You are on page 1of 4

‫الخطبة الحادية عشرة في أذكار معينة وعامة‬

‫الحمد هلل مستحق الحمد وأهله ‪ ،‬المنعم على خلقه بسابغ نعمه‬
‫وفضله ‪ ،‬الذي جعل أفئدة عباده المؤمنين متعلقة به وألسنتهم‬
‫ناطقة بذكره ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده< ال شريك له شهادة‬
‫مخلص هلل في سره وجهره ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‬
‫القائم بطاعة ربه وأمره صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه‬
‫ومن ساروا على نهجه ‪ ،‬وسلم تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد أيها الناس ‪ :‬اتقوا هللا تعالى ‪ ،‬وأديموا ذكره ‪ ،‬أديموا‬
‫ذكره بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ‪ ،‬فإن هللا مع الذاكرين ‪،‬‬
‫يقول هللا تعالى في الحديث القدسي ‪ « :‬أنا عند ظن عبدي بي ‪،‬‬
‫وأنا معه إذا ذكرني ‪ ،‬فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ‪،‬‬
‫وإن ذكرني في مأل ذكرته في مأل خير منهم » ‪ .‬أيها الناس ‪:‬‬
‫إن ذكر هللا يكون في القلب ‪ ،‬ويكون في اللسان ‪ ،‬ويكون‬
‫بالجوارح أما ذكر هللا بالقلب ‪ ،‬فإن معناه أن يكون القلب متعلقا‬
‫باهلل ‪ ،‬ويكون ذكر هللا ‪ ،‬وتعظيمه دائما في قلبه يستحضر دائما‬
‫عظمة ربه وآياته ‪ ،‬ويستحضر نعمه العامة والخاصة ‪،‬‬
‫ويستدل بما يشاهده من مخلوقاته وآياته على عظمته وإحاطته‬
‫‪ ،‬وأما ذكر هللا باللسان ‪ ،‬فهو النطق بكل ما يقرب إلى هللا ‪،‬‬
‫فالتهليل ذكر ‪ ،‬والتكبير ذكر والتحميد والتسبيح ذكر ‪ ،‬وقراءة‬
‫القرآن ذكر وقراءة العلوم الشرعية ذكر ؛ ألنها ذكر ألحكام هللا‬
‫وتشريعاته ونصيحة العباد للقيام بأمر هللا ذكر ‪ ،‬واألمر‬
‫بالمعروف ‪ ،‬والنهي عن المنكر ذكر ‪ ،‬وأما ذكر هللا بالجوارح ‪،‬‬
‫فهو كل فعل يقرب إلى هللا عز وجل ‪ ،‬فالطهارة ذكر ‪ ،‬والصالة‬
‫ذكر ‪ ،‬والسعي إليها ذكر ‪ ،‬والزكاة ‪ ،‬والصيام ذكر ‪ ،‬والحج ذكر‬
‫‪ ،‬وبر الوالدين ذكر ‪ ،‬وصلة األرحام ذكر ‪ ،‬وكل فعل يقربك إلى‬
‫هللا ‪ ،‬فهو ذكر ؛ ألن التقرب إلى هللا ال يكون إال بنية ونيتك ‪،‬‬
‫واستحضارك عند الفعل ذكر هللا عز وجل ‪ ،‬فالدين كله ذكر هللا‬
‫‪ ،‬ولقد شرع هللا الحكيم الرحيم لعباده ذكره في كل مناسبة‬
‫ليكونوا بذلك دائما في ذكر هللا ‪ ،‬فشرع هللا لعباده التسمية على‬
‫كل أمر ذي بال ‪ ،‬وأهمية ‪ ،‬شرع هللا الذكر قبل األكل والشرب‬
‫وبعدهما ‪ ،‬قبلهما تقول ‪ :‬بسم هللا ‪ ،‬وبعدها تقول ‪ :‬الحمد هلل ‪،‬‬
‫وإن هللا ليرضى عن العبد يأكل األكلة ‪ ،‬فيحمده عليها ‪ ،‬ويشرب‬
‫الشربة ‪ ،‬فيحمده عليها شرع هللا الذكر عند دخول محل قضاء‬
‫الحاجة ‪ ،‬وبعد الخروج منه ‪ ،‬فإذا أراد أحدكم أن يدخل مكان‬
‫البول أو الغائط ‪ ،‬فليقل ‪ :‬بسم هللا أعوذ باهلل من الخبث‬
‫والخبائث ‪ ،‬وإذا خرج منه ‪ ،‬فليقل ‪ :‬غفرانك الحمد هلل الذي‬
‫أذهب عني األذى وعافاني ‪ .‬شرع هللا الذكر عند النوم وبعده ‪،‬‬
‫فعند النوم إذا وضعت جنبك ‪ ،‬تقول ‪ :‬باسمك اللهم أحيا وأموت‬
‫‪ ،‬اللهم بك وضعت جنبي ‪ ،‬وبك أرفعه ‪ ،‬فإن أمسكت روحي ‪،‬‬
‫فاغفر لها ‪ ،‬وارحمها ‪ ،‬وإن أرسلتها ‪ ،‬فاحفظها بما تحفظ به‬
‫عبادك الصالحين ‪ ،‬وكان النبي صلى هللا عليه وسلم إذا أوى‬
‫إلى فراشه قال ‪ ( « :‬الحمد هلل الذي أطعمنا وسقانا وكفانا‬
‫وآوانا) » ‪ .‬فكم ممن ال كافي له وال مؤوي ‪ ،‬وشرع لعباده عند‬
‫االستيقاظ ذكر هللا ‪ ،‬فإن العبد إذا نام عقد الشيطان على قافية‬
‫رأسه ثالث عقد ‪ ،‬فإذا قام ‪ ،‬وذكر هللا انحلت عقدة ‪ ،‬وإن توضأ‬
‫انحلت العقدة الثانية ‪ ،‬فإذا صلى انحلت العقدة الثالثة ‪ ،‬فأصبح‬
‫نشيطا طيب النفس ‪ ،‬وإال أصبح خبيث النفس كسالن ‪ ،‬وفي‬
‫حديث ابن عباس رضي هللا عنهما أنه بات عند خالته ميمونة‬
‫زوج النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فلما قام النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم من النوم جعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ ‪ { :‬إِنَّ‬
‫ف اللَّ ْي ِل َوالنَّ َها ِر آَل يَا ٍ‬
‫ت‬ ‫اختِاَل ِ‬ ‫ت َواأْل َ ْر ِ‬
‫ض َو ْ‬ ‫س َما َوا ِ‬
‫ق ال َّ‬ ‫فِي َخ ْل ِ‬
‫ب } إلى آخر سورة آل عمران ‪ .‬وفي حديث ثان أن‬ ‫أِل ُولِي اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ « :‬من استيقظ من الليل ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ال إله إال هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬له الملك ‪ ،‬وله الحمد ‪،‬‬
‫وهو على كل شيء قدير ‪ ،‬والحمد هلل ‪ ،‬وسبحان هللا ‪ ،‬وال إله‬
‫إال هللا ‪ ،‬وهللا أكبر ‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬اللهم‬
‫اغفر لي ‪ ،‬أو دعا إال استجيب له ‪ ،‬فإن توضأ ‪ ،‬وصلى قبلت‬
‫صالته » ‪ .‬وشرع لعباده أذكارا يقولونها إذا قلقوا ‪ ،‬فلم يناموا‬
‫‪ ،‬أو كانوا يفزعون في نومهم ‪ ،‬وفي صحيح البخاري أن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها ‪ ،‬فإنما‬
‫هي من هللا ‪ ،‬فليحمد هللا عليها ‪ ،‬وليحدث بها ‪ ،‬وال يحدث بها‬
‫إال من يحب ‪ ،‬وإذا رأى غير ذلك مما يكره ‪ ،‬فإنما هي من‬
‫الشيطان ‪ ،‬فليستعذ من شرها ‪ ،‬وال يذكرها ألحد ‪ ،‬فإنها ال‬
‫تضره » ‪ ،‬وشرع لعباده أن يذكروه عند دخول بيوتهم ‪ ،‬وعند‬
‫الخروج منها ‪ « ،‬فأمر النبي صلى هللا عليه وسلم الرجل إذا‬
‫دخل بيته أن يقول ‪ :‬اللهم إني أسألك خير المولج وخير‬
‫المخرج بسم هللا ولجنا ‪ ،‬وبسم هللا خرجنا ‪ ،‬وعلى هللا ربنا‬
‫توكلنا ‪ ،‬ثم ليسلم على أهله » ‪ ،‬وكان إذا خرج من بيته قال ‪« :‬‬
‫بسم هللا توكلت على هللا ‪ ،‬اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل ‪،‬‬
‫أو أزل أو أزل ‪ ،‬أو أظلم أو أظلم ‪ ،‬أو أجهل أو يجهل علي » ‪،‬‬
‫وقال ‪ « :‬من قال يعني إذا خرج من بيته ‪ :‬بسم هللا ‪ ،‬توكلت‬
‫على هللا ‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل ‪ ،‬يقال له ‪ :‬كفيت ‪ ،‬ووفيت‬
‫‪ ،‬وهديت ‪ ،‬ويتنحى عنه الشيطان » ‪ .‬أيها الناس ‪ :‬إن ربكم قد‬
‫أمركم بذكره في أحوال معينة ‪ ،‬وألسباب معينة ‪ ،‬وأمركم بذكره‬
‫أمرا مطلقا يعم األوقات واألحوال ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬فَ ْاذ ُك ُرونِي‬
‫ون } ‪ .‬وقال تعالى ‪ { :‬يَاأَيُّ َها‬ ‫ش ُك ُروا لِي َواَل }{ تَ ْكفُ ُر ِ‬ ‫أَ ْذ ُك ْر ُك ْ<م َوا ْ‬
‫صياًل } ‪.‬‬ ‫ين آ َمنُوا ْاذ ُك ُروا هَّللا َ ِذ ْك ًرا َكثِي ًرا }{ َو َ‬
‫سبِّ ُحوهُ بُ ْك َرةً َوأَ ِ‬ ‫الَّ ِذ َ‬
‫وكان النبي صلى هللا عليه وسلم يذكر هللا على كل أحيانه ‪،‬‬
‫فأديموا ذكر ربكم ‪ ،‬واغرسوا ألنفسكم في جنات النعيم ‪ ،‬فإن‬
‫غراسها سبحان هللا ‪ ،‬والحمد هلل ‪ ،‬وال إله إال هللا ‪ ،‬وهللا أكبر ‪،‬‬
‫وال حول وال قوة إال باهلل ‪ ،‬وقال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪« :‬‬
‫كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ‪ ،‬خفيفتان على اللسان ‪ ،‬ثقيلتان‬
‫في الميزان ‪ ،‬سبحان هللا وبحمده ‪ ،‬سبحان هللا العظيم » ‪.‬‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ‪ . .‬الخ ‪.‬‬

You might also like