Professional Documents
Culture Documents
عاودتا السير ،وقد اعتلت وجه جينيا ابتسامة فزع تحت وقع أنظار أميليا.
جعلت جينيا تنظر لنفسها في المرآة دون أن تتوقّف حتّى بلغت عمود المصباح اآلخر ،وكانت ال تقوى على إبعاد وجهها عن
تحدق في عينَيْها ،صل ّحت من تسريحتها.
ّ المرآة ،وبينما كانت
ولم ا اجتازتا عمود المصباح ،أبعدت جينيا المرآة عن وجهها ،وبقيت تمشي دون أن تُجيب عن السؤال .كان صدى خطواتهما على
ّ
يتردد في الفضاء ،وحينما وصلتا ركن الشارع أبطأت أميليا في سيرها.
ّ الرصيف
"إلى اللقاء".
وفي اليوم التالي ،حال دخولها االستوديو ،أشعل غويدو النور ،وقد كان الضباب في الخارج كثيفا جدا ً حتّى بدا عبر النافذة الكبيرة،
وكأنه داخل الغرفة.
رد غويدو.
"إذا كان بوسعها البقاء عارية ،فلم ال؟!" ّ
ثم سحبا حقيبة من تحت السرير خلف الستارة ،وكانت بداخلها مالبس غويدو.
ّ
ثم قال لها:
"هل عملت معك عارضة ما؟" سألته جينيا" ،دعني أرى حافظة التخطيطات" .سحبها غويدو من ذراعهاّ ،
إذن – أتعرفين أحدهم؟".
ْ الرساميين .قولي لي -
ّ "لديك معلومات كثيرة عن
ثم عانقته ،وقالت له "أريد أن معرفتك أنت فقط ،وأال يأتي أحد إلى هنا".
ردتّ .
" أحد" ّ
ال
أرادت جينيا ذلك المساء أن تكنس االستوديو ،لكنها لم تعثر على مكنسة ،فقامت بترتيب السرير خلف الستارة ،والذي كان قذرا ً
كجحر.
الجو بارداً ،فقد الحتفا باألغطية .قال لها غويدو إنه جاء دوره؛ ليقدم
ّ ولما كان
ّ عندئذ قصدا السرير المبعثر خلف الستارة ،وتعانقا،
ولكن؛
ْ فكش رت جينيا ،وطلبت منه مكنسة لالستوديو .كانت تلك األيام التي يلتقون بها ألوقات قصيرة من أجمل األيام، ّ لها هدية ما،
القد َميْن.
َ تود أن يراها عارية
ّ لم يكن لديهما متّسع من الوقت للحديث ،وذلك بسبب مجيء رودريغوس المفاجئ ،وكانت جينيا ال
الديْن ،فاتفقا أن يخرجا بعد العشاء. وفي إحدى المساءات األخيرة ،قال لها غويدو إن عليه ايفاء َّ
يتمش يان ،كانت جينيا تشعر باإلثارة؛ ألنها تمشي جنب شاب برتبة رقيب ،ولكنه كان غويدو ،قالت في ّ التقيا في المساء ،وجعال
فتحولت
ّ باستمرار، الضباط يّ يحي أن غويدو على وكان .إباطه تحت كطفلة تبدو فكانت حولها، ذراعه غويدو لف
ّ نفسها ،إنه هو.
إلى الجانب اآلخر ،وتعل ّقت هي بذراعه .هكذا كانا يسيران ،وكان الشارع يبدو لها مختلفا ً .ليتنا نلتقي بأميليا ،تفك ّر جينيا بينما
تحد ث غويدو عن السيدة بيتشا جاهدة أال تضحك .كان غويدو يمزح ،ويقول: ّ
"ثالثة أيام فقط ،ولن أحيي بعد هؤالء القردة .انظري أي وجوه هي وجوههم".
عندئذ جعل غويدو يحكي لها عن السنة التي استأجر فيها االستوديو وعن أصدقائه الطالب الذين كانوا يأتون لزيارته ،وكيف أن
تحب المتعة ،وكانوا يأتون في الصباح والمساء يمزحون،
ّ أحدهم صار راهبا ً .كانت أميليا -حينها -ال تعمل كموديل ،ولكنها
تفرق الجمع بعد أن أصبح أحدهم ّ ثم
ّ أميليا، مع األول لقاؤه ويحتسون النبيذ ،بينما هو يحاول العمل .ولكنه ال يذكر كيف كان
جنديا ً ،وانشغل آخر في الدراسة ،وآخر تزوج ،وهكذا انتهى زمن المتعة.
تحدق فيه.
ّ "أيؤسفك ذلك؟" سألته جينيا ،وهي
التقيت
ُ كنت
ُ كنت ال أزال أزاول الرسم ،وإن
ُ "بل إن الراهب هو أكثرنا أسفا ً ،وبين الحين واآلخر يكتب لي ،ويسألني إن
أحدهم".
"أتظنينهم في السجن؟!" قال لها غويدو "كان هو الوحيد بينهم الذي تُعجبه لوحاتي .ليتك ترينه ،إنه رجل عظيم البنية ،وقوي
مثلي ،وله عينا فتاة ،وكان حذقا ً للغاية ،من المؤسف أن يصبح راهبا ً".
رسام بارع ،وإنه يفك ّر طويال قبل أن يبادر برسم شيء ما ،وال يقوم بشيء عبثا ً،
لكن غويدو دافع عن رودريغوس ،وقال لها إنه ّ
وكل ما ينقص عمله هو األلوان.
ولكن؛ يا لبراعته".
ْ "في بلده الكثير من األلوان" قال غويدو "وقد أُتخم منها منذ صغره ،واآلن يرغب بالرسم ،بال ألوان،
شدت على ذراعه.
ّ "أستسمح لي بالنظر إليك حين ترسم باأللوان؟" سألته جينيا ،وقد
العشاق ،أشعل غويدو سيجارة ،وأنصت لما كانت تقوله ّ توجها إلى البار ،وجعال يمارسان دور
ّ اشتد بهما التعب من المشيّ ولما
جينيا ،بينما كان يتطل ّع إلى الخارجين من البار والداخلين إليه .وإلرضائها ،فقد قام برسم بروفيلها بقلم على رخام الطاولة .وفي
لحظة ما بقيا في البار وحدهما تماما ً ،قالت له جينيا:
قط".
ّ "أتعرف ،أنا سعيدة أنك لم تعشق
وغمرهما الحزن في نهاية األمسية حين قال لها غويدو إنه سيعود -بعد تسريحه -من الجيش إلى مدينته؛ لكي يزور أمه.
لماأبويْه وعملهما وعن بيته وطفولته .عرفت أن له أختا ً ،اسمها لويزا ،ولكنها حزنت ّ
يحدثها عن َ
ّ أن جعلتْه
عل ّلت جينيا نفسها ْ
عرفت أن غويدو كان فالحا ً.
تصدق أن
ّ يديْه وصوته الجهوري ،وما كانت
قوة َكنت أسير حافيا ً في طفولتي" اعترف لها ضاحكا ً .حينها أدركت جينيا سبب ّ
ُ "
ولما قالت له جينيا:
ّ بأصوله، يفخر كان غويدو أن األمر في الغريب ولكن . ً اام رس
ّ يصبح أن فالح بوسع
-12-
ولما كانتّ أتى يوم األحد ،وقد أثقلها مرروه بدون غويدو .جاءت أميليا لزيارتها ،وكانت جينيا تشعر بالسعادة؛ ألنها لم تعد تُخيفها،
بسرها ،وكان يبدو لها أن ّ الجد .كانت تدعها تثرثر ،بينما هي تفك ّر
ّ مشغولة بالتفكير بغويدو ،ما عادت تأخذ أميليا على محمل
أميليا المسكينة تشعر بالوحدة أكثر منها .حتّى أميليا ال تعرف أين تقضي الوقت ،وكان عصر ذلك اليوم قصيرا ً وبارداً ،وقد أثقلتْه
يجعلك تفقد الرغبة حتّى في الذهاب إلى الملعب لمشاهدة المباريات .طلبت منها أميليا أن تصنع لها القهوة، َ رطوبة الضباب الذي
وكانت ترغب بالبقاء في البيت ُمستلقية على األريكة؛ لتجاذب أطراف الحديث ،لكن جينيا وضعت القبّعة على رأسها ،وقالت لها:
يضرنا في شيء".
ّ "إنه ضباب يتساقط ،ليس إال" قالت جينيا "ولن
مكان ناءٍ ،وال يصل مسامعهما سوى هدير الماءٍ المارة ،وكأنهما في
ّ كانتا -حينئذ -تحت األشجار ،وكان الشارع الواسع فارغا ً من
في األخاديد ،وضجيج عربات الترام من خلفهما .بدأتا تستنشقان هواء رطبا ً ،وفضال ً عن برودته ،فقد كان مشبعا ً برائحة أوراق األشجار
العشاق
ّ المتعفنة .استعادت أميليا مزاجها شيئا ً فشيئا ً ،وكانتا تُهروالن على اإلسفلت ،وقد شبكتا أذرعهما ،وتقوالن إن ال المجانين وال
ولما تجاوزتْهما ،خ ّف َفت من سرعتها.
ّ جو كهذا .لحقت بهما في تلك األثناء سيارة صغيرة، ّ يصعدون التالل في
ولوحت لهما:
برزت ذراع من نافذة السيارةّ ،
لما وصلتا قربه.
أتودان أن أوصلكما؟" قال رجل بوجه يصطنع البراءةّ ،
" ّ
مترجال ً من السيارة ،وكان رجال ً أربعينيا ً نحيف الجسم .استقل ّتا السيارة ،وكانت
ّ "أال تصعد الشقراء الصغيرة أيضا ً؟" قال الغريب
أميليا في الوسط ،بينما ُح صرت جينيا جنب الباب .جلس الرجل النحيف خلف المقود ،ورمى ذراعه على كتف أميليا .ما إن رأت
جينيا تلك الذراع الهزيلة الواثقة قرب أذنها حتّى فك ّرت :إذا لمسني ،فسأعضه .انطلقت السيارة وبدا وجه الرجل -وكانت على
خدها على النافذة ،وخطر في ذهنها أنه من الجميل أن تقضي ّ صدغه ندبة قبيحة -قد رك ّز انتباهه في الطريق .أسندت جينيا
ثم توقفت في ّ سرعتها، من السيارة فت ف
ّ خ بسرعة، انتهت تلك هذه األيام السبعة في ترحال دائم حتّى عودة غويد .لكن رحلتها
التل .بدا المكان خاليا ً من تلك األشجار الخضراء الجميلة ،وليس هناك سوى فراغ ،يشغله الضباب وأسالك التلغراف، ّ ساحة أعلى
وكان سفح التل يبدو كأنه سفح جبل قاحل.
عندها قالت جينيا "اذهبا أنتما إلى البار ،إن شئتُما ،أما أنا؛ فسأعود إلى البيت سيرا ً".
" أيتها الغبية" همست أميليا ،بينما كانتا تنزالن "أال تفهمين أن هذا سيدفع لنا المال؟" .لكن جينيا استدارت ،وصاحت:
محل الخياطة.
ّ عندما عاد سفيرينو ،أخبرته بأنها ضجرت من العمل في
ولكن؛ ال تتركيني بال وجبة طعام .حاولي أن تجدي عمال ً بتوقيت مناسب.
إذن" قال لها بسكينة " ْ
ْ "ابحثي عن عمل آخر،
كانت أمي تقول -دائما ً -إن من األفضل لك البقاء في البيت ،لقل ّة ما تكسبين من عملك".
نهضت جينيا من األريكة ،وقالت "لم نذهب إلى المقبرة لزيارة أمي هذا العام".
ذهبت" قال سفيرينو "وأنت تعرفين ذلك جيداً ،فال داعي للكذب" .ولكن جينيا قالت ذلك -فقط -لتُغيّر ُ "أما أنا؛ فقد
يديْها،
َ على والحفاظ األطباق، لغسل ازات ف
ّ الق شراء وال المالبس، شراء ى ّ ت ح بوسعها كان لما عملها، من تكسب الموضوع ،فلوال ما
ثم العطر والقبّ عة ومواد التجميل وهدايا غويدو ،ما كان بوسعها فعل ذلك كله ،لوال العمل ،ولكانت مجرد عاملة مثل روزا .كل ما ّ
ثم؛ إن العمل له جوانب إيجابية ،ماذا ستفعل كان ينقصها هو الوقت فقط ،فهي بحاجة لعمل ،تنتهي منه عند منتصف النهار .من ّ
كل هذه األيام بدون غويدو ،لو أنها بقيت في البيت ،أو ذهبت للتجوال طوال الوقتُ ،منهكة نفسها في التفكير؟
وجهزت وجبة عشاء جيدة ّ ولما انقضى النهار ،أقفلت راكضة إلى البيت،
ّ عادت في اليوم التالي إلى العمل في محل الخياطة،
وقررت أن تعامله أفضل معاملة في هذه األيام ،فبعد ذلك ،ستتركه فعال ً بال وجبات طعام .ولكنها لم تر أميليا قي تلك ّ لسفيرينو،
ولكن؛ تذك ّرت أنها أخذت عهدا ً على نفسها أال تفعل ذلك ،وكانت تأمل أن تأتي ْ األيام ،وكادت جينيا أن تخرج في بعض األماسي،
تود أن تصنع لنفسها فستانا ً ،فعرضت على جينيا النموذج ،ولكن جينيا
ّ مرة ،جاءت روزا لزيارتها ،وكانت
أميليا لزيارتها .وذات ّ
تتذمر ،وتقول إنها تشعر بالضجر:
ّ أحارت جوابا ً ،فجعلتا تتكل ّمان عن بينو ،ولم تقل روزا إنها غيّرت عشيقها .كانت
أدركت جينيا أن التفكير بغويدو يحرمها النوم ،وأحيانا تغضب؛ ألنه ال يفهم أن عليه العودة َ .من يدري إذا ما كان سيعود يوم
اله ّم،
االثنَيْن -تقول في نفسها -ربّ ما لن يعود .كانت تحقد على لويزا فقط؛ ألنها أخته ،وبوسعها أن تراه كل اليوم .اعتراها َ
وهي تفك ّر بالذهاب إلى االستوديو؛ لتسأل رودريغوس فيما إذا كان غويدو يفي بالعهد ،ولكنها ذهبت إلى البار ،ووجدت أميليا.
ِ
أوصلك إلى البيت؟". ِ
قضيت يوم األحد؟" سألتْها "هل "كيف
ِ
أرأيت رودريغوس؟" سألت جينيا. "
ِ
لزيارتك هذا المساء" .ولم تتّفقا على الخروج في ذلك المساء. "سآتي
انتهت جينيا من غسل األطباق ،وجلست على طرف األريكة؛ حيث كانت أميليا مستلقية .بقيتا غارقتَيْن في الصمت لبعض
األجش
: ّ ثم همست أميليا بصوتهاالوقتّ ،
"ظريفة هذه الصغيرة".
ومسدت شعرها.
ّ ه ّزت جينيا رأسها ،وأدارت وجهها إلى الجانب اآلخر .مدت أميليا ذراعها،
يديْها:
أسندت أميليا رأسها على َ
ِ
تقبيلك ،فأنا مصابة بمرض الزهري". ولكن؛ ليس بوسعي
"أنا مغرمة بك ،يا جينيا" قالت بصوت أجش .التفتت إليها جينياْ " .
-10-
الدراجات
ّ يتحدثون عن
ّ يتمشون ،بدا لها أن الرصيف ينخسف بها ،فل ّفت أميليا ذراعها حولها ،وسارتا سويا ً .وجعلوا
ّ وبينما كانوا
الهوائية ،بينما كانوا ينتظرون الترام ،ودنا غويدو منها ،وقال لها بصوت خفيض:
ولما صعدتا في الترام ،كانت جينيا تتطل ّع إلى ظهر السائق دون أن تتفوه بشيء.
ّ ابتسمت جينيا ،وأمسكت بيده.
"اذهبي إلى النوم حال وصولك البيت" قالت لها أميليا "إنه ليس سوى النبيذ".
ولما وجدت نفسها وحيدة في ّ المرات السابقة ،لكن جينيا كانت تُنصت إلى ضجيج الترام.
ّ تحدثها عما جرى في
ّ وجعلت أميليا
ثم عمدت إلى مالبسها، وحدقت في األرض طويال ًّ ، ّ البيت ،شعرت أنها بحال أفضل؛ إذ ال عيون تتطل ّع إليها .جلست على السرير،
تمددت تحت األغطية ،وأطفأت النور. ّ وخلعتها،
ثم خطر في ذهنها أن غويدو كان قد متأخ رة في اليوم التالي ،وبينما كانت ترتدي مالبسها ،شعرت كما لو أنها مريضةّ .
ّ استيقظت
ثم قبّلت نفسها ،وخرجت قبل عودة سفيرينو .أدهشها أنها تسير ّ مت، وتبس
ّ المرآة، في لنفسها نظرت ساعات، ثالث منذ صحا
كالمعتاد ،وأنها جائعة ،وكانت تفك ّر بشيء واحد فقط :من اآلن فصاعدا ،يجب أن تلتقي بغويدو وحدها .لكن غويدو قال لها أن
تأتي إلى االستوديو فقط ،ولم يكل ّمها عن مواعيد في الخارج .يجب أن أُظهر له االهتمام ،فك ّرت جينيا ،وإال فالويل لي .فجأة ،وإذا
بها تشعر كأن الصيف قد عاد من جديد ،وعادت معه الرغبة في الخروج والضحك وإقامة الحفالت .ما حصل يبدو لها أعجوبة،
وكانت تعتريها رغبة في الضحك حين تفكر أنها -تحت جنح الظالم -قد تكون مثل أميليا ،وقد يكون ذلك بالنسبة لغويدو أيضا ً.
يصدق أن
ّ الود بال شك ،فك ّرت جينيا ،لم
ّ يكن لي
ّ في ،أُعجبه كصديقة ،إنه ُ
يبدو أنني أعجبه ،يُعجبه حديثي ،نظراتي ،وكل شيء ّ
عمري سبعة عشر عاما َ ،كان يقبّلني على عيني ،أنا امرأة بحق.
أصبح العمل طوال اليوم فاتنا ً ،بينما هي تفك ّر باالستوديو ،وتنتظر حلول المساء .أنا أكثر من كوني موديل بالنسبة له -تقول في
مرتولكن؛ حينما ّ
ْ نفسها -لقد أصبحنا أصدقاء .كانت أميليا تُثير شفقتها ،فهي ال تفهم معنى الجمال في لوحات غويدو.
الصطحابها في الساعة الثانية بعد الظهر ،كانت جينيا ترغب في سؤالها عن شيء ما ،ولكنها ال تدري كيف تفعل ذلك ،ولم تكن
تملك الشجاعة لتسأل غويدو.
بجد.
ّ كانت أميليا تُنصت إليها
" أنا لم أطفئ النور" قالت بهدوء "كل ما أدركته أنك اختفيت ،وبدا كأن غويدو يذبحك .أرجو أن تكونا قد استمتعتما بوقتكما".
تبسمت جينيا دون أن تقول شيئا ً ،كانت سعيدة أنها تسير إلى جانب أميليا دون خالفات .افترقتا تحت األروقة ،وبقيت ّ عندئذ
الرسامة .عادت في الساعة السابعة مساء ّ تلك لدى كموديل لتعمل ذاهبة كانت إذا فيما تتسائل وهي الزاوية، من إليها تنظر جينيا
إلى االسديو ،صعدت الطوابق الخمسة على مهل؛ لكي ال يصبح وجهها أحمر .وقالت في نفسها إن لم يكن غويدو موجوداً ،فليس
بودها أن
ّ الممر ،فغمرت السعادة جينيا .كان
ّ الذنب ذنبه ،لكنها وجدت الباب مفتوحا ً .سمع غويدو خطواتها ،وجاء للقائها في
تتحد ث إليه ،وأن تقول له أشياء كثيرة ،لكن غويدو أوصد الباب ،واحتضنها .كان النور يتخل ّل الزجاج ،فدفنت جينيا وجهها في ّ
صدره ،وشعرت بدفء بشرته عبر القميص .جلسا على األريكة ،فبكت جينيا دون أن تنطق بكلمة .كانت تبكي ،وتفك ّر ،ليت أن
أحست أن ليس هناك ما ّ غويدو يبكي أيضا ً ،وكانت تشعر بحسرة في قلبها ،تذيب كل جسدها ،وبدا لها أنها سيُغمى عليها .فجأة
تتّكئ عليه ،فأدركت أن غويدو قد نهض ،وفتحت عينَيْها ،وجدته واقفا ً ،يتطل ّع إليها بفضول .كفّت عن البكاء ،وقد بدا لها أنها تبكي
أمام جموع من الناس.
ثم قالت له إنها ستجلس أمامه عارية ،بشرط أن يكونا وحدهما .كانا مستلقيَيْن تحت الظالم ،ولم تشعر جينيا أن الليل قد حل.
ّ
قط.
ّ المرة األولى ،ولم يشتك من ذلك
ّ وفي ذلك المساء ،ذهب سفيرينو المسكين إلى العمل ببطن خاوية ،على أنها لم تكن
لم تغادر جينيا االستوديو إال حينما عاد رودريغوس .وقبل تسريحه بأيام من الخدمة العسكرية ،عمد غويدو في األماسي إلى
تجهيز قماش اللوحات ،وإعدادها ،وتصليح الحامل الخشبي ،وترتيب األشياء األخرى ،وكان ال يخرج من االستوديو مطلقا ً .وبدا مقررا ً
أن رودريغوس سيبقى للعيش معه ،رغم أن كل ما كان يجيده هو خلق الفوضى ،وبدء حوارات حينما يكون غويدو على عجلة من
أمره .لو كان بمقدور جينيا مساعدة غويدو ،لكانت سعيدة بتنظيف االستوديو له ،وترتيب تلك الفوضى ،ولكنها حين تجد رودريغوس
بوسعهن قضاء المساء
ّ تدرك استحالة ذلك ،فعادت تخرج مع أميليا .ذهبتا إلى السينما؛ ألن كال ً منهما كانت تخبّئ شيئا ً ما ،وليس
تكن لهاّ تود معرفة ما تخبّئ جينيا؛ ألنها صارت تسخر من الشقر .على أن جينيا كانت ّ في تبادل الحديث ،وكان واضحا ً أن أميليا
ثم سألت أميليا فيما إذا كانت األمور ّ . البيت إلى تعودان كانتا بينما شيء، بكل ثتها فحد
ّ الود ،وليس بمقدورها إخفاء عواطفها عنها،
ّ
الرسامة ،فأظهرت أميليا دهشتها من السؤال ،وطلبت منها أن تنسى الموضوع. ّ مع يرام ما تسير على
"هل عملت كموديل لغويدو؟" سألتها جينيا .فاحتضنتها أميليا ،وقالت لها:
كنت أمزح فقط" .وبعد قليل من الصمت ،أضافت" :أليس من األفضل أن نخرج للتن ّزه نحن فقط؟ فنحن فتيات ،ونعرف جيدا ً ُ "
حق قدرها ،وأول َمن تقع عليها أعينهم يحاولون
ّ يقدرون الفتاة
ّ أنه ال يجدر بنا أن نُتلف أعصابنا من أجل شباب غير مه ّذبين ،وال
اإليقاع بها".
أي مقاومة؛ ألنها ظنت أن األمر يتعل ّق بغويدو ،فسحبتها أميليا ،وطبعت على فمها قبلة
ظل بوابة ،لم تبد جينيا ّ
ّ كانتا تحت
سريعة.