Professional Documents
Culture Documents
حوار مع قادة حزب التحرير حول الخلافة والديموقراطية
حوار مع قادة حزب التحرير حول الخلافة والديموقراطية
يف زياريت ملعرض الكتاب العريب يف لبنان يف خريف سنة 2007دخلت مكتبة دار األمة التابعة
حلزب التحري ر ،وبينم ا كنت أتص فح عن اوين الكتب ال يت ك انت ت دعو للخالف ة اإلس المية وهتاجم
الدميوقراطي ة ؛ س ألين املش رف على املكتب ة عن رأيي حبزب التحري ر فقلت ل ه :بص راحة إن ه س ليب،
فاستفس ر بتعجب :ملاذا؟! فقلت ل ه :ألن ه ال ي ؤمن بالدميوقراطي ة .مما زاد يف تعجب ه ودفع ه لطلب
التوضيح والتعرف علي أكثر ،فعرفته بنفسي وحدثته عن كتايب اجلديد":تطور الفكر السياسي السين
حنو خالفة دميوقراطية" وأعطيته رابط الكتاب على موقعي يف شبكة املعلومات (اإلنرتنت) .وملا كان
اجلم ع بني اخلالف ة والدميوقراطية بالنسبة لعضو يف ح زب التحرير يعترب كاجلمع بني النقيض ني ،طلب
م ين التواص ل واحلوار ح ول املوض وع .وك ان ذل ك اللق اء مناس بة للتع رف على بعض ق ادة ح زب
التحرير يف لبنان ،الذين اهتموا بكتايب اجلديد ،ودعوين للقاء هبم والتحاور معهم حول الدميوقراطية
اليت أدعو إليها ويرفضوهنا بشدة .وعقدوا ندوة دعوين إليها ملناقشة كتايب ،وألقى املسؤول اإلعالمي
يف احلزب األخ أمحد القص ص كلم ة نقدي ة للكت اب ،وأخ ذوا علي ع دم أخ ذ كتبهم الكث رية ح ول
املوضوع باالعتبار .كما أعطوين جمموعة من كتبهم اليت يدعون فيها إىل اخلالفة وحماربة الدميوقراطية.
وهي:
نظام احلكم يف اإلسالم ،للشيخ تقي الدين النبهاين ،مؤسس حزب التحرير ،وعبد القدمي -1
زلوم ،الطبعة السادسة( ،معتمدة) 2002
الدولة اإلسالمية ،للنبهاين ،دار األمة بريوت ،الطبعة األوىل سنة 1953الطبعة السابعة -2
(معتمدة) 2002
الشخص ية اإلس المية ،اجلزء األول واجلزء الث اين ،دار األم ة للطباع ة والنش ر والتوزي ع، -3
بريوت 2003
اخلالفة ،من منشورات حزب التحرير2007 ، -4
ميثاق األمة ،من منشورات حزب التحرير ،الطبعة الرابعة 1998 -5
حتمية صراع احلضارات ،حزب التحرير2002 ، -6
أجه زة دول ة اخلالف ة يف احلكم واإلدارة ،من منش ورات ح زب التحري ر ،الطبع ة األوىل -7
2005
إزالة األتربة عن اجلذور ..ربط األفكار واألحكام بالعقيدة اإلسالمية ،من كتب احلزب -8
املعتمدة األساسية الداخلية.
1
وب الرغم من أن ين كنت ق د اطلعت على بعض كتب ح زب التحري ر س ابقا ،ونقلت بعض الفق رات
منها ،إال أنين استفدت من احلوارات اليت أجريتها معهم ومن الكتب اليت أعطوين إياها كثريا ،وبعضها
من املكتب ة اخلاص ة الداخلي ة للح زب ،يف تك وين ص ورة أدق لفك ر ح زب التحري ر ح ول مش روعهم
للخالف ة .وق د وج دت أن احلزب رغم دعوت ه للخالف ة ،ينط وي على تط ور فك ري كب ري خيتل ف عن
الص ورة الس لبية املوروث ة عن الفك ر السياس ي الس ين ،وال يت ال ي زال يتش بث هبا بعض الس لفيني ،كم ا
وجدت بالطبع بعض املواقف املتشددة اليت ترفض التطور الدميوقراطي.
وس وف أق دم ملخص ا ألهم األفك ار واملالحظ ات ال يت وردت يف ح وارايت م ع ق ادة ح زب التحري ر
(وب األخص ال دكتور حمم د ج ابر ،رئيس احلزب واالخ وة عثم ان البخش وأمحد القص ص ) والكتب
املنشورة من قبلهم ،وأبدأ بالنقاط اليت أراها إجيابية ،وهي:
الخليفة نائب األمة -1
ويف ه ذا يق ول احلزب على لس ان مؤسسه الش يخ تقي الدين النبه اين":اخلليفة ه و ال ذي ينوب عن
األم ة يف احلكم والس لطان ،ويف تنفي ذ أحك ام الش رع .ذل ك أن اإلس الم ق د جع ل احلكم والس لطان
لألمة ،تنيب فيه من يقوم به نيابة عنها .وقد أوجب اهلل عليها تنفيذ أحكام الشرع مجيعها .ومبا أن
اخلليف ة إمنا ينص به املس لمون ،ل ذلك ك ان واقع ه أن ه ن ائب عن األم ة يف احلكم والس لطان ،ويف تنفي ذ
أحكام الشرع ،لذلك فانه ال يكون خليفة إال إذا بايعته األمة ،فبيعتها له باخلالفة جعلته نائبا عنها،
وانعق اد اخلالف ة ل ه هبذه البيع ة أعط اه الس لطان ،وأوجب على األم ة طاعت ه .وال يك ون من يلي أم ر
املسلمني خليفة إال إذا بايعه أهل احلل والعقد يف األمة بيعة انعقاد شرعية ،بالرضى واالختيار ،وكان
جامعا لشروط انعقاد اخلالفة".
2
جع ل والي ة األم ر لق ريش ،فإهنا وردت بص يغة اإلخب ار ،ومل ي رد وال ح ديث واح د بص يغة األم ر،
وص يغة اإلخب ار وإن ك انت تفي د الطلب ،ولكن ه ال يعت رب طلب ا جازم ا م ا مل يق رتن بقرين ة ت دل على
التأكي د ،ومل يق رتن بأي ة قرين ة ت دل على التأكي د وال يف رواي ة ص حيحة ،ف دل على أن ه للن دب ال
للوجوب ،فيكون شرط أفضلية ،ال شرط انعقاد ...فاحلديث ينص على أن األمر فيهم ،وعلى النهي
عن معاداهتم .وأيضا فان كلمة "قريش" اسم وليس صفة ،ويقال له يف اصطالح علم األصول :لقب،
ومفهوم االسم أي مفهوم اللقب ال يعمل به مطلقا ،ألن االسم أي اللقب ال مفهوم له ،ولذلك فإن
النص على ق ريش ال يع ين أن ال جيع ل يف غ ري ق ريش ،وال يع ين قول ه "ان ه ذا األم ر يف ق ريش" و "ال
يزال هذا األمر يف قريش" أن هذا األمر ال يصح أن يكون يف غري قريش ..فيكون النص عليهم غري
مانع من وجود غريهم يف اخلالفة".
3
يف ق درة ك ل مس لم التمكن من القي ام بنص ب اخلليف ة ،بتمكين ه من ذل ك متكين ا تام ا ...ألن الف رض
الذي فرضه اهلل هو أن جيري نصب اخلليفة من املسلمني برضاهم ،ال أن جيريه مجيع املسلمني ...وال
يشرتط عدد معني فيمن يقومون بنصب اخلليفة ،بل أي عدد بايع اخلليفة ،وحتقق يف هذه البيعة رضا
املسلمني بسكوهتم ،أو بإقباهلم على طاعته بناء على بيعته ،أو بأي شيء يدل على رضاهم ،يكون
اخلليفة املنصوب خليفة للمسلمني مجيعا ،ويكون هو اخلليفة شرعا ،ولو قام بنصبه مخسة أشخاص ،إذ
يتحقق فيهم اجلمع يف إجراء نصب اخلليفة ،ويتحقق الرضا بالسكوت واملبادرة إىل الطاعة ...أما إذا
مل يتحقق رضا مجيع املسلمني ،فإنه ال يتم نصب اخلليفة إال إذا قام بنصبه مجاعة يتحقق يف نصبهم له
رض ا مجه رة املس لمني ،أي أك ثريتهم ،مهم ا ك ان ع دد ه ذه اجلماع ة ...وعلى ذل ك فليس بيع ة أه ل
احلل والعقد هي اليت جيري فيها نصب اخلليفة ،وليس وجود بيعتهم شرطا جلعل نصب اخلليفة نصبا
شرعيا ،بل بيعة أهل احلل والعقد أمارة من اإلمارات الدالة على حتقق رضا املسلمني هبذه البيعة ،ألن
أهل احلل والعقد كانوا يعتربون املمثلني للمسلمني ،وكل أمارة تدل على حتقق رضا املسلمني ببيعة
خليفة ،يتم هبا نصب اخلليفة ،ويكون نصبه هبا نصبا شرعيا .وعلى ذلك فاحلكم الشرعي هو أن يقوم
بنصب اخلليفة مجع يتحقق يف نصبهم له رضا املسلمني ،بأي أمارة من إمارات التحقق ،سواء أكان
ذل ك بك ون املب ايعني أك ثر أه ل احلل والعق د ،أم بك وهنم أك ثر املمثلني للمس لمني ،أم ك ان بس كوت
املس لمني عن بيعتهم ل ه ،أم مبس ارعتهم بالطاع ة بن اء على ه ذه البيع ة ...وليس من احلكم الش رعي
كوهنم أهل احلل والعقد ،وال كوهنم مخسة أو مخسمائة أو أكثر أو أقل ،أو كوهنم من أهل العاصمة،
أو أه ل األق اليم ،ب ل احلكم الش رعي ك ون بيعتهم يتحق ق فيه ا الرض ا من قب ل مجه رة املس لمني ،بأي ة
أمارة من اإلمارات ،مع متكينهم من إبداء رأيهم متكينا تاما".
4
وعمر .ان املسلمني خالل ثالثة أشهر يف حياة أيب بكر اختاروا عمر بأكثريتهم ،مث بعد وفاة أيب بكر
ج اء الن اس وب ايعوا عم ر ،وحينئ ذ انعق دت اخلالف ة لعم ر ،أم ا قب ل البيع ة فلم يكن خليف ة ،ومل تنعق د
اخلالف ة ل ه ،ال برتش يح أيب بك ر وال باختي ار املس لمني ل ه ،وإمنا انعق دت حني ب ايعوه ،وقب ل اخلالف ة".
ويضيف ":إن نظام والية العهد يعترب منكرا يف النظام اإلسالمي ،وخمالفا له كل املخالفة ،وذلك ألن
الس لطان ه و لألم ة وليس للخليف ة .وإذا ك ان اخلليف ة إمنا ين وب عن األم ة يف الس لطان م ع بقائ ه هلا،
فكيف جيوز له أن مينحه لغريه؟ وما فعله أبو بكر لعمر ،مل يكن والية عهد ،بل كان انتخابا من األمة
يف حي اة اخلليف ة ،مث حص لت ل ه البيع ة بع د موته .. .خبالف م ا فعله معاوي ة من تولية ابنه يزي د ،فإنه
خيالف نظام اإلسالم".
ويقول ":من اجلدير ذكره أن العهد باخلالفة لالبن مل يكن هو الذي جيعل االبن خليفة بعد أبيه ،بل
انه كان ينصب ببيعة جديدة تؤخذ من الناس ،انعقادا وطاعة ،بعد وفاة اخلليفة السابق .غري أنه كان
يس اء تط بيق البيع ة أحيان ا فب دل أخ ذها بالرض ا واالختي ار ،تؤخ ذ ب اإلكراه ،إال أن البيع ة يف مجي ع
األحوال كانت هي الطريقة لنصب اخلليفة طيلة عصور الدولة اإلسالمية ،فتنعقد اخلالفة له بالبيعة
وليس بالوراثة أو والية العهد".
ويشرح ذلك مفصال يف موضع آخر ،فيقول ":أبو بكر استشار املسلمني يف بيعة عمر بعد أن ثقل املرض على أيب
بكر ،وظن أنه ميت ،مجع الناس فقال":إنه قد نزل يب ما قد ترون ،وال أظنين إال ميتا ملا يب ،وقد أطلق اهلل أميانكم
من بيع يت ،وح ل عنكم عق ديت ،ورد عليكم أم ركم ،ف أمروا عليكم من أحببتم ،ف إنكم إن أم رمت يف حي اة م ين ك ان
أجدر أن ال ختتلفوا بعدي" غري أن الناس مل يتفقوا على من خيلف أبا بكر ،فرجعوا إليه فقالوا :رأينا يا خليفة رسول
اهلل رأيك ،قال :فلعلكم ختتلفون ،قالوا :ال ،قال فعليكم عهد اهلل على الرضا؟ قالوا :نعم ،قال :أمهلوين حىت أنظر
هلل ولدينه ولعباده.
وع اود أب و بك ر استش ارة كب ار الص حابة ،وك انت استش ارته هلم س رية ..وبع د ان اس تقر رأي ه على عم ر ،استش ار
الناس استشارة علنية،إذ أشرف على الناس من بيته ،وخاطبهم قائال :أترضون مبن استخلف عليكم؟ فإين واهلل ما
ألوت من جهد الرأي ،وال وليت ذا قرابة ،فقالوا :نعم ،فتابع قائال :واين قد استعملت عليكم عمر بن اخلطاب،
فامسعوا له وأطيعوا ،فأجاب الناس :مسعنا وأطعنا...وأقبل الناس على بيعة عمر إقباال تاما ..فكانت بيعة عمر بن
اخلطاب يف املسجد من املسلمني هي البيعة اليت انعقدت له هبا اخللفة ،وهبا وجبت له الطاعة عليهم .وأما عهد أيب
بكر إليه فلم يعد كونه ترشيحا له باخلالفة ،وحصرا للرتشيح هلا فيه ،ومل تنعقد له به خالفة ،ومل جتب له به طاعة".
5
واس توىل على احلكم ب القوة فإن ه ال يص بح ب ذلك خليف ة ،ول و أعلن نفس ه خليف ة للمس لمني ،ألن ه مل
تنعقد له خالفة من قبل املسلمني ،ولو أخذ البيعة على الناس باإلكراه واإلجبار ال يصبح خليفة ولو
بوي ع ،ألن البيعة واإلجبار ال تعترب وال تنعقد هبا اخلالفة ،ألهنا عق د مراض اة واختيار ال يتم باإلكراه
واإلجبار ،فال تنعقد إال بالبيعة عن رضا واختيار ،إال ان هذا املتسلط إذا استطاع أن يقنع الناس بأن
مصلحة املسلمني يف بيعته ،وأن إقامة أحكام الشرع حتتم بيعته ،وقنعوا بذلك ورضوا ،مث بايعوه عن
رضا واختيار ،فانه يصبح خليفة منذ اللحظة اليت بويع فيها عن رضا واختيار ،ولو كان أخذ السلطان
ابتداء بالتسلط والقوة ،فالشرط هو حصول البيعة ،وأن يكون حصوهلا عن رضا واختيار ،سواء كان
من حصلت له البيعة هو احلاكم والسلطان ،أو مل يكن".
ويضيف":إذا مل يكن للمسلمني دولة خالفة وال خليفة ،وتطبق عليهم أنظمة الكفر وأحكامه –
كما هو احلال اليوم -فقام املسلمون ،أو مجاعة منهم ،أو أصحاب القوة واملنعة فيهم ،يف قطر أو أكثر
من أقط ار املس لمني ،فاس تولوا على الس لطة يف ذل ك القط ر ،وأزال وا احلاكم ال ذي حيكمهم بأنظم ة
الكف ر وأحكام ه ،بغي ة اس تئناف احلي اة اإلس المية ،والع ودة إىل احلكم مبا أن زل اهلل ،فيج وز ملن ق اموا
باالستيالء على السلطة أن يرشحوا شخصا من املسلمني املؤهلني ليتوىل احلكم والسلطان ،واجلامعني
لشروط انعقاد اخلالفة ،وأن جيمعوا أهل احلل والعقد يف ذلك القطر أو أكثرهم ،وأن يطلبوا منهم أن
يبايعوا هذا الشخص الذي رشحوه ليكون خليفة ،فيقوم أهل احلل والعقد مببايعته بالرضا واالختيار،
على كتاب اهلل وسنة رسوله ،فتنعقد له اخلالفة هبذه البيعة ،مث يبايعه املسلمون يف ذلك القطر مبايعة
عامة ،مبايعة طاعة ورض ا ،ومن مث يباشر فورا بوضع اإلس الم ك امال موضع التطبيق والتنفيذ ،دون
ت أخري .وب ذلك تع ود دول ة اخلالف ة إىل احلي اة ،ويع ود تط بيق أحك ام اإلس الم وأنظمت ه إىل الوج ود،
وتتحول الدار يف ذلك القطر إىل دار اإلسالم".
وقد رفض احلزب بشدة االستيالء على السلطة بالقوة ،ومسى ذلك اغتصابا ،وقال ":ان عقد اخلالفة
عقد مراضاة واختيار كسائر العقود ال يتم اال بني عاقدين أحدمها :األمة ،والثاين :احلاكم أو اخلليفة،
فهو عقد حكم ،فإذا فقد فيه أحد العاقدين بطل العقد كليا ،فكان كأي عقد من العقود الباطلة،
ويعترب احلاكم حينئذ مغتصبا للحكم ،كأي مغتصب ،ويطبق يف حقه حكم الغاصب".
وتساءل حزب التحرير عن املوقف من الغاصب املتسلط من غري بيعة من املسلمني وال اختيار منهم
وحكم باالس الم ،فه ل جيب اخلروج علي ه؟ مث نق ل آراء بعض العلم اء ال ذين أوص وا بالص رب وطاع ة
احلاكم الظامل 1.ولكنه أخذ عليهم اجلمع يف البحث بني عدة مسائل ،كالبحث يف احلاكم الظامل ويف
- 1نقل ابن التني عن الداودي قال ":الذي عليه العلماء يف أمراء اجلور أنه إن قدر على خلعه بغري فتنة وال ظلم
وجب ،وإال فالص رب" .وق ال يف الفتح :وق د أمجع الفقه اء على وج وب طاع ة الس لطان املتغلب واجله اد مع ه ،وان
طاعت ه خ ري من اخلروج علي ه ملا يف ذل ك من حقن ال دماء ،وتس كني ال دمهاء ،ومل يس تثنوا من ذل ك اال إذا وق ع من
6
أئمة اجلور ويف السلطان املتغلب ،على اعتبار أن كل ذلك مسألة واحدة هي منازعة السلطان ،وقالوا
بوجوب طاعتهم وعدم اخلروج عليهم ،واستدلوا باألحاديث الواردة يف طاعة احلاكم ولو ظلم مثل
حديث حذيفة "تسمع وتطيع لألمري وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فامسع وأطع" (مسلم) يف مقابل
من استدل بعمومات من الكتاب والسنة يف وجوب االمر باملعروف والنهي عن املنكر ،فقالوا ه>>ذه
األح >>اديث أخص من تل >>ك العموم >>ات مطلق >>ا ،أي أنه >>ا خصص >>ت الع >>ام فتص >>رف لغ >>ير الح >>اكم ،
ويس > >>تثنى منه > >>ا الح > >>اكم" .وق الوا ":إن الس > >>لطان مس > >>تثنى من حكم الغاص > >>ب ،ألن أدل > >>ة حكم
الغاصب عامة ،وجاءت أدلة طاعة الحاكم خاص>>ة ،فهي مخصص>>ة ل>>ذلك العم>>وم ،أي مس>>تثناة من
ذلك العموم فال يطب>ق حكم الغاص>ب في ح>ق الس>لطان ،بدليل أن الرسول (ص) يقول يف حديث
حذيف ة بن اليم ان "يك ون بع دي أئم ة ال يهت دون هبداي وال يس تنون بس نيت ،وس يقوم فيهم رج ال
قلوهبم قلوب الشياطني يف جثمان إنس .قال قلت :كيف أصنع يا رسول اهلل إن أدركت ذلك؟ قال:
تسمع وتطع لألمري وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فامسع وأطع"( .مسلم) فهذا مخصص لعموم أدل>>ة
الغصب بل لعموم أدلة كل األحكام ،يس>>تثنى منه>>ا الح>اكم ،فال خيرج عليه الغتصاب السلطة ،فال
يطب ق يف حق ه حكم الغاصب .ب دليل م ا نقل ه الش وكاين ،ق ال ":وحكى ابن املن ذر عن الش افعي أنه
ق ال :من أري د مال ه أو حرميه أو نفس ه فل ه املقاتل ة ،وليس عليه عق ل ،وال دي ة ،وال كف ارة ،ق ال ابن
املنذر :والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما بغري تفصيل ،إال أن كل من
يحف>>ظ عن>>ه من علم>>اء الح>>ديث ك>>المجمعين على اس>>تثناء الس>>لطان لآلث>>ار ال>>واردة ب>>األمر بالص>>بر
على جوره وترك القيام عليه" .انتهى .فهذا يدل على أهنم يستثنون احلاكم حىت لو كانت املسألة من
باب الغصب.
الس لطان الكف ر الص ريح فال جتوز طاعت ه يف ذل ك ،ب ل جتب جماهدت ه ملن ق در عليه ا كم ا يف احلديث" .وق ال
الش وكاين ":وق د اس> >>تدل الق>>>ائلون> بوج>>>وب الخ> >>روج على الظلم>>>ة ومناب> >>ذتهم بالس >>يف ومك> >>افحتهم بالقت>>>ال
بعمومات> من الكتاب والسنة يف وجوب األمر باملعروف والنهي عن املنكر ،وال شك وال ريب أن األحاديث اليت
ذكرها املصنف يف هذا الباب ،وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقا ،وهي متواترة املعىن ،كما يعرف ذلك
من له أنسة بعلم السنة" .وقال النووي يف شرح حديث عبادة على عبارة "إال أن تروا كفرا صراحا" :املراد بالكفر
هن ا املعص ية ،ومع ىن احلديث :ال تن ازعوا والة األم ر يف واليتهم وال تعرتض وا عليهم إال أن ت روا منهم منك را حمقق ا
تعلمونه من قواعد االسالم ،فإذا رأيتم ذلك فانكروه عليهم ،وقولوا باحلق حيثما كنتم" .وقال يف الفتح تعقيبا على
كالم النووي ":وقال غريه إن كانت املنازعة يف الوالية فال ينازعه مبا يقدح يف الوالية إال إذا ارتكب الكفر ،ومحل
رواية املعصية على ما إذا كانت املنازعة فيما عدا الوالية ،فإذا مل يقدح يف الوالية نازعه يف املعصية ،بأن ينكر عليه
برفق ويتوصل اىل تثبيت احلق له بغري عنف ،وحمل ذلك إذا كان قادرا".
7
ورغم اعرتاف حزب التحرير بتلك األحاديث ،وإميانه بتخصيصها للعموم الوارد يف الكتاب والسنة،
إال أنه فرق بني ارتكاب احلاكم للظلم يف أثناء حكمه ،وبني اغتصاب السلطة من البداية ،وقال":إن
األدل>>ة الخاص>>ة ال>>تي تس>>تثني الح>>اكم انم>>ا هي في ح>>ق الح>>اكم ،إذا ك>>ان حاكم>>ا ،ولكن مغتص>ب>
الس>>لطة حين ارتكب جريمت>>ه لم يكن حاكم>>ا ،ب>>ل ك>>ان شخص>>ا عادي>>ا من الن>>اس ،فاغتص>>بها وه>>و
ليس بحاكم ،وبعد اغتصابها صار حاكم>>ا ،فال تنطب>>ق علي>>ه األح>>اديث ،ألن اجلرمية قد ارتكبت من
قبل ه وه و ليس حباكم ،ول ذلك ال تنطب ق علي ه أح اديث األم ر بالص رب على أئم ة اجلور ،وينطب ق علي ه
حكم الغاص ب ،وال ي دخل يف االس تثناء .وهلذا فان ه يطب ق يف حق ه مغتص ب الس لطة من األم ة ب القوة
حكم الغاصب ،وال كالم".
ومتسك حزب التحرير بوجوب رد الغاصب ما غصبه لصاحبه وتغليظ العقوبة عليه ،وجبواز مقاتلته
لرده عن أخذ املغصوب ،والسرتجاعه منه قتاال بالسيف ،ولو أدى لقتله .واستدل على ذلك مبا روي
عن السائب بن يزيد ،عن أبيه ،قال قال رسول اهلل (ص) ":ال يأخذن أحدكم متاع صاحبه جادا وال
العبا ،وإذا وجد أحدكم عصا صاحبه فلريددها عليه" (أمحد) وعن احلسن عن مسرة عن النيب (ص)
قال :على اليد ما أخذت حىت تؤديه" (ابن ماجة) وأما الدليل على مقاتلة الغاصب بالسيف ملنعه من
الغصب والسرتداد املغصوب ما رواه مسلم وأمحد عن أيب هريرة قال :جاء رجل اىل رسول اهلل (ص)
فقال :يا رسول اهلل أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مايل؟ قال فال تعطه مالك؟ قال :أرأيت إن قاتلين؟
قال :قاتله ،قال :أرأيت إن قتلين؟ قال :فأنت شهيد ،قال :أرأيت إن قتلته؟ قال :هو يف النار" (مسلم)
ويف رواي ة ":ي ا رس ول اهلل أرأيت إن ع دي على م ايل ،ق ال :فانش د باهلل ،ق ال ف إن أب وا علي ،ق ال:
فانشد باهلل ،قال :فإن أبوا علي؟ قال :فانشد باهلل .قال فإن أبوا علي ،قال :فقاتل ،فان قتلت ففي
اجلن ة ،وان قتلت ففي الن ار" (النس ائي) ففي ه ذا احلديث طلب ج ازم مبقاتل ة الغاص ب ،أي غاص ب،
بداللة قوله (ص) فإن قتلت ففي اجلنة ،وإن قتلت ففي النار ،وهي وإن صرفت عن الوجوب مبقاتلة
غاصب املال لوجود قرينة مانعة من الوجوب ،وهي أن ملالك املال أن يسامح الغاصب مباله ،إال اهنا
باقية على الوجوب مبقاتلة غاصب السلطة بقرينة مقاتلة الصحابة ليزيد".
وقال":هذا هو حكم الغاصب ،وهذه أدلته وه>ذا ه>و حكم من يأخ>ذ الس>لطة ب>القوة من غ>ير أن
تعطي>>ه إياه>>ا األم>>ة ،فك>>ل من يق>>دم على اغتص>>اب الس>>لطة وأخ>>ذها ب>>القوة من غ>>ير ان تعطي>>ه إياه>>ا
األم>>ة ،وه>>و الس>>لطان المتغلب ،إذا لم تبايع>>ه بالرض>>ا واالختي>>ار فحكم>>ه أن يقات>>ل بالس>>يف ،ح>>تى
يمنع من اغتصاب السلطة ،وحتى تسترد منه وتعاد لألمة".
واستش هد مبوق ف الص حابة من جرمية اغتص اب الس لطة ألول م رة يف االس الم ،تل ك اجلرمية ال يت
ارتكبها معاوية البنه يزيد ،وارتكبها يزيد حني تسلم احلكم بالفعل ..وأخذ السلطة والبيعة بالقوة.
وذل ك حني ث ار كب ار الص حابة على الس لطان املتغلب ،ومل يس كتوا علي ه ،ب ل ن ازعوه وق اوموه
8
وخلعوه كما فعل عبد اهلل بن الزبري واحلسني بن علي وأهل املدينة الذين مل يكتفوا باالنكار واالمتناع
عن البيعة ،كما حصل منهم جتاه معاوية ،بل شهروا بوجهه السيف وأعلنوا عليه القتال.
ولفت احلزب هن ا إىل موق ف الص حابة من معاوي ة ،حيث مل يق اتلوه على اغتص اب الس لطة ب ل اكتف وا باالنك ار
واملقاوم ة ،ألن معاوي ة ك ان حاكم ا وت وىل أخ ذ البيع ة ليزي د وه و ح اكم ،أي ارتكب ه ذا العم ل وه و ح اكم،
والحاكم مستثنى من عموم أدلة الغصب باألحاديث الواردة في طاعته ،مثل حديث حذيفة "تسمع وتطيع ،وإن
ضرب ظهرك وأخذ مالك فامسع وأطع" والح>>اكم ال يح>>ل قتال>>ه مهم>>ا عمل ،إال يف حالة واحدة ،إذا أظهر الكفر
البواح ،ألن هذه الحالة جاء بها النص ،وما عداها ال يجوز ،ألحاديث الطاعة والصبر على جور األئمة ،ولذلك
مل يقاتل ه الص حابة واكتف وا باالنك ار ب القول .أم>>ا ل>>و ارتكب ه >>ذه الفعل >ة> النك>>راء ولم يكن حاكم>>ا فان >>ه يقات >>ل
بالسيف أي السالح.
9
عن كون ه ص وابا أو خط أ ،أم ا م ا ع داها مما ي دخل حتت الش ورى فيتح رى فيه ا عن الص واب بغض
النظر عن األكثرية أو األقلية".
ويؤك د":أن جملس األم ة يتك ون من أش خاص ميثل ون املس لمني يف ال رأي ،ل ريجع إليهم اخلليف ة
الستشارهتم يف األمور ،وهم ينوبون عن األمة يف حماسبة احلكام ...وأن الشورى حق جلميع املسلمني
على اخلليفة ،فلهم عليه أن يرجع إليهم يف أمور الستشارهتم فيها...وكما أن للمسلمني حق الشورى
على اخلليفة ،فانه جيب عليهم حماسبة احلكام على أعماهلم وتصرفاهتم ،واهلل سبحانه وتعاىل فرض على
املسلمني حماسبة احلكام ،وأمرهم أمرا جازما مبحاسبتهم والتغيري عليهم إذا هضموا حقوق الرعية ،أو
قصروا بواجباهتم حتوها ،أو أمهلوا شأنا من شؤوهنا ،أو خالفوا أحكام اإلسالم ،أو حكموا بغري ما
أنزل اهلل".
وبناء على ذلك يرى حزب التحرير أن جملس األمة له الصالحيات التالية:
أ – استشارة اخلليفة له وإشارته على اخلليفة يف األعمال واألمور العملية املتعلقة برعاية الشؤون
يف السياسة الداخلية ،مما ال حتتاج إىل حبث فكري عميق ،وإنعام نظر
ب -حماسبة اخلليفة على مجيع األعمال اليت حتصل بالفعل يف الدولة...
ج -إظه ار ع دم الرض ا عن املع اونني وال والة والعم ال ،ويك ون رأي أكثري ة اجمللس يف ذل ك
ملزما ،وعلى اخلليفة عزهلم يف احلال..
د – انتخاب اخلليفة ،وذلك عرب حصر املرشحني للخالفة من الذين قررت حمكمة املظامل توفر
شروط االنعقاد فيهم .ويقول يف املادة 33من الدستور":إن طريقة نصب اخلليفة هي:
جيري األعضاء املسلمون يف جملس األمة حصر املرشحني هلذا املنصب وتعلن أمساؤهم مث أ-
يطلب من املسلمني انتخاب واحد منهم.
تعلن نتيجة االنتخاب ويعرف املسلمون من نال أكثر أصوات املنتخبني". ب-
– 9عزل الخليفة
وذلك فيما إذا تغريت حال اخلليفة تغريا خيرجه عن اخلالفة ،ويرى احلزب أن العزل يتم عرب حمكمة
املظامل ،اليت يعطيها وحدها احلق يف تقرير ما إذا كانت تغريت حال اخلليفة تغريا خيرجه عن اخلالفة أم
ال ،وبالتايل عزله أو إنذاره.
-10حرية األحزاب
10
ويؤكد حزب التحرير على "حق املسلمني يف إقامة أحزاب سياسية حملاسبة احلكام أو الوصول للحكم
عن طري ق األم ة على ش رط أن يك ون أساس ها العقي دة اإلس المية ،وأن تك ون األحك ام ال يت تتبناه ا
أحكاما شرعية ،وال حيتاج إنشاء احلزب ألي ترخيص".
ويقول":ملا كان احلاكم عرضة ألن جتافيه التقوى ،كان ال بد من وسيلة مادية جتربه على التنفيذ ،أو
تقصيه عن احلكم ،وتقيم مكانه احلاكم الذي يطبق اإلسالم وحيمل دعوته ،وهذه الوسيلة العملية هي
األمة .ولذلك كان من واجب األمة اإلسالمية إذا رأت حاكما جائرا مستحال حلرم اهلل ،ناكثا لعهد
اهلل ،خمالفا لسنة رسول اهلل ،عامال يف عباد اهلل باإلمث والعدوان أن تغري عليه بالقول أو الفعل أو تغريه.
وحتتاج األمة إىل تكتل صحيح على أساس اإلسالم.
وهذا التكتل هو احلزب املبدئي الذي يقوم على أساس اإلسالم.
وم ىت م ا ق ام احلزب وق اد األم ة ص ار ه و ال رقيب على الدول ة ،ألن ه األم ة أو ممث ل األم ة .وه و ال ذي
يقوده ا وجيعله ا تق وم بواجبه ا ،وه و مناقش ة الدول ة وحماس بتها ،والتغي ري عليه ا ب القول أو الفع ل ،أو
تغيريها إذا خيف على اإلسالم منها.
ويتعسر على األمة أن تناقش أو حتاسب الدولة دون أن يكون هلا حزب يتوىل مركز قيادة األمة جتاه
الدولة ،لوجود صعوبات مجة أمامها ،ال يذللها إال وجود قيادة موحدة تتمثل يف تكتل ،ال يف فرد أو
أفراد .ومن هنا كان لزاما أن يقوم يف األمة حزب سياسي مبدئي .وإذن فان الضمانة احلقيقية لتطبيق
اإلسالم ومحل دعوته وإحسان تطبيقه هي احلزب السياسي اإلسالمي".
11
استقالل الوالة ،وإمنا كانت دولة واحدة هلا خليفة واحد ،هو وحده صاحب الصالحية يف كل ناحية
من نواحي الدولة يف املركز ،ويف الواليات ،واملدن والقرى والدساكر على السواء".
وأكد األخ أمحد القصص ،املتحدث باسم احلزب يف لبنان ،يف رسالة خاصة تعقيبا على احلوار
بأن احلزب ال يعمل على إعادة اخلالفة بشكلها االستبدادي الذي حصل منذ بداية العهد األموي.
وإمنا يعمل على إعادة اخلالفة كما شرعها اإلسالم ،وكانت حياة الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف
املدينة تطبيقاً عملياً هلا والتزمها بعده اخللفاء الراشدون ،وهي ليست ظاهرة تارخيية ،وإمنا هي أحكام
شرعية دلت عليها األدلة الشرعية.
واشار إىل إدراك احلزب لواقع االستبداد بالسلطة واغتصاهبا منذ بداية العهد األموي وإدراك
خطورهتا الكبرية ،وعرض احللول والضمانات للحؤول دون عودهتا .وقال":إن خالفنا األساسي
معك ليس في تفاصيل نظام الحكم ،وإن كان هذا الخالف موجوداً .إنما الخالف الحقيقي في
منهج التفكير .فبينما يبحث احلزب يف األدلة الشرعية ليأخذ منها األحكام املتعلقة بنظام احلكم
وسائر أنظمة احلياة واجملتمع والدولة ،ترى أنت أن ال وجود لنظام سياسي يف اإلسالم ،وبالتايل
تبحث عن ذلك النظام لدى جتارب األمم األخرى ،وال سيما لدى الغربيني .وهذا متوقع منك حين
ترى أن ال ثقة بشيء من السنة المنقولة عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم ،وهو خالف آخر بيننا
وبينك ورد ذكره يف الندوة اليت عقدناها وإياك يف بريوت .وهو اخلالف األهم .وباحملصلة فإنك أخي
املسوقني للحضارة الغربية
الكرمي ال تعرض مشروعاً إسالمياً ،وإمنا انضممت من حيث ال تدري إىل ّ
تصر على تصدير كتابك بعنوان "حنو خالفة أو جوانب منها على األقل .وإنين ال أدري بعد ذلك مل ّ
دميقراطية"! فما دامت اخلالفة ظاهرة تارخيية ال نظاماً إسالمياً ،فلماذا تضعها عنواناً لكتابك؟!
أخي الكرمي ،إن اغتصاب السلطة واالستبداد هبا كانت من أهم عوامل تراجع الدولة اإلسالمية
واحنطاط األمة ،وقد حلظها احلزب ضمن إساءات تطبيق اإلسالم .إال أن عوامل االحنطاط يف األمة
أوسع بكثري من أن ختتصر يف هذا اجلانب .فاألمم تتخذ هويتها من ثقافتها وأفكارها وأنظمتها اليت
بتلمسك عوامل النهوض لألمة من املكونات فقد بدلت هويتها .وإنك ّ تطبقها ،فإن هي بدلت هذه ِّ
الغرب تكون قد طلبت الداء للشفاء عوضاً عن الدواء .فالدميقراطية كانت من مكونات هنوض
اجملتمع الغريب بوصفه جمتمعاً يقوم على عقيدة فصل الدين عن احلياة ،وبالتايل فإن كوهنا من عوامل
هنوض الغرب ال يعين البتة أن تكون من عوامل هنوض األمة اإلسالمية .ذلك أنه ال ميكن أن تتوافق
مع العقيدة اإلسالمية اليت تنبين عليها أفكارها وتنبثق منها أنظمة خاصة هبا .فأنت حني تقتبس نظاماً
ساهم يف هنوض جمتمع ذي هوية معينة ،إىل جمتمع يراد تكوينه هبويته اخلاصة املختلفة ،تكون كمن
ينقل دماً من جسد إىل جسد آخر مغاير له يف فئة الدم ،فيقتله بدل أن مي ّده بالقوة والعافية".
12
وأضاف ":إن ختصيص السنة للكتاب ال ينطبق عليه مدلول "اهليمنة" .إذ التخصيص هو من قبيل
التبيني الذي ذكره اهلل تعاىل يف كتابه العزيز بقوله[:وأنزلنا إليك الذكر لتبني للناس ما نزل إليهم
ولعلهم يتفكرون] وحنن نوافقك يف منع هيمنة السنة على القرآن ،ولذلك نرفض نسخ القرآن بالسنة.
إن وجوب طاعة احلاكم الظامل ال تعين ،فيما نتبناه ،أن تشاركه يف معصيته ،أو أن تنفذ املعصية اليت
أمر هبا .وإمنا يعين أن تبقى مطيعاً له يف سائر أوامره املوافقة للشرع .كما أن طاعته ال تعين السكوت
عن حماسبته وأمره وهنيه ،وإمنا يبقى ذلك واجباً ،وقد مساه الرسول صلى اهلل عليه وسلم جهاداً وصف
قتيله بسيد الشهداء .وبالتايل فإن ذلك ال يتعارض مع أمر اهلل تعاىل بالعدل.
قد ورد يف كتبنا أن لكل فرد من أفراد الرعية التظلم لدى حمكمة املظامل على اخلليفة إن رأى منه
ظلماً ،ويف هذه احلال فإن اخلليفة ال سلطان له على حمكمة املظامل.
وقد ورد أيضاً أن احلاكم إن بلغ يف ظلمه حد الفسق ،فإن حمكمة املظامل اليت ال سلطان له عليها يف
هذه احلال أيضاً ،حتكم بعزله.
إن القول بعدم طاعة احلاكم الظامل مطلقاً ،يؤدي إىل استمرار الفوضى والتمرد يف الدولة اإلسالمية،
ألن حتديد الظلم ليس أمراً ميسوراً لكل الناس ،وليس حمل اتفاق بني مجيعهم .وإن أخذنا بعني
االعتبار أن احلكام هم من البشر غري املعصومني ،فإنه يتوقع بني آونة وأخرى أن يقع منهم خطأ أو
ظلم .وختيل الواقع لو أننا أحتنا لكل فرد من الرعية إعالن التمرد والعصيان عند أول خطأ أو ظلم.
وما أعرفه أنك من الذين رفضوا "نظرية" وجوب أن يكون احلاكم "معصوماً" .وللمناسبة ،فإنه حىت
األنظمة الدميقراطية اليت تردد ذكرها يف كتاباتك ،ال تعطي الناس احلق بأن خيالفوا القوانني واملراسيم
والقرارات الرمسية أو احلق بالتمرد واخلروج بالسالح على احلاكم ،إن هو خالف القوانني أو ارتكب
ظلماً".
وتقبل حتيايت
أخوك أمحد القصص
ويف مقابل هذه النقاط اإلجيابية ،وجدت نقاطا أخرى يصر عليها حزب التحرير ،وأرى أهنا تشكل
نقاط ضعف سلبية ،وهي:
حتليل عوامل اهنيار الدولة اإلسالمية -1
دعوى استمرار اخلالفة عرب التاريخ -2
13
تضخيم دور اخلليفة مقابل األمة ،والرتكيز املبالغ فيه على مسألة اخلالفة -3
التشبث بالفكر االستبدادي القدمي -4
رفض التطور الدميوقراطي واعتباره شركا وكفرا -5
التناقض يف االلتزام بشروط البيعة -6
الدعوة للخنوع للحاكم الفاسق الظامل، -7
متسكه بأصول املذهب السين القاضية هبيمنة احلديث على القرآن الكرمي -8
اإلميان بالتوسع اجلغرايف بالقوة -9
14
ت اريخ رواته وأوص افهم وي بينون احلديث الص حيح من الض عيف من املك ذوب...ح ىت أص بح بإمك ان
املسلم إذا تتبع احلديث أن يعرف صحته من ضعفه من كذبه ،مبعرفة سنده ومتنه" .ويشري إىل تدهور
اللغ ة العربي ة وكي ف " أدى إىل وق ف االجته اد وص ار ال ميكن اس تنباط األحك ام ملن ال يع رف ه ذه
اللغ ة ،فانفص لت اللغ ة العربي ة عن اإلس الم ،واض طرب على الدول ة فهم األحك ام ،وب الطبع اض طرب
عليه ا تطبيق ه ،فك ان ل ذلك أث ر كب ري يف الدول ة أض عفها وأض عف فهم احلوادث املتج ددة ،مما جع ل
املشاكل اليت حتدث ال تعاجل أو تعاجل معاجلة غري صحيحة ،فجعل هذا أمام الدولة مشاكل ترتاكم إىل
أن سببت هلا اهلزال واالضمحالل.
أما بالنسبة النطباق اإلسالم على وقائع احلياة فقد عمدوا يف القرون األوىل إىل حماولة التوفيق بني
الفلسفة اهلندية واإلسالم ،وفسر الزهد يف الدنيا وطلب اآلخرة ،بالتقشف وتعذيب اجلسد ،فصرف
الكث ريين عن مب اهج احلي اة وعن خ وض غماره ا ...مث ك ان الغ زو الثق ايف من الغ رب لبالد املس لمني
حيمل حضارة تناقض حضارة اإلسالم ،ويوهم املسلمني أنه أخذها منهم ،ويأتيهم بأنظمة تناقض نظام
اإلسالم ،ويوهم املسلمني أهنا تتفق مع أحكام اإلسالم ،ويعطيهم قوانني تناقض األحكام الشرعية،
ويبني للمسلمني أهنا ال ختالف اإلسالم ،فأثر ذلك يف املسلمني تأثريا كبريا ،أدى إىل أن تتحكم فيهم
احلض ارة الغربي ة ،ف ريون احلي اة بأهنا املنفع ة ،وأدى إىل أن يأخ ذوا ببعض األنظم ة الغربي ة يف الدول ة
العثماني ة ،فيؤول وا الرب ا ويفتح وا املص ارف ،وأدى إىل أن يأخ ذوا الق وانني الغربي ة ،فيعطل وا احلدود
الشرعية ويأخذوا من الغرب قوانني العقوبات ،فكان هذا العمل طامة كربى على الدولة أبعدها عن
احلكم باإلس الم ،وان ك انت ق د ت ذرعت بالفت اوى يف ج واز ه ذه األعم ال ،فك ان بع دها ه ذا ق د
أضعف فيها حرارة اإلميان ،وبالطبع صارت تسري على غري هدى ،فأدى ذلك إىل الضعف واالحنالل.
هذا من ناحية الفهم ،أما من ناحية التطبيق فقد تظافرت عدة عوامل أدت إىل إساءة التطبيق ،منها أن
األح زاب السياس ية ال يت ك انت ت رى أن رأيه ا ه و ال ذي جيب أن ينف ذ فق د اختذت األعم ال احلربي ة
طريقة للوصول إىل احلكم لتطبق رأيها ،ومل تتخذ األمة طريقة لذلك ،فقام العباسيون واستولوا على
ف ارس والع راق واختذوها نقط ة ارتك از لينتقل وا منه ا ح ىت اس تولوا على الدول ة ليك ون احلكم يف ب ين
هاشم ،مث كان الفاطميون الذين اختذوا مصر ،وأقاموا فيها دولة ليتخذوا منها نقطة ارتكاز ينتقلون
منه ا ليس تولوا على الدول ة اإلس المية ليك ون احلكم قائم ا على األفك ار اإلمساعيلية املخالف ة للش رع،
فأوجدوا يف احلالة األوىل صدمة أوقفت الفتوحات عند حد ،وشغلت الدولة بالداخل ،وأوجدوا يف
احلال ة الثاني ة ص راعا بني دول تني مما جع ل املس لمني يعيش ون يف دول تني يف حني أن ه ال جيوز أن يك ون
للمسلمني أكثر من دولة واحدة ،فكان لذلك أثر يف إضعاف الدولة ،ويف وقوفها عن الفتح وعن محل
الدعوة .إال أن الذي أدى إىل اختاذ األحزاب السياسية هذه الطريقة هو ما حصل من اخللفاء األمويني
من اتباع طريقة العهد للخليفة مث البيعة له ،مما مل جيعل األمل موجودا يف انتظار البيعة واالعتماد عليها
15
يف الوصول إىل احلكم ،فقد عهد معاوية إىل ابنه يزيد وأخذ البيعة له ،مث صار كل خليفة يعهد إىل من
بعده ،مث يبايعه الناس ،وهذا وجه املسلمني ملبايعة من يعهد إليه باخلالفة ،وقلما يبايعون شخصا آخر
فحملت هذه الطريقة األحزاب السياسية ألن تتخذ القوة طريقة للوصول إىل احلكم .ومع أن العهد
طريقة اختذها أبو بكر يف عهده إىل عمر ،إال أن إساءة تطبيقها أدى إىل هذه النتائج ،فأبو بكر أخذ
رأي املس لمني فيمن يك ون خليف ة بع ده ،وظه ر من املذاكرة أن املرش حني للخالف ة حمص ورون بعلي
وعمر ،مث كان العهد لعمر فانتخب ،وبعد وفاة أيب بكر حصلت البيعة لعمر ،وهذا أمر شرعي ،غري
أن اخللفاء الذين عهدوا فيما بعد لغريهم قد أساءوا تطبيق هذه الطريقة ،فجعلوا العهد ألبنائهم أو
إخواهنم أو من أسرهتم ،وجعلوه ألكثر من واحد يف بعض األحيان ،فكانت إساءة التطبيق هذه سببا
يف حرم ان املس لمني من بيع ة من يري دون ،ف أدى إىل ض عف الدول ة ،غ ري أن ه ذا مل ي ؤثر ي وم ك انت
الدولة قوية ،ولكنه ظهر أثره فيما بعد حني ضعفت الدولة".
على أن األم ر يف الدول ة مل يقتص ر على أم ر بيع ة اخلليف ة ،ب ل تع دى ذل ك إىل ال والة ،ف ان س كوت
الدول ة العباس ية على عب د ال رمحن ال داخل يف األن دلس وتركه ا ل ه يس تقل فيه ا ،قط ع من الدول ة
اإلسالمية جزءا يدار إدارة منفردة من قبل والة أطلقوا على أنفسهم فيما بعد اسم أمري املؤمنني ،وانه
وان كانت األندلس مل تنفصل عن جسن الدولة ومل ينفصل املسلمون فيها عن باقي املسلمني ،وظلوا
جزءا من األمة اإلسالمية ولكنها مع ذلك كانت منفصلة اإلدارة ،فادى ذلك إىل تسرب الضعف هلا
مما س هل اس تيالء الكف ار عليه ا وأخ ذهم هلا والدول ة اإلس المية يف عنف وان جمدها وأوج قوهتا ،ومل
تستطع أن تدفع عنها عادية األعداء لالحنالل الذي كان يف كيان األندلس .هذا يف املغرب ،أما يف
املشرق فإن إعطاء الوالية العامة للوالة ،وجعل الصالحيات الواسعة هلم حرك فيها أحاسيس السيادة
وأطمعهم ،فاستقلوا باإلدارة الداخلية ،ورضي اخلليفة منهم ذلك ،واكتفى بالدعوة له على املنابر ،ويف
ص دور ب راءة التع يني من ه ،ويف ض رب النق د بامسه ،وإرس ال اخلراج ل ه فك انت الوالي ات يف اس تقالهلا
الداخلي تشبه الدويالت ،كما كان احلال مع السلجوقيني واحلمدانيني وغريهم ،وهذا أيضا كان من
أسباب الضعف..
وتتخلص عوام ل ض عف الدول ة ال يت س ببت ذهاهبا يف ع املني اث نني :ض عف فهم اإلس الم ،وإس اءة
تطبيقه ،ولذلك فان الذي يعيد دولة اإلسالم هو فهم اإلسالم فهما صحيحا ،والذين حيفظ قوة الدولة
هو استمرارها على الفهم الصحيح لإلسالم ،وإحساهنا تطبيقه يف الداخل ومحل دعوته إىل اخلارج".
ويالحظ هنا أن حزب التحرير بالرغم من مالمسته لعامل الصراع على السلطة ،إال أنه مل يتحدث
بصراحة عن موضوع اغتصاب السلطة بالقوة واحملافظة عليها يف العائلة اخلاصة ،وتوريثها لإلخوان
واألبناء ،وع زى سقوط الدولة اإلسالمية إىل س وء فهم اإلسالم وع دم تطبيقه بص ورة سليمة ،بينم ا
كان ينبغي التوقف عند عامل االستبداد طويال ،وإعادة بقية الظواهر اليت اعرتت اجملتمع اإلسالمي
16
إليه ،وذلك ألن االحنطاط والتخلف مل يبدأ يف جسد الدولة اإلسالمية من القرن اخلامس ،وإمنا بدأ يف
عه د الص حابة ال ذين انغمس وا يف الفتن ة ،لغي اب الدس تور ال دميوقراطي الص حيح ل ديهم يف معاجلة
األزمات السياسية مثل األزمة اليت عصفت يف عهد عثمان الذي طالبه الصحابة واملسلمون باالستقالة
فرفض مما أدى إىل مقتله ،مث اختالف الصحابة فيما بينهم حول اخلليفة اجلديد وكيفية انتخابه.
وب دال من اع رتاف ح زب التحري ر باألزم ة الدس تورية يف الفتن ة الك ربى ،وم ا تاله ا من ح روب
كحرب اجلمل وصفني والنهروان ،ومقتل احلسني يف كربالء ،وواقعة احلرة ،وقصف الكعبة املشرفة
باملنجنيق ،وسلسلة احلروب الدموية والثورات اليت تفجرت يف العهد األموي والعباسي ،فان حزب
التحري ر يقف ز إىل الق رن اخلامس اهلج ري ليتح دث عن الض عف الفك ري ،فيق ول":لق د ب دأ الض عف
الفك ري يف الدول ة اإلس المية من ذ الق رن اخلامس اهلج ري حني ق ام بعض العلم اء ين ادون بس د ب اب
االجتهاد ،وكان ذلك نذير ضعف الدولة ،ومع أنه وجد بعد ذلك جمتهدون ،غري أن الضعف الفكري
أخذ يستفحل ،فأثر ذلك يف كيان الدولة ،حىت تسرب التفكك إليه ،واستوىل عليه الوهن".
مث ينتق ل إىل حتلي ل النهض ة األوربي ة يف الق رون األخ رية ،فيع رتف ب دور العام ل ال دميوقراطي ال ذي
ساهم يف استقرار الدول األوربية ووفر مناخا خصبا لتقدم العلوم وحركة املال ،فيقول":بدأت اليقظة
يف أورب ا ،وب دأت تظه ر نتائجه ا وب دأت تظه ر على املس لمني نت ائج اجلم ود الفك ري وس وء التط بيق
لإلس الم ،وذل ك أن الق رن التاس ع عش ر ش اهد انقالب ا خط ريا يف األفك ار األوربي ة على أث ر اجمله ود
العظيم ال ذي بذل ه الفالس فة والكت اب واملفك رون ،والتغي ري الش امل ال ذي ط رأ على الفك ر األوريب
إلحياء الشعوب ،فنشأت احلركات املتعددة اليت كان هلا أثر يف إحداث آراء جديدة يف وجهة النظر
يف احلياة ،وكان من أهم ما وقع تعديل األنظمة السياسية والتشريعية ومجيع أنظمة احلياة ،فقد زال
شبح امللكية املستبدة تدرجييا يف أوربا ،وحلت حملها أنظمة حكومية جديدة قائمة على احلكم النيايب
وسيادة األمة ،فكان هلذا أثر كبري يف توجيه النهضة األوربية ،كما كان االنقالب الصناعي الذي ظهر
يف هذا القرن يف أوربا األثر الفعال .كما ظهرت االخرتاعات املتعددة .فكان لذلك يف جمموعه األثر
الفعال يف تقوية أوربا ويف تقدمها الفكري واملادي ،وكان من جراء هذه القوى املادية والتقدم العلمي
أن رجحت كفة العامل األوريب على العامل اإلسالمي يف املوقف الدويل رجحانا عظيما".
ويض يف":وك ان س بب ه ذا االنقالب السياس ي يف حال ة أورب ا حماول ة املفك رين فيه ا الوص ول إىل
نظام للحياة .وقد كان اختاذهم وجهة نظر معينة يف احلياة واعتناقهم عقيدة معينة ،وبناء النظام على
أساسها ،هو الذي قلب مفاهيم األشياء عندهم وقلب مراتب القيم لديهم ،مما أدى إىل االنقالب العام
يف احلي اة ،ومما س اعد على وج ود االنقالب الص ناعي العظيم .خبالف احلال يف الع امل اإلس المي أو يف
الدولة العثمانية اليت كانت تتزعمه ،فإهنا بدل أن تنظر ألوضاعها النظرة الصحيحة ...أصبتها حرية
وقل ق ووقفت جام دة..ألن األفك ار اإلس المية مل تكن واض حة ل ديها ،فلم تكن هلا مف اهيم حمددة،
17
وع دم متي يزهم بني العلم والص ناعات واالخرتاع ات مما حيثهم اإلس الم على أخ ذها ،وبني الفلس فة
واحلضارة والفكر مما مينعهم اإلسالم من أخذها" .ويضرب لذلك مثال ،فيقول":حني ظهرت املطابع
وعزمت الدولة على طبع القرآن الكرمي حرم الفقهاء حينئذ طبعه ،وصاروا يفتون بتحرمي كل جديد،
وتكفري كل من يتعلم العلوم الطبيعية واهتام كل مفكر بالزندقة واإلحلاد".
ورغم أن ح زب التحري ر يق ول ":إن مجه رة الن اس ك انت حتم ل فك رة حماول ة التوفي ق بني اإلس الم
والثقاف ة والعل وم واحلض ارة واملدني ة ال يت حيمله ا الغ رب" .إال أن ه ي دين تل ك احملاول ة ويعزوه ا إىل
االستعمار ،ويقول ":إن الغرب جنح يف نشر هذه الفكرة حىت سادت ومحلتها مجهرة الناس وال سيما
املتعلمني ،وكث ري منهم من الفقه اء والعلم اء ،وك انوا يس موهنم علم اء عص ريني ،وأطل ق عليهم أهنم
مص لحون ،ونظ را للتن اقض احلقيقي بني احلض ارة الغربي ة واحلض ارة اإلس المية وللتب اين الواض ح بني
الثقافة الغربية وما تتضمنه من معان تتعلق بوجهة النظر يف احلياة ،وبني الثقافة اإلسالمية وما تتضمنه
من معان تتعلق بطريقة احلياة ،نظرا هلذا التن اقض مل ميكن التوفيق بني ما يف اإلسالم وما يف األفكار
الغربية ،فأدى ذلك إىل بعد هؤالء عن اإلسالم ،وقرهبم من األفكار الغربية بشكل مشوش ،فعجزوا
عن فهم أفكار الغرب وابتعدوا عن اإلسالم".
ومن الواضح أن حزب التحرير يقصد الدميوقراطية اليت حاول بعض اإلصالحيني تطبيقها يف الدولة
العثمانية ففشلوا ،ورمبا يعزو إليها سبب اهنيار الدولة العثمانية ،دون أن يتحدث عن االستبداد الذي
كان يضرب بأطنابه يف ربوع الدولة ،والذي أدى إىل ضعفها ومتزقها واهنيارها فيما بعد.
وعن دما يعج ز ح زب التحري ر عن مالحظ ة دور االس تبداد يف ض عف واهني ار ال دول اإلس المية ع رب
الت اريخ ،ويرك ز على العام ل الفك ري والثق ايف ،فان ه س وف يعج ز ب الطبع عن تق دمي احلل ول الناجع ة
لألزم ة الك ربى ال يت يعيش ها املس لمون الي وم ،وب دال من التفك ري بالدميوقراطي ة كح ل لبن اء الدول ة
اإلسالمية والقضاء على أزمة الصراع السياسي املسلح املزمنة ،فان حزب التحرير سوف يقدم الداء
كدواء للشفاء من مرض التخلف واالحنطاط ،ويقرتح العودة لنظام اخلالفة االستبدادي الذي نشأ يف
التاريخ على أساس أنه ميث ل الص ورة احلقيقية للنظ ام السياسي يف اإلسالم ،أو خش بة اخلالص اليت ال
ميكن النجاة والنهوض بدوهنا يف املستقبل.
نظام الخالفة
يقول حزب التحرير":ان ش كل احلكم يف اإلسالم شكل فريد متميز خيتلف عن مجيع أنظمة احلكم
املوجودة يف العامل ،فال يسمح مبفهوم (الدميوقراطية) أن يُتبىن يف الدولة ،ألنه غري منبثق عن العقيدة
اإلس المية ،فض ال عن خمالفت ه للمف اهيم املنبثق ة عنه ا" .ويض يف":ش كل احلكم يف اإلس الم ليس
18
ملكي ا ...وك ذلك ليس ه و نظام ا مجهوري ا .فالنظ ام اجلمه وري يق وم يف أساس ه على النظ ام
الدميوقراطي ،الذي تكون السيادة فيه للشعب ،فالشعب فيه هو الذي ميلك حق احلكم وحق التشريع
فيمل ك ح ق اإلتي ان باحلاكم ،وح ق عزل ه ،وميل ك ح ق تش ريع الدس تور والق وانني ،وح ق إلغائهم ا
وتب ديلهما وتع ديلهما .بينم ا يق وم نظ ام احلكم اإلس المي يف أساس ه على العقي دة اإلس المية ،وعلى
األحك ام الش رعية .والس يادة في ه للش رع ال لألم ة ،وال متل ك األم ة في ه وال اخلليف ة ح ق التش ريع،
فاملشرع هو اهلل سبحانه ،وإمنا ميلك اخلليفة أن يتبىن أحكاما للدستور والقانون من كتاب اهلل وسنة
رس وله .كم ا ال متل ك األم ة في ه ح ق ع زل اخلليف ة ،وال ذي يعزل ه ه و الش رع ،لكن األم ة متل ك ح ق
تنصيبه ،ألن اإلسالم قد جعل السلطان واحلكم هلا ،فتنيب عنها من ختتاره وتبايعه".
ويشرح حزب التحرير مفهومه لنظام اخلالفة الفريد بالقول ":إن نظام اخلالفة ال يوجد فيه وزراء،
وال جملس وزراء م ع اخلليف ة ب املعىن (ال دميوقراطي) هلم اختصاص ات وص الحيات ،وإمنا في ه مع اونون
وهم وزراء يعينهم اخلليف ة ليع اونوه يف حتم ل أعب اء اخلالف ة ،والقي ام مبس ئولياهتا .وهم وزراء تف ويض
ووزراء تنفي ذ ،وحني يرتأس هم اخلليف ة يرتأس هم بوص فه رئيس ا للدول ة ،ال بوص فه رئيس ا لل وزراء ،أو
رئيسا للهيئة التنفيذية ،ألنه ال يوجد معه جملس للوزراء له صالحيات ،فالصالحيات كلها للخليفة،
واملع اونون إمنا هم مع اونون ل ه يف تنفي ذ ص الحياته .ه ذا فض ال عن أن النظ ام اجلمه وري بش كليه
الرئاسي والربملاين يكون فيه رئيس اجلمهورية مسئوال أمام الشعب ،وأمام ممثليه ،وميلك فيه الشعب
وممثلوه حق عزله ،ألن السيادة فيه للشعب ،وهذا خبالف إمارة املؤمنني ،فإن أمري املؤمنني ،وإن كان
مسؤوال أمام األمة وأمام ممثليها ،وحياسب من األمة وممثليها ،إال أن األمة ال متلك حق عزله ،وبالتايل
فإن ممثليها ال ميلكون حق عزله ،وال يعزل إال إذا خالف الشرع خمالفة تستوجب عزله ،والذي يقرر
ذلك إمنا هو حمكمة املظامل.
والنظ ام اجلمه وري س واء أك ان رئاس يا ،أم برملاني ا ،ف إن الرئاس ة في ه حمددة ب زمن معني ال تتع داه.
بينما نظام اخلالفة ال حيدد فيه للخليفة زمن معني ،وإمنا حتديده بتنفيذ الشرع ،فما دام اخلليفة قائما
بالشرع مطلقا على الناس يف حكمه أحكام اإلسالم املأخوذة من كتاب اهلل وسنة رسوله فإنه يبقى
خليفة مهما طالت مدة خالفته..وعلى ذلك فال جيوز مطلقا أن يقال إن نظام اإلسالم نظام مجهوري،
أو أن يقال :اجلمهورية اإلسالمية ،لوجود التناقض الكبري بني النظامني يف األساس الذي يقوم عليه
كل منهما ،ولوجود اخلالف بينهما يف الشكل والتفاصيل...واحلاصل أن نظام احلكم يف اإلسالم نظام
خالفة".
ويرفض حزب التحرير استعمال حىت كلمة "وزير" باملعىن الذي يريده الناس اليوم ،ألنه اصطالح
غريب ،ويراد به عمل حكم معني ،وهو مل يعرفه املسلون وخيالف نظام احلكم يف اإلسالم ،ألن املعاون
19
الذي مساه الرسول وزيرا ال خيتص بعمل معني ،بل هو معاون يفوض إليه اخلليفة القيام جبميع األعمال
تفويضا عاما ،وال يصح اختصاصه بعمل معني.
ويق وم ح زب التحري ر بش رح تص وره لنظ ام اخلالف ة ،فيق ول":تق وم الدول ة على مثاني ة أجه زة وهي
اخلليفة ،ومعاون التفويض ،ومعاون التنفيذ ،وأمري اجلهاد ،والوالة والقضاة ،ومصاحل الدولة ،وجملس
األم ة ،ف إذا اس تكملت الدول ة ه ذه األجه زة الثماني ة اس تكمل جهازه ا ،وإذا نقص واح د منه ا نقص
جهازه ا ،ولكنه ا تبقى دول ة إس المية وال يض رها نقص ش يء من اجله از م ا مل يكن اخلليف ة ،ألن ه
األساس يف الدولة.
أم ا قواع د احلكم يف الدول ة اإلس المية فهي أرب ع قواع د :نص ب خليف ة واح د ،وأن يك ون الس لطان
لألمة ،وأن تكون السيادة للشرع ،وأن يتوىل اخلليفة وحده تبين األحكام الشرعية أي جعلها قوانني،
فإذا نقصت قاع دة واح دة من ه ذه القواع د ك ان احلكم غ ري إس المي ،بل ال ب د من اس تكمال ه ذه
القواعد األربع مجيعها .واألساس يف الدولة اإلسالمية هو اخلليفة ،وما عداه نائب عنه أو مستشار له،
فالدول ة اإلس المية هي خليف ة يطب ق اإلس الم ،واخلالف ة أو اإلمام ة هي اس تحقاق تص رف ع ام على
املسلمني ،و هي ليست من العقائد بل هي من األحكام الشرعية ،إذ هي من الفروع املتعلقة بأفعال
العباد".
وبالرغم من تبين حزب التحرير ملقولة نيابة اخلليفة عن األمة يف احلكم والسلطان ،إال أنه يعطي اخلليفة
ص الحيات كب رية ج دا جتع ل من ه ديكت اتورا باس م اإلس الم ،حيث يعطيه وح ده ح ق التش ريع باس م
"حق تبين اخلليفة لألحكام" ويقول":للسلطان أن حيدث من األقضية بقدر ما حيدث من مشكالت".
ويؤك د يف مش روع الدس تور ،املادة ":3يتب ىن اخلليف ة أحكام ا ش رعية معين ة يس نها دس تورا وق وانني،
وإذا تب ىن حكم ا ش رعيا يف ذل ك ،ص ار ه ذا احلكم وح ده ه و احلكم الش رعي ال واجب العم ل ب ه،
واصبح حينئذ قانونا نافذا وجبت طاعته على كل فرد من الرعية ظاهرا وباطنا".
كم ا يعطي ح زب التحري ر "اخلليف ة" س لطة اهليمن ة على القض اء ،فيق ول يف املادة 80من الدس تور:
"لرئيس الدولة أن يعني عددا من قضاة املظامل حسب ما حيتاج رفع املظامل مهما بلغ عددهم" .وهو
الذي يعني ويزل قاضي القضاة ،والقضاة ،باستثناء قاضي املظامل فهو يعينه ،وأما عزله فعليه قيود.
وحيدد صالحيات اخلليفة التنفيذية مبا يلي:
20
أ -قي ادة اجليش ،وح ق إعالن احلرب ،وعق د الصلح واهلدنة ،وس ائر املعاه دات .وتع يني قواد
اجليش ورؤساء أركانه وأمراء ألويته ،وهم مجيعا مسؤولون أمامه ،وليسوا مسؤولني أمام جملس
األمة.
ب -رسم سياسة الدولة الداخلية واخلارجية معا ،واملسؤولية عنها.
قبول السفراء األجانب ورفضهم ،وتعيني السفراء املسلمني وعزهلم. ج-
د -تعيني وعزل املعاونني (الوزراء) والوالة ،وهم مجيعا مسؤولون أمامه ،كما أهنم مسؤولون
أمام جملس األمة.
هـ -تعيني وعزل مديري الدوائر.
و -تبىن األحكام الشرعية اليت توضع مبوجبها ميزانية الدولة ،وتقرير فصول امليزانية ،واملبالغ
اليت تلزم لكل جهة ،سواء أكان ذلك متعلقا بالواردات أم النفقات.
ز – اهليمنة على اإلعالم ،ويف هذا يقول ":إن اإلعالم من األمور املهمة للدعوة والدولة ،فهو
ليس مصلحة من مصاحل الناس تتبع إدارة مصاحل الناس ،بل ان موقعها مباشرة مع اخلليفة كجهاز
مستقل ،شأنه شأن أي جهاز آخر من أجهزة الدولة...ان كثريا من أمور اإلعالم مرتبط بالدولة
ارتباطا وثيقا ،وال جيوز نشره دون أمر اخلليفة .ويتضح ذلك يف كل ما يتعلق باألمور العسكرية،
وم ا يلح ق هبا كتحرك ات اجلي وش ،أو أخب ار النص ر أو اهلزمية ،والص ناعات العس كرية ،وه ذا
الضرب من األخبار جيب ربطه باإلمام مباشرة ليقرر ما جيب كتمانه وما جيب إعالنه".
وذلك بناء على جتربة اخللفاء السابقني ،وفتاوى بعض الفقهاء الذين كانوا يركزون مجيع السلطات
التشريعية والقضائية والتنفيذية بيد اخللفاء ،دون أن يكون لذلك أي مستند من القرآن الكرمي أو السنة
النبوية .ويرفض حزب التحرير أي تطور دميوقراطي يف هذا اجملال باجتاه تقسيم السلطة ،أو احلد من
سلطات اخلليفة الواسعة.
وإضافة إىل ذلك يرفض احلزب أي حتديد يف مدة حكم اخلليفة ،كما تذهب األنظمة الدميوقراطية،
ويقول":ليس للخليفة مدة حمدودة ،فما دام اخلليفة حمافظا على الشرع منفذا ألحكامه ،قادرا على
القيام بشؤون الدولة ،يبقى خليفة ما مل يتغري حاله تغريا خيرجه عن كونه خليفة ،فإذا تغريت حاله
هذا التغري وجب عزله يف احلال" .ويستند حزب التحرير يف ذلك على بعض األحاديث ،فيقول ":إن
نص البيع ة ال واردة يف األح اديث ج اء مطلق ا ،ومل يقي د مبدة معين ة ،ملا روي البخ اري عن أنس بن
مالك عن النيب (ص) قوله":امسعوا وأطيعوا ،وان استعمل عليكم عبد حبشي ،كأن رأسه زبيبة".
21
ويقع حزب التحرير يف تناقضات كبرية وهو حياول أن يرسم مالمح النظام السياسي "اإلسالمي"
أي "اخلالفة" .وذلك العتماده على تراث الفقهاء الدستوريني السنة السابقني وجتارب أنظمة اخلالفة
التارخيية .وبالرغم من تأثره بالفكر الدميوقراطي احلديث بقوله بانعقاد البيعة على أساس األكثرية ،إال
أن حزب التحرير يعود فيتخلى عن مبدأ األكثرية بتبين شرط غامض هو استيفاء شروط اخلالفة ،اليت
قد خيتلف حوهلا الناس فريى فريق منهم حتققها يف شخص معني ،بينما يرى فريق آخر عدم حتققها يف
ه ذا وحتققه ا يف ش خص آخ ر ،وه ذا م ا يس بب التن احر واالختالف ،فيك ون اعتم اد األكثري ة حال
للخالف ،ولكن حزب التحرير يرتدد بني األمرين ،فيقول":ان اجتمع عدة ممن توفرت فيهم صفات
اخلليفة فاخلليفة من انعقدت له البيعة من األكثر ،واملخالف باغ .هذا ان اجتمعوا يف الوجود ال يف
عقد الوالية لكل منهم ،أما ان انعقدت الوالية لواحد مستوف شروط اخلالفة مث بايع األكثر غريه،
ف األول ه و اخلليف ة والث اين جيب رده" .ومل يوض ح ح زب التحري ر من حيدد اس تيفاء األول لش روط
اخلالفة ،ومن ال حيق له حتديد ذلك.
وما يزيد األمر غموضا هو فشل حزب التحرير يف االلتزام بشروط اخلالفة واعتبار اخلليفة مستوفيا
هلا ،ف احلزب من ناحي ة يش رتط "أن يك ون اخلليف ة ع دال عن د انتخاب ه ،فال يص ح أن يك ون فاس قا.
ويؤكد أن العدالة شرط الزم النعقاد اخلالفة والستمرارها .ألن اهلل تعاىل اشرتط يف الشاهد أن يكون
عدال" .ويدعو إىل قتال احلاكم إذا أظهر الكفر البواح ،ويفسر ذلك بـ" إقامة أحكام الشرع كلها ،ال
إقام ة الص الة وح دها ،وه ذا من قبي ل اجملاز ،من إطالق اجلزء وإرادة الك ل" .وه و من ناحي ة أخ رى
يطالب املسلمني بطاعة اخلليفة وان كان ظاملا فاسقا ،ويقول ":الطاعة فرض على املسلمني للحاكم
املسلم الذي يطبق أحكام اإلسالم يف حكمه ،ولو ظلم ،ولو أكل احلقوق ،ما مل يأمر مبعصية ،وما مل
يظهر الكفر البواح .وقد جاءت الطاعة مطلقة غري مقيدة ال حباكم معني ،وال بأمور معينة ،فيكون
الواجب طاعة أي حاكم من املسلمني ،ولو كان ظاملا ،ولو كان فاسقا ،ولو كان يأكل أموال الناس
بالباطل ،فان طاعته واجبة ،ألن األدلة مطلقة غري مقيدة ،فتبقى على إطالقها" .ويستدل على ذلك
بأحاديث تدل على وجوب طاعة احلاكم ولو ظلم ،ولو كان فاجرا ،ويقول":هذه أحاديث صرحية يف
وجوب طاعة احلاكم مهما عمل ...فال حتل معصية احلاكم مهما فعل ،وحيرم اخلروج عليه ،ومقاتلته
مهم ا حص ل من ه .روى البخ اري عن عب د اهلل بن عم ر أن رس ول اهلل (ص) ق ال ":من محل علين ا
الس الح فليس من ا" وال حيل أن ين ازع يف الوالي ة مهم ا ك ان ،إال م ا ج اء ب ه نص وه و ظه ور الكف ر
الب واح .وق د ورد النهي ص رحيا عن مق اتلتهم ،ول و فعل وا املنك ر ...فه ذه كله ا نص يف النهي عن
22
اخلروج على احلاكم ،والنهي عن مقاتلت ه والنهي عن منازعت ه يف واليت ه ،إىل ج انب تل ك األح اديث
اليت تدل على وجوب طاعته مهما كان جائرا ،ومرتكبا للمنكرات ،وكلها حتث على طاعة احلاكم
طاعة مطلقة ،وإذا وردت آيات وأحاديث عامة يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر ،وإزالته باليد،
فإن هذه األحاديث ختصصها وتستثين منها احلاكم ،لذلك كانت طاعة املسلمني للحاكم مطلقة غري
مقيدة بقيد إال ما استثين .وقد استثين من وجوب طاعة احلاكم شيء واحد ،وهو األمر باملعصية ،فإذا
أمر احلاكم مبعصية فال طاعة له فيها ،ألن ذلك قد جاء استثناؤه بالنص ...فهذا دليل على أن املراد
باألمر باملعصية ليس فعلها ،بل األمر هبا فقط ،أما لو رأيته يفعلها فال حيل لك عدم طاعته ،أما إن
أمرك أن تعصي اهلل فال تطعه ،إذ ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق .هذه هي احلالة الوحيدة املستثناة
من الطاعة ،أال وهي األمر باملعصية ،على أن املراد املعصية اليت ال توجد شبهة أهنا معصية ،كأن أمرك
بالربا مثال ،أما لو أمر بشيء يراه حالال ،وأنت تراه حراما فتجب طاعته ،وال يعترب هذا أمرا مبعصية".
إذن فم ا مع ىن اش رتاط العدال ة للخليف ة انعق ادا ودوام ا؟ وإذا مل يس قط عن احلكم ب الظلم والفس ق
واجلور والفجور فمىت يسقط؟ وهل يصح إطالق اسم خليفة عليه؟ وإذا كان اخلليفة ينتهك أحكام
الش ريعة وخيالف عق د البيع ة م ع األم ة فب أي ح ق يس تمر يف الس لطة؟ وه ل ميكن الس يطرة على ردود
فعل اجلماهري املؤمنة واملظلومة وضمان عدم قيامها بالثورة ضد اخلليفة؟ وماذا لو حدث ذلك؟ هل
نعطي اخلليفة الظامل الفاسق احلق بسحق املعارضة وإراقة الدماء؟
ولست أدري كيف مل ينتبه حزب التحرير إىل هذا التن اقض الكب ري ال ذي وقع به ،تقلي دا لفقه اء
السالطني السابقني ،واعتمادا على أحاديث مزورة أو ضعيفة ،مما ينسف مشروع اخلالفة الذي يدعو
إليه ويعمل من أجله ،من اجلذور؟ ورمبا كان ذلك بسبب عدم قيام حزب التحرير بتحليل عوامل
سقوط الدولة اإلسالمية ،والتعرف على أمهها وهي الديكتاتورية والطغيان ،مما مسح له بإعادة تكرار
التجربة مرة أخرى ،والتمهيد لسقوطها لو قامت يف املستقبل.
ويف ه ذا الس ياق أيض ا وق ع ح زب التحري ر يف تن اقض آخ ر كب ري ،بني إعط اء اخلليف ة الص الحيات
املطلق ة والواس عة ،وبني قبول ه بتف ويض اخلليف ة لس لطاته كامل ة إىل الس الطني ،وذل ك إق رارا حلاالت
سلبية شاذة سقط فيها اخللفاء العباسيون حتت سيطرة السالطني والوزراء الفرس واألتراك والبويهيني
والسالجقة واملماليك الذين كانوا يهيمنون على السلطة بالقوة ،ويفرضون على اخلليفة أن "يفوضهم"
كل ص الحياته ،يف مقاب ل اإلبقاء عليه كرمز فارغ للخالف ة يكتفي من اخلالفة بذكر امسه يف خطب
اجلمعة فقط .ويقول":إذا استوزر اخلليفة شخصا ليكون معاونا له يف شؤون احلكم يفوض إليه تدبري
األمور تفويضا عاما نيابة عنه ،وهبذا التفويض يصري الشخص املفوض وزيرا ومعاون تفويض للخليفة،
وتك ون ص الحياته كص الحيات اخلليف ة ،إال ان ه ال ميل ك ه ذه الص الحية ذاتي ا كاخلليف ة ،ب ل بإس ناد
23
الوزارة إليه من اخلليفة نيابة عنه ،فإذا قال اخلليفة :عينت فالنا وزيرا مفوضا يل أو معاونا مفوضا يل،
أو قال :نب عين فيما إيل أو ما شاكل ذلك صارت له مجيع صالحيات اخلالفة نيابة عنه ،وقد مساها
املاوردي يف األحك ام الس لطانية (وزارة التف ويض) وعرفه ا هبذا املع ىن ،فق ال( :فأم ا وزارة التف ويض
فهي أن يستوزر اإلمام من يفوض إليه تدبري األمور برأيه وإمضائها على اجتهاده).
هذا هو واقع معاون التفويض .فهو معاون اخلليفة يف مجيع أعمال اخلالفة ،وله صالحية أن يقوم بكل
عمل من أعمال اخلالفة .سواء فوضه اخلليفة به أم مل يفوضه ،ألنه قد فوض تفويضا عاما ،إال انه ال
بد من أن يطالع اخلليفة بكل عمل يقوم به ألنه معاون خليفة وليس خليفة ،فال يستقل وحده ،بل
يطالع اخلليفة بكل عمل صغريا كان أو كبريا ،ألن تدبري أمور احلكم موكول إىل اخلليفة.
وهذا الواقع للمعاون أو الوزير شرعا خيتلف اختالفا تاما عن واقع الوزارة يف النظام (الدميوقراطي) .إذ
ال وزارة يف النظ ام (ال دميوقراطي) هي احلكوم ة ،وهي جمموع ة أف راد تق وم بوص فها جمموع ة معين ة
باحلكم ،فإن احلكم عندهم للجماعة ،وليس للواحد ،أي أن اإلمارة مجاعية ،وليست فردية ،فاحلاكم
الذي ميلك صالحية احلكم كلها هو الوزارة.
وال يصح أن يطلق على املعاون للخليفة لفظ وزير ووزارة مطلقا من غري تقييد ،بل يطلق عليه لفظ
معاون وهو معناه احلقيقي .. .وهلذا قالوا :يفوض اخلليفة للمعاون تفويضا عاما نيابة عنه".
ويف الوقت الذي كان ينتظر من حزب التحرير الذي أعطى اخلليفة كل تلك الصالحيات الواسعة،
أن يرفض تنازل اخلليفة عنها للوزراء والسالطني حتت الضغط ،إال أنه سار على درب الفقهاء السنة
الس ابقني (كاملاوردي والف راء واجلوي ين) يف االع رتاف ب األمر الواق ع وإض فاء غط اء من الش رعية على
عملي ات التف ويض القس رية واملش بوهة ،واملتناقض ة م ع عق د البيع ة ال يت يب ايع في ه املس لمون اخلليف ة
كحاكم مسؤول عليهم ،إذا كان مثة عقد صحيح للبيعة ،وهو ما مل يكن من األساس.
ولس ت أدري ه ل يرض ى ح زب التحري ر أن جياه د عش رات الس نني من أج ل إقام ة دول ة اخلالف ة،
ويص ل إليه ا ،مث يقب ل حبدوث انقالب عس كري على اخلليف ة حيربه على التن ازل عن ك ل ص الحياته،
وإبقائه رمزا صوريا ال حيل وال يربط؟
ويالح ظ أن ح زب التحري ر ال يستش كل على أص ل عملي ة التف ويض بق در م ا يستش كل على اس م
املفوض إليه :معاون أم وزير؟ وهل هو فرد؟ أم جمموعة .وبالرغم من عدم وجود أي أساس شرعي
للتف ويض إال ممارس ات اخللف اء يف ح االت ض عفهم وس قوطهم ،وفت اوى بعض الفقه اء التربيري ة ،ف إن
حزب التحرير يستمرئ تلك العملية ،يف حني يرفض بشدة أي تطور دميوقراطي أو اتفاق بني اخلليفة
وال وزارة املنتحب ة أو توزي ع الس لطة حس ب الدس تور بني ال رئيس ورئيس ال وزراء يف األنظم ة
املفوض.
الدميوقراطية ،ويرفض حىت إطالق اسم الوزير على املعاون َّ
24
مشكلة انعقاد الخالفة
ونتيجة لتقليد حزب التحرير ومفكروه للفقهاء السابقني ،وإميانه مبثالية وشرعية التجارب التارخيية،
وقع يف تناقض آخر ،أدى به إىل الرتاجع عن اخلطوات اإلجيابية اليت حققها يف البداية بالتأكيد على أن
"اخلالف ة عق د مراض اة واختي ار ،وبيع ة ال جيوز أخ ذها من الن اس باإلجب ار واإلك راه" .وذل ك بس بب
غم وض هوي ة وع دد أه ل احلل والعق د ال ذين يعق دون اخلالف ة ،حيث أدى ذل ك إىل االع رتاف بعق د
البيع ة للخليف ة بأي ة ص ورة ،مث قبول ه بإجب ار اخلليف ة لعام ة الن اس على بيعت ه بيع ة طاع ة .وه ذا تن اقض
كبري ،فمن ناحية يقال إن املسلمني يعقدون للخليفة ويعطوه وكالة ونيابة ،ومن ناحية أخرى إذا عقد
اخلالفة جمموعة من الناس ال ميثلون إال أنفسهم وال يشكلون سوى %1أو أقل من ذلك بكثري ،جيب
على عامة املسلمني حىت لو كانوا %99من الناس :اخلضوع والطاعة.
حيث يقول ":انه إذا مت عقد البيعة ممن يعتد ببيعتهم فقد انعقدت البيعة ،وأصبح املبايع هو ويل األمر،
ف وجبت طاعت ه .وتص بح البيع ة ل ه بع د ذل ك من بقي ة الن اس بيع ة على الطاع ة ،وليس ت بيع ة لعق د
اخلالفة ،وحينئذ جيوز له أن جيرب الناس الباقني على بيعته ،ألهنا إجبار على طاعته وطاعته واجبة شرعا
على الناس ،وليست هي يف هذه احلال عقد بيعة باخلالفة حىت يقال ال يصح فيه اإلجبار ،وعلى ذلك
فالبيع ة ابت داءً عق ٌد ال تص ح إال بالرض ا واالختي ار ،أم ا بع د انعق اد البيع ة للخليف ة فتص بح طاع ة ،أي
انقيادا ألمر اخلليفة ،وجيوز فيها اإلجبار تنفيذا ألمر اهلل تعاىل".
وحياول حزب التحري ر أن حيتج بتجربة اخللف اء الراشدين ،فيق ول":إن ذلك يفهم من استعراض ما
حصل يف بيعة اخللفاء الراشدين ،وما أمجع عليه الصحابة .ففي بيعة أيب بكر اكتفي بأهل احلل والعقد
من املس لمني ال ذين ك انوا يف املدين ة وح دها ،ومل يؤخ ذ رأي املس لمني يف مك ة ويف س ائر جزي رة
العرب ،بل مل يُسألوا ،وكذلك احلال يف بيعة عمر...وقد حصل كل ذلك – أي بيعة اخلليفة من أكثر
أهل العاصمة فقط دون باقي األقاليم – على مرأى ومسمع من الصحابة ،ومل يكن هناك خمالف يف
ذل ك وال منك ر هلذا العم ل من حيث اقتص ار البيع ة على أك ثر أه ل املدين ة ،فك ان ذل ك إمجاع ا من
الص حابة على أن اخلالف ة تنعق د ممن ميثل ون رأي املس لمني يف احلكم ،ألن أه ل احلل والعق د وأك ثر
سكان املدينة كانوا هم أكثرية املمثلني لرأي األمة يف احلكم يف مجيع رقعة الدولة اإلسالمية حينئذ.
وعلى ه ذا فإن اخلالفة تنعق د إذا جرت البيع ة من املمثلني ألكثر األمة اإلس المية ،ممن يدخلون حتت
طاعة اخلليفة ،الذي يراد انتخاب خليفة مكانه ،كما جرى يف عهد اخللفاء الراشدين ،وتكون بيعتهم
حينئذ بيعة عقد للخالفة ،أما من عداهم فإنه بعد انعقاد اخلالفة للخليفة تصبح بيعته بيعة طاعة ،أي
انقياد للخليفة ،ال بيعة عقد للخالفة".
25
ويس تنتج ح زب التحري ر من ذل ك ج واز قي ام أي ة جمموع ة يف أي بل د إس المي بعق د اخلالف ة ألي
شخص تتوفر فيه الشروط ،وإجبار بقية املسلمني يف كل أقطار األرض ،على اخلضوع هلم ،ويقول:
"منذ زوال اخلالفة اإلسالمية يف اسطنبول سنة 1343هجرية املوافق سنة 1924ميالدية ،فإن كل
قطر من األقطار اإلسالمية املوجودة يف العامل اإلسالمي أهل ألن يبايع خليفة ،وتنعقد به اخلالفة ،فإذا
ب ايع قط ر م ا ،من ه ذه األقط ار اإلس المية خليف ة ،وانعق دت اخلالف ة ل ه ،فإن ه يص بح فرض ا على
املسلمني يف األقطار األخرى أن يبايعوه بيعة طاعة ،أي بيعة انقياد ،بعد أن انعقدت اخلالفة له ببيعة
أهل قطره ،سواء أكان هذا القطر كبريا كمصر ،أو تركيا ،أو إندونيسيا ،أم كان صغريا كاألردن أو
تونس أو لبنان" 2 .ويذكر احلزب هنا ش روطا أربع ة جيب أن تت وفر يف اخلليف ة ،أح دها :أن يك ون سلطان ذل ك
القط ر س لطانا ذاتي ا ،يس تند إىل املس لمني وح دهم ،ال إىل دول ة ك افرة ،أو نف وذ ك افر...ثانيه ا :أن يك ون بأم ان
اإلس الم ،ثالثه ا :أن يب دأ بتط بيق اإلس الم ،رابع ا :ان يك ون اخلليف ة مس تكمال ش روط انعق اد اخلالف ة .ويق ول :إن
اخلالفة تنعقد يف ذلك القطر وحده "ولو كان ال ميثل أكثر أهل احلل والعقد ألكثر األمة اإلسالمية،
ألن إقامة اخلالفة فرض كفاية ،والذي يقوم بذلك الفرض على وجهه الصحيح يكون قام بالشيء
املفروض ،وألن اشرتاط أكثر أهل احلل والعقد إمنا يكون إذا كانت هنالك خالفة موجودة".
ويقول أيضا ":ال يشرتط عدد معني فيمن يقومون بنصب اخلليفة ،بل أي عدد بايع اخلليفة ،وحتقق
يف هذه البيعة رضا املسلمني بسكوهتم ،أو بإقباهلم على طاعته بناء على بيعته ،أو بأي شيء يدل على
رضاهم ،يكون اخلليفة املنصوب خليفة للمسلمني مجيعا ،ويكون هو اخلليفة شرعا ،ولو قام بنصبه
مخسة أشخاص ،إذ يتحقق فيهم اجلمع يف إجراء نصب اخلليفة ،ويتحقق الرضا بالسكوت واملبادرة
إىل الطاعة ...أما إذا مل يتحقق رضا مجيع املسلمني ،فإنه ال يتم نصب اخلليفة إال إذا قام بنصبه مجاعة
يتحقق يف نصبهم له رضا مجهرة املسلمني ،أي أكثريتهم ،مهما كان عدد هذه اجلماعة ...وعلى ذلك
فليس بيعة أهل احلل والعقد هي اليت جيري فيها نصب اخلليفة ،وليس وجود بيعتهم شرطا جلعل نصب
اخلليفة نصبا شرعيا ،بل بيعة أهل احلل والعقد أمارة من اإلمارات الدالة على حتقق رضا املسلمني هبذه
البيعة ...وليس من احلكم الشرعي كوهنم أهل احلل والعقد ،وال كوهنم مخسة أو مخسمائة أو أكثر أو
أقل ،أو كوهنم من أهل العاصمة ،أو أهل األقاليم ،بل احلكم الشرعي كون بيعتهم يتحقق فيها الرضا
من قبل مجهرة املسلمني ،بأية أمارة من اإلمارات ،مع متكينهم من إبداء رأيهم متكينا تاما".
- 2ويذكر احلزب هنا شروطا أربعة جيب أن تتوفر يف اخلليفة ،أحدها :أن يكون سلطان ذلك القطر سلطانا ذاتيا،
يستند إىل املسلمني وحدهم ،ال إىل دولة كافرة ،أو نفوذ كافر...ثانيها :أن يكون بأمان اإلسالم ،ثالثها :أن يبدأ
بتطبيق اإلسالم ،رابعا :ان يكون اخلليفة مستكمال شروط انعقاد اخلالفة.
26
ويؤك د ح زب التحري ر":أن اخلالف ة تنعق د ب أي خليف ة يس تكمل ش روط االنعق اد ،مهم ا ك ان ع دد
املب ايعني ال ذين ب ايعوه ...فمن يق وم ب الفرض يكفي النعق اد اخلالف ة ب ه ،وم ىت ق امت اخلالف ة يف ذل ك
القطر وانعقدت خلليفة ،يصبح فرضا على املسلمني مجيعا االنضواء حتت لواء اخلالفة ومبايعة اخلليفة،
وإال كانوا آمثني عند اهلل .وجيب على هذا اخلليفة أن يدعوهم لبيعته ،فإن امتنعوا كان حكمهم حكم
البغاة ،ووجب على اخلليفة حماربتهم ،حىت يدخلوا حتت طاعته".
وهك ذا يفتح ح زب التحري ر باب ا واس عا على الفتن ة واحلروب الداخلي ة يف الع امل اإلس المي ،حتت
ش عار ف رض اخلالف ة وأخ ذ الطاع ة للخليف ة ال ذي مل ينتخب ه س وى حفن ة ص غرية من املس لمني يف بل د
صغري يف صقع من أصقاع األرض .ويكرس الفتنة بدعوته لقتال أي مدع آخر للخالفة ،فيقول":إذا
بويع خلليفة آخر يف نفس القطر ،أو يف قطر آخر بعد بيعة اخلليفة األول ،وانعقاد اخلالفة له انعقادا
شرعيا ...وجب على املسلمني حماربة اخلليفة الثاين حىت يبايع اخلليفة األول" .وذلك بناء على حديث
(خرب آحاد) ال يدرى صحته من كذبه.
وم ا يزي د األم ر خط ورة ه و إميان ح زب التحري ر حبق مجي ع املس لمني يف نص ب اخلليف ة ،ح ىت وإن
كانوا فجارا فاسقني "ألن النصوص جاءت عامة ،ومل يرد ما خيصصها" .وهو ما يفتح الطريق أمام أية
جمموعة متآمرة فاسقة وفاجرة للقيام بانقالب عسكري ونصب خليفة ومقاتلة بقية املسلمني من أجل
فرض ه عليهم .ويف ه ذا يق ول":إذا مل يكن للمس لمني دول ة خالف ة وال خليف ة ،وتطب ق عليهم أنظم ة
الكفر وأحكامه – كما هو احلال اليوم -فقام املسلمون ،أو مجاعة منهم ،أو أصحاب القوة واملنعة
فيهم ،يف قطر أو أكثر من أقطار املسلمني ،فاستولوا على السلطة يف ذلك القطر ،وأزالوا احلاكم الذي
حيكمهم بأنظم ة الكف ر وأحكام ه ،بغي ة اس تئناف احلي اة اإلس المية ،والع ودة إىل احلكم مبا أن زل اهلل،
فيج وز ملن ق اموا باالس تيالء على الس لطة أن يرش حوا شخص ا من املس لمني املؤهلني ليت وىل احلكم
والسلطان ،واجلامعني لشروط انعقاد اخلالفة ،وأن جيمعوا أهل احلل والعقد يف ذلك القطر أو أكثرهم،
وأن يطلبوا منهم أن يبايعوا هذا الشخص الذي رشحوه ليكون خليفة ،فيقوم أهل احلل والعقد مببايعته
بالرضا واالختيار ،على كتاب اهلل وسنة رسوله ،فتنعقد له اخلالفة هبذه البيعة ،مث يبايعه املسلمون يف
ذلك القطر مبايعة عامة ،مبايعة طاعة ورضا ،ومن مث يباشر فورا بوضع اإلسالم كامال موضع التطبيق
والتنفيذ ،دون تأخري .وبذلك تعود دولة اخلالفة إىل احلياة ،ويعود تطبيق أحكام اإلسالم وأنظمته إىل
الوجود ،وتتحول الدار يف ذلك القطر إىل دار اإلسالم".
وقد وقع حزب التحرير يف هذا التناقض الكبري بني قوله بضرورة البيعة بالرضا واالختيار من أكثرية
األمة ،وبني ميله الستخدام القوة وفرض طاعة اخلليفة باجلرب واإلكراه من األقلية على األكثرية ،حىت
إن أدى ذل ك إىل إش عال احلروب الداخلي ة يف الع امل اإلس المي ملدة ال يعلمه ا إال اهلل ،بس بب تش بثه
27
بالفقه السياسي السين الديكتاتوري القدمي ،ورفضه للفكر الدميوقراطي الذي يؤصل القاعدة الشرعية
األوىل "وأمرهم شورى بينهم" ويرفض التطبيقات املشوهة هلا يف عهود اخللفاء السابقني.
ويظهر تناقض حزب التحرير جليا يف قوله بضرورة البيعة بالرضا واالختيار ،وأهنا عقد بني املسلمني
واحلاكم ،برفضه حلق املسلمني بالرتاجع عن البيعة ،أو قيامهم بعزل اخلليفة إذا ما أخل بشروط العقد،
كاحنرافه وفسقه فيما بعد ،وذلك تقليدا لبعض الفقهاء السنة السابقني ،واعتمادا على بعض التجارب
التارخيية ،بالرغم من وجود نصوص عن اخللفاء الراشدين بعرضهم االستقالة ،وقيام اإلمام احلسن بن
علي بالتن ازل عن اخلالف ة ملعاوي ة بن أيب س فيان ،وقي ام أه ل املدين ة (مبن فيهم من الص حابة والت ابعني)
خبلع يزيد بن معاوية يف واقعة احلرة.
ويف ه ذا يق ول ح زب التحرير":البيع ة أمان ة يف أعن اق املب ايع ،ال حيل ل ه الرج وع عنه ا ،فهي ح ق
باعتباره انعقاد اخلالفة حىت يعطيها ،فإن أعطاها لزم هبا ،ولو أراد أن يرجع عن ذلك ال جيوز".
ويقول يف الدستور املادة ":34األمة هي اليت تنصب اخلليفة ولكنها ال متلك عزله مىت مت انعقاد بيعته
على الوجه الشرعي" .و"إن حمكمة املظامل وحدها هي اليت تقرر ما إذا كانت تغريت حال اخلليفة
تغريا خيرجه عن اخلالفة أم ال ،وهي وحدها اليت هلا صالحية عزله أو إنذاره".
وال يق ول لن ا احلزب كي ف يق وم قض اة حمكم ة املظ امل بع زل اخلليف ة ،أو إن ذاره ،إذا ك ان ه و من
يعينهم ويع زهلم؟ وم ا ال ذي مينع ه من تع يني من يض من ل ه الطاع ة والتبعي ة والتواط ؤ مع ه؟ وع زل من
يشك بوالئه له أو تفكريه مبحاكمته؟.
وهكذا يتناقض احلزب مع نفسه يف موضوع احلكم العسكري والوراثي ،فيرتاجع عن موقفه املبدئي
السابق ،ويعرتف حبكم املتسلط ،ويقول":إن املتسلط إذا استطاع أن يقنع الناس بأن مصلحة املسلمني
يف بيعته ،وأن إقامة أحكام الشرع حتتم بيعته ،وقنعوا بذلك ورضوا ،مث بايعوه عن رضا واختيار ،فانه
يصبح خليفة منذ اللحظة اليت بويع فيها عن رضا واختيار ،ولو كان أخذ السلطان ابتداء بالتسلط
والقوة ،فالشرط هو حصول البيعة ،وأن يكون حصوهلا عن رضا واختيار ،سواء كان من حصلت له
البيعة هو احلاكم والسلطان ،أو مل يكن".
وهنا توجد مالحظتان :األوىل :هي فسق املتسلط املغتصب للسلطة بدون حق ،وقد اشرتط حزب
التحرير عدالة اخلليفة بداية ودواما .والثانية :شبهة التزوير واإلكراه يف أية عملية بيعة "طوعية" جيريها
املتسلط بعد استيالئه على السلطة .والدليل على ذلك عدم انتخاب الناس له قبل تسلطه وبعد نزوله
28
عن السلطة .وهذا ما نالحظه يف مجيع احلكام العسكريني الذين جيرون عمليات انتخاب "دميوقراطية"
مسرحية.
ويب دو أن حزب التحري ر اضطر لقب ول البيع ات املسرحية اليت كان جيريه ا "اخللف اء" واليت كانت
قائمة على اجلرب واإلكراه ،خاصة بعد توليهم للخالفة وراثة أو استيالء على السلطة بالقوة ،من أجل
أن يقول باستمرار اخلالفة عرب التاريخ.
واعرتف أيضا بشرعية اخللفاء الذين جاءوا بالوراثة واالستخالف والتعيني ،وحاول أن يربر ذلك
حبدوث البيعة الظاهرية ،فقال":من اجلدير ذكره أن العهد باخلالفة لالبن مل يكن هو الذي جيعل االبن
خليفة بعد أبيه ،بل انه كان ينصب ببيعة جديدة تؤخذ من الناس ،انعقادا وطاعة ،بعد وفاة اخلليفة
السابق .غري أنه كان يساء تطبيق البيعة أحيانا فبدل أخذها بالرضا واالختيار ،تؤخذ باإلكراه ،إال أن
البيع ة يف مجي ع األح وال ك انت هي الطريق ة لنص ب اخلليف ة طيل ة عص ور الدول ة اإلس المية ،فتنعق د
اخلالفة له بالبيعة وليس بالوراثة أو والية العهد".
واألهم من ك ل ذل ك ه و متس ك احلزب بأص ول املذهب الس ين القاض ية حبكوم ة األح اديث على
القرآن الكرمي ،وختصيص بعض األخبار الضعيفة (وأخبار اآلحاد) املوصية بالصرب واخلضوع للظامل،
لعمومات القرآن اآلمرة بالعدل والقسط بني الناس ،وقبل احلزب بناء على ذلك باستثناء احلكام من
حكم مقاوم ة الظلم والغص ب ،ب دليل ح ديث حذيف ة بن اليم ان " تس مع وتط ع لألم ري وإن ض رب
ظهرك وأخذ مالك فامسع وأطع" .وحاول أن خيرج حالة املغتصب للسلطة من هذا احلكم ،باعتباره
قام باغتصاب السلطة قبل أن يصبح حاكما ،وقبل أن يشمله االستثناء املفرتض .حيث قال":إن األدلة
الخاصة التي تستثني الحاكم انم>>ا هي في ح>>ق الح>>اكم ،إذا ك>>ان حاكم>>ا ،ولكن مغتص>ب> الس>>لطة
حين ارتكب جريمت >>ه لم يكن حاكم >>ا ،ب >>ل ك >>ان شخص >>ا عادي >>ا من الن >>اس ،فاغتص >>بها وه >>و ليس
بحاكم ،وبع>>د اغتص>>ابها ص>ار حاكم>>ا ،فال تنطب>>ق علي>>ه األح>>اديث ،ألن اجلرمية قد ارتكبت من قبله
وهو ليس حباكم ،ولذلك ال تنطبق عليه أحاديث األمر بالصرب على أئمة اجلور ،وينطبق عليه حكم
الغاصب ،وال يدخل يف االستثناء".
وفرق حزب التحرير بني حالة معاوية الذي أجرب الناس على بيعة يزيد ،وبني حالة يزيد الذي أخذ
البيعة بالقوة ،بالقول ":إن معاوية كان حاكما حني توىل أخذ البيعة ليزيد ،أي ارتكب هذا العمل
وهو حاكم ،والحاكم مستثنى من عم>>وم أدل>>ة الغص>>ب باألح>>اديث ال>واردة في طاعت>>ه ..والح>>اكم
ال يح >>ل قتال >>ه مهم >>ا عمل ،إال يف حال ة واح دة ،إذا أظه ر الكف ر الب واح" واس تثىن معاوي ة من حكم
املقاومة ،يف حني أيد موقف املقاومة ليزيد ألنه مل يكن حاكما ،مع أن الظلم واحد واجلرمية واحدة،
ولكن ه ق ال ب ذلك التزام ا باس تثناء احلك ام من عموم ات الق رآن الك رمي ال يت ت أمر بالع دل ومبقاوم ة
الظاملني.
29
ومل يتح دث ح زب التحري ر عن احلاكم ال ذي يب ايع لف رتة حمددة ،مث يغتص ب الس لطة بع د ذل ك،
وينته ك الدس تور ،ويص ادر احلري ات العام ة ويقيم حكم ا عرفي ا ،ألن احلزب ال ي ؤمن جبواز حتدي د
احلكم بفرتة حمددة ،أو ألنه يعتربه حاكما ظاملا جيب الصرب عليه وال جتوز مقاومته.
وهن ا حيت اج احلزب ملراجع ة جذري ة ألص ل هيمن ة احلديث على الكت اب ،أو ختص يص احلديث
لعموم ات الكت اب ،وتقيي د املطل ق ،ح ىت م ع خمالف ة التخص يص والتقيي د ملئ ات النص وص ال واردة يف
احلث على العدل والقسط واحملذرة من الظلم والظاملني.
وظ ل ح زب التحرير م رتددا وح ائرا بني االل تزام بالفق ه الس لطاين الق دمي أو االل تزام بالش ورى كمب دأ
أص يل ن ابع من ح ق األم ة يف الس لطة ،وتوكيله ا اخلليف ة يف احلكم ،وال ذي يقتض ي إش راف جملس
الش ورى على اخلليف ة إش رافا ك امال وحتدي د ص الحياته مبوجب الدس تور أو عق د البيع ة ،وحق ه يف
حماسبة اخلليفة وعزله إذا جتاوز حدود الشريعة أو نصوص االتفاق بينه وبني األم ة .ورغم أن حزب
التحري ر ق ال بض رورة انتخ اب جملس الش ورى من األم ة ،وبإلزامي ة بعض ق رارات جملس الش ورى،
خالفا للفقه السلطاين القدمي ،إال أنه حدد صالحية جملس الشورى يف حدود ضيقة جدا ،وكاد أن
يشله عن املشاركة يف القرارات املصريية التشريعية والقضائية والتنفيذية اليت مجعها بيد اخلليفة ،فقال
املادة 104من الدستور ":إن الشورى واملشورة هي أخذ الرأي مطلقا ،وهي غري ملزمة يف التشريع،
والتعريف واألمور الفكرية ككشف احلقائق ،ويف األمور الفنية والعلمية ،وتكون ملزمة عند استشارة
اخلليف ة يف ك ل م ا ه و من األم ور العملي ة واألعم ال ال يت ال حتت اج إىل حبث وإنع ام نظ ر ..أم ا األم ور
الفكري ة ..أو اختاذ ق رار احلرب ..وك ذلك املالي ة واجليش والسياس ة اخلارجي ة ،فه ذه األم ور يتواله ا
اخلليف ة برأي ه واجته اده وف ق األحك ام الش رعية ،وليس من رأي اجمللس ،وللخليف ة أن يرج ع للمجلس
الستش ارته فيه ا ،والوق وف على رأي ه ،وك ذلك للمجلس أن يعطي رأي ه فيه ا ،لكن رأي اجمللس فيه ا
غ ري مل زم" .ويض يف":ال يؤخ ذ رأي اجمللس يف التش ريع ،ب ل يؤخ ذ التش ريع من كت اب اهلل وس نة
رسوله ،وما أرشد إليه من إمجاع الصحابة والقياس الشرعي ،وذلك باجتهاد صحيح".
ويف ال وقت ال ذي ي رفض في ه ح زب التحري ر إعط اء احلق جمللس الش ورى بع زل اخلليف ة ،أو تع يني
الوزارة أو إسقاطها ،يعطي للمجلس احلق فقط يف إظهار عدم الرضا عن املعاونني والوالة والعمال،
ويكون رأي أكثرية اجمللس يف ذلك ملزما ،وعلى اخلليفة عزهلم يف احلال.
30
وبناء على تصور حزب التحرير لنظام اخلالفة الذي يعتربه نظام اإلسالم السياسي الوحيد والفريد،
والذي ال يقبل أي تعديل دميوقراطي ،يعتقد أنه ابتدأ منذ وفاة رسول اهلل (ص) واستمر إىل آخر يوم
من س قوط الدول ة العثماني ة وع زل اخلليف ة ،ويق ول":ت ويف الرس ول (ص) ف أمجع الص حابة على بيع ة
خليف ة ل ه يف رئاس ة الدول ة ،وظ ل املس لمون يقيم ون رئيس ا للدول ة ح ىت س نة 1343هـ 1924 -م،
وك انوا يس مونه اخلليف ة ،أو أم ري املؤم نني ،أو اإلم ام أو الس لطان ،وال يك ون أي ش خص خليف ة إال
بالبيعة .وسارت الدولة اإلسالمية طوال أيامها حىت آخر خليفة ،أي حىت هناية الدولة اإلسالمية ،يف
ه ذا الس بيل ...وهك ذا اس تمر ش كل احلكم يف مجي ع العص ور ،كم ا ه و مل يتغ ري بالنس بة لوض عه أي
ش يء من ه .فتك ون الدول ة اإلس المية ق د اس تمر قيامه ا ح ىت ه دمها الك افر املس تعمر حني قض ى على
الدولة العثمانية وقسم العامل اإلسالمي إىل دويالت" .ويبين حزب التحرير تعريفه لنظام اخلالفة على
أساس قيامه على البيعة ،فيقول ":ال يكون الشخص خليفة إال بالبيعة .وقد تنوع تطبيق البيعة فبويع
اخلليف ة مباش رة ،وعه د إىل غ ريه من غ ري أقارب ه ،وعه د إىل ابن ه أو أح د أقارب ه ،وعه د إىل أك ثر من
واحد من املوجودين من أهله ،لكن هذا العهد مل يكن وحده الذين جيعله خليفة بل كان يأخذ البيعة
حني يتوىل اخلالفة ،وال يوجد خليفة توىل رئاسة الدولة دون بيعة .وقد تنوع أخذ البيعة فأخذت من
أهل احلل والعقد ،وأخذت من الناس ،وأخذت من شيخ اإلسالم ،وكان يساء أخذها أحيانا ،ولكنها
كانت بيعة ،ومل تكن والية عهد يستحق هبا اخلالفة".
وبع د أن حيص ر ش رعية احلكم بنظ ام اخلالف ة ،يق وم ح زب التحري ر بال دعوة إىل إقام ة ذل ك النظ ام
فيقول ":قد ثبت وجوب نصب اخلليفة بالكتاب والسنة وإمجاع الصحابة:
أما الكتاب فان اهلل أمر الرسول(ص) أن حيكم بني املسلمني مبا أنزل إليه ،وكان أمره جازما ،قال
تعاىل (فاحكم بينهم مبا أنزل اهلل وال تتبع أهواءهم عما جاءكم من احلق) ..وخطاب الرسول خطاب
ألمته ما مل يرد دليل خيصصه به ،وهنا مل يرد دليل ،فيكون خطابا للمسلمني بإقامة احلكم ،وإقامة
اخلليفة هي إقامة للحكم والسلطان.
وأما السنة فقد أخرج أمحد والطرباين "ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" خرجاه
من حديث معاوية ،وملسلم يف صحيحه عن ابن عمر قال ":مسعت رسول اهلل (ص) يقول :من خلع
ي دا من طاع ة لقى اهلل ي وم القيام ة وال حج ة ل ه ومن م ات وليس يف عنق ه بيع ة م ات ميت ة
جاهلية"....وقد تواتر نقل إمجاع الصحابة على وجوب نصب اخلليفة حىت جعلوه من أهم الواجبات.
31
ويعترب ذلك دليال قطعيا .وتواتر إمجاع الصحابة أيضا على امتناع خلو األمة من خليفة يف أي وقت
من األوقات ،فواجب على األمة نصب إمام أي إقامته وتوليته".
ويض يف ":إن الن يب (ص) جع ل احملافظ ة على اس تمرار وج ود العقي دة أساس ا للدول ة فرض ا على
املسلمني ،وأمر حبمل السيف والقتال إذا ظهر الكفر البواح ،إي إذا مل تكن العقيدة اإلسالمية أساس
احلكم والس لطان .فق د س ئل (ص) عن احلك ام الظلم ة أنناب ذهم بالس يف؟ ق ال ":ال م ا أق اموا فيكم
الصالة" وجعل يف بيعته أن ال ينازع املسلمون أويل األمر إال أن يروا كفرا بواحا".
ويؤكد أن"القعود عن إقامة خليفة للمسلمني معصية من أكرب املعاصي ألنه قعود عن القيام بفرض
من أهم فروض اإلسالم ،ويتوقف عليه إقامة أحكام الدين ،بل يتوقف عليه وجود اإلسالم يف معرتك
احلي اة...وعلي ه فان ه ال يوج د ع ذر ملس لم على وج ه األرض يف القع ود عن القي ام مبا فرض ه اهلل علي ه
إلقامة الدين ،أال وهو العمل إلقامة خليفة للمسلمني ،حني ختلو األرض من اخلالفة ،وحني ال يوجد
فيها من يقيم حدود اهلل حلفظ حرمات اهلل ،وال من يقيم أحكام الدين ،وجيمع مشل مجاعة املسلمني
حتت راية ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل .وال توجد يف اإلسالم أي رخصة يف القعود عن القيام هبذا
الفرض حىت يقوم".
ويعترب حزب التحرير الديار اإلسالمية اخلالية من نظام اخلالفة ":دار كفر بعد أن كانت دار إسالم،
أي أن تابعيتهم ليست بتابعية إسالمية وإن كانت بالدهم بالدا إسالمية".
ويف النهاي ة يؤك د ح زب التحري ر على " أن نظ ام احلكم يف اإلس الم ال ذي فرض ه رب الع املني ه و
نظام اخلالفة ،الذي ينصب فيه خليفة بالبيعة على كتاب اهلل وسنة رسوله للحكم مبا أنزل اهلل .وأن
شكل نظام احلكم يف اإلسالم (اخلالفة) متميز عن أشكال احلكم املعروفة يف العامل ..فهو ليس نظاما
ملكيا ..وكذلك هو ليس نظاما إمرباطوريا...وهو ليس نظاما احتاديا ..وهو ليس نظاما مجهوريا..
ونظام احلكم يف اإلسالم ليس دميوقراطيا باملعىن احلقيقي للدميوقراطية".
ومع أنه يقول ان النظام السياسي مدين غري ديين ،إال أنه يضفي على نظام اخلالفة هالة دينية وجيعله
أهم فريضة إسالمية .
وهذا ما يقود حزب التحرير إىل اختاذ موقف سليب شديد من الدميوقراطية واعتبارها كفرا وشركا
باهلل ،فيقول":ان الدميوقراطية نظام كفر ،ليس ألهنا تقول بانتخاب احلاكم ،فليس هذا هو املوضوع
األساس ،بل ألن األمر األساس يف الدميوقراطية هو جعل التشريع للبشر وليس هلل رب العاملني .ومن
32
حيث أن التش ريع للش عب ،حيل ل وحيرم ،وحيس ن ويقبح .ومن حيث ع دم التقي د باألحك ام الش رعية
باس م احلري ات" .ويض يف ":إن الكف ار ي دركون أن املس لمني لن يقبل وا الدميوقراطي ة مبعناه ا احلقيقي
هذا؛ لذلك فإن الدول الكافرة املستعمرة (وخباصة أمريكا اليوم) حتاول تسويقها يف بالد املسلمني،
بإدخاهلا عليهم من ب اب التض ليل ،ب أن الدميوقراطي ة هي آلي ة انتخ اب احلاكم ،ف رتاهم يدغ دغون
مش اعر املس لمني هبا ،مرك زين على انتخ اب احلاكم؛ إلعط اء ص ورة مض للة للمس لمني ،ك أن األم ر
األس اس يف الدميوقراطي ة ه و انتخ اب احلاكم .وألن بالد املس لمني مبتالة ب البطش والظلم وتكميم
األف واه والكبت (والديكتاتوري ة) س واء أك ان يف األنظم ة املس ماة ملكي ة أم مجهوري ة؛ نق ول ألن بالد
املس لمني مبتالة هبذا ،فق د س هل على الكف ار تس ويق الدميوقراطي ة يف بالد املس لمني من حيث أهنا
انتخ اب احلك ام ،ولف وا وداروا على اجلزء األس اس فيه ا ،وه و أن يص بح التش ريع والتحلي ل والتح رمي
للبشر وليس لرب البشر ،حىت أن بعض (اإلسالميني ،بل واملشايخ منهم) أخذوا هبذه اخلدعة حبسن
ني ة أو بس وء ني ة ،ف إذا س ألتهم عن الدميوقراطي ة أج ابوك جبوازه ا على اعتب ار أهنا انتخ اب احلاكم،
وسيئو النية منهم يلف ون ويدورون مبتع دين عن املع ىن احلقيقي الذي وض عه هلا أهله ا من كوهنا تعين
الس يادة للش عب يش رع م ا يش اء ب رأي األغلبي ة ،حيل ل وحيرم وحيس ن ويقبح ،وأن الف رد (ح ر) يف
تص رفاته يفع ل م ا يش اء ،يش رب مخرا ،ي زين ،يش تم املقدس ات ويس بها ،حتت مس مى الدميوقراطي ة
وحرياهتا ،هذه هي الدميوقراطية ،وهذا هو واقعها ومدلوهلا وحقيقتها ،فكيف ملسلم يؤمن باإلسالم
أن يتجرأ على القول بأن الدميوقراطية جتوز ،أو أهنا من اإلسالم؟
أما موضوع اختيار األمة للحاكم ،أي اختيار اخلليفة ،فهو أمر منصوص عليه .فالسيادة يف اإلسالم
للشرع ،ولكن البيعة من الناس للخليفة شرط أساس ليصبح خليفة .وقد كان انتخاب اخلليفة ميارس
يف اإلسالم يف الوقت الذي كان العامل يعيش يف ظالم الديكتاتورية وطغيان امللوك".
مالحظات عامة:
33
االجتهاد املعروفة لدى املسلمني .ولكن حزب التحرير أصر على احتفاظ اخلليفة حبق التشريع ،تقليدا
لفتاوى فقهاء سابقني ،أفتوا حسب الواقع ،ومل يدعموا قوهلم بنص من القرآن الكرمي أو السنة النبوية.
ثالث ا :إن كث ريا من أحك ام فق ه اخلالف ة ال يت يل تزم هبا ح زب التحري ر ،هي من التحس ني والتق بيح
العقليني ،وال ذكر هلا يف القرآن الكرمي أو السنة املطهرة ،بل هي أحيانا ختالفهما كما ختالف العقل.
رابعا :إن جتربة اخلالفة مل تكن جتربة واحدة ،وقد عرفت مناذج عديدة خمتلفة ،وقبل بعض اخللفاء
(العثم انيني املت أخرين) باإلص الحات الدميوقراطي ة ،كم ا قب ل غ ريهم بتف ويض الس لطة إىل األم راء
والسالطني ،ومل يعترب ذلك تناقضا مع اخلالفة ،فلماذا يصر حزب التحرير على اعتب ار الدميوقراطية
كفرا ،وال ميكن اجلمع بينها وبني اإلسالم؟
خامسا :إن نظام اخلالفة الذي يتحدث عنه حزب التحرير ال يوجد يف القرآن الكرمي وال يف السنة
املطهرة ،وإمنا هو من بنات فتاوى الفقهاء القائمة على التجارب التارخيية وما يسمونه باإلمجاع ،أو
بعض األحاديث الضعيفة واملزورة ،وبالتايل فإنه ال ميثل اإلسالم.
ان احلزب يعرتف بعدم حتدث القرآن الكرمي أو الرسول عن تفاصيل نظام احلكم ،إال أنه يعترب
فتاوى الفقهاء القائمة على اإلمجاع وبعض االحاديث املشكوك بصحتها ،مصدرا شرعيا لتأسيس
نظام سياسي إسالمي.
سادس ا :إن كث ريا من اخللف اء (الفاس دين والظلم ة والفاس قني) مل يكون وا بأفض ل من احلك ام
املعاص رين ،وإن بعض الس الطني العثم انيني مل يكون وا حيمل ون لقب "خليف ة" فلم اذا جيب اعتب ارهم
خلفاء رغم أنفهم ،ونزع الشرعية من احلكام العدول امللتزمني بالشريعة واملنتخبني من شعوهبم يف ظل
األنظمة الدميوقراطية؟
س ابعا :إن معظم "اخللف اء" األم ويني والعباس يني والعثم انيني وغ ريهم ،مل ي أتوا ع رب بيع ة طوعي ة
صحيحة من األمة ،وإمنا جاءوا بالقوة واإلرهاب ،وبالتايل فإهنم كانوا أبعد ما يكونون عن اخلالفة
الراش دة ،وه ذا م ا يؤك ده احلديث املنس وب للن يب األعظم (ص) وال ذي يتش بث ب ه ح زب التحري ر
كثريا ،ويقول":تكون النبوة فيكم ما شاء اهلل أن تكون ،مث يرفعها اهلل إذا شاء أن يرفعها ،مث تكون
خالفة على منهاج النبوة ،فتكون ما شاء اهلل أن تكون ،مث يرفعها إذا شاء أن يرفعها .مث تكون ملكا
عاضا ،فتكون ما شاء اهلل أن تكون ،مث يرفعها إذا شاء اهلل أن يرفعها .مث تكون ملكا جربية ،فتكون
ما شاء اهلل أن تكون ،مث يرفعها إذا شاء أن يرفعها .مث تكون خالفة على منهاج النبوة".
أي أن معظم اخللف اء يف الت اريخ ك انوا ملوك ا ج ربيني ،وال جيوز أن نعي د جترب ة املل وك املس تبدين
وأساليبهم الديكتاتورية باسم اخلالفة والدين.
34
وان حزب التحرير يركز كثريا على موضوع البيعة بالرضا واالختيار كأساس مميز لنظام اخلالفة،
ب الرغم من أن البيع ة مل تؤخ ذ طوع ا من ممثلي األم ة احلقيق يني يف الت اريخ اإلس المي ،إال يف ح االت
ن ادرة ،وإمنا ك انت تؤخ ذ بص ورة قس رية وب اجلرب واإلك راه ،من اجلم اهري كعالم ة على اخلض وع
واالستسالم ،وليس كدليل على االنتخاب والنيابة والتوكيل ،وكثريا ما يكتفي "اخللفاء" بأخذ البيعة
من ال وزير وقائ د اجليش وقاض ي القض اة املعي نني من قب ل اخلليف ة الس ابق ،أو اخلاض عني لقائ د اجليش
ال ذي يق وم ب االنقالب على اخلليف ة ويعني بنفس ه اخلليف ة اجلدي د ويطلب من "أه ل احلل والعق د" أن
يبايعوه ويغطوا عملية االنقالب العسكري .ورغم اشرتاط حزب التحرير الرضا بالبيعة ،إال انه يعرتف
عملي ا بك ل اخللف اء ال ذين مل يل تزموا بش رط الرض ا يف البيع ة ،ويعت ربهم حلق ات يف سلس لة اخلالف ة
الطويلة املمتدة عرب التاريخ.
ثامنا :إن اخلالفة يف مفهوم الصحابة كانت صفة أخالقية وليست نظاما سياسيا ،وهي تتحقق يف
احلاكم عندما يلتزم بالعدل والشريعة اإلسالمية والنيابة عن األمة ،وتتالشى عندما ميارس احلاكم الظلم
والطغي ان ،ح ىت وإن تس مى باس م "اخلالف ة" .ومن هن ا ي زول الف رق بني "اخلليف ة" واحلاكم الع ادي،
خاص ة إذا ك ان اخلليف ة ق د يتص ف بالفس ق ويت واىن عن تط بيق الش ريعة ،بينم ا يل تزم احلاكم الع ادي
باإلسالم والعدل والشورى.
تاسعا :يعتقد حزب التحرير أن األساس يف الدولة اإلسالمية هو اخلليفة وليس األمة ،مع عدم ذكر
اخلليفة يف القرآن ،وتوجيه اهلل اخلطاب دائما للمسلمني ،وإذا كانت اخلالفة أهم فريضة فلماذا مل يشر
إليها اهلل تعاىل بصراحة يف القرآن الكرمي ،وال حتدث عنها النيب األعظم؟
عاش را :يق وم ح زب التحري ر أحيان ا مبمارس ة االجته اد يف بعض األح اديث فيس تنبط أحكام ا جدي دة
خمالفة للمشهور يف الفقه السياسي السين ،ويرفض أن يقوم باالجتهاد يف بعض األحيان ،بينما يقوم
بعمليات استنباط غريبة يف بعض األحيان األخرى ،فهو مثال يرفض شرط القرشية يف اخلالفة ،الذي
يكاد جيمع عليه فقهاء السنة (ما عدا اإلمام أيب حنيفة) بناء على أحاديث يرووهنا ،فيعرتف احلزب
ب أن األح اديث ال واردة بش أن القرش ية ص حيحة ،ولكن ه ي رفض إلزاميته ا ،حيث يؤوهلا بأهنا بص يغة
اإلخب ار وليس بص يغة األم ر ،رغم أن مفه وم احلديث املتب ادر يفي د حص ر اخلالف ة يف ق ريش وع دم
جوازها يف غريهم ،ومع ذلك حياول احلزب التهرب من هذا املفهوم الواضح ليغطي ويشرع خالفة
العثمانيني ،حىت ال يقال ان اخلالفة انقطعت منذ زمان طويل.
وهو مثال يتماشى مع احلكم التقليدي السين الذي حيرم اخلالفة على النساء ويشرتط الذكورة بناء
على ح ديث أيب بك رة ح ول بنت كس رى ،رغم أن احلديث يف مق ام الوص ف (ال يفلح ق وم ول وا
أم رهم ام رأة) وليس يف مق ام التش ريع أو النهي ،ولكن احلزب ي دعي أن احلديث ج ازم يف النهي عن
والية النساء.
35
ولو اجتهد احلزب يف هذين احلديثني( :القرشية والنساء) لوجد أهنما ضعيفني ،أو ال أساس هلما من
الصحة.
وهو مثال يرتك العقل جانبا ليتشبث خبرب آحاد ضعيف يأمر بقتل اخلليفة الثاين الذي يبايع له بعد
األول ،لينتهي إىل تقرير مب دأ خط ري ج دا جير إىل تش ريع احلرب األهلية بني املسلمني من أج ل فرض
كل خليفة يعتقد أنه اخلليفة الشرعي ،لنفسه على سائر الدول اإلسالمية بالقوة واحلديد ،مما يهدد
الوح دة اإلس المية والس لم االجتم اعي والع املي ،يف حني ميكن تعزي ز الوح دة اإلس المية أو إقامته ا
بصورة سلمية طوعية دميوقراطية ،كما حدث يف االحتاد األوريب.
أحد عشر :التناقض بني الدعوة إلعادة اخلالفة ،والقبول حبكومة الفاسق الظامل ،واالكتفاء بعدم
طاعته فيما إذا أمر مبعصية.
إن من الواضح أن احلكام الظلمة ال يهتمون عادة ،وال يغامرون بنهي الناس مثال عن الصالة أو
الصوم أو احلج ،أو إجبارهم على الزنا وشرب اخلمر وأكل امليتة ،ألهنم يهتمون مبصادرة األموال
واحلريات العامة ،وتسيري البالد حسبما يشتهون .وال يكفي أن يتخذ احلزب موقف النصح واملعارضة
الكالمية للحاكم الظامل ،مع عدم طاعته يف املعصية ،وإمنا ال بد أن يتخذ موقفا سياسيا معارضا بناء
يصل إىل حد العمل من أجل إسقاط نظام احلاكم الظامل بأية طريقة ،وخاصة إذا أغلق كل األبواب
السلمية للتغيري ،فألغى مثال حمكمة املظامل ،أو عني قضاة منحازين إىل جانبه ،وعطل جملس الشورى،
أو حل الربملان .كما هو حال كثري من األنظمة العربية واإلسالمية ،فما هو املوقف املطلوب جتاه
هكذا نظام؟ هل يلتزم حزب التحرير باملوقف السين التقليدي الذي يقول بضرورة الصرب والتسليم
واخلضوع له؟ أم يقول بإمكان تغيريه والعمل من أجل إسقاطه بأية وسيلة؟
صحيح إن األنظمة الدميوقراطية ال تعطي الناس احلق بأن خيالفوا القوانني واملراسيم والقرارات
الرمسية أو احلق بالتمرد واخلروج بالسالح على احلاكم ،إن هو خالف القوانني أو ارتكب ظلماً .وال
نقول إن احلاكم جيب أن يكون معصوما ،ولكن األنظمة الدميوقراطية تضع آلية حملاسبة احلاكم
وإسقاطه ،إما عرب سحب الثقة منه ،أو الدعوة النتخابات جديدة ،أو التظاهر واالعتصام وحىت
استخدام السالح إذا ما ألغى النظام الدميوقراطي وانقلب على األمة ،فماذا يقدم حزب التحرير يف
هذا اجملال ،ويف حاالت مشاهبة؟وهو ال يسمح بتحديد مدة احلكم ،وال يعطي جملس الشورى
صالحية حماسبة احلاكم وال إسقاطه ،وال يقول شيئا عند انقالب احلاكم على الشريعة اإلسالمية
واألمة؟
36
ويف ظ ين أن ح زب التحري ر وق ع يف ش راك الفك ر االس تبدادي ،ألن ه مل يقم بنق د جترب ة اخلالف ة يف
التاريخ ،نقدا علميا ،ومل يضع يدي ه على عوامل س قوط األم ة اإلسالمية ،وليس دولة اخلالفة فقط،
وأمهها االستبداد والديكتاتورية ،كما مل يقم بنقد الفكر السياسي السين املوروث نقدا جذريا ،وهو
وإن تأثر بالفكر الدميوقراطي احلديث بنسبة معينة ،فقال بنيابة اخلليفة عن األمة يف السلطان ،وبضرورة
انتخاب جملس الشورى ،إال أنه قبل مبعظم فقرات ومالمح الفكر السلطاين االستبدادي القدمي ،وذلك
بسبب إميانه بـ"صحة" كثري من الروايات الواردة يف كتب احلديث كالبخاري ومسلم ،وقبوله مببدأ
"اإلمجاع" دون مناقشة كبرية يف التفاصيل ،رغم وجود الشك حول حتقق اإلمجاع يف كثري من األمور
يف الواق ع .وقبول ه هبيمن ة احلديث الض عيف على الق رآن الك رمي والس نة الثابت ة ،كتخص يص أح اديث
الص رب على ظلم احلكام ،وطاعتهم ،لعموم آيات العدل يف القرآن ،واعتبار ذلك تبيينا ،بالرغم من
وجود التناقض الفاضح بني الصرب على ظلم احلكام واألمر بالعدل الوارد يف القرآن ،وهو ما يدل على
أن التخصيص ليس نوعا من التبيني ،وإمنا هو نوع من النسخ ،وقد كان ذلك واضحا يف تبين حزب
التحري ر الس تثناء احلك ام من عم وم أحك ام الظ املني ،والق ول بع دم مق اومتهم رغم ارتك اهبم ألك رب
اجلرائم ما داموا يف احلكم .وذلك التزاما منه حبكومة األحاديث الضعيفة الظنية على األحكام القاطعة
الصرحية املطلقة اآلمرة بالعدل الواردة يف القرآن الكرمي.
ومن هن ا لن يس تطيع ح زب التحري ر اخلروج من ش باك الفك ر االس تبدادي ،واالنطالق يف رح اب
الدميوقراطي ة ،إال بع د قيام ه باالجته اد بعم ق يف أص ول املذهب الس ين (كاحلديث واإلمجاع وهيمن ة
احلديث على القرآن) وإعادة االعتبار إىل العقل كمصدر من مصادر التشريع يف املساحات اليت تركها
اإلسالم (القرآن والسنة) للمسلمني لكي يبدعوا فيها ويتطورا ،كمساحة الفكر السياسي الدستوري،
اليت يعاين منها املسلمون كثريا وحيتاجون إىل ثورة كربى تنقذهم من واقع الظلم واالستبداد الذي
خييم عليهم ويشل إرادهتم ويعيقهم عن التقدم والوحدة والتحرر واالستقالل.
وعن دما يق وم ح زب التحري ر بتل ك الث ورة الفكري ة األص ولية سيكتش ف أن الدميوقراطي ة ال تع ادي
الدين ألن جماهلا حمصور فقط يف األمور العرفية والعقلية غري املنصوص عليها من اهلل ،وأن ممارسة األمة
اإلسالمية لدورها يف خالفة اهلل يف األرض مير عرب الشورى أو الدميوقراطية.
37