Professional Documents
Culture Documents
الغذاء والتغذية
الغذاء والتغذية
المقدمة:
منذ أن خلق هللا عز وجل اإلنسان وأعطاه القدرة على السعي واالنتشار ،وه و يعم ل ب دأب للحص ول
على الغذاء الذي يتمكن ب ه من العيش والديموم ة واإلبق اء على ذات ه ،مم ا جع ل الس عي نح و إش باع
رغبات الجسم وتلبية احتياجاته من الطعام أمرا فطريا وغريزيا ،وهذا ما أكدته حادث ة أبين ا آدم علي ه
السالم وزوجه ،إذ دفعتهما غريزة وش هوة الطع ام إلى نس يان أم ر هللا والوق وع في المعص ية ( ولق د
عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) طه ( ، )115ولعل ارتباط الغذاء بأول حاثة في تاريخ
البشرية يظهر بجالء أهمية الغذاء في حياة اإلنسان وفي التأثير على سلوكه.
ومن أن سكن اإلنس ان ه ذه األرض وه و يس عى بش كل دائم إلى ت أمين احتياجات ه من الغ ذاء ،ح تى
أصبح توفر الغذاء شرطا الزما لالستقرار واالستيطان ،وكان ب ذلك أن أص بح للزراع ة دور حاس م
في تطور الحياة البشرية واستقرارها وفي تكون المجتمعات وتطور المدنية .
ومع تطور الحياة البش رية وازده ار الحض ارات ،إزداد اهتم ام اإلنس ان بالزراع ة وانت اج األغذي ة
المختلفة (الحيوانية والنباتي ة) ،ح تى غ دت عل وم الزراع ة والتغذي ة واإلغذي ة أب رز عل وم العص ر
الحديث.
ولقد سبق اإلسالم كل األمم بحثه المسلم على العمل والزراعة وطالب المس لمين بالج د واالجته اد في
طلب الرزق وتحري الحالل الطيب واالعتدال في النفقة بعيدا عن اإلسراف والتبذير.
الفصل األول
اإلسالم والغذاـء
الباب األول
تنبع أهمية اإلغذية ،مثل اللحوم بأنواعها والحب وب والبق ول والخض ار والفواك ه ،من احتوائه ا على
العناصر الغذائية الالزمة النتاج الطاق ة ،وللقي ام بعملي ات البن اء والنم و والتك اثر وص يانة األنس جة
التالفة .ونظ را لع دم ق درة جس م اإلنس ان على تص نيع ه ذه العناص ر الغذائي ة ،أو ع دم قدرت ه على
تصنيعها بكميات كافية ،كان لزاما على اإلنسان الحصول على هذه العناصر من خالل الغذاء.
وتنقس م العناص ر الغذائي ة ال تي يحتاجه ا جس م اإلنس ان إلى مجموع ات س ت رئيس ية وهي :الم اء
والسكريات (الكربوهيدات) والبروتينات والدهون والفيتامينات والمعادن ،وفيم ا يلي نب ذة مختص رة
عن هذه المغذيات واهميتها لصحة اإلنسان وسالمته:
عنصر غذائي ضروري للجسم وله وظائف حيوية متعددة ويشكل الدعامة الرئيسة لحياة اإلنسان
وبقائه .والماء يشكل نسبة عالية من تركيب الخاليا واألنسجة الحية ،وهو من الناصر الغذائية المنتجة
للطاقة على الرغم من أهميته لجميع عمليات تمثيل الغذاء وانتاج الطاقة ،ولذلك كان ال بد من تناوله
باستمرار ،حيث يحتاج اإلنسان البالغ إلى حوالي 4-3لتر ماء كل يوم.
( )2السكريات (الكربوهيدات( :
وهي مركبات عضوية تتكون من عناصر الكربون والهيدروجين واألوكسجين ،وهي تقسم إلى أنواع
عدة نظرا لتوفرها في أنواع كثيرة من األغذية .وتنبع أهيمة الس كريات ،وخاص ة الذائب ة منه ا ،من
كونها المصدر الرئيسي للطاقة في غذاء اإلنسان ،والكثير من الحيوانات المجترة.
بينما تشكل الكربوهيدات غير الذائبة ،والتي تعرف باأللياف الغذائية ،والمصدر الرئيسي للطاقة في
الحيوانات المجترة وآكلة األعشاب ،كما تلعب دورا هاما في المحافظة على صحة اإلنسان وحيويت ه
من خالل منع اإلصابة بأمراض اإلمساك وداء األمعاء الردبي وسرطان القولون.
وهي مركبات عضوية تحتوي على عناص ر الكرب ون والهي دروجين واألوكس جين ،وتكمن أهميته ا
في دورها في تزويد الجسم بالطاقة الحرارية التي تبلغ ض عف الطاق ة الم أخوذة من الس كريات .كم ا
تكمن أهمية الدهون في احتوائها على األحماض الدهنية ال تي يحتاجه ا الجس م وال يس تطيع تص نيعها
والتي تدخل في بن اء الخالي ا وتركيبه ا .وتحت وي ال دهون باإلض افة إلى ذل ك الفيتامين ات الذائب ة في
الدهون ،والتي تقوم بدور عامل في بناء أنسجة الجسم مثل شبكة العين والعظام ،وفي المحافظة على
نضارة الجلد وتماسكه.
( )4البروتينات:
والبروتينات مركبات عضوية كبرة تتكون من وحدات بناء نيتروجينية تعرف بـ " األحماض األمينية
" ،وتتميز البروتينات باحتوائها على عنصر النيتروجين ال ذي يميزه ا عن الكربوهي دات وال دهون.
وللبروتينات دور هام وأساسي في بناء األنس جة وص يانتها ،وفي تجدي د الت الف منه ا ،كم ا تس تخدم
البروتينات في إنتاج الطاقة في حال نقص الكربوهيدات في الغذاء وعند وجود فائض من البروتين ات
يزيد عنه احتياجات الجسم للبناء والصيانة.
( )5الفيتامينات:
مجموعة من المركبات العضوية المعقدة في تركيبها ،ويتطلبه ا جس م اإلنس ان بكمي ات قليل ة نس بيا،
وهي ضرورية لص يانة نم و الجس م ووقايت ه من األم راض .وهي تقس م إلى مجموع تين كب يرتين :
الفيتامينات الذائبة في الماء والفيتامينات االذائبة في الدهون.
وهي تش كل %4من وزن اإلنس ان ،ويتطلب الجس م بعض العناص ر بكمي ات كب يرة نس بيا وتس مى
العناصر الكبرى ،ويتطلب الجسم بعضا منها ولكن بكميات صغيرة نسبيا وتسمى العناصر الص غرى
أو النزرة .وتلعب العناصر المعدنية دورا هاما في تنشيط التفاعالت الحيوية داخل الجسم وفي تنظيم
سوائل الجسم وتنظيم التوازن الحامضي – القاعدي فيه.
الباب الثاني
نظرة اإلسالم إلى الغذاء والتغذية
لما كانت الزراعة ض رورية لتوف ير الغ ذاء وت أمين احتياج ات اإلنس ان من ه ،فق د حث اإلس الم على
االهتمام بالزراع ة باعتباره ا الرك يزة األساس ية في بن اء االقتص اد الق وي وت أمين الحي اة الكريم ة،
وباعتبارها المصدر األساسي وال رئيس في توف ير الغ ذاء ،فق ال ص لى هللا علي ه وس لم " :ال يغ رس
المسلم غرسا وال يزرع زرعا فيأكل منه إنسان وال دابة وال ش يء إال ك انت ل ه ص دقة" .رواه مس لم
عن جابر بن عبدهللا ،وقال عليه الصالة والسالم " :إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة ف إن اس تطاع
أال يقوم حتى يغرسها فليفعل " رواه أحمد عن أنس بن مالك.
كما حث اإلسالم على تنمية القطاع الزراعي وزيادة رفعته من خالل حثه على إعمار األرض الب وار
واستصالحها بالزراعة ،فقال عليه الصالة والسالم " :من أحيا أرضا ميتة فهي له" ،رواه الترمذي
عن جابر بن عبدهللا ،كما نهى اإلسالم عن كل ما ي ؤدي إلى الض رر بالقط اع ال زراعي ويتس بب في
اإلخالل باألمن الغذائي ،فقال عليه الص الة والس الم " :من قط ع س درة ص وب هللا رأس ه بالن ار" ،
رواه أبو داوود عن عبدهللا بن حبشي)( .
وقد أش ار الق رآن الك ريم على ه ذا المع نى من خالل نهي ه عن الفس اد واإلفس اد في األرض ،وال ذي
يتضمن اإلضرار بالثروة الحيوانية والنباتية ،فقال تبارك وتعالى { :ومن الناس من يعجبك قول ه في
الحياة الدنيا ويشهد هللا على ما في قلب ه وه و أل د الخص ام .وإذا ت ولى س عى في األرض ليفس د فيه ا
ويهلك الحرث والنسل وهللا ال يحب الفساد} البقرة (. )205
ونظرا لما يتطلبه الحصول على الغذاء من بذل للجهد والوقت ،ولما يحتاجه ذلك من تطوير ألساليب
العمل واإلنتاج والتصنيع ،ومنه اإلنتاج والتصنيع الزراعي ،فقد حث اإلسالم على العمل واالح تراف
والكسب الحالل الطيب ،لقوله صلى هللا عليه وسلم " :خير الكسب كسب ي د العام ل إذا نص ح" رواه
أحمد عن أبي هريرة ،وقال عليه الصالة والسالم حاثا على األكل من كس ب الي د الحالل " :م ا أك ل
أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عم ل ي ده ،وإن ن بي هللا داود ك ان يأك ل من عم ل ي ده" ،رواه
البخاري .كم ا دلت اآلي ة الكريم ة على ض رورة الس عي في طلب ال رزق والس ير في األرض وب ذل
الجهد في سبيل تأمين الرزق ،فقال جل من قائل { :هو الذي جعل األرض ذلوال فامش وا في مناكبه ا
وكلوا من رزقه وإليه النشور} الملك (. )15
وق د حث اإلس الم أتباع ه على االنتف اع بم ا خل ق هللا لعب اده من الطيب ات بغي ة التع رف على نعم هللا
وعطاياه ،والتي من أظهره ا أن واع الطع ام المختلف ة ،ق ال ج ل وعال { :ولق د مكن اكم في األرض
وجعلنا لكم فيها معايش ،قليال ما تشكرون} األعراف ( ،)10وقال عز من قائل { :يا أيها الذين آمنوا
كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا هلل إن كنتم إياه تعبدون} البقرة (. )172
كما حرم اإلسالم على أتباعه حرمان أنفسهم من التمتع والتلذذ بطيب ات م ا أح ل لهم من ال رزق فق ال
جل وعال { :يا أيها الذين آمنوا ال تحرموا طيبات ما أحل هللا لكم} وبين أن في ذلك تعديا على ح دود
هللا وتجاوزا ألوامر ،فقال جل وعال في آخر اآلية { :وال تعتدوا ،إن هللا ال يحب المعتدين} المائ دة
( . )87وق ال ج ل من قائ ل { :وكل وا مم ا رزقكم هللا حالال طيب ا واتق وا هللا ال ذي انتم ب ه مؤمن ون}
المائدة ( .)88وفي الربط م ا بين التق وى واألك ل من رزق هللا دلي ل واض ح وص ريح على ض رورة
االل تزام بمنهج هللا وتط بيق أوام ر واجتن اب نواهي ه ،فيم ا يتعل ق بالحص ول على الغ ذاء وتناول ه ،
والتأكي د على ض رورة الح رص على الحالل وتجنب الح رام ،لم ا ل ذلك من ت أثير كب ير على حي اة
اإلنسان وسلوكه ومعاشه.
ويظهر اهتمام اإلسالم بالغذاء من كونه يشكل مع قضية األجل القضية المحورية والعمود الفق ري في
حياة اإلنسان ،وتبلور أفكاره وتبديد هواجسه ،وكثيرا من الحروب األزمات النزاعات والخالف ات في
العالم سببها اقتصادي أو نتيجة ألزمة غذاء.
الباب الثالث
فلسفة التغذية في اإلسالم
إن اإلسالم قد ربط كل عمل يقوم به المسلم في حياته بغاية عظمى وهدف سام يعيش له المسلم
ويحيى من أجله ،أالوهو تحقيق العبودية هلل عز وجل { ،قل إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هلل
ب العالمين} األنعام ( )162وما أمروا إال ليعبدوا هللا مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصالة
ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} البينة (. )5
والتغذي ة ش أنها ش أن أي مف ردة من مف ردات حي اة اإلنس ان المس لم غايته ا التق وي على طاع ة هللا
واالستعانة بهذا الغ ذاء في توف ير الطاق ة الالزم ة للجس م وللمحافظ ة على ص حته بم ا يض من بق اءه
واستمراره على تأدية الواجبات والقيام بحقوق العبودية هلل عز وجل واعمار األرض وفق منهج هللا.
وهذا ما دل علي ه أح د الس لف الص الح رض وان هللا عليهم " :إني ألحتس ب هلل أكل تي وش ربتي كم ا
أحتسب نومتي وقومتي" .وقد كان لهذه الفلسفة األثر الكبير في ترشيد نظ رة المس لم للغ ذاء وترش يد
التعامل معه ،فهو يعتبره وسيلة ال غاية يجهد من أجلها وفي سبيل تحقيقه ا إش باعا لرغبات ه وش هواته
نفسه ،وهو بذلك يضمن لنفسه أن يجنبها غوائل اإلسراف والتبذير في طلب الطع ام وتناول ه ويك ون
بذلك أيضا قد أعفى نفسه من الكثير من المشاكل الصحية .
وفي هذا المعنى يصدق حديث النبي صلى هللا عليه وسلم " :تعس عب د ال درهم ،تعس عب د ال دينار،
وتعس عبد القطيفة ،تعس عبد الخبيصة ( وهي نوع من أن واع الطع ام) ،تعس وانتكس ،وإذا ش يك
فال انتقش" ،وبما أن اإلسالم ق د أوجب على اتباع ه حف ظ أجس امهم وتجنبه ا ك ل م ا يؤذيه ا ويلح ق
الضرر بها { وال تقتلوا أنفسكم ،إن هللا كان بكم رحيما} ،وق ول الن بي ص لى هللا علي ه وس لم " :ال
ضرر وال ضرار" ،فقد أصبح تباعا من الواجب ش رعا على المس لم أن يعت ني بغذائ ه وأن يح رص
على تلبي ة احتياج ات جس مه من جمي ع العناص ر الغذائي ة ال تي يض من توفره ا اإلبق اء على الجس م
صحيحا سليما بعيدا عن األمراض ،وكذلك الحرص على تجنب األغذية الضارة التي تسبب المش اكل
الصحية واألمراض للجسم.
الباب الرابعـ
إسهام الحضارة اإلسالمية في مجال علوم الغذاء والتغذية
لقد انعكست نظرة المسلم إلى الغذاء على حياة العرب في صدر اإلسالم ،إذ لم يهتم العرب كث يرا في
تحسين وتطوير أطعمتهم ،ولم يعرف عنهم التفنن في ذلك ،بل سلكوا أسلوب التقلي د لألمم والش عوب
األخرى التي دخلت اإلسالم فيم ا بع د ،فك ان أن تع رف الع رب على تقالي د ه ذه األمم والش عوب في
تحض ير األطعم ة والوجب ات ،وك ان أن انتلقت إليهم العدي د من األكالت والطبخ ات ال تي م ا زالت
تحتفظ بأسمائها غير العربية حتى يومنا هذا ،مثل :الكباب والبرياني والق وزي والبرغ ل والطرش ي
والشركسي والكشري والمعكرونة وغيرها من األطعمة واإلغذية)(.
ومع مرور الوقت ،واتساع رقعة األقطار اإلسالمية ،أصبح لدى علماء المسلمين اهتماما متزاي دا في
تدبير األطعمة وعاداتها وآدابه ا ،فك ان أن ظه رت بعض الكتب ال تي تهتم به ذا الش أن ،مث ل كت اب
(الوالئم) لشمس الدين محمد بن علي بن طول ون الدمش قي ( ، )1546-1475وكت اب ( آداب األك ل)
البن عماد األفقهبي ( ، )1405-1349وكتاب (تدبير األطعمة) للكندي ()(. )856-801
االعتدال واإلسراف:
ولم يقتصر اسهام الحضارة اإلسالمية على تدبير شؤون الغذاء وعادات ه فحس ب ،ب ل ك ان له ا األث ر
األبرز في تطوير المفاهيم الغذائية والتغذوية والصحية ،وفي تكوين السلوك التغذوي الس ليم وإب راز
الغذاء كعامل مهم في صحة اإلنسان ،وهو ما كان يشكل سبقا حضاريا وإعجازا علمي ا يؤك د ص دق
النبوة والرسالة المحمدية.
فق د حثت آي ات الق رآن الك ريم على ع دم التب ذير واإلس راف في تن اول الطع ام ،وعلى س لوك منهج
التوسط واالعتدال في كل شؤون الحياة ،فقال جل وعال { :وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكون وا ش هداء
على الن اس ويك ون الرس ول عليكم ش هيدا} البق رة ( ، )143وق ال ع ز من قائ ل { :وأقيم وا ال وزن
بالقسط وال تخسروا الميزان} الرحمن وأفردت آيات القرآن الكريم مساحة خاصة للغ ذاء ،فق ال ع ز
وجل { :وكلوا واشربوا وال تسرفوا ،إنه ال يحب المسرفين} األعراف ( . )31وق د وردت في الس نة
النبوية األدلة الموجهة الى النهي عن اإلكثار واإلف راط في تن اول الطع ام والش راب ،فق ال ص لى هللا
عليه وسلم " :ما مأل ابن آدم وعاء من شر من بطنه ،بحسب ابن آدم لقيمات يقمن أوده ،فإن ك ان ال
بد فاعل فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"
ودلت دراسات العلم الحديث على أن الس منة الناجم ة عن اإلف راط في تن اول الطع ام تع د من أخط ر
أمراض العصر ،إذ ينشأ عنها العديد من األم راض ال تي ته دد حي اة اإلنس ان وتعرض ه للهالك مث ل
أمراض السكري وارتف اع ض غط ال دم وتص لب الش رايين والنق رس ،وه ذا م ا يؤك د ص حة المقول ة
المأثورة " :المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء".
كما جاءت اآليات القرآني ة واألح اديث الش ريفة بتخص يص ذك ر األطعم ة ك اللحوم والتم ر والعس ل
واللبن وتبيان أهميتها وفائدتها الص حية والتغذوي ة ،فق ال ج ل وعلى مبين ا أهمي ة العس ل الص حية :
{ فيه شفاء للناس} النحل ( ، )69وقال صلى عليه هللا عليه وسلم منبها إلى أهمية التم ر الغذائي ة " :
بيت ال تمر فيه جياع أهله" رواه مسلم وأحمد ،وقد ورد عنه صلى هللا عليه وسلم أنه ك ان إذا ش رب
اللبن (الحليب) قال " :اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ،وكان إذا أكل أو شرب غ يره من األغذي ة ق ال :
" هللا بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه" .
وكانت المعالجة باألغذية لألمراض من أهم أسس العالج الطبي لكثير من األمراض في المستش فيات
في الحواض ر اإلس المية في العص رين األم وي والعباس ي ، )( .وج اء تخص يص األغذي ة في كتب
األطب اء المس لمين ،ك الرازي ( )932-850وابن س ينا ( ، )1037-980وق د لخص ابن س ينا كت اب
(القانون في الطب) في منظومته المشهورة " األرجوزة في الطب) والتي أظهر فيه ا اهتمام ه الكب ير
باألغذية والمعالجة به ا ،ومن األمثل ة على الكتب األخ رى ال تي ألفه ا العلم اء المس لمون في التغذي ة
كتاب (األشربة) البن ماسويه ( )857-777وكتاب (تدبير األصحاء ب المطعم والمش رف) لح نين ابن
اسحق ( )873-809و(االرجوزة في الحميات) البن ع زروت و (األرج وزة في األغذي ة والتري اق)
للسنان الدين ابن الخطيب (. )1375-1313
الفصل الثاني
أحكام األغذية (األطعمة واألشربة) في اإلسالم
الباب األول
أحكام الذبح وآدابه
عني اإلسالم بوضع األحكام الشرعية التي تنظم عملية الذبح للحيوانات التي يحل أك ل لحومه ا ،لم ا
لعملية الذبح من تأثير كبير على صحة وسالمة هذه اللحوم ،وم ا ينتج عن ذل ك من ت أثير كب ير على
صحة اإلنسان ،ولقد حققت الشريعة اإلسالمية سبقا حضاريا بف رض ال ذكاة الش رعية على م ا يح ل
أكله من الحيوانات (كاألنعام واإلبل والماشية) ،وبوضع العدي د من اآلداب واألحك ام الش رعية أثن اء
عملية الذبح: )( .
فمن ذلك ضرورة التقيد بالذكاة الشرعية ،وهي ذبح الحيوان أو نحره بقطع حلقومه (مجرى ●
النفس) أو مريئه (مجرى الطعام والشراب من الحلق) () وينطبق ذلك على كل حي وان يح ل
أكله ما عدا السمك والجراد .وتكمن اهمية الذكاة في تسهيل خوج وتدفق الدم من داخ ل جس م
الحي وان ،حيث يحم ل ال دم داخ ل الجس م العدي د من المركب ات الس امة مث ل المركب ات
النيتروجينية (اليوريا وحمض البول واألمونيا) وغاز ث اني أكس يد الكرب ون ،باالض افة إلى
أنه ناقل لبعض السموم من األمعاء إلى الكبد ،والتي قد يؤدي تناوله ا إلى اإلض رار بص حة
اإلنسان وتسبيب األمراض له.
أن يذكر اسم هللا سبحانه وتعالى على الحيوان المراد تذكيته ،لقوله تعالى { :فكلوا مم ا ذك ر ●
اسم هللا عليه إن كنتم إي اه تعب دون} االنع ام ( ،)118وقول ه ج ل وعال { :وال ت أكلوا مم ا لم
يذكر اسم هللا عليه وإنه لفسق} األنعام (. )121
أن تكون األداة المس تخدمة في ذبح الحي وان ح ادة ح تى تتم عملي ة ال ذبح بس رعة وس هولة، ●
ولكي تقل معاناة الحيوان أثناء الذبح ،ويعد هذا األمر سبقا حضاريا آخ ر في مج ال التعام ل
مع الحيوان والرفق به وعدم تعذيبه ،قال صلى هللا عليه وسلم " :إن هللا كتب اإلحسان على
كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحس نوا الذبح ة ،وليح د أح دم ش فرته ول يرح
ذبيحت ه" رواه مس لم عن ش داد بن أوس .وفي الحث على إراح ة الحي وان قب ل ذبح ه حكم ة
جليلة أظهرتها الدراسات العلمية الحديثة ،إذ أن إراح ة الحي وان قب ل ال ذبح أم ر ض روري
للحصول على لحم ذي طعم مستساغ ،حيث يتحول الجاليكوجين الوج ود في العض الت بع د
ذبح الحيوان إلى حامض الالكتي ك (ح امض اللبن) وال ذي يق وم ب دور حاف ظ للحم ،وك ذلك
يعمل على تطرية اللحم حيث يقوم ه ذا الح امض خالل ف ترة تعلي ق الحي وان بتغي ير طبيع ة
البروتين في اللحم مما يعمل على تطريته ،وفي حال تعرض الحيوان لإلجهاد قبل الذبح ف إن
ذلك س يؤدي إلى اس تنفاد كمي ة الجاليك وجين ،ومن ثم التقلي ل من تك ون ح امض الالكتي ك
بدرجة كبيرة فال تتم عملية التطرية بشكل جيد.
الباب الثاني
األغذية المحرمة في اإلسالم
إن من مقاصد الشريعة اإلسالمية الغراء حفظ الدين والعقل والنفس والجنس(النسل) والمال ،وقد عمد
الشارع الحكيم إلى تحريم كل ما من شأنه أن يخل بتحقيق هذه المقاصد .والقاعدة الشرعية التي تحكم
التعامل مع مكونات الطبيعة وما أوجده عز وجل فيها هي أن األصل في الشيء اإلباحة لقوله تعالى :
{ وس خر لكم م ا في الس ماوات وم ا في األرض جميع ا من ه} الجاثي ة ( ، )45إال م ا ورد نص على
تحريمه مثل النجس وما اختلط بنجس والضار والمسكر وكل ما تأنفه النفس الس وية وال تس تطيبه من
األوساخ والقاذورات ،قال تعالى { :ويسألونك م اذا أح ل لهم ،ق ل أح ل لكم الطيب ات} المائ دة (.)4
ويق ول تع الى في ص فة نبي ه ص لى هللا علي ه وس لم { :ويح ل لهم الطيب ات ويح رم عليهم الخب ائث}
األعراف (. )175
الخمـــــــــــــــــــــــر
الخمر هو المادة الناتجة عن التخمر الالهوائي للسكريات البسيطة الموجودة في بعض انواع الحب وب
والفواكه مث ل الش عير والتم ر والعنب والعس ل ،إذ ينتج عن ه تخم ر ه ذه الس كريات بفع ل أن واع من
الفطريات (الخمائر) انت اج م ادة الكح ول ،وهي م ادة اإليث انول (الكح ول األثيلي) )( .والخم ر كم ا
عرفه سيدنا عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أنه " :ما خامر العقل" أي اختلط به فغطاه وحجب ه عن
العم ل بص ورته الطبيعي ة ال تي خلق ه هللا ع ز وج ل عليه ا ،فيص بح اإلنس ان مغيب ا عن ه نفس ه وعن
محيطه ،فيتصرف بغير هدى من عقله ورشده ،فيحصل الفساد واإلفساد في األرض .
يقول رسولنا الكريم صلى هللا عليه وسلم " :كل مسكر خمر وك ل مس كر ح رام" رواه مس لم وأحم د
والترمذي والنسائي .ويقول صلى هللا عليه وسلم " :م ا أس كر كث يره فقليل ه ح رام" رواه أحم د وأب و
داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
ونظرا لما يؤديه شرب الخمر من أضرار بالعقل والجسم وما يلحق ذلك من ص د عن س بيل هللا وعن
الصالة وايقاع العداوة والبغضاء ،فقد شدد اإلسالم في تحريمه وغلظ في عقوبة شاربه ،فقال عز من
قائل { :يسألونك عن الخمر والميسر ،قل فيهم ا إثم كب ير ومن افع للن اس وإثمهم ا أك بر من نفعهم ا}
البقرة ( ، )219وقوله تعالى { :يا أيها الذين آمن وا إنم ا الخم ر والميس ر واألنص اب واألزالم رجس
من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلح ون .إنم ا يري د الش يطان أن يوق ع بينكم الع داوة والبغض اء في
الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر هللا وعن الصالة ،فهل أنتم منتهون} المائدة ( . )91-90كم ا ش دد
النبي صلى هللا عليه وسلم في تحريمه والتنفير منه كل ما يؤدي إليه ومن المعاونة عليه ،وجعل جزاء
ذلك اللعنة ،أي الطرد من لعنة هللا .فعن أنس بن مالك رضي هللا عنه أن رس ول هللا ص لى هللا علي ه
وسلم لعن في الخمر عشر :عاصرها ومعتصرها وشاريها وحاملها والمحمولة إلي ه وس اقيها وبائعه ا
وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له".
وقد أكدت األبحاث العلمية أن تناول الخم ر ي ؤدي إلى العدي د من األض رار على ص حة اإلنس ان ،إذ
ينتج عنه تمثيل الكحول داخل الجسم انت اج م واد كيميائي ة تض ر بال دماغ والعض الت والكلى والكب د
والقلب () ،ه ذا باالض افة إلى المش اكل واألض رار االقتص ادية واالجتماعي ة والجمالي ة ،والتس بب
بأمراض سوء التغذية الكثيرة ومنها:
يقلل تناول الكحول من تناول األطعمة األخرى ال تي تحت وي على العناص ر الغذائي ة المفي دة .1
للجسم ،فالكحول مصدر للطاقة الفارغة ويعطي اإلنسان قناعة وهمي ة بالش بع ،فيع زف عن
تناول األطعمة األخرى.
يسبب تناول الكحول التهابات في المعدة واألمع اء والبنكري اس ،في ؤثر على عملي ة الهض م .2
واالمتصاص ويؤدي ذلك إلى سوء امتصاص العناصر الغذائية مثل المع ادن والفيتامين ات ،
وخاصة فيتامينات (ب) المركبة الذائبة في الماء وفيتامين (ج) .
الكحول ومخلفاته التمثيلية في الكبد تؤدي إلى تشمع الكب د الكح ولي ال ذي ي ؤدي إلى الوف اة. .3
وتشير االحصاءات الى أنه يموت سنويا في فرنسا 25000وفي المانيا 16000بس بب ه ذا
المزمن ،كما يؤدي الن واتج التمثيلي ة إلى تقلي ل اإلس تفادة من الفيتامين ات والمع ادن فتح دث
أعراض النقص لها مثل:
أم راض نقص فيت امين (ب )1مث ل ال بري ب ري وهب وط القلب وض عف الترك يز واإلب داع ●
وااللتهاب العصبي الكحولي.
مرض الحصاف ( البالغرا) الناتج عن نقص فيتامين (ب( )3النياسين) . ●
مرض فقر الدم الناتج عن نقص فيتامين (ج) و ( (ب )12وحمض الفوليك. ●
أمراض نقص عنصر الزنك كالقزمة (قصر القامة) وتأخر البلوغ والنضوج الجنسي وت أخر ●
النمو وضعف اإلفرازات الجنسية واالجهاض عند الحوامل وضعف مناعة الجسم.
أمراض نقص فيتامين (أ) كالعشى الليلي وتأثر اإلفرازات الجنسية. ●
يزيد الكحول من نسبة أطراح بعض العناصر الغذائية في البول وخاص ة العناص ر المعدني ة ●
الكبرى كالمغنيسوم والزنك.
( )3إن %90من مرض سرطان المعدة هم من الكحوليين وان معظم حاالت سرطان الرأس (اللسان
وقاعدة الفم والبلعوم والمريء واللوزتين) تكون في المدمنين على الخمر.
( )4حصول التخلف العقلي والتشوه الخلقي في األطفال الذين يولدون ألمهات مدمنات.
( ) 5اإلسهام بفاعلية في زيادة األمراض الصدرية وخاصة مرض السل الرئوي وااللتهابات الرئوية
الحادة.
( ) 6إن خاليا الجهاز الهضمي هي أكثر تعرضا لخطر الكحول ،إذ تتأثر خاليا قشرة المخ المسؤولة
عن التفكير واالرادة ،كما يؤدي تناول الخمر إلى التهاب االعصاب الطرفي المتعدد الذي يسبب شلل
األطراف العلوية (اليدين والساعدين) واألطراف السفلية (القدمين والساقين) .ومن هذا كله يظهر لنا
جليا ما انطوى عليه تحريم الخمر من حكم جليلة وعظيمة ،كما يظهر لنا حجم المعاناة والمأساة التي
تعانيها البشرية نتيجة البتعادها عن حكم هللا عز وجل وأمره { أفحكم الجاهلية يبغون ،ومن أحسن
من هللا حكما لقوم يوقنون} المائدة ( ، )50فقد أظهر تقرير لمنظمة الصحة العالمية ،نوفمبر
، 1978أن " مشكلة تناول الكحول في سائر أنحاء العالم هي من األهمية بحيث تحتاج إلى عمل
ضخم وسريع من قبل منظمة الصحة العالمية" وأشار التقرير إلى أن " المشكالت الناتجة عن تناول
الكحول تشكل عائقا هاما في طريق التنمية االجتماعية واإلقتصادية ،باضافة إلى أنها تستهلك كل
اإلمكانات الصحية لتلك الدول ما لم تتخذ التدابير المناسبة")( .
( )1الميتة:
وهي م ا م ات حت ف أنف ه س واء موت ا عادي ا أو بالش يخوخة أو باالص ابة ب األمراض أو بال ذبح دون
اإللتزام باذكاة الشرعية)( :
فالموت بسبب الشيخوخة ينجم عن تحلل األنسجة وتلفها ،والذي ينتج عن ضعف ط بيعي في ●
الحيوان أو عن مرض غير منظور ،فيحدث ذلك تغيرات في لحم الحي وان ويقل ل من قيمت ه
الغذائية وقابليته للهضم ،فضال عن األضرار المتعلقة بانحباس الدم .
أما الميتة بسبب مرض من األم راض الفتاك ة ال تي تص يب الحيوان ات مث ل الس ل والجم رة ●
الخبيث ة (االن ثراكس) وجراثس م الس المونيال والكلس تريديوم وغيره ا .فتن اول لح وم ه ذه
الحيوانات يشكل خطورة على صحة اإلنسان ،ألن الميكروبات المس ببة له ذه األم راض م ا
تزال متواجدة ونشطة وقد تقوم بإفراز سمومها.
وقد رخص الشارع الحكيم بتناول أنواع من الميتة مثل لح وم الس مك والج راد ،كم ا ص ح عن الن بي
صلى هللا عليه وسلم أنه قال " :أحلت لنا ميتت ان :الس مك والج راد ،ودم ان :الكب د والطح ال" رواه
أحمد والشافعي وابن ماجة والبيهقي والدار قطني.
( )2الدم:
أي الدم المسفوح () ،إذ يعد الحيوان المسفوح من أفضل البيئات لنمو الجراثيم الضارة والممرض ة ،
لذلك كانت حكمة تحريم تناوله .وقد أثبتت الدراسات الحديث ة أن ال دم حام ل لع دد كب ير من الج راثيم
والسموم والفضالت الضارة الناتجة عن عمليات األيض والتمثيل الغذائي وعمليات اله دم والبن اء في
األنسجة () .ويؤدي تناول الدم عن طريق الضم إلى ارتفاع اليوريا في دم اإلنسان مما قد ي ؤثر على
المخ ويسبب الغيبوبة المفاجئة.
والخنزير حيوان قذر يعيش على األوساخ والقاذورات ،وهو ما تأباه النفس الس وية وتعاف ه وت رفض
تناوله ،لما فيه من إخالل بطبع اإلنس ان ومزاج ه الس وي ال ذي خلق ه هللا ع ز وج ل في ه {لق د خلقن ا
اإلنسان في أحسن تقويم} التين ( .)4ولعل من الجدير بالذكر أن تح ريم لحم الخ نزير ك ان قطعي ا في
أية واحدة ،بينما كان تحريم الخمر تدريجيا ونزلت آيات تحريمه على ثالث مراحل ،ولعل هذا األم ر
يرجع إلى طبيعة العرب آذاك إذ كان الخمر من أكثر األمور شيوعا في حي اتهم ،وك ان من الص عب
على النفس البشرية التي اعتادت عليه أن تقلع عنه قطعيا خالل فترة وجيزة وبدون تدرج ،أما بالنسبة
للحم الخنزير فقد كان التحريم قطعيا بغير تدرج ألن العرب لم يكون وا ق د تع ودوا على تناول ه بش كل
مستمر.
وقد أجمع العلماء على تحريم جميع أجزاء الخنزير ،وذك ر اآلي ة للحم الخ نزير ه و من ب اب المج از
اللغوي ،إذ أطلق هللا عز وجل الجزء ( وه و اللحم) وأراد الك ل ( وه و جمي ع الخ نزير) ،ألن اللحم
هو الجزء األهم والمأكول من الخنزير ،وقد أثبت العلم الحديث الحقائق التالية المتعلقة بلحم الخنزير:
يعد لحم الخنزير من أكثر أنواع اللحوم الحيوانية ال تي تحت وي م ادة الكوليس ترول الدهني ة ، ●
والتي تقترن زيادتها في دم اإلنسان بزيادة فرص االصابة بتصلب الشرايين واحتشاء عضلة
القلب .كما أن تركيب األحم اض الدهني ة في لحم الخ نزير ت ركيب ش اذ غ ريب يختل ف عن
ت ركيب األحم اض الدهني ة في األغذي ة األخ رى ،مم ا يجع ل امتصاص ها أس هل بكث ير من
غيرها في األغذية األخرى وبالتالي زيادة كوليسترول الدم.
يساهم لحم الخنزير ودهنه في انتشار سرطان القولون والمستقيم والبروتستاتا والثدي والدم . ●
بسبب لحم الخنزير ودهنه اإلصابة بالسمنة وأمراضها التي يصعب معالجتها. ●
بسبب تناول لحم الخنزير الحكة والحساسية وقرحة المعدة. ●
بسبب تن اول لحم الخ نزير االص ابة بالتهاب ات الرئ ة والناتج ة عن ال دودة الش ريطية ودودة ●
الرئة والتهابات الرئة الميكروبية.
وتتمث ل أهم مخ اطر تن اول لحم الخ نزير في احت واء لحم الخ نزير على ال دودة الش ريطية وتس مى
تينياسوليم التي يصل طولها إلى 3-2متر .ويؤدي نمو بويضات هذه الدودة في جسم اإلنسان فيما بعد
إلى اإلصابة بالجنون والهس تيريا في ح ال نم و ه ذه البويض ات في منطق ة ال دماغ ،وإذا م ا نمت في
منطقة القلب فإنها تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وح دوث نوب ات قلبي ة ،ومن أن واع الدي دان األخ رى
التي تتواج د في لحم الخ نزير دودة التريك انيال الش عرية الحلزوني ة المقاوم ة للطبخ وال تي ق د ي ؤدي
نموها في الجسم إلى اإلصابة بالشلل والطفح الجلدي.
ويحرم اإلسالم أكل كل ما ذبح لغير هللا أو ذكر عليه غير اسم هللا عز وجل ،يقول هللا تبارك وتعالى :
{ وال تأكلوا مما لم يذكر اسم هللا عليه وإنه لفسق} األنعام ( ، )121وه ذا األم ر يؤك د ارتب اط غ ذاء
اإلنسان بعقيدته وأنه جزء من منظومة العبودية هلل عز وج ل ،فاألك ل من غ ير م ا ذبح هلل دلي ل على
موافقة األكل لهذا األمر وإقراره عليه.
والحيوانات في مثل هذه الحاالت ال يحل أكلها ألنها ماتت أو قتلت بغير ال ذكاة الش رعية ال تي تس اعد
على خ روج ال دم الض ار من الجس م ،ول ذلك فهي تحم ل الج راثيم الض ارة وت ؤدي إلى اإلص ابة
باألمراض ،لذلك كانت حكمة تحريم أكل هذه اللحوم.
وتجدر اإلشارة إلى أن اإلسالم حرم أكل لحوم الحيوانات المفترسة والجارحة التي تتغذى على لح وم
حيوانات أخرى ،مثل السباع والقطط والكالب ،باالضافة إلى الطي ور الجارح ة مث ل الص قر والنس ر
والعقاب ،لقول النبي صلى هللا عليه وسلم " :إن هللا حرم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب
من الطير" رواه اإلمام مالك في الموط أ .وتتم يز لح وم ه ذه الحيوان ات بالش دة والقس اوة بس بب ش د
العضالت في جسمها وكبر ححمه ا ،وذل ك لتناس ب م ع حاجاته ا في مالحظ ة ومهاجم ة الحيوان ات
ومصارعتها والتغلب عليها الفتراسها ،فيصعب لذلك هضم وبلع هذه اللحوم واالستفادة منها.
والجاللة :هي التي تأكل العذرة من اإلبل والبقر والغنم والدجاج واألوز وغيرها حتى يتغ ير ريحه ا .
فقد نهى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن شرب لبن الجاللة ،رواه الخمسة إال ابن ماج ة .وإذا م ا
حبست الجاللة بعيدا عن العذرة وعلفت علفا طاهرا وطاب لحمها جاز أكلها وذهب اسم الجاللة عنها.
يق ول تع الى { :ويح ل لهم الطيب ات ويح رم عليهم الخب ائث} األع راف ( . )157والطيب ات هي م ا
تس تطيبه النفس وتس تلذه من غ ير ورود نص في تحريم ه ،ف إن اس تخبثته فه و ح رام .وي دخل في
الخبائث كل مستقذر مثل البصاق والمخ اط والع رق والم ني وال روث والقمام ة ،والقم ل وال براغيث
والحشرات الضارة ونحو ذلك.
قال تعالى { :فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منيسا .فناداه ا
من تحتها أال تحزني قد جعل ربك تحتك سريا .وهزي إليك بج ذع النخل ة تس اقط علي ك رطب ا جني ا.
فكلي واشربي وقري عينا} مريم ( .)26-23وأخرج مس لم في كت اب أالش ربة من ح ديث عائش ة أن
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال " :بيت ال تمر فيه جياع أهله" .وأخرج البخاري في كتاب الطب
ومسلم أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال :من تصبح من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم س م وال
سحر".
( )4الزيتون:
قال تعالى { :ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل واألعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك آلية لقوم
يتفكرون} النحل ( . )11وقال تعالى مقسما به{ :والتين والزيتون} ال تين ( .)1واخ رج الترم ذي في
األطعمة من حديث أبي هريرة رض ي هللا عن ه أن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم ق ال " :كل وا ال زيت
وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة" وعنه صلى هللا عليه وسلم قال " :ائتدموا بالزيت وادهنوا ب ه فإن ه
من شجرة مباركة" أخرجه ابن ماجة والحاكم وق ال األلب اني ح ديث حس ن .وروى البح اري عن أبي
هريرة رضي هللا تعالى عنه أن رسول صلى هللا عليه وسلم قال " :كلوا وادهنوا به فإن في ه ش فاء من
سبعين داء منها الجذام".
( )5األسماك :
قال تعالى { :أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ،وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما
،واتقوا هللا الذي إليه تحشرون} المائدة ( . )96وروى اإلمام أحم د وابن ماج ة من ح ديث عبدهللا بن
م ر عن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم أن ه ق ال " :أحلت لن ا ميتت ان ودم ان :الس مك والج راد والكب د
والطحال" .
( )6التين:
وهو مما أقسم هللا عز وجل به { :والتين والزيتون} التين ( .)1وذكر السيوطي في الج امع الص غير
من حديث ضعيف عن أبي الدرداء قال :أهدي إلى الن بي ص لى هللا علي ه وس لم طب ق من تين ،فق ال
صلى هللا عليه وسلم :كل وا ،وأك ل من ه .وق ال :ل و قلت إن فاكه ة ن زلت من الجن ة قلت ه ذه ،ألن
فاكهة الجنة بال عجم ،فكلوا منها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس"
اهتمام اإلسالم في الغذاء
الباب األول
األمن الغذائي في اإلسالم
لقد لفت القرآن الكريم أنظ ار البش رية إلى أهمي ة الغ ذاء في حي اة األمم والش عوب ،وذل ك من خالل
ربطه باألمن واالستقرار السياسي .وقد تجلى ذلك المعنى من خالل سورة قريش ،حيث أمتن هللا ع ز
وجل على ق ريش بم ا أف اء عليهم من نعم ة األمن الغ ذائي { ال ذي أطعمهم من ج وع} ونعم ة األمن
واالستقرار السياسي {وآمنهم من خوف} وجعل ذلك من النعم العظيمة التي تس تحق الش كر والعب ادة
هلل عز وجل وال يجوز أن تقابل بالنكران { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من
خوف} قريش (. )4
ولم تغفل السنة النبوية عن ذك ر أهمي ة األمن الغ ذائي في حي اة الف رد والجماع ة ،وجع ل رس ول هللا
صلى هللا عليه وسلم ذلك ركنا ثالثا من أركان الحياة اآلمنة المستقرة " من أص بح منكم الي وم آمن ا في
سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بما فيه ا" رواه الترم ذي عن عبي د هللا بن
حفص االنصاري .كما تجلت نظرة اإلس الم إلى األمن الغ ذائي في س يرة المص طفى ص لى هللا علي ه
وسلم من خالل أمر النبي صلى هللا عليه وسلم بإنشاء سوق خاص بالمسلمين وذلك عند قدومه المدينة
،حيث ك ان س وق المدين ة محص ورا بأي دي يه ود ،مم ا يش كل تهدي دا ألمن المس لمين االقتص ادي
والغذائي ،ومن ثم السياسي ،وقد عمل اإلسالم على وضع األسس النظرية لتحقيق األمن الغ ذائي من
خالل حث الن بي ص لى علي ه وس لم على الزراع ة وإعم ار األرض وإحي اء الم وات من األرض
بالزراعة " من أحيا أرضا مواتا فهي له " رواه الترمذي " ،إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فس يلة ف إن
استطاع أال تقوم حتى يغرسها فليفعل" رواه أحمد عن أنس بن مالك.
فاألمن الغذائي واالكتفاء الذاتي من الغذاء ش رط الزم لحف ظ كرام ة األم ة وص يانة وح دتها وحماي ة
ديارها ولدرء تحكم االعداء في مق دراتها وت دخلهم في قراراته ا وسياس اتها .وألدل على ذل ك ص حة
هذه النظرية مما نعايشه في هذا العصر ،إذ نتج عن العج ز في تحقي ق األمن الغ ذائي ل دى المس لمين
إلى اعتماد والبلدان االسالمية على الدول الغربية ،وخاصة الواليات المتح دة األمريكي ة ،في توف ير
غذائها األساسي (وخاصة القمح) ،والذي أدى بدوره إلى استالب كرامة األمة وارتهان ارادته ا تحت
ضغط الدول المصدرة للغذاء .ويقدر حجم ال واردات إلى الع الم الع ربي (لوح دة) من الغ ذاء في ع ام
2000م بـ 35مليار دوالر ،في الوقت الذي تقدر به المساحات المزروعة في العالم االسالمي بنح و
400مليون فدان ،وهي تشكل %11من مساحة األراض ي المزروع ة في الع الم ،وفي ال وقت ال ذي
تق در ب ه نس بة الع املين بالزراع ة في ال دول النامي ة (ومعظمه ا من ال دول اإلس المية ) بين 70إلى
%85من مجم وع الق وى العامل ة ،في حين ال يتع دى ه ذا ال رقم 4إلى %10في البل دان المتقدم ة.
ومن المفارقات المحزنة والمفجعة أنه في الوقت الذي يشكل في ه س كان الوالي ات المتح دة األمريكي ة
%7من سكان العالم ،فإنهم ينتجون %50من الغذاء في العالم.
وتع د س ورة يوس ف – علي ه الس الم – من أك ثر الس ور وض وحا ودالل ة في ع رض نظري ة األمن
الغذائي ،وقد تجلى ذلك في قصة سيدنا يوسف – عليه السالم -مع عزيز مصر والرؤية التي رآها في
منامه .فقد أشارت اآليات الكريمة إلى أهمية حفظالغ ذاء وتخزين ه بط رق مناس بة تمن ع فس اده ،وإلى
أهمية االنتاج الزراعي في توف ير األمن الغ ذائي ،وإلى ض رورة ترش يد االس تهالك الغ ذائي ،وع دم
االسراف به ،بما يتالءم مع واحتياجات السكان ،وبم ا يمن ع ح دوث المجاع ة ونقص الغ ذاء { ق ال
تزرعون سبع سنين دأبا ،فما حصدتم فذروه في سنبله إال قليال مما تأكلون ،ثم يأتي من بعد ذلك سبع
شداد يأكلن ما قدمتم لهن إال قليال مما تحص نون ،ثم ي أتي من بع د ذل ك ع ام في ه يغ اث الن اس وفي ه
يعصرون} يوسف (. )49-47
وتجدر اإلشارة في هذا المقام إلى السبق الحضاري واالعجاز العلمي في اآليات المذكورة ،إذ اشارت
إلى حفظ الغذاء في سنبله .وقد دلت الدراسات العلمية الحديثة أن الحفظ به ذه الطريق ة يع د من أك ثر
الوسائل نجاحا ونجاعة في حفظ القمح ،حيث تعمل القشور المحيط ة بحب وب القمح في الس نبلة على
منع مهاجمة القمح من قبل الحشرات الضارة والمؤثرات الجوية الخارجية .
الباب الثاني
ضبط جودة الغذاء في اإلسالم
يعد الغذاء من أكثر المواد عرضة للفساد ،نظرا لما يحتويه من الرطوبة والعناص ر الغذائي ة الالزم ة
لنمو األحياء الدقيقة ،وذلك في حال عدم تخزينه في ظروف جيدة .
وقد احتوت بعض آيات القرآن الكريم إشارات ضمنية إلى مشكلة فساد الغ ذاء واحتم ال تغ ير ص فاته
من ل ون أو طعم .فق د ورد في س ورة البق رة في اآلي ة ( )259في مع رض قص ة ص احب القري ة
المهجورة {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} ،وفي قوله تعالى { :فيها أنهار من ماء غ ير آس ن
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } محمد ( . )15فأسن الماء وتغير طعم اللبن كلها مؤشرات على فس اد
الغذاء.
وقد شدد القرآن الكريم على ضرورة إحسان اختيار الغذاء والتأكد من خلوه من اآلفات عن د التص دق
به للفقراء والمحتاجين ،فقال تعالى { :يا ايها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما رزقناكم ومما أخرجن ا
لكم من األرض ،وال تيمموا الخبيث من ه تنفق ون } البق رة ( . )267كم ا اش ار الق رآن الك ريم إلى أن
الغذاء المت وفر يتف اوت في م دى جودت ه وس المة وص الحيته ،ووج ه إلى االهتم ام باختي ار الغ ذاء
المتناول ،وذلك في قوله تعالى { :ف ابعثوا أح دكم ب ورقكم ه ذه إلى المدين ة فينظ ر أيه ا أزكى طعام ا
فليأتكم برزق منه وليتلطف وال يشعرن بكم أحدا} الكهف ()19 ، 18
أما السنة النبوية ،فقد حفلت باألدل ة على ض رورة الحف اظ على س المة الغ ذاء وجودت ه ومن ع غش ه
والتغرير به ،فقد ورد عنه صلى هللا عليه وسلم أنه مر ذات يوم على رجل يبيع طعاما ،فوضع صلى
هللا عليه وسلم كفه الشريف أسفل منه فوجده مبلوال فس أل الب ائع عن ذل ك فق ال :أص ابته الس ماء (أي
المطر) ،فقال صلى هللا عليه وسلم " :من غشنا فليس منا " رواه مس لم وابن ماج ة وال دارمي ،كم ا
نهى صلى هللا عليه وسلم عن بيع الغرر ( وهو ما كان ظاهره يغري المشتري وباطنه مجه ول) رواه
الترمذي وابن ماجة واحمد والدارمي ،كم ا نهى عن المالمس ة والمناب ذة (الش راء دون التع رف على
السلعة المطلوب شراؤها) .
وفي سيرة الخلفاء الراشدين ،كان في قصة صاحبة اللبن التي أرادت أن تخلطه بالماء خير دليل على
حرص المسلمين آنذاك على عدم الغش ،إذ كافأ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رض ي هللا عن ه ابن ة
ص احبة اللبن على رفض ها الغش ب أن زوجه ا من أح د أبنائ ه ،وك ان أن خ رج من نس لهما خ امس
الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضي هللا عنه.
الفصل الرابع
الصــــــــــــــــوم
الباب األول
صيام رمضان
الصيام عبادة قديمة فرضها هللا عز وجل على أمة اإلسالم كما فرضها على األمم الس ابقة ،وه ذا م ا
دلت عليه اآلية الكريمة { :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون} البقرة (. )183
وقد أثار الصيام انتباه ودهشة األطباء من ذ ق ديم الزم ان ،حيث ظ ل الص وم طريق ة عالجي ة تتناقله ا
أجي ال األطب اء )( .ففي مرج ع طب التبت الكب ير " نش جوديش" في الق رن الس ادس قب ل الميالد،
خص ص فص ال ك امال للص يام تحت عن وان " العالج بالطع ام" و " العالج بالص وم" .وع رف
المص ريون الق دماء الص وم ،وبش هادة ه يرودوت ( 450ق.م ).ت بين أن المص ريين الق دماء ك انوا
يصومون ثالثة أيام من كل شهر ،وكذلك الص وم الكب ير ألك ثر من ش هر من ك ل ع ام .كم ا ع رف
اليونانيون القدماء فائدة الصيام فنادى (أبو قراط) باتباع الصوم لعالج الكث ير من األم راض الباطني ة
والخارجية.
ومع إشراق شمس اإلس الم على الع المين ،ف رض الص وم على المس لمين في الس نة الثاني ة للهج رة،
وأصبح بذلك الركن الرابع من اركان اإلسالم .ويع رف الص يام في رمض ان على أن ه اإلمس اك عن
الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات من ذ طل وع الفج ر ح تى مغيب الش مس () تعب دا هلل ع ز
وجل وتقربا إليه .كما يشمل الص يام ك ف الج وارح عن جمي ع اآلث ام والمعاص ي ،فه و ب ذلك عب ادة
روحية وجسدية ترتقي باإلنسان في صحته وروحه وقلبه.
وقد عرف أطباء المسلمين الصوم كعب ادة وعالج في آن واح د ،فك ان ابن س ينا يفض ل الص وم على
الدواء ويقول " :إنه األرخص" ،ويصفه للغني والفقير ،وإبان الحملة الفرنسية في مصر في الق رن
18م ،اتبعت المستشفيات الصيام كعالج لمرض الزهري ،حيث عدوا الصيام قاتال للجراثيم المسببة
للمرض)( .
ومع إطاللة القرن العشرين ،ومع تزايد وتطور أساليب البحث العلمي ،فقد حاز الصيام في رمض ان
على جانب كب ير من اهتم ام األطب اء والب احثين ،نظ را لم ا يتض منه الص يام في رمض ان من تغ ير
وتحول في نمط استهالك الغذاء خالل فترة زمنية مح ددة ( 30-29يوم ا) ،إذ يس تدعي ذل ك التغ ير
حصول تحوالت في مسارات األيض والتمثيل في الجسم ،وحصول تغيرات حيوية ت ؤثر على ص حة
اإلنسان وجسمه بشكل واضح وملموس .وفيما يلي عرض موجز ألهم التغيرات االيجابي ة ال تي تنجم
عن الصيام في شهر مضان:
( )1تأثير الصوم على الجهاز العصبي (التأثيرات النفسية والعصبية) :
إن المتأمل في فلسفة الصيام في اإلسالم يجد أنه ال يعدو عن كونه عملية تربوية تتم فيها تربي ة النفس
وتهذيبها واالرتقاء بها عن الولوغ واإلغراق في إشباع الش هوات والغرائ ز ،كم ا أن أدبي ات الص يام
وأخالقه تلزم المسلم باالبتعاد عن مظاهر الغضب واالنفعال ،عمال بق ول الح بيب المص طفى ص لى
هللا عليه وسلم " :إذا كان يوم صوم أحدكم فال يرفث وال يص خب ،ف إن س ابه أح د أو ش اتمه فليق ل :
اللهم إني ص ائم" متف ق علي ه .وه ذا ي ؤدي بالمس لم إلى الش عور بالس كينة وطمأنين ة القلب وانش راح
الصدر ،فتخرج النفس من ضيق وشدائد الحياة اليومية ومشاكلها ومن ضغوط الحياة وتعقيداتها ،إلى
سعة الص در وانش راح النفس والرض ا ،وه و م ا ي ؤدي إلى ش فاء وتحس ن العدي د من اإلض طرابات
واألمراض النفسية والعصبية مثل االكتئاب والقلق والهوس )( .وفي دراسة أجراها ال دكتور درادك ة
في األردن عام ، 1991-86تبين أن نسبة اإلنتحار خالل شهر رمضان المبارك قد انخفض ت بش كل
ملحوظ ،وذلك بسبب تأثير الجو اإليماني والروحاني لشهر الصيام.
( )2تأثير الصيام على الجهاز الهضمي:
في شهر رمضان تقل حركة األمعاء وتق ل إف رازات العص ارة الهض مية والمعوي ة وغيره ا ،وب ذلك
تطول فترة راحة الجهاز الهضمي وتتحسن الكثير من األمراض المرتبط ة بالجه از الهض مي وال تي
من أخطره ا الس منة ،واألم راض ذات العالق ة بالض غوط النفس ية والعص بية مث ل تهيج القول ون
واالنتفاخات والتهابات المعدة المزمن ة )( .ومن أهم الفوائ د ال تي يجنيه ا الص ائم هي تخفي ف ال وزن
والتخلص من الزائد منه .إذا اشارت العديد من الدراسات العلمية الحديثة إلى أن الص وم في رمض ان
يؤدي إلى التخفيف من وزن الجسم ،وذلك بالرغم من الممارسات الغذائي ة الخاطئ ة الس ائدة في ش هر
رمضان والتي يتوقع أن تؤدي إلى زيادة الوزن ال تخفيفه )( .وهذا التخفيف بدوره يحمي اإلنسان من
الكثير من األمراض المرتبطة بالسمنة والتي من أخطرها ارتفاع ضغط الدم والسكري (النوع الثاني)
والنقرس وانسداد الشرايين واحتشاء عضلة القلب.
( )3تأثير الصيام على الجهاز الدوري (القلب والشرايين) :
يعم ل الص يام في رمض ان على خفض محت وى ال دم من الكوليس ترول الض ار ورف ع محت واه من
الكوليسترول النافع ،الذي يعمل بدوره على إزالة ال دهون المترس بة على ج دران األوعي ة الدموي ة ،
وبالتالي العمل على منع حدوث انسداد الشرايين ومن ع حص ول احتش اء عض لة القلب .كم ا ان القلب
يرتاح عند الصوم إذ تنخفض ضرباته إلى 60في الدقيقة .وهذا يعني أنه يوفر مجه ود 28800دق ة
كل 24ساعة)( .
ومن أهم فوائد الصيام ،خاصة بالنسبة للمدخنين ،هي قدرة الصيام على التخفيف من كمي ة الس جائر
المس تهلكة خالل الي وم ،بم ا س يفيد القلب والش رايين والرئ ة ويقل ل من تعرض ها للم واد الس امة
والمسرطنة الموجودة في السجائر .كما أن التأثير النفسي والتربوي للصيام يساعد اإلنسان الم ردخن
على اإلقالع عن التدخين واتخاذ القرار الحازم بذلك ويوفر له اإلرادة القوية لإلقالع عنه.
ومن اآلثار اإليجابية للصيام أنه يساعد على التخفيف من ارتفاع ضغط الدم عند المرض ى المص ابين
به ،إذ إن التقليل من كمية الطعام المتناول يقلل من تناول ملح الصوديوم ،والذي يعد المسبب ال رئيس
الرتفاع ضغط الدم .فقد أكدت دراسة حديث ة أن انق اص ال وزن بمق دار 5ر 4كغم ك ان كفيال يخفض
ضغط الدم عند مرضى ارتفاع ضغط الدم المتوسط والمنخفض)( .
الباب الثاني
حكمة اإلفطار في رمضان على التمر
عن سليمان بن عامر الضبي رضي هللا عنه ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم ق ال" :إذا أفط ر أح دكم
فليفطر على تم ر ،ف إن لم يج د فليفط ر على م اء فإن ه طه ور" رواه الترم ذي وأب و داود ،وعن أنس
رضي هللا عنه قال " :كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات ،ف إن لم
تكن رطبات فتميرات ،فإن لم تكن تميرات حس ا حس وات من م اء" رواه أحم د ومس لم في ص حيحه
وأو داود والترمذي وابن ماجة.
وهنا تظهر الحكمة النبوية الشريفة في اإلفطار على مادة سكرية كالتمر قبل أداء صالة المغرب ،ألن
التمر يحتوي على نسبة عالية من السكريات التي ال تحتاج إلى عمليات هضم معقدة لتتحول إلى مواد
أخرى ،كما يحدث في هضم النشويات ،ولذا فالمواد السكرية تعوض الجسم عن نقص السكري في
الدم أثناء الصوم وتزيل كافة األعراض الناتجة عن نقص السكر )( .ومن حكم وفوائد اإلفطار على
التمر:
المعدة ال ترهق بما يقدم إليها من غذاء دسم وفير ،بعد أن كانت هاجعة طيل ة ثم اني .1
عشرة ساعة تقريبا ،بل تبدأ عملها بالتدرج في هضم التمر السهل االمتص اص ،ثم
بعد نصف ساعة يقدم إليها اإلفطار المعتاد.
.2
تناول التمر أوال يحد من ج وع الص ائم وإقبال ه على الطع ام ،فال يقب ل على المائ دة .3
بنهم شديد.
.4
المعدة تستطيع هضم المواد السكرية في التمر خالل نصف ساعة ،فإذا بال دم ي زود .5
الجسم بالوقود السكري الذي يبعث في خالي اه النش اط ،ف يزول اإلحس اس بالدوخ ة
والتعب سريعا.
وبهذا الخصوص يقول اإلم ام ابن قيم الجوزي ة " :وفي الفط ر على التم ر ت دبير حس ن ألن الص وم
يخلي المعدة من الغذاء فال يجد الكبد ما يجذبه ويرسله إلى القوى العامل ة ،والحل و أس رع األش ياء في
الوصول إلى الكبد واحبها إليه ،وال سيما إذا كان البلح رطبا فيشتد قبوله إلى الكبد فينتف ع ب ه ويرس له
إلى القوى العاملة بسرعة ،وتعوض الجسم عنه نقص السكر في الدم أثناء الص وم وتزي ل األع راض
الناتج ة عن نقص الس كر في ال دم أثن اء الص وم مث ل ع دم الترك يز ،وع دم الق درة على الحرك ة ،
والشعور بالضعف والكسل وزوغان البصر" .
الخاتمة
إن اإلسالم وبما يمثله من رسالة عالمية ش مولية ج اءت لنظم حي اة البش ر ق د احت وى على جمل ة من
األسس والمباديء العامة التي تنظم تعامل اإلنسان م ع الغ ذاء من حيث ترش يد النظ رة إلي ه وال دعوة
إلى االقتصاد وعدم اإلسراف في تناوله واالعتدال فيه ،إلى جانب الحث على ضمان جودته وس المته
وعدم الغش به.
ولم يقتصر دور اإلسالم على ذلك ،بل تعداه إلى تأسيس نظام صحي وغ ذائي يض من تحقي ق س المة
اإلنسان وحفظ صحته .كما وجه إلى ضرورة تأمين احتياجات اإلنسان منه ،وه و م ا ع رف يم ا بع د
باألمن الغذائي .وقد تضمن صوم رمضان وما يرافقه من آداب وأحكام حف ظ ص حة اإلنس ان وإبع اده
عنه السمنة وما تبعها من أمراض تهدد حياته وتعرضها للخطر.
وقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية ب ذكر العدي د من األغذي ة الطيب ة النافع ة ،باالض افة إلى ذك ر
األطعمة المحرمة الضارة التي أثبت العلم الحديث خطورتها وضررها على صحة اإلنسان وسالمته.
وقد حظيت مس ألة ال رزق بتكف ل هللا تع الى به ا ،فاالس تقرار واالطمئن ان من أعظم نعم هللا تع الى ال
تتيس ر إال ب األمن الغ ذائي ،وع دم تب ذيره واإلس راف في ه ،ألن االنحالل الخلقي يس بق اإلنهي ار
اإلقتصادي العالقة بينهما تالزمية ،قال تعالى { :إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين { .
وللمسلم نظرة خاصة للغذاء ،فهو ال ينظر إليه كما ينظر إلي ه غ يره من ناحي ة ش هوانية أو دنيوي ة ،
وإنما ينظر إليه على أساس تعبدي يعينه على عبادة ربه تعالى ،كما قال صلى هللا عليه عليه وس لم "
نحن قوم ال نكل حتى نجوع وإذا أكلنا ال نش بع" ،فالمس لم ليس ب النهم وال بالش هواني فالغ ذاء عام ل
مساعد على القيام بالواجبات واسداء الحقوق الى أهلها " وإن لبدنك عليك حقا".