You are on page 1of 8

‫‪-11-‬‬

‫عاودتا السير‪ ،‬وقد اعتلت وجه جينيا ابتسامة فزع تحت وقع أنظار أميليا‪.‬‬

‫"امسحي أحمر الشفاه" قالت لها أميليا بهدوء‪.‬‬

‫جعلت جينيا تنظر لنفسها في المرآة دون أن تتوقّف حتّى بلغت عمود المصباح اآلخر‪ ،‬وكانت ال تقوى على إبعاد وجهها عن‬
‫تحدق في عينَيْها‪ ،‬صل ّحت من تسريحتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المرآة‪ ،‬وبينما كانت‬

‫شربت هذا المساء أم ال؟" قالت أميليا‪.‬‬


‫ُ‬ ‫"أتذكرين إن أنا‬

‫ولم ا اجتازتا عمود المصباح‪ ،‬أبعدت جينيا المرآة عن وجهها‪ ،‬وبقيت تمشي دون أن تُجيب عن السؤال‪ .‬كان صدى خطواتهما على‬
‫ّ‬
‫يتردد في الفضاء‪ ،‬وحينما وصلتا ركن الشارع أبطأت أميليا في سيرها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرصيف‬

‫"من هنا" قالت لها جينيا‪.‬‬

‫انعطفتا سويا ً‪ ،‬ولما وصلتا أمام البوابة‪ ،‬قالت أميليا‪:‬‬

‫"إلى اللقاء"‪.‬‬

‫"إلى اللقاء" أجابتها جينيا‪ ،‬وأكملت طريقها وحدها‪.‬‬

‫وفي اليوم التالي‪ ،‬حال دخولها االستوديو‪ ،‬أشعل غويدو النور‪ ،‬وقد كان الضباب في الخارج كثيفا جدا ً حتّى بدا عبر النافذة الكبيرة‪،‬‬
‫وكأنه داخل الغرفة‪.‬‬

‫"لماذا ال توقد المدفأة" سألته‪.‬‬

‫المرة ‪" .‬ال تخشي‪ ،‬سنشعل الموقد هذا الشتاء"‪.‬‬


‫ّ‬ ‫"بل إنها موقدة" قال غويدو الذي كان يرتدي جاكيته هذه‬

‫مسمرة في الحائط‪ ،‬فوجدت موقدا ً صغيرا ً مليئا ً بالحطام والكُتُب‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ثم رفعت قطعة من الورق‪ ،‬كانت‬
‫دارت جينيا في الغرفة‪ّ ،‬‬
‫"كم هو جميل! وهل الموديل ستكون بالقرب من الموقد؟" سألت‪.‬‬

‫رد غويدو‪.‬‬
‫"إذا كان بوسعها البقاء عارية‪ ،‬فلم ال؟!" ّ‬

‫ثم سحبا حقيبة من تحت السرير خلف الستارة‪ ،‬وكانت بداخلها مالبس غويدو‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثم قال لها‪:‬‬
‫"هل عملت معك عارضة ما؟" سألته جينيا‪" ،‬دعني أرى حافظة التخطيطات"‪ .‬سحبها غويدو من ذراعها‪ّ ،‬‬
‫إذن – أتعرفين أحدهم؟"‪.‬‬
‫ْ‬ ‫الرساميين‪ .‬قولي لي ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫"لديك معلومات كثيرة عن‬

‫ثم صارعته محاولة تحرير نفسها‪.‬‬


‫فوضعت جينيا إصبعها على شفتَيْه مازحة‪ّ ،‬‬
‫يترددن على االستوديو"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كن‬
‫ّ‬ ‫"دعني أرى حافظة التخطيطات‪ .‬أنت وأميليا تقوالن إن فتيات كثيرات‬

‫ثم قبّلها؛ لكي تكف عن الصراع معه‪.‬‬


‫"هذا أمر طبيعي" قال غويدو "فهذا عملي"‪ّ .‬‬
‫إذن؟"‪.‬‬
‫ْ‬ ‫"ن تعرفين‪،‬‬
‫َم‬

‫ثم عانقته‪ ،‬وقالت له "أريد أن معرفتك أنت فقط‪ ،‬وأال يأتي أحد إلى هنا"‪.‬‬
‫ردت‪ّ .‬‬
‫" أحد" ّ‬
‫ال‬

‫ولكن؛ سنشعر بالضجر" قال غويدو‪.‬‬


‫" ْ‬

‫أرادت جينيا ذلك المساء أن تكنس االستوديو‪ ،‬لكنها لم تعثر على مكنسة‪ ،‬فقامت بترتيب السرير خلف الستارة‪ ،‬والذي كان قذرا ً‬
‫كجحر‪.‬‬

‫"أتنام هنا؟" سألته‪.‬‬

‫يفضل رؤية النافذة‪ ،‬لذلك فهو ينام على األريكة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫قال غويدو إنه‬
‫إذن ؛ ال حاجة لترتيب السرير" قالت جينيا‪ .‬وفي اليوم التالي‪ ،‬قدمت إلى االستوديو‪ ،‬وفي حقيبتها علبة‪ ،‬كانت فيها ربطة عنق‬
‫" ْ‬
‫وجربها مازحا ً فوق القميص الرمادي المائل لألخضر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لغويدو‪ .‬أخذها غويدو‪،‬‬

‫"ستليق بك المالبس المدنية أكثر" قالت جينيا‪.‬‬

‫الجو بارداً‪ ،‬فقد الحتفا باألغطية‪ .‬قال لها غويدو إنه جاء دوره؛ ليقدم‬
‫ّ‬ ‫ولما كان‬
‫ّ‬ ‫عندئذ قصدا السرير المبعثر خلف الستارة‪ ،‬وتعانقا‪،‬‬
‫ولكن؛‬
‫ْ‬ ‫فكش رت جينيا‪ ،‬وطلبت منه مكنسة لالستوديو‪ .‬كانت تلك األيام التي يلتقون بها ألوقات قصيرة من أجمل األيام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لها هدية ما‪،‬‬
‫القد َميْن‪.‬‬
‫َ‬ ‫تود أن يراها عارية‬
‫ّ‬ ‫لم يكن لديهما متّسع من الوقت للحديث‪ ،‬وذلك بسبب مجيء رودريغوس المفاجئ‪ ،‬وكانت جينيا ال‬
‫الديْن‪ ،‬فاتفقا أن يخرجا بعد العشاء‪.‬‬ ‫وفي إحدى المساءات األخيرة‪ ،‬قال لها غويدو إن عليه ايفاء َّ‬

‫"لنذهب إلى السينما" قال غويدو‪.‬‬

‫للتمشي فقط‪ ،‬لمن الجميل أن نقضي الوقت معا ً"‪.‬‬


‫ّ‬ ‫"ولماذا؟ لنخرج‬

‫"لكن البرد شديد" قال غويدو‪.‬‬

‫"بمقدورنا الذهاب إلى البار‪ ،‬أو إلى صالة رقص"‪.‬‬

‫"ال أحب الرقص" أجاب غويدو‪.‬‬

‫يتمش يان‪ ،‬كانت جينيا تشعر باإلثارة؛ ألنها تمشي جنب شاب برتبة رقيب‪ ،‬ولكنه كان غويدو‪ ،‬قالت في‬ ‫ّ‬ ‫التقيا في المساء‪ ،‬وجعال‬
‫فتحولت‬
‫ّ‬ ‫باستمرار‪،‬‬ ‫الضباط‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫يحي‬ ‫أن‬ ‫غويدو‬ ‫على‬ ‫وكان‬ ‫‪.‬‬‫إباطه‬ ‫تحت‬ ‫كطفلة‬ ‫تبدو‬ ‫فكانت‬ ‫حولها‪،‬‬ ‫ذراعه‬ ‫غويدو‬ ‫لف‬
‫ّ‬ ‫نفسها‪ ،‬إنه هو‪.‬‬
‫إلى الجانب اآلخر‪ ،‬وتعل ّقت هي بذراعه‪ .‬هكذا كانا يسيران‪ ،‬وكان الشارع يبدو لها مختلفا ً‪ .‬ليتنا نلتقي بأميليا‪ ،‬تفك ّر جينيا بينما‬
‫تحد ث غويدو عن السيدة بيتشا جاهدة أال تضحك‪ .‬كان غويدو يمزح‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫ّ‬

‫"ثالثة أيام فقط‪ ،‬ولن أحيي بعد هؤالء القردة‪ .‬انظري أي وجوه هي وجوههم"‪.‬‬

‫المارة" قالت جينيا "وأحيانا ً تُبالغ في األمر"‪.‬‬


‫ّ‬ ‫"أميليا ‪ -‬أيضا ً ‪ -‬تحب الوقوف والضحك في وجوه‬

‫"أراك تعرفينها جيدا ً" قال غويدو‪.‬‬

‫ولكن؛ ماذا عنك أنت؟"‪.‬‬


‫ْ‬ ‫"إنها صديقتي‪،‬‬

‫عندئذ جعل غويدو يحكي لها عن السنة التي استأجر فيها االستوديو وعن أصدقائه الطالب الذين كانوا يأتون لزيارته‪ ،‬وكيف أن‬
‫تحب المتعة‪ ،‬وكانوا يأتون في الصباح والمساء يمزحون‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أحدهم صار راهبا ً‪ .‬كانت أميليا ‪ -‬حينها ‪ -‬ال تعمل كموديل‪ ،‬ولكنها‬
‫تفرق الجمع بعد أن أصبح أحدهم‬ ‫ّ‬ ‫ثم‬
‫ّ‬ ‫أميليا‪،‬‬ ‫مع‬ ‫األول‬ ‫لقاؤه‬ ‫ويحتسون النبيذ‪ ،‬بينما هو يحاول العمل‪ .‬ولكنه ال يذكر كيف كان‬
‫جنديا ً‪ ،‬وانشغل آخر في الدراسة‪ ،‬وآخر تزوج‪ ،‬وهكذا انتهى زمن المتعة‪.‬‬

‫تحدق فيه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫"أيؤسفك ذلك؟" سألته جينيا‪ ،‬وهي‬

‫التقيت‬
‫ُ‬ ‫كنت‬
‫ُ‬ ‫كنت ال أزال أزاول الرسم‪ ،‬وإن‬
‫ُ‬ ‫"بل إن الراهب هو أكثرنا أسفا ً‪ ،‬وبين الحين واآلخر يكتب لي‪ ،‬ويسألني إن‬
‫أحدهم"‪.‬‬

‫"وهل بوسع الرهبان أن يكتبوا الرسائل؟" سألت جينيا‪.‬‬

‫"أتظنينهم في السجن؟!" قال لها غويدو "كان هو الوحيد بينهم الذي تُعجبه لوحاتي‪ .‬ليتك ترينه‪ ،‬إنه رجل عظيم البنية‪ ،‬وقوي‬
‫مثلي‪ ،‬وله عينا فتاة‪ ،‬وكان حذقا ً للغاية‪ ،‬من المؤسف أن يصبح راهبا ً"‪.‬‬

‫"أنت لن تترهبن‪ ،‬أليس كذلك‪ ،‬يا غويدو؟!"‪.‬‬

‫" تقلقي‪ ،‬هذا لن يحدث"‪.‬‬


‫ال‬

‫"أال تُعجب رودريغوس لوحاتك؟ إن له وجها ً كوجه راهب"‪.‬‬

‫رسام بارع‪ ،‬وإنه يفك ّر طويال قبل أن يبادر برسم شيء ما‪ ،‬وال يقوم بشيء عبثا ً‪،‬‬
‫لكن غويدو دافع عن رودريغوس‪ ،‬وقال لها إنه ّ‬
‫وكل ما ينقص عمله هو األلوان‪.‬‬

‫ولكن؛ يا لبراعته"‪.‬‬
‫ْ‬ ‫"في بلده الكثير من األلوان" قال غويدو "وقد أُتخم منها منذ صغره‪ ،‬واآلن يرغب بالرسم‪ ،‬بال ألوان‪،‬‬
‫شدت على ذراعه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫"أستسمح لي بالنظر إليك حين ترسم باأللوان؟" سألته جينيا‪ ،‬وقد‬

‫كنت أرسم لوحة كل‬


‫ُ‬ ‫كنت أرسم كثيراً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كنت قادرا ً على الرسم‪ ،‬فلم ال‪ .‬في السابق‪،‬‬
‫ُ‬ ‫"ألتخلص أوال ً من هذا الزي العسكري‪ ،‬وإذا‬
‫أسبوع‪ ،‬تلك الحياة كانت تُثيرني‪ ،‬أما اآلن؛ فقد انقضى الصيف الجميل"‪ .‬قال غويدو‪.‬‬

‫"وأنا‪ ،‬أال يعنيك من أمري شيء؟" سألت جينيا‪.‬‬

‫عندها احتضنها غويدو‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫ولكن؛ عندها سأضيّع الوقت الكثير‪ .‬اعلمي أن الرجل يبدع ‪-‬‬


‫ْ‬ ‫علي أن أُغرم بك أوال ً؛ ألصبح ُم َ‬
‫لهما ً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫"أوتظنين نفسك صيفا ً؟!‬
‫فقط ‪ -‬إذا ما كان لديه أصدقاء يُحسنون ف َْهمه"‪.‬‬

‫"أولم تعشق من قبل؟" قالت جينيا دون أن تنظر إليه‪.‬‬

‫لدي وقت لذلك"‪.‬‬


‫ّ‬ ‫أنتن النسوة؟! ليس‬
‫ّ‬ ‫"أعشق َمن؟‬

‫العشاق‪ ،‬أشعل غويدو سيجارة‪ ،‬وأنصت لما كانت تقوله‬ ‫ّ‬ ‫توجها إلى البار‪ ،‬وجعال يمارسان دور‬
‫ّ‬ ‫اشتد بهما التعب من المشي‬‫ّ‬ ‫ولما‬
‫جينيا‪ ،‬بينما كان يتطل ّع إلى الخارجين من البار والداخلين إليه‪ .‬وإلرضائها‪ ،‬فقد قام برسم بروفيلها بقلم على رخام الطاولة‪ .‬وفي‬
‫لحظة ما بقيا في البار وحدهما تماما ً‪ ،‬قالت له جينيا‪:‬‬

‫قط"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫"أتعرف‪ ،‬أنا سعيدة أنك لم تعشق‬

‫رد غويدو‪.‬‬ ‫ِ‬


‫يفرحك‪ ،‬فأنا سعيد بذلك" ّ‬ ‫"إذا كان هذا‬

‫وغمرهما الحزن في نهاية األمسية حين قال لها غويدو إنه سيعود ‪ -‬بعد تسريحه ‪ -‬من الجيش إلى مدينته؛ لكي يزور أمه‪.‬‬
‫لما‬‫أبويْه وعملهما وعن بيته وطفولته‪ .‬عرفت أن له أختا ً‪ ،‬اسمها لويزا‪ ،‬ولكنها حزنت ّ‬
‫يحدثها عن َ‬
‫ّ‬ ‫أن جعلتْه‬
‫عل ّلت جينيا نفسها ْ‬
‫عرفت أن غويدو كان فالحا ً‪.‬‬

‫تصدق أن‬
‫ّ‬ ‫يديْه وصوته الجهوري‪ ،‬وما كانت‬
‫قوة َ‬‫كنت أسير حافيا ً في طفولتي" اعترف لها ضاحكا ً‪ .‬حينها أدركت جينيا سبب ّ‬
‫ُ‬ ‫"‬
‫ولما قالت له جينيا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بأصوله‪،‬‬ ‫يفخر‬ ‫كان‬ ‫غويدو‬ ‫أن‬ ‫األمر‬ ‫في‬ ‫الغريب‬ ‫ولكن‬ ‫‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ام‬ ‫رس‬
‫ّ‬ ‫يصبح‬ ‫أن‬ ‫فالح‬ ‫بوسع‬

‫"ولكنك اآلن هنا‪ ،‬في المدينة"‬

‫قال لها إن الرسم الحقيقي إنما يكون في الريف‪.‬‬

‫كررت جينيا‪ ،‬عندها قال لها غويدو‪:‬‬


‫"ولكنك اآلن هنا" ّ‬
‫قمة تل"‪.‬‬
‫"أشعر بالراحة ‪ -‬فقط ‪ -‬حينما أكون على ّ‬
‫منذ ذلك الحين وجينيا تُكثر التفكير بلويزا‪ ،‬تغبطها؛ ألنها أخت غويدو‪ ،‬وتحاول أن تتخيّل الحوارات التي تدور بينمها أيام الصبا‪.‬‬
‫ثم جعلت تتخيّله كجندي بين أولئك الصبية‬ ‫رساما ً‪ ،‬لكان رفيقا ً عاديا ً‪ ،‬وليس صديقا ً‪ّ .‬‬
‫اآلن أدركت لم أميليا ال تفك ّر به‪ ،‬ولو لم يكن ّ‬
‫يمرون في شهر آذار‪ ،‬وهم يلفّون منديال ً حول رقابهم‪ ،‬ويغنّون‪ .‬ولكنه اآلن هنا ‪ -‬تقول في نفسها ‪ -‬وقد أنهى تحصيله‬ ‫ّ‬ ‫الذين‬
‫الدراسي‪ ،‬و لنا لون الشعر ذاته‪َ .‬م ْن يدري إن كانت لويزا شقراء هي األخرى‪ .‬حالما عادت جينيا إلى البيت‪ ،‬في تلك الليلة‪،‬‬
‫تعر ت‪ ،‬ووقفت أمام المرآة باضطراب‪ ،‬وجعلت تقارن نفسها بلون بشرة رقبة غويدو‪ .‬لم يعد‬ ‫ّ‬ ‫ثم‬
‫دخلت الغرفة‪ ،‬وأقفلتْها بالمفتاح‪ّ ،‬‬
‫جلست‬
‫ْ‬ ‫ثم تمثّلت نفسها‪ ،‬وهي تجلس عارية أمام غويدو‪،‬‬ ‫شيء يُؤلمها اآلن‪ ،‬وبدا لها رائعا ً أن ليست هناك أية آثار على جسدها‪ّ .‬‬
‫جلست في استوديو باربيتا ‪َ .‬من يدري كم من الفتيات قد رأى غويدو؟! لكن الوحيدة التي لم يرها‬ ‫ْ‬ ‫على الكرسي مثل أميليا يوم‬
‫جيدا ً ‪ -‬بعد ‪ -‬كانت هي‪ ،‬وقد تسارعت دقّات قلبها بمجرد التفكير باألمر‪ .‬كم كان رائعا ً أن تصبح فجاة مثل أميليا‪ ،‬سمراء فارعة‬
‫يتزوجا أوال ً‪ .‬ولكن جينيا كانت تعلم أنها لن‬
‫ّ‬ ‫ولكن؛ ال يجدر بها أن تُبرز جسدها هكذا أمام غويدو‪ ،‬يجب أن‬ ‫ْ‬ ‫القوام‪ ،‬وال مبالية‪.‬‬
‫الود الذي كانت تُكنّه له‪ ،‬وقد أدركت ذلك منذ الليلة األولى التي منحتْه فيها نفسها‪ .‬وكان غويدو يبالغ في‬ ‫ّ‬ ‫تتزوجه حتما ً‪ ،‬رغم‬
‫ّ‬
‫ستستمر بلقائه فقط‪ ،‬إذا ما عملت‬
‫ّ‬ ‫كانت‬ ‫‪.‬‬ ‫الستارة‬ ‫وراء‬ ‫معها‬ ‫الوقت‬ ‫يقضي‬ ‫أن‬ ‫أجل‬ ‫من‬ ‫العمل‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫متوقف‬ ‫يزال‬ ‫ال‬ ‫إذ‬ ‫طيبته؛‬
‫كموديل له‪ ،‬وإال فإن غويدو قد يجد ‪ -‬يوما ً ما ‪ -‬موديال ً أخرى‪ .‬شعرت جينيا بالبرد أمام المرآة‪ ،‬فعمدت إلى وضع الجاكيت على‬
‫أصبحت موديال ً‪ ،‬تقول في نفسها‪ ،‬وتغبط أميليا التي كانت ال تشعر‬
‫ُ‬ ‫جسدها العاري‪ ،‬فشعرت بالقشعريرة‪ .‬هكذا سأكون إذا ما‬
‫بالخجل‪.‬‬

‫‪-12-‬‬

‫يفضلها هو كان ممتعا ً للغاية‪ ،‬وقد‬


‫ّ‬ ‫أحست جينيا فجأة أن ممارسة الحب بالطريقة التي‬
‫ّ‬ ‫في لقائها األخير بغويدو‪ ،‬عشية رحيله‪،‬‬
‫لما جاء رودريغوس‪،‬‬ ‫تمل ّكتْها الدهشة حتّى إن غويدو أزاح الستارة؛ ليرى وجهها‪ ،‬لكنها أمسكت بيده‪ ،‬ومنعته عن ذلك‪ .‬غادرت جينيا ّ‬
‫المتزوجين الذين ليس بوسعهم قضاء الوقت سويا ً ليل نهار‪ .‬وبينما كانت‬ ‫ّ‬ ‫وتركتهما يتحاوران‪ .‬أدركت حينها كيف هو شعور غير‬
‫تنزل السل ّم والدهشة تعتلي وجهها‪ ،‬شعرت أنها تغيّرت تماما ً‪ ،‬وأن الجميع سيُدرك ذلك‪ .‬لهذا السبب ‪ -‬تماما ً ‪ُ -‬ح ّرم ممارسة‬
‫ثم تساءلت فيما إذا كانت أميليا أو روزا قد شعرتا بالشيء ذاته‪ .‬كانت ترى‬ ‫الحب ‪ -‬قالت في نفسها ‪ -‬لهذا السبب تماما ً‪ّ .‬‬
‫انعكاس صورتها في واجهات المحالت‪ ،‬وبدا لها أنها تسير ثملة‪ ،‬وكانت تشعر أنها مختلفة عن تلك الصورة التي تخطف أمامها‬
‫لديهن‬
‫ّ‬ ‫ولكن؛ ليس هذا ما يسبّب الحمل‪ ،‬فالممثّالت ليس‬ ‫ْ‬ ‫لم تبدو عيون كل الممثّالت مثقلة بالتعب‪،‬‬ ‫كظل‪ .‬أدركت ‪ -‬اآلن ‪َ -‬‬‫ّ‬
‫وتعرت أمام المرآة‪ ،‬فوجدت جسدها‪ ،‬كما هو تماما ً‪ ،‬وبدا لها ذلك‬ ‫ّ‬ ‫الباب‪،‬‬ ‫جينيا‬ ‫أقفلت‬ ‫البيت‪،‬‬ ‫من‬ ‫سفيرينو‬ ‫خرج‬ ‫حالما‬ ‫‪.‬‬‫أطفال‬
‫قط‪ ،‬كانت شاحبة‪،‬‬ ‫مستحيال ً‪ ،‬ولكنها كانت تشعر بجلدها ينفصل عن الجسد‪ ،‬وكانت ال تزال تعتريها القشعريرة‪ .‬على أنها لم تتغيّر ّ‬
‫أصبحت‬
‫ُ‬ ‫وكنت سأقول له إنني‬
‫ُ‬ ‫يتأمل جسدي بعض الوقت‪،‬‬‫ّ‬ ‫ّرت ‪ -‬ولتركتُه‬
‫وبيضاء كالمعتاد‪ .‬لو أن غويدو كان هنا‪ ،‬لرغب بي ‪ -‬فك ْ‬
‫بحق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫امرأة‬

‫ولما كانت‬‫ّ‬ ‫أتى يوم األحد‪ ،‬وقد أثقلها مرروه بدون غويدو‪ .‬جاءت أميليا لزيارتها‪ ،‬وكانت جينيا تشعر بالسعادة؛ ألنها لم تعد تُخيفها‪،‬‬
‫بسرها‪ ،‬وكان يبدو لها أن‬ ‫ّ‬ ‫الجد‪ .‬كانت تدعها تثرثر‪ ،‬بينما هي تفك ّر‬
‫ّ‬ ‫مشغولة بالتفكير بغويدو‪ ،‬ما عادت تأخذ أميليا على محمل‬
‫أميليا المسكينة تشعر بالوحدة أكثر منها‪ .‬حتّى أميليا ال تعرف أين تقضي الوقت‪ ،‬وكان عصر ذلك اليوم قصيرا ً وبارداً‪ ،‬وقد أثقلتْه‬
‫يجعلك تفقد الرغبة حتّى في الذهاب إلى الملعب لمشاهدة المباريات‪ .‬طلبت منها أميليا أن تصنع لها القهوة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رطوبة الضباب الذي‬
‫وكانت ترغب بالبقاء في البيت ُمستلقية على األريكة؛ لتجاذب أطراف الحديث‪ ،‬لكن جينيا وضعت القبّعة على رأسها‪ ،‬وقالت لها‪:‬‬

‫أود الذهاب فوق التالل"‪.‬‬


‫ّ‬ ‫"هيا‪ ،‬لنخرج‪.‬‬

‫تعجال بالوصول‪ ،‬دون‬


‫ّ‬ ‫كانت أميليا كسولة ذلك النهار‪ ،‬فسمحت لجينيا باقتيادها‪ ،‬وإن لم يكن ذلك من طبعها‪ .‬استقل ّتا الترام؛ لكي‬
‫لما‬
‫أي سبب لذلك‪ .‬كانت جينيا هي التي تُ دير الحديث‪ ،‬تقودها‪ ،‬وتختار الشوارع‪ ،‬كما لو كان لديها هدف معين‪ .‬تساقط المطر‪ّ ،‬‬
‫تود الصعود‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تتذمر‪ ،‬وال‬
‫ّ‬ ‫بدأتا بصعود التل‪ ،‬فصارت أميليا‬

‫يضرنا في شيء"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫"إنه ضباب يتساقط‪ ،‬ليس إال" قالت جينيا "ولن‬

‫مكان ناءٍ‪ ،‬وال يصل مسامعهما سوى هدير الماء‬‫ٍ‬ ‫المارة‪ ،‬وكأنهما في‬
‫ّ‬ ‫كانتا ‪ -‬حينئذ ‪ -‬تحت األشجار‪ ،‬وكان الشارع الواسع فارغا ً من‬
‫في األخاديد‪ ،‬وضجيج عربات الترام من خلفهما‪ .‬بدأتا تستنشقان هواء رطبا ً‪ ،‬وفضال ً عن برودته‪ ،‬فقد كان مشبعا ً برائحة أوراق األشجار‬
‫العشاق‬
‫ّ‬ ‫المتعفنة‪ .‬استعادت أميليا مزاجها شيئا ً فشيئا ً‪ ،‬وكانتا تُهروالن على اإلسفلت‪ ،‬وقد شبكتا أذرعهما‪ ،‬وتقوالن إن ال المجانين وال‬
‫ولما تجاوزتْهما‪ ،‬خ ّف َفت من سرعتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جو كهذا‪ .‬لحقت بهما في تلك األثناء سيارة صغيرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يصعدون التالل في‬

‫"لو كانت لدينا هذه السيارة!" قالت أميليا‪.‬‬

‫ولوحت لهما‪:‬‬
‫برزت ذراع من نافذة السيارة‪ّ ،‬‬
‫لما وصلتا قربه‪.‬‬
‫أتودان أن أوصلكما؟" قال رجل بوجه يصطنع البراءة‪ّ ،‬‬
‫" ّ‬

‫"أنركب‪ ،‬يا أميليا؟" همست جينيا ضاحكة‪.‬‬

‫ثم سيتركنا في مكان ما" قالت أميليا‪.‬‬


‫"حسبي أن هذا الرجل سيصحبنا إلى بيت الشيطان‪ّ ،‬‬
‫مضتا ق ُُدما ً‪ ،‬بينما كان الرجل يتبعهما بسرعة بطيئة‪ ،‬ويُسمعهما بعض الحماقات‪ ،‬ويضرب على كالكسون السيارة‪.‬‬

‫ولكن أظن أن ذلك أفضل من أن نُتلف حذاءينا"‪.‬‬


‫ْ‬ ‫"سأركب معه" قالت أميليا "عذراً‪ ،‬يا جينيا‪،‬‬

‫مترجال ً من السيارة‪ ،‬وكان رجال ً أربعينيا ً نحيف الجسم‪ .‬استقل ّتا السيارة‪ ،‬وكانت‬
‫ّ‬ ‫"أال تصعد الشقراء الصغيرة أيضا ً؟" قال الغريب‬
‫أميليا في الوسط‪ ،‬بينما ُح صرت جينيا جنب الباب‪ .‬جلس الرجل النحيف خلف المقود‪ ،‬ورمى ذراعه على كتف أميليا‪ .‬ما إن رأت‬
‫جينيا تلك الذراع الهزيلة الواثقة قرب أذنها حتّى فك ّرت‪ :‬إذا لمسني‪ ،‬فسأعضه‪ .‬انطلقت السيارة وبدا وجه الرجل ‪ -‬وكانت على‬
‫خدها على النافذة‪ ،‬وخطر في ذهنها أنه من الجميل أن تقضي‬ ‫ّ‬ ‫صدغه ندبة قبيحة ‪ -‬قد رك ّز انتباهه في الطريق‪ .‬أسندت جينيا‬
‫ثم توقفت في‬ ‫ّ‬ ‫سرعتها‪،‬‬ ‫من‬ ‫السيارة‬ ‫فت‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫خ‬ ‫بسرعة‪،‬‬ ‫انتهت‬ ‫تلك‬ ‫هذه األيام السبعة في ترحال دائم حتّى عودة غويد‪ .‬لكن رحلتها‬
‫التل‪ .‬بدا المكان خاليا ً من تلك األشجار الخضراء الجميلة‪ ،‬وليس هناك سوى فراغ‪ ،‬يشغله الضباب وأسالك التلغراف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ساحة أعلى‬
‫وكان سفح التل يبدو كأنه سفح جبل قاحل‪.‬‬

‫أتودان النزول هنا؟" قال الرجل ببراءته المصطنعة‪.‬‬


‫" ّ‬

‫عندها قالت جينيا "اذهبا أنتما إلى البار‪ ،‬إن شئتُما‪ ،‬أما أنا؛ فسأعود إلى البيت سيرا ً"‪.‬‬

‫" أيتها الغبية" همست أميليا‪ ،‬بينما كانتا تنزالن "أال تفهمين أن هذا سيدفع لنا المال؟"‪ .‬لكن جينيا استدارت‪ ،‬وصاحت‪:‬‬

‫"شكرا ً على كل شيء‪ ،‬أوصل صديقتي إلى بيتها‪ ،‬لو سمحت"‪.‬‬


‫ثم‬
‫محرك السيارة‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫وعندما وصلت إلى الشارع‪ ،‬أنصتت للحظات في صمت المخيم في الضباب؛ لترى فيما إذا كان الرجل قد أدار‬
‫سرها‪ ،‬وتابعت السير‪ .‬آه يا غويدو‪ ،‬لعل ّك ستغفر لي‪ ،‬فك ّرت بينما كانت تتطل ّع إلى السفح‪ ،‬وتستنشق البرد وروائح‬ ‫ّ‬ ‫ضحكت في‬
‫يدخن سيجارة‪،‬‬‫ّ‬ ‫الموقد‪،‬‬ ‫نار‬ ‫قرب‬ ‫البيت‪،‬‬ ‫في‬ ‫ّه‬ ‫ل‬ ‫لع‬ ‫أو‬ ‫مدينته‪،‬‬ ‫تالل‬ ‫فوق‬ ‫اآلن‬ ‫الطلق‬ ‫الهواء‬ ‫في‬ ‫‪-‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫أيض‬ ‫‪-‬‬ ‫غويدو‬ ‫يكون‬ ‫الريف‪ .‬قد‬
‫ثم وقفت للحظة‪ ،‬وتراءى لها ذلك الركن المنعزل خلف الستارة بدفئه وظالمه‪ ،‬كما لو كانت‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫االستوديو‬ ‫في‬ ‫يفعل‬ ‫كما‬ ‫بها‪،‬‬ ‫يتدفأ‬
‫شدت قبضتها في جيبها‪ .‬وصلت إلى بيتها بسرعة‪ ،‬كان شعرها مبلال ً‪ ،‬وجواربها تنفث‬ ‫ّ‬ ‫وقد‬ ‫تقول‪،‬‬ ‫كانت‬ ‫ارجع‪،‬‬ ‫غويدو‪،‬‬ ‫يا‬ ‫آه‬ ‫هناك‪.‬‬
‫ثم جعلت تتخيّل الحديث مع غويدو‪ .‬كانت‬ ‫ّ‬ ‫الدافئ‪،‬‬ ‫السرير‬ ‫فوق‬ ‫دت‬ ‫وتمد‬
‫ّ‬ ‫حذاءها‪،‬‬ ‫خلعت‬ ‫‪.‬‬ ‫الطريق‬ ‫طوال‬ ‫التعب‬ ‫رافقها‬ ‫وقد‬ ‫الماء‪،‬‬
‫تفك ّر بتلك السيارة الجميلة‪ ،‬تستمتع‪ ،‬وهي تتصور أن أميليا كانت تعرف ذلك الرجل مسبقا ً‪.‬‬

‫محل الخياطة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عندما عاد سفيرينو‪ ،‬أخبرته بأنها ضجرت من العمل في‬

‫ولكن؛ ال تتركيني بال وجبة طعام‪ .‬حاولي أن تجدي عمال ً بتوقيت مناسب‪.‬‬
‫إذن" قال لها بسكينة " ْ‬
‫ْ‬ ‫"ابحثي عن عمل آخر‪،‬‬
‫كانت أمي تقول ‪ -‬دائما ً ‪ -‬إن من األفضل لك البقاء في البيت‪ ،‬لقل ّة ما تكسبين من عملك"‪.‬‬

‫نهضت جينيا من األريكة‪ ،‬وقالت "لم نذهب إلى المقبرة لزيارة أمي هذا العام"‪.‬‬

‫ذهبت" قال سفيرينو "وأنت تعرفين ذلك جيداً‪ ،‬فال داعي للكذب"‪ .‬ولكن جينيا قالت ذلك ‪ -‬فقط ‪ -‬لتُغيّر‬ ‫ُ‬ ‫"أما أنا؛ فقد‬
‫يديْها‪،‬‬
‫َ‬ ‫على‬ ‫والحفاظ‬ ‫األطباق‪،‬‬ ‫لغسل‬ ‫ازات‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫الق‬ ‫شراء‬ ‫وال‬ ‫المالبس‪،‬‬ ‫شراء‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫بوسعها‬ ‫كان‬ ‫لما‬ ‫عملها‪،‬‬ ‫من‬ ‫تكسب‬ ‫الموضوع‪ ،‬فلوال ما‬
‫ثم العطر والقبّ عة ومواد التجميل وهدايا غويدو‪ ،‬ما كان بوسعها فعل ذلك كله‪ ،‬لوال العمل‪ ،‬ولكانت مجرد عاملة مثل روزا‪ .‬كل ما‬ ‫ّ‬
‫ثم؛ إن العمل له جوانب إيجابية‪ ،‬ماذا ستفعل‬ ‫كان ينقصها هو الوقت فقط‪ ،‬فهي بحاجة لعمل‪ ،‬تنتهي منه عند منتصف النهار‪ .‬من ّ‬
‫كل هذه األيام بدون غويدو‪ ،‬لو أنها بقيت في البيت‪ ،‬أو ذهبت للتجوال طوال الوقت‪ُ ،‬منهكة نفسها في التفكير؟‬

‫وجهزت وجبة عشاء جيدة‬ ‫ّ‬ ‫ولما انقضى النهار‪ ،‬أقفلت راكضة إلى البيت‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عادت في اليوم التالي إلى العمل في محل الخياطة‪،‬‬
‫وقررت أن تعامله أفضل معاملة في هذه األيام‪ ،‬فبعد ذلك‪ ،‬ستتركه فعال ً بال وجبات طعام‪ .‬ولكنها لم تر أميليا قي تلك‬ ‫ّ‬ ‫لسفيرينو‪،‬‬
‫ولكن؛ تذك ّرت أنها أخذت عهدا ً على نفسها أال تفعل ذلك‪ ،‬وكانت تأمل أن تأتي‬ ‫ْ‬ ‫األيام‪ ،‬وكادت جينيا أن تخرج في بعض األماسي‪،‬‬
‫تود أن تصنع لنفسها فستانا ً‪ ،‬فعرضت على جينيا النموذج‪ ،‬ولكن جينيا‬
‫ّ‬ ‫مرة‪ ،‬جاءت روزا لزيارتها‪ ،‬وكانت‬
‫أميليا لزيارتها‪ .‬وذات ّ‬
‫تتذمر‪ ،‬وتقول إنها تشعر بالضجر‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أحارت جوابا ً‪ ،‬فجعلتا تتكل ّمان عن بينو‪ ،‬ولم تقل روزا إنها غيّرت عشيقها‪ .‬كانت‬

‫تزوجت الفتاة‪ ،‬فقد انتهى أمرها!"‪.‬‬


‫ّ‬ ‫"ما عساي أقول؟! إذا ما‬

‫أدركت جينيا أن التفكير بغويدو يحرمها النوم‪ ،‬وأحيانا تغضب؛ ألنه ال يفهم أن عليه العودة ‪َ .‬من يدري إذا ما كان سيعود يوم‬
‫اله ّم‪،‬‬
‫االثنَيْن ‪ -‬تقول في نفسها ‪ -‬ربّ ما لن يعود‪ .‬كانت تحقد على لويزا فقط؛ ألنها أخته‪ ،‬وبوسعها أن تراه كل اليوم‪ .‬اعتراها َ‬
‫وهي تفك ّر بالذهاب إلى االستوديو؛ لتسأل رودريغوس فيما إذا كان غويدو يفي بالعهد‪ ،‬ولكنها ذهبت إلى البار‪ ،‬ووجدت أميليا‪.‬‬

‫ِ‬
‫أوصلك إلى البيت؟"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قضيت يوم األحد؟" سألتْها "هل‬ ‫"كيف‬

‫وأنت‪ ،‬لماذا ترك ِتنا؟"‪.‬‬


‫ثم سألتْها " ِ‬
‫"بالتأكيد" أجابت أميليا‪ّ ،‬‬
‫"وهل شعر باإلهانة؟" سألت جينيا‪.‬‬

‫ولكن؛ لماذا هربت؟"‪.‬‬


‫ْ‬ ‫تحدق بها "قال عنك فقط‪ :‬ظريفة هذه الصغيرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫"ما هذا الذي تقولين؟!" قالت أميليا‪ ،‬وهي‬

‫ثم قالت "كان ُمضحكا ً بوجهه ذاك"‪.‬‬


‫احمر وجه جينيا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫لك من حمقاء!" قالت أميليا‪.‬‬ ‫"يا‬

‫ِ‬
‫أرأيت رودريغوس؟" سألت جينيا‪.‬‬ ‫"‬

‫للتو" أجابت أميليا‪.‬‬


‫ّ‬ ‫"لقد غادر‬

‫عادتا إلى البيت سويا ً‪ ،‬فقالت لها أميليا‪:‬‬

‫ِ‬
‫لزيارتك هذا المساء"‪ .‬ولم تتّفقا على الخروج في ذلك المساء‪.‬‬ ‫"سآتي‬

‫انتهت جينيا من غسل األطباق‪ ،‬وجلست على طرف األريكة؛ حيث كانت أميليا مستلقية‪ .‬بقيتا غارقتَيْن في الصمت لبعض‬
‫األجش‬
‫‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ثم همست أميليا بصوتها‬‫الوقت‪ّ ،‬‬
‫"ظريفة هذه الصغيرة"‪.‬‬
‫ومسدت شعرها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ه ّزت جينيا رأسها‪ ،‬وأدارت وجهها إلى الجانب اآلخر‪ .‬مدت أميليا ذراعها‪،‬‬

‫"اتركيني‪ ،‬وشأني" قالت جينيا‪.‬‬

‫يديْها‪:‬‬
‫أسندت أميليا رأسها على َ‬
‫ِ‬
‫تقبيلك‪ ،‬فأنا مصابة بمرض الزهري"‪.‬‬ ‫ولكن؛ ليس بوسعي‬
‫"أنا مغرمة بك‪ ،‬يا جينيا" قالت بصوت أجش‪ .‬التفتت إليها جينيا‪ْ " .‬‬

‫‪-10-‬‬

‫محطة الترام‪ .‬وضع غويدو القبّعة‪ ،‬وبدا‬


‫ّ‬ ‫خرج األربعة سويا ً دون أن ينبسوا ببنت شفة‪ ،‬وقام غويدو ورودريغوس باصطحابهما حتّى‬
‫يديْه‪ ،‬ويقول لها‪:‬‬
‫كأنه شخص آخر‪ ،‬لكنه كان يأخذ يدها بين َ‬

‫"عزيزتي جينيا الصغيرة"‪.‬‬

‫الدراجات‬
‫ّ‬ ‫يتحدثون عن‬
‫ّ‬ ‫يتمشون‪ ،‬بدا لها أن الرصيف ينخسف بها‪ ،‬فل ّفت أميليا ذراعها حولها‪ ،‬وسارتا سويا ً‪ .‬وجعلوا‬
‫ّ‬ ‫وبينما كانوا‬
‫الهوائية‪ ،‬بينما كانوا ينتظرون الترام‪ ،‬ودنا غويدو منها‪ ،‬وقال لها بصوت خفيض‪:‬‬

‫"الويل لك إن أنت غيّرت رأيك‪ ،‬وإال فلن أرسمك أبدا ً"‪.‬‬

‫ولما صعدتا في الترام‪ ،‬كانت جينيا تتطل ّع إلى ظهر السائق دون أن تتفوه بشيء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ابتسمت جينيا‪ ،‬وأمسكت بيده‪.‬‬

‫"اذهبي إلى النوم حال وصولك البيت" قالت لها أميليا "إنه ليس سوى النبيذ"‪.‬‬

‫لست ثملة" قالت جينيا‪.‬‬


‫ُ‬ ‫"‬

‫"ال تقولي هذا‪ ،‬أتودين أن أصحبك؟"‪.‬‬

‫"اتركيني‪ ،‬وشأني" أجابتها جينيا‪.‬‬

‫ولما وجدت نفسها وحيدة في‬ ‫ّ‬ ‫المرات السابقة‪ ،‬لكن جينيا كانت تُنصت إلى ضجيج الترام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تحدثها عما جرى في‬
‫ّ‬ ‫وجعلت أميليا‬
‫ثم عمدت إلى مالبسها‪،‬‬ ‫وحدقت في األرض طويال ً‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫البيت‪ ،‬شعرت أنها بحال أفضل؛ إذ ال عيون تتطل ّع إليها‪ .‬جلست على السرير‪،‬‬
‫تمددت تحت األغطية‪ ،‬وأطفأت النور‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وخلعتها‪،‬‬

‫ثم خطر في ذهنها أن غويدو كان قد‬ ‫متأخ رة في اليوم التالي‪ ،‬وبينما كانت ترتدي مالبسها‪ ،‬شعرت كما لو أنها مريضة‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫استيقظت‬
‫ثم قبّلت نفسها‪ ،‬وخرجت قبل عودة سفيرينو‪ .‬أدهشها أنها تسير‬ ‫ّ‬ ‫مت‪،‬‬ ‫وتبس‬
‫ّ‬ ‫المرآة‪،‬‬ ‫في‬ ‫لنفسها‬ ‫نظرت‬ ‫ساعات‪،‬‬ ‫ثالث‬ ‫منذ‬ ‫صحا‬
‫كالمعتاد‪ ،‬وأنها جائعة‪ ،‬وكانت تفك ّر بشيء واحد فقط‪ :‬من اآلن فصاعدا‪ ،‬يجب أن تلتقي بغويدو وحدها‪ .‬لكن غويدو قال لها أن‬
‫تأتي إلى االستوديو فقط‪ ،‬ولم يكل ّمها عن مواعيد في الخارج‪ .‬يجب أن أُظهر له االهتمام‪ ،‬فك ّرت جينيا‪ ،‬وإال فالويل لي‪ .‬فجأة‪ ،‬وإذا‬
‫بها تشعر كأن الصيف قد عاد من جديد‪ ،‬وعادت معه الرغبة في الخروج والضحك وإقامة الحفالت‪ .‬ما حصل يبدو لها أعجوبة‪،‬‬
‫وكانت تعتريها رغبة في الضحك حين تفكر أنها ‪ -‬تحت جنح الظالم ‪ -‬قد تكون مثل أميليا‪ ،‬وقد يكون ذلك بالنسبة لغويدو أيضا ً‪.‬‬
‫يصدق أن‬
‫ّ‬ ‫الود بال شك‪ ،‬فك ّرت جينيا‪ ،‬لم‬
‫ّ‬ ‫يكن لي‬
‫ّ‬ ‫في‪ ،‬أُعجبه كصديقة‪ ،‬إنه‬ ‫ُ‬
‫يبدو أنني أعجبه‪ ،‬يُعجبه حديثي‪ ،‬نظراتي‪ ،‬وكل شيء ّ‬
‫عمري سبعة عشر عاما َ‪ ،‬كان يقبّلني على عيني‪ ،‬أنا امرأة بحق‪.‬‬

‫أصبح العمل طوال اليوم فاتنا ً‪ ،‬بينما هي تفك ّر باالستوديو‪ ،‬وتنتظر حلول المساء‪ .‬أنا أكثر من كوني موديل بالنسبة له ‪ -‬تقول في‬
‫مرت‬‫ولكن؛ حينما ّ‬
‫ْ‬ ‫نفسها ‪ -‬لقد أصبحنا أصدقاء‪ .‬كانت أميليا تُثير شفقتها‪ ،‬فهي ال تفهم معنى الجمال في لوحات غويدو‪.‬‬
‫الصطحابها في الساعة الثانية بعد الظهر‪ ،‬كانت جينيا ترغب في سؤالها عن شيء ما‪ ،‬ولكنها ال تدري كيف تفعل ذلك‪ ،‬ولم تكن‬
‫تملك الشجاعة لتسأل غويدو‪.‬‬

‫"أرأيت أحدهما؟" سألتها‪ .‬فرفعت أميليا كتفها‪.‬‬

‫وأحسست بأنني أصرخ‪ ،‬أسمعتني أصرخ؟"‪.‬‬


‫ُ‬ ‫أطفأت النور‪،‬‬
‫ُ‬ ‫شعرت بالدوار البارحة حينما‬
‫ُ‬ ‫"لقد‬

‫بجد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كانت أميليا تُنصت إليها‬

‫" أنا لم أطفئ النور" قالت بهدوء "كل ما أدركته أنك اختفيت‪ ،‬وبدا كأن غويدو يذبحك‪ .‬أرجو أن تكونا قد استمتعتما بوقتكما"‪.‬‬

‫ثم أكملتا سيرهما على األقدام حتّى المحطة التالية‪.‬‬


‫كشرت جينيا‪ ،‬بينما كانت تنظر أمامها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ثم قالت لها‬
‫تنهدت أميليا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫"أتحبّين رودريغوس؟" سألتها جينيا‪.‬‬

‫"ال تخشي‪ ،‬الشقر ال يُثيرون اهتمامي‪ ،‬ربّما أفضل الشقراوات أكثر"‪.‬‬

‫تبسمت جينيا دون أن تقول شيئا ً‪ ،‬كانت سعيدة أنها تسير إلى جانب أميليا دون خالفات‪ .‬افترقتا تحت األروقة‪ ،‬وبقيت‬ ‫ّ‬ ‫عندئذ‬
‫الرسامة‪ .‬عادت في الساعة السابعة مساء‬ ‫ّ‬ ‫تلك‬ ‫لدى‬ ‫كموديل‬ ‫لتعمل‬ ‫ذاهبة‬ ‫كانت‬ ‫إذا‬ ‫فيما‬ ‫تتسائل‬ ‫وهي‬ ‫الزاوية‪،‬‬ ‫من‬ ‫إليها‬ ‫تنظر‬ ‫جينيا‬
‫إلى االسديو‪ ،‬صعدت الطوابق الخمسة على مهل؛ لكي ال يصبح وجهها أحمر‪ .‬وقالت في نفسها إن لم يكن غويدو موجوداً‪ ،‬فليس‬
‫بودها أن‬
‫ّ‬ ‫الممر‪ ،‬فغمرت السعادة جينيا‪ .‬كان‬
‫ّ‬ ‫الذنب ذنبه‪ ،‬لكنها وجدت الباب مفتوحا ً‪ .‬سمع غويدو خطواتها‪ ،‬وجاء للقائها في‬
‫تتحد ث إليه‪ ،‬وأن تقول له أشياء كثيرة‪ ،‬لكن غويدو أوصد الباب‪ ،‬واحتضنها‪ .‬كان النور يتخل ّل الزجاج‪ ،‬فدفنت جينيا وجهها في‬ ‫ّ‬
‫صدره‪ ،‬وشعرت بدفء بشرته عبر القميص‪ .‬جلسا على األريكة‪ ،‬فبكت جينيا دون أن تنطق بكلمة‪ .‬كانت تبكي‪ ،‬وتفك ّر‪ ،‬ليت أن‬
‫أحست أن ليس هناك ما‬ ‫ّ‬ ‫غويدو يبكي أيضا ً‪ ،‬وكانت تشعر بحسرة في قلبها‪ ،‬تذيب كل جسدها‪ ،‬وبدا لها أنها سيُغمى عليها‪ .‬فجأة‬
‫تتّكئ عليه‪ ،‬فأدركت أن غويدو قد نهض‪ ،‬وفتحت عينَيْها‪ ،‬وجدته واقفا ً‪ ،‬يتطل ّع إليها بفضول‪ .‬كفّت عن البكاء‪ ،‬وقد بدا لها أنها تبكي‬
‫أمام جموع من الناس‪.‬‬

‫كنت أبكي؛ ألنني سعيدة" قالت بصوت هادئ‪.‬‬


‫ُ‬ ‫"‬

‫المرة القادمة‪ ،‬أخبريني بذلك بسرعة"‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ولكن؛ في‬
‫"إن كان األمر كذلك‪ ،‬فال بأس" قال غويدو " ْ‬

‫وعما كانوا يفعلون في‬


‫ّ‬ ‫ود ت جينيا في تلك النصف ساعة أن تسأل غويدو عن أشياء كثيرة‪ ،‬عن أميليا وعنه‪ ،‬عن لوحاته‪،‬‬ ‫ّ‬
‫األماسي‪ ،‬وإن كان يحبها أم ال‪ ،‬إال إنها لم تكن تملك الشجاعة لفعل ذلك‪ ،‬وكل ما حصلت عليه هو التواري خلف الستارة‪ ،‬وكان‬
‫يبدو لها في الضوء أن الجميع ينظرون إليها‪ .‬هناك‪ ،‬وبينما كانا يقبّالن بعضهما‪ ،‬قالت له جينيا إنه قد آلمها البارحة حتّى صرخت‪،‬‬
‫شجعها‪ ،‬وداعبها كثيراً‪ ،‬وكان يهمس في أذنها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ثم‬
‫فبدأ غويدو يعاملها بلطف‪ّ ،‬‬
‫ثم يسألها بين الحين واآلخر "أتشعرين باأللم؟"‪.‬‬
‫"لن تشعري باأللم‪ ،‬سترين" ّ‬
‫وبينما كانا مستلقيَي ْن في ذلك الدفء‪ ،‬قال لها أشياء كثيرة‪ ،‬وقال إنه يهتم ألمرها كثيرا ً‪ .‬فسحبت جينيا يده في الظالم‪ ،‬وقبّلتها‪.‬‬
‫تشج عت أكثر وقالت له‪ ،‬بينما كانت تسند رأسها إلى كتفه‪ ،‬إنها ترغب في رؤيته وحده؛ ألنها‬ ‫ّ‬ ‫اآلن وقد أدركت كم كان غويدو طيبا ً‪،‬‬
‫تشعر بالراحة معه فقط دون اآلخرين‪.‬‬

‫ثم إنني أعمل هنا‪ ،‬أتعرفين؟"‬


‫"إن رودريغوس يأتي للنوم هنا ليال ً" قال غويدو "لعلك تريدينه أن ينام فوق السطوح؟ ّ‬
‫ولكن؛ بوسعها أن تأتي لوقت قصير‬
‫ْ‬ ‫لكن جينيا قالت له إن ساعة واحدة تكفيها‪ ،‬بل لحظة واحدة‪ ،‬وأنها هي ‪ -‬أيضا ‪ -‬تعمل‪،‬‬
‫تود أن تكون معه هو فقط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كل مساء‪ ،‬ولكنها‬

‫ولكن؛ دون أن يشاركني أحد في‬


‫ْ‬ ‫"أسيبقى رودريغوس هنا حتّى حينما تنهي العسكرية؟" سألته‪" .‬أرغب برؤيتك‪ ،‬وأنت ترسم‪،‬‬
‫ذلك"‪.‬‬

‫ثم قالت له إنها ستجلس أمامه عارية‪ ،‬بشرط أن يكونا وحدهما‪ .‬كانا مستلقيَيْن تحت الظالم‪ ،‬ولم تشعر جينيا أن الليل قد حل‪.‬‬
‫ّ‬
‫قط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المرة األولى‪ ،‬ولم يشتك من ذلك‬
‫ّ‬ ‫وفي ذلك المساء‪ ،‬ذهب سفيرينو المسكين إلى العمل ببطن خاوية‪ ،‬على أنها لم تكن‬

‫لم تغادر جينيا االستوديو إال حينما عاد رودريغوس‪ .‬وقبل تسريحه بأيام من الخدمة العسكرية‪ ،‬عمد غويدو في األماسي إلى‬
‫تجهيز قماش اللوحات‪ ،‬وإعدادها‪ ،‬وتصليح الحامل الخشبي‪ ،‬وترتيب األشياء األخرى‪ ،‬وكان ال يخرج من االستوديو مطلقا ً‪ .‬وبدا مقررا ً‬
‫أن رودريغوس سيبقى للعيش معه‪ ،‬رغم أن كل ما كان يجيده هو خلق الفوضى‪ ،‬وبدء حوارات حينما يكون غويدو على عجلة من‬
‫أمره‪ .‬لو كان بمقدور جينيا مساعدة غويدو‪ ،‬لكانت سعيدة بتنظيف االستوديو له‪ ،‬وترتيب تلك الفوضى‪ ،‬ولكنها حين تجد رودريغوس‬
‫بوسعهن قضاء المساء‬
‫ّ‬ ‫تدرك استحالة ذلك‪ ،‬فعادت تخرج مع أميليا‪ .‬ذهبتا إلى السينما؛ ألن كال ً منهما كانت تخبّئ شيئا ً ما‪ ،‬وليس‬
‫تكن لها‬‫ّ‬ ‫تود معرفة ما تخبّئ جينيا؛ ألنها صارت تسخر من الشقر‪ .‬على أن جينيا كانت‬ ‫ّ‬ ‫في تبادل الحديث‪ ،‬وكان واضحا ً أن أميليا‬
‫ثم سألت أميليا فيما إذا كانت األمور‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫البيت‬ ‫إلى‬ ‫تعودان‬ ‫كانتا‬ ‫بينما‬ ‫شيء‪،‬‬ ‫بكل‬ ‫ثتها‬ ‫فحد‬
‫ّ‬ ‫الود‪ ،‬وليس بمقدورها إخفاء عواطفها عنها‪،‬‬
‫ّ‬
‫الرسامة‪ ،‬فأظهرت أميليا دهشتها من السؤال‪ ،‬وطلبت منها أن تنسى الموضوع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مع‬ ‫يرام‬ ‫ما‬ ‫تسير على‬

‫"عذراً‪ ،‬يا أميليا‪ ،‬لكنك تعرفين جيدا ً أني لم أعمل ‪ّ -‬‬


‫قط ‪ -‬كموديل‪ ،‬أنا آسفة؛ ألنك فقدت العمل"‪.‬‬

‫ولكن؛ خيرا ً ما تصنعين‪ ،‬على أني قد أكون حذرة‪ ،‬لو‬


‫ْ‬ ‫الحب هذه األيام‪ ،‬وال يعنيك أمر أحد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫"كال‪ ،‬يا جينيا‪ ،‬بل إنك عثرت على‬
‫كنت مكانك"‪.‬‬

‫"لماذا؟" سألت جينيا‪.‬‬

‫"ما رأي سفيرينو باألمر؟ أيروق له نسيبه؟" قالت أميليا ضاحكة‪.‬‬

‫"ولماذا يجب أن أكون حذرة؟" سألتها جينيا‪.‬‬


‫رسامي‪ ،‬وتسألينني عن السبب أيضا ً؟"‬
‫"أتخطفين مني ّ‬
‫تحدق بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فشعرت جينيا بعصرة في القلب‪ ،‬وكانت تمشي‪ ،‬وهي تشعر بأميليا‬

‫"هل عملت كموديل لغويدو؟" سألتها جينيا‪ .‬فاحتضنتها أميليا‪ ،‬وقالت لها‪:‬‬

‫كنت أمزح فقط"‪ .‬وبعد قليل من الصمت‪ ،‬أضافت‪" :‬أليس من األفضل أن نخرج للتن ّزه نحن فقط؟ فنحن فتيات‪ ،‬ونعرف جيدا ً‬ ‫ُ‬ ‫"‬
‫حق قدرها‪ ،‬وأول َمن تقع عليها أعينهم يحاولون‬
‫ّ‬ ‫يقدرون الفتاة‬
‫ّ‬ ‫أنه ال يجدر بنا أن نُتلف أعصابنا من أجل شباب غير مه ّذبين‪ ،‬وال‬
‫اإليقاع بها"‪.‬‬

‫ولكن؛ هل مارست الجنس مع رودريغوس؟" سألت جينيا‪.‬‬


‫" ْ‬

‫ولكن؛ أخبريني‪ ،‬هل غويدو حذر معك؟"‪.‬‬


‫ثم قالت‪ْ " :‬‬
‫فرفعت أميليا كتفها‪ّ ،‬‬
‫ثم أوقفتها‪:‬‬
‫" أعرف" قالت جينيا‪ .‬فأخذت بذقنها‪ّ ،‬‬
‫ال‬

‫"انظري إلي" قالت أميليا‪.‬‬

‫أي مقاومة؛ ألنها ظنت أن األمر يتعل ّق بغويدو‪ ،‬فسحبتها أميليا‪ ،‬وطبعت على فمها قبلة‬
‫ظل بوابة‪ ،‬لم تبد جينيا ّ‬
‫ّ‬ ‫كانتا تحت‬
‫سريعة‪.‬‬

‫‪Page 14 / 20 chapter 14‬‬

You might also like