Professional Documents
Culture Documents
السٌرة النبوٌة تعد وسٌلة عملٌة وترجمة واقعٌة لفهم القرآن؛ إذ إن
السٌرة النبوٌة هً تجسٌد عملً لألحكام التً تضمنتها اآلٌات
الكرٌمات واألحادٌث الشرٌفة .ومن ثم تعتبر السٌرة النبوٌة التطبٌق
العملً الذي ٌسر على الناس فهم مبادئ اإلسالم وااللتزام بقواعده.
باختصار شدٌد ،فإن سٌرة الرسول صلى هللا علٌه وسلم منهج حٌاة
لمن امتثلها واتخذها قدوة؛ إذ فً سٌرة النبً صلى هللا علٌه وسلم
الكثٌر من الدروس والمواقف والعبر
عظم مكانة النبً صلى هللا علٌه وسلم وكبٌر مقامه بٌن الخلق
إن الحمد هلل؛ نحمده ونستعٌنه ونستغفره ونستهدٌه ،ونعوذ باهلل من
شرور أنفسنا ومن سٌبات أعمالنا ،إنه من ٌهده هللا فال مضل له ،ومن
ٌضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شرٌك له ،وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله.أما بعد :فها نحن الٌوم مع موضوع من أهم
الموضوعات فً حٌاة المسلمٌن ،بل فً حٌاة األرض بؤكملها ،نحن
مع سٌرة رجل هو أعظم رجل خلقه هللا عز وجل منذ خلق آدم وإلى
ٌوم القٌامة.
الناس عادة ٌتفوقون فً مجال وٌتؤخرون فً آخر ،لكن هذا الرجل
تفوق فً كل مجال ،تفوق فً عبادته ،فً معامالته ،فً شجاعته ،فً
كرمه ،فً حلمه ،فً زهده ،فً حكمته ،فً ذكابه ،فً تواضعه ،فً
كل شًء ،إن هذا الرجل بحق قد سبق غٌره!فمع سٌرة اإلنسان الذي
خاطبه هللا عز وجل وقال لهَ :وإِ َّن َك لَ َعلى ُخلُ ٍق َعظِ ٌٍم [القلم.]4:
ُك إِ َّن ُه ْم لَفًِ
بل قد أقسم هللا جل وعال بحٌاة هذا الرجل فقال :لَ َع ْمر َ
َس ْك َرت ِِه ْم ٌَعْ َمه َ
ُون [الحجر.]27:
مع سٌرة الرجل الذي لن ٌحاسب هللا عز وجل الخالبق ٌوم القٌامة إال
عندما ٌشفع لهم ،وكل نبً فً الموقف لن ٌشفع حتى ألتباعه المإمنٌن
به إال بعد أن ٌشفع هذا الرجل.
مع سٌرة الرجل الذي لن ندخل الجنة إال خلفه ،ولن نروى ٌوم القٌامة
إال من حوضه وكوثره ،وهذا متوقف على معرفتنا بسٌرته ونهجه،
واتباعنا له فٌهما ،فإن صنعنا ذلك كانت لنا النجاة فً الدنٌا واآلخرة،
وإن جهلنا طرٌقته أو خالفناها قٌل لنا :سحقا ً سحقاً.
نحن أمام سٌرة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ،الماحً الذي محا هللا
عز وجل به الكفر ،وأول من ٌبعث من الخالبق ٌوم القٌامة ،وحامل
لواء الحمد ٌوم القٌامة ،وصاحب المقام المحمود والحوض المورود
صلى هللا علٌه وسلم.
أمام سٌرة الرجل الذي فتحت له أبواب السماء لٌخترقها بجسده إلى ما
بعدها ،لما صعد رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم مع جبرٌل فً رحلة
المعراج إلى السماء وطرق الباب أجاب ال َملك فقال( :من؟ قال:
قال :أو قال:أو أذن له قال . :جبرٌل .قال :ومن معك؟ قال :محمد
نعم ).ففتح باب السماء ،ودخل رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم إلى
مكان لم ٌدخله بشر قبل ذلك وهو حً.نعم ،هذا هو الرجل الذي وصل
إلى مكان لم ٌصل إلٌه بشر ،ولم ٌتجاوزه حتى جبرٌل الملك العظٌم،
وٌصل إلٌه رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم.إنه الرجل الذي شاهد
الجنة والنار بعٌنه ال بعقله.
ونحن هنا ال نقارن عظمة هذا الرجل صلى هللا علٌه وسلم بعظمة بوذا
وكونفوشٌوس وهتلر ولٌنٌن وستالٌن كما فعل صاحب كتاب الخالدون
المابة ،وإن كان قد جعل أعظمهم محمداً ،والعجٌب أنك تجد الناس
فرحٌن بذلك الكتاب.
إن مقام هذا الرجل ال ٌسمح إال بؤن نضعه فً مصافِّ األنبٌاء علٌهم
الصالة والسالم؛ فً رتبة أعلى من نوح وإبراهٌم وموسى وعٌسى
وكل أنبٌاء هللا عز وجل علٌهم الصالة والسالم أجمعٌن ،فً مقام
ضخم جداً نقارنه بالمالبكة أجمعٌن،
بملك األرزاق ،بملك البحار ،بملك الجبال ،بحملة العرش ،بل
وبجبرٌل علٌه السالم ،جبرٌل لما وصل إلى سدرة المنتهى لم ٌستطع
أن ٌتقدم ،وقال لرسول هللا صلى هللا علٌه وسلم( :لو تقدمت خطوة
الحترقت)،
ولكن الرسول صلى هللا علٌه وسلم مكنه هللا عز وجل أن ٌتقدم ،فتقدم
للقاء هللا عز وجل.إن عظم مقام هذا الرجل جعل له ذكراً خالداً ،وعلى
قدر هذه العظمة ٌجب أن ٌكون اهتمامنا بسٌرته وحٌاته ،وبكل دقٌقة
مرت من حٌاته الشرٌفة صلى هللا علٌه وسلم
.
حال أمة اإلسالم فً الوقت الحاضر
كذلك ٌوجد تؤخر علمً ،بل فجوة هابلة بٌننا وبٌن غٌرنا تقدر بمبات
السنٌن ،ال أقول بعشرات السنٌن أو بآحاد السنٌن.
تؤخر حتى فً الوحدة ،فال تجد دولتٌن مسلمتٌن إال وبٌنهما صراع
ونزاع على الحدود.وهذا أمر ٌشق كثٌراً على النفس.
حتى فً المجال األخالقً ،نحن دابما ً نقول :إن الحضارة لٌست هً
األشٌاء المادٌة فقط ،لٌست السالح أو المعمار أو األموال ،بل
الحضارة أشٌاء كثٌرة مجتمعة مع بعضها ،ومن أهمها األخالق ،ثم
انظر إلى األمور األخالقٌة فً العالم اإلسالمً ،ال تسؤل عن كٌفٌة
التعامل بٌن الجٌران فً البالد اإلسالمٌة ،أو كٌف ٌعامل الموظفون
الجمهور ،أو ما هً أخبار الرشوة والفساد ،وأخبار اإلعالم وشاشات
األفالم ،واإلباحٌة المفرطة فً األغانً واإلعالنات والشوارع وفً
كل مكان ،حتى فً أماكن العلم كالجامعات والمدارس نرى أموراً كنا
نتخٌل أنها ال توجد إال فً ملهى لٌلً ،ثم وجدناها فً الجامعة ،فً
مكان العلم ،فً المكان الذي ٌفترض أن تركز الناس فٌه أكثر تركٌز
على رفعة هذه األمة
عوامل بناء األمة وتحقٌق النصر
من المإكد أن القرآن حق ال باطل فٌه ،وصدق ال كذب فٌه ،فالقرآن
ٌقولُ :ك ْن ُت ْم َخٌ َْر أ ُ َّم ٍة أ ُ ْخ ِر َج ْ
ت لِل َّن ِ
اس
[آل عمران111:
ٌقولَ :و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم أُم ًَّة َو َس ًطا [البقرة.]141:فإذا كان القرآن صادقا ً
وحقاً ،فالخلل والعٌب فٌنا نحن عندما لم نطبق تعالٌمه ،ولم نطبق سنة
نبٌنا صلى هللا علٌه وسلم جٌداً ،لذلك حصل فٌنا ما حصل.وأنا مع هذا
كله ال أدعوكم إلى اإلحباط ،ولكن أدعوكم إلى إعادة بناء األمة
اإلسالمٌة ،وترمٌم الصدع الكبٌر الذي حدث ،فٌها ،وأقول لكم :هناك
أمل كبٌر فً إعادة البناء ،بل هناك ٌقٌن فً إعادة البناء ،وأقسم وهللا
لسوف تقوم األمة من جدٌد وتنهض؛ ألن هذا ما وعد هللا عز وجل
ص ُربه ،وهللا ال ٌخلف المٌعاد ،إن هللا عز وجل ٌقول فً كتابه :إِ َّنا لَ َنن ُ
ٌِن آ َم ُنوا فًِ ْال َح ٌَا ِة ال ُّد ْن ٌَا َو ٌَ ْو َم ٌَقُو ُم األَ ْش َها ُد
غافرُ [ ،]11:ر ُسلَ َنا َوالَّذ َ
لٌس فقط ٌوم القٌامة ،بل فً الحٌاة الدنٌا أٌضاًٌ.قول الرسول صلى هللا
علٌه وسلم فً الحدٌث الشرٌف:
(إن هللا زوى لً األرض مشارقها ومغاربها ،وإن ملك أمتً سٌبلغ
ما زوي لً منها) فسٌبلغ ملك أمة المسلمٌن حتما ً مشارق األرض
ومغاربها ،فهذا وعد ملك الملوك على لسان الصادق المصدوق صلى
هللا علٌه وسلم.لكن فً مسؤلة الٌقٌن ال بد من الحدٌث عن نقطتٌن
.علٌهما محور هذه المسؤلة موضوع الٌقٌن
الٌقٌن الجازم بوعد هللا بالنصر
النقطة األولى :أننا نرٌد ٌقٌنا ً مثل ٌقٌن الصحابة رضً هللا عنهم
أجمعٌن خاصة فً غزوة األحزاب ،واألحزاب متجمعة حول المدٌنة
المنورة فً عشرة آالف رجل ،وهذا رقم ضخم جداً فً زمان
الجزٌرة العربٌة وقت رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم .ضابقة شدٌدة
جداً ،والرسول صلى هللا علٌه وسلم فً وسط هذه الضابقة ٌضرب
الحجر الضخم الذي استعصى على الصحابة وٌقول( :هللا أكبرأعطٌت
مفاتٌح الشام ،وهللا! إنً ألرى قصورها الحمراء الساعة ،ثم ضرب
الثانٌة وقال :هللا أكبر! أعطٌت مفاتٌح فارس ،وهللا! إنً ألرى قصر
المدابن األبٌض ،ثم ضرب الثالثة وقال :هللا أكبر! أعطٌت مفاتٌح
الٌمن ،وهللا! إنً ألرى أبواب صنعاء من مكانً).تخٌل حال الصحابة
وهم ٌسمعون بشرى رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم بفتح فارس
والشام والٌمن وهم فً هذه الضابقة ماذا كان حالهم؟!أما المإمنون فقد
َولَمَّا َرأَى :قالوا كما حكى هللا عز وجل عنهم فً كتابه الكرٌم
صدَ َق َّ
هللاُ هللاُ َو َرسُول ُ ُه َو َ ون األَحْ َز َ
اب َقالُوا َه َذا َما َو َعدَ َنا َّ ْالم ُْإ ِم ُن َ
َو َرسُولُ ُه َو َما َزادَ ُه ْم إِ َّال إٌِ َما ًنا َو َتسْ لٌِمًا [األحزاب.]77:سبحان هللا
الصحابة فً هذه الضابقة علموا أن نصر هللا عز وجل قرٌب؛ ألن
نصر هللا عز وجل ٌؤتً بعد اشتداد األزمات ،لكن المنافقون لما
شاهدوا الفجوة الواسعة بٌن إمكانٌات المسلمٌن فً المدٌنة المنورة،
وبٌن إمكانٌات األحزاب ،قالوا كما حكى هللا عز وجل عنهم فً كتابه
وب ِه ْم َم َرضٌ َما َو َعدَ َنا َّ
هللاُ :الكرٌم ٌِن فًِ قُلُ ِ َوإِ ْذ ٌَقُو ُل ْال ُم َنا ِفقُ َ
ون َوالَّذ َ
َو َرسُولُ ُه إِ َّال ُغرُورً ا [األحزاب ،]17:هكذا قال المنافقون لما اعتمدوا
فً تقٌٌمهم على رإٌة الفجوة الواسعة الضخمة بٌن حال المإمنٌن فً
هذه اللحظة وبٌن حال الكافرٌن ،لم ٌق ّدروا قدر هللا عز وجل ،لم
ٌق ّدروا عظمة هللا عز وجل ،لم ٌق ّدروا قوة هللا عز وجل ،ولما كان
المنافقون ال ٌإمنون كان هذا هو التقٌٌم الالبق بهم ،أما المإمنون
الصادقون الذٌن ٌعلمون قدرة هللا عز وجل وعظمته فقد علموا أن
النصر قرٌب؛ ألن األزمة اشتدت.وها هً األزمة قد اشتدت على
األمة اإلسالمٌة واستحكمت حلقاتها ،وسٌؤتً النصر إن شاء هللا رب
العالمٌن
.النقطة الثانٌة
الدور المنوط بكل فرد وجماعة فً بناء األمة وفق المنهج الشرعً
نحن دابما ً ننتظر أناسا ً !ما هو دورك فً بناء هذه األمة اإلسالمٌة؟
من الخارج تؤتً لتعٌد بناء األمة اإلسالمٌة من جدٌد ،لكن أٌن الدور
الذي كلفك هللا عز وجل به إلعادة إعمار األمة اإلسالمٌة ،أو إلعادة
ترمٌم األمة اإلسالمٌة لكً تعود إلى الصدارة وكما وصفها هللا
از َرةٌ
َوال َت ِز ُر َو ِ اس عز وجل بقولهُ :ك ْن ُت ْم َخٌ َْر أ ُ َّم ٍة أ ُ ْخ ِر َج ْ
ت لِل َّن ِ
ِو ْز َر أ ُ ْخ َرى [األنعام]164:
ت َرهٌِ َن ٌة إن قصر كل الناس فً أعمالهم فلن ٌحاسبك ُك ُّل َن ْف ٍ
س ِب َما َك َس َب ْ
هللا عز وجل إال على تقصٌرك أنت فقط ،وهذا من عدل هللا عز وجل.
فالسإال هنا ما عالقة بناء األمة بالسٌرة النبوٌة؟؟؟
نقول إن كل واحد منا ٌرٌد أن ٌعٌد بناء األمة على طرٌقته ،وعلى
منهجه ،فهناك من ٌقول :إن كنا نرٌد أن نعٌد بناء األمة اإلسالمٌة ال
بد وأن نؤخذ المنهج االشتراكً ،ورغم ما استفاض من أنه منهج خطؤ،
إال أن بعض الدول ما زالت مستمرة فً النفاح عنه ،مع أن الدول
التً اخترعته قد تخلت عنه.ثم جماعة أخرى تقول :نؤخذ المنهج
الرأسمالً.وأخرى تقول :نجرب القانون الفرنسً ،وأخرى
اإلنجلٌزي ،وأخرى اإلٌطالً ...وهكذا نلملم من الشرق ومن الغرب،
ونختلف ونتصارع ونتشاحن؛ ألننا مختلفون على المناهج ،فعندما
ٌؤتً وقت االختالف من نحكم؟
اسمع لنصٌحة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم فً مثل هذا الموقف،
ٌقول صلى هللا علٌه وسلم فً الحدٌث الذي رواه أبو داود والترمذي
وصححه عن العرباض بن سارٌة رضً هللا عنه وأرضاه ،قال:
(وعظنا رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم موعظة بلٌغة ،وجلت منها
القلوب ،وذرفت منها العٌون ،فقلناٌا رسول هللا! كؤنها موعظة مودع،
فؤوصنا ،قال :أوصٌكم بتقوى هللا ،والسمع والطاعة وإن تؤمر علٌكم
عبد ،وإنه من ٌعش منكم فسٌرى اختالفا ً كثٌراً وهذه هً المشكلة
التً نحن واقعون فٌها اآلنٌ ،ا ترى بمنهج من نؤخذ؟ نؤخذ بمنهج
الشرق أو الغرب!!
ثم قال( :فعلٌكم بسنتً وسنة الخلفاء الراشدٌن المهدٌٌن ،عضوا علٌها
بالنواجذ ،وإٌاكم ومحدثات األمور؛ فإن كل بدعة ضاللة).من هنا
كانت دراسة حٌاة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ،ودراسة حٌاة
الخلفاء الراشدٌن المهدٌٌن أمراً حتمٌا ً لمن أراد أن ٌهتدي إلى الطرٌق
الصحٌح لبناء األمة اإلسالمٌة ،ولن ٌنفع أن نبنٌها على غٌر منهج
.رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم
سبب االقتصار على ذكر بعض جوانب العهد المكً فً حٌاة النبً
صلى هللا علٌه وسلم
فً هذه المجموعة من الدروس نتحدث عن جانب من حٌاة رسول هللا
صلى هللا علٌه وسلم ،وهو العهد المكً من السٌرة النبوٌة ،ولٌس
الغرض من وراء هذا المجموعة استقصاء كل واقعة حدثت فً حٌاة
رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم فً مكة ،فهذا أمر ٌطول شرحه،
وٌعجز البٌان عن وصفه ألمورعدة
األمر األول:
منها كثرة الوقابع والتفاصٌل المسجلة فً حٌاته علٌه الصالة
والسالم
أن الفترة المكٌة قد سجلت كل وقابعها بدقة ،وبالذات منذ مبعث رسول
هللا صلى هللا علٌه وسلم إلى أن مات ،كل لحظة فً حٌاة رسول هللا
صلى هللا علٌه وسلم منذ أن بعث وإلى أن مات سجلت ،ولم تسجل
حٌاة إنسان على وجه األرض بهذه الدقة ،حتى دخل التسجٌل إلى أدق
ح َك ِم زواجه تفاصٌل حٌاة الرسول صلى هللا علٌه وسلم ،ولعل من ِ
صلى هللا علٌه وسلم من عدد كبٌر من النساء :أن ٌنقلن الحكمة التً
تعلمنها من حٌاة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم الشخصٌة الداخلٌة
التً ال ٌراها غٌرهن ،وما هذا التسجٌل الضخم الدقٌق إال ألنه صلى
هللا علٌه وسلم قدوة كاملة ،ولٌس بعده نبً إلى ٌوم القٌامة ،لَ َق ْد َك َ
ان
هللا َو ْال ٌَ ْو َم اآلخ َِر َو َذ َك َر هللا أُسْ َوةٌ َح َس َن ٌة لِ َمنْ َك َ
ان ٌَرْ جُو َّ َ ُول َّ ِ
لَ ُك ْم فًِ َرس ِ
هللا َك ِثٌرً ا [األحزاب.]71: َّ َ
إذاً :نحن مطالبون باتباع رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم فً كل
خطوة من خطوات حٌاتنا ،فً رضاه وغضبه صلى هللا علٌه وسلم،
فً حزنه وسروره ،وفً حله وترحاله ،إذا رضً فهذا هو الموضع
الذي ٌجب أن نرضى فٌه ،وإذا غضب فهذا هو الموضع الذي ٌجب
أن نغضب فٌه
.األمر الثانً
التنوع فً حٌاته علٌه الصالة والسالم
الذي جعل إحصاء كل أمر فً حٌاة الرسول صلى هللا علٌه وسلم أمر
صعب :التنوع العجٌب فً حٌاة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ،فتارة
ٌكون مطارداً معرضا ً لألذى واالضطهاد كما فً حادث الهجرة،
ٌخرج الرسول صلى هللا علٌه وسلم هو وأبو بكر الصدٌق رضً هللا
عنه وأرضاه فارٌن من أهل مكة ,ورسول هللا صلى هللا علٌه وسلم فً
ذلك مطلوب الرأس ،وكذلك أبو بكر الصدٌق رضً هللا عنه وأرضاه،
إلى أن ٌصال إلى المدٌنة المنورة بعد أٌام من الفرار،هذا جانب
وفً نفس سٌرة هذا الرجل العظٌم صلى هللا علٌه وسلم تجد أنه
ممكنّ فً األرضٌ ،رسل الرسابل إلى كل عظماء األرض من محمد
صلى هللا علٌه وسلم إلى كسرى عظٌم فارس .من محمد صلى هللا
علٌه وسلم إلى قٌصر عظٌم الروم إلى المقوقس عظٌم مصر.انظروا
الفرق الضخم الهابل بٌن حالة كان ٌعٌشها صلى هللا علٌه وسلم ،وبٌن
حالة أخرى عاشها ذاته ،تارة تجد أنه صلى هللا علٌه وسلم ٌعاهد
قوماً ،وتارة ٌحاربهم ،تارة ٌكون فقٌراً معدما ً ٌربط على بطنه حجرٌن
من الجوع ،وال ٌوقد فً بٌته النار ثالثة أهلة فً شهرٌن ،وفً وقت
آخر من السٌرة تجد أن هذا الرجل ذاته قد أصبح غنٌا ً تؤتٌه األموال
من كل بقاع الجزٌرة العربٌة ،وٌنفق األموال فً سبٌل هللا إنفاقا ً غٌر
مسبوقٌ ،عطً هذا مابة من اإلبل ،وهذا مابة من اإلبل ،وهذا أكثر،
وهذا أقلٌ ..نفق إنفاقا ً عجٌباً!
هذا هو نفس الرجل الذي كان ٌتعامل مع المشركٌن والٌهود
والنصارى والمنافقٌن والمإمنٌن ،فتارة ٌنتصر علٌهم ،وتارة ٌهزم.كل
تنوع ممكن ٌحصل فً حٌاة رجل أو فً حٌاة أمة قد حدث فً حٌاة
رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم.إذاً :هذا أمر ٌجعل إحصاء كل مواقف
السٌرة أمر صعب جداً ،خصوصا ً وأنت ترٌد أن تالحظ كل هذه
المتغٌرات فً حٌاة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ضمن مجموعة
واحدة من الدروس
.األمر الثالث
أثره صلى هللا علٌه وسلم فً بناء الجٌل الفرٌد الذي غٌر مجرى
التارٌخ
إن جٌالً رابعا ً عظٌما ً عاش مع رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ،هذا
الجٌل العظٌم خلق أحداثا ً ال نهاٌة لها ،تعجز عشرات المجلدات عن
حملها.وهكذا اإلنسان العظٌم إذا عاش فً مجتمع من الناس لٌست لهم
قٌمة ٌضٌع بٌنهم ،لكن الرجل العظٌم هو من ٌعٌش فً وسط عظماء
ٌتفاعلون معه بصورة إٌجابٌة فً كل لحظة من لحظات الحٌاة،
ٌتحركون بحمٌةٌ ،فكرون بجدٌةٌ ،تناقشون بفهم ووعً وإدراك،
ٌفكرون بذكاء ،وكل واحد من هإالء الصحابة قصة ضخمة فً حد
ذاته ،فهذا أبو بكر مثالً ٌحتاج إلى عشرات المجلدات لوصف مواقفه
مع رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ،كذلك عمر وعثمان وعلً
وعابشة وحفصة وصفٌة ،وكل المهاجرٌن واألنصار ،آالف من
الكتب والمراجع كتبت عن هإالء الصحابة ،وكل هذا فً النهاٌة هو
جزء من سٌرة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم
.األمر الرابع:
حٌاة النبً صلى هللا علٌه وسلم كلها أحداث عظٌمة
األحداث العظٌمة التً تحدث فً حٌاة الناس ،كلما عظم الحدث احتاج
إلى دراسة وتحلٌل ووصف وشرح ،أحٌانا ً تمر على حٌاة الناس
عشرات السنٌن دون حدث عظٌم ٌإثر فً حٌاة مجموع البشر ،لكن
األحداث المإثرة تحتاج إلى تفصٌل ودراسة ،ممكن تجد دولة تعٌش
عشرات السنٌن دون أن تجد فً حٌاتها حدثا ً ضخما ً مإثراً.فمثالً
عندما حدث فً مصر حرب رمضان المباركة ،نسؤل هللا عز وجل أن
ٌعٌد للمسلمٌن أمثالها ،كم جرى لها من تحلٌل ودراسة رغم أنها
وقعت من عقود ،وإلى اآلن نكتب عنها ،وسٌظل ٌكتب عنها المحللون
والمإرخون؛ ألنها حدث كبٌر.
فكٌف وحٌاة الرسول صلى هللا علٌه وسلم كلها أحداث ووقابع؟ ففً
كل سنة موقعة حربٌة ضخمة فمثال فً 7هجري غزوة بدر ،وفً1
هجري غزوة أحد وبنو قٌنقاع ،وفً (4هـ) بنو النضٌر ،وفً (1هـ)
األحزاب وبنو قرٌظة وبنو المصطلق ..وهكذا هً حٌاة رسول هللا
.صلى هللا علٌه وسلم ،وانظر كم نحتاج إلى تحالٌل ودراسات
قواعد فً دراسة السٌرة النبوٌة
السٌرة معٌن ال ٌنضب ،وفً كل زمن ٌنظر المفكرون فً هذه السٌرة
ٌستخرجون منها الجدٌد ،مع أن الحدث نفسه قد فكر فٌه من قبل آالف
من المفكرٌن والمحللٌن ،إال أن هناك أثراً ملحوظا ً من أحداث السٌرة
النبوٌة ،وهدفا ً كبٌراً نحن نفكر فٌه ،وهو إعادة بناء األمة اإلسالمٌة
بدراسة السٌرة النبوٌة المطهرة المشرفة ،وأي دراسة للسٌرة سنخرج
منها بفوابد ،لكن نحن نرٌد أن نضع بعض القواعد التً لو جعلناها
نصب أعٌننا أثناء دراسة كل حدث سنستفٌد استفادة أكبر وأعمق،
وسنضع لهذا األمر أربع قواعد ،فكل حدث حاول أن تالحظ فٌه هذه
القواعد ،وكل موقف ٌمر علٌك جرب أن تطبق علٌه هذه القواعد
.القاعدة األولى:
السٌرة النبوٌة المصدر الثانً للتشرٌع فً دٌن اإلسالم
أن السنة هً المصدر الثانً للتشرٌع فً الدٌن اإلسالمً؛ إذ المصدر
األول بال جدال هو القرآن الكرٌم ،والمصدر الثانً هو السنة
المطهرة.والسنة :هً كل قول أو فعل أو تقرٌر لرسول هللا صلى هللا
علٌه وسلم.بمعنى :أن أي فعل فعله أحد الصحابة وأقره علٌه رسول
هللا صلى هللا علٌه وسلم بؤن سكت عنه أو استحسنه فهو من السنة
المطهرة ،ولٌس من الممكن أن تعرف السنة من غٌر دراسة السٌرة
النبوٌة.إذاً :مصادر التشرٌع الربٌسٌة هً القرآن والسنة ،وهناك
مصادر أخرى كثٌرة ،مثل :اإلجماع والقٌاس واالستحسان والمصالح
المرسلة واالستصحاب والعرف ..إلخ مصادر كثٌرة اختلف الفقهاء
فً ترتٌبها ،لكن لم ٌختلف أحد فً أن القرآن هو المصدر األول
والسنة هً المصدر الثانً ،ولٌس عنهما بدٌل.
فالسنة فً غاٌة األهمٌة فً التشرٌع اإلسالمً ،وكذلك السٌرة ال بد
منها لفهم السنة فً التشرٌع اإلسالمًٌ ،قول هللا عز وجل فً كتابه
ك ِّ
الذ ْك َر لِ ُت َبٌ َِّن لِل َّن ِ
اس َما ُن ِّز َل إِلٌَ ِْه ْم [النحل ،]44:من الكرٌمَ :وأَ َ
نز ْل َنا إِلَ ٌْ َ
غٌر السٌرة ومن غٌر السنة لن تستطٌع أن تفهم القرآن الكرٌم.لذلك
عندما نمر على حدث من أحداث حٌاة رسول هللا صلى هللا علٌه
وسلم ،فنحن نمر على أمر من األمور التشرٌعٌة فً الدٌن اإلسالمً
لحٌاة المسلمٌن؛ ألننا ندرس فً السٌرة الدٌن ،فلٌست دراسة السٌرة
مجرد شًء لطٌف نقرإه ،أو نتسلى بقراءته ،أو مجرد سٌرة رجل
عظٌم ،هذا هو دٌنك ،هذا هو الذي ستقابل به هللا سبحانه وتعالى
وسٌسؤلك عنه ،ولو فهمت السٌرة بشكل صحٌح وطبقتها ستقابل ربك
بوجه حسن ،وبعمل صالح.ثم أحذركم من طابفة بعضهم من المسلمٌن
تشك فً أمر السٌرة النبوٌة ،وتزعم أنها تكتفً بالقرآن الكرٌم ،وقد
تنبؤ الرسول صلى هللا علٌه وسلم بهذه الطابفة فً الحدٌث الذي رواه
أبو داود والترمذي ٌ ،قول رسول هللا صلى هللا علٌه وسلمٌ( :وشك
رجل منكم متكا على أرٌكته ٌُحدث بحدٌث عنً فٌقول :بٌننا وبٌنكم
كتاب هللا ،فما وجدنا فٌه من حالل استحللناه ،وما وجدنا فٌه من حرام
حرمناه،
فٌقول رسول هللا :أال وإن ما حرم رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم
مثل الذي حرم هللا).
ونحن أٌضا ً نقول لهم :استمعوا إلى كالم هللا عز وجل فً القرآن
الكرٌم الذي تإمنون بهٌ ،قول هللا عز وجل فً كتابهَ :منْ ٌُطِ ِع
الرَّ سُو َل َف َق ْد أَ َط َ
اع َّ َ
هللا
ُوك (أيٌ :حكموك أنت ٌا ون َح َّتى ٌ َُح ِّكم َ
ِّك ال ٌ ُْإ ِم ُن َ وٌقولَ :فال َو َرب َ
ج ُدوا فًِ أَنفُسِ ِه ْم َح َرجً ا ِممَّا َق َ
ضٌ َ
ْت محمد) فٌِ َما َش َج َر َب ٌْ َن ُه ْم ُث َّم ال ٌَ ِ
َوٌ َُسلِّمُوا َتسْ لٌِمًا
وٌقول سبحانه وتعالىَ :و َما آ َتا ُك ُم الرَّ سُو ُل َف ُخ ُذوهُ َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه
َفا ْن َتهُوا
والصحابة رضً هللا عنهم ما كانوا ٌفرقون بٌن قرآن وسنة ،أما لو
كان أحد ال ٌإمن بالقرآن أصالً وبؤوامر القرآن فال داعً للكالم معه،
إذ األمر معه منقطع.إذاً :فكل حدث فً سٌرة الرسول صلى هللا علٌه
وسلم قد ٌكون أمراً تشرٌعٌاً ،حتى وإن كان جزبٌا ً من الدٌن ،ال بد أن
تنتبه له لكً تطبقه ،وإذا لم تطبقه فلعلك أن تضل وتبعد ،ثم ٌقال لك:
سحقا ً سحقا
القاعدة الثانٌة :هً التعرف على شخصٌة رسول هللا صلى هللا علٌه
وسلم،
نرٌد أن نعرف من هو رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم؟ هو خٌر
البشر أجمعٌن ،وخاتم المرسلٌن ،وسٌد األولٌن واآلخرٌن هو أعظم
شخصٌة سارت على هذه األرض منذ بدء الخلق وإلى ٌوم القٌامة،
فهو شخصٌة جدٌرة تماما بالدراسة ،وهناك أشٌاء كثٌرة نرٌد أن
نعرفها عن شخصٌة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ،ونضعها فً
أذهاننا بوضوح عند كل موقف من مواقفه صلى هللا علٌه وسلم.أهم
شًء فً حٌاة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم :هو أنه رسول من عند
رب العالمٌن تفكر فً كلمة رسول وهورسول من رب العالمٌن تفكر
أخً فً هللا .
لقد شاء هللا عز وجل أال ٌكلم عباده فً الدنٌا كفاحاً ،وأبقى ذلك نعٌما ً
لمن دخل الجنة ،وشاء كذلك أن ٌخاطب عباده عن طرٌق رسول من
البشر ،ومن كل الخلق اختار محمداً صلى هللا علٌه وسلم لٌبلغ الناس
الرسالة العالمٌة عنه سبحانه وتعالى.إذاً :رسول هللا صلى هللا علٌه
وسلم فً حقٌقته ما هو إال ناقل عن رب العزة سبحانه وتعالىَ ،و َما
ُوحى وعلى هذا القدر من األهمٌة ٌَ ْنطِ ُق َع ِن ْال َه َوى إِنْ ه َُو إِ َّال َوحْ ًٌ ٌ َ
ٌجب أن ٌإخذ حدٌث رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ،وعلى هذا القدر
من العظمة ٌجب أن تإخذ سٌرة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ،هذه
السٌرة هً النموذج العملً التطبٌقً الذي رسمه هللا عز وجل لخلقه
كً ٌقتدوا به وٌقلدوه.
والسٌرة هً المنهج الذي نمشً علٌه ،وهً الدلٌل فً الصحراء،
ومن غٌر الدلٌل سوف نهلك ال محالة.فلو ثبت أن رسول هللا صلى هللا
علٌه وسلم فعل فعالً ما ،فهو ما أراده هللا عز وجل منا ،حتى لو كان
هذا الفعل من النوافل! فهً لٌست من اختراع الرسول صلى هللا علٌه
وسلم ،فهناك من ٌظن أن الظهر فرضه ربنا سبحانه وتعالى علٌنا
أربع ركعات ،ثم اجتهد الرسول علٌه الصالة والسالم وقال :أربع
ركعات قبلها وأربع ركعات بعدها ،األمر لٌس كذلك ،فاهلل عز وجل
قد شرع للفرابض رواتب من السنن جاءت قبله وبعده ،وجعل هذه
فرضا ً وجعل هذه نافلة ،وكل شًء فً األخٌر مرده إلى هللا سبحانه
وتعالى .حتى لو اختار رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم فً أمر ما
خالف األولى ،حٌث كان من المفروض أن ٌختار كذا ،ولكنه اختار
رأٌا ً آخر أقل منه درجة ،فإن الوحً ٌؤتً لٌعدل المسار وٌختار
لرسول هللا صلى هللا علٌه وسلم االختٌار األكمل ،الذي ٌصلح لهذه
األمة فً زمانه وإلى ٌوم القٌامة.إذاً :دراسة السٌرة من هذا المنظور
تعطً لها قدراً عظٌما ً جداً من األهمٌة ،نحن ال ندرس أي شخصٌة،
نحن ندرس شخصٌة رسول من رب العالمٌن ،ولٌس أي رسول! بل
خٌر الرسل وخاتم النبٌٌن.هذه القاعدة الثانٌة من القواعد التً من
المفروض أن نضعها فً أذهاننا عند كل حدث من أحداث السٌرة
.النبوٌة؛ ألننا نتعامل مع وحً من رب العالمٌن
القاعدة الثالثة :هً أن نتعلم كٌف نحب الرسول صلى هللا علٌه وسلم؟
حب الرسول صلى هللا علٌه وسلم ٌجب أن ٌفوق كل حب ،إن لم
ٌحدث هذا الحب فهناك خلل فً اإلٌمانٌ ،قول الرسول صلى هللا علٌه
وسلم فً الحدٌث الشرٌف( :ال ٌإمن أحدكم حتى ٌكون هللا ورسوله
أحب إلٌه مما سواهما).وٌقول ال ٌإمن العبد حتى أكون أحب إلٌه من
أهله وماله والناس أجمعٌن) ،رواه البخاري ومسلم .وكلنا نحفظ
الحوار اللطٌف الذي دار بٌن رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم وبٌن
عمر بن الخطاب
فقد جاء فً صحٌح البخاري أن عمر بن الخطاب قالٌ( :ا رسول هللا!
ألنت أحب إلً من كل شًء إال نفسً) ،كلنا ٌحب نفسه ،ولكن انتبه
وقف وقفة صادقة مثلما وقف عمر مع نفسه ،وراجع نفسك :هل أنت
تقدم أحكام رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم فً كل شؤن من شبون
حٌاتك ،أم أن حبك حب سطحً ،تقدم حب أشٌاء كثٌرة فوق حب
رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم؟! إن كان سٌدنا عمر قالٌ :ا رسول
هللا! أنا أقدم حبك على كل شًء إال نفسً ،فقال له صلى هللا علٌه
وسلم( :ال والذي نفسً بٌده حتى أكون أحب إلٌك من نفسك ،فقال
عمر :فؤنت اآلن وهللا! أحب إلً من نفسً ،فقال صلى هللا علٌه وسلم
اآلن ٌا عمرٌعنً :اآلن اكتمل اإلٌمان ،اآلن اكتمل الصدق مع هللا عز
وجل ،لن تكون صادقا ً مع هللا عز وجل فً اتباعه وفً محبته إال
ُّون َّ َ
هللا َفا َّت ِبعُونًِ حب َ باتباع رسوله صلى هللا علٌه وسلم ،قُ ْل إِنْ ُك ْن ُت ْم ُت ِ
هللاُ َغفُو ٌر َرحٌِ ٌم [آل عمران.]11: هللاُ َو ٌَ ْغ ِفرْ لَ ُك ْم ُذ ُنو َب ُك ْم َو َّ
ٌُحْ ِب ْب ُك ُم َّ
إن دراسة السٌرة تعٌن على حب رسول هللا صلى هللا علٌه
وسلم.وحب رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم قضٌة محورٌة فً إٌمان
العبد ،والتعرف السطحً على شخصٌة ما ال ٌتولد عنه عمٌق حب،
إنما التعرف على دقابق الحٌاة ،واكتشاف مواطن العظمة المختلفة فً
الشخصٌة هً التً تولد الحب فً قلب اإلنسان ،وال أحسب إنسانا ً
صاحب فطرة سلٌمة ٌقرأ أو ٌسمع عن رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم
وال ٌحبه ،وكلما عرفته أكثر كلما أحببته أكثر ،وكلما أحببته أكثر زاد
إٌمانك ،إنها عالقة تفاعلٌة فً غاٌة األهمٌة فً حٌاة المإمنٌن.اقرأ
عن أي موقف من مواقف السٌرة ،ضع إصبعك بصورة عشوابٌة
على أي موقف من مواقف رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم فً حٌاته،
منذ ولد وإلى أن مات صلى هللا علٌه وسلم ،اقرأ فً حٌاته كلها عن
معامالته :كٌف كان ٌتعامل فً بٌته مع زوجته ،مع بناته؟! كٌف كان
ٌتعامل مع أصحابه؟! كٌف كان ٌتعامل مع أعدابه؟!اقرأ عن جهاده،
عن أي غزوة قادها صلى هللا علٌه وسلم ،عن صدقه ،عن أمانته ،عن
شجاعته ،عن تقواه ،عن عبادته ،عن قضابه ،عن سٌاسته ،عن
المعاهدات التً عقدها صلى هللا علٌه وسلم كالحدٌبٌة مثالً.اقرأ عن
الهجرة ،عن بدر ،عن أحد ،عن فتح مكة ،عن أي موقف وستحب
رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم حبا ً عمٌقاً.
لقد ع َّد هللا عز وجل محمداً صلى هللا علٌه وسلم نعمة ومنة منه على
ٌِن إِ ْذ َب َع َ
ث هللاُ َع َلى ْالم ُْإ ِمن َ الخلق ،قال هللا عز وجل فً كتابهَ :ل َق ْد َمنَّ َّ
ُوال ِمنْ أَ ْنفُسِ ِه ْم ٌَ ْتلُوا َعلٌَ ِْه ْم آ ٌَاتِ ِه َوٌ َُز ِّك ِ
ٌه ْم َوٌ َُعلِّ ُم ُه ُم ْال ِك َت َ
اب ٌِه ْم َرس ً
ف ِ
ٌن [آل عمران.]164: الل م ُِب ٍض ٍ َو ْالح ِْك َم َة َوإِنْ َكا ُنوا ِمنْ َق ْب ُل لَفًِ َ
إذاً :من القواعد الهامة جداً التً تضعها فً تفكٌرك وأنت تدرس
السٌرة :أنك تحب رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم بقدر ما تستطٌع،
ركز فً كل حدث من سٌرته صلى هللا علٌه وسلم أن تزرع هذا الحب
انفً قلبك وإال لن تنجو ،قال هللا عز وجل فً كتابه الكرٌم :قُ ْل إِنْ َك َ
ٌر ُت ُك ْم َوأَمْ َوا ٌل ا ْق َت َر ْف ُتمُو َهاآ َباإُ ُك ْم َوأَ ْب َناإُ ُك ْم َوإِ ْخ َوا ُن ُك ْم َوأَ ْز َوا ُج ُك ْم َو َعشِ َ
هللا َو َرسُولِ ِه ض ْو َن َها أَ َحبَّ إِلَ ٌْ ُك ْم م َِن َّ ِارةٌ َت ْخ َش ْو َن َك َسادَ َها َو َم َساكِنُ َترْ َ َوت َِج َ
هللاُ ال ٌَ ْهدِي ْال َق ْو َم ج َها ٍد فًِ َس ِبٌلِ ِه َف َت َر َّبصُوا َح َّتى ٌَؤْت ًَِ َّ
هللاُ ِبؤَمْ ِر ِه َو َّ َو ِ
ٌِن [التوبة،]74: ْال َفاسِ ق َ
المسؤلة لٌست فقط ارتفاعا ً فً قدر اإلٌمان ،بل المسؤلة مسؤلة تهدٌد
بؤن تكون من الفاسقٌن ،كما قال هللا عز وجلَ :و َّ
هللاُ ال ٌَ ْهدِي ْال َق ْو َم
ْال َفاسِ ق َ
ٌِن [المابدة111:
تعلم الحكمة فً التعامل من خالل دراسة سٌرة النبً صلى هللا علٌه
وسلم هً القاعدة الرابعة واألخٌرة
التً نضعها فً عقولنا أثناء دراسة هذه السٌرة الشرٌفة :أن نتعلم
الحكمة من خالل دراستنا لجزبٌات حٌاة رسول هللا صلى هللا علٌه
وسلم بكٌفٌة وضع األمر فً نصابه ،كٌف تفضل رأٌا ً على رأي آخر؟
حٌاة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم هً الحكمة بعٌنها ،إذا اختار رأٌا ً
ما ،فهذا هو الرأي الحكٌم ،إذا فعل فعالً ما ،فهذا هو الفعل الحكٌم،
هكذا دراسة السٌرة تعلمنا الحكمة فً أرقى صورها.
مثالً :حكمته صلى هللا علٌه وسلم فً فن امتالك القلوب ،كٌف كان
الرسول صلى هللا علٌه وسلم ٌكسب قلوب الذٌن ٌتعامل معهم؟ فهو
صلى هللا علٌه وسلم لم ٌكن ٌمتلك قلوب أصدقابه فقط ،بل كان ٌمتلك
قلوب أعدابه أٌضاً ،وهذه حكمة جدٌرة بالتؤمل ،والوقوف معها
طوٌالً.
حكمة أخرى فً منتهى األهمٌة ،وهً حكمة المرحلٌة ،واالعتراف
بما ٌسمى بفقه الواقع؛ فإن الرسول صلى هللا علٌه وسلم كان فً فترة
من فترات حٌاته ٌطوف بالكعبة ،فما رفع معوله لٌكسر صنماً ،وكان
بها ثالثمابة وستون صنماً ،ثم ٌؤتً وقت آخر على الرسول علٌه
الصالة والسالم ال ٌقبل فٌه بوجود صنم واحد فً جزٌرة العرب،
وعندما ٌفتح مكة ٌبعث خالداً إلى الطابف لكً ٌكسر األصنام التً
هناك ،فهذا وضع وهذا وضع ،فال ٌصح أن تقول :إن الرسول صلى
هللا علٌه وسلم عمل كذا فً ٌوم كذا أو فً سنة كذا دون دراسة
المالبسات والظروف التً كانت حول الموقف الذي عمله رسول هللا
صلى هللا علٌه وسلم ،والكالم هذا لن ٌستقٌم إال عن طرٌق دراسة
السٌرة.
كذلك وقد عاش الرسول صلى هللا علٌه وسلم فً مكة ثالثة عشر عاما ً
بعد البعثة وفٌها الراٌات الحمر المعلقة على خٌام الزانٌات ،فهناك من
تعلن عن نفسها أنها تزنً ،والرسول علٌه الصالة والسالم كان ٌعٌش
بٌنهم ،ولم ٌحطم خٌمة من خٌام الراٌات الحمر فً وقت من األوقات،
ولكن ٌؤتً ظرف آخر ال ٌتنازل رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم فٌه
عن إقامة الحد على امرأة واحدة زنت ،فإن الغامدٌة لما زنت أقام
الرسول صلى هللا علٌه وسلم الحد علٌها؛ ألنها زنت ،فهذا وقت وهذا
وقت
.وكذلك كان الرسول صلى هللا علٌه وسلم فً زمن ٌعاهد الٌهود ،وفً
زمن آخر ٌحاربهم ،فال ٌصح أن تقول :أنا أعاهد الٌهود كما عاهدهم،
من غٌر دراسة الظروف والمالبسات التً كانت حول تلك المعاهدات
فً زمان رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم ،لم ٌؤت هذا وقت الحرب،
وال ٌجوز أن أحارب فً وقت معاهدة ،لن نعرف هذا إال عن طرٌق
دراسة السٌرة.
وهناك حكمة أخرى رابعة فً حٌاة رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم،
هً حكمة الوسطٌةَ ،و َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم أُم ًَّة َو َس ًطا [البقرة ،]141:ال
إفراط وال تفرٌط.ما هو تعرٌف اإلفراط؟ وما هو تعرٌف التفرٌط؟فً
كل جزبٌة من جزبٌات الحٌاة أنت لك تعرٌف ،وأنا لً تعرٌف ،وذلك
له تعرٌف ثالث ،فما هو المقٌاس؟المقٌاس هو سٌرة الرسول صلى هللا
علٌه وسلم ،فمثالً :الرسول صلى هللا علٌه وسلم ٌؤمر بالزواج وٌحض
علٌه وٌتزوج صلى هللا علٌه وسلم ،ومع ذلك ال ٌلهً الزواج عن
الجهاد فً سبٌل هللا ،وعن النفقة فً سبٌل هللا ،وعن الدعوة إلى هللا
عز وجل ،هذا التوازن نتعلمه من سٌرة رسول هللا صلى هللا علٌه
وسلم
.والعمل فً أعمال الدنٌا العامة ،تعمل دكتوراً أو مهندسا ً أو عامالً أو
فالحاً ،فهذا ٌؤمر به صلى هللا علٌه وسلم ،وٌبارك الٌد الخشنة من
كثرة العمل ،ولكن دون إفراط فً العمل حتى ال ٌضٌع حق هللا عز
وجل ،وحق العباد ،وحق األهل ،وحق األمة ،هناك توازن فً حٌاة
الرسول صلى هللا علٌه وسلم.كذلك الطعام ،كان ال ٌوقد فً بٌته النار
ثالثة أهلّة فً شهرٌن ،لكن إذا حضر الطعام أكل من أطٌبه صلى هللا
علٌه وسلم.والصالة،
كان ٌصلً وٌنام.والصٌام ،كان ٌصوم وٌفطر ،وهكذا الوسطٌة كمنهج
عملً واقعً لألمة تراها واضحة تماما ً فً سٌرة رسول هللا صلى هللا
علٌه وسلم ،ال إفراط وال تفرٌط.