You are on page 1of 5

‫يؤمن الكثيرون من أنصار التيارات اإلسالمية بأن ما تشهده مصر من أزمة يمثل في أبرز وجه من وجوهه صراعا دينيا‪

،‬بين التيار‬
‫اإلسالمي الذي يمثله الرئيس مرسي وتدعمه معظم األحزاب والشخصيات‪ /‬اإلسالمية‪ ،‬وبين مؤسسات‪ /‬الدولة المتحالفة مع تيار‬
‫‪.‬علماني إقصائي "يريد محاربة الدين" ومظاهر التدين في مصر‬

‫والحقيقة أن هناك كثيرا من المظاهر والشواهد التي تؤيد وجهة النظر هذه‪ ،‬سواء من ناحية طبيعة االصطفافات‪ /‬السياسية بين طرفي‬
‫‪.‬األزمة‪ ،‬أو من ناحية بعض اإلجراءات والتصريحات التي قد تساهم في إبراز الطابع الديني للصراع‬

‫فقد لعبت القيادات في أطراف األزمة منذ بدايتها بعد خلع مبارك دورا في استحضار الدين كعنصر من عناصر الصراع‪ ،‬ويستوي‬
‫في ذلك التياران اإلسالمي والعلماني‪ .‬ومثل الجدل حول االستفتاء على اإلعالن الدستوري يوم ‪ 19‬مارس‪/‬آذار ‪ 2011‬بداية لهذا‬
‫المنحى‪ ،‬حينما استطاع المجلس العسكري "التالعب" باإلسالميين وإظهار التصويت على اإلعالن باعتباره تصويتا على إبقاء المادة‬
‫الثانية من الدستور التي تنص على أن اإلسالم هو المصدر الرئيسي للتشريع‪ ،‬وهو ما القى قبوال عند اإلسالميين الذين رفعوا‬
‫!شعارات تعتبر االستفتاء تصويتا على دور الشريعة في البالد‪ ،‬مع العلم أن المادة الثانية لم تكن مطروحة في التصويت أصال‬

‫وبمقابل السذاجة التي تعامل بها اإلسالميون مع "حيلة" المجلس العسكري لتنفيذ أجندته إلدارة المرحلة االنتقالية‪ ،‬فقد تعامل‬
‫العلمانيون أيضا بسذاجة حينما جعلوا معركتهم األساسية‪ /‬مع التيار اإلسالمي‪ ،‬وبدؤوا يطلقون عليه أوصافا ال يمكن إال أن تساهم في‬
‫تأجيج االصطفاف الديني لدى أنصاره‪ ،‬من قبيل "الفاشية الدينية" وغيرها من االتهامات‪ ،‬باإلضافة إلى التحريض الذي مارسته‬
‫‪.‬التيارات العلمانية صراحة وتلميحا لألقباط لتشكيل كتلة صلبة للتصويت ضد التيار اإلسالمي باعتباره تهديدا لهم في كل االنتخابات‬

‫بمقابل السذاجة التي تعامل بها اإلسالميون مع "حيلة" المجلس العسكري لتنفيذ أجندته إلدارة المرحلة االنتقالية‪ ،‬فقد تعامل"‬
‫العلمانيون أيضا بسذاجة حينما جعلوا معركتهم األساسية‪ /‬مع التيار اإلسالمي‪ ،‬وبدؤوا يطلقون عليه أوصافا ال يمكن إال أن تساهم في‬
‫""تأجيج االصطفاف الديني من قبيل "الفاشية الدينية‬

‫تصاعد هذا الفرز في الدورة الثانية من االنتخابات الرئاسية بين محمد مرسي وأحمد شفيق‪ ،‬وازداد خطورة في األحداث التي أعقبت‬
‫اإلعالن الدستوري الذي أصدره مرسي في نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪ ،2012‬وفي المداوالت والتصويت على الدستور في نهاية العام‬
‫‪.‬نفسه‬

‫لقد لعب الفريقان‪ ،‬على حد سواء‪ ،‬في هذه الفترة دورا بائسا في استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية بحتة‪ ،‬إذ استخدم اإلخوان‬
‫موضوع الشريعة وجمعوا بينها وبين الشرعية الدستورية للرئيس مرسي‪ ،‬كما اضطروا للموافقة على أطروحات حزب النور‬
‫اإلشكالية في الجمعية التأسيسية للدستور‪ ،‬ليظهر االصطفاف واضحا بين كافة‪ /‬التيارات اإلسالمية من جهة‪ ،‬وكافة التيارات العلمانية‬
‫!من جهة أخرى‪ ،‬فيما أصبح واضحا أنه فخ أعد لإلخوان من حلفائه السلفيين باألمس‪ ،‬أعدائه اللدودين اليوم‬

‫على أن الدور الذي لعبه العلمانيون في هذه األزمة ال يقل خطورة عن ما قام به اإلسالميون‪ ،‬إذ عمل رموز هذا التيار على بث‬
‫اتهامات‪ /‬كاذبة عن رغبة اإلسالميين بكتابة دستور "ديني متشدد" يقصي المخالفين ويحارب الحريات باسم الدين ويضع األقباط في‬
‫درجة ثانية من المواطنة‪ ،‬مع أن الرجوع للدستور الذي أعد من الجمعية بغالبيتها اإلسالمية كان دستورا عصريا جدا من هذه الناحية‪،‬‬
‫وهو‪ ،‬وإن شابته بعض العيوب‪ ،‬دستور يعلي من شأن المواطنة وال يفرق بين المسلمين واألقباط ويرعى حرية التعبير والعقيدة‬
‫واإلبداع‪ ،‬بخالف ما كان يروج من إشاعات من التيارات العلمانية‪ ،‬التي ساهمت بتخويف األقباط وبخلق حالة من الفرز الديني‬
‫‪.‬والطائفي واأليديولوجي غير المسبوقة في مصر‬
‫ومع بدء التحضير و"التسخين" لمظاهرات ‪ 30‬يونيو‪/‬حزيران وانقالب ‪ 3‬يوليو‪/‬تموز ‪ ،2013‬اتجه الخطاب السياسي للتيارات‬
‫المعارضة لمرسي إلى طابع مثير للمشاعر الدينية لدى أنصاره أكثر فأكثر‪ ،‬وهو ما تم استخدامه أيضا من قبل أنصار مرسي لحشد‬
‫المزيد من التعاطف معه من أبناء التيارات اإلسالمية التي وجدت في الخطاب المعارض اإلقصائي "حربا على الدين"‪ ،‬في الوقت‬
‫الذي روجت فيه المعارضة "المدنية" آنذاك خطابا تخويفيا يحذر من تغيير "الهوية الوطنية" لمصر‪ ،‬في استدعاء واضح لتأييد‬
‫‪.‬التيارات العلمانية والمسيحيين‬

‫حالة االستقطاب الديني هذه تصاعدت بشكل واضح بعد االنقالب‪ ،‬وقد بدت معالمها في الخطاب الفاشي لألطراف المؤيدة لالنقالب‬
‫ضد كل من هو إسالمي‪ ،‬ومحاولة نزع "اإلنسانية" عن اإلسالميين‪ ،‬والتحريض عليهم‪ ،‬إلى درجة اعتبارهم شعبا آخر‪ ،‬إضافة إلى‬
‫التصريحات المسيئة للدين التي صدرت عن بعض الموتورين وأعطت للتيارات الدينية مبررا للترويج بأن الصراع ليس فقط ضد‬
‫اإلسالميين‪ ،‬بل ضد اإلسالم نفسه‪ ،‬وهو ما انعكس في الخطاب الديني المكثف أيضا في اعتصامي رابعة والنهضة المناهضين‬
‫‪.‬لالنقالب‬

‫ولم تكن الخطابات والشعارات فقط تصب في هذا االتجاه‪ ،‬بل إن النظام الحاكم بعد االنقالب مارس بعض الممارسات‪ /‬التي غذت‬
‫الرواية الدينية للصراع عند اإلسالميين‪ ،‬مثل مجزرة الحرس الجمهوري التي ارتكبت بعيد انتهاء صالة الفجر‪ ،‬وإطالق النار على‬
‫المصلين في أحد مساجد العريش‪ ،‬ثم إحراق مسجد رابعة أثناء مجزرة الفض‪ ،‬وهي إجراءات‪ ،‬سواء كانت مقصودة أو بمحض‬
‫‪.‬الصدفة‪ ،‬ساهمت في تقوية التفسيرات الدينية للصراع عند أنصار اإلسالميين‬

‫وبمقابل الخطاب الديني عند التيارات اإلسالمية‪ ،‬تبنت السلطة خطابا دينيا يؤيد رؤيتها‪ ،‬ولكن بنكهة فاشية أكبر‪ ،‬تدعو للقتل والحرق‬
‫وتتهم المعارضين لالنقالب بأنهم كفار وخوارج‪ ،‬وهو خطاب تكفيري لم يصل لدرجته خطاب التيارات اإلسالمية التي تتهم عادة‬
‫‪.‬بالتكفير وباستخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية‬

‫لقد عززت كل هذه المفاصل وجهة النظر التي ترى فيما يجري في مصر صراعا دينيا‪ ،‬وما زاد فيها تصاعد حاالت الهجوم على‬
‫التراث الديني اإلسالمي مثل الفقه والحديث النبوي الشريف‪ ،‬خصوصا بعد تصريحات السيسي عن إصالح الفكر الديني‪ ،‬وهو‬
‫الهجوم الذي يأتي عادة على شكل تصريحات مستفزة تفتقد اللياقة في كثير من األحيان‪ ،‬مما جعلها تمثل عنصرا في دعم التفسير‬
‫‪.‬الديني للصراع‬

‫وبالطبع فإن نقد التراث الديني لو تم بشكل أكثر علمية وبظروف سياسية مغايرة لما مثل حالة من تأجيج المشاعر الدينية عن‬
‫اإلسالميين‪ ،‬خصوصا وأن كثيرا من األطروحات التي تتم حاليا ليست بدعا من النقاش الحاصل في المدارس الفكرية اإلسالمية‪،‬‬
‫‪.‬ولكنها كانت تتم بأسلوب أكثر حرفية واحتراما للموروث والمشاعر الدينية للناس‬

‫مقابل الخطاب الديني عند التيارات اإلسالمية‪ ،‬تبنت السلطة خطابا دينيا يؤيد رؤيتها‪ ،‬ولكن بنكهة فاشية أكبر‪ ،‬تدعو للقتل"‬
‫والحرق وتتهم المعارضين لالنقالب بأنهم كفار وخوارج‪ ،‬وهو خطاب تكفيري لم يصل لدرجته خطاب التيارات اإلسالمية التي تتهم‬
‫"عادة بالتكفير وباستخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية‬

‫وأمام كل هذا الخطاب من الجهتين‪ ،‬فإن الكثيرين يرون أنه من الصعب إقناع مناصري التيارات اإلسالمية بدفع فرضية استهداف‬
‫!الدين بالصراع القائم في مصر‪ .‬وهذه حقيقة‪ ،‬ولكن للحقيقة أوجه أخرى‬
‫فعلى الرغم من وجود مؤشرات تدل على منطلقات دينية لألزمة في مصر‪ ،‬فإن الوقائع األكثر صالبة تدل على أن الصراع هو‬
‫مصلحي طبقي في العموم‪ ،‬يستخدم طرفاه شعارات أيديولوجية لكسب المزيد من األنصار‪ ،‬وهو أمر معهود في الصراعات السياسية‬
‫في كل مكان‪ .‬وهذا ال ينفي وجود فئات محدودة من طرفي الصراع تتبنى خطابا أيديولوجيا حقيقيا‪ ،‬وتقيم موقفها على أساسه‪ ،‬ونعني‬
‫هنا بالفئات العلمانية واليسارية والناصرية المتطرفة من جهة الداعمين لالنقالب‪ ،‬وبعض المنتمين لألحزاب اإلسالمية األكثر‬
‫‪.‬أيديولوجية من جماعة اإلخوان وبعض أفراد الجماعة الذين يشعرون بمظلومية كبيرة أيضا‬

‫على أن المسار الذي اختطه العنصر األساسي في نظام االنقالب‪ ،‬وهو الجيش والدولة العميقة‪ ،‬يؤكد محاولته الظهور بصورة‬
‫المتصالح مع الدين‪ ،‬نظرا إلدراكه أهمية احترام هوية وروح الشعب المصري‪ ،‬ولذلك فقد حرص السيسي على وجود حزب النور‬
‫واألزهر في خطاب االنقالب‪ ،‬كما حرص على حشد شيوخ وعلماء مقربين من الدولة العميقة لشرعنة االنقالب وإجراءاته‪ .‬وكذلك‬
‫فإن وسائل اإلعالم القريبة من السيسي عملت على الترويج له كشخص متدين ملتزم‪ .‬وحتى عندما تحدث السيسي عن ما أسماه‬
‫"إصالح الفكر الديني"‪ ،‬فإنه اضطر بعد ذلك لتوضيح تصريحاته بعد أن "استغلها" بعض اإلعالميين للهجوم بشراسة على التراث‬
‫‪.‬الفكري والفقهي اإلسالمي‬

‫وبعيدا عن التصريحات فإن حقيقة الخالف هي أساسا على دور المؤسسة العسكرية وحلفائها من رجال األعمال والنخبة المدينية في‬
‫المدن الكبرى وتحديدا القاهرة واإلسكندرية في السيطرة على السلطة واالقتصاد والثروة والوظائف العليا في البيروقراطية المصرية‬
‫الضخمة‪ .‬ولذلك فإن المؤسسة العسكرية ‪-‬بحسب الباحث يزيد صايغ‪ -‬ربما تكون قد بدأت اإلعداد الحقيقي لالنقالب عندما شعرت أن‬
‫الرئيس مرسي يريد الدخول على خط إدارة الهيئات والمشاريع المحتكرة للجيش منذ ستة عقود‪ ،‬مثل مشروع قناة السويس‪ ،‬وبمعنى‬
‫‪.‬آخر عندما شعرت أنه قد يهدد مصالحها االقتصادية والسلطوية وليس بسبب توجهاته اإلسالمية أو الدينية‬

‫لقد كانت المؤسسة العسكرية‪ ،‬وهي العنصر األكثر صالبة في قيادة االنقالب‪ ،‬مستعدة للتعايش مع اإلخوان ومرسي لو ظل األخير‬
‫بعيدا عن "عش الدبابير"‪ ،‬وهو ما أدركه اإلخوان بصورة ما وانعكس على تكيفهم ومرونتهم مع مطالب العسكر فيما يتعلق بالدستور‪،‬‬
‫‪.‬وضرورة اإلبقاء على ميزانية الجيش رقما واحدا دون تفاصيل شفافة‪/‬‬

‫وعلى الرغم من هذه المرونة‪ ،‬فإن مرسي أظهر محاوالت "متواضعة" للتعامل كقائد أعلى للقوات المسلحة وكعنوان للسياسة في‬
‫الدولة‪ .‬وقد ظهر ذلك جليا في رفض الرئاسة دعوة الجيش للقوى السياسية لالجتماع لوضع حلول ألزمة اإلعالن الدستوري‪ ،‬وهو ما‬
‫اضطر وزارة الدفاع لسحب دعوتها آنذاك‪ ،‬كما ظهر ذلك في تصريحات متكررة لمرسي وفي أكثر من مناسبة‪ ،‬أكد فيها أنه القائد‬
‫‪.‬األعلى للقوات المسلحة‪ ،‬في إشارة ذات داللة على طبيعة الصراع بينه وبين قيادة الجيش‬

‫ولكن المحاولتين األكثر أهمية في هذا المجال تمثلتا في مشروع تطوير قناة السويس الذي ربط بالرئيس مباشرة‪ ،‬وفي تصريحات‬
‫مرسي في مهرجان "نصرة سوريا" يوم ‪ 15‬يونيو‪/‬حزيران ‪ 2013‬التي أكد فيها أن "رئيس مصر وشعبها وجيشها يقفون مع شعب‪/‬‬
‫سوريا"‪ ،‬وهي التصريحات التي أشعرت المجلس العسكري أن مرسي يريد الحصول على سلطات حقيقية كانت محتكرة حصريا‬
‫‪.‬لقيادته‪ ،‬وهو ما دفع الجيش إلصدار بيان أكد فيه أن قوته هي لحماية مصر فقط‪ ،‬بعد يوم واحد من تصريحات مرسي‬

‫وقد شكلت هذه األحداث المفصلية‪ ،‬بحسب باحثين مستقلين وإعالميين مقربين من الجيش المصري‪ ،‬دافعا رئيسيا للمجلس العسكري‬
‫للتحرك باتجاه عزل مرسي‪ ،‬وهو ما يؤكد أن االنقالب جاء للرد على أي محاولة لالنتقاص من مصالح قيادة الجيش السياسية‬
‫‪.‬واالقتصادية وسلطتها شبه المطلقة‬
‫وينطبق األمر نفسه على الكتلة الصلبة للنخب المدينية في مصر‪ ،‬التي صوتت في كل االنتخابات بعد الثورة ضد مرشحي اإلخوان‪،‬‬
‫الذين لم يكونوا قد أظهروا بعد أي مؤشرات على انتهاج برنامج أيديولوجي ديني‪ ،‬ولم يكونوا أيضا قد تعرضوا لحملة إعالمية شرسة‬
‫‪.‬تتهمهم بمحاوالت تغيير "هوية" الشعب‪ /‬المصري كتلك التي حصلت تحديدا بعد ترشح مرسي للرئاسة‬

‫ويمكن القول إن هذه النخب صوتت للدولة العميقة في كل هذه االنتخابات بشكل متصاعد (باستثناء مدينة الجيزة القاهرية)‪ ،‬ألن هذه‬
‫الدولة تمثل مصالحها االقتصادية والسياسية‪ ،‬وتضمن استمرار تحكمها بالمال والسلطة والبيروقراطية المصرية‪ ،‬فيما صوتت القرى‬
‫‪.‬والصعيد عموما لإلخوان في كل االنتخابات باعتبار أن اإلخوان والتيارات اإلسالمية تمثل هذه الفئات بالمعنى الطبقي للكلمة‬

‫إن طبيعة تأسيس الدولة المصرية الحديث وتوزيع النفوذ فيها‪ ،‬ومسار األحداث الذي أعقب سقوط مبارك‪ ،‬يؤكدان أن الصراع"‬
‫القائم في مصر هو صراع طبقي اجتماعي أساسا‪ ،‬أما الدين فال يشكل منطلقا مركزيا لألحداث عند النخب المتمركزة حول السلطة‪،‬‬
‫"وإنما يتم استخدامه منها ومن جميع األطراف‬

‫ومن المعروف أن الغالبية العظمى من قيادات التيارات اإلسالمية واإلخوان خصوصا ينتمون طبقيا إلى أبناء القرى والصعيد‬
‫المهاجرين للقاهرة‪ ،‬حيث تقول كثير من الدراسات األكاديمية إن صعود الحركات اإلسالمية في مصر يرتبط بعوامل كثيرة من أهمها‬
‫الهجرات الداخلية التي نشطت بعد الستينيات بشكل الفت‪ ،‬وبالتالي فمن المتوقع أن تكون قاعدتهم الجماهيرية أكثر في القرى‬
‫‪.‬والصعيد‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يمكن فهم التصريحات الكثيرة التي صدرت عن معارضي اإلخوان أثناء المرحلة االنتقالية‪ ،‬والتي شككت‪ /‬في‬
‫نجاعة االنتخابات في بناء نظام ديمقراطي‪ ،‬باعتبار أن الكتلة التصويتية األكبر هي من "الفقراء الذين يمكن شراء أصواتهم" ومن‬
‫األميين‪ ،‬لدرجة أن البعض طالب بحصر االنتخابات في فئات معينة من الشعب‪ ،‬وهي تصريحات تؤكد ما نذهب إليه في تحليل دوافع‬
‫الصراع في مصر‪ ،‬وهي رفض النخب المدينية المتحالفة مع الدولة العميقة فكرة أن يحكمهم‪ /‬رئيس منتخب من قبل الفئات المهمشة‪/‬‬
‫‪.‬والفقيرة تاريخيا في مصر‬

‫وإضافة لكل ما سبق‪ ،‬فإن بعض التصريحات التي صدرت مؤخرا عن وزراء ومسؤولين في النخب الحاكمة واإلعالم تظهر طبيعة‬
‫الصراع الطبقي في مصر‪ ،‬كتصريحات وزير العدل المستقيل محفوظ صابر التي قال فيها إن أوالد "الزبالين" ال يفترض أن يعملوا‬
‫في القضاء‪ ،‬وتصريحات وزيرة التطوير الحضري والعشوائيات ليلى إسكندر التي حملت الصعايدة مسؤولية انتشار البؤر العشوائية‬
‫في القاهرة واإلسكندرية بسبب هجراتهم المتوالية لهاتين المدينتين‪ ،‬وتصريحات لوزير العدل الحالي أحمد الزند وقيادات أمنية‬
‫‪".‬مختلفة تؤكد أنهم "األسياد" وأن اآلخرين هم "العبيد‬

‫إن طبيعة تأسيس الدولة المصرية الحديث وتوزيع النفوذ فيها‪ ،‬ومسار األحداث الذي أعقب سقوط مبارك‪ ،‬يؤكدان أن الصراع القائم‬
‫في مصر هو صراع طبقي اجتماعي أساسا‪ ،‬أما الدين فال يشكل منطلقا مركزيا لألحداث عند النخب المتمركزة حول السلطة‪ ،‬وإنما‬
‫‪.‬يتم استخدامه منها ومن جميع األطراف في سبيل توسيع القاعدة الشعبية المؤيدة لهذا الطرف أو ذاك‬

‫يبقى القول إن تحديد ماهية الصراع ومنطلقاته ليس مجرد محاولة في البحث السوسيولوجي المجرد‪ ،‬بل يهدف إلى تحديد طبيعة‬
‫االصطفافات في معسكر الثورة السلمية ضد االنقالب‪ ،‬لتقوية هذا المعسكر‪ ،‬وتحييد الخالفات‪ /‬األيديولوجية في سبيل خوض معركة‬
‫اإلصالح لمصلحة الفئات المهمشة والفقيرة‪ ،‬ولتقليل سطوة تحالف العسكر والنخبة المدينية على مقدرات البالد‪ ،‬خصوصا أن مسألة‬
‫‪.‬الهوية العربية اإلسالمية في مصر محسومة لدى الغالبية العظمى من المصريين‪ ،‬باستثناء بعض األصوات الشاذة هنا وهناك‬
‫المصدر ‪ :‬الجزيرة‬

You might also like