You are on page 1of 11

‫‪ 1‬من ‪11‬‬

‫فضائل األشهر احلُُرم ‪ ...‬ووجوب احرتامها‬ ‫عنوان اخلطبة‬


‫‪/1‬بعض احلِ َكم يف تفضيل بعض األوقات على بعض‬ ‫عناصر اخلطبة‬
‫‪/2‬على املسلم احرتام قدسية األشهر احلرم والتوبة إىل‬
‫اهلل ‪/3‬الكيِّس من دان نفسه وعمل ملا بعد املوت‬
‫‪/4‬مزية األشهر احلرم وخصوصيتها‬
‫الخطبة األولى‪:‬‬

‫إن احلمد هلل حنم ده ونس تعينه ونس تغفره‪ ،‬ونع وذ باهلل من ش رور ِ‬
‫أنفس نا‬
‫هادي له‪،‬‬
‫َ‬ ‫وم ْن يُضلِ ْل فال‬
‫مضل له‪َ ،‬‬
‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من ِ‬
‫يهده اهللُ فال َّ‬ ‫َْ‬
‫هد َّ‬
‫أن حمم ًدا عب ُده‬ ‫ريك ل ه‪ ،‬وأش ُ‬ ‫هد أاَّل إل هَ إاَّل اهللُ وح َده ال ش َ‬
‫أش ُ‬
‫العقول‪،‬‬
‫َ‬ ‫ورسولُه‪ ،‬أرسله اهلل رمحة للعاملني‪ ،‬فشََرح به الصدورَ‪ ،‬وأنار به‬
‫صما‪ ،‬وقلوبً ا غُ ًلف ا‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله‬
‫وآذان ا ًّ‬
‫مي ا‪ً ،‬‬ ‫وفتَح به أعينً ا ُع ً‬
‫كثريا إىل يوم الدين‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫وصحبه‪ ،‬وسلم‬
‫احلديث كت اب ِ‬
‫اهلل‪ ،‬وأوثق العُ رى كلمة التق وى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫دق‬
‫أما بع ُد‪ :‬ف إن أص َ‬
‫ُ‬
‫وخري الِْمَل ل ملة إب راهيم‪ ،‬وأحسن القصص كالم اهلل‪ ،‬وأفضل اهلدي‬
‫ُ‬
‫‪ 2‬من ‪11‬‬

‫حمدثة‬
‫ه دي حممد ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،-‬وشر األم ور حمدثاهتا‪ ،‬وكل َ‬
‫بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪.‬‬

‫اهلل‪ :‬الدنيا متاع الغرور‪ ،‬وميدان االمتحان واالبتالء‪ ،‬واآلخرة هي‬ ‫عبادَ ِ‬
‫دار البق اء واحلس اب واجلزاء‪( ،‬فَ َم ْن َي ْع َم ْل ِم ْث َق َ‬
‫ال َذ َّر ٍة َخْي ًرا َي َرهُ * َو َم ْن‬
‫)[الزلَْزلَ ِة‪ ،]8-7 :‬فاتقوا اهلل فيما أمَ ر‪ ،‬وانتَ ُه وا‬ ‫ال ذَ َّر ٍة َش ًّرا َي َرهُ َّ‬ ‫َي ْع َم ْل ِم ْث َق َ‬
‫َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫س َما‬ ‫ين َآمنُ وا َّات ُق وا اللهَ َولَْتْنظُ ْر نَ ْف ٌ‬ ‫عما هنى عنه وزجَ ر؛ (يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ت لِغَ ٍد َو َّات ُقوا اللَّهَ إِ َّن اللَّهَ َخبِريٌ مِب َا َت ْع َملُو َن)[احْلَ ْش ِر‪.]18 :‬‬ ‫َّم ْ‬
‫قَد َ‬
‫معاشرَ المسلمينَ‪ :‬إن أجزاء الزمان متشابِهة يف الظاهر‪ ،‬لكن اهلل فضَّل‬
‫وعظم بعض األوق ات‪ ،‬وجعل فيها مزي دا من اخلص ائص والربك ات؛‬
‫(و َما أ َْد َر َاك َما لَْيلَ ةُ الْ َق ْد ِر * لَْيلَ ةُ‬
‫ففضل على مجيع اللي ايل ليلة الق در‪َ ،‬‬
‫ف َش ْه ٍر)[الْ َق ْد ِر‪ ،]3-2 :‬وفضل يوم اجلمعة ويوم عرفة‬ ‫الْ َق ْد ِر َخْير ِمن أَلْ ِ‬
‫ٌ ْ‬
‫نزل فيه الق رآن‬ ‫على س ائر األي ام‪ ،‬وجعل رمض ان أفضل الش هور؛ حيث أ َ‬
‫وحذر من‬ ‫وعظم حرمة األش هر احلرم بنص الق رآن‪َّ ،‬‬ ‫وف رض الص يام‪َّ ،‬‬
‫الش ُهو ِر ِعْن َد اللَّ ِه ا ْثنَا َع َش ر َش ْهرا يِف‬ ‫انته اك حرمتها فق ال‪( :‬إِ َّن ِع َّد َة ُّ‬
‫َ ً‬
‫‪ 3‬من ‪11‬‬

‫ِ‬
‫ِّين‬ ‫ض ِمْن َها أ َْر َب َع ةٌ ُح ُر ٌم َذل َ‬
‫ك ال د ُ‬
‫ِ‬ ‫اب اللَّ ِه َي ْو َم َخلَ َق َّ‬
‫الس َم َاوات َواأْل َْر َ‬ ‫كِتَ ِ‬
‫الْ َقيِّ ُم فَاَل تَظْلِ ُموا فِي ِه َّن أَْن ُف َس ُك ْم)[الت َّْوبَِة‪.]36 :‬‬

‫وقد أكَّد النيبُّ ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف خطبة الوداع على إبقاء احلرمة‬
‫والتعظيم هلذه األش هر؛ فعن أيب بك رة ‪-‬رضي اهلل عن ه‪ -‬أن النيب ‪-‬ص لى‬
‫‌استَ َد َار َك َهْيئَتِ ِه َي ْو َم‬ ‫ِ‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ -‬قال يف خطبة الوداع‪‌" :‬إِ َّن َّ‬
‫‌الز َما َن‌قَد ْ‬
‫الس نَةُ ا ْثنَا َع َش َر َش ْهًرا‪ِ ،‬مْن َها أ َْر َب َع ةٌ ُح ُر ٌم‪،‬‬ ‫ض‪َّ ،‬‬ ‫خلَ ق اللَّه َّ ِ‬
‫الس َم َوات َواأل َْر َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ض َر الَّ ِذي‬ ‫ب‪ُ ،‬م َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪ :‬ذُو ال َق ْع َدة‪َ ،‬وذُو احل َّجة‪َ ،‬واملُ َح َّر ُم‪َ ،‬و َر َج ُ‬
‫ثَاَل ٌ ِ‬
‫ث ُمَت َواليَ ٌ‬
‫َي َش ْه ٍر َه َذا؟ " ُق ْلنَا‪ :‬اللَّهُ َو َر ُس ولُهُ أ َْعلَ ُم‪،‬‬ ‫َبنْي َ مُجَ َادى‪َ ،‬و َش ْعبَا َن"‪ ،‬مث قال‪ :‬أ ُّ‬
‫س ذَا احلِ َّج ِة؟" ُق ْلنَ ا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬‫َ‬‫ل‬‫َ‬‫أ‬ ‫"‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫فَس َكت حىَّت ظََننَّا أَنَّه سيس ِّم ِيه بِغَ ِ امْسِ ِ‬
‫ه‬ ‫رْي‬ ‫ُ َُ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫بلَى‪ ،‬قَ َال‪" :‬أ ُّ ٍ‬
‫ت َحىَّت ظََننَّا‬ ‫َي َبلَ د َه َذا؟" ُق ْلنَ ا‪ :‬اللَّهُ َو َر ُس ولُهُ أ َْعلَ ُم‪ ،‬فَ َس َك َ‬ ‫َ‬
‫َي َي ْوٍم‬ ‫الب ْل َد َة؟" ُق ْلنَ ا‪َ :‬بلَى‪ ،‬قَ َال‪" :‬فَ أ ُّ‬ ‫س َ‬
‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫أَنَّهُ َسيُ َس ِّميه بغَرْي امْس ه‪ ،‬قَ َال‪" :‬أَلَْي َ‬
‫ت َحىَّت ظََننَّا أَنَّهُ َسيُ َس ِّم ِيه بِغَرْيِ امْسِ ِه‪،‬‬ ‫َه َذا؟" ُق ْلنَ ا‪ :‬اللَّهُ َو َر ُس ولُهُ أ َْعلَ ُم‪ ،‬فَ َس َك َ‬
‫َّح ِر؟" ُق ْلنَ ا‪َ :‬بلَى‪ ،‬قَ َال‪ " :‬فَ ِإ َّن ِد َم اءَ ُك ْم َوأ َْم َوالَ ُك ْم ‪-‬‬ ‫س َي ْو َم الن ْ‬ ‫قَ َال‪" :‬أَلَْي َ‬
‫اض ُك ْم َعلَْي ُك ْم َح َر ٌام‪َ ،‬ك ُح ْر َم ِة َي ْو ِم ُك ْم‬ ‫َحس بُهُ قَ َال ‪َ -‬وأ َْعَر َ‬
‫قَ َال حُم َّم ٌد‪ :‬وأ ِ‬
‫َ َ ْ‬
‫َه َذا‪ ،‬يِف َبلَ ِد ُك ْم َه َذا‪ ،‬يِف َش ْه ِر ُك ْم َه َذا‪َ ،‬و َس َت ْل َق ْو َن َربَّ ُك ْم‪َ ،‬فيَ ْس أَلُ ُك ْم َع ْن‬
‫‪ 4‬من ‪11‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اب َب ْع ٍ‬
‫ض‪،‬‬ ‫ض ُك ْم ِرقَ َ‬
‫ب َب ْع ُ‬ ‫ض ِر ُ‬
‫ض اَّل اًل ‪ ،‬يَ ْ‬
‫أ َْع َم ال ُك ْم‪ ،‬أَاَل فَاَل َت ْرجعُ وا َب ْع دي ُ‬
‫ِ‬ ‫أَاَل لِيبلِّ ِغ َّ ِ‬
‫ت‪ ،‬أَاَل َه ْل َبلَّ ْغ ُ‬
‫ت‬ ‫ب"‪ ،‬مث ق ال‪" :‬أَاَل َه ْل َبلَّ ْغ ُ‬ ‫الش اه ُد الغَ ائ َ‬ ‫َُ‬
‫َمَّرَتنْي ِ "(متفق عليه)‪.‬‬

‫اهلل‪ :‬إن اإلس راف على النفس ب اقرتاف احملرَّم ات‪ ،‬وارتك اب‬
‫عب ادَ ِ‬
‫احملظ ورات‪ ،‬وتع ريض النفس للعق اب‪ ،‬وللمس اءلة واحلس اب‪ ،‬كله داخل‬
‫يف ظلم النفس‪ ،‬وانته اك حرمة األش هر احلرم‪ ،‬وقد ق ال اهلل‪( :‬فَاَل تَظْلِ ُم وا‬
‫حرمة وعظمة األش هر احلرم‪،‬‬ ‫فِي ِه َّن أَْن ُف َس ُك ْم)[الت َّْوبَ ِة‪ ،]36 :‬ف احرتِموا َ‬
‫والظْلّم‪ ،‬وس ارِعوا بالتوبة بعد احلوب ة‪ ،‬واحرص وا على‬ ‫واتق وا اهلل وإيَّاكم ُّ‬
‫ين إِذَا‬ ‫مب ادَرة الس يئات باحلس نات‪ ،‬وكون وا كمن ق ال اهلل فيهم‪ِ َّ :‬‬
‫(والذ َ‬ ‫َ‬
‫اسَت ْغ َف ُروا لِ ُذنُوهِبِ ْم َو َم ْن َي ْغ ِف ُر‬ ‫ِ‬
‫َف َعلُوا فَاح َشةً أ َْو ظَلَ ُموا أَْن ُف َس ُه ْم ذَ َكُروا اللَّهَ فَ ْ‬
‫ك َج َز ُاؤ ُه ْم‬ ‫صُّروا َعلَى َما َف َعلُوا َو ُه ْم َي ْعلَ ُمو َن * أُولَئِ َ‬ ‫الذنُوب إِاَّل اللَّه ومَل ي ِ‬
‫َُ ُْ‬ ‫ُّ َ‬
‫َج ُر‬ ‫م ْغ ِف رةٌ ِمن رهِّبِم وجنَّات جَتْ ِري ِمن حَتْتِها اأْل َْنه ار خالِ ِد ِ ِ‬
‫ين ف َيها َون ْع َم أ ْ‬ ‫ْ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ َْ ََْ ٌ‬
‫)[آل ِع ْمَرا َن‪.]136-135 :‬‬ ‫ني ِ‬ ‫ِِ‬
‫الْ َعامل َ‬

‫معاشرَ المس لمينَ‪ :‬إن اح رتام تلك األوق ات قربة وطاع ة‪ ،‬وانته اك‬
‫ات اللَّ ِه َف ُه َو َخْي ٌر‬
‫ك ومن يعظِّم حرم ِ‬ ‫ِ‬
‫حرمتها معصية قبيحة وإساءة؛ (ذَل َ َ َ ْ ُ َ ْ ُ ُ َ‬
‫‪ 5‬من ‪11‬‬

‫لَ هُ ِعْن َد َربِِّه)[احْلَ ِّج‪ ،]30 :‬فوق وع الطاعة يف فاضل األوق ات أك ثر ت أثريًا‬
‫خطرا عليها‪.‬‬‫أعظم وأشدُّ ً‬
‫يف طهارة وتزكية النفس‪ ،‬ووقوع املعاصي فيها ُ‬

‫اهلل‪ :‬إن لبعض األوقات ً‬


‫أثرا يف زيادة الثواب على الطاعات‪ ،‬وزيادة‬ ‫عبادَ ِ‬
‫العق اب على احملظ ورات‪ ،‬فاملعص ية فيها أشد عقابً ا‪ ،‬والطاعة فيها أك ثر‬
‫أجر الطاعةِ وذنب‬ ‫ثوابً ا‪ ،‬وكلما عظمت حرمة الزم ان واملك ان َعُظَم ُ‬
‫غلظوا الدية على القاتل بسبب وقوع القتل‬ ‫العصيانِ‪ ،‬وكثريٌ من الفقهاء َّ‬
‫عزُروا على انته اك احلرم ات‪ ،‬وك ان الع رب‬ ‫يف ه ذه األش هر‪ ،‬كما َّ‬
‫احل ُرم‪ ،‬حىت لو لقي الرجل َ‬
‫قاتل‬ ‫يتمسَّكون مبلة إبراهيم يف تعظيم األشهر ُ‬
‫ك‬ ‫وحرمتها فق ال‪( :‬يَ ْس أَلُونَ َ‬ ‫َ‬ ‫عظمتها‬
‫أقر الش ارعُ َ‬ ‫أبيه مل يتعرَّض ل ه‪ ،‬وقد َّ‬
‫ص ٌّد َع ْن َسبِ ِيل اللَّ ِه َو ُك ْفٌر بِ ِه‬ ‫ع ِن الشَّه ِر احْل ر ِام قِتَ ٍال فِ ِيه قُل قِتَ ٌ ِ ِ‬
‫ال فيه َكبِريٌ َو َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ‬
‫اج أ َْهلِ ِه ِمْنهُ أَ ْكَب ُر ِعْن َد اللَّ ِه َوالْ ِفْتنَ ةُ أَ ْكَب ُر ِم َن الْ َقْت ِل)‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫َوالْ َم ْسجد احْلََرام َوإ ْخَر ُ‬
‫[الَْب َقَر ِة‪.]217 :‬‬

‫اهلل‪ :‬أَِّطنُ وا أنفس َكم على الطاع ة‪ ،‬واس تعينوا عليها بالتوبة‬‫عب ادَ ِ‬
‫واالس تغفار‪ ،‬واألوبة واالنكس ار‪ ،‬ومراقَبة الواحد القهَّار‪ ،‬يف السر‬
‫(و َذ ُروا‬
‫والنج وى‪ ،‬يف الليل والنه ار‪ ،‬أع وذ باهلل من الش يطان ال رجيم‪َ :‬‬
‫‪ 6‬من ‪11‬‬

‫اطنَ ه إِ َّن الَّ ِذين يك ِ‬


‫ْس بُو َن اإْلِ مْثَ َس يُ ْجَز ْو َن مِب َا َك انُوا َي ْقرَتِ فُ و َن)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ‬ ‫ظَ اهَر اإْلِ مْثِ َوبَ ُ‬
‫[اأْل َْن َع ِام‪.]120 :‬‬

‫ب ارَك اهلل يل ولكم يف الق رآن العظيم‪ ،‬ونفعين وإي اكم مبا فيه من اآلي ات‬
‫اجلليل يل ولكم‬
‫َ‬ ‫اهلل العظيمَ‬
‫والذِّْكر احلكيم‪ ،‬أق ول ما تس معون وأس تغفِر َ‬
‫فاستغفِروه‪ ،‬إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪ 7‬من ‪11‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫احلمد هلل محدًا يليق جبالل ه‪ ،‬والص الة والس الم على ص فوته مِْن ُرس ُِله‬
‫وأنبيائه‪ ،‬وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأوليائه‪.‬‬

‫قدر‬ ‫اهلل‪ :‬إن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬مل خيلقكم عبثً ا‪ ،‬ولن ي رتككم ً‬
‫مهلا‪ ،‬وقد َّ‬ ‫عب ادَ ِ‬
‫عملا؛ فال دنيا هي مَي دان االختب ار‪،‬‬ ‫املوت واحلي اة ليبل وكم ُّأيكم أحسن ً‬
‫َس اءَ َف َعلَْي َه ا)‬ ‫واآلخ رةُ هي دار الق رار‪( ،‬من ع ِم ل حِل ِ ِ ِ‬
‫ص ا ًا فَلَن ْفس ه َو َم ْن أ َ‬
‫َْ َ َ َ‬
‫ت‪ ،]46 :‬واجلزاء من جنس العم ل؛ ف الكيِّس مَْن دان نفس َه‬ ‫ص لَ ْ‬
‫[فُ ِّ‬
‫وحاسََبها‪ ،‬وعَ ِم َل ِل َم ا بعد املوت‪ ،‬والع اجز من أتبع نفسه هواه ا‪ ،‬ومتىن‬
‫على اهلل األماين‪.‬‬

‫معاشر المسلمين‪ :‬إن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬مل خيلقكم إال لطاعته‪ ،‬فاحرصوا على‬
‫عبادته تظف روا مبرض اته‪ ،‬وتف وزوا جبنات ه‪ ،‬اغتنِم وا فرصة فاضل األوق ات‪،‬‬
‫وكُُّفوا عن احملظ ورات‪ ،‬واس تعُِّدوا للق اء اهلل؛ فخريُكم َمْن ط ال عمرُه‬
‫(و َما‬
‫وقدموا ألنفس كم نفعً ا‪َ ،‬‬ ‫حسنا‪ِّ ،‬‬ ‫وحسَُن عملُ ه‪َ ،‬أقرِض وا اهلل قرضًا ً‬ ‫َ‬
‫ِّموا أِل َْن ُف ِس ُك ْم ِم ْن خَرْيٍ جَتِ ُدوهُ ِعْن َد اللَّ ِه)[الْ ُمَّز ِّم ِل‪.]20 :‬‬
‫تُ َقد ُ‬
‫‪ 8‬من ‪11‬‬

‫اهلل‪ :‬إن تعظيم حرمة األشهر احلرم‪ ،‬واغتنام فاضل األوقات‪ِ ،‬‬
‫باع ٌ‬
‫ث‬ ‫عبادَ ِ‬
‫واملراجعة وحماس َبة النفس‬ ‫َ‬ ‫مبراقبة اهلل‪ ،‬وجتديد العه د‪،‬‬ ‫على الش عور َ‬
‫ارعوا قبل الف وات‪ ،‬جدِّدوا‬ ‫فاحرص وا على ه ذه األوق ات‪ ،‬وس ِ‬ ‫وض بطها‪ِ ،‬‬
‫بادروا احلياةَ قبل‬ ‫العهد مع اهلل‪ ،‬وإيَّاكم والتسويفَ؛ فإنه ضياع وتفويت‪ِ ،‬‬
‫املوت‪ ،‬والف راغ قبل الش غل‪ ،‬والغىن قبل الفق ر‪ ،‬والش باب قبل َاهل َرم‪،‬‬
‫والصحة قبل السقم‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫س‪:‬‬ ‫اهلل ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬لرجل وهو ِيع ُظ ه‪‌" :‬ا ْغتَنِ ْم‌مَخْ ًس ا‌ َقْب ل‌مَخْ ٍ‬
‫َ‬
‫ك‬‫اك َقْب َل َف ْق ِر َك‪َ ،‬و َفَرا َغ َ‬‫ك‪َ ،‬و ِغنَ َ‬ ‫ك َقْب َل َس َق ِم َ‬
‫ك‪َ ،‬و ِص َّحتَ َ‬ ‫ك َقْب َل َهَر ِم َ‬‫َشبَابَ َ‬
‫ِ‬
‫ك"(أخرجه احلاكم)؛ فالعاقل ال يرضى أن‬ ‫ك َقْب َل َم ْوتِ َ‬
‫ك‪َ ،‬و َحيَاتَ َ‬ ‫َقْب َل ُش ْغل َ‬
‫يضيِّع حلظ ات أنفاس ه‪ ،‬وهي تنقص من عم ره وتض يع سَبَْهًللا‪ ،‬ال يف أمر‬
‫ونقمة إذا‬
‫ٌ‬ ‫سَن استغاللُه‪،‬‬ ‫الدنيا وال يف أمر اآلخرة‪ ،‬وإن الفراغ نعمة إذا َح ُ‬
‫ساء استعمالُه‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال النيب ‪-‬صلى‬
‫الص َّحةُ‬
‫َّاس‪ِّ :‬‬ ‫ان َ‌م ْغبُ و ٌن فِي ِه َما َكثِ ريٌ ِم َن الن ِ‬ ‫اهلل عليه وس لم‪‌" :-‬نِعمتَ ِ‬
‫َْ‬
‫َوالْ َفَراغُ"(أخرجه البخاري)‪.‬‬
‫‪ 9‬من ‪11‬‬

‫اهلل‪ :‬لألش هر احلرم مزية على ما ع داها؛ فناسَب أن يب دأ هبا الع ام‪،‬‬
‫عب ادَ ِ‬
‫وأن تتوسَّطه‪ ،‬وأن خيتم هبا‪ ،‬والش هور كلها مواسم عب ادة‪ ،‬وإن تف اوتت‬
‫واختلفت يف الفضل والوظ ائف‪ ،‬والعمر كله فرصة عمل وطاع ة‪ٌّ ،‬‬
‫وكل‬
‫ميسر ِلَما ُخِلَق له‪.‬‬
‫يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها‪ ،‬وكل َّ‬

‫وبعد عب اد اهلل‪ :‬ف إن من تعظيم حرمة األش هر احلرم اتق اء احملرَّم ات‪،‬‬
‫ثارة ِمن‬ ‫والكفُّ عن الشبهات والبدع اليت مل يأذن اهلل هبا‪ ،‬وليست على أَ ٍ‬
‫ث‌يِف ‌أ َْم ِرنَا‬‫َح َد َ‬ ‫"م ْن‌أ ْ‬
‫عِْلٍم‪ ،‬وقد ج اء عن النيب ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪َ :-‬‬
‫س َعَلْي ِه َأمُْرنَ ا َف ُه َو َرٌّد"‪،‬‬ ‫س فِي ِه‪َ ،‬ف ُه َو َردٌّ‪َ ،‬وَمْن عَ ِم َل َعَمًلا َليْ َ‬ ‫‌ه َذا َما لَْي َ‬ ‫َ‬
‫ليلها‬‫احملجة البيضاء‪ُ ،‬‬ ‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على َّ‬ ‫ُ‬ ‫تركنا‬
‫وقد َ‬
‫كنهاره ا‪ ،‬ال يزيغ عنها إال هالكٌ‪ ،‬فعن العرب اض بن س ارية ‪-‬رضي اهلل‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬الْ َف ْج َر‪‌،‬مُثَّ‌أَْقبَ َل‬‫ول اهلل َ‬
‫عنه‪ -‬قال‪" :‬صلَّى لَنَا رس ُ ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬
‫وب‪،‬‬ ‫‌علَينَ ا‪َ ‌،‬فوعظَنَا مو ِعظَ ةً بلِيغَ ةً‪َ ،‬ذرفَت هَل ا اأْل َْع ‪ ،‬وو ِجلَ ِ‬
‫ت مْن َها الْ ُقلُ ُ‬ ‫َ ْ َ نُيُ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َْ‬
‫ال‪:‬‬‫َن َه ِذ ِه َم ْو ِعظَ ةُ ُم َو ِّد ٍع‪ ،‬فَأ َْو ِص نَا‪ .‬قَ َ‬ ‫ول ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬ك أ َّ‬ ‫ُق ْلنَ ا‪ ،‬أ َْو قَ الُوا‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫اع ِة َوإِ ْن َك ا َن َعْب ًدا َحبَ ِش يًّا‪ ،‬فَِإنَّهُ َم ْن‬ ‫الس ْم ِع َوالطَّ َ‬
‫ُوص ي ُكم بَِت ْق وى ِ‬
‫اهلل َو َّ‬ ‫ْ َ‬
‫"أ ِ‬
‫اختِاَل فًا َكثِ ًريا‪َ ،‬ف َعلَْي ُك ْم بِ ُس نَّيِت َو ُس ن َِّة اخْلُلَ َف ِاء‬ ‫ِ‬
‫ش مْن ُك ْم َي َرى َب ْع دي ْ‬
‫يعِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫‪ 10‬من ‪11‬‬

‫ض وا َعلَْي َها بِالن ََّو ِاج ِذ‪َ ،‬وإِيَّا ُك ْم‬


‫ين‪ ،‬مَتَ َّس ُكوا هِبَا َو َع ُّ‬ ‫الْمه ِديِّني َّ ِ ِ‬
‫الراش د َ‬ ‫َْ َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ض اَل لَةٌ"(أخرجه‬ ‫َوحُمْ َدثَات اأْل ُُم و ِر؛ فَ ِإ َّن ُك َّل حُمْ َدثَة بِ ْد َع ةٌ‪َ ،‬وإِ َّن ُك َّل بِ ْد َع ة َ‬
‫أمحد واحلاكم)‪.‬‬

‫وتوفنا على‬
‫جنبْنا اآلث ام واالبت داع‪ ،‬وأحينا على الس َُّّنة واالتب اع‪َّ ،‬‬ ‫اللهم ِّ‬
‫راض عن ا‪ ،‬يا رب الع املني‪ ،‬اللهم أعز اإلس الم واملس لمني‪،‬‬ ‫ذلك وأنت ٍ‬
‫ين‪ ،‬اللهم احفظ ح دودنا‪ ،‬اللهم احفظ ح دودنا‪،‬‬ ‫وانصر عب ادََك املوحِِّد َ‬
‫وانصر جنودنا املرابطني‪ ،‬واحفظهم حبفظك يا رب الع املني‪ ،‬اللهم اجعل‬
‫مطمئنا‪ ،‬اللهم اجعل‬
‫ًّ‬ ‫آمن ا مطمئنًّا‪ ،‬اللهم اجعل ه ذا البلد آمنً ا‬ ‫ه ذا البلد ً‬
‫ائر بالد املس لمني‪ ،‬اللهم آمنَّا يف أوطانن ا‪،‬‬ ‫ه ذا البلد آمنً ا مطمئنًّا وس َ‬
‫احلرمني الش ريفني‬
‫ِ‬ ‫وفْق ويلَّ أمرنا خ ادمَ‬
‫أئمتنا ووالةَ أمرن ا‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫وأصلْح َ‬
‫ِ‬
‫وويل عهدِه ملا حتب وترض ى‪ ،‬يا‬ ‫وف ْق ُه َّ‬‫بتأييدكَ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫ده ِ‬ ‫ك‪ ،‬وأيِّ ُ‬
‫بتوفيقِ َ‬
‫مسيع الدعاء‪.‬‬

‫اب النَّا ِر)[الَْب َق َر ِة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللهم (آتِنَا يِف ُّ‬
‫الد ْنيَا َح َس نَةً َويِف اآْل خ َر ِة َح َس نَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫‪ ،]201‬اللهم يا حي يا قي وم‪ ،‬برمحتك نس تغيث‪ ،‬أص لح لنا ش أننا كل ه‪،‬‬
‫‪ 11‬من ‪11‬‬

‫أَصِْلْح لنا ش أننا كل ه‪ ،‬أص لح لنا ش أننا كل ه‪ ،‬وال تكلنا إىل أنفس نا طرفة‬
‫عني‪.‬‬

‫اللهم صل على حممد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

You might also like