You are on page 1of 19

‫الغذاء والتغذيةـ‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫منذ أن خلق هللا عز وجل اإلنسان وأعطاه القدرة على السعي واالنتشار‪ ،‬وه و يعم ل ب دأب للحص ول‬
‫على الغذاء الذي يتمكن ب ه من العيش والديموم ة واإلبق اء على ذات ه‪ ،‬مم ا جع ل الس عي نح و إش باع‬
‫رغبات الجسم وتلبية احتياجاته من الطعام أمرا فطريا وغريزيا‪ ،‬وهذا ما أكدته حادث ة أبين ا آدم علي ه‬
‫السالم وزوجه‪ ،‬إذ دفعتهما غريزة وش هوة الطع ام إلى نس يان أم ر هللا والوق وع في المعص ية ( ولق د‬
‫عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) طه (‪ ، )115‬ولعل ارتباط الغذاء بأول حاثة في تاريخ‬
‫البشرية يظهر بجالء أهمية الغذاء في حياة اإلنسان وفي التأثير على سلوكه‪.‬‬

‫ومن أن سكن اإلنس ان ه ذه األرض وه و يس عى بش كل دائم إلى ت أمين احتياجات ه من الغ ذاء ‪ ،‬ح تى‬
‫أصبح توفر الغذاء شرطا الزما لالستقرار واالستيطان ‪ ،‬وكان ب ذلك أن أص بح للزراع ة دور حاس م‬
‫في تطور الحياة البشرية واستقرارها وفي تكون المجتمعات وتطور المدنية ‪.‬‬

‫ومع تطور الحياة البش رية وازده ار الحض ارات ‪ ،‬إزداد اهتم ام اإلنس ان بالزراع ة وانت اج األغذي ة‬
‫المختلفة (الحيوانية والنباتي ة) ‪ ،‬ح تى غ دت عل وم الزراع ة والتغذي ة واإلغذي ة أب رز عل وم العص ر‬
‫الحديث‪.‬‬

‫ولقد سبق اإلسالم كل األمم بحثه المسلم على العمل والزراعة وطالب المس لمين بالج د واالجته اد في‬
‫طلب الرزق وتحري الحالل الطيب واالعتدال في النفقة بعيدا عن اإلسراف والتبذير‪.‬‬
‫الفصل األول‬

‫اإلسالم والغذاـء‬
‫الباب األول‬

‫أهمية الغذاءـ لجسم اإلنسان وحاجته إليه‬

‫تنبع أهمية اإلغذية ‪ ،‬مثل اللحوم بأنواعها والحب وب والبق ول والخض ار والفواك ه‪ ،‬من احتوائه ا على‬
‫العناصر الغذائية الالزمة النتاج الطاق ة ‪ ،‬وللقي ام بعملي ات البن اء والنم و والتك اثر وص يانة األنس جة‬
‫التالفة ‪ .‬ونظ را لع دم ق درة جس م اإلنس ان على تص نيع ه ذه العناص ر الغذائي ة‪ ،‬أو ع دم قدرت ه على‬
‫تصنيعها بكميات كافية ‪ ،‬كان لزاما على اإلنسان الحصول على هذه العناصر من خالل الغذاء‪.‬‬

‫وتنقس م العناص ر الغذائي ة ال تي يحتاجه ا جس م اإلنس ان إلى مجموع ات س ت رئيس ية وهي‪ :‬الم اء‬
‫والسكريات (الكربوهيدات) والبروتينات والدهون والفيتامينات والمعادن ‪ ،‬وفيم ا يلي نب ذة مختص رة‬
‫عن هذه المغذيات واهميتها لصحة اإلنسان وسالمته‪:‬‬

‫(‪ )1‬الماء ‪:‬‬

‫عنصر غذائي ضروري للجسم وله وظائف حيوية متعددة ويشكل الدعامة الرئيسة لحياة اإلنسان‬
‫وبقائه‪ .‬والماء يشكل نسبة عالية من تركيب الخاليا واألنسجة الحية‪ ،‬وهو من الناصر الغذائية المنتجة‬
‫للطاقة على الرغم من أهميته لجميع عمليات تمثيل الغذاء وانتاج الطاقة ‪ ،‬ولذلك كان ال بد من تناوله‬
‫باستمرار‪ ،‬حيث يحتاج اإلنسان البالغ إلى حوالي ‪ 4-3‬لتر ماء كل يوم‪.‬‬
‫(‪ )2‬السكريات (الكربوهيدات( ‪:‬‬

‫وهي مركبات عضوية تتكون من عناصر الكربون والهيدروجين واألوكسجين‪ ،‬وهي تقسم إلى أنواع‬
‫عدة نظرا لتوفرها في أنواع كثيرة من األغذية ‪ .‬وتنبع أهيمة الس كريات ‪ ،‬وخاص ة الذائب ة منه ا‪ ،‬من‬
‫كونها المصدر الرئيسي للطاقة في غذاء اإلنسان ‪ ،‬والكثير من الحيوانات المجترة‪.‬‬

‫بينما تشكل الكربوهيدات غير الذائبة ‪ ،‬والتي تعرف باأللياف الغذائية ‪ ،‬والمصدر الرئيسي للطاقة في‬
‫الحيوانات المجترة وآكلة األعشاب ‪ ،‬كما تلعب دورا هاما في المحافظة على صحة اإلنسان وحيويت ه‬
‫من خالل منع اإلصابة بأمراض اإلمساك وداء األمعاء الردبي وسرطان القولون‪.‬‬

‫(‪ )3‬الدهون ‪:‬‬

‫وهي مركبات عضوية تحتوي على عناص ر الكرب ون والهي دروجين واألوكس جين ‪ ،‬وتكمن أهميته ا‬
‫في دورها في تزويد الجسم بالطاقة الحرارية التي تبلغ ض عف الطاق ة الم أخوذة من الس كريات‪ .‬كم ا‬
‫تكمن أهمية الدهون في احتوائها على األحماض الدهنية ال تي يحتاجه ا الجس م وال يس تطيع تص نيعها‬
‫والتي تدخل في بن اء الخالي ا وتركيبه ا‪ .‬وتحت وي ال دهون باإلض افة إلى ذل ك الفيتامين ات الذائب ة في‬
‫الدهون‪ ،‬والتي تقوم بدور عامل في بناء أنسجة الجسم مثل شبكة العين والعظام ‪ ،‬وفي المحافظة على‬
‫نضارة الجلد وتماسكه‪.‬‬

‫(‪ )4‬البروتينات‪:‬‬

‫والبروتينات مركبات عضوية كبرة تتكون من وحدات بناء نيتروجينية تعرف بـ " األحماض األمينية‬
‫" ‪ ،‬وتتميز البروتينات باحتوائها على عنصر النيتروجين ال ذي يميزه ا عن الكربوهي دات وال دهون‪.‬‬
‫وللبروتينات دور هام وأساسي في بناء األنس جة وص يانتها ‪ ،‬وفي تجدي د الت الف منه ا‪ ،‬كم ا تس تخدم‬
‫البروتينات في إنتاج الطاقة في حال نقص الكربوهيدات في الغذاء وعند وجود فائض من البروتين ات‬
‫يزيد عنه احتياجات الجسم للبناء والصيانة‪.‬‬

‫(‪ )5‬الفيتامينات‪:‬‬

‫مجموعة من المركبات العضوية المعقدة في تركيبها ‪ ،‬ويتطلبه ا جس م اإلنس ان بكمي ات قليل ة نس بيا‪،‬‬
‫وهي ضرورية لص يانة نم و الجس م ووقايت ه من األم راض ‪ .‬وهي تقس م إلى مجموع تين كب يرتين ‪:‬‬
‫الفيتامينات الذائبة في الماء والفيتامينات االذائبة في الدهون‪.‬‬

‫(‪ )6‬العناصر المعدنية ‪:‬‬

‫وهي تش كل ‪ %4‬من وزن اإلنس ان ‪ ،‬ويتطلب الجس م بعض العناص ر بكمي ات كب يرة نس بيا وتس مى‬
‫العناصر الكبرى‪ ،‬ويتطلب الجسم بعضا منها ولكن بكميات صغيرة نسبيا وتسمى العناصر الص غرى‬
‫أو النزرة ‪ .‬وتلعب العناصر المعدنية دورا هاما في تنشيط التفاعالت الحيوية داخل الجسم وفي تنظيم‬
‫سوائل الجسم وتنظيم التوازن الحامضي – القاعدي فيه‪.‬‬

‫الباب الثاني‬
‫نظرة اإلسالم إلى الغذاء والتغذية‬
‫لما كانت الزراعة ض رورية لتوف ير الغ ذاء وت أمين احتياج ات اإلنس ان من ه‪ ،‬فق د حث اإلس الم على‬
‫االهتمام بالزراع ة باعتباره ا الرك يزة األساس ية في بن اء االقتص اد الق وي وت أمين الحي اة الكريم ة‪،‬‬
‫وباعتبارها المصدر األساسي وال رئيس في توف ير الغ ذاء ‪ ،‬فق ال ص لى هللا علي ه وس لم ‪" :‬ال يغ رس‬
‫المسلم غرسا وال يزرع زرعا فيأكل منه إنسان وال دابة وال ش يء إال ك انت ل ه ص دقة"‪ .‬رواه مس لم‬
‫عن جابر بن عبدهللا‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة ف إن اس تطاع‬
‫أال يقوم حتى يغرسها فليفعل " رواه أحمد عن أنس بن مالك‪.‬‬

‫كما حث اإلسالم على تنمية القطاع الزراعي وزيادة رفعته من خالل حثه على إعمار األرض الب وار‬
‫واستصالحها بالزراعة ‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬من أحيا أرضا ميتة فهي له" ‪ ،‬رواه الترمذي‬
‫عن جابر بن عبدهللا‪ ،‬كما نهى اإلسالم عن كل ما ي ؤدي إلى الض رر بالقط اع ال زراعي ويتس بب في‬
‫اإلخالل باألمن الغذائي ‪ ،‬فقال عليه الص الة والس الم ‪" :‬من قط ع س درة ص وب هللا رأس ه بالن ار" ‪،‬‬
‫رواه أبو داوود عن عبدهللا بن حبشي‪)( .‬‬

‫وقد أش ار الق رآن الك ريم على ه ذا المع نى من خالل نهي ه عن الفس اد واإلفس اد في األرض‪ ،‬وال ذي‬
‫يتضمن اإلضرار بالثروة الحيوانية والنباتية ‪ ،‬فقال تبارك وتعالى‪ { :‬ومن الناس من يعجبك قول ه في‬
‫الحياة الدنيا ويشهد هللا على ما في قلب ه وه و أل د الخص ام ‪ .‬وإذا ت ولى س عى في األرض ليفس د فيه ا‬
‫ويهلك الحرث والنسل وهللا ال يحب الفساد} البقرة (‪. )205‬‬

‫ونظرا لما يتطلبه الحصول على الغذاء من بذل للجهد والوقت ‪ ،‬ولما يحتاجه ذلك من تطوير ألساليب‬
‫العمل واإلنتاج والتصنيع‪ ،‬ومنه اإلنتاج والتصنيع الزراعي‪ ،‬فقد حث اإلسالم على العمل واالح تراف‬
‫والكسب الحالل الطيب‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬خير الكسب كسب ي د العام ل إذا نص ح" رواه‬
‫أحمد عن أبي هريرة ‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم حاثا على األكل من كس ب الي د الحالل‪ " :‬م ا أك ل‬
‫أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عم ل ي ده ‪ ،‬وإن ن بي هللا داود ك ان يأك ل من عم ل ي ده" ‪ ،‬رواه‬
‫البخاري‪ .‬كم ا دلت اآلي ة الكريم ة على ض رورة الس عي في طلب ال رزق والس ير في األرض وب ذل‬
‫الجهد في سبيل تأمين الرزق ‪ ،‬فقال جل من قائل‪ { :‬هو الذي جعل األرض ذلوال فامش وا في مناكبه ا‬
‫وكلوا من رزقه وإليه النشور} الملك (‪. )15‬‬

‫وق د حث اإلس الم أتباع ه على االنتف اع بم ا خل ق هللا لعب اده من الطيب ات بغي ة التع رف على نعم هللا‬
‫وعطاياه ‪ ،‬والتي من أظهره ا أن واع الطع ام المختلف ة ‪ ،‬ق ال ج ل وعال ‪ { :‬ولق د مكن اكم في األرض‬
‫وجعلنا لكم فيها معايش‪ ،‬قليال ما تشكرون} األعراف ( ‪ ،)10‬وقال عز من قائل ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا هلل إن كنتم إياه تعبدون} البقرة (‪. )172‬‬

‫كما حرم اإلسالم على أتباعه حرمان أنفسهم من التمتع والتلذذ بطيب ات م ا أح ل لهم من ال رزق فق ال‬
‫جل وعال‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا ال تحرموا طيبات ما أحل هللا لكم} وبين أن في ذلك تعديا على ح دود‬
‫هللا وتجاوزا ألوامر ‪ ،‬فقال جل وعال في آخر اآلية ‪ { :‬وال تعتدوا ‪ ،‬إن هللا ال يحب المعتدين} المائ دة‬
‫(‪ . )87‬وق ال ج ل من قائ ل‪ { :‬وكل وا مم ا رزقكم هللا حالال طيب ا واتق وا هللا ال ذي انتم ب ه مؤمن ون}‬
‫المائدة (‪ .)88‬وفي الربط م ا بين التق وى واألك ل من رزق هللا دلي ل واض ح وص ريح على ض رورة‬
‫االل تزام بمنهج هللا وتط بيق أوام ر واجتن اب نواهي ه‪ ،‬فيم ا يتعل ق بالحص ول على الغ ذاء وتناول ه ‪،‬‬
‫والتأكي د على ض رورة الح رص على الحالل وتجنب الح رام‪ ،‬لم ا ل ذلك من ت أثير كب ير على حي اة‬
‫اإلنسان وسلوكه ومعاشه‪.‬‬

‫ويظهر اهتمام اإلسالم بالغذاء من كونه يشكل مع قضية األجل القضية المحورية والعمود الفق ري في‬
‫حياة اإلنسان‪ ،‬وتبلور أفكاره وتبديد هواجسه‪ ،‬وكثيرا من الحروب األزمات النزاعات والخالف ات في‬
‫العالم سببها اقتصادي أو نتيجة ألزمة غذاء‪.‬‬
‫الباب الثالث‬
‫فلسفة التغذية في اإلسالم‬
‫إن اإلسالم قد ربط كل عمل يقوم به المسلم في حياته بغاية عظمى وهدف سام يعيش له المسلم‬
‫ويحيى من أجله‪ ،‬أالوهو تحقيق العبودية هلل عز وجل‪ { ،‬قل إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هلل‬
‫ب العالمين} األنعام (‪ )162‬وما أمروا إال ليعبدوا هللا مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصالة‬
‫ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} البينة (‪. )5‬‬

‫والتغذي ة ش أنها ش أن أي مف ردة من مف ردات حي اة اإلنس ان المس لم غايته ا التق وي على طاع ة هللا‬
‫واالستعانة بهذا الغ ذاء في توف ير الطاق ة الالزم ة للجس م وللمحافظ ة على ص حته بم ا يض من بق اءه‬
‫واستمراره على تأدية الواجبات والقيام بحقوق العبودية هلل عز وجل واعمار األرض وفق منهج هللا‪.‬‬

‫وهذا ما دل علي ه أح د الس لف الص الح رض وان هللا عليهم ‪ " :‬إني ألحتس ب هلل أكل تي وش ربتي كم ا‬
‫أحتسب نومتي وقومتي" ‪ .‬وقد كان لهذه الفلسفة األثر الكبير في ترشيد نظ رة المس لم للغ ذاء وترش يد‬
‫التعامل معه‪ ،‬فهو يعتبره وسيلة ال غاية يجهد من أجلها وفي سبيل تحقيقه ا إش باعا لرغبات ه وش هواته‬
‫نفسه ‪ ،‬وهو بذلك يضمن لنفسه أن يجنبها غوائل اإلسراف والتبذير في طلب الطع ام وتناول ه ويك ون‬
‫بذلك أيضا قد أعفى نفسه من الكثير من المشاكل الصحية ‪.‬‬

‫وفي هذا المعنى يصدق حديث النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬تعس عب د ال درهم ‪ ،‬تعس عب د ال دينار‪،‬‬
‫وتعس عبد القطيفة ‪ ،‬تعس عبد الخبيصة ( وهي نوع من أن واع الطع ام) ‪ ،‬تعس وانتكس ‪ ،‬وإذا ش يك‬
‫فال انتقش" ‪ ،‬وبما أن اإلسالم ق د أوجب على اتباع ه حف ظ أجس امهم وتجنبه ا ك ل م ا يؤذيه ا ويلح ق‬
‫الضرر بها { وال تقتلوا أنفسكم ‪ ،‬إن هللا كان بكم رحيما} ‪ ،‬وق ول الن بي ص لى هللا علي ه وس لم ‪ " :‬ال‬
‫ضرر وال ضرار" ‪ ،‬فقد أصبح تباعا من الواجب ش رعا على المس لم أن يعت ني بغذائ ه وأن يح رص‬
‫على تلبي ة احتياج ات جس مه من جمي ع العناص ر الغذائي ة ال تي يض من توفره ا اإلبق اء على الجس م‬
‫صحيحا سليما بعيدا عن األمراض‪ ،‬وكذلك الحرص على تجنب األغذية الضارة التي تسبب المش اكل‬
‫الصحية واألمراض للجسم‪.‬‬

‫الباب الرابعـ‬
‫إسهام الحضارة اإلسالمية في مجال علوم الغذاء والتغذية‬
‫لقد انعكست نظرة المسلم إلى الغذاء على حياة العرب في صدر اإلسالم ‪ ،‬إذ لم يهتم العرب كث يرا في‬
‫تحسين وتطوير أطعمتهم ‪ ،‬ولم يعرف عنهم التفنن في ذلك‪ ،‬بل سلكوا أسلوب التقلي د لألمم والش عوب‬
‫األخرى التي دخلت اإلسالم فيم ا بع د‪ ،‬فك ان أن تع رف الع رب على تقالي د ه ذه األمم والش عوب في‬
‫تحض ير األطعم ة والوجب ات‪ ،‬وك ان أن انتلقت إليهم العدي د من األكالت والطبخ ات ال تي م ا زالت‬
‫تحتفظ بأسمائها غير العربية حتى يومنا هذا ‪ ،‬مثل ‪ :‬الكباب والبرياني والق وزي والبرغ ل والطرش ي‬
‫والشركسي والكشري والمعكرونة وغيرها من األطعمة واإلغذية‪)(.‬‬
‫ومع مرور الوقت‪ ،‬واتساع رقعة األقطار اإلسالمية ‪ ،‬أصبح لدى علماء المسلمين اهتماما متزاي دا في‬
‫تدبير األطعمة وعاداتها وآدابه ا‪ ،‬فك ان أن ظه رت بعض الكتب ال تي تهتم به ذا الش أن ‪ ،‬مث ل كت اب‬
‫(الوالئم) لشمس الدين محمد بن علي بن طول ون الدمش قي (‪ ، )1546-1475‬وكت اب ( آداب األك ل)‬
‫البن عماد األفقهبي (‪ ، )1405-1349‬وكتاب (تدبير األطعمة) للكندي (‪)(. )856-801‬‬

‫االعتدال واإلسراف‪:‬‬
‫ولم يقتصر اسهام الحضارة اإلسالمية على تدبير شؤون الغذاء وعادات ه فحس ب‪ ،‬ب ل ك ان له ا األث ر‬
‫األبرز في تطوير المفاهيم الغذائية والتغذوية والصحية ‪ ،‬وفي تكوين السلوك التغذوي الس ليم وإب راز‬
‫الغذاء كعامل مهم في صحة اإلنسان ‪ ،‬وهو ما كان يشكل سبقا حضاريا وإعجازا علمي ا يؤك د ص دق‬
‫النبوة والرسالة المحمدية‪.‬‬

‫فق د حثت آي ات الق رآن الك ريم على ع دم التب ذير واإلس راف في تن اول الطع ام‪ ،‬وعلى س لوك منهج‬
‫التوسط واالعتدال في كل شؤون الحياة‪ ،‬فقال جل وعال‪ { :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكون وا ش هداء‬
‫على الن اس ويك ون الرس ول عليكم ش هيدا} البق رة (‪ ، )143‬وق ال ع ز من قائ ل‪ { :‬وأقيم وا ال وزن‬
‫بالقسط وال تخسروا الميزان} الرحمن وأفردت آيات القرآن الكريم مساحة خاصة للغ ذاء ‪ ،‬فق ال ع ز‬
‫وجل‪ { :‬وكلوا واشربوا وال تسرفوا‪ ،‬إنه ال يحب المسرفين} األعراف (‪ . )31‬وق د وردت في الس نة‬
‫النبوية األدلة الموجهة الى النهي عن اإلكثار واإلف راط في تن اول الطع ام والش راب‪ ،‬فق ال ص لى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬ما مأل ابن آدم وعاء من شر من بطنه ‪ ،‬بحسب ابن آدم لقيمات يقمن أوده‪ ،‬فإن ك ان ال‬
‫بد فاعل فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"‬

‫ودلت دراسات العلم الحديث على أن الس منة الناجم ة عن اإلف راط في تن اول الطع ام تع د من أخط ر‬
‫أمراض العصر‪ ،‬إذ ينشأ عنها العديد من األم راض ال تي ته دد حي اة اإلنس ان وتعرض ه للهالك مث ل‬
‫أمراض السكري وارتف اع ض غط ال دم وتص لب الش رايين والنق رس‪ ،‬وه ذا م ا يؤك د ص حة المقول ة‬
‫المأثورة ‪ " :‬المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء"‪.‬‬

‫كما جاءت اآليات القرآني ة واألح اديث الش ريفة بتخص يص ذك ر األطعم ة ك اللحوم والتم ر والعس ل‬
‫واللبن وتبيان أهميتها وفائدتها الص حية والتغذوي ة ‪ ،‬فق ال ج ل وعلى مبين ا أهمي ة العس ل الص حية ‪:‬‬
‫{ فيه شفاء للناس} النحل ( ‪ ، )69‬وقال صلى عليه هللا عليه وسلم منبها إلى أهمية التم ر الغذائي ة ‪" :‬‬
‫بيت ال تمر فيه جياع أهله" رواه مسلم وأحمد ‪ ،‬وقد ورد عنه صلى هللا عليه وسلم أنه ك ان إذا ش رب‬
‫اللبن (الحليب) قال ‪ " :‬اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه‪ ،‬وكان إذا أكل أو شرب غ يره من األغذي ة ق ال ‪:‬‬
‫" هللا بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه" ‪.‬‬

‫وكانت المعالجة باألغذية لألمراض من أهم أسس العالج الطبي لكثير من األمراض في المستش فيات‬
‫في الحواض ر اإلس المية في العص رين األم وي والعباس ي‪ ، )( .‬وج اء تخص يص األغذي ة في كتب‬
‫األطب اء المس لمين ‪ ،‬ك الرازي (‪ )932-850‬وابن س ينا (‪ ، )1037-980‬وق د لخص ابن س ينا كت اب‬
‫(القانون في الطب) في منظومته المشهورة " األرجوزة في الطب) والتي أظهر فيه ا اهتمام ه الكب ير‬
‫باألغذية والمعالجة به ا‪ ،‬ومن األمثل ة على الكتب األخ رى ال تي ألفه ا العلم اء المس لمون في التغذي ة‬
‫كتاب (األشربة) البن ماسويه (‪ )857-777‬وكتاب (تدبير األصحاء ب المطعم والمش رف) لح نين ابن‬
‫اسحق (‪ )873-809‬و(االرجوزة في الحميات) البن ع زروت و (األرج وزة في األغذي ة والتري اق)‬
‫للسنان الدين ابن الخطيب (‪. )1375-1313‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫أحكام األغذية (األطعمة واألشربة) في اإلسالم‬
‫الباب األول‬
‫أحكام الذبح وآدابه‬
‫عني اإلسالم بوضع األحكام الشرعية التي تنظم عملية الذبح للحيوانات التي يحل أك ل لحومه ا ‪ ،‬لم ا‬
‫لعملية الذبح من تأثير كبير على صحة وسالمة هذه اللحوم ‪ ،‬وم ا ينتج عن ذل ك من ت أثير كب ير على‬
‫صحة اإلنسان ‪ ،‬ولقد حققت الشريعة اإلسالمية سبقا حضاريا بف رض ال ذكاة الش رعية على م ا يح ل‬
‫أكله من الحيوانات (كاألنعام واإلبل والماشية) ‪ ،‬وبوضع العدي د من اآلداب واألحك ام الش رعية أثن اء‬
‫عملية الذبح‪: )( .‬‬

‫فمن ذلك ضرورة التقيد بالذكاة الشرعية ‪ ،‬وهي ذبح الحيوان أو نحره بقطع حلقومه (مجرى‬ ‫●‬
‫النفس) أو مريئه (مجرى الطعام والشراب من الحلق) () وينطبق ذلك على كل حي وان يح ل‬
‫أكله ما عدا السمك والجراد‪ .‬وتكمن اهمية الذكاة في تسهيل خوج وتدفق الدم من داخ ل جس م‬
‫الحي وان‪ ،‬حيث يحم ل ال دم داخ ل الجس م العدي د من المركب ات الس امة مث ل المركب ات‬
‫النيتروجينية (اليوريا وحمض البول واألمونيا) وغاز ث اني أكس يد الكرب ون ‪ ،‬باالض افة إلى‬
‫أنه ناقل لبعض السموم من األمعاء إلى الكبد ‪ ،‬والتي قد يؤدي تناوله ا إلى اإلض رار بص حة‬
‫اإلنسان وتسبيب األمراض له‪.‬‬
‫أن يذكر اسم هللا سبحانه وتعالى على الحيوان المراد تذكيته ‪ ،‬لقوله تعالى ‪{ :‬فكلوا مم ا ذك ر‬ ‫●‬
‫اسم هللا عليه إن كنتم إي اه تعب دون} االنع ام (‪ ،)118‬وقول ه ج ل وعال‪ { :‬وال ت أكلوا مم ا لم‬
‫يذكر اسم هللا عليه وإنه لفسق} األنعام (‪. )121‬‬
‫أن تكون األداة المس تخدمة في ذبح الحي وان ح ادة ح تى تتم عملي ة ال ذبح بس رعة وس هولة‪،‬‬ ‫●‬
‫ولكي تقل معاناة الحيوان أثناء الذبح ‪ ،‬ويعد هذا األمر سبقا حضاريا آخ ر في مج ال التعام ل‬
‫مع الحيوان والرفق به وعدم تعذيبه ‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬إن هللا كتب اإلحسان على‬
‫كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحس نوا الذبح ة ‪ ،‬وليح د أح دم ش فرته ول يرح‬
‫ذبيحت ه" رواه مس لم عن ش داد بن أوس‪ .‬وفي الحث على إراح ة الحي وان قب ل ذبح ه حكم ة‬
‫جليلة أظهرتها الدراسات العلمية الحديثة ‪ ،‬إذ أن إراح ة الحي وان قب ل ال ذبح أم ر ض روري‬
‫للحصول على لحم ذي طعم مستساغ‪ ،‬حيث يتحول الجاليكوجين الوج ود في العض الت بع د‬
‫ذبح الحيوان إلى حامض الالكتي ك (ح امض اللبن) وال ذي يق وم ب دور حاف ظ للحم ‪ ،‬وك ذلك‬
‫يعمل على تطرية اللحم حيث يقوم ه ذا الح امض خالل ف ترة تعلي ق الحي وان بتغي ير طبيع ة‬
‫البروتين في اللحم مما يعمل على تطريته‪ ،‬وفي حال تعرض الحيوان لإلجهاد قبل الذبح ف إن‬
‫ذلك س يؤدي إلى اس تنفاد كمي ة الجاليك وجين ‪ ،‬ومن ثم التقلي ل من تك ون ح امض الالكتي ك‬
‫بدرجة كبيرة فال تتم عملية التطرية بشكل جيد‪.‬‬

‫الباب الثاني‬
‫األغذية المحرمة في اإلسالم‬
‫إن من مقاصد الشريعة اإلسالمية الغراء حفظ الدين والعقل والنفس والجنس(النسل) والمال‪ ،‬وقد عمد‬
‫الشارع الحكيم إلى تحريم كل ما من شأنه أن يخل بتحقيق هذه المقاصد ‪ .‬والقاعدة الشرعية التي تحكم‬
‫التعامل مع مكونات الطبيعة وما أوجده عز وجل فيها هي أن األصل في الشيء اإلباحة لقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ وس خر لكم م ا في الس ماوات وم ا في األرض جميع ا من ه} الجاثي ة (‪ ، )45‬إال م ا ورد نص على‬
‫تحريمه مثل النجس وما اختلط بنجس والضار والمسكر وكل ما تأنفه النفس الس وية وال تس تطيبه من‬
‫األوساخ والقاذورات ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬ويسألونك م اذا أح ل لهم‪ ،‬ق ل أح ل لكم الطيب ات} المائ دة (‪.)4‬‬
‫ويق ول تع الى في ص فة نبي ه ص لى هللا علي ه وس لم ‪{ :‬ويح ل لهم الطيب ات ويح رم عليهم الخب ائث}‬
‫األعراف (‪. )175‬‬

‫الخمـــــــــــــــــــــــر‬
‫الخمر هو المادة الناتجة عن التخمر الالهوائي للسكريات البسيطة الموجودة في بعض انواع الحب وب‬
‫والفواكه مث ل الش عير والتم ر والعنب والعس ل‪ ،‬إذ ينتج عن ه تخم ر ه ذه الس كريات بفع ل أن واع من‬
‫الفطريات (الخمائر) انت اج م ادة الكح ول ‪ ،‬وهي م ادة اإليث انول (الكح ول األثيلي)‪ )( .‬والخم ر كم ا‬
‫عرفه سيدنا عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أنه ‪ " :‬ما خامر العقل" أي اختلط به فغطاه وحجب ه عن‬
‫العم ل بص ورته الطبيعي ة ال تي خلق ه هللا ع ز وج ل عليه ا‪ ،‬فيص بح اإلنس ان مغيب ا عن ه نفس ه وعن‬
‫محيطه‪ ،‬فيتصرف بغير هدى من عقله ورشده‪ ،‬فيحصل الفساد واإلفساد في األرض ‪.‬‬

‫يقول رسولنا الكريم صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬كل مسكر خمر وك ل مس كر ح رام" رواه مس لم وأحم د‬
‫والترمذي والنسائي‪ .‬ويقول صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬م ا أس كر كث يره فقليل ه ح رام" رواه أحم د وأب و‬
‫داود والترمذي والنسائي وابن ماجة‪.‬‬

‫ونظرا لما يؤديه شرب الخمر من أضرار بالعقل والجسم وما يلحق ذلك من ص د عن س بيل هللا وعن‬
‫الصالة وايقاع العداوة والبغضاء ‪ ،‬فقد شدد اإلسالم في تحريمه وغلظ في عقوبة شاربه‪ ،‬فقال عز من‬
‫قائل‪ { :‬يسألونك عن الخمر والميسر ‪ ،‬قل فيهم ا إثم كب ير ومن افع للن اس وإثمهم ا أك بر من نفعهم ا}‬
‫البقرة (‪ ، )219‬وقوله تعالى‪ { :‬يا أيها الذين آمن وا إنم ا الخم ر والميس ر واألنص اب واألزالم رجس‬
‫من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلح ون‪ .‬إنم ا يري د الش يطان أن يوق ع بينكم الع داوة والبغض اء في‬
‫الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر هللا وعن الصالة ‪ ،‬فهل أنتم منتهون} المائدة (‪ . )91-90‬كم ا ش دد‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم في تحريمه والتنفير منه كل ما يؤدي إليه ومن المعاونة عليه‪ ،‬وجعل جزاء‬
‫ذلك اللعنة ‪ ،‬أي الطرد من لعنة هللا ‪ .‬فعن أنس بن مالك رضي هللا عنه أن رس ول هللا ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم لعن في الخمر عشر‪ :‬عاصرها ومعتصرها وشاريها وحاملها والمحمولة إلي ه وس اقيها وبائعه ا‬
‫وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له"‪.‬‬

‫وقد أكدت األبحاث العلمية أن تناول الخم ر ي ؤدي إلى العدي د من األض رار على ص حة اإلنس ان‪ ،‬إذ‬
‫ينتج عنه تمثيل الكحول داخل الجسم انت اج م واد كيميائي ة تض ر بال دماغ والعض الت والكلى والكب د‬
‫والقلب () ‪ ،‬ه ذا باالض افة إلى المش اكل واألض رار االقتص ادية واالجتماعي ة والجمالي ة ‪ ،‬والتس بب‬
‫بأمراض سوء التغذية الكثيرة ومنها‪:‬‬

‫يقلل تناول الكحول من تناول األطعمة األخرى ال تي تحت وي على العناص ر الغذائي ة المفي دة‬ ‫‪.1‬‬
‫للجسم ‪ ،‬فالكحول مصدر للطاقة الفارغة ويعطي اإلنسان قناعة وهمي ة بالش بع‪ ،‬فيع زف عن‬
‫تناول األطعمة األخرى‪.‬‬
‫يسبب تناول الكحول التهابات في المعدة واألمع اء والبنكري اس ‪ ،‬في ؤثر على عملي ة الهض م‬ ‫‪.2‬‬
‫واالمتصاص ويؤدي ذلك إلى سوء امتصاص العناصر الغذائية مثل المع ادن والفيتامين ات ‪،‬‬
‫وخاصة فيتامينات (ب) المركبة الذائبة في الماء وفيتامين (ج) ‪.‬‬
‫الكحول ومخلفاته التمثيلية في الكبد تؤدي إلى تشمع الكب د الكح ولي ال ذي ي ؤدي إلى الوف اة‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وتشير االحصاءات الى أنه يموت سنويا في فرنسا ‪ 25000‬وفي المانيا ‪ 16000‬بس بب ه ذا‬
‫المزمن ‪ ،‬كما يؤدي الن واتج التمثيلي ة إلى تقلي ل اإلس تفادة من الفيتامين ات والمع ادن فتح دث‬
‫أعراض النقص لها مثل‪:‬‬
‫أم راض نقص فيت امين (ب ‪ )1‬مث ل ال بري ب ري وهب وط القلب وض عف الترك يز واإلب داع‬ ‫●‬
‫وااللتهاب العصبي الكحولي‪.‬‬
‫مرض الحصاف ( البالغرا) الناتج عن نقص فيتامين (ب‪( )3‬النياسين) ‪.‬‬ ‫●‬
‫مرض فقر الدم الناتج عن نقص فيتامين (ج) و ( (ب‪ )12‬وحمض الفوليك‪.‬‬ ‫●‬
‫أمراض نقص عنصر الزنك كالقزمة (قصر القامة) وتأخر البلوغ والنضوج الجنسي وت أخر‬ ‫●‬
‫النمو وضعف اإلفرازات الجنسية واالجهاض عند الحوامل وضعف مناعة الجسم‪.‬‬
‫أمراض نقص فيتامين (أ) كالعشى الليلي وتأثر اإلفرازات الجنسية‪.‬‬ ‫●‬
‫يزيد الكحول من نسبة أطراح بعض العناصر الغذائية في البول وخاص ة العناص ر المعدني ة‬ ‫●‬
‫الكبرى كالمغنيسوم والزنك‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكحوليون يعرضون أنفسهم لنقص المناعة ضد األمراض‪.‬‬

‫(‪ )2‬يقترن تناول الكحول بزيادة نوبات مرض النقرس‪.‬‬

‫(‪ )3‬إن ‪ %90‬من مرض سرطان المعدة هم من الكحوليين وان معظم حاالت سرطان الرأس (اللسان‬
‫وقاعدة الفم والبلعوم والمريء واللوزتين) تكون في المدمنين على الخمر‪.‬‬

‫(‪ )4‬حصول التخلف العقلي والتشوه الخلقي في األطفال الذين يولدون ألمهات مدمنات‪.‬‬

‫(‪ ) 5‬اإلسهام بفاعلية في زيادة األمراض الصدرية وخاصة مرض السل الرئوي وااللتهابات الرئوية‬
‫الحادة‪.‬‬

‫(‪ ) 6‬إن خاليا الجهاز الهضمي هي أكثر تعرضا لخطر الكحول‪ ،‬إذ تتأثر خاليا قشرة المخ المسؤولة‬
‫عن التفكير واالرادة ‪ ،‬كما يؤدي تناول الخمر إلى التهاب االعصاب الطرفي المتعدد الذي يسبب شلل‬
‫األطراف العلوية (اليدين والساعدين) واألطراف السفلية (القدمين والساقين) ‪ .‬ومن هذا كله يظهر لنا‬
‫جليا ما انطوى عليه تحريم الخمر من حكم جليلة وعظيمة‪ ،‬كما يظهر لنا حجم المعاناة والمأساة التي‬
‫تعانيها البشرية نتيجة البتعادها عن حكم هللا عز وجل وأمره { أفحكم الجاهلية يبغون ‪ ،‬ومن أحسن‬
‫من هللا حكما لقوم يوقنون} المائدة (‪ ، )50‬فقد أظهر تقرير لمنظمة الصحة العالمية ‪ ،‬نوفمبر‬
‫‪ ، 1978‬أن " مشكلة تناول الكحول في سائر أنحاء العالم هي من األهمية بحيث تحتاج إلى عمل‬
‫ضخم وسريع من قبل منظمة الصحة العالمية" وأشار التقرير إلى أن " المشكالت الناتجة عن تناول‬
‫الكحول تشكل عائقا هاما في طريق التنمية االجتماعية واإلقتصادية ‪ ،‬باضافة إلى أنها تستهلك كل‬
‫اإلمكانات الصحية لتلك الدول ما لم تتخذ التدابير المناسبة"‪)( .‬‬

‫األغذية الحيوانية المحرمة‬


‫قال هللا تعالى في محكم كتابه العزيز‪ { :‬حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ‪ ،‬وما أه ل لغ ير هللا‬
‫به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إال م ا ذكيتم ‪ ،‬وم ا ذبح على النص ب وأن‬
‫تستقسمها باألزالم ‪ ،‬ذلكم فسق} المائدة (‪ .)3‬وقال جل من قائل‪ { :‬فل ال أجذ فيم ا أوحي إلي محرم ا‬
‫على طاعم يطعمه إال أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس‪ ،‬أو فسقا أه ل لغ ير هللا‬
‫به ‪ ،‬فمن اضطر غير باغ وال عاد فإن رب ك غف ور رحيم} األنع ام (‪ . )145‬وق د أثبت العلم الح ديث‬
‫الكثير من الحقائق العلمية التي تؤيد تحريم هذه األطعمة لما تتضمنه من مفاسد وأض رار على ص حة‬
‫اإلنسان‪:‬‬

‫(‪ )1‬الميتة‪:‬‬

‫وهي م ا م ات حت ف أنف ه س واء موت ا عادي ا أو بالش يخوخة أو باالص ابة ب األمراض أو بال ذبح دون‬
‫اإللتزام باذكاة الشرعية‪)( :‬‬

‫فالموت بسبب الشيخوخة ينجم عن تحلل األنسجة وتلفها‪ ،‬والذي ينتج عن ضعف ط بيعي في‬ ‫●‬
‫الحيوان أو عن مرض غير منظور ‪ ،‬فيحدث ذلك تغيرات في لحم الحي وان ويقل ل من قيمت ه‬
‫الغذائية وقابليته للهضم ‪ ،‬فضال عن األضرار المتعلقة بانحباس الدم ‪.‬‬
‫أما الميتة بسبب مرض من األم راض الفتاك ة ال تي تص يب الحيوان ات مث ل الس ل والجم رة‬ ‫●‬
‫الخبيث ة (االن ثراكس) وجراثس م الس المونيال والكلس تريديوم وغيره ا‪ .‬فتن اول لح وم ه ذه‬
‫الحيوانات يشكل خطورة على صحة اإلنسان ‪ ،‬ألن الميكروبات المس ببة له ذه األم راض م ا‬
‫تزال متواجدة ونشطة وقد تقوم بإفراز سمومها‪.‬‬

‫وقد رخص الشارع الحكيم بتناول أنواع من الميتة مثل لح وم الس مك والج راد‪ ،‬كم ا ص ح عن الن بي‬
‫صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬أحلت لنا ميتت ان ‪ :‬الس مك والج راد‪ ،‬ودم ان ‪ :‬الكب د والطح ال" رواه‬
‫أحمد والشافعي وابن ماجة والبيهقي والدار قطني‪.‬‬

‫(‪ )2‬الدم‪:‬‬

‫أي الدم المسفوح () ‪ ،‬إذ يعد الحيوان المسفوح من أفضل البيئات لنمو الجراثيم الضارة والممرض ة ‪،‬‬
‫لذلك كانت حكمة تحريم تناوله‪ .‬وقد أثبتت الدراسات الحديث ة أن ال دم حام ل لع دد كب ير من الج راثيم‬
‫والسموم والفضالت الضارة الناتجة عن عمليات األيض والتمثيل الغذائي وعمليات اله دم والبن اء في‬
‫األنسجة () ‪ .‬ويؤدي تناول الدم عن طريق الضم إلى ارتفاع اليوريا في دم اإلنسان مما قد ي ؤثر على‬
‫المخ ويسبب الغيبوبة المفاجئة‪.‬‬

‫(‪ )3‬لحم الخنزير‪:‬‬

‫والخنزير حيوان قذر يعيش على األوساخ والقاذورات ‪ ،‬وهو ما تأباه النفس الس وية وتعاف ه وت رفض‬
‫تناوله ‪ ،‬لما فيه من إخالل بطبع اإلنس ان ومزاج ه الس وي ال ذي خلق ه هللا ع ز وج ل في ه {لق د خلقن ا‬
‫اإلنسان في أحسن تقويم} التين (‪ .)4‬ولعل من الجدير بالذكر أن تح ريم لحم الخ نزير ك ان قطعي ا في‬
‫أية واحدة‪ ،‬بينما كان تحريم الخمر تدريجيا ونزلت آيات تحريمه على ثالث مراحل‪ ،‬ولعل هذا األم ر‬
‫يرجع إلى طبيعة العرب آذاك إذ كان الخمر من أكثر األمور شيوعا في حي اتهم ‪ ،‬وك ان من الص عب‬
‫على النفس البشرية التي اعتادت عليه أن تقلع عنه قطعيا خالل فترة وجيزة وبدون تدرج‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫للحم الخنزير فقد كان التحريم قطعيا بغير تدرج ألن العرب لم يكون وا ق د تع ودوا على تناول ه بش كل‬
‫مستمر‪.‬‬
‫وقد أجمع العلماء على تحريم جميع أجزاء الخنزير‪ ،‬وذك ر اآلي ة للحم الخ نزير ه و من ب اب المج از‬
‫اللغوي ‪ ،‬إذ أطلق هللا عز وجل الجزء ( وه و اللحم) وأراد الك ل ( وه و جمي ع الخ نزير) ‪ ،‬ألن اللحم‬
‫هو الجزء األهم والمأكول من الخنزير ‪ ،‬وقد أثبت العلم الحديث الحقائق التالية المتعلقة بلحم الخنزير‪:‬‬

‫يعد لحم الخنزير من أكثر أنواع اللحوم الحيوانية ال تي تحت وي م ادة الكوليس ترول الدهني ة ‪،‬‬ ‫●‬
‫والتي تقترن زيادتها في دم اإلنسان بزيادة فرص االصابة بتصلب الشرايين واحتشاء عضلة‬
‫القلب‪ .‬كما أن تركيب األحم اض الدهني ة في لحم الخ نزير ت ركيب ش اذ غ ريب يختل ف عن‬
‫ت ركيب األحم اض الدهني ة في األغذي ة األخ رى‪ ،‬مم ا يجع ل امتصاص ها أس هل بكث ير من‬
‫غيرها في األغذية األخرى وبالتالي زيادة كوليسترول الدم‪.‬‬
‫يساهم لحم الخنزير ودهنه في انتشار سرطان القولون والمستقيم والبروتستاتا والثدي والدم ‪.‬‬ ‫●‬
‫بسبب لحم الخنزير ودهنه اإلصابة بالسمنة وأمراضها التي يصعب معالجتها‪.‬‬ ‫●‬
‫بسبب تناول لحم الخنزير الحكة والحساسية وقرحة المعدة‪.‬‬ ‫●‬
‫بسبب تن اول لحم الخ نزير االص ابة بالتهاب ات الرئ ة والناتج ة عن ال دودة الش ريطية ودودة‬ ‫●‬
‫الرئة والتهابات الرئة الميكروبية‪.‬‬

‫وتتمث ل أهم مخ اطر تن اول لحم الخ نزير في احت واء لحم الخ نزير على ال دودة الش ريطية وتس مى‬
‫تينياسوليم التي يصل طولها إلى ‪ 3-2‬متر‪ .‬ويؤدي نمو بويضات هذه الدودة في جسم اإلنسان فيما بعد‬
‫إلى اإلصابة بالجنون والهس تيريا في ح ال نم و ه ذه البويض ات في منطق ة ال دماغ‪ ،‬وإذا م ا نمت في‬
‫منطقة القلب فإنها تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وح دوث نوب ات قلبي ة ‪ ،‬ومن أن واع الدي دان األخ رى‬
‫التي تتواج د في لحم الخ نزير دودة التريك انيال الش عرية الحلزوني ة المقاوم ة للطبخ وال تي ق د ي ؤدي‬
‫نموها في الجسم إلى اإلصابة بالشلل والطفح الجلدي‪.‬‬

‫(‪ )4‬ما أهل لغير هللا به‪:‬‬

‫ويحرم اإلسالم أكل كل ما ذبح لغير هللا أو ذكر عليه غير اسم هللا عز وجل‪ ،‬يقول هللا تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫{ وال تأكلوا مما لم يذكر اسم هللا عليه وإنه لفسق} األنعام (‪ ، )121‬وه ذا األم ر يؤك د ارتب اط غ ذاء‬
‫اإلنسان بعقيدته وأنه جزء من منظومة العبودية هلل عز وج ل‪ ،‬فاألك ل من غ ير م ا ذبح هلل دلي ل على‬
‫موافقة األكل لهذا األمر وإقراره عليه‪.‬‬

‫(‪ )5‬المنخنقةوالموقوذة والمتردية والنطيحة ‪:‬‬

‫والمنخنقة‪ :‬هي التي تخنق فتموت‪.‬‬

‫والموقوذة‪ :‬هي التي ضربت بعصا أو بحجر فقتلت‪.‬‬

‫والمتردية‪ :‬هي التي تردت من مكان عال فماتت‪.‬‬

‫والنطيحة‪ :‬هي التي تنطحها أخرى فتقتلها‪.‬‬

‫والحيوانات في مثل هذه الحاالت ال يحل أكلها ألنها ماتت أو قتلت بغير ال ذكاة الش رعية ال تي تس اعد‬
‫على خ روج ال دم الض ار من الجس م‪ ،‬ول ذلك فهي تحم ل الج راثيم الض ارة وت ؤدي إلى اإلص ابة‬
‫باألمراض ‪ ،‬لذلك كانت حكمة تحريم أكل هذه اللحوم‪.‬‬

‫(‪ )6‬ما أكل السبع إال ما ذكيتم‪:‬‬


‫والمقصود به هو ما جرحه الحيوان المفترس () ‪ ،‬وتبقى جزء من جثت ه بع د أك ل كفايت ه منه ا‪ .‬ولم ا‬
‫كانت الحيوانات المفترسة عادة ما تأكل الجيف الحاملة للجراثيم الممرضة‪ ،‬ف إن ه ذه الج راثيم تنتق ل‬
‫إلى الفريسة الجديدة عن طريق الحيوان المفترس ‪ ،‬فيسبب ذلك حصول األمراض عن أكل لحومها‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن اإلسالم حرم أكل لحوم الحيوانات المفترسة والجارحة التي تتغذى على لح وم‬
‫حيوانات أخرى‪ ،‬مثل السباع والقطط والكالب‪ ،‬باالضافة إلى الطي ور الجارح ة مث ل الص قر والنس ر‬
‫والعقاب‪ ،‬لقول النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬إن هللا حرم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب‬
‫من الطير" رواه اإلمام مالك في الموط أ‪ .‬وتتم يز لح وم ه ذه الحيوان ات بالش دة والقس اوة بس بب ش د‬
‫العضالت في جسمها وكبر ححمه ا ‪ ،‬وذل ك لتناس ب م ع حاجاته ا في مالحظ ة ومهاجم ة الحيوان ات‬
‫ومصارعتها والتغلب عليها الفتراسها ‪ ،‬فيصعب لذلك هضم وبلع هذه اللحوم واالستفادة منها‪.‬‬

‫(‪ )7‬تحريم الجاللة ‪:‬‬

‫والجاللة‪ :‬هي التي تأكل العذرة من اإلبل والبقر والغنم والدجاج واألوز وغيرها حتى يتغ ير ريحه ا ‪.‬‬
‫فقد نهى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن شرب لبن الجاللة ‪ ،‬رواه الخمسة إال ابن ماج ة ‪ .‬وإذا م ا‬
‫حبست الجاللة بعيدا عن العذرة وعلفت علفا طاهرا وطاب لحمها جاز أكلها وذهب اسم الجاللة عنها‪.‬‬

‫(‪ )8‬تحريم المستخبثات والمستقذرات ‪:‬‬

‫يق ول تع الى ‪ { :‬ويح ل لهم الطيب ات ويح رم عليهم الخب ائث} األع راف (‪ . )157‬والطيب ات هي م ا‬
‫تس تطيبه النفس وتس تلذه من غ ير ورود نص في تحريم ه ‪ ،‬ف إن اس تخبثته فه و ح رام‪ .‬وي دخل في‬
‫الخبائث كل مستقذر مثل البصاق والمخ اط والع رق والم ني وال روث والقمام ة‪ ،‬والقم ل وال براغيث‬
‫والحشرات الضارة ونحو ذلك‪.‬‬

‫األغذية المحللة في اإلسالم (الطيبات من الرزق)‬


‫إن هللا عز وجل خلق اإلنسان واستخلفه في األرض‪ ،‬وهيأ له من السبل والوسائل ما تعينه على القي ام‬
‫بحقوق العبودية وواجبات االس تخالف‪ .‬فك ان أن جع ل هللا ع ز وج ل لإلنس ان الطيب ات من ال رزق‪،‬‬
‫والتي من خاللها يتع رف على نعم هللا وعطاي اه‪ ،‬ويتمكن من التمت ع والتطيب إلى ج انب ال تزود بم ا‬
‫يحتاجه جسمه من مغذيات ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬وفي األرض قطع متجاورات ‪ ،‬وجنات من نخيل وأعناب‬
‫وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد‪ ،‬ونفضل بعضها على بعض في األك ل‪ ،‬إن في‬
‫ذلك آليات لقوم يعقلون} الرعد (‪ . )4‬وقد اشتملت آيات الق رآن الك ريم على ذك ر العدي د من األغذي ة‬
‫الطيب ة ال تي تمت از باحتوائه ا على العناص ر الغذائي ة الالزم ة لنم و الجس م وص يانته ووقايت ه من‬
‫األمراض‪ .‬ولم يقتصر األمر على ذكر هذه األطعمة ‪ ،‬ب ل تع داه إلى القس م به ا‪ ،‬وه و م ا ي دل دالل ة‬
‫واض حة على أهمي ة ه ذه األطعم ة وفائ دتها الغذائي ة والص حية ‪ ،‬وإال فلم يقس م هللا ع ز وج ل به ا‪،‬‬
‫فالعظيم ال يقسم إال بما هو عظيم ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬والتين والزيتون} التين (‪.)1‬‬
‫وفيما يلي نبذ عن بعض هذه األطعمة الطيبة ‪)( :‬‬
‫(‪ )1‬اللبن (الحليب) ‪:‬‬
‫قال هللا تعالى ‪ { :‬وإن لكم في األنعام لع برة ‪ ،‬نس قيكم مم ا في بطون ه من بين ف رث ودم لبن ا خالص ا‬
‫سائغا للشاربين } النحل (‪ . ) 66‬وروى ابن عباس رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫" من أطعمه هللا طعاما فليقل‪ :‬اللهم بارك لنا فيه وارزقن ا خ يرا من ه‪ ،‬ومن س قاه هللا لبن ا فليق ل ‪ :‬اللهم‬
‫بارك لنا فيه وزدنا منه‪ ،‬فإني ال أعلم ما يجزيء من الطعام والشراب إال اللبن" أخرجه الترمذي وابو‬
‫داود وابن ماجة وقال األلباني حديث صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬عسل النحل‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال أكنانا ومن الشجر ومما يعرشون‪ ،‬ثم كلي‬
‫من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذلال ‪ ،‬يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للن اس‪ ،‬إن‬
‫في ذلك آليات لقوم يتفكرون} النحل (‪ .)69-68‬وقد ورد في الصحيحين من حديث أبي المتوك ل عن‬
‫أبي سعيد الخدري أن رجال أتى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال ‪ :‬إن أخي يش تكي بطن ه‪ ،‬وفي رواي ة‬
‫استطلق بطنه‪ ،‬فقال ‪ :‬إسقه عسال‪ .‬فذهب ثم رج ع فق ال ‪ :‬لق د س قيته فلم يغن عن ه ش يئا‪ .‬وفي لف ظ فلم‬
‫يزده إال استطالقا مرتين ‪ ،‬وثالثا ‪ ،‬كل ذلك ويقول الرسول ص لى هللا علي ه وس لم ‪ " :‬اس قه عس ال" ‪.‬‬
‫فقال له في الثالثة أو الرابعة ‪ " :‬صدق هللا وكذب بطن أخيك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الرطب والتمر والبلح‪:‬‬

‫قال تعالى ‪ { :‬فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منيسا‪ .‬فناداه ا‬
‫من تحتها أال تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ‪ .‬وهزي إليك بج ذع النخل ة تس اقط علي ك رطب ا جني ا‪.‬‬
‫فكلي واشربي وقري عينا} مريم (‪ .)26-23‬وأخرج مس لم في كت اب أالش ربة من ح ديث عائش ة أن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬بيت ال تمر فيه جياع أهله" ‪ .‬وأخرج البخاري في كتاب الطب‬
‫ومسلم أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ :‬من تصبح من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم س م وال‬
‫سحر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬الزيتون‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل واألعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك آلية لقوم‬
‫يتفكرون} النحل (‪ . )11‬وقال تعالى مقسما به‪{ :‬والتين والزيتون} ال تين (‪ .)1‬واخ رج الترم ذي في‬
‫األطعمة من حديث أبي هريرة رض ي هللا عن ه أن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم ق ال ‪ " :‬كل وا ال زيت‬
‫وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة" وعنه صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬ائتدموا بالزيت وادهنوا ب ه فإن ه‬
‫من شجرة مباركة" أخرجه ابن ماجة والحاكم وق ال األلب اني ح ديث حس ن‪ .‬وروى البح اري عن أبي‬
‫هريرة رضي هللا تعالى عنه أن رسول صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬كلوا وادهنوا به فإن في ه ش فاء من‬
‫سبعين داء منها الجذام"‪.‬‬
‫(‪ )5‬األسماك ‪:‬‬
‫قال تعالى‪ { :‬أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ‪ ،‬وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‬
‫‪ ،‬واتقوا هللا الذي إليه تحشرون} المائدة (‪ . )96‬وروى اإلمام أحم د وابن ماج ة من ح ديث عبدهللا بن‬
‫م ر عن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم أن ه ق ال‪ " :‬أحلت لن ا ميتت ان ودم ان ‪ :‬الس مك والج راد والكب د‬
‫والطحال" ‪.‬‬
‫(‪ )6‬التين‪:‬‬
‫وهو مما أقسم هللا عز وجل به ‪ { :‬والتين والزيتون} التين (‪ .)1‬وذكر السيوطي في الج امع الص غير‬
‫من حديث ضعيف عن أبي الدرداء قال‪ :‬أهدي إلى الن بي ص لى هللا علي ه وس لم طب ق من تين ‪ ،‬فق ال‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬كل وا ‪ ،‬وأك ل من ه‪ .‬وق ال ‪ :‬ل و قلت إن فاكه ة ن زلت من الجن ة قلت ه ذه ‪ ،‬ألن‬
‫فاكهة الجنة بال عجم ‪ ،‬فكلوا منها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس"‬
‫اهتمام اإلسالم في الغذاء‬
‫الباب األول‬
‫األمن الغذائي في اإلسالم‬
‫لقد لفت القرآن الكريم أنظ ار البش رية إلى أهمي ة الغ ذاء في حي اة األمم والش عوب ‪ ،‬وذل ك من خالل‬
‫ربطه باألمن واالستقرار السياسي‪ .‬وقد تجلى ذلك المعنى من خالل سورة قريش‪ ،‬حيث أمتن هللا ع ز‬
‫وجل على ق ريش بم ا أف اء عليهم من نعم ة األمن الغ ذائي { ال ذي أطعمهم من ج وع} ونعم ة األمن‬
‫واالستقرار السياسي {وآمنهم من خوف} وجعل ذلك من النعم العظيمة التي تس تحق الش كر والعب ادة‬
‫هلل عز وجل وال يجوز أن تقابل بالنكران { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من‬
‫خوف} قريش (‪. )4‬‬
‫ولم تغفل السنة النبوية عن ذك ر أهمي ة األمن الغ ذائي في حي اة الف رد والجماع ة ‪ ،‬وجع ل رس ول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم ذلك ركنا ثالثا من أركان الحياة اآلمنة المستقرة " من أص بح منكم الي وم آمن ا في‬
‫سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بما فيه ا" رواه الترم ذي عن عبي د هللا بن‬
‫حفص االنصاري‪ .‬كما تجلت نظرة اإلس الم إلى األمن الغ ذائي في س يرة المص طفى ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم من خالل أمر النبي صلى هللا عليه وسلم بإنشاء سوق خاص بالمسلمين وذلك عند قدومه المدينة‬
‫‪ ،‬حيث ك ان س وق المدين ة محص ورا بأي دي يه ود ‪ ،‬مم ا يش كل تهدي دا ألمن المس لمين االقتص ادي‬
‫والغذائي‪ ،‬ومن ثم السياسي ‪ ،‬وقد عمل اإلسالم على وضع األسس النظرية لتحقيق األمن الغ ذائي من‬
‫خالل حث الن بي ص لى علي ه وس لم على الزراع ة وإعم ار األرض وإحي اء الم وات من األرض‬
‫بالزراعة " من أحيا أرضا مواتا فهي له " رواه الترمذي ‪ " ،‬إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فس يلة ف إن‬
‫استطاع أال تقوم حتى يغرسها فليفعل" رواه أحمد عن أنس بن مالك‪.‬‬
‫فاألمن الغذائي واالكتفاء الذاتي من الغذاء ش رط الزم لحف ظ كرام ة األم ة وص يانة وح دتها وحماي ة‬
‫ديارها ولدرء تحكم االعداء في مق دراتها وت دخلهم في قراراته ا وسياس اتها‪ .‬وألدل على ذل ك ص حة‬
‫هذه النظرية مما نعايشه في هذا العصر‪ ،‬إذ نتج عن العج ز في تحقي ق األمن الغ ذائي ل دى المس لمين‬
‫إلى اعتماد والبلدان االسالمية على الدول الغربية ‪ ،‬وخاصة الواليات المتح دة األمريكي ة ‪ ،‬في توف ير‬
‫غذائها األساسي (وخاصة القمح)‪ ،‬والذي أدى بدوره إلى استالب كرامة األمة وارتهان ارادته ا تحت‬
‫ضغط الدول المصدرة للغذاء‪ .‬ويقدر حجم ال واردات إلى الع الم الع ربي (لوح دة) من الغ ذاء في ع ام‬
‫‪ 2000‬م بـ ‪ 35‬مليار دوالر‪ ،‬في الوقت الذي تقدر به المساحات المزروعة في العالم االسالمي بنح و‬
‫‪ 400‬مليون فدان‪ ،‬وهي تشكل ‪ %11‬من مساحة األراض ي المزروع ة في الع الم‪ ،‬وفي ال وقت ال ذي‬
‫تق در ب ه نس بة الع املين بالزراع ة في ال دول النامي ة (ومعظمه ا من ال دول اإلس المية ) بين ‪ 70‬إلى‬
‫‪ %85‬من مجم وع الق وى العامل ة‪ ،‬في حين ال يتع دى ه ذا ال رقم ‪ 4‬إلى ‪ %10‬في البل دان المتقدم ة‪.‬‬
‫ومن المفارقات المحزنة والمفجعة أنه في الوقت الذي يشكل في ه س كان الوالي ات المتح دة األمريكي ة‬
‫‪ %7‬من سكان العالم‪ ،‬فإنهم ينتجون ‪ %50‬من الغذاء في العالم‪.‬‬
‫وتع د س ورة يوس ف – علي ه الس الم – من أك ثر الس ور وض وحا ودالل ة في ع رض نظري ة األمن‬
‫الغذائي‪ ،‬وقد تجلى ذلك في قصة سيدنا يوسف – عليه السالم‪ -‬مع عزيز مصر والرؤية التي رآها في‬
‫منامه‪ .‬فقد أشارت اآليات الكريمة إلى أهمية حفظالغ ذاء وتخزين ه بط رق مناس بة تمن ع فس اده‪ ،‬وإلى‬
‫أهمية االنتاج الزراعي في توف ير األمن الغ ذائي‪ ،‬وإلى ض رورة ترش يد االس تهالك الغ ذائي‪ ،‬وع دم‬
‫االسراف به ‪ ،‬بما يتالءم مع واحتياجات السكان ‪ ،‬وبم ا يمن ع ح دوث المجاع ة ونقص الغ ذاء { ق ال‬
‫تزرعون سبع سنين دأبا‪ ،‬فما حصدتم فذروه في سنبله إال قليال مما تأكلون ‪ ،‬ثم يأتي من بعد ذلك سبع‬
‫شداد يأكلن ما قدمتم لهن إال قليال مما تحص نون ‪ ،‬ثم ي أتي من بع د ذل ك ع ام في ه يغ اث الن اس وفي ه‬
‫يعصرون} يوسف (‪. )49-47‬‬
‫وتجدر اإلشارة في هذا المقام إلى السبق الحضاري واالعجاز العلمي في اآليات المذكورة‪ ،‬إذ اشارت‬
‫إلى حفظ الغذاء في سنبله ‪ .‬وقد دلت الدراسات العلمية الحديثة أن الحفظ به ذه الطريق ة يع د من أك ثر‬
‫الوسائل نجاحا ونجاعة في حفظ القمح ‪ ،‬حيث تعمل القشور المحيط ة بحب وب القمح في الس نبلة على‬
‫منع مهاجمة القمح من قبل الحشرات الضارة والمؤثرات الجوية الخارجية ‪.‬‬

‫الباب الثاني‬
‫ضبط جودة الغذاء في اإلسالم‬
‫يعد الغذاء من أكثر المواد عرضة للفساد‪ ،‬نظرا لما يحتويه من الرطوبة والعناص ر الغذائي ة الالزم ة‬
‫لنمو األحياء الدقيقة‪ ،‬وذلك في حال عدم تخزينه في ظروف جيدة ‪.‬‬
‫وقد احتوت بعض آيات القرآن الكريم إشارات ضمنية إلى مشكلة فساد الغ ذاء واحتم ال تغ ير ص فاته‬
‫من ل ون أو طعم‪ .‬فق د ورد في س ورة البق رة في اآلي ة (‪ )259‬في مع رض قص ة ص احب القري ة‬
‫المهجورة {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} ‪ ،‬وفي قوله تعالى ‪{ :‬فيها أنهار من ماء غ ير آس ن‬
‫وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } محمد (‪ . )15‬فأسن الماء وتغير طعم اللبن كلها مؤشرات على فس اد‬
‫الغذاء‪.‬‬
‫وقد شدد القرآن الكريم على ضرورة إحسان اختيار الغذاء والتأكد من خلوه من اآلفات عن د التص دق‬
‫به للفقراء والمحتاجين ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬يا ايها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما رزقناكم ومما أخرجن ا‬
‫لكم من األرض‪ ،‬وال تيمموا الخبيث من ه تنفق ون } البق رة (‪ . )267‬كم ا اش ار الق رآن الك ريم إلى أن‬
‫الغذاء المت وفر يتف اوت في م دى جودت ه وس المة وص الحيته ‪ ،‬ووج ه إلى االهتم ام باختي ار الغ ذاء‬
‫المتناول‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ { :‬ف ابعثوا أح دكم ب ورقكم ه ذه إلى المدين ة فينظ ر أيه ا أزكى طعام ا‬
‫فليأتكم برزق منه وليتلطف وال يشعرن بكم أحدا} الكهف (‪)19 ، 18‬‬
‫أما السنة النبوية ‪ ،‬فقد حفلت باألدل ة على ض رورة الحف اظ على س المة الغ ذاء وجودت ه ومن ع غش ه‬
‫والتغرير به ‪ ،‬فقد ورد عنه صلى هللا عليه وسلم أنه مر ذات يوم على رجل يبيع طعاما‪ ،‬فوضع صلى‬
‫هللا عليه وسلم كفه الشريف أسفل منه فوجده مبلوال فس أل الب ائع عن ذل ك فق ال‪ :‬أص ابته الس ماء (أي‬
‫المطر) ‪ ،‬فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬من غشنا فليس منا " رواه مس لم وابن ماج ة وال دارمي‪ ،‬كم ا‬
‫نهى صلى هللا عليه وسلم عن بيع الغرر ( وهو ما كان ظاهره يغري المشتري وباطنه مجه ول) رواه‬
‫الترمذي وابن ماجة واحمد والدارمي‪ ،‬كم ا نهى عن المالمس ة والمناب ذة (الش راء دون التع رف على‬
‫السلعة المطلوب شراؤها) ‪.‬‬
‫وفي سيرة الخلفاء الراشدين ‪ ،‬كان في قصة صاحبة اللبن التي أرادت أن تخلطه بالماء خير دليل على‬
‫حرص المسلمين آنذاك على عدم الغش‪ ،‬إذ كافأ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رض ي هللا عن ه ابن ة‬
‫ص احبة اللبن على رفض ها الغش ب أن زوجه ا من أح د أبنائ ه ‪ ،‬وك ان أن خ رج من نس لهما خ امس‬
‫الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضي هللا عنه‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫الصــــــــــــــــوم‬
‫الباب األول‬
‫صيام رمضان‬
‫الصيام عبادة قديمة فرضها هللا عز وجل على أمة اإلسالم كما فرضها على األمم الس ابقة ‪ ،‬وه ذا م ا‬
‫دلت عليه اآلية الكريمة ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم‬
‫تتقون} البقرة (‪. )183‬‬
‫وقد أثار الصيام انتباه ودهشة األطباء من ذ ق ديم الزم ان‪ ،‬حيث ظ ل الص وم طريق ة عالجي ة تتناقله ا‬
‫أجي ال األطب اء‪ )( .‬ففي مرج ع طب التبت الكب ير " نش جوديش" في الق رن الس ادس قب ل الميالد‪،‬‬
‫خص ص فص ال ك امال للص يام تحت عن وان " العالج بالطع ام" و " العالج بالص وم" ‪ .‬وع رف‬
‫المص ريون الق دماء الص وم ‪ ،‬وبش هادة ه يرودوت (‪ 450‬ق‪.‬م‪ ).‬ت بين أن المص ريين الق دماء ك انوا‬
‫يصومون ثالثة أيام من كل شهر ‪ ،‬وكذلك الص وم الكب ير ألك ثر من ش هر من ك ل ع ام ‪ .‬كم ا ع رف‬
‫اليونانيون القدماء فائدة الصيام فنادى (أبو قراط) باتباع الصوم لعالج الكث ير من األم راض الباطني ة‬
‫والخارجية‪.‬‬
‫ومع إشراق شمس اإلس الم على الع المين‪ ،‬ف رض الص وم على المس لمين في الس نة الثاني ة للهج رة‪،‬‬
‫وأصبح بذلك الركن الرابع من اركان اإلسالم ‪ .‬ويع رف الص يام في رمض ان على أن ه اإلمس اك عن‬
‫الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات من ذ طل وع الفج ر ح تى مغيب الش مس () تعب دا هلل ع ز‬
‫وجل وتقربا إليه‪ .‬كما يشمل الص يام ك ف الج وارح عن جمي ع اآلث ام والمعاص ي ‪ ،‬فه و ب ذلك عب ادة‬
‫روحية وجسدية ترتقي باإلنسان في صحته وروحه وقلبه‪.‬‬
‫وقد عرف أطباء المسلمين الصوم كعب ادة وعالج في آن واح د ‪ ،‬فك ان ابن س ينا يفض ل الص وم على‬
‫الدواء ويقول ‪ " :‬إنه األرخص" ‪ ،‬ويصفه للغني والفقير ‪ ،‬وإبان الحملة الفرنسية في مصر في الق رن‬
‫‪ 18‬م ‪ ،‬اتبعت المستشفيات الصيام كعالج لمرض الزهري‪ ،‬حيث عدوا الصيام قاتال للجراثيم المسببة‬
‫للمرض‪)( .‬‬
‫ومع إطاللة القرن العشرين ‪ ،‬ومع تزايد وتطور أساليب البحث العلمي‪ ،‬فقد حاز الصيام في رمض ان‬
‫على جانب كب ير من اهتم ام األطب اء والب احثين ‪ ،‬نظ را لم ا يتض منه الص يام في رمض ان من تغ ير‬
‫وتحول في نمط استهالك الغذاء خالل فترة زمنية مح ددة ( ‪ 30-29‬يوم ا) ‪ ،‬إذ يس تدعي ذل ك التغ ير‬
‫حصول تحوالت في مسارات األيض والتمثيل في الجسم‪ ،‬وحصول تغيرات حيوية ت ؤثر على ص حة‬
‫اإلنسان وجسمه بشكل واضح وملموس‪ .‬وفيما يلي عرض موجز ألهم التغيرات االيجابي ة ال تي تنجم‬
‫عن الصيام في شهر مضان‪:‬‬

‫(‪ )1‬تأثير الصوم على الجهاز العصبي (التأثيرات النفسية والعصبية) ‪:‬‬
‫إن المتأمل في فلسفة الصيام في اإلسالم يجد أنه ال يعدو عن كونه عملية تربوية تتم فيها تربي ة النفس‬
‫وتهذيبها واالرتقاء بها عن الولوغ واإلغراق في إشباع الش هوات والغرائ ز‪ ،‬كم ا أن أدبي ات الص يام‬
‫وأخالقه تلزم المسلم باالبتعاد عن مظاهر الغضب واالنفعال ‪ ،‬عمال بق ول الح بيب المص طفى ص لى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ " :‬إذا كان يوم صوم أحدكم فال يرفث وال يص خب‪ ،‬ف إن س ابه أح د أو ش اتمه فليق ل ‪:‬‬
‫اللهم إني ص ائم" متف ق علي ه‪ .‬وه ذا ي ؤدي بالمس لم إلى الش عور بالس كينة وطمأنين ة القلب وانش راح‬
‫الصدر‪ ،‬فتخرج النفس من ضيق وشدائد الحياة اليومية ومشاكلها ومن ضغوط الحياة وتعقيداتها ‪ ،‬إلى‬
‫سعة الص در وانش راح النفس والرض ا‪ ،‬وه و م ا ي ؤدي إلى ش فاء وتحس ن العدي د من اإلض طرابات‬
‫واألمراض النفسية والعصبية مثل االكتئاب والقلق والهوس‪ )( .‬وفي دراسة أجراها ال دكتور درادك ة‬
‫في األردن عام ‪ ، 1991-86‬تبين أن نسبة اإلنتحار خالل شهر رمضان المبارك قد انخفض ت بش كل‬
‫ملحوظ‪ ،‬وذلك بسبب تأثير الجو اإليماني والروحاني لشهر الصيام‪.‬‬
‫(‪ )2‬تأثير الصيام على الجهاز الهضمي‪:‬‬
‫في شهر رمضان تقل حركة األمعاء وتق ل إف رازات العص ارة الهض مية والمعوي ة وغيره ا‪ ،‬وب ذلك‬
‫تطول فترة راحة الجهاز الهضمي وتتحسن الكثير من األمراض المرتبط ة بالجه از الهض مي وال تي‬
‫من أخطره ا الس منة ‪ ،‬واألم راض ذات العالق ة بالض غوط النفس ية والعص بية مث ل تهيج القول ون‬
‫واالنتفاخات والتهابات المعدة المزمن ة‪ )( .‬ومن أهم الفوائ د ال تي يجنيه ا الص ائم هي تخفي ف ال وزن‬
‫والتخلص من الزائد منه‪ .‬إذا اشارت العديد من الدراسات العلمية الحديثة إلى أن الص وم في رمض ان‬
‫يؤدي إلى التخفيف من وزن الجسم‪ ،‬وذلك بالرغم من الممارسات الغذائي ة الخاطئ ة الس ائدة في ش هر‬
‫رمضان والتي يتوقع أن تؤدي إلى زيادة الوزن ال تخفيفه‪ )( .‬وهذا التخفيف بدوره يحمي اإلنسان من‬
‫الكثير من األمراض المرتبطة بالسمنة والتي من أخطرها ارتفاع ضغط الدم والسكري (النوع الثاني)‬
‫والنقرس وانسداد الشرايين واحتشاء عضلة القلب‪.‬‬
‫(‪ )3‬تأثير الصيام على الجهاز الدوري (القلب والشرايين) ‪:‬‬
‫يعم ل الص يام في رمض ان على خفض محت وى ال دم من الكوليس ترول الض ار ورف ع محت واه من‬
‫الكوليسترول النافع‪ ،‬الذي يعمل بدوره على إزالة ال دهون المترس بة على ج دران األوعي ة الدموي ة ‪،‬‬
‫وبالتالي العمل على منع حدوث انسداد الشرايين ومن ع حص ول احتش اء عض لة القلب‪ .‬كم ا ان القلب‬
‫يرتاح عند الصوم إذ تنخفض ضرباته إلى ‪ 60‬في الدقيقة ‪ .‬وهذا يعني أنه يوفر مجه ود ‪ 28800‬دق ة‬
‫كل ‪ 24‬ساعة‪)( .‬‬
‫ومن أهم فوائد الصيام ‪ ،‬خاصة بالنسبة للمدخنين ‪ ،‬هي قدرة الصيام على التخفيف من كمي ة الس جائر‬
‫المس تهلكة خالل الي وم ‪ ،‬بم ا س يفيد القلب والش رايين والرئ ة ويقل ل من تعرض ها للم واد الس امة‬
‫والمسرطنة الموجودة في السجائر ‪ .‬كما أن التأثير النفسي والتربوي للصيام يساعد اإلنسان الم ردخن‬
‫على اإلقالع عن التدخين واتخاذ القرار الحازم بذلك ويوفر له اإلرادة القوية لإلقالع عنه‪.‬‬
‫ومن اآلثار اإليجابية للصيام أنه يساعد على التخفيف من ارتفاع ضغط الدم عند المرض ى المص ابين‬
‫به‪ ،‬إذ إن التقليل من كمية الطعام المتناول يقلل من تناول ملح الصوديوم‪ ،‬والذي يعد المسبب ال رئيس‬
‫الرتفاع ضغط الدم ‪ .‬فقد أكدت دراسة حديث ة أن انق اص ال وزن بمق دار ‪5‬ر‪ 4‬كغم ك ان كفيال يخفض‬
‫ضغط الدم عند مرضى ارتفاع ضغط الدم المتوسط والمنخفض‪)( .‬‬

‫(‪ )4‬الصوم وعالج األمراض‪:‬‬


‫باالضافة على دور الصيام في عالج والتخفيف من أمراض السمنة وم ا يرافقه ا من أم راض ثانوي ة‬
‫مثل ارتفاع كوليسترول الدم وارتفاع الض غط ‪ ،‬ف إن لص يام رمض ان دور في عالج أم راض أخ رى‬
‫مزمنة وشائعة بين الناس وخاصة في مجتمعاتنا العربية مثل النقرس ومرض السكري (النوع الثاني)‬
‫‪ .‬وسنتناول بإيجاز دور الصيام في رمضان في التخفيف من هذا المرض‪:‬‬
‫يعد مرض السكري من أكثر األمراض شيوعا وانتشارا في العالم‪ ،‬وهو مع ذلك من أخطر األمراض‬
‫والتي قد تؤدي في حال تض اعفها إلى اإلض رار بحي اة اإلنس ان وتهدي دها ‪ .‬ومن المعل وم أن م رض‬
‫السكري‪ ،‬وخاصة النوع الثاني أو ما يسمى بسكري الكبار ‪ ،‬يرتبط ارتباطا وثيقا بالغذاء التي يتناول ه‬
‫اإلنسان من حيث الكم والنوع‪.‬‬
‫وقد عرف الصوم كعالج لمرض الس كري ‪ ،‬واتب ع ذل ك في ألماني ا وأمريك ا أواخ ر الق رن الماض ي‬
‫وأوائ ل الق رن العش رين‪ ،‬وك ان يطب ق على مرض ى الس كري في الح االت المتوس طة ‪ ،‬ويتض من‬
‫اإلمتناع الكامل عن تناول الطعام لم دة ‪ 3-2‬أي ام () ‪ .‬وق د وج د فيم ا بع د أن ه ذا الن وع من الص يام‬
‫(الصيام الطويل) يؤدي إلى آثار صحية جانبية مثل ارتف اع محت وى بعض الم واد الض ارة في ال دم ‪.‬‬
‫لذلك كان صيام رمضان صياما مثالثا بمنع حدوث مثل ه ذه اآلث ار الجانبي ة بس بب قص ر ف ترة(‪-16‬‬
‫‪ )19‬ساعة ‪ /‬يوم ‪ ،‬وألنه يسمح فيه بتناول الطعام بعد فترة الصيام ‪.‬‬
‫وق د أثبتت الدراس ات العلمي ة الحديث ة أن ‪ %30‬من مرض ى الس كري يمكن الس يطرة على مرض هم‬
‫بواسطة اتباع نظام غذائي معين دون استعمال أي من العقاقير ك اإلبر والحب وب ‪ .‬ل ذلك ك ان الص وم‬
‫في رمضان ذو فائدة كبرى في السيطرة على مرض السكري‪.‬‬

‫الباب الثاني‬
‫حكمة اإلفطار في رمضان على التمر‬
‫عن سليمان بن عامر الضبي رضي هللا عنه ‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم ق ال‪" :‬إذا أفط ر أح دكم‬
‫فليفطر على تم ر‪ ،‬ف إن لم يج د فليفط ر على م اء فإن ه طه ور" رواه الترم ذي وأب و داود‪ ،‬وعن أنس‬
‫رضي هللا عنه قال‪ " :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات ‪ ،‬ف إن لم‬
‫تكن رطبات فتميرات ‪ ،‬فإن لم تكن تميرات حس ا حس وات من م اء" رواه أحم د ومس لم في ص حيحه‬
‫وأو داود والترمذي وابن ماجة‪.‬‬

‫وهنا تظهر الحكمة النبوية الشريفة في اإلفطار على مادة سكرية كالتمر قبل أداء صالة المغرب‪ ،‬ألن‬
‫التمر يحتوي على نسبة عالية من السكريات التي ال تحتاج إلى عمليات هضم معقدة لتتحول إلى مواد‬
‫أخرى‪ ،‬كما يحدث في هضم النشويات ‪ ،‬ولذا فالمواد السكرية تعوض الجسم عن نقص السكري في‬
‫الدم أثناء الصوم وتزيل كافة األعراض الناتجة عن نقص السكر‪ )( .‬ومن حكم وفوائد اإلفطار على‬
‫التمر‪:‬‬

‫‪ ‬‬

‫المعدة ال ترهق بما يقدم إليها من غذاء دسم وفير‪ ،‬بعد أن كانت هاجعة طيل ة ثم اني‬ ‫‪.1‬‬
‫عشرة ساعة تقريبا ‪ ،‬بل تبدأ عملها بالتدرج في هضم التمر السهل االمتص اص ‪ ،‬ثم‬
‫بعد نصف ساعة يقدم إليها اإلفطار المعتاد‪.‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪.2‬‬
‫تناول التمر أوال يحد من ج وع الص ائم وإقبال ه على الطع ام‪ ،‬فال يقب ل على المائ دة‬ ‫‪.3‬‬
‫بنهم شديد‪.‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪.4‬‬
‫المعدة تستطيع هضم المواد السكرية في التمر خالل نصف ساعة ‪ ،‬فإذا بال دم ي زود‬ ‫‪.5‬‬
‫الجسم بالوقود السكري الذي يبعث في خالي اه النش اط ‪ ،‬ف يزول اإلحس اس بالدوخ ة‬
‫والتعب سريعا‪.‬‬

‫وبهذا الخصوص يقول اإلم ام ابن قيم الجوزي ة ‪ " :‬وفي الفط ر على التم ر ت دبير حس ن ألن الص وم‬
‫يخلي المعدة من الغذاء فال يجد الكبد ما يجذبه ويرسله إلى القوى العامل ة‪ ،‬والحل و أس رع األش ياء في‬
‫الوصول إلى الكبد واحبها إليه‪ ،‬وال سيما إذا كان البلح رطبا فيشتد قبوله إلى الكبد فينتف ع ب ه ويرس له‬
‫إلى القوى العاملة بسرعة‪ ،‬وتعوض الجسم عنه نقص السكر في الدم أثناء الص وم وتزي ل األع راض‬
‫الناتج ة عن نقص الس كر في ال دم أثن اء الص وم مث ل ع دم الترك يز ‪ ،‬وع دم الق درة على الحرك ة ‪،‬‬
‫والشعور بالضعف والكسل وزوغان البصر" ‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫إن اإلسالم وبما يمثله من رسالة عالمية ش مولية ج اءت لنظم حي اة البش ر ق د احت وى على جمل ة من‬
‫األسس والمباديء العامة التي تنظم تعامل اإلنسان م ع الغ ذاء من حيث ترش يد النظ رة إلي ه وال دعوة‬
‫إلى االقتصاد وعدم اإلسراف في تناوله واالعتدال فيه‪ ،‬إلى جانب الحث على ضمان جودته وس المته‬
‫وعدم الغش به‪.‬‬

‫ولم يقتصر دور اإلسالم على ذلك‪ ،‬بل تعداه إلى تأسيس نظام صحي وغ ذائي يض من تحقي ق س المة‬
‫اإلنسان وحفظ صحته‪ .‬كما وجه إلى ضرورة تأمين احتياجات اإلنسان منه‪ ،‬وه و م ا ع رف يم ا بع د‬
‫باألمن الغذائي‪ .‬وقد تضمن صوم رمضان وما يرافقه من آداب وأحكام حف ظ ص حة اإلنس ان وإبع اده‬
‫عنه السمنة وما تبعها من أمراض تهدد حياته وتعرضها للخطر‪.‬‬

‫وقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية ب ذكر العدي د من األغذي ة الطيب ة النافع ة ‪ ،‬باالض افة إلى ذك ر‬
‫األطعمة المحرمة الضارة التي أثبت العلم الحديث خطورتها وضررها على صحة اإلنسان وسالمته‪.‬‬

‫وقد حظيت مس ألة ال رزق بتكف ل هللا تع الى به ا‪ ،‬فاالس تقرار واالطمئن ان من أعظم نعم هللا تع الى ال‬
‫تتيس ر إال ب األمن الغ ذائي‪ ،‬وع دم تب ذيره واإلس راف في ه ‪ ،‬ألن االنحالل الخلقي يس بق اإلنهي ار‬
‫اإلقتصادي العالقة بينهما تالزمية ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين { ‪.‬‬

‫وللمسلم نظرة خاصة للغذاء ‪ ،‬فهو ال ينظر إليه كما ينظر إلي ه غ يره من ناحي ة ش هوانية أو دنيوي ة ‪،‬‬
‫وإنما ينظر إليه على أساس تعبدي يعينه على عبادة ربه تعالى ‪ ،‬كما قال صلى هللا عليه عليه وس لم "‬
‫نحن قوم ال نكل حتى نجوع وإذا أكلنا ال نش بع" ‪ ،‬فالمس لم ليس ب النهم وال بالش هواني فالغ ذاء عام ل‬
‫مساعد على القيام بالواجبات واسداء الحقوق الى أهلها " وإن لبدنك عليك حقا"‪.‬‬

You might also like