السعودية الوهابية على مدينة كربالء وقتلت ما يزيد عن ‪ 2000‬شيعي وأخذت‬
‫واستولت على األشياء الثمينة اليت كانت موجودة يف مقام سيدنا احلسني وجاءت هبا اىل مدينة الرية (مركز الوهابية)‪.‬‬
‫ومت االستيالء على مدن احلجاز اليت كانت حتت حكم الدولة العثمانية وذلك بني عامي ‪ 1802‬و‪ 1805‬م وقد دمروا‬
‫كثريا من املقامات واملقابر وعلى رأسيها املقامات املوجودة يف املدينة املنورة ومكة املكرمة وخصوصا يف مقربة البقيع‪.‬‬
‫وقد اسرتجعت القوات العثمانية بقيادة حممد علي باشا منطقة احلجاز يف عام ‪ 1813-1812‬م ويف عام ‪ 1818‬مت‬
‫الدخول اىل منطقة جند واالستيالء على مركز قيادة الوهابية يف مدينة الديرة‪.‬‬
‫وبعد اهلزائم اليت تعرضوا هلا يف عام ‪ 1822‬عادوا يف عام ‪ 1902‬واستطاعوا االستيالء على منطقة جند وقد شكلوا فيما‬
‫بعد قوات مسيت بقوات (إخوان جند) وهو تشكيل عسكري وهايب استطاعوا عام ‪ 1925 - 1924‬دخول منطقة احلجاز‬
‫واالستيالء على مدهنا‪ .‬ويف هذه اجلغرافية الواسعة واحلدود املرتامية األطراف مت يف عام ‪ 1932‬تأسيس اململكة العربية‬
‫السعودية اليت مازالت حدودها قائمة حىت تارخينا هذا‪ ،‬واكتسبت الوهابيةكتيار ديين‪ ،‬املذهب الرمسي للنظام السعودي‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫التأثريات‪ :‬وقد توسع التيار السلفي الوهايب خارج حدود جند السعودية وانتقل اىل دول اخلليج واليمن والعراق‬
‫وسوريا وأصبح له أتباعه بالرغم من وجود تيارات ومذاهب تقليدية يف هذه املناطق‪ ،‬أما نفوذ الوهابية خارج‬
‫منطقة السعودية ظهر بشكل جلي وواضح يف القرن العشرين وقد مكن التطور التكنولوجي ووسائل التواصل‬
‫املختلفة من سهولة وإمكانية التواصل بني اجلماعات واملؤسسات الدينية املختلفة يف البلدان العربية مع علماء‬
‫جند وسهل التواصل فيما بينهم‪ ،‬أما مجاعة أهل احلديث يف اهلند وباكستان وأنصار السنة احملمدية يف مصر هم‬
‫أقدم املؤسسات الدينية املسجلة واملؤرخة واملعتربة‪ .‬وكانت مجاعة إزالة يف نيجرييا وحركة سوبانو يف مايل ومدرسة‬
‫اجمليديري يف موريتانيا فهم من وقفوا يف وجه التيار السلفي الوهايب واملدارس والطرق املالكية كممثلني للسلفية يف‬
‫أفريقيا الغربية‪.‬‬
‫أما من محل لواء العلوم السلفية يف باقي الدول اإلسالمية وأوروبا وأمريكا هم التشكيالت الدعوية املختلفة ودور‬
‫النشر وأوقاف اجلوامع واجلمعيات الطالبية كل يف موقعه‪.‬‬
‫وأهم ما مييز هذه املؤسسات معاداهتا للغرب وأفكاره‪.‬‬
‫وحسب املصادر الغربية أطلق على هذه اجلماعات واملنظمات يف الساحة السياسية واليت هتدف اىل إحياء‬
‫القوميات باجملموعات اجلهادية وهي منظمات خمتلفة تتخذ اإلرهاب حلماية استمراريتها‪ ،‬ومنها القاعدة يف املغرب‬
‫العريب يف اجلزائر واجلهاد األشعري يف اندونيسيا وحركة الشباب يف الصومال وبوكوحرام يف نيجرييا وأنصار الدين يف‬
‫مايل والدولة اإلسالمية يف سوريا والعراق(داعش) وهي بعض التشكيالت يف املنطقة اإلسالمية‪.‬‬
‫واستطاعت السلفية يف السعودية ودول اخلليج بدعم من قبل مصادر التمويل اخلليجية الغنية بسهولة ويسر‬
‫من خالل رابطة العامل اإلسالمي اليت مكنها من خماطبة شرحية واسعة من املنظمات واملؤسسات الدولية‪ .‬وقد‬
‫استطاعت رياح السلفية الوصول اىل املغرب وحىت اندونسيا من خالل خرجيي جامعة املدينة املنورة للدراسات‬
‫اإلسالمية العليا يف القرن األخري‪ .‬أما يف تركيا فكان تأثري السلفية الوهابية على نطاق ضيق قياسا لباقي الدول‪.‬‬
‫ويعود السبب يف ذلك تأثري الوظائف اليت قامت هبا الطرق النقشبندية اليت تعترب الطريقة الرمسية واملتبعة يف العهد‬
‫العثماين‪ .‬وتعترب الطريقة النقشبندية على طريقة خالد البغدادي ق‪.‬س فاألمهية واألدلة اليت أولتها لرتبية الصوفية‬
‫اىل جانب نظام املدرسة والزاوية من املميزات البارزة للطريقة النقشبندية اخلالدية يف األناضول والبلقان والقفقاس‪.‬‬
‫واعتمدت هذه املدارس والطرق الصوفية وحسب موقعها اجلغرايف على املذهب احلنفي املاتريدي او الشافعي‬
‫االشعري وقد اظهرت نفسها على اهنا مل تسمح بتنفذ الفكر السلفي يف العقيدة والفقه باالستناد اىل أرضية‬
‫تصوفية صلبة‪.‬‬
‫يف احلياة اليومية الدينية يف تركيا‪ .‬يبدو جليا تأثري هذه الطرق واملدارس يف الثقافة اإلسالمية واحلياة السياسية حىت‬
‫يومنا هذا‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى تعترب احلركات السلفية املعاصرة واليت هي امتداد للوهابية نوع من األيديولوجية السعودية ومازالت‬
‫املواجهة قائمة تارخييا بني الفكر الوهايب وااليديولوجيا العثمانية القائمة على املرتكزات القومية ما أدى اىل جو‬
‫مينع تشكيل أرضية للعقيدة والفكر السلفي‪ .‬ومن األسباب املوجبة لعدم انتشار السلفية يف تركيا ابتعاد الشعب‬
‫‪31‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫املسلم يف تركيا عن التطرف والغلو وقبول الوسطية وقبول األخر وثقافة العيش املشرتك واالستفادة من الشخصية‬
‫اليت اكتسبها نتيجة للتجارب اليت مر هبا‪.‬‬

‫نقاط التحول العميقة يف السلفية املعاصرة‪ :‬انفصال السلفية السعودية عن السلفية اجلهادية‬
‫لقد كانت الوهابية قوة مؤثرة يف تأسيس الدولة السعودية ولكن بعد عام ‪ 1930‬بدأت تفقد خاصيتها القومية‬
‫وحتولت اىل املؤسساتية‪ ،‬هذا الوضع كان نتاج السياسة اليت طبقتها اإلدارة السعودية تدرجييا لكبح مجاح الوهابية‬
‫والتسلل اىل مفاصل الدولة وللتحكم هبا‪.‬‬
‫وقد احنصر متثيل التيار الوهايب عرب علمائه بشكل رمسي يف البنية املؤسساتية الدينية فقط‪ .‬وبشكل خاص حتولت‬
‫التجارة وإدارة األعمال وإدارة مؤسسات الدولة باجتاه احلداثة من خالل فعاليات تأطري ذلك عرب القوانني املدنية‬
‫وبعد اكتشاف البرتول وتطور العالقات مع أمريكا وباقي الدول الغربية ومحالت التطوير والتحديث يف جمال‬
‫التعليم‪ ،‬كل هذه األعمال كانت حمل انتقاد ديين‪ ,‬ولكن يف حتليل جرى مؤخرا كل هذه التحوالت مت شرعنتها‬
‫وقبوهلا بشكل رمسي بفتاوى معلنة من علماء الوهابية‪.‬‬
‫وعند احلديث عن اخلط السلفي السعودية كما سيأيت ذكره الحقا وعلى العكس من التيارات اجلهادية فإن الوهابية‬
‫ومنذ البداية ميكننا القول وبيان أهنا األيديولوجيا املذهبية والدينية املؤسسية للنظام السعودي‪.‬‬
‫وهناك أيضا خارج السعودية جمموعات متيل اىل فكر الوهابية وتتحرك مع توجهاهتا‪ ،‬ومعظم هذه اجملموعات ترتبط‬
‫عرب علمائها الذين يتزعمون هذه اجلماعات مع مؤسسات سعودية خمتلفة متقاربة فكريا ودينيا‪ .‬ومن ناحية أخرى‬
‫هناك كثري من التشكيالت اليت حتصل على دعم مادي بشكل أو بأخر من هذه املؤسسات‪ .‬كما ميكننا تصنيف‬
‫مؤسسات واشخاص غري سعوديني مثل‪ :‬الدكتور عقيل والكر األمريكي أو مجاعة الدعوة اإلسالمية يف كندا حتت‬
‫مسمى السلفية السعودية‪.‬‬
‫إن العلماء والدارسني يف املعاهد والكليات الدينية والشرعية املرتبطة بالدولة السعودية واملؤسسات الشرعية الدينية‬
‫مثل هيئة كبار العلماء ‪ -‬رابطة العامل اإلسالمي ‪ -‬وإدارة البحوث‪ ،‬هم ممثلوا السلفية السعودية يف يومنا احلاضر‪.‬‬
‫ومن أهم أعالم هذا االجتاه املفيت العام للسعودية والعميد املؤسس جلامعة املدينة املنورة اإلسالمية الشيخ عبد العزير‬
‫بن باز متويف عام ‪ 1999‬وناصر الدين األلباين متويف عام ‪ 1999‬وهم من أكرب جمددي القرن العشرين‪ ،‬ومؤسس‬
‫دار احلديث يف دماج‪ -‬اليمن الشيخ مقبل الوادي متوىف عام ‪ 2001‬وعامل العقائد الشهري الشيخ حممد بن عثيمني‬
‫متوىف عام ‪ ،2001‬وعبد العزيز آل الشيخ املفيت العام للسعودية‪.‬‬
‫وعقد كبار العلماء الشيخ صاحل الفوزان والشيح ربيع املدخلي ويعترب من أكرب أساتذة اجلرح والتعديل والشيخ عبيد‬
‫اجلابري وهو عضو اهليئة التدريسية املتقاعد من جامعة املدينة املنورة اإلسالمية‪ .‬ومن خالل الفتاوي اليت اصدروها‬
‫وكتاباهتم اليت نشروها جند االختالف بني تيار اجلهادية السلفية والسلفية الوهابية بشكل واضح‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ويقابل عصر (عهد) امللك فيصل الذي حكم السعودية واملتوىف عام ‪ 1974‬دخول التيار اإلسالمي اىل اململكة‬
‫العربية السعودية حيث يذكرنا امللك فيصل بالقائد اإلسالمي أكثر من كونه أمري وهايب‪.‬‬
‫وقد استخدم امللك فيصل يف اإلصطالح السياسي خارج املصطلح الوهايب الكالسيكي وهو اإلسالم احلديث‬
‫وذلك من أجل تأسيس جدار إسالمي لصد التيار االشرتاكي البعثي الذي ظهر يف مخسينيات القرن العشرين‬
‫كإيديولوجيا وتيار سياسي جارف ضد األنظمة العربية ذات احلاكمية املطلقة‪.‬‬
‫وكان للمعاهد الشرعية وجامعة املدينة املنورة اإلسالمية واسناد دور فعال هلذه املؤسسات التعليمية يف عهد امللك‬
‫فيصل دورا كبريا يف هذه املرحلة‪.‬‬
‫وبتأثري انغالق الوهابية على ذاهتا وايديولوجيتها االستبعادية وبتأثري احلرية واالستقاللية وعدم التعرض لالستعمار‬
‫فإن اململكة العربية السعودية اىل ذلك الوقت مل تكن قد عرفت التيارات السياسية اإلسالمية واملتطرفة‪ .‬وقد لعب‬
‫القادمون اىل السعودية من دول خمتلفة مثل سوريا ومصر والعراق حيث تعرضوا لضغوط سياسية ودينية يف بلداهنم‬
‫وكان هؤالء الطلبة ذو ميول سلفية دورا هام يف محل لواء اإلسالم اىل اململكة العربية السعودية وكان غالبية هؤالء‬
‫الطلبة على ارتباط جبماعة االخوان املسلمني وقد كانت حركة جيهمان العتييب اليت دعت نفسها جبماعة االخوان‬
‫بعمل االعرتاض وانتقاد الدولة والنظام السعودي وكان ذلك عام ‪ 1979‬حيث قاموا هبجوم دموي على املسجد‬
‫احلرام برفقة عناصر ادعوا اهنم من اتباع املهدي (املسيح) على أهنم حيملون الفكر السلفي الوهايب وبالنظر اىل‬
‫أفكار جيهمان العتييب ونوع وطريقة املعارضة والطلبات اليت طلبها تبني الفرق الواضح (اجللي) بني الشخصية‬
‫الرمسية للسلفية السعودية والصورة اليت رمسها من خالل أعماله وكان جهمان يتهم النظام السعودي القامت على‬
‫التفاهم واالتفاق بني العامل واألمري عام ‪ 1744‬بااالبتعاد عن روح هذا االتفاق وكما اهتم النظام السعودي بانشاء‬
‫اتفاقات مع الكفار وبعثرة مقدرات البلد وفتح األماكن املقدسة للعساكر واملوظفني األجانب ووضع حواجز يف‬
‫طريق اجلهاد ضد الكفار واملشركني‪.‬‬
‫وبعد جناح الثورة اإلسالمية يف إيران عام ‪ 1979‬وبالرغم من خالفهم املذهيب مع النظام اإليراين اجلديد ال ميكن‬
‫أنكار أنه أعطى احلافز للسلفيني باالجتاه حنو السياسة‪ .‬ولكي يتم تطبيق هذا االجتاه بشكل عملي مت دعم واسناد‬
‫جمموعات جهادية معروفة يف حرب أفغانستان بني عامني ‪.1988 – 1979‬وقد محل اجملاهدون العرب الذين ذهبوا‬
‫اىل افغانستان ميزة التطرف من البيئة اجلهادية اليت عاشوا فيها وعليه فقط شهدنا بني عام ‪ 1980 – 1970‬تطورات‬
‫جذرية يف فكر السلفية‪ .‬يف هذه املرحلة سيخفت فكر الوهابية التقليدية يف التعابري الدينية اجلديدة بينما ستكثر‬
‫تعاليم اإلسالم احلنيف واملتطور ومن أهم ما مييز هذه املرحلة ظهور علماء جدد مثل ناصر العمر ‪ -‬عائض القرين‬
‫‪ -‬إبراهيم الدويش ‪ -‬حممد بن سعيد القحطاين وهم نسل جديد من علماء السلفية وأطلقوا على أنفسهم شيوخ‬
‫الصحوة على خالف شيوخ التقليدية السلفية مثل عبد العزيز بن باز ‪ -‬ابن عثمني‪.‬‬
‫ونذكر من أهم األمساء اليت تقدم هذا اجليل‪ :‬سلمان العودة ‪ -‬سفر احلوايل‬
‫وقد أدى التهاون يف تعاليم الدين والتساهل يف تطبيق تعليماته من قبل املواطنني السعوديني اىل التساؤل من علماء‬
‫السلفية يف حالة الذعر اىل أين حنن ذاهبون‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫ويف عام ‪ 1991‬وخالل حرب اخلليج ووقوف النظام السعودي اىل جانب الواليات املتحدة األمريكية والسماح‬
‫بتمركز أفراد اجليش األمريكي يف أراضي اململكة‪.‬‬
‫وانشاء قواعد عسكرية بإذن رمسي من حكومة اململكة القى انتقادات كثرية‪ ،‬أن هذه األحداث والتطورات السلبية‬
‫كانت يف نظر البعض سببا لضياع مفهوم ومعىن شرط الطاعة الذي قدمه ابن عبد الوهاب على السعوديني قبل‬
‫‪ 250‬سنة أي أن اإلدارة السعودية بدأت بضياع مشروعيتها الدينية‪.‬‬
‫وكدليل واضح على ذلك نسوق الرسائل الصرحية اليت كتبها عُودة اىل امللك فهد عام ‪ 1991‬و احلوايل اىل مفيت‬
‫الديار السعودية بن باز وكانت اللغة واللهجة اليت تتضمنها الرسائل خمتلفة وبشكل واضح عن أقوال بقية شيوخ‬
‫السلفية وخصوصا بعد حرب اخلليج عام ‪ 1991‬عندما وقفت السعودية اىل جانب الواليات املتحدة األمريكية‬
‫وبعد احلرب ومبوازاة تلك التطورات اليت حصلت يف السياسة اخلارجية والداخلية مما أدى اىل االنتقاد الشديد وعلى‬
‫غري العادة وبأسلوب حاد لسياسة اإلدارة السعودية‪ ،‬وأكثر من ذلك وصل األمر اىل مطالبة البعض بسلسلة من‬
‫اإلصالحات تتضمن حرية الرأي وحق املشاركة يف إدارة اململكة‪.‬‬
‫وقد تضمنت هذه الرسائل الطلب من اإلدارة السعودية أيضا الرجوع يف نواحي احلياة اىل تطبيق القوانني الشرعية‬
‫وفتح الربامج واإلجراءات احلكومية لألشراف والرقابة من قبل العلماء وأسلمة مفردات مؤسسات التعليم وتطوير‬
‫نظام رقايب على اإلعالم وكما متت املطالبة بتأسيس جيش قوي لنصرة املظلومني من املسلمني وحماربة أعداء الدين‬
‫وعلى رأسهم اليهود‪ .‬املصدر (دكمجيان ‪ 1994‬ص ‪ )630-4‬وقد اعتربت هيئة كبار علماء الدين وهي املؤسسة‬
‫األعلى وعلى رأسهم بن باز أن اآلراء اليت أوضحها العودة واحلوايل يف كتاباهتم ضارة وهذه الفعاليات واألنشطة‬
‫اليت قاموا هبا نوع من الفتنة وبناء على هذه الفتوى مت عزل هؤالء العلماء من وظائفهم ومنعت كتبهم من التداول‬
‫وذلك يف عام ‪ 1994‬ومت القبض عليهم وأودعوا السجن حىت حزيران عام ‪ 1999‬ملدة ‪ 5‬سنوات وكان الشيخ سفر‬
‫حوايل كتب رسالة مطولة اىل الشيخ بن باز خالل حرب اخلليج األوىل بعنوان (كشف الغمة عن علماء األمة)‬
‫فقد مت نشر هذه الرسائل على شكل كتاب ويتضمن هذا الكتاب االنتقاد العلين والصريح لعلماء اململكة الذين‬
‫افتوا ملساعدة ودعم القوات األمريكية يف حرب اخلليج وبتفصيل كبري ويف خامتة كتابه بني أنه على النظام السعودي‬
‫اخليار بني شكلني خمتلفني لنظام احلكم (الدولة) أحدمها (دولة العقيدة) وهتدف اىل اجلهاد واألمر باملعروف والنهي‬
‫عن املنكر واألخر (دولة الرفاهية) وغاية هذه الدولة الوصول اىل الغايات واألغراض الدنيوية والتشبه بالغرب هي‬
‫وسيلة هلذه الغايات‪ ،‬ويف كتاب أخر (احلوايل‪ 1991 :‬ص ‪ )62-59‬خالل حرب اخلليج األوىل بعنوان (حقائق حول‬
‫أزمة اخلليج) وبتكرار أراء مشاهبة ملا ورد يف كتابه األول اعترب أن القوات األجنبية والقواعد العسكرية التابعة هلا يف‬
‫اململكة العربية السعودية هي قوات احتالل وهذا االدعاء باالحتالل استخدم من قبل املعارضني اإلسالميني يف‬
‫اململكة كحجة هامة ودامغة أيضا‪ .‬وأيضا سيتم فيما بعد اسناد هذه احلجة الكتساب مشروعية فقهية لألعمال‬
‫املتطرفة ضد األجانب يف امللكة السعودية وقد ظهر جليا الفرق الواضح واخلالف بني تيار السلفية السعودية رأي‬
‫(رأي علماء السلفية الرمسي للدول) وبني التيار السلفي اجلهادي املعارض وسنبني أهم هذه الفروق فيما يلي‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫السعودية‪ :‬بأقواهلم تأيت العقيدة أوالً وليس النشاط‪ ،‬حيث أن فعاليات الدعوة واجلهاد ال جدوى هلا ما‬ ‫• ‬
‫مل تقرتن باكتساب عقيدة راسخة‪.‬‬
‫اجلهادية‪ :‬اإلميان مع النشاط والفعاليات حيث أن احلياة عبارة عن اإلميان واجلهاد ونظراً ألمهية اإلميان‬ ‫ ‬
‫والعقيدة فإن ملسائل املصاعب (الصعوبات) االجتماعية واالقتصادية والسياسية اليت تعصف باألمة‬
‫واملكائد اليت حتيكها القوة اإلمربيالية ضد املسلمني األمهية ذاهتا‪.‬‬
‫السعودية‪ :‬ترتكز كتاباهتم وأحاديثهم على مواضيع مثل البدعة والصالة واحلج والنكاح والنقاب واللحية‬ ‫ •‬
‫والقرب‪.‬‬
‫اجلهادية‪ :‬ترتكز أحاديثهم وكتاباهتم على مواضيع مثل الدولة واحلاكمية واليهود والصليبية واألمريكان‬ ‫• ‬
‫واملؤامرات الصهيونية واحلروب السياسية واستمرارية اجلهاد واملعجزات اليت حتصل يف اجلهاد‪ ،‬وأيضا يركزون‬
‫يف أحاديثهم عن الشهادة والشهداء‪.‬‬
‫السعودية‪ :‬يعتربون اإلدارة امللتزمة بالدين من أعمال اخلوارج‪ ،‬وال جيب اخلروج عن طاعة ويل األمر ما دام‬ ‫• ‬
‫يصلي‪.‬‬
‫اجلهادية‪ :‬جيب النظر إىل اإلجراءات اليت يقوم هبا احلاكم بغض النظر عن شخصية ويل األمر وااللتزام‬ ‫• ‬
‫حبياة دينية شرعية‪ ،‬ومن أهم احلجج اليت ساقها أصحاب هذا الفكر ومنهم ابن تيمية يف فتواه املشهورة‬
‫الفتوة الططرية بوجوب حماربة املغول الذين أسلموا على اعتبار أن القوانني اليت عمل هبا املغول غري شرعية‬
‫وتكفري حكام املغول ووجوب حماربتهم‪.‬‬
‫السعودية‪ :‬األمثلة اليت ساقوها من املاضي أن أمحد بن حنبل قد صلى مقتديا خلف القادة واألمراء‬ ‫ ‬
‫العباسيني الظلمة املؤمنني بالبدع‪ ،‬ذهاب ابن تيمية اىل قائد املغول هاكان (غازان هان) اثناء حماصرته‬
‫للشام وطلب األمان منه ومنع حدوث جمازر ألهل الشام‪ ،‬دخول حممد بن عبد الوهاب يف محاية العائلة‬
‫السعودية‪.‬‬
‫اجلهادية‪ :‬األمثلة اليت ساقوها من املاضي‪ :‬مقاومة أمحد بن حنبل بشجاعة ضد التعذيب الذي تعرض‬ ‫• ‬
‫له من العباسيني‪ ،‬حماربة ابن تيمية بالسالح ضد املغول‪ ،‬بدء اجملادلة الفعلية يف شوارع بغداد ضد احلرام‬
‫من قبل األمام برباهاري وابن عبد الوهاب الذي قام حبملة جهادية ضد املشركني والفاسقني يف العربية‬
‫السعودية‪.‬‬
‫السعودية‪ :‬اختاذ موقف سليب من قضية فلسطني وكشمري والشيشان‪ ،‬وعدم اخلوض يف حروب تلك‬ ‫• ‬
‫املناطق وذلك بسبب عدم وجود إذن أو أمر حاكم شرعي‪ ،‬مل تكن األمة جاهزة للجهاد املسلح بعد‪،‬‬
‫ويف هذه احلال أفضل ما ميكن فعله أو عمله ترك الشرك أو التفاف حول التوحيد ودعوة املسلمني وعمل‬
‫على توحيد صفوفهم على عقيدة السلف الصاحل‪.‬‬
‫اجلهادية‪ :‬اجلهاد وظيفة ال ميكن تأجيلها‪ ،‬ويف حال عدم وجود قيادة شرعية للمسلمني املؤمنني على‬ ‫ ‬
‫اجلماعات اإلسالمية إعالن اجلهاد والقيام به حتت إمرة قائد منهم تتم مبايعته من قبل هذه اجلماعات‪.‬‬
‫السعودية‪ :‬قريبني من التيارات امللكية واالوليغارشية (فئة قليلة حاكمة) بعيدين عن املبادرات وامليول‬ ‫• ‬
‫الدميقراطية‪ ،‬ويتم اعتبار الدميقراطية التمثيلية واالشرتاكية على أهنا من البدع‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫ اجلهادية‪ :‬وكما يف السعودية يوجد يف البنية اجلهادية فروع غري دميقراطية‪ ،‬من أهم العوائق اليت تعرتض‬
‫الصحوة اجلهادية مثل دكتاتوريات العربية املطلقة أو الفئوية فإن من أهم البنود اليت تتكون منها األجندة‬
‫(املفكرة) اجلهادية ما ميكن مطالبته يف إطار العدالة واحلرية واالشرتاكية‪.‬‬
‫• السعودية‪ :‬عدم التقارب واالبتعاد عن العمل املشرتك مع بقية اجلماعات واحلركات اإلسالمية وللتعامل‬
‫مع مجاعة أخرى جيب عليهم أن يلتزموا خبط السلفية الصحيحة (االلتزام بالقرآن والسنة) وعند عدم حتقق‬
‫هذا الشرط جلماعة ما فيجب االبتعاد عنها لزوما ملبدأ اهلجر‪.‬‬
‫ اجلهادية‪ :‬ميكن انشاء حتالفات ضرورية مع مجاعات إسالمية غري سلفية لتشكيل صف قوي ضد القوى‬
‫االمربيالية الكافرة مع وضع اخلالفات والفروق املبدئية جانبا ويتم البحث يف هذه الفروق الحقا وميكننا‬
‫مشاهدة ذلك جليا ونتاجا‪ ،‬لذلك التحالف الذي حصل بني القاعدة وطالبان ذات األصول احلنفية‬
‫الصوفية‪.‬‬
‫ السعودية‪ :‬ال يعتربون الذين يعملون كبائر كفار ويقولون بإمكانية تواجد الكفر واإلميان بنفس الشخص‬
‫لفرتة ما‪.‬‬
‫• الكفر دون الكفر (الكفر ما حتت الكفر) الكفر ال ينقل عن امللة (الكفر الذي ال خيرج عن الدين من‬
‫استخدام ملصطلحات خمففة‪.‬‬
‫ اجلهادية‪ :‬يف موضوع التكفري يكونون أكثر راحة وأسرع حكما حيث أهنم يستخدمون وبكثرة مصطلحات‬
‫مثل‪ :‬األمة الضائعة أو اجملتمع اجلاهلي وهذه املصطلحات تؤدي اىل تكفري اجملتمع بكامله‪ ،‬وهذه إشارة‬
‫اىل النزعة التكفريية عند اجلهادية‪.‬‬
‫وبالرغم من كل هذه االختالفات والفروق بني التيارات اجلهادية والسلفية السعودية فإهنا تتفق يف املبادئ األساسية‪.‬‬
‫(اإلسالم هو السنة والسنة هي اإلسالم)‪.‬‬
‫االميان هو عبارة تصديق وإقرار وعمل‪ ،‬حيث الرؤية الصحيحة واحلق يف مواضيع خمتلفة مثل صفات اهلل ‪ -‬رؤية‬
‫اهلل ‪ -‬الشفاعة ‪ -‬الدجال ‪ -‬املهدي ‪ -‬نزول سيدنا عيسى ‪ -‬عالقة الدعاء بالشرك ‪ -‬زيارة القبور ‪ -‬حكم الرقية ‪-‬‬
‫األخذ باملنت الظاهري هو السبيل الوحيد للخالص من العذاب األبدي للمؤمن‪.‬اخل‪ ،‬هي ما قاله وعمل به علماء‬
‫السلفية وخباصة جيب متابعة اجملادلة واحلرب ضد البدع واملبتدعني وخصوصا الشيعة وأصحاب الطرق‪.‬‬
‫وميكننا اعتبار السلفية اجلهادية والوهابية احدى مركبات اإلسالم السياسي احلديث وقد ازعجت املؤسسة السلفية‬
‫من الرتكيبية اليت ظهرت اىل العلن وحيث ان هذا التوجه احلديث واملعارضة للسلفية مضادة لروح الوهابية اليت‬
‫اختذت الدولة الدينية يف أيديولوجيتها يف كل حني‪.‬‬
‫ما ازعج االسالمني أيضا كما أنه ميكنها أن تصطدم يف بعض األحيان مع اجلماعة واألفكار اليت تصبح خارج‬
‫السيطرة مع عدم إمكانية توقع ما تنتجه هذه اجلماعات‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫القاعدة واجلهاد العاملي‪ :‬عوملة اجلهاد‬


‫لقد ظهرت ما يسمى بالقاعدة حديثا وتعىن باللغة العربية األساسي كفصيل وتشكيل منظم بعد انتهاء احلقبة‬
‫اجلهادية يف أفغانستان يف عام ‪ 1988‬م وعند البحث عن تاريخ تسلسل منظمة القاعدة ال بد من ذكر اسم الدكتور‬
‫عزام (‪ )1989 – 1941‬االكادميي يف العلوم الدينية ذو األصول الفلسطينية وقد أسس مكتب اخلدمات ومن‬ ‫عبد اهلل َ‬
‫خالل هذا املكتب كان يقدم للمجاهدين العرب القادمني ألفغانستان كل أنواع الدعم واملساعدة املادية والتدريب‬
‫العسكري وقد عرف الدكتور عبد اهلل عزام الذي اطلق مقولة (انضم اىل قافلة اجلهاد أنت أيضا)‪ .‬ما أدى اىل‬
‫جذب اجملاهدين العرب اىل احلرب الساخنة وبعد وفاة الدكتور عبد اهلل عزام حتمل رجل االعمال السعودي أسامة‬
‫بن الدن (‪ )2012 – 1957‬أعباء قيادة وتنظيم اجملاهدين األجانب وكان معظمهم من العرب ومع انسحاب القوات‬
‫السوفيتية من أفغانستان وبتوافد اجملاهدين يف هذه الفرتة كان قد بلغ عدد اجملاهدين ما يقارب ‪ 35.000‬ومع انتهاء‬
‫اجلهاد عاد بعض هؤالء اجملاهدين اىل بلداهنم وقسم منهم انتقل اىل اجلهاد يف البوسنة وكوسوفو والشيشان وبقي‬
‫قسم من هؤالء يف أفغانستان ونتيجة للمالحقات القانونية فقد اصبحوا غري شرعيني ويف حال عودهتم اىل بالدهم‬
‫سيتعرضون للمساءلة األمنية والتحقيق ومع اكتساهبم املهارات العسكرية والفنون احلربية فقد كان قبوهلم يف بلداهنم‬
‫الديكتاتورية وذات احلكم املطلق للفئة احلاكمة مثل اجلزائر ‪ -‬مصر ‪ -‬السعودية ‪ -‬العراق ‪ -‬اليمن ‪ -‬ليبيا ‪ -‬سوريا‬
‫‪ -‬ضربا من املستحيل يف مثل هذه الظروف‪ ،‬وكان قسم كبريا منهم بقي يف أفغانستان ويسمى هذا القسم األفغان‬
‫العرب وهو الذين شكلوا النواة الرئيسية بقيادة أسامة بن الدن ملا يسمى بتنظيم القاعدة‪.‬‬

‫للحصول على معلومات عن األفغان العرب وتأسيس منظمة (تنظيم القاعدة) ميكن االستعانة‬
‫بكتاب عبد اهلل انس وهو بعنوان‪ :‬والدة األفغان العرب‪ :‬سرية عبد اهلل أنس بني مسعود وعبد اهلل‬
‫عزام (لندن ‪.)2002‬‬

‫بعد انتهاء فرتة اجلهاد بائت حماوالت القاعدة للخروج من أفغانستان أثناء احلرب األهلية بالفشل‪ ،‬ونتيجة للحرب‬
‫األهلية يف أفغانستان استطاعت حركة طالبان يف عام ‪ 1994‬االستيالء على أجزاء واسعة من البالد وقد ساعد‬
‫االتفاق الذي حصل بني القاعدة وطالبان على اجتياز املرحلة ما بعد اجلهاد بسهولة ويسر‪.‬‬
‫وقد ظهرت السلفية يف أفغانستان يف ظل األوضاع السائدة يف البالد من حرب االستقالل وبشكل متداخل‬
‫ومتناغم بشكل طبيعي مع أيديولوجيا اإلسالم السياسي وهذا الوضع فتح الطريق امام اتفاق التنظيمات املتطرفة‬
‫ذات األصول املصرية حول القاعدة‪ ،‬كان من أهم دعاة هذه التنظيمات الدكتور عمر عبد الرمحن من اجلماعة‬
‫اإلسالمية والدكتور أمين الظواهري من تنظيم اجلهاد وكان هلما أثر كبري وإضافات هامة على أيديولوجيا القاعدة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫ويف عام ‪ 1996‬بعد تأسيس اإلمارة اإلسالمية يف أفغانستان وجدت القاعدة يف هذه اإلمارة احلماية القوية اليت‬
‫كانت ترنو إليها‪ .‬وبعد ذلك وبتأثري أيديولوجيا اإلبعاد والتدهيش ذات املنشأ املصري سيتم التحول اىل فكر اجلهاد‬
‫العاملي عوملة اجلهاد وحبسب الفتوى اليت أصدرها أسامة بن الدن عام ‪ 1998‬واليت جتعل من األمريكان واليهود‬
‫هدفا هلم أينما وجدوا‪.‬‬
‫واهلدف األساسي للجهاد العاملي هو األمريكان ومن اتفق معهم‪ .‬ومتت إضافة البلدان اخلليجية والعربية اليت ال‬
‫تطبق تعاليم اإلسالم واليت وقفت اىل جانب االمريكان والقوى الغربية يف حرب اخلليج األوىل عام ‪1991- 1990‬‬
‫اىل خانة اهلدف املعلن يف اجلهاد العاملي وقد نفذت القاعدة عمليتني انتحاريتني يف مدينيت الرياض وظهران عام‬
‫‪ 1996 -1995‬يف إطار هذا اهلدف‪ .‬وقد اعتربت العمليتني االنتحاريتني اليت نفذهتما القاعدة عام ‪ 1998‬يف تنزانيا‬
‫وكينيا ضد السفارتني األمريكيتني وراح ضحيتها ‪ 213‬قتيل و‪ 4300‬جريح أول وأكرب عمليتني إرهابيتني من الفكر‬
‫اجلهادي العاملي‪.‬‬
‫ومت اعتبار تفجري برجي التجارة العاملي والبنتاغون األمريكي يف أيلول عام ‪ 2001‬من أكرب العمليات اليت تبنتها‬
‫القاعدة وبعد احداث ‪ 11‬أيلول عام ‪ 2001‬واحتالل أمريكا ألفغانستان واندحار حركة طالبان تعرضت قوات‬
‫تنظيم القاعدة لضربة قاسية مما اضطرهم للخروج خارج أفغانستان وخصوصا اىل مشال باكستان وقد قتل قسم‬
‫كبري من قادة التنظيم يف املعارك واعتقل قسم منهم حيث مت سوقهم اىل غوانتانامو لكن تشكيالت القيادة مع‬
‫خسارة زخم كبري من قابلية احلركة متكنوا من البقاء واالستمرار ومازالوا حىت يومنا هذا يتابعون نشاطهم يف أماكن‬
‫خمتلفة من العامل اإلسالمي يف نقل أفكار التنظيم جملموعات صغرية أو كبرية ذات توجه أيديولوجي تؤمن باحلرب‬
‫أداة للجهاد وهناك اعتقاد أنه ال يوجد تسلسل هرمي أو عالقة قيادة وأوامر مباشرة بني القيادة والقاعدة ويعتقد‬
‫أيضا ان القبول باجتماع اجملموعات اإلرهابية يف مناطق خمتلفة من العامل اإلسالمي شرط اتباع املبادئ األساسية‬
‫للمركز ‪ -‬للقيادة ‪ -‬وأتباعهم ملبادئ السلفية واثبات أنفسهم يف العمليات اجلهادية يف ساحات احلرب املختلفة‪.‬‬
‫لقد كان االنزالق حنو التطرف واإلرهاب الذي بات يأخذ شكل نظام احلياة يف اجلهادية السلفية بقيادة أسامة‬
‫بن الدن من األسباب الرئيسية النتقادات قسم كبري من علماء اجلهادية وعلى رأسهم ما يعرف بعلماء الصحوة‪،‬‬
‫ولقد تركزت انتقادات هؤالء العلماء يف ثالثة نقاط رئيسية‪:‬‬
‫‪ .1‬اهتام التنظيم للحكام والعلماء بالكفر دون االستناد اىل أسباب موضوعية‪.‬‬
‫‪ .2‬لقد حولت القاعدة الدولة ذات الغالبية اإلسالمية اىل ساحات حرب حقيقية وذلك بسبب األعمال‬
‫الدموية اليت نفذوها‪.‬‬
‫‪ .3‬لقد كان بن الدن ورفاقه خالل عملياهتم يستهدفون املدنيني وهو ما خيالف التعليمات وقوانني احلرب يف‬
‫الدين اإلسالمي‪.‬‬

‫االختالفات اجلهادية‬
‫وبالنظر اىل تسجيالت الصوتية واملرئية وروايات ورسائل ومئات املقاالت اليت وردت يف املواقع االلكرتونية نرى‬
‫اختالفات كثرية وواضحة فكريا وعمليا يف مواضيع هامة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫(يف بنية التيار السلفي اجلهادي)‪.‬‬


‫• هل يعترب تطبيق الشريعة اإلسالمية يف التشريع والقضاء والتنفيذ شرط كايف ملشروعية نظام حكم ما؟‬
‫• أو هل جيب الختاذ هذا القرار النظر اىل باقي اإلجراءات اليت تقوم هبا مثل العالقات واالتفاقات اليت‬
‫تربمها وما شابه من هذه اإلجراءات؟‬
‫• هل جيب ان تكون األولوية بناء دولة إسالمية على أراضي الشعوب املسلمة ام اجلهاد وحماربة األعداء‬
‫اخلارجيني مثل أمريكا وإسرائيل؟‬
‫• هل ميكن اعتبار انشاء دولة إسالمية أو إمارة يف منطقة ما وإعالن هذه اإلمارة أو الدولة على الرأي العام‬
‫العاملي دون حتقيق أركان استمرار وجناح هذه الدولة نتاج اسرتاتيجية صحيحة؟‬
‫• هل احلاكمية املطلقة امللزمة هي لفتاوى علماء معتربين أو ميكن لقيادة مجاعة ما بانتاج الفقه اخلاص هبا؟‬
‫• هل االشرتاك أو الدخول يف حزب سياسي أو برملان جائز أم ال؟‬
‫• هل جيوز العمل كموظف أو الدراسة يف مدارس وجامعات رمسية تابعة للدولة؟‬
‫• بعد تكفري النظام والدولة‪ ،‬هل سيتم تكفري العسكر والشرطة والقضاة واحملاميني الذين يعملون يف‬
‫مؤسسات الدولة ‪ /‬التكفري التسلسلي‪.‬‬
‫ • بعد تكفري الدولة هل سيتم تكفري الشعب الذي مل يعجبه هذا النظام ولكنه مل يعرتض علنا وبقي ساكتا؟‬
‫(التكفري العمومي)‪ ،‬أم أن جهل وعدم املعرفة والوعي والشعور للشعب سيكون سببا موجبا لعدم التكفري‬
‫العمومي‪.‬‬
‫• هل سيتم تكفري اجلماعات األخرى غري التابعة هلم؟‬
‫• بفرض مت تكفري كل هذه الفئات هل حيل للمسلم أموال وأرواح هؤالء املكفرين‪.‬‬
‫• هل جيوز يف أراضي الدولة اإلسالمية القيام بعمليات وهو ما سيؤثر على الشعوب املسلمة استخدام‬
‫أسلحة القتل اجلماعي‪.‬‬
‫• هل سيكون املدنيني من األطفال والنساء ورجال الدين من غري املسلمني يف الدولة اإلسالمية أو غري‬
‫اإلسالمية هدفا جهاديا‪.‬‬
‫• ما هو مقياس وحدود حرية املسلمني من أهل البدعة (التمييع)‪ ،‬وهل ميكن إقامة عالقة صداقة معهم‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬وهل ميكن النظر إليهم بسماحة أو أن نعاملهم باحلسىن‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬التمييع تعين باللغة اإلذابة واالحنالل والرتاخي والتليني والتخفيف واإلطفاء والتجميل وإضافة املاء تعين‬
‫االحالل واالضمحالل واإلقالل من القيمة‪ .‬هو مصدر فعل ميع‪.‬‬
‫أما التمييع اصطالحا فهو مصطلح جديد يطلق على األشخاص واجملموعات اليت ال متثل السلفية وتكون العالقة‬
‫بينهما غري موزونة‪.‬‬
‫ما يذكر مبصطلحاتكالسيكية (تقليدية) مثل (املدارة واجملاملة) واسم الفاعل من هذه الكلمة مميع‪ ،‬وهذا الشخص (املميع) إما‬
‫لعدم معرفته خبصوص االعتقاد الصحيح أو أنه يف هذا املوضوع ذو معلوماتكافية ولكن ألسباب سياسية ومليوله االصالحية‬
‫يكون قد اختلق نوع من الغموض واالنغالق خبصوص أين تقع احلقيقة بني من هم من السلفيني وغريهم‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫الدولة االسالمية يف العراق والشام كنموذج لالنتقال من السلفية إىل اخلارجية (داعش)‬
‫لقد شكل الثالثي الطار االميان عند أهل احلديث والسلفية املتمثل بالتصديق واإلقرار والعمل دائماً أرضية للمرور‬
‫إىل الفكر اخلارجي حيث أنه وبنفس الشكل يعترب العمل جزء ال يتجزأ من االميان عند اخلوارج‪ ،‬وترك العمل من‬
‫قبل املؤمن واقرتافه املعاصي ميكن مساواته نظرياً بالكافر‪ ،‬وقد كان ملفهوم الكفر الذي ال خيرج عن امللة (الكفر ال‬
‫ينقل عن امللة) الذي خرج به بعض العلماء مثل ابن تيمية ادى إىل قطع الطريق أمام التقارب والتشابه واالنتقال‬
‫إىل اخلوارجية الذي هو موضوع حديثنا‪.‬‬
‫إن تنظيم الدولة االسالمية يف العراق و الشام كان نتيجةً لفكر اجلهادي العاملي وقد جتاوز بأسلوبه التكفريي‬
‫كل احلدود وحماربته التشكيالت والقوى واحلركات االسالمية وعدم حماربته للظلمة و غري املسلمني كان من أهم‬
‫األسباب اليت أدت إىل اهتامه من قبل القوى و احلركات االسالمية و السلفية اجلهادية وعلى رأسها القاعدة‬
‫باخلوارجية (اخلوارج) ويعترب بداية تشكل تنظيم داعش مع انتقال أبو مصعب الزرقاوي ذو األصول األردنية وهو‬
‫يعد املؤسس و القائد هلذا التنظيم من أفغانستان حيث كان حبماية تنظيم القاعدة إىل العراق للجهاد ضد االحتالل‬
‫األمريكي عام ‪ 2003‬م‪.‬‬
‫وقد مت انتقاد أبو مصعب الزرقاوي من قبل قائد القاعدة آنذاك أمين الظواهري العتقاده بأن التصرفات اليت قام‬
‫هبا الزرقاوي وحتت مسمى تنظيم القاعدة يف العراق وخباصة أعمال العنف ضد الشيعة واملقاومة السنية والعشائر‬
‫اليت كانت ختالفه‪ ،‬واهلجمات التخريبية اليت شنها على املقابر و املقامات العائدة ملعارضني على أساس أهنا أعمال‬
‫غري صحيحة اسرتاتيجياً ومع تكرار الظواهري على أن الشيعة فئة ضالة وذات عقيدة فاسدة ومتعاملة مع اخلوارج‬
‫كان على قناعة أن إذكاء احلرب واجملادلة ضد الشيعة وهم األكثرية بالعراق سيؤدي إىل شق الصف وإراحة العدو‬
‫األصلي أال وهو أمريكا‪ ،‬ومن جهة أخرى كانت األعمال اليت يقوم هبا الزرقاوي وجمموعته من القتل والذبح العلين‬
‫للمعتقلني والرهائن وعرضها على وسائل االعالم تقلق الظواهري أيضاً وكان الظواهري يوصي باالبتعاد عن هذه‬
‫االعمال الشنيعة قدر املستطاع ألهنا تعكس صورة سلبية يف الرأي العام مع اعتبار أن مثل هذه األعمال ميكن‬
‫غض النظر عنها يف احلروب‪.‬‬
‫وبسبب األسلوب الذي انتهجته القاعدة يف العراقكانت اخلالفات بينها وبني القيادة املركزية تزداد وتكرب حىت وصلت‬
‫إىل شكل معقد بعد وفاة الزرقاوي عام ‪ 2006‬الذي قد أعلن قبيل وفاته بتأسيس الدولة اإلسالمية يف العراق‪ ،‬وكان‬
‫أسامة بن الدن من مناصري تأسيس الدولة بعد جناح هام على الساحة وأي إعالن لتأسيس الدولة دون وجود جناحات‬
‫وبىن حتتية سيكون خطأً اسرتاتيجياًكأنه استقرأ هذه التطورات يف املشاكل اليت سيتعرض هلا القائد من بعده‪.‬‬
‫إن اسرتاتيجية تأسيس إمارة أو دولة مبجرد السيطرة على مساحات صغرية دون إضاعة الوقت وإعالن تشكيل‬
‫القيادة هلذه الدولة ومن مث تأسيس احملاكم الشرعية وحماولة تطبيق احلدود والقوانني الشرعية مل يالقي قبوالً من قبل‬
‫أسامة بن الدن ورفاقه املقربني من القادة واجلهاديني وبسبب العصيان الذي بدأ عام ‪ 2011‬يف سورية ضد نظام‬
‫األسد وبانتقال املقاتلني السوريني الذين كانوا يف بنية تنظيم الدولة يف العراق وتأسيسهم جلبهة النصرة هي مرحلة‬
‫هامة أخرى من وجهة نظر موضوع حبثنا‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫وبسبب ارسال قسم من القوات العسكرية و القادة امليدانيني للدولة االسالمية يف العراق و الشام إىل سورية من‬
‫أجل حتريرها ومبشاركة احملاربني االجانب (الغرباء) فقد تشكلت قوات مسلحة ال يستهان هبا يف سورية ولذلك مت‬
‫تغيري اسم التنظيم إىل (تنظيم الدولة االسالمية يف العراق و الشام) مما أدى إىل ظهور خالفات جدية بني داعش‬
‫والنصرة‪.‬‬
‫ومن النداءات واملطالبات اليت قامت هبا القيادة املركزية للقاعدة من التنظيمني الذي ينشط أحدمها يف سورية‬
‫واالخر يف العراق على اعتبار أهنما يتبعان لتنظيم القاعدة أن يتابعا احلرب وعملياهتم االرهابية ودعم بعضهم‬
‫البعض مع بقاء القادة كل يف موقعه وذلك مل يعد مقبوال من داعش‪.‬‬
‫وبالتصرحيات اليت أعلن عنها قائد تنظيم داعش أبو بكر البغدادي خبصوص عدم االلتزام باحلدود اليت رمستها القوى‬
‫االمربيالية بعيد احلرب العاملية األوىل‪ .‬وكان من نتاج حرب التنظيم ضد القوات املعارضة لقوات االسد واالستيالء‬
‫على األراضي واملناطق اليت حررها املعارضون بدال من حماربة االسد من االسرتاتيجيات اليت تعيد النظر وتشد انتباه‬
‫اجملتمع الدويل‪ ،‬وقد أحلقت األعمال اليت قام هبا داعش أضرارا كبرية على بقية احلركات والتنظيمات االسالمية يف‬
‫هذه املرحلة‪.‬‬
‫ويف نفس املرحلة وضمن إطار املشروعية املستندة على االيديولوجيا الوهابية السلفية اتبع التنظيم سياسة التوسع‬
‫عرب االستخدام الشنيع للقوة واالرهاب وأيضا يف هذه املرحلة مت قتل واغتيال أعضاء القيادة واألفراد من املنافسني‬
‫االسالميني مبا فيهم أعضاء القاعدة سواء يف سوريا أو العراق واتبعوا يف املناطق اليت استولوا عليها وجناحه يف مناطق‬
‫األكراد والنصريية سياسة القتل اجلماعي واجملازر الفظيعة‪ .‬ومع السيطرة على مدينة الرقة االسرتاتيجية وبعدها‬
‫السيطرة على أجزاء كبرية من دير الزور واالنتقال عرب احلدود العراقية إىل االنبار أدى إىل توسيع مناطق سيطرة‬
‫التنظيم والتحكم مبقدراهتا‪.‬‬
‫وبعد ذلك سقطت املوصل وهي ثاين أكرب حمافظة يف العراق حتت سيطرة التنظيم‪ .‬وكانت املساحة اليت سيطر‬
‫عليها تقابل مساحة دولة بكل املقاييس على اخلرائط اجلغرفية وهبذا تكون داعش قد اكتسبت الثقة بنفسها نتيجة‬
‫السيطرة على البنوك ومصايف ومنابع البرتول‪ ،‬وتراكم الثروة بأيدي قادة التنظيم و السيطرة على خمازن االسلحة‬
‫املختلفة ومنها الثقيلة‪ ،‬وبعد ‪ 29‬حزيران ‪ 2014‬مت تغيري اسم التنظيم إىل تنظيم الدولة االسالمية وهبذا كان باملفهوم‬
‫العوملي العودة إىل اجلذور و البدء بتأسيس اخلالفة االسالمية وإعالهنا على الرأي العام العاملي وقد كرر قائد‬
‫داعش (البغدادي – خليفة املسلمني) يف خطبة اجلمعة االوىل من شهر رمضان يف عام ‪ 2014‬إعالن اخلالفة من‬
‫جديد وطالب اخلليفة اجلديد من مجيع اجلماعات واجملموعات التشكيالت اجلهادية واملؤسسات اخلريية تقدمي‬
‫البيعة للخليفة اجلديد فورا‪ ،‬ومت رد طلب اخلليفة نتيجة هلذه اخلطوة املتطرفة من قبل معظم التشكيالت اجلهادية‬
‫وجمموعات االسالم السياسي‪.‬‬
‫وكان من أهم احلجج اليت أدت إىل وقوف هذه اجلماعات والتشكيالت ضد التنظيم هو الفكر التكفريي‬
‫واإلنزالق عن خط السلف الصحيح وبذلك مت اعتبارهم من اخلوارج‪ ،‬ومع ذلك فقد رأينا مبايعة بعض التنظيمات‬
‫واجملموعات ضمن طالبان واملقاومة االسالمية يف الشيشان وداغستان واملتطرفيني واألصوليني يف مصر للتنظيم‬

‫‪41‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫‪3‬‬
‫وخروجها عن اخلط اإليديولوجي األساسي هلذه اجملموعات‪ .‬وهبذه‬
‫احلالة ستحافظ الدولة االسالمية بشكل خاص يف الشرق األوسط‬
‫ماذا تفكرون حول األسباب اليت تتهم‬ ‫وبشكل عام يف الدول االسالمية بعد هذه املرحلة وبشكل ملفت‬
‫داعش باخلوارج؟‬ ‫لألنظار على هويتها الدينية والسياسية املتشكلة‪.‬‬

‫السلفية السياسية واجلهادية على اعتبارها موقف بني اجلهادية والسعودية‬


‫بعد عام ‪ 2005‬وبعد اختاذ الفكر اجلهادي العوملي كمنهج وتشكيل وتنويع اساليب اإلرهاب‪.‬فقد تعرضوا النتقادات‬
‫شديدة من قبل اجلماعات املضادة ألسلوب اجلهاد املتطرف وخصوصا من قبل علماء السلفية اإلسالمية أو ما يعرف‬
‫بشيوخ الصحوة‪ .‬وكماكانت االعرتافات واالنتقادات الذاتية الصادرة عن بعض قادة تشكيالت اجلماعة االسالمية يف‬
‫مصر من مكان تواجدهم يف السجون املوجهة ضد األساليب املتبعة يف سياساهتم ذو أمهية كبرية‪ .‬ومن التطورات اليت‬
‫لفتت النظر بعد عام ‪ 2011‬ويف مرحلة الربيع العريب تنظيم قسم مهم من السلفية يف أحزاب سياسية ونزوهلم إىل الشارع‬
‫وخصوصا يف مصر وحصوهلم على نسبة كبرية من أصوات الناخبني عرب اجراء انتخابات حرة ونزيهة‪.‬‬
‫يف هذه املرحلة انتجت السلفية يف حميطها الساحة السياسية اخلاصة هبا سواء السعودية أو اجلهادية وهذا التحول‬
‫السياسي وبسبب تأسيسه ومتابعة طريقه يف إطار دميقراطي جعل هذا النتاج هو نتيجة مساءلة شجاعة وكان البد‬
‫يف هذا املرحلة من معاجلة االنتقادات واالهتامات اجلدية ومواجهتها‪ ،‬ويف هذا املنوال كانت احلجة املساقة من‬
‫أجل املشروعية بشرط جعل التنازالت الدميقراطية أصغرياً وهو يستند على أن الفوائد اليت يكمن احلصول عليها يف‬
‫الساحة السياسية لصاحل املسلمني حمكوم عليها نظراً إىل االضرار احملتملة اليت تتعلق باملنهج السلفي‬
‫الكتاب ((املصدر)) كتاب بعنوان مشروعية الدخول إىل اجملالس التشريعية وقبول الوالية العامة يف ظل االنظمة‬
‫املعاصرة)) للشيخ عبدالعزيز عبداخلالق وهو من شيوخ السلفية ومن أصول مصرية‪( ،‬الكويت ‪ )1413/1993‬وهو‬
‫يبحث بشكل موجز يف موضوع املشروعية الدينية ولوازمها يف الدخول إىل الربملان‪.‬‬
‫لقد حتققت جمادلة اساليب العنف غالباً على شكل مساءلة من قبل امليول الدميقراطية يف البيئة اجلهادية وقد‬
‫كانت التطورات يف مصر مؤثرة جداً يف السلفية السعودية‪ ،‬وكما هو معروف فإن علماء السعودية ينظرون إىل‬
‫النظام الدميقراطي الذي يعتمد على األكثرية يف االنتخابات احلرة على أنه بدعة‪ .‬وكما هو معروف فإن نظام‬
‫احلكم الفئوي يف اململكة السعودية ال يسمح بوجود هذه االحزاب‪ .‬ولكن النظام السعودي شجع على تأسيس‬
‫وتنظيم أحزاب سلفية يف دول كمصر وتونس وليبيا الستخدامهم يف ساحات االنتخابات وأمنت هلم إمكانات‬
‫مادية واسعة‪ .‬وكانت السعودية هتدف من خالل تغري هذا املوقف أن تكون صاحبة كلمة يف االنظمة الدميقراطية‬
‫هلذه الدول وباألخص يف مصر من وراء الكواليس‪ ،‬واألهم من ذلك كانت هتدف إىل موازنة القوة السياسية حلركة‬
‫اإلخوان املسلمني من خالل دعم هذه األحزاب السلفية املرتبطة هبا وكانت األحزاب مثل (حزب البناء و التنمية‬
‫– حزب النور – حزب األصالة – حزب الراية) يف مصر (حزب الرشاد) يف اليمن‪( ،‬جبهة األصالة) يف تونس‪،‬‬
‫(حزب األمة الوسط – حزب الوطن) يف ليبيا‪ ،‬هي مؤسسات سياسية بنتها األطر السلفية‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املنظمات السلفية الكبرية األخرى يف املنطقة العربية واهلند‬


‫إن التنظيمات السلفية التقليدية يف مصر وباكستان ومها ممثالن ذو جذور عميقة يغذيان التيارات السلفية اليت سبق‬
‫ذكرها أعاله يف جغرافياهتم ما يقرب من قرن كامل‪.‬‬
‫وبشكل عام جند أن هذان التياران يف فكرمها وتطبيقهما العملي هم أقرب إىل موقف املذهب السعودي من قرهبم‬
‫للجهادية‪.‬‬
‫يف عام ‪ 1926‬تأسست يف مصر مجاعة أنصار السنة احملمدية ذات الفكر السلفي وبدأت تنشر فكرها عرب اإلعالم‬
‫عن طريق (الطباعة والنشر) وتكوين حلقات علمية لنوعية الناس و أيضا العمل على إزالة البدع‪ ،‬لكنهم حرصوا‬
‫بشكل كبري على االبتعاد عن السياسة و اختذوا هذا األسلوب منهجا هلم (الفقي‪ 2009 ،‬ص ‪ .)33-25‬ويف واقع‬
‫األمر كانت هذه اجلماعة مدعومة من قبل السعودية مادياً ومعنوياً‪.‬‬
‫وقد حافظت هذه اجلماعة (أنصار السنة احملمدية) على خصوصيتها باستمرار وكانت أحد أهم اخليارات من وجهة‬
‫نظر اجلمهور املتدين و املتنور‪ ،‬بني تيارين سائدين يف مصر أوهلما األزهر واملشرب الصويف األشعري واإلخوان‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫ويف القرن التاسع عشر ومع بداية ظهور مدرسة أهل احلديث‪ ،‬بفكر ونشاط وفعالية الشاه إمساعيل الشهيد (املتوىف‬
‫عام ‪ )1831‬ومبشاركة املئات من علماء السلفية واجتماعهم سوية أدى اىل تنظيم موحد حتت مسمى اجنماين‪.‬‬
‫وبسبب اختالف وجهات النظر الكبرية بني أهل احلديث بسبب موضوع االختالف يف قيمة روايات األحاديث‬
‫النبوية وبني أهل القرآن كتيار مييل اىل احلداثة ومنهم (الديوبندية البارلفية والصوفية املودودية كجماعة إسالمية‬
‫تعتمد اإلسالم السياسي كمنهج هلا)‪ ،‬قد اختذت موقف مضادا من بعضهما وأما اجلعفرية فاهتموهم بالوقوع يف‬
‫الشرك‪ .‬أما بالنسبة اىل اهل احلديث يف القسم اجلنويب يف اهلند كما هو عند السلفية يف مصر ميكن متييزهم بسهولة‬
‫من خالل شكل اللحى اليت يرتكوهنا ومن خالل حركاهتم يف الصالة على املذهب احلنبلي (‪.)1‬‬
‫وبعد انقسام اهلند يف عام ‪ ،1974‬فقد ظهرت نشاطات وفعاليات أهل احلديث يف باكستان حتت مظلة حزب‬
‫سياسي برئاسة إحسان الظاهر يف عام ‪.1986‬‬
‫يف البداية أسسوا اتفاق مع (أندية باكستان املسلمة) أو االحتاد اإلسالمي يف باكستان ذات امليول اليمينية احملافظة‬
‫بقيادة نواز شريف‪ ،‬مث اخذوا موقعهم باتفاق املسمى جملس العمل املتحد‪ .‬وكان على رأس بنية هذا االتفاق الذي‬
‫مت تأسيسه من أجل متثيل القوى اإلسالمية بشكل قوي‪ ،‬مجاعة أهل احلديث كما كان ضمن االتفاق (اجلماعة‬
‫اإلسالمية واألحزاب الشيعية اجلعفرية)‪.‬‬
‫يف البداية وبرغم السلبية اليت ينظرون هبا اىل العمل املسلح ضد االحتالل السوفييت ألفغانستان ولكن بضغوط‬
‫جاءت من داخل األحزاب وظهور تنظيم مسلح يسمى حتريك اجملاهدين من بنية أهل احلديث واختاذ (مجو ‪-‬‬
‫كشمري) مكان إلجراء نشاطاهتم‪ ،‬وكما اسلفنا كان التباع أهل احلديث للخط السلفي يف الساحة السياسية أو‬
‫جماالت اجلهاد تأثري كبري وواضح‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫ويف ثورة يناير ‪ 2011‬يف مصر أخذت مجاعة أنصار السنة احملمدية مكاهنا يف املظاهرات العامة يف الشوارع ومن مث‬
‫شاركت يف االنتخابات الدميقراطية ملينة املوقف السلفي املعروف مما كان له أثر يف حتول السلفية اىل السياسة ولو‬
‫على نطاق ضيق إن هذه احلركات املتجذرة واليت ظهرت قبل تشكل البنية املؤسساتية السلفية يف العربية السعودية‬
‫وبالرغم من حصوهلا على الدعم السعودي يف السنوات التالية فقد جنحوا باحملافظة على مواقفهم املستقلة اخلاصة‬
‫هبم وبالرغم من تقامسهم والعلماء السعوديني مجيع عناصر السلفية بشكل مشرتك فإن هذه اجلماعة كانت هلا‬
‫خصوصية مميزة عن بقية اجلماعات لكوهنا مل تأخذ موقعا يف جانب الوهابية اليت مثلت الشخصية السعودية أحيانا‪.‬‬

‫النتائج الواضحة الختالف وتباعد السلفيات‬


‫لقد اضطرت األجهزة األمنية والدولة للحد من التوجيهات اجلهادية املتطرفة اىل االتصال باجملموعات اجلهادية‬
‫املعتدلة وخاصة من هم ضمن إطار الصحوات بل وأكثر من ذلك قاموا بعمل مشرتك معهم‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فقد كانت اخلالفات والش َقة تزداد باضطراد بني الفئات السعودية واجلهادية مما أدى اىل التباعد‬
‫بني التنظيمات السلفية يف أمريكا وأوروبا أيضا‪.‬‬

‫جند فروق تالحظ فورا وخاصة يف دول ذات الشعوب اليت تتبع املذهب احلنفي‪ ،‬مثال يف الصالة قول‬
‫آمني بعد قراءة الفاحتة بصوت مرتفع‪ ،‬وضع األيدي فوق الساعد وعلى مستوى الصدر أثناء القيام‬
‫ترك مسافةكبرية بني القدمني‪ ،‬رفع األيدي عند القيام من الركوع وهي حركات مميزة للمذهب احلنبلي‪.‬‬

‫تطالب السلفية عرب كتابة رسائل تتعلق بأسلوب يذكرنا بأوضاع الشخصيات السلفية القيام بإيضاح و إظهار‬
‫أصول اجلرح و التعديل يف علم احلديث التقليدي وبيان العادل فيها واجملروح (املردود) واختاذ موقف واحد من‬
‫هذا البحث‪ .‬وأيضا السلفية السعودية‪ ،‬يف كبتهم التقليدية و بشكل يذكر بأمساء الفرقة املبتدعة مثل (القطبية‬
‫– املودودية – اإلخوانية) وما شابه حتت مسميات اختذوها‪ .‬وتصنيف السلفية اجلهادية على أهنا األحسن واختاذ‬
‫ذلك سببا للمطالبة من إخراجهم من أهل السنة‪ .‬إن السياسة االستبعادية املسيطرة يف السلفية يؤدي إىل تسارع‬
‫االنقسامات املتقدمة ضمن الفئتني فيما يشبه البيئة املتشظية للخوارج عرب التاريخ‪.‬‬
‫ومن األحداث يف املنطقة العربية واليت عرفت مبرحلة ثورات الربيع العريب واملرحلة اليت قبلها ميكن القول إن السلفية‬
‫قد عاشت مرحلة حتوالت تارخيية‪ .‬بداية جيب توضيح أنه حىت التنظيمات السلفية اليت تنتهج اخلط السلفي‬
‫السعودي بالرغم من عدم قبول شرعية املطالبة باحلقوق واالصالحات بطرق دميقراطية لعبت دورا فعاالً ونشطاً يف‬
‫تلك املرحلة‪ .‬ومبشاركة بقية اجملموعات االسالمية جند أهنم كانوا متواجدين يف املظاهرات واملسريات يف الشوارع‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ويف خطوة الحقة وبالتخلص من األنظمة الدكتاتورية مرحلياً وانتقاهلم إىل النظام الدميقراطي كدول مثل مصر‬
‫وتونس وليبيا واليمن قامت اجملموعات السلفية نفسها بتأسيس أحزاهبم السياسية واملشاركة يف االنتخابات احلرة‪.‬‬
‫وبعد ذلك ويف مرحلة الثورة املضادة جند أن قسم من السلفية دعمت احلكومات واألنظمة التسلطية اليت عادت‬
‫إىل احلكم‪.‬‬
‫وبالرغم من االنتقاد واملعارضة من قبل اجلناح السعودي أو اجلهادي من داخل السلفية يف هذا االنعطاف اجلديد‪،‬‬
‫ميكننا املالحظة واالستقراء بسهولة التحول باجتاه الوسطية واملرونة عند قسم من السلفية واالستقراء اآلخر هو‬
‫احتمال فتح الطريق أمام انقسامات خمتلفة مع احلالة املتشظية السائدة يف السلفية يف ظل التجربة يف ظل التجربة‬
‫السياسية اليت تعرضوا هلا‪ ،‬ويف ظل االنتقادات على الصعيد الديين والفتاوي الغريبة والرديات املضادة جند أنه ال‬
‫مفر من حدوث حماسبة داخلية عميقة جداً‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى ال يغيبب عن االنظار الدور الذي تلعبه السلفية احلديثة يف األعوام األخرية كواسطة عبور‬
‫لالستعمار احلديث‪ .‬وتتحرك السلفية السعودية احملمية من النظام السعودي كآلية تكسب مشروعية دينية ملصاحل‬
‫الغرب يف شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬ومن جانب آخر فإنه معلوم للجميع أن األعمال اليت قامت هبا التنظيمات السلفية‬
‫ذات امليول اجلهادية ((بالرغم من التضخيم الذي رافق هذه األعمال)) اختذت ذريعة احتالل دول مثل أفغانستان‬
‫والعراق و الصومال و مايل من قبل القوى الغربية‪ ،‬وبالرغم من عدم وجود القاعدة التقليدية للسلفية يف هذه‬
‫البلدان‪ ،‬فإن هذه املؤسسات أو التنظيمات اليت أظهرت نفسها قوات مقاومة أو مت تقدميها إىل اخلارج هبذا الشكل‪،‬‬
‫استطاعت وجنحت يف احلصول على الدعم املايل و البشري سواء من الداخل أو غريها من الدول االسالمية‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬ ‫‪2‬‬

‫إمكانية املقارنة بني الشخصية اخلاصة باملوجة‬


‫التقليدية اإلسالمية ومبعرفة اخلصائص‬
‫املشرتكة هلذه املوجة وبقية االجتاهات‬

‫يف التيار التقليدي يتم قبول التقاليد االسالمية دون شروط‪ ،‬ويتم العمل على محايتها مهما كلف األمر‬
‫اخلالصة‬

‫ومن أهم شروط التقليد استمراريته عن طريق السلسلة‪ .‬وتعطى الرتاتبية للمسلسل اهلرمي الديين أمهية كبرية‬
‫وينظر إىل هذه الرتاتبية بعني االحرتام والتقدير ويتم تقدمي املتون الدينية على احللول العقلية أصوالً‪ ،‬ويف‬
‫التنظيمات التابعة هلذه التيارات حيافظ الرجل على موقع السيادة والسيطرة يف احلياة االجتماعية‪ ،‬بينما‬
‫تكون مشاركة املرأة على نطاق ضيق وإليضاح جذور السلفية التقليدية وشروط تشكلها‬

‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬ ‫‪2‬‬

‫بيان جذور السلفية التقليدية وشروط‬


‫تشكلها‬

‫يستند ظهور التقليد السلفي إىل مدرسة أهل احلديث‪ .‬وهذا التيار الذي ظهر كرد فعل على أهل الرأي‬
‫من ضمن التيار السين ومن أجل معيشة تعاليم دينهم بناء على معرفة وفهم السلف الصاحل أي الرعيل‬
‫األول من الصحابة والتابعني‪ ،‬وعليه عرفوا يف املراحل التالية بالسلفية‪ ،‬وباالستناد إىل ذلك مت وصف فه‬
‫فهم الدين مل جاء بعدهم وهم اخللف‪ ،‬على أساس عقلي ومذهيب من البدع‪ .‬وهذا اخلط مع ابن تيمية‬
‫أخذ شكال أكثر عقالنية ومعروفا‪ ،‬أما الوهابية فينظر إليها على أهنا يف هذا املنحى نوع من التطرف‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬ ‫‪2‬‬

‫إبداء الرأي والتعليق على درجات ميول‬


‫الصدمة والتكفري يف بنية السلفية التقليدية‬
‫املعاصرة‬

‫إجراء تقييم بني الفروق األساسية املختلفة اليت تظهر يف التقليد السلفي احلديث املعاصر‪ ،‬إن التفسري‬

‫اخلالصة‬
‫اجلديد للتقليد السلفي من خالل الوهابية اليت ظهرت يف جند يف القرن الثامن عشر قد انعكس يف يومنا‬
‫هذا على شكل السلفية السعودية‪ ،‬يف هذا التيار تأخذ السلفية شكلها احلايل من آراء وتفاسري علماء‬
‫السعودية‪ .‬وكان التقاء التيار التقليد السلفي مع الناشطني االسالميني عام ‪ 1970‬بداية كان مع تيار‬
‫الصحوات وبعدها ما يسمى السلفية اجلهادية أدى إىل ظهور التنظيمات اليت تنشط يف عمليات إرهابية‬
‫مدهشة بعد عام ‪ 2010‬ويف مرحلة ثورات الربيع العريب نشهد يف بلدان خمتلفة والدة سلفية متحزبة سياسياً‪.‬‬

‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬ ‫‪2‬‬

‫إمكانية احملاكمة الفكرية والتعليق على‬


‫درجات ومستويات التكفري والتدهيش يف‬
‫بنية التيارات السلفية التقليدية املعاصرة‬

‫وكان من أهم أسباب اخلالف الداخلي يف مثل هذه التنظيمات املرتبطة هبذا التقليد وبسبب التكفري‬
‫االمياين للسلفية‪ ،‬موضوع التكفري على طاولة البحث باستمرار مثل ((اخلروج من االميان وعدم اخلروج‬
‫والبقاء يف االسالم)) يستحضر تعبريا استبعاديا ويعترب أيضا التكفري العمومي أو التكفري التسلسلي املرتبط‬
‫هبذا التقليد تعليقات وتفسريات متطرفة تلجأ إليها بعض اجلماعات ان املواقف اليت تتخذ بتكفري الدولة‬
‫وتكفري موظفي الدولة وتكفري كل الشعب‪ ،‬وضمان األمان الرواح املكفرين وارواحهم يؤدي إىل إظهار‬
‫التنوع الداخلي يف اآلراء املختلفة للسلفية املعاصرة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫‪ 4‬ما هي األشياء اليت ال تعترب من ميزات التيار‬ ‫‪ 1‬ما هي األشياء اليت ال تعترب من ميزات التيار‬
‫التقليدي يف ما يلي؟‬ ‫التقليدي يف ما يلي؟‬
‫ميكن التعامل والتعاون مع التنظيمات‬ ‫أ‪ .‬‬ ‫مراكز النقل مفهوم ديين‬ ‫أ ‪.‬‬
‫والتشكيالت الغري سلفية يف احلرب ضد الكفر‬ ‫ ‬ ‫احرتام التسلسل اهلرمي للرتب ((للمراتب))‬ ‫ب‪ .‬‬
‫يعترب احلرب على حكام املسلمني من عمل‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫مسامهة النساء يف النشاطات والفعاليات‬ ‫ج‪ .‬‬
‫اخترب نفسك‬

‫اخلوارج‬ ‫ ‬ ‫أمهية املقعد الدراسي والسلسلة‬ ‫د ‪.‬‬


‫تنتج التشكيالت والتنظيمات فقه احلرب‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫احملافظة على التسلسل واستمراريته‬ ‫ه‪ .‬‬
‫اخلاص هبا‬ ‫ ‬
‫احلياة اميان وجهاد‬ ‫د ‪.‬‬
‫ال يلزم موافقة الدولة لبدء اجلهاد‬ ‫ه‪ .‬‬ ‫‪ 2‬يف أي من التيارات الشيعية االمامية تربز‬
‫(تظهر) خصائص وميزات التقليدية السلفية؟‬
‫اإلخبارية‬ ‫أ ‪.‬‬
‫‪ 5‬ماهي التنظيمات اليت ال تصنف حتت مسمى‬ ‫السياسية‬ ‫ب‪ .‬‬
‫السلفية التقليدية فيما يلي؟‬ ‫الثورية‬ ‫ج‪ .‬‬
‫القاعدة‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫األصولية‬ ‫د‪ .‬‬
‫حزب التحرير‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫الطالبية‬ ‫ه‪ .‬‬
‫مجاعة أنصار السنة احملمدية‬ ‫ج ‪.‬‬
‫الدولة االسالمية يف الشام و العراق ( داعش )‬ ‫د‪ .‬‬
‫أجنماين أهل احلديث‬ ‫ه‪ .‬‬ ‫‪ 3‬ما هو التيار املؤثر الذي لعب دورا يف والدة‬
‫السلفية التقليدية؟‬
‫أهل البدعة‬ ‫أ ‪.‬‬
‫أهل الرأي‬ ‫ب‪ .‬‬
‫أهل اهلوى‬ ‫ج ‪.‬‬
‫أهل العراق‬ ‫د ‪.‬‬
‫أهل احلديث‬ ‫ه ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ب إذا مل يكن جوابكم صحيحاً‪ :‬اقرؤوا موضوع‬ ‫‪.4‬ب‬ ‫”هو اجلواب الصحيح” إذا مل يكن جوابكم‬ ‫‪.1‬ج‬
‫”االنكسارات العميقة يف السلفية املعاصرة”‬ ‫صحيحاً؟ اقرؤوا ”ما هي التقليدية االسالمية” من‬
‫جمدداً‪.‬‬ ‫جديد‪.‬‬

‫مفتاح األجوبة لـ “اخترب‬


‫ب إذا مل يكن جوابكم صحيحاً‪ :‬إقرؤا موضوع‬ ‫‪.5‬ب‬ ‫إذا مل يكن جوابكم صحيحاً‪ :‬راجعوا موضوع‬ ‫‪.2‬أ‬
‫السلفية اجلهادية ”وباقي التنظيمات السلفية‬ ‫”ماهي التقليدية االسالمية” جمدداً‪.‬‬
‫الكبرية يف اهلند و العامل العريب”‬
‫إذا مل يكن جوابكم صحيحاً‪ :‬اقرؤوا موضوع‬ ‫‪.3‬ه‬
‫”السلفية اجلهادية” جمدداً‪.‬‬

‫نفسك”‬
‫‪1‬‬ ‫التقليدية‬
‫السلفية التقليدية‬
‫‪2‬‬

‫يف التقليد االسالمي تربط السلسلة احلاضر باملاضي‪ ،‬وأي تقليد بدون تسلسل هو‬
‫ال شيء‪ ،‬ويتم نقل الروايات الدينية حسب التقليد (علم حديث واالسناد وليس‬
‫تقليد) االسالمي بواسطة الرواة وعن طريق التسلسل‪ .‬أما بالنسبة لتقاليد املدرسة‬
‫والطريقة فيتم النقل من املدرس للطالب أو من املرشد إىل املريد مباشرة فيما يسمى‬ ‫‪1‬‬ ‫جاء دورك‬
‫سلسلة اإلجازة وهذا الشكل الذي يتم ايصال التقليد املقدس املفرتض الذي يستند‬
‫آخر األمر إىل حضرة النيب (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ،‬يكسب التقليد التسلسلي‬
‫صحته ومشروعيته‪.‬‬

‫إن السلفية الوهابية اليت ظهرت يف جند على يد حممد بن عبد الوهاب جمدداً‬
‫وبشكل قوي‪ ،‬وكان لتقدمي السلفية بالشكل اجلديد أثر كبري على ميل السلفية إىل‬
‫السياسة وعلى صعيد الدولة السعودية حتول الدلة إىل دولة مذهبية‪ ،‬حيث ميكننا‬ ‫‪2‬‬ ‫جاء دورك‬
‫اعتبار الوهابية اجلناح املتطرف و املتسلط يف بنية السلفية ومن مظاهر هذا التطرف‬
‫االستخدام املفرط لعنصر التكفري الذي من خالله يتم التعامل مع اجلماعات‬
‫اإلسالمية املبعدة بأسلوب العنف‪.‬‬

‫لقد كان لتعريف االميان بثالثية (تصديق – إقرار – عمل) وبشكل دائم أثر يف‬
‫تشكيل أرضية للمرور إىل اخلوارجية‪ ،‬وحيث أن تعريف العمل جزء من االميان‬
‫يعترب أيضاً من أسس التكفري اخلارجي‪ ،‬وميكن مساواة تصرف املؤمن الذي يقرتف‬ ‫‪3‬‬ ‫جاء دورك‬
‫الذنوب وال يعمل (العمل الصاحل) نظرياً بالكفر‪ .‬إن تنظيم داعش ومن خالل‬
‫أسلوبه التكفريي الذي فاق كل التصورات‪ ،‬وحماربته للمجموعات اإلسالمية‬
‫األخرى والتنظيمات املعتدلة وعدم حماربته للظاملني أهتم باخلارجية (اخلوارج)‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫التقليدية ‪1‬‬
‫السلفية التقليدية‬

‫املصادر‬
‫أمحد بن حنبل (بدون ترخيص) املسند ((بريوت))‬
‫البخاري حممد بن امساعيل (‪ )1315‬جامع الصحيح (استنبول)‬
‫احلوايل سفر‪ ،‬كشف الغمة عن علماء األمة‪>www.alhawali.com< ،‬‬
‫الفقي‪ ،‬حممد محيد (‪ )2009‬أهداف اجلماعة وعقيدهتا‪ ،‬عادل بن السيد‪ ،‬احلاكمية والسياسة الشرعية عند شيوخ مجاعة أنصار‬
‫السنة احملمدية‪ ،‬القاهية‪ ،‬ص‪33-25 :‬‬

‫‪Büyükkara, Mehmet Ali. (2012). “Vehhâbîlik”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 42, s. 611-5.‬‬
‫‪Dekmejian, R. Hrair. (1994). “The Rise of Political Islamism in Saudi Arabia”, Middle East Journal, c. 48, s. 630-4.‬‬
‫‪Kutlu, Sönmez. (2000). İslam Düşüncesinde İlk Gelenekçiler, Ankara.‬‬

‫‪50‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪51‬‬
‫الوحدة الثالثة‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫األهداف‬
‫بعد إمتام هذه الوحدة سوف يكون الدارس قادراً على‪:‬‬
‫ القيام بتحليالت يف التقليدية املدرسية خبصوص بنيتها التقليدية يف املدرسة وكيفية عملها‪.‬‬
‫ شرح أسباب نشأة وتطور اجلماعة الديوبندية اليت تعترب أبرز َمثَ ٍل للتقليدية املدرسية‪.‬‬
‫ مقايسة أساليب النشاط للديوبندية ومجاعة التبليغ بأهنما ترجعان إىل األصول نفسها‪.‬‬
‫ التفكري يف الظروف االجتماعية السياسية اليت ولدت منها حركة طالبان‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫املدرسة‬ ‫ ‬
‫طالبان‬ ‫ ‬
‫الفقه‬ ‫ ‬
‫املذهب‬ ‫ ‬
‫مجاعة التبليغ‬ ‫ ‬

‫‪52‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املدخل‬
‫كانت املدارس اليت يدرس فيها على مستوى التعليم الثانوي والعايل واليت ترجع أصوهلا للقرن احلادي عشر مكان‬
‫النشأة لكثري من التيارات الدينية واجلمعيات يف القرن التاسع عشر والعشرين يف العامل اإلسالمي‪ .‬تقام الدروس يف‬
‫هذه املؤسسات التعليمية الدينية التقليدية بالكتب الدينية الرتاثية‪ .‬وتستمر يف نشاطها يف العامل اإلسالمي وتعد‬
‫بديالً للمدارس الثانوية اليت تلقي الدروس الدينية على أساس األساليب احلديثة احلاوية على العلوم الكونية والعقلية‬
‫وكذلك بديالً للكليات اجلامعية‪.‬‬
‫التعليم املذهيب أساس يف كثري من هذه املدارس واليت حيكم عليها النظام التسلسلي‪ .‬وإن وجدت يف تعاليم املدارس‬
‫مع العلوم النقلية مثل الصرف والنحو والعقيدة والتفسري واحلديث والفقه وأصول الفقه‪ ،‬العلوم اليت تزيد من قوة‬
‫احملاكمة يف التفكري مثل الكالم والفلسفة واملنطق والرياضيات فإن امليزانية بني العلوم كانت عرب التاريخ ضد العلوم‬
‫العقلية‪ .‬ميزة مهمة نراها يف مدارس أناضول واهلند بكثرة هي أن املدرسني من أهل التصوف ومنتسيب الطريقة‪.‬‬
‫لدى الشعبة اخلالدية للطريقة النقشبندية عالقة وثيقة بني املدرسة والطريقة‪.‬‬
‫قلنا آنفاً أن يف التقليدية السلفية ثقافة حديثية سائدة وأن ثقافة فقهية تسود يف التقليدية املدرسية‪ .‬أبرز األمثلة‬
‫على التقليدية املدرسية اجلماعة الديوبندية‪ .‬أصبحت هذه املؤسسة منوذجاً ملؤسسة املدرسة يف العامل اإلسالمي‬
‫وذلك بأهنا متأصلة ومنظَّمة‪.‬‬

‫الديوبندية‬
‫املؤسسة املركزية للجماعة الديوبندية هي دار العلوم ديوبند يف قرية ديوبند الواقعة ‪ 150‬كم مشال دهلي اليت أسسها‬
‫حممد قاسم نانوتوي (‪ )1880-1833‬وراشد أمحد رشيد أمحد الكنكوهي (‪ )1905-1827‬يف سنة ‪ .1867‬بعد ثورة‬
‫اهلند عام ‪ 1857‬ضد االحتالل اإلجنليزي واخلسارة اليت واجهها املسلمون فيها بأضرار كبرية شديدة رأى نانوتوي‬
‫حمرتمني أ ّن هنضة املسلمني من جديد ال ميكن حتقيقها إال جبهد تعليمي كبري وواسع‬ ‫ِ‬
‫والكنكوهي بصفتهما كعال َمني َ‬
‫اجملال‪ .‬فهذه احلركة اليت هتدف للخدمة واليت اتسعت يف وقت قصري حىت اشتملت على القارة اجلنوبية اهلندية كلها‬
‫وأصبحت مثاالً ملسلمي البالد األسيوية األخرى والشرق البعيد‪ .‬وملا وصلت إىل ما بعد مائة سنة من تأسيسها‬
‫عام ‪ 1967‬احتفلت بذكراها ويف هذا احلني وصل عدد املدارس التابعة لدار العلوم ديوبند إىل ‪ 8934‬مدرسة وكاد‬
‫ال ختلو قرية مسلمة هندية من ”مولوي” ترىب يف هذه املدارس (”‪ ،1982 ”Metcalf‬الصفحة ‪.)136‬‬
‫وإذا نزلنا جلذور الديوبندية جند اآلثار الظاهرة لشاه ويل اهلل الدهلوي (‪ )1762-1703‬فيها كما هو احلال يف سائر‬
‫اجلماعات املتأصلة يف القارة اهلندية‪ .‬شاه ويل اهلل املتصوف بانتسابه النقشبندية كان رائداً ملنهج موازن بني الفكر‬
‫العقلي والنقلي بتخطيطه لربنامج فقهي مستمد من احلديث‪ .‬ومع أنه كان يقبل نظام الطريقة الذي يسري فيه املرء‬
‫بإرشادات املرشد فإنه كان يقول أن الكل مسؤول عن نفسه وقد نبه على أن هناك حاالت تؤدي فيها تعظيم القبور‬
‫واالستغاثة من األموات إىل الشرك‪ .‬فكان شاه ويل اهلل بأفكاره هذه أهم مرجع استوحت منه الديوبندية اليت تدافع عن‬
‫تصوف بعيد عن الغلظة تضبطه العقيدة الصحيحة والفقه واليت تعتمد على نظام فقهي مذهيب يستند على األحاديث‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫من جانب آخر نرى أن االجتهاد احلر لشاه ويل اهلل مل يؤثر على الديوبندية بالقدر الكايف‪ .‬ونقلت هذه اجلماعة‬
‫املتمسكة باملذهب احلنفي أوثق متسك‪ ،‬فكرها هذا لتعاليمها يف املدرسة‪” .‬الدرس النظامي” الذي طور يف القرن‬
‫الثامن عشر يف مدينة لَ ْكنـَْو يف مدرسة فَِرنْ ِكي َمَل هو أساس التعاليم يف مدارس ديوبند‪ .‬الدرس النظامي الذي‬
‫حيتوي مع العلوم النقلية على العلوم العقلية مثل األصول واملنطق والفلسفة‪ ،‬غُ ِّي على يد الديوبنديني بقليل تغيري‪.‬‬
‫جعل علم احلديث أهم علم وأكثر العلوم اعتباراً يف هذا املنهج‪ .‬وكرب درس احلديث بأن أدخل يف تعاليمه الكتب‬
‫الستة‪ .‬واعترب شيخ احلديث الذي يدرس احلديث أكرب مدرس يف املدرسة‪.‬‬
‫التخصص الذي يأيت بعد احلديث هو الفقه‪ .‬بينما يدرس الفقه يف املدارس السلفية مبنياً على األحاديث كلياً فإنه‬
‫يدرس يف املدارس الديوبندية على أساس املذهب احلنفي‪ .‬أصول الفقه مل يعتىن به كثرياً بداية األمر يف هذا املنهج‬
‫الذي تدرس فيه العبادات واملعامالت أكثر من غريمها‪ .‬وخاصة بتوجيهات الكنكوهي املتأثرة بالتصوف فقدت‬
‫العلوم العقلية مثل املنطق والفلسفة واألصول مكاهنا األصلي يف الدرس النظامي ولكن رجعت يف التعديالت مع‬
‫مرور السنوات (”‪ 1982 ”Metcalf‬الصفحة ‪ .)105-101‬نشأت الديوبندية وتطورت من أول حلظة بأساس تقليد‬
‫املذاهب وامتازت عندما سواها يف العامل اهلندي اإلسالمي من حركات حديثة ممن يدعي أنه من أهل احلديث أو‬
‫أهل القرآن‪.‬‬
‫نرى يف املدارس احلنفية غري الديوبندية يف العراق وسوريا واألناضول أ ّن الفكر الكالمي احلاكم على املدرسة هو‬
‫املاتريدية بينما هو يف الديوبندية األشعرية‪ .‬هذه الظاهرة تتعلق جبذور تقليدية املدرسة‪ .‬فهذا الرتجيح يرجع إىل‬
‫املدرسة النظامية يف عهد السالجقة حيث كانت أهم التعاليم يف املنهج يدرس بكتب علماء األشعرية من الغزايل‬
‫والسيد الشريف اجلرجاين والتفتازاين‪.‬‬
‫فإذا نظرنا من هذا اجلانب فمن النتائج لالنتساب إىل املدرسة الوعي القوي يف السنية‪ .‬فكان حاكماً على املدرسة‬
‫رؤيتهم الشيعةَ خارج دائرة اإلسالم مبعتقدهم يف الصحابة وبوصفهم أئمتهم بأوصاف خارقة للعادة‪ .‬فوجه‬
‫الديوبندييون حبساسيتهم يف السنية ردوداً شديداً على بعض أهل احلديث حيث تصل بعض معتقداهتم يف صفات‬
‫اهلل إىل التشبيه وعلى مجاعة الربيلوية باألخص بسبب زياراهتم للقبور ومرامسهم احلافلة يف الطريقة‪.‬‬
‫ترجح عادة يف املدارس الديوبندية الطريقة النقشبندية واجلشتية وميكن القول بأن هناك عالقة املرشد مبريده بني‬
‫األستاذ وطالبه‪ .‬فالعامل هبذا االعتبار يف مقام الشيخ يف الوقت نفسه‪ .‬وألن شيوخ الديوبندية ال يأذنون ألفراح‬
‫كبرية ال حد هلا اختاروا الذكر اخلفي واخلايل عن الرقص يف يف النقشبندية الذي يوافق الشريعة‪ .‬واستخدموا املدارس‬
‫لرتبيتهم املادية واملعنوية ومل يلجأوا إىل الزوايا وغرف الدراويش اليت يرجع إىل ثقافة األضرحة‪ .‬وظيفة املرشد األصلية‬
‫أن يريب املريدين معنوياً وليس له أن يتوسل بني اهلل والعبد‪ .‬الديوبندية ترى أن القدوة األحسن هي النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم فاستدلت بسريته صلى اهلل عليه وسلم وصورته‪ ،‬ومل تعبأ هذه اجلماعة إىل التقليدية يف الطرق من تقليد‬
‫الشيخ فحسب‪ .‬وكذلك تركت مراسم املولد وزيارة القبور خبوفها من الوقوع يف البدعة وبأن فيها تأثري اهلندوسية‬
‫الظاهر (”‪ 1987 ”Metcalf‬ص ‪ .)197-151‬فاملفهوم من كل ما ذكر أن الفكر التصويف والعمل يف الطريقة يف‬
‫الديوبندية حتت مراقبة الفقه السين والعقيدة‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املدارس الديوبندية تسدد حاجاهتا بتربعات املتربعني عن طريق األوقاف كما هو احلال يف مؤسسات شبيهة هلا‬
‫يف العامل اإلسالمي‪ .‬نعلم أن الكثري من طالب املسلمني من خارج اهلند من بداية األمر إىل يومنا درسوا يف هذه‬
‫املدارس‪ .‬ويٌقدَّر عدد املدارس الديوبندية يف اهلند والبنغالدش وباكستان وأفغانستان يزيد على ‪ 10000‬مدرسة‪.‬‬
‫ويزيد تأسيس مثل هذه املؤسسات يف املناطق اليت يعيش فيها املسلمون اهلنديون بكثرة مثل جنوب أفريقيا وأمريكا‬
‫وكندا‪ .‬ومل تتخلف اجلماعة الديوبندية هبذه األنشطة عن دورها السياسي‪ .‬فقبلت خالفة العثمانيني ودافعت يف‬
‫كل جمال لبقاء الدولة العثمانية‪ .‬مث لعبت دوراً مهماً يف استقالل اهلند ومل ِ‬
‫متال اإلجنليز وكان نضاهلا يف احلني‬
‫بالطريق املباشر ويف احلني بطريق غري مباشر‪ .‬ومجعية علماء اهلند اليت أسست عام ‪ 1919‬ميكن اعتبارها اجلناح‬
‫السياسي للديوبندية‪ .‬فكانت اجلمعية عند حركة االستقالل داعمة لفكرة ”اهلند املتحد” اليت دعمها غاندي وهنرو‪،‬‬
‫وخالفت فكرة تأسيس دولة باكستان‪ .‬اجلمعية عملت جاهدة بعد االستقالل اهلندي على حفاظ حقوق املسلمني‬
‫االجتماعية والثقافية والسياسية‪.‬‬
‫وبعد أن استقل باكستان أسس الباقون يف هذه الدولة من علماء الديوبندية مغايرًة جلمعية علماء اهلند مجعية علماء‬
‫اإلسالم عام ‪ .1945‬هذه احلركة ناشطة يف سياسة باكستان اليوم ولكن تعمل نشاطها يف فروع خمتلفة عن بعضها‬
‫بسبب اختالف حدث فيما بينهم‪ .‬وأمهها طائفة موالنا فضل الرمحن (‪ )JUİ-F‬وطائفة موالنا مسيع احلق (‪)JUİ-S‬‬
‫وج ْستان وتعرف هاتني بدعمها لطالبان‪ .‬ويف الوقت نفسه‬ ‫ومها ناشطتني يف مشال الدولة يف مناطق ب ْشتون و يف بـلُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫تشرتك حبزهبا السياسي يف االنتخابات وهلا يف جملس النواب وجملس الشيوخ صوت‪.‬‬
‫وهناك حركات ومنظمات ناشئة عن الديوبندية واستقلت بنشاطها مع الزمن ولكنها حتتفظ بالتقليدية املدرسية‪.‬‬
‫فينبغي أن نذكر هنا أمهها‪.‬‬

‫جملس حتفظ ختم النبوة‬


‫يرجع أصل هذه املنظمة للحزب السياسي جملس أحرار اإلسالم الذي أسسه بعض العلماء الديوبنديني عام ‪.1931‬‬
‫عمل احلزب مالئماً مع املوقف املعروف للديوبندية من ” اهلند املتحد” وخالف سياسة ”‪ ”Muslim League‬حملمد‬
‫علي جنّاح الذي يكان يعمل ليكون للمسلمني دولة لوحدها‪ .‬ولكن اهلدف األساسي للحركة كما يتضح من‬
‫امسها‪ ،‬هو النضال مع الذين يشوشون كون النيب صلى اهلل عليه وسلم آخر األنبياء وهم األمحدية (القاديانية) اليت‬
‫زعمت أن زعيمها مريزا غالم أمحد (املتويف ‪ )1908‬هو املهدي واملسيح والنيب‪.‬‬
‫بعد أن نظم زعيم األمحدية يف بلده قاديان ندوة تبليغ األحرار عام ‪ 1934‬عملت احلركة أول خطوة مهمة هلا‪ .‬مث‬
‫بسبب بعض أعماهلا اليت تصل إىل الغلو منعت بعض نشاطها عام ‪ 1954‬وقرر بعض رؤساء احلركة النشاط يف‬
‫جملس حتفظ ختم النبوة‪ .‬وكذا ولدت منظمة هتدف للنضال مع األمحدية‪ .‬أكرب جناح حققه جملس التحفظ هو‬
‫دخول مادة يف دستور باكستان عام ‪ 1974‬تقول بأ ّن األمحدية غري مسلمني‪ .‬شكلت جملس التحفظ الذي ساندته‬
‫سائر اجلماعات يف هذه املسألة‪ ،‬جمموعات ضغط و نظمت مظاهرات على الشارع وبعضها انتهت بأحداث‬
‫دموية مؤسفة‪ .‬وكذلك جمللس التحفظ نصيب كبري يف صدور القانون اجلنائي الذي مينع األمحدية أن يتظاهروا‬
‫باإلسالم وذلك صدر عام ‪ 1984‬على يد رئيس الدولة ضياء احلق‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫من أكثر األنشطة جمللس التحفظ واجلمعيات املوالية اليت جتلب أنظارنا هو مظاهرهتم ”خامت األنبياء” اليت‬
‫تنظم كل سنة يف تاريخ مولد النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ 12‬الربيع األول يف مدينة ربوة‪ ،‬وباملناسبة إن الغالب‬
‫يجواتِْن وفيها مدرسة دار العلوم التابعة‬ ‫ِ‬
‫من سكاهنا من األمحدية‪ .‬وكذلك املظاهرات حافلة يف مدينة ج َ‬
‫للحركة‪ .‬آكدمية ختم النبوة يف لندن يف إجنلرتا اليت يعيش فيها كثري من األمحدية‪ ،‬تعمل أنشطة شبيهة مبا‬
‫يفعلها املنظمة املركزية هلا‪ .‬من نشر احلركة جملة ”لَ ْوَل َك” الشهرية وجملة ”ختم النبوة” األسبوعية وهي ترتجم‬
‫إىل اإلجنليزية‪.‬‬
‫لود َهيانوي (سنة‬
‫ولقد قضى حنبه ثلة من زعماء احلركة يف حوادث اغتيلت فيها عليهم‪ ،‬فمنهم موالنا يوسف ْ‬
‫‪ )2000‬وموالنا مفيت مجيل (سنة ‪ )2004‬وموالنا سعيد أمحد جاللبُوِري (سنة ‪ .)2010‬هذه اجلنايات من أبرز األمثلة‬
‫على كيفية حتول اخلالفات الدينية واملذهبية إىل درجة عالية من العنف‪.‬‬

‫جيش الصحابة‬
‫هذه املنظمة اليت أسست باسم ”أ َْنُ َمن سباه الصحابة” نرتجم امسها ب”حفَّاظ الصحابة” وهلا جذور يف‬
‫الديوبندية‪ .‬بعد أن ُحظر نشاطها عام ‪ 2002‬لعالقات حبوادث إرهابية بدأت تستعمل اسم ”أهل السنة واجلماعة‬
‫‪ -‬باكستان” ولكن مت حظر هذه املنظمة كذلك عام ‪ .2012‬ولدت منظمة جيش الصحابة على يد جمموعة‬
‫ديوبندية من املال عام ‪ 1985‬كرد فعل على األنشطة الشيعية اليت ازدادت قوة وعدداً يف العامل اهلندي اإلسالمي‬
‫بعد الثورة اإليرانية‪ .‬فالسبب يف اسم جيش الصحابة يكمن يف معاداة الشيعة لكثري من الصحابة يف مقدمتهم‬
‫اخللفاء الثالثة وسيدتنا عائشة وسيدنا معاوية‪.‬‬
‫اهلدف الرئيسي للمنظمة هو أن يكتسب باكستان بدستورها وصف ”الدولة السنية”‪ .‬رَّكز جيش الصحابة‬
‫القائل بكفر الشيعة‪ ،‬كل أنشطته الثقافية والسياسية على معاداة الشيعة‪ .‬فكما أن هذه املنظمة دخلت اجمللس‬
‫تورطت يف حوادث عنيفة غري رمسية‪ .‬ومن املعلوم أن الفاعل لبعض التعديات على مساجد‬ ‫ببعض النواب فإنه َّ‬
‫الشيعة وأضرحتهم بالقنبلة و الفاعل لبعض االغتياالت على رؤساء وعلماء املنظمات الشيعية كان منظمة جيش‬
‫الصحابة‪ .‬ويشتبه هبذه املنظمة يف قتل سليم قادري عام ‪ 2001‬وهو أحد رؤساء الطريقة الربيلوية اليت تعترب طريقةً‬
‫سنيةً يف التصوف‪ .‬ويفهم من ذلك أن الربيلوية مل تستطع أن تنجو من معاداة جيش الصحابة إياها رغم سنيتها‪،‬‬
‫وذلك ألهنا تشبه الشيعة يف بعض معتقداهتا ومعامالهتا‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫كيف تشرح تعديات جيش الصحابة على بعض اجلماعات السنية وقد أسست يف أصل األمر ملعاداة‬
‫الشيعة؟‬

‫‪56‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫باألحداث املذكورة كسبت منظمة جيش الصحابة أعداءً كثرية فلذلك مات مؤسسها موالنا حق َجْن ْك ِوي عام‬
‫‪ 1990‬و موالنا ضياء الرمحن فاروقي عام ‪ 1997‬وموالنا أعظم طارق عام ‪ 2003‬من الرؤساء بعده يف اغتياالت‬
‫عليهم‪ .‬وكانت هنالك جمموعة رأت أن األنشطة فيها من اللني والتساهل ما ال ينبغي‪ ،‬فأسسوا برئاسة رياض بصره‬
‫منظمة لَ ْش َكر َجهنكْوي اليت ترى أن لنضال بالسالح هو الطريق الوحيد‪ .‬هذه املنظمة يعترب من حني إىل آخر‬
‫واجلناح املسلح جليش الصحابة وهي تنظم األعمال اإلرهابية على الشيعة يف أفغانستان‪ .‬كان يف املرحلة العسرية‬
‫موقف جيش الصحابة ولَ ْش َكر َجهنكْوي‬
‫اليت بدأت عام ‪ 2001‬باحتالل الواليات املتحدة األمريكية أفغانستا َن ُ‬
‫مع طالبان‪ .‬والتعاون بني هذه احلركات ما زال يستمر إىل اليوم‪.‬‬

‫حركة طالبان‬
‫اسم طالبان مجع لكلمة طالب يف الفارسية يكىن هبذا االسم طالب العلوم اإلسالمية الذين درسوا يف مدارس‬
‫مل أو مولوي ِمن الشيوخ‪ .‬لعبت املدارس املتكونة من‬ ‫الديوبندية يف أفغانستان وباكستان على َمن يقال هلم ّ‬
‫الطالب واملشايخ دوراً مهماً يف نضال االستقالل ضد اإلجنليزيني بني ‪ 1839‬و‪ 1842‬وبني ‪ 1868‬و‪ .1880‬وكررت‬
‫الدور املهم نفسه يف اجلهاد ضد االحتالل السوفييت وجاهدت بطالهبا ومدرسيها ضمن منظمات جماهدين خمتلفة‬
‫ونفعت نفعاً كبرياً فيها‪.‬‬
‫جيل طالبان احلايل يتكون من أناس ُولِدوا سنة ‪ 1960‬وما بعدها‪ .‬املسنون والذين يعملون يف هيئة الرئاسة أغلبهم‬
‫مقاتلون َش ِه ُدوا اجلهاد األفغاين‪ .‬والذين هم أصغر منهم سناً أغلبهم كانوا عند اجلهاد يف خميمات الالجئني أو تربوا‬
‫يف مساكن األيتام‪ .‬هؤالء حصلوا على حتصيلهم العلمي يف املدارس يف مشال باكستان‪ .‬هؤالء الشباب الذين كربوا‬
‫يف بيئة شديدة حيكم عليها الفقر والظروف اإلقليمية الصعبة وذلك بعيداً عن مرمحة أسرية‪ .‬ورغم انتهاء اجلهاد‬
‫مل يستطيعوا العودة لبالدهم بسبب احلروب األهلية‪ .‬وشاركوا احلركة اليت بدأها إخواهنم الكبار يف أفغانستان وكان‬
‫هلم نصيب يف جناح طالبان‪.‬‬
‫ومع أن هناك الطاجيكييون واألزبكييون والرتكمان يف طالبان فإن األغلبية هي البشتون سكان جنوب أفغانستان‬
‫ومشال باكستان الذين حيكمون أفغانستان من ‪ 250‬سنة‪ .‬يعترب من يلبس قميصاً خاصاً مبنطقة َك ِميز وسرواالً وعلى‬
‫رأسه عمامة سوداء وبرجله صندال طالبانياً مثالياً وليس هلؤالء يف العادة أي رتبة عسكرية‪.‬‬
‫دخلت املنظمات اجلهادية األفغانية يف حروب داخلية فيما بينهم ألخذ حكم أفغانستان احملررة بعد أن أجربوا‬
‫قوات االحتالل السوفييت على الرتاجع عام ‪ .1998‬وألن املنظمات مل تستطع بعضها التغلب على بعض وألسباب‬
‫خارجية أخرى‪ ،‬أصبح البلد يف حال أسوأ مما كان عليه يف وقت االحتالل‪ .‬ويذكر أن عدد القتلى يف احلروب بني‬
‫األحزاب ألخذ العاصمة كابل كان ‪ 63‬ألف إنسان‪ .‬وكذلك فُِقد األمن واألمان يف املدن والقرى‪ .‬وكان رؤساء‬
‫اجملاهدين القدامى الذين ما زالت القوى املسلحة الكربى بأيديهم‪ ،‬يرتكبون يف مناطقهم اليت حيكموهنا جنايات‬
‫كثرية مثل الظلم والطغيان وذلك بإجراءات نفسية غري قانونية‪ .‬ولقد عاشوا يف رفاهية وغناء بينما الشعب يف فقر‬
‫وبؤس وكذلك ارتكبوا الكثري من اجلرائم مثل الغصب واالغتصاب واالختطاف وقضاء الظلم‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫هناك روايات كثرية بني الناس يف ظهور طالبان البطويل‪ .‬وأكثر هذه الروايات صحةً هو ما حدث يف ربيع ‪ 1994‬يف‬
‫قرية قريبة من قندهار إذ اختطفت شابتني من قِبل قائد فاشتكت عائلة الطفلني ذلك إىل مدرسة صغرية ديوبندية‬
‫هناك فبدأ أستاذها املال حممد عمر مع طالبه الثالثني بالتصرف وذلك كان احلادث الذي منه ولد طالبان‪ .‬فبستة‬
‫عشر بندقية اقتحم األستاذ والطالب مركز الشرطة وأنقذوا الشابتني وأعدموا القائد بالشنق على مقدمة املدفع‪.‬‬
‫ويستمر الطالب بعد ذلك باملداخلة يف أحداث شبيهة مبا اغتنموه من أسلحة كثرية‪ .‬بعد شهور من احلادث األول‬
‫أنقذ عمر وطالبه شاباً راقصاً بقندهار حيث حارب قائدان أحدمها اآلخر باملدفعية ألخذ هذا الشاب فقتلومها‬
‫وأنقذوا الشاب‪ .‬فازدادت شهرة عمر وطالبه يف املنطقة وازداد عدد مسانديهم يف املدن والقرى (”‪2000 ”Rashid‬‬
‫‪ .)25‬وترأَّس املال حممد عمر (املتوىف ‪ )2013‬حركة طالبان حيث قال ”كيف جنلس مغلويل األيدي ونرى هذه‬
‫اجلرائم على النساء والبائسني”‪.‬‬
‫وإنه ال ميكننا أن نفسر اكتساب طالبان القوة كحركة تطوع ضد اجلرائم‪ ،‬بأسباب حملية فقط‪ .‬استقلت أفغانستان‬
‫من وقت قصري من السوفيت ودولة باكستان أراد أن تفتح منها طريقاً إىل سوق الشرق األوسط الذي يتوقع أن‬
‫يكون سوقاً كبرياً‪ ،‬فكانت يف حبث عن شيء الستقرار أفغانستان فرأت طالبان وسيلة لذلك‪ .‬باكستان ساعدت‬
‫طالبان بكثري من األسلحة‪ .‬من املعلوم فوق ذلك أن الواليات املتحدة األمريكية أرادت أن توازن بطالبان املعادية‬
‫للشيعة تأثري إيران املتزايد على أفغانستان‪ .‬وجيب الذكر هنا أن الواليات املتحدة األمريكية وقفت خلف طالبان‬
‫لتحقيق خط نفط آمن بني أفغانستان وباكستان وذلك ليزيل احتمال أن تكون إيران بديلة يف نقل نفط آسيا‬
‫الوسطى إىل احمليط اهلندي (”‪ 2000 ”Rashid‬ص‪ 30-26‬و‪ .)7-44‬وليس من البعيد أن الواليات املتحدة األمريكية‬
‫ترى أن طالبان اليت متثل التقليدية الدينية الغري السياسية َآم ُن هلا باعتبار مصاحلها‪ .‬ونقول ذلك ألننا نعلم أهنا‬
‫ساعدت املنظمات اجلهادية األفغانية يف اجلهاد ضد السوفيت بسبب كوهنا متطرفة إىل درجة يؤدي إىل عدم‬
‫استقرار املنطقة‪.‬‬
‫حركة طالبان بدأت طريقها كحركة تطوع اجتماعية تؤمن على البلد السالم واألمن والطمأنينة ولكن حتولت يف‬
‫وقت قصري إىل حركة سياسية بإجبار من العالقات اخلارجية املذكورة فوق‪ .‬اختذت طالبان عام ‪ 1994‬قندهار ثاين‬
‫املدن األفغانية تضخماً مركزا هلا وأخذت تتسع بعد بسرعة كبرية‪ .‬ونتيجةً لصراعات دموية أخذت مدينة هرات‬
‫يف ‪ 1996/9/5‬والعاصمة كابل يف ‪ 1996/9/26‬من املنظمات اجلهادية القدمية‪ .‬فأخذت طالبان حتكم ثلثي الدولة‬
‫هبذه الفتوح وأعلنت آخر سنة ‪ 1996‬تأسيس دولة مسَّته اإلمارة اإلسالمية يف أفغانستان‪.‬‬
‫زعيم طالبان املال عمر من البشتون حارب الشيوعيني حتت إمرة حممد نيب حممدي ويونس خالص من قادة‬
‫متخرجاً‬
‫اجلهاد ومها ديوبنديان ومن البشتون مثله‪ ،‬وأصيب أربع مرات وفقد إحدى عينيه‪ .‬يف احلقيقة مل يكن ِّ‬
‫من أعلى درجات املدرسة حىت يستحق لقب ”املال”‪ .‬ولكن مغامرته بدخوله قرية صغرية بطالبه يف مدرسته‬
‫صعدت به إىل أن أصبح ”أمري املؤمنني” يف الدولة اجلديدة‪ .‬ففي احلفلة اليت نظمت بانتخاب املال عمر‬
‫أمري املؤمنني لبس بردة قيل إهنا بردة النيب صلى اهلل عليه وسلم ليمثل عن قوة املقام الذي حل به وذلك‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أمام مئات األساتذة واملشايخ‪ .‬هذه الربدة قد أتَ هبا إىل أفغانستان قبل ‪ 250‬سنة وكانت حتتفظ بقندهار‬
‫فضي‪.‬‬
‫يف صندوق ّ‬

‫‪58‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫طالبان منتسبة إىل املذهب احلنفي مثل نسبة ‪ 90‬باملائة من الشعب األفغاين وأكثر منسوبيها ينتسب أيضاً للطريقة‬
‫القادرية أو النقشبندية‪ .‬مدارسهم اليت درسوا فيها هي مدارس جبذورها الديوبندية‪ .‬هذه املنظمة شديدة يف األخذ‬
‫بأصول تقليدية يف الفقه احلنفي حىت أهنا يف القضايا املعاصرة تستعمل األحكام الفقهية القدمية وتلتزم باألصول‬
‫التقليدية للمذهب‪ .‬أقواهلم املنتجة من أصوهلم اجلديد تعترب عند املتخصصني بدعة وضاللة‪ .‬ميكن أن نشرح هذا‬
‫الوصف للديوبندية الذي انعكس على حركة طالبان بدرجة كبرية‪ ،‬بالسلفية احلنفية ألن احلنفية مذهب إسالمي‬
‫عقالين حركي وهذا الوصف خيالف روح هذا املذهب‪.‬‬
‫ميكن أن نقول أن أحد املراجع الرئيسية الثقافية الالئي يستمد منها قيادة طالبان ومتطوعها هو املدارس يف سرحاد‬
‫وبلوشستان التابعة جلمعية علماء اإلسالم اليت ترأسها مولوي فضل الرمحن فهو ميثل الصورة السياسية الباكستانية‬
‫للجماعة الديوبندية‪ .‬واملرجعان اآلخران مها مدارس مسيع احلق مولوي منها دار العلوم احلقانية يف أَ ُك َورة َختَك اليت‬
‫يسكن فيها ‪ 8000‬طالب ومدارس مجعية العلوم اإلسالمية يف ناحية من كراتشي ملوالنا يوسف بِنُّوري واملدارس‬
‫التابعة للجمعية (”‪ ،2000 ”Rashid‬ص‪ .)92-89‬حتول الفهم الديوبندي للحنفية يف ذهن طالبان إىل حال أشد‬
‫من ذي قبل وخمتلف عما سواه بأن امتزج مع القوانني العرفية لعرق البشتون اليت يقال عنها ”بشتون وايل”‪ .‬الظلم‬
‫على النساء ومعاداة الشيعة بنوع من التطرف من األمثلة على كيفية فكر طالبان‪.‬‬
‫يف أصل األمر بدأت قبل طالبان تطبيقات شرعية مثل طالبانية يف املدن ولكن اكتسبت هذه التطبيقات رمسيتها‬
‫بفتح كابل وتأسيس اإلمارة اإلسالمية‪ .‬أغلقت طالبان كل مدارس البنات وبقيت ما يقرب من ‪ 70‬ألف طالبة‬
‫بدون مدرسة‪ .‬ومنعت النساء من العمل‪ .‬وباألخص ظلمت ما يقرب من ‪ 25000‬امرأة أصبحت أرملة بفقد‬
‫أزواجهن ويعم ْل َن يف العاصمة يف جماالت خمتلفة لتأمني رزق األسرة‪ .‬وتأثرت يف اجملموع ‪ 400‬ألف امرأة أرملة على‬
‫مستوى الدولة‪ .‬وختلَّفت اخلدمات الصحية بصورة شديدة برتك الطَّبِيبَات واملمرضات أعماهلن يف املستشفى‪.‬‬
‫ومنعت النساء من اخلروج إىل الشارع دون حمرم وأجربن على لباس الربقع اخلاص باملنطقة الذي يسرت كل الوجه‪.‬‬
‫ومنع الرجال من حلق اللحى وقصرها ومن إعفاء الشعر‪ .‬وقد أجرب املوظفون بلبس العمامة‪ .‬أغلقت كل دور‬
‫السينما‪ .‬وتوقف بث املوسيقى يف إذاعة كابل القدمية اليت حتولت إلذاعة الشريعة‪ُ .‬منع التلفاز وتسجيالت الفيديو‪.‬‬
‫وليكون املنع مطبقاً بالفعل مجع كل هوائيات التلفاز والفضاء من السطوح‪ .‬وكان يتم قطع كهرباء البيوت اليت‬
‫ثبت أنه شوهد فيها التلفاز على يد قوات األمن التابعة لرئاسة األمر باملعروف‪ .‬وكذلك ترك هلذه القوات إغالق‬
‫احملالت عند األذان وعدم إبقاء أحد على الشارع‪ .‬ودخل حتت احملظورات االحتفال برأس السنة امليالدية والنوروز‬
‫ولعبة الشطرنج وإطالق احلمامات والطائرات الورقية‪ .‬وقد رفع عوارض األزياء من شباك العرض والرسوم والصور‬
‫للدعاية على زجاج احملالت‪ .‬وتوقف بيع مثل األكياس الورقية وأوراق املرحاض بشبهة أهنا أنتجت بطريقة إعادة‬
‫تصنيع من أوراق قرآنية قدمية (”‪ 2000 ”Rashid‬ص‪ 2001 ”Büyükkara” ،51-51‬ص‪.)283-281‬‬
‫فبعد فتح كابل أصبح هدف طالبان املد َن الشمالية بيد قادة اجلهاد القدامى الذين اجتمعوا حتت اسم االتفاق‬
‫الشمايل‪ .‬فقدت طالبان أكثر من ‪ 3000‬فرد يف حماولة احتالل مزار شريف يف مايو ‪ 1997‬واضطرت على الرتاجع‪.‬‬
‫وعندما حازت طالبان هبذه املدينة وباميان معها يف ‪ 1998‬قابلت اجلرائم احلربية اليت واجهتها مبثلها‪ .‬وأ ُِعطي أهلها‬
‫السنية وإما يـُْه َجروا إليران وإما يقبلوا املوت‪ .‬وحدثت اجملزرة على هزارة الشيعة وقتل مثانية من‬
‫اخليار أن إما يقبلوا ُ‬
‫‪59‬‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫(”‪2000 ”Rashid‬‬ ‫رجال دولة إيران‪ .‬وأعلن أن ما يقرب من ‪ 400‬امرأة اختذت جاريات وجلبت جلنوب الدولة‬
‫ص‪ ،75-73‬و”‪ 2002 ”Nojumi‬ص‪.)170-158‬‬
‫مشكلة أخرى يذكر فيها طالبان هي إنتاج املخدرات ونقلها‪ %80 .‬من إنتاج اخلشخاش يف العامل يف أفغانستان‪.‬‬
‫إذا استثنينا التدابري الشديدة يف عام ‪ 2001‬نتائجها غري املؤثرة‪ ،‬نقول إن إنتاج اخلشخاش استمر بتكاثر يف عهد‬
‫دولة طالبان ويف املناطق اليت حتكمها بعد سقوطها‪ .‬ومع أن طالبان ترى عدم مشروعية هذا اإلنتاج فإهنا مل ت ِرْد‬
‫منع زراعة اخلشخاش ونقله ألن قسماً كبرياً من السكان الذين يعيشون يف فقر شديد وهذا اإلنتاج يساعدهم‬
‫اقتصادياً‪ .‬تلجأ طالبان إىل معذرة أن إنتاج هذا النبات جائز وأن صناعة املخدرات منه وتناوهلا حرام وأهنم ال‬
‫يفعلون إال زراعة اخلشخاش وأن غري املسلمني يعملون صناعة املخدرات ويتناولونه‪ .‬ولكن طالبان تكسب املال‬
‫الكثري من هذا األمر‪ .‬ضريبة العشر اليت جتلبها يف حصاد املنتج تبلغ مبالغ كبرية جداً‪ .‬مث تكسب املال الكثري حلفظ‬
‫املنتج بالقوى املسلحة وتنفق هبذه املبالغ الداخلة على رواتب العساكر وتشرتي منها األسلحة واملعدات احلربية‪.‬‬

‫ملشاهدة حركة طالبان من والدهتا اقرأ كتاب حركة طالبان من النشوة إىل السكوت حملمد سرافراز‪.‬‬

‫طالبان والسلفيون‬
‫طالبان تقول للشيعيني إيرانيني وللسلفيني وهابيني ولإلسالميني إخوانيني وليست هلؤالء عندها أي قيمة‪ .‬طالبان‬
‫كانت دائماً بعيداً عن احلزب اإلسالمي لغُْلبَدِّين حكمْتيار واجلمعية اإلسالمية لربهان الدين رباين اللذان يعدَّان‬
‫أكرب املنظمات اجلهادية يف اجلهاد األفغاين واللذان يقول فيهما طالبان أهنما أقحما أفغانستان يف الكارثة وبعيدة‬
‫كذلك عن تفكري ونشاط اإلسالمية املعاصرة من احلسن البنا وسيد قطب واملودودي وهم األصل الفكري هلذه‬
‫املنظمات‪ ،‬وذلك بسبب صبغتها العصرية االنتقائية العقالنية‪.‬‬
‫بينما دخلت السلفية تركستان يف أسيا الوسطى يف سنة ‪ 1910‬تقريباً فإن دخوهلا ألفغانستان كان متأخراً عن ذلك‬
‫كثرياً‪ .‬ومع أهنا دخلت يف الثمانيات من القرن العشرين عن طريق مجاعة أهل احلديث يف باكستان أو عن طريق‬
‫قادة اجملاهدين ممن يدعمه السعوديون مثل عبد رب الرسول سياف أو عن طريق اجملاهدين العرب املتطوعني ولكنها‬
‫دائما ما بقيت يف أذهان الشعب مذهب ديين ”غريب” و”غري سين”‪.‬‬
‫دخلت السلفية أفغانستان يف جو نضال استقاليل مسلح وأظهرت نفسها يف هوية امتزجت بإيديولوجية إسالمية‬
‫سياسية‪ .‬ومن هنا تعاملت املنظمات اإلسالمية األفغانية معها وبنوع من التسامح‪ .‬وبرأي الشعب املسلم احلاكم‬
‫عليه احلنفية والصوفية وبرأي شيعة األفغان اليت تشكل نسبة مهمة وهي ‪ %10‬من السكان‪ ،‬كانت السلفية سبباً‬
‫تكب هذه املشاكل وما ترجع إليها اخلالفات املذهبية يف النضال‬
‫لبعض املشاكل االجتماعية واألمنية‪ .‬ولكن مل َّ‬

‫‪60‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫الراهن وتُعومي عنها وسرت عنها‪ .‬فكان أغلب السلفيني احلاضرين يف احلقيقة ضيوفهم العرب الذين تركوا بيوهتم‬
‫وأسرهم وأعماهلم وجاءوا ألفغانستان بتضحيات كبرية وحياربون العدو نفسه كتفاً بكتف‪.‬‬
‫فبعد أن انتهى اجلهاد عاد نسبة من هؤالء الضيوف إىل بالدهم‪ .‬وانتقل بعضهم مليادين اجلهاد اجلديدة مثل البوسنة‬
‫والشيشان وكوسوفو‪ .‬بقي عدد كبري منهم يف أفغانستان‪ .‬هؤالء إما أهنم أصبحوا هاربني من التطبيقات القانونية يف‬
‫مؤَّمن‪ .‬فقبول دوهلم إياهم بات شبه مستحيل بالظروف الراهنة‬ ‫الدعاوى عليهم وإما أن أمنهم حال رجوعهم غري َ‬
‫آنذاك‪ .‬وكان هؤالء الذين مسُّوا بالعرب األفغان بعد‪ ،‬أساس منظمة القاعدة‪.‬‬
‫مقابلة طالبان بالعرب األفغان وبالطائفة اإلسالمية السلفية بدأت عندما فتح طالبان جالل آباد وكابل عام‬
‫‪ .1996‬فكانت السلطات الباكستانية وسيطاً إلنشاء هذه العالقة وتوثيقها‪ .‬فكما يفهم من القرائن كان عدم‬
‫الثقة بني الفريقني كبرياً يف البداية‪ .‬كان العرب يف تلك األيام على حذر تام يف عدم فعل أفعال وأعمال ميكن أن‬
‫تغضب طالبان‪ .‬فكان من التدابري أال يتظاهروا مبذهبهم وأال يقولوا ”آمني” بصوت مرتفع بعد الفاحتة يف الصالة‬
‫(”‪ ،2007 ”Konuk‬ص‪ ،7-255‬و‪.)7-265‬‬
‫القواعد العسكرية ومنها خميمة ُخوست اليت تدرب فيها العساكر احملاربون ضد اهلند حلرية الكشمري‪ ،‬كانت‬
‫باكستان تريد بقاءها يف يد القاعدة واستطاعت أن تقنع طالبان يف هذا الشأن‪ .‬ولدعم أسامة بن الدن طالبان‬
‫بثالثة ماليني دوالر ألخذ كابل‪ ،‬سهم كبري يف التقرب بني املنظمتني‪ُ .‬دعي ابن الدن يف ‪ 1997‬إىل قندهار‪ .‬وأصبح‬
‫ابن الدن حمبوب طالبان بعد أن أنشأ الطريق احلريب الذي يربط املدينة باملطار وقام بتعديالت كثرية من مساجد‬
‫املدينة وأكرم قادة طالبان دون خبل‪ .‬واستقوت هذه العالقة مبا عقد بني أسرة املال عمر وأسرة ابن الدن من زواج‬
‫(”‪ 2000 ”Rashid‬ص‪ 2002 ”Nojumi” ،139‬ص‪.)227‬‬
‫اندهشت القوات الغربية أن دخلت القاعدة حتت طالبان فجأة‪ .‬فبعد أن أعلن ابن الدن اجلهاد على الواليات‬
‫املتحدة األمريكية سنة ‪ 1996‬وعلى اليهود والنصارى سنة ‪ 1998‬بفتاواه وبعد احلوادث اإلرهابية يف أفريقيا طلبت‬
‫ب طالبان هذا الطلب‪ .‬أدار ابن الدن من‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية من طالبان تسليم ابن الدن وأصدقاءه‪ .‬مل تلَ ِّ‬
‫هذا التاريخ إىل أن قتل يف يوم ‪ 2‬مايو ‪ 2011‬منظمته بالتخفي يف أفغانستان وباكستان مبساعدة طالبان‪.‬‬
‫مل تكن حكومة طالبان تصرح قبل ‪ 11‬سبتمرب ببيانات صرحية أهنا تقف جبنب القاعدة وابن الدن‪ .‬ولكن‬
‫من املعلوم أنه مل يكن سراً املعية واالتفاق وخصوصاً مع طالبان باكستان باملرحلة اليت بدأت بعد ‪ 11‬سبتمرب‬
‫باحتالل الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬املتحدث ل”حتريك طالبان باكستان” املنظمة املركزية لطالبان باكستان‪،‬‬
‫يقول يف االتفاق املذكور‪” :‬ليس هناك فرق بني القاعدة وطالبان‪ .‬طالبان والقاعدة اليوم يف إيديولوجية واحدة‪.‬‬
‫من يعمل يف هذه املنظمات حيارب الكفار‪ .‬ولكن الفرق هو أن القاعدة حتارب يف البالد األجنبية وطالبان‬
‫حتارب يف أفغانستان وباكستان‪ .‬يف احلقيقة مها امسان إليديولوجية واحدة‪ .‬أهداف املنظمتني وغرضهما‬
‫مشرتكة” (”‪ 2009 ”Franco‬ص‪.)282‬‬
‫يعترب أخذ طالبان القاعدة حتت محايتها من لوازم القوانني العرفية للبشتون املسماة ب”بشتون وايل”‪ .‬جيب على‬
‫البشتون إذا جلأ إليه ضيف غريب‪ ،‬أن يعامله بكل كرم كما يعامل أقرباءه ويعترب أعدائه أعداء لنفسه وحيفظه حبياته‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫قال قائد طالبان املالَّ عمر يف بعض املناسبات أنه إذا سلّم ابن الدن يتوقع من مناطق البشتون حدوث عصيان كبري‬
‫ال يس َكن (”‪ 2000 ”Rashid‬ص‪ .)294‬وفوق ذلك احلروب على قوات االتفاق الشمايل املعادية كان فيها الثلث‬
‫من احملاربني األجانب املنتسبني للقاعدة (”‪ 2002 ”Nojumi‬ص‪ 2002 ”Rashid” ،229‬ص‪ .)174‬فإذا أخذنا هذا‬
‫يف عني االعتبار‪ ،‬فإن هذا االشرتاك يف قدر اهلل أجربت طالبان على الوفاء بالقاعدة‪.‬‬
‫هذا االتفاق َولد كذلك تبادالً بني الطائفتني وعى هبا أصحاهبا أم ال‪ .‬اجلنايات على شيعة األفغان اليت تذكر‬
‫باجملازر يف الواليات الشمالية الغربية سنة ‪ 1998‬وهدم صنم البوذا البالغ عمره ‪ 1500‬سنة يف سنة ‪ ،2001‬مما‬
‫محل على طالبان من أنشطة كبرية وفيها اآلثار القوية إليديوليجية السلفية للقاعدة‪ .‬وأن ساءت العالقات‬
‫الدولية لطالبان كان يف صاحل القاعدة‪ .‬حمافظة طالبان هبويتها املتطرفة كانت تستلزم استمرار ما أعطت القاعدة‬
‫من احملافظة واإلمكانيات‪ .‬كانت األهداف السياسية لطالبان ال هتم قيادة القاعدة كثرياً من حيث أهدافها‬
‫ومقاصدها‪.‬‬
‫على حتليل رشيد (‪ ،)Rashid‬أصبح ابن الدن وأصدقاؤه من بداية‬
‫سنة ‪ 2000‬ذات صوت قوي يف قيادة طالبان يف اختاذ القرارات‪ .‬فهذا‬
‫‪2‬‬
‫الوضع جعل طالبان تنتقل بأهدافها من داخل احلدود األفغانية إىل‬
‫ما هي أفكاركم يف كون طالبان‬ ‫دول أسيا الوسطى‪ .‬فمنظمات كاحلركة اإلسالمية‪ -‬أوزبكستان اليت‬
‫اتفقت مع السلفية بسهولة؟‬ ‫أخذت اإلذن باملشروعية من القاعدة‪ ،‬أصبحت جزءاً من حقيقة‬
‫طالبان وإن أبت‪ .‬بينما تعلقت طالبان هبؤالء احملاربني األجانب‬
‫لتقوية نفوذها‪ ،‬احتاج هؤالء الناس إىل طالبان ألهنا تؤمن هلا اللجوء‬
‫(”‪ 2002 ”Rashid‬ص‪.)211‬‬

‫طالبان باكستان‬
‫بعد العمليات العسكرية اليت ابتدأهتا الواليات املتحدة وحلفاؤها ضد القاعدة اليت اعتربت املسؤولة عن أحداث‬
‫‪ 11‬سبتمرب وضد طالبان دخلت املنطقة يف مرحلة جديدة‪ .‬وسقطت دولة طالبان اليت مل يـَْع َِت ْ‬
‫ف هبا رمسيا سوى‬
‫باكستان والسعودية واإلمارات‪ .‬وبينما انسحب طالبان من املناطق اليت كان حيكمها‪ ،‬استدام وجوده يف األرياف‬
‫اليت وجد فيها دعماً من الشعب‪ .‬وأخلت طالبان مجيع خميماته ونقل حماربيه إىل منطقة القبائل يف باكستان‪ .‬ويف‬
‫هذه املرحلة تكبد كل من طالبان والقاعدة خسائر كبرية من قوادها ومن دوهنم من احملاربني‪ .‬كما أن بعضاً من‬
‫هؤالء ِ‬
‫أسروا وأخذوا إىل جوانتانامو‪ .‬ومن بقي منهم ساملاً واصلوا الدفاع من جانب القبائل البشتونية يف مشال‬
‫باكستان مبوجب قانون ”بشتون وايل”‪.‬‬
‫إن طالبان باكستان تكوين ناتج عن هذه املرحلة اجلديدة‪ ،‬وبتعبري أوضح عن احتالل الواليات املتحدة األمريكية‬
‫ألفغانستان‪ .‬وإىل جانب املهاجرين الوارد أمساؤهم يف منطقة القبيلة‪ ،‬وجد هناك جماهدون كانوا قد اشرتكوا يف‬
‫اجلهاد األفغاين مث رجعوا إىل بالدهم حينما انسحب الروس دون تدخل منهم يف احلرب األهلي‪ .‬ومجع أحداث‬

‫‪62‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ما بعد ‪ 11‬سبتمرب بني احملاربني القدماء واجلدد يف مشال باكستان‪ .‬وكانت القبائل البشتونية قد أزعجهم إزعاجاً‬
‫شديداً ما قام به جيش باكستان من إدخاله جنوده يف منطقة القبائل إخالالً باستقالل القبائل الذي كان مضموناً‬
‫بالقوانني‪ ،‬وقيامه باصطياد رجال القاعدة وطالبان نتيجةً لتضييق الواليات املتحدة األمريكية على باكستان بعقلية‬
‫”من ليس معنا فهو ضدنا” ألجل احلمل على هؤالء الالجئني‪ .‬ويف هذه البيئة االجتماعية اجلديدة اجتمعت‬
‫العناصر القبلية املنحازة إىل احلكم اإلسالمي واليت تنظر إىل إجراءات وسياسات طالبان نظراً عاطفياً من أول األمر‬
‫وتشاركه الديانة والعقلية نفسهما‪ ،‬اجتمعت هذه العناصر مع جنود طالبان ومع احملاربني األجانب ليضعوا أسس‬
‫طالبان باكستان‪.‬‬
‫ويف ديسمرب ‪ 2007‬استطاع بيت اهلل حمسود أن يوحد بني ‪ 13‬جمموعة طالبانية خمتلفة ذات منشأ باكستاين‬
‫حتت تنظيم يسمى ”حتريك طالبان باكستان”‪ .‬وبتأسيس هذا االتفاق قلل حمسود من احتمال قيام صراع بني‬
‫اجملموعات الطالبانية ذات املناشئ املختلفة‪ .‬وكان هدف هذا التكوين هو تأسيس إمارة إسالمية يف منطقة‬
‫القبائل يف مشال باكستان مستقلة عن باكستان الذي كانوا يعدونه نظاماً كفرياً‪ .‬وكانت ردة فعل باكستان‬
‫على هذه التفرقة شديداً‪ .‬وانتقل احلرب إىل داخل باكستان‪ .‬ويف العمليات االنتحارية اليت قام هبا ”حتريك”‬
‫يف سنة ‪ 2008-2007‬مات أكثر من ‪ 500‬إنسان (”‪ ،2009 ”Franco‬ص‪”Roy Abou Zahab” ،292-269 .‬‬
‫‪ ،2004‬ص ‪.)7-62‬‬
‫إن الشكل الذي ظهر فيه طالبان باكستان مبحسود هو أكثر تطرفاً من طالبان أفغانستان‪ ،‬وهو متوافق بأفكاره‬
‫وأعماله مع أهداف القاعدة‪ ،‬كما أنه يعكس شخصية تكفريية وجهادية عاملية‪ .‬ووفقا ملا اكتشفه فرانكو فإنه ميكن‬
‫اعتبار هذا الوضع تالمحاً للنموذج املرتكز حول القاعدة مع تطرف تعصيب مستلهم من الديوبندية املقبولة يف األكثر‬
‫لدى القبائل احمللية‪ .‬ولكنه ال بد أيضاً من مالحظة وجود تيار طالباين حي يف طالبان أفغانستان وباكستان يدافع‬
‫عن عودة طالبان إىل أصوله البشتونية احمللية واملتسمة هبوية حنفية وصوفية وينحاز هلذا السبب إىل حل املشاكل‬
‫مع باكستان مبتعداً يف ذلك وانطالقاً من التجارب السابقة عن التطرف القاعدي (”‪ ،2009 ”Franco‬ص ‪،289‬‬
‫”‪ ،2008 ”Tarzi‬ص‪.)306‬‬
‫كذلك يف إطار التقليدية املدرسية‪ ،‬فإنه ينبغي تناول مجاعة التبليغ يف هذا اإلطار كجماعة كبرية ال توافق على‬
‫األساليب السياسية واإلرهابية اليت تنفذها طالبان و سيباهي الصحابة مع كوهنا ديوبندية اجلذور‪.‬‬

‫مجاعة التبليغ‬
‫إن مجاعة التبليغ مجاعة كبرية ترجع جذورها إىل الديوبندية‪ ،‬وهي تقود اليوم فعاليات واسعة على نطاق عاملي‪.‬‬
‫وقد ظهرت باكورة فعالياهتا الدعوية يف موات جنوب مشال نيو دهلي عام ‪ 1926‬على يد موالنا حممد إلياس‬
‫الكندهلوي (املتوىف ‪ )1944‬خريج دار العلوم ديوبند الذي يعترب املؤسس هلذه اجلماعة‪ .‬وكان السبب يف اختياره‬
‫موات نقطة انطالق هلذه الفعاليات هو غفلة املسلمني يف هذه املنطقة عن دينهم واتصاهلم بالتقاليد اهلندوسية‪.‬‬
‫ووفقاً للمنقبة فإن حممد إلياس تلقى األمر بالدعوة يف رؤياه من شيخه وأحد مؤسسي احلركة الديوبندية يف نفس‬

‫‪63‬‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫الوقت رشيد أمحد جاجنوهي‪ .‬وكان السبب الرئيسي هو كون املدارس الديوبندية ال ختاطب إال جزءاً يسرياً من‬
‫الشعب‪ ،‬وأن ‪ %95‬من مسلمي اهلند كانوا حمرومني من هذا التعليم‪ .‬فكان الواجب هو الذهاب إىل هؤالء‬
‫الناس إليصال رسالة اإلسالم إليهم‪ .‬وقد حتولت هذه احلركة التبليغية التطوعية إىل منظمة تبليغية عام ‪1934‬‬
‫نتيجة اجتماع ضم ‪ 107‬شخصاً‪.‬‬
‫وإن حممد إلياس الكندهلوي وابنه حممد يوسف الكندهلوي (ت ‪ )1984‬الذي خلفه بعد وفاته مهاً واضعاً أساليب‬
‫التبليغ اليت ال تزال اجلماعة تتبعها يف أحناء العامل‪ .‬وجتتمع األسس اليت تدعو إليها هذه اجلماعة يف ستة مبادئ‪.‬‬
‫وأول هذه املبادئ اليت تسمى كذلك النقاط أو األوصاف هو ”كلمة التوحيد‪/‬الشهادة”‪ ،‬ويعرب هذا املبدأ عن‬
‫حقائق اإلميان باهلل تعاىل وانعكاس هذه احلقائق على حياة املسلم يف شكل عبادات وأعمال صاحلة‪ .‬ومقتضى‬
‫اجلزء الثاين لكلمة الشهادة والذي هو اإلميان بالرسول صلى اهلل عليه وسلم هو التمسك بسنته واتباع هديه‪.‬‬
‫واملبدأ الثاين الذي هو ”الصالة” يربز االستمرار على هذه العبادة واخلشوع فيها‪ ،‬واالهتمام بالنوافل إىل جانب‬
‫الصلوات املفروضة‪.‬‬
‫”العلم والذكر” هو املبدأ الثالث‪ ،‬ويهدف إىل إنضاج إميان املسلم وعمله وتقويتهما‪ .‬فينبغي أال تقصر العلم‬
‫على املدارس والذكر على الزوايا‪ .‬وال بد من نقل العلم املتلقى من الشيوخ والكتب إىل اآلخرين (التعلم‬
‫والتعليم)‪ .‬رأس الذكر القرآن‪ ،‬مث تليها األدعية والصالة على النيب صلى اهلل عليه وسلم واالستغفار‪ .‬واملبدأ‬
‫الرابع هو ”إكرام املسلمني واحرتامهم”‪ ،‬ويشري إىل أن يكون تعامل املسلم مع املسلم كتعامله مع أخيه‪،‬‬
‫وأن يريد ألخيه ما يريده لنفسه‪ ،‬وال يرضى له مبا يكرهه لنفسه‪ ،‬وأن يكون يف خدمة أخيه وفياً سخياً له‪.‬‬
‫ويستوجب املبدأ اخلامس ”إخالص النية والصدق” أن تكون الصدارة يف كل عمل ملا يرضي اهلل‪ .‬وعلى املسلم‬
‫وخصوصا الذي حيمل وصف الداعية أن يكون عامال قبل غريه مبا يدعو الناس إليه وأال خيالط أعماله شيئا‬
‫من الرياء‪.‬‬
‫واملبدأ السادس واألخري هو ”تفريغ الوقت”‪ ،‬مبعىن تفريغ وقت للتبليغ‪ .‬وهبذا املبدأ خاصةً تكتسب اجلماعة‬
‫شخصية متميزة‪ .‬حيث يستلزم هذا املبدأ أن خيصص املسلم للتبليغ الذي يعترب عبادة مفروضة ال تنفصل‬
‫عن حياة املسلم وقتاً وإمكانيات مادية متاماً كما يفعل للعبادات األخرى‪ .‬وبدون ذلك ال يتم أداء الواجب‪.‬‬
‫ولتنفيذ هذا الواجب قامت مجاعة التبليغ بتطوير نظام خاص‪ .‬ووفقاً هلذا النظام جيب على كل داعية أن‬
‫خيصص عدة ساعات يف كل أسبوع لفعاليات التبليغ يف منطقته‪ ،‬وعليه يف كل شهر أن يقوم بأعمال التبليغ‬
‫ملدة ثالثة أيام خارج منطقته‪ ،‬كما أن عليه أن يشرتك يف جمموعات التبليغ ملدة ‪ 40‬يوماً متتابعات يف كل سنة‪.‬‬
‫واملطلب األمسى لداعية ذي جتربة وخربة هو أن يواصل أعمال التبليغ ملدة ‪ 4‬أشهر متتابعات ولو ملرة واحدة‬
‫يف عمره‪.‬‬
‫هذه الفعاليات ليست فعاليات عشوائية تظهر نتيجة جهود شخصية‪ .‬فال بد أوالً من تكوين اجملموعات التبليغية‬
‫اليت ستقوم بأعمال التبليغ تطوعا‪ .‬وتسمى اجملموعات املتكونة من ‪ 15-10‬شخصاً التشكيل ويرأسها أمري‪ .‬ويتم‬
‫تكوين قسم عمل يقوم على الرتاضي والتطوع ويسمى املشورة‪ .‬وتوزع الوظائف املتعلقة بالطعام والنظافة والتوصيل‬
‫واالتصاالت الرمسية‪ .‬ويف األسفار إىل البالد األخرى يتواجد معهم حتماً مرتجم‪ .‬وال شك أن املهمة األوىل‬
‫‪64‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫جملموعات التشكيل هي ابتداء أعمال التبليغ يف األماكن اليت يتوجهون إليها‪ .‬وحمل إقامتهم يكون يف الغالب‬
‫مسجد تلك املنطقة‪ ،‬ويتم احلصول على ترخيص بذلك مسبقاً‪.‬‬
‫وتقوم اجلماعة بالتبليغ يف شكل وعظ خياطب هبا مجاعة املسجد بعد صاليت العصر واملغرب غالبا‪ .‬ويدور هذا‬
‫الوعظ حول أحد املبادئ الستة‪ ،‬ويغذى هذا الوعظ بأمثلة من القرآن الكرمي ومن أحاديث النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم وكذلك أقوال الصحابة رضي اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬وتوجه فيه النصائح إىل مجاعة املسجد ويتم دعوهتم إىل‬
‫االشرتاك معهم يف أعمال التبليغ‪ .‬وتسجل أمساء الدعاة اجلدد الذين يستجيبون هلذه الدعوة حىت يشرتكوا مع الفريق‬
‫يف أعماهلم التبليغية القادمة ويكتسبوا معهم جتربتهم األوىل‪ .‬وباإلضافة إىل املساجد تقوم هذه اجملموعات بالتبليغ‬
‫يف بيوت معينة يف نفس املنطقة حتقيقياً للدعوة على أوسع نطاق وإليصاهلا إىل أهايل البيوت أيضاً‪.‬‬
‫هبذه الكيفية يتم االشرتاك يف مجاعة التبليغ‪ ،‬فليس الكتساب عضوية اجلماعة إجراءات حمددة عن طريق لوائح‬
‫أو مراسم‪ .‬فمن استمر بعد هذه اخلطوة األوىل يف القيام بفعاليات التبليغ‪ ،‬انتقل إىل املراحل التالية يف نظام‬
‫التبليغ وقوي انتماؤه إىل اجلماعة‪ .‬ويف أسفار التبليغ هذه واليت تسمى باخلروج أو اخلروج للتشكيل يكون كل‬
‫واحد مسؤوالً شخصياً عن تكاليف سفره واحتياجاته‪ .‬وليس يف اجلماعة فوق ذلك نظام شهرية‪ .‬ومن خالل‬
‫هذه األسفار يتم تبليغ الناس كما يتم إىل جانب ذلك تربية الدعاة من الناحية املعنوية‪ ،‬حيث ميارس فيها‬
‫الداعي التضحية املادية واملعنوية معا‪ ،‬ويقوم بتنظيم حياته اليومية‪ ،‬فتنموا بذلك مهاراته التنظيمية والتعاونية‪،‬‬
‫كما يكسب تقدماً يف عباداته ومواقفه األخالقية نتيجة اقتدائه مبن سبقوه من الدعاة املخلصني‪ .‬ويتعود‬
‫على العبادات النافلة مثل قيام الليل‪ .‬ويزداد علمه من خالل القراءات واملذاكرات اليت تتم داخل كل فريق‪.‬‬
‫واملصادر اليت يعتمد عليها يف املواعظ والقراءات داخل اجملموعات هي كتاب حياة الصحابة حملمد يوسف‬
‫الكندهلوي وكتاب فضائل األعمال حملمد زكريا الكندهلوي‪ .‬وكذلك اجملموعة احلديثية رياض الصاحلني من‬
‫املراجع عندهم‪.‬‬
‫النقطة األساسية اليت متيز مجاعة التبليغ عن املنظمات التقليدية املدرسية هي عدم التوجه إىل مذهب معني‪ .‬مجاعة‬
‫متارس األنشطة يف مجيع أحناء العامل‪ ،‬من املعقول والطبيعي جداً أن ال تتبع مذهباً فقهياً واحداً فحسب‪ .‬الكل حر‬
‫يف اتباع مذهبه‪ .‬يفضل أعضاء اجلماعة املالبس التقليدية مثل السروال واجلبة بدالً من املالبس احلديثة ‪ ،‬معفني‬
‫اللحية ألجل اتباع السنة وترتدي النساء العباءة عادةً‪ .‬وقد ازدادت مشاركة املرأة يف أنشطة التبليغ يف السنوات‬
‫األخرية‪ ،‬لكن هذه األنشطة تستهدف النساء خصوصاً دون االلتفات إىل الرجال‪.‬‬
‫هذا ومن خصائص مجاعة التبليغ أيضاً الوقف على احلياد يف األمور السياسية‪ .‬وال يشتغل بالقضايا السياسية يف‬
‫رحالهتم اليت تسمى ب”التشكيل” ويف أعمال التبليغ‪ .‬بسبب هذه املواقف‪ ،‬ميكن ألعضاء اجلماعة احلصول عل‬
‫تأشرية السفر واإلذن الرمسي من كل دول العامل تقريباً‪ ،‬وهكذا ميكن هلم عمل التبليغ‪ .‬ليست اجلماعات املسلّحة‬
‫حدث مهم للتبليغيني حيث أهنم يفهمون مفهوم اجلهاد على أنه صراع‬ ‫املناضلة يف بعض مناطق العامل موضوع ٍ‬
‫َ‬
‫ضد النفس والشيطان‪ .‬ال سيما تتهم املنظمات اإلسالمية السياسية ترمي مجاعة التبليغ بقلة االهتام بالسياسة‬
‫واالتفاق مع احلكومات املعادية لإلسالم‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫ومن االنتقادات األخرى املوجهة إىل اجلماعة أهنم خياطبون املسلمني فقط يف أنشطة التبليغ وليس عندهم برنامج‬
‫دعوة موجه لغري املسلمني‪ .‬وهذا بالنسبة هلم أمر طبيعي جداً‪ ،‬إذ على املسلمني أوالً االستقامة وإصالح أنفسهم‬
‫حىت ميكنهم التأثري على اآلخرين‪ .‬مهما يُستغرب عدم استخدام استخدامهم وسائل اإلعالم مثل التلفزيون‬
‫واإلنرتنت والصحف واجملالت كوسيلة للتواصل ‪ ،‬ميكن فهم ذلك من وجهة نظر اجلماعة‪ .‬ألن التبليغ الشفوي‬
‫وجهاً لوجه كان من طريقة النيب صلى اهلل عليه وسلم وانتشر اإلسالم من خالل هذه الطريقة‪ .‬وإن اهلل يبارك‬
‫اجلهود املبذولة يف هذا الطريق‪.‬‬
‫إن التقديرات تشري إىل أن هذه اجلماعة هي أكرب حركة إسالمية يف العامل من حيث عدد املنتسبني إليها‪ ،‬على‬
‫الرغم من أنه ال ميكن تأكيد املزاعم يف هذا االجتاه بسبب عدم وجود عضوية رمسية هلذه اجلماعة‪ .‬اجتماع بِي ْشوا يف‬
‫بنغالدش ‪ ،‬الذي يقام مبشاركة ما يقرب من ثالثة ماليني تبليغي سنوياً‪ ،‬واجتماع رايْوانْد يف باكستان الذي يضم‬
‫أكثر من مليوين مشرتك‪ ،‬مها أكثر جتمعات املسلمني ازدحاماً بعد احلج‪ .‬ويشارك هذا االجتماع أناس آتون على‬
‫حساهبم اخلاص من مجيع أحناء العامل ملدة ثالثة أيام ويأخذون نصيبهم من الوعظ والنصح‪ .‬مث تنتهي االجتماعات‬
‫بعد طقس دعاء مجاعي طويل والذي يسمى دعاء اهلداية‪.‬‬
‫من املعلوم أ ّن شورى على قمة مجاعة التبليغ اللينة نظامها التأسيسي‪ .‬وال يعد رئيس اللجنة يف مقام القيادة‪ .‬وعدم‬
‫وجود نظام مركزي للمنظمة مناسب هلذه الطريقة‪ .‬يتم تنظيم األنشطة حمليًا‪ .‬على الرغم من اعتماد مسجد نظام الدين‬
‫املركزي الذي يقع يف جنوب دهلي مقراً مركزياً‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬فإن رايواند يف باكستان واملسجد املركزي الذي اشتهر‬
‫بد ْاوسبوري يف إجنلرتا أكرب مؤسسات اجلماعة‪ .‬ومركزهم يف تركيا هو مسجد السالم يف سلطان غازي‪.‬‬ ‫باسم دار العلوم َ‬
‫ميكن القول أنه بسبب األساليب التقليدية واخلاصة اليت يتبعوهنا‪ ،‬تفتقر مجاعة التبليغ إىل ختريج العلماء واملثقفني‬
‫الذين ميكنهم تقدمي حلول للمشاكل املعاصرة اليت يواجهها املسلمون‪ .‬على الرغم من كل هذا‪ ،‬ال تزال اجلماعة‬
‫احدا من أهم احلركات اإلسالمية العاملية يف عصرنا‪ 1993 ”Ahsan”( .‬ص‪)4-293‬‬ ‫و ً‬

‫املدارس السنية األخرى يف العامل اإلسالمي‬


‫مل تصل املدارس اليت تقع يف املناطق األخرى من العامل اإلسالمي إىل احلجم والتنظيم الذي عليه مجاعات‬
‫اجملتمعات اهلندية اليت قدمناها يف األعلى‪.‬‬
‫املدارس املالكية املرتبطة بطريقة التيجانية والشاذلية يف موريتانيا‪ ،‬ومدارس بُونْ ُدوك الشافعية يف الفقه األشعرية يف‬
‫العقيدة النقشبندية يف التصوف يف باتاين يف تايالند ومدارس كردستان باملذاهب نفسها ومدارس أسيا الوسطى‬
‫اليت متركت يف وادي فرغانة واليت تتبع منهجاً تعليمياً قريباً من تقليدية الديوبندية‪ ،‬كل هذه املدارس أمثلة فريدة‬
‫تستفيد من التصوف حتت مراقبة الفقه ولكن على الرغم من ذلك فإهنا مل تكن يف بنية مجاعية يف وسعة املنظمات‬
‫اهلندية ومشوهلا‪.‬‬
‫ولعل االستثناء الوحيد من كل هذه‪ ،‬هو مجاعة هنضة العلماء اليت نشأت على املدارس التقليدية للمسلمني‬
‫اإلندونيسيني اليت تسمى مبدارس بَسانـْتـَْرن اليت حتولت مع الزمن إىل مؤسسة (”‪ 2006 ”Göksoy‬ص‪.)2-541‬‬
‫‪66‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫تأسست هنضة العلماء عام ‪ 1926‬من قبل جمموعة من العلماء الذين كانوا متحمسني حلماية السنية والتباع مذهب‬
‫معني وحلفظ القيم التقليدية يف مواجهة حركة اإلصالحيني احلديثني ”احملمديني” وبعض املنظمات السلفية وقد‬
‫كانت هذه احلركة واحداً من أهم القوى االجتماعية والسياسية يف أندونيسيا بأن كانت فعالةً يف طور القتال‬
‫ضد القوى االستعمارية ويف األنشطة السياسية بعد االستقالل يف إندونيسيا‪ .‬نرى هذه املنظمة اليوم أهنا قبلت‬
‫بعض األفكار التجديدية احلديثة بسرعة ووضوح الذي قلما يصادف مثلها يف البيئة الديوبندية اهلندية‪ .‬إن هذا‬
‫التوجه املبتكر الذي يلَيِّ من التقليدية لتلبية طلبات اجملتمع واكتسب هنضة العلماء فوق التقليدية املدرسية هوية‬
‫”إصالحية ثقافية”‪.‬‬

‫التقليدية املدرسية الشيعية و اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‬


‫اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية اليوم هي دولة أسستها الثورة اإلسالمية عام ‪ 1979‬بقيادة املدرسة الشيعية‪ .‬قائد الثورة‬
‫آية اهلل اخلميين كان معلماً يف املدرسة وأدار عملية الثورة منذ الستينيات مع املال الذين كانوا على رأي اخلميين‪.‬‬
‫ال نعين باملدرسة الشيعية مجاعة مثل الديوبندية اليت تتشكل حول املدارس السنية يف القارة اهلندية‪ .‬بل نعين‬
‫مؤسسات التعليم التقليدية غري الرمسية اليت تسمى ب”احلوزة” العلمية يف وتدعى باسم املدينة عاد ًة‪ .‬املدرسة‬
‫الشيعية اليت بدأت يف الفرتة الصفوية (‪ )1736-1501‬واستمرت يف فرتة القاجار (‪ )1925-1785‬هي مؤسسة‬
‫راسخة ومستقلة تتصف جبميع خصائص املدرسة اإلسالمية التقليدية‪ .‬ومن هذه الوجهة ميكننا تعريف ”احلوزات”‬
‫العلمية كنسخة شيعية لدار العلوم السنية‪.‬‬
‫بتطورها التارخيي وبنيتها التأسيسية واملستقلة من الناحية اإلدارية واملالية فإن للمدرسة الشيعية يف الواقع مزايا مهمة‬
‫جداً ال توجد يف املدارس السنية‪ .‬فقدت املدارس السنية بعد اخلالقة العثمانية قوهتا واعتماد شعبها عليها يف أيدي‬
‫الدول العلمانية‪ .‬كانت املدارس السنية يف القارة اجلنوبية اهلندية حتت حكم قوى االحتالل‪ .‬املدارس اهلندية اليت‬
‫استطاعت تأسيس منظمات كبرية بسائق النضال ضد االحتالل‪ ،‬فمن جانب آخر هي مل تستطع اهلروب من‬
‫التفرق والتشتت بسبب االضطرابات السياسية يف البيئة االجتماعية يف املنطقة‪ .‬فكانت مجاعات املدارس مثل‬
‫الديوبندية والربيلوية وندوة العلماء اليت تتنافس فيما بينها‪ ،‬سبباً لنشأة إيديولوجيات مدرسية خمتلفة بعضها عن‬
‫بعض‪.‬‬
‫ولكن املدرسة الشيعية اليت ال حتتاج ملؤسسة سياسية مثل اخلالفة استطاعت أن حتتفظ ببقائها يف التاريخ رغم‬
‫االضطرابات السياسية‪ .‬بعد القاجار حاول الشاه البهلوي املسيطر على إيران يف بداية القرن العشرين التخلص‬
‫من املدرسة ولكن مل ينجح فيه وبقيادة علماء ”احلوزات” ولدت اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية بنضال طويل‬
‫وجمهد‪ .‬كان هذا النجاح نتيجة لشيئني يف بنية الشيعة العقدية والفكرية‪ .‬األول تغلب املذهب األصويل الذي‬
‫مييل لالجتهاد‪ ،‬على املذهب النقلي ”األخباري” (القرن الثامن عشر) أكسب املدارس الشيعية حركية فكرية‬
‫واسعة‪ .‬والثاين هو ما خرجته هذه احلركية من جرأة كبرية من نظرية ”والية الفقيه”‪ .‬تقول هذه النظرية اليت‬
‫ابتكرها اخلميين أنه جيوز دينياً ومذهبياً تأسيس العلماء دولة عادلة وكالة عن املهدي إىل أن يظهر املهدي‬

‫‪67‬‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫اإلمام األخري بعد غيبته فيؤسس الدولة العادلة قرب يوم القيامة‪ .‬فلم يكن من املمكن حتقق الثورة اإلسالمية‬
‫ُ‬
‫يف أرض الواقع قبل ثورة فكرية كهذه‪.‬‬
‫كان ”والية الفقيه” اجتهاد نشأ يف حوزة قُ ْم (إيران)‪ .‬والسيد أبو القاسم اخلوئي (املتوىف ‪ )1992‬العامل الكبري‬
‫ملدارس جنف يف العراق أي للحوزة األكثر تأصيالً من غريها‪ ،‬خالف هذه النظرية قائالً بأهنا تضر بعقيدة غيبة‬
‫املهدي الشيعية‪ .‬ولكن استقواء احلوزة قم بعد حدوث الثورة جعل هذه املخالفة غري مهمة‪ .‬ومل يكن ذات معىن‬
‫لصمود حوزة جنف اليت كانت حتت سيطرة حزب البعث‪ ،‬أمام حوزة قم اليت أخذت سيطرة إيران بأيديها‪.‬‬
‫فبعد أن سقط حكم البعث يف العراق (‪ )2003‬وأتى الشيعة للحكم حاولت حوزة جنف النهضة من جديد‬
‫اجلماهري‬
‫َ‬ ‫ولكنه من الصعب ألجل قري أن تتوازن مع حوزة قم يف التقليدية املدرسية‪ .‬رغم الشخصية الفاتنة‬
‫لعلي السيستاين طالب اخلوئي وآية اهلل الكبري‪ ،‬يرى أن جنف تدخل الوقت حتت إدارة قم مع الدور القوي‬
‫إليران يف العامل الشيعي‪.‬‬
‫من نتيجة دور املدرسة الشيعية الرئيسي يف الثورة اإلسالمية أن أصبح مذهب اإلثىن عشرية هو املذهب الرمسي‬
‫يف دستور إيران‪ .‬والية الفقيه أو ”الرهربية” بامسها الدستوري تفيد أن جمتهداً يتحمل األمور الدنيوية عن اإلمام‬
‫الغائب (املهدي املنتظر) الذي ينتظر عودته‪ .‬هذه املؤسسة شيعية يف‬
‫كل أمورها‪ .‬متلك كل السيطرة على نظام الدولة من تشريع وتنفيذ‬
‫‪3‬‬ ‫وقضاء وعلى الشعب‪ .‬وهناك مؤسستان دستوريتان مها شورى‬
‫كهبان) وشورى املتخصصني (شورى ُخبـَْركان)‬ ‫احملافظني (شورى نَ ْ‬
‫ما هو حتليلكم يف كون املدرسة الشيعية‬
‫ومها يف غالب األمر مؤسسات تدار من علماء املدارس الشيعيني‪.‬‬
‫القوة األساسية للثورة اإليرانية ‪1979‬؟‬
‫وهي مؤسسات قرار لدولة إيران فوق جملس النواب (جملس الشورى‬
‫اإلسالمي) الذي ينتخبه الشعب‪.‬‬

‫املادة رقم ‪ 12‬من دستور إيران املقرر ‪ 1979‬الذي ما زال ساري املفعول هي‪” :‬الدين الرمسي إليران هو‬
‫اإلسالم ومذهب اإلثىن عشرية‪ .‬وال ميكن تغيري هذه املادة أبداً‪ .‬حترتم املذاهب األخرى مثل احلنفية‬
‫والشافعية واملالكية واحلنبلية والزيدية ومنتسبوها يف عباداهتم مكلفون مبذاهبهم”‪.‬‬

‫جيرى قبول الطالب يف ”احلوضات” اليت تستمر فيها النظام املدرسي اإلسالمي التقليدي بكل أوصافه‪ ،‬بامتحان‬
‫مركزي‪ .‬املرحلة األوىل هي دروس املقدمات اليت تستغرق من ‪ 5‬إىل ‪ 7‬سنوات‪ .‬ومن جنح يف هذه املرحلة يستحق‬
‫أن يلبس الزي املخصص للعلماء من العمالة واجلبة واحلرملة وأن يلبسها طول حياته بطقس يف حفلة اإلجازة يلبَس‬
‫الطالب فيها العمامة‪ .‬وجترى يف املدارس اهلندية السنية مثل هذه الطقوس عند اإلجازة وتسمى عندها ”دسرت بندي”‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫واملرحلة الثانية اليت تسمى سطوح‪ ،‬تتكون من دروس التخصص اليت خيتار فيها الطالب شيوخهم‪ .‬ويبقى طالب‬
‫قلة يف املرحلة الثالثة اليت تسمى ”درس اخلارج”‪ .‬وليس هلذه املرحلة مدة معلومة‪ .‬يهدف الطالب يف هذه املرحلة‬
‫على قدر ذكائه وجهده وموهبته لدرجة االجتهاد‪ .‬خلرجيي مرحلة ”خارج” صالحية يف التدريس وتأليف الكتب‬
‫وهلم على قدر شهرهتم أن يكونوا مرجع التقليد للعوام يف املسائل الفقهية‪ .‬مزجت احلكومة اإليرانية املؤسسات‬
‫التعليمية احلديثة مثل جامعة املصطفى الدولية بنظام ”احلوضة”‪ .‬بذلك متكنت من توثيق العالقة بني من كثري من‬
‫الناس باملدرسة التقليدية بشكل بشمل من بقي خارج العامل الشيعي وهدفت هبذا تشهري املدرسة دون اإلضرار‬
‫بالتقليدية‪.‬‬
‫وكانت العلوم العقلية وباألخص املنطق والفلسفة غالبة يف املنهج العلمي للمدرسة الشيعية‪ .‬هذا الوصف ضعيف‬
‫يف املدارس السنية اليوم‪ .‬أن فُتح جمال العلوم العقلية يف التقليدية األصولية احلاكمة اليوم على كل ”احلوضات”‬
‫تقريباً‪ ،‬أكسب اإليديولوجية الشيعية دينامية كبرية‪ .‬ولكن يعلم أن املدرسة يف غاية التقليدية يف عدم تشويه الدين‬
‫واملذهب بأفكار ونظريات جتديدية عقالنية‪ .‬فمثالً‪ :‬املفكر الشيعي علي شريعيت (املتوىف ‪ )1977‬الذي ساهم‬
‫كثرياً يف الوعي اإلسالمي الثوري يف شباب اجلامعات بكتبه وحماضراته‪ ،‬انتقدته املدرسة بسبب أفكاره التجديدية‬
‫وحاولت أن تسكته‪ .‬مثقفون مثل سيد حسني نصر وعبد الكرمي سورش وحممد جمتهد شبسرتي هم ممن مل تقبله‬
‫املدرسة بسبب آراءهم التجديدية اليت ترفضها التقليدية املدرسة قطعياً‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬ ‫‪3‬‬

‫املدارس هي مؤسسات تعليمية يدرس فيها على مستوى‬ ‫القيام بتحليالت عن البنية‬
‫التعليم الثانوي والعايل يف الدول املسلمة وترجع أصوهلا للقرن‬ ‫والوترية التقليدية للمدرسة اليت‬
‫احلادي عشر‪ .‬وإن وجدت يف تعاليم املدارس مع العلوم‬ ‫هي أساس التقليدية املدرسية‬
‫النقلية مثل الصرف والنحو والعقيدة والتفسري واحلديث والفقه‬
‫وأصول الفقه‪ ،‬والعلوم اليت تزيد من قوة احملاكمة يف التفكري‬
‫اخلالصة‬

‫مثل الكالم والفلسفة واملنطق والرياضيات فإن امليزانية بني‬


‫العلوم كانت عرب التاريخ ضد العلوم العقلية‪ .‬ميزة مهمة نراها‬
‫يف مدارس أناضول واهلند بكثرة هي أن املدرسني من أهل‬
‫التصوف ومنتسيب الطريقة‪.‬‬

‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬ ‫‪3‬‬

‫املؤسسة املركزية للجماعة الديوبندية هي دار العلوم ديوبند يف‬ ‫شرح أسباب نشأة اجلماعة‬
‫قرية ديوبند الواقعة مشال اهلند اليت أسسها حممد قاسم نانوتوي‬ ‫الديوبندية وتطورها فهي من‬
‫وراشد أمحد رشيد أمحد الكنكوهي يف سنة ‪ .1867‬بعد ثورة‬ ‫أبرز املظاهر للتقليدية املدرسية‬
‫اهلند عام ‪ 1857‬ضد االحتالل اإلجنليزي واخلسارة اليت واجهها‬
‫املسلمون فيها بأضرار كبرية شديدة رأى نانوتوي والكنكوهي‬
‫كعاملَني أن هنضة املسلمني من جديد ال ميكن حتقيقها إال‬
‫جبهد تعليمي كبري وواسع اجملال‪ .‬فهذه احلركة اليت هتدف‬
‫للخدمة واليت اتسعت يف وقت قصري حىت اشتملت على‬
‫القارة اجلنوبية اهلندية كلها وأصبحت مثاالً ملسلمي البالد‬
‫األسيوية األخرى والشرق البعيد‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬ ‫‪3‬‬

‫إن مجاعة التبليغ مجاعة كبرية ترجع جذورها إىل الديوبندية‪.‬‬ ‫مقايسة أساليب النشاط‬
‫وكان السبب يف اختيار موالنا حممد إلياس موات نقطة‬ ‫للديوبندية ومجاعة التبليغ بأهنما‬
‫انطالق هلذه الفعاليات هو غفلة املسلمني يف هذه املنطقة عن‬ ‫ترجعان إىل األصول نفسها‬
‫دينهم واتصاهلم بالتقاليد اهلندوسية‪ .‬ووفقاً للمنقبة فإن حممد‬
‫إلياس تلقى األمر بالدعوة يف رؤياه من شيخه وأحد مؤسسي‬

‫اخلالصة‬
‫احلركة الديوبندية يف نفس الوقت رشيد أمحد جاجنوهي‪ .‬كانت‬
‫املدارس الديوبندية على رأيه ال ختاطب إال جزءاً يسرياً من‬
‫الشعب‪ ،‬وأن ‪ %95‬من مسلمي اهلند كانوا حمرومني من هذا‬
‫التعليم‪ .‬فكان الواجب هو الذهاب إىل هؤالء الناس إليصال‬
‫رسالة اإلسالم إليهم‪ .‬وقد حتولت هذه احلركة التبليغية التطوعية‬
‫إىل منظمة تبليغية عام ‪.1934‬‬

‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬ ‫‪3‬‬

‫اجلهاد األفغاين الذي بدئ ضد احتالل االحتاد السوفييت جنح‬ ‫التفكري يف الظروف االجتماعية‬
‫بأن أخرج قوات االحتالل من الدولة ولكن دخلت املنظمات‬ ‫السياسية اليت ولدت منها حركة‬
‫اجلهادية األفغانية يف حروب داخلية فيما بينهم ألخذ حكم‬ ‫طالبان‬
‫أفغانستان احملررة‪ .‬هذا الوضع السيئ كان سبباً لكون رؤساء‬
‫فاعل كث ٍري من الظلم والطغيان‪ .‬طالبان‬
‫اجملاهدين القدامى َ‬
‫حركة متطوعة مسلحة بدأها جمموعة من املدرسني والطلبة‬
‫إلنقاذ الدولة من الوضع الراهن آنذاك‪ .‬واكتسبت احلركة‬
‫دعم الشعب يف وقت قصري وأخذت يف بادئ األمر الدعم‬
‫السياسي من باكستان والواليات املتحدة األمريكية جبنبها‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫التقليدية ‪ :2‬التقليدية املدرسية‬

‫‪ 4‬أي اخليارات التالية‪ ،‬ليس من أسس مجاعة‬ ‫‪ 1‬أي العبارات التالية‪ ،‬ال تنطبق على أوصاف‬
‫التبليغ يف التبليغ؟‬ ‫املدرسة؟‬
‫الصالة‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫التعليم على أساس الكتب الرتاثية‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫علم السياسة‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫مؤسسات مرتبطة بالدولة متاماً‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫اخترب نفسك‬

‫كلمة التوحيد‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫تعليم العلوم العقلية مع العلوم النقلية‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫تفريغ الوقت‬ ‫د ‪.‬‬ ‫بعض املدارس هلا عالقة بطريقة ما‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫العلم والذكر‬ ‫ه‪ .‬‬ ‫ترجع أصوهلا للقرن احلادي عشر‪.‬‬ ‫ه ‪.‬‬

‫‪ 5‬بأي صفتها أصبحت التقليدية املدرسية‬ ‫‪ 2‬أي العبارات التالية تصح عن ”حتريك طالبان‬
‫الشيعية موضوع يتحدث عنه بكثرة يف تاريخ‬ ‫باكستان”؟‬
‫الشرق األوسط للقرن العشرين؟‬ ‫خروجها بعد االحتالل السوفييت مباشرة‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫ردها التعامل مع القاعدة‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫مداخلتها للجهاد األفغاين‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫إرادهتا تأسيس أمريية إسالمية يف باكستان‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫دورها يف احلرب الداخلي يف سوريا‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫عدم تصرفها بالعنف‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫تربيتها علي شريعيت كرجل مشهور‪.‬‬ ‫ج ‪.‬‬
‫دعمها باكستان ضد اهلند‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬
‫نضاهلا املتني مع الوهابية‪.‬‬ ‫د ‪.‬‬
‫حتقيقها الثروة اإلسالمية اإليرانية‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪ 3‬أي العلماء يف اآليت‪ ،‬يرى أثره الظاهر يف جذور‬


‫الديوبندية الفكرية؟‬
‫شاه ويل اهلل الدهلوي‬ ‫أ ‪.‬‬
‫محد إلياس الكندهلوي‬ ‫ب‪ .‬‬
‫ابن عبد الوهاب النجدي‬ ‫ج ‪.‬‬
‫فريد وجدي‬ ‫د‪ .‬‬
‫شبلي نعماين‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪72‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪ .4‬ب إن مل يكن جوابك صحيحاً فاقرأ موضوع ”مجاعة‬ ‫‪ .1‬ب إن مل يكن جوابك صحيحاً فاقرأ موضوع ”املدخل”‬
‫التبليغ” من جديد‪.‬‬ ‫من جديد‪.‬‬

‫مفتاح األجوبة لـ “اخترب‬


‫إن مل يكن جوابك صحيحاً فاقرأ موضوع‬
‫”التقليدية املدرسية الشيعية ومجهورية إيران‬ ‫‪ .5‬ه‬ ‫‪ .2‬ج إن مل يكن جوابك صحيحاً فاقرأ موضوع ”طالبان‬
‫اإلسالمية” من جديد‪.‬‬ ‫باكستان” من جديد‪.‬‬

‫إن مل يكن جوابك صحيحاً فاقرأ موضوع‬ ‫‪ .3‬أ‬


‫”الديوبندية” من جديد‪.‬‬

‫نفسك”‬
‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪3‬‬

‫يفهم من ذلك أن الربيلوية اليت تشبه الشيعة يف بعض معتقداهتا ومعامالهتا مل تستطع أن‬
‫‪1‬‬ ‫جاء دورك‬
‫تنجو من معاداة جيش الصحابة رغم سنيتها‪.‬‬

‫االتفاق بني طالبان املنتسبة للتقليدية املدرسية والقاعدة املنتسبة للتقليدية السلفية اليت ترفض‬
‫األوىل‪ ،‬اتفاق يف غاية الصعوبة‪ .‬ولكن طالبان مع أهنا أتت من تقليدية مدرسية فإهنا كانت‬
‫‪2‬‬ ‫جاء دورك‬
‫تقرأ احلنفية بظاهرية ما وكانت تلبس لباس نبذ اآلخرين‪ ،‬وذلك مكن من اتفاقها بالقاعدة‬
‫اليت تقرأ تقليديتها يف اإليطار نفسه‪ .‬وكذلك كان العدو املشرتك ساعد يف الوعي باالتفاق‪.‬‬

‫نظرية ”والية الفقيه” هي حركة كانت خلف الثورة اإليرانية وهي اليت خرجته املدرسة الشيعية‬
‫جبرأةكبرية‪ .‬تقول هذه النظرية اليت ابتكرها اخلميين أنه جيوز دينياً ومذهبياً تأسيس العلماء دولة‬
‫اإلمام األخري بعد غيبته فيؤسس الدولة العادلة‬
‫عادلة وكالة عن املهدي إىل أن يظهر املهدي ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫جاء دورك‬
‫قرب يوم القيامة‪ .‬التقليدية أنتجت اجتهاداً كهذا وجددت به نفسها وجعلت الثورة وهي‬
‫حدث سياسيكبري‪ ،‬ممكناً‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ التقليدية املدرسية‬:2 ‫التقليدية‬

‫املصادر‬
Abou Zahab, M. ve O. Roy. (2004). Islamist Networks: Afghan-Pakistan Connection, London.
Ahsan, M. Manazir. (1993). “Cemâat-i Teblîğ”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 7, s. 293-4.
Büyükkara, Mehmet Ali. (2001). “Bir İnanç ve İmaj Sorunu Olarak İslam’ın Talibancası”, Günümüz İnanç
Problemleri: İlahiyat Fakülteleri Kelam Anabilim Dalı Sempozyumu, s. 277-287.
Franco, Claudio. (2009). “The Tehrik-i Taliban Pakistan”, A. Giustazzi (ed.), Decoding the New Taliban, New
York. s. 269-292.
Göksoy, İsmail Hakkı. (2006). “Nehdatü’l-Ulemâ”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 32, s. 541-2.
Konuk, Yahya. (2007). Bosna’dan Afganistan’a Cihad’ın Mahrem Hikayesi, İstanbul.
Metcalf, Barbara D. (1982). Islamic Revival in British India: Deoband, 1860-1900, New Jarsey.
Nojumi, Neamatollah. (2002). The Rise of the Taliban in Afghanistan, New York.
Rashid, Ahmed. (2000). Taliban: Militant Islam, Oil and Fundamentalism in Central Asia, London, New Haven.
Rashid, Ahmed. (2002). Jihad: The Rise of Militant Islam in Central Asia, London, New Haven.
Tarzi, Amin. (2008). “The Neo-Taliban”, Robert D. Crews ve Amin Tarzi (ed.), The Taliban and the Crisis of
Afghanistan, Cambridge-Massachusetts, s. 274-310.

74
‫الوحدة الرابعة‬
‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬

‫األهداف‬
‫بعد االنتهاء من دراسة هذه الوحدة سيكون باإلمكان‪:‬‬
‫ٍ‬
‫تقييمات تتعلق بالبنية واألفعال الوظيفية اليت تصف الطرق التقليدية‪.‬‬ ‫ إعطاء‬
‫ احلديث عن ظهور وتطور اجلماعة البارلوية كأحد أكثر األشكال التنظيمية للطرق التقليدية املوروثة‪.‬‬
‫ إجراء املقايسة بني املفاهيم التصوفية البارلوية واخلالدية النقشبندية كحركتني دينيتني تستندان إىل‬
‫اجلذور ذاهتا‪.‬‬
‫ إعطاء فكرٍة عن مدى أمهية الطرق اإلسالمية التقليدية املوروثة يف افريقيا واألثر الذي تركته على‬
‫املسلمني هناك‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫التصوف‬ ‫ ‬
‫الطريقة‬ ‫ ‬
‫الباطن‬ ‫ ‬
‫البارلوية‬ ‫ ‬
‫النقشبندية‬ ‫ ‬

‫‪76‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املدخل‬
‫التصوف طريقةٌ دينيةٌ يسعى أصحاهبا من خالهلا إىل كسب رضا اهلل تعاىل وترقية ذاهتم أخالقياً وتنقية أنفسهم‬
‫معينة من الذكر والرياضة‪ ،‬وعلى مر تاريخ التصوف بُذلت‬ ‫سوء دنيو ٍي معنو ٍي ويتبعون يف ذلك طرقاً ٍ‬‫من كل ٍ‬
‫عملية أُطلِ َق عليها اسم ”الطريقة”‪ .‬التصوف والطرق هي من‬
‫تنظيمية وتأطريه يف ٍ‬
‫ٍ‬ ‫اجلهود إلكساب التصوف صفةً‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫أهم التقاليد اليت تساهم يف تشكيل النسيج اإلسالمي‪ ،‬وكما تعود املدارس التقليدية بأساتذهتا وعلمائها‬
‫ٍ‬
‫متسلسل إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فهذه الطرق أيضاً تعود إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم مروراً ببعض الشيوخ‬
‫واملرشدين‪ ،‬وبالنسبة ملراتب التصوف فهي على النحو التايل‪ :‬املغيثون (مفردها غوث)‪ ،‬األقطاب‪ ،‬األبدال السبعة‪،‬‬
‫النجباء األربعون‪ ،‬الشيوخ‪ ،‬الدراويش‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كمؤسسات‬ ‫ٍ‬
‫تقليدية تبحث يف حل املسائل الفقهية الظاهرية‪ ،‬وظهرت الطرق‬ ‫ٍ‬
‫كمؤسسات‬ ‫يف البداية ظهرت املدارس‬
‫ٍ‬
‫تقليدية تناولت املسائل اإلشعارية والكشفية (أو الباطنية)‪ ،‬وما بني هذه املؤسسات نشأ االختالف والتنوع ووسائل‬
‫الرقابة يف تاريخ الفكر اإلسالمي‪ ،‬وباملقابل ُسجلت العديد من احملاوالت لتقليل هذه االختالفات إىل احلد األصغري‬
‫وتوحيد تيارين خمتلفني من أصحاب الطرق‪ ،‬وتـُِّو َجت معظم هذه األعمال ذات األمهية اجملتمعية بالنجاح‪ ،‬هذه‬
‫ٍ‬
‫وبشكل أوضح عند الطريقة اخلالدية النقشبندية املؤثرة يف‬ ‫الصفة ميكن رؤيتها عند أصحاب اجلماعة الديوبندية‬
‫سوريا والعراق والطرق املرتبطة هبا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صوفية فقد انتقل أصحاهبا إىل شىت جماالت‬ ‫فردية‬ ‫ٍ‬
‫مؤسسات ٍ‬ ‫الكثري من الطرق اليت جاء ذكرها تتجاوز مرحلة كوهنا‬
‫ٍ‬
‫اجتماعية‬ ‫ٍ‬
‫حديثة‪ ،‬وإضافةً إىل ذلك قاموا بأدوا ٍر‬ ‫كات ٍ‬
‫دينية‬ ‫احلياة ليكونوا فعالني فيها وانتقلوا أيضاً إىل قيادة حر ٍ‬
‫ٍ‬
‫ومكتوبة وحىت أحز ٍ‬
‫اب‬ ‫إعالم مر ٍ‬
‫ئية‬ ‫أوقاف لتقدمي الدعم ووسائل ٍ‬‫تعليمية و ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومؤسسات‬ ‫خمتلفة فقادوا شر ٍ‬
‫كات كربى‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫سياسية‪.‬‬
‫أحد أهم األمثلة على النظم التشريعية اليت تقرتب كثرياً من الطرق التقليدية وتستند إليها هي البارلوية يف جنوب‬
‫اهلند‪ ،‬حيث تعد البارلوية من أكرب التشكيالت الدينية هناك‪ .‬اجلماعة البارلوية تعتمد من جهة على السلفية‬
‫ٍ‬
‫كمدرسة تقليدية فتعد بديالً ورقيباً هلا‪ ،‬ومن‬ ‫التقليدية املتمثلة بـ ”أهل احلديث” ومن ٍ‬
‫جهة أخرى على الديوبندية‬
‫جهة وتقاليد السلفية‬‫هنا سيتم البحث فيما يتعلق هبذه اجلماعة وإجراء املقايسة بني هذه الطريقة التقليدية من ٍ‬
‫واملدرسة من ٍ‬
‫جهة أخرى مع إبراز الفروق بينها‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫أضف تعليقك حول أوجه التشابه واالختالف بني الطرق التقليدية املوروثة مع تيار ٍ‬
‫ات أخرى‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬

‫البارلوية‬
‫كشكل ٍ‬
‫معلوم للطريقة ليس دقيقاً وليس صائباً؛ هذه اجلماعة وإن كانت متسلسلةً وامسها‬ ‫ٍ‬ ‫إن تقييم البارلوية‬
‫”سلسلة الرضاوي” وأياً كانت استمرارية هذه السلسلة فليس هلا هيئة الطرق األساسية الكربى يف تسلسلها‬
‫ووسائلها ودوامها‪ .‬مؤسس هذه اجلماعة هو أمحد رضا خان بارلوي (‪ ،)1856-1821‬أمحد رضا ميثل املرشد الذي‬
‫عدد من العلماء‪ .‬يف البداية ظهر كتاب ”العطايا النبوية يف الفتاوى الرضاوية” يف اثين عشر جملداً كأول‬‫تبعه ٌ‬
‫مؤ ِ‬
‫لفات أمحد رضا‪ ،‬حمتوى الكتاب يركز على العلوم الفقهية‪.‬‬
‫موجود يف‬
‫ٌ‬ ‫بالنظر إىل أفكار ونشاطات هذه اجلماعة نرى آثاراً واضحةً منوذجيةً للطرق التقليدية‪ ،‬فكما هو‬
‫الديوبندية فالبارلوية جتمع ما بني ”املدرسة” و ”الطريقة”‪ ،‬أما الفارق فهو على النحو التايل‪ :‬فكما يغلب على‬
‫وبقول آخر فوجود الضوابط الفقهية‬ ‫الديوبندية تقليد ”املدارس” يغلب على البارلوية عنصر تقليد ”الطرق”‪ٍ ،‬‬
‫الصوفية يف مدارس الديوبندية يقابله ضوابط أضعف بكثري يف البارلوية اليت يغلب عليها مفهوم ”الطريقة”‪ .‬منذ‬
‫البداية اختار أتباع البارلوية ألنفسهم ”أهل السنة واجلماعة” امساً فادعوا أهنم حركةٌ مشوليةٌ متثل السنة مبعناها‬
‫إفادة أعمق من الطرق التقليدية األخرى‪ ،‬ورمبا أرادت هذه اجلماعة إجياد ٍ‬
‫بنية تعتمد‬ ‫احلقيقي وجمدد ًة هلا وذات ٍ‬
‫على السنة لتتفوق به على مجيع الطرق واملذاهب الفقهية األخرى‪.‬‬
‫أمحد رضا خان الذي ولد يف مدينة باريلي التابعة لوالية أوتار باردش جنوب اهلند ينتمي ٍ‬
‫لعائلة مشهورٍة بتفوقها‬ ‫ُ‬
‫جهة أخرى اعتىن بالتصوف‪ .‬يف عام ‪ 1877‬انتسب إىل‬ ‫العلمي وعمل على حتصيل العلوم الظاهرية التقليدية‪ ،‬ومن ٍ‬
‫أوسع من‬
‫الشيخ القادري شاه آل الرسول املرهروي ممن يُ َس َّمون ”أسياد الربكة”‪ ،‬ويف السنوات التالية تلقى تعليماً َ‬
‫طرق أخرى كاجليشيتية والسهروردية والنقشبندية حىت أُجيز بثالثة عشر طريقةً‬ ‫مشايخ آخرين فيما يتعلق بآداب ٍ‬
‫َ‬
‫خمتلفةً‪.‬‬
‫أمر ينبغي التوقف عنده قليالً‪ .‬مؤسس القادرية هو‬ ‫ارتباط أمحد رضا بالقادرية واكتسابه صفة البارلوية بعدها هو ٌ‬
‫عبد القادر اجليالين (ت‪1166 / 561‬م) الذي ينحدر نسبه من أمه وأبيه إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأما تسلسل‬
‫الطريقة فهو يبدأ من اإلمام علي بن أيب طالب ومير بأهل البيت‪ ،‬وبالقياس مع الطرق األخرى يظهر ”التشيع”‬
‫ٍ‬
‫كسمة للقادرية‪ ،‬إضافةً إىل ذلك األمهية املمنوحة للسماع والدوران واجلهر‬ ‫ٍ‬
‫كصفة ترتبط مبحبة أهل البيت وتبدو‬
‫يقة تتصف باإلفراط والنشوة خالل أداء نشاطاهتا املختلفة‪ .‬على الرغم مما ذُكر فاجليالين‬ ‫بالذكر وذلك ضمن طر ٍ‬
‫يُعد شخصيةً تارخييةً متيزت بربطها للشريعة مع الطريقة؛ ادعاءات أمحد رضا كانت مماثلةً لذلك وقد جعل من حمبة‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم حموراً لفكر مجاعته اليت قام بإنشائها‪.‬‬
‫أمحد رضا ومجاعته غالَوا يف مسألة حمبة النيب صلى اهلل عليه وسلم متجاوزين تقاليد السلفية وفقهاء املدارس املختلفة‪،‬‬
‫بعض من نور اهلل هي من املغاالة اليت وقعت‬ ‫ِ‬
‫وفكرة أن الكائنات قد ُخل َقت من أجل النيب صلى اهلل عليه وسلم وأنه ٌ‬
‫فيها البارلوية قياساً بالطرق التقليدية األخرى‪ .‬ال شك أن هذه التعليقات واآلراء ال ميكن أن تنفصل عن فلسفة وحدة‬
‫الوجود وعلى ضوء هذا التأثري املذكور جاءكتاب ”ملفوظات” والذي طرح فيه منوذجاً يصور النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وناظر إىل‬ ‫ٍ‬
‫موجود ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كشيء يفوق اإلنسان‪ .‬بالنسبة له فالنيب صلى اهلل عليه وسلم يعلم املاضي واملستقبل والغيب‪ ،‬وهو‬

‫‪78‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫قادر على التدخل بكل األحداث الدنيوية بسبب ما يتميز به‪ ،‬وطلب املعونة منه‬
‫كل مكانٍحىت بعد أن تويف‪ ،‬وهو ٌ‬
‫طلب للمعونة من اهلل‪ ،‬ونتيجةً لذلك فاملسلمون يتخلصون من مشكالهتم مستعينني هبمته‪ ،‬أمحد رضا‬
‫(االستغاثة) هو ٌ‬
‫نسب نفسه إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم وقدم نفسه حتت اسم ”عبد املصطفى”‪.‬‬
‫مجيع االدعاءات اليت ادعى أمحد رضا وجودها يف شخصية النيب صلى اهلل عليه وسلم ادعى وجودها أيضاً يف‬
‫األولياء والصاحلني من وكالء األنبياء‪ ،‬ففتح يف البداية الطريق أمام خمالفة علماء اهلند مَُثَّلني بالديوبندية وأهل‬
‫كثرية حبق هذه اجلماعات‪ ،‬فقد اهتمهم يف آرائه بالوهابية‬‫اءات ٍ‬‫احلديث‪ ،‬ويف مقابل ذلك أيضاً قدم أمحد رضا افرت ٍ‬
‫ونعتهم بالكفر‪ ،‬أمحد رضا قام أيضاً بتكفري علماء الشيعة بسبب آرائهم حول الصحابة واإلمامة وقام بتكفري‬
‫مذهب األمحدية (القاديانية) املنسوب للمريزا غالم أمحد الذي ادعى النبوة‪ ،‬أمحد رضا عمل على جتميع علماء‬
‫احدة ليقضي على التفرقة ويقيم وحد ًة قويةً فشكل من أجل ذلك ”ندوة العلماء” اليت شن‬ ‫مظلة و ٍ‬‫اهلند حتت ٍ‬
‫اسعة‪ ،‬وعملت على توحيد األشخاص وتنقيتهم من ذنوهبم وآثامهم‪ ،‬ويف عام ‪ 1905‬أثناء‬ ‫جتديدية و ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫محالت‬ ‫فيها‬
‫رحلة احلج استعان علماء الندوة ببعض علماء احلجاز فأصدروا فتوى للرد على اجلماعات املناهضة هلم وأعلنوا‬
‫انضواءهم حتت راية اإلسالم‪.‬‬
‫التضاد والتباعد والتفرقة اليت مت احلديث عنها ما زالت مستمرةً يف يومنا احلايل وبنفس الزخم الذي كانت عليه يف‬
‫رص َد بكثرٍة لدة املتبعني األصائل للطرق التقليدية‪،‬‬
‫القرن املاضي‪ ،‬التكفري أصالً ليس بتلك الظاهرة اليت ميكن أن تُ َ‬
‫مثال على ذلك حيث تشكل مسألة التكفري لديها مبدأً أساسياً يستند‬ ‫وإن حدث ذلك فجماعة البارلوية هي ٌ‬
‫ٍ‬
‫معينة‪ ،‬ويف يومنا احلايل قمنا برصد أقو ٍال تكفريية لدى بعض اجملموعات السلفية ذات امليول‬ ‫خارجية ٍ‬
‫ٍ‬ ‫إىل مواقف‬
‫اخلارجية البعيدة عن عامة الناس مثل ”من مل يقم بتكفري الكافر فقد وقع يف الكفر” وهذا احلكم قال به أيضاً‬
‫ٍ‬
‫مشاهبة وسيتم تقييم مجاعة البارلوية من قبل‬ ‫اقف‬
‫أمحد رضا (‪ ،)Sanyal, 2010, S.233‬هذه الرؤية ستُقابَ ُل طبعاً مبو َ‬
‫أطر ٍ‬
‫اف أخرى بأهنا مجاعةٌ منحرفةٌ‪.‬‬
‫املقصود من مصطلح ”الوصول إىل اهلل” هو إقامة القواعد اليت تؤدي إىل حمبة اهلل (وهؤالء احملبون هم أولياء اهلل)‬
‫وسيلة تعتقد بأن التوسل الذي‬‫وتعين أيضاً التوسل إليه‪ ،‬البارلوية اليت تعتقد بعدم التقرب من اهلل تعاىل مباشرةً دون ٍ‬
‫يقرتن باسم النيب صلى اهلل عليه وسلم هو خطوةٌ مهمةٌ يف طريق التقرب إىل اهلل إال أنه ليس كافياً وذلك ألن التقرب‬
‫من النيب صلى اهلل عليه وسلم يتطلب التقرب إىل وكالئه من املشايخ وأصحاب الطرق‪ ،‬وهلذا السبب فاالنتساب‬
‫اجب‪ ،‬وبعد وفاة هذا املرشد جيب أن يستمر االرتباط هبذا املرشد وذلك هبدف االستفادة من‬ ‫ٍ‬
‫أمر و ٌ‬ ‫إىل مرشد ما هو ٌ‬
‫إرشاداته املعنوية واستجالباً للربكة‪ ،‬وهذا االرتباط يتم على قرب ذلك املرشد‪ ،‬ولذلك فالقبور هي أماكن على ٍ‬
‫غاية يف‬ ‫ُ‬
‫األمهية من ناحية املكاسب الدينية والدنيوية‪ ،‬فهي إذن نقاط االرتباط إن صح التعبري‪ ،‬وإقامة مثل هذا االرتباط يتطلب‬
‫اسم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طقوس خاصة ذات أمهية‪ ،‬الزفاف مثالً والذي يسمى ”الْعُْرس” والذي يعرب عن االرتباط بني حبيبني له مر ُ‬ ‫إقامة‬
‫معينة ٍ‬
‫جذابة‬ ‫مساعية ٍ‬
‫طقوس ٍ‬ ‫معينةٌ‪ ،‬وكذلك ذكرى الوفاة السنوية لألولياء عند البارلوية يتم فيها مساع الشعر واملوسيقى يف ٍ‬
‫حممد صلى اهلل عليه وسلم ومولد أمحد رضا خان يقيمون‬ ‫معينة‪ ،‬ويف مولد النيب ٍ‬ ‫حياولون فيها تقمص ٍ‬
‫هيئات وأحو ٍال ٍ‬
‫بشكل ٍ‬
‫الئق بدي ٍع جداً‪.‬‬ ‫مراسم ”املولد” وبنفس الطريقة ولنفس الغاية‪ ،‬إذن فمراسم املولد والعرس لدى البارلوية متر ٍ‬

‫‪79‬‬
‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬

‫البارلوية عملت على تطوير منتسبيها عن طريق اإلرشاد والتدريس العلمي ومحلتهم مسؤولية الرد على اجلماعات‬
‫َّف عن طريق الطقوس اليت تُقام عند املزارات اليت أسلفنا احلديث عنها‪ ،‬حىت أن هؤالء‬ ‫األخرى‪ ،‬وهذه املسؤولية ُتَف ُ‬
‫مضمونة بعد املوت‪ ،‬إضافةً إىل ذلك فبعض نشاطات االستعاذة واالستشفاء تؤدي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بشفاعة‬ ‫يوعدون‬
‫املنتسبني َ‬
‫للتخلص من بعض املشكالت الدنيوية‪ .‬متكنت البارلوية عرب هذه األفكار من جذب الكثريين وعلى األخص‬
‫شاه ُد بعض التشكيالت‬ ‫القرويني منهم‪ ،‬ويف املدن تبدو بعض اجلماعات أكثر وضوحاًكأهل احلديث والديوبندية أو تُ َ‬
‫السياسيةكاجلماعة اإلسالمية السياسية‪ ،‬وهذا جيعل البنية السكانية يف اهلند بنيةً متعدد ًة مزدمحةً‪ .‬البارلوية موجودةٌ أيضاً‬
‫يف باكستان وهي تؤم وتدير نصف املساجد هناك على األقل‪ ،‬البارلوية متكنت أيضاً مبساعدة الصحافة والبىن السياسية‬
‫بوضوح وباألخص يف‬
‫ِ‬ ‫املختلفة من التمدد يف األوساط املدنية اليت متلك سويةً تعليميةً متدنيةً وتزايد عدد منتسبيها‬
‫جنوب اهلند حيث نرى بأن هذه اجلماعة قطعت مسافةً هامةً لتكون من أكرب اجلماعات الدينية يف تلك املنطقة‬
‫(‪.)s.178,186 / Birışık, 2008, s.61-4 / Metcalf, 1982, s.296-314, Birışık, 2001‬‬

‫يف باكستان اليت بلغ عدد سكاهنا ‪ 190‬مليون نسمة يف عام ‪ 2014‬يرتبط ما نسبته ‪ %70-50‬من‬
‫املسلمني السنة فيها باجلماعة البارلوية‪ ،‬إذا كانت هذه النسبة واقعيةً موثوقةً فهذا يعين أن قسماً من‬
‫غري املسلمني والشيعة مضافاً إليهم املسلمون السنة يشكلون سيالً كبرياً من املنتسبني للبارلوية يضم‬
‫ما بني ‪ 100-80‬مليون نسمة‪ ،‬ولالطالع على املزيد من النسب واألرقام انظروا إىل ‪.Khan, 2011, s.1‬‬

‫أمحد رضا الذي حيمل هوية العلماء وصاحب األفكار واألفعال اليت مرينا عليها مل جيد صعوبةً يف التأسيس ٍ‬
‫لبنية‬
‫وبشكل ال ميكن القبول به يف العقيدة‪ ،‬وهم‬ ‫ٍ‬ ‫فقهية‪ ،‬أتباع البارلوية يأخذون من كتب احلديث السنية دون ضواب َط‬ ‫ٍ‬
‫ايات قد يشوهبا الضعف ويعطوهنا املشروعية‪ .‬مل َّ‬
‫يتخط أتباع البارلوية‬ ‫عام يأخذون عن احملدثني أفكاراً ورو ٍ‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مسألة التمسك باملذهبية فأظهروا التعصب للمذهب احلنفي‪ ،‬وموقفهم هذا َس َّه َل انتشار املذهبية ٍ‬
‫بشكل واس ٍع يف‬
‫اهلند‪ .‬بعد ذلك حلَّت ”املدرسة” حمل ”التكية” أو ”الدركة”‪ ،‬وتعاملوا مع اجلماعات األخرى ٍ‬
‫بشيء من الرقابة‬
‫ٍ‬
‫تعليمية امتد أثرها ٍ‬
‫بشكل‬ ‫كتأسيس ٍ‬
‫لبنية‬ ‫ٍ‬ ‫واحلذر ويف عام ‪ 1904‬أقيم من قِبَ ِل ”دار العلوم” ما ُسي ”منظار اإلسالم”‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ومنِ َح االهتمام لدور النشر منذ ذلك احلني ومل ُتنَ ْح بقية الطرق التقليدية‬ ‫واس ٍع وعُ ِرفَ ْ‬
‫ت من قبَ ٍل الكثريين باملدرسة‪ُ ،‬‬
‫يف تلك البقاع الكثري من األمهية‪.‬‬
‫أمحد رضا الذي كان سباقاً ملثل هذه الفعاليات اعتُِ َب من قبل متبعيه اجملدد للفرتة ما بني القرنني ‪ ،20-14‬أصدقاؤه‬
‫ومريدوه مل حياولوا أن يتخطوه سواءً يف حياته أو بعد مماته‪ ،‬وكانوا يدعون أنفسهم عبيداً له (عبد الرضا – عُبَ ْـي ُد‬
‫يقال له ”احلضرة‬ ‫الرضا) ويفتخرون بذلك‪ ،‬كما أهنم أصدروا بياناً ُيَِّرمون فيه مناداته بامسه الصريح مباشرًة وإمنا ُ‬
‫األعلى”‪ .‬متبعوه يُظْ ِهرون له االحرتام يف حياته ُم َقبِّلني يديه وقدميه‪ ،‬وبعد وفاته يُظْ ِهرون االحرتام ذاته من خالل‬
‫تقبيلهم لعتبات مزاره يف باريلي‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫الديوبندية أظهرت موقفاً لالستعمار‪ ،‬بينما مل يظهر املوقف ذاته من أتباع البارلوية‪ ،‬هذ املوقف السليب مل يصل‬
‫إىل درجة حمبة االنكليز كما كان عند املستحدثني من مجاعة ”أهل القرآن” ومذهب األمحدية‪ .‬أمحد رضا مل‬
‫يقدم دعماً للحركات املناهضة لالستعمار كجمعية علماء اهلند وحركة اخلالفة وأجنم ُخ ّدام الكعبة وحركة حممد‬
‫ٍ‬
‫جمموعات من‬ ‫علي جناح واملؤسسات اليت عملت على توحيد زعامة املسلمني‪ ،‬وكان من نتائج ذلك تعامله مع‬
‫غري املسلمني كاهلندوس‪ ،‬إال أن كتبه ومقاالته ضد انكلرتا قد ال تعكس ذلك مباشرًة‪ ،‬فكان أمحد رضا يطالب‬
‫بعدم مواالة االنكليز ولكنه ال مينع التعامل معهم‪ ،‬وكان يقول أن إدارة االنكليز ال تشكل مانعاً حيوياً لتطبيق ما‬
‫تقتضيه أسس الشريعة‪ ،‬وكان سكوت أمحد رضا سبباً يف تقييم اآلخرين له هبذا الشكل (‪.)Sanyal, 2010, s. 301‬‬
‫البارلوية كانت أيضاً على احلياد فيما خيص بقاء اخلالفة اإلسالمية العثمانية أو عدمه واليت كانت مصدراً هاماً‬
‫يش تبعاً ملا جاء يف إحدى الروايات‪،‬‬‫لقيام الشريعة هناك‪ ،‬وبالنسبة ألمحد رضا فاخلالفة ينبغي أن تكون من قر ٍ‬
‫والسالطني العثمانيون ليسوا من قر ٍ‬
‫يش فال ميكنهم أن حيملوا صفة اخلالفة‪ .‬أياً كانت األسباب واألعذار فالبارلوية‬
‫كانت على ٍ‬
‫تقارب مع االنكليز فيما خيص مسألة االستعمار ومسألة اخلالفة‪.‬‬
‫بعد وفاة أمحد رضا مل تستطع احلركة البارلوية احملافظة على الوحدة حيث مت انفصال باكستان عن اهلند كما‬
‫عائالت كربى كانت مبجملها حتت‬ ‫ٌ‬ ‫مجاعات خمتلفةٌ كالقادرية والنقشبندية واجلشتية والسهروردية ومثَّلتها‬
‫ٌ‬ ‫ظهرت‬
‫متعددة‪ .‬ويف الديوبندية أيضاً حدثت التفرعات ذاهتا كما حدث‬ ‫ٍ‬ ‫لوية‬ ‫ٍ‬
‫تشكيالت بار ٍ‬ ‫الرقابة وأدى ذلك إىل ظهور‬
‫يف البارلوية‪ ،‬اجملموعات املنبثقة عن البارلوية عقدت فيما بينها اتفاقاً إلقامة فيدر ٍ‬
‫الية بارلوية‪ ،‬وبالطبع فالبنية‬
‫البارلوية املوحدة كانت أفضل‪ .‬البارلوية أسست عام ‪ 1925‬مجاعة ”املؤمتر اإلسالمي اهلندي” ٍ‬
‫كبديل جلماعة علماء‬
‫املسلمني الديوبنديني واستمر نشاطها بعد انفصال باكستان عن اهلند حاملةً اسم ”مجعية علماء باكستان ‪،”JUP‬‬
‫مدنية ٍ‬
‫بصفة أكرب‪،‬‬ ‫كمؤسسة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ويف اهلند اختذت اسم ”مجعية العلماء واملشايخ اهلندية ‪ ”AIUMB‬وهذه اجلمعية تعمل‬
‫أما مجعية ‪ JUP‬يف باكستان فتتخذ طابعاً سياسياً‪.‬‬
‫اب‬
‫املمثلون السياسيون للبارلوية يف باكستان فعلياً ليسوا من مجاعة ‪ ،JUP‬وكذلك يوجد يف صفوف ‪ JUP‬أحز ٌ‬
‫ومنظمات مدنيةٌ متعددةٌ‪ ،‬ويف العام ‪ 2009‬مت االتفاق على توحيد هذه املكونات حتت‬‫ٌ‬ ‫سياسيةٌ بارلويةٌ متأصلةٌ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫غطاء ما يسمى باجمللس االحتادي السين‪ ،‬والسبب الذي دعا ملثل هذا االتفاق هو إجياد قوة موحدة تواجه‬
‫”طالبان” حسب تعبريهم‪ .‬منظمة ‪ JUP‬السياسية البارلوية األكثر تأصالً يف البالد وخالل الفرتة ‪ 2008-1979‬مل‬
‫تقدم الدعم بدايةً للمجاهدين األفغان خالل فرتة االحتالل السوفيييت ألفغانستان كما أهنا اكتفت بإدانة احلرب‬
‫الداخلية اليت نشبت بعد ذلك يف أفغانستان بني فصائل اجملاهدين وطالبان‪ .‬كانت باكستان قاعدة انطالق‬
‫ٍ‬
‫وعودة النتشار التقاليد‬ ‫طالبان‪ ،‬ويف تعيينات أئمة املساجد وما محلته من تفر ٍيق ٍ‬
‫إجيايب من قبل الدولة للديوبنديني‬
‫حازمة حياهلم‪ .‬كذلك يف عام ‪ 1990‬قامت املنظمة‬ ‫ٍ‬ ‫وتدابري‬ ‫املتمثلة بالسلفية واملدرسة استدعى اختاذ إجر ٍ‬
‫اءات‬
‫َ‬
‫ظاملة يف وجه ”التحريك السين” ومع حلول عام ‪ 2000‬تضاءل مفعول‬ ‫السياسية البارلوية جمدداً بإجر ٍ‬
‫اءات غادرٍة ٍ‬
‫ات جذريةٌ يف البالد‪.‬‬
‫يبق هلا أثر لتحدث بعد ذلك تغري ٌ‬
‫تلك اإلجراءات وتأثري تلك الشدة فلم َ‬

‫‪81‬‬
‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬

‫تسع وعشرون عمليةً الستهداف القبور وأدت‬


‫وقعت يف باكستان يف الفرتة ما بني ‪ٌ 2011-2005‬‬
‫إىل مقتل ‪ 209‬أشخاص‪ ،‬حول هذا املوضوع اطَّلعوا على ‪.Khan, 2011, s 3-2‬‬

‫خمتلفة تستهدف الشيعة‬ ‫ٍ‬


‫بعمليات ٍ‬ ‫منحدر من الديوبندية يُسمى ” ِسبَاح الصحابة”‬ ‫تيار‬
‫ٌ‬ ‫إضافةً ملا سبق فقد قام ٌ‬
‫خصوصاً وقد فـََقد بعض قادته ومنهم سليم القادري يف مؤامرٍة حيكت عام ‪ 2001‬وهو زعيم حركة السنة‪ ،‬ويف عام‬
‫وو ِّج َهت املسؤولية إىل مجاعة ”أهل احلديث”‪ ،‬ووقعت الكثري من األحداث‬ ‫‪ 2007‬هوجم أحد املساجد السالح ُ‬
‫املماثلة على هذه البقعة اجلغرافية مما يوضح هينة منطق السالح وتعامل السلطات منذ البداية وفق هذا املنطق‪،‬‬
‫وبشكل منتظ ٍم وعلى مستوى الدولة أفواجاً من املتدربني الشباب وتنظمهم‬
‫ٍ‬ ‫وجراء ذلك كان أتباع البارلوية يُعِدُّون‬
‫يف ما يسمى ”أجنم طلباء اإلسالم” فتشحذهم بالقوة والعزمية وتزرع يف رؤوسهم الغايات ذاهتا‪ ،‬وهذه التشكيالت‬
‫فعال منذ عام ‪ 1968‬وحىت اليوم‪.‬‬ ‫بشكل ٍ‬‫ٍ‬ ‫مستمرةٌ‬
‫الربوفيسور حممد طاهر القادري احلقوقي اإلسالمي ذو املقوالت السلمية املتحيزة للدميوقراطية والبعيدة عن األروقة‬
‫العسكرية أقام يف عام ‪ 1980‬مجعية ”منهاج القرآن” اليت متثل اليوم الواجهة الثقافية للبارلوية‪ ،‬وبعد أحداث ‪11‬‬
‫مفاهيم مثل شبكات اإلرهاب اإلسالمي حول العامل واخلوف من اإلسالم‬ ‫َ‬ ‫أيلول عام ‪ُ 2001‬سلطت األضواء على‬
‫وكان طاهر القادري من بني األمساء املرتبطة هبذه املفاهيم وحققت هذه املوضوعات انتشاراً واسعاً يف بالد الغرب‪.‬‬
‫كبرية تضم عشرات اآلالف من املعتكفني يف شهر رمضان‪،‬‬ ‫جتمعات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫”املنهاج” الذي أسسه طاهر القادري نظَّم‬
‫وهذه االالف تتحول إىل ماليني يف ليلة القدر‪ .‬طاهر القادري أقام أيضاً حزباً سياسياً استند يف مواثيقه النظرية إىل‬
‫ٍ‬
‫إسالمية‪ .‬إال أن ما قدمه من‬ ‫بشكل يُ ْس َعى من خالله إلقامة دو ٍلة‬
‫ٍ‬ ‫”وثيقة املدينة”‪ ،‬وقد أقر حبماية حقوق األفراد‬
‫ت بادعاءاته احلصول على تلك التعليمات من النيب صلى اهلل عليه وسلم وحماوالته املستمرة للدخول إىل‬ ‫رؤى أُتْبِ َع ْ‬
‫السلك السياسي لباكستان مث قيامه كسياس ٍي بارلو ٍي منوذج ٍي باهتام املراقبني السياسيني بالوقوع يف الكفر وتوعدهم‬
‫احتالل خارج ٍي‪ .‬سياسة طاهر‬‫ٍ‬ ‫بطرق غري دميوقر ٍ‬
‫اطية وحتت وطأة‬ ‫بعذاب جهنم‪ ،‬ويف النهاية خطط إلدارة البالد ٍ‬
‫انتقاد من قبل اجلوار وغريهم (‪.)Kandur‬‬ ‫وحتليل و ٍ‬
‫تداول ٍ‬‫القادري باتت بعد ذلك حمل ٍ‬

‫الوثيقة اليت أقرها النيب صلى اهلل عليه وسلم يف املدينة بعد هجرته إليها وعُرفت باسم ”وثيقة املدينة”‬
‫أقرت السالم بني مسلمي املدينة والقبائل اليهودية فيها وأقرت املسؤوليات واحلقوق وكيفية إدارة املدينة‪،‬‬
‫هذه الوثيقة تعرب عن إحدى أهم االتفاقيات السياسية يف تاريخ العامل‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪2‬‬

‫كيف ميكنكم إجراء املقايسة ما بني البارلوية والديوبندية كجماعتني كبريتني يف أسفل اهلند‬
‫وعموم العامل اإلسالمي وبني التصوف من حيث توجهات ٍ‬
‫كل منهما والعالقات اليت تربطهما؟‬

‫اخلالدية النقشبندية يف تركيا‬


‫تعد تركيا من أكثر بلدان العامل اإلسالمي احتواءً للطرق التقليدية‪ ،‬األتراك يف آسيا الوسطى تعلموا اإلسالم عن‬
‫بشكل ٍ‬
‫مقبول‪ ،‬وخالل هجراهتم إىل إيران واألناضول والبلقان‬ ‫طريق اجلماعات الصوفية املختلفة وتَـبَـنَّوا تلك املبادئ ٍ‬
‫انتقلت معهم تلك الطرق إىل تلك البالد فكان انتقال تلك الطرق مقرتناً بالفتوحات والدعوة إىل اإلسالم يف‬
‫تلك املناطق وانتقل معها التنظيم االجتماعي واحليوي اإلسالمي وكان للطرق دورها يف كل هذه األحداث‪ .‬يف‬
‫البداية ظهرت بعض احلركات الباطنية كالْيَ َس ِويَّة والوفائية واحليدرية والقلندرية وانتشرت بني األتراك‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫طرق أخرى ذات طاب ٍع س ٍين كاملولوية والقادرية‬
‫وباألخص بعد انتقاهلم مع السالجقة إىل األناضول انتشرت بينهم ٌ‬
‫واليت أخذت تقوى شيئاً فشيئاً‪.‬‬
‫عام شهدت قيام العديد من املنظمات الصوفية‪ ،‬وهذه‬ ‫الدولة العثمانية اليت سادت العامل اإلسالمي لستمئة ٍ‬
‫تباط بني الدولة وعامة الناس‪ ،‬فلقيت الدعم وال َقبول‪ .‬ويف القرن التاسع عشر انطلقت‬ ‫املنظمات شكلت نواة ار ٍ‬
‫محالت التحديث يف أرجاء الدولة ومنها تقوية املركزية السياسية‪ ،‬وكان لعالقة الدولة بالطريقة تأثريٌ على ذلك‪،‬‬
‫وألجل إدارة تلك الطرق كما جيب أُنْ ِش َئ ما يسمى ”جملس املشايخ” وهو حيمل صفةً رمسيةً‪ ،‬ومن مهامه إصدار‬
‫القرارات فيما يتعلق بتعيني املشايخ يف التكايا وكذلك مسائل األوقاف واإلشراف على ما يتعلق بالطرق وتنظيمها‪.‬‬
‫ائد عظيمةً سواء يف احلرب العاملية األوىل يف مدينة إسطنبول أو يف حرب االستقالل كاجمللس‬ ‫هذه الطرق أظهرت فو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫ت هذه الطرق وأُ ْغل َق ْ‬ ‫الذي يف مدينة أنقرة‪ ،‬وبعد قيام اجلمهورية الرتكية حمل الدولة العثمانية يف عام ‪ُ 1925‬من َع ْ‬
‫التكايا والزوايا يف تلك الفرتة‪ ،‬وهبذا الشكل فقد تعمدت تلك الطرق اليت فقدت صفتها القانونية إىل االستمرار‬
‫متخفية‪ ،‬واستمر انعقاد جمالس الذكر والطقوس الدينية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صغرية متبعثرٍة‬ ‫مجعيات و ٍ‬
‫أوقاف‬ ‫ٍ‬ ‫يف نشاطاهتا على شكل‬
‫وبشكل خف ٍي ودون تكايا أو زوايا‪ ،‬أما يف تركيا احلالية فالطريقة األكثر انتشاراً هي الطريقة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خاصة‬ ‫أماكن‬ ‫يف‬
‫َ‬
‫ُشاقِيَّة والرفاعية‬
‫طرق أخرى أقل انتشاراً وتنظيماً منها كالقادرية واملولوية واأل َ‬
‫النقشبندية‪ ،‬وتلي الطريقة النقشبندية ٌ‬
‫المتِيَّة واخلَْل َوتيَّة‪.‬‬
‫واملَ َ‬

‫ُعد من قِـبَ ِل ‪ Semih Ceyhan‬بعنوان‪:‬‬


‫لرؤية املزيد حول الطرق يف تركيا اطلعوا على العمل الذي أ َّ‬
‫(‪)Türkiye’de Tarikatlar: Tarih ve Kültür, İstanbul 2015‬‬

‫‪83‬‬
‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬

‫النقشبندية اكتسبت قوًة يف األناضول‪ ،‬وكانت بدايات هذه الطريقة مع بعض األذرع الصغرية وعلى ثرى الدولة‬
‫العثمانية‪ .‬يعد موالنا خالد البغدادي الكردي مؤسس الطريقة اخلالدية والذي ُولد عام ‪ 1779‬يف قرية كاراداغ التابعة‬
‫ملدينة السليمانية مشال العراق‪ .‬تلقى التعليم يف املدرسة واصبح معلماً‪ ،‬ويف عام ‪ 1805‬خالل رحلة احلج تلقى‬
‫أوصوه بالذهاب إىل‬ ‫ٍ‬
‫العديد من األحاديث اليت وجهته حنو التصوف‪ ،‬كما التقى بعدد من الدراويش اهلنود الذين َ‬
‫اهلند واالنتساب إىل شيخ النقشبندية عبد اهلل الدهلوي (ت ‪ )1824‬وعلى إثر ذلك توجه موالنا خالد إىل هدفه‬
‫رحلة ٍ‬
‫صعبة تضمنت املرور بإيران وأفغانستان وأمضى فيها حنو مخسة أشه ٍر مث رجع إىل السليمانية ليـَُع َّي هناك‬ ‫يف ٍ‬
‫ٍ‬
‫كخليفة‪ ،‬وخالل هذه الرحلة التقى ببعض علماء الشيعة وناظرهم مدافعاً عن السنة‪.‬‬
‫وبسبب اختالفه مع أتباع القادرية غادر السليمانية وتوجه إىل بغداد وأقام هناك زاويةً‪ ،‬وهناك َكثـَُر أتباعه ومريدوه‬
‫كخليفة هلم‪ ،‬ويف عام ‪ُ 1823‬د ِع َي لزيارة دمشق وهناك استمر على هنجه وَكثَُـر مريدوه‪ ،‬وكانت‬ ‫ٍ‬ ‫ومنحوه االعتبار‬
‫وفاته يف دمشق عام ‪ ،1827‬ومن أشهر طلبة الشيخ خالد النقشبندي الفقيه الدمشقي احلنفي املشهور حممد أمني‬
‫عابدين (ت ‪ )1836‬وكذلك املفسر املشهور شهاب الدين حممود اآللوسي (ت ‪ .)1854‬الطريقة اخلالدية النقشبندية‬
‫باتت يف القرنني األخريين حمل توجه الكثري من املسلمني األتراك واألكراد ومسلمي البلقان والقفقاس واملسلمني‬
‫العرب يف سوريا والعراق‪ ،‬وَك ْو ُن املرشد املؤسس هلذه الطريقة كردياًكان انتشار هذه الطريقة يف املناطق الكردية يفوق‬
‫انتشارها يف املناطق األخرى‪ .‬الربزانيون مثالً وهم من أكثر العائالت نفوذاً يف تلك املنطقة حتولت من القادرية إىل‬
‫بدرجة ٍ‬
‫معينة‬ ‫ٍ‬ ‫النقشبندية‪ .‬بالنتيجة ووفقاً ملا ذكره ‪ Algar‬فقد حتولت الطريقة اخلالدية النقشبندية إىل ٍ‬
‫صفة مميزٍة تعرب‬
‫عن اهلوية الكردية (‪.)Algar, 1997, s. 284-5‬‬

‫املميزات األصلية للطريقة النقشبندية هي على النحو التايل‬


‫ٍ‬
‫ضعيف جداً‪ ،‬كما أن مفهوم ”وحدة الوجود ”‬ ‫رعاية الشريعة‪ :‬الفكر الباطين الصويف يف هذه الطريقة ذو تو ٍ‬
‫اجد‬
‫موجود كمبادئ يف الطريقة النقشبندية اخلالدية وبقد ٍر ال بأس به‪ .‬موالنا‬
‫ٌ‬ ‫الذي نوقش يف معظم الطرق األخرى‬
‫خال ٌد قرأ كتباً متعدد ًة حول وحدة الوجود مثل الفتوحات والفصوص حملي الدين بن عريب إال أنه قد منعها عن‬
‫الدراويش (‪ )Shakely, 1999, s 98-9‬وباملقابل ُمنِ َحت األمهية للعلوم الظاهرية‪ ،‬فقد ُو ِّجهَ االهتمام إىل التفسري‬
‫طلق على طريق اخلالدية‬
‫وثيق مبفهوم املدرسة‪ .‬أيضاً يُ ُ‬
‫واحلديث والفقه احلنفي والشافعي‪ ،‬وكان هلذه الطريقة ارتبا ٌط ٌ‬
‫”ذو اجلناحني” أي ذو الطريقني‪ ،‬علوم املدرسة وزاوية العرفان‪.‬‬
‫أشهر املدارس اخلالدية‪ :‬نورشني وأوهني يف بيتليس‪ ،‬تيلو يف سريت‪ ،‬تاشكن يف أرضروم‪ ،‬وكان املدرسون فيها من‬
‫ُف‪ ،‬تشايكا‪ ،‬ريزة هي‬ ‫بدرجة ٍ‬
‫كبرية حىت يومنا احلايل؛ فاملدارس اليت يف أ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫أشياخ الطريقة اخلالدية واألمر مستمر‬
‫ف تأثري املدارس الصوفية القدمية يف احلياة الدينية‬
‫ضعُ َ‬
‫مؤسسات تعود للطريقة اخلالدية‪ ،‬ويف الفرتة من ‪َ 1950-1940‬‬
‫ٌ‬
‫واالجتماعية يف البحر األسود‪ ،‬والطرق الفعالة يف هذه املنطقة باتت تويل اهتماماً لدروس حتفيظ القرآن الكرمي‬
‫اليت حتمل صفةً رمسيةً‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫يف عام ‪ 1826‬كان من نتائج إلغاء اإلنكشارية اجلديدة منع الطريقة البكتاشية اليت يرتبط هبا هؤالء اجلنود‪ ،‬تزامن‬
‫إغالق تكايا الطريقة البكتاشية مع قدوم أتباع الطريقة اخلالدية إىل األناضول وبذلك ُملِ َئ الفراغ الذي تركته‬
‫البكتاشية‪ .‬خالل هذه العملية مل يتنصل علماء إسطنبول وأمراء القصر من تقدمي الدعم للخالدية‪ ،‬فالكثري من‬
‫تكايا البكتاشية اليت مت إغالقها أصبحت خمصصةً للخالدية‪ ،‬وال شك أن هذا الدعم يعين وقوفاً صرحياً يف وجه‬
‫الطرق الباطنية وترجيحاً هلذه الطريقة عن سائر الطرق األخرى‪.‬‬
‫اخلالدية أظهرت اندفاعاً حنو تطبيق السلوكيات واألفكار الدينية املوافقة للشريعة وتلقني رجال الدولة هذه املبادئ‪ ،‬وهي‬
‫خصوصيةٌ يتم توارثها عن اإلمام الرباين‪ ،‬وألجل حتقيق هذا اهلدفكان رجال اخلالدية يسعون ملد نفوذهم يف الدولة‪ ،‬وهبذا‬
‫الشكل مت إجياد ٍ‬
‫بنية ذات موق ٍع يسمح بالتواصل املباشر مع اجملتمع ونشر االلتزام فيه‪ ،‬ومن خالل هذه االرتباطات اليت‬
‫فرتة ٍ‬
‫قصرية من أكثر الطرق تأثرياً يف أرجاء اإلمرباطورية العثمانية‪.‬‬ ‫أُقيمت مع العثمانيني أصبحت الطريقة اخلالدية خالل ٍ‬
‫َ‬

‫من أشهر األمثلة على مفاهيم التصوف املوافقة حلدود الشريعة هو اإلمام الرباين أمحد السرهندي‪،‬‬
‫عمل على إزالة آثار املفهوم الديين احملرف الذي دعمه حاكم بابور املدعو ”أكرب شاه” ومن بعده‬
‫ابنه ”جيهان كري شاه” وكان هذا املفهوم حيمل اسم ”الدين اإلهلي”‪ ،‬وعمل على إجياد االرتباطات‬
‫كنموذج ٍ‬
‫مثايل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الالزمة بالشكل الذي اعتمدته الطريقة اخلالدية النقشبندية‬

‫الذكر والصحبات اخلفية‪ :‬الطريقة اخلالدية تتخذ موقفاً مضاداً من جلسات الذكر اليت يكون فها الذكر جهرياً‪،‬‬
‫وهلذا السبب فهم ال حيبذون الطقوس اليت تصاحبها املظاهر الغنائية واملوسيقى‪ ،‬وبذلك فهم حمرومون من إمكانية‬
‫إظهار مقومات الفن والثقافة لديهم بالشكل الذي يقوم به أتباع املولوية مثالً‪ ،‬وللسبب ذاته فلديهم إمكانية‬
‫حمبذة‪ ،‬أما الصحبات فهي تلك اجللسات‬ ‫بشكل مستم ٍر ما دامت تلك املظاهر ممنوعةً وغري ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫القيام بنشاطاهتم‬
‫َ‬
‫واالرتباطات الشخصية اليت تتخذ من النصيحة عماداً هلا وتعطي أمهيةً كبريًة ألصول االرتباط والتواصل والدعوة‬
‫بنية ٍ‬
‫دينية‪ ،‬وهي وسيلةٌ يتم من خالهلا االستماع إىل رسائل كبار هذه الطريقة واختاذها قاعد ًة لالنطالق‪،‬‬ ‫إلقامة ٍ‬
‫ومن ٍ‬
‫جانب آخر فالصحبات حتتل مكاناً أساسياً للتعارف واالستشارة وأدا ًة للتوحيد‪.‬‬
‫الوالء للعثمانيني‪ :‬رأى اخلالديون يف الدولة العثمانية دولة اخلالفة اليت حتافظ على الطابع اإلسالمي وهذا يعين ضرورة‬
‫بقاء هذه الدولة‪ .‬اخلالديون تطوعوا للقتال ضد الروس يف عامي ‪ 1878-1877‬منطلقني من زاوية ‪Gümüşhanevî‬‬
‫كنتيجة للعالقة اليت تربطهم بالدولة العثمانية‪ ،‬وكذلك يف حرب التحرير قدموا الدعم لإلدارة‬ ‫ٍ‬ ‫مبلء إرادهتم وهو‬
‫احلاكمة يف أنقرة مبا فيه مصلحة الدولة واخلالفة‪ ،‬وهذا يعين عملياً آماهلم يف إطالة عمر دولة اخلالفة ووفائهم ملرياثها‬
‫وكذلك رعايتهم للشريعة وخمالفتهم للنظام العلماين اجلديد الذي ألغى اخلالفة اإلسالمية عام ‪ ،1924‬ويف عام ‪1930‬‬
‫كانت ”واقعة َمنَ َم ْن” حجةً للنظام الرتكي اجلمهوري اجلديد ليحاول ضعضعة قوة احلركة اخلالدية وإزالتها كلياً من‬
‫الساحة السياسية واالجتماعية إال أنه مل يوفق يف حتقيق ذلك‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬

‫ٍ‬
‫عصيان للدولة‬ ‫من اجلدير بالذكر أن مناطق األكراد شهدت يف القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين حركات‬
‫ات ٍ‬
‫قومية‬ ‫العثمانية يقودها عبيد اهلل هنري واملال عبد السالم الربزاين وآخرون من شيوخ احلركة اخلالدية حتت مربر ٍ‬
‫اقتصادية‪ ،‬وهذه الشخصياتكانت تـع ُّد منكبار رؤساء العشائر قبل أن تكون أي ٍ‬
‫شيء آخر وهي نقطةٌ هامةٌ جيب‬ ‫ٍ‬ ‫و‬
‫َُ‬
‫ٍ‬
‫متفاقمة‪ ،‬ويف هذا السياق يذكر‬ ‫خاطئة من قِب ِل الدولة جتاه العشائر تؤدي إىل نتائج ٍ‬
‫سلبية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سياسات‬ ‫اإلشارة إليها‪ ،‬وأية‬
‫َ‬
‫نتائج وخيمةٌ‪.‬‬
‫التاريخ قيام إنكلرتا بتحريض بعض العشائر للتمرد على الدولة العثمانية وإضعافها وكان لذلك ُ‬
‫موقفهم ضد الشيعة‪ :‬على الرغم من رصدنا لكث ٍري من أمساء املشايخ ممن يعودون بالتسلسل إىل أهل البيت‬
‫إال أن الواقع يشري إىل أن أضعف الطرق املنتشرة يف األناضول هي الطرق العلوية بينما كانت أقوى الطرق‬
‫السنية املنتشرة هي الطريقة اخلالدية النقشبندية‪ ،‬ويف ظل األجواء السياسية املتوترة بني إيران والدولة العثمانية‬
‫كانت احلركة اخلالدية الناشئة يف مشال العراق تقف إىل جانب الدولة العثمانية‪ ،‬وبعض أشعار موالنا خالد‬
‫اليت اختُتِ َمت بلعن من أمساهم ”املرتدين اإليرانيني” يشرح موقف احلركة اخلالدية املعادي هلم‪ ،‬وهذا املوقف‬
‫عصيان للدولة مل يكن جمرد ٍ‬
‫حترك مو ٍال إليران‬ ‫ٍ‬ ‫تبناه اخللفاء أيضاً‪ ،‬وما قام به الشيخ عبيد اهلل يف أورمية من‬
‫بل ميكن اعتباره حرباً شيعيةً مفتوحةً (‪ )Algar, 1997, s. 285‬وبعد إلغاء االنكشارية ألغت معها الدولة الطريقة‬
‫البكتاشية وباملقابل مالت إىل الطريقة اخلالدية بفضل مميزاهتا‪ ،‬واستمرت اخلالدية بأداء مهامها خالل الفرتات‬
‫التالية بكل ٍ‬
‫شوق‪.‬‬
‫معظم الطرق النقشبندية املوجودة يف تركيا تعود إىل السلسلة اخلالدية‪ ،‬فهي تتصل مباشرةً باإلمام الرباين وتتصل‬
‫خالد بالطرق اجملددة اليت وصلت أراضي الدولة العثمانية آنذاك‪ ،‬وأحد أكرب تلك احلركات الدينية‬ ‫قبل موالنا ٍ‬
‫اإلصالحية هي اجلماعة السليمانية‪ ،‬مؤسسها هو سليمان حلمي أفندي حيث أطلق على السلسلة املتصلة‬
‫سلسلة ٍ‬
‫جمدد‪ ،‬ومن احلركات اإلصالحية الكربى احلركة النورية اليت‬ ‫ٍ‬ ‫جبماعته اسم ”السلسلة الذهبية” كصاحب‬
‫أسسها بديع الزمان سعيد النورسي وهو أحد طلبة مدرسة نورشني‪ ،‬كما نالحظ فمدرسة نورشني هي يف الوقت‬
‫ٍ‬
‫فعاليات متعددةً ختص الطريقة اخلالدية ومشاخيها‪.‬‬ ‫ذاته مؤسسةٌ تعرض‬
‫انتشرت النقشبندية اخلالدية يف األناضول عن طريق ٍ‬
‫عدد من اخللفاء وصل عددهم إىل عشرة‪ ،‬أفرع وأذرع هذه الطرق‬
‫مما نقله اخللفاء إىل يومنا هذا بالتسلسل تشكل اليوم أكثر اجلماعات فعاليةً يف تركيا‪ ،‬فعلى سبيل املثال نتناول أكرب ‪3‬‬
‫زوايا دينية يف إسطنبول‪ ،‬إحدى هذه الزوايا هي زاوية إسكندر باشا‪ ،‬وعن طريقها يتصل أمحد األروادي (ت ‪)1857‬‬
‫بالشيخ خالد البغدادي‪ ،‬واالسم التايل يف السلسلة هو ‪( Ahmet Ziyâüddîn Gümüşhanevî‬ت ‪ )1893‬وهو أحد‬
‫كشيخ‬
‫أشهر علماء الفرتة األخرية من الدولة العثمانية‪ ،‬عمل يف زاوية ‪ Gümüşhanevî‬يف منطقة ‪ Cağoğlu‬يف إسطنبول ٍ‬
‫هلا‪ ،‬وقدمت الزاوية خدماهتا بصفة ”دار احلديث”‪ ،‬مل يكن نشاط هذه الزاوية متعلقاً بالطرق فحسب بل شهدت‬
‫صناديق لتقدمي املعونة مبختلف أشكاهلا وتأمني انتقال األموال التجارية الراكدة إليها‬ ‫إقامة‬ ‫ٍ‬
‫فعاليات إصالحيةً و ِ‬ ‫أيضاً‬
‫َ‬
‫مطبعة تُطبَ ُع فيها الكتب املفيدة وتـَُوزَّعُ دون أجر (‪.)Gündüz, 1996, s.276‬‬ ‫أعمال ٍ‬
‫مفيدة كإقامة ٍ‬ ‫الستثمارها يف ٍ‬
‫إمام وخطيب جامع إسكندر باشا يف‬ ‫اكتسبت هذه الزاوية شهرةً مع حممد زاهد كوتكو (ت ‪ )1980‬وهو ٌ‬
‫ِ‬
‫يكتف بتقدمي املوضوعات الدينية يف صحباته ومواعظه بل قام بطرح آرائه يف‬ ‫إسطنبول‪ .‬حممد زاهر أفندي مل‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫ٍ‬
‫خدمات لطلبة اجلامعة‬ ‫املوضوعات املتعلقة بالواقع االجتماعي والثقايف السياسي واالقتصادي لرتكيا وقدم‬
‫‪86‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫أوقاف كثريةٌ بناءً على توصياته‪ ،‬وبسبب هذا التأثري الكبري فقد‬
‫ومجعيات و ٌ‬ ‫كات‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫خاص‪ ،‬إضافةً إىل ذلك أُنشئَت شر ٌ‬
‫أُطلِ َق عليها اسم ”اجلامعة املخفية ” (‪.)Coşan 2002, s.228‬‬
‫زاوية إسكندر باشا منذ عام ‪ 1970‬هلا كلمتها يف السياسة الرتكية‪ ،‬وكان حملمد زاهد أفندي الدور األهم يف جذب‬
‫الربوفيسور جنم الدين أربكان صاحب الرؤى القومية وأصدقائه إليها ليمارسوا العمل السياسي‪ ،‬رئيس اجلمهورية‬
‫‪ Turgut Özal‬وأخوه ‪ Korkut Özal‬كانا من أهم السياسيني احملافظني ومن الشخصيات اليمينية اليت تنتسب إىل‬
‫هذه الزاوية‪ .‬بعد حممد زاهد أفندي توىل الربوفيسور ‪ Esat Coşan‬إدارة الطريقة واستمر بتطويرها‪.‬‬
‫مؤسسة اسكندر باشا كانت مؤسسةً مؤثرةً يظهر تأثريها من خالل الكثري من شباب اجلامعات‪ ،‬حممد أسد أربيلي‬
‫هام يف زاوية ‪ Erenköy‬وهي زاويةٌ كبريةٌ يف إسطنبول تابعةٌ للحركة‬
‫وجود ٌ‬
‫(ت ‪ )1931‬وسيد طه اهلكاري كان هلما ٌ‬
‫اخلالدية وقد أصبحت جتمعاً لَِِرفِيِّني كبا ٍر ومتوسطني‪ ،‬مث اشتهرت عن طريق ‪( Mahmud Sami Ramazanoğlu‬ت‬
‫‪ .)1984‬قَ ِد َم ‪ Mahmud Sami efendi‬إىل إسطنبول عام ‪ 1953‬وحدد ‪ Erenköy‬كموق ٍع يبين فيه هذه الزاوية اليت‬
‫تعليمية‪ٍ ،‬‬
‫طباعة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بنشاطات‬ ‫تُعد استكماالً ملا بدأه يف أضنة من فعاليات ٍ‬
‫إرشاد بات حتقيقها‪ .‬زاوية ‪ Erenköy‬تقوم‬
‫ٍ‬
‫إصالحية‬ ‫جهود ٍ‬
‫ثقافية‬ ‫إنسانية‪ ،‬ويضاف إىل هذه الفعاليات بذل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ونش ٍر‪ ،‬وتقدمي مساعدات‬
‫ٍ‬
‫تشكيالت شبابية‬ ‫هاتان الزاويتان الشهريتان الكبريتان يف إسطنبول أثرتا على الشباب الذين باتوا منتسبني إىل‬
‫خمتلفة‪ ،‬وهذه التشكيالت كانت فعالةً حىت حدوث االنقالب العسكري عام ‪ ،1980‬نشأ من هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إسالمية‬
‫ت منذ عام ‪ 1969‬عدداً من‬‫َّم ْ‬
‫التشكيالت ما يُ َسمى ”وحدة طلبة القومية الرتكية” (‪ ،)MTTB‬هذه التشكيالت قَد َ‬
‫رؤساء الوزارات‪ ،‬فكان من بني أر ٍ‬
‫بعة من رؤساء الوزارات ثالثةٌ ينتمون إىل هذه الزاوية‪.‬‬
‫‪Abdullah Mekkî‬‬ ‫أما زاوية ‪ Çarşamba İsmailağa‬يف إسطنبول فهي تتصل مبوالنا خالد عن طريق سلسلة‬
‫‪ Erzincânî‬مث عرب خليفته ‪( Yayınlı Mustafa İsmet Efendi‬ت ‪ )1854‬وهي ثالث أكرب الزوايا يف إسطنبول وهو من‬
‫أقام أول التكايا اخلالدة بإسطنبول‪ ،‬وندما ُمنِ َعت الزوايا مع قيام النظام اجلمهوري أُضيف هلذه التكية منارة وظلت‬
‫ٍ‬
‫وإرشادية كاجلامع‪.‬‬ ‫خدمات ٍ‬
‫علمية‬ ‫ٍ‬ ‫تقدم‬
‫ٍ‬
‫منخفضة وخطاهبا ُم َو َّجهٌ إىل‬ ‫ٍ‬
‫تعليمية‬ ‫زاوية ‪ İsmailağa‬يف إسطنبول باملقارنة مع الزاويتني األخرين تعد ذات ٍ‬
‫سوية‬
‫اهتمام وتتبع برناجماً‬ ‫جانب آخر فهذه التكية تقدم خدماهتا بكل ٍ‬
‫عناية و ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جمموعات أكثر عدداً وأقل التزاماً‪ ،‬ومن ٍ‬
‫َ‬
‫مشاهباً للمدارس التقليدية وهي تسعى لرفع السوية التعليمية والثقافية ملنتسبيها‪ .‬آخر شيوخ التكية حممود أفندي‬
‫مشابه لنظام املدارس العثمانية فكان حوله‬‫ٍ‬ ‫وتكية وجعل هذه املدرسة على ٍ‬
‫نظام‬ ‫كمدرسة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫أدار جامع ‪İsmailağa‬‬
‫مئات املريدين وأعطى الطلبة دروساً متعددةً وأجازهم‪ .‬كان منتسبو زاوية ‪ İsmailağa‬من الرجال ملتحني ويرتدون‬
‫جبةً وسراويل خاصةً‪ ،‬وأما من النساء فكن يلبسن رداءً أسوداً‪ .‬هذه اجلماعة تنقلت يف أحناء تركيا ولذلك فقد‬
‫أصبحت من أشهر اجلماعات الدينية الرتكية‪.‬‬
‫فعاليات صوفيةٌ أخرى ال تقل نشاطاً واتساعاً وتنتشر يف شىت‬
‫ٌ‬ ‫وباإلضافة إىل الزوايا الثالثة الكربى يف إسطنبول مثة‬
‫أحناء تركيا ومثل ذلك زاوية ‪ Adıyaman Menzil‬اليت تتصب بالطريقة اخلالدية عن طريق الشيخ أمحد اخلزنوي –‬
‫سيد طه اهلكاري‪ ،‬وكسائر البىن اليت تتبع للخالدية فهذه الزاوية تداوم على إقامة الصحبات واستضافة الصوفية‬

‫‪87‬‬
‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬

‫وكذلك اإلرشاد الذي حيمل قوًة معنويةً إميانيةً‪ ،‬واعتقاد شيوخها بأن غياب العيوب األخالقية والعادات السيئة‬
‫لدى الشخص هو قوةٌ لذلك الشخص فقد توافد الناس إليها من كافة اجلهات مبا يف ذلك الكافرون منهم‪ .‬بعد‬
‫االنقالب الذي قام به منتسبو احلركة القومية عام ‪ 1980‬قام بعض هؤالء القوميني باالنتساب للزاوية‪ ،‬وعلى إثر‬
‫ذلك فقد اختذت الزاوية بعض اإلجراءات حيال هؤالء القوميني املنضمني إىل تيا ٍر أكثر أمالً بغية اكتساهبم‪.‬‬
‫ويف أمريكا وانكلرتا األكثر نشاطاً من تركيا توجد الزاوية القربصية (‪ )Kıbrsî‬التابعة للخالدية عن طريق سلسلة‬
‫ات عن طريق الشيخ القربصي‬ ‫إمساعيل شرواين – مجال الدين كومكي‪ .‬هذه الزاوية قدمت اإلرشاد على مدى سنو ٍ‬
‫ٍ‬
‫معادية‬ ‫ناظم احلقاين املتوىف عام ‪ ،2014‬وبعد أحداث ‪ 11‬أيلول عام ‪ 2001‬قدمت هذه الزاوية نفسها كحر ٍ‬
‫كة‬
‫للوهابية وأبرزت مفهوم التسامح اإلسالمي‪ .‬الزاوية القربصية تعد من أكرب وأشهر األفرع التابعة للخالدية وأكثرها‬
‫تطوراً من ناحية التوجهات الباطنية‪ ،‬فحرية جتاور النساء والرجال يف املناسبات هنا ال تُرى يف بقية الزوايا التابعة‬
‫لنفس الطريقة وهي مالحظةٌ وميزةٌ تؤخذ باالعتبار‪.‬‬
‫الشيخ كومكي الذي يتبع سلسلة الشيخ ناظم كان مرشداً للشيخ شامل (ن‪ )1871‬قائد القفقاس يف حرب‬
‫استقالهلم امللحمية ضد الروس يف الفرتة ‪ ،1859-1834‬وبعد ذلك ارتقى شامل إىل مرتبة املشيخة‪ ،‬هذه التحركات‬
‫منشأ ٍ‬
‫صويف فقد أطلق عليها الروس اسم ”احلركة‬ ‫اجلهادية أطلق عليها املسلمون هناك اسم ”غزوات”‪ ،‬وألهنا من ٍ‬
‫املريدية”‪ ،‬ومن املمكن القول بأن للحركة املريدية جذوراً تعود للخالديةً النقشبندية‪.‬‬
‫ويف تركيا يرتدد اسم الشيخ سعيد الكردي والشيخ أمحد السبيت ومها مرتبطان بالطريقة اخلالدية‪ ،‬الشيخ سعيد‬
‫وح ِك َم‬ ‫ِ‬
‫الكردي قام يف عام ‪ 1925‬ضد النظام اجلمهوري وانتهى هذا العصيان بالفشل‪ ،‬وبعدها أُلق َي القبض عله ُ‬
‫ضاف إىل هؤالء الشيخ عبد السالم برزاين (ت ‪ )1915‬وهو أحد أشياخ اخلالدية وعم القائد‬ ‫عليه باإلعدام‪ .‬يُ ُ‬
‫الكردي مسعود الربزاين‪ ،‬أشياخ برزان يتصلون بالطريقة عرب الشيخ سعيد طه اهلكاري‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تنظيمات وزوايا ومنتسبني مما يتصل بالطريقة توجد أيضاً الزوايا اخلزنوية واجلزرية‬ ‫باإلضافة إىل ما ذكرناه يف األعلى من‬
‫ٍ‬
‫مقتضب‪ .‬مراكز اخلزنوية موجودةٌ يف سوريا وهلا قاعدةٌ واسعةٌ من‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫يف شرق األناضول والت سنتحدث عنها‬
‫كثر معظمهم يف املناطق الكردية يف سوريا والعراق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املريدين يف تركيا‪ ،‬وأما اجلزرية فمركزها مدينة ج ْزرة وهلا أتباعٌ ٌ‬
‫ميكننا على ضوء ما حتدثنا عنه بالنسبة للبىن الدينية التقليدية والطريقة اإلسالمية التقليدية يف تركيا وقد يكون‬
‫ضعف‪ ،‬وهو يعين ضمنياً عدم امتزاج‬‫ٍ‬ ‫أحد أهم أسبابه احليلولة دون سقوط القيم اإلسالمية أو دخوهلا يف حالة‬
‫اضح وتَ َـو ُّجهٌ‬
‫سين و ٌ‬
‫طابع ٌ‬
‫التارات الدينية الت نشأت ف إيران مع تلك اليت حتمل جذوراً تركيةً‪ ،‬وهذه الطريقة هلا ٌ‬
‫اضحة بينما نظريهتا اليت‬ ‫منظمة ذات ٍ‬
‫حدود و ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مجاعات‬ ‫يتوافق مع ذلك‪ .‬البىن السلفة املوجودة يف تركيا مل تنتظم يف‬
‫يف باكستان كونت بىن أكثر انتظاماً تضمنت أحزاباً سياسيةً‪ ،‬إال أن الفرق السلفية يف تركيا عملت على تقدمي‬
‫شعبية وعملت‬ ‫عدة أخذت يف معظمها طابعاً جمتمعياً يستند إىل ٍ‬
‫قاعدة ٍ‬ ‫بأشكال ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الدعم لبعض احلركات السياسية‬
‫بقوة يف الدولة وأجهزهتا القيادية‪ ،‬ويف مقابل ذلك كانت بعض األحزاب وعلى األخص‬ ‫على إبراز نفسها والتأثري ٍ‬
‫األحزاب اليمينية تدرك أمهية هذه البىن وتبادر بإقامة العالقات معها هبدف احلصول على ك ٍم أكرب من األصوات‬
‫الداعمة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪3‬‬

‫ما هو تقيمك اخلاص فما يتعلق باحليثيات املميزة للطريقة اخلالدية النقشبندية عن الطرق‬
‫األخرى واملظاهر اليت تعكسها؟‬

‫الطرق يف مصر وافريقيا‬


‫ُنشئ ما‬
‫أخذت الطرق التقليدية يف مصر أكثر األشكال تنظيماً قياساً بسائر أحناء العامل العريب‪ ،‬ففي عام ‪ 1903‬أ َ‬
‫ٍ‬
‫قانونية‪ ،‬وينتمي هلذا اجمللس ‪ 67‬طريقةً من الطرق الفعالة يف مصر‬ ‫ٍ‬
‫كمؤسسة‬ ‫يسمى ”اجمللس األعلى للطرق الصوفية”‬
‫بصفة ٍ‬
‫رمسية‬ ‫والبالغ عددها ‪ 70‬طريقة‪ .‬عالوًة على ذلك يوجد يف ها اجمللس ممثلون عن األزهر وهو يتعامل مع الوزارات ٍ‬
‫وهيئات ٍ‬
‫ثقافية‪ .‬مت تعيني رؤساء هذا اجمللس عن طريق االنتخاب واألصوات اليت يديل‬ ‫ٍ‬ ‫وبكل ما يشمل من ٍ‬
‫أوقاف‬
‫هبا شيوخ الطريقة واألعضاء املمثلون ويُسمى ”شيخ املشايخ”‪ ،‬وهذا الرئيس املنتخب حيصل على املوافقة من رئس‬
‫وجمتمعية ٍ‬
‫مهمة يف مصر‪ ،‬وهو أيضاً منو ٌط بإجياد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سياسية‬ ‫اجلمهورية مباشرًة‪ .‬حيظى هذا اجمللس ف أيامنا احلالية ٍ‬
‫بقوة‬
‫احللول للمشكالت الداخلية للطرق وعلى األخص مواجهة اهلجمات اليت تشنها بعض اجملموعات السلفية‪.‬‬
‫يف عام ‪ 2011‬بعد قيام الثورات العربية أقام اإلخوان املسلمون وبعض اجلماعات السلفية أحزاباً سياسيةً‪ ،‬فأ ِ‬
‫ُنشئَت‬
‫اف أخرى‪ ،‬اإلخوان‬ ‫بنيةٌ سياسيةٌ محلت اسم ”حزب التحرير” وكان ذلك من قبل الطريقة العزمية وبدع ٍم من أطر ٍ‬
‫والسلفيون الذين دخلوا يف اتفاق حزب التحرير فضلوا البقاء إىل جانب األطراف اللربالية‪ ،‬ويف أعقاب االنقالب‬
‫العسكري قدمت الكثري من الطرق دعمها للجنرال السيسي قائد االنقالب‪ ،‬وادعى قادة تلك الطرق خمالفة‬
‫اإلخوان املسلمني وأعواهنم من السلفية ملبادئ التسامح الديين وأهنم كانوا عازمني على إشعال احلروب مبخالفيهم‬
‫فيما لو سنحت هلم الفرصة ومتكنوا من ذلك‪ ،‬وهلذا وقفوا ضدهم ٍ‬
‫بقوة يف ميدان السياسة‪.‬‬
‫موجود يف مصر‪ .‬الطريقة تقول بإقامة‬
‫ٌ‬ ‫الشاذلية هي إحدى الطرق املنتشرة يف العامل اإلسالمي والتمثيل األقوى هلا‬
‫ات جهر ٍية‪ ،‬يطلق على هذه احلضرات اسم ”جمالس” وتدعى الصحبات اليت يُقام فيها الذكر‬ ‫الذكر يف حضر ٍ‬
‫احتفال” يُدعى إليه مجيع مريدي الطريقة الشاذلية يف مصر وحيظى حبضوٍر واس ٍع ال‬‫قام ” ٌ‬ ‫ٍ‬
‫باملذاكرة‪ ،‬ويف كل عام يُ ُ‬
‫بالد أخرى لينضموا إىل هذا االحتفال املنعقد‬‫يقتصر على أبناء مصر فحسب بل يأيت بأتباع الطريقة الشاذلية من ٍ‬
‫ٍ‬
‫بشكل أكرب يف الطريقة الشاذلية القام بالزيارات والسياحة‪.‬‬ ‫يف مصر‪ ،‬ومن الطقوس املميزة الت تُرى‬
‫كة للتبليغ واجلهاد وأخذت صفات الطريقة الدينية منذ‬ ‫ويف ليبيا ظهرت احلركة السنوسية يف القرن التاسع عشر كحر ٍ‬
‫نشأهتا‪ .‬مشايخ السنوسية أقاموا الزوايا على طرق احلج والتجارة‪ ،‬وتوزعت هذه الزوايا يف مشال الصحراء وفاس ومشال‬
‫حافل مبوقفها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ٍ‬
‫أثر كبري يف مناطق إفريقية عدة‪ .‬تاريخ السنوسية ذو أمهية فهو ٌ‬ ‫إفريقيا ويف جنوب الصحراء وكان هلا ٌ‬
‫افق مع الدولة العثمانية‪ ،‬وأحد مشايخ هذه احلركة هو عمر‬ ‫ضد قوى االستعمار الغريب‪ .‬السنوسية كانت على حالة تو ٍ‬
‫الت مماثلةٌ يف تشاد ضد الفرنسيني‬ ‫ٍ‬
‫املختار الذي قارع االحتالل اإليطايل وقاومهم ببسالة‪ ،‬وكان للحركة السنوسية بطو ٌ‬
‫وح ِك َم عليه باإلعدام‪.‬‬
‫ويف مصر ضد اإلنكليز‪ ،‬ويف عام ‪ 1931‬وقع الشيخ عمر املختار أسرياً لدى االحتالل اإليطايل ُ‬
‫‪89‬‬
‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬

‫وبعد وفاة عمر املختار تابع املسرية الشيخ حممد إدريس السنوسي الذي قدم املساعدة لإلنكليز يف احلرب العاملية‬
‫الثانية فجعلوه حاكماً لبنغازي وما حوهلا وبعد ذلك أصبح حاكماً لليبيا بأكملها‪ .‬السنوسيون حكموا ليبيا حىت‬
‫انقالب العقيد القذايف عام ‪ 1969‬وبعدها تعرضوا للنفي‪ ،‬وبعد عام ‪ 2011‬عادوا ثانيةً إىل امليدان السياسي يف ليبيا‬
‫ٍ‬
‫سياسية‪.‬‬ ‫أعمال وقرار ٍ‬
‫ات‬ ‫وبات هلا ولعائلة الشيخ من جديد جدول ٍ‬
‫وف تلمسان باجلزائر ظهرت ”الطريقة التجانية” وهي إحدى الطرق اهلامة يف إفريقيا ومؤسسها هو أمحد التجاين‬
‫(ت ‪ .)1815‬كانت عالقاته سيئةً مع العثمانيني على عكس احلركة السنوسية‪ ،‬وامتدت التجانية ٍ‬
‫حينئذ إىل فاس‬
‫وما ورائها يف غرب إفريقيا كالسنغال ومايل ووصل أتباعها إىل مدينة ليون وجنحت يف إقامة دو ٍلة ذات ٍ‬
‫نظام سياس ٍي‬
‫موحد محلت اسم ”التكرور”‪ .‬أصبحت هذه الطريقة فيما بعد الطريقة القومية ملوريتانيا وبات اسم ”إبراهيم تِيَاس”‬ ‫ٍ‬
‫(‪ )1975-1900‬أهم األمساء التجانية يف غرب إفريقيا‪.‬‬
‫متعلق بغرب إفريقيا من دون احلديث عن عثمان بن فودي‬ ‫موضوع ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ويف السياق ذاته فمن غري املمكن حبث‬
‫(ت ‪ .)1817‬عثمان بن فودي هو مؤسس دولة سوكوتو يف قلب نيجرييا واليت ضمت قبائل ”الفوالين”‪ ،‬وكان‬
‫عاملاً مشهوراً ناقش مسألة البدع والنشاطات غري اإلسالمية يف تلك املنطقة‪ ،‬وكان شيخاً ُمازاً يف الطرق اخلَْل َوتِيَّ ِة‬
‫والقادرية والشاذلية‪ ،‬ويف ظل وجوده بني القبائل انتشر اإلسالم بصورٍة ٍ‬
‫كبرية بني قبائل تلك املنطقة‪.‬‬
‫وهنا أيضاً جيب ذكر األمري عبد القادر (ت ‪ )1883‬البطل القومي للجزائر والذي وقف يف اإلمرباطورية الفرنسية‪،‬‬
‫اضح ف صفحات نضاله ضد‬ ‫ٍ‬
‫بشكل و ٌ‬ ‫منتسب إىل احلركة القادرية‪ ،‬وميكن رؤية مزاجه الصويف‬
‫ٌ‬ ‫هذا اجملاهد الكبري‬
‫االحتالل وهذا ينطبق على األمر عبد القادر وغريه من أعالم اجلهاد‪.‬‬

‫لالستزادة حول موضوع التيارات اإلسالمية يف إفريقيا والتغريات اليت طرأت عليها واملعادالت اجلديدة املفروضة‬
‫هناك اقرؤوا البحث الذي أعده الدكتور أمحد عبد الرمحن وحيمل اسم ”حتوالت اخلطاب اإلسالمي يف إفريقيا‪:‬‬
‫من الصوفية إىل اإلصالحية إىل بوكو حرام” القاهرة‪.2015 ،‬‬

‫‪90‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬ ‫‪4‬‬


‫ٍ‬
‫تقييمات تتعلق بالبنية‬ ‫إعطاء‬
‫التصوف هي عمليةٌ تارخييةٌ تضمنت العديد من البىن اليت محلت‬
‫اسم ”الطريقة”‪ .‬التصوف والطريقة تعترب من أقوى العادات‬ ‫واألفعال الوظيفية اليت تصف‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وكما تعود املدارس التقليدية بأساتذهتا وعلمائها‬ ‫الطرق التقليدية‬
‫ٍ‬
‫متسلسل إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فهذه الطرق أيضاً‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬
‫تعود إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم مروراً ببعض الشيوخ واملرشدين‪.‬‬

‫اخلالصة‬
‫عامكانت األوقاف اليت أنشأهتا الطرق تتعرض للمالحقة‬ ‫بشكل ٍ‬
‫ٍ‬
‫واإلزالة‪ ،‬وبعض الطرق كانت تتلقى دعماً من الدولة بينما كان‬
‫بعضها اآلخر يبتعد عن السياسة قدر اإلمكان‪.‬‬

‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬ ‫‪4‬‬

‫مؤسس هذه اجلماعة هو أمحد رضا خان بارلوي وهو املرشد‬ ‫احلديث عن ظهور وتطور‬
‫الذي تبعهكثريٌ من العلماء‪ ،‬ارتباط أمحد رضا بالقادرية واكتسابه‬ ‫اجلماعة البارلوية كأحد أكثر‬
‫األشكال التنظيمية للطرق‬
‫أمر ينبغي التوقف عنده قليالً ومناقشته‪،‬‬‫صفة البارلوية بعدها هو ٌ‬
‫وبالقياس مع الطرق األخرى تبدو صفة ”التشيع” ٍ‬ ‫التقليدية املوروثة‬
‫كصفة ترتبط‬
‫مبحبة أهل البيت وتبدو ٍ‬
‫كسمة للقادرية‪ ،‬إضافةً إىل ذلك األمهية‬
‫املمنوحة للسماع والدوران واجلهر بالذكر وذلك ضمن طر ٍ‬
‫يقة‬
‫تتصف باإلفراط والنشوة خالل أداء نشاطاهتا املختلفة‪ .‬بعض‬
‫اجلماعات األخرى وصلت إىل مرتبة الغلو يف إظهار حمبتها للنيب‬
‫بشكل ال ميكن قبوله‪ ،‬وكان من نتيجة‬ ‫ٍ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ذلك أن تصبح البارلوية حركةً منبوذ ًة من البعض وجاذبةً للبعض‬
‫اآلخر يف منطقة جنوب اهلند‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬

‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬ ‫‪4‬‬

‫كال التيارين الصوفيني املذكورين مها حركتان تعتمدان مفهوم‬ ‫إجراء املقايسة بني املفاهيم‬
‫”املدرسة”‪ ،‬إال أن اخلالدية تستند إىل ضواب َط ٍ‬ ‫التصوفية البارلوية واخلالدية‬
‫فقهية يف مدارسها‬
‫النقشبندية كحركتني دينيتني‬
‫بشكل كب ٍري بينما أخذت البارلوية لنفسها طريقاً فقهياً عملت‬
‫ٍ‬
‫تستندان إىل اجلذور ذاهتا‬
‫على إيضاحه‪ ،‬ومن نتيجة ذلك أن اخلالدية عملت على حترمي‬
‫اإلخالل باجلانب الظاهري الديين‪ ،‬بينما استخدمت البارلوية‬
‫اخلالصة‬

‫لغةً وأفعاالً صوفيةً باطنيةً جذابةً منمقةً‬

‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬ ‫‪4‬‬

‫الشاذلية والسنوسية والتجانية وهي األكثر انتشاراً يف إفريقياكان‬ ‫إعطاء ٍ‬


‫فكرة عن مدى أمهية‬
‫دور كبريٌ يف انتشار اإلسالم يف إفريقيا وباألخص بلدان‬ ‫هلا ٌ‬ ‫الطرق اإلسالمية التقليدية‬
‫غرب إفريقيا وما زالت نتائج ذلك حىت هذا اليوم‪ ،‬ومن ٍ‬
‫جانب‬ ‫املوروثة يف افريقيا واألثر الذي‬
‫آخر شكلت هذه الطرق عامالً احتياطياً هاماً يف مقاومة قوى‬ ‫تركته على املسلمني هناك‬
‫َ‬
‫االحتالل الغريب منذ بدايات القرن التاسع عشر وحتولت إىل‬
‫قوى عسكرية جنحت يف حتقيق االستقالل للعديد من البلدان‪،‬‬
‫وما زالت تلك الطرق فاعلةً مؤثرًة يف الفعاليات السياسية يف‬
‫يومنا احلاضر‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪ 4‬أكثر الطرق تأثرياً يف أفكار وأنشطة احلركة‬ ‫‪ 1‬أي من املشايخ التالية أمساؤهم أ ُِخ َذت عالقته‬
‫البارلوية هي؟‬ ‫كنموذج يف احلركة اخلالدية النقشبندية؟‬
‫ٍ‬ ‫مع الدولة‬
‫القادرية‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫تقي الدين بن تيمية‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫التجانية‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫اإلمام الرباين أمحد السرهندي‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫البكتاشية‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫اإلمام األعظم أبو حنيفة‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬

‫اخترب نفسك‬
‫اخلالدية‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬ ‫الشيخ األكرب حمي الدين بن عريب‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫املولوية‪.‬‬ ‫هـ‪ .‬‬ ‫شهاب الدين السهروردي‪.‬‬ ‫هـ‪ .‬‬

‫قانوين عن‬
‫بشكل ٍ‬‫ٍ‬ ‫‪ 5‬البلد الذي ُمثـِّلَت فيه الطرق‬ ‫‪ 2‬أي مما يلي ميثل أحد اآلثار اليت تركتها اخلالدية‬
‫ٍ‬
‫مدرسة عليا هو؟‬ ‫طريق‬ ‫النقشبندية يف تركيا؟‬

‫األردن‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫كانت عنصراً ُم َو ِّجهاً للسياسة اخلارجية‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬


‫يران‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫احتكار األفراد األكادمييني‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫تركيا‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫أخذت موقعاً خلفياً فيما وراء العمليات اإلرهابية‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫مصر‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬ ‫كانت مانعاً النتشار اإليرانية والسلفية‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫السعودية‪.‬‬ ‫هـ‪ .‬‬ ‫قدمت الدعم للنظام اجلمهوري‪.‬‬ ‫هـ‪ .‬‬

‫‪ 3‬يف ميكن توضيح سبب عدم انضمام أمحد‬


‫رضا خان بارلوي للمنظمات اليت أُقيمت يف اهلند‬
‫لدعم العثمانيني؟‬
‫ألن السلطان عبد احلميد الثاين قام ٍ‬
‫بأفعال غري ‬ ‫أ‪ .‬‬
‫ٍ‬
‫إسالمية‪.‬‬ ‫ ‬
‫ألن العثمانيني ال يطبقون الشريعة‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫ألن الدولة العثمانية دولة وهابية‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫ألن الدولة العثمانية دولة صوفية‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫ألن العثمانيني ليسوا من قر ٍ‬
‫يش‪.‬‬ ‫هـ‪ .‬‬

‫‪93‬‬
‫التقليد ‪ :3‬الطرق التقليدية‬

‫إذا مل تكن إجابتك صحيحةً فاقرأ جمدداً قسم‬ ‫‪ .4‬أ‬ ‫‪ .1‬ب إذا مل تكن إجابتك صحيحةً فاقرأ جمدداً قسم‬
‫”البارلوية”‪.‬‬ ‫”اخلالدية النقشبندية يف تركيا”‪.‬‬
‫مفتاح األجوبة لـ “اخترب‬

‫إذا مل تكن إجابتك صحيحةً فاقرأ جمدداً قسم‬ ‫‪ .5‬د‬ ‫إذا مل تكن إجابتك صحيحةً فاقرأ جمدداً قسم‬ ‫‪ .2‬د‬
‫”الطرق يف مصر وإفريقيا”‪.‬‬ ‫”اخلالدية النقشبندية يف تركيا”‪.‬‬

‫إذا مل تكن إجابتك صحيحةً فاقرأ جمدداً قسم‬ ‫‪ .3‬ه‬


‫”البارلوية”‪.‬‬
‫نفسك”‬

‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪4‬‬

‫يف الوقت الذي يعتمد فيه مفهوم السلفية على ثقافة ”احلديث” ومفهوم املدرسة على ثقافة‬
‫”الفقه” يعتمد مفهوم الطريقة على ثقافة ”التصوف”‪ ،‬ويف التقليدين األول والثاين الذين‬
‫كأساس‪ ،‬بينما مع تقليد ”الطرق” اكتسبت‬ ‫ٍ‬ ‫مت حبثهما سابقاً اعتُ ِم َدت الظاهرية اإلسالمية‬ ‫‪1‬‬ ‫جاء دورك‬
‫النظرات الباطنية أمهيةً كبريًة‪ ،‬ويف كث ٍري من األحيان تتحد املدرسة مع الطريقة أو تتفق رؤامها‬
‫ٍ‬
‫صوفية‪ ،‬بينما‬ ‫ط وفق ضواب َط ٍ‬
‫فقهية‬ ‫على األقل‪ ،‬الفرق الذي نلمسه هو أن املدارس تُضبَ ُ‬
‫أضعف وقد ال توجد تلك الضوابط أصالً‪.‬‬‫َ‬ ‫تكون الطريقة حتت ضوابط‬

‫عدد من العلماء‪ .‬يف‬


‫مؤسس هذه اجلماعة هو أمحد رضا خان بارلوي وهو ميثل املرشد الذي تبعه ٌ‬
‫ِ‬
‫البداية ظهر كتاب ”العطايا النبوية يف الفتاوى الرضاوية” يف اثين عشر جملداًكأول مؤلفات أمحد‬
‫رضا‪ ،‬حمتوى الكتاب يركز على العلوم الفقهية‪ ،‬وبالنظر إىل أفكار ونشاطات هذه اجلماعة نرى آثا ارً‬
‫موجود يف الديوبندية فالبارلوية جتمع ما بني ”املدرسة”‬
‫واضحةً منوذجيةً للطرق التقليدية‪ ،‬فكما هو ٌ‬ ‫‪2‬‬ ‫جاء دورك‬
‫و ”الطريقة”‪ ،‬أما الفارق فهو على النحو التايل‪ :‬فكما يغلب على الديوبندية تقليد ”املدارس”‬
‫بقول آخر فوجود الضوابط الفقهية الصوفية يف مدارس‬ ‫يغلب على البارلوية عنصر تقليد ”الطرق”‪ ،‬و ٍ‬
‫الديوبندية يقابله ضوابط أضعف بكثري يف البارلوية اليت يغلب عليها مفهوم ”الطريقة”‪.‬‬

‫ضعيف جداً‪ ،‬كما أن مفهوم ”وحدة‬ ‫ٍ‬ ‫الفكر الباطين الصويف يف هذه الطريقة ذو تو ٍ‬
‫اجد‬
‫موجود كمبادئ يف الطريقة النقشبندية‬‫ٌ‬ ‫الوجود” الذي نوقش يف معظم الطرق األخرى‬
‫اخلالدية وبقد ٍر ال بأس به‪ ،‬والطريقة اخلالدية تتخذ موقفاً مضاداً من جلسات الذكر اليت‬
‫‪3‬‬ ‫جاء دورك‬
‫يكون فها الذكر جهرياً‪ ،‬وهلذا السبب فهم ال حيبذون الطقوس اليت تصاحبها املظاهر‬
‫الغنائية واملوسيقى‪ ،‬وعلى الرغم من رصدنا لكث ٍري من أمساء املشايخ ممن يعودون بالتسلسل‬
‫إىل أهل البيت إال أن الواقع يشري إىل أن أضعف الطرق املنتشرة يف األناضول هي الطرق‬
‫العلوية بينما كانت أقوى الطرق السنية املنتشرة هي الطريقة اخلالدية النقشبندية‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املصادر‬
Algar, Hamid. (1907). “Hâlid el-Bağdâdî”, Diyanet İslam Ansiklopeisi, c. 15, s.283-5
Birışık, Abdülhamit. (2001), Hint Altkıtası Düşünce ve Tefsir Elkolleri, İstanbul
Birışık, Abdülhamit. (2008), “Rızâ Han Barelvî” Diyanet İslam Ansiklopeisi, c. 35, s.61-4
Coşan Mahmut Esat. (2002), “Kotku Mehmet Zahit” Diyanet İslam Ansiklopeisi, c. 26, s.227-8
Gündüz, İrfan. (1996), “Gümüşhanevî, Ahmet Ziyâüddîn” Diyanet İslam Ansiklopeisi, c. 14, s.276-7
Kanır, Jane Louise. (2016).”Oddly Similar Political Phenomena in Pakistan ant Turkey”, Daily Sabah: 29 May
2015, 06 June 2015
Khan, Aarish U. (2011). “Sunni İttehad Counil: The Strengths and Limitations of Barelvi Activism against
Terorism”, İslamabad, http://crss.pk/downloads/Reprts/Research-Reports/Barelvi-Activism-against-
Terrorism.pdf
Metcalf, Barbara D. (1982). Islamic Revival in British India: Deoband, 1860-1900, New Jarsy
Sanyal, Usha. (2010). Devotional Islam Aand Politics in British India: Ahmad Rıza Khan Barelvi and His
Movement 1870-1920, New Delhi
Shakely, Ferhad. (1999). “The Naqshbendî Sheikhs od Hawrâmân and the Heritage of Khâlidiyya-Mujaddiiyya in
Kurdistan”, E.Özalga (ed), Naqshbendîs in Western Central Asia, İstanbul, s.89-100

95
‫الوحدة اخلامسة‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫األهداف‬
‫عند إمتام هذه الوحدة ميكنك‪:‬‬
‫ ستتعلمون الطبيعة اخلاصة بالتيار اإلسالمي اإلصالحي وخصائصه املشرتكة مث سيكون مبقدوركم‬
‫املقارنة بينه وبني غريه‪.‬‬
‫ ستتمكنون من الشرح حول جماالت النشاط لإلصالحية الثقافية‪.‬‬
‫ ستتمكنون من املقارنة بني مناهج الدعوة والنشاط يف مجاعة النور ومجاعة السليمانية كحركتني‬
‫إصالحيتني ثقافيتني‪.‬‬
‫ ستكون لديكم فكرة حول أنشطة احلركات اإلصالحية الكبرية يف آسيا‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫اإلصالحات‬ ‫ ‬
‫مجاعة النور‬ ‫ ‬
‫ندوة العلماء‬ ‫ ‬
‫مدرسة اإلصالح‬ ‫ ‬
‫احملمدية‬ ‫ ‬

‫‪96‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املدخل‬
‫ص ْلح”‪ .‬إ ّن اإلصالحات بشكل عام‬
‫اإلصالحات هي كلمة عربية وهي مجع لكلمة ”اإلصالح”‪ ،‬وتأيت من أصل ” ُ‬
‫تعين إصالح األطراف الفاسدة والبالية يف الضوابط أو املؤسسات أو نظام دولة ما‪ ،‬وتعين ردم الفجوات والتعويض‬
‫عن الفساد وجعل األشياء تفي بالغرض‪.‬‬
‫أحياناً نرى كلميت ”اإلحياء” و ”التجديد” يتم استعماهلما مكان كلمة اإلصالح‪ .‬التجديد مثالً يقصد به التجدد‬
‫اجملرد يف املعتقدات واألفكار مثل ”التطهر من البدع”‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬اإلحياء يوحى به التجدد امللموس عاد ًة‪.‬‬
‫وكثريا ما تواجهنا كلمة ”ريفورم” مرادفة لإلصالحات‪ .‬لكن معىن ”إعادة الصياغة من جديد” يف مضمون مصطلح‬
‫ريفورم مضاد لفكرة ”التحويل إىل األصل” يف مصطلح اإلصالحات‪ .‬هلذا السبب نرى الكيانات اإلصالحية تتخذ‬
‫موقفاً احتياطياً من مصطلح ريفورم‪ ،‬وحترص على عدم استخدامه‪ .‬كلمة ريفورم عادة ما تستخدم لوصف احلركات‬
‫احلداثية كما سنوردها يف املباحث القادمة‪.‬‬
‫اإلصالحيون يعتربون أن الفساد ليس يف الدين نفسه‪ ،‬بل هو يف إدراك املسلمني للدين وسريهتم واملؤسسات الدينية‬
‫والرتبوية ونظام الدولة وباختصار يف اجلمعية والسياسة والفكر‪ .‬والتيارات اإلصالحية تعمل على حتسينها‪ ،‬وإن مل‬
‫يعب‬
‫وطلب التغري اجلذري هذا غالبا ما َّ‬
‫ُ‬ ‫ميكن حتسينها فقد تسلك مسلكا متطرفا بأن هتدمها مث حتوهلا إىل أصلها‪.‬‬
‫عنه يف اجملال السياسي‪ ،‬ففي هذه احلالة كلمة اإلصالحات حتتوي على معىن ”االنقالب”‪.‬‬

‫الطبيعة اخلاصة بالتيار اإلصالحي وخصائصه املهمة‬


‫على الرغم من وجود اختالفات بارزة بني اإلصالحيني السياسيني والثقافيني إال أنه من املمكن سرد اخلصائص‬
‫املشرتكة فيما بينهما كما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬هدف اإلصالحات‪ :‬يذهب اإلصالحيون إىل أن الوضع السيء الذي يعيشه املسلمون ال يتولد من‬
‫اإلسالم‪ .‬بل أن السبب هو اخلطايا اليت ارتكبها املسلمون‪ .‬يتم التعبري عن هذا الوضع جبمل مفادها‬
‫”اخلطأ على املسلمني وليس على اإلسالم‪ ”.‬يف النصوص اإلسالمية‪ .‬القوى اخلارجية اليت تعادي اإلسالم‬
‫هي املسؤولة الرئيسية عن تدهور واهنيار اجملتمع اإلسالمي بسبب أخطاء املسلمني‪ ،‬ومن الضروري‬
‫العمل على مكافحة هذه القوى الشريرة ثقافيا كان أو سياسيا‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬ال يرجح اإلصالحيون‬
‫”التحليل االنتقادي للدين” الذي تتناوله التيارات اإلسالمية احلداثية‪ ،‬ألن اخلطأ ليس يف الدين بل يف‬
‫أنفسنا والقوى اخلارجية‪.‬‬
‫ب‪ .‬نظرة إىل التقليد الديين‪ :‬ألن التقاليد اخلاطئة هلا دور يف الفساد واالحنالل والتدهور ال يتم إعطاء األولوية‬
‫الحرتامها ومحايتها يف حركة التصحيح واإلنشاء‪ ،‬بتعبري آخر‪ ،‬اإلصالحيون غري حريصني على ذلك‪.‬‬
‫األمر الذي مييز التيار اإلصالحي عن التيار التقليدي بشكل قاطع وجازم‪ .‬لكن اإلصالحيني ال يسائلون‬
‫عن التقاليد مساءلة عميقة ألهنم ال جيدون فائدة من ذلك‪ .‬ألن مثل هذه احملاوالت حتول بينهم وبني‬
‫من خياطبوهنم‪ ،‬وهذا يؤثر أيضاً على التقليديني لكوهنم خياطبون نفس الشرحية من اجملتمع‪ .‬لذا ال جيرؤ‬

‫‪97‬‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫اإلصالحيون على ذلك‪ .‬الناس الذين سيبتعدون عنهم النتقادهم التقليد أهم من الفائدة اليت سيحصلون‬
‫عليها باملوقف االنتقادي‪ .‬هذا املوقف الذرائعي يبدي لنا الفرق بني اإلصالحية والكيانات احلداثية اليت‬
‫تعطي أولوية النتقاد التقليد‪.‬‬
‫ج‪ .‬املوقف من التغرب واحلداثة‪ :‬انتقاد التغرب واحلداثة له مكانته اهلامة يف اإلصالحية‪ ،‬ومن ناحية‬
‫أخرى حياول اإلصالحيون االستفادة من العامل احلداثي والغرب الذي يعتربونه حضارة متقدمة بأهداف‬
‫ذرائعية ومبنطق انتقائي‪ .‬هذه املعضلة تشكل أساس االنتقادات اليت توجهها احلداثة والنزعة التقليدية‬
‫إىل اإلصالحية‪ .‬التقليديون ينتقدوهنم ألهنم ينسجون على منوال احلضارة الغربية والقيم األجنبية غري‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وأما احلداثيون فريون خمالفتهم للحداثة متناقضة للغاية‪ ،‬مبا أهنم خيالفون الغرب فلماذا يعتربون‬
‫املؤسسات واألفكار اليت أنتجها الغرب بنفسه قيّمة ‪-‬ولو مبنطق انتقائي‪-‬؟ هذا املوقف فيه تناقض مبني‬
‫حسب احلداثيني اإلسالميني‪.‬‬
‫د‪ .‬االهتمام باحملافظة على التوازن بني العقل والنقل يف املراجع واملصادر األساسية‪ :‬ال يصح لإلصالحية‬
‫موقف النزعة التقليدية املوايل للنقل وال موقف احلداثة املوايل للتحاليل العقلية وجتاهلُهم للمصادر النقلية‪.‬‬
‫يعترب اإلصالحيون هذين املوقفني طريف اإلفراط والتفريط‪ .‬ومع ذلك فإن بعض الكيانات اإلصالحية‬
‫أكثر مواالة للعقل أو للنقل بالنسبة لغريها من الكيانات‪ .‬هذا جواب عن سبب املنافسة واخلالفات بني‬
‫الكيانات اإلصالحية رغم أن كالًّ منها يعمل على حتقيق نفس األهداف‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬يتم تقييم‬
‫هذا التوازن يف بعض األحيان كذرائعية وانتهازية من قِبَل احلداثيني والتقليديني‪ ،‬ويقال إن هذا التوازن ال‬
‫يتمتع بأرضية راسخة من حيث األصول واملناهج‪.‬‬
‫ه‪ .‬النشاطات املستمرة وعملية التأسيس الفتة للنظر يف الكيانات اإلصالحية‪ :‬يتم تقدمي احلركة والنشاط‬
‫على اللفظ والكتابة‪ ،‬مما يعين أن اإلصالحيني أكثر ميوالً إىل العملية ال النظرية‪ .‬هذا األمر ال يعين أن‬
‫اإلصالحية ال تتمتع بأساس نظري؛ بل هناك الكثري من العلماء واملفكرين األقوياء بني مؤسسي الكيانات‬
‫اإلصالحية ومنظّريها‪ .‬ولكن إذا أمعنّا النظر يف املنتوجات النظرية رأينا أهنا تسعى إىل حتفيز الناس على‬
‫العمل وإرشادهم إليه عاد ًة‪.‬‬
‫و‪ .‬النشاطات واملقاصد‪ :‬إهنا تتعلق بالسياسة واالقتصاد والرتبية والتعليم واإلعالم أكثر من تعلُّقها باملسائل‬
‫الدينية العلمية‪ ،‬ألن الفساد الذي جيب إصالحه قد حل يف اجملاالت االجتماعية والسياسية ال يف الدين‬
‫ذاته‪ .‬فلذلك جيب على املسلمني النهوض من حيث سقطوا‪ ،‬وجيب أن تشتد سواعدهم فيما يتضررون‬
‫فيه أكثر‪ ،‬وعلى ذلك حيتاجون إىل تعلم قواعد الدين وأوامره ونواهيه‪ .‬ويتم إدراج املسائل الدينية والعلمية‬
‫يف جدول األعمال عند احلاجة‪ ،‬لكن ال أولوية هلا بالنسبة للمنتسبني والشعب‪.‬‬
‫ز‪ .‬الشرحية املخاطَبة‪ :‬يبدو أن كوادر املؤسسات اإلصالحية تتكون من النخبة باعتبار أن جماالت نشاطهم‬
‫تستلزم التثقف‪ ،‬والشرائح اليت خياطبوهنا تتكون من املثقفني لكي يستطيعوا فهمهم‪ .‬هذه طبيعة ال نراها‬
‫يف التيارات التقليدية ذات اللغة البسيطة اليت يفهمها املواطنون العاديون‪ .‬لذا نرى الكيانات اإلصالحية‬
‫تواجه صعوبة يف الوصول إىل شرائح اجملتمع الواسعة وتطوير اخلطاب الديين الذي جيذهبم‪ ،‬وحتبس نفسها‬
‫يف موقف انتقائي وتبتعد أن تكون شاملة‪ .‬واحلركات اإلصالحية اليت تتخطى هذه املشكلة حصلت على‬
‫نتائج مذهلة‪ ،‬خاصةً يف جمال السياسة‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ح‪ .‬التنظيم‪ :‬اجلماعات اإلصالحية تتميز بتسلسلها اهلرمي وهي أكثر انضباطاً بالنسبة للجماعات التقليدية‪،‬‬
‫والعالقات الرمسية فيها أكثر مقارنة باجلماعات القليدية‪ .‬فكرة التأسيس سائدة عندها‪ .‬يتم تطبيق جلان‬
‫الشورى واإلدارة‪ ،‬واللجان املنفِّذة املبنية على تقسيم العمل‪ ،‬والدساتري واملراسيم‪ ،‬وآليات الرقابة‪ ،‬والضوابط‬
‫اإلدارية للعضوية‪ ،‬ومعايري الرتفيع‪ ،‬والتنصيبات اليت جترى باالنتخاب كما يقتضيه البناء التنظيمي احلديث‬
‫قانونياً كان أو غري قانوين‪ .‬ويف كثري من اجلماعات اإلصالحية السياسية َيري قَ َسم الوالء عند الدخول‬
‫إىل املنظمات‪.‬‬
‫ط‪ .‬اشرتاك النساء‪ :‬اشرتاك النساء يف األنشطة أوسع يف اجلماعات اإلصالحية مقارنة باجلماعات التقليدية‪.‬‬
‫الدور االجتماعي للمرأة املسلمة من األمور اليت هتتم هبا اإلصالحية‪ .‬لذلك من الضروري أن تتدخل‬
‫املرأة اليت تضغط عليها القيم الدينية التقليدية مع الرجال يف حماولة اإلصالح مباشرًة‪ .‬الفروع النسائية يف‬
‫الكيانات اإلصالحية هلا دور مهم للغاية‪ .‬هذه الساحة اليت ليس للكيانات التقليدية واحلداثية نفوذ فيها‬
‫جتلب منافع كبرية للكيانات اإلصالحية يف التأثري يف اجملتمع‪.‬‬
‫ي‪ .‬الرئاسة‪ :‬التعليم الديين ال يعار له االهتمام كمعيار يف الرتقي إىل الرئاسة باملنظمات اإلصالحية‪ .‬الكوادر‬
‫العليا تتشكل من التكنوقراطيني واملهندسني وعلماء االقتصاد واملدرسني واإلعالميني الذين تل ّقوا الرتبية‬
‫العلمانية‪ .‬سعيد النورسي مؤسس مجاعة النور وسليمان حلمي توهنان مؤسس حركة السليمانية ومها من‬
‫الكيانات اإلصالحية الثقافية‪ ،‬وأبو احلسن الندوي مؤسس ندوة العلماء وهي من أهم الكيانات الدينية‬
‫يف شبه القارة اهلندية‪ ،‬كل من هذه الشخصيات عامل دين مشهور يف جماله‪ .‬وأما إذا أمعنا النظر يف‬
‫الكيانات اإلصالحية السياسية وجدنا أن كثريا من رؤسائها ال ميلكون شهادة يف اجملال الديين خبالف ما‬
‫يُظن‪ ،‬فمؤسس اإلخوان املسلمني حسن البنا مدرس‪ ،‬ومؤسس اجلماعة اإلسالمية أبو األعلى املودودي‬
‫إعالمي‪ ،‬و زعيم حركة مللي كوروش جنم الدين أربكان مهندس‪ ،‬وزعيم احلركة االستقاللية يف البوسنة‬
‫واهلرسك علي عزت بيغوفيتش رجل قانون‪ .‬واألمثلة ال تعد وال حتصى‪ .‬يبدو أن الرباعة يف القيام بالتنظيم‪،‬‬
‫وخربة اإلدارة‪ ،‬والشخصية الفاتنة‪ ،‬والقدم يف املنظمات هي معايري أهم من التخصص بالعلوم الدينية‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫قيِّ ْم اشرتاك النساء يف األنشطة يف الكيانات التابعة للتيار اإلصالحي مقارنة بالتيارات التقليدية‪.‬‬

‫الكيانات اإلصالحية‬
‫ميكن سرد الكيانات اإلصالحية حتت عنوانني رئيسيني‪ .‬بعض الكيانات اإلصالحية ترتكز على األعمال االجتماعية‬
‫والثقافية وجتتنب النشاطات السياسية بقدر اإلمكان‪ ،‬فقد أطلقنا على هذا التيار ”اإلصالحية الثقافية”‪ .‬والبعض‬
‫اآلخر يهدف إىل إصالح اإلدارة ويريد أن يستويل على السلطة أو الدولة‪” ،‬اإلصالحية السياسية” اليت تريد حتقيق‬
‫ذلك اهلدف سيتم عرضها يف الوحدة التالية‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫اإلصالحية الثقافية‬
‫الكيانات اإلصالحية الثقافية هي كيانات ترتكز على اإلنسان وهتدف إىل برنامج اإلصالح الذي يشمل الطبقتني‬
‫السفلى والعليا للمجتمع‪ .‬ويصلون إىل الطبقة السفلى من اجملتمع بفضل الرتبية والتعليم‪ ،‬ومنظمات اجملتمع املدين‬
‫واملساعدة اإلنسانية‪ ،‬ومجعيات رجال األعمال‪ ،‬واجلمعيات واألوقاف اليت جتري نشاطات ثقافية‪ ،‬ومنظمات‬
‫طالبية‪ .‬لكنهم حيتاجون إىل برنامج أطول وأكثر تفصيالً يف ذلك‪.‬‬

‫مجاعة النور‬
‫حركة مجاعة النور يف تركيا هي من أفضل األمثلة على التيار اإلصالحي الثقايف يف العامل اإلسالمي‪ .‬ولد سعيد‬
‫النورسي مؤسس اجلماعة سنة ‪ 1878‬يف قرية نورس التابعة ملقاطعة حزان يف بيتليس‪ .‬أحياناً قد استخدم لقب الكردي‬
‫الحنداره من األصول الكردية مكان لقب النورسي نسبةً إىل القرية اليت ولد فيها‪ .‬قطع شوطا كبريا يف دراسته املدرسية‬
‫خالل فرتة قصرية بفضل ذكائه وذاكرته القوية‪ .‬تلقى النورسي دروسا يف مدرسيت تاغ ونورشني ومها من املراكز املهمة‬
‫للنقشبندية اخلالدية‪ ،‬وهذا يدل على أنه تلقى تربية صوفية منذ نعومة أظافره‪ .‬وخالل سنتني قضامها كمدعو يف قصر‬
‫طاهر باشا حمافظ مدينة وان سنحت له فرصة دراسة الكتب املتعلقة بالعلوم يف مكتبة احملافظ‪ .‬واصل أعماله العلمية‬
‫يف إسطنبول أيضاً‪ .‬كل هذه التجارب جعلته يفكر يف القيام بالتجديد يف الدراسة املدرسية التقليدية‪ ،‬فمدرسة الزهراء‬
‫اليت يتم فيها تدريس العلوم الفنية واالجتماعية فضالً عن العلوم الدينية كانت نتاجاً عن تلك الفكرة‪.‬‬
‫جاء سعيد النورسي إسطنبول لكي يقدم للسلطان مشروع املدرسة اجملددة سالفة الذكر اليت يريد تطبيقه‪ .‬وتبىن‬
‫علماء املدينة املتميزون النورسي بفضل دروسه ومواعظه اليت ألقاها‪ .‬ولكن حدثت له حتقيقات بسبب عالقته‬
‫القريبة جبمعية االحتاد املعارضة لعبد احلميد الثاين فتم تقليص نشاطاته‪ .‬خالل هذه الفرتة جهر بتصرحياته املوالية‬
‫للحرية والدستور‪ ،‬وبعد امللكية الدستورية الثانية (‪ )1908‬اعتزل عن االحتاديني الذين رأى ابتعادهم عن الغايات‬
‫الدينية‪ ،‬وأصبح من مؤسسي مجعية االحتاد احملمدي ذات األهداف الدينية‪ .‬ولذلك مت ربطه مبحاولة ‪ 31‬مارس‬
‫ومتت حماكمته فاعتقل‪ .‬وعاد إىل بلده بعد إطالق سراحه وقام بفعاليات التعليم واإلرشاد مع طالبه للعشائر‬
‫الكردية‪ .‬وضع حجر أساس مدرسة الزهراء على شاطئ حبرية وان بفضل الدعم املادي الالزم الذي أمده به‬
‫السلطان رشاد‪ ،‬لكنها تعطلت عن النشاط بسبب بدء احلرب العاملية األوىل‪.‬‬
‫اشرتك النورسي مع قوة شعبية تتألف من ثالثة أو أربعة آالف شخص من طالبه يف احلرب للدفاع عن الوطن‪ ،‬وسقط‬
‫أسريا لدى الروس يف اشتباك جبوار بيتليس‪ .‬بعد حياة األسر املستمرة ملدة سنتني تقريبا يفكوسرتوما على شاطئ فولغا‪،‬‬
‫هرب مستغال انقالب بلشويك فعاد إىل إسطنبول عابرا النمسا وبولندا يف ‪ .1918‬ومل يتوقف عن أعماله العلمية خالل‬
‫سنوات احلرب‪” .‬إشارات اإلعجاز” اليت ألفها النورسي يف جبهة باسينلر هي من أهم كتبه‪ .‬بعد أن اهنزمت الدولة‬
‫العثمانية يف احلرب وتعرضت البالد لالحتالل أيد النورسي الكفاح الوطين مبقاالته وفتاواه‪ ،‬فتلقى دعوة من اجمللس‬
‫الشعيب الذي اجتمع سنة ‪ 1920‬يف أنقرة‪ ،‬ويفكلمته اليت ألقاها فيها شدد على أمهية الدور الذي تلعبه املشاعر الدينية‪.‬‬
‫لكنه إذا حتدث عن إمهال بعض النواب الصالة‪ ،‬انزعج بذلك رئيس اجمللس مصطفى كمال واهتمه بإثارة الفتنة‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫رحلة النورسي من أنقرة سنة ‪ 1923‬إىل وان وعزلته فيها بداية جديدة حلياته‪ ،‬وأطلق على حياته القدمية اليت اهتم‬
‫فيها بالسياسة اهتماما كبريا ”عهد السعيد القدمي”‪ ،‬وأطلق على حياته القادمة اليت استفرغها للتدريس والتأليف‬
‫”عهد السعيد اجلديد”‪ .‬منهجه املسمى بتحويل اجملتمع بالتعليم أصبح املنهج الرئيسي جلماعة النور‪ ،‬والكتب اليت‬
‫ألفها يف هذه الفرتة شكلت فلسفة مجاعة النور‪.‬‬
‫ثورة الشيخ سعيد اليت اندلعت يف شرق األناضول أدت إىل انقطاع عزلة النورسي يف وان‪ .‬طلب شيخ اخلالدية‬
‫سعيد انضمام النورسي إىل الثورة اليت قادها بغرض إعادة تطبيق الشريعة‪ ،‬ولكن النورسي مل يقبل هذا الطلب‪ ،‬ومل‬
‫ينضم إىل ثورة الشيخ سعيد ألنه رأى أن هذه الثورة ستتحول إىل معركة كردية تركية وبالتايل إىل صراع األشقاء‪ ،‬وال‬
‫يسعد هبذه الفتنة إال أعداء اإلسالم وعلى رأسهم اإلجنليز‪ ،‬وذلك األمر ال يتناسب مع الغايات اإلسالمية‪ .‬ورغم‬
‫كل ذلك مت ربطه بالثورة‪ .‬ومت نفيه إىل بوردور مث إسربطة بقرار من احلكومة اليت أرادت إبعاده عن الواليات الشرقية‬
‫اليت يوجد لديه هبا نفوذ كبري‪ .‬قرية بارال يف إسربطة اليت استوطنها سنة ‪ 1926‬عندما كان يف احلبس االحتياطي‬
‫هي املكان الذي ألف فيه كثريا من جملدات ”رسالة النور”‪ .‬كتب هو وطالبه هذه املؤلفات مبخطوط اليد باللغة‬
‫العثمانية‪ ،‬ومت نسخها بآالت النسخ مث توزيعها سرا يف خارج البالد من قِبَل طلبة النور‪ .‬يقصد مبطالعة هذه‬
‫املشاعر اإلسالمية‪.‬‬
‫َ‬ ‫املؤلفات يف احللقات السرية اكتساب األجيال الناشئة‬
‫استمرت حياة النورسي بعد ذلك باحملاكمات وعقوبات احلبس والنفي‪ُ .‬حكم عليه وعلى قرابة املئة من طالبه‬
‫بالسجن يف أسكي شهري سنة ‪ 1935‬بتهمة التصرف ضد العلمانية وتأسيس مجعية سرية بغرض هدم النظام‬
‫األساسي للجمهورية‪ .‬وبعد أن أُطلق سراح النورسي مت إرساله إىل قسطموين نفياً‪ ،‬وأقام هناك مثاين سنوات مث مت‬
‫اعتقاله وإرساله إىل دنيزيل‪ ،‬مث تلتها سنوات من نفي أمري داغ واحلبس يف آفيون‪ ،‬وكل هذه االعتقاالت واحملاكمات‬
‫متخضت عن براءة النورسي‪ .‬على الرغم من أن التحقيقات فيه قد توقفت بتويل احلزب الدميوقراطي اإلدارة إال أن‬
‫كتابه املسمى بدليل الشباب أدى إىل حماكمته من جديد بتهمة انتهاك العلمانية‪ ،‬ولكنه تربأ بسبب عدم كفاية‬
‫األدلة‪ .‬تتابعت كتابة رساالته يف عهود احلبس بال انقطاع‪ .‬يف حال مل جيد األوراق اليت يكتب عليها رساالته‬
‫استمرت يف كتاباهتا على علب الكربيت وأكياس من األوراق لكي يوصل أفكاره إىل متابعيه‪ ،‬وأطلقت على حياته‬
‫يف السجن ”املدرسة اليوسفية” مستمدا من جتارب النيب يوسف اليت ورد ذكرها يف القرآن الكرمي‪.‬‬
‫حصلت رساالت النور على إذن الطبع باحلروف الالتينية مببادرات حتسني تُـلُو وهو من طالب النورسي ومن نواب‬
‫احلزب الدميوقراطي يف نفس الوقت وبفضل تقرير من رئاسة الشؤون الدينية مفاده أن رساالت النور غري خمالفة‬
‫للقانون‪ .‬وتويف النورسي سنة ‪ 1960‬يف غرفة فندق مبدينة أورفا اليت ذهب إليها طوعاً بسبب أمراضه الشديدة‪،‬‬
‫ودفن يف هذه املدينة‪ ،‬غري أن قربه قد انفتح بأمر من احلكومة بعد االنقالب العسكري يف ‪ 27‬مايو وانتقلت جثته‬
‫إىل مكان جمهول‪)Açıkgenç, 2008, s.565-7, Sitembölükbaşı, 1995, s. 110-5( .‬‬
‫يُذكر النورسي بلقب بديع الزمان ويعد جمتهدا وجمدد عصره من قِبَل فرق مجاعة النور اليت تَنسب نفسها إليه‪ .‬كان‬
‫النورسي يقول ”إن زماننا ليس زمان التصوف بل زمان إنقاذ اإلميان‪ ”.‬وقد الحظ أن الدول الغربية توجه الشباب‬
‫إىل املادية بواسطة العلوم العقلية والفنية‪ .‬لذلك أراد أن يقوي إميان األجيال الناشئة باألدلة العقلية ضد اهلجمات‬

‫‪101‬‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫املضللة املعاصرة‪ ،‬وكتب مؤلفاته لكي ينتقل إميان الشباب من مستوى التقليد إىل التحقيق‪ .‬هذه الفكرة دفعته إىل‬
‫اتباع املنهج اإلصالحي رغم أنه كان قادرا على تأسيس مجاعة صوفية وعلمية لكونه قد ترعرع يف منطقة فيها نفوذ‬
‫كبري للخالدية‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬قول النورسي ”أعوذ باهلل من الشيطان والسياسة‪ ”.‬يظهر لنا أنه تبىن إصالحية ثقافية ترمي إىل تربية‬
‫طويلة للناس جتعل أخالقهم ومعنوياهتم أفضل مما كانت؛ ومل يتنب حركة إصالحية مبنية على األساس السياسي كما‬
‫فعل ”سعيد القدمي”‪ .‬أيد النورسي احلزب الدميوقراطي والنظام متعدد األحزاب يف اخلمسينيات‪ ،‬بيد أن هذا التأييد‬
‫مل يفسره أحد أن اجلماعة صارت مسيَّسة‪ .‬سياسات احلزب الدميوقراطي اليت حترتم احلريات الدينية متشياً مع الليربالية‬
‫خبالف حزب الشعب اجلمهوري نالت دعم النورسي وطالبه‪ ،‬ألن ذلك احلزب كان أهون الشرين حسب آرائهم‪.‬‬
‫الذين ينتمون جلماعة النور يعتربون كليات رسالة النور املؤلفة من أربعة كتب وهي ”الكلمات‪ ،‬واملكتوبات‪،‬‬
‫واللمعات‪ ،‬والشعاعات” تفسرياً للقرآن الكرمي‪ .‬لكن هذا التفسري خمتلف عن التفاسري التقليدية اليت تبدأ بسورة‬
‫تفسر اآليات حبسب األبواب‪ .‬واملباحث اليت مت سردها ال تتعلق بأشكال‬ ‫الفاحتة وتنتهي بالسورة األخرية؛ بل َّ‬
‫العبادات وال االعتقادات؛ بل تتعلق باملقاصد واحلِ َكم‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬تتناول الرساالت سبب وجوب الصالة‬
‫ال كيفية الصالة‪ ،‬ألهنا هتدف إىل إكساب الشعور بالناس‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬تقدم الرساالت حلوالً للمشاكل‬
‫اإلميانية الناجتة عن اإليدولوجيات املعاصرة اليت يتأثر هبا الشباب‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يستفاد فيها من معطيات‬
‫العلوم املثبتة بشكل واسع (‪ .)Sitembölükbaşı, 1995, s. 118-9‬هلذا السبب جيب فصل مؤلفات النورسي عن‬
‫املؤلفات الكالمية التقليدية وتصنيفها ضمن املؤلفات الكالمية احلديثة اليت تتمركز فيها انتقادات للتيارات الغربية‬
‫احلديثة مثل املادية والوضعية‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن رساالت النور مل تتخلص من االنتقادات يف بعض األمور‪ ،‬منها أن النورسي استخدم تعبريات تُشعر‬
‫ت أن ‪ ،”...‬و ”رأيت‬ ‫لقرائه بأنه كتب هذه الرساالت بالعناية الربانية مثل‪” :‬انفتح على قليب أن ‪ ،”...‬و ”نـُبِّ ْـه ُ‬ ‫ّ‬
‫أردت أن تتأكد من ذلك فانظر إىل الصفحات التالية‪Nursî, 1999, s. 50, 72,( :‬‬ ‫إشارة غيبية قوية أن ‪ ،”...‬إذا َ‬
‫اجلمل‪ ،‬وأن الشخصيات املتميزة مثل علي بن‬ ‫‪ .)97, 100‬وزعم أن القرآن قد أشار إليه ورساالته حبساب اجلفر و ّ‬
‫أيب طالب‪ ،‬وعبد القادر اجليالين‪ ،‬واإلمام الرباين أمحد السرهندي أشاروا إىل ”الرساالت” يف العصور اليت عاشوا‬
‫فيها‪ ،‬ولذلك اهنال الناس عليه نقداً‪ .‬أفاد النورسي أنه بُ ّشر بأن الطلبة الصادقني لرسالة النور سريحلون من احلياة‬
‫الدنيا باإلميان وسيدخلون اجلنة (‪ ،)Nursî, 1999, s. 29‬فوجد النقاد هذه الثقة بالنفس واألمهية اليت علقها النورسي‬
‫جلماعة النور مبالَغاً فيها‪.‬‬
‫الذين يقرؤون رساالت النور ويعملون على تدريسها يف أماكن خاصة امسها ”درسخانه”‪ ،‬ونشر دعاياهتا يطلقون‬
‫على أنفسهم ”طلبة النور” أو ”تالميذ النور”‪ .‬أما الشعب فيسمي هذا الكيان ”مجاعة النور”‪ .‬طلبة النورسي‬
‫األوائل هلم مكانة مرموقة عند أستاذهم لكوهنم من مؤسسي هذه احلركة‪ .‬يعد ”خلوصي حيياكيل” الطالب األول‬
‫لسعيد النورسي‪ُ .‬خ ْسَرْو آلتينباشاك‪ ،‬وزبري كندوز آلب‪ ،‬وبكر بَ ْـرك‪ ،‬ومثل هؤالء من ”اإلخوان األكابر” يع ّدون‬
‫شخصيات مهمة عند اجلماعة‪ .‬والبعض منهم ساهم يف منو وتطور مجاعة النور بعد وفاة النورسي الذي مل يعيِّ‬
‫خلفاً لنفسه‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫رفض خسرو آلتينباشاك ومن معه طبع رساالت النور باحلروف الالتينية وجزموا بوجوب طبعها بشكلها األصلي‬
‫أي باحلروف العثمانية كما كانت يف السابق‪ .‬يُعترب ذلك أول اختالف بني طلبة مجاعة النور‪ .‬هذه الفرقة يطلق‬ ‫ْ‬
‫عليها ”الكاتبون”‪ ،‬والفرقة األخرى اليت تستمر يف طبع رساالت النور باحلروف الالتينية تسمى ”القارئون”‪ .‬هذه‬
‫اجلماعة مسيت جمموعة املشورة ألهنا بدأت بتشكيل هيئة االستشارة‪ .‬ومبرور الزمن حلت هبا انفصاالت وخرجت‬
‫منها مجاعات أخرى بسبب اخلالفات يف األحزاب اليت سيدعمها أعضاء اجلماعة‪ ،‬واملبادئ واملناهج اليت جيب‬
‫أن تتبعها اجلماعة‪.‬‬
‫لعل أكرب مجاعة من هذه اجلماعات هي مجاعة فتح اهلل غولن‪ ،‬ومن الصحيح أن نعتربها مجاعة خمتلفة أو مجاعة‬
‫النور احلديثة ألن من ينتمون إليها قدموا أفكار رئيسهم غولن ومقاالته على أفكار النورسي ومقاالته‪ .‬وهذه‬
‫اجلماعة خالفت مبدأ النورسي يف عدم التدخل يف السياسة‪ .‬وأطلقوا على أنفسهم ”حركة اخلدمة”‪ ،‬لكن الذين‬
‫يشكلون العصابة السرية والكوادر األساسية من هذا الكيان قد أرادوا اهليمنة على الدولة بالتسرب إىل البريوقراطية‬
‫العليا والقضاء والشرطة والعسكر‪ .‬فحاولوا اإلطاحة بالرئيس املنتخب املشروع لرتكيا يف ‪ 15‬يوليو سنة ‪،2016‬‬
‫لكن الشعب الرتكي تصدى هلذه احملاولة بالتدفق إىل الشوارع‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬هذه اجلماعة تَعترب غولن بدرجة‬
‫املهدي وحىت املسيح‪ ،‬وتبيح احملظورات يف سبيل حتقيق غاياهتم‪ .‬كل هذه اخلصائص تبدي لنا أن كيان غولن ليس‬
‫حركة إصالحية‪.‬‬
‫اتبعت حركة النور سياسة احتياطية منذ عهد النورسي لكي ال تتعرض لتهم املناهضة للنظام‪ ،‬ومل تتنب قط خطابا‬
‫متطرفا ومناهضا للدولة سوى مجاعات نورسية صغرية ظهرت يف الثمانينيات والتسعينيات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن اجملموعات‬
‫النورسية واصلت نشاطاهتا بشكل سري وغري رمسي خالل سنوات مديدة‬
‫‪2‬‬ ‫بدالً من استخدام هوية اعتبارية‪ .‬أما خالل السنوات العشرين األخرية‬
‫فسنحت هلا فرصة القيام بنشاطاهتا حتت سقف مجعيات وأوقاف خمتلفة‬
‫ِّ‬
‫عل ْق على فصل ”سعيد القدمي”‬ ‫هبويات اعتبارية رمسية‪ .‬وأمنت اجلماعة من التحقيقات اليت حلت باألحزاب‬
‫عن ”سعيد اجلديد” حول‬ ‫اإلسالمية بفضل تأييدها لألحزاب اليمينية الليربالية‪ .‬لكن هذا املوقف‬
‫بديع الزمان سعيد النورسي‪.‬‬ ‫َّ‬
‫شكل أساس االنتقادات اليت وجهتها احلركات اإلسالمية إىل مجاعة النور‪.‬‬

‫مجاعة السليمانية‬
‫هذه اجلماعة حركة إصالحية أخرى يف تركيا‪ ،‬ومسيت مجاعة السليمانية نسبة إىل مؤسسها سليمان حلمي توناخان‪.‬‬
‫على الرغم من وجود تشاهبات بني مجاعة النور ومجاعة السليمانية من حيث تاريخ ظهورمها والزمن الذي عاش فيه‬
‫مؤسسامها إال أن هناك اختالفات بينهما من حيث مراحل التطور والطبقة السفلى االجتماعية والنشاطات‪ .‬وهذه‬
‫االختالفات متكننا من املقارنة بينهما‪.‬‬
‫ينحدر سليمان حلمي توناخان املولود سنة ‪ 1888‬يف قرية تابعة ملدينة سيليسرتا يف بلغاريا من أسرة خواجه زاد‬
‫اليت مت تعيينها والية (خان تونا) مبنطقة تونا يف عهد السلطان حممد فاتح‪ .‬هذه األسرة كانت من أحفاد رسول اهلل‬

‫‪103‬‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وحصلت على لقب توناخان بسبب وظيفتها يف البلقان‪ .‬وأكمل سليمان أفندي املدرسة‬
‫االبتدائية واملتوسطة يف بلده مث جاء إىل إسطنبول سنة ‪ 1907‬ليتخرج يف مدرسيت الفاتح والسليمانية بدرجات عالية‬
‫ويتخصص مبجاالت خمتلفة فيحصل على لقب ”مدرس العامة” سنة ‪ .1920‬واستأهل لوظيفة القضاء بعد أن خترج‬
‫يف مدرسة قاضي القضاة‪ ،‬ولكنه مل يقم هبذه الوظيفة بناءً على طلب والده‪ .‬وواصل وظيفة التدريس حىت سنة‬
‫‪ .1924‬مث تعطل عن العمل مع ‪ 500‬من زمالئه بعد إغالق املدارس بسبب قانون توحيد التدريسات‪.‬‬
‫يُعرف أن سليمان أفندي استمر يف التدريس الفخري للطالب املوجودين حوله خالل هذه الفرتة اليت ازدادت‬
‫معاناة بفعل انقالب احلرف‪ .‬ولكنه غادر إسطنبول فيما بعد بسبب مالحقة الشرطة وقوات الدرك وألنه مل جيد‬
‫طالبا ذوي الكفاءة‪ .‬وبدأ ينشغل بالزراعة يف مزرعة استأجرها بالقرب من املدينة‪ .‬عندما حصل مدرسو العامة‬
‫على إمكانية القيام بوظيفة الوعظ مبوجب منظومة رئاسة الشؤون الدينية املؤرخة بسنة ‪ 1937‬مت تعيينه كواعظ يف‬
‫إسطنبول يف ‪ 4‬فرياير ‪ .1938‬تشكلت حوله مجاعة مميزة بفضل مواعظه املؤثرة‪ .‬ومت توقيفه مرات عديدة بسبب‬
‫تدريس هذه اجلماعة دروساً دينية‪ ،‬وتعرض للتعذيب يف السجون‪ .‬انفسخت شهادته للوعظ يف ‪ 1943‬ومل يتمكن‬
‫من استعادهتا إال يف ‪ .1950‬ومت ربطه باستعراض متعلق باملهدية يف مسجد أولو جامع ببورصة وليست له عالقة‬
‫بذلك‪ .‬رغم أ ْن ُحكم عليه باإلعدام إال أنه تربأ فيما بعد‪.‬‬
‫وجد سليمان أفندي ومن حوله إمكانيات أكثر مما كانت للقيام بنشاطاهتم بتويل احلزب الدميوقراطي إدارة البالد‬
‫سنة ‪ .1950‬أول دورة داخلية لتعليم القرآن مت تدشينها مع حنو ‪ 25‬طالبا يف جامليجا سنة ‪ .1951‬ووجد سليمان‬
‫ووسع معهم فعاليات التدريس وأرسل طالبه إىل مدن خمتلفة من األناضول لكي‬ ‫أفندي مدرسني قدامى مثله َّ‬
‫يفتحوا دورات لتعليم القرآن‪ .‬وشجعهم على التوظف يف الدولة كإمام أو واعظ أو مفت لتجعل أعماهلم رمسية‪.‬‬
‫تويف سليمان أفندي يف ‪ 16‬سبتمرب ‪ 1959‬ودفن يف مقربة قاراجا أمحد‪ .‬والضريح الذي بين على قربه كثرياً ما يزوره‬
‫منتسبو اجلماعة (‪.)Öngören, 2012, s. 375-6‬‬
‫تلقى سليمان أفندي تربية صوفية من اجملددية املنسوبة إىل اإلمام الرباين اليت جاءت إىل األناضول قبل النقشبندية‬
‫اخلالدية‪ ،‬وكانت له إجازة لإلرشاد‪ ،‬وامسه مكتوب بعد اسم شيخه صالح الدين بن موالنا سراج الدين يف‬
‫قط طريقة صوفية عادية‪ .‬ومع‬ ‫”السلسلة الذهبية” اليت يوجد فيها ‪ 33‬شيخا‪ .‬لكن اجلماعة السليمانية مل تكن ُّ‬
‫ذلك‪ ،‬فإذا قارناها جبماعة النور وجدنا أن فيها أفكارا وتطبيقات أقرب إىل التصوف بالنسبة جلماعة النور‪ .‬فعلى‬
‫سبيل املثال‪ ،‬طقس الرابطة الذي ال يوجد يف مجاعة النور ذو أمهية كبرية يف مجاعة السليمانية‪ .‬فيتخيل منتسبو‬
‫اجلماعة أن سليمان أفندي املعروف عندهم ب ”املرشد الكامل” حبضرهتم ويستفيدون منه‪.‬‬
‫ليس لسليمان أفندي كتاب غري كتابه املسمى ”حروف القرآن وحركاته”‪ .‬إنه كرس حياته لتعليم الطالب وفق‬
‫األصول املدرسية‪ .‬على الرغم من أنه متبحر يف العلم إال أنه مل يؤلف كتابا‪ .‬وطالبه اتبعوا الطريق نفسه‪ .‬هلذا‬
‫السبب ليس من اخلطأ أن نصفهم كحركة تقتصر على دورات لتحفيظ القرآن‪ .‬وبعد إغالق ثانويات األئمة‬
‫واخلطباء وكليات اإلهليات جرباً يف ‪ 1932‬و ‪ 1933‬مل ميكنه تربية املوظفني بطرق رمسية‪ .‬ومت القيام مبثل هذه‬
‫النشاطات بطرق غري رمسية حىت مطلع اخلمسينيات‪ .‬يذكر أن سليمان أفندي وطالبه بنوا حنو ألف دورة لتحفيظ‬
‫القرآن الكرمي بعد احلصول على احلريات بني ‪ 1950‬و ‪.1960‬‬
‫‪104‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫مت تأسيس وإدامة دورات حتفيظ القرآن مببادرات ”مجعيات تأسيس وإحياء دورات حتفيظ القرآن” و”مجعيات‬
‫مساعدة طالب املدارس والدورات”‪ .‬هذه الدورات بشكل عام ليست أماكن يتم تعليم وحتفيظ القرآن فيها‬
‫فحسب‪ ،‬بل هي مؤسسات يدرس فيها الطالب وفق األصول املدرسية‪ .‬يبدأ الطالب دراسته مبرحلة امسها‬
‫”ابتدائية” ويتعلم فيها قراءة القرآن واللغة العربية‪ .‬واملرحلة الثانية هي ”ما قبل التكامل” وحتتوي على تعليم العقائد‬
‫والفقه وأصوله واملنطق‪ .‬أما املرحلة األخرية فهي ”التكامل” ويطالع الطالب فيها كتباً باملستوى املتقدم يف جماالت‬
‫التفسري واحلديث والعلوم األخرى‪ ،‬ويتدرب على إلقاء اخلطبة والوعظ‪ .‬بعدما جيتاز الطالب كل هذه املستويات‬
‫يرتقي إىل منصب ”التدريس” (‪.)Kirman, 2006, s. 160-2‬‬
‫مل تلق ثانويات األئمة واخلطباء وكليات اإلهليات واملعاهد اإلسالمية العليا اليت حصلت على إذن الفعالية من‬
‫جديد سنة ‪ 1951‬اهتماما واسعا يف مجاعة السليمانية‪ .‬وكان منتسبو مجاعة السليمانية يعتقدون أن الدولة تدبر‬
‫ختريب اإلسالم بأيدي الطالب الذين يدرسون فيها‪ .‬بدأ املتخرجون يف ثانويات األئمة واخلطباء وكليات اإلهليات‬
‫يتوظفون يف رئاسة الشؤون الدينية ووزارة الرتبية الوطنية كأئمة ومعلمني‪ .‬ويف بعض األحيان حتولت املعارضة‬
‫إىل العدوان هلذه املدارس اليت لقيت تأييدا من الشعب‪ .‬ومن احملتمل أن يكونوا خملصني يف قلق ”التخريب من‬
‫الداخل”‪ .‬ونتيجة ملساعدة الشعب املالية لتلك املدارس حصلت منافسة اقتصادية‪ ،‬وذلك يعد من أسباب هذه‬
‫املعارضة‪ .‬ومن أسباب معارضتهم أيضاً أن الدولة تفضل اخلرجيني يف تلك املدارس على اخلرجيني يف دورات حتفيظ‬
‫القرآن يف تعيني املوظفني يف اجملال الديين‪.‬‬
‫طلب رئاسة الشؤون الدينية حق االنتفاع مبباين دورات حتفيظ القرآن كلها يف سنة ‪ 1971‬أدى إىل أزمة أخرى‬ ‫ُ‬
‫جلماعة السليمانية‪ .‬وحاولت اجلماعة حل هذه املشكلة بتدشني ُدور الطلبة‪ .‬هذه الدور توفر اإلقامة لطالب‬
‫املرحلة املتوسطة واجلامعية إضافةً إىل تعليم القرآن الكرمي‪ .‬التوتر بني مجاعة السليمانية ومنظمة الشؤون الدينية يطلق‬
‫عليه يف األوساط الدينية ”الدفاع عن أهل السنة”‪ .‬طور جنيب فاضل خطابا بني السبعينيات والثمانينيات مفاده أن‬
‫بعض املتخرجني يف اإلهليات ”حداثيون بال مذهب” ويعتربون أنفسهم ”جمتهدين” وال يقفون على القرآن والسنة‬
‫وال يطبقون اإلسالم‪ .‬ومجاعة السليمانية اعتربت كل املوظفني يف الشؤون الدينية يف إطار هذا اخلطاب‪ .‬ومت نشر‬
‫كثري من األخبار واملقاالت حول هذا املوضوع يف اجملالت والصحف املوالية جلماعة السليمانية‪.‬‬
‫يبدو أن مجاعة السليمانية اتبعت سياسة احتياطية يف نشاطاهتا مثل مجاعة النور‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬أن من أسباب‬
‫تطور مجاعة السليمانية تأييدها لألحزاب اليمينية الليربالية اليت شاركت يف السلطة بدالً من تأييد أحزاب مللي‬
‫كوروش اإلسالمية‪ .‬حىت إن البعض من كبار اجلماعة مت ترشيحهم وانتخاهبم كنواب من أحزاب خمتلفة‪ .‬لكن هذه‬
‫دار نقاش ساخن‬
‫احلركة مل تتحول قط إىل كيان سياسي‪ ،‬بل حرصت على احملافظة على هويتها اإلصالحية‪ .‬ولكن َ‬
‫أحياناً حول احلزب الذي سيتم تأييده‪.‬‬
‫حلت جبماعة السليمانية انفصاالت بعد وفاة مؤسسها كما كانت يف كثري من اجلماعات‪ ،‬غري أهنا مل تتأثر بذلك‬
‫بشكل كبري‪ .‬ومن العجيب أن النقاشات الدائرة حول ثانويات األئمة واخلطباء ومؤسسات الشؤون الدينية أدت‬
‫إىل تبين بعض اجملموعات منها تلك املؤسسات‪ .‬ويف يومنا هذا يرسل الكثري ممن ينتمون إىل مجاعة السليمانية‬
‫أوالدهم إىل الثانويات واجلامعات املذكورة‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫املظامل والضغوط اليت حصلت عقب االنقالب العسكري املؤرخ بسنة ‪ 1980‬مت التعويض عنها خالل رئاسة‬
‫فعالة يف أوروبا‬
‫تقوت اجلماعة خارج البالد‪ .‬وكانت اجلماعة ّ‬ ‫تورغوت أوزال منذ سنة ‪ .1984‬ويف الوترية نفسها َّ‬
‫بفعل املراكز الثقافية لإلسالم منذ ‪ .1973‬وكانت هذه املراكز يتم إدارته من قِبَل العمال‪ ،‬وكانت تتنافس مع مؤسسة‬
‫مللي كوروش األوروبية‪ .‬ويف يومنا هذا تقوم هذه املؤسسات بنشاطاهتا حتت عنوان احتاد املراكز الثقافية اإلسالمية‪.‬‬
‫اعتمدت مجاعة السليمانية يف أعماهلا على املواد اللفظية بينما مجاعة النور اعتمدت على املواد املكتوبة‪ .‬ونتيجة‬
‫لذلك كانت جلماعة السليمانية طبيعة ريفية بينما مجاعة النور هلا طبيعة مدنية‪ .‬والطبقة السفلى يف مجاعة النور‬
‫تتكون ممن هلم شهادات جامعية ويف مجاعة السليمانية تتكون ممن هلم شهادات ابتدائية ومتوسطة‪ .‬لكن هذه‬
‫االختالفات تصري قليلة يوماً بعد يوم من حيث املدنية والتعليم واحلداثة‪.‬‬

‫ندوة العلماء ومدرسة اإلصالح‬


‫ندوة العلماء ومدرسة اإلصالح مها مؤسستان عريقتان للتعليم تنتهجان األصول املدرسية يف شبه اجلزيرة اهلندية مثل‬
‫الديوبندية‪ .‬ومل تبق هاتان املؤسستان كمدرسة فحسب‪ ،‬بل حتولتا مذهباً حول األفكار واملواقف اليت ُتثِّالهنا‪ .‬ومن‬
‫الصحيح أن ندرجهما ضمن احلركات واملذاهب اإلصالحية ألهنما هتدفان إىل إصالح اجملتمع وألن يف براجمهما‬
‫آثارا حداثية وأهنما قد ظهرتا بديلتني للديوبندية‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أن كالًّ من هاتني احلركتني يتخذ موقفا مبتعدا‬
‫عن اإلسالمية السياسية وأهنما تشريان إىل االختالفات بني اإلصالحية الثقافية والسياسبة وتسردان أمثلة عليها‪.‬‬
‫اجتمعت النخبة من علماء اهلند مبناسبة مجعية امسها ندوة العلماء سنة ‪ 1892‬برئاسة حممد علي املونكري‪ .‬وكان‬
‫هدف االجتماع إزالة اخلالفات بني التيارات واملذاهب املختلفة‪ ،‬والكفاح اجلماعي ضد اإلحلاد واإليدولوجيات‬
‫املضرة الناجتة عن املنظومة الرتبوية الغربية‪ ،‬وتطوير منظومة تربوية بديلة‪ ،‬واحليلولة دون تدهور املسلمني يف املنطقة‪.‬‬
‫هلذا الغرض مت تشكيل مجعية تسمى ندوة العلماء‪ .‬وهذه اجلمعية قد عقدت اجتماعات دورية لتحقيق تلك‬
‫الغايات‪.‬‬
‫اشرتكت يف أول اجتماع للجمعية رؤساء مجاعات الديوبندية والبارلوية وأهل احلديث‪ ،‬وعلماء الشيعة‪ ،‬ومندوبو‬
‫مذهب علي كارح احلداثي‪ .‬لكن هدف الوحدة مل تتحقق يف يوم من األيام‪ .‬أسس علماء الندوة مدرسة باسم‬
‫”دار العموم لندوة العلماء” يف مدينة لَ ْكنـَْو سنة ‪ 1898‬لتقريب الديوبندية والبارلوية التقليديتني من مذهب علي‬
‫كارح الذي ينتهج نظاما غربيا يف التعليم‪ .‬ألن علماء الندوة كانوا يريدون طريقا وسطا بني تلك املذاهب‪ .‬وهذه‬
‫املبادرة الرامية للوحدة أدت إىل تشكل مذهب جديد‪.‬‬
‫كان من أهداف تأسيس دار العموم للندوة إعداد النصوص الدينية املستخدمة يف الدعوة‪ ،‬وتشكيل مكتبة غنية‪،‬‬
‫وتنظيم منهاج الدراسة وفق احلاجات احلديثة (‪ .)Özcan, 2006, s. 514‬وصدر قرار ينص على إجبار مادة اللغة‬
‫اإلجنليزية إضافةً إىل اللغة العربية‪ .‬وكان الغرض من ذلك تزويد العلماء الذين يناهضون اإليدولوجيات الغربية‬
‫وينشرون مؤلفات حمتوية على تعاليم اإلسالم ثقافياً باللغة املطلوبة‪ .‬اشرتك شبلي النعماين (املتوىف سنة ‪)1914‬‬
‫يف الندوة سنة ‪ 1905‬وانعزل عن ‪ Anglo-Oriental College‬التابعة ملذهب علي كارح احلداثي والذي كان يعمل‬

‫‪106‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫النعماين لصاحله منذ ‪ 16‬سنة‪ .‬وإنه كان الشخص األهم يف تطوير منهاج دراسة دار العموم مبا يتضمن العلوم‬
‫املثبتة‪ .‬ألن املنهاج الكالمي الذي أعده النعماين إلدحاض األدلة املخالفة لإلسالم والدفاع عن العقيدة اإلسالمية‬
‫ضد التيارات املادية والوضعية أفادت منه أعمال علم الكالم اجلديد‪ .‬ومل يقتصر هذا النوع من الكالم على أن‬
‫يكون نظاما دفاعيا‪ ،‬بل ق ّدم منظورا جديدا للعامل احلديث بسرد اخلصائص االجتماعية واألخالقية العليا لإلسالم‪.‬‬
‫وكان موقف النعماين املتسامح مع املذاهب املختلفة خيتلف عن املوقف املتشدد التقليدي لعلماء اهلند‪ .‬وانزعج‬
‫علماء الندوة مبحاوالته ألهنم اعتربوها حداثة مفرطة وأُجرب النعماين على االستقالة من دار العموم سنة ‪1913‬‬
‫بسبب االنتقادات والضغوط اليت تعرض هلا‪.‬‬
‫ختتلف دار العموم لندوة العلماء عن املدارس األخرى يف شبه القارة من حيث صورته وتعليمه إضافةً إىل منهاج‬
‫دراسته‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬يدرس الطالب يف مدارس ندوة العلماء على املناضد وباحلواسيب واملواد التقنية خبالف‬
‫املدارس الديوبندية اليت يدرس فيها الطالب على املقارئ‪ .‬جملس التحقيقات النشرية لإلسالم ينشر مؤلفات يف‬
‫لغات خمتلفة‪ .‬وجملس التحقيقات للشريعة ينشر مؤلفات يف جمال الفقه‪.‬‬
‫ال شك أن أهم شخص حلركة ندوة العلماء بعد شبلي النعماين هو أبو احلسن الندوي (‪ .)1999-1914‬هو ابن‬
‫العامل واملؤرخ املشهور عبد احلي احلسين (املتوىف سنة ‪ .)1923‬والتحق بدار العلوم عندما كان يف اخلامس عشر من‬
‫عمره (‪ .)1929‬ومنذ هذا التاريخ كرس حياته للندوة حىت سنة ‪ .1999‬وارتقى ملنصب األستاذية سنة ‪ 1934‬وأصبح‬
‫رئيساً للندوة سنة ‪ .1961‬هناك ميزات كثرية متيز الندوي عن املدرسني اآلخرين يف شبه القارة اهلندية‪ .‬فإنه شرح‬
‫اإلسالم بشكل كامل‪ ،‬وتطرق إىل العقيدة والعلم والعمل فضالً عن التجارة واألخالق والسياسة واإلدارة‪ .‬وكانت‬
‫الغربية والقومية والرتدي األخالقي هي احملور األساسي يف انتقادات الندوي‪ .‬وقدَّم وظيفة الدعوة على الوظائف‬
‫األخرى ولذلك كان شخصا قريبا من مجاعة التبليغ دائما (‪.)bkz. Birışık, 2006, s. 515-6‬‬
‫دائماً ما تناول الندوي موضوع وحدة األمة‪ .‬وعلى الرغم من أنه انتقد األخطاء اليت رآها يف الكيانات الدينية‬
‫همشاً‪ .‬وكان الندوي إصالحيّاً بكل معىن الكلمة‪،‬‬‫األخرى إال أنه مل يكن متعصبا ومل خيل سبيله ومل يتنب موقفاً ُم ِّ‬
‫وكان له موقف ما فوق املذاهب كما كان يف كثري من التيارات اإلصالحية‪ .‬ومتكن من التقرب إىل السلفية رغم‬
‫أنه منسوب للجشتية والنقشبندية‪ .‬وهو من بني مؤسسي رابطة العامل اإلسالمي الذي مت تأسيسها يف ‪.1962‬‬
‫و ُّاتم بالوهابية بسبب هذه العالقة القريبة مثل املودودي الذي هو اإلصالحي األشهر يف شبه القارة اهلندية‪ .‬ولكن‬
‫عالقة الندوي القريبة من السلفية أدت إىل تغري أفكاره املوالية للتقارب بني السنية والشيعة‪ ،‬و َّاتم املذهب الشيعي‬
‫واخلميين باهتامات ثقيلة‪.‬‬
‫ومن اخلصائص اليت متيز الندوي عن علماء اهلند التقليديني املعاصرين له أنه من بني مؤسسي اجلماعة اإلسالمية‬
‫اليت هي من أرسخ احلركات السياسية اإلسالمية‪ .‬لكن عالقته برئيس اجلماعة املودودي مل تستمر‪ ،‬وانتهت‬
‫صداقتهما بسبب اختالف اآلراء‪ .‬كان الندوي يرى أن املودودي يفسر اإلسالم بشكل سياسي‪ .‬هذه الفكرة‬
‫طبيعية باألساس‪ ،‬لكن ختصيص اإلسالم باألهداف السياسية فق ْط خطأ‪ .‬واألولوية هي التقرب إىل اهلل بصاحل‬
‫األعمال وطاعة اهلل ورسوله بإخالص‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫كتاب ”التفسري السياسي لإلسالم” (القاهرة‪ )1980/1400 ،‬أليب احلسن الندوي كتاب مهم لكي‬
‫نعرف االنتقادات األساسية اليت وجهها التيار اإلصالحي الثقايف إىل التيار اإلصالحي السياسي‪.‬‬

‫”حماولة توصيل اإلميان إىل املقتدرين أفضل من حماولة توصيل أهل اإلميان إىل السلطة” على حد قول الندوي‪.‬‬
‫تأخرت‬
‫ْ‬ ‫َّبي الندوي ما إذا كان هذا املنهج يؤدي إىل تأخر حاكمية اإلسالم بقوله‪” :‬ليست هناك مشكلة وإن‬
‫الندوي‬
‫ُّ‬ ‫قليال”‪ .‬ألن النتيجة اليت نصل إليها بتعليم الشعب سيكون أثبت وأعمق بكثري‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يضرب‬
‫اإلمام الرباينَّ أمحد السرهندي مثالً يف ذلك‪ .‬فإن اإلمام الرباين مل يتنب منهجا سياسيا وال عسكريا عندما ناضل‬
‫فكرة ”وحدة األديان” ألكرب شاه‪ ،‬بل إنه كان ينصح رجال الدولة وينذرهم برسائله‪ ،‬ويف هناية املطاف عمل عمل‬
‫اإلمام‪ .‬فجيهانغري الذي اعتلى العرش بعد أبيه أكرب شاه‪ ،‬وشاه جيهان‪ ،‬وعاملغري كانوا ملوكاً قدموا خدمات كبرية‬
‫لإلسالم واملسلمني (‪.)bkz. Nedvî, 2010, s. 37-45‬‬
‫موجهة إىل اإلصالحيني السياسيني فحسب‪ ،‬بل إىل النزعة‬ ‫ومن الالزم أن نوضح أن انتقادات الندوي مل تكن َّ‬
‫يوحد بني املاضي واملستقبل بقوله‪:‬‬ ‫يعرف الندوي ندوة العلماء بأهنا مذهب ِّ‬ ‫التقليدية السلفية واملدرسية أيضاً‪ِّ .‬‬
‫”كان من الواجب التوحيد بني املاضي واملستقبل‪ .‬واملاضي هو األصل‬
‫‪3‬‬ ‫ولكن كان جيب أن جنعله أكثر وضوحا” (‪.)bkz. Nedvî, 2010, s. 40‬‬
‫كانت هذه األقوال تبدي اختالف الرأي بينه وبني النزعة التقليدية‬
‫علِّ ْق على ترك ندوة العلماء املدرس َة‬ ‫املدرسية‪ .‬ولكن الوالء للنزعة التقليدية قد ازدادت بعد النعماين بفعل‬
‫التقليدية يف ضوء ما قرأت‪.‬‬ ‫االنتقادات املكثفة ضد علي كارح‪ ،‬وقد اقرتبت ندوة العلماء من‬
‫املذهب التقليدي مبوقفه هذا‪.‬‬
‫كان اهلدف من تأسيس مدرسة اإلصالح اليت بُنيت يف أعظم كارح سنة ‪ 1908‬يشبه اهلدف من تأسيس الندوة‪٠‬‬
‫وكانت املهمة األساسية ملدرسة اإلصالح هي إصالح اجملتمع اإلسالمي وحل مشاكله الدينية واالجتماعبة‪ .‬ويذكر‬
‫أن فكرة التأسيس األساسية يُعزى إىل حممد الشافعي غري أن العامل املفسر محيد الدين الفراحي (املتوىف سنة ‪)1930‬‬
‫وشبلي النعماين هلما مسامهات أكرب من مسامهات الشافعي‪ .‬اكتسبت املدرسة رؤية خاصة هبا بفضل املنظومة‬
‫الرتبوية للفراحي اليت يتمركز فيها القرآن‪ .‬وأما النعماين فعمل على جتديد العلوم القدمية وتطهري العلوم احلديثة يف‬
‫ضوء القرآن الكرمي‪ .‬احتلت مواد اإلعالم واجلغرافيا والفلسفة احلديثة واللغة اإلجنليزية واهلندية مكانا يف منهاج‬
‫الدراسة إضافةً إىل العلوم الشرعية (‪.)Birışık, 2004, s. 18-9‬‬
‫لعل أهم شخص يف مذهب مدرسة اإلصالح يف شبه القارة اهلندية هو أمني أحسن اإلصالحي (املتوىف سنة‬
‫خترج وقام بوظيفة التدريس فيها مثل‬
‫‪ .)1997‬كان أمري أحسن يُذكر بلقب ”اإلصالحي” نسبة إىل املؤسسة اليت َّ‬

‫‪108‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ذكر أساتذة دار العموم للندوة بلقب ”الندوي”‪ .‬وإنه كان من بني مؤسسي اجلماعة اإلسالمية مع أيب احلسن‬
‫الندوي‪ ،‬وعمل يف جملس الشورى‪ ،‬وارتقى فيه إىل نيابة الرئيس‪ .‬وبعد ‪ 17‬عاماً (‪ )1958‬غادر اجلماعة بزعم أن‬
‫رئاسة املودودي جتعل نظام الشورى بدون أمهية‪.‬‬
‫اإلصالحي املدرسةَ أخذ طالبَه‬
‫ُّ‬ ‫كان اإلصالحي يقول بأن إصالح اجملتمع أهم من إصالح الدولة‪ .‬وعندما غادر‬
‫خالد مسعود اإلصالحي (املتوىف سنة ‪ )2003‬الذي ترأّس مجعية الطلبة التابعة للجماعة اإلسالمية‪ .‬وعقب ذلك‬
‫نشرها‬
‫أسس أمري أحسن مؤسسة غري سياسية باسم ”التنظيم اإلسالمي” وانتقد أفكار املودودي السياسية يف جملة َ‬
‫باسم ”امليثاق”‪َ .‬ووضع حجر أساس ”إدارة تدبر القرآن واحلديث” مع طالبه خالد مسعود‪ .‬وكان تفسري أمري أحسن‬
‫املشهور ”تدبر القرآن” نتاجاً عن تلك املؤسسة (‪ .)Birışık, 1999, s. 191-3‬وأما خالد مسعود فرتأس تلك اإلدارة‬
‫وأجرى فيه وظيفة رئاسة التحرير للمجلة الدورية ”التدبر” وكانت له مسامهات كبرية يف تأليف تفسري ”التدبر”‪.‬‬
‫خترج وحيد الدين خان يف‬‫موالنا وحيد الدين خان (املولود سنة ‪ )1925‬هو اسم مشهور آخر من نفس املذهب‪َّ .‬‬
‫مدرسة اإلصالح سنة ‪ 1944‬وتوظف يف فرع اهلند للجماعة اإلسالمية‪ ،‬وارتقى فيه إىل عضوية جملس الشورى‪.‬‬
‫وغادر اجلماعة يف ‪ 1962‬بأسباب مشاهبة‪ .‬فإنه كان يعتقد أن الكفاح السياسي للمودودي كان نتاجاً عن ردة فعله‬
‫ضد اإلمربيالية الغربية‪ ،‬وأنه كان عاجزاً عن سرد الغايات األساسية لإلسالم وتطبيقها‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬إنشاء‬
‫اقعي‪.‬‬
‫دولة مسلمة يف اهلند اليت يقل فيها املسلمون كان خياالً غري و ّ‬
‫فكرة وحيد الدين خان اليت ترمي إىل جتديد اجملتمع عامةً وجتديد األفراد خاصةً بدالً من فكرة اإلصالحية السياسية‬
‫تعامله مع هذا الكيان‪.‬‬
‫جعلته يقرتب من مجاعة التبليغ‪ .‬ولكن اعتياد التفكري قرآين املركز أدى إىل تقليص مدة ُ‬
‫تعصبهم للقيم التقليدية ومعارضتهم لالجتهاد وتطبيقهم‬
‫وكان من أسباب ترك وحيد الدين خان مجاعة التبليغ ُّ‬
‫للنصوص الفقهية التقليدية وموقفهم املعادي للحلول العقلية وعدم متكنهم من إنتاج احللول ملستجدات العصر‪.‬‬
‫كز اإلسالمي (‪ )Islamic Centre‬يف نيودهلي سنة ‪ ،1976‬وبدأ ينشر‬ ‫غادر خان مجاعة التبليغ يف ‪ ،1975‬وأسس املر َ‬
‫جملة باسم ”الرسالة” باللغة األردية‪ .‬ومت نشر إصدار اجمللة اخلاص باإلجنليزية سنة ‪ 1984‬وباللغة اهلندية سنة ‪.1990‬‬
‫جيب تسوية املسلم وغري املسلم‪ ،‬وتقدمي اإلسالم للناس باملستوى املتقدم الذي يفهمه كل مثقف‪ ،‬حسب وحيد‬
‫الدين خان‪ .‬إنه قال بوجوب العالقة التعددية والشاملة متشياً مع الظروف الدينية والسياسية واالجتماعية للهند‪.‬‬
‫وعلق أمهية على حماوالت احلوار بني األديان (‪.)ve sonrası Khan, 2010, s. 4‬‬

‫جاويد أمحد الغامدي املولود سنة ‪ 1951‬هو شخص معروف تغذى باملذهب اإلصالحي يف العامل اإلسالمي‬
‫اهلندي‪ .‬وقضى تسع سنوات يف اجلماعة اإلسالمية ومت طرده منها يف ‪ 1977‬بسبب انتقاداته الشديدة‪ .‬كان‬
‫الغامدي يعتقد أن الطلب األولوي لإلسالم هو ليس تأسيس نظام إسالمي سياسي‪ .‬وعلى املؤمنني هبذا الدين‬
‫أن يعبدوا اهلل حق عبادته‪ .‬ونزل الوحي لتحقيق هذه الغاية‪ ،‬واملسلمون مأمورون بتوصيل هذا األمر اإلهلي إىل‬
‫البشرية كلها‪ .‬ومن الواجب أن يدوم اجلو السلمي بدالً من اجلو الكفاحي الذي تريده النزعة اإلسالمية السياسية‪،‬‬
‫فنستطيع توصيل اإلسالم إىل الناس يف مثل هذه البيئة فقط‪ .‬يعتقد الغامدي أن اجلهاد غري ضروري إال إذا مل يكن‬
‫هناك حل آخر لرفع الظلم‪ .‬واجلهاد جتريه احلكومة فق ْط‪ .‬واألنشطة املسلحة لبعض اجلماعات ال ميكن وصفها‬
‫يصوب أبداً فعاليات احلركات مثل طالبان (‪.)İftihar, 2005‬‬
‫كجهاد‪ .‬هذه اآلراء تُظهر أن الغامدي ال ّ‬
‫‪109‬‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫أسس جاويد أمحد الغامدي معهد املورد للبحوث وينشر جمليت ”اإلشراق” و ”النهضة”‪ .‬وعلى الرغم من أن له‬
‫آراء وفتاوى حداثية إال أنه من غري املمكن أن نربطه باحلداثة اإلسالمية التباعه املنهج الفقهي التقليدي واكتفائه‬
‫به يف سد احلاجات احلديثة‪.‬‬
‫على الرغم من أن أهدافهما واحدة إال أن ندوة العلماء اقرتبت من الديوبندية التقليدية‪ ،‬واقرتبت مدرسة اإلصالح‬
‫من علي كارح احلداثي‪ .‬لكن كالًّ من هذين املذهبني مل يبتعد عن اإلصالحية الثقافية‪ ،‬ومل يتقيد بالنزعة التقليدية‬
‫أو احلداثة متاماً‪ ،‬وقد تسامح مع احللول احلديثة ولو بشكل احتياطي‪ ،‬ولكن حياول عدم املخالفة للقواعد التقليدية‪.‬‬

‫احملمدية‬
‫بالرغم من أن حركة احملمدية اإلندونيسية ال تُعرف يف العامل اإلسالمي إال أهنا من أكرب وأرسخ اجلماعات‬
‫للمسلمني‪ .‬مت إنشاء احملمدية يف جاوا سنة ‪ 1912‬من قِبَل أمحد داحالن (املتوىف سنة ‪ .)1923‬يف ذلك الوقت كان‬
‫النزر القليل من العلماء بادروا فوراً بسبب تكثُّف فعاليات التبشري‪ ،‬وتأثري احلضارة الغربية يف إندونيسيا املستعمرة من‬
‫هوالندا‪ .‬وإضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن التقاليد يف األديان االبتدائية ومبسامهة التصوف كانت تسبب تصرفات وأفكارا غري‬
‫ووضع حجر أساس حركة احملمدية‬ ‫صحيحة عند اجلماهري‪ .‬واقتضى ذلك محلة واسعة للحيلولة دون ذلك الفساد‪ُ ،‬‬
‫كذلك‪ .‬وكان اهلدف األساسي للجماعة تفسري القرآن والسنة يف ضوء مستجدات العصر‪ ،‬وتطوير مسؤوليات‬
‫األفراد املسلمني دينياً وأخالقياً‪ ،‬وتأليف جمتمع إسالمي مثايل‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬كانت الساحة الرئيسية للعمل‬
‫هي اخلدمات التعليمية والدينية‪.‬‬
‫أدرجت احملمدية إصالح مدرسيت ”بوندوق” و ”بسانرتان” الفعالتني يف املنطقة ضمن أهدافها‪ .‬ومت إدراج مواد‬
‫التاريخ واجلغرافيا والرياضيات والفيزياء وعلم األحياء ضمن منهاج الدراسة فضالً عن العلوم الدينية بغرض إخبار‬
‫ت مدارس خاصة بالفتيات‪ .‬ومت حتديث طراز التعليم على املقارئ ”بسانرتان”‬ ‫ودشِّنَ ْ‬
‫الطالب بالعامل احلديث‪ُ .‬‬
‫بالتعليم على املناضد‪ .‬ويف سنة ‪ 1938‬بلغ عدد فروع احملمدية ‪ 852‬وعدد األعضاء ‪ ،250.000‬وكانت ‪ 834‬مسجدا‬
‫و‪ 1774‬مدرسة يتم إدارته من قِبَل اجلماعة‪.‬‬
‫وكان من الدوافع املهمة لنموهم السريع جتنُّبهم للسياسة‪ .‬انفك ”سراقط إسالم” الكيان السياسي املوايل لالستقالل‬
‫عن اإلدارة االستعمارية بيد أن احملمدية كانت تواصل عالقاته باهلوالنديني للقيام بأنشطتهم بشكل مريح‪ ،‬وكانت‬
‫حتصل على دعم منهم يف بعض األحيان‪ .‬واعتَربت حركة سراقط إسالم موقف احملمدية تعاوناً مع العدو‪ .‬ومل تُغري‬
‫احملمدية هذه السياسة يف السنوات القادمة‪ ،‬واستمرت يف النمو يف عهد اجلنرال سوهارتو املستبد العلماين (‪-1967‬‬
‫وفضلت احملمدية دعم األحزاب املختلفة حسب الزمان والظروف على دعم حزب معني أو إنشاء حزهبا‬ ‫‪ّ .)1998‬‬
‫اخلاص‪ .‬وحرصت على فصل األحزاب اليت أسسها منتسبوها عن اهلوية األصلية للجماعة‪.‬‬
‫استخدمت احملمدية فرع النساء ”عائشية”‪ ،‬وكانت تريد الوصول إىل كل شرحية من اجملتمع بفعل مجعيات الطلبة‬
‫ودور األيتام‪ ،‬وقامت‬
‫والشباب والفنون القتالية ومعسكرات كشفية‪ .‬وبنت اجلماعة ُدور الفقراء واملطاعم الشعبية ُ‬
‫بإعمال املشايف والعيادات‪ .‬وبذلك متكنت من تأسيس العالقة بالقطاعات الشعبية العريضة‪ .‬وكانت اجلماعة‬

‫‪110‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫تساعد من أراد احلج وال ميلك املال الكايف‪ .‬واحملمدية هلا ‪ 8880‬شعبة و‪ 5000‬مدرسة لكل فئة عمرية من الناس‬
‫حسب أرقام سنة ‪ .2000‬وهلا ‪ 33‬مؤسسة جامعية‪ .‬ويُذكر أن عدد املنسوبني هلا يبلغ ‪ 30‬مليون شخص (انظر‬
‫‪.)Göksoy, 1996, s.115-169‬‬
‫إذا أخذنا كل هذه املعلومات بعني االعتبار فمن املمكن أن نقول إن احملمدية هي ثانية أكرب مجاعة دينية يف‬
‫إندونيسيا بعد ندوة العلماء اليت أوردناها‪ .‬وتبنت احملمدية خطاباً يهدف إىل تضعيف املذهبية خبالف ندوة‬
‫العلماء اليت تقول بضرورة تقليد مذهب من املذاهب األربعة السنية‪ .‬وتلوم احملمدية تقليدا متعصبا وترغب يف‬
‫انتشار االجتهاد وتُعارض أن حيل شيوخ التصوف حمل السلطة الدينية‪ .‬ورغم أن احملمدية ال تنكر الطرائق الصوفية‬
‫كاملةً إال أهنا تتشكك فيها دائما بسبب خلق اخلرافات والبدع بتأثري البوذية واهلندوسية‪ .‬كان الزعماء املؤسسون‬
‫للمحمدية قد تأثروا مبذهب ”املنار” لرشيد رضا وحممد عبده‪ ،‬وكانوا شجعاناً يف خمالفة التقاليد الدينية املستقرة‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬أخذوا يقرؤون خطبة العيد واجلمعة باللغة اإلندونيسية ال باللغة العربية كما كانت يف القدمي‪.‬‬
‫ومن املمكن اعتبار ذلك خطوة مفيدة من أجل تربية الناس رغم أن األوساط التقليدية اهنالت عليها نقدا‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫اإلصالحية الثقافية‬ ‫‪5‬‬


‫تعلُّم الطبيعة اخلاصة بالتيار اإلسالمي اإلصالحي‬
‫وخصائصه املشرتكة مث القدرة على املقارنة بينه‬
‫وبني غريه‬

‫اإلصالحيون يعتربون أن التخلف ليس يف العامل اإلسالمي‪ ،‬بل أن الفساد الذي يسبب هذا التخلف يف‬
‫اخلالصة‬

‫إدراك املسلمني للدين وسريهتم واملؤسسات الدينية والرتبوية ونظام الدولة وباختصار يف اجلمعية والسياسة‬
‫والفكر‪ .‬والتيار اإلصالحي يعمل على تصحيح كل هذه األشياء وحتسينها‪ .‬واألولوية للحفاظ على التوازن‬
‫بني العقل والنقل عند إنتاج احللول‪ .‬والتقاليد ال حيرتموهنا كل االحرتام وال ينتقدوهنا انتقادا شديدا‪ .‬الدينامية‬
‫منحى سياسي وثقايف ومن احملتمل أن تكون بينهما‬ ‫وعملية التأسيس مهمة للغاية عندهم‪ .‬ولإلصالحية ً‬
‫منافسة يف بعض األحيان‪.‬‬

‫اإلصالحية الثقافية‬ ‫‪5‬‬

‫التمكن من الشرح حول جماالت النشاط‬


‫لإلصالحية الثقافية‬

‫بعض احلركات اإلصالحية ترتكز على األعمال االجتماعية والثقافية وتبتعد عن الفعاليات السياسية بقدر‬
‫ما ميكن‪ .‬أطلقنا على هذا التيار ”اإلصالحية الثقافية” ‪.‬والكيانات اإلصالحية الثقافية هي كيانات ترتكز‬
‫على اإلنسان وهتدف إىل برنامج اإلصالح للمجتمع كله من الطبقة السفلى إىل العليا‪ .‬ويصلون إىل الطبقة‬
‫السفلى من اجملتمع بفضل الرتبية والتعليم‪ ،‬ومنظمات اجملتمع املدين واملساعدة اإلنسانية‪ ،‬ومجعيات رجال‬
‫األعمال‪ ،‬واجلمعيات واألوقاف اليت جتري نشاطات ثقافية‪ ،‬ومنظمات طالبية‪ .‬لكنهم حيتاجون إىل برنامج‬
‫أطول وأكثر تفصيالً يف ذلك‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫اإلصالحية الثقافية‬ ‫‪5‬‬


‫القدرة على املقارنة بني مناهج الدعوة والنشاط‬
‫يف مجاعة النور ومجاعة السليمانية كحركتني‬
‫إصالحيتني ثقافيتني‬

‫اعتمدت مجاعة السليمانية يف أعماهلا على املواد اللفظية بينما مجاعة النور اعتمدت على املواد املكتوبة‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك كانت جلماعة السليمانية طبيعة ريفية بينما مجاعة النور هلا طبيعة مدنية‪ .‬والطبقة السفلى‬

‫اخلالصة‬
‫يف مجاعة النور تتكون ممن هلم شهادات جامعية ويف مجاعة السليمانية تتكون ممن هلم شهادات ابتدائية‬
‫ومتوسطة‪ .‬لكن هذه االختالفات تصري قليلة يوماً بعد يوم من حيث املدنية والتعليم واحلداثة‪.‬‬

‫اإلصالحية الثقافية‬ ‫‪5‬‬

‫إنتاج الفكر حول أنشطة احلركات اإلصالحية‬


‫الكبرية يف آسيا‬

‫ندوة العلماء ومدرسة اإلصالح مها مؤسستان عريقتان للتعليم تنتهج األصول املدرسية يف شبه اجلزيرة اهلندية‬
‫مثل الديوبندية‪ .‬ومل تبق هاتان املؤسستان كمدرسة فحسب‪ ،‬بل حتولتا مذهبا حول األفكار واملواقف اليت‬
‫متثالهنا‪ .‬ومن الصحيح أن ندرجهما ضمن احلركات واملذاهب اإلصالحية ألهنما هتدفان إىل إصالح اجملتمع‬
‫وألن يف براجمهما آثارا حداثية وأهنما قد ظهرتا بديلتني للديوبندية‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أن كالًّ من هاتني‬
‫احلركتني يتخذ موقفا مبتعدا عن النزعة اإلسالمية السياسية وأهنما تشريان إىل االختالفات بني اإلصالحية‬
‫الثقافية والسياسية وتسردان أمثلة عليها‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫‪ 3‬ماذا كان اهلدف األساسي من تأسيس ندوة‬ ‫‪ 1‬أي اجلمل التالية خاطئة حول التيار اإلصالحي؟‬
‫العلماء يف البداية؟‬ ‫ينتقد الغرب واحلداثة‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫تنظيم احملاربني يف التمرد على اإلجنليز‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫الزعماء خرجيون يف التكايا واملدارس عادة‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫تشكيل وحدة ضد احلركات الشيعية‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫يتم تشجيع النساء على االشرتاك يف النشاطات‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫اخترب نفسك‬

‫الدفاع عن السنة واألحاديث ضد اهلجمات‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫يراعى احلفاظ على التوازن بني العقل والنقل‪.‬‬ ‫د ‪.‬‬
‫عليهما‪.‬‬ ‫ ‬ ‫التنظيمات تتميز بالتسلسل اهلرمي‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬
‫تشكيل مجعية ملساعدة اخلالفة العثمانية‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫التوحيد بني اجلماعات من خمتلف املذاهب‬ ‫ه ‪.‬‬
‫حتت سقف واحد‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪ 2‬ما هو أصح عبارة تبني موقف مجاعة النور من‬
‫السياسة؟‬
‫جيب احلصول على دعم من السياسة من دون‬ ‫أ‪ .‬‬
‫‪ 4‬من الشخص الذي نشأ يف مدرسة اإلصالح؟‬
‫التدخل فيها‪.‬‬ ‫ ‬
‫وحيد الدين خان‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫من مبادئ اجلماعة العضوية للحزب الذي‬ ‫ب‪ .‬‬
‫أبو احلسن الندوي‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫سيُدعم‪.‬‬ ‫ ‬
‫سعيد النورسي‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫اإلدالء بالصوت جائز‪ ،‬ولكن الدخول إىل‬ ‫ج‪ .‬‬
‫حممد إقبال‬ ‫د ‪.‬‬ ‫الربملان كفر‪.‬‬ ‫ ‬
‫أبو األعلى املودودي‬ ‫ه‪ .‬‬ ‫االشرتاك يف االنتخابات شرك‪.‬‬ ‫د ‪.‬‬
‫من الضروري أن تشكل اجلماعة حزهبا اخلاص‪.‬‬ ‫ه ‪.‬‬

‫‪ 5‬يف أي دولة إسالمية تقوم احملمدية بفعالياهتا؟‬


‫اجلزائر‬ ‫أ ‪.‬‬
‫باكستان‬ ‫ب‪ .‬‬
‫إندونيسيا‬ ‫ج ‪.‬‬
‫مصر‬ ‫د‪ .‬‬
‫إيران‬ ‫ه ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫إذا كان جوابك خطأ فأعد قراءة حبث ”ندوة‬ ‫‪ .4‬أ‬ ‫‪ .1‬ب إذا كان جوابك خطأ فأعد قراءة حبث ”الطبيعة‬
‫العلماء ومدرسة اإلصالح”‪.‬‬ ‫اخلاصة بالتيار اإلصالحي وخصائصه املهمة”‪.‬‬

‫مفتاح األجوبة لـ “اخترب‬


‫‪ .5‬ج‬ ‫إذا كان جوابك خطأ فأعد قراءة حبث ”مجاعة‬ ‫‪ .2‬أ‬
‫إذاكان جوابك خطأ فأعد قراءة حبث ”احملمدية”‪.‬‬
‫النور”‪.‬‬

‫إذا كان جوابك خطأ فأعد قراءة حبث ”ندوة‬ ‫‪ .3‬ه‬


‫العلماء ومدرسة اإلصالح”‪.‬‬

‫نفسك”‬
‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪5‬‬

‫اشرتاك النساء يف األنشطة أوسع يف اجلماعات اإلصالحية مقارنة باجلماعات‬


‫التقليدية‪ .‬حسب التيارات التقليدية ليس للمرأة دور إال دورها التقليدي‪ .‬وبناءً‬
‫على ذلك فإن دور املرأة يتعلق ببيتها وعلى رأسه تربية أوالدها‪ .‬لكن اإلصالحيني‬ ‫‪1‬‬ ‫جاء دورك‬
‫يهدفون إىل جعل املرأة املسلمة أكثر نشاطاً يف اجملتمع‪ .‬لذلك من الضروري أن‬
‫تتدخل املرأة اليت تضغط عليها القيم الدينية التقليدية مع الرجال يف حماولة اإلصالح‬
‫مباشرًة‪ .‬والفروع النسائية يف الكيانات اإلصالحية هلا دور مهم للغاية‪.‬‬

‫رحلة النورسي من أنقرة سنة ‪ 1923‬إىل وان وعزلته فيها بداية جديدة حلياته‪ ،‬وأطلق على‬
‫حياته القدمية اليت اهتم فيها بالسياسة اهتماما كبريا ”عهد السعيد القدمي”‪ ،‬وأطلق على‬
‫حياته القادمة اليت استفرغها للتدريس والتأليف ”عهد السعيد اجلديد”‪ .‬منهجه املسمى‬ ‫‪2‬‬ ‫جاء دورك‬
‫بتحويل اجملتمع بالتعليم الذي بدأ به عندما كان يف جبل أرك أصبح املنهج الرئيسي‬
‫جلماعة النور‪ ،‬والكتب اليت ألفها يف هذه الفرتة شكلت فلسفة مجاعة النور‪.‬‬

‫يوحد بني املاضي واملستقبل بقوله‪” :‬كان من‬ ‫يعرف الندوي ندوة العلماء بأهنا مذهب ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الواجب التوحيد بني املاضي واملستقبل‪ .‬واملاضي هو األصل ولكن كان جيب أن جنعله‬
‫أكثر وضوحاً بشكل يتماشى مع إدراك اجليل اجلديد ومستواه‪”.‬كانت هذه األقوال تبدي‬ ‫‪3‬‬ ‫جاء دورك‬
‫اختالف الرأي بني ندوة العلماء وبني النزعة التقليدية املدرسية‪ .‬ونتيجة لذلك مت إدراج‬
‫مادة اللغة اإلجنليزية ضمن منهاج الدراسة إضافة إىل اللغة العربية‪ ،‬وأُدرجت أيضاً مواد‬
‫اجلغرافيا والرياضيات والفيزياء والكيمياء ضمنه فضالً عن مواد العلوم اإلسالمية‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫اإلصالحية الثقافية‬

‫املصادر‬
Açıkgenç, Alparslan. (2008). “Said Nursi”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 35, s. 565-572.
Birışık, Abdülhamit. (1999). “Islâhî, Emin Ahsen”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 19, s. 191-3.
Birışık, Abdülhamit. (2006). “Nedvî, Ebü’l-Hasan”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 32, s. 515-8.
Birışık, Abdülhamit. (2004). “Hint Alt-Kıtasında İslam Araştırmalarının Dünü Bugünü: Kurumlar, İlmî
Faaliyetler, Şahıslar, Eserler”, Divan, 17/2, s. 1-62
Göksoy, İsmail Hakkı. (1996). “Endonezya’da Çağdaş İslam Düşüncesi ve Muhammediyye Hareketi”, Süleyman
Demirel Ü. İlahiyat Fakültesi Dergisi, c. 3, s. 115-169.
Iftihar, Asif. (2005). “Jihad and the Establishment of Islam’s Global Order: A Comparative Study of the
Interpretative Approaches and World Views of Abu al-A’la Mawdudi and Javed Ahmad Ghamidi”, ‫رسالة‬
‫دوكتوراه غري مطبوعة‬, Mc Gill University.
Kirman, Mehmet Ali. (2006). “Süleymancılık: Ortaya Çıkışı, Gelişim Evreleri ve Günümüzdeki Durumu”,
Demokrasi Platformu, c. 6, s. 151-180.
Metcalf, Barbara D. (1982). Islamic Revival in British India: Deoband, 1860-1900, New Jarsey.
Nedvî, Ebu’l-Hasan. (2010). “İslam’ın Yorumunun Siyasi Istılahlara, Sadece Siyasi Hedeflere Boyun Eğdirilmesi
Uygun Değilidir”, haz. Muhammed Hayr R. Yusuf, Nida Dergisi, sayı: 144, s. 37-45.
Nursî, Said. (1999). Sikke-i Tasdîk-i Gaybî, İstanbul: Yeni Asya Neşriyat.
Öngören, Reşat. (2012). “Tunahan, Süleyman Hilmi”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 41, s. 375-7.
Özcan, Azmi. (2006). “Nedvetü’l-Ulemâ”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 32, s. 514-5.
Sitembölükbaşı, Şaban. (1995). Türkiye’de İslam’ın Yeniden İnkişafı (1950-1960), Ankara.
Wahiduddin Khan, Maulana. (2010). Jihad, Peace and Inter-Community Relations in Islam, editör ve
İngilizce’ye çev. Yogindar Sikand, New Delhi.

116
‫الوحدة السادسة‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫األهداف‬
‫عند إمتام هذه الوحدة ميكنك‪:‬‬
‫ بيان ساحات جهود اإلصالح السياسي وحركاته‪.‬‬
‫ تفسري سبب استشعار احلاجة لإلصالح السياسي‪.‬‬
‫ إعطاء فكرة حول الظروف االجتماعية والسياسية احمليطة جبماعة اإلخوان املسلمني‪.‬‬
‫ املقارنة بني حركات اإلخوان املتنوعة يف العامل العريب من حيث املنهج واألصول‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫السياسة‬ ‫ ‬
‫الدولة‬ ‫ ‬
‫اإلخوان املسلمني‬ ‫ ‬
‫القطبيون (التيار القطيب)‬ ‫ ‬
‫اجلهاد‬ ‫ ‬

‫‪118‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املدخل‬
‫أيضا اإلسالم السياسي يقصد به برنامج إصالحي يبدأ من رأس‬ ‫إن مفهوم اإلصالح السياسي والذي يطلق عليه ً‬
‫اهلرم إىل القاعدة‪ ،‬وذلك على عكس اإلصالح الثقايف؛ إذ أن الغاية األصلية من اإلصالح السياسي هو حتقيق‬
‫أهداف اإلصالح اجملتمعي من خالل التحكم بنظام الدولة أو التمتع بصالحيات احلكومة ذات السلطة‪ ،‬مما‬
‫يتاح حلركة اإلصالح السياسي الوصول إىل أهدافها باستعمال صالحياهتا يف هيئات الدولة املختلفة كالتعليم‪،‬‬
‫والعدالة‪ ،‬والتمويل‪ ،‬وغريها‪ .‬ومعلوم أن السري على هذا النهج يتطلب إىل جانب اهليئات املدنية اليت يستخدمها‬
‫معظم اإلصالحيون الثقافيون أدوات سياسية كاألحزاب والنقابات‪ ،‬أو قوة عسكرية مقاومة لالستعمار األجنيب‬
‫من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تسعى من خالهلا للوصول هبا لسدة احلكم وذلك ألجل حتقيق غايات وأهداف‬
‫اإلصالح السياسي‪ .‬كما أن املؤسسات والفعاليات املدنية اليت ينشغل هبا أهل اإلصالح الثقايف هي مهمة وذات‬
‫أيضا لدى أصحاب اإلسالم السياسي؛ إذ أنه يتوجب ألجل اإلحكام بالدولة من القاعدة اجلماهريية‬ ‫فاعلية ً‬
‫أيضا العمل واالنشغال مبثل هذه املؤسسات والفعاليات املدنية‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أن أكثر االنتقادات املوجهة‬
‫ً‬
‫حلركات اإلصالح السياسي شيوعا هي اهتامهم بتطويع الدين ألجل السياسة؛ رغم أهنم يسعون لتحقيق غايات‬
‫الدين باألدوات السياسية‪ ،‬كما قيل بأن ممثلي هذا التيار قدموا اإلسالم على أنه أيدلوجية سياسية فحسب وذلك‬
‫على حد زعمهم‪.‬‬
‫ويعترب موضوع البدايات اليت من شأهنا حتقيق اإلصالح واحدة من أهم مواضيع اجلدال يف وسط التيارات‬
‫اإلصالحية‪ ،‬وقد تناول هذا احلال الشاعر حممد عاكف يف أبياته اليت عكست الفروقات املنهجية البارزة يف طريقة‬
‫أستاذ وتلميذه كعلمني مؤسسني من أعالم النهضة اإلسالمية ومها‪ :‬مجال الدين األفغاين‪ ،‬وتلميذه حممد عبده‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫حممد عبده‪ ،‬أستاذ مصر املبدع؛‬
‫بأي طريقة مع مجال الدين دار حديثه‪:‬‬
‫قال األفغاين لتلميذه ”استمع يا حممد!‬
‫أريد ثورة عاجلةً‪ ،‬ال أريد شيئًا سواها‪.‬‬
‫لو فكرنا (نظريا) يف املستقبل فلن ننهض بإسالمنا‪،‬‬
‫ال تظن أنه يصار بالنظريات إىل ٍ‬
‫شيء‪...‬‬
‫وال تصغي إىل أن تلك الرباهني تزدهر!‪”...‬‬
‫‪(....‬األبيات القادمة على لسان عبده)‪....‬‬
‫”ال شبهة أستاذي؛ فإن للحق مسوحة‪،‬‬

‫‪119‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫لنذهب إىل ٍ‬
‫مكان ما‪ ،‬بل إىل سوداننا؛‬
‫فنؤسس مدرسة جديدة للعربان‪،‬‬
‫ولنجد ثالثة أو مخسة أيضا من خرية اجملاهدين‪،‬‬
‫ولننشغل بتهذيب النسل وإعالئه‪.‬‬
‫وخنرج من هناك للعامل اإلسالمي كافةً‬
‫نسل شيخي مجال الدين”‪.‬‬
‫‪(.....‬مث ينتقل باحلديث على لسان األفغاين)‪.....‬‬
‫يوما”‬
‫”هو ذا‪ ،‬لكن األمر يستغرق عشرين عاما وال أرى ذلك سهال‪ ،‬فانظر لعمل يسغرق عشرين ً‬
‫(‪.)Ersoy, 2007, s. 402‬‬

‫فبالنظر إىل ما أوردته هذه األبيات الشعرية جند أن منهجية اإلمام حممد عبده اليت تعتمد على مشاريع اإلصالح‬
‫الثقايف واالجتماعي طويلة األمد مل تكن جمدية يف نظرية اإلمام األفغاين واليت تعتمد على مشاريع اإلصالح‬
‫السياسي؛ إذ أن اإلمام األفغاين الذي يهدف إىل ثورة باقية لتغيري اجملتمع كان مبدأ اعرتاضه على منهجية اإلمام‬
‫غبده أهنا طويلة األمد‪ .‬ونشري هنا بعد مرور قرن تقريبا على هؤالء األعالم إىل ما دار يف ذاكرة أستاذ العلوم‬
‫اإلسالمية خري الدين كرمان من حوار مشابه ملا تقدم‪ ،‬وكان خطابه هذه املرة موجها إىل قائد حركة من حركات‬
‫اإلصالح السياسي (حركة الرؤية الوطنية) الربوفيسور جنم الدين أربكان وذلك خالل حديثهما حول مسألة ما‪،‬‬
‫أيضا بدورنا العلمي والتعليمي فإننا بذلك مجيعا نكون يف‬
‫فقال له‪...” :‬أنتم بقيامكم بنشاطكم السياسي وحنن ً‬
‫نفس طريق الدعوة؛ فهدفنا واحد وإن اختلفت طرقنا‪ ،”..‬فأجابه أربكان رمحه اهلل بقوله‪:‬‬
‫”إذا قدَّر اهلل لنا يف االنتخابات القادمة هبذا العدد من نواب الشعب وأصبحت زمام األمور بأيدينا فلن ترى‬
‫يف اسطنبول بعد ستة أشهر أي امرأة تتجول بلباس شفاف‪ ،‬وأنا أعدكم بذلك يف ستة أشهر‪ ،‬أما أنتم فسوف‬
‫جمد ٍ‬
‫تليد‪ ،‬وأنتم تدعون‬ ‫تستمرون لسنوات‪ ،‬وحىت أنكم تدعون إىل جهد ال هناية له حمددة‪ .‬إنين أدعوكم إىل جهاد ٍ‬
‫إىل تقشري البطاطس والبصل خلف ميدان اجلهاد!”‪)Karaman, 2008, c. 2, s. 242-3( .‬‬

‫إن جزءًا مهما من حركات اإلصالح السياسي كحركة الرؤية الوطنية يف تركيا برجمت نفسها على اجلدل السياسي‬
‫طويل األمد وذلك بالطرق القانونية‪ ،‬ومل تنتهج طرق العنف طوال تلك املدة‪ .‬ومن ذلك مجاعة اإلخوان املسلمني‬
‫رسوخا‪ ،‬حيث هلا امتدادات يف معظم البلدان العربية‪ ،‬وتعترب‬
‫اليت تعد أكرب اجلماعات يف الوطن العريب وأعمقها ً‬
‫شامل لباقي احلركات اليت تشبهها يف املنهج واهلدف يف عاملنا اإلسالمي‪.‬‬
‫منوذجا ً‬
‫ً‬

‫‪120‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫اإلخوان املسلمون‬
‫تأسست مجاعة اإلخوان املسلمني بقيادة األستاذ حسن البنا يف مدينة اإلمساعيلية مبصر عام ‪1928‬م‪ ،‬وكان اإلمام‬
‫مشتغل بعلم احلديث رغم أن مهنته‬ ‫ً‬ ‫البنا قد ولد يف قرية احملمودية من أعمال البحرية عام ‪1906‬م‪ ،‬وكان والده‬
‫نافعا على األبواب ملسند اإلمام أمحد بن حنبل مساه ”الفتح الرباين” ليسهل االنتفاع‬
‫األصلية ساعايت‪ ،‬فعمل ترتيبًا ً‬
‫به‪ ،‬وقد ترعرع على يد أبيه ومعلميه وأخذ عنهم اللغة العربية وحضر عندهم الدروس الدينية‪ ،‬مث أمت تعليمه املتوسط‬
‫يف مدرسة حديثة‪ ،‬وتابع تعليمه إىل أن أمت تعليمه العايل من كلية دار العلوم وحصل على إجازة يف التدريس‪ ،‬وكان‬
‫خالل تلك املدة قد انتسب للطريقة احلصافية إحدى فروع الطريقة الشاذلية‪ ،‬وأسس هيئات عدة كجمعية األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬ومجعية الشبان املسلمني‪ ،‬وأحيانا يكون عضوا فاعال يف بعضها‪ .‬كل هذه الفعاليات‬
‫وهو يف عمر الشباب مما أكسبه ذلك جتارب هامة يف طريق الدعوة اإلسالمية‪.‬‬
‫كان أول تعيني لألستاذ حسن البنا كمعلم يف مدينة اإلمساعيلية‪ ،‬فبدأ أعمال الدعوة يف املساجد واملقاهي‪،‬‬
‫وهناك أسس مجاعة اإلخوان املسلمني هبذا االسم لتشويق الناس للعمل الدعوي املنظم‪ ،‬وتشكلت آنذاك اهليئة‬
‫التأسيسية وعددهم سبعة والذين عقدوا البيعة مع اهلل لنصرة الدعوة اإلسالمية طوال حياهتم حىت املمات‪ ،‬وانتخبوا‬
‫ئيسا عليهم‪ .‬مث تطورت اجلماعة سر ًيعا يف السنوات األوىل من نشأهتا وانتقل املركز العام للجماعة‬ ‫اإلمام البنا ر ً‬
‫إىل القاهرة عام ‪1933‬م وذلك بفضل انضمام العديد من املؤسسات واهليئات الشبابية إىل اإلخوان‪ ،‬كما افتتحت‬
‫اجلماعة العديد من املدارس‪ ،‬واملساجد‪ ،‬واملراكز الصحية والنوادي يف كثري من األحياء‪ ،‬مما أتاحت هذه النوادي‬
‫أيضا وفرت مساحة صغرية‬ ‫أماكن جيدة للتعارف‪ ،‬واللقاءات‪ ،‬واحلوارات‪ ،‬والنقاشات‪ ،‬والقراءة‪ ،‬ويف نفس الوقت ً‬
‫أيضا العديد من ورش العمل املختلفة اليت وفرت فرص العمل‬ ‫لألنشطة الرياضية املختلفة‪ .‬وأسست اجلماعة ً‬
‫أيضا موردا اقتصاديا ملؤسساهتا التابعة هلا‪ ،‬كما نشرت العديد من اجملالت والصحف‪،‬‬‫للشباب العاطلني‪ ،‬وحققت ً‬
‫وكانت تنظم باستمرار الربامج الثقافية والعلمية اليت تستهدف الطالب والعوام‪ ،‬وكذلك األنشطة الفاعلة اليت تثري‬
‫اهتمام الشباب كاملخيمات الصيفية املميزة‪ .‬وإىل يومنا احلاضر فقد سار العديد من حركات اإلصالح يف العامل‬
‫اإلسالمي على خطى هذه اجلماعة‪ ،‬وتبعوا هنجهم‪ ،‬واقتفوا أثرهم يف األنشطة والفعاليات‪ ،‬مما أتاح ذلك فرصة‬
‫االنتشار والتوسع هلم يف العامل‪.‬‬
‫عرف اإلمام حسن البنا مجاعة اإلخوان املسلمني بأهنا دعوة سلفية‪ ،‬وطريقة سنّية‪ ،‬وحقيقة صوفية‪ ،‬وهيئة‬ ‫وقد َّ‬
‫سياسية‪ ،‬ومجاعة رياضية‪ ،‬ورابطة علمية وثقافية‪ ،‬وشركة اقتصادية‪ ،‬وفكرة اجتماعية‪( .‬البنا‪ ،1965 ،‬ص ‪.)250-248‬‬
‫ووف ًقا هلذا التعريف فإنه من العجيب أن جتتمع يف هذه اجلماعة الطريقة السلفية والصوفية‪ ،‬لكن سلفية البنا ختتلف‬
‫عن نظريهتا الوهابية وال عالقة هبا‪ ،‬فهي تأيت يف إطار التمسك باألصول الدينية كما يفهم من التعريف الذي أتبع‬
‫فيه ذكر السلفية الدعوة الصوفية؛ إذ أنه يقصد بالدعوة السلفية العودة للمنبع األول القرآن والسنة‪ ،‬بل العودة‬
‫أكثر للمنهج القرآين كمنهجية مدرسة حممد عبده ورشيد رضا‪ ،‬أما الدعوة الصوفية فيقصد هبا أهنا منبع الرتبية‬
‫الروحية‪ ،‬وألهنا يف نفس الوقت مرتبطة بالدعوة السلفية فإن الطرق الصوفية املبتدعة من العادات ومنقطعة عن‬
‫النصوص الشرعية مردودة‪ ،‬كما أن اإلخوان كجماعة إصالحية فإهنا تريد دعوة الناس إىل ظاهر اإلسالم وباطنه‬
‫باجتاه معتدل متوازن‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫وعودة على التعريف السابق لإلخوان جند فيه مساحة ملفاهيم العلم والفكر والثقافة واليت هي ضرورة يف تشكيل‬
‫قاعدة الوعي لدى رجل الدعوة‪ ،‬أما من حيث كوهنا مجاعة رياضية فذلك رمز للعمل والقوة واملثابرة‪ ،‬وكوهنا شركة‬
‫اقتصادية للداللة على أن االقتصاد لدى مجاعة اإلخوان عنصر ال ميكن إغفاله‪ ،‬وللتذكري بأنه يدخل يف كل مساحة‬
‫من حياة الدعوة اإلسالمية‪ ،‬وكوهنا هيئة سياسية فهي النقطة األصلية املهمة يف تشكيل اجلماعة‪ ،‬وهي النقطة‬
‫الفارقة اليت متتاز فيها مجاعة اإلخوان عن تيارات اإلصالح الثقايف‪ ،‬وقد َّبي اإلمام البنا املميزات اليت توضح طبيعة‬
‫اجلماعة عن غريها هبذه العبارات‪:‬‬
‫”اإلسالم عبادة وقيادة‪ ،‬ودين ودولة‪ ،‬وروحانية وعمل‪ ،‬وصالة وجهاد‪ ،‬وطاعة وحكم‪ ،‬ومصحف وسيف‪ ،‬ال‬
‫ينفك واحد من هذه عن اآلخرين”‪( .‬البنا‪ ،1981 ،‬ص‪)277‬‬
‫ومنذ التأسيس‪ ،‬جاهبت مجاعة اإلخوان املسلمني االستعمار االجنليزي على مصر وقاومته لنيل االستقالل التام‪،‬‬
‫مث ما لبست اجلماعة أن كانت هدفًا للملكية املصرية اليت مل تكن بعد قد حتررت من ثوب االستعمار الربيطاين‪،‬‬
‫وكان آنذاك حزب الوفد املصري وهو حزب سياسي ليربايل شعيب معارض للملكية ومل ينسجم اإلمام البنا ورفاقه‬
‫امتدادا لفكر االستعمار االجنليزي‪ُ ،‬ومنعوا‬
‫ً‬ ‫مع سياسات هذا احلزب الذي كان بنظرهم يتبىن سياسات منحرفة‬
‫من حماوالت الرتشح يف انتخابات النواب كبديل سياسي عن هذا احلزب لعام ‪ 1942‬وكذلك ‪1945‬م‪ .‬ويف احلرب‬
‫العاملية الثانية مرت بريطانيا بأوقات عصيبة دفعتها إلقناع مصر ألن تكون حليفتها يف احلرب‪ ،‬وخالل تلك املدة‬
‫شددت من مواقفها جتاه اإلخوان الذين كانوا يقاوموهنا‪ ،‬فتعرض وقتها اإلمام البنا ورفاقه ملدامهات عدة وزجوا هبم‬
‫يف السجون مر ًارا‪.‬‬
‫أيضا كانت قضية فلسطني تشغل مساحة مهمة من نشاط اإلخوان‪ ،‬وكما هو معلوم فإن االجنليز‬ ‫ويف تلك األعوام ً‬
‫كانوا هم الداعم األكرب لالحتالل الصهيوين يف فلسطني ولذلك كان يُنظر لقضية فلسطني واالستعمار الربيطاين‬
‫ملصر بأهنما وجهان لعملة واحدة‪ ،‬فكان اإلخوان املسلمني إىل جانب مناهضة االستعمار يف خمتلف الساحات‬
‫االجتماعية والثقافية والسياسية فإهنم أسسوا عام ‪” 1940‬النظام اخلاص” كتنظيم سري عسكري‪ ،‬وشارك املتطوعون‬
‫من أعضاء اإلخوان املسلمني على اجلبهات يف مقدمة الوحدات العسكرية العربية اليت واجهت إسرائيل يف حرب‬
‫‪1948‬م‪ ،‬وكان اإلخوان حيرضون يف مصر وخمتلف البلدان العربية على جهاد اليهود‪ ،‬مما أقلق هذا الوضع االجنليز‬
‫فأعلنت احلكومة االجنليزية مجاعة اإلخوان املسلمني كجماعة خارجة عن القانون وذلك يف شهر نوفمرب من عام‬
‫‪1948‬م‪ .‬وبعد ذلك استمر البنا ورفاقه بالعمل حتت اسم هيئة الشبان املسلمني اليت أسسوها آنذاك‪ ،‬إىل أن مت‬
‫اغتيال اإلمام البنا يف ‪ 12‬من شباط لعام ‪1949‬م بعد إطالق الرصاص جتاهه من قبل االستخبارات املصرية كما‬
‫تبني بعد ذلك‪ ،‬فلم ينج من اجلروح اخلطرية اليت تعرض هلا وفارق احلياة على إثرها‪.‬‬
‫كان اإلمام البنا يسعى لتحقيق غايات ارتآها ضرورة إلصالح األحوال السيئة اليت كانت تعصف بالعامل اإلسالمي‪،‬‬
‫وأول هذه الغايات تأسيس دولة إسالمية إلحقاق القيم الدينية واألخالقية يف احلياة‪ ،‬مث حتقيق االحتاد اإلسالمي‬
‫بإقامة خالفة إسالمية‪ ،‬وألجل بلوغ هذه الغايات كان البد من التخلص من كافة أشكال األنظمة االستعمارية‬
‫ودعاوى القومية يف البلدان اإلسالمية‪ ،‬حيث كانت الشعوب اإلسالمية اليت تنتظر اخلالص من ذلك يف حالة‬
‫ضعف جتاه الدين من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى اتصاهلا باحلضارة الغربية يتنامى؛ ولذلك كان لز ًاما توعية هذه‬
‫‪122‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫مبين على أساس أن الدين يشتمل كافة أمور احلياة‪ ،‬وقد جعل اإلمام البنا‬
‫الشعوب حبقيقة اإلسالم واعتماد منهج ٍّ‬
‫أصول ثالثة لتحقيق هذه الغاية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ً‬
‫العلم حبقيقة القرآن وصحيح السنة أهنما املصدران الرئيسيان يف اإلسالم‪ ،‬وتوعية املؤمنني ملواجهة البدع واخلرافات‬
‫الدخيلة على اإلسالم‪.‬‬
‫اجلمع بني احلقيقة السابقة وحقيقة صالحية اإلسالم لتلبية احتياجات النهضة املعاصرة‪.‬‬
‫إنزال أحكام الشريعة اإلسالمية على الواقع‪ ،‬والسري حنو هذا اهلدف السياسي (غامن‪ ،1997 ،‬ص‪.)308‬‬
‫وبعد وفاة اإلمام البنا توىل املرشد حسن اهلضييب (ت‪ )1973.‬قيادة اإلخوان املسلمني‪ ،‬وقد استمرت الفعاليات‬
‫يف عهده وف ًقا هلذه األصول‪ ،‬ويف عام ‪1952‬م كان اإلخوان املسلمني على رأس الداعمني حلركة الضباط األحرار‬
‫اليت قامت بثورة ناجحة ضد نظام امللك وأعقبها إعالن اجلمهورية‪ ،‬لكن دخل اإلخوان مرة أخرى يف مواجهة‬
‫الدولة إثر ما قام به أحد قيادات الثورة مجال عبد الناصر باحلكم الدكتاتوري‪ ،‬وإدارته للدولة على أساس القومية‬
‫واالشرتاكية‪ ،‬ذلك بأن اإلخوان يرغبون حبكم إسالمي يف مصر‪ ،‬وعلى إثر ذلك قام عبد الناصر سنة ‪1954‬م بتوجيه‬
‫ضربة لإلخوان أدت العتقال ما يقرب من أربعة آالف شخص منهم وعلى رأسهم مرشد اإلخوان‪ ،‬وحظر تنظيم‬
‫اإلخوان مرة أخرى‪ ،‬وصدرت أحكام اإلعدام يف ستة من قيادات اإلخوان من بينهم األستاذ اهلضييب‪ ،‬مث خفف‬
‫احلكم عن اهلضييب إىل مؤبد وأعدم الباقون وكان من بينهم الفقيه الدستوري الكبري عبد القادر عودة‪.‬‬
‫وقد استغرق األمر بعض الوقت لتستجمع اإلخوان املسلمني قواها بعد ضربة ‪1954‬م‪ ،‬لكن اإلشكالية األهم اليت‬
‫كانت تعصف بني عناصر اإلخوان الذين خرجوا من سجون عبد الناصر هي االختالف إىل حد كبري يف طبيعة‬
‫أصول املقاومة اإلسالمية؛ إذ أهنم رغبوا يف إعادة النظر بنهج اإلخوان الوسطي والتوافقي يف املقاومة وفقا ملنهج‬
‫األستاذ اهلضييب مقابل التنكيل الذي كانوا يتعرضون له يف سجون مصر وظروفها القاسية‪ .‬وقد استدعى هذا األمر‬
‫حماسبات وجمادالت يف أصول املقاومة وطرق الوصول للحكم‪ ،‬وكان من بني ذلك أصواتًا فردية أو جمموعات من‬
‫اإلخوان صدحت بالتكفري‪ ،‬فلمع يف هذا الوسط اسم سيد قطب يف تلك املرحلة‪.‬‬

‫سيد قطب والتطرف‬


‫ولد سيد قطب عام ‪1906‬م ببلدة أسيوط الواقعة يف مشال مصر‪ ،‬وخترج كما اإلمام البنا من مدرسة املعلمني مث من‬
‫كلية دار العلوم‪ ،‬والتحق يف احلركات الطالبية وكانت ميوله الفكرية يسارية‪ ،‬ويف مرحلة شبابه تعرف على مفكر‬
‫مصر وشاعرها املشهور عباس حممود العقاد (ت‪1964.‬م) مما أثر ذلك عليه ولرمبا كان ذلك سببا مليوله األدبية‬
‫وبزوغ امسه بشكل سريع يف احمليط األديب ببالده‪ ،‬وبعد أن خترج من اجلامعة التحق مبهنة التدريس يف مدرسة ابتدائية‬
‫متاما عنه عام ‪1945‬م‪.‬‬
‫ملدة ستة سنوات تقريبًا‪ ،‬وكان وقتها انتماؤه السياسي حلزب الوفد والسعديني حىت انفك ً‬
‫ويف عام ‪1948‬م ابتُعث سيد قطب ضمن هيئة إىل أمريكا للقيام بأحباث علمية‪ ،‬وقد استمرت هذه البعثة مدة‬
‫صارما للغرب‪ ،‬مما دفعه ذلك لاللتحاق‬
‫عامني كانت بداية حتوله الفكري والسياسي‪ ،‬وعاد من أمريكا مناهضا ً‬

‫‪123‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫بقيادة حركة الضباط األحرار ذات التوجه القومي االشرتاكي‪ ،‬وساندهم يف ثورهتم سنة ‪1952‬م‪ ،‬وكان آنذاك من‬
‫أيضا جبماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬حىت إنه‬
‫الدائرة احمليطة جبمال عبد الناصر‪ ،‬ويف نفس الوقت كان على عالقة ً‬
‫توسط حلل النزاعات واالختالفات اليت طرأت بني عبد الناصر واإلخوان لكنه مل ينجح‪ ،‬وعلى إثر ذلك أعلن‬
‫بوضوح صفه مع اإلخوان وانضم إليهم عام ‪1953‬م‪ ،‬وتوىل قيادة قسم نشر الدعوة يف التنظيم آنذاك‪.‬‬
‫كان الرئيس املصري عبد الناصر قد تعرض حملاولة اغتيال سنة ‪1954‬م اهتم فيها قيادة اإلخوان‪ ،‬وعلى إثرها اعتُقل‬
‫سيد قطب ورفاقه من قيادة اإلخوان‪ ،‬ومكث يف السجن عشر سنني كتب فيها تفسريه املشهور ”يف ظالل‬
‫مرجعا ألصحاب الفكر‬ ‫القرآن”‪ ،‬وبعد إخالء سبيله عام ‪1964‬م ألف كتابه (معامل يف الطريق) والذي يعتربه البعض ً‬
‫وحكم عليه باإلعدام‬ ‫أيضا بتفعيل تنظيم اإلخوان‪ُ ،‬‬
‫مته ًما ً‬
‫اإلسالمي املتشدد‪ ،‬فسيق بسببه إىل السجن مرة أخرى َ‬
‫فعل كبرية من خمتلف بلدان العامل اإلسالمي َّإل إنه مل ينفعه‬
‫شن ًقا عام ‪1965‬م‪ .‬ورغم أن هذا احلكم واجه ردة ٍ‬
‫ودفن ومل يعرف‬‫شيء من ذلك ونُـفِّذ حكم اإلعدام يف أغسطس عام ‪1966‬م دون أدىن اعتبا ٍر لرود الفعل تلك‪ُ ،‬‬
‫له قرب‪)Görgün, 2009, s. 64-8( .‬‬

‫ملطالعة حياة وفكر سيد قطب يُنظر كتاب‪ :‬سيد قطب من امليالد إىل االستشهاد لصالح عبد‬
‫الفتاح اخلالدي‪1991 ،‬م‪ ،‬وكتاب‪ :‬سيد قطب‪ :‬خالصة حياته‪ ،‬منهجه يف احلركة‪ ،‬النقد املوجه إليه‪،‬‬
‫حملمد توفيق بركات‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫وقد كان سيد قطب رمحه اهلل يصنف اجملتمعات إىل جمتمعات مؤمنة وأخرى جاهلية‪ ،‬فمجتمع املسلمني هو اجملتمع‬
‫الذي يتوجه فيه الناس لعبادة اهلل وحده‪ ،‬وإقامة شريعته‪ .‬أما جمتمع اجلاهلية فهو على النقيض جمتمع ال ينصاع‬
‫للعقيدة اإلسالمية‪ ،‬وال ينسجم مع فكر‪ ،‬وأحكام‪ ،‬وأخالق‪ ،‬وسلوك الشريعة‪ .‬وهذا اجملتمع يكون التعامل معه‬
‫بالدعوة واجلهاد‪ ،‬ولكي يتحقق ذلك فال بد أوال من مجاعة ترفع لواء اجلهاد ملواجهة تلك اجلاهلية‪ ،‬حبيث تكون‬
‫هذه اجلماعة قائمة على أساس التوحيد‪ ،‬متجردة من كل أنواع الكفر والشرك‪ ،‬جهادها وفق منهج رباين‪ ،‬تقتفي‬
‫أثر جهاد األنبياء السابقني كما ذكر يف القرآن الكرمي‪ .‬وهذا املنهج الذي تتبناه اجلماعة ال بد أن يسري بالتضحيات‬
‫وال حيمل يف طياته وعودات دنيوية‪ ،‬فهو خالص لوجه اهلل‪ ،‬وأوىل أولوياته جماهبة اجملتمعات اجلاهلية بال تنازل‬
‫ألنظمتها‪ ،‬وكما أن الدين منبعه رباين فإن منهج العمل به ال بد وأن يكون وفق الطريقة اإلهلية دون صرف النظر‬
‫عن ذلك للوصول إىل دار اإلسالم‪ .‬ولتوضيح هذا املنهج ألف قطب رمحه اهلل كتابه معامل يف الطريق ليكون ز ًادا‬
‫للرواد يف سفرهم الطويل والشاق لتحقيق أهداف اجلهاد والدعوة‪.‬‬
‫ويالحظ أن سيد قطب قد استقل فكريا عن اإلمام البنا يف بعض احملاور املهمة‪ ،‬فهو يعترب اجملتمع الذي خياطبه‬
‫جمتمعا ”جاهليا” وإن كانت تركيبته من املسلمني‪ ،‬كما يعتقد بأنه من اللهو السعي لتأسيس حكومة إسالمية قبل‬

‫‪124‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫تأسيس اجملتمع بعقيدة التوحيد‪ ،‬وحىت لو تغريت اإلدارة احلاكمة فإن جاهلية اجملتمع ستبقى يف استمرار‪ .‬ومن‬
‫اجلدير بالذكر أن هذه املفاهيم اليت كان يستعملها سيد قطب مل يستخدمها اإلمام البنا من قبل مثل‪ :‬جمتمع‬
‫اجلاهلية‪ ،‬ودار اإلسالم‪ ،‬ودار احلرب‪ .‬كما أن مسار اجلهاد يف فكر البنا كان موجها ضد املستعمرين والصهاينة‬
‫على غري املسار الذي تبناه سيد قطب والذي كان موجها ضد أنظمة الطاغوت واجلاهلية‪ ،‬وهلذا فإن الفكر‬
‫السياسي لدى اإلمام البنا يتبلور ضمن أحزاب ومجعيات ومجاعات سياسية أما األفكار اليت يطرحها سيد قطب‬
‫فيناسبها أكثر نظام التشكيالت السرية‪( .‬الورداين ‪ ،1988‬ص‪.)90-88‬‬
‫بعضا منهم كسجناء إسالميني‬
‫ونظرا ملا تعرض له اإلخوان من تعذيب وبطش شديد يف سجون النظام فقد دفع ً‬ ‫ً‬
‫للتعاطف مع املفاهيم املتطرفة وذلك حتت تأثري وضعهم النفسي ملا وجدوه من قهر يف السجون‪ ،‬ففسروا أفكار‬
‫سيد قطب بأبعاد مل يكن يعنيها‪ ،‬وطردوا من اإلخوان كل متهم بالتصاحل مع النظام‪ ،‬وسجلوا على اهلامش مواقفهم‬
‫املتشددة واإلقصائية‪ ،‬وجترد بعضهم من اجملتمعات اليت اعتربوها جمتمعات جاهلية‪ ،‬فهجروا مساجدها‪ ،‬وتركوا‬
‫مدارسها‪ ،‬واستقالوا من وظائف الدولة اليت تقلدوها‪ ،‬وبعضهم جلأ إىل أعمال التفجري واخلطف االغتيال‪ ،‬وهناك‬
‫من أسس مجاعات وحركات على هذا النهج مثل احلركة األكادميية اليت أسسها د‪ .‬صاحل سرية (ت‪1974.‬م)‪،‬‬
‫ومجاعة التكفري واهلجرة أسسها املهندس الزراعي شكري مصطفى (ت‪ ،)1978.‬وتنظيم اجلهاد الذي أسسه‬
‫املهندس الكهربائي عبد السالم فرج (ت‪ )1982.‬والدكتور الطبيب أمين الظواهري‪ ،‬واجلماعة اإلسالمية اليت أسسها‬
‫العامل األزهري د‪ .‬عمر عبد الرمحن (ت‪ ،)2017.‬والذي حكم عليه بالسجن املؤبد يف سجون أمريكا بتهمة فتواه‬
‫الصادرة جملموعة إسالمية هامجوا على إثرها مركز التجارة العاملي يف نيويورك بالقنابل سنة ‪1993‬م‪ ،‬وكان هذا العمل‬
‫مادة لألخبار اليت مت تداوهلا إثر تفجريات ‪ 11‬أيلول ‪.2001‬‬

‫لالطالع على مرجع مهم تناول موضوع نشأة التيارات اإلسالمية املتطرفة يف مصر يُنظر كتاب‪ :‬احلركة‬
‫اإلسالمية يف مصر رؤية واقعية ملرحلة السبعينات‪ ،‬ملؤلفه صاحل الورداين‪1986 ،‬م‪.‬‬

‫وميكن القول بأن املنظمات واجلماعات املتطرفة هي ترمجة عملية ألفكار سيد قطب جمتمعة مع الفكر اإلقصائي‬
‫منوذجا للسلفية‬
‫وحرفية النصوص النابع من فكر السلفية‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل أنه من اخلطأ اعتبار سيد قطب ً‬
‫التقليدية؛ إذ أن قطب رغم عدم إنكاره لألحاديث إال إنه كان يرتدد يف قبول بعض األحاديث املعارضة حلقائق‬
‫الوحي‪ ،‬فمن ذلك‪ :‬ملَّا أورد يف تفسريه احلديث الذي يروي حادثة سحر النيب  وهو صحيح اإلسناد َّ‬
‫رده‬
‫ٍِ ِ‬
‫اضرةٌ * إِ َل ربـِّها نَ ِ‬
‫اظَرةٌ” (القيامة‪:‬‬ ‫ََ‬ ‫لتعارضه مع صفات النبوة‪ ،‬وكذلك عند تفسريه لقوله تعاىل‪ُ ” :‬و ُجوهٌ يـَْوَمئذ نَ َ‬
‫‪ ،)23-22‬مل يتطرق مطل ًقا للحديث املشهور يف رؤية اهلل‪ ،‬بل أتى على عكس ما أورده احلديث بأن النظر‬
‫يكون بالقلب وليس بالعينني‪ .‬هذه األمور ومثلها من املواضيع احلساسة لدى السلفية التقليدية دفعت بسلفية‬
‫السعودية لزعمهم بانتساب سيد قطب للصوفية فيما يراه من عقيدة احللول ووحدة الوجود‪ ،‬وللجهمية بسبب‬

‫‪125‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫تعطيله الصفات اإلهلية واعتقاده باجلرب يف القدر‪ ،‬وللمعتزلة يف إنكاره الرؤية‪ ،‬ولألشعرية يف تأويله النصوص‬
‫أيضا أنه‬
‫املتشاهبة‪ ،‬وللرافضية يف سرده قناعات سلبية حول سيدنا عثمان ومعاوية رضي اهلل عنهما‪ ،‬وزعموا ً‬
‫بتجديده األفكار الباطلة اليت طُويت على مر األزمان يكون قد أتى مبوبقات عظيمة على عقيدة أهل السنة‬
‫حسب ادعائهم‪( .‬املدخلي‪ ،‬ص‪.)14-6‬‬
‫ومن ناحية أخرى ساهم فكر سيد قطب بشكل كبري يف خدمة تيار السلفية اجلهادية‪ ،‬فقد شكلت لديهم مفاهيم‬
‫قيما مهمة لديهم‪ ،‬والذي اعتمد يف توضيحهما‬ ‫اجلهاد ودار اإلسالم الواردة يف تفسريه ويف كتابه معامل يف الطريق ً‬
‫على أفكار ابن تيمية وتلميذه ابن القيم‪ ،‬كما أن املفاهيم اليت أوردها كمجتمع اجلاهلية‪ ،‬واملنهج الرباين‪ ،‬ومجاعة‬
‫رواد التوحيد‪ ،‬ورثها السلفيون عنه كمصطلحات لديهم‪ ،‬حىت أن بعض السلفيني غالوا يف تفسريها على حن ٍو‬
‫سلخها من مفهومها األصلي؛ إذ أن مفهوم اجملتمع اجلاهلي شكل لديهم قاعدة تكفري عامة‪ ،‬ومصطلح دار‬
‫عذرا العتزال الناس‪ ،‬أما مفهوم ”املنهج الرباين” ألهنم مل يعايشوه فقد غادروا التيارات‬
‫اإلسالم ودار الكفر خلق هلم ً‬
‫اإلسالمية الرئيسية كاإلخوان املسلمني‪ ،‬وبالنظر ملفهوم مجاعة رواد التوحيد وأهنم كقيادة للجماعة يف موق ٍع خنبوي‬
‫متاما‪.‬‬
‫أدى هبم العتزال الناس‪ ،‬أما مفهوم اجلهاد لديهم فيعتمد على الطرق اإلرهابية ً‬

‫‪1‬‬

‫ماذا تقولون يف سيد قطب ودوافع التطرف النفسية واالجتماعية احمليطة به؟‬

‫وبالنسبة لقيادة اإلخوان املسلمني فقد دخلت يف صراع فكري حملاربة أفكار التطرف واإلقصاء الدائرة حول سيد‬
‫قطب‪ ،‬إذ أن املرشد الثاين لإلخوان حسن اهلضييب ألف كتابه املشهور ”دعاة ال قضاة” للرد على هذا النوع من‬
‫ردا على مفهوم اجملتمع‬
‫األفكار اجلالبة للضرر‪ ،‬واخلارجة عن إطار فكر اإلمام البنا وجهاده‪ .‬وقد شكل كتابه هذا ًّ‬
‫أيضا على ما ساقه املودودي يف كتابه ”املصطلحات‬‫اجلاهلي عند سيد قطب يف كتابه ”معامل يف الطريق”‪ ،‬وجوابًا ً‬
‫منتقدا منهج خماطبة‬
‫األربعة يف القرآن” من أفكار مشاهبة‪ ،‬ووضح فيه أسلوب الدعوة األساسي لإلسالم عند البنا‪ً ،‬‬
‫الناس على أساس التشكيك يف إمياهنم واحلكم عليهم مبؤمن‪ ،‬ومنافق‪ ،‬وكافر‪.‬‬
‫أما املرشد الثالث لإلخوان عمر التلمساين والذي تزعم اإلخوان يف الفرتة ما بني ‪ ،1986 – 1972‬فقد أعلن بوضوح‬
‫إدانة اإلخوان املسلمني من كل أفكار وأعمال اجلماعات املتطرفة اليت تستعمل العنف يف منهجها‪ ،‬حىت أنه انتقد‬
‫بلغة حادة ما قام به تنظيم اجلهاد يف مصر باغتيال الرئيس املصري أنور السادات عام ‪1981‬م‪ ،‬مشبها مقتله مبقتل‬
‫سيدنا عثمان اهلل عنه‪ ،‬مما عاب على اإلخوان اجلماعات اإلسالمية املتطرفة وغريها من اجلامعات اليت تنبذ العنف‬
‫هذا النقد احلاد‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫اإلخوان بعد عام ‪1980‬م‬


‫إن املبدأ الذي أعلنه املرشد عمر التلمساين ”العمل من خالل الكلمات” جعل فارقًا بني اإلخوان املسلمني‬
‫واجلماعات املتطرفة (‪ ،)Kepel, 1992, s. 173‬وهذا كله مل يدفع دولة مصر لتليني موقفها املعتاد جتاه اإلخوان‪،‬‬
‫زجت بكثري من أعضاء مجاعة اإلخوان بالسجون إثر حادثة اغتيال السادات‪ ،‬ورغم العالقة اجليدة اليت‬ ‫بل إهنا َّ‬
‫أسسها السادات مع اإلخوان يف السبعينات رغبة منه يف طي صفحة عبد الناصر السياسية يف تعامله مع اإلخوان‬
‫إال أن هذا احلال مل يدم؛ لعدم مساحه مبنح الصبغة القانونية لتنظيم اإلخوان‪ .‬كما أن السادات وقع على فتوى‬
‫موته يوم أن وقع على معاهدة السالم مع إسرائيل عام ‪1978‬م‪ ،‬والذي بطبيعة احلال عارضته اإلخوان ورفضت هذه‬
‫املعاهدة‪ ،‬مث بعد وفاة السادات توىل رئاسة الدولة حسين مبارك وأعلن التزامه مبعاهدة السالم هذه ممَّا تسبب هذا‬
‫الوضع بعدم حتسن العالقة بني اإلخوان والدولة‪.‬‬
‫ويف الثمانينيات خطى اإلخوان خطوات اسرتاتيجية للتحرر من القيود اليت كانت عليها‪ ،‬حيث حتالف اإلخوان مع‬
‫األحزاب املعارضة لدخول الربملان كما فعلوا مع حزب الوفد‪ ،‬ويف تلك األعوام حىت لو مل يسجلوا جناحا مهما إال‬
‫أهنا كانت جتربة مهمة ملا بعدها من األعوام‪ ،‬ففي عام ‪ 2005‬جنحوا يف كسب ‪ 88‬مقعد يف الربملان حتت مسمى‬
‫حركة الكفاية‪ ،‬وشكلوا قوة حقيقية آنذاك‪ ،‬لكن ألن النظام مل يكن نظاما دميقراطيا مل يهيَّأ لإلخوان فرصة جيدة‬
‫لتحقيق غاياهتم‪ ،‬ومع ذلك فقد حققوا مكاسب سياسية مهمة يف انتخابات االحتادات‪ ،‬والنقابات‪ ،‬وجمالس‬
‫الطلبة يف اجلامعات‪ ،‬وحازوا على األغلبية املطلقة يف هذه االنتخابات برتشيحهم أعضائهم احلقيقيني باسم‬
‫اإلخوان‪ ،‬كما أن شعارهم ”اإلسالم هو احلل” الذي انطلقوا من خالله خلدمة األحياء والقرى جعل هلم قاعدة‬
‫شعبية مهمة للتنظيم‪ ،‬لكن مل تنقطع مالحقتهم وزجهم يف السجون من قبل الدولة‪ ،‬ومن اجلدير بالذكر أنه مهما‬
‫زاد تأثري الدولة على اإلخوان إال أهنم كانوا يأخذون بكل األسباب للمضي قدما دون الرجوع للوراء‪.‬‬
‫ومنذ عام ‪ 2000‬ووصوال إىل عام ‪ 2011‬مل تنجح كل جهود اإلخوان يف تشكيل حزب سياسي مستقل‪ ،‬إىل أن‬
‫انطلقت ثورة ‪ 25‬يناير ‪ 2011‬واليت كان لإلخوان نصيبا مهما يف جناحها‪ ،‬وأسسوا على إثرها حزب احلرية والعدالة‬
‫ألول مرة منذ ستني عاما من احلظر‪ ،‬وخاضوا االنتخابات الربملانية عام ‪ 2012-2011‬وحصلوا على أعلى األصوات‬
‫من بني األحزاب األخرى بنسبة ‪ ،%46‬مث يف عام ‪ 2012‬خاضوا االنتخابات الرئاسية وفاز مرشح احلزب د‪ .‬حممد‬
‫مرسي برئاسة اجلمهورية‪ ،‬لكن بعد ذلك قام مرسي بعزل قائد اجليش ووىل مكانه اجلنرال عبد الفتاح السيسي‬
‫والذي قاد انقالبا عسكريا لإلطاحة بالرئيس يف ‪ 3‬يوليو ‪ 2014‬وزج به يف السجن‪ .‬وعلى إثر ذلك جتمع أنصار‬
‫اإلخوان ومؤيديهم يف امليادين ملدة أسابيع رفضا لالنقالب وحماولة منهم إلعادة الشرعية إال أن اجليش مبعاونة‬
‫الشرطة قاموا بفض هذه امليادين باستخدام قوة مفرطة مما أدى ذلك إلزهاق أرواح املئات منهم‪ ،‬وإخراج من تبقى‬
‫بالقوة من تلك امليادين اليت جتمعوا فيها‪ ،‬وأُعلن جمددا تنظيم اإلخوان تنظيما حمظورا‪ ،‬وحكم على مرشد اإلخوان‬
‫واملئات من عناصرهم باإلعدام وسنوات طويلة من احلبس الشاق بتهمة ارتكاب أعمال عنف يف البالد‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ما تقييمك لدور اإلخوان املسلمني يف ثورة يناير ‪2011‬م من حيث التضحيات واملكتسبات؟‬

‫‪127‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫ومن اجلدير بالذكر أن أساسيات عضوية تنظيم اإلخوان وآلية أعماله رغم اإلصالحات اليت متت مع مرور الوقت‬
‫على قوانينه ولوائحه إال إنه مل يطرأ أي تغيري أساسي يف عملية دخول التنظيم أو يف مدة الصعود للقيادة‪ .‬فالعضوية‬
‫يتم احلصول عليها خبطوتني رئيسيتني؛ إذ أنه على العضو املرشح للتنظيم إمضاء املدة املعلومة حبالة جيدة‪ ،‬ويف تلك‬
‫املدة يتم تقييم أعماله املكلف هبا ما إذا قام هبا على أكمل وجه أم ال‪ ،‬فإذا كان تقييمه مالئما لعضوية التنظيم‬
‫فإنه يرتفع إىل عضو أصلي يف التنظيم حبلفه للقسم‪ .‬كما أن املنتسبني لإلخوان يدفعون جزءًا من مرتباهتم للتنظيم‪،‬‬
‫ويتولون مهام تناسبهم‪ ،‬وحيصلون على حقهم يف االنتخاب والرتشيح وفقا للتسلسل التنظيمي‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل‬
‫أن تنظيم اإلخوان له أجسام مهمة يف خمتلف احلقول كاملرأة‪ ،‬والطالب‪ ،‬واملوظفني‪ ،‬والعمال‪ ،‬واملزارعني‪ ،‬والتجار‪،‬‬
‫ودور النشر‪ ،‬والرياضة‪ ،‬والعالقات اخلارجية‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والدعوة‪ ،‬واإلعالم‪ .‬ويعترب مكتب اإلرشاد العام‪ ،‬ويليه جملس‬
‫الشورى مها أعلى هيئتان يف اختاذ القرارات داخل اإلخوان‪ ،‬وهذه اهليئات هي من تنتخب املرشد العام كقائد‬
‫وحدِّدت فرتة واليته ستة سنوات‬‫لإلخوان‪ ،‬وكانت يف السابق مدة واليته متتد لوفاته لكن يف سنة ‪ 1990‬تغري األمر ُ‬
‫قابلة للتجديد بعد انتخابه مرة أخرى‪.‬‬

‫اإلخوان حول العامل‬


‫تعترب تنظيمات اإلخوان خارج مصر يف خمتلف البلدان العربية هي تنظيمات مستقلة يف إدارهتا وقيادهتا رغم مبايعتها‬
‫للتنظيم األم باملضي على نفس املبادئ‪ ،‬ويطلق على قائد اإلخوان يف تلك البلدان‪( :‬املراقب العام)‪ ،‬واستعملت‬
‫تنظيمات اإلخوان اليت أسست يف بعض البلدان نفس االسم (اإلخوان املسلمني) كما يف فلسطني وسورية والعراق‪،‬‬
‫أما يف البلدان األخرى مثل‪ :‬تونس واملغرب واليمن فكانت حتظى بروح الدعوة‪ ،‬وعلى الرغم من استقالليتها يف‬
‫اهليكل التنظيمي وعدم تبعيتها لإلخوان إداريا إال أهنا اعتمدهتا ودعمتها‪)Görgün, 2000, s. 583-6( .‬‬
‫‪1945‬‬ ‫إخوان سورية‪ :‬يعترب إخوان سورية التنظيم األهم لإلخوان يف البلدان العربية‪ ،‬حيث تأسس رمسيا عام‬
‫كتنظيم سياسي ثوري على يد مؤسسه د‪ .‬مصطفى السابعي (ت‪ )1964.‬والذي خترج من األزهر وكان على مقربة‬
‫من إخوان مصر وشارك بنفسه يف فعاليات التنظيم آنذاك‪ ،‬مث ملا كان عميدا لكلية الشريعة جبامعة دمشق أسس‬
‫رابطة (شباب حممد) عام ‪ 1941‬واليت اعتربت نواة تنظيم اإلخوان يف سورية‪ ،‬وقد ألف السباعي كتابه ”اشرتاكية‬
‫اإلسالم” والذي نشر عام ‪ 1959‬وسلط من خالله الضوء على انسجام االشرتاكية مع اإلسالم‪ ،‬ودافع فيه عن‬
‫حقوق القرويني والعمال‪ ،‬وكان معارضا دائما للتيارات اليسارية العلمانية اجملاهبة للدين‪.‬‬
‫أيضا معاملة باملثل كما يف مصر‪ ،‬ويف‬
‫ويف فرتة الوحدة املصرية السورية عام ‪1961 – 1958‬م‪ ،‬مت حظر إخوان سورية ً‬
‫عام ‪ 1963‬آلت حكومة سورية حلزب البعث فتم حظرهم جمددا‪ ،‬وكان مرشد اإلخوان يف سورية يف فرتة الستينات‬
‫والسبعينيات عصام العطار‪ ،‬والذي مل ترق سياسته املعتدلة لشعب اإلخوان يف بعض املدن السورية كحلب‬
‫ومحاة‪ ،‬ولذلك تشكلت قيادات جديدة يف تلك املدن‪ ،‬ففي حلب توىل قيادة اإلخوان الشيخ عبد الفتاح أيب‬
‫غدة (ت‪ ،)1997.‬والشيخ مروان حديد (ت‪ )1976 .‬يف محاة‪ ،‬وقد كان الشيخ أيب غدة عاملا يف احلديث أزهريا‬
‫ترك سورية عام ‪ 1967‬وأمضى بقية حياته يف السعودية مدرسا يف كلية الشريعة هناك‪ ،‬أما الشيخ مروان حديد‬
‫فهو مهندس زراعي سار على طريقة سيد قطب وهنج نظام الصراع األكثر تشددا‪ ،‬فأسس جناحا مسلحا مركزه‬

‫‪128‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫يف محاة أطلق عليه (الطليعة املقاتلة) وذلك يف الستينيات قام من خالله بتنفيذ اغتياالت لشخصيات مهمة يف‬
‫حزب البعث انتقاما ملا ارتكبوه خالل حكمهم إثر خوضهم انقالبا عسكريا تزعمه حافظ األسد املنتسب للطائفة‬
‫العلوية‪/‬النصريية ذات األقلية يف سورية حيث تبلغ نسبتهم ‪ %12‬من بني الشعب السوري‪ .‬وقد قبض عليه وتويف‬
‫يف سجون النظام‪ ،‬وهبذا شكلت أعمال مروان حديد ضد النظام يف الفرتة ما بني ‪ 1982 - 1976‬نوا ًة لتمرد األخوان‬
‫على النظام فيما بعد‪.‬‬
‫أسست قيادة اإلخوان آنذاك متمثلة بـ‪ :‬عدنان سعد الدين (ت‪ ،)2010.‬مع حممد البيانوين‪ ،‬وسعيد حوى اجلبهة‬
‫اإلسالمية السورية واليت انطلقت حتت لوائها أعمال التمرد لألغلبية السنية ضد األقلية البعثية العلوية‪/‬النصريية‪،‬‬
‫وقد أشعلت محاة هليب الثورة ودعمتها بالسالح إىل جانب االضطرابات واملظاهرات يف الشوارع‪ ،‬مما نتج عن‬
‫ذلك احلادثة املأساوية اليت ارتكبها نظام البعث وسجلها التاريخ‪” :‬جمزرة محاة”‪ .‬ففي شباط من عام ‪ 1982‬اهنالت‬
‫القنابل على مركز الثورة محاة جوا وبرا‪ ،‬ومات على إثر ذلك ‪ 20 – 10‬ألف إنسان بسبب تلك القنابل‪ ،‬وهاجرت‬
‫قيادة اإلخوان من سورية‪ ،‬فبعضهم ذهب إىل أوروبا من أصحاب الفكر املعتدل‪ ،‬أما أصحاب الفكر املتعصب‬
‫فقد ذهبوا إىل العراق واألردن لتجديد أعمال القتال مرة أخرى‪ ،‬وكان من بينهم العامل اإلسالمي سعيد حوى‬
‫(ت‪ )1989.‬املعروف مبؤلفاته يف تركيا‪ ،‬ونظرا لدعم اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية حلليفها حزب البعث السوري‬
‫خالل فرتة التمرد فقد أدى ذلك لوقوف احلركات اإلسالمية السنية وعلى رأسها اإلخوان على مسافة من إيران‪.‬‬
‫ففي أثناء احلرب العراقية اإليرانية ألف الشيخ سعيد حوى كتابه ”اخلمينية” وكان وقتها مقيما بالعراق‪ ،‬متهما فيه‬
‫قائد الثورة اإلسالمية اخلميين بالكفر‪ ،‬ووف ًقا إليه فإن إطالق تسمية ”إسالمية” على الثورة حمض خداع؛ إذ أن‬
‫اهلدف منها القضاء على ُسنِّية العامل اإلسالمي وإحالل الشيعة مكان السنة‪( .‬ينظر‪ :‬حوى‪.)1987 ،‬‬
‫ونظرا لوجود مجيع قيادات اإلخوان خارج البالد خالل الثورة السورية اليت بدأت عام ‪2011‬م باعتبارها جزءا من‬ ‫ً‬
‫ثورات الربيع العريب‪ ،‬وبسبب ابتعادهم عن سورية لسنوات طويلة فلم يكن هلم مسامهة فعالة يف اإلطار العسكري‬
‫للثورة‪ ،‬إال أن وجودهم يف مكونات العمل املدين يعترب أهم ركيزة مستمرة خلربهتم التارخيية يف مواجهة نظام األسد‪.‬‬
‫إخوان العراق‪ :‬يعترب الشيخ األزهري حممد حممود الصواف (ت‪ )1992 .‬مؤسس تنظيم اإلخوان يف العراق عام‬
‫‪ 1948‬باسم (األخوة اإلسالمية) وذلك يف بلدته املوصل‪ ،‬مث توسعت شعب اإلخوان يف اخلمسينيات بشكل غري‬
‫رمسي لكنها امتدت لعموم العراق‪ ،‬فكان هلم وجود يف العاصمة بغداد‪ ،‬ويف مشال العراق كالسليمانية وإربيل‪ ،‬ويف‬
‫اجلنوب يف احملافظات الشيعية مثل كربالء والنجف‪ ،‬حىت مت تأسيس حزهبم السياسي (احلزب اإلسالمي العراقي)‬
‫عام ‪ .1960‬لكن عندما تولت احلكومة اليسارية القومية زمام احلكم يف العراق معلنةً بذلك انتهاء احلكم امللكي‬
‫أيضا حبظر هذا احلزب عام ‪1961‬م‪ ،‬واستمر احلظر أيضا يف عهد حزب البعث عندما صعد لسدة احلكم‬ ‫قامت ً‬
‫عام ‪1968‬م‪ ،‬ويف بداية السبعينيات اضطر احلزب للعمل بسرية تامة أمام محالت االعتقال اجلماعية آنذاك‪.‬‬
‫وقد استمرت فرتة احلظر ‪ 40‬عاما تقريبًا حىت سقوط حزب البعث عام ‪ ،2003‬وبعد أن رفع احلظر رتب احلزب قائمته‬
‫السياسية يف مدة قصرية وقرروا خوض االنتخابات عام ‪ ،2005‬وقد أدان تنظيم القاعدة يف العراق مشاركة اإلخوان‬
‫يف االنتخابات وكان هذا التنظيم قد بدأ نشاطه يف العراق منذ الغزو األمريكي عام ‪ 2003‬ملقاومة الوجود العسكري‬
‫األمريكي يف العراق‪ ،‬وقد شكلت األحزاب السياسية السنية وعلى رأسها احلزب اإلسالمي العراقي ائتالفًا باسم‬
‫‪129‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫(جبهة التوافق)‪ ،‬وشاركوا يف تشكيل احلكومات العراقية ذات األغلبية الشيعية؛ إذ أن احلزب الذي يقاوم الوجود‬
‫العسكري احملتل يعارض من حيث املبدأ تقسيم العراق الحتادات شيعية وسنية وكردية‪ ،‬ويدافع عن عراق موحد‪.‬‬
‫وتعترب شخصية املؤسس الصواف شخصية عامل مفكر مثل مؤسس اإلخوان يف سورية الشيخ السبيعي‪ ،‬وطوال فرتة‬
‫قيادته إلخوان العراق كان على صراع دائم بني اهليئات والساسة االشرتاكيني‪ ،‬فهو على عكس رفيق دربه وصديقه‬
‫املقرب الشيخ السباعي الذي ألف كتابه ”االشرتاكية يف اإلسالم” لتدعيم رأيه؛ إذ إنه كان معارضا لوجود أي‬
‫عالقة بني اإلسالم واالشرتاكية‪ .‬وكان الصواف رمحه اهلل قد أسس وحدة عسكرية من عناصر اإلخوان يف العراق‬
‫دورا مهما يف مواجهة‬‫ملواجهة القوى الصهيونية يف فلسطني‪ ،‬وكانت من األمهية مبكان حيث أتاحت لإلسالميني ً‬
‫االحتالل الصهيوين‪ .‬ويف عام ‪ 1960‬انتقلت قيادة اإلخوان يف العراق للعامل اإلسالمي الفقيه الربوفيسور عبد الكرمي‬
‫زيدان (ت‪ )2014.‬والذي استمر يف القيادة إىل أن اضطر إىل ترك البالد عام ‪ ،1992‬وقد كان عاملا له اعتبار يف‬
‫العامل اإلسالمي لغزارة إنتاجه العلمي والفكري‪.‬‬
‫ويف كردستان العراق بدأت اجلهود السياسية املشرتكة مع اإلخوان بتأسيس (االحتاد اإلسالمي الكردستاين) عام‬
‫‪1994‬م والذي أسسه صالح الدين هباء الدين وقد كان معلما آنذاك‪ ،‬ويواصل احلزب فعالياته كأقوى حزب‬
‫سياسي مشال العراق بعد حزيب برزاين وطالباين‪.‬‬
‫إخوان األردن‪ :‬يعترب احلاج عبد اللطيف أبو قورة (ت‪ )1967.‬مؤسسا جلماعة اإلخوان يف األردن‪ ،‬فمنذ الثالثينيات‬
‫انطلقت فعالياهتم حتت غطاء بعض األوقاف األردنية إىل أن مت توحيدها مجيعا عام ‪ 1945‬باسم مجعية اإلخوان‬
‫املسلمني‪ ،‬وملا اندلعت احلرب بني اجليوش العربية ودولة االحتالل اإلسرائيلي عام ‪ 1948‬شارك عدد مهم من بني‬
‫صفوف اإلخوان يف اجلهاد ضد العدو‪ .‬مث ترأس مجاعة اإلخوان األردنية املراقب العام الثاين حممد عبد الرمحن خليفة‬
‫عاما ما بني ‪ ،1994-1953‬وقد أسس (حزب العمل اإلسالمي) الذراع‬ ‫(ت‪ ،)2006.‬والذي امتدت فرتة رئاسته ‪ً 41‬‬
‫السياسي لإلخوان عام ‪ ،1992‬وقد اختار احلزب مرشحيه يف االنتخابات األردنية من مستقلني معظمهم مدعومني‬
‫من القبائل‪ ،‬حيث كانت قائمتهم السياسية هويتها األيدلوجية معلومة‪ ،‬وبذلك استطاعوا جلب نسبة كبرية من‬
‫األصوات لصاحلهم السيما يف مراكز املدن‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن قيادات اإلخوان كأيب قورة‪ ،‬وخليفة‪ ،‬ومن بعدهم كانت عالقتهم مع ملوك األردن اهلامشيني‬
‫عالقة مد وجزر‪ ،‬فإذا كان اإلخوان يف مصر والبلدان العربية األخرى يعيشون حالة اضطهاد مع دوهلم ومن ٍع‬
‫لفعالياهتم فإن إخوان األردن يتمتعون لفرتات طويلة حبماية العائلة اهلامشية‪ ،‬ويقومون بأنشطتهم بدون أي ازعاج‪،‬‬
‫لكن يف بعض األحيان كانوا يتعرضون للمالحقة واحلظر بسبب معارضتهم بشدة على الدوام املعاهدات اليت‬
‫وقعتها األردن مع دولة االحتالل اإلسرائيلي وحماوالت التطبيع معهم‪ ،‬وتنظيمهم للمظاهرات املناهضة يف امليادين‬
‫والشوارع‪ ،‬إضافة لدعمهم حركة محاس احملظورة يف األردن؛ إذ أن قضية فلسطني يف مقدمة أولويات إخوان األردن‬
‫بل هي قضية حمورية عند اإلخوان عموماً باعتبارها ”قضية إسالمية أكثر من كوهنا سياسية”‪.‬‬
‫إخوان فلسطني‪ :‬وفقا لبعض املصادر فإن بداية تاريخ اإلخوان يف فلسطني يعود إىل عهد احلاج أمني احلسيين‬
‫(ت‪ )1974.‬املفيت األعلى للقدس‪ ،‬والذي تزعم املقاومة الفلسطينية ضد االحتالل الربيطاين مث االحتالل الصهيوين‬

‫‪130‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫نصب‬‫دوما يتم استشارهتا والعمل معها‪ ،‬لكن مل يُ َّ‬


‫على أرض فلسطني‪ ،‬وكان احلسيين بالنسبة للبنا واإلخوان رمزية ً‬
‫احلسيين يف يوم ما كرئيس جلماعة اإلخوان يف فلسطني بشكل رمسي‪ ،‬ويشار إىل أن أول شعبة افتتحها اإلخوان‬
‫كانت يف القدس عام ‪ 1945‬على يد حسن البنا‪ ،‬وجعل عليها زوج ابنته سعيد رمضان (ت‪ )1995.‬للقيام مبهام‬
‫وتكاليف اإلخوان‪ ،‬مث بلغت عدد الشعب التابعة لإلخوان يف فلسطني ‪ 25‬شعبة عام ‪ 1947‬دون أن يكون إلخوان‬
‫فلسطني رئيسا مستقال كإخوان سورية والعراق‪ ،‬وإمنا كانت إدارة اإلخوان يف فلسطني تتم من القاهرة مباشرة‪،‬‬
‫وكانت كال من غزة والضفة الغربية والشرقية مرجعيتها واحدة‪ ،‬مث ملا أصبحت الضفة الغربية تتبع إداريا لألردن عام‬
‫‪ 1950‬واصلت غزة لوحدها تطوير وإدارة تنظيم اإلخوان فيها‪.‬‬
‫كان الشيخ أمحد ياسني من مؤسسي اإلخوان يف قطاع غزة؛ ففي عام ‪ 1973‬قاموا بتأسيس اجملمع اإلسالمي‪،‬‬
‫حيث قاموا من خالله بتقدمي خدمات صحية ملخيمات الالجئني يف غزة‪ ،‬وجلب املساعدات اإلغاثية للفقراء‪،‬‬
‫وتعليم الشباب األخالق والدين عرب جذهبم للنوادي الرياضية احمللية‪ ،‬كما قام الشيخ أمحد ياسني وستة من رفاقه‬
‫بتأسيس حركة املقاومة اإلسالمية محاس واليت انطلقت خالل االنتفاضة األوىل (‪ )1991 - 1987‬هبدف مقاومة‬
‫االحتالل الصهيوين‪ ،‬ويف فرتة زمنية وجيزة استطاعت محاس بدعم اجلماهري بأن تكون تنظيما شامال ألجندات‬
‫سياسية واجتماعية وثقافية‪ ،‬مث يف عام ‪ 1992‬متكنت محاس من تشكيل جناحها العسكري الذي أطلقت عليه‬
‫كتائب عز الدين القسام حيث كان له دور مهم يف االنتفاضة الثانية (‪ ،)2005 - 2000‬وعلى إثر ذلك قامت‬
‫إسرائيل باغتيال قائد محاس الشيخ أمحد ياسني مث اغتالت بعده بـ‪ 26 :‬يوم قائدها الثاين د‪ .‬عبد العزيز الرنتيسي‬
‫عام ‪ ،2004‬كما جتدر اإلشارة إىل أن الشيخ عز الدين القسام (ت‪ )1935.‬الذي حتمل الكتائب امسه هو جماهد‬
‫أزهري استشهد خالل مقاومته لالحتالل الربيطاين واالستيطان الصهيوين على أرض فلسطني‪.‬‬
‫ويف الوقت الذي ختوض فيه محاس مواجهات مع العدو فإنه من جانب آخر عاشت محاس مشاكل كبرية مع حركة‬
‫فتح شريكتها يف النضال واليت تنافسها يف امليدان السياسي‪ ،‬وذلك الختالف يف أيدلوجياهتما األساسية من جهة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى فإن هناك سببا مزمنا؛ إذ أن حركة محاس مل تعرتف باتفاقية أوسلو اليت وقعتها حركة فتح مع‬
‫اجلانب اإلسرائيلي‪ ،‬فقررت االستمرار يف املقاومة املسلحة جتاه العدو‪ .‬ويف عام ‪ 2006‬اكتسحت محاس االنتخابات‬
‫التشريعية بفارق واضح عن حركة فتح‪ ،‬مما أتاح هلا تشكيل حكومة واجهت حصارا اقتصاديا من اجملتمع الدويل‪،‬‬
‫مث قام رئيس السلطة حممود عباس الذي يتبع حلركة فتح بإقالة إمساعيل هنية من منصبه كرئيس وزراء للحكومة اليت‬
‫عينتها محاس‪ ،‬وقد وصل التوتر بني احلركتني ذروته مما اضطرمها خلوض صراع عسكري يف ‪ 2007‬انتهى بتويل محاس‬
‫إدارة غزة بكاملها‪ ،‬وفعليا محاس تولت حكم غزة حكما مستقال‪ ،‬وقد استمرت يف حكمها حتت وطأة حصار‬
‫غاشم على غزة من قبل االحتالل اإلسرائيلي‪.‬‬
‫أيضا د‪ .‬فتحي الشقاقي الذي ترعرع يف حضن اإلخوان وكان رقما مهما يف جمال‬ ‫ومن جهة أخرى ملع يف غزة ً‬
‫السياسة‪ ،‬مث ارحتل للقاهرة لتعلم الطب يف النصف الثاين من سبعينيات القرن املاضي‪ ،‬وهناك ارتبط باجلماعة‬
‫اإلسالمية وتنظيم اجلهاد‪ ،‬متأثرا بفكر اإلمام سيد قطب‪ ،‬كما تأثر جدا فكريا بالثورة اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬مما دفعه‬
‫ورفاق دربه لتأسيس حركة اجلهاد اإلسالمي وذراعها العسكري سرايا القدس‪ ،‬وكانوا أول منظمة بدأت بالعمليات‬
‫ونظرا لصلتها القريبة باجلمهورية اإليرانية وحزب اهلل اللبناين فإهنا مع مرور الوقت نأت بنفسها باجتاه‬
‫االستشهادية‪ً ،‬‬

‫‪131‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫خمتلف عن خط محاس واإلخوان املسلمني‪ .‬وعلى الرغم من تركيبة اجلهاد اإلسالمي السنية إال أهنم من التنظيمات‬
‫اإلسالمية السياسية النادرة اليت تتبع اخلط السياسي إليران‪ ،‬مث يف عام ‪ 1995‬مت اغتيال القائد املؤسس الشقاقي من‬
‫قبل املوساد اإلسرائيلي يف جزيرة مالطة‪.‬‬
‫ومن الشخصيات اإلسالمية اليت ترعرعت يف أحضان إخوان فلسطني واألردن الدكتور عبد اهلل عزام‪ ،‬وكان عضو‬
‫اهليئة التدريسية يف كلية الشريعة بباكستان عام ‪1980‬م‪ ،‬وهناك تعرف عن قرب باجلهاد األفغاين‪ ،‬وأسس مكتب‬
‫اخلدمات ليتم من خالله استقدام اجملاهدين من املتطوعني العرب ملساعدة إخواهنم يف أفغانستان وتلبية احتياجاهتم‬
‫األخرى‪ ،‬وهكذا أيضا معظم الذين انتقلوا للجهاد مع تنظيم القاعدة الذي أسسه الشيخ أسامة بن الدن مت نقلهم‬
‫هبذه الطريقة‪ ،‬مث استشهد الدكتور عبد اهلل عزام برفقة ولديه إثر تفجري سيارهتم اليت كانوا يستقلوها يف مدينة شاور‬
‫عام ‪1989‬م‪ ،‬وكان مما ألفه رمحه اهلل كتابه‪( :‬احلق بالقافلة)‪ ،‬وكتاب‪( :‬آيات الرمحن يف جهاد األفغان) وقد كانت‬
‫اجا تشوق املهاجرين لاللتحاق بركب اجملاهدين يف خمتلف البلدان اإلسالمية يف التسعينييات ومطلع القرن‬ ‫سر ً‬
‫احلايل‪ ،‬وهلذا السبب اشتهر د‪ .‬عبد اهلل عزام بأنه (األب الروحي للجهاد)‪ .‬ويعترب خطه األيدلوجي والعقائدي أكثر‬
‫انسجاما مع منهج اجلهاد الوسطي الذي خطه اإلخوان املسلمني وليس منهج القاعدة التكفريي‪.‬‬
‫إخوان السودان‪ :‬تعترب جتربة إخوان السودان تارخييا خمتلفة عن جتارب الصراع املهمة اليت خاضها إخوان سورية‬
‫وفلسطني‪ ،‬إذ أن جتربتهم السياسية املهيمنة مثرية لالهتمام إذ أهنا تعترب أمشل جتربة لإلخوان وأكثرها تعقيدا‪ ،‬وكانت‬
‫بداية انطالقة إخوان السودان يف هناية األربعينيات من القرن املاضي على يد جامعيني سودانيني قدموا من مصر‬
‫بعد دراستهم العليا فيها‪ ،‬وقاموا بتنظيم فعاليات ومجعيات متعددة على طراز ما فعله اإلخوان يف مصر‪ ،‬مث يف عام‬
‫‪ 1954‬قاموا بتوحيد هذه اجلمعيات وأنشؤوا تنظيم اإلخوان املسلمني يف السودان بشكل رمسي مستقال عن مصر‪.‬‬
‫ويف الستينيات قاد اإلخوان عملية تشكيل ائتالف سياسي ذو قاعدة مجاهريية واسعة ضموا إىل جانبهم اجلماعات‬
‫أيضا‬
‫السلفية والصوفية‪ ،‬وأطلقوا عليه (جبهة امليثاق اإلسالمي)‪ ،‬مث يف عام ‪ 1986‬أسس الدكتور حسن الرتايب ً‬
‫(اجلبهة اإلسالمية القومية) فواصل اإلخوان بذلك هيمنتهم على الساحة السياسية‪.‬‬
‫كما ميكن القول بأن تاريخ اإلخوان بعد ذلك جتسد يف قصة حياة واحد من أشهر الشخصيات اإلسالمية وهو الدكتور‬
‫حسن الرتايب‪ ،‬فقد ولد يف عام ‪ 1932‬وكان والده شيخ طريقة صوفية‪ ،‬مث خترج من جامعة اخلرطوم ومنكلية امللك بلندن‬
‫متخصصا يف احلقوق‪ ،‬وأكمل الدكتوراه يف جامعة ‪ ،Sorbonne‬مث عاد إىل بلده والتحق بتنظيم اإلخوان‪ ،‬وكان قد انتخب‬
‫رئيسا جلبهة امليثاق اإلسالمي يف الفرتة ما بني ‪1964‬حىت عام ‪ 1979‬قاد فيها تنظيم اإلخوان آنذاك‪ ،‬ويف تلك الفرتة‬
‫عرف األخوانكأقوى تنظيم مناهض لالشرتاكية يف اجلامعات‪ ،‬واختذوا مواقع مهمة بكادرهم املتخصص يف املؤسسات‬
‫االقتصادية‪ ،‬واألجهزة العسكرية‪ ،‬والربوقراطية العالية‪ ،‬وكذلك كانوا ممثلني يف الربملان مبشاركتهم يف االنتخابات‪ .‬مث بعد‬
‫إزعاجا داخل صفوف اإلخوان لكثرة تعقبه هلم وانتقاده ملبادئهم العامة وإثارته بعض قناعاته‬ ‫ذلك سبَّب وجود الرتايب ً‬
‫الدينية اجلريئة‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أن تنظيم اإلخوان يف السودان يقومون من جهة مبناورات سياسية هبدف السيطرة‬
‫على الدولة‪ ،‬ومن جهة أخرى يواصلون فعالياهتم التقليدية املنسجمة مع تنظيم اإلخوان األم يف مصر‪ ،‬وذلك حتت قيادة‬
‫اإلخوان أمثال صادق عبد اهلل عبد اجمليد واحلرب يوسف نور الدامي‪ .‬ورغم اخلالف الداخلي بني الرتايب واإلخوان إال أن‬
‫هويته الفكرية‪ ،‬وشخصيته السياسية‪ ،‬وقوة نفوذه جتعله دائما رائدا وممثال إلخوان السودان‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫كما لعب الرتايب ورفاقه دورا مهما خالل معارضته حلكومات صادق املهدي اليمينية‪ ،‬وجعفر النمريي اليسارية‪،‬‬
‫فتارة يعارضهم من اخلارج وتارة من خالل موقعه احلكومي مبحاولة أسلمة الدستور وجعل أحكامه منسجمة مع‬
‫الشريعة‪ .‬ويف عام ‪ 1989‬قاد مع اجلنرال عمر البشري انقالبا عسكريا على حكومة صادق املهدي املنتخبة وسيطروا‬
‫سيطرة تامة على البالد‪ ،‬واستمر الرتايب يف رئاسة اجمللس الوطين السوداين حىت عام ‪.1999‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل حادثة مهمة حدثت يف تلك الفرتة اليت ترأسها الرتايب‪ ،‬ففي عام ‪ 1991‬عقد املؤمتر الشعيب العريب‬
‫اإلسالمي يف اخلرطوم‪ ،‬وعُ ِّي الرتايب أمينا عاما هلذا املؤمتر والذي حضره أكثر من ‪ 200‬قائد حركة إسالمية ممثلني‬
‫عن ‪ 45‬بلد إسالمي من املغرب إىل الفلبني‪ ،‬وكان اهلدف املتحقق من هذا املؤمتر تأسيس احتاد إسالمي عاملي‪ ،‬ويف‬
‫عام ‪ 1993‬انعقد االجتماع الثاين هلذا املؤمتر وجتاوز عدد احلضور ‪ 500‬شخصية إسالمية‪ ،‬وكان من بينهم منظمات‬
‫جهادية مما أتاح هلم هذا املؤمتر فرصة تدريب عناصرهم يف خميمات تدريبية على أرض السودان‪ ،‬منهم الشيخ‬
‫أسامة بن الدن والذي كان وقتها مقيما يف السودان‪ ،‬حيث كان ينوي نقل مركز القاعدة إىل السودان بسبب‬
‫توجسه من تعامله مع قيادة تنظيم طالبان يف أفغانستان‪ ،‬لكنه مل يستطع نقل القاعدة إىل السودان لرفض الدولة‬
‫السودانية بسبب الضغوطات الدولية عليها‪ ،‬ورغم جتارته الراحبة يف السودان إال أنه اضطر لنقل جتارته منها‪ ،‬وعاد‬
‫إىل أفغانستان لالتفاق مع طالبنان عام ‪1996‬م‪ ،‬وتوطن هو وتنظيم القاعدة يف أفغانستان بشكل دائم‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن الشراكة اليت بني الرتايب والبشري مل تدم طويال؛ فبسبب الصراع على السلطة قام البشري بإلغاء‬
‫الربملان عام ‪ 1999‬مما نتج عن ذلك انقالب الرتايب عليه بسبب فعلته هذه‪ ،‬وبدأت األيام الصعبة تدور على الرتايب‬
‫بعد ذلك‪ ،‬فتارة يسجن وتارة يوضع يف بيته حتت اإلقامة اجلربية‪ ،‬ويذكر أن قيادة اإلخوان املسلمني وأصدقاء‬
‫وطالب الرتايب من بلدان العامل اإلسالمي رغبوا إليه بأن يرتك السياسة ويتفرغ لنشر جتربته الرائدة وأفكاره العميقة‬
‫ويوجه أعماله الثقافية يف خدمة العامل اإلسالمي‪ ،‬لكنه أصر البقاء يف العامل السياسي‪ ،‬ومارس أعماله املعارضة‬
‫لسياسة البشري من خالل حزب املؤمتر الشعيب الذي كان يتزعمه متهما إياه بالضالل عن مبادئ اإلسالم‪ ،‬وبقي‬
‫يف صراع سياسي معه إىل أن توفاه اهلل عام ‪.2016‬‬
‫إن سياسة الرتايب اليت انتهجها يف األوساط سياسة برغماتية انتهازية؛ فبعد االنقالب العسكري الذي حدث يف‬
‫السودان والذي عاشت السودان على إثره مشاكل داخلية أدت إىل انفصال دارفور الواقعة يف جنوب السودان‬
‫واستقالهلا‪ ،‬جاء الرتايب ليستعمل منهج إصالح على قاعدة‪” :‬من القمة إىل القاعدة” والذي تستعمله عادة تيارات‬
‫اإلصالح الفكري والثقايف اليت تنتقد دائما الفكر اإلسالمي السياسي‪ .‬ومن ناحية أخرى إذا ما نظرنا إىل قناعته‬
‫حبقيقة االجتهاد والتجديد الديين جند أنه فتح أفقا جديدا حلركات التجديد الناظرة يف الفكر اإلسالمي التقليدي‪،‬‬
‫فقد ركز كثريا على احلقوق املتعلقة باملرأة وكان مناصرا هلا من موقعه كمفكر عريب إسالمي‪ ،‬وكانت مبادرته إجيابية‬
‫لدى حركات اإلصالح يف العامل العريب وذلك بالرتغيب مبشاركة املرأة يف الفعاليات واألنشطة يف ظل جمتمع عريب‬
‫يغفل عن ذلك‪ ،‬وكذلك بالنظر إىل األحكام املختلف فيها مثل العقوبات‪ ،‬وحد الردة‪ ،‬واحلجاب‪ ،‬ومساع املوسيقى‪،‬‬
‫فقد أفىت هبا فتاوى حداثية‪ ،‬مما أثارت ردة فعل من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى عرض ألصحاب اإلصالح السياسي‬
‫اإلسالمي الذين مييلون الحرتام عادات اجملتمع بعضا من األحكام الشرعية امليسرة يف حكم الناس‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫إخوان اليمن‪ :‬تأسس تنظيم اإلخوان يف اليمن يف ستينيات القرن املاضي على يد خنبة من إخوان اليمن خترجوا‬
‫من األزهر‪ ،‬وكان أهم شخصيتني فيهم عبده حممد املخاليف الذي وافته املنية وهو يف عمر الشباب عام ‪،1969‬‬
‫والثاين الشيخ عبد اجمليد الزنداين الذي حظي بأكثرهم شهرة‪ ،‬ونظرا لظروف سياسية صاحبت انطالق اإلخوان يف‬
‫تلك الفرتة منها وجود الزيديني يف اليمن وكذلك النظام السياسي االشرتاكي للجمهورية كل هذه الظروف حالت‬
‫من التأثري القوي لإلخوان يف األوساط‪ ،‬وقد عمل الزنداين مدرسا لسنوات طويلة يف السعودية‪ ،‬مث بعد ذلك ملا‬
‫أعلنت الوحدة اليمنية عام ‪ 1990‬أسس أنصار اإلخوان حزب اإلصالح (التجمع اليمين لإلصالح) باتفاق مع‬
‫احتاد القبائل يف اليمن‪ ،‬وتزعم احلزب الشيخ األمحر نيابة عن احتاد القبائل‪ ،‬مع مواصلة إدارة التنظيم من قبل كادر‬
‫اإلخوان‪ ،‬وكانت عالقة اإلخوان برئيس الدولة علي عبد اهلل صاحل جيدة يف بعض األوقات وسيئة يف أوقات أخرى‪،‬‬
‫وقد دامت رئاسته للجمهورية ‪ 34‬عاما‪ ،‬مث لعبت اإلخوان دورا مهما يف الثورة اليمنية اليت أطاحت به عام ‪،2012‬‬
‫وعلى إثر ذلك توىل أعضاء من حزب اإلصالح مناصب رفيعة يف الدولة مث ضعفت قوة اإلخوان إىل حد كبري بعد‬
‫استيالء احلوثيني على العاصمة اليمنية صنعاء عام ‪.2014‬‬
‫اإلخوان يف بالد اخلليج‪ :‬يعترب تاريخ تنظيمات اإلخوان يف بالد اخلليج متؤخرا عن باقي تنظيمات اإلخوان‪ ،‬ففي‬
‫البحرين بدأ اإلخوان يف عام ‪ 1941‬كجمعيات طالبية‪ ،‬مث يف عام ‪ 1980‬أسسوا مجعية اإلصالح كمنظمة أكثر‬
‫مشوال للعمل اإلخواين‪ ،‬مث تفرع عنها جناحها السياسي الذي أطلق عليه املنرب الوطين‪ ،‬ورغم عدم تفوق املنرب على‬
‫األحزاب األخرى العلمانية والشيعية إال أنه بعد احتاده مع األطر السلفية وتكوينهم حزب األصالة أصبح هذا‬
‫احلزب من أهم املكونات السياسية يف الوسط السين‪ ،‬أما يف الكويت فقد برز فكر اإلخوان حتت مسمى مجعية‬
‫اإلرشاد عام ‪ ،1952‬مث انطلق تنظيم اإلخوان عام ‪ 1991‬يف الساحة السياسية باسم (احلركة الدستورية اإلسالمية)‪.‬‬
‫ويف سبعينيات القرن املاضي كانت السعودية وكذلك قطر يف األلفني من القرن اجلاري ملجئا لإلخوان املسلمني؛‬
‫ففي عام ‪ 1961‬هاجر العامل املصري املشهور الشيخ يوسف القرضاوي مصر وعاش يف قطر وهو من تالميذ اإلمام‬
‫البنا‪ ،‬مث استطاع العودة إىل مصر عقب ثورة ‪ ،2011‬وبعد االنقالب العسكري على الرئيس املصري املنتخب د‪.‬‬
‫حممد مرسي مرشح اإلخوان مت حظر تنظيم اإلخوان وعاد الشيخ القرضاوي مضطرا للعيش يف قطر‪ ،‬وأصدرت‬
‫احلكومة املصرية قرارا لالنرتبول الدويل لكي يتم القبض عليه وحماكمته‪.‬‬
‫أما اململكة العربية السعودية فبعد السبعينيات احتضنت الكثري من املهاجرين اإلخوان من مصر وسورية والعراق‪،‬‬
‫ويف مقدمتهم آنذاك الشيخ عبد الفتاح أيب غدة والدكتور حممد قطب شقيق سيد قطب رمحه اهلل‪ ،‬وكانت هذه‬
‫اخلطوة الطريقة اليت تعرفت فيها السعودية على اإلسالم املعاصر‪ ،‬وتأثر بعض األمراء وعلماء الوهابية تأثرا حقيقيا‬
‫بالفكر السياسي لدى اإلخوان‪ ،‬السيما وأن جتربتهم قيمة وتستحق اإلعجاب يف جعل الشريعة دستور دولة‬
‫وإنزال أحكامها على أرض الواقع‪ ،‬وأطلق على علماء السلفية املتأثرين باإلخوان تسمية ”علماء الصحوة” والذين‬
‫خيتلفون عن علماء السلفية التقليديني أتباع اململكة‪ ،‬وعرفوا مبواقفهم اإلسالمية الفكرية املنتقدة لسياسة النظام يف‬
‫السعودية‪ ،‬كما ال ينكر دور علماء الصحوة يف تكريس أصول الفكر السلفي اجلهادي أيضا‪.‬‬
‫وعموما فإن هذه العالقة كانت دائما تسبب اإلزعاج للنظام السعودي؛ فاإلخوان كوهنا حركة دعوة وإصالح ديين‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تتبىن فكرا سياسيا يدعوا لنظام دميقراطي إسالمي للدولة‪ ،‬فإن هذا األمر لن يقبل به‬
‫‪134‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫مطل ًقا ملوك دول اخلليج‪ ،‬ولذلك ملا أتيحت الفرصة أمام اإلخوان بتويل سلطة البالد عرب صناديق االقرتاع النزيهة بعد‬
‫اإلطاحة بالرؤساء الديكتاتوريني يف ثورات الربيع العريب ‪ ،2011‬وأصبح املناخ ربيعا إخوانيا‪ ،‬خشي ملوك دول اخلليج‬
‫على وجودهم املهدد حقيقيا من هذا الربيع فكانت السعودية واإلمارات العربية املتحدة على رأس الداعمني لالنقالب‬
‫العسكري على الرئيس املصري املنتخب د‪ .‬حممد مرسي‪ ،‬ومنعت السعودية أي تنظيمات سياسية يف اململكة‪ ،‬كما‬
‫دعمت الدول األخرى األحزاب السلفية املنافسة لإلخوان‪ ،‬وذلك كله ضمن اسرتاتيجية إلضعاف اإلخوان‪.‬‬
‫اإلخوان مشال أفريقيا‪ :‬بدأ فكر اإلخوان ينتشر مشال أفريقيا على يد الطالب اإلسالميني الذين درسوا يف مصر‪،‬‬
‫وكذلك األثر الذي تركه أنصار اإلخوان من مصر وسورية املهاجرين إىل مشال فريقيا بسبب املالحقات القانونية‬
‫ضدهم‪ ،‬ويف ليبيا كانت بداية نشأة اإلخوان هناك هناية األربعينيات من القرن املاضي وبقي العمل التنظيمي سرا‬
‫حىت اندلعت الثورة عام ‪2011‬؛ إذ أن كثريا من أنصار اإلخوان هناك ألقي هبم سنوات طويلة يف السجون‪ ،‬ويف عام‬
‫‪ 2012‬أسس اإلخوان (حزب العدالة والبناء) وبه دخلوا ميدان السياسة‪ ،‬لكن عند دخوله ألول انتخابات عامة‬
‫مل حيظ بالنسبة املتوقعة ‪ %10‬من نسبة التصويت وإمنا أقل بكثري من هذه النسبة‪ ،‬على الرغم من حصول اإلخوان‬
‫على نسبة عالية من التصويت يف انتخابات مصر وتونس عقب الربيع العريب‪.‬‬
‫أما يف تونس فقد أنشأ دكتور الفلسفة األكادميي راشد الغنوشي ومعه الدكتور احلقوقي عبد الفتاح مورو اجلماعة‬
‫اإلسالمية سنة ‪ ،1973‬وتعترب هذه اجلماعة هي ممثل اإلخوان يف تونس آنذاك‪ ،‬مث يف عام ‪ 1981‬أسست (حركة‬
‫االجتاه اإلسالمي) وكانت األكثر تأثريا يف الوسط الطاليب والعمايل بتونس‪ ،‬وبعد أن مت حظره واصل الغنوشي‬
‫ورفاقه العمل من خالل تأسيسهم حلزب النهضة‪ ،‬وكانت قيادة احلزب قد خاضت جتربة مريرة يف السجون يف‬
‫الثمانينيات‪ ،‬وبعضهم هاجر من بلده إثر ذلك‪ ،‬وكان الغنوشي قد عاد إىل تونس سنة ‪ 2011‬بعد ‪ 22‬عاما من‬
‫النفي خارج البالد‪ ،‬ووقتها مت رفع احلظر عن حزب النهضة‪ ،‬والذي ميثل قوة سياسية تصل اليوم إىل ‪ %50‬من نسبة‬
‫الشارع أمام األحزاب العلمانية واللربالية كبديل عنها‪ ،‬كما أن الغنوشي الذي مل يُظهر يف أي وقت من األوقات‬
‫بأنه إخواين يعترب شخصية دميقراطية إسالمية تعددية‪ ،‬يؤمن باحلقوق واحلريات العامة‪ ،‬واملواطنة واملساواة‪ ،‬مع‬
‫مالحظات على مفاهيم مثل األغلبية والسلطة‪ ،‬فقد فتح آفاقا على فكر اإلخوان منسجما مع الفكر الليربايل‬
‫والتحرري املقبول يف إطار فكر اإلخوان السياسي املطلق واملهيمن نسبيا‪ .‬ويف عام ‪ 2016‬انفصل متاما حزب النهضة‬
‫من تنظيم اجلماعة اإلسالمية‪ ،‬وأصبحوا أقرب للعلمانية وذلك لفصلهم الدين عن السياسة خالفا ملا عليه اإلخوان‬
‫املسلمني يف البلدان العربية‪.‬‬
‫وبالنظر إىل اجلزائر؛ فإن املركز العام لإلخوان املسلمني قدم الدعم الكبري للجزائر يف ثورهتم ضد االحتالل الفرنسي‬
‫لنيل استقالهلم‪ ،‬فكان الشيخ أمحد سحنون (ت‪ )2003.‬من بني املفكرين اإلسالميني حلركة االستقالل‪ ،‬والذي‬
‫أسس (رابطة الدعوة) كرابطة جتمع فكر اإلخوان وأنشطة اإلسالم السياسي حتت سقف واحد‪ ،‬وكان من بني‬
‫قيادات اإلخوان اجلزائريني الذين احتوهتم هذه الرابطة القائد األول حمفوظ حنناح (ت‪ ،)2003.‬وحممد بو سليماين‬
‫أيضا مجعية املوحدون واليت أصبح امسها الحقا مجعية‬
‫(ت‪ ،)1993.‬وكان من بني مجعيات اإلخوان يف اجلزائر ً‬
‫اإلرشاد واإلصالح‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫وعلى الرغم أن أعمال اإلخوان معظمها يف اجتاه االصالح الثقايف إال أن جمموعة من اإلخوان ذهبت باجتاه تنظيم‬
‫رابطة الدعوة‪ ،‬وجمموعة أخرى ذهبت باجتاه تأسيس حزب سياسي حتت قيادة أستاذ العلوم الرتبوية أ‪.‬د‪ .‬عباسي‬
‫مدين‪ ،‬كما مت تأسيس (اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ)‪ ،‬وعينوا اخلطيب املفوه علي بن حاج نائبا لرئاسة احلزب‪.‬‬
‫هذا احلزب مل يشرتك فيه النحناح ملعارضته اخلطاب التقليدي املناهض للدميقراطية القائمة على أساس سلفي‬
‫السيما خطابات بن علي والفكر الذي يتبناه احلزب‪ ،‬وكان احلزب قد خاض أول انتخابات حرة عام ‪1991‬‬
‫وحصل على ‪ %55‬من نسبة األصوات‪ ،‬لكن هذا الفوز مل يدم طويال إذ أنه حصل انقالب عسكري بدعم فرنسي‬
‫أطاح هبم عن السلطة‪ ،‬ومت حظر مجيع هيئاهتم يف اجلزائر؛ مما دفع باجلبهة االسالمية لالنقاذ أن تتوىل زمام مقاومة‬
‫عسكرية لالنقالب‪ ،‬ودخلت اجلزائر يف حرب أهلية ما بني عام ‪ 2004 - 1992‬ذهب ضحيتها ‪ 50‬ألف نفس على‬
‫األقل‪ ،‬أما النحناح ومجاعة كبرية من اإلخوان مل يدخلوا يف هذه احلرب‪ ،‬ونؤوا بأنفسهم بعيدا عن هذا الصراع‪،‬‬
‫وكان الرجل الثاين يف احلزب بو سليماين ال يرى يف هذه احلرب الداخلية بأهنا جهاد‪ ،‬ونظرا آلراءه هذه مت اختطافه‬
‫واعدامه من قبل (اجلماعة اإلسالمية املسلحة)‪ ،‬ويف عام ‪ 1990‬أسس النحناح (حركة جمتمع السلم) كتنظيم‬
‫سياسي يف اجلزائر وواصل من خالله أعماهلم السياسية باعتباره حزبا معارضا يف الربملان‪ ،‬وعرف بعد ذلك بأنه‬
‫ذراع اإلخوان يف اجلزائر‪.‬‬
‫ويف املغرب عرف (حزب العدالة والتنيمة) بأنه ممثل لفكر اإلخوان رغم أنه مل يرتبط بعضوية اإلخوان املسلمني‪ ،‬وقد‬
‫أسسه الطبيب اجلراح د‪ .‬عبد الكرمي اخلطيب يف ستينيات القرن املاضي‪ ،‬حيث كان أول شخص يف املغرب يقوم‬
‫بأنشطة إسالمية‪ ،‬وكان امللك املغريب اهلامشي يرى أن هذا احلزب مشروعا ومل يعترب منهجه ثوريا‪ ،‬فهيأ هلم أرضية‬
‫قانونية من البداية‪ ،‬ويف عام ‪ 2011‬خاض احلزب أول جتربة انتخابات حرة حاز بفضلها على احلكم يف املغرب‪ ،‬أما‬
‫احلركة اإلسالمية األخرى فهي مجاعة العدل واإلحسان واليت مت حظرها من قبل امللك عام ‪ 1990‬بسبب أفكارها‬
‫املتطرفة ورفضها للدستور‪ ،‬وقد تأسست احلركة عام ‪ 1986‬رمسيا على يد مؤسسها عبد السالم ياسني (ت‪)2012.‬‬
‫والذي يعتربه منتسيب احلركة بأنه جمدد‪ ،‬وكان شعار احلركة ”ال للعنف‪ ،‬والسرية‪ ،‬والتعاون مع املنظمات الغربية”‪،‬‬
‫ورغم حظرها عام ‪ 1990‬إال أهنا كانت متثل قاعدة مجاهريية قوية يف الساحة املغربية‪ ،‬مع ابتعادها عن مبادئ وقيم‬
‫اإلخوان املسلمني بسبب احتضاهنا خلصائص باطنية‪ ،‬وتتبع عقلية القيادة الكارزمية‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫هل باستطاعتكم املقارنة بني جتربة اإلصالح السياسي التونسية وبني جتارب اإلخوان يف البلدان العربية األخرى؟‬

‫‪136‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون‬


‫واإلصالح السياسي‬ ‫‪6‬‬

‫بيان ساحات جهود اإلصالح‬


‫السياسي وحركاته‬

‫سعت حركات اإلصالح الثقايف للوصول إىل القاعدة الشعبية وإمساع صوهتا هلم من خالل هيئاهتا يف العلم‬

‫اخلالصة‬
‫والتعليم‪ ،‬والطباعة والنشر‪ ،‬واملؤسسات اخلريية واإلغاثية‪ ،‬واجلمعيات واألوقاف الفاعلة يف اجلانب الثقايف‪،‬‬
‫والكتل الطالبية‪ .‬أما مكونات اإلصالح السياسي فإىل جانب مؤسساهتا املدنية اليت تشرتك بأهدافها‬
‫ومهامها مع حركات اإلصالح الثقايف إال أهنم ميتلكون أيضا أدوات سياسية كاألحزاب والنقابات‪ ،‬أو قوة‬
‫عسكرية مقاومة لالستعمار األجنيب من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تسعى من خالهلا للوصول هبا لسدة احلكم‪.‬‬

‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون‬


‫واإلصالح السياسي‬ ‫‪6‬‬

‫تفسري سبب استشعار احلاجة‬


‫لإلصالح السياسي‬

‫إن مشاريع التحول االجتماعي ذات املدى الطويل واليت يعتمد عليها طريق اإلصالح الثقايف واالجتماعي ال‬
‫تعترب فاعلة يف نظر اإلصالحيني السياسيني؛ إذ أن مبدأ اعرتاضهم هو أن مشاريع اإلصالح الثقايف اهلادفة‬
‫إلحداث تغيري دائم يف اجملتمع تستغرق وقتا طويال حلدوثها‪ ،‬بيد أنه ال يوجد مزيدا من الوقت لدى املسلمني؛‬
‫ولذلك يقومون باإلجراءات بسرعة‪ ،‬والطريقة العملية لذلك هو تويل زمام األمور يف اهليئات العليا‪ ،‬السيما‬
‫وأنه أحيانا عناصر الدولة ال يتحملون حىت األنشطة الثقافية لإلسالميني‪ ،‬وأحيانا ُتتل بالد املسلمني فريى‬
‫اإلصالحييون السياسيون أن أوىل األمور مقاومة هذا احملتل‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون‬


‫واإلصالح السياسي‬ ‫‪6‬‬

‫إعطاء فكرة حول الظروف االجتماعية‬


‫والسياسية احمليطة جبماعة اإلخوان املسلمني‬

‫يف الفرتة اليت ظهر فيها اإلخوان املسلمني كانت مصر تعيش حتت حكم االحتالل االجنليزي لسنوات طويلة‪،‬‬
‫اخلالصة‬

‫فدخل اإلخوان يف مقاومة هذا االحتالل منذ البداية مطالبني باالستقالل التام‪ ،‬مث بعد ذلك بقيت مصر حتت‬
‫حكومة ملكية لكن بإدارة اإلجنليز‪ ،‬مما دفع باإلخوان ملواصلة مقاومة هذا النظام‪ ،‬ويف احلرب العاملية الثانية مرت‬
‫اجنلرتا بأحوال صعبة فلجأت إلقناع مصر للدخول إىل جانبها يف احلرب‪ ،‬وشددت حكومة االجنليز موقفهم‬
‫من اإلخوان الذين أعلنوا اجلهاد ضدهم‪ ،‬ونتج عن ذلك احلبس مرارا للبنا ورفاقه وزجهم يف غياهب السجون‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬ونظرا ألن‬
‫ومن جهة أخرى كانت القضية الفلسطينية حاضرة يف أعمال اإلخوان يف تلك األعوام ً‬
‫االجنليز كانوا هم الداعم األكرب لالحتالل الصهيوين يف فلسطني فقد تعامل معهم اإلخوان على أن احتالهلم‬
‫ملصر والقضية الفلسطينية مسألة واحدة‪ ،‬وكما هو معلوم فإن العامل اإلسالمي بعد سقوط اخلالفة عام ‪1924‬‬

‫أصبح بال رأس‪ ،‬مما عزز هذا الوضع بشدة الدافع لدى اإلخوان ألجل توحيد العامل اإلسالمي وإنشاء اخلالفة‪،‬‬
‫وقد تربع هذا اهلدف على رأس أولوياهتم‪.‬‬

‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون‬


‫واإلصالح السياسي‬ ‫‪6‬‬

‫املقارنة بني حركات اإلخوان املتنوعة يف العامل‬


‫العريب من حيث املنهج واألصول‬

‫إن تنظيمات اإلخوان خارج مصر يف الوطن العريب رغم بيعتها للمركز العام يف مصر وتعهدها بالسري على هنجها‬
‫إال أهنا تتمتع بإدارة مستقلة‪ ،‬وبالتايل فقد لوحظ هناك اختالفات أحيانا يف األصل واملنهج وكذلك يف الفكر بينها‬
‫وبني مركز اإلخوان يف مصر‪ ،‬فمن ذلك جند أن إخوان سوريا ظهر لديهم الفكر التقليدي القريب من هنج سيد‬
‫قطب‪ ،‬أما إخوان األردن فقد تعايشوا مع النظام املوجود ومل يواجهوا مشكلة معه يف معظم األحيان ودائما فروعهم‬
‫مفتوحة ومتوفرة‪ ،‬وبالنسبة حلركة النهضة التونسية رغم عدم ارتباطها مبركز اإلخوان يف مصر إال أهنا اعتربت خطا‬
‫من خطوط اإلخوان‪ ،‬وبالنظر إىل إخوان فلسطني فإن لديهم أجنحة عسكرية على غري إخوان الوطن العريب‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪ 4‬أي من شعب اإلخوان التالية كان هلا تنظيما‬ ‫‪ 1‬أي من فعاليات اإلخوان التالية مل تكن يف عهد‬
‫عسكريا يف نفس الوقت؟‬ ‫اإلمام البنا؟‬
‫أ‪ .‬إخوان األردن‪.‬‬ ‫معارضة مجال عبد الناصر‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫ب‪ .‬إخوان السودان‪.‬‬ ‫اجلهاد ضد االحتالل االجنليزي‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬

‫اخترب نفسك‬
‫ج‪ .‬إخوان اجلزائر‪.‬‬ ‫حماولة الدخول يف الربملان‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫د‪ .‬إخوان اليمن‪.‬‬ ‫إنشاء ورش عمل يف األحياء السكنية‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫ه‪ .‬إخوان فلسطني‪.‬‬ ‫مقاومة احملتل الصهيوين يف فلسطني‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪ 5‬أي من احلركات التالية نشأت بتفاعل ما بني‬ ‫‪ 2‬ملن يعود كتاب معامل يف الطريق والذي جعل‬
‫الفكر الوهايب والفكر اإلسالمي السياسي؟‬ ‫منه أصحاب الفكر اإلسالمي السياسي التقليدي‬
‫أ‪ .‬حركة محاس‪.‬‬ ‫مرجعا هلم؟‬
‫ب‪ .‬حركة الكفاية‪.‬‬ ‫ءاية اهلل اخلميين‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫ج‪ .‬حركة الصحوة‪.‬‬ ‫املودودي‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫د‪ .‬حركة الصحوة‪.‬‬ ‫أمين الظواهري‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫ه‪ .‬حركة البعث‪.‬‬ ‫سيد قطب‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫حسن البنا‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪ 3‬أي من األحداث التالية نتج عنها إزالة احلظر‬


‫القائم على اإلخوان كمنظمة سياسية؟‬
‫‪2011‬‬ ‫أ‪ .‬خالل ثورة يناير‬
‫ب‪ .‬انقالب السيسي عام ‪2014‬‬
‫ج‪ .‬اغتيال اإلمام حسن البنا‪.‬‬
‫د‪ .‬اختيار عمر التلمساين مرشدا عاما للجماعة‪.‬‬
‫ه‪ .‬االنتخابات العامة مبصر عام ‪.2005‬‬

‫‪139‬‬
‫احلركات اإلصالحية ‪ :2‬اإلخوان املسلمون واإلصالح السياسي‬

‫صحيحا؛ اقرؤوا من جديد‬


‫ً‬ ‫‪ .4‬ه إذا كان جوابكم ليس‬ ‫صحيحا؛ اقرؤوا من جديد‬
‫ً‬ ‫إذا كان جوابكم ليس‬ ‫‪ .1‬أ‬
‫موضوع ”إخوان فلسطني”‪.‬‬ ‫موضوع ”اإلخوان املسلمني”‪.‬‬
‫مفتاح األجوبة لـ “اخترب نفسك”‬

‫صحيحا؛ اقرؤوا من جديد‬


‫ً‬ ‫إذا كان جوابكم ليس‬ ‫‪ .5‬د‬ ‫صحيحا؛ اقرؤوا من جديد‬
‫ً‬ ‫‪ .2‬ج إذا كان جوابكم ليس‬
‫”املدخل”‪ ،‬و”أهداف التصنيف”‪.‬‬ ‫موضوع ”سيد قطب والتطرف”‪.‬‬

‫صحيحا؛ اقرؤوا من جديد‬


‫ً‬ ‫إذا كان جوابكم ليس‬ ‫‪ .3‬أ‬
‫موضوع ”اإلخوان بعد عام ‪.”1980‬‬

‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪6‬‬

‫بعد أن تعرض اإلخوان العتقاالت واسعة جدا عام ‪ 1954‬مل يلبث أن أعادت‬
‫اإلخوان ترتيب صفوفها بعد خروجهم من السجن مباشرة‪ ،‬وكانت أهم املشاكل‬
‫اليت واجهت التنظيم آنذاك هو االختالف الواسع يف حتديد أصول املقاومة‬
‫اإلسالمية يف فكر عناصر اإلخوان الذين خرجوا من سجون النظام‪ ،‬السيما‬
‫أولئك الذين تعرضوا ألشد أنواع التعذيب وقتها‪ ،‬مما دفع بعضهم للرتدد يف قبول‬ ‫‪1‬‬ ‫جاء دورك‬
‫منهج القيادة كاهلضييب والذي يقوم على أساس صراع وسطي توفيقي‪ ،‬فقاموا‬
‫بالنظر من جديد يف أصول الصراع وطرق الوصول للحكم نظرة دينية اعرتاها‬
‫التكفري يف كثري من اجلزئيات يف تلك الفرتة؛ إذ أهنم تعرضوا ملعاملة ال إنسانية‬
‫فكان ذلك سببا يف التفكري بإسالم من جعلهم يعيشون تلك اللحظات‪.‬‬

‫يف عام ‪ 2011‬بدأت رياح التغيري يف الشرق األوسط طلبا للحرية السياسية‪ ،‬وأطلق عليها‬
‫دورا داعما هلذه الثورات‪،‬‬
‫ثورات الربيع العريب‪ ،‬وكان لإلخوان املسلمني يف مصر وخارجها ً‬
‫فقدت اخنرطت أعداد هائلة من مناصريهم يف الثورة‪ ،‬وشاركوا يف االنتخابات الدميقراطية‬
‫اليت حدثت عقب الثورات كما يف مصر وغريها من بلدان الربيع العريب‪ ،‬وتربعوا على‬
‫عرش السلطة بعد أن اكتسحوا أصوات الناخبني وفازوا بتلك االنتخابات‪ ،‬مما أتاح هلم‬ ‫‪2‬‬ ‫جاء دورك‬
‫ذلك جتربة سياسية مهمة‪ ،‬لكن بعد االنقالب العسكري الذي قام به السيسي يف مصر‬
‫عام ‪ 2014‬بدأ هذا املد ينحصر‪ ،‬ومل تنفع أعمال مقاومة هذا االنقالب مما جعلهم عرضة‬
‫للقتل واحلبس واألحكام الثقيلة من قبل النظام‪ ،‬وعلى إثر ذلك مت حظر تنظيماهتم جمددا‬
‫والعودة إىل ما كانوا عليه سابقا‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪6‬‬

‫عرف حزب النهضة التونسي بأنه حزب إصالح سياسي‪ ،‬ومعلوم أن هذا احلزب‬
‫قد اقتفى أثر اإلخوان املسلمني يف منهجه وفعالياته‪ ،‬لكن الغنوشي الذي مل‬
‫يُظهر يف أي وقت من األوقات بأنه إخواين يعترب شخصية دميقراطية إسالمية‬
‫تعددية‪ ،‬يؤمن باحلقوق واحلريات العامة‪ ،‬واملواطنة واملساواة‪ ،‬مع مالحظات على‬ ‫‪3‬‬ ‫جاء دورك‬
‫مفاهيم مثل األغلبية والسلطة‪ ،‬فقد فتح آفاقا على فكر اإلخوان منسجما مع‬
‫الفكر الليربايل والتحرري املقبول يف إطار فكر اإلخوان السياسي املطلق واملهيمن‬
‫نسبيا‪ .‬ويف عام ‪ 2016‬انفصل متاما حزب النهضة من تنظيم اجلماعة اإلسالمية‪،‬‬
‫وأصبحوا أقرب للعلمانية وذلك لفصلهم الدين عن السياسة خالفا ملا عليه‬
‫اإلخوان املسلمني يف البلدان العربية‪.‬‬

‫املصادر‬
‫بالعربية‪:‬‬
‫حسن البنا‪ ،‬جمموعة رسائل اإلمام الشهيد حسن البنا‪ ،‬بريوت‪.)1965( ،‬‬
‫سعيد حوى‪” ،‬اخلمينية‪ :‬شذوذ يف العقائد وشذوذ يف املواقف”‪ ،‬بريوت‪.)1987( ،‬‬
‫ربيع بن هادي املدخلي‪” ،‬مآخذ منهجية على الشيخ سفر احلوايل”‪ ،‬ص‪.14-6‬‬

‫بالرتكية‪:‬‬
‫‪Açıkgenç, Alparslan. (2008). “Said Nursi”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 35, s. 565-572.‬‬
‫‪el-Bennâ, Hasan. (1981). Hatıralarım, çev. B. Eryarsoy, İstanbul.‬‬
‫‪Ersoy, Mehmet Akif. (2007). Safahat, neşir: E. Düzdağ, İstanbul.‬‬
‫‪Görgün, Hilal. (2000). “İhvân-ı Müslimîn (Mısır Dışındaki İhvân-ı Müslimîn Teşkilatı)”, Diyanet İslam Ansik-‬‬
‫‪lopedisi, c. 21, s. 583-6.‬‬
‫‪Görgün, Hilal. (2009). “Seyyid Kutub”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 37, s. 64-8.‬‬
‫‪Ğânim, İbrahim el-Beyyûmî. (1997). “Hasan el-Bennâ”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 16, s. 307-10.‬‬
‫‪Karaman, Hayrettin. (2008). Bir Varmış Bir Yokmuş, İstanbul.‬‬
‫‪Kepel, Gilles. (1992). Peygamber ve Firavun, ev. İ. Bendiderya, İstanbul.‬‬
‫‪el-Verdânî, Salih. (1988). Mısır’da İslami Akımlar, çev. H. Acar, Ş. Duman, Ankara.‬‬

‫‪141‬‬
‫الوحدة السابعة‬
‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬

‫األهداف‬
‫عند إمتام هذه الوحدة ميكنك‪:‬‬
‫ سيتمكن الدارس من التعليق على تأثري اإلخوان املسلمني خارج نطاق العامل العريب‪.‬‬
‫ سيكون قادرا على إعطاء فكرة عن املنظومة اليت يتم متثيل اإلسالم السياسي يف شبه القارة اهلندية‪.‬‬
‫ القدرة على القيام مبقارنة املبادئ احلراكية اليت نبنتها كل من حزب التحرير اإلخوان اإلسالم‪.‬‬
‫ ميكنكم من شرح مظاهر اإلسالم السياسي يف العامل اإلسالمي الشيعي‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫السياسة‬ ‫ ‬
‫الدولة‬ ‫ ‬
‫احلزبية‬ ‫ ‬
‫املقاومة‬ ‫ ‬
‫حزب اهلل‬ ‫ ‬

‫‪142‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املدخل‬
‫إن اإلصالح السياسي‪ ،‬والذي يوصف أيضا مبفهوم اإلسالم السياسي‪ ،‬هو برنامج يقوم باإلصالح من األعلى إىل‬
‫األدىن‪ ،‬على عكس اإلصالح الثقايف‪ .‬والغاية األساسية يف اإلصالح السياسي هو حتقيق أهداف إعادة التأهيل‬
‫اإلجتماعي من خالل اإلستيالء على نظام الدولة أو على األقل اختاذ موقف فعال من خالل تضمني السلطة‬
‫حبيث ميكن للدولة استخدام أجهزهتا مثل التعليم والعدالة واملالية‪ .‬وإن األنظمة اليت على هذا النحو تتطلب قوة من‬
‫خالل فرض أدوات سياسية مثل النقابات‪ ،‬األحزاب‪ ،‬وكذلك معظم األجهزة املدنية اليت يستخدمها اإلصالحيون‬
‫الثقافيون‪ ،‬أو بوضع هياكل عسكرية يف شكل أنظمة مقاومة بغرض إهناء اإلحتالل األجنيب بغية الصراع على‬
‫السلطة‪.‬‬
‫كما يف حركة ”ملي كوروش” أي احلركة القومية اليت يف تركيا جند أن جزءا مهما من حركات اإلصالح السياسي‬
‫قامت بوضع خطط طويلة األجل من أجل النضال السياسي وذلك بطرق قانونية كما تبنت أيضا من أال متارس‬
‫أساليب العنف خالل هذه الفرتة الزمنية‪ .‬و إن من أقدم هذه احلركات وأكربها هي حركة اإلخوان املسلمني اليت‬
‫امتدت أنتشارها يف كل بقاع العامل العريب‪ .‬كما متثل هذه احلركة أمنوذجا للحركات األخرى يف العامل اإلسالمي‬
‫واليت تعمل بأساليب ووسائل وأهداف مماثلة هلا وذلك مثل حركة اجلماعة اإلسالمية يف شبه القارة اهلندية‪.‬‬
‫باإلضافة إىل هذه احلركات‪ ،‬جيب تقييم أنظمة املقاومة األخرى مثل حزب اهلل يف لبنان من نفس الفئة‪ .‬و من‬
‫اجلدير بالذكر أيضا أن حزب اهلل و ”أنصار اهلل” يف اليمن تعد أنظمة إسالمية سياسية شيعية نشأتا مقابل‬
‫األنظمة السنية‪.‬‬

‫أثر اإلخوان املسلني يف العامل‬


‫ال شك أن اإلخوان املسلمني هي املنظومة اليت هلا التأثري األكرب يف نقل فكرة اإلسالم السياسي إىل مجيع أرجاء‬
‫العامل العريب‪ .‬كما حتققت التأثري الذي انتجه هذه املنظومة خارج نطاق العامل العريب بشكل غري مباشر‪ .‬ففي‬
‫هذه البلدان‪ ،‬مل يتم اتباع اسرتاتيجية التوسيع لإلنتقال مباشرة إىل التحزب أو التكتل‪ .‬وإن أفغانستان هي املكان‬
‫وضوحا هلذا التفاعل يف األزمنة األخرية‪ ،‬والذي مت تأسيسه بشكل غري مباشر و بدون روابط عضوية‪ .‬ويعترب‬
‫ً‬ ‫األكثر‬
‫املوسس جلميعة اإلسالم اليت تعد واحدة من أكرب تنظيمات اجلهاد‬‫الربوفسور برهان الدين رباين (املتويف ‪ )2011‬هو ْ‬
‫األفغاين اللذين دافعوا عن اإلحتالل السوفيييت (‪ .)1989-1979‬وألتقى برهان الدين مع قيادات وكوادر اإلخوان‬
‫املسلمني أثناء دراسته يف األزهر وقام برتمجة مؤلفات سيد قطب وهكذا نقل فكر اإلسالم السياسي إىل أفغانستان‪.‬‬
‫وإن مجعية اإلسالم كانت منظومة تضم كل من التاجيكستانيني واألوزبكستانيني أكثر من غريمها من األعراق‪ .‬أما‬
‫التنظيم الكبري اآلخر للجهاد األفغاين هو حزب اإلسالم‪ ،‬وهو تنظيم كان الغالبية العظمى فيه من البشتون أكثر‬
‫من غريهم وهو تنظيم أختذ التحزب أساسا له كإلخوان‪ .‬ويعرف حزب اإلسالم الذي حتت قيادة املهندس غالب‬
‫الدين حكمتيار‪ ،‬بأنه تنظيم سياسي‪/‬عسكري متميز بنظام الصلب‪ .‬وأن مجاعة الرتبية اليت نشأت بإندونيسيا يف‬
‫منتصف الثمانينيات كتنظيم إصالحي مشابه لإلخوان‪ .‬وقامت هذه اجلماعة بتكوين حزب العدالة والرفاه يف عام‬
‫‪ 1988‬وأستطاعت أن حتقق جناحا يف نيل قوة سياسية يف سياسة الدولة‪ .‬ونفس هذه التجربة يف ماليزيا كانت مع‬
‫‪143‬‬
‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬

‫احلزب اإلسالمي املاليزي‪ .‬كما أن هذا اخلط السياسي نفسه يف تركيا بدأت منذ بدايات السبعينيات مع جنم الدين‬
‫أربكان (املتويف ‪ )2011‬واملمثلة يف حركة الرؤية القومية‪.‬‬
‫على الرغم من أهنا ترفض هوية حزب ديين وإسالمي‪ ،‬فإنه يبدو أن حزب العدالة والتنمية (حزب العدالة والتنمية)‬
‫حتت قيادة رجب طيب أردوغان‪ ،‬الذي خرج من ميلي كوروش أي حركة الرؤية القومية‪ ،‬جنده يتفق يف طرق عديدة‬
‫مع اإلخوان مثل برامج التحول اإلجتماعي والرؤى واملثل السياسية‪ .‬كما نالحظ أن حزب العدالة والتنمية قد‬
‫رجح التعاون مع احلركات واألحزاب اليت يف خط اإلخوان يف السياسة اخلارجية جتاه الشرق األوسط خالل الثورات‬
‫العربية يف فرتة ما بعد ‪.2011‬‬
‫إن املنظمات اليت أسسها الطالب املسلمون الذين يدرسون يف الدول الغربية و املهاجرون الذين يعيشون هناك‬
‫تتم ادارهتا بطريقة أو بأخرى من قبل شخصيات ذات أفكار إصالحية سياسية‪ .‬تأسست إحتاد الطالب املسلمني‬
‫بالواليات املتحدة األمريكية عام ‪ 1963‬حتت قيادة املسلمني العرب املنتمون لإلخوان واهلنود املسلمني ‪ MSA‬املنتمني‬
‫ائدا يف تأسيس اجلمعية‬
‫للجماعة اإلسالمية‪ .‬واليوم‪ ،‬أصبح إحتاد الطالب املسلمني بالواليات املتحدة األمريكية ر ً‬
‫اإلسالمية يف أمريكا الشمالية‪ ،‬واليت تعد اآلن أكرب منظومة مظلة يف أمريكا الشمالية‪ ،‬وتعمل ككونفدرالية كبرية‬
‫تضم كل جزء إسالمي تقريبًا‪ .‬جنحت اجلمعية اإلسالمية يف أمريكا الشمالية يف محاية الروح السياسية اإلسالمية إىل‬
‫حد كبري حىت يومنا هذا‪ .‬واملعهد الدويل للفكر اإلسالمي‪ ،‬املعروف‬
‫‪1‬‬ ‫أيضا باسم )‪Tripple IT (IIIT‬هو نوع من املؤسسات الفكرية اليت‬
‫تعمل يف أمريكا الشمالية وأوروبا‪ ،‬وخاصة يف اململكة املتحدة‪.‬‬
‫هل ميكنكم إعطاء مناذج لآلثار‬
‫تعترب اجلماعة اإلسالمية واحدة من أكثر املنظومات الدينية الثقافية والسياسية اليت خلفتها اإلخوان‬
‫املنتظمة يف جنوب آسيا‪ ،‬وبالكاد تعترب املنظومة املعادلة لإلخوان املسلمني يف تركيا؟‬
‫املسلمني يف شبه القارة اهلندية‪.‬‬

‫اجلماعة اإلسالمية‬
‫تأسست اجلماعة اإلسالمية يف الهور يف عام ‪ 1941‬على يد مخسة وسبعني مندوبا بناء على دعوة من أبو األعلى‬
‫املودودي (‪ )1979-1903‬الذي أراد بدء الصحوة اإلسالمية يف اهلند الربيطانية‪ .‬إن املودودي الذي ولد يف مدينة‬
‫اوراجناباد التابعة لوالية ماهارشتة اليوم يعد من الشخصيات السياسية املعروفة يف تركيا وال سيما مبؤلفاته اليت ترمجت‬
‫إىل اللغة الرتكية وكذا يعد هو من الشخصيات األكثر شهرة مثل سيد قطب يف تركيا‪ .‬على الرغم من اشتهاره‬
‫كصحفي وسياسي يف بالده بسبب عمله يف الصحافة كثريا منذ سن اخلامسة عشر‪ ،‬إال أن التعليم الديين الذي‬
‫تلقاه بطريقته التقليدية واحلديثة من والده الذي كان حمامياً ومن املدرسة اليت ذهب إليها‪ ،‬كان أيضاً مهد له يف‬
‫تأهيله ألن يكتب يف جمال العلوم اإلسالمية‪.‬‬
‫لقد أدرك املودودي الذي خاض نضاال شجاعا ضد االستعمار الربيطاين مبنشوراته ومقاالته ومؤمتراته و وكان متفقا‬
‫مع علماء ديوبندية الذين كانوا يدافعون عن مشروع (اهلند الغري مقسمة) وذلك بناءا على أي طريق يتبعه بعد‬

‫‪144‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫االستقالل من االستعمار‪ .‬وراء رأيه كان املثل األعلى لألمة املوحدة بدال من املشاعر القومية‪ .‬ومع ذلك مل يكن‬
‫ذلك ممكناً‪ .‬ويف عام ‪ 1947‬كشفت تطور األحداث الناشئة عن نشأة دولة باكستان حبيث كان املسلمون هبا‬
‫هم األغلبية‪ .‬ومن األهداف املستقبلية ملودودي وأصدقائه الذين أسسوا اجلماعة اإلسالمية يف الهور على حدود‬
‫باكستان أن يؤسسون دولة إسالمية يف هذا البلد اجلديد الذي سيصبح مثاالً للعامل اإلسالمي والعامل بأسره‪.‬‬
‫سوف يعمل مودودي ومجاعته على أن تكون األحكام اإلسالمية مطبقة يف باكستان بأعتبارهم احلزب معارض‬
‫حلزب االحتاد اإلسالمي بقيادة العقل السياسي لفكرة باكستان املستقلة حممد علي جناح بغية هويته العلمانية‪.‬‬
‫يف احلقيقة أن أول دستور لباكستان يف عام ‪ 1956‬مشل ”تأسيس جمتمع قائم على املبادئ اإلسالمية وتطبيق مجيع‬
‫القوانني بناءا على ضوء األحكام املوجودة يف القرآن والسنة” ويعترب هذا حتفة حتسب للجماعة اإلسالمية‪ .‬ومع‬
‫ذلك من أجل الوصول إىل هذا اهلدف‪ ،‬دفع اجملتمع مثنًا باهظا‪ .‬وحكم على أعضاء من اجلماعة‪ ،‬وخاصة مودوي‬
‫بالسجن لفرتات طويلة‪ .‬رمبا كانت اخلطوة األكثر أمهية يف الطريق إىل اهلدف الذي مجع فيه مودودي بني عامي‬
‫‪ 1951‬و ‪ 1953‬مجعيات إسالمية يف وجهات نظر خمتلفة وأقنعهم بفكرة دولة دينية قائمة على الشريعة اإلسالمية‬
‫واإللتزام على املبادئ واألسس اليت يتم اإلتفاق عليها على ذلك األساس‪.‬‬
‫لقد مسح الدستور الباكستاين لكيان اجلماعة اإلسالمية بالعمل كحزب سياسي‪ .‬ويف هذه املرحلة اجلديدة أهتم‬
‫املودودي بتهمة اإلنفصالية وذلك بسبب إطالقه محلة كبرية ضد الطائفة األمحدية ‪ /‬القاديانية بغية أراءهم املخالفة‬
‫حول مسألة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هو آخر نيب مبعوث‪ .‬مما أدى ذلك إىل أن حكم للمودودي باإلعدام‪.‬‬
‫ومن مث حكم له بالرباءة‪ .‬إن االنقالب العسكري الذي قام به أيوب خان يف عام ‪ 1958‬أدى إىل حظر األنشطة‬
‫السياسية للجماعة‪ .‬إال املودودي استمر يف العمل بالقوانني اليت وضعها من دون أن يتنازل عنها أو ينقص منها‬
‫رغم اإلنتقادات اليت وجهت له مما أدى ذلك إىل إدانته عدة مرات‪ .‬وعلى الرغم من ذلك رفض املودودي من أن‬
‫يساعد احلكومة العسكرية حينما نشب احلرب مع اهلند سنة ‪ .1965‬كما تشكلت حركة اجلماعة اإلسالمية خالل‬
‫هذه الفرتة يف كل من اهلند وكشمري وسريالنكا وأيضا يف بنغالديش أي باكستان الشرقية مبسماها القدمي‪ .‬حدثت‬
‫إنفصال بنغالديش من باكستان يف عام ‪ .1971‬قامت املنظمومات يف بنغالدش‪ ،‬على وجه اخلصوص جمموعة‬
‫طالب اجلماعة اإلسالمية بشن حربا مسلحا خالل احلرب األهلية وذلك ضد القوات االنفصالية العاملة مع اهلند‬
‫يف قوات البدر شبه العسكرية بقيادة اجليش الباكستاين‪.‬‬
‫قرر املودودي التخلي عن رئاسة اجلماعة نسبة حلالته الصحية يف عام ‪ .1972‬إال أنه يف السنوات الالحقة عارض‬
‫بشدة ذوالفقار علي بوتو (‪ )1977-1971‬بسبب ايديولوجيته االشرتاكية‪ .‬ومع ذلك قام بدعم اجلنرال ضياء‬
‫احلق الذي أتى إىل احلكم باإلنقالب العكسري وكان سبب دعمه له هو من كونه تتبع السياسة اإلسالمية‪.‬‬
‫تبىن املودودي اإلعتقاد والفقه السلفي يف حياته‪ .‬ولكن هذا مل يكن مانعا له من أن يؤيد ويدعم زعماء الشيعة‬
‫الذين جاءوا مع ثورة إيران يف الفرتة األخرية من عمره‪ .‬لقد سادت املثل العليا لألمة اإلسالمية على األفضليات‬
‫الطائفية‪ .‬عندما تويف يف عام ‪ 1979‬كان اجلهاد األفغاين ضد االحتالل السوفيايت (‪ )1989-1979‬بدأت حديثا‪ .‬ومل‬
‫تدخر اجلماعة اإلسالمية دعمها املباشر للمنظومات اجلهادية األفغانية‪ .‬كما أن اجلماعة مل تتخلف ومل تنتكس يف‬
‫اإلحتالل الذي نشب بشدة ضد مسلمي كشمري من قبل السلطات اهلندية‪ .‬بل صارت جزءا من مسألة كشمري‬

‫‪145‬‬
‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬

‫وذلك بتعاوهنا من حني آلخر مع جمموعة تسمى حزب اجملاهدين‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت اجلماعة حريصة على عدم‬
‫كشف اتصاالهتا مع اجلماعات املسلحة يف أفغانستان وكشمري‪ .‬تعترب باكستان أرض إسالمية وفقا على ما بينه‬
‫املودودي يف أسس اجلماعة‪ .‬لذا بإعتبار اجلماعة أهنا حركة نشطة داخل البالد فمينع هلا البتة املشاركة يف حرب‬
‫مسلحة بل يعد ذلك أمر غري مشروع‪.‬‬
‫مثله مثل غريه من الشخصيات اإلسالمية العظيمة يرى املودودي أيضا أن اإلسالم نظام كلي يتضمن مجيع جوانب‬
‫احلياة البشرية الروحية منها والدنيوية‪ .‬عندما يدخل شخصا اإلسالم مستشهدا بكلمة الشهادة الدالة على التوحيد‬
‫يكون قد اسلم متقبال هذا النظام الكلي كله ويكون قد أمن باهلل صاحب هذا النظام الكلي إميانا واستسالما تاما‪.‬‬
‫وإن كتاب املودودي املسمى بـ(املصطلحات األربعة يف القرآن) ذات احلجم الصغري والتأثري الكبري يتناول ‪ -‬أمهية‬
‫كلمة الشهادة يف شخصية املسلم وأثرها ‪ -‬بشكل شيق‪” .‬حينما ال يعرف وال يدرك الشخص املسلم عبارات ‪-‬‬
‫اهلل والرب والعبادة والدين ‪ -‬مبعانيها احلقيقية ويقوم بتكرار كلمة التوحيد (ال اله إال اهلل) بشكل مستمر عندئذ‬
‫ينتج آهلة كثرية غري اهلل‪ .‬ال جرم أن هذا الشخص ال يدعو إهلاً غري اهلل وال يذكر إهلًا وربًّا سوى اهلل‪ .‬إال أنه بلسانه‬
‫يفعل ذلك‪ .‬إىل جانب ذلك جند أن هاتني الكلمتني تفيد آهلة كثرية‪ .‬وال يالحظ الشخص وهو يعبد اهلة عدة‪.‬‬
‫وهبذه الصورة يف احلقيقة من ناحية غايات الدين والعبادة األخرى جيد ذلك الشخص أنه يعبد اهلا غري اهلل ويكون‬
‫قد دخل يف دين غري دين اهلل”‪( .‬املودودي‪ ،1987 ،‬ص‪.)9-8 .‬‬
‫يقال أنه بعد قراءته ذلك الكتاب الذي ال يزال يعد أحد أهم كتب اإلسالم املتطرف أي املرشد هلا قام باإلطالع‬
‫على أفكار سيد قطب من البداية إىل النهاية‪ .‬وكما ذُكر أعاله استخدمت بعض اجلماعات املتطرفة فكرة سيد‬
‫قطب القائلة (جمتمع اجلاهلية) مع أطروحة املودودي كمربر لتقييم كل اجملتمع‪.‬‬
‫فالقائد الذي توىل رئاسة اإلخوان املسلمني بعد البنا هو املتبين للفكرة اليت عنون به حسن احلدييب كتابه املسماة بـ‬
‫(دعاة ليس قضاة)‪ .‬أي هو كتاب يتناول منهجية احلركة الراديكالية مستندا على مرجعية البنا يف الدعوة إىل اإلسالم‬
‫والقائم على إنتقاد إميان اإلنسان وتصنيفه من كونه مؤمن أم منافق أم كافر‪.‬‬
‫كان املودودي أيضا مثل البنا وقطب من املدافعني عن مشروع إسالمي يبدأ مع الفرد حىت يشمل اجملتمع ويصل‬
‫إىل الدولة بالقوة اليت تلقاها من اجملتمع‪ .‬وإن اإلستمرارية الضمنية لإلستعمار هي أيضا واحدة من أهم القضايا اليت‬
‫ناضلة من أجلها املودودي‪ .‬من أجل تشكيل جمتمع إسالمي رائد سيوقف هذا املسار عن طريق اجلهاد‪ .‬هنالك‬
‫حاجة جلية إىل منهج عقدي كهذا كما هو موضح يف مؤلفه (املصطلحات األربعة وفقا للقرآن)‪ .‬مث جيب على‬
‫الشخص تطبيق اإلسالم يف كل مرحلة من مراحل حياته ومع كل العبادات واألحكام‪ .‬ألوهية اهلل ليست فقط‬
‫صفة ذات صلة بكونه خالق أو كونه ‪-‬ال معبود إال هو‪ -‬املرجع الوحيد يف العبادات‪ .‬كما يقتضي قضاء حكمه‬
‫وحاكمية شريعته يف الكون‪ .‬كما أن هذا جزء ال يتجزأ من التوحيد أيضا من خالل إنشاء حكومة إسالمية ميكن‬
‫أن يتحقق ذلك‪ .‬هذه الدولة أو احلكومة ال عالقة هلا بتجربة السيادة يف التاريخ اإلسالمي‪ .‬يف هذا الصدد‪ ،‬يقدم‬
‫مودودي مشروع دولة وقانون واقتصاد من خالل تكييف القيم الغربية احلديثة مثل الدميقراطية والنظام الدستوري‬
‫والنظام االقتصادي لإلسالم‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫هناك مؤلفات ألفها املودودي عن اإلسالم السياسي والعالقة بني الدين والدولة‪ ،‬ومن أشهرها‪:‬‬
‫• نظرية اإلسالم السياسية‬
‫• نظام احلياة يف اإلسلم‬
‫• اخلالفة وامللك‬
‫• منهاج انقالب اإلسالمي‬
‫• تدوين الدستور اإلسالمي‬
‫• حول تطبيق الشريعة يف العصر احلاضر‬
‫أشار املودودي إىل األمور اليت تعكر صفو عقلية املسلمني من الثقافات اهلندية املختلفة أو القاديانية‪ ،‬كما عارض‬
‫فكرة وجود أناس ذوي الكشوفات واإلهلامات أو وجود زعماء كارزميني‪ .‬وباملقابل فقد شجع على التصوف اخلايل‬
‫من اخلرافة والباطنية‪ ،‬والذي حييي من معنويات الشخص املسلم‪ .‬وقد انتقد املؤسسات التعليمية العلمانية اليت‬
‫جرت األجيال إىل العلمانية الغربية‪ ،‬لكنه مل يأل جهد يف نقد املؤسسات اإلسالمية التقليدية مثل املدارس املتصفة‬
‫باجلمود‪ .‬لقد دعا املودودي إىل تقلد املؤسسة االجتهادية دورا رائدا يف التجديد وإرشاد األمة‪ ،‬ويرى أن احلداثة‬
‫ليست سوى السعي حنو اإلصالح‪ ،‬وال ينبغي أن يتجاوز ذلك إىل أبعاد حتريفية أخرى‪.‬‬
‫دافع املودودي عن التجديد املرتكز على اإلسالم‪ ،‬وعارض‪ ،‬يف الوقت نفسه املواقف األخرى اليت تنتقص من‬
‫دور النبوة يف اإلسالم‪ ،‬موضحا ذلك أن السنة هي التطبيق الكامل الذي ال عيب فيه لإلسالم‪ .‬وقد حتدث عن‬
‫كل ذلك يف كتابه ”سنة كي عيين حينثيت”‪ .‬وقد لقي نقدا من بعض األوساط الصوفية يف موقفه جتاه املذاهب‬
‫ونقده لبعض الصحابة بأهنم ارتكبوا أخطاء يف جمال السياسة‪ .‬أما عند التقليديني فقد اهتم بإيقاظ الفتنة وبأنه‬
‫يسعى إلجياد مذهب خاص به‪ .‬ومن هذه الردود كتاب ”فتنة املودودية” ملؤلفه حممد زكريا القندهلوي‪ ،‬أحد الرموز‬
‫املؤسسة جلماعة التبليغ‪.‬‬
‫يشبه تنظيم اجلماعة اإلسالمية إىل حد كبري تنظيم اإلخوان املسلمني‪ .‬فأمريها ينتخب من قبل جملس شوري كل‬
‫مخس سنوات‪ ،‬ولديها جلان تنفيذية وجلان حملية وغرف مهنية‪ ،‬وجلان للشباب والطالب والنساء‪ ،‬ووحدات هتتم‬
‫بالتضامن اإلجتماعي ومدارس وخدمات صحية ومعاهد أكادميية وفكرية وكل هذه وحدات متصل باجملتمع وتعمل‬
‫وفقا لألهداف املرسومة من قبل اجلماعة‪ .‬وألهنا ليست مجاعة حمظورة مثل مجاعة اإلخوان املسلمني وليست هلا‬
‫مشاكل يف مجع املال مثل اليت واجهتها اإلخوان‪ .‬فإن هلا مقرا إداريا بارزا يف حي املنصورة مبدينة الهور الباكستانية‪.‬‬
‫وتقوم اجلماعة مبهماهتا املالية واخلدمات اإلجتماعية وعالقاهتا العامة وعالقاهتا اخلارجية وعالقاهتا مع جملس النواب‬
‫وخبدمات الرتمجة والطبع والنشر والتعليم واإلدارة وغريها من األعمال‪ ،‬مما جعله مبثابة التجمع واالستقطاب األكرب يف‬
‫باكستان‪ .‬ومن ناحية االستقطاب والتجمع فإن اجلماعة اإلسالمية تعد من أكثر اجلماعات دمقراطية‪ .‬فهي تتكون‬
‫من ثالث طبقات‪ ،‬األخري منها تسمى باألركان‪ ،‬وهم األعضاء األصليون وهم أهل الرأي الذين خيتارون اجمللس‬
‫الشوري‪ .‬أما الطبقة الثانية اليت تطلق عليها اسم ”الكرفون” فهي ال تتمتع حبق التصويت‪ ،‬غري أهنا تقوم بأعمال بارزية‬
‫يف القاعدة‪ .‬أما الطبقة األوىل فهي ”املتفق” والذين يشكلون األغلبية فيها‪ ،‬ويساعدون اجلماعة ماديا ويصوتون يف‬
‫االنتخابات لصاحل مرشح اجلماعة وتستفيد منهم اجلماعة يف االستقطاب ال سيما يف املراحل التعليمية املختلفة‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬

‫إذا قارنا اجلماعة اإلسالمية باجلماعات املنبثقة من الطرق واملدارس يف شبه القارة اهلندية‪ ،‬فإننا نرى أهنا تتمتع‬
‫بتعاطف متدن يف األوساط الشعبية‪ .‬ومن األسباب اليت أدت إىل هذه احلالة اليت جرهبا اإلخوان يف مصر‪ ،‬أن‬
‫الكادر للجماعة تتكون من خرجيي جامعات ومهنيني‪ .‬وال مفر من أن يلقى هذا الكادر املتعلم صعوبات يف‬
‫خماطبة الطبقة األدىن‪ ،‬خصوصا أولئك الذين يعيشون يف الريف واملناطق النائية‪ .‬وميكننا أن نفسر قلة األصوات‬
‫اليت تتحصل عليها مرشحو اجلماعة يف االنتخابات‪ .‬لكن يف مقابل ذلك‪ ،‬فإن كون اجلماعة مجاعة غري مسلحة‬
‫مل ينتهج الشدة يف حركاته وطبيعتها السلمية‪ ،‬جعلها عنصرا حمل ترحيب يف أروقة السياسة الباكستانية‪ .‬لكن مع‬
‫ذلك ال نرى أهنا حظيت بنفوذ أيديولوجي وديناميكي يف السياسة بقدر ثقله وما يستحقه من التأثري‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ما هو تقييمكم حول أن اجلماعة اإلسالمية مل تتلقى دعما شعبيا كما تلقتها املنظومات السياسية الكربى‬
‫األخرى املشاهبة هلا؟‬

‫حزب التحرير‬
‫يعين حزب التحرير اإلسالمي‪ .‬وهو حزب سياسي ذو أيديولوجية إسالمية (حزب التحرير‪ ،2009 ،‬ص ‪.)32‬‬
‫أسس احلزب سنة ‪ 1953‬يف القدس اليت كانت آنذاك حتت اإلدارة األردنية‪ .‬ومؤسسه حممد تقي الدين النبهاين‬
‫األزهري (ت ‪ )1977‬وهو فلسطيين‪ .‬وكان النبهاين قريبا من اإلخوان باعتبار أهدافه اإلسالمية‪ ،‬وقد حاول أن‬
‫حيول املبادئ اجلماعاتية لإلخوان إىل عمل سياسي مما حدا به إىل تأسيس حزب التحرير هذا‪ .‬وعلى الرغم من أنه‬
‫حصل على ترخيص لفتح احلزب‪ ،‬إال أن احلزب مت حتظريه سنة ‪ ،1954‬فاضطر النبهاين إىل مغادرة األردن والذهاب‬
‫اىل لبنان‪ ،‬حيث تويف وهو حتت املراقبة‪.‬‬
‫إن اهلدف األساسي حلزب التحرير تأسيس خالفة إسالمية يشمل مجيع املسلمني يف العامل اإلسالمي وتطبق فيها‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ .‬ويرى احلزب أن هدف اجلماعات األخرى مبا فيها مجاعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬ليست واضحة‬
‫متاما‪ .‬فالطريق إىل الدولة اإلسالمية واضحة‪ ،‬والرسول صلى اهلل عليه وسلم هو الذي أرشدنا إليه وأخربنا به‪ .‬وقد‬
‫أمر اهلل املؤمنني أن يتبعوا طريقه صلى اهلل عليه وسلم (السرية النبوية)‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقسم احلزب الطريق‬
‫الذي جيب اتباعه إىل ثالث مراحل‪ :‬األوىل‪ :‬استقطاب األفراد وتشكيل مجاعة مكونة من األفراد يتم تثقيفهم هلذا‬
‫اهلدف‪ .‬وهذا يقابل ما قام به الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف دار األرقم‪ .‬املرحلة الثانية‪ :‬أن يشرح للناس طريقة‬
‫احلزب من خالل الكادر الناضج الذي مت تكوينه‪ ،‬وتوضيح أفكارهم للناس وتكوين القضية والتضامن مع األمة‪.‬‬
‫ويف هذه املرحلة يكون مواجهة احلكام واإلدارة أمرا نبويا حتميا‪ .‬وجيب القيام بذلك مثلما قام النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم هبذه التجربة يف مرحلة صعبة وطلب النصرة من الشعب وجتاوز املشقات واملصاعب بكل صرب‪ .‬وبعد هذ‬
‫الصراع وهذه املواجهة يتم تسلم السلطة وتكوين دولة إسالمية واختيار اخلليفة وتنفيذ الشريعة حكما هلل وإعالن‬
‫‪148‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫رسالة اإلسالم إىل كل العامل‪ .‬ومن البديهي أن يعارض بؤرة الكفر مشروع العدالة هذه‪ .‬ويف هذه احلالة فإن صراع‬
‫احلضارات يصبح أمرا ال مفر منه‪( .‬حزب التحرير‪ ،2009 :‬ص ‪.)54-43‬‬
‫لقد مت ترمجة دستور اخلالفة اإلسالمية املتكون من ‪ 190‬مادة إىل أكثر لغات العامل‪ .‬وقد عارض احلزب التطبيق‬
‫اجلزئي أو املرحلي للشريعة اإلسالمية‪ ،‬ورأى عدم جواز توقيع اتفاقيات مثل اتفاقية الناتو واألمم املتحدة واهليئات‬
‫غري املسلمة‪ ،‬وقد انتقدوا الدول اليت تسمي نفسها بالدول اإلسالمية مثل اململكة العربية السعودية وإيران‪ .‬ويرى‬
‫احلزب أن مفهوم األمة جيب أن ميحو مفهوم الشعوبية واملذهبية‪ .‬ويرى احلزب نفسه أنه حركة سنية على خالف‬
‫اإلخوان املسلمني‪ .‬لكن احلزب وضع لنفسه أسسا عقائدية سنية‪ .‬وأما يف املسائل اخلالفية فقد اختذ لنفسه مواقف‬
‫لكل أتباعه يف مجيع أحناء العامل‪ .‬فمثال يعتقد أنصار احلزب أن العمل ليس جزءا من اإلميان وأن مسألة عذاب‬
‫القرب ليس مسألة اعتقادية‪ .‬وهذه اخلاصية يتميزون هبا عن االخوان املسلمني الذين تركوا هذه املسائل للظروف‬
‫اليت يعيشها أفرادها‪ .‬فمثال‪ :‬كوهنم من أهل السنة جعل املسلمني من الشيعة يف إيران غري قادرين على احلصول‬
‫على عضوية من احلزب‪.‬‬
‫إن مفهوم الكتلة \ اجلماعة والنظام‪ ،‬يعتربان مهمني يف حزب التحرير‪ .‬فهذا التأكيد يشري إىل أن القائمني‬
‫باألعمال الثقافية والقائمني باألعمال اخلريية والعاملني يف جمال الطباعة والنشر والداعني إىل السنة والعبادة ليس‬
‫فقط هم من ليسوا على الطريق الصحيح؛ فريى احلزب أننا إذا قمنا بعمل يف جمال االستقطاب فيجب أن يكون‬
‫عمال سياسيا مجاعيا‪ ،‬وال جيوز أن يكون عمال غري سياسي‪ .‬فكما أن إقامة اخلالفة وتنصيب اخلليفة أمر سياسي‪،‬‬
‫فإن احلكم مبا أنزل اهلل كذلك أمر سياسي وال ميكن حتقيقه إال بأمر سياسي‪( .‬حزب التحرير‪.)20-19 ،2009 :‬‬
‫لكن وعلى الرغم من أن احلزب ال يقيم مفهوما حول دار اإلسالم ودار الكفر‪ ،‬إال أنه ال يرى أن االستعانة‬
‫بالقوانني غري اإلسالمية وبأنظمتها وبالطرق الرمسية والتحزب للوصول باإلسالم إىل السلطة أمر صائب‪ .‬وهذه نقطة‬
‫خالف فيها احلزب مجاعة اإلخوان يف العامل العريب‪ ،‬كما خالف فيها اجلماعة اإلسالمية يف شبه اجلزيرة اهلندية‪.‬‬
‫ويعربون عن هذا املوقف بعبارة‪” :‬ال جيوز شرعا الوصول إىل الواجب عرب احلرام”‪( .‬حزب التحرير‪.)41 ،2009 :‬‬
‫وبطبيعة احلال‪ ،‬فإن هذا املوقف جعل مجيع حزب التحرير حزبا حمظورا‪ .‬لكن كوهنا غري منتهج الشدة والسالح يف‬
‫تعاملها‪ ،‬جعل السلطات يغضون عنها الطرف‪ .‬فمثال يف تركيا يوجد للحزب منشورات ومطبوعات واجتماعات‬
‫ومؤمترات مسموحة هبا يتناقشون فيها عن قضايا اخلالفة‪ ،‬ويقوم كذلك يف بعض األحايني باجتماعات حافلة‪.‬‬
‫وسلوك النيب صلى اهلل عليه وسلم يف عدم انتهاج الشدة يف املرحلة املكية‪ ،‬هو الذي اقتدى به احلزب يف هذه‬
‫املرحلة‪ .‬إن هذه التأكيد على اخلالفة واحلرية جعل احلزب يف مواجة مع مسألة اهلوية‪ ،‬كما جذب إليها شبابا‬
‫وعائالت مهاجرة إىل الدول األوربية‪ .‬وهنا جيب اإلشارة إىل أن احلزب كان شائعا يف دول آسيا الوسطى اليت‬
‫ختلصت من التدخل الروسي سنة ‪ 1990‬يف سبيل إنشائها هلوية جديدة هلا‪ .‬لكن احلرية اليت كان يتمتع هبا يف أوربا‬
‫مل جيدها يف جمتمعات آسيا الوسطى‪ .‬فسجون دول مثل أزبكستان وطاجكستان وقرغزسان‪ ،‬مليئة بأعضاء احلزب‪.‬‬
‫يرتأس احلزب جلنة إدارية على رأسها أمري‪ ،‬وحتتها إدارة هرمية‪ ،‬وفيها جلان معتمدة وحتتها نقباء هم الذين‬
‫يرأسون اللجان احمللية‪ .‬ووجود األمري يف األردن جعلها عاصمة هلذا احلزب‪ .‬أما الدول األخرى فتحمل اسم‬
‫الواليات‪ .‬ويرى احلزب أن اإلصالح يشمل مجيع اجملتمع من الرأس إىل القاعدة على خالف اإلخوان املسلمني‬
‫‪149‬‬
‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬

‫الذين يرون مبدأ الفرد مث العائلة مث اجلمعية مث الدولة‪ .‬إضافة إىل أهنا تستخدم مفاهيم رنانة مثل اخلالفة بدال‬
‫من ”اإلدارة اإلسالمية” وهذا حمل تنقيد هلم من قبل اآلخرين‪ .‬وقد صمم احلزب طريقة للحكم يف ظل اخلالفة‪.‬‬
‫ويرى البعض أن طريقة شرح اإلسالم للشرائع املسلمة اليت ال يعرف دينها قد يؤدي إىل عدم فهم اإلسالم‬
‫بالطريقة الصحيحة‪ .‬ويبدو أنه من الصعب جدا توضيح التناقض بني مبدأ املرحلة املكية واملدنية‪ ،‬وبني مبدأ‬
‫عدم التدرج يف تطبيق الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫يف سياق العالقات بني املؤسسات والعالقات الدولية جند أن حترك احلزب الرجعي حال من حترك املسلمني يف‬
‫الساحة العملية‪ .‬وإن قوانيني احلزب أو التحديد السياسي واملنهجي اليت وضعها قائد احلزب واملؤسس له النبهاين‬
‫يف وقت زمانه و إىل يومنا هذا يكشف عن تنظيم\حزب ساكن‪( .‬كوسه‪ ،1998 ،‬ص‪.)184-5 .‬‬

‫حزب اهلل‬
‫قادت املدرسة الشيعية الثورة اإلسالمية اإليرانية يف عام ‪ ،1979‬إال أن جذور الثورة بدرجة كبرية متتد إىل احلركة‬
‫اإلسالمية السياسية‪ .‬يف ظل غياب املهدي املنتظر؛ أطر اجتهاد والية الفقيه من قبل آية اهلل اخلميين لتأسيس دولة‬
‫العدالة املنتظرة اليت سيقيمها املهدي املنتظر بنفسه يف وقت قريب من قيام الساعة‪ .‬رأي اخلميين هو أن األنظمة‬
‫السياسية غري املستندة على اإلسالم ماهي إال أنظمة شركية حيكمها الطاقوت‪ .‬وإزالة حالة الشرك هذه فرض على‬
‫كل مسلم‪ .‬ومن جانب آخر‪ ،‬مع سقوط الدولة العثمانية انقسمت األمة إىل جمموعات‪ ،‬وحتولت معظمها إىل‬
‫دول قومية يرأسها أتباع اإلمربيالية الغربية‪ .‬وإلحياء وحدة املسلمني من جديد؛ البد من االنتفاضة على حكومات‬
‫الظلم هذه‪ .‬يف ظل هذا الوضع؛ البد من توفر قيادة قوية تضلع باملسؤولية نسبة لغياب اإلمام‪ .‬وإذا نظر للعلماء‬
‫على أهنم ورثة األنبياء كما ورد يف احلديث‪ ،‬فيجب أن يقود حكومة اإلسالم فقهاء عادلون نيابة عن قادة هذه‬
‫احلكومة احلقيقيني‪ :‬النيب واإلثناعشر إمام‪ .‬اكتسب قادة الثورة األوائل ومن بعدهم حكام اجلمهورية اإلسالمية‬
‫اإليرانية شرعيتهم من مبدأ فكرة والية الفقيه‪.‬‬

‫ملزيد من القراءة حول مبدأ والية الفيقه ميكن اإلطالع على مؤلف اخلميين (احلكومة اإلسالمية‬
‫ووالية الفقيه)‪.‬‬

‫أراد قادة الثورة اإليرانية تصدير ثورثهم إىل اخلارج وخصوصا إىل الدولة اليت ميثل الشعية أغلبية سكاهنا كالبحرين‬
‫والعراق‪ .‬أما بالنسبة للدول اإلسالمية السنية فكان احلضور للجماعات اإلسالمية الكبرية اليت ذكرناها سابقا‬
‫كاإلخوان املسلمني والشعية‪ .‬اجلهورية اإلسالمية اإليرانية بدال من العمل مع هذه اجلماعات الكبرية اليت دعمت‬
‫ثورهتا‪ ،‬فضلت التحرك مع جمموعات صغرية تنظر إىل اخلميين كمرشد مما يعين أهنا مسلمة مببدأ والية الفقيه‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫وأسندت الرؤية الفكرية هلذا اإلختيار املتغذي من التعصب املذهيب إىل مفهوم ”حزب اهلل”‪ ،‬ومت اإلدعاء أن‬
‫اجلماعات اإلسالمية املذكورة اعتبارا من سبعنيات القرن املاضي وقعت حتت التأثري السعودي‪ ،‬وبالتايل أصبحو‬
‫ممثلني ملهفوم اإلسالم املعتدل األمريكي؛ لذلك الميكن أن يشكلوا بدائل لطواغيت اإلمربيالية‪ .‬ويرى علي القراين‬
‫أحد خمططي الثورة اإليرانية بأن طريق حزب اهلل سيكون بديال حقيقيا‪ ،‬فهذا الطريق‪/‬املنهج مؤسس من قبل اخلميين‬
‫يسري بتوجيه العلماء ويتخذ املسجد مركزا‪ .‬قارن القراين بني حزب اهلل وبني أسلوب التنظيم احلزيب وأدعى أن‬
‫التنظيم احلزيب فقد صالحيته الزمانية والحاجه هلا‪ .‬حيث أن ثقافة حزب اهلل هي ثقافة الشعب أما ثقافة التنظيمات‬
‫اإلسالمية فكانت ثقافة عليا بعيدة عن الشعب متثل عضوية تلك التنظيمات ومفكريها‪ ،‬منهجية حزب ”نصية”‬
‫املركز‪ ،‬لكن التشكيالت احلزبية اختذت من ”الشرح” أساسا‪ ،‬منهجية حزب اهلل تبنت التدين القائم على ”روح‬
‫اجلهاد”‪ ،‬لكن طرح اجلماعات بقي يف مستوى ”التدين الفكري”‪ .‬باإلصافة إىل ذلك اتصفت قيادة التنظيم احلزيب‬
‫بالتعجيل لذلك مل يستيطع الوقوف عن الوسطية‪ ،‬لكن قيادة حزب اهلل فتميزت خبصائص الصرب والثبات وعدم‬
‫التخلي عن املباديء جبانب ذلك كانت هلا أبعاد روحانية وصوفية عالية‪ .‬أما التنظيمات أي املنظومات األخرى‬
‫فكانت دائما حتاول حل املشكالت بطريقة عقالنية‪.‬‬
‫مل تنجح حماوالت تصدير الثورة اإليرانية‪ .‬وبعد وفاة اخلميين يف عهد الرئيس هامشي رفسنجاين مت الرتاجع عن هذه‬
‫السياسة‪ .‬أهم جناحات هذه السياسية ‪-‬ورمبا الوحيدة‪ -‬متثل يف قيام تنظيم احلزب اللبناين‪ .‬حيث تأسس حزب‬
‫يف جنوب لبنان املعروف تارخييا بأسم جبل عامل وتلك منطقة يسكنوها الشيعة الذين تشكل نسبتهم نصف‬
‫سكان لبنان‪ .‬على عكس السنة املتمدينني فالشيعة يف لبنان حىت تاريخ قريب كانوا يقطنون يف املناطق الريفية‬
‫بالتايل مستوى تعليمهم ودخلهم كانت أقل مقارنة بالسنة‪ .‬تارخييا إلعاقة رغبات بعض القادة السنة يف ضم لبنان‬
‫إىل سوريا يف عام ‪ 1926‬جنح املسيحيون يف تصنيف الشيعة كفئة مذهبية لبنانية منفصلة‪ .‬وكانت هذه البداية ألن‬
‫يصبح الشيعة عنصر سياسي مهم يف هذا البلد الصغري‪ .‬وإن األنشطة التعليمية والتثقيفية اليت بدأها عبداحلسني‬
‫وشرف الدين وإلتحق هبا رجل الدين اإليراين املشهور موسى الصدر سامهت بشكل كبري يف رفع املستوى السياسي‬
‫والثقايف واالقتصادي للشيعة يف لبنان‪ .‬وجمهودات الصدر بالتحديد كانت عامال كبريا يف ارتفاع وعي الشيعية‪ .‬وإن‬
‫حركة احملرمني اليت أسسها الصدر يف عام ‪ 1974‬كحركة تكافل اجتماعي‪ ،‬كانت أهم تنظيم اسندت عليه حركة‬
‫آمل املمثل السياسي والعسكري للشيعية يف احلرب األهلية اللبنانية‪.‬‬
‫ومع اختفاء موسى الصدر يف العام ‪1978‬؛ فقدت حركة آمل هويتها الديين وتعلمنت‪ .‬وتأثري احلالة اليت‬
‫خلقتها الثورة اإلسالمية اإليرانية على شيعة لبنان البده أنه سينعكس على حركة آمل‪ .‬ففي عام ‪ 1982‬انفصل‬
‫من احلركة حسني موسوي نائب الرئيس واملتحدث بأسم احلركة آمل وأسس حركة العمل اإلسالمي‪ .‬هذا‬
‫التكوين اجلديد وعالوة عليه بعض تنظيمات املقاومة الشيعية الصغرية اليت مل تنضوي حتت لواء حركة آمل‬
‫مثلوا حجر األساس يف قيام احلزب اللبناين يف منتصف مثنيات القرن املاضي‪ .‬رغم ذلك ما كان ليتحقق تكون‬
‫حزب اهلل لوال لواء احملافظني الذي ارسلته حكومة الثورة اإليرانية وقدر عدد أفراده مابني ‪ .2000-1500‬هذا‬
‫التحالف املشكل من قبل حمافظي الثورة سيتحول فيما بعد إىل مظلة واحدة بأسم حزب اهلل إشارة إىل حزب‬
‫اهلل املذكورة يف اآلية القرآنية‪ .‬حزب اهلل ذو القاعدة الكبرية يف جنوب لبنان وجنوب بريوت وللبقاء أعلن أن‬
‫هدفه األول هو إهناء اإلحتالل اإلسرائيلي‪ ،‬وبرز حزب اهلل كأقوى مقاومة لإلحتالل اإلسرائيلي الذي استمر‬
‫‪151‬‬
‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬

‫لـ ‪ 18‬عاما يف الفرتة مابني عامي ‪ 1982‬إىل ‪ .2000‬و خالل تلك الفرتة دخل حزب اهلل يف عدد من النزاعات‬
‫مع حركة آمل‪ ،‬مما أدى إىل ضعف حركة آمل‪ ،‬لكن بعدم من حزب البعث السوري وإيران استطاع احلزب‬
‫أن حيصل على حركة آمل‪.‬‬
‫بعد أن أهنت اتفاقية الطائف احلرب األهلية اللبناية يف عام ‪ ،1990‬جردت كل اجملموعات اللبنانية من السالح‪،‬‬
‫لكن حزب اهلل استثين من ذلك ليقوم مبقاومة اإلحتالل اإلسرائيل يف جنوب لبنان‪ .‬ومتثلت أهم تكتيكات حزب‬
‫اهلل ضد اإلحتالل اإلسرائيلي يف االغتياالت واألسر والعمليات االستشهادي اليت عرفها العامل اإلسالمي أول مرة‬
‫عن طريق حزب اهلل‪ .‬علماء حزب اهلل ناقشوا ملدة من زمن مسألة التفجريات االنتحارية يف إطار حترمي اإلسالم‬
‫لالنتحار‪ ،‬وكان آية اهلل سيد حسني فضل اهلل أحد كبار الشخصيات اليت قدمت الدعم املادي واملعنوية للحزب‬
‫أوال ناقش هذه املسألة بشكل مفصل‪.‬‬
‫ويف الوقت الذي كان ينتظر فيه داعمي حزب اهلل فتوى بتجويز العمليات اإلنتحارية‪ ،‬أن أسلوب العمليات‬
‫االنتحارية تشوبه بعض الشبهات‪ ،‬ويف أحدى املقابالت التلفزيونية ذكر أنه باستثناء ظروف معينة خالل‬
‫مواجهات القوى الكربى الميكن تربير هذه العمليات‪ ،‬لكن ممارسة العمليات االنتحارية ضد القوى الكربى‬
‫يدخل يف باب الضرورة‪ ،‬والضرورة تتولد من عدم تكافؤ القوة‪ .‬وحينما سأل فضل يف حالة عدم توفر خيار‬
‫أخر هل من فرق بني أن ترمي بنفسك يف ساحة املعركة لتقتل ‪ 10‬أشخاص وأنت تعلم أنك ستقتل بعد ذلك‪،‬‬
‫وبني أن تنتحر وأنت تعلم أنك ستقتلهم؟ كانت اإلجابة الفرق بني احلالتني‪ .‬مع تغري ظروف احلرب بعد‬
‫‪ 1985‬ترك حزب اهلل للعمليات اإلنتحارية برر فضل ذلك بالتايل‪ :‬حنن نؤمن جبواز العمليات اإلنتحارية فقط‬
‫يف حالة أن الشخص ميكن أن يقوم بتغيريعسكري أو سياسي كبري إذا وضع على جسده قنبلة مدمرة‪ .‬هذا‬
‫األسلوب احلريب الذي ختلت عنها اجملموعات الشيعية اللبنانية‪ ،‬مت تبنيه من قبل اجملموعات السنية السلفية يف‬
‫أطار فكرة اجلهاد العاملي‪.‬‬
‫باإلضافة إىل وحداته العسكرية كون حزب اهلل يف التسعينيات وحدة سياسية ودخل الساحة السياسية اللبنانية‪،‬‬
‫وقيمت هذه اخلطوة بأهنا حماولة ألن يكون حزب اهلل لبنانيا‪ ،‬ظاهريا يبدو هذه اإلجتاه إشارة إىل حماولة حزب اهلل‬
‫من اخلروج من عباءة إيران‪ .‬لكن الواقع هو أن إيران نفسها من دعمت ذلك‪ ،‬فبدعم إيران املالية ودعم سورية‬
‫اللوجسيت كرب حجم حزب اهلل وصل إىل هذه الدرجة من التأثري‪ .‬استمر متثيل حزب اهلل يف الربملان اللبنانية منذ‬
‫مشاركته يف اإلنتخابات ألول مرة يف عام ‪ 1992‬إىل اآلن‪ .‬ويف بعض األحيان كان أحد مكونات احلكومات‬
‫اإلئتالفية‪.‬‬
‫ينظر إىل حالة حزب اهلل يف لبنان على أهنا ”دولة داخل دولة”‪ ،‬فلحزب اهلل تنظيم موازي للدولة يف لبنان‪ ،‬ميتلك‬
‫احلزب قوى عسكرية و بعض أفراده من خارج لبنان‪ ،‬وله كذلك دائرة عدل وإفتاء‪ ،‬ومؤسسات تعليمية للمراحل‬
‫املختلفة‪ ،‬وعدد من النقابات‪ ،‬ونظام مصريف‪ ،‬ومكتب عالقات خارجية‪ ،‬ومؤسسات صحية‪ ،‬وقناة تلفزيونية بأسم‬
‫املنار‪ ،‬و مجعيات تكافل ورعاية مسؤولة من دعم أسر الشهداء‪ ،‬ويعد األمني العام للحزب قائده‪ ،‬ويدير حزب اهلل‬
‫كغريه من احلركات اإلسالمية من قبل جملس أعلى للشورى‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫يعد كتاب ”حزب اهلل‪ :‬املنهج‪ ،‬التجربة‪ ،‬املستقبل‪ ،‬لبنان ومقاومته يف الواجهة” ل ـ نعيم الكاظم (أحد‬
‫الكتاب من داخل احلزب) مرجعا مهما ملوضوع حزب اهلل‪.‬‬

‫القائد الروحي حلزب اهلل حسني فضل اهلل واألمني األول صبحي طفيلي والثاين عباس موسى نشؤوا يف النجف‬
‫بالعراق‪ ،‬ذلك حزب يف سنواته األوىل كان حتت تأثري مدرسة النجف الرافض ملبدأ والية الفقيه‪ .‬وكان هذا مانعا‬
‫لفرتة طويلة تبعية احلزب فكريا إليران‪ .‬وأعلن فضل اهلل بشكل صريح عدم اعرتافه مببدأ والية الفقيه‪ .‬رفض طفيلي‬
‫لنفوذ إيران يف احلزب كان سببا يف ختليه عن قيادته‪ .‬لكن تغيري طبيعية العالقة مع إيران بوصول حسن نصراهلل‬
‫لقيادة احلزب يف عام ‪.1992‬‬
‫نصراهلل كغريه من طالب العلم الشيعة اللبنانيني بدأ حتصيله املعريف يف النجف‪ ،‬ومث التحق باملدارس الشيعية يف قُم‬
‫وأكمل تعليمه هناك‪ .‬أصبح احلزب حتت قيادة حسن نصراهلل منظمة حتت سيطرة إيران اليت يقودها علي خاميين‬
‫والذي يؤمن إميانا تاما مببدأ والية الفقيه‪ .‬زادت شعبية حزب اهلل بشكل كبري بعد أن تصدى للجيش اإلسرائلي‬
‫يف العام ‪ 2006‬وحال دون بقاءه يف لبنان‪ .‬قبلت جمهودت تضحيات حزب اهلل يف حرب ‪ 2006‬بالتقدير من قبل‬
‫كل اللبنانيني شيعة وسنة مسيحيني ودروذ‪ ،‬وأصبح نصراهلل بطال يف نظر السنة يف سوريا واألردن‪ .‬لكن بعد عام‬
‫‪ 2011‬تراجع دعم وقبول حزب اهلل بشكل كبرية يف عموم العامل اإلسالمي بعد أن صار جزء من سياسة إيران‬
‫ودعم حزب البعث يف احلرب األهلية السورية‪ ،‬وبدأت جمموعات املعارضة السنية تنظر إليه كأكرب عدو‪ .‬تصنف‬
‫الدول الغربية وعلى رأسها الواليات املتحدة األمريكية ودول اخلليج العريب حزب اهلل كمنظمة إرهابية‪ .‬بعض الدول‬
‫املنضوية حتت لوء اإلحتاد األوريب تفرق بني مكونات حزب اهلل فنجدها تقبل املكونات السياسية فرتاها مشروعا‬
‫يف حني أهنا ترفض املكون العسكري وتصنفها ارهابيا‪.‬‬

‫أنصار اهلل‬
‫هو اسم حلركة احلوثي املتواجدة يف اليمن واليت تتمتع بوضعية مشاهبة لوضعية حزب اهلل يف لبنان‪ .‬وهي حركة‬
‫تنتمي للمذهب الشيعي الزيدي وليس االثىن عشري كما هو احلال بالنسبة حلزب اهلل اللبناين‪ .‬كما تُعرف أطيافهم‬
‫جمتمعة باسم احلوثيون وهو اجلمع من كلمة حوثي وهي عائلة تُنسب ساللتها إىل النيب حممد (صل) وتقطن يف‬
‫اجلزء الشمايل من اليمن يف ضواحي مدينة صعدة منذ زمن طويل‪ .‬حافظت الزيدية اليمنية على استمراريتها إىل‬
‫يومنا هذا ومكانتها الواضحة من خالل أئمتها وعلمائها الذين خرجوا من أوساطها على مر األزمان وذلك يف‬
‫واليتهم وموطنهم التارخيي صعدة‪ .‬وميثل املذهب الزيدي ثلث سكان اليمن تقريبا أما باقي السكان فهم ينتسبون‬
‫إىل املذهب الشافعي السين‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬

‫إن أحد أهم اخلصائص اليت متيز مذهب الزيدية عن باقي املذاهب الشيعية األخرى هو قبوهلم مبشروعية إمامة كل‬
‫من أبو بكر الصديق وعمر ابن اخلطاب رضي اهلل عنهما‪ .‬وحسب اعتقادهم فإن إمامة املسلمني ال تكون إال ملن‬
‫هو من نسل علي وفاطمة الزهراء رضي اهلل عنهما وأنه يستحقها إذا قام وأشهر سيفه ضد الكفر والظلم وحظي‬
‫بالعلم والتقوى والشجاعة‪ .‬لكن االمام هنا ال يقتضي ان يكون كما عند االثنا عشرية حيظى بالعلم املوهوب من‬
‫اهلل والعصمة من الذنوب وال يتطلع ان يكون املهدي املنتظر‪ .‬وعلى الرغم من خلفية الزيدية وجذورها واعتقاداهتا‬
‫الشيعية إال أهنا تقاربت ومتيزت بالكثري من العالقات مع السنة يف البالد على مر التاريخ‪ .‬كما أن هذا املنهج‬
‫التقاريب للزيدية حظي بالرتحيب الصادق‪ .‬فإىل عهد قريب كانت هناك الكثري من الظواهر اليت تربهن هذا التقارب‬
‫بني الزيدية والسنة يف اليمن وهي كذلك نتائج حمسوبة له ومن تلك الظواهر البارزة عدم التفريق بني املساجد‬
‫واجلوامع حبسب املذهب وكذلك عدم السؤال عن املذهب يف حاالت الزواج حيث كان السؤال عن القبيلة هو‬
‫األهم‪ .‬باإلضافة إىل أنه ال حيظى مصطلح ”شيعة” بالقبول بني أتباع املذهب الزيدي اليمين وبدالً عنه فإنه يتم‬
‫استعمال مصطلح ”زيود” سواء بني أتباع املذهب أو خارجه كمصطلح رائج ومفضل‪.‬‬
‫يعد حزب احلق الذي مت تأسيسه عام ‪ 1990‬من قبل جمموعة من النشطاء الزيديني هو األساس حلركة أنصار اهلل‬
‫بشكل عام‪ .‬وقد كانت األهداف االساسية للحزب تتمثل يف إبراز كل ما يتعرض له الزيدية وعلى رأسهم األسياد‬
‫الزيديني يف صعدة بشكل خاص ويف عموم اليمن بشكل عام من مشاكل وتفرقة مذهبية ومشاكل اجتماعية‬
‫واقتصادية ونقلها إىل الساحة السياسية واملطالبة حبقوقهم املختلفة‪ .‬أما هوية احلزب الزيدية فقد كانت واضحة‬
‫للعلن وكان هناك ادعاء بأنه احلزب البديل حلزب االصالح الذي تأسس يف نفس العام والذي أصبح الناطق‬
‫بلسان السنة يف البالد بعد فرتة قصرية من تأسيسه‪ .‬وكان موضوع انتشار السلفية والوهابية يف اليمن يأيت يف مقدمة‬
‫املواضيع األهم اليت شغلت أجندة احلزب‪ .‬ففي نظر املسؤولني يف احلزب فإن الوهابية هي وليدة اإلمربيالية واليت‬
‫تسعى قواها حتت مظلة دينية إىل السيطرة على البالد وفرض النفوذ اإلمربيايل عليها‪ .‬وقد صرفت السعودية الداعمة‬
‫األوىل للوهابية الكثري من أجل حتقيق هذا اهلدف‪ .‬وكان حزب احلق هو مبثابة املناهض األساس هلذا التيار الوهايب‪.‬‬
‫أما األعمال السياسية حلزب احلق وما أنتجه من نشاطات مدنية فهي األهم نظراً ملوضوع حبثنا‪ .‬فقد بدأت حركة‬
‫الشباب املؤمن واليت نالت اإلذن القانوين عام ‪ 1991‬مبخاطبة اجلماهري الشابة يف البالد من خالل فعالياهتا احملاطة‬
‫بإطار ثقايف جنباً إىل جنب مع أعماهلا السياسية األخرى‪ .‬وقد وجدت أعمال حركة الشباب ونشاطاهتا املختلفة‬
‫قبوالً وإجيابية من اجلماهري والعامة‪ .‬كما أن احلركة حققت متاساً ملحوظاً مع قاعدة شبابية صعدوية من خالل‬
‫أنشطتها وفعالياهتا اهلادفة لألسلمة وإعادة اهليكلة والبناء على أسس إسالمية‪ .‬ومتثلت هذه األنشطة مبجموعات‬
‫القراءة الدينية والثقافية والتجمعات احمللية والدورات املختلفة املقامة يف املساجد واجلوامع واملخيمات الصيفية‬
‫واحملاضرات والندوات واإلجتماعات واليت هي جمتمعة تعكس النمط اخلاص باإلخوان املسلمني يف خلق التماس‬
‫املطلوب مع الفئات الشابة‪ .‬كان يتم تعليم وتثقيف الفئة املستهدفة من الشباب الزيدي مبذهبهم وتعاليمه املختلفة‬
‫واألسس اليت يقوم عليها‪ .‬ويتم كذلك حتديث هذه املعلومات الدينية حتت مظلة وخطابة اسالمية يف ظل قيادة‬
‫نشطاء مثل حسني احلوثي وغريه‪ .‬يف نفس الوقت كانت احلركة تطلق صيحات االيقاظ والتحذير منبهة ملخاطر‬
‫الفتنة الوهابية‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫مل حيقق حزب احلق النجاح الذي كان يسعى إليه يف الساحة السياسية‪ .‬ففي اإلنتخابات الربملانية لعام ‪ 1993‬حظي‬
‫فقط بنائبني يف الربملان‪ .‬وقد كان أحدهم حسني احلوثي ابن العامل الزيدي واسع الشهرة يف اليمن بدر الدين احلوثي‬
‫املتوىف سنة ‪ .2010‬يف هناية عام ‪ 1990‬ترك حسني احلوثي السياسة وبدأ هبيكلة وتنظيم تيار متطرف داخل حركة‬
‫الشباب والذي سيتحول يف السنوات الالحقة إىل انفصال متام عن احلركة‪ .‬ولد حسني احلوثي عام ‪ 1956‬وهو‬
‫مؤسس حركة احلوثي اليمنية‪ .‬درس احلقوق يف جامعة صنعاء وقد عمل نائبا يف الربملان عن والية صعدة ما بني‬
‫‪ 1993‬و ‪ 1997‬ممثالً حلزب احلق‪ .‬وقد حاز على درجة املاجستري يف علوم القرآن من أحد جامعات اخلرطوم سنة‬
‫‪ 1997‬إىل ‪ .1999‬وبعد إنفصاله ومن معه عن حركة الشباب يف بداية عام ‪ ،2000‬وصل إىل كتلة شعبية ومتعقبني‬
‫كثر من خالل ما كان يعطيه من حماضرات وندوات الوعظ يف صعدة‪.‬‬
‫كان من الواضح أن اخلطاب السياسي حلسني احلوثي فيه الكثري من املضاهاة سواء للثورة اإليرانية ورموزها أو‬
‫حلركة حزب اهلل اللبنانية‪ .‬وعلى الرغم من االدعاءات اليت تفسر هذا التقارب الكبري بأن حسني احلوثي قد غري‬
‫مذهبه من الزيدية إىل االثنا عشرية إال أن الثابت هو أن هذا التقارب نابع من حس االمتنان والتقدير لوقوف هذه‬
‫العناصر ضد احلركة الصهيونية والواليات املتحدة األمريكية‪ .‬أما الشعارات اليت عرف هبا احلوثيون واليت يقولوهنا‬
‫ويرفعوها باستمرار سواء يف اإلجتماعات ومراسم التابني واملظاهرات واليت تتمثل يف ”اهلل أكرب‪ ،‬املوت ألمريكا‪،‬‬
‫املوت إلسرائيل‪ ،‬املوت للصهيونية‪ ،‬النصر لإلسالم!” هي الشعارات املشهورة للثورة اإليرانية‪ .‬وبالنسبة حلسني‬
‫احلوثي فإن هذه الشعارات لن تعمل فقط على إيقاظ احلس والشعور السياسي لدى اجلماهري وإمنا ستخلق أجواء‬
‫توتر وقلق لدى أعداء اإلسالم‪ .‬كما وستكون مبثابة رسائل إيقاظ وحتذير للقادة العرب السنة الذين يعملون من‬
‫أجل أمريكا ومصاحلها‪.‬‬
‫حتولت احلركة احلوثية من حمض حركة سياسية معارضة للنظام إىل حركة مقاومة مسلحة بعد عام ‪ .2003‬احتُجز‬
‫لكن‬ ‫ِ‬
‫حسني احلوثي ورفاقه يف شهر أيلول لعام ‪ 2004‬يف أحد كهوف جبال مران‪ ،‬وطُلب منهم تسليم أنفسهم‪ .‬و ّ‬
‫احلوثي رفض أن يسلم نفسه‪ ،‬ونتج عن ذلك إطالق نار كثيف كانت هنايته أن فقد احلوثي ومن معه حياهتم‪ .‬بعد‬
‫ذلك أصبح العصيان احلوثي مشكلة دولية وذلك بعد دخول السعودية يف اشتباكات ضد احلوثيني يف عام ‪.2009‬‬
‫وبالطبع فإن هنج احلوثيني اإلسالمي واقتفائهم هنج الثوريني اإليرانيني وحزب اهلل‪ ،‬وكذلك تلقيهم الدعم املادي من‬
‫إيران أقلق السعوديني كثرياً‪.‬‬
‫بعد التدخالت السعودية واليت مل تبقى صامتة إزاء الوضع والتطورات احلاصلة يف اجلنوب‪ ،‬بدأ يعلو صوت‬
‫القاعدة يف حرب احلوثيني‪ .‬ومنذ بداية احلرب كانت هناك ادعاءات بأن حكومة صنعاء قامت مبحاربة احلوثيني‬
‫من خالل استعانتها باجلماعات السلفية القانونية وغري القانونية وعلى رأسها القاعدة‪ .‬وحىت لو مل تكن هذه‬
‫االدعاءات صحيحة ومثبتة إال أن احتمال سلوك الدولة مثل هذا الطريق يف عملياهتا املذكورة وارد بشكل‬
‫واضح‪ .‬أدت هذه التطورات املذكورة إىل إدخال القاعدة وجعلها جزاً من احلرب‪ .‬أعلنت ”القاعدة يف جزيرة‬
‫العرب” اجلهاد ضد احلوثيني يف أعقاب اهلجومني االنتحاريني الذين مت تنظيمهما يف عيد الغدير الشيعي يف‬
‫السنة وإخراجهم‬‫تشرين أول لعام ‪ .2011‬ويف هذا اإلعالن اهتم تنظيم القاعدة احلوثيني مبحاربتهم للمدنيني ُّ‬
‫من أراضيهم‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬

‫‪3‬‬

‫ماذا تريد أن تقول عن األسباب االجتماعية والسياسية اليت حولت احلوثيني إىل حركة طائفية عسكرية؟‬

‫إن اإلدراك القوي بأن إيران كانت متورطة يف األنشطة االستفزازية لألقلية الشيعية يف دول اخلليج واململكة العربية‬
‫السعودية منذ فرتة طويلة قد جلب إىل األذهان‪ ،‬على حنو طبيعي‪ ،‬أن املسألة احلوثية أيضا مرتبطة بأيادي فارسية‪.‬‬
‫ومن املعروف أن إيران حتاول إقامة نشاط يف شبه اجلزيرة‪ ،‬ومن اجلهة األخرى قد حاولت األنظمة العربية السنية‬
‫منع ذلك بكل الطرق‪.‬‬
‫إن ميل وسائل اإلعالم يف اليمن ودول اخلليج إىل اإلشارة أن احلوثيني ”شيعة متمردين” ورؤية الزيديني على أهنم‬
‫”شيعة حوثيني” بتواتر متزايد أيضا يف إيران هو مؤشر على تعمد نقل املسألة إىل بعد طائفي‪ .‬ومن املعروف أيضا‬
‫القعدة تؤمن بنفس هذه الرؤية‪.‬‬
‫منذ بداية عام ‪ 2011‬وخالل الثورات العربية كان أنصار اهلل قد شاركوا يف نشاط مع احلركات السنية يف عملية إزالة‬
‫رئيس اليمن علي عبد اهلل صاحل‪.‬‬
‫بعد الثورة أصبح وضع البالد يف وضع حرج وعدم استقرار بسبب إضعاف سلطة الدولة لعدم القدرة على تشكيل‬
‫حكومة قوية‪ ،‬وعودة االنفصاليني يف جنوب اليمن‪ ،‬وتزايد عمليات القاعدة تدرجييا‪.‬‬
‫اكثر القوى املستفيدة من هذه الفوضى هم احلوثيون‪ ،‬ومع جتربة متتد لـ‪ 10‬سنوات وسيطرهتم املسبقة على مشال‬
‫اليمن وسعوا سيطرهتم جلنوهبا ويف النهاية بيناير عام ‪ 2015‬استوىل احلوثيون على قصر الرئاسة اجلمهوري بصنعاء‬
‫واجربوا الرئيس املنتخب عبد ربه هادي منصور على اهلرب‪ .‬يف حني مل يكن لدى احلوثيني اي ثقل عرقي او مذهيب‬
‫توسعوا يف املنطقة ومتددوا للجنوب ليهددوا ميناء مدينة عدن وادى ذلك اىل قلق دول اجلوار وبدرجة اوىل اململكة‬
‫العربية السعودية و ادى ايضا اىل تكوين حتالف من قبل تلك الدول يف مارس من عام ‪ 2015‬وتدخل عسكري‬
‫لوقف التمدد احلوثي‪.‬‬
‫وظن التحالف ان احلوثي حيارب نيابة عن دولة ايران واوضح التحالف ان احلرب اليت بدأوها هدفها وقف املد‬
‫االيراين يف املنطقة‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬ ‫‪7‬‬

‫التعليق على تاثري االخوان املسلمني على خارج‬


‫الوطن العريب‬

‫ليس هناك شك يف أن منظمة االخوان املسلمني ذو التاثري األكرب‪ ،‬اليت حتمل فكرة اإلسالم السياسي إىل كل‬
‫ركن من أركان العامل العريب‪ .‬وكان تأثري هذه املنظمة على العامل اخلارجي من الوطن العريب تأثريا غري مباشرا‪.‬‬

‫اخلالصة‬
‫يف هذه الدول توسعوا باسرتاتيجية تكوين اجلماعات‪ .‬احلاصل‪ ،‬ان احلركات االسالمية السياسية خارج العامل‬
‫العريب بدات تتخذ من االخوان املسلمني مثال أعلى‪ .‬على سبيل املثال يف عام ‪ 1979‬أكرب حركتني جهاديتني‬
‫يف اجلهاد االفغاين تأثروا حبركة االخوان املسلمني املنظمات االسالمية السياسية يف اندونسيا وماليزيا وعلى‬
‫وجه اخلصوص احلركة القومية يف تركيا كان هدفهم مجيعا السلطة‪ ،‬كجماعة االخوان املسلمني متاما وعلى‬
‫نفس اجلانب من الناحية الثقافية والسياسية قاموا ايضا بتقليد االخوان املسلمني‪.‬‬

‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬ ‫‪7‬‬

‫سرد فكرة عن املنظمات اليت متثل االسالم‬


‫السياسي يف شبه القارة اهلندية‬

‫تعترب اجلماعة االسالمية يف جنوب اسيا من اكثر اجلماعات نظاما وتعترب اهنا معادلة حلركة االخوان املسلمني‬
‫يف شبه القارة اهلندية‪ .‬هذه احلركة تأسست من قبل مودودي عام ‪ 1941‬وكان اهلدف االصلي هلذه احلركة هو‬
‫انقاذ البالد من االستعمار االجنليزي‪.‬‬
‫بعد االستقالل‪ ،‬كانت غاية اجلماعة هي جلب الدولة الباكستانية اليت أنشئت حديثًا إىل قاعدة تكون فيها‬
‫القواعد اإلسالمية صاحلة‪ .‬ولتحقيق تلك الغاية مل يتم تبين الثورة العنيفة او احلركة الثورية‪ .‬بدال من ذلك‪،‬‬
‫فضلوا الدخول يف االنتخابات واحلصول على الكلمة العليا واملشاركة يف السلطة‪ .‬ولكن ال ميكن القول إن‬
‫اجلماعة تلقت دعما من الناس يف هذا الصدد‪ .‬واجلماعة لديها فروع يف بلدان هندية أخرى خارج باكستان‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬

‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬ ‫‪7‬‬

‫إجراء مقارنة بني أساليب حركة حزيب التحرير‬


‫واالخوان املسلمني‬

‫يف الواقع‪ ،‬قرر مؤسس حزب التحرير تقي الدين النبهاين‪ ،‬الذي هو قريب جدا من االخوان املسلمني يف‬
‫أهدافه اإلسالمية‪ ،‬إنشاء منظمة خمتلفة ألنه فضل إجراء دراساته السياسية على االخوان كجماعة ومل يذهب‬
‫إىل احلزب‪.‬‬
‫اهلدف الرئيسي حلزب التحرير هو إقامة دولة اخلالفة تشمل مجيع املسلمني يف العامل وتطبق أحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ .‬وفقاً حلزب‪ ،‬فإن أساليب وأهداف اجملتمعات اإلسالمية األخرى‪ ،‬وال سيما مجاعة االخوان‪،‬‬
‫ليست واضحة‪ .‬غالبًا ما تعمل هذه اجلماعات كجماعة للدعوة االجتماعية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬جيب بذل كل‬
‫اجلهود لغرض االستقالل السياسي‪ ،‬كما فعل رسول اهلل أوالً يف مكة مث يف املدينة‪.‬‬

‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬ ‫‪7‬‬

‫شرح مظاهر اإلسالم السياسي يف العامل اإلسالمي‬


‫الشيعي‬

‫ميكن جتسيد مظاهر اإلسالم السياسي خارج الدولة اإليرانية يف العامل الشيعي من قبل حزب اهلل وحركة‬
‫أنصار اهلل‪.‬على الرغم من وجود دعم إيراين كبري خلف احلركتني‪ ،‬إال أنه من املعروف أن حركة أنصار اهلل‬
‫يف اليمن تتبع الزيدية‪ ،‬وليست االثىن عشرية الشيعية‪ .‬يشارك حزب اهلل يف لبنان نفس املعتقد مع املذهب‬
‫الرمسي جلمهورية إيران اإلسالمية‪ .‬حزب اهلل اليوم ميثل دولة داخل دولة لبنان‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬منذ عام‬
‫‪ ،2011‬شارك حزب اهلل يف احلرب األهلية السورية كنائب عن ايران‪ .‬لقد دفع هذا الوضع بإمكانية املقاومة‬
‫ضد إسرائيل‪ ،‬وكان هذا غرضها الرئيسي‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪ 4‬أي من الشخصيات التالية كان له دور فعال‬ ‫‪ 1‬أي من التشكيالت التالية يُظ ِهر تأثري حركة‬
‫يف تسييس اجلماعات الشيعية يف لبنان قبل تأسيس‬ ‫اإلخوان املسلمني خارج العامل العريب؟‬
‫حزب اهلل؟‬ ‫أنصار اهلل‬ ‫أ ‪.‬‬
‫حسن البنا‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫اجلماعة السليمانية‬ ‫ب‪ .‬‬
‫موسى الصدر‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫أهل القرآن‬ ‫ج‪ .‬‬

‫اخترب نفسك‬
‫حسن الرتايب‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫مللي جوروش (الرؤية الوطنية)‬ ‫د‪ .‬‬
‫آية اهلل حممد هبشيت‬ ‫د‪ .‬‬ ‫الديوبندية‬ ‫ه‪ .‬‬
‫عبد اجمليد زنداين‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪ 2‬يف أي سنة مت تأسيس اجلماعة (الرابطة)‬


‫‪ 5‬يدعى التنظيم القبلي الذي أعطى حركة أنصار‬ ‫اإلسالمية يف باكستان؟‬
‫اهلل امسها بـ؟‬ ‫‪1901‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫قرآنيون‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫‪1910‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫جنديون‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫‪1928‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫إخوانيون‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫‪1938‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫حوثيون‬ ‫د‪ .‬‬ ‫‪1941‬‬ ‫ه‪ .‬‬
‫بدويون‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪ 3‬يف أي موضوع تنصب انتقادات حزب التحرير‬


‫ملنهج مجاعة اإلخوان املسلمني؟‬
‫كون مجاعة اإلخوان املسلمني حركة غري‬ ‫أ‪ .‬‬
‫سياسية‬ ‫ ‬
‫عدم تدخل مجاعة اإلخوان املسلمني يف القضية‬ ‫ب‪ .‬‬
‫الفلسطينية‬ ‫ ‬
‫حتالف مجاعة اإلخوان املسلمني مع ملك‬ ‫ج‪ .‬‬
‫األردن‬ ‫ ‬
‫وقوف مجاعة اإلخوان املسلمني ضد اإلرهاب‬ ‫د‪ .‬‬
‫حتيز مجاعة اإلخوان املسلمني للخالفة‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪159‬‬
‫اإلصالح ‪ :3‬األبعاد األخرى لإلصالح السياسي‬

‫إذا مل تكن إجابتك صحيحة أعد قراءة موضوع‬ ‫‪.4‬ب‬ ‫إذا مل تكن إجابتك صحيحة أعد قراءة موضوع‬ ‫‪.1‬د‬
‫”حزب اهلل”‬ ‫”تأثري إخوان املسلمني يف العامل”‬
‫مفتاح األجوبة لـ “اخترب‬

‫إذا مل تكن إجابتك صحيحة أعد قراءة موضوع‬ ‫‪.5‬د‬ ‫إذا مل تكن إجابتك صحيحة أعد قراءة موضوع‬ ‫‪.2‬ه‬
‫”أنصار اهلل”‬ ‫”اجلماعة اإلسالمية”‬

‫إذا مل تكن إجابتك صحيحة أعد قراءة موضوع‬ ‫‪.3‬أ‬


‫”اإلخوان املسلمون بعد ‪”1980‬‬
‫نفسك”‬

‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪7‬‬

‫ميكن رؤية تأثري االخوان املسلمني الواضح يف بداية ‪ 1970‬يف عهد جنم الدين اربكان‬
‫ورؤيته للحركة القومية الرتكية‪ .‬حيث ان االفكار السياسية كانت مشرتكة بينهم‪.‬‬
‫بالرغم من رفض رجب طيب اردوغان‪ ،‬الذي خرج من احلركة القومية الرتكية‪ ،‬حلمله‬
‫القيم االسالمية او الدينية يف حزبه‪ ،‬حزب العدالة والتنمية‪ ،‬اال ان براجمه اليت هتدف‬ ‫‪1‬‬ ‫جاء دورك‬
‫اىل حتويل اجملتمع وافكاره السياسية تتقاطع يف نقاط كثرية مع حركة االخوان‪ .‬يف‬
‫فرتة ما بعد ‪ 2011‬اختار حزب العدالة والتنمية أن يتعاون مع احلركة واألطراف يف‬
‫حركة االخوان يف السياسة اخلارجية جتاه الشرق األوسط خالل الثورات العربية‪.‬‬

‫من املالحظ أن شبه القارة اهلندية لديها انتشار أقل تعاطفا يف القاعدة العامة للسكان يف‬
‫اجلماعة اإلسالمية باملقارنة مع اجلمااعت التقليدية الكبرية للمدارس والطوائف‪ .‬السبب‬
‫األهم الذي أدى إىل ظهور هذا الوضع‪ ،‬والذي يشهده يف مصر يف حالة ”االخوان‬
‫املسلمني”‪ ،‬هو أن أعضاء اجلماعة يتكونون يف الغالب من خرجيي اجلامعات‪ .‬بالطبع‪،‬‬
‫من احملتم أن تواجه هذه النخبة صعوبات يف الوصول إىل القاعدة الشعبية ذات املستوى‬ ‫‪2‬‬ ‫جاء دورك‬
‫التعليمي املتدين وخاصة القاعدة الشعبية اليت تعيش يف األرياف‪ .‬وقد أظهرت هذه‬
‫اجلماعات النجاح املتطلب يف مواكبة هذه اللغة‪ .‬ميكننا أن نقول أن هذا هو السبب‬
‫األهم يف أن الباكستانيني‪ ،‬املتدينني‪ ،‬قد تركوا اجلماعات اإلسالمية يف نسب سياسية‬
‫منخفضة‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪7‬‬

‫قام احلوثيني بالتمرد بسبب ما يتعرض له الزيدييون من متييز يف مشال اليمن‪ .‬تعترب‬
‫مدينة صعدة‪ ،‬واليت تعترب عاصمة للزيديني‪ ،‬واألماكن احمليطة هبا أحد املناطق الغري‬
‫نامية بالنسة للمدن الباقية يف اليمن ويستخدمها احلوثييون كحجة يف نقاشاهتم‪ .‬األهم‬
‫من ذلك هو انتشار السلفية بشكل متطرف وقد أدى ذلك إىل الظلم واإليذاء‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫جاء دورك‬
‫لقيت املساعادات املالية اليت قدمته اململكة العربية السعودية لليمن معارضة على هذا‬
‫النحو وفهمه احلوثيون يف الوقت نفسه على أنه تدخل إمربيايل للواليات املتحدة‪ .‬قيام‬
‫احلكومة بسحب جوامع ومدارس الزيديني وتلسيمها إىل السلفيني فهم من قبل الطرف‬
‫احلوثي أنه قد خسر استقالليته‪.‬‬

‫املصادر‬
‫‪Ahsan, M. Menazir. (1993). “Cemâat-i İslâmî, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 7, s. 291-3.‬‬
‫‪Hizbü’t-Tahrîr. (2009). Hizb-ut Tahrir’in Değiştirme Metodu (Menhec), Beyrut.‬‬
‫‪Humeynî, İmam. (1991). İslam’da Devlet, İstanbul.‬‬
‫‪Korani, Ali. (1991). İslamî Mücadelede Hizbullahi Yol, İstanbul.‬‬
‫‪Köse, Ali. (1998). “Hizbü’t-Tahrîri’l-İslâmî”, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c. 18, s. 184-5.‬‬
‫‪Kramer, Martin. (1992). “Hizbullah’ın Moral Mantığı”, çev. İ. Turan, Dünya ve İslam, c. 11, s. 97-120.‬‬
‫‪Mevdûdî, Ebul-A’lâ. (1987). Kur’an’a Göre Dört Terim, trc. O. Cilacı, İ. Kaya, İstanbul.‬‬

‫‪161‬‬
‫الوحدة الثامنة‬
‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬

‫األهداف‬
‫هندف بعد إمتام هذه الوحدة إىل‪:‬‬
‫ التعرف على الشخصية اإلسالمية احلداثية (العصرية) ومقارنتها مع التيارات اإلصالحية والتقليدية‪.‬‬
‫ التفكري يف السبب الذي جعل تيار احلداثة يرى أن القرآن هو املصدر الوحيد‪.‬‬
‫ إمكانية أيضاح الفرق بني أسلوب املؤرخني وأسلوب الرواة (النصوصيني) عند احلداثيني يف رؤيتهم‬
‫للقرآن‪.‬‬
‫ إمكانية إعطاء أمثلة عن أقوال مشاهري احلداثة التارخيية والنصية واملقارنة بينها‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫احلداثة‬ ‫ ‬
‫اإلصالح‬ ‫ ‬
‫التشريح‬ ‫ ‬
‫القرآنية‬ ‫ ‬
‫التارخيية‬ ‫ ‬

‫‪162‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املدخل‬
‫لقد ظهرت يف الغرب مع االنفتاح على احلداثة وظهور حركة التنوير وباألخص يف النصف الثاين من القرن التاسع‬
‫عشر والربع األول من القرن العشرين حيث أصبحت نظاماً فكرياً حاكماً‪ .‬والفكرة األساسية اليت استندت إليها‬
‫هي‪ :‬أن املؤسسات والفنون واألدب التقليدي وما شاهبه قد صار قدمياً بالياً وانتهى عهده‪ ،‬لذلك جيب تركها‬
‫واالبتعاد عنها وتطوير مفهوم وثقافة عاملية جديدة مركزها العقل‪ ،‬وأساسها املعطيات العلمية‪ ،‬تتناسب مع القيم‬
‫العصرية احلديثة‪ .‬فكان التقدم السبب األساسي يف والدة احلداثة املثالية‪ ،‬وانتشرت فكرة مفادها‪ :‬أن الوصول‬
‫للرفاهية والسعادة واحلرية مرهون بشرط التخلص من املاضي‪ ،‬وأصبحت هذه الفكرة عقيدة ثابتة ال تقبل النقاش‪.‬‬
‫وتبنَّت احلداثة فكرة مناقشة كل شيء غري عصري من االقتصاد إىل الفلسفة‪ .‬حيث أن احلداثة اإلسالمية جيب‬
‫أن تفهم على هذا األساس أيضاً‪.‬‬
‫إن الرسالة األساسية يف احلداثة اإلسالمية هي‪ :‬القدرة على إجياد احللول للمشاكل اليت يقع فيها املسلمون فيما‬
‫بينهم يف اجلوانب الدينية واالجتماعية والسياسية والثقافية وغريها‪ ،‬إال أن هذه احللول جيب أن تكون متوافقة‬
‫مع املصادر األساسية للدين اإلسالمي أي القرآن الكرمي والسنة النبوية‪ .‬كما يشرتط تفسريها وفق املرياث الديين‬
‫التارخيي املتشكل يف ضوء القرآن والسنة‪ ،‬أي من خالل انسجامها مع املرياث العقلي والديين‪ .‬وهبذه احلالة لن‬
‫يضيع املسلمون ولن تطحنهم التغيريات والتطورات احلديثة‪ ،‬بل على العكس سيكونون يف حالة قادرة على توجيه‬
‫هذه التغيريات والتطورات (‪.)Aydın, 1993, s.xviii‬‬

‫الفرق بني احلداثة وبني حركات التجديد واإلصالح األخرى‬


‫حسناً‪ ،‬فما الفرق بني الرؤية احلداثية وبني حركات التجديد واإلصالح األخرى؟ يعترب املفكر الباكستاين فضل‬
‫الرمحن األب لفكرة احلداثة اإلسالمية‪ ،‬حيث أنه يعمل على بيان هذا الفرق من خالل املقارنة بني التجارب‬
‫املختلفة وتقييمها‪ .‬فريى أن حركة اإلحياء هلا ماض حىت اإلمام الغزايل‪ .‬فريى أن حركة اإلحياء هلا تاريخ ينتهي‬
‫وجه انتقادات منظمة للمؤسسات املوجودة ويف مقدمتها املؤسسات‬ ‫بالغزايل صعوداً‪ .‬لكن يوجد ابن تيمية والذي َّ‬
‫الفلسفية ومؤسسات التصوف يف حالة مشاهبة ملا حيدث اليوم مع احلداثة اإلسالمية‪ .‬وقد كانت فكرته ورسالته‬
‫األساسية (العودة إىل اإلسالم الصايف اخلالص)‪ .‬لذلك كان من املمكن كثرياً أن يكون عصر السعادة (عصر‬
‫لكن مدرسة اإلحياء هذه أرادت نقل عصر السعادة كما هو إىل عصرنا احلايل‪.‬‬ ‫الرسول) مصدر اإلهلام والقدوة‪َّ .‬‬
‫ولكن احلقيقة أن نقل عصر السعادة على تلك احلالة كان مستحيالً من الناحية النفسية واالجتماعية‪ .‬واإلشكال‬
‫الثاين يف ذلك النقل أن هذه املدرسة مل تتبىن سرية النيب اليت تعكس السنة احلية‪ ،‬وإمنا اعتمدت باألساس على‬
‫األحاديث اجلامدة اليت فقدت احليوية واحلياة‪ .‬كما أن هذه املدرسة وألهنا كانت تقف بشدة يف وجه الفلسفة‬
‫وعلم الكالم فقد كان لديها قصور وعقم حقيقي وجدي يف اجلانب الفكري‪ .‬لذلك مل حتقيق اخلري واإلصالح‬
‫املنشود‪ .‬بل على العكس فإن هذه املدرسة اليت تبنت (السلف وإحياء القدمي) قد أغلقت الباب أمام التفكر املركز‬
‫يف القرآن‪ ،‬واعتمدت نظاماً تعليمياً بسيطاً يعتمد على مركزية األحاديث بعيداً عن اجلوانب العلمية‪ ،‬وقد جعلها‬
‫ذلك البداية لنظام ذا تأثريات سلبية‪ ،‬وما زال مستمراً إىل أيامنا هذه (‪.)Aydın, 1993, s.xvııı-xx‬‬

‫‪163‬‬
‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬

‫ويتحدث فضل الرمحن عن حركة التجديد الثاين اليت أطلق عليها اسم (اإلحياء اجلديد)‪ ،‬وقد ُمثِّل من قبل‬
‫حركات حتمل مشاريع إصالح سياسية مثل حركة اإلخوان املسلمني واجلماعة اإلسالمية‪ .‬وقد قامت هذه احلركات‬
‫خبدمات واضحة نتيجة لضعف القوى الغربية والتقليدية‪ ،‬وقاموا جبهود كبرية لتحديث التعليم ومواكبة العصر‪ .‬وقد‬
‫كان القادة على رأس هذه احلركات قد خترجوا من جماالت علمية مثل احلقوق واالقتصاد واهلندسة وكانوا متدينني‬
‫حبق‪ .‬لكن هذه احلركات ولفقرها بالعلماء واملفكرين املتخصصني يف الدين وأساساته مل تتمكن من حتقيق اإلحياء‬
‫احلقيقي األصيل‪ ،‬ومل يتمكنوا من حل مشاكل العامل اإلسالمي‪” .‬مل يتمكنوا من حتقيق مقاربة منظمة مرتبة ميكننا‬
‫فهمها سواء مع اإلسالم أو مع الغرب‪ .‬فقد كانوا دائماً ضعافاً ومفرقني يف مواجهة الغرب‪ .‬وقد قاموا بنسج آرائهم‬
‫حول حياة القرآن (اإلنسان واجلمعية والطبيعة) من خالل املعلومات الناقصة والسطحية اليت أخذوها من الغرب‪.‬‬
‫حتدَّثوا عن الفكر لكنهم مل يتخلوا أيضاً عن الوقوف يف وجه احلركات الفكرية والعصرية” (‪.)Aydın, 1993, s.xxvı‬‬

‫أما حركة التجديد الثالثة واليت أطلق عليها فضل الرمحن اسم (احلداثة الكالسيكية) واليت كانت يف مدارس سيد‬
‫أمحد خان واألفغاين وحممد عبده وقد كانت من مرياثهم ال غري‪ .‬وحنن أيضاً يف دراستنا هذه نرى تفريق فضل الرمحن‬
‫بني نفسه وبني اآلخرين‪ ،‬وكما سنرى الحقاً انقسام ومتيز التفكري احلداثة ألكثر من جهة ورأي واجتاه‪ .‬وحبسب‬
‫فضل الرمحن فإن أكثر جانب مشكل يف احلداثة الكالسيكية هو عدم استنادها إىل اجتاه وأسلوب متني‪ .‬لذلك مل‬
‫يستطيعوا فهم حماكاهتم للغرب‪ .‬وألهنم مل يتمكنوا من رؤية الغرب على أنه كل متكامل فقد اقرتبوا من مؤسسات‬
‫الغرب وقيمه بشكل ارتباطي أو اختياري‪ ،‬ولذلك فقد تصرفوا بشكل فوضوي من جهة‪ ،‬كما أهنم مل يتمكنوا من‬
‫حتقيق أهدافهم من جهة أخرى‪ .‬كما أهنم يف تقييمهم وحتليلهم لإلسالم مل يعتمدوا أساليب النقد التارخيي العصري‬
‫داع هلا‬
‫(احلديث) ولذلك فقد بالغوا جداً يف النجاحات يف التاريخ اإلسالمي وأحدثوا شكوكاً وردات فعل ال ٍ‬
‫على املستشرقني الذين طبقوا أسلوب النقد التارخيي (احلديث) على املواد اإلسالمية (‪.)Aydın, 1993, s.xxı-xxıv‬‬

‫خصائص احلداثة‬
‫ميكننا التعرف على هذه اخلصائص اليت متيز احلداثة اإلسالمية باجتاهاهتا املختلفة عن التيارات األخرى‪:‬‬
‫أ‪ .‬النظرة التقليدية‪ :‬إن التيارات اإلسالمية اإلصالحية والتقليدية بأكملها تقريباً ترى أن املسلمني هم‬
‫السبب يف الدمار الذي حل باحلضارة اإلسالمية وهم السبب يف التخلف عن الغرب وليس السبب يف‬
‫ذلك اإلسالم‪ .‬وإضافة لذلك يتم احلديث عن اخلراب والدمار الذي جاءت به القوى اإلمربيالية إىل‬
‫بالد املسلمني‪ .‬أما احلداثة اإلسالمية وجبرأة كبرية ال ترى أن املسلمني أو الغرب هم السبب يف الفساد‬
‫واالهنيار احلضاري‪ ،‬بل تزعم أن املشكلة األساسية هي يف (الدين الذي وصل إلينا يف أيامنا هذه مبا‬
‫يسمى باإلسالم) وتقوم باملساءلة والبحث العميق الدقيق يف املصادر الدينية وأصول فهم الدين وكل ما‬
‫وصل إلينا من الدين‪.‬‬
‫رجح يف املذهب التقليدي كل من الدعوات واملعلومات النقلية‪ ،‬يعمل اإلصالحيون‬ ‫ب‪ .‬مركزية العقل‪ :‬بينما يُ َّ‬
‫على املوازنة بني العقل والنقل‪ .‬أما يف احللول احلداثية فيربز العقل إىل الواجهة‪ .‬لذلك فإن احلداثة‬
‫اإلسالمية تتبىن املنهج العقلي بشكل أساسي‪ .‬فالعالقة بني التفسري احلداثي وبني النصوص الدينية ال‬
‫يكون من خالل الفهم األديب للنص بشكل كبري‪ ،‬وإمنا يكون من خالل ترابط النص‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ج‪ .‬االجتاه النظري والبناء التنظيمي الرخو‪ :‬يربز يف احلداثة اإلسالمية القول والكتابة مكان العمل واإلجراءات‪.‬‬
‫أي أن احلداثة هي اجتاه مغرق يف النظرية‪ .‬لذلك فإن ال تشيع التشكيالت يف األقسام املتعلقة هبذا التيار‪.‬‬
‫حيث يسري هذا التيار من خالل الفعالية الشفهية والكتابية‪ ،‬وبشكل أكثر من خالل املؤسسات ذات‬
‫الوصف الثقايف واألكادميي باملقياس األصغر‪ .‬وتعمل على مأل الفراغ من خالل اجملموعات اليت ال حتمل‬
‫صفة اعتبارية واليت تتشكل يف الغالب من خالل شبكة االنرتنت‪ .‬فالكالم ليس عن عضوية مباشرة‬
‫باملؤسسات وإمنا ميكن القول أهنا عبارة عن شبكة من املتعاطفني أقل تنظيماً وانضباطاً‪ .‬وهذه التشكيالت‬
‫ال تتحرك بشكل منطقي‪ ،‬وإمنا ميكن القول أهنا تتحرك من خالل التطوع واملتابعة‪ .‬ويف هذه التجمعات‬
‫واملكونات اليت تربز الفردية فيها بشكل عام‪ ،‬تُرفض فيها معظم العالقات اليت تكون حتت نظام اجلماعة‬
‫أو ضمن نظام الكهنوت‪ .‬واحلديث هنا عن األسلوب الفردي والليربايل والذي ال يسمح بالتنظيمات‬
‫الشاملة طويلة النفس‪ .‬حيث تالحظ االنشقاقات الداخلية بشكل متكرر فيها‪.‬‬
‫د‪ .‬العالقات السياسية‪ :‬إن اخلاصية األخرية اليت حتدثنا عنها هي سبب طبيعي يف محل هوية مهيمنة يف‬
‫اجتاه ثقايف جداً من السياسي يف احلداثة اإلسالمية‪ .‬ألن السياسية تتطلب تنظيماً جيعل بناءً رخواً مثل‬
‫هذا غري قادر على إزالتها‪ .‬لكن هذه الثقافية عند احلداثيني مثل عبد اهلل وفضل الرمحن واألرغوين فيما‬
‫رأيناه‪ ،‬ال تشكل مانعاً للعالقات الفردية القوية املؤسسة مع السياسيني‪ .‬وستـَُقدَّم معلومات حول ثالثة‬
‫أمناط سياسية خمتلفة عند احلداثيني يف الوحدة التالية‪.‬‬
‫ه‪ .‬صورة القادة (املؤسسني)‪ :‬لقد تلقى األوائل (أو املتحدثني) تعليماً دينياً أكادميياً أكثر‪ ،‬وهم يف األساس‬
‫من األشخاص أصحاب قاعدة يف العلوم االجتماعية وهلم باع واسع يف الفلسفة‪ .‬ومشاهري احلداثيني‬
‫الذين عربوا من خالل تعليم ديين تقليدي مثل فضل الرمحن استخدموا هذه املكتسبات باحرتافية‬
‫للمحاسبة عموماً‪ .‬كما أن هناك بعض الشخصيات اليت تلقت تدريباً مهنياً يف العلوم التطبيقية وطورواً‬
‫أقواالً دينية حداثية مركزها القرآن تربط بني الدين والعلم‪ ،‬حيث يظهر تداخل هذه األفكار إىل النشاطات‬
‫املؤسساتية‪.‬‬
‫إن علي شريعيت (‪ )1977‬ممن ميكن عدُّه من احلداثيني اإلسالميني‪ ،‬حيث يوصف مبا حددناه يف املادة األوىل‬
‫املفصل)‪ .‬حيث يرى علي شريعيت أن املسلمني مع التعامل‬ ‫للحداثة من حيث التشريح العميق واملساءلة (البحث َّ‬
‫صعب‪ ،‬ألنه‬‫املشرح أيضاً‪ .‬لكن التعامل الثاين ٌ‬ ‫الودي والسلوك املُ ِج ِّل للمقدسات فهم حباجة إىل تعامل الطبيب ِّ‬
‫أثناء تطبيقه ذلك األسلوب لفهم النصوص الدينية فإنه يوجد احتمال للسلوك املسيء‪ ،‬وإفساد القدسية اليت‬
‫حيملها‪ .‬واحلقيقة أنه يف أسلوب النقد ذلك ال مكان للتقديس واإلجالل‪ .‬فاهلدف هو العالج والتدواي والتخلص‬
‫من املرض‪ .‬وللوصول هلذا اهلدف يضع اإلنسان االحرتام جلسمه جانباً ويبدأ بالعالج‪.‬‬
‫لذلك فإن الذين ميكن أن يقوموا هبذه املهمة الصعبة وحبسب شريعيت أن الذين ينظرون للدين من الداخل ال ميكن‬
‫أن يكون علماء دين‪ ،‬ألهنم وخالل حديثهم عن الدين ال يريدون تناول أي شيء صغري خمل بقدسية الدين‪.‬‬
‫لكن املنورين الدينني الذين يضعون الدين على طاولة التشريح يف مقاربتني لكوهنم أصحاب لياقة ومهارة‪ ،‬فإهنم‬
‫يف الوقت الذي يظهرون به وكأهنم يهزون قدسية الدين فإهنم يف احلقيقة هم األشخاص الذين يقومون بأكرب خري‬
‫وخدمة لتلك القدسية )‪.(Suruş, 1989, s.64-5‬‬

‫‪165‬‬
‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬

‫إن علي شريعيت من خالل التفريق بني العامل واملنور يف كالمه هذا‪ ،‬جيعل البصمات احملددة يف املادة (ج) اليت تكلمنا‬
‫عنها يف األعلى تبدو واضحة بسهولة‪ .‬فهو على قناعة بأن املقاربة املقدِّسة للتقليد الديين أو على األقل املقاربة‬
‫التقليدية اليت حتمل شعور االحرتام‪ ،‬تساهم يف منع الشباب من اإلسالم بسبب التعريب اخلاطئ بالدين‪ .‬وبرأيه‬
‫أن مواضع مثل االختالط يف املدارس أو حىت موضوع اختيار املرأة للباسها (بعيداً عن تعاليم اإلسالم) ال جيب أن‬
‫تكون من املسائل الرئيسية للمسلمني يف أي زمن من األزمان‪ .‬فاملشكلة األساسية تكمن يف إنشاء اإلسالم من‬
‫جديد وفتح طريق حياة جديد جيذب األجيال اجلديدة لإلسالم من جديد‪ .‬ويف هذه النقطة ال يرى شريعيت بأن‬
‫اإلسالم دين حترمي كما عند حسن البنا‪ ،‬وأن اإلسالم ليس دين منع وحترمي‪ ،‬وأن املسموح يف الدين اإلسالمي أكثر‬
‫بكثري من املمنوع واحملرم‪ .‬ويرى مع األسف أن التقليديني أزالوا هذه اخلاصية من الوسط )‪.(Erkilet, 1999, s.338‬‬

‫فكما رأينا فإنه يف نظر احلداثيني مثل شريعيت أن احلركات اإلصالحية مبا فيها حركة حسن البنا مل تستطع التخلص‬
‫من التقليد األعمى‪ .‬لذلك فإن من الضروري أن يكون هناك انفتاح متقدم أكثر‪ .‬أما حتقيق ذلك فيكون من‬
‫خالل االبتداء بالتنوير ومن مث العودة معه إىل القرآن‪ .‬حيث جيب فهم القرآن صافياًكما هو‪ ،‬بالتجرد من التأثريات‬
‫التقليدية والتارخيية للفسلفة والكالم والتصوف وغريها‪ .‬وهذا الفهم هو يف نفس الوقت عودة إىل اإلميان والعدالة‬
‫والقيادة )‪.(Erkilet, 1999, s.348‬‬

‫احلداثة اإلسالمية والقرآن‬


‫إن احلداثة اإلسالمية أثناء قيامها بالبحث والدراسة حول (الدين اإلسالمي الذي وصل إلينا) تناولت القرآن فقط‬
‫على أنه املقياس واملصدر الوحيد للدين اإلسالمي‪ .‬ألن القرآن حبسب احلداثة رغم كل التحريفات اليت ميكن أن‬
‫يكون تعرض هلا من خالل التفسريات يف علوم الدين التقليدية كالتفسري واحلديث والفقه والكالم وغريها فإنه قد‬
‫وصل إلينا دون حتريف يف نصه‪ .‬أما املصدر الثاين للدين اإلسالمي وهواألحاديث النبوية فإهنا خالية من الدقة‬
‫واملوثوقية اليت حيملها القرآن‪ .‬لذلك فقد تركزت انتقادات احلداثة على كل املؤسسات واملفاهيم اإلسالمية ويف‬
‫مقدمتها األحاديث إضافة إىل النصوص الدينية الفقهية والكالمية واملذهبية والتصوفية وغريها‪ .‬وحبسب احلداثة فإن‬
‫القرآن هو الوحيد الذي يؤخذ منه اإلهلام حلل وجتاوز املشكالت العصرية‪ .‬فبحسبها إن اإلسالم هبذا األسلوب‬
‫فقط ميكن أن يعود له بصمة حضارية يف هذا الزمن من جديد‪.‬‬
‫ويف احلقيقة فإن العلوم اإلسالمية التقليدية كانت تستند إىل القرآن‪ ،‬والسنة اليت هي شكل حياة النيب اليت عاشها‬
‫وفق تعاليم القرآن الكرمي‪ ،‬واإلمجاع الذي هو عبارة عن احلال واحلياة اليت عاشها املسلمون وفق القرآن والسنة النبوية‬
‫املطهرة‪ ،‬القياس الذي هو عبارة عن مشاهدة ومتابعة هذه التجارب واألحوال وأسلوب إعمال العقل الستنباط‬
‫العلوم واحلكم منها‪ .‬أي أن القرآن كان يُقرأ ويفهم وفق إضافات وإسهامات املصادر األخرى‪ .‬أما احلداثة‬
‫اإلسالمية فإهنا ستكثف اجلهود وتنشغل يف مجيع الدراسات حول القرآن لفهمه بشكل صحيح‪ .‬أما إسهامات‬
‫داع هلا‪ ،‬ألن القرآن بالسهولة اليت جتعل اجلميع قادرين على فهمه )‪.(Paçacı, 2008, s.60-1‬‬ ‫املصادر األخرى فال ٍ‬
‫وقد ظهرت مدرستان حداثيتان تناولت كل منهما القرآن بأسلوب خمتلف عن األخرى‪ :‬املدرسة النصوصية واملدرسة‬
‫التارخيية‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫حداثة النصوصيني‬
‫إن العالمة القوية املميزة ملوضوعنا هو القرأن املصدر األساسي‪ ،‬ويسمى بأمساء عديدة مثل إسالمية القرآن‪ ،‬العودة‬
‫إىل القرآن‪ ،‬القرآنية (القرآنيون)‪ .‬وإن أكثر األمساء املعروفة من هذه املدرسة هم سيد أمحد خان وحممد عبده الذين‬
‫حتدثنا عنهم بشكل مستقل يف الوحدة األوىل‪ ،‬إضافة إىل حممد توفيق صدقي (‪ ،)1920‬وأمحد صبحي منصور‬
‫من مصر‪ ،‬ويف باكستان أمحد برويز‪ .‬إن املنتسبني هلذه املدرسة يرون أن اآليات يف سورة األنعام (‪ 38‬و ‪ )59‬قد‬
‫حددت بوضوح أن القرآن لن يدع جماالً للحاجة ملصدر غريه‪ ،‬فهو واضح ومفهوم وكاف وشامل لكل شيء وهو‬
‫شارح لنفسه بنفسه‪ ،‬وهو واضح حبيث أن اجلميع له القدرة على فهم آياته وأسلوبه‪ .‬وقد قالوا بأن كامل معاين‬
‫نصوص آيات القرآن عامة وعاملية وميكن تطبيق آياته على األحداث العصرية جبعلها مواكبة للعصر احلايل‪ .‬ألن‬
‫النص اآلهلي ديناميكي وحركي‪ ،‬لذلك فهو قول يسري يف كل شرط وكل زمان ومكان ولديه جواب لكل شيء‪.‬‬
‫وحل مكانه أن أصبحت املنافع العصرية‬ ‫ويف عملية املواكبة للعصر فإن ما حددته السنة حصره يف بيئة ضيقة جداً‪َّ .‬‬
‫املطلوب الوصول هلا حمددة ومقيدة‪ .‬إن مادة احلديث اليت وقعت ضد املنافع واملصاحل خضعت للفحص واالختبار‬
‫بأسلوب العرض على العقل أو العرض على الطبيعة بشكل خمتلف متاماً عن عن نقد اإلسناد واملنت يف علم أصول‬
‫ضت األحاديث اليت ُز ِعم عدم انسجامها مع العقل والطبيعة‪ ،‬أما اليت ظُ َّن هبا االنسجام‬ ‫ِ‬
‫احلديث التقليدي‪ .‬وقد ُرف َ‬
‫مع العقل والطبيعة فقد تُلقِّيَت بالقبول‪.‬‬
‫وإن أكثر ممثل هلذه املقاربة احلداثية مبا خيص القرآن الكرمي‪ ،‬والذي يعترب مصدر اإلهلام ألهل اهلند خبصوص مدرسة‬
‫تكررت من بعده‬‫أهل القرآن‪ .‬وإن اإليضاحات اليت جاء هبا انطالقاً من مركزية القرآن خبصوص املسائل الدينية قد َّ‬
‫من قبل احلداثيني وإن كان ذلك بأساليب خمتلفة‪ .‬حيث أنه يكون مثاالً مناسباً للحالة اليت يكون فيها أفكاراً‬
‫عرف اجلن الذين ورد ذكرهم يف القرآن على أهنم‬ ‫فسر أمحد خان املعراج على أنه رؤيا‪ ،‬كما َّ‬ ‫حول املعجزات‪ .‬فقد َّ‬
‫وفسر انشقاق البحر األمحر لسيدنا موسى على أنه حركة بسيطة من املد واجلزر‪ .‬ويرى أن النبوة هي‬ ‫رجال اجلبال‪َّ ،‬‬
‫يف العموم نتيجة لقابلية الذكاء وعاطفة قوية فائقة‪ .‬وإن هذه اإلضافات الطبيعية لألنبياء تفتح هلم السبل للوصول‬
‫إىل احلقائق اإلهلية دون احلاجة أبداً إلرسال املالئكة‪ .‬أما املالئكة الذين ليس هلم مقابل يف اجلانب العقلي فإهنم‬
‫ال حيملون معىن سوى أهنم رموز إفهام وشرح‪ .‬ويذهب أمحد خان للتفريق يف أحكام القرآن بني الديين والدنيوي‪،‬‬
‫وكان يقول بأن األحكام الدنيوية ميكن أن تتغري بشكل يتناسب مع الزمان‪ .‬فيزعم أن الفائدة (الربا) تعد حراماً‬
‫فقط عند أخذها من الفقراء‪ ،‬وأن قطع يد السارق سيكون سارياً فقط مع التدولة املتخلفة اليت مل يطبق فيها نظام‬
‫السجون‪ ،‬وأن اجلهاد يكون هبدف الدفاع عن البالد فقط )‪.(Metcalf, 1982, s.323-4‬‬

‫وقدكانت اخلطوة األساسية اليت قام هبا سيد أمحد خان تأسيس جامعة عليكره اإلسالمية هبدف تطوير املهفوم احلداثي‬
‫ُسس‬ ‫اإلسالمي وكبديل عصري عن املدارس التعليمية يف اهلند مثل يوبند وأهل احلديث والندوية وغريها‪ .‬ففي عام ‪ 1875‬أ ِّ‬
‫يف اهلند يف والية أوطار باردش يف مدينة عليكره املكتب التدريسي لتعليم العلوم اإلسالمية بشكل عصري ينسجم مع‬
‫نظام التعليم اإلنكليزي‪ ،‬وقد أخذ بعد ثالث سنوات اسم (كلية الدراسات احملمدية الشرقية االجنليزية)‪ .‬وكانت مهمتهما‬
‫الرئيسية تكمن يف تقفي أثر جذور التطور والنمو يف الغرب عودة إىل العصور الوسطى وإبراز املاضي املشرق العظيم للعامل‬
‫اإلسالمي إلكساب املسلمني الشعور باحرتام الذات والنهوض من جديد )‪.(Metcalf, 1982, s.333‬‬

‫‪167‬‬
‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬

‫وقد أدار أمحد خان هذه الكلية حىت وفاته وقد تلقى يف تأسيسها الدعم املايل والفكري للوايل العام للهند من‬
‫قبل اجنلرتا‪ ،‬وأدخل يف كوادرها التدريسية مشاهري املستشرقني مثل توماس و‪.‬أرنولد وجوزيف هورويتز‪ .‬لذلك فإن‬
‫هذه املدرسة تعرضَّت للنقد من قبل كبار رجال العلم والفكر يف اهلند مثل شبلي النعماين وحممد إقبال وموالنا‬
‫أبو الكالم أزاد واملودودي )‪ .(Eren, 1989, s.460‬وقد حتولت عام ‪ 1920‬إىل جامعة وأضافت إىل بنيتها إضافة‬
‫إىل األهليات كليات أخرى خمتلفة‪ ،‬وقد أصبحت يف أيامنا هذه ال حتمل الشخصية احلداثية بالقدر الذي كان يف‬
‫عهودها األوىل‪ ،‬وتتابع خدماهتا التعليمية والعلمية هبوية حمافظة بشكل أكرب‪.‬‬
‫إن أهم املميزات لالجتاه احلداثي النصي هو تيار القرآنية وإن أكثر التيارات املرتبة واملنظمة هلذا التيار هو مدرسة‬
‫أهل القرآن اهلندية‪ ،‬ويأيت يف مقدمتها سيد أمحد خان وصديقه تشرياغ علي (‪ )1895‬حيث ظهرت هذه املدرسة يف‬
‫النصف الثاين من القرن التاسع عشر‪ .‬وقد أُطلق على منتسبيها يف البداية قبل انتظامهم يف جمموعة اسم (منكري‬
‫احلديث)‪ .‬وبعد أن أصبحت مجاعة تناوهلا عبد اهلل تشيكرافلي (‪ .)1914‬ويف عام (‪ )1902‬ظهرت يف الهور مدرسة‬
‫ُسست يف أمريت ساري مجاعة مشهورة من القرآنيني أيضاً‬ ‫مشاهبة هلذه اجلماعة وامسها (أهل الذكر والقرآن)‪ ،‬وقد أ ِّ‬
‫من أمحد الدين أمريت ساري‪ .‬واجلماعة األخرى القوية اليت وصلت إىل أيامنا هذه هي حركة طلوع اإلسالم اليت‬
‫أسست عام ‪ 1938‬يف دهلي‪ .‬وال شك أهنا احلركة األشهر واألبرز واليت تأسست مع تأسيس باكستان يف مركزها يف‬
‫أسسها غالم أمحد برويز (‪.)1985‬‬ ‫كراتشي عام ‪ ،1947‬مث انتقلت إىل الهور وقد َّ‬
‫إن اجمللة اليت حتمل اسم احلركة (طلوع اإلسالم) كانت توزع يف مجعية تعليم القرآن ويف أطراف مركز األحباث‬
‫القرآنية وباألخص على طالب اجلامعات وقد كان هذا العمل ألمحد برويز عمل مجاعة أحدث نقطة حتول فارقة‬
‫يف الفكر‪ ،‬وقد ُكفِّر من قبل العلماء التقليديني بسبب آرائه حول احلديث خاصةً‪ ،‬وقد نُِقد يف األوساط اإلسالمية‬
‫بشدة بسبب دفاعة عن اشرتاكية اإلسالم‪ .‬وقد كان على برويز على قناعة بأن مهمة النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫هي تبليغ القرآن فقط‪ ،‬دون أن يكون له السلطان يف وضع األحكام خارج القرآن‪ .‬إن مراكز التعليم التابعة هلذه‬
‫اجلماعة خارج اهلند يف أوروبا وأمريكا الشمالية وباألخص عرب التسجيالت ومقاطع الفيديو املسجلة لربويز قد‬
‫نشرت آراءه حول القرآن حتت عنوان (دروس القرآن)‪ ،‬وقد أحيت املقاالت والكتب اليت نشرت أمساء األساتذة‪.‬‬
‫أسس عام (‪ )1930‬حركة املتواضعني اليت وإن كانت ختتلف‬ ‫كما نشري إىل عناية اهلل خان املشروقي (‪ )1963‬الذي َّ‬
‫باالجتاه عن القرآنيني الكالسيكيني فإهنا ميكن أن تؤخذ يف نفس اجلانب كوهنا دافعت عن صحة القرآن وفق‬
‫االكتشافات العلمية احلديثة وبسبب موقفها السليب من األحاديث‪ .‬إن عناية اهلل عامل الرياضيات الشهري املتخرج‬
‫من جامعة كامربيدج كان يدافع عن فسلفة عامة مفادها (النظرة املتساوية جلميع الناس دون التمييز بينهم على‬
‫أساس ديين)‪ ،‬وقد محل السالح لفرتة يف مواجهة االجنليز‪ ،‬وقد دخل العراك السياسي من خالل حزبه الذي أسسه‬
‫بعد االستقالل‪ ،‬ويف عام ‪ 1957‬دعا ما يتجاوز ‪ 100‬ألف من أنصاره إىل احلدود إلنقاذ كشمري‪ ،‬وبعد التدخل‬
‫من قبل احلكومة الباكستانية أقنع احلركة بالرتاجع واالنسحاب‪ .‬وقد فقدت (حركة التواضع) يف أيامنا هذه قوهتا‬
‫السابقة‪ ،‬وقد حتولت أنشطتها حالياً بشكل أكرب إىل النشاطات االجتماعية والثقافية‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫إن القرآنيني يف اهلند الذي احتدوا حول موضوع أن القرآن هو املصدر الوحيد‪ ،‬مل يستطيعوا التخلص من الدخول‬
‫يف كثري من االختالفات الداخلية‪ .‬فينما يتحدث تشكرافلي عن مخس صلوات مفروضة يف اليوم‪ ،‬يدعي امريت‬
‫ساري أن الصلوات املفروضة هي صالتني يف اليوم‪ .‬إضافة لألقوال بإن صالة اجلنازة وصالة العيد ليست من الدين‬
‫ألهنا مل ترد يف القرآن‪ ،‬إضافة إىل موضوع الصيام يف أي شهر وكم من األيام يصام‪ ،‬واآلراء خبصوص دفع الزكاة‬
‫حني ال توجد دولة إسالمية‪ ،‬واحلدود‪ ،‬وحكم املرتد‪ ،‬وتقسيم املرياث‪ ،‬وغريها من املواضيع الشائكة والعديد من‬
‫اجلوانب اليت حتتاج فتاوى وأحكاماً معاصرة )‪.(Birışık, 2002, s.428-9‬‬

‫أما مصر فهي أكثر دولة يف العامل العريب ظهر فيها الرواج األكثر للحداثة اإلسالمية‪ .‬إن هذا التيار بدأ يف مصر مع‬
‫حممد عبده‪ ،‬إضافة إىل العديد من األمساء املشهورة‪ .‬إن الدور األساسي الذي لعبه حممد عبده يشبه إىل حد بعيد‬
‫دور سيد أمحد خان يف اهلند‪ ،‬وباملقايسة بينهما جند أهنما وصال لنتائج متشاهبة مع مالحظة أن حممد عبده كان‬
‫أكثر اعتداالً وإصالحاً‪ .‬فقد كان أمحد خان يهدف إىل إحياء املنهج اإلسالمي الفلسفي العقلي‪ ،‬بينما حممد عبده‬
‫عمل على إحياء املفهوم العقلي املعتزيل‪ .‬وبينما أنكر أمحد خان املعجزات مدافعاً عن إلزامية القوانني الطبيعية‪ ،‬قبل‬
‫عبده باملعجزة على أهنا مفهوم ديين‪ ،‬لكنه أخرج موضوع القبول باملعجزات أو إنكارها من أن تكون مسألة إميان‬
‫وكفر‪ .‬وقد ضيق أمحد خان اجلانب الديين على أنه مسألة ربوبية فقط لتوسيع اجملال العلمي‪ ،‬أما حممد عبده فقد‬
‫فصل بني الدين والعلم بالشكل الذي ال يؤثر به اي منهما على اآلخر )‪.(Aydın,1993, s.xxıı‬‬

‫وبعد حممد عبده يف مصر نرى أن إنتاج األفكار مشابه بشكل كبري للهند‪ ،‬كما ظهر علماء يتقفون أثر عبده‪ .‬أما‬
‫قاسم أمني فقد نادى حبرية املرآة املسلمة يف اللباس بدعوات وأفكار حداثية‪ ،‬وقد كانت أفكاره مشاهبة إىل حد‬
‫بعيد ألفكار حركة حقوق املرآة اليت ستظهر بعد فرتة طويلة من ذلك العهد‪ .‬وقد كان كتابه (حترير املرآة) أحد‬
‫الكتب اليت دعت للدفاع عن ضرورة تعيني القيم الغربية العصرية للمرأة يف جمتمعاتنا‪ .‬وقد كتب هذا الكتاب مع‬
‫حممد عبده لكن حممد عبده مل يوقع على الكتاب ألسباب سياسية يف ذلك الوقت )‪.(Neklavi, 2002, s.542‬‬
‫وأيضاً فريد وجدي (‪ )1954‬املعروف بأفكاره املعتدلة‪ ،‬فقد أوضح أن القرآن ينص على تصويب كل ما اكتشفه‬
‫العلم احلديث ووجده إجيابياً‪ ،‬وهذه املعلومات موجودة ضمن اآليات بشكل خفي‪ .‬وبرأيه فإن اإلسالم احلقيقي‬
‫هو دين منسجم مع املدنية واحلضارة املُعاشة )‪.(Moaddel, Talattof, 2000, s.15‬‬

‫أما علي عبد الرزاق (‪ )1966‬من شيوخ األزهر فقد ترَّكزت آراؤه بشكل أكثر حول النقاشات اليت تناولت النظام‬
‫السياسي يف اإلسالم‪ .‬فريى عبد الرزاق عدم وجود نظام سياسي يف اإلسالم وعلى ذلك جيب أن تُ َّ‬
‫عد اخلالفة أمراً‬
‫أسسها حممد لإلدارة الدنيوية‪ .‬لكن‬‫غري مشروع أساساً‪ .‬واخلالفة اليت ليس هلا أصل يف القرآن فهي مؤسسة وكالة َّ‬
‫عبد الرزاق يزعم أن وظيفة النيب بأكملها هي يف اجملال املعنوي واألخالقي‪ ،‬وليست يف اجلانب السياسي حبال من‬
‫األحوال‪ .‬ويرى أن اخلالفة ستمنع املسلم من التفكر يف الدنيا‪ ،‬وأهنا تساهم يف نشر السلبيات كالفقر ‪(Kurzman,‬‬
‫)‪ .1998, s.29-458‬ويف كتابه الذي نشره يرى أن اإلسالم ترك يف األصل موضوع احلكم للناس‪ ،‬ويقول بأن الدين‬
‫والسياسة منفصلني متاماً‪ ،‬وقد أزعج العلماء مبا فيهم احلداثيني أيضاً مثل رشيد رضا‪ .‬ونتيجة لذلك فقد أبطل‬
‫األزهر شهادته‪ ،‬وعُ ِزل من وظيفته يف اجلامعة مع إبطال عنوان (عامل) مع امسه‪ .‬مث ذهب بعد ذلك إىل اجنلرتا وأمت‬
‫دراسة احملاماة وعمل بعدها كوزير لألوقاف مبصر‪ .‬لقد قُبِل مصطلح (اإلسالم العصري) يف العامل اإلسالمي مع‬
‫األفكار والدعوات اليت تبناها ونشرها‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬

‫ميكنكم متابعة علي عبد الرزاق وقراءة افكاره وآرائه حول اإلسالم والعالقات السياسية يف كتابه املسمى‬
‫(اإلسالم وأصول احلكم)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫برأيك أي من التيارات اإلسالمية احلداثية اليت ال ميكن هلا القبول أبداً باملفهوم السياسي حول اإلسالم‬
‫لعلي عبد الرزاق؟‬

‫إن أشهر اسم يف مصر ميكن أن يطلق عليه طليعة القرآنيني باملعىن الكامل هو بال شك الطبيب حممد توفيق‬
‫صدقي (‪ .)1920‬فقد قدم لكتابه باجلملة التالية (اإلسالم هو القرآن وحده) واليت ميكن تلخيص أفكاره هبا‪ ،‬وأن‬
‫كالم النيب وأفعاله تتناسب فقط مع العصر الذي عاشه‪ ،‬وأن ليس هبا إضافة تتناسب مع عصرنا‪ .‬ويف مقالته يعرف‬
‫عن نفسه بـ (حنن القرآنيون)‪ ،‬ويستند يف أفكاره ورسالته على اآلية (ما فرطنا يف الكتاب من شي) األنعام‪.38:‬‬
‫والصالة املفروضة يف القرآن هي عبارة عن ركعتني حبسبه‪ ،‬ويرى أن مقادير الزكاة ليست كما ورد يف األحاديث‬
‫وإمنا مبا ينتاسب مع أيامنا هذه )‪.(Öztürk, 2010, s.37-41‬‬

‫ويف مصر قرآين مشهور أيضاً وهو أمحد صبحي منصور‪ .‬ولد عام ‪ 9491‬وقد عُ ِزل من وظيفته يف األزهر عام ‪1985‬‬
‫نتيجة ألفكاره‪ .‬وقد ُرفِعت عليه الدعاوى لنفس السبب واعتُ ِقل عدة مرات‪ .‬وقد دخل يف السياسة يف عامي ‪-1991‬‬
‫‪ 1992‬بتأسيسه حزب املستقبل مع فرج فوده‪ .‬وقد اغتيل فرج فودة من قبل اجلماعة اإلسالمية بعد اهتامه باالرتداد‪.‬‬
‫وقد كان كل من فرج ومنصور يرون بضرورة فصل الدين عن الدولة‪ ،‬وكانوا يعلِمون باآلراء املدافعة عن الدستور‬
‫والقوانني املوجودة يف مصر‪ ،‬ووقفوا معارضني للطلبات بتحكيم الشريعة‪ ،‬وكانوا يدافعون للمساواة بني املواطنني‬
‫املسلمني والنصارى‪ .‬وقد جلأ منصور عام ‪ 2012‬إىل الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وقد أسس مع أبنائه مركز القرآن‬
‫الدويل مشايل والية فرجينيا )‪ ،(IQC‬كما أنه مستمر يف نشر أفكاره من خالل املوقع االلكرتوين‪.(ahl-alquran.com) :‬‬

‫ومل يويل أمحد صبحي منصور قيمة واهتماماً لألحاديث مثله مثل معظم القرآنيني‪ .‬ويذكر يف مقدمة مقالته املعنونة‬
‫بـ (اعتقاد أهل القرآن) أن كلمة الشهادة هي عبارة عن قول (ال إله إال اهلل) فقط‪ ،‬وأن األنبياء كلهم يف مستوى‬
‫ومرتبة واحدة‪ ،‬وأنه ليس من ضرورة لذكر رسالة النيب يف األذان‪ ،‬وأنه جيب عدم زيارة قرب النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يف املسجد النبوي‪ .‬ويرى أن زواج املسلمات بالناس الطيبني واملساملني غري املسلمني حالل‪ ،‬بينما يفيت حبرمة‬
‫الزواج من أشخاص مثل أسامة بن الدن والقرضاوي‪ .‬ويرى أن الصلوات مخس إال أنه مينع قراءة القسم الذي ميدح‬
‫النيب ويثين عليه يف دعاء التحيات‪ ،‬ويرى أن اجلهاد جائز للدفاع فقط‪ ،‬وأن الدميقراطية هي املطلب اجلائز يف إدارة‬
‫شؤون املسلمني وليس نظام اخلالفة‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املقال‬
‫إن موجود آراء أمحد صبحي منصور حول العقيدة موجود يف املقالة بعنوان )‪.)Ehl al-Qur’an’s Beliefs‬‬
‫‪http://www.ahl-quran.com/English/show_article.php?main_id=11634‬‬

‫ومذهب القرآنيون يف تركيا مشهور بشكل أكثر باسم (إسالم القرآن) وقد ُمثِّل من قبل العديد من األكادميني يف‬
‫علم االهليات مثل حسني أتاي وسليمان آتش ويشار نوري ازتورك وحممد نور دوغان وعبد العزيز بايندر‪ .‬ويعترب‬
‫احلديث صعباً حول جانب جامع هلذه األمساء من الناحية األديولوجية واملنهجية‪ .‬فإىل جانب أهنم ال يتبنون اجتاهاً‬
‫رافضاَ بشكل كلي لألحاديث كما احلال يف مصر‪ ،‬فقد اعتمدوا بشكل جلي األسلوب الذي اتبعه كل من أمحد‬
‫خان وعبده من اختيار األحاديث بشكل انتقائي واختياري بالشكل الذي يليب رواياهتم ومقاصدهم فلم يتوانوا‬
‫عن االستشهاد مبا حيقق ذلك‪.‬‬
‫إن مذهب القرآنيني ظهر يف تركيا بشكل حقيقي يف الثمانينيات من القرن املاضي وقد أطلق عليهم اسم‬
‫(ميلجيلر)‪ .‬فمع التحرك من مفهوم مركزية النص‪ ،‬عملت هذه اجملموعات على فهم القرآن من القرآن ذاته‪،‬‬
‫وبسبب عدم معرفتهم باللغة العربية كانت النتيجة سقوطهم يف حالة امليل للغة الرتكية‪ .‬وقد كانت تُشارك على حنو‬
‫واسع أن معىن النص يف القرآن متداخل بشكل عام‪ ،‬وقد كان ‪ 15‬قرناً من التجربة التارخيية عهد البعد التارخيي عن‬
‫القرآن وأن القرآن أصبح حمكوماً بالعرف والتقليد‪ .‬لكن يف هذا الطور مل يُنتَـبَه يف معظم املرات إىل حقيقة أن كل‬
‫ميل هو اختيار يف األصل للتفسري أو بني التفسريات واملعاين‪ ،‬ويُالحظ أنه يف كل مرة يفرغ فيه اجملال من التقليدي‬
‫جديد‪ .‬وقد قام القرآنيون يف تركيا مبمارسة نشاطاهتم من خالل‬ ‫ٍ‬ ‫والكالسيكي يذهب فيه غالباً إىل إنشاء نص‬
‫األوقاف واجلمعيات والصحف ويف السنوات األخرية من خالل االنرتنت ومشاركة الفيديوهات والكتب واملقاالت‬
‫اليت تتبىن وجهتهم وآرائهم مع متابعيهم‪.‬‬
‫كاف ومفصل ال حيتاج إىل مصدر آخر لفهمه‪ ،‬والدعوات الكشفية النوعية‬ ‫يرى القرآنيون أن القرآن مبني وواضح و ٍ‬
‫عندهم غريبة إىل حد بعيد‪ .‬فريى الشاب عبده أن القرآن يشرح نفسه للجميع بنفسه ‪(Abduh-Rıza, 1935, c.3,‬‬
‫)‪ ،s.293‬حيث أمره قريبه ودليله الشيخ الدرويش الذي كان منتسباً لطريقة صوفية بقوله (اقرأ القرآن و ِ‬
‫اكتف بالتفكر‬
‫مبعىن اجلمل وبركتها وفيضها‪ ،‬واهلل بعده سيفتح لك طريق الفهم) ‪ .İşcan, 1998, s.21‬فال شك أن حممد عبده‬
‫كان متأثراً بتلك النصيحة‪ .‬لقد كان حسني أتاي ال يعترب روايات أسباب النزول والتفسري النبوي تفسرياً ذا قيمة‬
‫وكان يقول‪( :‬افعلوا إذا كان لكم جمال‪ ،‬فالقرآن يشرح لكم نفسه بنفسه) حيث كان يفصل يف باب توصية مشاهبة‬
‫)‪ .(Onat, 2006 ,s.22-3‬إن مدرسة القرآنيني اليت تبنت املبدأ العقلي‪ ،‬ولكوهنا ابتعدت عن املصادر واملواد التارخيية‬
‫والتقليدية مل تستطع التحرر من السقوط يف الالعقلية يف تفسري القرآن الكرمي‪.‬‬
‫ولرمبا بسبب كون نظرية احلدس نسبية للغاية فقد جتاوز بعض القرآنيني املتطرفني احلدود حىت أتوا بإيضاحات‬
‫مشاهبة ألقوال الصوفية احلروفية‪ ،‬فأديب يوكسل املولود يف بيتليس نورشني عام ‪ 1957‬مثالً‪ ،‬فقد كان واحداً من‬
‫األمساء القليلة املقربة من رشاد خليفة‪ .‬وقد حوكم عقب انقالب ‪ 12‬ايلول عام ‪ 1980‬يف تركيا بسبب نشاطاته‬
‫‪171‬‬
‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬

‫اإلسالمية يف مجعية (اكنجيالر) وألقي يف السجن‪ .‬وبعد فرتة انتقل واستقر يف أمريكا مع األب الفكري حلركة (الـ‬
‫‪ 19‬معجزة) بعد االهتمام هبا‪ .‬وأصبح عضواً يف مجاعة رشاد خليفة املسماة (املقدمني) ويأيت معناها بـ (العابدين هلل‬
‫وحده)‪ .‬وعندما كان خليفة ما يزال على قيد احلياة بدأ النظر إليه على أنه نيب فكان ذلك سبباً يف قتله‪ ،‬مما ساهم‬
‫يف توسيع فكرة النيب تلك‪ ،‬فقرر يوكسل ترك هذه اجلماعة‪ ،‬وقد‬
‫‪2‬‬
‫أنكر احلديث وأخرج آيتني من سورة التوبة من القرآن فكان ذلك‬
‫سبباً يف إعالن ارتداده عن اإلسالم من قبل أبيه صدر الدين‬
‫ماذا تودون القول حول التجديد الذي‬ ‫يوكسل (‪ )2004‬الذي يعترب من علماء تركيا املعروفني‪ ،‬واستمر‬
‫نتج عن قول القرآنيني باملعجزة ‪19‬؟‬ ‫أديب يوكسل يف نشرى نشاطات دعوته من خالل الفيديوهات‬
‫والكتب اليت أحدثت نقطة حتول بالنسبة لرتكيا على األخص‪.‬‬

‫احلداثة التارخيية‬
‫أما املدرسة اإلسالمية احلداثية األخرى واليت تدعى مدرسة التارخييني فقد قامت بنقد القرآنيني املدعوين باحلداثيني‬
‫النصيني ألهنم دعوا إىل جتديد القرآن وجعله مواكباً للعصر احلاضر دون مراعاة الشروط التارخيية اليت نزل القرآن‬
‫فيها‪ .‬فريى التارخييني أنه جيب مراعاة شروط املرحلة التارخيية اليت نزل القرآن فيها ومراعاة للتمكن من فهم األسباب‬
‫صد من اهلل مرة واحدة‪ ،‬وهناك شيء ما واقف حيتاج لالكتشاف‪ .‬ولكشفه‬ ‫احلقيقية ألحكام القرآن‪ .‬ألن املعىن قُ ِ‬
‫جيب فهم ومراعاة التاريخ )‪ .(Özsoy, 2004, s.81‬وبعد فهم الشروط واألسباب التارخيية جيب استنباط األحكام‬
‫عمل هكذا وإذا فَ ِّسرت القرآن بعامليته‬
‫املتناسبة مع عصرنا باعتماد القرآن أساساً وقاعدة يرتكز عليها‪ .‬أما إذا مل يُ َ‬
‫فقط من خالل الفهم النصي واألديب‪ ،‬فإن احتمال التحريف سيزداد بسبب الكيفية وعدم املوضوعية‪ .‬كما أن‬
‫أخذ النص كاساس إمنا هو مبثابة إيقاف وجتميد لرسالة القرآن‪ .‬ألن النص القرآين أخذ شكل (احلالة اليت نزل فيها‬
‫القرآن حسب الشروط الزمانية واملكانية) وهكذا فإن أخذ النص كما هو لعصرنا احلاضر سيجعل اإلضافة اليت‬
‫يأيت هبا القرآن حمدودة بشكل كبري‪.‬‬
‫كما أن مدرسة التارخييني ترى أن العائق واإلشكال اآلخر عند مدرسة النصيني هي أنه عند عدم مراعاة الشروط‬
‫التارخيية للنصوص فإن األحكام النازلة أو الواردة يف تلك الشروط‪ ،‬وطبيعية ومتناسبة للغاية مع شروط تلك احلالة‪،‬‬
‫فإنه يف حالة أن تلك األحكام جاءت غري منسجمة مع شروط وظروف العصر احلايل فإن احلداثيني النصيني‬
‫سينهضون بسلوك خافت للدفاع عن احلكم اإلهلي والنبوي وإن كان غري معقول كثرياً‪ .‬ويف حالة أن الدفاع عن‬
‫هذا احلكم كان مستحيالً وغري ممكن فإن سيذهبون باجتاه إنكار مصدر احلكم ذلك بأكمله‪ .‬فاحلداثيني التارخييني‬
‫يف أحكام مثل العبودية‪ ،‬والزواج بعدة نساء‪ ،‬وضرب املرآة‪ ،‬وعدم التساوي بني اجلنسني يف توزيع املرياث والزواج‬
‫من الفتاة الصغرية واحلرب هبدف الفتح وقتل األسري وغريها من األحكام‪ ،‬عملوا على فهم شروطها التارخيية وإجياد‬
‫مقاصدها الشرعية دون الدخول أبداً يف حال الدفاع عنها‪ .‬وألهنم مل يكن هلم قبول مبدأي بعاملية تلك األحكام‬
‫داع للتأويل واإلنكار‪.‬ويعد العامل واملفكر الباكستاين فضل‬
‫كما احلال عند احلداثيني النصيني فإنه مل يبق لديهم ٍ‬
‫الرمحن أب الفكر احلداثي التارخيي اإلسالمي‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫ولد فضل الرمحن عام ‪ 1919‬يف هازار اليت هي ضمن حدود باكستان احلالية‪ .‬تلقى تعليمه الديين األويل من أبيه‬
‫املال موالنا شهاب الدين خريج مدرسة ديوبند‪ ،‬إضافة إىل أصول الدرس النظامي‪ .‬وأمت حفظ القرآن عندما كان يف‬
‫العاشرة من عمره‪ .‬انتقلت عائلته إىل الهور فكانت فرصة لفضل الرمحن ليبدأ تعليمه اجلامعي‪ .‬وخترج عام ‪1940‬‬
‫من جامعة البنجاب قسم اللغة العربية‪ .‬وعني مساعداً يف نفس القسم وأمت الدراسات العليا‪ .‬وتعرف خالل ذلك‬
‫على املودودي مؤسس اجلماعة اإلسالمية‪ .‬وعندما رآه املودودي مشغالً متاماً بالدراسات األكادميية دعاه للعمل‬
‫على اإلصالح السياسي قائالً‪( :‬بالقدر الذي تدرس وجتتهد به تتعب مالئكتك املوكلني بأعمالك‪ ،‬ملاذا ال تأيت‬
‫وتنضم إىل مجاعتنا؟) )‪ .(Acıkgenç, 1990, s.234‬لكنه فضَّل الدراسات العلمية النظرية‪ .‬وكانت رسالة الدكتوراة‬
‫اليت خترج هبا من جامعة اوكسفور عام ‪ 1949‬حول فلسفة ابن سينا‪ .‬مث تابع عمله األكادميي يف جامعات اجنلرتا‬
‫يف )‪ ،(Durham‬وكندا يف )‪.(McGill‬‬

‫لقد الحظ فضل الرمحن تناقضاً واضحا بني التعليم الديين التقليدي الذي هو على شكل وقف يف معظمه‪ ،‬وبني‬
‫عب فضل الرمحن يف صفحاته األوىل عن عمله األكادميي أن‬ ‫التعليم الديين احلديث الذي القاه يف الغرب‪ ،‬وقال َّ‬
‫وحل‬
‫ذلك ساقه إىل شبهة جدية‪ ،‬لكنه عرف كيف يتجاوز هذه الشبهة دون أن تتحول إىل أزمة ومشكلة دينية‪َّ .‬‬
‫التناقض من خالل الفكرة اليت عرضها (أن مجيع األعراف والتقاليد جيب تُعاد هلا احلياة جمدداً باستمرار‪ ،‬وجيب‬
‫أن جتدد التفسريات احلديثة دائماً) وقد شكلت هذه الفكرة أساس املنهجية اليت سيطورها يف السنوات الالحقة‪.‬‬
‫وقد كان يعطي دروساً يف مؤسسة األحباث اإلسالمية يف كراتشي بدعوة من احلكومة الباكستانية عام ‪ .1961‬وقد‬
‫أخرج حىت عام ‪ 1968‬كتابني وأكثر من عشرين مقالة‪ .‬وقد ناقض التاريخ اإلسالمي متاماً يف كتابه (اإلسالم)‪.‬‬
‫وبسبب بعض افكار هذا الكتاب وخاصة ما يتعلق منها بالقرآن كونه يعتقد أن القرآن مبعناه من عند اهلل أما لفظه‬
‫فعائد للنيب‪ ،‬بسبب هذه األفكار وضعت اجلوائز ملن يقتله من قبل بعض األوساط التقليدية‪ .‬ونتيجة لذلك غادر‬
‫استمر تدريسه يف جامعة شيغاغو بوصفه بروفسور‬ ‫استقر يف الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وقد َّ‬
‫فضل الرمحن دولته و َّ‬
‫الفكر اإلسالمي حىت وفاته عام ‪.1988‬‬

‫يرى فضل الرمحن أن اإلصالح السياسي الذي جعله األفغاين أولية‪ ،‬أو اإلصالح السياسي الذي حرص عليها‬
‫كاف لنهوض العامل اإلسالمي‪ .‬ففي نفس الوقت هناك حاجة جلهود فكرية عظيمة مدعمة‬ ‫حممد عبده غري ٍ‬
‫بالصرب واملثابرة حول الفكر اإلسالمي )‪ .(Azıkgenç, 1990, s.238‬وإن األساس الفكري هلذه اجلهود أطلق عليها‬
‫اسم (جهاد الفكر) حيث تستند إىل مبدأ ضرورة التغيري‪ .‬وقد ختلف املسلمون وتراجعوا ألهنم مل يفهموا حقيقة‬
‫التغيري‪ .‬أما القرآن فهو كتاب خماطب لكل العصور‪ .‬وخطاب القرآن هلذا العصر ليس من خالل أحكامه‬
‫وحسب‪ ،‬إمنا من خالل مبادئه العاملية كالتوحيد والعدالة واحلرية واملساواة والشورى‪ .‬ويقرتح فضل الرمحن‬
‫هبذا اخلصوص ما يلي‪ :‬العودة إىل املرحلة األوىل اليت نزل فيها القرآن وبناءً مقاصد اآليات (مستعينني بالسري‬
‫وأسباب النزول)‪ ،‬حندد املبادئ العامة اليت أراد القرآن تثبيتها‪ .‬مث تُنقل هذه املبادئ إىل العصر احلايل وحندد‬
‫كيف ميكننا تطبيق هذه املبادئ مع شروط هذا العصر‪ ،‬فيوصلنا ذلك إىل احللول العصرية‪ .‬وهكذا تكسب‬
‫أوامر القرآن ونواهيه التأثري من جديد‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬

‫أما األحكام الفردية لآليات فما يتعلق منها بغري العبادات يبقى تارخيياً حسب فضل الرمحن‪ .‬فقد نزلت تلك‬
‫األحكام وفق شروط ذلك العصر ومقاصده‪ ،‬لذلك فإهنا ال ختاطب العصور الالحقة‪ .‬ألن اجملتمعات والشروط‬
‫واملصاحل تتغري باستمرار‪ .‬أما ما ال يتغري فهو مبادئ القرآن العاملية‪ .‬فإن كان املقصد من قطع يد السارق يف اآلية‬
‫‪ 38‬من سورة املائدة هو الردع عن السرقة بعقوبة قاسية‪ ،‬وتكوين نظام اجتماعي عادل وسعيد‪ ،‬فإذا وجدنا يف‬
‫عصرنا جزاءً أقسى أو أخف من ذلك حيقق ذلك املقصد فإنه ميكن أن حيل اجلزاء السابق ويكون حكم القرآن‬
‫حمققاً‪ .‬أما ما ينقده احلداثيني التارخييني على النصيني أن النصيني ال ينظرون يف الغالب إىل تاريخ اآلية‪ ،‬فمثالً‬
‫يتحركون مع داللة الكلمة يف نص اآلية‪ ،‬حيث ميكن أن يقولوا أن اهلدف من قطع يد السارق هو جرح اليد‬
‫نصه القرآن على‬
‫لإلشارة إىل سرقته دون قطعها‪ .‬وما علينا التأكيد عليه أنه يف كال احلالتني هو ضياع احلد الذي َّ‬
‫السارق وإلغاؤه‪ ،‬واعتبار هذا احلد الشرعي غري مقبول أبداً بالعصر احلايل‪ ،‬واستبداله بأحكام أخرى‪.‬‬
‫وقد تُـبُين االجتاه احلداثي التارخيي وطُ ِور بعد فضل الرمحن وإن كان مع بعض االختالفات من قبل حممد عابد‬
‫اجلابري (‪ )2010‬وحممد أركون (‪ )2010‬ونصر حامد أبو زيد (‪ )2010‬وحسن حنفي وعبد الكرمي سورش وغريهم‪.‬‬
‫وإن أكثر شيء ميكن مالحظته يف أفكار هؤالء املفكرين واألكادميني وباألخص عند أركون وأبو زيد وسروش هو‪:‬‬
‫الزعم بأن األحكام الشرعية يف القرآن ليس له طبيعة إهلية يف األصل‪ .‬أما األساس الفلسفي لذلك فهو‪ :‬أن القرآن‬
‫نزل على النيب حممد وتأثر بشخصية النيب وبشريته‪ .‬فعلى سبيل املثال نأخذ األكادميي اجلزائري فرنسي اجلنسية‬
‫أركون الذي يرى أن الكتاب املقدس تداخل مع بعضه من خالل الوحي ومع التاريخ أصبح جزءاً من هذه احلياة‬
‫الدنيا وفقد طبيعته اإلهلية‪ .‬وبطبيعة احلال فإن الشريعة اليت تعرف بأهنا قوانني أهلية هي جزء من ذلك‪ ،‬وأصبت‬
‫دنيوية أيضاً من خالل الوحي وفقدت خصائصها اإلهلية هبذا املعىن‪ .‬لذلك وحسب الشروط اجلديدة فإن ال يوجد‬
‫بد منه للمسلمني يف صيغة‬‫مانع إهلي مينع التغيري الذي سيُعمل على الشريعة‪ .‬لذلك فإن هذا التغيري يعترب ال َّ‬
‫تتناسب مع املنطق التقدمي للقرآن )‪.(Arkon, 1998, s.215-6‬‬

‫ضمن الربوفسور يف جامعة القاهرة نصر حامد أبو زيد كتابه (مفهوم النص) آراءً ومسائل مشاهبة هلذه املسألة‬‫لقد َّ‬
‫وعلى إثر ذلك أُعلِن عن ارتداده وطُلِّقت زوجته منه بقرار من احملكمة‪ .‬وبعد ذلك رحل من مصر إىل هولندا بعد‬
‫تلقي هتديدات بالقتل من قبل تنظيم اجلهاد وتابع دراساته وأعماله يف جامعة ليدن‪ .‬أما الربوفسور اإليراين عبد‬
‫الكرمي سروش يف نفس االجتاهات َّفرق بني الدين واملعلومة الدينية‪ .‬فعلى الرغم من أن الظاهرة الدينية مطلقة وغري‬
‫حمدودة فإن املعلومة الدينية ذات صفة إضافية وارتباطية‪ .‬ينطلق سروش من خالل هذا التفريق لينقد بثقة كبرية‬
‫أساليب فهم أحكام اإلسالم ضمن الدين التقليدي كوهنا معلومات دينية‪ ،‬ويتوصل إىل نتائج أكثر ليربالية وتعددية‬
‫(األفندي‪ ،2009 ،‬ص ‪.)32‬‬

‫إن سروتش الذي حصل على الليسانس يف علم الصيدلة أكمل دراسته العليا يف لندن‪ ،‬واشرتك عام ‪ 1979‬يف دعم‬
‫الثورة اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬وقد عُ ِّي بعد الثورة من قبل اخلميين كواحد من سبعة أشخاص مؤسسني ملؤسسة الثورة‬
‫الثقافية اليت كانت هتدف لتشكيل النظام اجلامعي اجلديد بعد الثورة‪ .‬وقد أُغلِقت بعد ذلك اجمللة اليت أصدرها يف‬
‫السنوات الالحقة واليت اختذت موقفاً معارضاً لسياسات الثورة اليت فرضت الرقابة والتضييق على رجال الدين بشكل‬
‫‪174‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫كبري‪ ،‬وروقبت كتاباته‪ ،‬وأصبحت هدفاً ألنصار حزب اهلل‪ ،‬وقد نكدوا وضيقوا عليه يف دروسه ومؤمتراته‪ ،‬وخسر يف‬
‫هذا الوقت عمله يف الدولة كموظف‪ .‬وقد أمضى سروتش معظم حياته يف لتنمية احلداثة اإلسالمية‪ ،‬مث رحل عام‬
‫‪ 2000‬إىل الواليات املتحدة األمريكية وقد تابع نشاطاته ودراساته يف أرقى مؤسساهتا التعليمية مثل هارفارد وياله‬
‫وبرينستون وكولومبيا وشيغاغو‪ ،‬واستمر كربوفسور للفكر اإلسالمي والعلوم اإلسالمية يف كل من هولندا وأملانيا‪.‬‬
‫لقد كان سروتش ناقداً لألنظمة احلقوقية واإلدارية غري الدميقراطية سواء الرمسية منها وغري الرمسية بداية من دولته‬
‫إيران وباقي الدول اإلسالمية منطلقاً يف ذلك من‬
‫‪3‬‬
‫مبادئ دينية وفلسفية‪ ،‬وباحثاً ومفتشاً يف األنظمة‬
‫عب عنها بقوله (اليت‬ ‫واملؤسسات التقليدية اليت َّ‬
‫ماذا يضيف القول بـ (أن معىن القرآن الكرمي من عند‬ ‫بقيت خارج العصر)‪ ،‬بداية من املذهب الشيعي‬
‫اهلل‪ ،‬لكن لفظه عائد إىل النيب) إىل ِّادعاءات احلداثة؟‬ ‫الذي ينتسب إليه إىل غريه من املذاهب واألفكار‪،‬‬
‫مقرتحاً حلوالً بديلة دميقراطية ليربالية تعددية‪.‬‬
‫كما أنه من الضروري ذكر منوذج حممود حممد طه ومجاعة إخوان اجلمهوريني‪،‬هذا النموذج الذي برز يف السودان‬
‫معرباً عن احلداثة التارخيية بشكل أكثر غرابة واختالفاً وقد ظهر بشكل أبكر مقارنة باجلهود الواردة يف األعلى‪.‬‬
‫خترج طه املولود عام ‪ 2010‬من اجلامعة كمهندس‪ ،‬مث دخل السياسة للمطالبة يف عهد االستقالل‪ ،‬أسس عام‬
‫‪ 1945‬حزب اجلمهوريني الذي تبىن السياسة الدميقراطية ودافع عن تأسيس مجهورية السودان الفدرالية املستقلة‬
‫بشكل تام‪ .‬وقد اعتٌ ِقل بسبب نشاطاته تلك‪ ،‬واجته خالل فرتة سجنه إىل احلياة الدينية‪ ،‬وعند خرج من‬
‫وقرر اعتباراً من عام ‪ 1951‬إكمال طريقه مع احلركة السياسية الدينية اليت ستأخذ‬
‫السجن ترك أعماله احلزبية َّ‬
‫اسم (إخوان اجلمهوريني)‪.‬‬
‫وقد كان كتاب (الرسالة الثانية من اإلسالم) الذي نشره عام ‪ 1967‬عاكساً ألفكار حممود حممد طه الغريبة وغري‬
‫املألوفة‪ .‬وقد زعم طه أن القرآن يف اإلسالم هو األصل بينما له فروع عبارة عن رسالتني‪ .‬فاآليات اليت نزلت يف مكة‬
‫تشكل أصل اإلسالم من خالل تعبريها عن أساسات اإلميان واألخالق‪ .‬وهذه اآليات يف نفس الوقت تربز النسيج‬
‫االجتماعي املرتكز إىل التعاون والتكافل واملشاركة واملساواة‪ ،‬وتذكرنا بالقيم االجتماعية والدميقراطية يف أيامنا هذه‪.‬‬
‫أما اآليات اليت نزلت يف املدينة فهي آيات األحكام اليت حتملها الشريعة اإلسالمية‪ .‬وهم عبارة عن جمموعة من‬
‫األوامر والنواهي واإلرشادات اليت كانت نقطة التحول ألول جمتمع إسالمي‪ ،‬واآليات املكية هتدف إىل إيصال‬
‫ص ِّممت بشكل جللب الناس اليت تبدي مقاومة‬ ‫اجملتمع إىل النضج املنشود‪ .‬وبعبارة أخرى فإن هذه اآليات قد ُ‬
‫وخمالفة إىل هذا اجملتمع الناضج‪ .‬وعند وصول األشخاص واجملتمعات إىل هذا املستوى تفقد الوصايا واألوامر املدينة‬
‫صالحيتها وترتك مكاهنا بالكامل لألوامر املكية اليت تشكل ذاتية الدين‪ .‬لذلك فإنه يف رسالة اإلسالم يف أيامنا‬
‫هذه ال جيب أخذ املدين الذي بقي تارخيياً وإمنا جيب أخذ املكي الذي هو األصل‪ .‬وجيب دعوة الناس إىل الرسالة‬
‫الثانية واألخرية أي إىل الدعوة املكية )‪.(Alpler, 2003, s.370-1‬‬

‫‪175‬‬
‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬

‫وصل الضابط جعفر النمريي إىل السلطة باالنقالب وأخذ قراره بتطبيق الشريعة فقال طه بأن هذه ليس بالشريعة‬
‫فاتِم باالرتداد‪ ،‬حوكم وحكم عليه باملوت عقوبة على ارتداده‪ .‬وقد جنى من اإلعدام‬ ‫احلقيقية وعارض ذلك بشدة ُّ‬
‫أصر على أفكاره وخمالفته ويف‬ ‫أربعة أصدقاء كانوا معه يف نفس القضية من خالل إعالهنم التوبة‪ .‬أما طه فقد َّ‬
‫النهاية نُـفِّذ حكم اإلعدام حبقه عام ‪ 1985‬وكان عمره ‪ .76‬وقد كان اإلسالمي الشهري حسن الرتايب وزير الداخلية‬
‫حينها الذي كان املتهم دائماً من قبل أنصار طه بالتحضري هلذه النتيجة‪ .‬وقد ُمنِ َعت حركة إخوان اجلمهورية بعد‬
‫إبعاد معظم أعضائها إىل الدول الغربية‪ .‬ويعترب السوداين عبد اهلل أمحد النعيم بروفسور احلقوق يف جامعة إموري‬
‫يف الواليات املتحدة األمريكية أبرز األمساء اليت وهبت احلياة والتجديد ألفكار احلداثة والعصرية عند طه واإلخوان‬
‫اجلمهوريني‪ .‬وإن عبد اهلل أمحد النعيم لريى أن الشريعة اإلسالمية ستنتج يف النهاية نظاماً الئقاً باحلداثة متناسباً‬
‫مع الدولة‪ ،‬أما أحكام الشريعة التقليدية فال ميكن تطبيقها ويعرب عن ذلك باجلملة التالية‪” :‬إن قناعيت كمسلم أن‬
‫تطبيق القوانني االجتماعية الشرعية على املسلمني لن جتعلهم قادرين على تأدية احلقوق املطلوبة منهم دينياً‪ .‬وإن‬
‫موقن بشدة جمدداً أن تطبيق القوانني االجتماعية الشرعية هي أكثر التطبيقات اليت ستعود بالضرر على كل من‬
‫اإلسالم واملسلمني” )‪.(an-Naim, 1998, s.238‬‬

‫‪176‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬ ‫‪8‬‬


‫معرفة صفات احلداثة اإلسالمية‬
‫إن احلركات اإلسالمية اإلصالحية يف ايامنا هذه بأكلمها‬ ‫وإمكانية املقارنة بينها وبني‬
‫تقريباً تدعم فكرة أن املسلمني هم السبب يف اهنيار احلضارة‬ ‫املذاهب التقليدية واإلصالحية‬
‫اإلسالمية وختلفها وليس اإلسالم‪ .‬كما أهنا تضيف إىل ذلك‬
‫محالت التخريب واإلفساد اليت قامت هبا احلركات اإلمربيالية‬
‫من اخلارج‪ .‬أما احلداثة اإلسالمية وجبرأة كبرية ال ترى أن‬

‫اخلالصة‬
‫املسلمني أو الغرب هم السبب يف الفساد واالهنيار احلضاري‪،‬‬
‫بل تزعم أن املشكلة األساسية هي يف (الدين الذي وصل إلينا‬
‫يف أيامنا هذه مبا يسمى باإلسالم) وتقوم باملساءلة والبحث‬
‫العميق الدقيق يف املصادر الدينية وأصول فهم الدين وكل‬
‫ما وصل إلينا من الدين‪ .‬وبينما يرجح التقليديني الدعوات‬
‫واملعلومات النقلية يعمل اإلصالحيون على املوازنة بني العقل‬
‫والنقل‪ .‬أما احلداثيون فإهنم يرجحون العقل على األغلب‪.‬‬
‫لذلك يستند اإلسالم احلداثي إىل الفكر بشكل كبري‪.‬‬

‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬ ‫‪8‬‬


‫إعمال الفكر حول السبب الذي‬
‫إن احلداثة اإلسالمية أثناء قيامها بالبحث والدراسة حول‬ ‫جعل احلداثيني يتعاملون مع‬
‫(الدين اإلسالمي الذي وصل إلينا) تناولت القرآن فقط على‬ ‫القرآن على أنه املصدر الوحيد‬
‫أنه املقياس واملصدر الوحيد للدين اإلسالمي‪ .‬ألن القرآن‬
‫حبسب احلداثة رغم كل التحريفات اليت ميكن أن يكون‬
‫تعرض هلا من خالل التفسريات يف علوم الدين التقليدية‬
‫كالتفسري واحلديث والفقه والكالم وغريها فإنه قد وصل‬
‫إلينا دون حتريف يف نصه‪ .‬أما املصدر الثاين للدين اإلسالمي‬
‫وهواألحاديث النبوية فإهنا خالية من الدقة واملوثوقية اليت‬
‫حيملها القرآن‪ .‬لذلك فقد تركزت انتقادات احلداثة على كل‬
‫املؤسسات واملفاهيم اإلسالمية ويف مقدمتها األحاديث إضافة‬
‫إىل النصوص الدينية الفقهية والكالمية واملذهبية والتصوفية‬
‫وغريها‪ .‬وحبسب احلداثة فإن القرآن هو الوحيد الذي يؤخذ‬
‫منه اإلهلام حلل وجتاوز املشكالت العصرية‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬

‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬ ‫‪8‬‬


‫إمكانية املقارنة والتفصيل يف الفروق بني‬
‫حبسب احلداثة اإلسالمية النصية فإن معاين نصوص‬ ‫املنهجني التارخيي والنصي يف التعامل مع‬
‫آيات القرآن بأكملها عامة وعاملية وميكن تطبيق آياته‬ ‫القرآن يف املذهب احلداثي‬
‫على األحداث العصرية جبعلها مواكبة للعصر احلايل‪.‬‬
‫ألن النص اآلهلي ديناميكي وحركي‪ ،‬لذلك فهو قول‬
‫يسري يف كل شرط وكل زمان ومكان ولديه جواب لكل‬
‫اخلالصة‬

‫شيء‪.‬‬
‫أما املدرسة اإلسالمية احلداثية األخرى واليت تدعى‬
‫مدرسة التارخييني فقد قامت بنقد القرآنيني املدعوين‬
‫باحلداثيني النصيني ألهنم دعوا إىل جتديد القرآن وجعله‬
‫مواكباً للعصر احلاضر دون مراعاة الشروط التارخيية اليت‬
‫نزل القرآن فيها‪ .‬فريى التارخييني أنه جيب مراعاة شروط‬
‫املرحلة التارخيية اليت نزل القرآن فيها ومراعاة للتمكن‬
‫من فهم األسباب احلقيقية ألحكام القرآن‪ .‬ألن املعىن‬
‫صد من اهلل مرة واحدة‪ ،‬وهناك شيء ما واقف حيتاج‬ ‫قُ ِ‬
‫لالكتشاف‪ .‬ولكشفه جيب فهم ومراعاة التاريخ‪ .‬وبعد‬
‫فهم الشروط واألسباب التارخيية جيب استنباط األحكام‬
‫املتناسبة مع عصرنا باعتماد القرآن أساساً وقاعدة يرتكز‬
‫عمل هكذا وإذا فَ ِّسرت القرآن بعامليته‬
‫عليها‪ .‬أما إذا مل يُ َ‬
‫فقط من خالل الفهم النصي واألديب‪ ،‬فإن احتمال‬
‫التحريف سيزداد بسبب الكيفية وعدم املوضوعية‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬ ‫‪8‬‬


‫إمكانية إعطاء أمثلة على األقوال‬
‫ظهر يف القرن التاسع عشر يف اهلند مدرسة قرآنية حداثية‬ ‫املشهورة للحداثيني التارخييني‬
‫وحتولت إىل مدرسة مهمة‪،‬‬ ‫معروفة باسم (أهل القرآن)‪َّ ،‬‬ ‫والنصيني وإمكانية التقييم‬
‫خترج منها أمساء بارزة مثل تشكرالفي‪ ،‬وغالم أمحد برويز‬
‫وغريهم‪ .‬أما املكان اآلخر الذي ظهر فيه القرآنيون بكثرة‬
‫فهو مصر‪ ،‬ومن شخصياهتا املهمة حممد توفيق صدقي‬

‫اخلالصة‬
‫وأمحد صبحي منصور‪ .‬وقد كان فضل الرمحن األب‬
‫الفكري للحداثة التارخيية‪ .‬وقد تطور هذا املنهج احلداثي‬
‫من قبل أمساء مثل أركون ونصر حامد أبو زيد وحسن‬
‫حنفي وعبد الكرمي سروش‪ .‬وجيب تناول كل واحد من‬
‫هؤالء يف املدارس اليت نشؤوا فيها لوحده‪ .‬ألنه يستحيل‬
‫احلديث عن منهج واحد جيمعهم‪ .‬حيث يوجد اختالفات‬
‫كبرية بني املدارس حول كثري من املواضيع مثل استخدام‬
‫األحاديث وأي النصوص تعترب تارخيية‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون)‬

‫‪ 4‬أي من االقرتاحات يف األسفل ال يتناسب مع‬ ‫‪ 1‬من وحدهم الذين يستطيعون القيام بالتشريح‬
‫منهج فضل الرمحن؟‬ ‫الذي حتدث عنه علي شريعيت (املساءلة الدينية‬
‫إن مبادئ القرآن األساسية هي اليت تنقل‬ ‫أ‪ .‬‬ ‫احلداثية)؟‬
‫أحكام القرآن إىل أيامنا هذه‪.‬‬ ‫ ‬ ‫التنويريون‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫اخترب نفسك‬

‫السياسيون‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬


‫إن أحكام القرآن اللفظية عاملية وتسري يف كل‬ ‫ب‪ .‬‬
‫العلماء‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫األزمنة‪.‬‬ ‫ ‬ ‫املهندسون‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫إن تغري الزمان يقتضي تغري األحكام اإلهلية‪.‬‬ ‫ج ‪.‬‬ ‫الصوفيون‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬
‫القرآن إهلي املعىن لكن لفظه عائد للنيب‪.‬‬ ‫د ‪.‬‬
‫إن روايات أسباب النزول تكون مساعدة يف‬ ‫ه ‪.‬‬
‫تثبيت مبادئ القرآن‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪ 2‬أي املؤسسات يف األسفل تعترب من املؤسسني‬
‫للحداثة القرآنية؟‬
‫جامعة األزهر‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫‪ 5‬من اين استلم حممود حممد طه ما مسَّاه (الرسالة‬ ‫جامعة ماليزيا اإلسالمية الدولية‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫األصلية لإلسالم) يف كتابه املسمى ”الرسالة الثانية‬ ‫جامعة املدينة اإلسالمية‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫من اإلسالم”؟‬ ‫جامعة قوم املصطفى‪.‬‬ ‫د ‪.‬‬
‫من آيات األحكام‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫جامعة عليكره اإلسالمية‪.‬‬ ‫ه ‪.‬‬
‫من األيات املدنية‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫من قصص القرآن‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫من السنة النبوية‪.‬‬ ‫د ‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي التيارات يف األسفل اعتمدت اآلية (ما‬
‫من اآليات املكية‪.‬‬ ‫ه ‪.‬‬ ‫فرطنا يف الكتاب من شيء) األنعام ‪ .38‬كأساس يف‬
‫فكرها؟‬
‫املذهبيون‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫اإلسالم السياسي‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫اإلصالحيون‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫القرآنيون‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫التارخييون‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪180‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪ .4‬ب إذا مل تكن إجابتكم صحيحة فاقرؤوا حبث‬ ‫إذا مل تكن إجابتكم صحيحة فاقرؤوا حبث‬ ‫‪ .1‬أ‬
‫”احلداثة التارخيية” جمدداً‪.‬‬ ‫”خصائص احلداثة” جمدداً‪.‬‬

‫مفتاح األجوبة لـ “اخترب‬


‫إذا مل تكن إجابتكم صحيحة فاقرؤوا حبث‬ ‫‪ .5‬ه‬ ‫‪ .2‬ه إذا مل تكن إجابتكم صحيحة فاقرؤوا حبث‬
‫”احلداثة التارخيية” جمدداً‪.‬‬ ‫”احلداثة النصية” جمدداً‪.‬‬

‫إذا مل تكن إجابتكم صحيحة فاقرؤوا حبث‬ ‫‪ .3‬د‬


‫”احلداثة النصية” جمدداً‪.‬‬

‫نفسك”‬
‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪8‬‬

‫يرى علي عبد الرزاق أنه ال يوجد نظام إدارة وحكم إسالمي‪ .‬لذلك جيب اعتبار أن‬
‫مؤسسة اخلالفة هي مؤسسة غري شرعية‪ .‬واخلالفة اليت ليس هلا أصل يف القرآن أيضاً هي‬
‫ص ِّممت من قبل النيب حممد لإلدارة الدنيوية‪ .‬لكن عبد الرزاق يرى أن‬ ‫مؤسسة وكالة ُ‬
‫مهمة النيب حممد تنحصر يف اجملال املعنوي واألخالقي‪ ،‬وليس فيها جانب سياسي‪ .‬أما‬ ‫‪1‬‬ ‫جاء دورك‬
‫الذين يقولون بأن من أهداف اإلسالم تأسيس نظام عادل يتبع الكتاب والسنة واحلركات‬
‫السياسية اليت تريد إحياء مفهوم اخلالفة لتحقيق هذا النظام فإهنم بالتأكيد يرفضون كالم‬
‫عبد الرزاق بالكامل‪.‬‬

‫كم من التصنيفات الرياضية ذات العدد ‪ 19‬والطبقات‬ ‫إن االدعاءات اليتكان أساسها من ٍّ‬
‫يف الكلمات واآليات والسور القرآنية اليت أخذت اسم (املعجزة القرآنية ‪ ،)19‬تركت‬
‫القرآن بعيداً عن اإليضاحات احلديثية كما لو أهنا هتدف إىل إكساب أساس معجز‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫جاء دورك‬
‫ب عموماً‪ .‬ألن أول شخص جاء هبذه االدعاءات هو رشاد خليفة‪،‬‬ ‫خمر ٌ‬
‫لكن هذا األساس ِّ‬
‫حيث أنه كان ميكن أن يذهب إلنكار آخر أيتني من سورة التوبة ألهنا مل تتناسب مع‬
‫الكود (الرقم) ‪ .19‬وقد أخرج هاتني اآليتني منكتابه (ميل القرآن) الذيكتبه باالنكليزية‪.‬‬

‫إن األوساط احلداثية املتبنية ألسلوب النقد التارخيي تدعي أن (القرآن معناه من اهلل واللفظ‬
‫للنيب حممد)‪ .‬وكما هو معلوم فإن مذهب (التارخييني) يتبىن فكرة أن املقصود من النص‬
‫ليس لفظه وإمنا املقاصد يف زمن إنزاله‪ ،‬واملبادئ العامة املستخرجة من هذه املقاصد‪ ،‬لكن‬
‫الكالم يف النهاية يفيد بضرورة نقل املقصد واملبادئ لزماننا هذا‪ .‬وإن عدم وصف اللفظ‬ ‫‪3‬‬ ‫جاء دورك‬
‫بأنه أهلي يسهل عملية احلداثة واملعاصرة هذه‪ .‬ألن املعىن اإلهلي أصبح يصدر من فم النيب‬
‫فتحول إىل قالب بشري وفقد قدسيته‪ .‬لذلك جيب تناول أساس املعىن ضمن اللفظ‪ ،‬ال‬
‫اللفظ حبد ذاته‪.‬‬

‫‪181‬‬
)‫احلداثة اإلسالمية (القرآنيون والتارخييون‬

‫املصادر‬
:‫بالعربية‬
.‫ بريوت‬،‫ تفسري املنار‬.)1935/1354( .‫ رشيد رضا‬،‫حممد عبده‬

:‫بالرتكية‬
Açıkpınar, Alparslan,. (1990). İslami Uyanış ve Yenilikçilik Düşünürü: Fazlur Rahmanın Hayatı ve Eserleri
(1919-1988), İslami Araştırmalar, 4/4, s.232-252.
el-Affendi, Abdelwahab.(2009). The People on the Edge: Religious Reform and the burden of the Western
Muslim İntellectual, Harvard Middle Eastern and İslamic Review, 8, s.19-50.
Alper, Ömer Mahir. (2003). Mahmud Muhammed Taha, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c.27, s.370-1.
Arkoun, Mohamed. (1998). Rethinking İslam today, (C. Kurzman (editör), Liberal İslam, Oxford, 1998) İçinde,
s.215-221.
Aydın, Mehmet.(1993). Fazlur Rahman ve İslam Modernizmi, (Fazlur Rahman, İslam, İstanbul, Giriş Bölümü),
s. xv-xxxxiii.
Birışık, Abdülhamit. (2002). (Kuraniyyun), Diyanet İslam Ansiklopedisi, c.26, s.428-9.
Eren, Halit.(1989). (Aligarh), Diyanet İslam Ansiklopedisi, 1989, c.2, s.460.
Erkilet, Alev, (1999). Ortadoğuda Modernleşme ve İslami Hareketler, İstanbul.
İşcan, Mehmet Zeki. (1998). Muhammed Abduhun Dini ve Siyasi Görüşleri, İstanbul.
Kurzman, Charles (editör). (1998). Liberal İslam: A Source Book, Oxford.
Metcalf, Barbara D. (1982). İslamic Revival in British İndia: Deoband, 1860-1900, New Jarsey.
Moaddel, M., Talattofi K.(2000). Contemporary Debates in İslam: An Anthology of Modernist and
Fundamentalist thought, New York.
an- Naim, Abdullahi Ahmed. (1998). (Sharia and Basic Human Rights Concerns), (C. Kurzman; editör;, Leberal
İslam: A Source Book, Oxford) içinde, s.222-238.
en- Neklavi, Fethi. (2001). Kasım Emin, Diyanet İslam Ansiklopedisi, c.24, s.531-2.
Onat, Hasan. (2006). Türkiyede Din Anlayışı ve İslamın Geleceği: Prof.Dr. Hüseyin Atayla Bir Mülakat.
Demokrasi Platformu, 2/8, s.1-40.
Özsoy, Ömer.(2004). Kuran ve Tarihsellik Yazıları, Ankara.
Öztürk, Mustafa. (2007). İslami Kökenciliğin Bir Tezahürü: Mealcilik, İslamiyat, 10/1, s.117-138.
Öztürk, Mustafa. (2010). Dini Hükümlerin Kaynağını Kuran ile Sınırlandırma Eğiliminin Kaynakları ve
Tutarlılığı, (Cengiz Kallek, editör, Dini Hükümlerin Kaynağı ve Dini Metinlerin Anlaşılması, İstanbul)
içinde s.13-67.
Paçacı, Mehmet. (2008). Çağdaş Dönemde Kuran ve Sünnete Ne Oldu?. İstanbul.
Suruş, Abdülkerim. (1989). Dini Düşüncenin Yeniden Kurulması ve Dr.Ali Şeriati, Türkçeye trc. Saba Kara,
Ankara.
Yüksel, Edip. (2002). Üzerinde 19 Var, İstanbul.

182
‫الوحدة التاسعة‬
‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة والتقليد‬

‫األهداف‬
‫عند إمتام هذه الوحدة ميكنك‪:‬‬
‫ إمكانية حتليل األوجه املتنوعة للحداثة اإلسالمية من خالل وجهات نظرهم حول مواضيع خمتلفة‪.‬‬
‫ حتديد الصور السياسية املختلفة للتيار احلداثي مع املقارنة بينهم‪.‬‬
‫ القدرة على تقييم االنتقادات األساسية املوجهة للتيار احلداثي‪.‬‬
‫ بيان األسباب والدوافع الرئيسية لظهور التيار التقليدي‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫اإلسالم الليربايل‬ ‫ ‬
‫اإلسالم األورويب‬ ‫ ‬
‫اليسار اإلسالمي‬ ‫ ‬
‫التقليديني‬ ‫ ‬
‫احلكمة اخلالدة‬ ‫ ‬

‫‪184‬‬
‫أسس العبادات اإلسالميّة‬

‫املدخل‬
‫تعترب مجيع أنواع أفكار وممارسات احلداثة اإلسالمية‪ ،‬سواء كانت تغذيها املناهج النصية أو التارخيية يف سياق‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬إال أنه يف النهاية يتم تقييمها من نفس املنظور على مستوى متسا ٍو يف البيئات املناهضة للحداثة؛‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإن االختالفات يف إطار قبول التقاليد الدينية سواء كانت كبريةً أو صغرية تعد معايري‬
‫مهمة حتدد اجتاه وعمق التباعد بني املدارس احلداثية‪ ،‬السيما املدارس القرآنية النصية احلداثية اليت ال تلتفت إىل‬
‫غري القرآن من روايات‪ ،‬وبذلك كانوا سببا يف االنفكاك عن املصادر الدينية التقليدية إىل حد كبري‪ ،‬وعلى مر‬
‫التاريخ أيضا كانوا دافعا لتقويض وتعطيل احلداثة اإلسالمية‪ ،‬أما املدارس التارخيية احلداثية فهي أكثر انتباها ملخاطر‬
‫االبتعاد عن املراجع التقليدية حىت ولو مل يكن ذلك يف حساباهتم أنه قد يضر هبم‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل أنه عند بيان‬
‫معىن مصطلح ”اإلسالم التقدمي” والذي يستعمل مبعىن الرؤية اإلسالمية ”التجديدية”‪ ،‬فال بد من فهمه يف إطار‬
‫”السعي لعدم االنفكاك عن املراجع التقليدية”‪ ،‬بل رمبا هو نوع من أنواع ”النقد التقليدي”‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫جيب فهم هذا املصطلح (‪.)Duderija, 2011, s. 133-4‬‬

‫احلداثة اإلسالمية واآلراء احلديثة‬


‫أضاف أستاذ احلداثة يف جنوب أفريقيا الربوفيسور فريد إسحاق حمتوى يساري ”للتقدمية” اإلسالمية‪ ،‬فبالنسبة‬
‫إليه هذا النوع من اإلسالم هو فهم إسالمي لتحويل اجملتمعات الغري عادلة إىل جمتمعات العدالة‪ ،‬وحتويل الناس‬
‫موضوعا تارخييا (‪ .)Bennett, 2005, s. 22‬ووفقا للخبري السوري بسام الطييب والذي‬
‫ً‬ ‫من االستغالل ليكونوا‬
‫يعرفونه على أنه مسلم ليربايل فإن ”اإلسالم الليربايل” مرادف لإلسالم احلداثي‪ ،‬وهو مصطلح مشهور ينسب‬
‫لشخصيات أخرى مثل طه وكرون‪ ،‬أما ”اإلسالم األورويب” فهو مصطلح يقصد به الدعوة لفهم اإلسالم على‬
‫أساس تقبل القيم األوروبية املعاصرة‪ ،‬والدافع خلف ظهور هذا املفهوم احلداثي هو حماولة لتخليص اإلسالم من‬
‫حماصرته وتوجيه أصابع االهتام دوما له السيما بعد أحداث ‪ 11‬سبتمرب وما ترتب عليها من إشهار البالد الغربية‬
‫لقضية اإلسالموفوبيا وردة الفعل من بعض املسلمني على عداوة الغرب‪ ،‬وقد اعترب األفندي هذا التيار يف إطار‬
‫”اجلهود املبذولة إلحياء ثقافة اإلسالم يف أوروبا”‪ ،‬ومعىن أن يكون إسالما أوروبيا أي ال بد من استيعاب املعايري‬
‫العلمانية والتعددية والدميقراطية يف الغرب‪ ،‬مبعىن فصل املسلمني الذين يعيشون يف هذه القارة عن جذورهم‬
‫العربية أو الرتكية أو اهلندية والباكستانية وجعلها أوروبية‪ ،‬ويف الواقع فإن هذا املفهوم الذي حيمله هذا املصطلح‬
‫يعرب عن الشكل اإلسالمي املعاصر الذي يتفوق على األشكال اإلسالمية األخرى‪ ،‬ومن املرجح أنه سيحل حمل‬
‫األشكال األخرى وسيظهر القيم اإلسالمية احلقيقية للبشرية‪ .‬ووفقا لألفندي؛ فإن هذا املوقف احلداثي ال يسعى‬
‫إلقامة عالقة اهليمنة احلالية مع النماذج اإلسالمية التقليدية األخرى يف أوروبا‪ ،‬ولكنه يرغب يف أن يظل أكثر‬
‫استقاللية من النماذج األخرى‪ ،‬ومع ذلك فإن (اإلسالم األمريكي) ذو طابع مهيمن؛ إذ أن احلداثيني الذين‬
‫يف أمريكا حيتكرون احلق فيهم وفق اعتقادهم‪ ،‬وعلى هذا النحو طوروا خطاباهتم لقمع باقي التيارات اإلسالمية‬
‫األخرى (األفندي‪ ،‬ص‪.)25-6‬‬

‫‪185‬‬
‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة والتقليد‬

‫‪1‬‬

‫هل تستطيعون تقييم اآلراء احلداثية لإلسالم األورويب واإلسالم األمريكي من خالل املقارنة بينهما؟‬

‫السياسة‬
‫احلداثة اإلسالمية مبنهجيها النصي والتارخيي تعترب الكثري من تطبيقات الشرعية مبصدريها الكتاب والسنة مل تعد‬
‫صاحلة يف عاملنا اليوم‪ ،‬وحجتهم األساسية يف ذلك أن الشريعة اإلسالمية رغم أهنا إهلية املصدر إال أهنم يصنفوهنا‬
‫على أهنا ُمرج العلماء الذين فسروا هذه املصادر اإلهلية‪ ،‬إضافة لذلك فإن هذه الشريعة يف الوقت الذي كانت بني‬
‫يدي العلماء الذين فسروها كانت الظروف خمتلفة عن وقتنا احلاضر؛ وهلذا فإن املهمة اليت يتوجب فعلها إخراج‬
‫شريعة جديدة يف ضوء املصادر الربانية موافقة لظروفنا املعاصرة بدال من الشريعة القدمية (النعيم ص‪ .)237‬ويف هذه‬
‫احلالة فإن مفهوم ”الدولة اإلسالمية” املطبقة للشريعة على أساس الفكر اإلسالمي الكالسيكي ستفقد قيمتها‬
‫ووظائفها بناء على هذا الرأي احلداثي‪ .‬ووفقا للطييب الذي شرح آراءه متتبعا طريقة علي عبد الرزاق فإن مبدأ ”الدين‬
‫والدولة” والذي يعترب أهم مبدأ من مبادئ اإلسالم السياسي هو مبدأ خيايل؛ إذ أنه ال يوجد قداسة على نظام‬
‫الدولة اإلسالمية ال يف القرآن وال يف السنة أيضا‪ ،‬كما أن ممارسة النيب  للدولة يف املدينة كان لضرورة ناشئة عن‬
‫قوة الظروف التارخيية آنذاك‪ ،‬ولذلك فإن نقل هذا النموذج مبسمى اخلالفة يف ظروفنا املعاصرة أمر منتهي الصالحية‪،‬‬
‫فاخلالفة مرجعية سياسية تارخيية ال تتمتع بأي قداسة‪ ،‬وال عالقة هلا بالدين (الطييب‪ ،‬ص‪.)188-9 ،169-163‬‬
‫ومن حيث قضية إقامة غري املسلمني يف بالد اإلسالم فهي حمل تركيز لدى احلداثيني على أهنا قضية سياسية أخرى‪،‬‬
‫فال شك أن ما قدموه من حلول على أساس أهنم أهل الذمة ال عالقة لذلك باإلسالم‪ ،‬وإمنا الدافع األساسي يف‬
‫هذه احللول هو من باب التعددية الدينية‪ ،‬ووفقا إلفادة عبد الكرمي سوروش لو استندنا بداية على رأ ٍي مشهور‬
‫للصوفية فإن اجملتمع املتدين هو جمتمع تعددي يف نفس الوقت؛ إذ أن طرق الوصول إىل اهلل متعددة بعدد البشرية‬
‫(‪ .)Bennett, 2005, s. 168-9‬كما أن أحكام الشريعة املتعلقة بالذميني من منظور احلرية هي ليست كافية من وجهة‬
‫نظر احلداثيني‪ ،‬ويف هذا الصدد يقول إسحاق ال يوجد اتساق يف إظهار االحرتام حلقوق أهل الذمة الدنيوية يف‬
‫حالة االعتقاد بأهنم ال جناة هلم يف اآلخرة (‪ .)Bennett, 2005, s. 165‬ولذلك أوال ال بد من جتديد االعتقاد لدى‬
‫املسلمني على أساس نيل غري املسلمني للسعادة األبدية أيضا‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أن اإلميان بالتعددية حيظى‬
‫بقبول واسع يف فكر بعض احلداثيني؛ ويف هذا اإلطار اإلنساين ال يتبق مساحة حلكم الشريعة يف املرتد‪.‬‬
‫إن النظرة للجهاد كما رمسها سيد أمحد خان ورفاقه يف القرن التاسع عشر بأنه فقط ألغراض دفاعية كانت تعترب خيانة‬
‫من جانب احلركات العسكرية واجلهادية السياسية يف اهلند ضد االستعمار الربيطاين‪ ،‬وووفقا لشرياغ علي املنتسب‬
‫للقرآنيني والذي يؤمن بأن اجلهاد مستمد من جذر اجلهد وال يعين القتال بأي شكل من األشكال وإمنا معناه إظهار‬
‫اجلهد بإخالص‪ ،‬والثبات مع املثابرة‪ ،‬وبذل أقصى ما لديك بتفاين‪ ،‬فقد ادعى أن هذا املصطلح مل يستعمل قط يف‬
‫القرآن مبعىن اجلهاد‪ ،‬وأن هذا املعىن أدخل يف وقت الحق على اإلسالم (‪ .)Chiragh Ali, 2000, s. 90‬وهذا التربير‬
‫‪186‬‬
‫أسس العبادات اإلسالميّة‬

‫(‪Chiragh Ali, 2000, s.‬‬‫الذي يسوقه شرياغ لن يكون مستهجنا من حيث انسجامه مع القوانني الوطنية والطبيعية‬
‫‪ ،)82-8‬كما أن دعواته االستشراقية هذه تأيت يف سياق رغبته مبواجهة جهود الغرب اهلادفة إلظهار اإلسالم على أنه‬
‫متاما‬
‫علما بأنه خمالف ً‬
‫دين حرب‪ .‬وبطبيعة احلال فإن هذا الرأي يشرتك فيه مجيع البيئات احلداثية وهو املعتمد لديهم ً‬
‫لتيارات اإلصالح السياسي أو التيارات التقليدية والذين يرون اجلهاد على أنه طريق للفتوحات ووسيلة لنشر اإلسالم‪.‬‬
‫ومعلوم بأن هناك العديد من املنظمات احلداثية اليت تشكل هوية املراكز الفكرية واجلمعيات واألوقاف يف إطار‬
‫املفاهيم واألفكار السياسية كاألمثلة اليت تقدم ذكرها‪ ،‬ومن هذه املراكز معهد علمنة اجملتمعات اإلسالمية (‪The‬‬
‫‪ )Institute for the Secularization of Islamic Society‬والذي يقيم باستمرار الفعاليات اهلادفة لتطوير اجملتمعات‬
‫اإلسالمية على صعيد احلقوق اإلنسانية‪ ،‬والدميقراطية‪ ،‬والعلمانية‪ ،‬والعقالنية‪ ،‬والبشرية (;‪www.secularislam.org‬‬
‫‪.)/www.centerforinquiry.net/isis‬‬

‫اجلنس (النوع)‬
‫تعترب قضية النوع وحقوق املرأة من اجلوانب األخرى اليت تثري اهتمام احلداثة اإلسالمية؛ وأكثر املسائل اجلدلية يف‬
‫هذا اإلطار مسألة احلجاب والتعدد والشهادة واملواريث وعزل املرأة عن اجملتمع؛ فاحلداثيون ال يقبلون عدم التسوية‬
‫يف احلكم بني الرجل واملرأة يف مسألة الشهادة وحقوق املواريث رغم أن هذه األحكام مستندة للقرآن؛ وغالبا ما‬
‫ينظرون هلذه املسألة انطالقا من اخلطاب الديين احلداثي على أساس نظرة فيمنست‪ ،‬ويقيمون أحكام احلجاب‬
‫على أهنا أحد أسلحة هيمنة الذكور ووسيلة حلشر املرأة يف البيت‪ .‬فعلى سبيل املثال؛ الكتاب الذي نشرته الكاتبة‬
‫املغربية فاطمة املرنيسي (ت‪ ،)2015 .‬بعنوان ”اإلسالم واملرأة” عام ‪ 1991‬تربط فيه مادة احلديث باحملتوى املناهض‬
‫للمرأة املسلمة على أهنا يف موقع اضطهاد وثانوي‪ .‬أما بالنسبة للموضوع الذي يركز عليه كيجيا علي فهو تأسيس‬
‫هوية ذات معايري أخالقية متساوية من حيث النوع يف اإلسالم‪ ،‬ومما يثري اإلعجاب ما طبقته الربوفيسور أمينة ودود‬
‫أستاذة العلوم اإلسالمية األمريكية يف موضوع املساواة بني الذكر واألنثى‪ ،‬ففي عام ‪ 2005‬أذنت امرأة بني يديها‬
‫إماما‪ ،‬وقد أدت هذه‬‫رجل و‪ 40‬امرأة تقريبا مث صلت هبم ً‬ ‫خلطبة اجلمعة وقامت هي خطيبةً يف مجع حضره ‪ً 60‬‬
‫الصالة يف الكاتدرائية األسقفية أمام الصحافة مع احتجاجات بسبب رفض ثالثة مساجد يف نيويورك السماح هلا‬
‫بفعل ذلك‪ .‬وما زالت أمينة ودود تدافع عن حقوق النساء حتت شعار ”جهاد اجلندر”‪ ،‬ومجعت حوهلا منظمات‬
‫املرأة احلداثية الشبيهة مبنظمتها اليت أسستها باسم ”األخوات يف اإلسالم”‪.‬‬

‫من الكاتبات املسلمات حول احلداثة والفيمنست فاطمة املرنيسي حيث ألفت كتاب‪” :‬احلرمي السياسي‪:‬‬
‫النيب والنساء”‪ ،‬وكتاب‪” :‬ما وراء احلجاب‪ :‬اجلنس كهندسة اجتماعية”‪ ،‬وأيضا أمينة ودود حيث ألفت‬
‫كتاب ”القرآن واملرأة‪ :‬إعادة قراءة القرآن من منظور نسائي”‪ ،‬وهذه الكتب تعترب مصادر حتتوي على آرائهم‬
‫حول املواضيع املشار إليها‪.‬‬
‫‪187‬‬
‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة والتقليد‬

‫ومن ناحية أخرى فقد دافعت أمينة ودود عن حقوق املثليني أيضا‪ ،‬واألكثر من ودود أمهية يف هذا املوضوع كان‬
‫األكادميي املسلم األمريكي د‪ .‬سكوت سراج احلق (‪ )Dr. Scot Siraj al-Haqq Kugle‬السيما دراساته املكثفة حول‬
‫املثلية‪ ،‬حيث طرح أدلته ابتداءً من خالل مالحظة أن القرآن خطابه جملتمع ذكوري‪ ،‬وبالتايل البد على املسلمني من‬
‫مواصلة النظام الذكوري القدمي من أجل سيطرة الطبقة احلاكمة املكونة حديثًا حتت عنوان االستقرار االجتماعي‪ ،‬ويعرب‬
‫أيضا يف سياق املنهجية التارخيية احلداثية بقوله‪” :‬مع ظهور احلداثة‪ ،‬تغري مفهوم الطبيعة البشرية وشكل املؤسسات‬
‫االجتماعية؛ إذ مل يكن األمر جمرد واقعا‪ ،‬بل كان أيضا حتديا أخالقيا ونعمة مباركة‪ ،‬فلم تُظهر لنا احلداثة طرقًا خمتلفة‬
‫أيضا فرصة إلنقاذ أنفسنا من قيود السلطة الذكورية”‪)Kugle, 2010, s. 226( .‬‬ ‫للتفكري فحسب‪ ،‬بل أعطتنا ً‬
‫تقدما يف العديد من اجملاالت من أجل‬
‫كان د‪ .‬سكوت سراج احلق والذي يعتقد بأن املسلمني التقدميني أحرزوا ً‬
‫ردا على أصحاب ”التوحيد الرجعي”‪ ،‬يشري إىل أن العدالة اآلن‬
‫عامل عادل مثل السياسة واالقتصاد والنوع وذلك ًّ‬
‫جيب أن تتضمن املفاضالت اجلنسية (‪ .)Kugle, 2010, s. 227‬وعندما صدرت مثل هذه األفكار الليربالية يف‬
‫أمريكا‪ ،‬مل يتواىن إمام املثليني الذي يدعى ديي عبد اهلل بفتح مسجد يف واشنطن مساه ”مسجد النور واإلصالح”‪،‬‬
‫ويف نفس الوقت أطلق فعالياته املثلية من خالل منظمة تسمى الفاحتة يف عام ‪ ،1999‬واليت أُجربت هذه املنظمة‬
‫على اإلغالق يف عام ‪ 2011‬بعد هتديدات من مجاعة املهاجرين ومنظمات متطرفة مشاهبة بأن مجيع أعضاء هذه‬
‫املنظمة مرتدين وبالتايل يستحقون املوت‪.‬‬
‫أما الشبكة االجتماعية (‪ )TIC‬يف كيب تاون واليت أسسها اإلمام املثلي يف جنوب إفريقيا حمسن هندريكس عام‬
‫‪ ،1996‬ما زالت ناشطة‪ ،‬وهتدف بكل وضوح إىل ”مساعدة املثليني من املسلمني للتصاحل مع دينهم ومع هويتهم‬
‫إماما مثله مثل ديي عبد اهلل ميتلك‬
‫اجلنسية” (‪.)http://theinnercircle.org.za‬كما أن حمسن هيندريكس كونه ً‬
‫السلطة يف عقد الزواج رمسيا ودينيا بني زوجني من أديان خمتلفة وكذلك مثليني‪ .‬وعندما أُطلق فيلم ”جهاد العشق”‬
‫عام ‪ 1997‬الذي يتطرق للشذوذ اجلنسي بني املسلمني‪ ،‬أصدر قضاء مسلمي جنوب أفريقيا فتوى بوجوب االبتعاد‬
‫عن هيندريكس ومسجده‪ ،‬وعدم إقامة صداقات مع أعضاء شبكتهم املثلية (‪.)TIC‬‬
‫انتباه! تعترب هيئة املهاجرين واليت ظهرت فعالياهتا يف بالد الغرب منذ عام ‪ 1986‬ومركزها يف اجنلرتا مؤسسة إسالمية‬
‫سياسية رجعية‪ ،‬وغالبا ما يُنظر هلا كجناح حلزب التحرير بسبب اهتمامها بتأسيس اخلالفة من جديد‪ ،‬ومت إغالقها‬
‫عام ‪ 2004‬بسبب تورطها يف أنشطة إرهابية‪.‬‬

‫املبادئ اإلسالمية احلداثية‬


‫يعترب االحتاد اإلسالمي التقدمي (‪ )PMU Progressive Muslim Union‬واحدا من أشهر التشكيالت احلداثية يف‬
‫العامل اإلسالمي حيث كانت أمينة ودود أحد أعضاء اهليئة التأسيسية يف هذا االحتاد‪ ،‬ومع تنظيمها لصالة اجلمعة‬
‫الشهرية جذبت اهتمام املسلمني يف مجيع أحناء العامل هلذا االحتاد‪ ،‬وأصبحت من الشخصيات البارزة فيه‪ ،‬ولكن‬
‫هذا الوضع أيضا أثار الصراعات الداخلية يف االحتاد بشكل سريع‪ ،‬مما دفع بشخصيات مهمة يف االحتاد لرتكه‬
‫واالستقالة منه أمثال الربوفيسور أوميد صايف‪ ،‬والربوفيسور مقتدر خان‪ ،‬والدكتور لوري سيلفرز‪ ،‬والدكتور حسني‬

‫‪188‬‬
‫أسس العبادات اإلسالميّة‬

‫إيبش‪ ،‬بسبب األفكار واملشاريع اليت تبناها االحتاد‪ ،‬وكان أهم االنتقادات املوجهة لالحتاد هي‪ :‬قيامهم بفعاليات‬
‫يف إطار بعيد عن اآلداب اإلسالمية‪ ،‬ومهامجتهم للمؤسسات واألفراد وأفكارهم احملببة للمسلمني بدون مربر‪ ،‬كما‬
‫أن بعض األشخاص داخل االحتاد يؤمنون بأفكار حرة ال ميكن تقبلها إسالميا بأي حال من األحوال‪ ،‬وجتسيدهم‬
‫أيضا لرسالة اإلسالم يف صورة اجتاهات فاسدة وغري منطقية يتبنوها‪ ،‬وعدم رغبة أعضاء االحتاد ”الذين لديهم شح‬
‫يف املعلومات الدينية” بتعلم حقيقة اإلسالم‪ ،‬وتركيزهم املفرط يف قضايا النوع واجلنس‪ ،‬وعدم التسامح مطلقا مع‬
‫خمالفيهم من املسلمني‪ .‬وبالنظر هلذه األسباب فقد صرح مقتدر خان بأنه من املنطق إعالهنم من قبل املسلمني‬
‫احلداثيني بأهنم ”جاهلوا اإلسالم وذو نوايا سيئة”؛ إذ أن هذه احلركات مؤسفة وال مربرة هلا‪ ،‬وهتدم يف احلقيقة حركة‬
‫اإلسالم التقدمي احلداثي وفقا لقوله‪.‬‬
‫وبعد عام ‪ 2006‬أصبح االحتاد غري فاعال مع استقالة خان وصايف وتركهم لالحتاد يف ”وسط الطريق” وتطلعهم‬
‫ألفكار أكثر فائدة ملستقبل احلداثيني‪ ،‬وجاء األفندي ليطلق عليهم اسم ”احلداثيني الرجعيني”‪ ،‬وليكمل طريق‬
‫االحتاد من خالل ”مسلمون من أجل القيم التقدمية” ‪( )MPV( Muslims for Progressive Values‬األفندي‪ ،‬ص‬
‫‪ ،)2009 ،36-9‬وكان رواد هذه املؤسسة من التأسيسيني أمثال ‪ Ani Zonneveld‬و ‪ Pamela Taylor‬والذين وافقوا‬
‫على ما مل يكن مقبوال يف االحتاد السابق من حيث زواج املثليني واألشخاص من أديان أخرى‪ ،‬وفيما يلي املبادئ‬
‫العشرة اليت تبنتها مؤسسة (‪:)MPV‬‬
‫‪ .1‬اهلوية املشرتكة‪ :‬من يقبل نفسه مسلما فهو مسلم‪ ،‬والباقي بني العبد وربه‪.‬‬
‫‪ .2‬املساواة‪ :‬مجيع الناس متساوون بغض النظر عن العرق أو اجلنسية أو النوع أو اهلوية اجلنسية أو القدرة‬
‫املتفوقة أو اإلعاقة‪.‬‬
‫‪ .3‬العلمانية‪ :‬جيب فصل الدين بالكامل عن الدولة‪.‬‬
‫‪ .4‬حرية التعبري ال غىن عنها‪.‬‬
‫‪ .5‬حقوق اإلنسان العاملية يتمتع هبا اجلميع‪.‬‬
‫‪ .6‬املساواة االجتماعية والسياسية والقانونية للمرأة أساسية‪.‬‬
‫‪ .7‬جيب الدفاع عن حقوق املسلمني املثليني‪.‬‬
‫‪ .8‬ضرورة االجتهاد‪.‬‬
‫‪ .9‬جيب أن ينتشر احلب والتعاطف بني الناس‪ ،‬والوقوف ضد مجيع أشكال العنف‪.‬‬
‫‪ .10‬جيب الدفاع عن التعددية كمبدأ أساسي (‪.)www.mpvusa.org/mpv-principles‬‬
‫جدا للحركات احلداثية؛‬
‫مهما ألنه يشري إىل مسة مألوفة ً‬‫ويف الواقع‪ ،‬يعترب انفصال مؤسسة ‪ MPV‬واحتاد ‪ PMU‬أمرا ً‬
‫حيث إن آلية اختاذ القرار القائمة على رفض املصادر األساسية وخاصة السنة‪ ،‬ال ميكنها التوصل إىل إمجاع حول‬
‫مدى التقدم يف احلداثة وإىل أين‪ ،‬وأيضا من حيث التقارب والتباعد عن احلداثة؛ ألهنا ال تأخذ يف االعتبار منهجية‬
‫العلوم اإلسالمية اليت نضجت عرب قرون من اخلربة‪ ،‬وبالتايل ظهر العديد من آراء احلداثيني وفتاواهم يف األوساط‪.‬‬
‫وبطبيعة احلال فإن هذه اجلماعات احلداثية واليت تقوم بأنشطة على أساس غري منتظم من املساواة‪ ،‬واحلرية‪ ،‬هي‬
‫حمورا للصراعات واالنقسامات الداخلية‪.‬‬‫حتما ستتأثر من هذا اخللل‪ ،‬وستكون ً‬ ‫ً‬

‫‪189‬‬
‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة والتقليد‬

‫وجتدر اإلشارة يف هذا السياق إىل أن احلداثيني املسلمني ومنظماهتم السياسية ليست يف نفس اإلطار‪ ،‬وميكن ذكر‬
‫ثالث صور سياسية خمتلفة باملعىن الواسع على النحو التايل‪:‬‬
‫أ‪ .‬الصورة الليربالية‪ :‬وهي الوجه األكثر وضوحا للحداثة اإلسالمية؛ وأبعادها ”الفردية” و”التحررية” يف‬
‫الدفاع عن حقوق التفاضل على املستوى الديين من حيث النوع البشري‪ ،‬تصل لدرجة إبطال ممارسة‬
‫العبادات الدينية األساسية اليت تتخذ شكال باطنيا أحيانا‪ ،‬ومتتد إلحالل بعض احملرمات يف ظروف‬
‫وصول إىل ليربالية ”عقالنية ألبعد احلدود”‪.‬‬
‫حمددة‪ً ،‬‬
‫ ويف هذا السياق‪ ،‬سيكون من املناسب التطرق إىل العالقة املثرية بني احلداثة والتصوف؛ فمن ذلك‬
‫اإلشارات احلداثية املركزة واملتكررة يف فكر ابن العريب اليت كانت تعترب مرجعا لعبد الكرمي سروش وأوميد‬
‫آسفي‪ ،‬ومما يثري االهتمام هو مفهوم الروحانية الناتج عن التقاء العقالنية واحلدس بطريقة عجيبة‪ ،‬فالعلم‬
‫الروحاين يعين املعرفة‪ ،‬وينظر له على أنه دليل من أدلة الشريعة عند الصوفية أو بديال عنها للوصول إىل‬
‫احلقيقة‪ ،‬وهذا مهم يف موضوعنا؛ إذ أن األحكام الظاهرة من النصوص الشرعية خالفها الصوفية يف مواطن‬
‫متعددة مستندين يف ذلك على الكشف واإلهلام واحلكمة واحلب واملعرفة والعرفان‪ ،‬وحىت أحيانا تصبح‬
‫هذه املعارف الروحية بديال عن الشريعة‪ .‬هذه النتيجة تتوافق نسبيا مع احلداثة وجتعل من السهل تطوير‬
‫خطاب ديين ليربايل خارج نطاق الشريعة‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن عقيدة ”وحدة الوجود” اليت تشكل‬
‫األساس الفلسفي للتعددية الدينية والبشرية توفر غطاءً شرعيا للربالية الدينية‪ .‬ومع ذلك قد يكون من‬
‫الضروري اإلشارة إىل أن الصوفية يف مساهتا ال تشتمل على مجيع أفكار احلداثة اإلسالمية املعاصرة‪ ،‬كما‬
‫أن معظم احلداثيني ما زالوا ال يتنازلون عن العقالنية املطلقة‪.‬‬
‫ب‪ .‬صورة اليسار اإلمربيايل‪ :‬يعترب اخلطاب احلداثي اليساري هو أيضا حترري إىل حد كبري‪ ،‬ومع ذلك فإن‬
‫هذا اخلطاب فيه اعرتاضات خطرية على القيم الليربالية احلرة اليت تؤدي إىل االمربيالية‪ .‬ويركز النظام‬
‫العاملي الذي تقوده الواليات املتحدة على اخلطاب الذي يسلط الضوء على املرجعيات االشرتاكية‬
‫والشعبية واملستقلةـ كما أن جوهر اإلسالم ميلك مضمونا يساريا قائم على املساواة وفقا للتعبري املعاصر‪،‬‬
‫نظاما سياسيًا واقتصاديًا ظاملًا مت فيه استبدال جوهر الدين خالل حقبة األمويني‪.‬ولذلك‬ ‫وهذا ما يؤكد أن ً‬
‫فإن املعتزلة الذين كانوا يعتربوا ”العقالء” و”القرآنيني” وعرفوا ”بالثوار” يف القرنني األولني من التاريخ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬قدموا مربرات مفيدة لليسار‪ ،‬وتقبل أستاذ الفلسفة املصري حسن حنفي أن يطلق عليهم‬
‫مشروع (اإلسالم اليساري)‪ .‬أما علي شريعيت والذي كان سابقا ماركسيا فإنه يشري إىل تناقض ما أطلق‬
‫عليهم الشيعة الصفوية والشيعة العلوية من حيث التوجه اليساري واليميين؛ فوفقا إليه فإن الصفوية ميثلون‬
‫دولة اليمني املنحرف‪ ،‬أما العلويني فهم ثورة اليسار الذين ميثلون حقيقة اإلسالم‪.‬‬

‫ميكنكم مطالعة كتاب ”املعتزلة والثورة” للكاتب األكادميي املصري حممد عمارة حول دور املعتزلة يف‬
‫مواجهة الدولة األموية والعباسية ودعمهم للثورات ضد الدولة‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫أسس العبادات اإلسالميّة‬

‫ت‪ .‬صورة اليمني العلماين والسلطوي‪ :‬تعترب صورة للحداثة اإلسالمية وتلعب دورا رئيسيا يف تكوين‬
‫السياسات الدينية وتطبيقها يف نظام بعثي أو قومي أو علماين‪ .‬كما أن هذا النوع من اخلطاب احلداثي‪،‬‬
‫يتجلى يف قالب استبدادي قمعي مهني‪ ،‬خالفا للخطابات الليربالية واليسارية؛ فعلى سبيل املثال أثناء‬
‫عملية االنقالب العسكري اليت حدثت يف ‪ 28‬شباط ‪ 1997‬برتكيا قامت شخصيات قرآنية من أمثال‬
‫الربوفيسور يشار نوري أوزتورك بتأييد هذا االنقالب ودعم سياسات القمع والردع جتاه املتدينني وذلك‬
‫ألسباب رجعية‪ ،‬ويف فرنسا أيضا عززت األطروحات التارخيية املتعلقة بأمر احلجاب يف اإلسالم حملمد‬
‫أركون املعروف هبويته الليربالية يد الدولة الفرنسية يف تطبيق حظر ارتداء احلجاب يف التعليم املتوسط‬
‫بفرنسا مطلع القرن احلايل‪ ،‬ويف الوقت الذي كان يُنتظر من أركون موقف حر معارض هلذه السياسة‬
‫إال أنه على العكس متاما أعرب عن مشروعية هذا احلظر‪ .‬ويف البلدان العربية مثل العراق وسوريا ومصر‬
‫وتونس واجلزائر كان أساتذة الشريعة والعلوم االجتماعية من ذوي اهلوية العلمانية احلداثية منذ اخلمسينات‬
‫من القرن العشرين قد شكلوا السياسات الدينية للدولة بدعم فكري وأكادميي على أساس براهني قرآنية‬
‫وتارخيية‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫كيف تفسرون االهتمام الشديد من بعض الشخصيات احلداثية العقالنية مبصادر احلدس لدى الصوفية؟‬

‫االنتقادات املوجهة للحداثة اإلسالمية‬


‫تعرض فكر احلداثة اإلسالمية مبختلف اجتاهاته النصية والتارخيية مع صوره املتعددة سواء كانت ليربالية أو يسارية‬
‫أو علمانية النتقادات الذعة على النحو التايل‪:‬‬
‫إصدارهم لفتاوى وأحكام مزاجية موافقة للهوى دون اعتبار للقرآن والسنة وإمجاع األمة‪ ،‬وبدون إعمال‬ ‫• ‬
‫شروط االجتهاد‪ .‬ومسحوا ألنفسهم التقول حبرية يف نطاق واسع دون أي قيود‪ ،‬وبدون معايري منهجية‬
‫وأخالقية يف كثري من األحيان‪.‬‬
‫األفكار واألحكام اجلديدة اليت ظهرت يف إطار نقوالت املؤرخني للمبادئ القرآنية يف يومنا احلاضر‪ ،‬هي‬ ‫• ‬
‫قيم وتطبيقات عاملية تُستحسن لكل جيل معاصر عرب الزمن وفقا إلفادهتم‪ ،‬وبالتايل؛ فإن احلداثيني ليس‬
‫مقصدهم الوصول للحقيقة‪ ،‬وإمنا يسعون لتوفري متطلبات القيم واحلداثة الغربية‪.‬‬
‫إن املشاكل اليت يريد احلداثيون حلها هي املشاكل اليت طرحها املستشرقون كإشكالية‪ ،‬وللوصول إىل حل‬ ‫• ‬
‫هذه اإلشكاليات يأخذون اقرتاحات املستشرقني بعني االعتبار (‪ .)Paçacı, 2008, s. 39, 42, 66‬وهذا‬
‫يدلل على أن احلداثة اإلسالمية هي يف الواقع شكل مغطى من أشكال االستشراق اهلادف لـ ”التخريب‬
‫اخلارجي” ويقوي حالة ”التدمري الداخلي” لإلسالم‪.‬‬
‫غالباً ما يؤدي انبعاث هذه األصوات احلداثية من أوروبا والواليات املتحدة إىل عالمة استفهام مريبة؛‬ ‫• ‬
‫والتساؤل حول مدى مالئمة هذه األفكار اجلديدة لإلسالم واليت يفرتض أهنا ختضع للهيمنة العلمانية‬
‫‪191‬‬
‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة والتقليد‬

‫والوضعية الغربية؟!‪ ،‬بل وحىت الشك يف أصحاب هذه األفكار إذا ما كانوا عامال مستخدما من األعداء‬
‫لتدمري اإلسالم من الداخل أم ال؟! وهذا كان السبب األهم وراء عدم استحواذ أفكار هؤالء املثقفني‬
‫والعلماء يف احمليط األكادميي‪ ،‬وخاصة يف العامل اإلسالمي‪.‬‬
‫أبدا؛ ألنه ليس من الواضح لديهم بداية وهناية التحقق من األحكام‬ ‫• مل تزل الشكوك تالحق احلداثيني ً‬
‫واملصادر التقليدية‪ ،‬فعلى سبيل املثال حممد عبده والذي كان لديه حجم واسع من اخلطاب احلداثي‬
‫املعترب للسنة من جهة‪ ،‬وقد يصل أحيانا إىل تعطيل ممارسة اآليات أو العبادات من جهة أخرى‪ ،‬مما دفع‬
‫هذا احلال لالرتباك واهتزاز الثقة يف التيار احلداثي؛ إذ ال يُعرف عند البعض ما الذي يقوله‪ ،‬وألي سبب‬
‫يدافع عن أمر ما‪ ،‬وملاذا قبله أو رده‪.‬‬
‫• إن مواقف وكالم بعضهم تدور يف فلك العداء للدين‪ ،‬وكذلك حياهتم الدينية ظاهرة الضعف والركاكة‬
‫تثري ردة فعل لدى اجلمهور املسلم‪ ،‬وتؤدي إىل فهم ما يعرضونه من حلول للتجديد واإلصالح يف إطا ٍر‬
‫غري ديين‪ .‬وهذا يعيد إىل األذهان رواد اإلصالح املسيحي يف القرن السادس عشر؛ حيث كان سبب‬
‫متجذرا يف املوقف الرصني واملتدين الذي كان يتمتع به هؤالء الرواد‬
‫ً‬ ‫جناح احلركة الربوتستانتية واستمرارها‬
‫اإلصالحيني يف مواجهة الكاثوليكيني التقليديني الذين عدموا أخالقهم‪ ،‬وبناءً على ذلك؛ ميكن القول إنه‬
‫من الصعوبة مبكان يف الظروف احلالية رواج الفكر اإلسالمي احلداثي يف العامل اإلسالمي؛ ألنه ال يوجد‬
‫تفاضل بني احلداثيني اإلسالميني املعاصرين ومنافسيهم يف احلركات اإلسالمية األخرى‪ ،‬بل إن الصورة‬
‫املوجودة على عكس ذلك متاما‪.‬‬
‫• ال يوجد سلطة شرعية ومسعة عالية ترفع من شأن احلداثة يف العامل اإلسالمي وتزيد من تأثريها؛ فالسلطة‬
‫واالعتبار املوجودة لدى احلداثيني املشهورين غالباً ما ترجع حقيقة لكوهنم أساتذة يف اجلامعات الغربية‬
‫املرموقة أو ألهنم يستخدمون منصات اإلنرتنت على مستوى متقدم‪ .‬أما يف التيار اإلسالمي التقليدي‬
‫فهذه السلطة والسمعة متكئة على موروث قدمي‪ ،‬وعند التيار اإلصالحي تنبعث من خالل التنظيم القوي‬
‫والنظام اهلرمي لديهم‪ .‬ولذلك فإن عائق السلطة والسمعة لدى احلداثيني حيرمهم من مجهور واسع كان‬
‫من املفرتض أن يدعهمهم يف الدفاع عن أفكارهم ونشرها‪.‬‬

‫التقليد‬

‫التيار املعاصر يف مواجهة احلداثة‬


‫التيار التقليدي هو املرادف ملفهوم ‪ traditionalism‬يف االجنليزية‪ ،‬ويأيت مبعىن احلديث ”املعاصر” لكنه تيار معادي‬
‫للحداثة؛ ويف النفس الوقت ال ينبغي اخللط بني هذا التيار وبني التقاليد؛ إذ أن التقاليد اليت شرحناها يف الفصل‬
‫األول يف تيار التقليديني هي املفاهيم األساسية للعقلية اليت جتربنا على ”تقليد نوع تارخيي”‪ ،‬وحمتواها أيضا يتضمن‬
‫كثريا من العرف والعادات‪ .‬أما مفهوم التقليد يف التيار التقليدي فيحمل معناً فلسفيا عميقاً‪ ،‬وقد ظهر من خالل‬
‫تفسري بعض املفكرين املسلمني ملفاهيم التيار الفلسفي الغريب وف ًقا للمفاهيم اإلسالمية‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫أسس العبادات اإلسالميّة‬

‫وبطبيعة احلال ليس هناك عالقة للعرف والعادة مبفهوم ”التقليد” الذي أطلق على التيار التقليدي؛ فهذا التقليد‬
‫قدمي ومقدس وشرقي أيضا‪ ،‬وتأيت قداسته وقدمه باتصاله مع ”األلوهية”؛ ألن التقاليد املوجودة يف مجيع خاليا‬
‫اجملتمعات بدأت بالوحي وسرت حىت أدىن طبقة يف اجملتمع‪ ،‬وكان يتم جتديدها بواسطة األنبياء عرب التاريخ‪ ،‬مث‬
‫حتملها كل جمتمع ديين بطرق خمتلفة‪ ،‬وبالتايل جندها أكثر انتشارا يف اجملتمعات الصينية واهلندية واإلسالمية الشرقية؛‬
‫ألنه إىل جانب احلداثيني قام الغرب مبحاربة هذا التقليد بشكل كبري‪ ،‬فقد عطل تقاليد اليهودية واملسيحية‪ ،‬وقطع‬
‫عالقاته مع القدمي‪ ،‬وفقدوا مقدساهتم فأصبحت مدنسات‪ ،‬أما احلضارات الشرقية واليت كان تأثري احلداثة فيها‬
‫حمدودا‪ ،‬حافظت على هذا اجلوهر التقليدي ولو بشكل جزئي‪.‬‬
‫الفيلسوف ريين غينون (ت‪ ،)1951.‬والذي يعرف مبؤسس التيار التقليدي‪ ،‬فرنسي األصل أسلم عام ‪َّ 1912‬‬
‫فسمى‬
‫نفسه عبد الواحد حيىي‪ ،‬وانتسب للطريقة الشاذلية‪ ،‬وكان يسعى غينون الكتشاف وتوضيح اجلوهر التقليدي‬
‫املشرتك يف الديانات والثقافات واحلضارات املختلفة‪ .‬وقد اعترب املفكر الفيسلوف فرجيوف شوان هذا اجلوهر‬
‫املشرتك مرادفا ملفهوم ”احلكمة األبدية” (احلكمة اخلالدة)‪ .‬وقام بتحويل اإلطار املفاهيمي ملدرسة غينون التقليدية‬
‫إىل وجهة نظر عاملية‪ ،‬ولذلك يعد املؤسس الثاين هلذا التيار‪ ،‬وكان شوان أملانيا من أصل سويسري‪ ،‬أسلم يف عام‬
‫‪ 1934‬فسمى نفسه عيسى نور الدين‪ ،‬وانتسب إىل الشاذلية الصوفية حىت أصبح شيخا للطريقة‪ ،‬ويف عام ‪1981‬‬
‫استقر يف الواليات املتحدة‪ ،‬وتويف يف مدينة بلومنغتون عام ‪ 1998‬واليت تعد واحدة من األماكن القليلة يف العامل‬
‫اليت ينشط فيها التيار التقليدي‪ ،‬كما يشار إىل أتباع شوان كطريقة معروفة باسم املرميية‪ ،‬وقد مت اختيار اسم السيدة‬
‫مرمي كرمز مقدس اجتمعت عليه الديانات الثالث اإلبراهيمية‪.‬‬
‫كان الدافع األكثر أمهية الذي قاد شوان ألمريكا هو سعيه للعثور على آثار للحكمة األبدية يف املعتقدات الدينية‬
‫للهنود‪ ،‬وفقا إليه فإن التناقضات يف املعتقدات والعبادات اليت بني أديان العامل ال ميكنها إحداث أي تغيريات يف‬
‫جوهر احلكمة؛ ألن هذه احلقيقة العاملية ليست يف ظاهر األديان وإمنا يف بطانه‪ ،‬وحىت لو اختلفت األشكال يبقى‬
‫احملتوى كما هو‪ ،‬وانطالقا من هذه النقطة تربز أمامنا رسالة تيار التقليديني إىل جانب شوان‪ ،‬وهي‪” :‬احتاد حمبة‬
‫األديان”‪ .‬وبالتايل فإن مجيع األديان السماوية عبارة عن أشكال احلقيقة بلغات خمتلفة‪ ،‬إذ أن كل دين يف الواقع‬
‫هو ”الدين”‪ ،‬مبعىن أن من حييا حياة دينية ما فكأنه حييا حياة كل األديان‪ ،‬وقد ذكر اهلل عز وجل يف كتابه أنه‬
‫أرسل لكل أمة نيب‪ ،‬وأنه ال فرق بني هؤالء األنبياء (‪ .)Nasr, 1996, s. 50-2‬ويف هذه احلالة كل إنسان يتقبل الوحي‬
‫اإلهلي‪ ،‬سواء كان مسلما‪ ،‬أو يهوديا‪ ،‬أو نصرانيا أو هندوسيا‪ ،‬أو زرادشتيا‪ ،‬فهو مسلم باملعىن العاملي لإلسالم‬
‫(‪.)Nasr, 1985, s. 29‬‬
‫ومن ناحية أخرى فقد أصبح التقليديون هم جمتمع خنبوي‪ ،‬ولذلك مل تكن عملية االنتساب هلم تسبب قلقا‬
‫لدى اجملتمعات الصغرية؛ ألن هؤالء النخبة األقلية يتم انتقاؤهم من غالبية اجملتمعات الفكرية‪ ،‬ويعتمد املسؤولني‬
‫عامي‪،‬‬
‫التقليديني على أنفسهم يف تشكيل طبقة النخبة احملتملة‪ ،‬كما أنه ال مكان بينهم للدخول يف جدال مع ٍّ‬
‫بل يلزم التوضيح هلم وبيان أخطائهم‪ ،‬ويف هذا السياق فإن حكماء النخبة لديهم مهمات إنقاذ توارثوها عرب‬
‫التاريخ‪ ،‬ووفقا ملا أفاده شوان بأن النخبة لديها احلق يف استخدام القوة إلثبات احلقيقة للناس (‪Hakan, 1991,‬‬
‫‪ .)s. 84-5‬وهلذا السبب اهتمه البعض هو وأستاذه غينون بالتطرف والفاشية‪ )Bethel, 2006, s. 1-3(.‬وبالنظر إىل‬

‫‪193‬‬
‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة والتقليد‬

‫النخبة اإلسالمية فهم زمرة من الناس يُعرفون بالعارفني‪ ،‬واحلكماء‪ ،‬واألولياء؛ كوهنم على دراية باحلقيقة الكونية‪،‬‬
‫أو ما تُعرف باحلكمة األزلية‪ ،‬لذلك كان ابن العريب وأمثاله من األولياء حمبوبون ومبجلون من قبل مجيع األديان‪،‬‬
‫كما أن ميزة اإلسالم على مجيع األديان أنه يعترب األكثر عاملية واحللقة األخرية من التقاليد القدمية‪ ،‬ويعد‬
‫التصوف الطريق األكثر سالمة لتحقيق االتصال الالزم لإلسالم مع احللقات األخرى؛ ألنه كما ذكرنا سابقا‬
‫بأن املكان الذي يُبحث فيه عن احلكمة هو اجلانيب الباطين لألديان‪ ،‬وعليه فإن إحياء اإلسالم يف هذا العصر‬
‫احلديث وحترير اإلنسانية لن يتحقق إال بالتطور الروحي‪ ،‬وليس من خالل التطور املادي الذي رمسته احلركات‬
‫اإلصالحية واحلداثيني املسلمني‪ ،‬وبطبيعة احلال فإن الصوفية هي الوسيلة األكثر أمهية يف هذا اإلطار‪ ،‬ووفقا‬
‫هلذه النظرة فإن الصوفية هي قلب اإلسالم‪ ،‬ويعتمدون أسلوب احلركة التقليدية بعقدهم جملالس العلم واملعرفة‬
‫املكونة من حلقات صغرية‪ ،‬دون أن يكون هلم يف أي وقت من األوقات كولسات وحتركات ميدانية سياسية‪.‬‬
‫ومن اجلدير بالذكر أن كل التقليديني املسلمني غالبا ما لديهم طريقة دينية‪ ،‬حىت أن بعضهم ترقى إىل أن أصبح‬
‫شيخ الطريقة‪ ،‬وهم حيرصون دوما على أن يكونوا يف املالبس التقليدية خالل التقاطهم للصور‪ ،‬ويهتمون مبصادر‬
‫العلوم اليت رفضتها احلداثة مثل الكيمياء‪ ،‬والتنجيم‪ ،‬والعلوم الباطنية‪ ،‬كما أن هؤالء التقليديني الذين يستخدمون‬
‫اجلوانب الروحانية والباطنية لألديان كأرضية مشرتكة لفهم مجيع األديان يف وحدة متحابة‪ ،‬يدعون إىل القيم‬
‫والتقاليد اإلهلية املشرتكة اليت يطلقون عليها احلكمة اخلالدة بدالً من الدعوة إىل دين أو مذهب معني‪ .‬ووفقا هلذه‬
‫القيم؛ فإنه يعترب كافيا أن يكون هناك إميان لدى اإلنسان ينسجم معه طوال حياته‪ ،‬فبدالً من تسمية أنفسهم‬
‫مسيحيني وبروتستانت ومسلمني أو سنة وشيعة‪ ،‬فإهنم يعرفون أنفسهم هبوية أمسى كمنتسبني لتيار حيمل إميانا‬
‫مشرتكاً باهلل‪ ،‬ويرى أن مجيع األنبياء كحلقات خمتلفة لسلسلة واحدة‪.‬‬
‫مثل هذا الوضع املشرتك فال يستبعد أي شخص من دينه؛ إذ أنه يكفي أن يتمسك اإلنسان مببادئ تقاليده‬
‫الدينية‪ ،‬بغض النظر عن معرفة أي مستوى أعلى بني األديان (‪ ،)Kutluer, 2013, s. 415‬ولذلك فإن التيار التقليدي‬
‫ال ينسجم مع التيارات احلداثية اليت تتبىن فكر التعددية الدينية املعاصرة دون اعتبا ٍر للتقاليد واملبادئ الدينية‪.‬‬
‫وميكننا القول بأن األفكار والفعاليات اليت أطلقت يف إطار ”حوار األديان” يف الربع األخري من القرن املاضي‬
‫واملستمرة لغاية اآلن باكتساهبا قاعدة شعبية‪ ،‬هي يف احلقيقة تتغذى على فكر التيار التقليدي إىل حد كبري‪.‬‬
‫وبالنظر إىل هذه اآلراء‪ ،‬يبدو أن التيار التقليدي حيتوي يف بنيته على عنصر املعاصرة‪ ،‬ولذلك ال جيب تصنيفه‬
‫ضمن التيارات التقليدية الرجعية كونه معاديا للحداثة‪ ،‬فعلى األقل هم يؤمنون بوحدة األديان فال ميكن ربطهم‬
‫بالفكر اإلسالمي التقليدي الذي يقول بأن اإلسالم هو الدين احلقيقي األخري والوحيد‪ ،‬وأنه ناسخ جلميع األديان‬
‫من قبله‪ .‬كما أن أتباع شوان طوروا التيار التقليدي من بعده؛ فمن ذلك تيتوس بوخاردت ‪Titus Burckhardt‬‬
‫أو ما كان يعرف بسيدي إبراهيم (ت‪ )1984.‬تتبع أثر احلكمة اخلالدة يف جمال الفنون‪ ،‬أما مارتن لِنكز ‪Martin‬‬
‫السري‪ ،‬ونشر ألول مرة عام ‪1983‬‬
‫‪ Lings‬املسمى أبو بكر سراج الدين (ت‪ )2005.‬اشتهر بكتابه الذي ألفه يف ِّ‬
‫سلط الضوء من خالله على مواقف كثرية ملعجزات نيب اإلسالم يف حياته‪ ،‬بشكل غري متوقع من بريطاين غريب‪،‬‬
‫وقد حاز على إعجاب األتراك فطبع ما يقرب من مائيت مرة يف تركيا‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫أسس العبادات اإلسالميّة‬

‫وكما هو معلوم يعترب الكاتب األكادميي اإليراين سيد حسني نصر أبرز شخصية معروفة يف تركيا من املدرسة‬
‫التقليدية‪ ،‬ولد يف طهران عام ‪ 1933‬ألسرة إيرانية األب واألم‪ ،‬مث انتقل إىل بريطانيا ألجل إمتام دراسته وهو يف‬
‫الثالث عشر من عمره‪ ،‬وقد حصل على ليسانس يف الفيزياء من معهد التكنولوجيا ‪،Massachusett Teknoloji‬‬
‫وأكمل دراسته الدكتوراه يف تاريخ العلم من جامعة هارفرد‪ ،‬وخالل سنوات دراسته العليا اهتم كثريا بالفلسفة‬
‫وتعرف وقتها على شوان مما أتاح له ذلك التعرف عن قرب على املدرسة التقليدية‪ ،‬وملا عاد إىل إيران تنقل بني‬
‫منصب عميد ورئيس جامعة‪ ،‬وقد أصبح الرئيس املؤسس ملعهد الدولة اإليرانية للفلسفة والذي افتتح يف ‪ 1974‬بأمر‬
‫ومحاية امللكة فرح هبلوي ‪ ،Kraliçe Farah Pehlevî‬ويف عام ‪ 1979‬بعد الثورة اإلسالمية ترك بالده وانتقل للعيش يف‬
‫الواليات املتحدة‪ ،‬وعمل هناك أستاذا للعلوم اإلسالمية والفلسفة يف جامعة جورج واشنطن عام ‪ ،1984‬ومت تأسيس‬
‫وقف أطلق عليه ‪ The Nasr Foundation‬يهتم بنشر فكر نصر‪ ،‬ودعم األحباث العلمية املتخصصة بفكره ونشرها‪،‬‬
‫وقد تُرجم للرتكية كافة أعمال نصر تقريبا واليت شرحت أعمال األساتذة التقليديني األوائل الفلسفية على أساس‬
‫عرف‬‫إسالمي‪ ،‬وكان من بني طالبه يف جامعة طهران الربوفيسور ويليام سي تشيتيك ‪ William Chittick‬والذي َّ‬
‫العامل الغريب وجه الصوفية اإلسالمية مبؤلفاته وجهوده يف ترمجة كتب ابن العريب وموالنا بلغة أدبية إىل اإلجنليزية‪،‬‬
‫وكان هلذا اجلهد بالغ األثر يف التعرف على هذين العلمني‪.‬‬
‫ولو افرتضنا جدال ما أثبته سيدجويك ‪ Sedgwick‬أنه ورغم كثافة األنشطة اإلعالمية ملدرسة التقليديني يف تركيا إال‬
‫أهنا فشلت يف تكوين حميط تضامن عام خارج نطاق التوجهات الفردية‪ ،‬ومل يستطيعوا الوصول لفكرة تأسيس أي‬
‫منظمة يف هذا اإلطار‪ .‬ويف الواقع فإن هذه احلالة ال ختتلف كثريا عن باقي البلدان اإلسالمية‪ ،‬وبسبب فكرة النخبة‬
‫اليت تتمتع هبا املدرسة التقليدية فإهنا مل تستطع جذب اهتمام اجملتمعات الدينية الغري عادية‪ ،‬وال حىت استجابة‬
‫كافية يف حميط التصوف املوافق هلذا التيار فكريا‪ ،‬وهناك سبب آخر أيضا؛ وهو أن التيار التقليدي حىت لو مل‬
‫تيارا حديثًا‪ ،‬كما أن الصوفية التقليدية مل يشعروا بقرهبم من هذا الفكر اجلديد الذي‬
‫يكن تيارا حداثيا إال أنه يعترب ً‬
‫يستخدم لغة فلسفية عميقة مل يتعودوا عليها من قبل‪ ،‬ويتعارض مع العقائد اإلسالمية التقليدية‪ .‬ومع ذلك فقد‬
‫عددا غري معلوم‬
‫كان هذا الفكر حمط اهتمام قسم خنبوي من الصوفية وإن كانوا قلة‪ ،‬إذ أنه وفقا لسيدجويك فإن ً‬
‫يف تركيا أمالوا قسما منه للتصوف‪ ،‬كما متكنوا من دمج هذه املدرسة يف عامل الفكر اجلديد جليل من املثقفني الذين‬
‫أنقذوا أنفسهم من اجلاذبية الغربية (‪.)Sedgwick, 2004, s. 254-7‬‬

‫‪3‬‬

‫ماذا ميكن أن تقول حول اهتمام املدرسة التقليدية بالتصوف؟‬

‫‪195‬‬
‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة والتقليد‬

‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة‬


‫والتقليد‬
‫‪9‬‬
‫إمكانية حتليل األوجه املتنوعة‬
‫عندما ننظر إىل وجهات نظر احلداثيني اإلسالميني حول‬ ‫للحداثة اإلسالمية من خالل‬
‫قضايا مثرية للجدل مثل اخلالفة واجلهاد واجلنس‪ ،‬ال ميكن‬ ‫وجهات نظرهم حول مواضيع‬
‫احلديث عن إمجاع فكري كامل حول هذه القضايا‪ ،‬فعلى‬ ‫خمتلفة‬
‫سبيل املثال؛ هناك من احلداثيني الذين يعتربون األحاديث‬
‫كمصدر وحياولون دائما احلفاظ على آرائهم املتعلقة بذلك يف‬
‫اخلالصة‬

‫أيضا حداثيني لديهم‬


‫حدود االعتدال‪ ،‬ومن جهة أخرى هناك ً‬
‫وجهة نظر دينية ”فردية” و ”حتررية” للدفاع عن التفاضل‬
‫من حيث النوع البشري على املستوى الديين‪ .‬وبطبيعة احلال‬
‫ميكن أحيانا أن تصل أبعاد هذه النظرة لدرجة إبطال ممارسة‬
‫العبادات الدينية األساسية اليت تتخذ شكال باطنيا أحيانا‪،‬‬
‫ومتتد إلحالل بعض احملرمات يف ظروف حمددة‪.‬‬

‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة‬


‫والتقليد‬
‫‪9‬‬

‫من املمكن حتديد ثالثة مواقف سياسية حداثية خمتلفة هلذا‬ ‫حتديد الصور السياسية املختلفة‬
‫التيار‪ ،‬املوقف األول‪ :‬النظرة احلداثية الليربالية‪ ،‬وهي الوجه‬ ‫للتيار احلداثي مع املقارنة بينهم‬
‫األكثر وضوحا للحداثة اإلسالمية؛ وتتخذ أشكاال متعددة‬
‫معتدلة ومتطرفة أيضا‪ ،‬وأحد أشكاهلا هذه ارتباطها بالصوفية‪.‬‬
‫أما املوقف الثاين؛ اخلطاب احلداثي اليساري‪ ،‬وهو أيضا‬
‫حترري إىل حد كبري‪ ،‬ومع ذلك؛ فإن هذا اخلطاب فيه‬
‫اعرتاضات حقيقية على القيم الليربالية احلرة اليت تؤدي إىل‬
‫االمربيالية‪ .‬ومن جهة أخرى فإن النظام العاملي الذي تقوده‬
‫الواليات املتحدة يركز على هذا اخلطاب الذي يسلط الضوء‬
‫على املرجعيات االشرتاكية والشعبية واملستقلة‪ .‬وأخريا خطاب‬
‫اليمني العلماين والسلطوي‪ :‬والذين يلعبون دورا رئيسيا يف‬
‫تكوين السياسات الدينية وتطبيقها يف النظام البعثي أو القومي‬
‫أو العلماين‪ .‬كما أن هذا النوع من اخلطاب احلداثي‪ ،‬يتجلى‬
‫يف قالب استبدادي قمعي مهني‪ ،‬خالفا للخطابات الليربالية‬
‫واليسارية‪.‬‬
‫‪196‬‬
‫أسس العبادات اإلسالميّة‬

‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة‬


‫والتقليد‬
‫‪9‬‬

‫ترتبع قضية الالمنهجية عند التيار احلداثي على رأس االنتقادات‬ ‫القدرة على تقييم االنتقادات‬
‫املوجهة هلم؛ إذ أهنم يصدرون أحكاما مزاجية أهوائية دون‬ ‫األساسية املوجهة للتيار احلداثي‬
‫استناد على أصول مقبولة‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن املشاكل‬
‫اليت يريد احلداثيون حلها هي املشاكل اليت طرحها املستشرقون‬
‫كإشكالية‪ ،‬وبالتايل يطرحون إشكاليات يف مواضع ليست‬

‫اخلالصة‬
‫مشكلة يف األصل‪ ،‬إذ أن العنوان الرئيسي للحلول احلداثية‬
‫أهنا ختضع للهيمنة العلمانية والوضعية الغربية‪ ،‬ولذلك السؤال‬
‫الذي يطرح نفسه دوما حول مدى مالئمة هذه األفكار‬
‫اجلديدة لإلسالم‪ .‬كما أنه مل تزل الشكوك تالحق احلداثيني‬
‫ألنه ليس من الواضح لديهم بداية وهناية التحقق من األحكام‬
‫واملصادر التقليدية‪ ،‬وأيضا فإن مواقف وكالم بعضهم تدور‬
‫يف فلك العداء للدين‪ ،‬وكذلك حياهتم الدينية ظاهرة الضعف‬
‫والركاكة مما تثري ردة فعل لدى اجلمهور املسلم‪.‬‬

‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة‬


‫والتقليد‬
‫‪9‬‬

‫يعترب التيار التقليدي تيارا فكريا مواجها للتيار احلداثي‪ ،‬كما‬ ‫بيان األسباب والدوافع الرئيسية‬
‫أن مصطلح التقليد املسمى به هذا التيار ال عالقة له بالعرف‬ ‫لظهور التيار التقليدي‬
‫والعادات املعهودة؛ فهذه التقاليد قدمية وقدسية‪ ،‬وأصوهلا‬
‫شرقية‪ ،‬وتأيت قداستها وقدمها باتصاهلا مع ”األلوهية”؛ وكان‬
‫يتم جتديدها بواسطة األنبياء على مدار التاريخ‪ ،‬مث حتملها‬
‫كل جمتمع ديين بطرق خمتلفة‪ ،‬وبالتايل جندها أكثر انتشارا‬
‫يف اجملتمعات الصينية واهلندية واإلسالمية الشرقية؛ ألنه إىل‬
‫جانب احلداثيني قام الغرب مبحاربة هذا التقليد بشكل‬
‫كبري‪ ،‬فقد عطل تقاليد اليهودية واملسيحية‪ ،‬وقطع عالقاته‬
‫مع القدمي‪ ،‬وفقدوا مقدساهتم فأصبحت مدنسات‪ ،‬ولذلك‬
‫كان اهلدف الرئيسي هلذا التيار هو تعريف البشرية كلها هبذه‬
‫التقاليد‪ ،‬والنهوض بالقيم اإلهلية الكونية اليت دمرهتا احلداثة‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة والتقليد‬

‫‪ 4‬ما هو اإلطار املرادف املشرتك ملفهوم وحدة‬ ‫‪ 1‬أي من املفاهيم التالية ليست واحدة من‬
‫األديان وفقا لفكر التيار التقليدي؟‬ ‫املفاهيم اليت استخدمت يف إطار مواجهة األوجه‬
‫احلكمة اخلالدة‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫املختلفة للحداثة اإلسالمية؟‬
‫اليسار اإلسالمي‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫اإلسالم الليربايل‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫اخترب نفسك‬

‫االجتهاد‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫اإلسالم األورويب‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬


‫حكمة اإلشراق‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬ ‫يسار اإلسالم‪.‬‬ ‫ج ‪.‬‬
‫أسباب النزول‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬ ‫اإلسالم التقليدي‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫اإلسالم التقدمي‪.‬‬ ‫ه ‪.‬‬

‫‪ 5‬من هو اإليراين املمثل املشهور للمدرسة التقليدية؟‬


‫أي من الفقرات التالية تعكس وجهة نظر علي‬ ‫‪2‬‬
‫أمينة ودود‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫عبد الرازق؟‬
‫سيد حسني نصر‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫أبو بكر سراج الدين‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫يوجد طرق بعدد البشرية للوصول إىل اهلل‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫م يؤسس سيدنا حممد عليه الصالة الصالة‬ ‫ب‪ .‬‬
‫بسام الطييب‪.‬‬ ‫د ‪.‬‬
‫والسالم دولة‪.‬‬ ‫ ‬
‫عبد الكرمي سوروش‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬
‫ال بد وأن تكون املعايري األخالقية يف اإلسالم‬ ‫ج ‪.‬‬
‫متساوية للجنسني‪.‬‬ ‫ ‬
‫جيب تكوين ثقافة إسالمية خاصة بأوروبا‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫ضرورة الدفاع عن حقوق املسلمني املثلية‪.‬‬ ‫ه ‪.‬‬

‫‪ 3‬ما هي أكثر النظريات الدينية اليت يتغذى عليها‬


‫فكر التعددية يف احلداثة اإلسالمية؟‬
‫توحيد الربوبية‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫اجلهاد األكرب‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫فقه الواقع‪.‬‬ ‫ج ‪.‬‬
‫املصلحة املرسلة‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫وحدة الوجود‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪198‬‬
‫أسس العبادات اإلسالميّة‬

‫إذا كانت إجابتكم ليست صحيحة‪ ،‬اقرؤوا من‬ ‫‪.4‬أ‬ ‫إذا كانت إجابتكم ليست صحيحة‪ ،‬اقرؤوا من‬ ‫‪.1‬د‬
‫جديد موضوع ”التيار التقليدي”‪.‬‬ ‫جديد موضوع ”احلداثة اإلسالمية واآلراء احلديثة”‪.‬‬

‫مفتاح األجوبة لـ “اخترب‬


‫إذا كانت إجابتكم ليست صحيحة‪ ،‬اقرؤوا من‬ ‫‪.5‬ب‬ ‫إذا كانت إجابتكم ليست صحيحة‪ ،‬اقرؤوا من‬ ‫‪.2‬ب‬
‫جديد موضوع ”التيار التقليدي”‪.‬‬ ‫جديد موضوع ”السياسة”‪.‬‬

‫إذا كانت إجابتكم ليست صحيحة‪ ،‬اقرؤوا من‬ ‫‪.3‬ه‬


‫جديد موضوع ”املبادئ اإلسالمية للحداثة”‪.‬‬

‫نفسك”‬

‫‪199‬‬
‫احلداثة اإلسالمية ‪ :2‬مظاهر احلداثة والتقليد‬

‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪9‬‬

‫إن كال املفاهيم اإلسالمية األوروبية واألمريكية تدعو إىل مفهوم إسالمي معاصر يتقبل قيم‬
‫الغرب احلديثة‪ ،‬وتكمن دوافع ظهور هذه املفاهيم احلداثية كمحاولة لتخليص اإلسالم من‬
‫حماصرته وتوجيه أصابع االهتام دوما له السيما بعد أحداث ‪ 11‬سبتمرب وما ترتب عليها‬
‫من إشهار البالد الغربية لقضية اإلسالموفوبيا وردة الفعل من بعض املسلمني على عداوة‬ ‫‪1‬‬ ‫جاء دورك‬
‫الغرب‪ .‬كما أن تداعيات هذه املفاهيم بسبب تفوق معايريها اإلسالمية املعاصرة على‬
‫املعايري اإلسالمية األخرى؛ وجتدر اإلشارة إىل أن النسخة األوروبية للحداثة لغاية اللحظة مل‬
‫هتيمن على األشكال اإلسالمية التقليدية األخرى اليت يف تلك القارة‪ ،‬أما النسخة األمريكية‬
‫للحداثة فهي ذات طابع مهيمن وتربز نفسها على أهنا املوقف الصحيح الوحيد‪.‬‬

‫كانت اإلشارات احلداثية املركزة يف فكر ابن العريب‪ ،‬والرومي‪ ،‬تثري اهتمام احلداثيني أمثال عبد‬
‫الكرمي سوروش وأوميد آسفي‪ ،‬السيما أهنا تأيت يف سياق مفهوم الروحانية الناتج عن التقاء‬
‫العقالنية واحلدس بطريقة عجيبة‪ ،‬فالعلم الروحاين يعين املعرفة‪ ،‬وينظر له على أنه دليل من‬
‫أدلة الشريعة عند الصوفية أو بديال عنها للوصول إىل احلقيقة‪ ،‬وهذا مهم يف موضوعنا؛ إذ أن‬
‫األحكام الظاهرة من النصوص الشرعية خالفها الصوفية يف مواطن متعددة مستندين يف ذلك‬ ‫‪2‬‬ ‫جاء دورك‬
‫على الكشف واإلهلام واحلكمة واحلب واملعرفة والعرفان‪ ،‬وحىت أحيانا تصبح هذه املعارف‬
‫الروحية بديال عن الشريعة‪ .‬هذه النتيجة تتوافق نسبيا مع احلداثة وجتعل من السهل تطوير‬
‫خطاب ديين ليربايل خارج نطاق الشريعة‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن عقيدة ”وحدة الوجود” اليت‬
‫تشكل األساس الفلسفي للتعددية الدينية والبشرية توفر غطاءً شرعيا للربالية الدينية‪.‬‬

‫تُلتمس التقاليد اإلهلية املشرتكة واليت يطلِق عليها التقلديون مفهوم ”احلكمة اخلالدة” يف اجلوانب‬
‫الروحانية والباطنية ملختلف األديان‪ ،‬وهي من األمهية مبكان ألهنا مل تفسدها احلداثة وكذلك‬
‫متثل األرضية املشرتكة جلميع األديان‪ ،‬وعليه فإن إحياء اإلسالم يف هذا العصر احلديث وحترير‬ ‫‪3‬‬ ‫جاء دورك‬
‫اإلنسانية لن يتحقق إال بالتطور الروحي وليس من خالل التطور املادي‪ ،‬وبطبيعة احلال فإن‬
‫الصوفية هي الوسيلة األكثر أمهية يف هذا اإلطار‪ ،‬ومن اجلدير بالذكر أنكل التقليديني املسلمني‬
‫غالبا ما لديهم طريقة دينية‪ ،‬حىت أن بعضهم ترقى إىل أن أصبح شيخ الطريقة اليت ينتسب هلا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أسس العبادات اإلسالميّة‬

‫املصادر‬
el-Affendi, Abdelwahab. (2009). “The People on the Edge: Religious Reform and the Burden of the Western
Muslim Intellectual”, Harvard Middle Eastern and Islamic Review, 8, s. 19-50.
Bennett, Clinton. (2005). Muslims and Modernity: An Introduction to the Issues and Debates, New York.
Bethel, Pierre. (2006). “A Commentary about ‘the Spiritual Fascism of René Guénon and His Followers’”, Oriens:
online journal of traditional studies, 3/5-8, s. 1-3, <www.regnabit.com>.
Chiragh Ali. (2000). “The Popular Jihad or Crusade According to Muhammadan Common Law”, [M. Moaddel,
K. Talattof (editörler), Contemporary Debates in Islam, New York] içinde, s. 71-94.
Duderija, Adis. (2011). Constracting a Religious Ideal “Believer” and “Women” in Islam: Neo-traditional
Salafi and Progressive Muslim’s Methods of Interpretation, New York.
Hakan, Mehmet. (1991). “Modern İslam Düşüncesinde Gelenekselciliğe Bakış”, Tezkire, Derleme Dizisi 1, s. 80-9.
Kugle, Scot Sirajj al-Haqq. (2010). “Sexuality, Diversity and Ethics in the Agenda of Progressive Muslims”, [Omid
Safi (editör), Progressive Muslims: On Justice, Gender and Pluralism, Oxford] içinde, s. 190-234.
Kutluer, İlhan. (2013). “René Guénon’dan Seyyid Hüseyin Nasr’a: Gelenekselci Ekol’e Ait Öğretilerin Türkiye’ye
İntikali ve Algılanış Biçimleri”, [İ. Kara, A. Öz (editörler), Türkiye’de İslamcılık Düşüncesi ve Hareketi,
İstanbul] içinde, s. 404-448.
Muqtedar Khan, “Is Muslimwakeup.com Undermining the Progressive Muslim Movement”, <www.ijtihad.org/
Muslimwakeup.htm>.
an-Naîm, Abdullahî Ahmed. (1998). “Sharia and Basic Human Rights Concerns”, [C. Kurzman (editör), Liberal
İslam: A Source Book, Oxford] içinde, s. 222-238.
Nasr, Seyyid Hüseyin. (1985). İslam: İdealler ve Gerçekler, trc. Ahmet Özel, İstanbul.
Nasr, Seyyid Hüseyin. (1996). Söyleşiler, İstanbul.
Paçacı, Mehmet. (2008). Çağdaş Dönemde Kur’ân ve Tefsire Ne Oldu?, İstanbul.
Sedgwick, Mark. (2004). Against the Modern World: Traditionalism and the Secret Intellectual History of the
Twentieth Century, Oxford.
Tibi, Bessam. (1998). The Challange of Fundamentalism: Political Islam and the New World Disorder, Berkeley.

201
‫الوحدة العاشرة‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫األهداف‬
‫هندف بعد إمتام هذه الوحدة إىل‪:‬‬
‫ بيان املكونات النفسية واالجتماعية للجماعات اإلسالمية‪.‬‬
‫ عرض احللول املناسبة للمشاكل احملتملة الناشئة عن قيادة اجلماعات‪.‬‬
‫ إمكانية تقييم مدى خطورة املناهج التعليمية املنغلقة داخل اجلماعات‪.‬‬
‫ امتالك البنية التحتية للمعلومات اليت ممكن التنبؤ من خالهلا باملشاكل النامجة عن احندار تلك‬
‫اجلماعات‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬
‫اجلماعات الدينية‬ ‫ ‬
‫هوية اجلماعات‬ ‫ ‬
‫فكر اجلماعات‬ ‫ ‬
‫احندار اجلماعات‬ ‫ ‬
‫االزدراء‬ ‫ ‬

‫‪202‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املدخل‬
‫أيضا؛ إذ أن‬
‫كما هو معلوم‪ ،‬فإن الدين عامل مهم يف تكوين اهلوية ليس على الفرد فحسب وإمنا على اجلماعات ً‬
‫االنتماءات بكافة أشكاهلا املتنوعة ألي دي ٍن ما‪ ،‬واألفكار واألعمال الناجتة من خمتلف اجلماعات اليت اكتسبت‬
‫هويتها بتفاعلها الديين‪ ،‬هلا بالغ األثر يف فهم هذا الدين‪ ،‬وتطبيقه‪ ،‬وتبليغه‪ ،‬ومتثيله‪ ،‬وانعكاس ذلك كله على‬
‫اجملتمعات‪ .‬ومبفهوم آخر؛ ال ميكن التعامل مع اجلماعات اليت تنتمي إىل دين ما أو على األقل ال تنكر انتمائها‬
‫هلذا الدين باستقاللية تامة وتقييمها مبعزل عن هذا االنتماء؛ وعموما هو أمر غري ممكن‪.‬‬
‫وبالنظر إىل ما تقدم يف عنوان هذه الوحدة وهو بنية اجلماعات الدينية‪ ،‬فيفهم منه عموما التكوينات النامجة عن‬
‫التطورات املستمرة احلاصلة بعد نشأة دين ما وذلك على صعيد البنية االجتماعية والسياسية والثقافية وما يتولد عن‬
‫ذلك من شروط جديدة‪ ،‬وكذلك بإثراء التجارب الدينية ألعضائها‪ ،‬وتعقيد املعرفة الدينية واألفعال‪ .‬وتعترب املذاهب‬
‫اإلسالمية‪ ،‬والطرق الصوفية‪ ،‬واجلماعات واألحزاب واملنظمات الدينية والسياسية‪ ،‬واجلماعات السرية‪ ،‬ومنظمات‬
‫التضامن‪ ،‬وغريها على اختالف حجمها‪ ،‬واجلماعات االجتماعية‪ ،‬كلها منوذج على ما تقدم؛ وبالنظر إىل منتسيب‬
‫هذه اجلماعات واألحزاب فإهنم يتجاوزون الفردية يف تفكريهم وجيتمعون حول إرادة مشرتكة‪ ،‬ويقدمون املصلحة‬
‫املشرتكة للجماعة على مصاحلهم الفردية‪ ،‬فتسمو روح األخوة والتعاون بينهم‪ ،‬وتوزع وظائفهم بشكل هرمي ذات‬
‫طابع سلطوي‪ ،‬ويتولد بينهم نظام التحكم والتدقيق‪ ،‬متزامنا مع االنضباط الصارم أو الفضفاض‪ ،‬ولديهم طقوس‬
‫خاصة هبم متيزهم عن اجلماعات العامة‪ ،‬كما أن معايري القبول أو دخول تلك اجلماعات واضحة‪ ،‬وعادة بفعل‬
‫تطور اخلطاب التبشريي الداعي للجماعة‪)Wach, 1990, s. 131 ve devamı( .‬‬

‫الواقع النفسي واالجتماعي للجماعات الدينية‬


‫من خالل متابعة منتسيب اجلماعات الدينية جتد أهنم أحيانا يعيشون حالة تنافس أو صراع فيما بينهم‪ ،‬ووفقا‬
‫لعلم النفس االجتماعي فإن هذا التناقض سببه املواقف املتشاهبة وغري املتشاهبة فيما بينهم؛ فمن املواقف املتشاهبة‬
‫أيضا حنبه”‪ ،‬أما هذا الشكل من‬‫أيضا نريده”‪” ،‬الذي حتبونه حنن ً‬ ‫هذا الشكل من التعبريات‪” :‬الذي تريدونه حنن ً‬
‫التعبريات‪” :‬حنن نعرف احلقيقة”‪” ،‬حنن حنبه أكثر”‪ ،‬حنن أكثر نريده”‪ ،‬فيخلق حالة من السباق فيما بينهم‪ ،‬ومن‬
‫ذلك أيضا التعبري مبواقف غري متشاهبة مثل‪” :‬ال حنب بعض الذي حتبونه”‪” ،‬وبعضا مما تريدونه ال نرغب به”‪،‬‬
‫”أنتم ال تريدون األشياء اليت نريدها”‪ ،‬فهذه املواقف الغري متشاهبة تؤدي لنفس النتيجة‪)Sezen, 1990, s. 227( .‬‬
‫وجوابا على سؤال‪” :‬ملاذا ينتمي الناس إىل اجلماعات؟”‪ ،‬هي أيضا الدوافع النفسية واالجتماعية إىل حد كبري؛‬
‫فاإلنسان يشعر بأنه حيتاج للحركة مع اجلماعة كوهنا إطار اجتماعي‪ ،‬وميكن أيضا هبدف التغلب على عجزه حال‬
‫منفردا‪ ،‬كما أن املنفردون عادة ما يبحثون عن أجواء تضامن معهم يف ضل واقع فوضوي مزدحم؛ فالفرد‬ ‫كونه ً‬
‫يثبت نفسه داخل اجلماعة ويتخلص من القلق النفسي عندما يليب عمال نافعا داخل اجلماعة‪ ،‬مما يشعره ذلك‬
‫بالراحة النفسية؛ السيما بالسعي لتحقيق أهداف مشرتكة‪ ،‬وعندما يتآخى مع اجلماعة يعمق ذلك يف نفسه شعور‬
‫اجلماعة‪ ،‬ويف غالب األحيانا يتولد لديه احلماسة باحلركة مع اجلماعة‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫أحيانا؛ بعض األشخاص يدفعهم إىل اجلماعة شعور القيادة والتحكم؛ على العكس متاما من اآلخرين الذين‬
‫يشعرون حباجتهم للتبعية‪ ،‬وذلك لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية‪ ،‬وحىت لتحقيق رغبة عدوانية أحيانا‪ ،‬وكذلك‬
‫للتخلص أيضا من حياهتم السابقة املتخبطة‪ .‬كما أن التعاطف اخلاص الذي يتمتع به أبناء اجلماعة جيذب الناس‬
‫ويدفعهم لدخول اجلماعة‪ .‬ويف كتاب هنري ‪ McComas .Henry C‬والذي نشر يف نيويورك بعنوان‪ :‬علم النفس‬
‫الديين (‪ )The Psychology of Religious Sects: Comparison of Types‬ذكر فيه أن اإلنسان يبحث عن األماكن املناسبة‬
‫لتلبية احتياجاته وتعزيز شخصيته؛ إذ أن اجلماعات الدينية تليب حاجات اإلنسان البدنية والروحية‪.‬‬
‫وتعترب اجلماعات املختلفة ناجتة عن هذه النظرية كاملتطرفة‪ ،‬واملساملة‪ ،‬واإلصالحية‪ ،‬والعقالنية‪ ،‬والتقليدية‪ ،‬وميكن أن‬
‫تكون أيضا نتاج تشكيل وتطوير األشخاص املعرضني لألحوال النفسية وفقا لصفاهتم‪)Kutlu, 2001, s. 15-36( .‬‬
‫وكما هو معلوم فإن أكرب املذاهب لدينا كانت بداية نشأهتا آراء دينية صغرية‪ ،‬مث تطورت مع مرور الوقت بفعل‬
‫اخلطاب الديين واملذهيب إىل حد كبري حىت أصبحت عقيدة‪ .‬وكذلك طقوسها اكتسبت هوية مذهبية أيضا‪ ،‬ويف‬
‫األمثلة اليت سنناقشها خبصوص هذه املواضيع جند فيها أن اجلماعات القدمية خبالف املذاهب املعاصرة‪ ،‬وسيشار‬
‫إىل هذا االختالف بتتبع حال احلركات واجلماعات اإلسالمية املعاصرة‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ما هو تقييمك للرابط بني أنصار اجلماعة على اختالف خصائص‬


‫ونفسيات اإلنسان؟‬

‫الدوافع النفسية واالجتماعية احلائلة دون متثيل الدين وفهمه فهما صحيحا داخل‬
‫اجلماعات الدينية‬
‫ميكن حصر هذه الدوافع يف أربعة عناوين رئيسية على النحو التايل‪:‬‬

‫املشاكل النامجة عن الواقع الطبيعي لرتكيبة اجلماعة‬


‫إن العيش يف إطار اجلماعة يؤثر يف تنشأة اإلنسان اإلجتماعية‪ ،‬وخيلق لديه انتماءً كونه جزء من منظومة مجاعية؛‬
‫اهتماما ودافعا حنو حتقيق‬
‫كما أن شعوره النابع عن العمل اجلماعي يضمن له حياة متناغمة وجيلب له نشاطا و ً‬
‫مصاحل اجلماعة‪ ،‬ومع ذلك فإن اجلماعة قادرة على حتجيم شخصية الفرد باهليمنة عليه واالستبداد‪ ،‬كما حتمل‬
‫اجلماعة يف طياهتا عيوبا تنبثق منها كاالنفصالية‪ ،‬والشقاق‪ ،‬والصراع‪ ،‬واإلقليمية؛ فمن ذلك أن اجلماعة يف إطار‬
‫تعزيز االهتمام هبا عادة ما تشغل الناس عن شعور األمة فتصبح اجلماعة الصغرى عامال مهما يف إضعاف‬

‫‪204‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫اجلماعة الكربى وهي األمة (‪ ،)Dönmezer, 1984, s. 208-9‬وهكذا ميكن ذكر العديد من املزايا والعيوب املشاهبة‬
‫للجماعات اإلسالمية‪.‬‬
‫وبالنظر إىل موضوعنا الرئيسي فإن املدخل إليه يبدأ من مرحلة االنضمام واالندماج يف مجاعة من هذه اجلماعات‪،‬‬
‫ومعلوم بأن هناك نظريات عديدة متعلقة بكيفية االنضمام واالندماج يف مجاعة دينية (‪،)Holm, 2002, s. 282-3‬‬
‫هذه النظريات بعد متحصها بعناية يتبني أن هناك نقطة مشرتكة بينها‪ ،‬وهي‪ :‬انتشار املشاكل الفردية واالجتماعية‬
‫تزيد من احتمالية انضمام الفرد للجماعة‪ ،‬فعلى سبيل املثال؛ تشري إحدى النظريات إىل أن احلرمان االقتصادي‬
‫والنفسي والفسيولوجي واألخالقي يزيد من عملية االنتساب للجماعات‪ ،‬ووفقا لنظرية أخرى فإن التوترات البنيوية‬
‫اليت تعصف باجملتمعات هتيئ أرضا خصبة جلماعات متعددة أخرى‪.‬‬
‫ولذلك فإنه يتوجب أخذ هذه النظريات بعني االعتبار قبل أي شيء خالل عملية تقييم اجلماعات الدينية؛ إذ أهنا‬
‫معيارا مييز بني اجلماعات اإلجيابية واجلماعات السلبية‪ ،‬فاجلماعات الدينية اليت تعمل على إزالة ”احلرمان”‪،‬‬
‫تعترب ً‬
‫و”التوترات” ينظر هلا بإجيابية‪ ،‬أما تلك اجلماعات اليت تعمل على بقاء أو زيادة عوامل ”احلرمان” و”التوترات”‬
‫فتصنف بأهنا مجاعات سلبية‪ ،‬كما أنه غالبا ما تربز حقيقة اجلماعة الدينية سلبا أو إجيابا من خالل متثيلها وفهمها‬
‫الصحيح للدين إذا كان مشكال أم ال‪ ،‬فعلى سبيل املثال؛ يف حالة النظر للمشاكل الفردية واالجتماعية نظرة‬
‫استنادا ملا أخرب به الكتاب املقدس من أن‬
‫ً‬ ‫إسالمية يستدعي ذلك أال ينظر هلا على أهنا مشاكل دائمة وذلك‬
‫هذا الدين ذو غاية علوية يسعى للوصول باإلنسان لدرجة الكمال‪ ،‬وهلذا إذا ما وجدت مشكلة ما فإن خلفيتها‬
‫اجتماعية إىل حد كبري‪ ،‬ومن ورائها الدور املهم الذي تلعبه اجلماعات الدينية املشاكسة‪.‬‬
‫ووفقا لنظرية أخرى؛ فإن االنضمام واالندماج يف إطار مجاعة دينية يتم جتسيده عرب مراحل حمددة‪ ،‬وبداية هذه‬
‫املراحل مبجرد حصول التماس بني اجلماعة وعضو ما فتبدأ عملية الرتويج والدعاية‪ ،‬ويشار إىل هذه املرحلة عموما‬
‫يف اجلماعات اإلسالمية مبرحلة ”التبيلغ”‪ ،‬واليت يتم من خالهلا الرتويج لغايات اجلماعة التوعوية والتحذيرية أمام‬
‫هذا العضو‪ ،‬وهذه املرحلة باعتبارها التبليغ األول ننظر هلا بأهنا مشكلة؛ إذ مل يتم مراعاة األولوية والتدرج يف‬
‫التجربة اإلسالمية‪.‬‬
‫عند إمعان النظر يف منطق اجلماعة جند أن هناك أولويات أخرى يف التعامل مع العضو املستهدف؛ إذ أن‬
‫اجلماعة عادة ما تستهدف اهتماماته وميوله أوال يف هذه املرحلة‪ ،‬وتعمل على صقله ببيان أمهية أن يكون‬
‫معهم ال مع غريهم‪ ،‬مع الرتكيز على فشل وعدم كفاية جتارب احلركات واجلماعات املشاهبة أو السابقة يف هذا‬
‫اإلطار‪ ،‬كما جتتهد اجلماعة بإبراز مزاياها البناءة يف هذه املرحلة خللق حالة من املشاعر اإلجيابية املتصلة مع‬
‫هذا العضو املرشح لالنتساب‪.‬‬
‫بعد هذه املرحلة تأيت مرحلة اختاذ العضو املرشح قراره باالنضمام للجماعة‪ ،‬مث بعد ذلك تبدأ لديه مراحل‬
‫”الكشف” و”االعرتاف” عند بعض اجلماعات‪ ،‬فينسلخ عن حياته املاضية‪ ،‬ويصبح نادما عما فعله يف األيام‬
‫السالفة‪ .‬وخالل هذه العملية أحيانا تنظم بعض احملافل واملراسم اليت تغذي الروح‪ ،‬وترتسم هبذه احملافل معامل‬
‫اجلماعة وميثاقها‪ ،‬فتجد اجلماعات السلفية جتسد ميثاقها على أساس ”الوالء والرباء”‪ ،‬كما يشار إىل حياته‬

‫‪205‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫السابقة عموما حبياة اجلاهلية‪ .‬وهذا ما يفهم أيضا من خالل قراءة ”نص العهد” عند مذهب اإلمساعيلية‪ ،‬وكذلك‬
‫”اإلقرار” عند العلويني يف األناضول‪ ،‬أما عند العرب العلويني فيتم تنظيم مراسم أشبه مبراسم املعمودية‪ .‬وكأن هذه‬
‫املواثيق واملراسم الشهادة الثانية يف الدين‪ ،‬ولذلك إذا ما غُـيِّبت الشهادة األوىل األصلية أو أنسيت فهذا مؤشر‬
‫خطري جدا‪.‬‬

‫من أشهر مؤلفات السلفية يف ”الوالء والرباء”‪ ،‬واليت ألفها خنبة من علماء جند‪،‬‬
‫كتاب‪” :‬سبيل النجاة والفكاك من مواالة املرتدين وأهل اإلشراك” ملؤلفه‪ :‬محد‬
‫بن عتيق‪ ،‬وكتاب‪” :‬الوالء والرباء” حملمد بن سعيد القحطاين‪ ،‬وكتاب‪” :‬املواالة‬
‫واملعاداة” ملؤلفه حمماس اجللعود‪.‬‬

‫إن فكر مجاعة دينية ما وطريقة حياهتا إذا كانت خمتلفة قليال أو كثريا عن أسس التفكري واحلياة العامة فإهنا تسعى‬
‫إلجياد رابط قوي بينهما حىت ال تفقد منتسبيها‪ ،‬وغالبا ما تولد اجلماعات الدينية لدى منتسبيها شعورا بأهنم‬
‫مجاعة موكلة مبهام خاصة عن باقي اجملتمع (‪ ،)Holm, 2002, s. 283‬فعلى سبيل املثال؛ بعض اجلماعات السلفية‬
‫تظهر نفسها على أهنم ”غرباء”‪ ،‬وهو مصطلح معناه يف الغالب نابع من مفهوم ”الوحدة”‪ ،‬مستندين يف ذلك‬
‫على حديث النيب ‪” :‬بدأ اإلسالم غريبا‪ ،‬وسيعود غريبا‪ ،‬فطويب للغرباء”‪ ،‬هذا احلديث يعزز الثقة بالنفس لدى‬
‫اجلماعات املنعزلة واحملصورة‪ ،‬وكذا استعمال عبارة ”العصر الذهيب” فإن خنبة اجلماعة ترتقي هبذا القول إىل موقع‬
‫مشابه أيضا من تعزيز النفس‪ ،‬وذلك ما عليه بعض اجلماعات املنبثقة عن النورانيني يف تركيا فإهنم يستعملون هذه‬
‫العبارة‪ ،‬فإذا اجتمع لدى منتسبيهم أهنم يدخلون القرب باإلميان والصدق واإلخالص مع تبشريهم بأهنم سيكونون‬
‫من أهل اجلنة فإن ذلك أدعى لثبات الوعي لدى منتسبيهم‪.‬‬
‫وبالنظر إىل موقع اإلشكال يف هذا املوضوع فإن النخبة من منتسيب اجلماعة يبدؤون بالنظر يف كل شيء‬
‫باستثناء أنفسهم‪ ،‬بل أسوء من ذلك إدراج الغري داخل دائرة السوء اليت ال بد من دفعها‪ ،‬فإذا وجد يف مجاعة ما‬
‫حالة خاطئة من الفهم والبيان ومتثيل الدين‪ ،‬فإن املشاكل املرتتبة على ذلك يستعصي تصحيحها هبذا الشعور‬
‫واالحساس النابع من اجلماعة ويزيد من خطر بقائها واستمراريتها‪ .‬ولذلك فإن منتسيب اجلماعات يعتقدون بعدم‬
‫حاجتهم لعقول وعلم وجتارب اآلخرين‪ ،‬وحىت لو مسعوا هلم فإن مساعهم يكون عن جماملة وال يؤخذ قوهلم بعني‬
‫هجوما بنوايا سيئة‬
‫ً‬ ‫االعتبار (‪ .)Kalyoncu, 2006, s. 57‬بل إهنم يعتربون النصائح والتنبيهات الصادقة جتاههم‬
‫وف ًقا إلدراكهم‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫نمى شعور الوالء والتعاطف احلقيقي للجماعة من قبل منتسبيها‪ ،‬أما مع اجلماعات األخرى‬ ‫وبطبيعة احلال فإنه يُ َّ‬
‫فينمى لديهم الشعور باالختالف والتفاضل معها‪ .‬وهذا النوع من السلوك قد يذهب بالفرد من الكراهية السطحية‬
‫ويصل به إىل احلقد العميق‪ ،‬وقد يشكل لدى الفرد أيضا حالة من الدفاع أو اهلجوم (‪.)Dönmezer, 1984, s. 190‬‬
‫إذ أن الشيء الذي يثري ردود الفعل الدفاعية لدى املنتسبني للجماعة شعورهم باملسؤولية جتاه اجلماعة اليت هي‬
‫ملكهم‪ ،‬فإذا كان شعور املسؤولية جتاه اجلماعة يتملك شعور الفرد ويطغى على شعور املسؤولية الواجبة جتاه اخلالق‬
‫فإن هذا مؤشر خطري‪ .‬فعلى سبيل املثال؛ شاب تكونت شخصيته يف إطار اجلماعة فإنه من املمكن أن تتأطر‬
‫شخصيته على االنتماء هلذه اجلماعة‪ ،‬ويف هذه احلالة يتحول إىل مدافع بكل ما ميلك من قوة عن هذه اجلماعة‬
‫ضد أي نقد موجه هلا (‪ .)Kalyoncu, 2016, s. 51, 104-5‬هذه احلالة تفسر حقيقة قلب الباطل حقا‪ ،‬واحلق باطال‪،‬‬
‫والدفاع بغري وجه حق عن تلك اجلماعة‪.‬‬
‫ويف بعض األحيان حتمل حالة الدفاع نوعا من الكراهية‪ ،‬وهذه الكراهية كما عرب عنها هوفر بأهنا أسهل‬
‫وأمشل العوامل اليت ممكن التوحد عليها‪ ،‬وحىت العناصر املتنافرة فيما بينها قد يتولد بينها كراهية مشرتك‬
‫(‪ .)Hoffer, 2005, s. 135-6‬وهذا الذي سقناه سابقا قد نرى تبعاته على اجلماعة فتتخذ مواقف على‬
‫شكل تكفري املخالفني بال قيد‪ ،‬واهتامهم باإلحلاد‪ ،‬والزندقة‪ ،‬وغريها من التهم‪ .‬هذه الصورة النمطية الناجتة‬
‫عن هذه املواقف ختلق يف األذهان حالة من حتقري اجلماعات الدينية املنافسة؛ ومن ناحية أخرى فإن‬
‫هذا التعصب خيلق أيضا حالة من العزلة بني املؤمنني من منتسيب اجلماعات الدينية املختلفة‪ ،‬ومستقبال‬
‫تتطور الكراهية بينهم وتصل إىل حد العنف‪ ،‬ويف القسم القادم سيتم مناقشة املوضوع املتعلق بـ‪” :‬احندار‬
‫اجلماعة” الناتج عن توجه العنف لدى اجلماعات الدينية‪.‬‬
‫إن اجلماعات الدينية تشكلت لديها هوية اجلماعة اخلاصة هبا خبلقها بعض احلواجز النفسية بينها وبني العامل‬
‫اخلارجي‪ ،‬رامسني بذلك حدود اجلماعة‪ .‬وسيأيت يف األسطر القادمة بعض احملظورات اخلاصة باجلماعات‪ ،‬وحدود‬
‫احملرمات‪ ،‬والعوامل املغذية لتشكيل هوية اجلماعة ومعاملها‪ .‬علما بأن أكثر الطرق تأثريا للوصول إىل نفس الغاية‬
‫هو أن تضع مجاعة ما نفسها قي موقع املركزية مع نظرة ”ازدراء” لآلخرين‪ ،‬ويعزز كثريا هذه الغاية مفهوم ”الفرقة‬
‫الناجية” يف اإلسالم‪ ،‬ولذلك فإن اجملموعات اليت وطنت نفسها على أهنا احملور الرئيسي يف الدين تنظر للجماعات‬
‫واحلركات والتيارات األخرى املخالفة على أهنم مبتدعة‪ ،‬ويطلقون عليهم مسميات مثل‪” :‬الفرقة الضالة” و ”الفرقة‬
‫النارية”‪ .‬ويصوبون أصابع االهتام للجميع باستثناء اجلميع على أهنم ضمن مؤامرة كونية بأيدي غري مسلمة‪ ،‬وعادة‬
‫ما يستعملون يف هذا اإلطار مصطلح أهل السنة للداللة على واقع املؤامرة احمليطة هبم‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ما قولكم يف موضوع الكراهية املشرتكة بني اجلماعات الدينية؟‬

‫‪207‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫وبالنظر إىل بعض اجلماعات الدينية اليت ال ترى يف احلواجز النفسية أهنا كافية يف مواجهة العامل اخلارجي‪ ،‬فإهنا‬
‫جلأت إىل اعتماد حواجز مادية أيضا‪ ،‬وعلى هذا النهج خطت معاملها وهويتها‪ ،‬فتجد مثل هذا اجلماعات ال‬
‫تذهب للمساجد العامة اليت يف مدينتها أو حيها‪ ،‬وإمنا يقيمون صالة اجلماعة يف مساجد أو زوايا أو مساكن‬
‫خاصة هبم كنوع من احلواجز املادية اليت هتدف اجلماعات لتأسيسها‪ ،‬وبطبيعة احلال ال يضمن أحد مع مرور‬
‫الوقت أال يظهر هذا العمل يف إطار موجه ضد اجلامع والصالة‪ .‬وليس من الصعب الوصول إىل هذه النتيجية‬
‫إذا ما نظرنا إىل ما ذُكر يف مناقب حجي بكتاش بأنه كان لديه عزوف عن ارتياد املساجد ألداء الصالة وكيف‬
‫انعكست هذه املنقبة على سلوك أتباعه العلويني البكتاشيني (‪.)Sarıkaya, 2008, s. 36-7‬‬

‫وتعترب مجاعة أميش النصرانية يف الواليات املتحدة األمريكية أبرز منوذج على ذلك؛ فحالة العزلة اليت تنأى هبا‬
‫اجلماعة عن جمتمعها نراها يف بعض اجلماعات اإلسالمية االعتزالية اليت تتخذ من مفهوم ”اهلجرة” يف الدين‬
‫واقعا عمليا تنأى بنفسها عن جمتمعاهتا‪ ،‬وعلى سبيل املثال؛ مجاعة التكفري واهلجرة يف مصر واليت تبىن منتسبيها‬
‫هذا النهج يف معارضتهم السياسية قاموا يف سبعينيات القرن املاضي برتك مدهنم والعيش يف أماكن مهجورة شبه‬
‫صحراوية‪ ،‬وكان أبناء هذه اجلماعة ال يرتادون املساجد ألداء اجلمعات ألهنا وفقا العتقادهم مل تكن ”مساجد اهلل”‬
‫(الورداين‪ ،1986 ،‬ص‪ .)109-104‬وأيضا يف مدينة الربيدة بالسعودية كان معقل مجاعة إخوان الربيدة واليت كانت‬
‫تشبه مجاعة أميش يف موضوع اعتزال اجملتمع‪ ،‬ورفض استعمال التكنولوجيا مثل العربة‪ ،‬واهلاتف‪ ،‬والكهرباء‪ .‬ويف‬
‫حمافظة الزلفي بإقليم جند كان حي املهاجرين والذي يعترب أيضا منوذج على اجلماعات االعتزالية (‪Hegghammer,‬‬

‫‪.)Lacroix, 2007, s. 122‬‬

‫وعلى وجه العموم فإن التفاصيل اليت ال تعترب مهمة عند عامة اجملتمع فإن اجلماعات الدينية تنظر هلا على أهنا يف‬
‫غاية األمهية (‪)Kalyoncu, 2006, s. 56‬؛ ألن هذه التفاصيل ميكننا اعتبارها كنوع من احلواجز املادية اليت يعززوهنا‪،‬‬
‫فرعا لدى مجاعات األمس ميكن إدراك إىل أي حد بلغ من األمهية عند مذاهب اليوم‪ ،‬وعلى‬ ‫فالذي كان يعترب ً‬
‫سبيل املثال يف الصالة ضم اليدين إىل الصدر أم مدها‪ ،‬واملسافة اليت ترتك بني القدمني عند الوقوف‪ ،‬ومواضع‬
‫السجود‪ ،‬واملسح على القدمني بدون جوارب أم على اخلف أم على اجلوارب‪ ،‬وعدد ركعات الرتاويح‪ ،‬والقصر يف‬
‫السفر‪ ،‬ويف أي ركعة من الوتر يكون السالم‪ ،‬ومثل ذلك من املسائل الفرعية اليت ال يهم االختالف هبا إال أن هذه‬
‫املسائل لدى اجلماعات كانت مبثابة الفروق الكبرية اهلامة اليت ممكن أن تفرق بينهم‪ .‬وهذا ما يالحظ يف بعض‬
‫كتب العقائد كيف أن الفروع تصل هبم إىل هذا احلال‪ ،‬حىت التفاصيل املتعلقة باللحية والشارب واملالبس وسرتة‬
‫الرأس ميكن استعماهلا يف خلق احلواجز لدى اجلماعات‪ ،‬ويف الواقع فإن كل هذه التفاصيل تعترب أرضية حتول بني‬
‫مجع املذاهب واحلركات واجلماعات على أسس مشرتكة‪ ،‬ووضع احلواجز بني املسلمني‪ ،‬واجلدل الديين العقيم‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫يف الربع األول من القرن املاضي انتشرت يف حمافظة جند مجاعة إخوان جند الوهابية‪ ،‬والناظر‬
‫إليهم وإىل لباسهم يظن أهنم يف مرحلة تلقي الدين‪ ،‬ورؤوسهم ال يغطوهنا بالشماغ والعقال‬
‫كحال غريهم من البدو وإمنا يلفون رؤوسهم بعمامة كأهنا عالمة املسلمني من منتسيب‬
‫إخوان جند‪ ،‬ومن ال يلبس هذه العالمة يكن عرضة للهجوم واملضايقات‪ ،‬إىل أن قام رئيس‬
‫اإلخوان عبد العزيز بن سعود يف عام ‪ 1919‬بإصدار فتوى مفادها‪” :‬أنه ال فرق يف اإلميان‬
‫بني من يضع العقال أو العمامة على رأسه”‪ ،‬حىت يتجاوز الفوضى اليت انتشرت جراء ذلك‬
‫(‪ ،)Büyükkara, 2004, s. 60, 74‬وأيضا بالنظر إىل الكالزية النصريية جند أهنم حيلقون حلاهم‬
‫أما احليضرية النصريية يقومون بإطالة حلاهم‪ ،‬كما أن رجال الدين يف مذهب النصريية ميزوا‬
‫أنفسهم بقبعات من نوع ”‪.”fört‬‬

‫إن اجلماعات الدينية كغريها من اجلماعات تسعى خللق حالة من االنسجام بني منتسبيها وذلك للحفاظ على‬
‫استمراريتها‪ ،‬وهذا االنسجام يتم تتبعه داخليا يف إطار معايري اجلماعة الرمسية أو املكتوبة‪ ،‬وكما هو معلوم فإن من‬
‫أهم اجلوانب املتعلقة حبياة اجلماعة عامل ”الضغط اجلماعي”‪ ،‬حيث دائما ما تسعى القيادة القوية خللق نظام‬
‫حتكمي مشابه ملنظومة القيم والسلوك الفردي‪ ،‬وذلك باجلوائز أحيانا (مثال‪ :‬الدعاء باخلري)‪ ،‬وأحيانا بالعقوبات‬
‫اجلزائية (مثل دعاء السوء‪ ،‬والعزلة‪ ،‬وعدم إظهار احملبة‪ ،‬والكفارة‪ ،‬وغري ذلك) (‪ ،)Holm, 2002, s. 277‬ومهما كان‬
‫هناك فرق بني اجلماعات االستبدادية واملنفتحة من حيث تشديد الرقابة االجتماعية إال أهنم يهدفون مجيعا لتقريب‬
‫وجهات النظر الفكرية والعملية مع اجملتمع‪.‬‬
‫ومن حيث الطبائع االستبدادية فإهنا أكثر بروزا لدى اجلماعات الدينية‪ ،‬كما أنه يف العموم تسري األفكار من األعلى‬
‫إىل األدىن‪ ،‬ولذلك جتد اهليمنة يف اجلماعة للقائد فقط أو للنخبة املتحكمة يف اجلماعة دون إعمال ملبدئ من‬
‫أهم مبادئ القرآن الكرمي وهي الشورى‪ ،‬وبناء على ذلك فإن معايري اجلماعة تزيد من احتمالية التناقض مع املعايري‬
‫اإلسالمية العامة‪ ،‬وتقلل من احتمالية زوال هذه التناقضات‪ ،‬أما املوقف الداعي ”للتفكري اجلماعي” فهو موقف‬
‫خجول ال يسعى لتطوير حالة النقد املوجهة للقرارات واألفعال الصادرة عن قيادة اجلماعة‪ ،‬السيما النقد الشرعي أو‬
‫العقلي الالزم ال ميكن حبال من األحوال أن يوجه للقيادة‪ ،‬وهذا يؤدي خللق حالة من االنزعاج لدى منتسيب اجلماعة‬
‫من التوجه العام وبالتايل تدخل اجلماعة يف بوتقة اإلصالح النفسي عموما مع منتسبيها‪ ،‬وحتاول جتاهل اجلوابات‬
‫املتعلقة بالقرارات الصادرة عن اجلهات العليا أو طمسها؛ متذرعةً بعبارة‪” :‬بالتأكيد هناك حكمة ما”‪.‬‬
‫إن توحيد الفكر والعمل يتحقق من خالل طريقة التقليد واالتباع وذلك بالقدر الذي يتم من خالل طريقة الطاعة‬
‫أيضا‪ ،‬فإذا كان االمتثال ألمر ما يتم بالطاعة فإن تقليد قدوة حتصل به الطاعة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى هو‬
‫طريق خمتصر حلل أي إشكالية عارضة (‪ ،)Hoffer, 2005, s. 147, 150‬وبالتايل فإن التقليد يعترب عامل مؤثر يف‬

‫‪209‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫وحدة اجلماعات الدينية وإزالة العوائق اليت تواجههم‪ ،‬وهلذا أحيانا يتم تقليد قائد على قيد احلياة أو من املاضي‬
‫وأحيانا يتم اتباع عصر من العصور ومحله منوذجا على واقعنا املعاصر‪ ،‬ففي طبيعة اإلنسان حنني للعودة إىل‬
‫العصور الذهبية السابقة وأن حيياها كما كانت‪ ،‬ويكسب جمدها اليت حازت‪ ،‬كل ذلك مصدرا ملهما لالتباع‬
‫والتقليد (‪ ،)Kutlu, 2001, s. 25‬ولذلك تقوم اجلماعات الدينية بتقوية موقع القدوة يف نفوس منتسبيهم لتعزيز‬
‫اتباعهم وتقليدهم وذلك من خالل ربطهم بسلسلة املعلمني من العصر اإلسالمي األول ابتداء بالنيب  ومرورا‬
‫بالصحابة‪ ،‬بذكرهم دوما يف جمالسهم‪ ،‬وبالتأليف يف مناقبهم ومشائلهم‪ ،‬وقراءة هذه املناقب والشمائل بطريقة‬
‫قداسية‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل أن تصور احلفاظ على التقاليد الدينية من هذا النوع هو نفس الطريقة اليت من شأهنا‬
‫احلفاظ على الدين هو أمارة فهم خاطئ للدين؛ إذ أن عادة التقليد هذه تؤدي وظيفة قمعية للتقليد الديناميكي‬
‫العقالين النابع عن الكتاب والسنة‪ ،‬حيث إنه باعتماد التقليد كوسيلة حلل املشاكل أيضا فإن ذلك يعين إلغاءًا‬
‫لتوليد الفكر واالستشارات‪.‬‬
‫ومن اجلدير بالذكر أن املتدينني الذين جتمعوا ألجل أهداف مشرتكة ال بد وأن يضحوا ببعض حرياهتم الشخصية‪،‬‬
‫وغالبا ما تكون تضحياهتم هذه ألجل االمتثال للجماعة‪ ،‬فعلى سبيل املثال؛ يُطلب من منتسيب اجلماعة التزاوج‬
‫من بعضهم البعض كأولوية‪ ،‬وعند بعض اجلماعات التقليدية فإن طعامهم الذي يطعموه‪ ،‬ولباسهم الذي يلبسوه‪،‬‬
‫ومهنهم اليت يسلكوهنا كلها حمددة يف إطار اجلماعة (‪ ،)Paloutzian, 1996, s. 166‬حىت إهنم يعطون امسا جديدا‬
‫للعضو عندهم ذو معنًا يشري إىل ”اهتدائه”‪ .‬وبالنظر إىل اليزيديني اليوم الذين يعتربون حلم السمك حمرما حرمةً‬
‫لنبينا يونس عليه السالم وكذلك كل أكل اختلط بلحم السمك أيضا‪ ،‬مما يعزز هذا العمل االنفصال عن باقي‬
‫اجلماعات الدينية األخرى اليت حتل ذلك‪ ،‬ومن مناذج تكريس االنفصال ما قام به جهيمان العتييب الذي استوىل‬
‫على الكعبة عام ‪1979‬م حيث هنى مجاعته بالدراسة يف مدارس الدولة السعودية والعمل يف مؤسساهتا وذلك‬
‫ألسباب دينية (‪ ،)Büyükkara, 2005, s. 106-8‬وهذه القيود تصبح طبيعية وباقية وفقا للقدر املنتظر للجماعة‪،‬‬
‫فعلى سبيل املثال؛ الدروز على مر القرون باعتبارهم مجاعة دينية تركوا الزواج من خارج إطار جمتمهم حىت ال يتم‬
‫تغييبهم خارج اجلماعة‪ ،‬وعالوة على ذلك فإن مذهبهم الدرزي يعتمد على أن ”الدروز فقط من صلب الدروز”‪،‬‬
‫وكانوا على مر التاريخ من املذاهب اليت تعترب الزواج من خارج مذهبهم حمرما‪.‬‬
‫كما أنه أحيانا تكون هذه التضحيات مالية؛ إذ أن استمرارية اجلماعة وتطورها معتمد بشكل رئيسي على الدخل‬
‫املايل لديها‪ ،‬وهلذا فإن اجلماعات الدينية عادة ما تلزم أبناءها بقسط إجباري من حر ماهلم بدال عن الزكاة أو ضريبة‬
‫أخرى دينية مع الزكاة‪ ،‬ويكون بداية األمر خالل نشأة اجلماعة بتكوين صناديق خمصصة جلمع املساعدات املالية‬
‫اخلريية‪ ،‬وبالنظر إىل اجلماعة األمحدية فإهنم جيمعون من أعضائهم سدس دخلهم الشهري وعند موهتم خيصصون‬
‫عشر تركتهم للجماعة‪ ،‬أما البهائيني فعندهم مقدار الدفع ‪ ،%19‬وهذه املدفوعات يلبسوهنا ثوب الشريعة على مر‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫إن اجلماعات الدينية تكسب أفرادها اهلوية الدينية الطبيعة اليت ورثها الفرد عن أبويه‪ ،‬وهوية أخرى أعلى من‬
‫الطبيعية‪ ،‬وعادة ما يتم اكتساب هوية اجلماعة يف وقت الحق وبإرادة حرة خمتارة متتد ظالهلا من األدىن إىل األعلى‬
‫وتكون مبثابة احلماية والدعم ألفراد اجلماعة‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل أنه بسبب إشكالية الفهم الديين اخلاطئ لدى‬

‫‪210‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫مجاعة ما‪ ،‬فإذا مت تقدمي هوية اجلماعة على اهلوية الطبيعية لألفراد فسيصبح هذا األمر بعد فرتة زمنية أمرا ال حيتمل؛‬
‫لتسبب ذلك حبدوث صراع نفسي مع اهلوية الشخصية لألفراد (‪ .)Kalyoncu, 2006, s. 103-4, 106-7‬وخصوصا‬
‫أولئك الذين انضموا للجماعات الدينية يف عمر مبكر‪ ،‬ومل يتجرعوا كفايتهم من اجلو األسري االجتماعي للعائلة‬
‫واهلوية الوطنية والدين العمومي املشرتك يف اجملتمع‪ .‬كما أن جوهر هوية اجلماعة واليت يعرب عنها باهلوية الدعوية متهد‬
‫لواقع نفسي قد يؤدي بالفرد لالنتحار يف حالة تعرضها للهالك أو الضرر؛ ألنه بقي مبتورا من اهلويات الشخصية‬
‫األخرى غري اجلماعة وأصبحت هويته وهوية اجلماعة أمرا واحدا‪ ،‬فارتباطه املتعلق باجلماعة ال ميكن االنفصال‬
‫عنه‪ ،‬ولذلك إذا فقد هذا الشيء الذي أوقف نفسه عليه وضحى حباله ألجله فال يبقى معىن ألي شيء خالفه‪.‬‬
‫هذه الشخصية اليت مت تصويرها من املشكل أيضا برتها عن اجلماعة؛ فهكذا إنسان قد يعيش يف النهاية إحدى‬
‫حاالت التغيري املتناقضة‪ ،‬السيما أفراد اجلماعة الذين يالحظون بأهنم حيتكمون إىل قناعات وتفسريات اجلماعة‬
‫الدينية أكثر من الرجوع إىل الدين نفسه‪ ،‬فيدفع هذا احلال قسما منهم إىل التحرر من العبادات‪ ،‬وتربز لديهم‬
‫أعراض االحنطاط عن الفكر الديين الصحيح‪ ،‬فيخيم على عقوهلم أن هذه ”الدعوة هباء” مما يعكس ذلك لديهم‬
‫أن كل أساسيات الدعوة فارغة‪ .‬وقسم آخر منهم ممن يرون بأنه من الصعب احلفاظ على قيمهم الدينية من تلقاء‬
‫أنفسهم فإهنم يبدؤون جمددا بتعلم دينهم من مصادره األصلية‪ ،‬ويبدؤون حياة التدين لديهم مبنطق‪” :‬اآلن قد‬
‫أسلمنا”‪ .‬مبعىن أهنم منشغلون بتجديد ”الفهم الديين” لديهم‪.‬‬
‫ومن اجلدير بالذكر أن هناك بعدا آخر أيضا من أبعاد االنفصال عن اجلماعة‪ ،‬بعد له عالقة بالعقوبات اليت تقع‬
‫عليهم حالة االبتعاد عن اجلماعة؛ إذ أنه يف حالة خمالفة األعضاء ألنواع السلوك والتفكري داخل اجلماعة فإهنم‬
‫يدخلون ضمن إطار التتبع والرقابة لدى اجلماعة‪ ،‬وبالتايل إذا ما حلت املشاكل واملضايقات على رأس أحد أفراد‬
‫اجلماعة واليت ممكن أن حتل على اجلميع يف إطار اجلماعة فإهنم يتعاملون معه من منطلق نفسي على أهنا ”صفعة‬
‫رمحة روحية” ملا أحدثته نفسه من ”عدم الطاعة” و”العصيان”‪ ،‬وعليه فال بد من تعديل وتنظيم نفسه‪ .‬ومن‬
‫يتجاهل ذلك فقد وصل إىل نقطة القطيعة‪ ،‬وعند ذلك يتهم هذا الفرد بتهم تصل إىل أصل دينه وينفى خارج‬
‫اجلماعة‪ ،‬ولذلك فإن الذين دخلوا اجلماعة ألجل رضاء اهلل والسعادة يف الدارين إذا مل يكونوا مطمئنني ومسرورين‬
‫الحنالهلم وجتردهم من اجلماعة‪ ،‬وبقوا يف وجه التهم امللقاة عليهم كاخليانة واالحلاد والردة فإهنم سيكونون معرضني‬
‫للتهلكة‪ ،‬السيما إذا كانت اجلماعات املنتمني إليها استبدادية (‪.)Kalyoncu, 2006, s. 100-1‬‬

‫املشاكل اليت ممكن أن تصدر عن قيادة اجلماعة‬


‫القيادة تعترب النوع األكثر إشكالية يف اجلماعات الدينية‪ ،‬واليت يعرب عنها يف املفاهيم الغربية مبصطلح ”العبادة”‬
‫‪ ،cult‬ومتتاز شخصيتهم بأفكار وممارسات أكثر تطرفا‪ ،‬كما أن لديهم صفات اجتماعية ونفسية مشرتكة إىل حد‬
‫ما‪ .‬وفيما يلي بيان للسمات اليت تتمتع هبا قيادة ”اجلماعات الدينية املتشددة”‪ ،‬على النحو التايل‪:‬‬
‫أ‪ .‬يؤمنون بأهنم أصحاب قواعد ونصوص مقدسة تعكس احلقائق التامة‪.‬‬
‫ب‪ .‬يعرضون معتقداهتم يف إطار ”غامض‪/‬سحري”‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫ت‪ .‬لديهم موقف متشائم‪.‬‬


‫ث‪ .‬يعتقدون شيئني متناقضني يف نفس الوقت؛ فهم يعتقدون بأهنم ضحايا للشرور من جهة‪ ،‬ويف نفس الوقت‬
‫يعتقدون بأهنم الطرف الوحيد الذي ميكنه التخلص من هذه الشرور‪.‬‬
‫ج‪ .‬يصنعون احلواجز النفسية واملادية بني مجاعاهتم والعامل اخلارجي‪.‬‬
‫ح‪ .‬يرون بأن حمور اخلطر والتهلكة يكمن خارج إطار مجاعاهتم‪.‬‬
‫خ‪ .‬يربزون معايري خمتلفة من ناحية اجلنس والرعاية جتاه العائلة‪ ،‬واألطفال‪ ،‬والنوع‪ ،‬وحىت النساء اللوايت يف‬
‫الغالب ميتهنوهن‪.‬‬
‫كما أن واحدة من املميزات اليت يتمتع هبا قائد اجلماعة هو قبوهلم بأنه ”املفسر الوحيد للنص اإلهلي”‪،‬‬
‫وعليه فإنه أيضا ميتلك السلطة املطلقة‪ ،‬وهو مرجع القرار النهائي‪ ،‬وتعليماته ملزمة ألعضاء اجلماعة‬
‫(‪.)Paloutzian, 1996, s. 166‬‬
‫وبال شك فإن القائد أحد العناصر املهمة يف حتديد صفات ومميزات واستمرارية أي مجاعة دينية سواء كانت تقليدية‬
‫أو غري ذلك‪ ،‬ونود أن نشري هنا أنه برز من بني املسلمني قيادة حافظت على استقامتهم واستقامة اجلماعة‪ ،‬يأمرون‬
‫باملعروف‪ ،‬وينهون عن املنكر‪ ،‬وقرارهم شورى بينهم‪ ،‬وينصحون باحملبة والرمحة ملن هم دوهنم دون تكرب أو غرور‪،‬‬
‫وحريصون كل احلرص أال خيرجوا عن صراط النيب  والنماذج الصحيحة الثابتة‪ .‬لكننا هنا سنقف على مسات‬
‫القادة الذين رمسوا منوذجا سلبيا‪ ،‬وكانوا حاجزا أمام الفهم الصحيح للدين الذي ميثلونه‪.‬‬
‫يف البداية؛ ال بد أن نعلم أن صورة القائد الذي يتمتع بأفضل فكر‪ ،‬وأصح تفسري للوحي‪ ،‬وأمجل متثيل للدين‪،‬‬
‫وأكمل اتباعا له‪ ،‬املتسبب باخلري كله‪ ،‬واملعصوم من اخلطأ‪ ،‬واحلكيم يف كل أفعاله‪ ،‬وتدور يف فلكه العيون‪ ،‬ومتتد‬
‫إليه األيادي‪ ،‬وال يُتحمل غيابه‪ ،‬هذه الصورة ال تنسجم بأي شكل من األشكال مع أصل اإلسالم ومبادئه‪،‬‬
‫وذلك كما عند الشيعة الذين يصورون القائد بطبيعة إهلية كما يف الديانات الشرقية القدمية‪ ،‬معتقدين هبذه القيادة‬
‫(اإلمامة) اخلواص اإلشكالية اليت سردناها‪ ،‬وهذا االعتقاد يؤدي الختالف وانقسام حقيقي بني املسلمني‪ ،‬ولذلك‬
‫جاءت خمتلف املدارس واملذاهب من أهل السنة واملعتزلة وساقت آالف اجمللدات الداحضة هلذا االعتقاد بالطرق‬
‫النقلية والعقلية‪ ،‬ورغم كل هذه اجلهود إال أننا نواجه مشاكل حقيقية متعلقة بعقيدة اإلمامية هذه عند اجلماعات‬
‫أيضا‪.‬‬
‫الدينية حىت من غري الشيعة ً‬
‫وقبل كل شيء؛ فإن فرضية أن يكون علم اإلمام كله وهيب (متحصل باإلهلمام) خيلق بابا من اإلشكاليات‬
‫املهمة‪ ،‬فهناك الكثري من املذاهب واجلماعات والطرق اإلسالمية اليت اعتمدت تفسريا باطنيا للنصوص‬
‫املنقولة منساقة بذلك مع هكذا افرتاض‪ ،‬وألن هذه املعلومة تعترب مقدسة فإن الطالب املنتخبني لتلقيها‬
‫من اإلمام أو القائد خصوصا لو كانت شفهية ال بد وأن يكونوا يف مظهر معني‪ ،‬وهكذا حىت أثناء نقل‬
‫املعلومة باستمرار جيب أن تنقل ضمن قالب من القداسة هلا‪ ،‬مع االعتقاد بأنه حىت النظر يف اإلمام يولد‬
‫ونورا (‪ .)Mensching, 1994, s. 169‬كما أن املالزم اليت يكتبها اإلمام بنفسه أو طالبه املختارين تعترب‬
‫علما ً‬
‫دفعا لشبهة تأثرها‬
‫هي أيضا مقدسة‪ ،‬ولذلك تنشر هذه املعلومات فقط باحلروف اليت كتبت فيها أول مرة ً‬
‫من الرتمجة والتوضيح‪ ،‬وبطبيعة احلال فإن هذه املالزم يُنظر هلا يف إطار التعليم الداخلي للجماعة بأهنا من‬
‫املراجع األصلية األعلى قيمة‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫وهكذا مبجرد أن ميوت اإلمام فإن ”سنة اإلمام” تبقى مهيمنة على اجلماعة‪ ،‬فتستعرض سلوكياته يف األكل‪،‬‬
‫والشرب‪ ،‬واملشي‪ ،‬والقعود‪ ،‬واللباس‪ ،‬وهتذب هذه األمور يف مؤلفات على شكل مناقب اإلمام وتقرأ يف اجملالس‪،‬‬
‫وقد نشأت على أثر اإلمام األكرب مجاعة سلفية‪/‬إخبارية تفهم حرفيا كل أقواله‪ ،‬وتطبق حرفيا كل أعماله‪ ،‬بالضبط‬
‫كما فُعل مع سنة وأحاديث النيب ‪ ،‬ومن جهة أخرى ظهرت مجاعة األصوليني الذين ال يفكرون هبذه الطريقة‪،‬‬
‫وإمنا يتعاملون مع أقوال وأفعال اإلمام وفقا ملبادئ عامة‪ .‬وهلذا فإن أحد أهم عوامل االنقسام اليت حتياها اجلماعات‬
‫الدينية النظرة املختلفة للقيادة‪.‬‬
‫وبالنظر إىل رؤيا اإلمام فهي أيضا على نفس الشاكلة ذات قيمة كربى‪ ،‬وكذلك قراراته املهمة تتشكل وفقا‬
‫الستخارته‪ ،‬وأحيانا تعمل القيادة على تقوية مكانتها من خالل بعض الطقوس الدينية اليت يفعلوهنا‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫املثال؛ ملا اختري مال عمر مؤسس حركة طالبان أمريا للمؤمنني جيء جببة قيل بأهنا تعود للنيب ‪ ،‬وكانت داخل‬
‫صندوق مل يفتح إال مرتني منذ أن أُحضرت إىل أفغانستان قبل ‪ 250‬عاما‪ ،‬فلبسها أمام قرابة ألف عامل ديين‪،‬‬
‫وأغمي على الكثري ممن حضروا هذه املراسم وشهدوا هذا احلدث آنذاك (‪.)Volkan, 2005, s. 94-6‬‬
‫إن تشخيص القيادات الدينية الغري صحية أمر ليس بالصعب؛ إذ أن مرض حب الذات لديهم ظاهر للعيان‪،‬‬
‫وطريقة املشي‪ ،‬والكالم‪ ،‬وإلقاء السالم بطريقة منسجمة مع حب الذات‪ ،‬كما أن ”االهتمام بإعجاب‬
‫اآلخرين” منعكسة على كل حركاهتم املتوقعة‪ ،‬وينظرون لكل شيء حوهلم كأنه ملك هلم‪ ،‬وميلكون عواطف‬
‫مفرطة‪ ،‬ويبحثون بكل طمع عن طرق الغىن املادي‪ ،‬ويتزوجون من نساء مجاعتهم‪ ،‬فهذه األعراض اجلنونية‬
‫والنرجسية إذا كانت مصاحبة هلا جنون العظمة مع اهلذيان فإن حالة املرض تكون قد تفاقمت بشكل خطري‬
‫(‪ .)Kalyoncu, 2006, s. 25, 29, 33‬وعند النظر إىل سرية مريزا غالم أمحد مؤسس الطائفة األمحدية فإن قسما‬
‫كبريا من هذه الصفات تنطبق عليه (‪ .)Fığlalı, 1986, s. 61‬وأيضا اخلليفة الفاطمي احلاكم بأمر اهلل والذي‬
‫تؤهله الدرزية مل يكن حبالة عقلية جيدة‪ ،‬وقد جنح مساعده محزة بن علي بشكل متقن بنقل كالمه وسلوكياته‬
‫الغري متزنة إىل منتسيب اجلماعات على أهنا مظهر من توجهه اإلهلي أو عالقته اإلهلية‪.‬‬
‫ويعترب القائد ذو املواصفات الشخصية احملدودة إذا كان ميلك هذه الصفات ميكن له أن يصبح قائدا يف حالة‬
‫التقائه جبماعة حتتاج ملثله‪ ،‬وبعبارة أخرى فإن هناك عالقة بني خصائص اجملموعة وسلوك القائد الناجح‪ .‬ولذلك‬
‫فإن القيادات ذات اإلشكالية من حيث فهم الدين ومتثيله ميكنها الظهور بني اجلماهري الذين يتمتعون بنفس القدر‬
‫من اإلشكاليات‪ ،‬وهبذا االنسجام لن تكون مشاكل القيادة أكثر هتديدا (‪Kalyoncu, 2006, s. 37-41; Göka,‬‬
‫‪ .)2006, s. 146‬وهذا يف الواقع تسلط مرضي‪ ،‬وقد عمل اإلسالم على إزالة هذا التسلط املرضي مع بداية دعوة‬
‫ض ُع َعْن ُـه ْم إِ ْ‬
‫صَرُه ْم‬ ‫التوحيد‪ ،‬وبني أن وظيفة النيب  هي حترير الناس من القيود اليت عليهم‪ ،‬كما أخرب تعاىل‪َ ” :‬ويَ َ‬
‫ت َعلَْي ِه ْم” {األعراف‪ ،}157:‬فبذل كل اجلهد لتخليص الناس من هذه السيطرة املرضية‪ ،‬وأدان‬ ‫َو ْالَ ْغ َل َل الَِّت َكانَ ْ‬
‫تقديس أولئك الذين يستعبدون الناس‪ ،‬ويتوقعون العون واملدد والرزق منهم‪ ،‬وأبطل ادعاء وساطاهتم بينهم وبينه‪،‬‬
‫ان” {البقرة‪ ،}186 :‬ولذلك فإن قيادة‬ ‫َّاع إِ َذا دع ِ‬ ‫قال تعاىل‪” :‬وإِ َذا سأَلَك ِعب ِادي ع ِّن فَِإ ِّن قَ ِر ِ‬
‫يب َد ْع َوةَ الد ِ َ َ‬
‫يب أُج ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫اجلماعات اليت يعتقد منتسبيها مبفهوم ”املريد يطري والشيخ ال يطري”‪ ،‬قبل احنرافهم اخلطري والوصول لتأليهم يكمن‬
‫عالجهم يف القرآن الكرمي‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫وتسود حالة من الصدمة الشديدة لدى اجلماعات الدينية عموما بوفاة قائدها؛ فإذا كانت هذه اجلماعات الدينية‬
‫صحية فإهنا تتخطى هذه الصدمات دون التعرض للتهلكة‪ ،‬كما حصل بعد وفاة النيب  من تأثري الصدمة على‬
‫سيدنا عمر اهلل عنه وغريه من الصحابة‪ ،‬لكنهم ختطوا هذه الفاجعة دون احنراف ديين‪ ،‬لكن عندما انقضت السنني‬
‫وتنوعت الثقافات وفقد الفكر نقاءه زاد خطر االحنراف‪ ،‬ولذلك يف عام ‪ 40/660‬عندما تويف سيدنا علي اهلل عنه‬
‫بدت عالمات عدم قبول هذا املوت لدى بعض اجلماعات اإلسالمية (‪ ،)Şehristânî, 1998, s. 204-5‬هذا التصرف‬
‫العجيب من تأثري الثقافات والديانات األخرى بال شك‪ ،‬ورغم ذلك رأينا األثر النفسي املرتتب على ”عدم حتمل‬
‫غياب القائد الكبري”‪ ،‬مث برزت حركات االعتزال واالضطرابات بعد وفاة القائد‪ ،‬وظهرت عوائق جديدة أمام فهم‬
‫الدين الصحيح ومتثيله مع التسبب مبزيد من الشقاق واالنقسامات يف الصفوف‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫ما هو تفسريكم للمواقف املتعلقة بعدم تقبل وفاة النيب ‬


‫ووفاة سيدنا علي رضي اهلل عنه من بعدهم؟‬

‫املخاطر املرتتبة على التعليم املغلق داخل اجلماعة‬


‫إن الفهم الديين الذي تراه اجلماعات الدينية ينتقل مباشرة إىل منتسبيها بطريق العلم والتعلم‪ ،‬ويتغري جودة التعليم‬
‫الداخلي حسب املواقع االجتماعية للجماعات وأحواهلا النفسية‪ ،‬وسوف نتطرق هنا إىل اجلماعات الدينية‬
‫عموما ما تسعى لتثقيف أبنائها بطريق أحادي اجلانب عرب مناهج‬ ‫املتشددة واملتطرفة؛ إذ أن هذه اجلماعات ً‬
‫جمتمع أفراده‪” :‬لغة حديثهم واحدة‪ ،‬نظرهتم ضيقة‪ ،‬إدراكهم‬ ‫متنوعة منقحة اجتماعيا ونفسيا‪ ،‬مما ينتج عن ذلك ٌ‬
‫حمدود”‪ ،‬وبالتايل يصعب تصحيح الفهم الديين اخلاطئ لديهم‪ ،‬ومع ذلك فإن هذه املناهج اليت تسري عليها تلك‬
‫اجلماعات قد تصلح أحيانا جلماعات ذات فهم معقول ومعتدل وأكثر حتررا؛ ألن يف فكر كل مجاعة ”أولويات‬
‫ال ميكن االستغناء عنها”‪ ،‬فبعضهم تنصرف أولوياهتم يف البدع‪ ،‬وبعضهم يف األمور الال أخالقية‪ ،‬وبعضهم يف‬
‫املواقف السلبية السياسية‪ ،‬وبالنظر إىل األخطار احملدقة هبم ترى بعض اجلماعات يف املاسونية أو الشيوعية أو‬
‫الداروينية أهنم اخلطر األكرب الذي ال بد من مواجهته دوما‪ ،‬وجتد مجاعة تقف على عالمات يوم القيامة فال‬
‫تغادرها‪ ،‬وأخرى تنشغل بالكرامات‪ ،‬والرؤى‪ ،‬وعامل اجلن واألرواح‪ .‬أما اجلماعات السلفية فأوىل أولوياهتا تثبيت‬
‫العقيدة لدى اجلمهور‪ ،‬ولذلك ما تردد على مسامعهم سؤال‪” :‬أين اهلل؟”‪ ،‬وهكذا من األمثلة اليت ال حصر هلا‪،‬‬
‫فاألولويات تعرب يف األصل عن هوية اجلماعات وترسم معاملها من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى حتدد طبيعة ”الطرف‬
‫اآلخر” كأن يكونوا‪( :‬مبتدعة‪ ،‬علمانيني‪ ،‬شرعيني‪ ،‬قوميني‪ ،‬أمميني‪ ،‬فالسفة‪ ،‬متصوفة‪ ،‬أعداء الصوفية‪ ،‬إسالميني‪،‬‬
‫أعداء السنة‪ ،‬مذهبيني‪ ،‬وغريهم)‪ .‬وهلذا فإن أجبديات التعليم لدى معظم اجلماعات ال تعتمد أولوياهتا وفقا للدين‬
‫(القرآن)‪ ،‬وإمنا تعتمد على أولويات اجلماعة‪.‬‬
‫‪214‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫وبالنسبة للجماعات فإهنا يف األصل تقوم مبوائمة التقنيات العلمية الفردية أو اجلماعية لديها مع األسس العقلية؛‬
‫وذلك للحد من نقاط اخلالف بني أتباعهم‪ ،‬وعالوة على ذلك فإن بعض اجلماعات الدينية حتاول تطبيق طرق‬
‫أكثر تطورا وخصوصية تسمى بـ”اإلقناع اجلذاب”‪ ،‬مثل اخلطابات النارية اليت تعترب إحدى هذه الطرق‪ .‬ويف‬
‫الربوباغندا الناجحة ال بد من تكرار أمور معينة بشكل منتظم مع ضرورة الرتكيز على الرسائل العاطفية‪ ،‬وأيضا يلزم‬
‫إجياد صلة بني ما يُتحدث به وجتارب شخصية عند املخاطبني‪ ،‬كما جيب أن يقتنع الفرد بأن هناك جوابا واحدا‬
‫لكل شيء‪ ،‬وأن هذا اجلواب هو الفرصة الوحيدة للنجاة‪ .‬وبالنظر إىل وسائل اإلقناع مثل احللقات الدينية‪ ،‬وجمالس‬
‫الذكر‪ ،‬واملدائح النبوية‪ ،‬ال بد من تقويتها إىل حد كبري (‪ .)Holm, 2002, s. 284‬وعند الوقوف على أصول هذه‬
‫الشعائر املؤطرة دينيا لدى معظم املذاهب واحلركات الدينية ميكن بكل وضوح رؤية آثار بروبوغاندا اجلماعة اهلادفة‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن منتسيب هذه اجلماعات الدينية الذين يتشربون باملعرفة هذه الطرق ومعايري وقيم اجلماعة‬
‫يتشكل لديهم يف جهازهم العصيب قاعدة من التجارب اجلديدة‪ ،‬وبداخل هذه القاعدة إشارات صغرية معينة تصل‬
‫هبم إىل جتارب كبرية وحقيقية‪ .‬ولذلك تلحظ أن منتسبيهم عادة ما يستحضرون ذاكرهتم اليت تنشط خالل مساعهم‬
‫املواعظ‪ ،‬والطقوس واملدائح الدينية‪ ،‬فعلى سبيل املثال؛ عند مساع خطيب اجلماعة يتبادر للذهن عصور السلف‬
‫فيدخل الفرد يف بوتقة مشاعر كبرية‪ ،‬وهلذا السبب جتد مواضيع الوعظ والتبليغ عند اجلماعات الدينية مكررة ودائما‬
‫ما يرددوهنا (‪ .)Holm, 2002, s. 285‬وقد شاهدنا هذه احلالة حني كنا نستمع لقائد مجاعة ما أو إلحدى وعاظهم‬
‫كانت املشاعر جياشة والعيون تفيض بالدمع؛ رغم أن طبيعة املواضيع اليت كانت تطرح ليست ذات طبيعة هتيج‬
‫املشاعر اإلنسانية‪ ،‬حىت أننا اهتمنا أنفسنا قائلني ”هل نقص فينا‪ ،‬أم قلوبنا غلف؛ فال نعيش هذا اإلحساس؟!”‪.‬‬
‫لكن ألن عقلنا الالواعي مل يتعرض من قبل للتعبئة فإنه من الطبيعي جدا أال يصدر عنا ردة فعل كما حدث مع‬
‫منتسيب اجلماعة‪.‬‬
‫وميكن للقيادات الدينية املمثلني للجماعة ممن هم على شاكلة ”املعلمني بتقنية الشرح والعرض” كما وصفهم‬
‫الطبيب النفسي فاميك فولكان (‪ )Vâmık Volkan‬أن يستخدموا تقنية الشرح بالعرض‪ ،‬وبالتايل يعتمدوا عليها‬
‫إليصال املعلومات يف نطاق واسع من أتباعهم‪ .‬وكذلك الطريقة اليت تعتمد على ”اإلقناع اجلذاب” حترم األعضاء‬
‫من ”العملية التعليمية البطيئة يف إطار كسب املفاهيم واملهارات وفهمها” واليت تتأتى بالطرق التعليمية العادية‪،‬‬
‫وعوضا عن ذلك يظهر األفراد ميوهلم جتاه تشكيل هويتهم اجلماعية املشرتكة من خالل توجيهات القائد‪ ،‬بعد‬
‫تشكيلهم سريعا للهوية الشخصية مع القائد‪/‬املعلم‪ ،‬ويف النهاية جيتمعون يف حميط القائد الذي علمهم ذلك‪.‬‬
‫وبالنظر إىل هذه الطريقة جند أن األيقونات هي اليت تربز وفقا لتصميم القائد مع توفريه رابطا جديدا بني أعضاء‬
‫اجلماعة (‪. )Volkan, 2005, s. 328-9, 333-6‬‬
‫ويف تاريخ املذاهب اإلسالمية ميكننا الوقوف على منوذجني من هذا املنهج؛ أوهلما اإلمام احلسن الثاين من أئمة‬
‫الطائفة النزارية اإلمساعيلية يف أملوت (قلعة أملوت بإيران) والذي أعلن يف إحدى جتمعاهتم بتاريخ ‪ 8‬أغسطس ‪1164‬‬
‫عن يوم القيامة الكربى‪ ،‬وبالتايل فإن احلقائق الدينية الغيبية كيوم القيامة موقوف العلم هبا على تعليمات اإلمام‪،‬‬
‫كما أن تطبيق الشريعة الظاهرة مرفوعة عن اجلماعة النزارية اليت ضمنت اجلنة يف الدنيا‪ ،‬وقد أعلن احلسن الثاين‬
‫هذا األمر يف خطبته من أعلى شرفة يف أملوت أمام أتباعه من كافة أحناء إيران‪ ،‬وصلى يف ذلك اليوم املوافق ‪17‬‬

‫‪215‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫رمضان ركعيت العيد‪ ،‬مث التف على سفرة طعام قد جهزت له وأفطر مع أتباعه يف وسط النهار معلنا بذلك انتهاء‬
‫الصوم (‪ .)Daftary, 1990, s. 386-7‬هذا العرض التارخيي‪ ،‬وهذا احلدث الذي ال يُنسى جعل يف أذهان النزاريني بأن‬
‫املعامالت والعبادات اإلسالمية قد أبطلت‪ .‬أما احلدث اآلخر فهو االجتماع التارخيي للبهائيني املعروف باجتماع‬
‫بدشت (‪ )Bedeşt‬عام ‪ ،1848‬ففي ذلك االجتماع الذي انضم إليه مستويات رفيعة من اجلماعة البابية وقفت‬
‫جناب الطاهرة إحدى أعيان الطائفة ورفعت احلجاب عن رأسها وتلت آيات من القرآن وأحاديث‪ ،‬معلنة بذلك‬
‫جديدا بدل الشريعة‪ ،‬وكان هذا احلدث للبابيني ومن بعدهم البهائيني إيذانا منهم باالنفصال عن اإلسالم‪.‬‬
‫نظاما ً‬
‫ً‬
‫ومعلوم لدى اجلميع كيف أن بعض اجلماعات الدينية يف املاضي واحلاضر يقومون بعملية غسل الدماغ ملنتسيب‬
‫اجلماعة أو املرشحني لالنضمام هلا إلبقائهم تبع هلم؛ إذ أهنم يعرضوهنم لضغط مفرط من الربوبوغاندا املركزة‬
‫واحلماسة العاطفية فتفسد هبذه احلالة الوظائف الطبيعية للدماغ أو تبقى بال تأثري‪ ،‬وهكذا يفقد العقل القدرة على‬
‫مقاومة املدخالت اجلديدة ويكون يف حالة التسليم التام (‪ .)Paloutzian, 1996, s. 168‬وجتدر اإلشارة إىل أن هذه‬
‫املمارسات الصادرة عن اجلماعات قد تكون بوعي أو بال وعي‪ ،‬وقد تكون حبسن نية أو بسوء نية‪ ،‬لكنها يف‬
‫النهاية تكتيك تعليمي متجرد من املنهج القرآين الذي يدعو الناس بالتفكر والتدبر والتذكر والتعقل إلميان وحياة‬
‫دينية‪ ،‬وبالتايل يصبح متثيلهم وفهمهم للدين خرابا مدمرا وليس عمارا‪.‬‬
‫ووفقا خلصائص اجلماعات املتشددة كما صنفها الربوفيسور بالوتزيان فإن مدارها يدور حول التحكم باملعلومات‪،‬‬
‫وهذه املعلومات املتمثلة بعقيدة اجلماعة تنتقل تدرجييا ملنتسيب اجلماعة أو املرشحني لالنضمام هلا فقط عندما حيني‬
‫وقتها (‪ ،)Paloutzian, 1996, s. 167‬ويف هذا السياق نتذكر حقيقة نظام التعليم املذهيب املغلق واسرتاتيجية الدعوة‬
‫عند اإلمساعيلية اليت اختذت من هذا الشكل منهجا (‪ .)Büyükkara, 1998, s. 35-49‬وأكثر ما جند هذا النظام لدى‬
‫اجلماعات السرية كمنهج عندهم ينطوي على أساس ديين وهو ”إخفاء” بعض األفكار واألفعال اجلماعية‪ .‬وهلذا‬
‫السبب اختذت بعض املذاهب أسلوب ”التقية” على أنه من الدين‪ ،‬وجعلت إفشاء السر يستلزم العقوبة‪ ،‬وعادة‬
‫ما يواجه مفشوا األسرار عقوبة الطرد (التربي‪ ،‬املقاطعة) وحىت املوت‪.‬‬

‫ملواجهة تفشي كتب املذهب املعروفة باخلزينة املكنونة لدى طائفة البهرة الداودية اليت يف اهلند وحىت‬
‫لو كانت أسباب نشرها أكادمييا فقد استخدم زعيم الطائفة املالجي طريقة اإلقصاء للمفشي وقام‬
‫حبفظ املالزم مكتوبة مقيدا استخدامها (يُنظر‪ :‬محداين‪ .)2001 ،‬وكذلك سليمان العدين الذي ترك‬
‫النصريية واتبع النصرانية ألف كتابا مساه‪ :‬الباكورات السليمانية يف كشف أسرار الديانة النصريية‬
‫(بريوت ‪ ،)1863‬نشر من خالله الكتاب املقدس السري لديهم‪ ،‬وكشف أسرارهم اليت كانت سرية‬
‫لغاية اآلن من حيث شكل العبادات والطقوس الدينية عندهم‪ ،‬وعلى إثر ذلك مت قتله يف طرسوس‪،‬‬
‫وحيتمل أن من قتله أتباع الطوائف القدمية‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫وهناك شكل آخر من التدابري املتخذة يف إطار التحكم باملعلومات‪ ،‬حيث تقوم اجلماعات بقطع صلة األفراد‬
‫بأي مصادر أخرى حتتوي على معلومات خمتلفة‪ ،‬وتقييد إدخال املطبوعات واملنشورات املختلفة داخل اجلماعة‪،‬‬
‫وهذا التحكم هبذا الشكل هو املنهج األكثر شيوعا بني اجلماعات‪ ،‬حىت أن بعض اجلماعات حترم أفرادها من‬
‫أي فرصة تعليمية خمتلفة خارج إطار اجلماعة وتقوم بتوجيههم للتعلم والتعليم الداخلي فقط‪ ،‬ومن ذلك ما فعله‬
‫السلفي جهيمان العتييب (ت‪ )1980.‬والذي ترك هو ومجاعته املدارس والكليات الرمسية‪ ،‬وكان يقول‪” :‬عندما يطرق‬
‫الواحد منا باب أخيه يف منتصف الليل فيسأله عن حديث أو آية أو كتاب‪ ،‬فإن اهلل يكرمنا بذلك العلم النافع”‬
‫(‪.)el-‘Uteybî, s. 269‬‬

‫املخاطر احملتملة من احندار اجلماعة‬


‫هناك مصطلح يعود للمحلل النفسي فرويد يطلق عليه (االحندار)‪ ،‬ويقصد به الرجعية اليت تعرتي سلوك الفرد‬
‫يف حالة القلق والتوتر‪ ،‬فيندفع بتصرفات طفولية تعبريا عن احلالة النفسية الداخلية للفرد‪ .‬وكذلك اجلماعات‬
‫كاألفراد‪ ،‬إذا ما تعرضت الضطرابات ومصائب مع كوارث وطنية ودينية وعرقية وأيدلوجية فإهنا تكون عرضة‬
‫للرجعية (‪ ،)Volkan, 2005, s. 79-81‬أما هوفر فيعترب أن أي أمة تشعر بأهنا وقعت حتت حتديد ما فإهنا تصبح‬
‫حركة مجاهريية‪ ،‬ووفقا إليه فإن هذه احلالة أيضا تنطبق على اجلماعات الدينية (‪ ،)Hoffer, 2005, s. 98‬ولذلك فإن‬
‫أي هتديد تتعرض له مجاعة دينية خصوصا أو حلفاؤها من نفس اهلوية الدينية فإن هذه اجلماعة ينبعث منها قلقا‬
‫حقيقيا‪ ،‬وميكننا الكشف عن أعراض هذا القلق يف بيئتنا احمليطة أو عرب التاريخ أيضا‪.‬‬
‫وحسب ما يراه فولكان فإن اجلماعات اليت تعيش حالة الرجعية تفقد خاصية الفردية فيها وجيتمعون على َع ًمى‬
‫حول زعيم هلم‪ ،‬كما أن أتباع الزعيم يتمايزون فيما بينهم ”جيدون وسيئون” حسب شدة والئهم للزعيم‪ ،‬وتعيش‬
‫اجلماعة حالة انقسام بينهم وبني من يروهنم أعداء هلم على قاعدة ”حنن وهم”‪ ،‬ويتعمق هذا االنقسام حالة وجوده‬
‫من قبل‪ ،‬وتدخل اجلماعة يف حالة االستبداد‪ ،‬وبالتايل ينتاب اجلماعة شعور أحقيتها ومشروعية فعل أي شيء‬
‫حلماية واستمرارية هويتها املشرتكة (‪.)Volkan, 2005, s. 86-7‬‬
‫انتصارا للحق‪ ،‬وعموما فإن‬
‫ً‬ ‫وحمتمل أن تتجه اجلماعة الدينية للعدوانية والشدة وبث الرعب ويكون ذلك يف نظرها‬
‫جرمية هذا النوع من التوجه ال يلقى بتمامه على عاتق القيادات احملرتزة على القوة يف اجلماعة‪ .‬ومن ناحية أخرى‬
‫فإن األفراد الذين فقدوا استقالليتهم الشخصية بانطوائهم داخل جسم مجهور اجلماعة فإهنم ينعمون من جديد‬
‫بنوع من احلرية‪ ،‬هذه احلرية اليت تتمثل يف الكره‪ ،‬والكذب‪ ،‬والتعذيب‪ ،‬والقتل‪ ،‬دون شعور الفرد بعذاب الضمري؛‬
‫إذ أن مشاعر الكره والقسوة املنبعثة من األنانية أخف من مشاعر الكره والقسوة املنبعثة من تسليم الذات للغري‬
‫(‪ .)Hoffer, 2005, s. 156-7‬ولذلك يرى فولكان الذي حلل العوامل النفسية لالنتحار بأن املنتحرين ليسوا مرضى‬
‫نفسيني وإمنا على عكس ذلك يعيشون حالة عليا من احرتام الذات‪ ،‬فإذا ما نظرنا إىل أفراد اجلماعة جند أهنم‬
‫استبدلوا ذواهتم هبوية اجلماعة الدينية املنفطرة بالقهر واجلراح بدال من هوية اجملتمع (‪.)Volkan, 2005, s. 237-9‬‬
‫وبالفعل فإن شعور التضحية بالنفس ألجل اآلخرين هو نوع من احرتام الذات‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن توجه اجلماعة للشدة والعنف متعلق بتعرضها للضغوطات‪ ،‬ووفقا لبالوتزيان فإن‬
‫”الضغط االجتماعي” أحد الدوافع املتعددة لزيادة احتمالية إضرار الفرد باآلخرين‪ ،‬وميكن توضيح هذا‬
‫الدافع النفسي املنطلق من شعور‪” :‬أنا أستطيع حتطيم أنف اآلخرين؛ ألن مجيع من معي حطموا أنوف‬
‫اآلخرين” (‪ .)Paloutzian, 1996, s. 219.‬هذا الضغط االجتماعي حىت يكون فاعالً فإنه حيتاج لبعض‬
‫املعايري املؤثرة‪ ،‬فعلى سبيل املثال؛ ما تقوم به اجلماعة من تكوين مشاعر االنتقام املشروع لدى أفرادها‬
‫من خالل هتويل العنف الذي يواجهونه‪.‬‬
‫وعادة ما يتم حشد الوسائل الدينية خللق هكذا معايري؛ وبالتايل فإن بعض مفيت اجلماعات يستندون يف فتاواهم‬
‫على مراجع فقهية إسالمية تشرعن بسعة الطريق أمام منتسبيهم للجوء للعنف والشدة‪ ،‬فعلى سبيل املثال؛ أجاز‬
‫الشيخ محود بن عقال الشعييب (ت‪ )2002 .‬أحد مفيت القاعدة استعمال أسلحة التدمري الشامل على اجملتمعات‬
‫املختلطة باألبرياء واجملرمني استنادا ملا فعله النيب  من اختاذ املنجنيق يف حربه على الطائف‪ .‬وأيضا استئناسه‬
‫بفتوى سابقة حول (مسألة الترتس) مفادها جواز مواصلة اجملاهدين للحرب يف حالة اختاذ الكفار رهائن حية‬
‫من املسلمني؛ وبالتايل مشروعية القتل حىت لو وقع ضحاياه من املسلمني (‪.)Büyükkara, 2004, s. 219-220‬‬
‫وبطبيعة احلال فإن إشكالية الفهم اخلاطئ هذه ناجتة عن عدم االطالع الكلي على املراجع األصلية الدينية‪،‬‬
‫جمزأ‪.‬‬
‫واللجوء لفهم فقهي َّ‬
‫يالحظ أن أفرادها بدؤوا االستخفاف مبا كانوا يعيشونه من‬
‫وبالرجوع جمددا إىل أعراض الرجعية لدي اجلماعات‪َ ،‬‬
‫توقعات غري عادية‪ ،‬ومعتقدات خارقة‪ ،‬وأساطري داخل اجلماعة‪ ،‬ومن هذه األعراض انتظار املؤمنني للمنقذ الومهي‬
‫الذي سيجلب النصر هلم‪ ،‬واملدعوم ربانيا‪ ،‬واملكلف بوظيفة قدسية‪ .‬وحقيقةً عند تعقب التاريخ اإلسالمي فإن‬
‫دعوى ”املهدي املنتظر” يتم استغالهلا جيدا من قبل اجلماعات السيما يف فرتات اضطراب اجملتمعات حيث حتقق‬
‫انتشارا واسعا يف تلك اجملتمعات وعقيدة تطوف هبا اجلماعات (‪ .)Coşkun, 2004, s. 216-7‬وأصبح املهدي كأنه‬
‫صوتا ومتحدثا للمجتمعات املضطربة‪ ،‬وبالتايل البد للقائد السليم أن يتدخل عاجال مبجرد استشعاره هذا النوع‬
‫من الفكر السقيم‪ ،‬وكان سيدنا عمر اهلل عنه قدوة حسنة يف ذلك عندما استشعر بداية حتول القائد املظفر خالد‬
‫بن الوليد إىل أسطورة خيالية على األلسنة قام بعزله من القيادة‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى؛ فإن بعض اجلماعات الرجعية تعيش حالة من الريادة على العوامل املشرتكة‪ ،‬وتبدأ بالرتكيز‬
‫على االختالفات الصغرية بينها وبني اجلماعات املعادية هلا (‪ .)Volkan, 2005, s. 103-5‬وبالتايل جتدهم منشغلني‬
‫بالتفاصيل والتفرعات اخلالفية رغم أن الفروق الكربى قائمة‪ ،‬وهذا األمر كما وضحناه سابقا يعترب من سيم‬
‫”احلدود النهائية” للجماعات‪ .‬وأيضا حفاظا على هوية اجلماعة يتم تطوير دفاعات قوية متعلقة هبذه التفاصيل‬
‫والشعارات‪.‬‬
‫وبالنظر إىل هذه اجلماعات الرجعية فإهنا تكتسب فاعليتها من ذكريات القوة واالنتصارات عرب التاريخ‪ ،‬ومعلوم‬
‫بأن االهتمام فيما ”كان وانتهى” يؤدي إىل ”ضياع الوقت”؛ وذلك بالعودة إىل تاريخ مضى‪ ،‬واستحضار ”ردات‬
‫الفعل يف تلك الفرتة” حول األحداث اليت مضت سواء كانت حلوة أو مرة‪ ،‬وجتليتها ضمن مراسم جياشة باملشاعر‬
‫(‪ .)Volkan, 2005, s. 87, 143‬وأكرب منوذج على ذلك اجملتمعات الشيعية والعلوية واليت دائما ما حتىي ذكرى كربالء‬
‫‪218‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫حاضرا بكل‬
‫ً‬ ‫وقد مضى عليها قرون عدة مبشاعر كبرية من احلزن‪ ،‬فيقيمون مراسم عاشوراء وكأهنم يعيشوهنا‬
‫مشاهدها‪ ،‬وميكننا مالحظة ذلك من خالل ردة الفعل الواسعة ذات البعد الديين واليت ورثتها الشعوب يف يومنا‬
‫احلاضر عن تلك األيام‪.‬‬
‫كما ختتلف شدة العالمات املوحية حبالة الرجعية لدى اجلماعات حسب ما يتمتع به قائد اجلماعات من صفات‬
‫نفسية‪ ،‬ومدة وحجم هذا التهديد والقلق احمليط‪ ،‬وكذلك وفقا إلدراك أفراد اجلماعة حلجم التهديدات‪ ،‬إضافة‬
‫لعوامل نفسية واجتماعية أيضا‪ .‬والذي يتوجب على القائد احلق واألفراد الصاحلني فعله هو قلب هذه احلالة املرضية‬
‫وجتاوزها إىل األمام‪ ،‬والعمل على استقالل احلاضر عن املاضي والوقائع اخليالية‪ ،‬وإعادة الظفر بقوة الشخصية‬
‫الفردية وهويتها احلقيقية‪ ،‬وهتيئة الوسط للمصاحلة والتسامح‪ ،‬والفهم جمددا لقيمة التعاطف‪ ،‬والقضاء على معايري‬
‫عدم الثقة بالنفس عند األفراد‪ ،‬وهبذا يكون الوضع طبيعيا‪ ،‬وتصبح مشاكل فهم الدين ومتثيله تكاد تكون معدومة؛‬
‫إذ أن العقل السليم هو املسيطر‪ ،‬وبالتايل يتيح العقل إمكانيات متعددة للتغلب على هذه اإلشكاليات‪.‬‬

‫اخلامتة‬
‫قبل كل شيء‪ ،‬فإن قضية اإلشكاليات اليت وقفنا عليها يف هذه الوحدة قد ال تشمل كافة األديان‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فيلزم العلم بأن هذه اإلشكاليات متثل خطرا يف فهم ومتثيل كل دي ٍن؛ إذ أن طبيعة اجلماعات تستوجب كل هذه‬
‫املخاطر‪ ،‬كما أن هوية اجلماعة يبدأ تشكلها لدى األفراد مبجرد دخول الفرد للجماعة واستجوابه حلياته الدينية‬
‫السابقة‪ ،‬وباستمراره يف ذلك تتطور لديه املواقف املتناقضة مع خارج إطار اجلماعة‪ ،‬مث تصل به األمور أحيانا إىل‬
‫حد الكراهية‪ .‬وبالنسبة للجماعات اليت تسعى لتقوية اتصاهلا بأفرادها فإهنا تدفعهم للظن بأنفسهم أهنم من النخبة‬
‫املكلفني مبهمة خاصة وذو مستوى أرفع من غريهم‪ ،‬وبذلك يشعرون حبالة استغناء مشكل عن باقي جمتمعهم‪.‬‬
‫ويشار إىل أن اجلماعة اليت تعزز الفروق بينها وبني ”الطرف اآلخر” من خالل جمموعة من احلواجز املادية والنفسية‬
‫ذات البعد الفقهي واالعتقادي والعبادي‪ ،‬فإهنا بذلك ترسم معامل هويتها‪ ،‬وهتيئ األرض اخلصبة ملخالفة املؤمنني‬
‫من نفس دينهم‪ ،‬واالنفصال عنهم‪ ،‬والدخول يف جدل حول الفروع ال لزوم له‪ .‬كما أن الطاعة اهلرمية اليت حتتاجها‬
‫اجلماعة لتحقيق حالة االنسجام مع أفرادها يتم تلقينها جربيا وتبقى دوما حتت رقابة اجلماعة‪ ،‬وبالنسبة ملبدأ‬
‫الشوري فغالبا ما يكون خارج اإلطار‪ ،‬كما تغلق أبواب النقد املعقول حبجة ”مصلحة اجلماعة”‪ ،‬وحىت انفصال‬
‫أمرا مشكال؛ إذ أن حتطم صورة اجلماعة لدى األفراد يولد يف أذهاهنم إشكاليات شخصية‬ ‫األفراد عن اجلماعة ً‬
‫مزمنة‪ ،‬مما يدفع ببعضهم إىل إمهال احلياة الدينية بتمامها‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن تقييم قيادة اجلماعة مبستويات ال يستحقوهنا فإن ذلك إشكالية مهمة أيضا؛ إذ أن بعض‬
‫املشاكل النامجة عن القيادات الدينية بسبب ما يقومون به إثر هذا التقييم من فتح أبواب التفسري الغييب للنصوص‬
‫الدينية‪ ،‬وعطف القداسة على أقواهلم وكتاباهتم‪ ،‬واكتساب طالهبم وصف ”النخبة”‪ ،‬وتوريثهم سنة اإلمام‪ .‬كما أن‬
‫الصدمة اليت تعقب وفاة أمثال هؤالء من القيادات تنمي الصراعات املوجودة‪ ،‬وتعزز األفكار اخليالية اليت نسجوها‬
‫قبل وفاهتم‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫وأما من حيث إنشاء هوية اجلماعة واحملافظة عليها فإن التعليم داخل أطر اجلماعة يعكس أولويات اجلماعة اليت‬
‫ال ميكن االستغناء عنها‪ ،‬وإىل جانب ذلك يغفل هذا التعليم عن أولويات الدين‪ ،‬وبالتايل يركزون يف تعليمهم على‬
‫توجيه الرسائل العاطفية ألفرادهم ألجل ”الوصول لقناعاهتم”‪ ،‬وتعترب اخلطابات النارية‪ ،‬واملراسم واملدائح الدينية‬
‫هي أكثر الوسائل املناسبة الستجداء عواطفهم‪ .‬وبالنظر إىل أصول اإلقناع لديهم املعتمدة على ما يعرضه القائد‪،‬‬
‫وكذلك التحكم باملعلومات الواردة لألفراد مع عمل غسيل دماغ هلم‪ ،‬وحرماهنم من التعلم بالتفكر؛ فإن ذلك يعين‬
‫سلخهم عن العلم الديين الصحيح‪.‬‬
‫إن قيادة اجلماعات الدينية اليت تعيش حالة ”الرجعية” يف فرتة االضطرابات واملصائب اجملتمعية تظهر فيهم طبائع‬
‫االستبداد‪ ،‬فتؤمن اجلماعة بأحقيتها فعل أي شيء يضمن استمرارية حلفائها واحلفاظ على هويتهم املشرتكة‪،‬‬
‫وبالتايل قد يستعملون أدوات التطرف والشدة وخيتلقون معايري دينية وأخالقية إلكساب تصرفاهتم هذه املشروعية‪،‬‬
‫ويف ظل هذه الرجعية تنتشر املعتقدات اخلرافية بني األفراد ويصبحون يف حالة انتظار للطف استثنائي من اهلل‬
‫حىت يفرج عنهم كل هذه الضائقات‪ ،‬كما يسعون جلمع قواهم ورفع معنوياهتم من خالل استحضار االنتصارات‬
‫واالهنزامات عرب التاريخ وتناوهلا يف قالب ديين‪.‬‬
‫ولذلك فإن ما تنتجه أعمال اجلماعات تأيت يف إطار تثبيت السلبيات‪ ،‬وبعد هذه الدراسة يأيت سؤال للعقول‪:‬‬
‫إذا كان الوضع كذلك‪ ،‬فهل جيب ختليص الدين من اجلماعات؟ ولإلجابة عن ذلك نقول؛ إن اجلماعة حقيقة‬
‫اجتماعية بشرط عدم التفرق وهذا تكليف ديين‪ ،‬ولذلك فإن توقع إلغاء اجلماعات جمرد هراء‪ ،‬وأي جهد يبذل‬
‫يف هذا االجتاه هباء‪ ،‬كما أن العوامل املؤدية لوقوع االختالف مع املصادر الدينية األساسية أو جتارب املتدينني‬
‫الثقافية والسياسية املتعددة كانت سببا لالنقسام ووالدة اجلماعات حىت يومنا احلاضر وكذلك يف املستقبل‪ ،‬وأيضا‬
‫املشاكل اليت تواجهنا إذا مل يعمل اإلنسان عقله يف حلها فهذا يعين مزيدا من اجلماعات الالهثة خلف حلول دينية‬
‫متنوعة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن احلركات العلمانية اليت هتدف إلخراج الدين من حياة الناس‪ ،‬وكذلك األيدلوجيات‬
‫احلديثة اليت تركت فراغا دينيا لدى الناس‪ ،‬كل ذلك جعل اجلماعات الدينية تسعى بسرعة للتدخل وملء هذا‬
‫الفراغ‪ .‬وبالتأكيد كانت املؤسسات الدينية املهيمنة وخطاباهتا سببا يف ظهور مؤسسات مدنية ملواجهتها‪ ،‬ويضاف‬
‫إىل ما تقدم أنه غالبا ما ترتبط جمموعات دينية بفكرة استغالل الدين‪ ،‬وكما ظهر قدميا مؤمنون خملصون حياربون‬
‫اجملموعات االستغاللية فإنه سيستمر حماربتهم عرب مجاعات معاصرة أيضا‪.‬‬
‫ووفقا لقناعاتنا فإن األهم أن يكون أهل املذاهب‪ ،‬وأفراد اجلماعات‪ ،‬وأبناء احلركات‪ ،‬ومريدي الطرق‪ ،‬وأعضاء‬
‫التشكيالت‪ ،‬على وعي باملخاطر واملهلكات احملدقة هبم كما مر يف هذه الوحدة‪ ،‬ومؤكدا أن هذه التنبيهات حاضرة‬
‫دائما يف البنية اجلماعية‪ ،‬ومهما نتج عن اجلماعة من شر فإن خريها أكثر‪ ،‬كما أن تغيري القيادات السقيمة حىت‬
‫لو كان صعب على األفراد إال أنه أمر ليس باملستحيل‪.‬‬
‫بضر لن يكون يف فهمها الديين أي‬ ‫وجتدر اإلشارة إىل أن اجلماعات اليت ال متس الفطرة السليمة ونسيج اجملتمع ٍّ‬
‫إشكالية‪ ،‬وسيكون تأثريها على التوجه العام إجيابيا‪ ،‬وختاما فإن احلقيقة اليت ال جدال فيها هي أن تعليم دين‬
‫صحيح منتشر أمر يف غاية األمهية والضرورة‪ ،‬ولذلك من املهم تقييم مجاعة الدعوة والتبليغ من اخلارج وذلك أفضل‬
‫من تعقب أفراد اجلماعة داخليا لتصويب األخطاء‪ .‬وعلى سبيل املثال؛ فإن الركاب يستطيعون تنبيه قائد املركبة يف‬
‫حالة احلياد عن طريق االستقامة فيستقيم‪ ،‬ومع ذلك ال بد من وجود شرطة للمرور‪ ،‬وإشارات‪ ،‬وحواجز باقية يف‬
‫مكاهنا؛ إذ أن الراكب أيضا قد يغفل‪ ،‬أو يضل‪ ،‬أو يغلبه النعاس‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫الطابع النفسي واالجتماعي‬


‫‪10‬‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫بيان املكونات النفسية واالجتماعية‬


‫للجماعات اإلسالمية‬

‫يعترب اجلواب األهم يف هذا احملور هو جواب سؤال‪” :‬ملاذا ينتمي الناس للجماعات؟”‪ ،‬إذ أن دوافع االنضمام‬
‫للجماعات الدينية هي دوافع نفسية واجتماعية إىل حد كبري‪ ،‬ولذلك جتد اإلنسان الذي يعيش يف واقع‬

‫اخلالصة‬
‫منفردا؛ وبالتايل يدفعه ذلك‬‫اجتماعي فإنه يشعر حباجته للتحرك اجلماعي مع جمموعة وتعويض ضعفه ً‬
‫لالنضمام إىل مجاعة حبثا عن ٍ‬
‫سند له ملواجهة الوحدة والفوضى اليت حيياها بني الزحام‪ .‬واإلنسان بطبيعته‬
‫عندما جيد نفسه بني مجاعة حتتضنه وتليب رغبته يف عمل نافع فإنه يتخلص بذلك من القلق ويشعر بالراحة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى فإن جريانه خلف هدف مشرتك وتوقعه نيل مكافئة معنوية يعترب ذلك جاذبا نفسيا له‪،‬‬
‫كما أنه بالتآخي مع اجلماعة يعلو لديه إحساس حنن‪ ،‬وبالتايل غالبا ما يندفع بكل محاسة للتحرك اجلماعي‪.‬‬
‫تابعا‪ ،‬فإن إحساس اهليمنة جيذب اآلخرين للجماعات‬ ‫وأحيانا؛ على عكس احتياج البعض ألن يكون ً‬
‫أيضا؛ وذلك لتحصيل منافع ومكاسب شخصية‪ ،‬حىت أن البعض يسعى لتوجيه اجلماعة حنو إشباع غريزته‬
‫العدوانية‪ .‬وهبذا يتبني أن الناس ينضمون للجماعات الدينية ألجل التخلص من حياهتم السابقة املريرة‪ ،‬وملا‬
‫جيدوه من تعاطف خاص داخل هذه اجلماعات‪.‬‬

‫الطابع النفسي واالجتماعي‬


‫‪10‬‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫عرض احللول املناسبة للمشاكل احملتملة‬


‫الناشئة عن قيادة اجلماعات‬

‫يعترب تقييم قيادة اجلماعة مبستويات ال يستحقوهنا فإن ذلك إشكالية مهمة أيضا؛ إذ أن بعض املشاكل‬
‫النامجة عن القيادات الدينية بسبب ما يقومون به إثر هذا التقييم من فتح أبواب التفسري الغييب للنصوص‬
‫الدينية‪ ،‬وعطف القداسة على أقواهلم وكتاباهتم‪ ،‬واكتساب طالهبم وصف ”النخبة”‪ ،‬وتوريثهم سنة اإلمام‪.‬‬
‫كما أن الصدمة اليت تعقب وفاة أمثال هؤالء من القيادات تنمي الصراعات املوجودة‪ ،‬وتعزز األفكار اخليالية‬
‫اليت نسجوها قبل وفاهتم‪ .‬ويف هذا الصدد َّبي اهلل لنا يف كتابه وسنة نبيه معايري مهمة جدا تتعلق حبدود‬
‫الطاعة‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم‪” :‬ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق”‪ ،‬وقيل أيضاً‪” :‬الساكت عن احلق‬
‫شيطان أخرس”‪ ،‬بل إن النيب عليه الصالة والسالم يف قيادته جملتمعه يعترب خري قدوة‪ ،‬ولذلك إذا انعدمت‬
‫الشورى عند مجاعة ما فإهنا دائما ما تنتج إشكاليات‪ ،‬وبالتايل جيب على اجلماعات الدينية أن تتصف‬
‫بالشفافية واحملاسبة الدائمة‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫الطابع النفسي واالجتماعي‬


‫‪10‬‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫إمكانية تقييم مدى خطورة املناهج‬


‫التعليمية املنغلقة داخل اجلماعات‬

‫ألجل إنشاء هوية اجلماعة واحملافظة عليها فإن التعليم داخل أطر اجلماعة يعكس أولويات اجلماعة اليت ال‬
‫ميكن االستغناء عنها‪ ،‬وإىل جانب ذلك يغفل هذا التعليم عن أولويات الدين‪ ،‬وبالتايل يركزون يف تعليمهم‬
‫على توجيه الرسائل العاطفية ألفرادهم ألجل ”الوصول لقناعاهتم”‪ ،‬وتعترب اخلطابات النارية‪ ،‬واملراسم واملدائح‬
‫اخلالصة‬

‫الدينية هي أكثر الوسائل املناسبة الستجداء عواطفهم‪ .‬وبالنظر إىل أصول اإلقناع لديهم املعتمدة على ما‬
‫يعرضه القائد‪ ،‬وكذلك التحكم باملعلومات الواردة لألفراد مع عمل غسيل دماغ هلم‪ ،‬وحرماهنم من التعلم‬
‫بالتفكر؛ فإن ذلك يعين سلخهم عن العلم الديين الصحيح‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل أن هذه املمارسات الصادرة‬
‫عن اجلماعات هي يف النهاية تكتيك تعليمي متجرد من املنهج القرآين الذي يدعو الناس بالتفكر والتدبر‬
‫والتذكر والتعقل إلميان وحياة دينية‪ ،‬وبالتايل يصبح متثيلهم وفهمهم للدين خرابا مدمرا وليس عمارا‪.‬‬

‫الطابع النفسي واالجتماعي‬


‫‪10‬‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫امتالك البنية التحتية للمعلومات اليت ممكن‬


‫التنبؤ من خالهلا باملشاكل النامجة عن‬
‫احندار تلك اجلماعات‬

‫إن قيادة اجلماعات الدينية اليت تعيش حالة ”الرجعية” يف فرتة االضطرابات واملصائب اجملتمعية تظهر فيهم‬
‫طبائع االستبداد‪ ،‬فتؤمن اجلماعة بأحقيتها فعل أي شيء يضمن استمرارية حلفائها واحلفاظ على هويتهم‬
‫املشرتكة‪ ،‬وبالتايل قد يستعملون أدوات التطرف والشدة وخيتلقون معايري دينية وأخالقية إلكساب تصرفاهتم‬
‫هذه املشروعية‪ ،‬ويف ظل هذه الرجعية تنتشر املعتقدات اخلرافية بني األفراد ويصبحون يف حالة انتظار للطف‬
‫استثنائي من اهلل حىت يفرج عنهم كل هذه الضائقات‪ ،‬كما يسعون جلمع قواهم ورفع معنوياهتم من خالل‬
‫استحضار االنتصارات واالهنزامات عرب التاريخ وتناوهلا يف قالب ديين‪.‬‬
‫والذي يتوجب على القائد احلق واألفراد الصاحلني فعله هو قلب هذه احلالة املرضية وجتاوزها إىل األمام‪،‬‬
‫والعمل على استقالل احلاضر عن املاضي والوقائع اخليالية‪ ،‬وإعادة الظفر بقوة الشخصية الفردية وهويتها‬
‫احلقيقية‪ ،‬وهتيئة الوسط للمصاحلة والتسامح‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫‪ 4‬أي من اخليارات التالية ال ميكن أن تكون خيارا‬ ‫‪ 1‬بعض اجلماعات السلفية تسوق نفسها بعبارة‪:‬‬
‫لقيادة مجاعة تريد ”انسجاما مجاعيا صلبا”؟‬ ‫”غرباء”‪ ،‬أي اجلماعات التالية تعترب هذه العبارة من‬
‫قيود الزواج‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬ ‫مظاهرها؟‬
‫تطبيقات خاصة على الدية‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬ ‫مجاعة تعيش حالة من الرجعية تسعى لنشر ‬ ‫أ‪ .‬‬

‫اخترب نفسك‬
‫توحيد اللباس‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫معتقدات خرافية‪.‬‬ ‫ ‬
‫إقامة الصلوات يف مسجد املدينة‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬ ‫مجاعة يقسم قائدها الناس إىل ”حنن وهم”‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫منح املنظمني يف اجلماعة أمساء جدد‪.‬‬ ‫ه ‪.‬‬ ‫مجاعة تطبق الرقابة العلمية على منتسبيها‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫مجاعة من أولوياهتا غسل األدمغة‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫مجاعة تبعث شعورا لدى أفرادها بأهنم جمتمع ‬ ‫ه‪ .‬‬
‫‪ 5‬أي من اخليارات التالية توضح حالة البكاء‬ ‫خمتار‪.‬‬ ‫ ‬
‫اجلماعي واملشاعر املفرطة مبجرد استماعهم ألحد‬
‫قيادات اجلماعة أو لزعيمهم؟‬
‫‪ 2‬أي من األسباب التالية ال ميكن أن يكون سببا‬
‫أعراض ”دعوة فارغة”‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫للتفرق والعزلة يف مجاعة ما؟‬
‫ضغط اجلماعة‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫اإلقناع اجلذاب‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬ ‫توضيح ”سنة القائد”‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫رجعية اجلماعة‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬ ‫وفاة القائد اجلذاب‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫ه ‪.‬‬ ‫إبطال فاعلية الشوري‪.‬‬ ‫ج ‪.‬‬
‫عدم قبول موت الزعيم‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫إقرار فكرة ”مصلحة اجلماعة”‪.‬‬ ‫ه ‪.‬‬

‫‪ 3‬ما يقال عن ”ردة فعل فرتة من الفرتات”‪،‬‬


‫مبراسم تتجلى فيها مشاعر عاطفية جياشة‪ ،‬أي من‬
‫اخليارات التالية تبني نتيجة هذا األمر يف الواقع‬
‫االجتماعي؟‬
‫اإلقناع اجلذاب‪.‬‬ ‫أ ‪.‬‬
‫رجعية اجلماعة‪.‬‬ ‫ب‪ .‬‬
‫مصلحة اجلماعة‪.‬‬ ‫ج‪ .‬‬
‫التقليد‪.‬‬ ‫د‪ .‬‬
‫رسم معامل اجلماعة‪.‬‬ ‫ه‪ .‬‬

‫‪223‬‬
‫الطابع النفسي واالجتماعي‬
‫لبنية اجلماعات الدينية‬

‫إذا كان جوابكم ليس صحيحا‪ ،‬فاقرؤوا من جديد‬ ‫إذا كان جوابكم ليس صحيحا‪ ،‬فاقرؤوا من جديد‬
‫‪ .4‬د‬ ‫‪ .1‬ه‬
‫موضوع ”املشاكل النامجة عن الواقع الطبيعي‬ ‫موضوع ”املشاكل النامجة عن الواقع الطبيعي‬
‫لرتكيبة اجلماعة”‪.‬‬ ‫لرتكيبة اجلماعة”‪.‬‬
‫مفتاح األجوبة لـ “اخترب‬

‫إذا كان جوابكم ليس صحيحا‪ ،‬فاقرؤوا من جديد‬ ‫‪ .5‬ه‬ ‫إذا كان جوابكم ليس صحيحا‪ ،‬فاقرؤوا من جديد‬
‫‪ .2‬ه‬
‫موضوع ”املخاطر املرتتبة على التعليم املغلق داخل‬ ‫موضوع ”املخاطر احملتملة من احندار اجلماعة”‪.‬‬
‫اجلماعة”‪.‬‬
‫إذا كان جوابكم ليس صحيحا‪ ،‬فاقرؤوا من جديد‬
‫‪ .3‬ب‬
‫موضوع ”املشاكل النامجة عن الواقع الطبيعي‬
‫نفسك”‬

‫لرتكيبة اجلماعة”‪.‬‬

‫مفتاح األجوبة لـ “جاء دورك”‬ ‫‪10‬‬

‫إىل حد ما؛ تستند انطالقة اجلماعات الدينية على أشخاص خمتلفني ميلكون احتياجات‬
‫روحية خمتلفة ويبحثون عن أماكن مناسبة لتليب مشاعرهم وشخصياهتم‪ .‬وبناءً على هذه‬
‫الفرضية؛ ميكننا أن نستنتج أن اجلماعات املتعددة اليت تتصف بالعنف أو السماحة‪ ،‬أو‬ ‫‪1‬‬ ‫جاء دورك‬
‫اإلصالح‪ ،‬أو العقالنية‪ ،‬أو التقليدية‪ ،‬أو احليوية‪ ،‬يتم تشكيلها وتطويرها يف أيدي األفراد‬
‫الذين مييلون إىل هذه الصفات الشخصية والنفسية‪.‬‬

‫وفقا ملا أفاده هوفر؛ فإن الكراهية املشرتكة ميكنها أن جتمع بني أكثر العوامل املتناقضة‪،‬‬
‫ففي بعض الطوائف واجلماعات اليت حتدثنا عنها نرى مظهر الكراهية اجلماعية واليت‬
‫تتمثل يف اهتاماهتم لبعضهم بالكفر‪ ،‬واإلحلاد‪ ،‬واالحنالل‪ ،‬واإلنكار‪ .‬وبالتايل تتكون صورة‬
‫منطية يف أذهاهنم بتحقري اجلماعات الدينية املنافسة؛ ومن ناحية أخرى ختلق الكراهية‬ ‫‪2‬‬ ‫جاء دورك‬
‫أيضا حالة من العزلة بني املؤمنني من منتسيب اجلماعات الدينية املختلفة‪ ،‬ومستقبال تتطور‬
‫الكراهية بينهم وتصل إىل حد العنف‪ ،‬وكما هو معلوم فإن امليل للعنف لدى اجلماعات‬
‫يشري بكل وضوح إىل‪” :‬احندار اجلماعة”‪.‬‬

‫بعد وفاة النيب صلى اهلل عليه وسلم مر الصحابة كأمثال سيدنا عمر رضي اهلل عنه بأثر‬
‫صدمة‪ ،‬لكن مت ختطي هذه الصدمة دون احنراف ديين؛ وذلك ألن إسالم الصحابة كان‬
‫عن وعي سليم فمنعم ذلك من االحنراف‪ .‬مث بعد انقضاء السنني تنوعت الثقافات‪ ،‬وزاد‬
‫احتمالية خطر االحنراف لعدم سالمة الفكر‪ ،‬وبذلك ملا تويف سيدنا علي رضي اهلل عنه‬ ‫‪3‬‬ ‫جاء دورك‬
‫عام ‪ 660/40‬مل تتقبل موته بعض اجلماعات الرجعية‪ ،‬ويؤمنون بأنه مثل سيدنا عيسى‬
‫عليه السالم مت رفعه للسماء!‪ .‬وبال شك فإن هذا التصرف العجيب كان دخيال على‬
‫الدين من ثقافات وديانات أخرى‪ ،‬ورغم ذلك نرى األثر النفسي الناتج عن ”عدم حتمل‬
‫غياب القائد األعظم” بني هذه الطوائف واجلماعات‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫التيارات الفكرية املعاصرة‬

‫املصادر‬
:‫بالعربية‬
)1998( .‫ بريوت‬،”‫ ”امللل والنحل‬.‫ حممد بن عبد الكرمي‬،‫الشهرستاين‬
.”‫ ”ثورة يف رحاب مكة‬،‫العتييب‬

:‫بالرتكية‬
Büyükkara, Mehmet Ali. (1998). “İsmâilîlere Atfedilen Dokuz Aşamalı Da’vet Süreci Üzerine Bir İnceleme”, İLAM
Araştırma Dergisi, 3/2, s. 35-49.
Büyükkara, Mehmet Ali. (2004). “11 Eylül’le Derinleşen Ayrılık: Suudî Selefiyye ve Cihadî Selefiyye”, Dinî
Araştırmalar, 20, s. 205-234.
Büyükkara, Mehmet Ali. (2004). İhvan’dan Cuheyman’a Suudi Arabistan ve Vehhabilik, İstanbul.
Büyükkara, Mehmet Ali. (2005). Kabe’nin İşgali, İstanbul.
Coşkun, Ali. (2004). Mehdilik Fenomeni, İstanbul.
Daftary, Farhad. (1990). The Ismâ’îlîs: Their History and Doctrines, Cambridge.
Dönmezer, Sulhi. (1984). Sosyoloji, Ankara.
Fığlalı, Ethem Ruhi. (1986). Kâdıyânîlik, İzmir.
Göka, Erol. (2006). İnsan Kısım Kısım: Toplumlar, Zihniyetler, Kimlikler, Ankara.
Hamdani, Abbas. (2001). “Fatimid Literature: Creation, preservation, transfer, concealment and revival”,
<http://dawoodi-bohras.com>.
Hegghammer, T., Lacroix, S. (2007). “Rejectionist Islamism in Saudi Arabia: The Story of Juhayman al-‘Utaybi
Revisited”, International Journal of Middle Eastern Studies, 39, s. 103-122.
Hoffer, Eric. (2005). Kesin İnançlılar, trc. E. Günur, İstanbul.
Holm, Nils G. (2002). “Sosyal Bir Fenomen Olarak Din”, trc.. A. Bahadır, Selçuk Ü. İlahiyat Fakültesi Dergisi, 14,
s. 271-286.
Kalyoncu, Hamdi. (2006). Liderlere Tapınma Psikolojisi, İstanbul.
Kutlu, Sönmez. (2001). “İslam Düşüncesinde Tarihsel Din Söylemleri Olgusu”, İslâmiyât, 4/4, s. 15-36.
Mensching, Gustav. (1994). Dinî Sosyoloji, trc. M. Aydın, Konya.
Paloutzian, Raymond F. (1996). Invitation to the Psychology of Religion, Needham Heights.
Sarıkaya, M. Saffet. (2008). “Dinde Marjinalleşmenin Pratik Boyutuna Dair Bazı Değerlendirmeler”, e-Makâlât:
Mezhep Araştırmaları, 1/1, s. 27-41.
Sezen, Yumni. (1990). Sosyolojide ve Din Sosyolojisinde Temel Bilgiler ve Tartışmalar, İstanbul.
el-Verdânî, Salih. (1986). Mısırda İslami Akımlar, c. 1, trc. H. Acar, Ş. Duman, Ankara.
Volkan, Vamık. (2005). Körü Körüne İnanç, İstanbul.
Wach, Joachim. (1990). Din Sosyolojisi, trc. Ü. Günay, Kayseri.
Wilkinson, Paul. (1974). Political Terrorism, New York.

225

You might also like