You are on page 1of 17

‫‪ 1‬من ‪17‬‬

‫الصدق منجاة‬ ‫عنوان الخطبة‬


‫‪ /1‬الصدق أعظم زينة يتزين بها المرء ‪/2‬فضائل الصدق ‪/3‬منزلة الصادقين‬ ‫عناصر الخطبة‬
‫‪/4‬مع اني الص دق وأقس امه ‪/5‬ثم رات الص دق ‪/6‬أثر الص دق على الف رد‬
‫والمجتمع ‪ /7‬التحذير من الكذب‬
‫الفريق العلمي ‪ -‬ملتقى الخطباء‬ ‫الشيخ‬
‫‪16‬‬ ‫عدد الصفحات‬
‫‪12999‬‬ ‫رقم الخطبة في الموقع‬

‫اخلطبة األوىل‪:‬‬

‫احلمد هلل ال ذي جعل لكل ش يء ق دراً‪ ،‬وأح اط بكل ش يء خ رباً‪ ،‬أمحده‬


‫‪-‬س بحانه‪ -‬وأش كره‪ ،‬نعمه علينا ت رتى‪ ،‬أس بل علينا من رمحته س رتاً‪،‬‬
‫وأفرغ علينا بفضله صرباً‪ .‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬
‫وأش هد أن س يدنا ونبينا حمم داً عبد اهلل ورس وله‪ُ ،‬خص ب املعجزات‬
‫الكربى‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعني ومن‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬ ‫تبعهم‬
‫‪ 2‬من ‪17‬‬

‫أما بعد‪ :‬فأوصيكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ونفسي بتقوى اهلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬فاتقوا‬
‫اهلل رمحكم اهلل‪ ،‬واحفظوا اهلل ما استحفظكم‪ ،‬وكونوا أمناء على ما‬
‫استودعكم‪ ،‬فإنكم عند ربكم موقوفون‪ ،‬وعلى أعمالكم جمزيون‪ ،‬وعلى‬
‫ب َيْن َقلِبُو َن) [الشعراء‪:‬‬
‫َي ُمْن َقلَ ٍ‬
‫ين ظَلَ ُموا أ َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫(و َسَي ْعلَ ُم الذ َ‬
‫تفريطكم نادمون‪َ :‬‬
‫‪.]227‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬مما الشك فيه أن أعظم زينة يتزين هبا املرء يف حياته بعد اإلميان‬
‫هي زينة الصدق‪ ،‬فالصدق أساس اإلميان كما أن الكذب أساس النفاق‪،‬‬
‫فال جيتمع كذب وإميان إال وأحدمها يدفع اآلخر‪.‬‬

‫والصدق أشرف الفضائل النفسية‪ ،‬واملزايا اخلُلقية؛ خلصائصه اجلليلة‪،‬‬


‫وآثاره اهلامة يف حياة الفرد واجملتمع؛ فهو زينة احلديث‪ ،‬ورمز االستقامة‬
‫والصالح‪ ،‬وسبب النجاح والنجاة‪.‬‬

‫والصدق هو الطريق األقوم‪ ,‬الذي به متيز أهل اإلميان عن أهل النفاق‪،‬‬


‫وسكان اجلنان من سكان النريان‪ ،‬وهو سيف اهلل يف أرضه الذي ما‬
‫ُو ِضع على شيء إال قطعه‪ ،‬وال واجه باطالً إال أزاله وصرعه‪ ،‬وهو روح‬
‫األعمال ولبها‪.‬‬
‫‪ 3‬من ‪17‬‬

‫ومن أجل ذلك أرشدنا ربنا ‪-‬سبحانه‪ -‬إىل التمسك هبذا اخلُلق الطيب‬
‫يف كتابه الكرمي‪ ،‬وحث على التزام الصدق رسوله العظيم ‪-‬صلوات اهلل‬
‫عليه وسالمه‪ ،-‬يف نصوص أكثر من أن تُعد يف القرآن والسنة‪ ،‬فقد أمر‬
‫ربنا يف كتابه الكرمي يف أكثر من آية بالصدق‪ ،‬ومدح الصادقني‪،‬‬
‫ووعدهم باخلري الكبري يف الدنيا واآلخرة؛ لذلك جمدته الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫ين َآمنُوا َّات ُقوا‬ ‫َّ ِ‬
‫وحرضت عليه‪ ،‬قرآنًا وسنة‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬‫ّ‬
‫ني) [التوبة‪ ]119 :‬وهذا أمر مبالزمة الصدق بعد‬ ‫اللَّه و ُكونُوا مع َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬
‫األمر بالتقوى‪.‬‬

‫وجل‪ -‬رسوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن يسأله أن‬ ‫‪-‬عز َّ‬ ‫وقد أمر اهلل َّ‬
‫ب أ َْد ِخ ْليِن ُم ْد َخ َل‬‫جيعل مدخله وخمرجه على الصدق‪ ,‬فقال‪َ ( :‬وقُ ْل َر ِّ‬
‫ك س ْلطَانًا نَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ص ًريا)‬ ‫َخ ِر ْجيِن خُمَْر َج ص ْدق َو ْ‬
‫اج َع ْل يِل م ْن لَ ُدنْ َ ُ‬ ‫ص ْدق َوأ ْ‬
‫[اإلسراء‪ .]80 :‬فهذه مخسة أشياء؛ مدخل الصدق‪ ,‬وخمرج الصدق‪,‬‬
‫ولسان الصدق‪ ,‬وقدم الصدق‪ ,‬ومقعد الصدق‪ .‬وحقيقة الصدق يف هذه‬
‫األشياء‪ :‬هو احلق الثابت املتصل باهلل‪ ،‬املوصل إىل اهلل‪ ،‬وهو ما كان باهلل‬
‫وهلل‪ ،‬من األقوال واألعمال والنيات‪ ،‬ومداخله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫وخمارجه كلها مداخل صدق وخمارج صدق‪ ،‬إذ هي هلل وباهلل وبأمره‪،‬‬
‫والبتغاء مرضاته‪.‬‬
‫‪ 4‬من ‪17‬‬

‫وأخرب ربنا ‪-‬سبحانه‪ -‬عن خليله إبراهيم ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أنه‬
‫اج َع ْل يِل لِ َسا َن‬ ‫سأله أن يهب له لسان صدق يف اآلخرين‪ ,‬فقال‪َ ( :‬و ْ‬
‫ِ ٍ يِف ِ‬
‫ين) [الشعراء‪ ،]84 :‬وبشر ربنا عباده الصاحلني بأن هلم‬ ‫ص ْدق اآْل خ ِر َ‬
‫َّ ِ‬
‫عنده قدم صدق‪ ,‬فقال ‪-‬سبحانه‪َ ( :-‬وبَ ِّش ِر الذ َ‬
‫ين َآمنُوا أ َّ‬
‫َن هَلُ ْم قَ َد َم‬
‫ِص ْد ٍق ِعْن َد َرهِّبِ ْم ) [يونس‪ .]2 :‬وكذلك أخرب اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬أن‬
‫للصاحلني من عباده مقعد صدق عند رهبم‪ ،‬فقال ‪-‬سبحانه‪( :-‬إِ َّن‬
‫يك ُم ْقتَ ِد ٍر) [القمر‪:‬‬ ‫َّات و َنه ٍر * يِف م ْقع ِد ِص ْد ٍق ِعْن َد ملِ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ٍ‬
‫ني يِف َجن َ َ‬
‫ِ‬
‫الْ ُمتَّق َ‬
‫‪ ]55 ،54‬وهذا كله يشري إىل أمهية الصدق قوالً وعمالً وسلو ًكا‬
‫ومنهجا يف احلياة‪.‬‬
‫ً‬

‫وقد أخرب ربنا ‪-‬سبحانه‪ -‬أنه ال ينفع العبد وال ينجيه من عذابه يوم‬
‫القيامة إال الصدق‪ ,‬كما قال ‪-‬سبحانه‪( :-‬قَ َال اللَّهُ َه َذا َي ْو ُم َيْن َف ُع‬
‫ين فِ َيها أَبَ ًدا‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّات جَتْ ِري م ْن حَتْت َها اأْل َْن َه ُار َخالد َ‬ ‫ني ِص ْد ُق ُه ْم هَلُ ْم َجن ٌ‬
‫َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم) [املائدة‪.]119 :‬‬ ‫ك الْ َف ْو ُز الْ َعظ ُ‬ ‫َر ِض َي اللَّهُ َعْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫ضوا َعْنهُ َذل َ‬

‫وأثىن اهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬على الصادقني بأهنم هم املتقون أصحاب اجلنة؛‬
‫جزاء هلم على صدقهم‪ ،‬فقال‪( :‬أولئك الذين صدقوا وأولئك هم املتقون)‬
‫ني‬ ‫ال اللَّه ه َذا يوم ين َفع َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫[البقرة‪ ،]177 :‬وقال ‪-‬سبحانه‪( :-‬قَ َ ُ َ َ ْ ُ َ ُ‬
‫‪ 5‬من ‪17‬‬
‫ِ‬ ‫ِص ْد ُقهم هَل م جنَّات جَت ِري ِمن حَت تِها األَهنَار خالِ ِد ِ‬
‫ين ف َيها أَبَ ًدا َرض َي اللَّهُ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ُ ْ ُْ َ ٌ ْ‬
‫يم) [املائدة‪.]119 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك الْ َف ْو ُز الْ َعظ ُ‬
‫ضوا َعْنهُ َذل َ‬
‫َعْن ُه ْم َو َر ُ‬

‫أيها اإلخوة‪ :‬الصدق خلق عظيم من أخالق األنبياء‪ ,‬ومن أهم أخالق‬
‫املسلم وصفات الداعية إىل اهلل تعاىل‪ ,‬وهو األساس الذي قام عليه هذا‬
‫الدين العظيم‪ ,‬وهو ما عرف به عليه ‪-‬الصالة والسالم‪ -‬يف مكة‪ ,‬فما‬
‫كان يُعرف حينئذ إال بالصادق األمني‪ ,‬وهو أيضاً ما يُعرف به األنبياء‬
‫واملرسلون ‪-‬عليهم السالم‪ ,-‬وقد أثىن اهلل تعاىل على أنبيائه ووصفهم‬
‫يم إِنَّهُ َكا َن ِصدِّي ًقا نَبِيًّا ) [مرمي‪:‬‬ ‫يِف ِ ِ ِ ِ‬
‫بالصدق فقال‪َ ( :‬واذْ ُك ْر الْكتَاب إ ْبَراه َ‬
‫ص ِاد َق الْ َو ْع ِد َو َكا َن َر ُسواًل‬‫يل إِنَّهُ َكا َن َ‬
‫يِف ِ ِ ِ ِ‬
‫‪َ ( ،]41‬وا ْذ ُك ْر الْكتَاب إمْسَاع َ‬
‫يس إِنَّهُ َكا َن ِصدِّي ًقا نَبِيًّا)‬ ‫يِف ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫نَبيًّا) [مرمي‪َ ( ،]54 :‬واذْ ُك ْر الْكتَاب إ ْدر َ‬
‫[مرمي‪.]56 :‬‬

‫كما أن الصدق عالمة صادقة ألولياء اهلل املتقني‪ ،‬وحبل من حبال‬


‫العصمة متني‪ ،‬وبرهان واضح لعباده الصاحلني‪ ،‬وقد أضافه ‪-‬سبحانه‪-‬‬
‫ص ِادقُو َن )‬ ‫إىل ذاته‪ ،‬فقال‪ -‬جل ثناؤه وتقدست أمساؤه‪َ ( :-‬وإِنَّا لَ َ‬
‫َص َد ُق ِم َن اللَّ ِه قِياًل )‬
‫[األنعام‪ ،]146 :‬وقال ‪-‬سبحانه‪ -‬وتعاىل ( َو َم ْن أ ْ‬
‫ص َد َق اللَّهُ فَاتَّبِعُوا ِملَّةَ‬‫[النساء‪ ،]122 :‬وقال ‪-‬تبارك امسه‪( :-‬قُ ْل َ‬
‫يم َحنِي ًفا ) [آل عمران‪ .]95 :‬وقد أكثر ربنا يف القرآن العظيم من‬ ‫ِ ِ‬
‫إ ْبَراه َ‬
‫‪ 6‬من ‪17‬‬

‫املدح والثناء اجلميل على الصادقني‪ ،‬حيث يقول –سبحانه وتعاىل‪:-‬‬


‫(من املؤمنني رجال صدقوا ما عاهدوا اهلل عليه‪ ،),‬ويقول ‪-‬عز وجل‪:-‬‬
‫ني) [التوبة‪.]119 :‬‬ ‫( يا أَيُّها الَّ ِذين آمنوا َّات ُقوا اللَّه و ُكونُوا مع َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬

‫عباد اهلل‪ :‬وقد قسم اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬الناس إىل صادق ومنافق‪ ,‬كما قال‬
‫ب الْمنَافِ ِق َ ِ‬ ‫الص ِادقِ َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ي اللَّهُ َّ‬ ‫ِ‬
‫ني إ ْن َشاءَ‬ ‫ني بص ْدقه ْم َويُ َع ِّذ َ ُ‬ ‫‪-‬سبحانه‪( :-‬ليَ ْج ِز َ‬
‫ِ‬ ‫أ َْو يتُ َ ِ ِ‬
‫يما ) [األحزاب‪ ]24 :‬فاإلميان‬ ‫وب َعلَْيه ْم إ َّن اللَّهَ َكا َن َغ ُف ً‬
‫ورا َرح ً‬ ‫َ‬
‫أساسه الصدق‪ ،‬والنفاق أساسه الكذب‪ ،‬فال جيتمع كذب وإميان إال‬
‫وأحدمها حيارب اآلخر‪.‬‬

‫وكذلك جعل النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الصدق أعلى درجات الرب‬
‫الص ْد ِق فَِإ َّن‬
‫ومفتاحها‪ ،‬فقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ " :-‬علَْي ُك ْم بِ ِّ‬
‫الص ْد َق َي ْه ِدي إِىَل الْرِب ِّ‪َ ،‬وإِ َّن الْرِب َّ َي ْه ِدي إِىَل اجْلَن َِّة‪َ ،‬و َما َيَز ُال َّ‬
‫الر ُج ُل‬ ‫ِّ‬
‫ب ِعْن َد اهلل ِصدِّي ًقا‪[ "...‬مسلم(‬ ‫الص ْد َق َحىَّت يُكْتَ َ‬ ‫ص ُد ُق َو َيتَ َحَّرى ِّ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪.])2607‬‬

‫ويف صورة مجيلة تبني لنا أمهية الصدق وكيف أنه يرفع صاحبه يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬صح عن أيب سعيد اخلدري ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬أنه قال‪ :‬قال‬
‫النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬إِ َّن أهل اجْل ن َِّة لَيتراءو َن أهل الْغُر ِ‬
‫ف ِم ْن‬ ‫ْ َ َ ََ َ َ ْ ْ َ َ‬
‫‪ 7‬من ‪17‬‬

‫ي الْغَابَِر ِم َن األفُ ِق ِم َن الْ َم ْش ِر ِق أ ِو‬


‫ُّر َّ‬
‫ب الد ِّ‬ ‫ِِ‬
‫َف ْوقه ْم‪َ ،‬ك َما َتَتَراءَ ْو َن الْ َك ْو َك َ‬
‫ك َمنَا ِز ُل األنْبِيَ ِاء‪،‬‬‫ول اهلل! تِْل َ‬ ‫اض ِل َما َبْيَن ُه ْم"‪ .‬قَالُوا‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫الْ َم ْغ ِر ِب‪ ،‬لَت َف ُ‬
‫ال َآمنُوا بِاهلل‬‫ال َيْبلُغُ َها َغْي ُر ُه ْم‪ ،‬قَ َال‪َ " :‬بلَى َوالَّ ِذي َن ْف ِسي بِيَ ِد ِه! ِر َج ٌ‬
‫ِ‬
‫ني" [مسلم(‪.])2831‬‬ ‫ص َّدقُوا الْ ُم ْر َسل َ‬
‫َو َ‬

‫والصدق يؤدي إىل الثقة والطمأنينة‪ ,‬والكذب يؤدي إىل الشك والريبة‪،‬‬
‫فعن احلسن بن علي ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬دع ما يريبك إيل ما ال يريبك‪ ,‬فإن الصدق‬
‫طمأنينة وإن الكذب ريبة" [الرتمذي (‪ )2518‬وصححه األلباين]‬
‫فالصادق ال يقع يف ريبة ويكون حامسًا واث ًقا من كالمه ال خيالف‬
‫الصدق‪ ,‬وحيذر من الكذب وأحوال الكذابني‪.‬‬

‫أيها اإلخوة‪ :‬وأعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية‪ ،‬وهي كمال االنقياد‬
‫للرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مع كمال اإلخالص للمرسل‪َ ( :‬و َم ْن‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين أَْن َع َم اللَّهُ َعلَْي ِه ْم م َن النَّبِيِّ َ‬
‫ني‬ ‫ول فَأُولَئِ َ‬
‫ك َم َع الذ َ‬ ‫يُ ِط ِع اللَّهَ َو َّ‬
‫الر ُس َ‬
‫ض ُل ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫الصاحِلِني وحسن أُولَئِ ِ‬ ‫ِّيقني والش ِ‬ ‫و ِّ ِ‬
‫ك الْ َف ْ‬
‫ك َرفي ًقا * َذل َ‬ ‫َ‬ ‫ُّه َداء َو َّ َ َ َ ُ َ‬ ‫الصد َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما ) [النساء‪ .]70 ،69 :‬والص ّديقية مرتبة عالية من‬ ‫اللَّه َو َك َفى باللَّه َعل ً‬
‫مراتب الوالية والقرب من اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬وتعاىل‪ ,‬والصدِّيق كثري‬
‫الصدق‪ ،‬الذي مل يصدر منه الكذب أصالً‪ ،‬الذي صدق بقوله واعتقاده‬
‫‪ 8‬من ‪17‬‬

‫وأعماله‪ ،‬والصديقون قوم دون األنبياء يف الفضيلة‪ ،‬ودرجتهم تلي درجة‬


‫النبيني‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫ورسول اإلسالم حممد بن عبد اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان يل ّقب‬
‫بالصادق األمني يف م ّكة كما هو معروف ومشهور‪ ،‬وصاحبه ورفيقه‬
‫وأول خلفاءه على املسلمني من بعده هو أبو بكر الص ّديق ‪-‬رضي اهلل‬
‫َّق بِِه أُولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫صد َ‬ ‫عنه‪ .-‬قال جل وعال‪( :‬والَّ ِذي جاء بِ ِّ ِ‬
‫الص ْدق َو َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫الْ ُمَّت ُقو َن) [الزمر‪.]33 :‬‬

‫أيها اإلخوة‪ :‬والصدق‪ :‬هو مطابقة القول للواقع‪ ،‬وهو الوفاء هلل بالعمل‪،‬‬
‫والقول باحلق يف مواطن اهللكة‪ ،‬ويطلق الصدق على معان كثرية‪ :‬منها‬
‫الصدق يف القول‪ ،‬فال يتكلم إال بالصدق‪ ،‬والصدق باللسان أشهر أنواع‬
‫الصدق وأظهرها‪ ،‬وينبغي للعبد أن يراعي معىن الصدق يف ألفاظه اليت‬
‫يناجي هبا ربه‪ ،‬فإن كان قلبه منصرفاً عن اهلل‪ ،‬مشغوالً بالدنيا‪ ،‬فهو‬
‫كاذب‪.‬‬

‫ومنها الصدق يف النية واإلرادة‪ ،‬وذلك يرجع إىل اإلخالص‪ ،‬فإن فقد‬
‫ذلك بطل صدق النية‪ ،‬ومنها الصدق يف العزم والوفاء به كأن يقول‪ :‬إن‬
‫‪ 9‬من ‪17‬‬

‫آتاين اهلل ماالً تصدقت به وحنوه‪ ،‬ومنها الصدق يف األعمال‪ ،‬وهو أن‬
‫تستوي سريرته وعالنيته يف مجيع أعماله‪ ،‬ومنها الصدق يف مقامات‬
‫الدين كالصدق يف اخلوف والرجاء‪ ،‬والزهد واحلب‪ ،‬والتوكل على اهلل‬
‫وحنو ذلك‪.‬‬

‫وكل من عامل اهلل بالص دق اس تأنس ب ه‪ ،‬واس توحش من اخلل ق‪ ،‬ومن‬


‫عالم ات الص دق‪ :‬كتم ان الطاع ات واملص ائب مجيع اً‪ ,‬وكراهة اطالع‬
‫اخللق على ذل ك‪ ،‬ومق ام الص ديقني مق ام رفي ع‪ ،‬ومع علو ه ذا املق ام فهو‬
‫بفضل اهلل ميس ور ملن أراده‪ ،‬وليس وقف اً على أف راد‪ ،‬وال على طائف ة‪،‬‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫فكل من حيقق إميانه باهلل ورس له فله حظ يف ه ذا املق ام الرفيع‪َ ( :‬والذ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َج ُر ُه ْم‬
‫الش َه َداءُ عْن َد َرهِّب ْم هَلُ ْم أ ْ‬
‫الص دِّي ُقو َن َو ُّ‬
‫ك ُه ُم ِّ‬‫َآمنُ وا بِاللَّ ِه َو ُر ُس ل ِه أُولَئِ َ‬
‫ور ُه ْم ) [احلديد‪.]19 :‬‬ ‫َونُ ُ‬

‫وال ريب أن الصدق خصلة حممودة‪ ،‬وسجية مرغوبة‪ ،‬تألفها الفطر‬


‫السوية‪ ،‬وتدعو إليها الشرائع السماوية‪ ,‬فهو فضيلة قلما تتوفر يف إنسان‬
‫إال ورفعته إىل أوج السعادة النفسية‪ ,‬وذروة الكمال الذايت‪ ,‬ومنتهى‬
‫مراقي اإلنسانية‪ ،‬وأن الناس جبلوا على االقتداء والتأسي‪ ،‬فإذا رأوا‬
‫شخصاً تقياً ورعاً صادقاً انتهجوا مناهجه واقتفوا أثره‪.‬‬
‫‪ 10‬من ‪17‬‬

‫والصادق مطلوبه رضا ربه‪ ،‬وتنفيذ أوامره‪ ،‬وتتبع حمابّه‪ ،‬فهو متقلب فيها‬
‫يسري معها حيث سارت‪ ،‬فبينما هو يف صالة‪ ،‬إذ رأيته يف ذكر‪ ،‬مث يف‬
‫غزو‪ ،‬مث يف حج‪ ،‬مث يف إحسان إىل اخللق‪ ،‬مث يف أمر باملعروف‪ ،‬مث يف هني‬
‫عن منكر‪ ،‬أو يف عيادة مريض‪ ،‬أو تشييع جنازة أو نصر مظلوم‪ ,‬أو غري‬
‫ذلك من القرب والطاعات وأعمال الرب املختلفة‪.‬‬

‫والصدق سجية كرمية تدل على سالمة الفطرة للمتصف هبا‪ ،‬وثقته‬
‫بنفسه وبُعده عن التكلف والتصنع‪ ،‬وقد اعترب اإلسالم الصدق أساس‬
‫كل اخلري وأن اإلسالم يؤكد على الصدق أكرب تأكيد وحيث الناس على‬
‫مالزمته ولو كان مظنة إلضرار يسري‪ .‬وأقل الصدق هو استواء السر‬
‫والعالنية والصادق من صدق يف اقواله والص ّديق من صدق يف مجيع‬
‫اقواله وأفعاله وأحواله‪.‬‬

‫ومن درجات الصدق‪ :‬أن ال يتمىن احلياة إال للحق‪ ،‬وال يشهد من نفسه‬
‫الر َخص‪ ،‬فهو ال حيب أن يعيش إال‬‫إال أثر النقصان‪ ،‬وال يلتفت إىل ترفيه ُّ‬
‫ليشبع من رضا حمبوبه‪ ،‬ويقوم بعبوديته ال لعلة من علل الدنيا وشهواهتا‪،‬‬
‫وال يرى نفسه إال مقصراً قليل الزاد‪.‬‬
‫‪ 11‬من ‪17‬‬

‫ومن درجات الصدق‪ :‬الصدق يف معرفة الصدق‪ ،‬فإن العبد إذا صدق اهلل‬
‫رضي اهلل بعمله وحاله ويقينه؛ ألنه قد رضي باهلل رباً‪ ،‬وباإلسالم ديناً‪،‬‬
‫ومبحمد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬رسوالً‪ ،‬فرضي اهلل به عبداً‪ ،‬ورضي‬
‫ين َآمنُوا َو َع ِملُوا‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫بأقواله وأعماله القائمة على اإلخالص واملتابعة‪( :‬إ َّن الذ َ‬
‫َّات َع ْد ٍن جَتْ ِري‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصاحِل ِ‬
‫ات أُولَئِ َ‬
‫ك ُه ْم َخْيُر الْرَبِ يَّة * َجَز ُاؤ ُه ْم عْن َد َرهِّب ْم َجن ُ‬ ‫َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِمن حَت تِها اأْل َْنهار خالِ ِد ِ‬
‫ك‬‫ضوا َعْنهُ َذل َ‬ ‫ين ف َيها أَبَ ًدا َر ِض َي اللَّهُ َعْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫ْ َْ َُ َ َ‬
‫لِ َم ْن َخ ِش َي َربَّهُ) [البينة‪.]8 - 7 :‬‬

‫ويف الصدق طمأنينة‪ ،‬ومنجاة يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فتحروا الصدق ‪-‬يا‬


‫عباد اهلل‪ -‬وإن رأيتم أن فيه اهلَلَ َكة‪ ،‬فإن فيه النجاة‪.‬‬
‫أسأل اهلل تعاىل أن جيعلنا مع الصادقني‪ ,‬وأن حيشرنا معهم وأن يعصمنا‬
‫من الكذب والزلل‪ .‬أقول قويل هذا واستغفر اهلل العظيم اجلليل يل ولكم‬
‫ولسائر املسلمني من كل ذنب‪ ،‬فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪ 12‬من ‪17‬‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬

‫احلمد هلل ال ذي جعل يف ِس رَي الص احلني ع ربة للمعت ربين‪ ،‬وذك رى‬
‫للذاكرين‪ ،‬وجعل يف الصادقني منهم أسوة وقدوة للمقتدين‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬وح ده ال ش ريك ل ه‪ ،‬إله األولني واآلخ رين‪ ،‬وأش هد أن‬
‫حمم داً عبد اهلل ورس وله‪ ،‬ص لى اهلل عليه وعلى آله وأص حابه ال ذين‬
‫أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪ :‬أيها الن اس‪ :‬اتق وا اهلل تع اىل‪ ،‬وأص لحوا قل وبكم وأعم الكم‪،‬‬
‫ين َآمنُواْ َّات ُق واْ اللّهَ َح َّق‬ ‫َّ ِ‬
‫وأطيعوا اهلل ورسوله إن كنتم مؤمنني (يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫تُ َقاتِِه َوالَ مَتُوتُ َّن إِالَّ َوأَنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن) [آل عمران‪.]102 :‬‬

‫أيها اإلخوة‪ :‬عليكم بالصدق يف كل جماالت احلياة‪ ،‬واعلموا أن للصدق‬


‫وأجورا عظيمة؛ منها‪:‬‬
‫ً‬ ‫مآثر رفيعة ومناقب جليلة‪،‬‬

‫أن من ض رورات احلي اة االجتماعي ة‪ ،‬ومقوماهتا األص لية اليت تق وم عليها‪:‬‬


‫ش يوع التف اهم والت آزر بني عناصر اجملتمع وأف راده‪ ،‬ليس تطيعوا ب ذلك‬
‫النه وض بأعب اء احلي اة‪ ،‬وحتقيق غاياهتا وأه دافها‪ ،‬وذلك ال يتحقق إال‬
‫بالتف اهم الص حيح‪ ،‬وتب ادل الثقة‪ .‬وب ديهي أن اللس ان هو أداة التف اهم‪،‬‬
‫ومنطلق املعاين واألفكار‪ ،‬والرتمجان املفسر عما يدور يف خلد الناس‪ ،‬فهو‬
‫‪ 13‬من ‪17‬‬

‫دورا خط ًريا يف حي اة اجملتم ع‪ ،‬وجتاوب مش اعره وأفك اره‪ ,‬وعلى‬


‫يلعب ً‬
‫صدقه أو كذبه ترتكز سعادة اجملتمع أو شقاؤه‪ ،‬فإن كان اللسان صادق‬
‫اللهج ة‪ ،‬أمينًا يف ترمجة خ واجل النفس وأغراض ها‪ ،‬أدى رس الة التف اهم‬
‫والتواث ق‪ ،‬وك ان رائد خ ري‪ ،‬وإن ك ان متص ًفا باخلداع وال تزوير‪ ،‬وخيانة‬
‫الرتمجة واإلع راب‪ ،‬غ دا رائد ش ر‪ ،‬وم دعاة تن اكر وتب اغض بني أف راد‬
‫اجملتمع‪.‬‬

‫من أجل ذلك كان الصدق من ضرورات اجملتمع‪ ،‬وحاجاته امللحة‪،‬‬


‫وكانت له آثاره وانعكاساته يف حياة اجملتمع‪ ,‬فهو نظام عقد اجملتمع‬
‫السعيد‪ ،‬ورمز خلقه الرفيع‪ ،‬ودليل استقامة أفراده ونبلهم‪ ،‬والباعث‬
‫القوي على طيب السمعة‪ ،‬وحسن الثناء والتقدير‪ ،‬وكسب الثقة‬
‫واالئتمان من الناس‪.‬‬

‫كما له آثاره ومعطياته يف توفري الوقت الثمني‪ ،‬وكسب الراحة اجلسمية‬


‫مجيعا من عناء‬ ‫والنفسية‪ ،‬فإذا صدق املتبايعون يف مبايعاهتم‪ ،‬ارتاحوا ً‬
‫املماكسة‪ ،‬وضياع الوقت الثمني يف نشدان الواقع‪ ،‬وتأمل معي هذا‬
‫ول اللَّ ِه‬ ‫ال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬ ‫‪-‬ر ِض َي اللَّهُ َعْنهُ‪ -‬قَ َ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫احلديث فعن َحكي ِم بْ ِن حَزام َ‬
‫ان بِاخْلِيَا ِر َما مَلْ َيَت َفَّرقَا‪ ،‬أ َْو قَ َ‬
‫ال َحىَّت‬ ‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬الْبِّيع ِ‬
‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َدقَا َو َبَّينَا بُو ِر َك هَلَُما يِف َبْيع ِه َما‪َ ،‬وإِ ْن َكتَ َما َو َك َذبَا حُم َق ْ‬
‫ت‬ ‫َيَت َفَّرقَا‪ ،‬فَِإ ْن َ‬
‫‪ 14‬من ‪17‬‬

‫َبَر َكةُ َبْيعِ ِه َما" [البخاري (‪ )2079‬ومسلم (‪ .])1532‬فالربكة يف البيع‬


‫والشراء مرتبطة بصدق البائع واملشرتي وعدم كتمان العيب‪ ،‬والعكس‬
‫بالعكس‪.‬‬

‫وإذا تواطأ أرباب األعمال والوظائف على التزام الصدق‪ ،‬كان ذلك‬
‫ضمانًا لصيانة حقوق الناس‪ ،‬واستتاب أمنهم ورخائهم‪ ،‬وإذا حتلى كافة‬
‫الناس بالصدق‪ ،‬أحرزوا منافعه اجلمة‪ ،‬ومغامنه اجلليلة‪ ،‬وإذا شاع الكذب‬
‫يف اجملتمع‪ ،‬وهت قيمه األخالقية‪ ،‬وساد التربم والسخط بني أفراده‪ ،‬وعز‬
‫فيه التفاهم والتعاون‪ ،‬وغدا عرضة للتبعثر واالهنيار‪.‬‬

‫أيها اإلخوة‪ :‬إن أعظم ما يف الصدق أنه يقود صاحبه إىل اجلنة‪ ،‬وهذا هو‬
‫الفوز‪ ،‬فعن أيب أمامة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬أنا‬
‫زعيم ببيت يف ربض اجلنة ملن ترك املراء وإن كان حمقًّا‪ ،‬وببيت يف وسط‬
‫حسن‬
‫مازحا وببيت يف أعلى اجلنة ملن ُ‬
‫اجلنة ملن ترك الكذب وإن كان ً‬
‫الربح األوفر‬
‫خلقه" [أبو داود (‪ )4800‬وحسنه األلباين]‪ ،‬فهذا هو ّ‬
‫ألهل الصدق‪ ،‬وأي ربح أعظم من اجلنة‪.‬‬

‫ومن مثرات الصدق أنه مييز أهل النفاق من أهل اإلميان‪ ،‬وسكان اجلنان‬
‫من أهل النريان‪ ،‬ويف حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه قال عليه الصالة‬
‫‪ 15‬من ‪17‬‬

‫والسالم‪" :‬آية املنافق ثالث إذا حدث كذب" [البخاري(‪.])33‬‬


‫فالبصدق تعلو منزلتك عند خالقك ويشرف قدرك عند خلقه‪ ،‬وبالصدق‬
‫يصفو بالك ويطيب عيشك‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬من أجل ذلك كله كان الصدق من أهم املطالب يف هذه‬
‫احلياة‪ ،‬لذا فهو منجاة والطريق إليه صعب املنال‪ ،‬فال يطيقه إال أهل‬
‫العزائم وال يصرب عليه إال أصحاب اهلمم‪ ،‬يقول ابن القيم رمحه اهلل‬
‫تعاىل‪" :‬فحمل الصدق كحمل اجلبال الرواسي‪ ,‬ال يطيقه إال أصحاب‬
‫العزائم‪ ,‬فهم يتقلبون حتته تقلب احلامل حبمله الثقيل"‪.‬‬

‫فاصدق مع اهلل تعاىل ترى كل خري واستحضر ما ورد عن النيب ‪-‬صلى‬


‫اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬من سأل اهلل الشهادة بصدق‪ ،‬بلغه اهلل منازل‬
‫الشهداء‪ ،‬وإن مات على فراشه" [مسلم(‪ ])1909‬فانظر؛ ملا سأل اهلل‬
‫وكان صادقا رفعه اهلل إىل رتبة الشهداء‪.‬‬

‫اح ذر الك ذب مع اهلل ف إذا ك ان الص دق مع اهلل تع اىل هبذه املنزل ة‪ ،‬فقد‬
‫حذر اهلل عباده من ضد ذلك وبني سوء العاقبة ملن وقع فيه‪ ,‬حيث قال‪:‬‬
‫ني‬ ‫ص َّدقَ َّن ولَنَ ُك ونَ َّن ِمن َّ حِلِ‬ ‫(و ِمْنهم من عاه َد اللَّه لَئِن آتَانَا ِمن فَ ْ ِ ِ‬
‫الص ا َ‬ ‫َ‬ ‫ضله لَنَ َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُْ َْ َ َ َ ْ‬
‫ض و َن * فَ أ َْع َقَب ُه ْم نَِفاقًا‬ ‫* َفلَ َّما آتَ اهم ِمن فَ ْ ِ ِ ِ ِ‬
‫ض له خَب لُ وا بِ ه َوَت َولَّْوا َو ُه ْم ُم ْع ِر ُ‬ ‫ُْ ْ‬
‫‪ 16‬من ‪17‬‬

‫َخلَ ُف وا اللَّهَ َما َو َع ُدوهُ َومِبَا َك انُوا يَ ْك ِذبُو َن)‬ ‫مِب‬ ‫ِ‬ ‫هِبِ‬
‫يِف ُقلُ و ْم إِىَل َي ْوم َي ْل َق ْونَهُ َا أ ْ‬
‫[التوبة‪.]77 - 75 :‬‬

‫إن الكذب رأس الرذائل‪ ،‬فبالكذب يتصدع بناء اجملتمع‪ ،‬وخيتل نظامه‪،‬‬
‫ويسقط صاحبه من العيون‪ ،‬وتدور حوله الظنون‪ ،‬فال يصدقونه يف قول‪،‬‬
‫وال يثقون به يف عمل‪ ،‬وال حيبون له جملسا‪ ،‬أحاديثه منبوذة‪ ،‬وشهادته‬
‫مردودة‪ ,‬قال تعاىل‪( :‬إِمَّنَا ي ْف ِ ي الْ َك ِذب الَّ ِذين اَل ي ْؤ ِمنُو َن بِآي ِ‬
‫ات اللَّ ِه‬‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ رَت‬
‫ك ُه ْم الْ َك ِاذبُو َن ) [ النحل ‪.] 105‬‬ ‫َوأ ُْولَئِ َ‬

‫قال ابن حبان ‪-‬رمحه اهلل‪" :-‬الصدق يرفع املرء يف الدارين‪ ،‬كما أن‬
‫الكذب يهوي به يف احلالني‪ ،‬ولو مل يكن الصدق حتمد إال أن املرء إذا‬
‫عرف به قبل كذبه‪ ،‬وصار صدقا عند من يسمعه؛ لكان الواجب على‬
‫العاقل أن يبلغ جمهوده يف رياضة لسانه‪ ،‬حىت يستقيم له على الصدق‬
‫وجمانبة الكذب"‪.‬‬

‫أسأل اهلل أن يرزقنا اإلخالص يف األقوال واألعمال‪ ،‬وأن حيسن لنا اخلتام‪،‬‬
‫وأال يتوفانا إال وهو ٍ‬
‫راض عنا‪ ،‬اللهم ارزقنا قبل املوت توبة‪ ،‬وعند املوت‬
‫ونعيما‪.‬‬
‫شهادة‪ ،‬وبعد املوت جنة ً‬
‫بطاقة تعريفية‬
‫زياد الريسي‬ ‫بحثها‬
‫عبد العزيز الشامي‬ ‫أعدها‬
‫‪ 17‬من ‪17‬‬
‫شايف المعصار‬ ‫راجعها‬

You might also like