You are on page 1of 4

‫الدرس الثالث‪ :‬الحركات االجتماعية والدولة‪:‬‬

‫‪ .1‬مفهوم الدولة‪:‬‬
‫يعد مفهوم الدولة واحد من المفاهيم األساسية التي شغلت اهتمام الفكر السياسي منذ القدم وحتى يومنا‬
‫هذا‪ ،‬والقراءة سريعة في االستعماالت المتداولة لمفهوم الدولة تبين أن هذا المفهوم يكتسي معان متغايرة‪،‬‬
‫حيث يظهر تارة في صورة الحكومة وتارة أخرى يأتي بمعنى النظام‪ ،‬كما يشار به أحينا إلى المؤسسات‬
‫العمومية‪..‬إلخ‪ .‬في حين أن مفهوم الدولة يشير إلى كل كيان سياسي يبسط نفوذه وسيادته على رقعة‬
‫جغرافية معينة‪ ،‬ويفترض في سكانه أن يشعروا تجاهه بالمواطنة واالنتماء‪ .‬إن الدولة كيان ال يمكن أن‬
‫نتمثل أبعاده دون إثارة مفاهيم مثل السيادة‪ ،‬والسلطة‪ ،‬والحق‪ ،‬والقانون‪ ،‬والحرية‪.‬‬
‫الدولة‪ ،‬حسب الفقه الدستوري المعاصر‪ ،‬هي‪" :‬مجموعة أفراد يقيمون إقامة دائمة على إقليم محدد‪،‬‬
‫ويخضعون لسلطة سياسية"‪ ،‬وينبثق مفهوم الدولة الحديثة من نظرية (العقد االجتماعي) التي نادي بها‬
‫(جون جاك روسو)‪.‬‬
‫‪ .2‬الحركات االجتماعية وعالقتها بالدولة‬
‫تطهر الحركات االجتماعية واالحتجاجات داخل أنساق الدولة‪ ،‬وهي تستهدف في الغالب سلطات الدولة‬
‫إن بإمكان المحتجين‬
‫التي تعمل على إحداث التغيرات واإلصالحات التي تجيب على مطالب المحتجين‪ّ .‬‬
‫أحيانا أن يتحدوا المؤسسات التي ال تنتمي للدولة مثل إدارات الجامعات أو المنظمات الدينية‪ ،‬ولكن‬
‫الغالبية العظمى من االحتجاجات االجتماعية والحركات االجتماعية في القرن الحادي والعشرين جعلت‬
‫من الدولة هدًفا‪ .‬فالمحقق أن الحركات االجتماعية واالحتجاجات قد أصبحت من الشيوع اليوم إلى‬
‫درجة أنها تعتبر من قبل بعض علماء العلوم االجتماعية الذين يدرسونها‪ ،‬جزءا ال يتج أز من الممارسات‬
‫السياسية – ويستخدم لإلشارة إليها على نطاق واسع مصطلح السياسة الجدلية أو (الشقاقية)‬
‫(‪ ،)contentions politique‬فالناس ال يعتمدون هذه األيام على األحزاب السياسية واالنتخابية فقط لكي‬
‫يعبروا عن تفضيالتهم‪ ،‬ولكنهم يلجؤون إلى االحتجاجات والمظاهرات‪ ،‬وحمالت جمع التوقيعات‪،‬‬
‫والمسيرات والتنظيمات التي تعبر عن مطالبهم في التغير االجتماعي‪ ،‬وتعد كل تلك األساليب مهمة‬
‫لتأكيد المصالح والدفاع عنها في السياسة المعاصرة‪.‬‬
‫وتكمن نقطة البدء في تتبع العالقة بين االحتجاج والدولة في ظهور النظم الحديثة للحكم‪ ،‬وهي عملية‬
‫بدأت في منتصف القرن الثامن عشر‪ .‬لقد كان بناء الدولة في القرن الثامن عشر مختلفا عن الدولة‬
‫الحديثة المعقدة بيروقراطيا والتي نعتبرها دولة طبيعية في القرن الحادي والعشرين‪ .‬فالدولة اآلن تمس‬

‫‪1‬‬
‫بدءا من جمع الضرائب وحتى تنظيم االقتصاد‪ ،‬كما تحدد من الذي‬ ‫جواني كثيرة من حياتنا اليومية‪ً :‬‬
‫بإمكانه أن يتزوج‪ ،‬وما يوجد في المقررات الدراسية‪ .‬فضال عن ذلك فإن الدولة الديمقراطية الحديثة‬
‫تقوم على فرضية استجابية الموظفين المنتخبين لم يحكمونهم‪ ،‬ويشكل كل ذلك أرضية لمدى أوسع من‬
‫المطالب تجاه الدولة‪ ،‬ومن ثم فإنه يمهد الطريق لضغوط شعبية تحدث عبر قنوات نظامية مؤسساتية‬
‫(الممارسات السياسية لألحزاب) وقنوات غير مؤسساتية (الحركات االجتماعية واالحتجاجية)‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك‪ ،‬فإن الدولة قبل الحديثة ال تمس حياة الناس إال نادرا‪ ،‬فقد كانت الحياة تتأسس‬
‫على أساس قروي‪ ،‬ولم تكن االحتجاجات تظهر إال عندما تكسر االلتزامات التقليدية أو عندما تصيح‬
‫الظروف غير محتملة‪ .‬ولقد أصبح جزًءا من الحداثة أن تنموا الدولة وتتسع بحيث تؤثر على حياة‬
‫الناس بشكل أكبر تنظيما وأكثر اتساعا‪.‬‬

‫أصبح للحركات االجتماعية دو ار بار از في السياسة في جميع أنحاء العالم‪ .‬على الرغم من أنها قد يكون‬
‫لها فرص أفضل للنجاح في الديمقراطية ‪ ،‬ففي ظل نظام العولمة توفرت الفرص للمجموعات التي‬
‫تعيش في ظل الدكتاتوريات للضغط على حكومتهم‪ .‬فدمقرطة االتصاالت وسائل اإلعالم على حد‬
‫سواء قد سهلت لألفراد التالقي والعمل المشترك لتحقيق مصالحهم المتماثلة‪ ،‬فضال عن اعطائهم مزيد‬
‫من الحرية في تحركاتهم لنشر رسالتهم وتوليد الضغط للعمل‪ .‬فاإلنترنت‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬أصبح‬
‫أداة تعبئة قوية‪ ،‬يستخدمه‪ .‬ف على الرغم من رفض هذه الحركات االجتماعية الحديثة للسياسة إال إن‬
‫وجودها و أنشطتها أدى إلى توسيع مفهوم السياسة بحيث لم تعد السياسة مقصورة على التنافس على‬
‫السلطة و إنما دخلت فيها اهتمامات أساسية للبشر مثل السالم‪ ،‬حماية البيئة ‪..‬الخ‬

‫وقد يمكن اعتبار الحركات االجتماعية استجابات عقالنية لمواقف جديدة أو مستجدة في المجتمع على‬
‫اعتبار أنها تهدف إلى تجديد الحياة السياسية واالجتماعية‪ ،‬وتوفير ظروف حياتية أفضل مما هو قائم‪.‬‬
‫ومن هنا تعتبر هذه الحركات بمنزلة قوى ضغط لتحقيق اإلصالح والتقدم وايجاد واقع جديد يستند إلى‬
‫نسق مغاير من القيم تتجاوز التناقضات التي يعاني منها المجتمع سواء في المجال السياسي أو‬
‫االقتصادي أو االجتماعي أو حتى في المجال الثقافي‪.‬‬

‫في نهاية العقود االخيرة من القرن العشرين‪ ،‬اتجهت بعض دول جنوب ووسط أوربا "كالفلبيين وامريكا‬
‫الالتينية بتركيز التحليل على الحركات االجتماعية التي تتبنى توجهات مدنية ضد االنظمة الغير‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وقد برز مفهوم الحركات االجتماعية في إطار سياق تاريخي معين رافقه وجود نظم حزبية‬

‫‪2‬‬
‫وسعى لتمثيل مصالح معينة مع وجود نظم اقتصادية وثقافية في الدول الرأسمالية المتقدمة‪ .‬كما لعبت‬
‫الحركات االجتماعية دو ار محوريا في توسيع مدى مفهوم الديمقراطية ليشمل المنافسة بين االحزاب‬
‫السياسة والفواعل المختلفة وذلك ليصب في النهاية في مصلحة المواطنين‪.‬‬

‫نجد ان عالم السياسة األمريكي تشارلز تيلي (‪ ،(Charles Tilly‬والذي ينتمي الى المدرسة الجديدة في‬
‫البحث االجتماعي فيقدم من خالل كتابه الحركات االجتماعية (‪ )2004-1768‬تعريفاُ واضحًا‬
‫ومختص اًر أو ما يمكن القول بأنه ما قل ودل في تعريف الحركات االجتماعية‪ ،‬حيث وصفها على أنها‪:‬‬
‫ينصبون أنفسهم وباقتدار كمتحدثين عن قاعدة‬
‫"سلسلة من التفاعالت بين أصحاب السلطة وأشخاص ّ‬
‫شعبية تفتقد للتمثيل النيابي الرسمي‪ ،‬وفي هذا اإلطار يقوم هؤالء األشخاص بتقديم مطالب على المأل‬
‫من أجل التغيير سواء في توزيع أو في ممارسة السلطة‪ ،‬وتدعيم هذه المطالب بمظاهرات عامة للتأييد‪".‬‬
‫‪ .3‬االحتجاج حق ولكن كيف؟‬
‫الفعل االحتجاجي حق من الحقوق الكونية وآلية ديموقراطية للتعبير عن نقص أو ضرر اجتماعي أو‬
‫اقتصادي أو سياسي أو ثقافي إثر التهميش والتفقير أو التقصير في الحقوق أو غير ذلك‪ .‬والهدف منه‬
‫هو إتيان فعل إيجابي للحكومات في الميدان أو مطلب من مطالب الفعل االجتماعي‪ ،‬هذا على مستوى‬
‫القاعدة العامة لما تعرفه البشرية واإلنسانية في الكون‪.‬‬
‫أن الطرف الثاني الذي يحتج عليه‪ ،‬الذي يتمثل في الدولة‪ ،‬راعية حقوق المواطنين وفق نظرية‬
‫غير ّ‬
‫"العقد االجتماعي"‪ ،‬بين الفرد والدولة‪ .‬ولكن هذا األخير في الوطن العربي يشتغل بميكانيزمات وآليات‬
‫أكثر تطو ًار في بناء وهندسة سيكولوجية الجماهير عن طريق التحكم والهيمنة األحادية عبر آليات‬
‫الديموقراطية‪" ،‬احتج وأطُلب‪ ،‬وتعال إلى طاولة المفاوضات"‪ .‬فن التفاوض للدولة يشكل قوة أمام ضعف‬
‫مكونات الحركات المدنية التي تكون في الغالب (والبعض منها) غير مؤهل لتلك االستراتيجيات‪ .‬ويبقى‬
‫ّ‬
‫بين االختيارات العقالنية لتحقيق الذات أمام جسم الدولة المتفاوضة معه‪ ،‬وشراء الذم ِم عبر آليات النظام‬
‫السياسي (الحوافز‪ ،‬العوائد‪ ،‬األيديولوجية‪ ،)...‬فيصبح المتفاوض معه جزء صغير للهيمنة مع تحقيق‬
‫طفيف للمطالب االجتماعية عبر مساطر معقدة‪.‬‬
‫فالدول في الوطن العربي تعمل جاهدة في تفكيك الفعل أو السلوك االحتجاجي عبر صناعة جهات‬
‫ض ِاد‪ ،‬وذلك عبر تسويق آلية "الشيطنة والتبليد‬ ‫مضادة للفعل والسلوك االحتجاجي عبر مأسس ِة ِ ِ‬
‫الم ّ‬
‫الضد و ُ‬
‫ّ‬
‫االجتماعي"‪ ،‬بعيدا عن المصالح االجتماعية وهيمنة النخب التي تمثل األقلية في المجتمع في ظل‬
‫انعدام تأثير الطبقة المتوسطة‪ .‬ما صنع في مختبرات السوسيولوجية االجتماعية والسياسية‪ ،‬وما يقع في‬
‫‪3‬‬
‫الوطن العربي ليس بالنهضة الفكرية أو الصحوة نحو األمام‪ ،‬أمام جبهة مضادة للدولة بآلياتها‬
‫البيروقراطية الصانعة لمشروع مجابهة وتثبيط "المطالب االجتماعية"‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like