You are on page 1of 97

‫@ @‬

‫‪@ @ÖibÜa@ñ‹÷a§a@óàíÙ¨a@ï÷Š@pa‹Ø‰à‬‬

‫‪@ @‡ïÉÝi@ãþÜa@‡jÈ‬‬
‫‪@ @ó»6à@×ì‹“Üa@óÑïz–@bém‹“ä@báØ‬‬
‫املذكرات األصلية عىل هذا املوقع‪:‬‬
‫‪/http://www.belaidabdesselam.com‬‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫‪êma‹Ø‰à ‹“ä@''ðàíïÜa@×ì‹“Üa''@Ü@˜‚‹î@ãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi‬‬

‫تحصلت "الرشوق اليومي"‪ ،‬أمس‪ ،‬عىل ترصيح من السيد بلعيد عبد السالم رئيس الحكومة السابق بنرش‬
‫مذكراته التي وضعها عىل اإلنرتنيت باللغة الفرنسية‪ .‬وحرص السيد بلعيد عبد السالم عىل التأكيد بأن الوثائق‬
‫امللحقة باملذكرات تربز صحة روايته لألحداث وتعرض أيضا راوية الخصوم بشكل موضوعي‪ .‬وسيكون‬
‫بمقدور السادة القراء متابعة مذكرات السيد بلعيد عبد السالم يوميا يتناول فيها قصة التعيني عىل رأس‬
‫الحكومة وأيضا الرصاعات التي فجرها مع خصومه يف الحكم وأيضا ظروف تنحيته‪ ..‬فمتابعة‬
‫شيقة‪ ................‬التحرير‬

‫‪1‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪1992@óïÝîíu@À@óàíÙ¨a@ób÷Š@ðÜím@oÝjÔ@lbjÿa@ë‰: N1‬‬

‫‪2007O07O17@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫يف اليوم الثاني من شهر جويلية‪ ،‬غداة مراسيم دفن الراحل الرئيس بوضياف‪ ،‬تم اختيار السيد عيل كايف من‬
‫طرف زمالئه لخالفة الفقيد عىل رأس املجلس األعىل للدولة بعد إخفاق تلك املساعي الحثيثة التي كان الجنرال‬
‫تواتي يقوم بها يف الكواليس من أجل تعيني شخص آخر يف املنصب‪ .‬فلم ينجح الجنرال إال يف تزكية السيد رضا‬
‫مالك بصفته عضوا خامسا يف املجلس األعىل للدولة لشغل املكان الشاغر الذي تركه رحيل بوضياف ‪.‬‬

‫يف اليوم املوايل‪ ،‬يوم الجمعة ‪ 3‬جويلية‪ ،‬قمت بزيارة إىل األخ رضا مالك لتهنئته بعد ترقيته عضوا يف الهيأة العليا‬
‫للدولة‪ .‬وقد طلب مني ما إذا كنت‪ ،‬من جانبي‪ ،‬مستعدا لاللتزام إزاء اإلجراءات املتخذة تحت إرشاف املجلس‬
‫األعىل للدولة مؤكدا يل أنه يف حالة اإلجابة بنعم‪ ،‬سيكون هو أيضا مستعدا لنفس االلتزام‪ .‬أجبته أنني لم أرفض‬
‫أبدا تحمل مسؤولياتي‪ ،‬غري أن التزامي ال يمكن أن يقع إال يف سياق خدمة سياسة مطابقة لقناعاتي‪" .‬كال ! رد‬
‫عي‪ .‬ينبغي أن تعرف كيف تتطور وتقبل بالتسويات الوسطى"‪ ،‬فما كان يل إال أن أجبته أنني لم أكن أبدا‬
‫أرفض الحلول الوسطى رشيطة أال تأتي هذه األخرية لتطعن يف ما يعترب مبادئ جوهرية وإال فقدت كل تسوية‬
‫من هذا القبيل معناه وصارت نكرانا للذات‪ .‬فعال‪ ،‬لم أكن أدري يف ذلك اليوم من شهر جويلية ‪ 1992‬أنني‬
‫كنت بصدد نكران للذات كنت قد رفضته منذ نحو عرش سنوات كثمن له عندما عرض عيل الرئيس الشاديل‬
‫االحتفاظ بي إىل جانبه يف "التسيري ‪".‬‬

‫يف الحقيقة‪ ،‬لقد وجدت نفيس بصحبة رضا مالك غداة أحداث ‪ 5‬أكتوبر ‪ 1988‬بهدف التوقيع عىل ما سمي بـ‬
‫"ترصيح الثمانية عرش" الذي دعا فيه أصحابه الرئيس الشاذيل إىل تأجيل االنتخابات الرئاسية والقيام بتنظيم‬
‫ندوة وطنية بغرض وضع قواعد النفتاح نظام الحكم يف الجزائر يف اتجاه الديمقراطية التعددية‪ .‬غري أن‬
‫‪2‬‬
‫‪ ‬‬
‫مسارينا السياسيني اللذين التقيا نوعا ما يف أكثر من مرة إىل ذلك الحني رسعان ما بدءا يأخذان اتجاهني‬
‫مختلفني بل ومتناقضني يف أغلب األحيان ومتعاديني يف أحيان أخرى لكن من دون أن يؤدي ذلك إىل التأثري يف‬
‫عالقاتنا الشخصية كصديقني‪ .‬لقد افرتقنا‪ ،‬بعد اللقاء املذكور‪ ،‬مسجلني خالفاتنا‪ .‬ولم أتوقع أنا‪ ،‬وال هو عىل ما‬
‫أظن‪ ،‬أننا سنلتقي من جديد‪ ،‬أسبوعا من بعد‪ ،‬حول طاولة االجتماع للمجلس األعىل للدولة‪ .‬يوم السبت املوايل‪،‬‬
‫أي ‪ 4‬جويلية‪ ،‬أعلنت برقية صادرة عن وكالة إعالمية أن املجلس األعىل للدولة كان بصدد القيام بمشاورات‬
‫سياسية حول األوضاع السائدة يف البالد‪ .‬ويف منتصف النهار تقريبا‪ ،‬أخربني األمني العام للرئاسة أن الرئيس‬
‫عىل كايف والجنرال خالد نزار يريدان مقابلتي يف إطار نفس املشاورات وحدد يل موعدا يف نفس اليوم‪ ،‬أي ‪4‬‬
‫جويلية الساعة الخامسة بعد الزوال‪ ،‬بفيال تابعة لوزارة الدفاع الوطني‪ .‬قلت لهذا األمني العام إن أفكاري حول‬
‫املشكالت املطروحة يف البلد وحلولها معروفة وأنه لم يكن لدي أي يشء آخر تقريبا أريد قوله للمسؤولني اللذين‬
‫يريدان استشارتي‪ .‬أثناء هذا اللقاء‪ ،‬قام الجنرال خالد نزار بإعطاء نظرة شاملة حول األوضاع السائدة يف‬
‫البلد‪ ،‬السيما األمور املتعلقة بالجوانب األمنية‪ .‬وقد قدمت ردا مستفيضا عارضا تحلييل يف ما يخص أسباب‬
‫األزمة التي كانت تعيشها بالدنا وكذا السبل الكفيلة‪ ،‬يف نظري‪ ،‬بإخراج الجزائر من هذه األزمة‪ .‬يف ما يتعلق‬
‫بقمع أفعال التقتيل والتخريب‪ ،‬اقرتحت فكرة إنشاء سلطة قضائية متخصصة وترسيع إجراءات التحقيق‬
‫توخيا‪ ،‬يف الوقت ذاته‪ ،‬لفعالية عمل قوات األمن وتجنبا – بسبب ضغط انفعاالت املواطنني الساخطني عىل‬
‫االعتداءات اإلرهابية – اللجوء‪ ،‬مثلما حدث ذلك يف بلدان أخرى‪ ،‬إىل األحكام العرفية وما يرتتب عليها من‬
‫إجراءات مترسعة‪ .‬يف ما يخص األزمة االقتصادية‪ ،‬اكتفيت بإعادة ذكر تلك التصورات التي سمحت يل الفرصة‬
‫من قبل القرتحتها عىل العموم‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬أعدت‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪ ،‬ذكر فحوى اإلجراءات التي سبق يل‬
‫أن اقرتحتها يف سبيل التخفيف من وطأة املديونية الخارجية للجزائر من دون اللجوء إىل تلك الحلول التي‬
‫تتضمن قبول الرشوط املمالة من طرف صندوق النقد الدويل واملتضمنة‪ ،‬عىل وجه الخصوص ‪ :‬تخفيض‬
‫جذري لقيمة العملة الوطنية‪ ،‬التحرير املتوحش للتجارة الخارجية ‪ ،‬تصفية املؤسسات االقتصادية الوطنية‬
‫بثمن بخس ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ ‬‬
‫يف الواقع‪ ،‬لم أجد نفيس إال مكررا‪ ،‬عىل مسامع الرئيس عىل كايف والجنرال خالد نزار‪ ،‬أفكارا قلتها ستة شهور‬
‫من قبل‪ ،‬أي يف أوائل شهر جانفي ‪ ،1992‬لشخص آخر زارني للتحدث إيل‪ .‬يف ذات الوقت‪ ،‬كان النقاش حول‬
‫الرشوط التي ينبغي أن يغادر الرئيس الشاذيل منصبه فيها قد بدأ‪ .‬وقد أخربني زائري أن األمر كان متعلقا‬
‫بإنشاء "مجلس دولة" لخالفة رئيس الجمهورية وأن اسمي ورد يف سياق ذلك‪ .‬بالنسبة إيل‪ ،‬لم يتجاوز‬
‫الحديث حدود عالقات الصداقة الشخصية‪ ،‬ولم يتم إبالغي أبدا – ولم يكن ذلك ليخطر يل عىل بال أبدا – أنني‬
‫كنت‪ ،‬من خالل تلك الزيارة‪ ،‬حلقة من تلك الخطة التي كان بصدد وضعها ما كنا نسميهم‪ ،‬حتى يف ذلك الوقت‪،‬‬
‫بـ "أصحاب القرار"‪ .‬وقد كانت يل أدلة يف ما بعد جعلتني أظن أن أقوايل قد بلغت من كانوا منهمكني يف إعداد‬
‫الخطة لتنفيذ ما ُسجل يف التاريخ من "استقالة للرئيس الشاذيل" و"توقيف للمسار االنتخابي "وإنشاء‬
‫للمجلس األعىل للدولة‪ .‬إنني ألذكر بهذه الواقعة – التي اكتست‪ ،‬بالنسبة إىل‪ ،‬طابعا خصوصيا– كي أؤكد أن‬
‫األفكار التي عرضتها عىل الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار‪ ،‬أثناء لقائنا بتاريخ ‪ 4‬جويلية ‪ ،1992‬لم تكن‬
‫جديدة بالنسبة إىل مخاطبي السيما عندما أرشت إىل أن أسباب األزمة تعود إىل تلك اآلثار التي خلفتها السياسة‬
‫املتبعة يف الجزائر أثناء "العرشية السوداء" وأن حل هذه األزمة مرهون باعتماد سياسة تقويمية ذات نفس‬
‫طويل‪ ،‬تتضمن – موازاة مع اإلجراءات التي تمليها مكافحة األفعال اإلرهابية وحماية النظام واألمن العموميني‬
‫– تدابري عميقة بهدف إصالح األوضاع االقتصادية واالجتماعية بكل قوة وبصورة معتربة وأن هذا اإلصالح‬
‫يتطلب فرتة استقرار مدتها خمس سنوات عىل أقل تقدير‪ .‬كما أضفت أنه – بالنظر إىل توقيف املسار االنتخابي‬
‫الذي عرب فيه الناخبون رصاحة عن رفضهم لنظام الحكم من خالل تصويت مكثف عىل تيار سيايس هدفه‬
‫القضاء عىل الدولة الوطنية التي بنتها الجزائر بعد االستقالل– ال يمكن لالستقرار أن يتحقق إال من خالل‬
‫تطبيق املادة ‪ 120‬من الدستور التي تنص عىل حالة الطوارئ "عندما يكون البلد مهددا بخطر وشيك عىل‬
‫مؤسساته‪ ،"...‬وإال فليس هناك ما يربر‪ ،‬بحكم القانون والدستور‪ ،‬تأجيل العمليات االنتخابية وجعل الناخبني‬
‫يف عطلة إىل أجل غري مسمى ‪.‬وعليه‪ ،‬عكس ما يدعيه الجنرال تواتي ‪ ،‬بطريقة ماكرة‪ ، ،‬فكرة مرحلة انتقالية من‬
‫خمس سنوات‪ ،‬يف شكل نظام يعمل بحسب قواعد حالة الطوارئ املنصوص عليها يف دستورنا الساري املفعول‬
‫آنذاك‪ ،‬لم تكن لها صلة بتعييني عىل رأس الحكومة وبوجود هذه الحكومة‪ .‬لقد أفصحت عن هذه الفكرة ستة‬
‫شهور من قبل أن يتم تعييني كرئيس للحكومة‪ .‬أكثر من ذلك‪ ،‬أدليت بهذه الفكرة علنيا يف مقابلة أجرتها معي‬
‫يومية ‪ Quotidien d'Algérie‬وصدرت يف اليوم املوايل بتاريخ ‪ 3‬جانفي ‪ ،1992‬أي قبل إعالن "استقالة"‬
‫الرئيس الشاذيل ذاتها وتوقيف املسار االنتخابي‪ .‬كما عدت‪ ،‬بصورة ضمنية‪ ،‬إىل نفس الفكرة يف مقابلة صحفية‬
‫أجرتها معي أسبوعية ‪ Parcours Maghrébin‬وصدرت يف العدد ‪ 105‬منها لألسبوع املمتد من ‪ 17‬إىل ‪23‬‬
‫فيفري ‪. 1992‬‬

‫يف األخري‪ ،‬هل عيل أن أؤكد‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬أنه أثناء املقابلة التي دعاني إليها الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار‬
‫اقرتحت اللجوء إىل حالة الطوارئ قبل إعالن هاذين األخريين قرارهما بدعوتي االضطالع بمهام رئيس‬
‫الحكومة‪ .‬بالنسبة إيل‪ ،‬يف تلك الفرتة كما اليوم‪ ،‬حالة الطوارئ كانت تمثل رضورة أملتها أوضاع البالد ونجاح‬
‫عملية إصالح أحواله‪ .‬فلم تشكل‪ ،‬بالنسبة إيل أبدا‪ ،‬رشطا وضعته لقبويل املنصب وال ملواصلة املهمة التي أسندت‬
‫إيل آنذاك‪ .‬بعد هذه املقابلة التي تبادلنا فيها جملة من األفكار‪ ،‬أعلن السيد عيل كايف – بطبيعة الحال باسمه‬
‫الخاص واسم الجنرال خالد نزار – عرضه يل لرتؤس الحكومة‪ .‬ال أخفي أن نوعا من الحرية تملكني وأنا أشهد‬
‫املنحى الذي اتخذته املقابلة علما أنني ما دعيت إليها إال يف سياق "املشاورات"‪ .‬اآلراء التي سبق يل أن عربت‬
‫عنها عالنية منذ أكتوبر ‪ ،1988‬االنتقادات التي وجهتها بصورة رصيحة جدا‪ ،‬السيما داخل اللجنة املركزية‬

‫‪4‬‬
‫‪ ‬‬
‫لحزب جبهة التحرير الوطني‪ ،‬ضد اإلصالحات االقتصادية التي رشع فيها الرئيس الشاديل‪ ،‬خصوصا يف‬
‫السنوات األخرية من عهده وكذا التصورات التي اقرتحتها‪ ،‬ولو عن انفراد‪ ،‬يف تلك الفرتة التي بدأت تتخذ فيها‬
‫قرارات كان من شأنها أن تؤدي إىل توقيف املسار االنتخابي يف جانفي ‪ 1992‬كلها أمور لم تجعلني أفكر يف‬
‫إمكانية دعوتي‪ ،‬يوما ما‪ ،‬إىل ترؤس الحكومة‪ .‬وألن الدعوة التي عرضت عيل لرتؤس الحكومة لم تأت إال بعد‬
‫االستماع إىل تحلييل ألوضاع البلد وأرائي يف ما يخص الطريقة الكفيلة بإخراج الجزائر من األزمة عن طريق‬
‫إجراء إصالحات يف اقتصادنا لم يبق يل خيار يف الرد‪ .‬فلو رفضت العرض أو طلبت مهلة للتفكري لكان من‬
‫املمكن أن يؤوﱠل ذلك عىل أساس أنه تهرب من املسؤولية يف ظرف عصيب بالنسبة إىل تطور األوضاع يف الجزائر‬
‫حيث كان قبول املسؤوليات يعرض صاحبه إىل خطر حقيقي‪ .‬لذلك‪ ،‬لم أجد خيارا آخر غري إجابة مخاطبي‬
‫أنني كمناضل يف سبيل القضية الجزائرية منذ نعومة أظافري‪ ،‬لم يكن أمامي سوى القبول‪ .‬لم أشفع قبويل هذا‬
‫بأي رشط ألنني‪ ،‬كمناضل‪ ،‬كنت متعودا عىل اعتبار الثقة املتبادلة بمثابة القاعدة التي تحكم العالقات بني‬
‫املسؤولني‪ ،‬السيما يف الظروف الصعبة حيث كان مصري البلد معرضا لخطر الهالك‪ .‬كان من حقي أن أحسب‬
‫من كنت أسهم معهم بالتزامي من دون حسابات ثانوية ويف ظرف كان قبول مسؤوليات يف مثل تلك الجسامة‬
‫محفوفا باملخاطر – كما أثبت ذلك املصري الذي كان من نصيب محمد بوضياف ذاته – رجاال قادرين‪،‬‬
‫بأنفسهم‪ ،‬عىل إدراك قيمة ذلك االلتزام‪ .‬كما أظل متأكدا أن روح التضحية هذه هي التي جعلت األخ محمد‬
‫بوضياف يقبل‪ ،‬عىل الرغم من األخطار املحدقة‪ ،‬منصب رئيس الدولة يف وقت كانت الجزائر معرضة لخطر‬
‫مؤكد‪ ،‬خطر أودى بحياته يف نهاية املطاف‪ .‬لقد اكتفى الرجل بالتأكد من أن عودته إىل الجزائر يف تلك الظروف‬
‫كانت استجابة لنداء الجيش الوطني الشعبي وأن هذا األخري سيدعمه بتأييده ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪@ @ (óánm@)1992@óïÝîíu@À@óàíÙ¨a@ób÷Š@ðÜím@béïÐ@oÝjÔ@>Üa@Óì‹ÅÜaN2‬‬

‫‪@ @2007O07O18@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫حينئذ‪ ،‬أخربني الجنرال خالد نزار أن اختيار الوزراء يف الحكومة الجديدة كان من مسؤوليتي التامة ماعدا‬
‫وزير الداخلية الذي كان ينبغي أن يحظى تعيينه بموافقته‪ ،‬هو أيضا‪ ،‬نظرا لكون القوات املوضوعة تحت‬
‫سلطة وزارة الداخلية والقوات التابعة لوزارة الدفاع كانت يف اتصال دائم ؛ مما يستدعي تنسيق عملها‬
‫بانسجام وتفاهم تامني ما بني الوزيرين املرشفني عىل هاتني الوزارتني األساسيتني يف مجال محاربة اإلرهاب‬
‫وضمان سالمة البلد‪ .‬وقد وافقت عىل ذلك من دون صعوبة ‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬وباقرتاح من الجنرال خالد نزار‪ ،‬تم تعيني السيد امحمد طولبة وزيرا منتدبا مكلفا األمن العمومي‪ .‬كما‬
‫وقع االتفاق‪ ،‬من دون صعوبة أيضا‪ ،‬عىل اسم الراحل حمد حردي الذي كلفته بتلك املهمات الصعبة‪ ،‬مهمات‬
‫وزير الداخلية والجماعات املحلية‪ .‬أثناء تبادل اآلراء يف هذا اللقاء‪ ،‬أُخربت أن االضطرابات الواقعة يف البلد كانت‬
‫تحصل بفضل نحو مائتني قطعة سالح يف حوزة عنارص تمارس االعتداءات اإلرهابية وأن قوات األمن تعرف‬
‫طبيعة هذه األسلحة وتحاول جادة استعادتها من أجل وضع حد لالعتداءات التي كانت تنال من النظام‬
‫العمومي‪ .‬كما علمت‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬أن الدعوة وجهت للدكتور أحمد طالب اإلبراهيمي يف الخارج من أجل تبليغ‬
‫قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ‪ ،‬النشطة يف ذلك الوقت‪ ،‬رسالة تدعوهم إىل الهدوء وتجنب‪ ،‬عىل األقل‪ ،‬كل ما كان‬
‫من شأنه التسبب يف تصعيد اللجوء إىل العنف‪ .‬الشخص أو األشخاص الذين اتصل بهم الدكتور أحمد طالب‬
‫اإلبراهيمي أجابوه أنه لم تكن لهم أية سيطرة عىل هؤالء الذين لجأوا إىل أعمال التخريب‪ .‬لقد جاء هذا الرد‬
‫أسابيع بعد ذلك املسعى يف شكل قنابل من بينها تلك التي تسببت يف كارثة مطار الجزائر العاصمة‪ .‬أضف إىل‬
‫ذلك أنه يف الوقت الذي كنت مجتمعا بالرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار‪ ،‬كانت تجري وقائع محاكمة قادة‬
‫الجبهة اإلسالمية بالبليدة‪ .‬وقد كانت وسائل اإلعالم توحي أن طلب الحكم باإلعدام وإقراره كانا واردين من‬
‫دون شك ضد هؤالء املسؤولني السياسيني ‪.‬لذلك‪ ،‬نبهت إىل أن إمكانية من هذا القبيل لم تكن‪ ،‬فقط‪ ،‬مبالغ فيها‬
‫وإنما كانت أيضا غري مناسبة فما لبث الجنرال خالد نزار أن أجابني أن املعلومات الصادرة عىل صفحات‬
‫الجرائد لم يكن لها أساس من الصحة وأن طلب محافظ الحكومة ضد قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ كان يف‬
‫حدود من اثنتي عرشة إىل خمسة عرشة سنة سجنا وأن املعنيني قد تم إبالغهم بذلك ‪.‬‬

‫ونحن نهم باالنرصاف‪ ،‬خاطبني الجنرال خالد نزار‪ ،‬وعالمات الغبطة مرتسمة عىل وجهه بعدما قبلت ترؤس‬
‫الحكومة‪ ،‬بهذه العبارة ‪" :‬هناك عدد من الضباط سيشعرون بالسعادة هذا املساء"‪ .‬وبما أنني لم أكن من‬
‫مقربيه امتنعت‪ ،‬حياء‪ ،‬عن توجيه سؤال له حول هؤالء الضباط وحول سبب سعادتهم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وكما قلت‬

‫‪6‬‬
‫‪ ‬‬
‫ذلك نحو سنة تقريبا من بعد بمناسبة خطاب ألقيته بمقر املجلس الشعبي البلدي ملدينة الجزائر‪ ،‬ظننت أن من‬
‫بني هؤالء الضباط كان ‪ - :‬الكثري منهم كان يف صفوف جيش التحرير الوطني أو ممن كانوا متمسكني بذات‬
‫ا ُملثل التي كانت تحدو دوما الحركة الوطنية وثورة نوفمرب ‪. 1954‬هؤالء يمكن أن يسعدوا لرؤية مناضل قديم‬
‫يف الحركة الوطنية الجزائرية‪ ،‬أي واحد من ذويهم‪ ،‬أو‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬واحد من عائلتهم السياسية‪ ،‬وهو يرأس‬
‫الحكومة ويعيد الرشف واالعتبار إىل تلك األفكار التي كانوا يؤمنون بها‪ .‬لكن‪ ،‬لألسف‪ ،‬إذا كانت العنارص‬
‫الحاملة لهذه األفكار تشكل‪ ،‬من دون شك‪ ،‬األغلبية يف صفوف الجيش الوطني الشعبي إال أنها ليست من بني‬
‫هؤالء الكثريين ممن يتحدثون باسم هذا املؤسسة‪ .‬يف الكثري من األحيان‪ ،‬وباسم االنضباط الذي يشكل قوة‬
‫الجيوش‪ ،‬يعاني هؤالء يف صمت بينما يتكلم آخرون باسمهم مقدمني أفكارا وخيارات ليست أفكارهم‬
‫وخياراتهم ‪.‬‬

‫‪-‬هناك آخرون‪ ،‬دائما داخل الجيش الوطني الشعبي‪ ،‬وتماشيا مع أوساط أخرى يف مجتمعنا‪ ،‬من املمكن أنهم‬
‫شعروا بالرغبة – كمؤيدين لفكرة "اجعله يقبل ثم سنرى" – يف محاولة كسب شخص اشتهر‪ ،‬صوابا أو خطأ‪،‬‬
‫بكونه معارضا للسلطة وسياسة العرشية السوداء باعتبار أن كسب شخص من هذا القبيل سيكون فرصة‬
‫للنجاح وذريعة مقبولة من أجل امليض قدما يف سياسية االنفتاح والتحرير االقتصادي الذي كانوا يريدون بقوة‬
‫انتصاره يف البلد‪ .‬بالفعل‪ ،‬ويف أوائل شهر جويلية ‪ ،1992‬كانت بنود اتفاق مع صندوق النقد الدويل قد تم‬
‫التفاوض بشأنها وتحديدها‪ .‬هذا االتفاق كان ينتظر املوافقة السياسية والقبول الرسمي له قبل التوقيع عليه‬
‫والرشوع يف تطبيقه‪ .‬يف لحظة معينة من حديثنا أثناء لقاء ‪ 4‬جويلية ‪ ،1992‬وبعد موافقتي عىل ترؤس‬
‫الحكومة‪ ،‬قال يل الجنرال خالد نزار‪ ،‬يف سياق الحديث عن النشاط االقتصادي الذي كان عيل أن أبارشه يف‬
‫منصبي الجديد‪ ،‬إن األموال ستكون متوفرة وأن املهمة ستكون سهلة‪ .‬الظاهر أنه كان يعني أن االتفاق مع‬
‫صندوق النقد الدويل‪ ،‬كان أمرا مقضيا وأن الجزائر كانت‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬بصدد الحصول عىل موارد مالية معتربة ‪.‬‬

‫بالنسبة إىل هؤالء ممن أملوا يف تزكية من الرئيس بوضياف بغرض امليض قدما يف تطبيق سياستهم الهادفة إىل‬
‫تجاوز توجهات ثورتنا‪ ،‬كانت الفرصة سانحة إلقحامي يف حساباتهم وحميل عىل "رفع راية" سمرستهم‬
‫السياسية واالقتصادية ! وكما تذهب العبارة الشائعة‪ ،‬لقد "وضعوا أصابعهم يف عيونهم" حقيقة عندما ظنوا‬
‫أن عرضهم عيل برتؤس الحكومة سيجعلني أبادلهم الجميل بالتخيل‪ ،‬بسهولة‪ ،‬عن قناعاتي وأسمح بأن تتحول‬
‫مواقفي املعلنة إىل مجرد ادعاءات مزعومة الهدف منها الحصول عىل شهرة سياسية باسم عدد من القيم‬
‫األساسية التي قد أتخيل عنها رسا من أجل الحصول عىل ترقية زائفة‪ ،‬أي من أجل مجرد "طبق من العدس" يف‬
‫نهاية األمر‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يمكن أن نتصور رجاال مثل الجنرال تواتي – الذي دفعته األوضاع السياسية للبلد‪ ،‬بعد‬
‫جانفي ‪ ،1992‬إىل تقلد ذلك الدور املدوﱢخ يف "صنع امللوك" و "الدوقات" – أنهم أخطأوا يف الحساب إىل درجة‬
‫اعتبار كافة املناضلني يف الحركة الوطنية الجزائرية مختلطني بالساسة املزعومني ممن تجدهم دائما‬
‫يستسلمون ألوهامهم من أجل الوصول إىل مناصب يتمناها الجميع ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ ‬‬
‫لقد راود أنصار تحرير اقتصادنا األمل يف أن حظوة الرئيس بوضياف والسمعة التي كانت له كشخصية‬
‫تاريخية ستسهم يف تغطية وتخفيف اآلثار التي كانت سترتتب عىل تطبيق الرشوط املفروضة من طرف‬
‫صندوق النقد الدويل‪ .‬وبعدما اغتيل الرئيس بوضياف‪ ،‬ظن البعض أنه من املمكن أن أشكل‪ ،‬بالنسبة إليهم‪،‬‬
‫بصفتي مناضال قديما يف الحركة الوطنية وكذا بحكم منصبي يف عهد الرئيس بومدين ومعارضتي املعروفة‬
‫لنظام الرئيس الشاذيل وإصالحاته "عوضا" عن الخسارة املرتتبة بسبب فقدان الرئيس بوضياف‪ - .‬وأخريا‪،‬‬
‫كان البعض ربما يعترب أنه نظرا ملواقفي السابقة‪ ،‬السيما يف عهد الرئيس الشاذيل‪ ،‬وترصيحاتي العمومية‪،‬‬
‫رصت‪ ،‬كما قيل يل يف ما بعد‪ ،‬نوعا من األسطورة وأن هذه األسطورة يجب أن يقىض عليها‪ ،‬من خالل توريطي‬
‫يف مسؤوليات حكومية‪ ،‬يف متاهات التسيري موفرا بذلك املناسبة لخصومي بإقحام نفيس يف التدمري الذي أريد يل‬
‫أن أقوم به تاركا لهم‪ ،‬هكذا‪ ،‬الفرصة لجري إىل ساحة املكائد واملكر فيقىض عىل سمعتي وتُحبط مساعي‬
‫بغرض إقامة الحجة الدامغة عىل بطالن األفكار التي كنت أدافع عنها ‪.‬‬

‫تلك هي‪ ،‬إذاً‪ ،‬الظروف التي دعيت فيها إىل ترؤس الحكومة يف ‪ 4‬جويلية ‪ .1992‬قبل أن نفرتق يف االجتماع‬
‫املذكور‪ ،‬اتفقنا عىل أن إعالن تعييني سيقع يف يوم ‪ 8‬جويلية ‪ ،1992‬غداة إحياء ذكرى اليوم السابع بعد دفن‬
‫الفقيد الرئيس بوضياف‪ .‬وقد تعهد الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار القيام باملهمة عىل أحسن وجه يف ما‬
‫يخص طريقة إجراء التغيري الحكومي‪ .‬تطور األمور أثناء الشهور الثالث عرشة األخرية التي قضيتها عىل رأس‬
‫حكومتنا قد أبرزت ترصفات من كانت أفكارهم السياسية املسبقة أو مصالحهم متعارضة مع توجهات‬
‫برنامجي الحكومي واألهداف املسطرة فيه‪ .‬ومن أجل فهم تلك "األمور" التي يزعم الجنرال تواتي أن له رواية‬
‫بشأنها‪ ،‬وأنا ال أقبلها‪ ،‬أؤكد مرة أخرى أن العرض الذي قدم إيل بخصوص تويل رئاسة الحكومة قد تم بعد‬
‫تبادل لآلراء جرى بيني وبني مخاطبي وأنني‪ ،‬عىل هذا األساس‪ ،‬كنت أعترب‪ ،‬من جانبي‪ ،‬أن الدعوة لرتؤس هذه‬
‫الحكومة كانت تعني موافقة عىل األفكار التي استعرضتها والتي ظننت أنها ستشكل األساس يف تحديد سياسة‬
‫حكومتي ‪.‬‬

‫للتذكري‪ ،‬لقد تم استعراض هذه األفكار يف مناسبات عديدة قبل لقاء جويلية ‪ 1992‬مع الرئيس عيل كايف‬
‫والجنرال خالد نزار‪ ،‬كما أفصحت عن هذه األفكار عالنية يف ندوات عمومية‪ ،‬داخل اللجنة املركزية لجبهة‬
‫التحرير الوطني وكذا يف الترصيحات التي أدليت بها يف الصحف طيلة سنة ‪ 1991‬وأثناء السدايس األول من‬
‫سنة ‪ 1992.‬ثم تمت بلورة وتطوير هذه األفكار يف الربنامج الذي أعدته حكومتي ونال موافقة املجلس األعىل‬
‫للدولة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪@ @@ðmaím ßa‹å§a@âÈaà@ôÝÈ@†‹Üa@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰à@N3‬‬

‫‪2007O07O20@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫يف الواقع‪ ،‬لقد ذهب الجنرال تواتي يف كالمه إىل أبعد من تأكيد مزاعم يمكن أن نجد لها ما يربرها نوعا ما‪ .‬غري‬
‫أنه ال يرتدد يف اإلدالء بأكاذيب ال يمكنه أن يجهل طبيعتها‪ ،‬أي إنه‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬يسمح لنفسه بتشويه‬
‫مقصود للحقيقة‪ .‬فلم يكتف بتقديم نفسه آنذاك عىل أنه الناطق املأذون للجيش الوطني الشعبي وإنما قدم‬
‫نفسه أيضا عىل أنه "دماغه املدبر" )أو "املخ" كما صار متداوال يف األوساط السياسية العاصمية )تاركا كافة‬
‫املالحظني املطلعني يظنون أن الشطط الذي كان يرتكبه يف كالمه عىل حساب الحقيقة كان بمثابة جملة من‬
‫األفكار زعم أنه يديل بها باسم الجيش الوطني الشعبي‪.‬‬

‫أي باسم املؤسسة التي تبقى‪ ،‬يف عيون الجزائريني واملالحظني األجانب عىل السواء‪ ،‬ركيزة الدولة الجزائرية‬
‫والضامنة للتماسك الوطني لشعبنا‪ .‬كل هذا لإلشارة إىل ذلك الدور الشائن الذي سمح الجنرال تواتي لنفسه‬
‫بأدائه أو أسند إليه خالل السنوات األخرية يف أحلك فرتة وأكثرها مأساة تمر بها أمتنا منذ استعادة سيادتها‬
‫سنة ‪ .1962‬إن األرضار املرتتبة عىل هذا الدور بالنسبة إىل سمعة الثورة الجزائرية لتتجاوز بكثري تلك األرضار‬
‫القليلة التي ظن الجنرال أنه قادر عىل تكبيدي إياها‪ .‬كل مدرك لشؤوننا العمومية وطريقة سري مؤسساتنا يقرأ‬
‫النص الذي نُرش للجنرال تواتي لن يندهش فقط وإنما سيشعر أيضا بالتقزز وهو يطالع أكاذيب وتشويهات‬
‫مغرضة للوقائع أرص عىل التفوه بها شخص يحمل رتبة لواء يف قيادتنا العسكرية وهو ال يستحق أكثر من‬
‫وصفه بالجنرال املاكر‪ ،‬باإلضافة إىل تلك الخسة التي سقط فيها تعويضا عن الحجة الدامغة‪ .‬وعليه‪ ،‬من‬
‫البديهي أن أظل‪ ،‬يف دحيض للمزاعم التي أراد أن يقنع الناس بها حويل‪ ،‬مدركا أن محاوالت النيل من شخيص‬
‫تبقى أمورا ثانوية نسبيا مقارنة بتلك األرضار التي تسبب فيها هذا الرجل للبلد‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬البد من فضح‬
‫الطابع املغرض لتلك املزاعم التي أدىل بها الجنرال تواتي يف ما يخصني من باب خدمة الحقيقة ال غري ‪.‬‬

‫من أجل وضوح الرد عىل هذه املزاعم – التي لم تكن يف أغلب األحيان سوى مجرد أكاذيب افرتاها عيل الجنرال‬
‫تواتي – يبدو يل أنه من األحسن الرجوع إىل نص الحوار من بدايته إىل نهايته كي يتسنى للقارئ أن يكون عىل‬
‫بينة من أمره بسهولة مع شفع كل ادعاء تفوه به هذا الجنرال املاكر برسد للوقائع واألفكار التي تدحضه أو‬

‫‪9‬‬
‫‪ ‬‬
‫تفضح التشويهات التي جاء حامال لها ‪.‬‬

‫‪ ".1‬أنا‪ ،‬أيضا‪ ،‬أرغب يف تقديم روايتي لألمور‪ .‬وهذه الرواية ال تروق بالرضورة السيد عبد السالم" كما أرشت‬
‫يف بداية هذا املقال‪ ،‬ال يكمن املشكل يف معرفة الرواية التي يمكن أن تروقني وإنما يف تبيني الفكرة التي يتصور‬
‫بها هذا الرجل – الذي يريد أن يكون "مخا" ألهم مؤسسة وطنية‪ ،‬أال وهي الجيش الوطني الشعبي– رشف‬
‫الوظيفة التي يدعيها والرتبة التي يحملها عىل أساس ترصفه إزاء الحقيقة‪ .‬إن ترصفه هذا من املفروض أن‬
‫يكون أيضا قائما عىل االحرتام املطلوب تجاه املواطنني الذين يزعم أنه يفيدهم بأخبار والذين ينتظرون منه‪،‬‬
‫عىل األقل‪ ،‬أال يغلطهم السيما وأنه قدم نفسه دائما ليس فقط عىل أساس أنه الناطق الرسمي للجيش الوطني‬
‫الشعبي وإنما أيضا بوصفه مصدرا إلهام بالنسبة إىل القرارات املتخذة ‪.‬أما ماعدا ذلك‪ ،‬فليس إال هراء ال طائل‬
‫من ورائه ‪.‬‬

‫‪...".2‬كانت هناك جملة من التقديرات والشكوك أبداها العديد من اإلطارات يف ما يخص مقدرة السيد عبد‬
‫السالم واستعداده للتكيف مع السياق السيايس واالقتصادي الجديد"‪ .‬أ‪ .‬هل أنا يف حاجة إىل تأكيد أن‬
‫"اإلطارات" التي يشري إليها الجنرال تواتي ينتمون‪ ،‬معظمهم إن لم يكن كلهم‪ ،‬إىل ذلك التيار الذي يسميه هو‬
‫نفسه بالتيار "الديمقراطي" من أمثال مناضيل التجمع الوطني من أجل الثقافة والديمقراطية الذي‪ ،‬كما يعلم‬
‫الجميع‪ ،‬له صلة به‪ .‬وهؤالء ليسوا شيئا آخر غري ورثة هؤالء ممن حاربوا الحركة الوطنية الجزائرية باألمس‬
‫وحاولوا االستخفاف بالقيم التي قامت عليها والزالت دائما هذه الحركة‪ .‬هؤالء "اإلطارات" أفرح ألنني خيبت‪،‬‬
‫والزلت‪ ،‬ظنهم مثلما أشعر بالسعادة بعد قيام الشعب الجزائري‪ ،‬بأغلبيته الساحقة‪ ،‬بفضح هؤالء "اإلطارات"‬
‫ومن يؤيدون أو يؤيدونهم أنهم‪ ،‬بالفعل‪" ،‬أخطأوا الشعب" كما اعرتف بذلك رصاحة‪ ،‬ذات يوم‪ ،‬أبرز ناطق‬
‫رسمي لهم‪ .‬ب‪ .‬يف ما يخص قدرتي عىل التكيف مع "السياق االقتصادي الجديد"‪ ،‬أكتفي بإحالة الجنرال‬
‫ُ‬
‫جعلت هذه الحكومة تعتمدها أو‬ ‫تواتي عىل برنامج العمل املقدم من طرف حكومتي وكذا عىل اإلصالحات التي‬
‫حملت املجلس األعىل للدولة عىل إقرارها‪ ،‬السيما قانون االستثمارات‪ .‬كما أود‪ ،‬هنا‪ ،‬تذكري الجنرال تواتي وكل‬
‫من رشفني بقراءة هذا النص أنني‪ ،‬خالل الفرتة التي كنت فيها رئيسا للجنة الشؤون االقتصادية لدى اللجنة‬
‫املركزية لجبهة التحرير الوطني‪ ،‬أثناء العهدة األوىل للرئيس الشاديل‪ ،‬قمت بإعداد مشاريع نصوص‪ ،‬اعتربت‬
‫جد متقدمة يف وقتها‪ ،‬من أجل النهوض بالقطاع الخاص الوطني السيما من خالل إعطاء معنى أوسع ملفهوم‬
‫"القطاع الخاص الوطني غري املستغِ ل" الذي تضمنه امليثاق الوطني املعتمد سنة ‪ 1976‬يف عهد الرئيس‬
‫بومدين‪ .‬هذا العمل كنت قد رشعت فيه يف سنواتي األخرية عىل مستوى وزارة الصناعة بمعية بعض من‬
‫مساعدي يف نفس الوزارة مستندا يف ذلك إىل أجهزة املعهد الوطني لإلنتاجية والتنمية الصناعية ‪(INPED).‬‬
‫وقد تمثل هذا العمل أساسا يف صياغة عدد كبري من املرشوعات االستثمارية الصغرية واملتوسطة يف املجال‬
‫الصناعي توكل إىل القطاع الخاص وكذا يف صياغة نصوص تبني الرشوط التي تتم بها االستثمارات يف هذا‬
‫القطاع مع رسم معالم النصوص القانونية املتصلة باألشكال التي ينبغي أن تتخذها املؤسسات الخاصة فردية‬
‫كانت أو جماعية‪ .‬لعل أرشيف اللجنة املركزية لجبهة التحرير الوطني يف عهد الحزب الواحد وأرشيف وزارة‬
‫الصناعات الخفيفة واملعهد الوطني لإلنتاجية والتنمية الصناعية زاخر بالكثري من النسخ ملختلف هذه‬
‫النصوص ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ ‬‬
‫موازاة مع العمل عىل صياغة مشاريع النصوص املذكورة أعاله‪ ،‬قمت أيضا بطلب مقرتحات يف مجال تطبيق ما‬
‫قدم يف وقته عىل أنه عملية لـ "مراقبة الثروات الخاصة" بهدف وضع حد النتشار تلك اآلفة التي بدأت آنذاك‬
‫تنال‪ ،‬فعال‪ ،‬من معنويات مجتمعنا ومن مصداقية دولتنا بصورة خطرية‪ .‬لعله من نافلة القول إن انتشار هذه‬
‫اآلفة وما تسببت فيه من أرضار لم تكن غريبة عن تفسخ أوضاعنا السياسية يف أواخر الثمانينيات وظهور‬
‫تيارات أيديولوجية مؤذية أدت إىل تلك النتائج االنتخابية يف جوان ‪ 1990‬وديسمرب ‪ 1991‬وإىل تلك األحداث‬
‫املفجعة التي عرضت وجود دولتنا وتماسك مجتمعنا إىل الخطر يف تلك العرشية‪ .‬كل ذلك ألبني أنه يف ما يخص‬
‫االنفتاح والتكيف مع املستجدات يف بلدنا وعىل مستوى العالم ليس هناك أي درس يمكن أن أتلقاه من الجنرال‬
‫تواتي وهؤالء اإلطارات الدائرين يف فلكه‪ .‬بطبيعة الحال‪ ،‬بالنسبة إيل‪ ،‬كل تكيف ال يمكن أن يكون له معنى إال‬
‫إذا كان مندرجا يف سياق تطور مجتمعنا واقتصادنا وعىل أساس أنه تقدم يف مجال تجسيد وتعميق مبادئ‬
‫ثورتنا ال من حيث هو تنكر لهذه املبادئ وسعي للقضاء عىل ما تحقق من منجزات يف مجال تحسني أحوال‬
‫جماهرينا الشعبية باإلضافة إىل تلك النتائج التي استطعنا أن نحققها بفضل تلك الجهود التي بذلناها يف سبيل‬
‫تنمية البالد ‪.‬‬

‫مما تقدم‪ ،‬ال أرى كيف استطاعت اإلطارات العديدة التي تحدث عنها الجنرال تواتي أن تساورها "شكوك"‬
‫حول مقدرتي واستعدادي للتكيف مع املستجدات السياسية واالقتصادية مادمت لم أخف أبدا‪ ،‬منذ أكتوبر‬
‫‪ ،1988‬يف الكثري من الكتابات والترصيحات العمومية وكذا يف تلك اللقاءات والندوات التي جمعتني بإطارات‪،‬‬
‫أفكاري وتصوراتي إزاء جميع املسائل املطروحة عىل بلدنا يف أواخر الثمانينيات والعرشية التي جاءت بعدها‪.‬‬
‫إن الذين طلبوا مني ترؤس الحكومة كانوا عىل علم بأفكاري وتصوراتي جيدا السيما وأنني أعربت عنها‬
‫وذكرت بها مبارشة حتى قبل إعالن قرار تعييني عىل رأس هذه الحكومة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪".3‬يف ترصيحاته الصحفية‪ ،‬يتهمني السيد عبد السالم بالتدخل يف أنشطته موحيا أنني كنت أقتحم ديوانه" ال‬
‫أظن أنني رصحت أن الجنرال تواتي كان يقتحم ديواني‪ .‬لكن هذا األخري ذاته هو الذي قال يل إنه حرض ذات‬
‫يوم‪ ،‬يف شكل اقتحام تقريا‪ ،‬إىل مكتب مدير ديواني لالحتجاج ضد قرار التعليق الذي اتخذته ضد يومية ‪El‬‬
‫‪Watan‬؛ وهو ما يعني‪ ،‬عىل أية حال‪ ،‬شكال من أشكال التدخل يف عميل ألن تدخال أو احتجاجا من هذا القبيل‬
‫عىل مستواي بوصفي رئيس حكومة كان ال بد أن يمر صاحبه عرب الوزير املعني‪ ،‬أي وزير الدفاع يف هذه‬
‫الحالة‪ ،‬والذي كان الجنرال خالد نزار‪ ،‬ألن هذا األخري هو املخول لذلك‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وانطالقا من نفس العبارات‬
‫التي استعملها الجنرال تواتي تجاهي‪ ،‬سيكون يل حديث يف ما بعد عن هذه الواقعة املتعلقة بتعليق صدور‬
‫يومية ‪ El Watan‬ألرسد روايتي يف هذا الشأن والتي لن "تروق بالرضورة" الجنرال تواتي هذا ‪.‬‬

‫وكيال أتجاوز ما ينسبه إيل الجنرال تواتي من كالم أكون قد اتهمته فيه بالتدخل يف أنشطتي‪ ،‬سأكتفي‪ ،‬عند هذا‬
‫الحد‪ ،‬بذكر ما قاله يف تدخله بخصوص قانون االستثمارات وزعمه أنه كان مالذا بالنسبة إىل الوزراء يف‬
‫حكومتي ممن كان يدعي آراء لم يجرؤ عىل اإلفصاح عنها يف حرضتي وكذا الدور الذي اعرتف به يف حواره مع‬
‫جريدة ‪ El Watan‬يف حبك تلك املؤامرة التي أدت بالجزائر إىل اللجوء إىل إعادة هيكلة مديونيتها الخارجية‬
‫وأخريا موقفه القايض باللجوء إىل الخزينة الفرنسية للتحقق من األرقام التي كنت قد قدمتها يف ترصيح‬
‫عمومي‪ .‬هذا‪ ،‬وهناك اعتبارات أخرى سيتم التعرض لها‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬حول هذه النقطة من مزاعم الجنرال‬
‫تواتي ‪.‬‬

‫*يف الحوار الذي أجرته معه جريدة ‪ El Watan‬الصادرة بتاريخ ‪2001-09-27‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ðmaím@‡á«@ßa‹å§a μiì@?ïi@Óþ©a@óÕïÕy@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN4‬‬

‫‪2007O07O21@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫‪".4‬كنا يف سنة ‪ ...1992‬وبما أننا كنا تحت نظام حالة الطوارئ بدا لنا‪ ،‬بحكم التجربة‪ ،‬من الرضوري اللجوء‬
‫إىل إنشاء خلية تنسيق‪ ،‬تفكري واقرتاح يف ما يخص جميع التدابري املمكن أن ترتتب عىل حالة الطوارئ هذه لكن‬
‫يف اتجاه استعادة النظام العمومي وضمان أمن األشخاص واملمتلكات‪ .‬كانت هناك‪ ،‬إذاً‪ ،‬مجموعة متكونة من‬
‫خمسة وزراء‪ ،‬موظفني ساميني اثنني واملتحدث بوصفي ضابط اتصال لوزارة الدفاع الوطني‪".‬‬

‫صحيح‪ ،‬خالل الفرتة األوىل من عمر حكومتي – فرتة تزامنت تقريبا مع السدايس الثاني من ‪ 1992‬والشهور‬
‫األوىل من سنة ‪ –1993‬كانت عالقاتي بالجنرال تواتي تجري يف جو من االنسجام‪ .‬كنا‪ ،‬حينئذ‪ ،‬منهمكني يف‬
‫محاربة األنشطة االنقالبية التي كانت تمس‪ ،‬بصورة خطرية‪ ،‬استقرار بالدنا‪ .‬كما كان علينا‪ ،‬بوجه أخص‪،‬‬
‫تحديد صيغ الرد يف هذه املحاربة عىل االغتياالت التي كانت تدمي مجتمعنا وترهب سكاننا‪ .‬لقد اضطررنا إىل‬
‫مواجهة وضع لم يسبق له مثيل يف املجال األمني منذ استقالل الجزائر‪ .‬كما كان علينا أن نفكر يف اإلمكانيات‬
‫ونوفرها ويف أجهزة وإجراءات ذات طبيعة لم تعهدها من قبل أبدا أجهزة أمننا املكلفة بحفظ النظام العام‪ .‬وقد‬
‫استطعنا أن ننجز أعماال معتربة يف هذا املجال بفضل ذلك التعاون الذي صار بني الوزارات املعنية‪ .‬لقد كانت‬
‫هناك اجتماعات تنسيق تقع بديواني‪ ،‬تارة بحضوري وتحت رئاستي وتارة لدى مدير ديواني ‪.‬كانت املناقشات‬
‫تجري يف جو حميمي ميزته إرادة كل واحد واستعداده لبذل الجهد والقيام بمهماته عىل أكمل وجه من أجل‬
‫تزويد البالد بأدوات كفيلة بتمكينه من تجاوز األخطار املحدقة به‪ .‬من جانبي‪ ،‬ال يمكن إال أن أحيي ذلك‬
‫اإلسهام الذي قدمه الجنرال تواتي إىل هذا العمل وكنت أفكر يف إقامة‪ ،‬ليس فقط عالقات تعاون منسجم بيننا‪،‬‬
‫تبن لقيم مشرتكة‪ .‬صحيح‪ ،‬قبل مجيئي عىل رأس الحكومة‪ ،‬لم أكن‬ ‫وإنما أيضا عالقات ثقة ظننتها قائمة عىل ﱟ‬
‫أعرف الجنرال تواتي ولم أكن أدرك الفروق الجوهرية املوجودة بيننا عىل مستوى ما يمكن تسميته بميول كل‬
‫منا من الناحية األيديولوجية والتاريخية‪ .‬لذلك‪ ،‬ابتداء من أواخر الفصل األول من سنة ‪ 1993‬وألسباب‬
‫سأتعرض لها يف ما بعد‪ ،‬أخذت عالقات الثقة تتضاءل بيننا ليتبعها نوع من االرتياب ثم عداوة رصيحة يف آخر‬
‫األمر ‪.‬‬

‫‪ ".5‬مافتئ السيد عبد السالم يعلن للمأل أنني يف خدمة بعض املصالح ال لسبب إال ألنني سمحت لنفيس بإبداء‬

‫‪13‬‬
‫‪ ‬‬
‫مالحظة له حول مرشوع قانون االستثمارات الذي أفرغه من كل محتواه عندما أضاف بندا أو فقرة تفرض عىل‬
‫كل مستثمر جزائري‪ ،‬مقيما كان أو غري مقيم‪ ،‬الترصيح أمام موثق بمصدر األموال التي ينوي استثمارها ‪".‬‬

‫أ‪ .‬مجرد االدعاء أن مرشوع قانون االستثمار الذي أمرت بصياغته أُفرغ من محتواه ألنني أدرجت يف نصه بندا‬
‫يفرض عىل املستثمر الترصيح بمصدر األموال التي بحوزته ال يمكن أن يؤوٍّل بصورة أخرى غري كونه دعما‬
‫مقدما لهؤالء املعروفني من الجميع ممن كسبوا ثروات معتربة عىل حساب الدولة‪ ،‬سواء عن طريق الغش‬
‫الرضيبي أو عن طريق مختلف أشكال الرشوة السيما العموالت املقتطعة من الصفقات العمومية لإلدارة أو‬
‫املؤسسات االقتصادية الوطنية أو‪ ،‬أخريا‪ ،‬عن طريق الغش يف العمليات التجارية عىل حساب املستهلكني ‪.‬‬

‫ب‪ .‬أضف إىل ما سبق‪ ،‬الدور الذي ال يخفي الجنرال تواتي قيامه به يف نصب املكائد ورسم خطط التدخالت‬
‫التي أدت بالجزائر إىل اللجوء إىل إعادة هيكلة مديونيتها الخارجية هو )أي الدور(‪ ،‬يف حد ذاته‪ ،‬طريقة جديدة‬
‫يف تقديم الدعم لبعض املصالح أو يف إثبات صلته بها مادامت الحملة التي شنت‪ ،‬السيما من طرف الجنرال‬
‫تواتي‪ ،‬كما يقر هو ذاته بذلك‪ ،‬كانت تستهدف‪ ،‬بصفة خاصة‪ ،‬الحصول – تحت غطاء رضورة الخضوع‬
‫لرشوط صندوق النقد الدويل – عىل تحرير التجارة الخارجية وكذا تمكني املتعاملني الخواص من صفقات‬
‫تجارة االسترياد‪-‬التصدير )‪ (import-export‬التي تخص‪ ،‬أساسا‪ ،‬استرياد املواد الواسعة االستهالك‪ .‬ودائما‬
‫يف سياق تطبيق رشوط صندوق النقد الدويل‪ ،‬كان لهؤالء املتعاملني الخواص الحق يف االستفادة من قروض‬
‫خارجية حصلت عليها الدولة أو مضمونة من طرفها لتمويل املواد التي كانوا يستوردونها‪ .‬وعليه‪ ،‬هل أنا يف‬
‫حاجة إىل التذكري‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬بالروابط التي تربط الجنرال تواتي بمجموعة التجمع من أجل الثقافة‬
‫والديمقراطية وأن زعيم هذه املجموعة المني‪ ،‬يف مقال صدر له بعد حل حكومتي‪ ،‬بعدما أرشت إىل أنه من بني‬
‫مدبري حمالت القدح ضد السياسة االقتصادية املعتمدة من طرف حكومتي السيما عرب بعض الصحف التي‬
‫تدعي أنها مستقلة‪ ،‬كان هناك مستوردون كبار معروفون عىل مستوى الساحة التجارية الجزائرية بتلك‬
‫العمليات املربحة التي أنجزوها يف مجايل حديد البناء واألدوية‪ .‬ليس هناك ما يثبت أن الجنرال تواتي له أسهم‬
‫يف مجموعات املصالح ممن استفادوا من امتيازات أكيدة تأتت لهم بفضل التوجهات التي ال يخفي أنه كان‬
‫وراءها يف مجال السياسة االقتصادية للجزائر بعد تصفيتي من عىل رأس الحكومة‪ .‬ثم إنني لم أرصح أبدا أنه‬
‫استفاد شخصيا من أنشطة مجموعات املصالح ممن نفعهم نشاطه لدى الدوائر القيادية يف الدولة ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ ‬‬
‫ج‪ .‬لكن‪ ،‬وبرصف النظر عن مختلف االعتبارات التي يمكن أن تجعل الجنرال تواتي يصدر أحكاما عىل البند‬
‫الذي أدرجته يف مرشوع قانون االستثمارات يف ما يتعلق مراقبة مصادر األموال التي يوفرها املستثمرون‬
‫املحتملون‪ ،‬يبقى السؤال األسايس املطروح حول نقطة الخالف كاآلتي ‪ :‬كيف استطاع الجنرال تواتي – وهو‬
‫يترصف بوصفه ممثال لواحدة من أبرز السلطات يف الدولة – وكذا هؤالء ممن يدعي أنهم أرسوا له بأشياء‪ ،‬أن‬
‫يروا غرابة‪ ،‬بل أمرا غري مقبول‪ ،‬أن يتساءل وكالء مؤهلني للدولة‪ ،‬أي موثقني‪ ،‬عن مصدر رؤوس األموال املزمع‬
‫استثمارها السيما وأن هؤالء املستثمرين كانوا يستفيدون من امتيازات وضمانات من طرف الدولة ؟ يعلم‬
‫جميع املالحظني لساحتنا السياسية الوطنية أن تلك العنارص التي اغتنت بطريقة غري رشعية‪ ،‬ويف الكثري من‬
‫األحيان عىل حساب الجماعة الوطنية‪ ،‬هي التي كانت تتمنى الحصول عىل إقرار قانوني باملنافع التي تحققت‬
‫لها جراء النهب وتسعى يف هذا االتجاه لدى كافة الفاعلني املرشفني عىل أنشطتنا السياسية الوطنية من أجل‬
‫ضمان عدم تعرضها أبدا للعقاب ومن أجل الحصول عىل الصفة القانونية ملا كسبته بوسائل كانت غري قانونية‬
‫بمثل ما كانت غري أخالقية‪ .‬ذلك هو الرهان كله بالنسبة إىل هؤالء الذين ما فتئوا‪ ،‬منذ سنوات‪ ،‬يظهرون بني‬
‫الفينة واألخرى يف صورة مطالبة بالعفو الرضيبي بحجة أن الجزائر يف حاجة إىل رؤوس أموال من أجل خلق‬
‫مناصب شغل وتقليص البطالة ‪.‬‬

‫الكل يعرف أيضا أن البلدان املتطورة يف العالم الغربي ذي االقتصاد املحكوم بقواعد الرأسمالية واقتصاد‬
‫السوق تفرض مراقبة صارمة عىل مصدر األموال املتداولة أو املستثمرة يف أنشطتها االقتصادية‪ .‬هل أنا يف‬
‫حاجة إىل التذكري هنا أنه يف البلدان الغربية‪ ،‬كل إيداع لألموال يف بنك – حتى ولو كان املبلغ ضئيال نسبيا‬
‫مقارنة بتلك األعداد الضخمة من األوراق النقدية املتداولة لدينا يف أكياس القمامة – يفرض عىل صاحبه تقديم‬
‫إثباتات صارمة يف ما يخص مصدر األموال املودعة ؟ يف الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬مسافر قادم من الخارج‬
‫يرصح أن بحوزته مبلغا مساويا أو أكثر من ‪ 5000‬دوالر أمريكي يجد نفسه أمام استنطاق مشدد من طرف‬
‫مصالح األمن‪ .‬هذه القواعد كانت موجودة قبل اإلجراءات املفروضة هناك يف السنوات األخرية بكثري من أجل‬
‫مالحقة األموال املخصصة لتمويل ما يسمى باإلرهاب الدويل‪ .‬وقد كان الهدف منها محاربة األموال القذرة‪ ،‬أي‬
‫املحصل عليها‪ ،‬أساس‪ ،‬عن طريق املتاجرة باملخدرات‪ ،‬أنشطة الدعارة والجريمة املنظمة ‪.‬فكيف يمكن للدولة‬
‫الجزائرية‪ ،‬املتمخضة عن ثورة كلفت شعبنا مئات األلوف من الشهداء والتي أشعت عىل العالم بأرسه‪ ،‬أن‬
‫تغض الطرف عن إصدار قوانني باسمها تفتح الباب واسعا لتبييض األموال القذرة التي تدينها جميع الدول‬
‫املتحرضة والجادة عىل أنها جريمة بائنة ومساسا بسمعة املؤسسات التي تحكم هذه الدول ؟ ليس هناك سوى‬
‫تلك البلدان التي تسود فيها مختلف الجماعات املافياوية النشطة عىل مستوى العالم التي ترىض بالتحول إىل‬
‫فراديس رضيبية لألرباح الهاربة من قوانني الدول التي تحققت فيها‪ .‬لقد تحولت هذه الدول إىل مالذ طيب‬
‫لرؤوس األموال ذات املصادر املشبوهة التي كثريا ما تكون مرتبطة بجرائم وترصفات أشخاص ال دين لهم وال‬
‫ملة ‪.‬‬

‫د‪ .‬يبدو أن الجنرال تواتي قد نيس‪ ،‬مثلما يبدو الكثري من مسؤولينا السياسيني معه‪ ،‬أن أحد املوضوعات الكربى‬
‫املستعملة كتربير وهدف للعمل الذي تم القيام به تحت إرشاف الجيش الوطني الشعبي غداة إلغاء نتائج‬
‫االنتخابات الترشيعية لسنة ‪ 1991‬وتوقيف املسار االنتخابي الناجم عنه كان استعادة مصداقية الدولة‪ .‬يف ما‬
‫يخصني‪ ،‬ويف برنامج العمل الذي سطرته لحكومتي بموافقة من املجلس األعىل للدولة‪ ،‬احتلت هذه املسألة‬

‫‪15‬‬
‫‪ ‬‬
‫مكانا مرموقا وتضمنت جانبني ‪ :‬محاربة األنشطة التخريبية واتخاذ تدابري ضد الفساد وضد ما كنا آنذاك‬
‫نسميه باآلفات االجتماعية التي كانت السبب الرئييس يف تدهور األوضاع السياسية يف البالد ‪.‬حكومتي هي التي‬
‫صاغت جميع األحكام الترشيعية والتنظيمية من أجل تمكني قوات األمن من التدخل بفعالية وجهازنا القضائي‬
‫من العمل بالرصامة والرسعة املطلوبتني بغرض احتواء ومحاربة الهجومات املستهدفة ملؤسسات الدولة وكذا‬
‫حماية األشخاص واملمتلكات من الخطر املتزايد شدة واتساعا‪ .‬وبعد موافقتي االضطالع بمسؤولية لم أبحث‬
‫عنها ولم أطلبها أبدا ويف تلك الظروف األليمة التي كانت الجزائر تعيشها يف تلك الفرتة )‪ 2‬جويلية )‪1992‬‬
‫والشهور التي تلتها‪ ،‬لم يكن بإمكاني‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬أن أخضع إلرادة من كانوا‪ ،‬عىل شاكلة الجنرال‬
‫تواتي‪ ،‬يظنون أنفسهم أصحاب رسالة سامية تخولهم‪ ،‬دون سواهم‪ ،‬تحديد ما كان صالحا للبلد وما لم يكن‬
‫وأن أترك اسمي يسجل يف صفحات تلك املرحلة الغامضة من تاريخنا عىل أنني كنت فقط ذلك الرجل صاحب‬
‫قانون مكافحة اإلرهاب‪ ،‬املحاكم الخاصة والتدابري الهادفة إىل تخليص مساجدنا من األنشطة االنقالبية التي‬
‫بدأت تعشش فيها منذ السنوات التي سبقت تلك الفرتة التي بدأت مع توقيف املسار االنتخابي مطلع ‪.1992‬‬
‫وإضافة إىل أثره من حيث كونه حكما ترشيعيا رضوريا لتنقية املناخ األخالقي يف البالد واستعادة مصداقية‬
‫الدولة‪ ،‬جاء البند املتعلق بمراقبة رؤوس األموال الذي أدرجته يف مرشوعي لقانون االستثمارات كواجب أخالقي‬
‫لم يكن بإمكاني التخيل عنه من دون النيل من رشف املهمة التي عهد بها إيل ومن طابع املخ ﱢلص‪ .‬لقد تمثل‬
‫دوري يف تجهيز البالد بقانون لالستثمارات كفيل باإلسهام يف مواصلة تنميتها وتعزيزها‪ ،‬يف كنف احرتام القيم‬
‫السوية لثورتنا‪ .‬كال‪ ،‬لم يتمثل دوري يف توفري قانون لتبييض أموال غري مستحقة استحوذ عليها من ال دين لهم‬
‫وال ملة عىل حساب شعبنا ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪êïÝÈ@μÜbu@>àíÙy@öb›Ècì@oåØ@ñ‰Üa@æ—ÍÜa@ÊÔ@êjji@oááè ñ‰Üa@‡åjÜaN5‬‬

‫‪22/07/2007ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫‪ .6‬أغلب مساعديه)املقصود أنا( كانوا ضد هذا البند لكنهم لم يجرؤوا عىل مصارحته ألن – وهذا أمر ينبغي أن‬
‫نقوله – حتى أعضاء الحكومة لم يكونوا يدخلون مكتبه إال وهم متوجسني خيفة ‪.‬ومهما يكن من أمر‪ ،‬أحد‬
‫الوزراء هو الذي أعرب يل عن مخاوفه بخصوص هذا البند الذي قد يجعل قانون االستثمارات يبدو وكأنه‬
‫قانون عقوبات‪ .‬أما ماعدا ذلك‪ ،‬فنص مرشوع القانون كان ممتازا ‪.‬‬

‫أ‪ .‬يف ما يخص طريقة التعامل مع مساعديٍّ يف إطار ممارسة مختلف املسؤوليات التي عهد بها إيل طيلة‬
‫حياتي‪ ،‬أفضل ترك اإلجابة لهؤالء‪ ،‬ولو يف قرارة أنفسهم‪ ،‬عن املزاعم الواردة عىل لسان الجنرال تواتي ‪.‬من‬
‫جانبي‪ ،‬أكتفي بالقول‪ ،‬ببساطة‪ ،‬إنه لرشف يل أنني حظيت باالحرتام والتقدير‪ ،‬املمتزجني بالعاطفة األخوية يف‬
‫بعض األحيان‪ ،‬من طرف مساعدي دائما‪ ،‬أو عىل األقل البعض منهم‪ ،‬بما يف ذلك أثناء الفرتات التي لم أكن‬
‫أمارس فيها إال مسؤوليات نضالية لم تمنحني أية قدرة عىل ترهيبهم إىل درجة جعلهم ال يدلون يل بآرائهم وال‬
‫يقرتبون مني إال بحذر‪ .‬ثم إنني ال أجهل أن هذا التقدير وهذا االحرتام التلقائيني قد جعال املالحظني الخارجيني‬
‫الذين لم يخلوا دائما من سوء النية‪ ،‬يظنون أن السلطة التي كانت يل من املستحيل أال تكون حاصلة بفعل‬
‫اإلكراه املتصل بمسؤولياتي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن إرادة التغلب كما لو كنا يف لعبة الضامة عىل من كالوا يل التهم –‬
‫تهما كانت وهمية مثلما اكتست ربما طابع الحسد ألنهم لم يستطيعوا الظفر بنفس السلطة مثيل مع‬
‫مساعديهم – ال تجعلني أذهب إىل أبعد من هذا الحد يف ردي عىل مثل هذه املزاعم ‪.‬‬

‫ب‪ .‬ليس من الغريب‪ ،‬السيما بالنظر إىل جو املكائد والترصفات االنتهازية املميزة ألوضاعنا السياسية منذ أوائل‬
‫الثمانينيات‪ ،‬أن يكون بعض من مساعدي أو أعضاء يف حكومتي قد أعربوا للجنرال تواتي عن تحفظاتهم‪ ،‬إن‬
‫لم نقل معارضتهم‪ ،‬بخصوص البند املدرج يف مرشوع قانون االستثمارات يف مجال مراقبة رؤوس األموال‪ .‬لم‬
‫تكن حكومتي لتخلو من مساعدين ووزراء ممن كانت لهم لغة مزدوجة ويظهرون بمظاهر مختلفة بحسب‬
‫الفكرة التي يحملونها عن مخاطبهم‪ .‬يف هذا السياق‪ ،‬من املعروف أنه سواء أمامي أو يف إطار اجتماع مجلس‬
‫الحكومة بحضور جميع األعضاء‪ ،‬كان يحدث أن يقوم البعض ممن كان همهم األول اإلدالء بأكثر اآلراء‬
‫راديكالية ومواقف كانت تضعهم يف خانة أشد العنارص رصامة يف مجال تسيري شؤون الدولة ومعالجة املسائل‬
‫املتصلة ببعض الجوانب من حياتنا االجتماعية مثل الرشوة واإلثراء غري املرشوع‪ .‬هكذا كان هؤالء يلجأون إىل‬
‫من كانوا يعتربونهم "أصحاب القرار الحقيقيني" لتقويم األمور يف اتجاه ما كان يناسب خياراتهم الفعلية التي‬
‫لم يجرؤوا عىل اإلفصاح عنها والدفاع عنها أمام املأل‪ .‬إن من أرسوا إىل الجنرال تواتي‪ ،‬حسب زعمه‪،‬‬
‫بمعارضتهم لبند مراقبة مصدر األموال املعدة لالستثمار كانوا ربما نفس األشخاص ممن أكدوا يل أن العسكر‬
‫ال يمكن أبدا أن يرتكوا مثل هذا البند يمر ولم يرتددوا يف البوح يل رصاحة أن هؤالء العسكر أو أصدقاءهم‬
‫سيكونون أول من يعاني جراء هذه املراقبة‪ .‬يف ما يخصني‪ ،‬وانطالقا من املوقف الذي التزمته عندما أمرت‬
‫بإدراج البند القايض بالتأكد من نزاهة مصدر االستثمارات املستفيدة من االمتيازات املنصوص عليها يف قانون‬
‫االستثمارات‪ ،‬كنت أحسب أن أصحاب القرار املنتمني إىل الجيش الوطني الشعبي لم تكن لهم مصالح خفية‬
‫يريدون حمايتها من مراقبة الدولة وال يقبلون أبدا أن يتحولوا إىل رشكاء للمتعاملني الخواص املستنزفني‬

‫‪17‬‬
‫‪ ‬‬
‫لالقتصاد الوطني‪ .‬وعليه‪ ،‬فالقلوب الطيبة التي يحلو للجنرال تواتي الحصول منها عىل أرسار كانوا ربما نفس‬
‫األشخاص ممن ادعوا تنويري ومساعدتي بنصائحهم مشريين يل أن بعضا من مواقفي‪ ،‬السيما البند املتعلق‬
‫بمراقبة مصدر األموال يف مرشوع قانون االستثمارات‪ ،‬جعلتني أهم بقطع الغصن الذي كنت وأعضاء حكومتي‬
‫جالسني عليه ‪.‬‬

‫يف نهاية األمر‪ ،‬الدرس الذي يجب استخالصه من هذه الواقعة املتعلقة بمسار مرشوع قانون االستثمارات الذي‬
‫طلبت إعداده وتم اعتماده‪ ،‬بعد تنحيتي‪ ،‬هو– السيما أثناء فرتة معينة متأخرة من الحياة السياسية يف بلدنا –‬
‫أن من كانوا يظهرون يف عيون الرأي العام الوطني والدويل بوصفهم املرشفني عىل مصالح البلد لم يكونوا‪ ،‬يف‬
‫الواقع‪ ،‬مصدر القرارات املتخذة حتى وإن بقوا مسؤولني عنها يف نظر العامة‪ .‬كانت هناك مساعي رسية لدى‬
‫دوائر سلطة خفية من شأنها عرقلة عملهم والقضاء عىل نجاعته بل وفرض قرارات عليهم لم تكن متفقة مع‬
‫خياراتهم هم‪ .‬يبدو أن الجنرال تواتي ممتاز يف هذا النوع من املمارسات بل ويجد فيها متعة حتى أضحى من‬
‫غري النادر سماع بعض األصوات يف أوساط عاصمية تقول إنه كان يتلذذ بالتنقل ما بني السفارات حيث كان‬
‫يُظن أنه "املخ" أي "امللهم" املحدد لكيفية تدبري شؤون البالد ووسيط الوحي الذي كان الناس يعرفون بفضله‬
‫االتجاه الذي كان أولو أمرنا بصدد اتخاذه ‪.‬‬

‫‪" .7‬لقد كانت عالقاتنا‪ ،‬بالعكس‪ ،‬ممتازة ومحل ثقة كبرية إىل درجة أنني سمحت لنفيس بالتدخل لديه‬
‫)املقصود أنا( بعد تعليق صدور يومية ‪ El Watan‬يف ‪ 1992‬وتوقيف خمسة من صحفييها‪ .‬كنت أعترب أن‬
‫هذه اليومية لم ترتكب أية مخالفة ولم تخرق أي رس عسكري عندما نرشت خرب الهجوم اإلرهابي عىل مقر‬
‫الدرك الوطني بقرص الحريان‪ .‬لم يقل يل أي يشء عىل التو‪ ،‬لكنه‪ ،‬لم يرتدد‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬يف االدعاء أنني كنت يف‬
‫خدمة الصحافة الخاصة ‪".‬‬

‫أ‪ .‬ذات يوم من شهر جانفي ‪ – 1993‬يوم السبت ‪ 2‬من الشهر عىل وجه التحديد – وبعد وصويل إىل املكتب‪،‬‬
‫اطلعت عىل فحوى مقال يومية ‪ El Watan‬التي نرشت عىل عرض صفحته األوىل كلها خرب موت خمسة دركيني‬
‫بالقرب من األغواط‪ .‬وقد أثار الخرب حفيظتي لسببني ‪ :‬أوال‪ ،‬ألننا كنا قد اتفقنا‪ ،‬السيما مع مسؤويل الصحف‪،‬‬
‫عىل االمتناع عن املبالغة يف توفري إشهار ملحاوالت االغتيال اإلرهابية التي كان من بني أهداف أصحابها رضب‬
‫الرأي العام وذيوع أفعالهم ؛ ثانيا‪ ،‬بالنسبة إيل كان من الفاحشة أن تقدم صحيفة‪ ،‬تدعي الجدية‪ ،‬عىل استغالل‬
‫تجاري ملأساة تسببت فيها أيادي إرهابية‪ .‬كنت أجهل آنذاك بعض االعتبارات الخفية التي يمكن أن تفرس‬
‫اإلشهار الذي حظيت به هذه الواقعة‪ .‬وأنا أطلع عىل فحوى الخرب يف‪ ، El Watan‬علمت أن مدير هذه اليومية‬
‫وبعضا من مساعديه من الصحفيني أوقفوا يف الصباح املبكر من طرف رجال الدرك الوطني بحجة عرقلة‬
‫التحقيق الذي كانوا بصدده يف هذه الواقعة عندما أذاعوا الخرب قبل األوان‪ .‬لقد كنا‪ ،‬يف تلك الفرتة‪ ،‬يف حالة‬
‫طوارئ‪ ،‬وكانت األوضاع الداخلية متأثرة كثريا باالغتياالت اإلرهابية‪ .‬بناء عىل ذلك‪ ،‬اتخذت عىل الفور قرارا‬
‫بتعليق صدور اليومية املذكورة إىل "أجل غري مسمى ‪".‬‬

‫بعد ذلك بأيام قليلة‪ ،‬وبعد عدد من التدخالت‪ ،‬السيما من جانب الجنرال خالد نزار الذي أكد يل أنه قام بتوبيخ‬
‫شديد اللهجة ملدير‪ ، El Watan‬قمت برفع التعليق عىل اليومية‪ .‬يف هذه األثناء‪ ،‬أفرج الدرك الوطني عن مدير‬
‫اليومية والصحفيني الذين كانوا معه‪ .‬أما يف ما يخص الجنرال تواتي‪ ،‬لم أكن أبدا عىل علم بتدخله بشأن هذه‬

‫‪18‬‬
‫‪ ‬‬
‫الواقعة‪ .‬ولم أعرف إال يف ما بعد بكثري ‪ ،‬كما أخربني هو نفسه بمناسبة لقاء بمكتبي‪ ،‬أنه اقتحم تقريبا‪ ،‬كما‬
‫قال‪ ،‬مكتب مدير ديواني لالحتجاج عىل قرار تعليق صدور اليومية املذكورة‪ .‬لعله أحس‪ ،‬آنذاك‪ ،‬أنه لم يكن من‬
‫املناسب إخطاري مبارشة برد فعله ولعله فضل التوجه إىل الجنرال خالد نزار ليطلب منه التدخل لدي من أجل‬
‫رفع التعليق‪ .‬الجنرال خالد نزار‪ ،‬بصفته عضوا يف املجلس األعىل للدولة‪ ،‬لكن أيضا بحكم وضعه كقائد الجيش‬
‫الوطني الشعبي‪ ،‬كان يُعترب آنذاك عىل أنه صاحب السلطة العليا الحقيقي يف البالد ؛ مما جعله يف منصب‬
‫أسمى من منصبي‪ .‬ثم إن العالقات بيننا كانت الئقة جدا وفيها من الثقة والكياسة ما جعلني أشعر بالغبطة‬
‫نحوها ‪.‬‬

‫لعل الجنرال تواتي قد أحس باإلحباط بعدما لم يستطع الحصول عىل رفع فوري لتعليق صدور الجريدة‬
‫املذكورة التي كان حاميها نوعا ما‪ .‬كما أنه البد وأن تكون لهذه الواقعة عالقة بتلك االتهامات‪ ،‬الناجمة عن حقد‬
‫غري معلن‪ ،‬املوجهة ضدي‪ ،‬السيما عرب تلك األقاويل الباطلة حول نزعتي" القيرصية" املزعومة يف ممارسة‬
‫السلطة ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪æ íÜa@óÑïz– ÒïÔím@pbïÑÝ‚@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN6‬‬

‫‪2007O07O23@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫يف الواقع‪ ،‬وألنني اعتدت البقاء بعيدا دائما عن دوائر اللقاءات والصداقات التي كانت‪ ،‬وال زالت‪ ،‬ﱢ‬
‫تنشط الحياة‬
‫االجتماعية والسياسة بعاصمتنا‪ ،‬كنت أجهل‪ ،‬آنذاك‪ ،‬ما يمكن أن يفرس تلك الحماسة التي أبداها الجنرال تواتي‬
‫يف صالح يومية ‪ El Watan.‬وبالفعل‪ ،‬لقد علمت يف ما بعد‪ ،‬أي مع تطور مسريتي القصرية كرئيس حكومة‪،‬‬
‫وبعد تنحيتي خاصة‪ ،‬أن الجنرال تواتي كان يحمل للجنرال عباس غزيل‪ ،‬قائد الدرك الوطني آنذاك‪ ،‬عداء يكاد‬
‫يصعب وصفه ‪.‬‬

‫لعل الجنرال تواتي كان يعترب نفسه أحق من الجنرال غزيل بقيادة دركنا الوطني ألنه سبق له أن درس‬
‫بمدرسة فرنسية للدرك ضمن الجيش الفرنيس قبل التحاقه بصفوف جبهة التحرير الوطني‪ .‬لكن‪ ،‬أكثر من‬
‫ذلك‪ ،‬ما علمته من خالل الجنرال تواتي حول ميوله األيديولوجية وأفكاره املسبقة بشأن القيم املميزة للحركة‬
‫الوطنية الجزائرية يجعلني أعتقد أن عداءه للجنرال غزيل تجاوز حدود مجرد الخصومة يف ما يتعلق بقيادة‬
‫الدرك الوطني‪ .‬يف اعتقادي‪ ،‬يتعلق األمر باختالفات جوهرية يف املسرية ذات الصلة باألصول التنظيمية‬
‫واأليديولوجية لكل من الجنرالني‪ .‬أحدهما‪ ،‬الجنرال غزيل‪ ،‬وهو مناضل قديم يف صفوف حزب الشعب‬
‫الجزائري وكان التحاقه بصفوف جيش التحرير الوطني نتيجة بديهية اللتزامه بالقضية الوطنية منذ شبابه‪.‬‬
‫ثانيهما‪ ،‬الجنرال تواتي‪ ،‬وهو لم يسمع‪ ،‬قبل التحاقه بصفوف الجيش الفرنيس‪ ،‬أبدا بالحركة الوطنية ولم‬
‫يشعر قط بالحس الوطني يختلج يف أحشائه‪ .‬الجنرال غزيل كان تلميذا بثانوية سكيكدة التي درست بها قبله‬
‫أثناء السنة الدراسية ‪ .1949-1948‬وملا كان أصغر مني سنا‪ ،‬البد وأنه كان يف قسم أدنى من القسم الذي كنت‬
‫فيه‪ .‬لكن‪ ،‬وعىل غرار بعض من الزمالء يف الثانوية املذكورة‪ ،‬كان غزيل مناضال يف حزب الشعب‪ .‬ذات يوم وهو‬
‫يشارك يف مظاهرة نظمها حزبه يف املدينة‪ ،‬وقعت له مشاكل مع الرشطة ؛ مما أدى إىل كشف أمر انتمائه إىل‬
‫حزب الشعب ومشاعره الوطنية لدى مدير الثانوية فكان ذلك سببا يف طرده من هذه الثانوية‪ .‬بعد عودته إىل‬
‫منزله بباتنة‪ ،‬حثه أهله‪ ،‬بهدف حمايته الشك‪ ،‬عىل التطوع يف الجيش الفرنيس الذي التحق به عن طريق مدرسة‬
‫اإلشارة العسكرية بفرنسا ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ ‬‬
‫بعد أول نوفمرب ‪ 1954‬بفرتة قصرية وبعد استعادة اتصاله بخاليا حزب الشعب بباتنة بمناسبة عطلة أتي‬
‫ليقضيها بالجزائر‪ ،‬التحق برفاقه القدامى يف الحزب بجبال األوراس منخرطا هكذا يف صفوف جيش التحرير‬
‫الوطني‪ .‬لقد كانت حياته‪ ،‬من بعد‪ ،‬حياة أي فرد من أفراد جيش التحرير الوطني‪ ،‬أوال يف الداخل ثم يف‬
‫الخارج‪ ،‬يقاسم إخوانه يف الكفاح أوقات الرساء وأوقات الرضاء وكذا تلك التقلبات التي شهدها من عايش‬
‫مسرية حربنا التحريرية إىل ذلك اليوم الذي تحقق لها النرص فيه بإعالن استقالل الجزائر‪ .‬فحتى وإن مر‬
‫عباس غزيل بالجيش الفرنيس قبل مغادرته له ملتحقا بصفوف جيش التحرير الوطني‪ ،‬إال أنه ال يوضع يف‬
‫خانة ما اعتدنا تسميتهم بـ "الفارين من الجيش الفرنيس" نحو جبهة التحرير الوطني عىل الحدود مع تونس‬
‫واملغرب بعد فرارهم من األماكن التي عينوا فيها من طرف الجيش الفرنيس‪ .‬أما الجنرال تواتي‪ ،‬فقد التحق‬
‫بجبهة التحرير الوطني بالخارج يف شهر فيفري ‪ .1961‬قبل ذلك‪ ،‬درس بمركز التكوين اإلداري الذي أنشأه‬
‫جاك سوستال سنة ‪ 1955‬بهدف توفري تكوين رسيع إلطارات جزائرية موجهة لتعزيز اإلدارة االستعمارية يف‬
‫الجزائر كي تحكم قبضتها عىل سكاننا‪ .‬لعلنا نتذكر أن واحدة من املالحظات التي أبداها الحاكم العام‬
‫سوستال بعد تنصيبه سنة ‪ 1955‬كحاكم عام يف الجزائر‪ ،‬هي اعتباره أن إدارة السكان الجزائريني كانت‬
‫ناقصة‪ ،‬أي أن األجهزة االستعمارية املكلفة بتأطري هؤالء كانت يف حاجة إىل إحكام‪ .‬لقد كان سوستال يريد‬
‫رضب عصفورين بحجر ‪ :‬إحكام القبضة أكثر إلدارته عىل شعبنا وكسب إطارات جزائرية بغرض استخدامهم‬
‫كعنارص لدعم النظام القمعي الذي كان ينوي إقامته يف سبيل محاربة ثورتنا آمال يف الحيلولة دون انتشار هذه‬
‫الثورة بعدما أخذ نموها يتزايد يف عهد سوستال )‪. (1‬‬

‫من جانبي‪ ،‬لقد استطعت أن أفهم‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬أن األمر كان متعلقا بـ "رواية لألمور" تفرس سبب تلك الحيوية‬
‫والحماسة اللتني ميزتا رد فعل الجنرال تواتي بخصوص قراري تعليق صدور يومية ‪ El Watan.‬حينما‬
‫اتخذت هذا القرار‪ ،‬لم تكن بحوزتي معلومات حول الخصومات الداخلية بني الجنرال تواتي وقائد الدرك‬
‫الوطني‪ .‬وعليه‪ ،‬ال أستغرب أن يكون الجنرال تواتي ذاته هو مصدر تلك املعلومة التي انفردت يومية ‪El‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪Watan‬بنرشها حول االغتيال الذي أودى بحياة عدد من أفراد الدرك الوطني بالقرب من األغواط‪ ،‬وكانت‬
‫معلومات أرادت قيادة الدرك الوطني تأخري نرشها لرضورات التحقيق‪ .‬إن لدي من األسباب ما يجعلني أظن‬
‫أن الكشف عن هذه الواقعة لم يكن أبدا بنية "إعالم الجمهور" كما يدعي بعض الصحفيني لتربير مبادراتهم‬
‫أحيانا‪ .‬فقد يكون الهدف من نرشها النيل من سمعة الجنرال غزيل ومقدرته كقائد لدركنا الوطني‪ .‬كما يمكن‬
‫أن يكون الهدف الحط من شأن هذا الضابط السامي وكفاءته لخالفة الجنرال خالد نزار عىل رأس وزارة‬
‫الدفاع الوطني ألنني ال أظن أني أفيش رسا عندما أشري إىل تلك اإليحاءات التي أفادت‪ ،‬يف أواخر ‪ 1992‬أو أوائل‬
‫‪ 1993‬عىل ما أظن‪ ،‬أن الجنرال خالد نزار كان يفكر يف تقليص أنشطته‪ ،‬ألسباب صحية‪ ،‬بل وربما يف تقاعده‬
‫وأن الخيار قد وقع عىل الجنرال غزيل لخالفته كوزير للدفاع الوطني‪ .‬بطبيعة الحال‪ ،‬لم يكن من شأن هذه‬
‫اإليحاءات أن تريض الجنرال تواتي ‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬من املعلوم أن يومية ‪ El Watan‬لتعوي عندما أثري مسألة عالقاتها بأوساط تابعة لوزارة‬
‫الدفاع الوطني‪ .‬غري أن بعضا من صحفييها‪ ،‬يف تلك الفرتة‪ ،‬أرسوا إىل أعضاء يف حكومتي كانت تربطهم بهم‬
‫عالقات شخصية تعود‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬إىل فرتة الدراسة‪ ،‬قائلني ‪" :‬هل تظنون أننا كنا قادرين عىل نرش مثل‬
‫هذا الخرب من دون موافقة الجيش ؟"‪ .‬بطبيعة الحال‪ ،‬بالنسبة إىل رجال‪ ، El Watan‬إشارة من الجنرال تواتي‬
‫كانت بمثابة املوافقة من طرف الجيش الوطني الشعبي‪ .‬املبادرة التي اتخذتها شخصيا بتعليق صدور اليومية‬
‫إىل أجل غري مسمى‪ ،‬كانت إشارة مني‪ ،‬ومن دون أن أشعر‪ ،‬إىل أن الجنرال تواتي لم يكن‪ ،‬بالرضورة‪ ،‬يعكس‬
‫وجهة نظر الجيش كله‪ .‬يف نهاية األمر‪ ،‬ومن دون أن أريد ذلك أو تنبهت إليه عىل الفور‪ ،‬وجدت نفيس متورطا‬
‫يف شقاق كان رهانه‪ ،‬عىل مستوى مؤسستنا العسكرية‪ ،‬سيادة التيار الفكري النابع من أعماق حركتنا الوطنية‬
‫والذي شكل العامل الحاسم يف اندالع ثورتنا وانتصارها وكذا يف قيام جيش التحرير الوطني الذي انبثق منه‬
‫سليله الجيش الوطن الشعبي‪ .‬أما يف ما يخص الكالم الذي ينسبه الجنرال تواتي إيل بشأن عالقاتي بالصحافة‬
‫الخاصة‪ ،‬الرأي عندي أن هذا الجنرال ليس هو الذي كان يف خدمة الصحافة الخاصة وإنما‪ ،‬بالعكس‪ ،‬هذه‬
‫الصحافة – التي تزعم أنها حرة ومستقلة – هي التي كانت يف خدمته‪ ،‬أي يف تنصتها للسلطة من خالله‬
‫باعتباره "املخ" بالنسبة إليها ‪.‬‬

‫‪".8‬ما لبثت أن أدركت أن السيد عبد السالم كان له تصور ’قيرصي’ للسلطة ‪’ :‬من القائد وإىل القائد‪ .’...‬عندما‬
‫يقول )عبد السالم( أنا الذي تسببت يف تنحيته إنما يقوم بعملية إسقاط بمعنى الطب النفيس للكلمة ‪.‬االعرتاف‬
‫أن املجلس األعىل للدولة هو الذي أقاله سيكون بالنسبة إليه بمثابة االعرتاف بصحة مبادرة تنحيته‪ .‬لقد كان‬
‫املجلس األعىل للدولة هو الهيئة املخولة يف الحكم عىل نشاطه‪ .‬لكن السيد عبد السالم ال يستطيع أن يقر‬
‫بأخطائه مع مرور الزمن ‪".‬سأعود‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬إىل هذيان الجنرال تواتي بخصوص ما يسميه بـ "تصوري‬
‫القيرصي للسلطة"‪ .‬لنتحدث‪ ،‬قبل ذلك‪ ،‬عن "الطب النفيس" ودور املجلس األعىل للدولة ‪.‬‬

‫أ‪ .‬ليس من املستبعد أن يكون املرور بمخابر الجيش االستعماري وربما أيضا بما كنا نسميه أثناء حرب‬
‫التحرير بـ "مركز سوستال" هو الذي سمح للجنرال تواتي بتلقي أرسار ما يسمى بـ "الحرب النفسية" حيث‬
‫يكون قد تعلم كيفية اللجوء إىل صيغ من الطب النفيس عندما يتعلق األمر بالتأثري يف السامعني وحملهم عىل‬
‫تقبل سخافات نسعى لتقديمها كحقائق ال تقبل النقاش‪ .‬هكذا‪ ،‬يحاول الجنرال تواتي حمل الناس اليوم عىل‬
‫االعتقاد أن املجلس األعىل للدولة‪ ،‬وبعد رحيل الفقيد محمد بوضياف‪ ،‬أول رئيس له‪ ،‬هو الذي كان يمارس‬

‫‪22‬‬
‫‪ ‬‬
‫السلطة فعال وأنه هو ذاته )أي الجنرال( لم يكن له أي دور ولم يكن أبدا يتدخل يف نشاطات هذا املجلس‪.‬‬
‫بالنسبة إىل هذه النقطة‪ ،‬أود أن أسمح لنفيس بتذكريه‪ ،‬فقط‪ ،‬بتلك األمور التي أرس يل بها ذات يوم‪ ،‬عندما كانت‬
‫عالقاتنا جيدة‪ ،‬حول الدور الذي قام به أو زعم أنه قام به يف تسوية مسألة خالفة الرئيس بوضياف ويف اختيار‬
‫أعضاء املجلس االستشاري الذي أسسه الراحل من قبل‪ .‬هل أنا يف حاجة أيضا إىل تذكريه أنه بتاريخ ‪ 8‬ماي‬
‫‪ ،1993‬أرسل إيل‪ ،‬ساعات قبل إذاعته يف التلفزة‪ ،‬نص الخطاب الذي كان الرئيس عيل كايف بصدد إلقائه‬
‫بمناسبة إحياء ذكرى ‪ 8‬ماي ‪ 1945‬؟ صحيح‪ ،‬كان الرئيس عيل كايف يتحرك يف إطار رئاسة ذات طابع‬
‫جماعي‪ .‬أحد أعضاء هذه الرئاسة كان‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬الجنرال خالد نزار الذي كان الجنرال تواتي مستشارا‬
‫سياسيا له واملمثل لوزارة الدفاع الوطني يف االجتماعات الوزارية التي تعنيها‪ .‬عىل هذا األساس‪ ،‬كان له‪ ،‬من‬
‫دون شك‪ ،‬أن يطلع‪ ،‬لحساب الجنرال خالد نزار باعتباره عضوا يف املجلس األعىل للدولة‪ ،‬عىل نص الخطاب‬
‫املذكور قبل إلقائه من طرف الرئيس عىل كايف عىل شاشة التلفزيون‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنه عندما أرسل إيل‪ ،‬هو‬
‫نفسه‪ ،‬بنص هذا الخطاب قبل إذاعته لعله كان يريد أن يشري يل أن وراء الجنرال خالد نزار كان هو الذي‬
‫يعطي اإلذن لنص خطاب رئيس املجلس األعىل للدولة ؛ مما يوحي أيضا أنه كان امللهم واملتمم للقرارات‬
‫الصادرة عن املجلس األعىل للدولة‪ .‬أكثر من ذلك‪ ،‬أثناء لقاء وقع يف ‪ 3‬ماي ‪ 1993‬مع الرئيس عىل كايف‬
‫والجنرال خالد نزار – أي ذلك اللقاء الذي سأتعرض له من بعد والذي كان من املتوقع‪ ،‬حسب ما رواه يل رضا‬
‫مالك‪ ،‬أن أتلقى توبيخا بسبب املبادرة بعدد من اإلجراءات إثر كشف الصحافة الدولية عن عملية رشوة متصلة‬
‫بعقد بيع للغاز الطبيعي الجزائري إىل إيطاليا – خاطبني الجنرال خالد نزار رصاحة بهذه العبارات ‪" :‬يس عيل‬
‫سيلقى عىل األمة خطابا يوم ‪ 8‬ماي القادم بمناسبة إحياء ذكرى مجازر ‪ 8‬ماي ‪ .1945‬ماذا يجب أن يقول‬
‫بشأن الحكومة ؟‪".‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪@óàíÙ¨a óÜbÔgì@ñbà@8@lb‚@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@ôma‹Ø‰àN7‬‬

‫‪2007O07O24@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫أجبت أنه بإمكانه أن يشري‪ ،‬يف خطابه‪ ،‬إىل أن املجلس األعىل للدولة – عند نهاية عهدته املقررة ألواخر سنة‬
‫‪1993‬ومن خالل الصيغ التي ستتم بلورتها من أجل تنظيم فرتة انتقالية بعد ذلك – سيسهر عىل اتخاذ‬
‫التدابري الالزمة بهدف ضمان استمرار السياسة املطبقة من طرف الحكومة عىل أساس الربنامج الذي أقرته‪.‬‬
‫حينئذ‪ ،‬طلب مني الجنرال خالد نزار بإرسال نص إىل رئيس املجلس األعىل للدولة يمحل الصيغة التي يجب‬
‫بواسطتها تأكيد وضمان استمرار السياسة املتبعة من طرف حكومتي‪.‬‬

‫كان ذلك غداة تبني مجلس الوزراء للمرسوم الترشيعي املتعلق بالخطة الوطنية لسنة ‪ 1993‬واألهداف العامة‬
‫للفرتة املمتدة من ‪ 1993‬إىل ‪ 1997‬وصدور هذا املرسوم بالجريدة الرسمية‪ .‬وقد تزامن ذلك أيضا مع بداية‬
‫الحديث عن نتائج الحوار الذي بادر به املجلس األعىل للدولة مع بعض األحزاب السياسية والحركات‬
‫الجمعوية‪ .‬كما انترشت آنذاك شائعات تفيد‪ ،‬يف سياق هذا الحوار‪ ،‬بتنظيم املرحلة االنتقالية التي ستأتي بعد‬
‫انتهاء عهدة املجلس األعىل للدولة‪ .‬استجابة‪ ،‬إذاً‪ ،‬لطلب الجنرال خالد نزار شخصيا‪ ،‬بحضور رئيس املجلس‬
‫األعىل للدولة‪ ،‬كلفت عضوا يف الحكومة تحرير النص املطلوب مني يف اتجاه ما قلته للجنرال خالد نزار‪ ،‬أي قيام‬
‫الرئيس عيل كايف يف خطابه عىل األمة بمناسبة ‪ 8‬ماي بتأكيد استمرار السياسة املتبعة من طرف الحكومة بعد‬
‫انتهاء عهدة املجلس األعىل للدولة‪ .‬وقد تم تسليم هذا النص‪ ،‬كما اتفق عليه‪ ،‬لرئاسة املجلس األعىل للدولة‪ .‬غري‬
‫نص الخطاب الذي ألقاه الرئيس عيل كايف عىل شاشة التلفزيون يوم ‪ 8‬ماي ‪ ،1993‬والذي وصلتني نسخة منه‬
‫من طرف الجنرال تواتي قبل إلقائه‪ ،‬لم يرش البتة ال إىل الحكومة وال إىل سياستها خالفا لإلرادة التي عرب عنها‬
‫الجنرال خالد نزار الذي لم يكن الجنرال تواتي إال أحد مرؤوسيه‪ .‬ومنذ اليوم املوايل من إلقاء هذا الخطاب‪،‬‬
‫أجهزت الصحافة املأمورة‪" ،‬الحرة واملستقلة"‪ ،‬بتعليقات متفاوتة الحدة حول صمت رئيس املجلس األعىل‬
‫للدولة يف ما يخص الحكومة‪ .‬وقد قدم هذا الصمت عىل أنه كان عالمة عىل خالف بني الجهاز التنفيذي وهيأة‬
‫الرئاسة الجماعية وأنه‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪ ،‬إشارة إىل سحب هذه الهيأة لتأييدها لعمل الحكومة‪ .‬لست يف‬
‫حاجة‪ ،‬هنا‪ ،‬إىل إضافة أن هذه الصحافة كانت معروفة بعالقاتها بالجنرال تواتي واألوساط السياسية التي‬
‫كانت تدعي حظوتها لدى هذا األخري‪ .‬ثم هل أنا يف حاجة إىل أن أضيف أن تاريخ ‪ 8‬ماي كان يطابق تلك الفرتة‬
‫التي قدمها الجنرال تواتي‪ ،‬يف حواره مع يومية ‪ El Watan‬الصادر بتاريخ ‪ 27‬سبتمرب ‪ ،2001‬عىل أنها كانت‬
‫الفرتة التي بدأ‪ ،‬حسب قوله دائما‪ ،‬يرى فيها أن حكومتي أخفقت يف مهمتها‪ .‬وعليه‪ ،‬هذا الرجل الذي يدعي أنه‬
‫لم يقم بأي دور يف تحديد سياسة البالد وقيادتها هل كان بإمكانه أن يتجاهل أمرا صادرا عن الجنرال خالد‬
‫نزار شخصيا ؟ فلم ينقصه‪ ،‬إذاً‪ ،‬إال ادعاء القدرة عىل حمل هذا األخري عىل الرتاجع عىل ما وعد وأوىص به‬
‫شخصيا ‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬أليس من حقي أن أظن أن الجنرال تواتي لم يكن غريبا عن الحملة العدائية والحقودة التي شنتها‬
‫الصحافة املعروفة بعالقاتها باألوساط املسماة بـ "الديمقراطية" ومجموعات املصالح املعارضة للسياسة‬
‫االقتصادية لحكومتي ؟ األطروحة التي تبنتها هذه الصحافة يف حملتها الحاقدة استغلت الصمت املذكور أعاله‬

‫‪24‬‬
‫‪ ‬‬
‫يف ما يخص حكومتي يف خطاب الرئيس عىل كايف يوم ‪ 8‬ماي‪ .‬هذا الصمت‪ ،‬كما تبينا منذ حني‪ ،‬كان بفعل‬
‫مكيدة دبرها الجنرال تواتي الذي جاء ترصفه مناقضا لتوصية أصدرها الجنرال خالد نزار بكل تلقائية‪.‬‬
‫الصحافة التي كانت تحمل يل العداء أعطت لهذا الصمت بعد الرسالة التي يكون املجلس األعىل للدولة قد أراد‬
‫بها اإليحاء أن حكومتي كانت أيامها معدودة وعملها محكوما عليه بالفشل‪ .‬لقد وجدت هذه الصحافة متعة يف‬
‫لفت االنتباه إىل أن خطاب الرئيس عيل كايف يف ‪ 8‬ماي‪ ،‬وخالفا للخطاب الذي ألقاه من قبل أمام إطارات األمة‬
‫بنادي الصنوبر يف ‪ 14‬جانفي‪ ،‬لم يتحدث عن الوقت الذي كانت الحكومة يف حاجة إليه من أجل تطبيق‬
‫برنامجها‪ .‬ومهما يكن من أمر‪ ،‬هذه الواقعة تذكرني بترصف آخر كشف إرادة الجنرال تواتي لضبط الحياة‬
‫السياسية يف البالد وإخضاعها ألطروحاته االندماجية الجديدة املغلفة بغطاء الديمقراطية‪ ،‬الجمهورية‪،‬‬
‫العلمانية وبحداثة زائفة‪ .‬بالفعل‪ ،‬لقد أخربني مدير ديواني أن الجنرال تواتي سأله ذات يوم عن سبب امتناعي‬
‫عن إخضاع نص ترصيحاتي ملوافقة املجلس األعىل للدولة قبل مخاطبة الرأي العام الوطني عرب التلفزيون‪ ،‬أي‬
‫ملراقبته هو‪ .‬كما أنه لم يكن يرتدد‪ ،‬يف ترصفاته‪ ،‬يف التحيل بثوب "الشيخ )‪" (gourou‬يف مجال قيادة سياسة‬
‫البالد‪ ،‬مقتنعا أنه كان الوحيد القادر عىل وضع القواعد والقيم األساسية التي تنبني عليها هذه السياسية ‪.‬‬

‫ستكون يل‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬املناسبة للتعرض إىل جانب آخر يؤكد مثل هذا االدعاء الذي يجعل الجنرال تواتي ينسب‬
‫إىل نفسه دور امللهم األكرب للخيارات املحددة للمؤسسات السياسية يف الجزائر ولتوجيه عمل حكومتها‪ .‬هذا‬
‫الرجل ذاته هو الذي يلومني يف حوار له مع يومية ‪ El Watan‬الصادرة يف ‪ 27‬سبتمرب ‪ ،2001‬عىل اتهامه ظلما‬
‫عىل" تدخله يف شؤوني"‪ .‬وبتالعب باأللفاظ‪ ،‬يدعي اليوم أن املجلس األعىل للدولة كان الهيئة املخولة الحكم عىل‬
‫نشاطي‪ .‬بطبيعة الحال‪ ،‬وعىل املستوى القانوني املحض‪ ،‬كان هذا املجلس الهيئة الوحيدة املخولة الحكم عىل‬
‫نشاط الحكومة وتقرير مصريها‪ .‬من كان‪ ،‬يف تلك الفرتة‪ ،‬السيما من بني املسؤولني بل وحتى عىل مستوى الرأي‬
‫العام الوطني‪ ،‬ال يستطيع أن يظن أن األمور لم تكن إال صورية من هذا الجانب وأن واقع السلطة وقراراتها‬
‫كان عىل مستوى آخر‪ ،‬أي بالضبط عىل ذات املستوى الذي كان الجنرال تواتي ينشط فيه ؟ ثم إن الجنرال‬
‫تواتي لم يكن أبدا يخفي الدور الذي كان له عىل مستوى قيادة سياستنا الوطنية‪ .‬أكثر من ذلك‪ ،‬لم يفته‬
‫التبجح بمثل هذا الدور أمام "زبائنه" ومداحيه‪ ،‬السيما أمام املالحظني الخارجيني‪ .‬أما يف ما يخص إقالتي‪،‬‬
‫الكثري من دوائرنا العاصمية لم يفتها اإليحاء أنها كانت صدى ملا كان الجنرال تواتي يقوله مدعيا الدور الذي‬
‫قام به يف إقالة حكومتي‪ .‬هذا‪ ،‬وأعتقد أننا لسنا يف حاجة إىل العودة إىل تلك األصداء التي انترشت عقب رحيل‬
‫حكومتي ملعرفة الدور الذي قام به الجنرال تواتي يف تلك الفرتة من حياتنا السياسية الوطنية‪ .‬إننا لنستشف‬
‫هذا الدور من خالل ما قاله الرجل ذاته يف الحوار املذكور الذي خص به يومية ‪El Watan.‬‬

‫ب‪ .‬لعلنا نتذكر ذلك السخط الذي أبدته بعض صحفنا بعدما أرشت‪ ،‬أثناء عرض ألقيته ببلدية مدينة الجزائر‪،‬‬
‫إىل أن قبويل بمسؤولية قيادة الحكومة كان التزاما إزاء جيشنا‪ .‬وقد كانت هناك محاوالت سعت لتقديم‬
‫ترصيحي كرضبة ضد الرئيس عيل كايف بحجة أنه كان نكرانا علنيا لدور املجلس األعىل للدولة ورئيسه‪ .‬علما‬
‫أنني‪ ،‬يف تدخل سابق أمام إطارات الدولة املجتمعني بنادي الصنوبر يف شهر فيفري ‪ ،1993‬قلت كالما أكدت‬
‫فيه أكثر دور الجيش الوطني الشعبي يف تدبري شؤون البالد ويف وجود حكومتي‪ .‬عندما قلت ذلك الكالم‪ ،‬لم‬
‫أكن قط أفكر أنني كنت بصدد إفشاء أرسار دولة أو املساس بصالحيات املجلس األعىل للدولة ألن الجميع كان‬
‫يعلم أن هذا املجلس قد تحول‪ ،‬منذ رحيل الرئيس بوضياف‪ ،‬إىل مجرد غرفة تسجيل وجهاز للصدور الرسمي‬
‫لقرارات متخذة يف مكان آخر‪ .‬ثم إن الرئيس عىل كايف ذاته قال يل‪ ،‬يف العديد من لقاءاتنا‪ ،‬أنه وأنا لم نكن إال‬

‫‪25‬‬
‫‪ ‬‬
‫"خرضة فوق عشا"‪ ،‬كما نقول عندنا‪ ،‬من ناحية حيازة السلطة الفعلية وممارستها وأنه‪ ،‬مثيل‪ ،‬نعمل من أجل‬
‫مساعدة الجيش الوطني الشعبي يف أداء املهمة الثقيلة التي أخذها عىل عاتقه من أجل خالص الدولة وتقويم‬
‫أوضاع البلد‪ .‬كل ذلك للداللة عىل أنه لم يكن هناك طائل من وراء مواصلة االدعاء‪ ،‬مثلما فعل الجنرال تواتي يف‬
‫حواره الصحفي املذكور‪ ،‬أن املجلس األعىل للدولة هو الذي كان يحكم عىل نشاط الحكومة وهو الذي انهي‬
‫مهامي عىل رأس هذه الحكومة ‪.‬‬

‫ج‪ .‬أما يف ما يتعلق بما أكون قد ارتكبته من أخطاء‪ ،‬فأنا ال أنكرها أبدا عندما تتبني يل ألنني أعترب أنه من املمكن‬
‫االعتزاز بهذه األخطاء مثلما أعتز بنجاحاتي‪ .‬إن كال من األخطاء والنجاحات نتاج حياتي يف خدمة بلدي‪ .‬إال أن‬
‫اعرتاف املرء بأخطائه ال يعني تنكره لقناعاته يف سبيل تبني قناعات اآلخرين‪ ،‬أي الخصوم ممن حاربهم أو‬
‫اختلف معهم يف املواقف بشأن كيفية تصور حياتنا االجتماعية‪ ،‬تنمية اقتصادنا الوطني وبناء رصح أجهزة‬
‫دولتنا ومؤسساتها‪ .‬إن من يطلبون مني‪ ،‬مثل الجنرال تواتي‪ ،‬االعرتاف بما يعتربونه أخطاء عندي ويلومونني‬
‫عىل عدم االكرتاث بمطالبهم امللحة هم‪ ،‬ببساطة‪ ،‬من لم ترقهم الخيارات املعتمدة من طرف بلدنا قبلما تسمح‬
‫لهم املآيس التي أملت بالجزائر بالوصول إىل االستحواذ عىل السلطة‪ .‬يف بعض األحيان‪ ،‬يتعلق األمر بعنارص لم‬
‫تستطع أن تقبل قيام ثورتنا بنرصة أفكار غري أفكارهم‪ .‬هذه العنارص ال تخفي إرادتها يف الثأر لنفسها عىل‬
‫ثورتنا تحت غطاء محاربة التخريب والجرائم املرتكبة باسم تصور معني لإلسالم‪ .‬فلو قيلت يل األخطاء التي‬
‫ارتكبتها يف نشاطي الحكومي ملا وجدت يف ذلك أي حرج عندما توجد‪ ،‬ومنها ما هو موجود حقا‪ .‬أما يف ما‬
‫يتعلق باملجال األيديولوجي واألفكار الجوهرية‪ ،‬فقد اندرج نشاطي يف إطار الخيارات املذهبية والتوجهات التي‬
‫كانت‪ ،‬أوال توجهات الحزب الذي انتميت إليه منذ شبابي املبكر إىل غاية أول نوفمرب ‪ ،1954‬ثم الخيارات‬
‫والتوجهات املعتمدة من طرف جبهة التحرير الوطني منذ اندالع ثورتنا‪ .‬إن من يطلب مني‪ ،‬مثل الجنرال‬
‫تواتي‪" ،‬التطور "و"التكيف" مع العالم الجديد هم‪ ،‬ببساطة‪ ،‬نفسهم ممن يحملون لثورتنا ضغينة دفينة ألن‬
‫هذه الثورة كانت كما كانت‪ .‬أضف إىل ذلك أنني أشعر بالغبطة لـ "عدم إقراري بأخطائي مع الزمن" كما قال‬
‫الجنرال تواتي يف الحوار املذكور الذي خص به جريدة ‪El Watan.‬‬

‫االستمرار يف الدفاع عن خيارات يف ما يخص الرقي االجتماعي واألولوية التي ينبغي أن يكتسيها هذا الرقي يف‬
‫فائدة الطبقات املحرومة حتى عندما نسجل قصورا‪ ،‬بل وسقوطا تاما‪ ،‬يف أجهزة السلطة‪ ،‬ال يعني رفض املرء‬
‫االعرتاف بأخطائه وإنما البقاء وفيا لنفسه أمينا تجاه التزاماته األساسية يف حياته والتعفف عن ذلك الرضا‬
‫الزائف الناجم عن نهج االنتهازية‪ .‬ومهما ظن الجنرال تواتي وأتباعه‪ ،‬فهؤالء لم يستطيعوا اجتثاث القيم‬
‫الوطنية من روح شعبنا وحمل جماهرينا الشعبية عىل نسيان تلك التوجهات الثورية التي أثارت حماستها‬
‫وأسندت آمالها‪ .‬صحيح‪ ،‬بالنسبة إىل الجنرال تواتي‪ ،‬عبارة" الجماهري الشعبية" هي رضب من الشتم أو هي‬
‫عىل األقل‪ ،‬كما قال رجل سياسة فرنيس‪ "،‬كلمة بذيئة"‪ .‬فالكالم عنها هو عناد يف الخطأ كما جاء يف كالم‬
‫الجنرال تواتي ‪.‬‬

‫الجنرال نزار‪ ،‬مثله مثل الجنرال تواتي‪ ،‬ضابط سام سابق يف الجيش الفرنيس إال أنه التحق بصفوف جيش‬
‫التحرير الوطني قبل هذا األخري بكثري‪ .‬وكما يقول هو نفسه‪ ،‬لم يناضل يف صفوف الحركة الوطنية قبل أول‬
‫نوفمرب ‪ ،1954‬إال أن ترصفه – عكس ترصف الجنرال تواتي الذي نستشف لديه أطروحات االندماجية الجديدة‬
‫املنبثقة من مذاهب لم تعرتف‪ ،‬يف السابق‪ ،‬بوجود أمتنا ذاته – نشعر فيه عالمات االنتماء إىل هذه األرض‬

‫‪26‬‬
‫‪ ‬‬
‫وانعكاسا لتلك الخصوصيات العميقة التي تحدد هوية شعبنا‪ .‬لذلك نجد الجنرال خالد نزار‪ ،‬يف مذكراته‬
‫الصادرة سنة ‪ 1999‬عن دار الشهاب‪ ،‬يتفهم ‪ ،‬بصورة طبيعية‪ ،‬كيف أن مواقفي لم يكن لها معنى التمادي يف‬
‫الخطأ وإنما كانت‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬تعبريا عن تعلق مخلص لتلك األفكار التي تبنيتها منذ شبابي املبكر‪ .‬يقول ‪:‬‬
‫"أما يف ما يخص بلعيد عبد السالم‪ ،‬ومهما قيل عن أفكاره‪ ،‬هو رجل مبادئ‪ ،‬يدافع دائما عن أفكاره بقناعة‬
‫كبرية‪ ،‬وهو وطني تام ال يمكن ألحد أن يشك يف وطنيته‪ .‬إني ألحيي‪ ،‬بهذه املناسبة‪ ،‬شجاعته ونضاله"‬
‫)ص‪.(214.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪óÜ쇧a ò†bÈgì@l‹¨a@†b—nÔa@æÈ@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN8‬‬

‫‪@ @2007O07O25@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫"ال تحق له املطالبة باقتصاد حرب أو تطبيقها مثلما أوحى بذلك يف فرتة ما‪ .‬من باب التذكري فقط‪ ،‬أشري إىل‬
‫أننا كنا نعيش التقشف منذ ‪ 1987‬إثر انهيار أسعار البرتول سنة ‪ .1986‬الرهان الذي راهن عليه السيد عبد‬
‫السالم يف الربنامج املعروض عىل املجلس االستشاري الوطني تمثل يف سعر ُقدﱢر بـ ‪ 22‬دوالر للربميل ! يف حني‬
‫لم يلبث هذا السعر أن انهار إىل مستوى ‪ 14‬دوالر‪.‬‬

‫وتبعا لذلك‪ ،‬بلغت خدمة مديونيتنا الخارجية نحو ‪ %80‬من قيمة العائدات النفطية‪ ،‬فكانت وضعية استحال‬
‫عىل البالد أن تواصل تحملها"‪ .‬من خالل هذا الكالم وحده‪ ،‬الوارد عىل لسان الجنرال تواتي‪ ،‬نستشف‪ ،‬مرة‬
‫أخرى‪ ،‬أن صاحبه كان فعال يتدخل يف عمل الحكومة‪ .‬ال أعارضه يف هذا الدور أبدا خصوصا بوصفه مستشارا‬
‫لوزير الدفاع الذي كان‪ ،‬عىل األقل من الناحية النظرية‪ ،‬عضوا يف حكومتي إضافة إىل عضويته يف املجلس األعىل‬
‫للدولة‪ .‬ما أعارضه فيه‪ ،‬فعال‪ ،‬هو تلك األفكار التي مفادها أنه من خالل ممارسة صالحياته كمستشار لعضو‬
‫مهم يف الهيئات القيادية للدولة حاول‪ ،‬عن طريق حجج واهية يف بعض األحيان وباستعماله‪ ،‬يف أحيان أخرى‪،‬‬
‫ألخبار غري صحيحة بُثت بهدف تغليط بعض املسؤولني لتحقيق غايات معينة‪ .‬كما أندد بلجوئه‪ ،‬كسبا للتأييد‬
‫الذي كان يف حاجة إليه إلنجاح مكائده‪ ،‬إىل صيغ كانت تتجاهل املصالح املؤهلة يف الدولة علما أن هذه املصالح‬
‫هي وحدها املخولة نرش معطيات ومعلومات موثوقة ألنها حقيقية وواضحة ومناقضة أيضا كلما دعت‬
‫الرضورة إىل ذلك ‪.‬‬

‫أ‪ .‬يف الخطة املتعددة السنوات املعدة للخروج من األزمة والتي قدمتها حكومتي ونالت موافقة مجلس الوزراء‬
‫برئاسة رئيس املجلس األعىل للدولة ونرشت بالجريدة الرسمية للجمهورية‪ ،‬لم يتعلق األمر بقيامي بتطبيق‬
‫صارم ملا عرف باقتصاد الحرب الذي كان من شأنه فرض تدابري قاسية يف مجال توفري املواد ذات االستهالك‬
‫الشعبي الواسع وبعض املواد املخصصة لسري بعض النشاطات االقتصادية لسبب بسيط هو أن وضع‬
‫اقتصادنا‪ ،‬آنذاك‪ ،‬لم يفرض علينا اللجوء إىل مثل هذه التدابري‪ .‬ومهما كانت صعوبة هذه الوضعية‪ ،‬فإنها لم‬
‫تكن خطرية إىل ذلك الحد الذي أوحى به من كانوا‪ ،‬عىل غرار الجنرال تواتي‪ ،‬يسعون بجد من أجل اللجوء إىل‬
‫صندوق النقد الدويل وفرض إصالحات قاسية عىل بلدنا كما كانت تتمنى بعض مجموعات املصالح التي لم‬
‫تجرؤ آنذاك عىل البوح رصاحة بمطالبها ذات الطابع املضاد‪ ،‬بكل قوة‪ ،‬للوطن وللمجتمع‪ .‬لكن أود التذكري هنا‬
‫بما سبقت اإلشارة إليه يف هذا النص أن خطة عمل الحكومة املعلن للجمهور بعد املوافقة عليه من طرف‬
‫املجلس األعىل للدولة تضمن رصاحة ما ييل ‪:‬‬

‫‪"...‬اعتماد سياسة تقشف صارمة بهدف التخفيض‪ ،‬بصورة جذرية‪ ،‬من اللجوء إىل االسترياد يفرض نفسه‬
‫كرضورة باتة من أجل نجاح التقويم االقتصادي‪ .‬وفرة املوارد بالدينار لن تكون‪ ،‬من اآلن فصاعدا‪ ،‬مقياسا‬
‫أساسيا يف الحصول عىل مبالغ بالعملة الصعبة"‪ .‬كما تمت اإلشارة إىل أنه عند الحاجة‪" ،‬ستكون الحكومة‬
‫مطالبة بقبول مزيد من التقشف من أجل الحد من وارداتنا إىل مستوى ما هو رضوري بالنسبة إىل حياة‬
‫البلد"‪ .‬العبارات املستعملة يف هذا النص لم تكن من ذلك النوع الذي ال يرتدد بعض القادة يف اللجوء إليه‬
‫‪28‬‬
‫‪ ‬‬
‫لتخويف املواطنني وإنما كانت عبارات توحي بتطبيق إجراءات تقشفية أكثر رصامة وأقرب منها إىل اقتصاد‬
‫حرب باعتماد تدابري يف اتجاه تقنني االستهالك الشعبي‪ .‬أؤكد‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬أن األولية املحددة من طرف‬
‫حكومتي يف مجال االسترياد ُك ﱢرست لالحتياجات األساسية والحيوية للسكان عىل أن تسجل الكماليات يف أسفل‬
‫القائمة‪ ،‬أي ما كان يطالب به من وقفوا ضد حكومتي ‪.‬‬

‫ب‪ .‬يرصح الجنرال تواتي‪ ،‬يف حواره الصحفي املذكور‪ ،‬أنني يف برنامجي املعروض عىل املجلس االستشاري‬
‫الوطني "عولت عىل سعر ‪ 22‬دوالر للربميل وأن هذا السعر تقهقر إىل مستوى ‪ 14‬دوالر؛ مما نجم عنه بلوغ‬
‫خدمة مديونيتنا مستوى يقارب ‪ % 80‬من عائداتنا النفطية"‪ .‬الربنامج الذي يتحدث عنه الجنرال تواتي‬
‫تضمنه مرسوم ترشيعي‪ ،‬أي‪ ،‬يف السياق السيايس لتلك الفرتة‪ ،‬نصا يرقى إىل مستوى القانون‪ .‬وقد أمضاه‬
‫الرئيس عيل كايف وصدر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ ،‬العدد ‪ 26‬املؤرخ يف‬
‫‪ 26‬أفريل ‪ 1993.‬التوقعات املتصلة بسعر البرتول صيغت يف هذا النص كاآلتي ‪" :‬نظرا إىل توقعات سعر‬
‫البرتول عند التصدير‪ ،‬أي ما بني ‪ 20‬و ‪ 21‬دوالر للربميل يف ‪ 1994-1993‬وما بني‪ 22‬و‪ 23‬دوالر يف ‪-1996‬‬
‫‪ 1997‬وإىل حجم الصادرات املعتمد‪ ،‬من املتوقع أن تبلغ عائدات صادراتنا من املحروقات مستوى ‪ 11‬مليار‬
‫دوالر ما بني ‪ ،1994-1993‬مواصلة ارتفاعها لتبلغ مستوى ‪ 15‬دوالر يف سنة ‪". 1997‬‬

‫التوقعات يف ما يخص األسعار شفعت باملالحظة اآلتية ‪:‬‬


‫"األسعار املذكورة أعاله هي أسعار البرتول الجزائري ويمكن أن تبدو مرتفعة بعض اليشء بالنسبة إىل سنة‬
‫‪ 1993‬لو اعتمدنا عىل مؤرشات السوق خالل شهر ديسمرب ‪ .1992‬غري أن هذه السوق تبقى غري مستقرة‬
‫واألسعار متقلبة‪ .‬أما عىل املدى املتوسط‪ ،‬فيمكن أن تبدو معقولة نسبيا‪ .‬شكل الصادرات املعتمد يف هذه‬
‫التوقعات انطالقا من املعطيات املقدمة من طرف وزارة الطاقة يبني انخفاضا يف الحجم لسنة ‪ 1994‬بعض‬
‫اليشء"‪) .‬الجريدة الرسمية ‪‬أي االنخفاض‪‬استطاع ارتفاع األسعار أن يعوضه للجمهورية الجزائرية‬
‫الديمقراطية الشعبية‪ ،‬العدد ‪ 26‬املؤرخ يف ‪ 26‬أفريل ‪ ،1993‬ص ‪. 14).‬ويف نفس الصفحة من الجريدة‬
‫الرسمية‪ ،‬تمت اإلشارة أيضا إىل التوقعات اآلتية يف ما يخص صادراتنا من املحروقات ‪" :‬أضف إىل ذلك‪ ،‬برنامج‬
‫تطوير الصادرات من املحروقات الذي رشع يف تطبيقه ال تبدأ آثاره تظهر عىل مستوى العائدات إال مع نهاية‬
‫‪ ،1995‬بعد تشغيل األنبوب الثاني للغاز يف اتجاه إيطاليا وإصالح وحدات الغاز الطبيعي املميع باإلضافة إىل‬
‫فتح أنبوب الغاز للغرب وانطالق وحدة ‪ Jumbo G.P.L.".‬التذكري بهذه التوقعات يف وثيقة رسمية يبني‪ ،‬أوال‬
‫وقبل كل يشء‪ ،‬أن الخطة املتعددة السنوات التي قدمتها لم تكن أبدا تحمل صفة التحايل من طرف تاجر‬
‫لألوهام‪ .‬األرقام املعتمدة هي أرقام صادرة عن املصالح املكلفة بالتدخل عىل مستوى سوق البرتول ومتابعة‬
‫تطوره‪ .‬من السهل العثور عىل وثائق تبني كيف أن خرباء العالم بأرسه كانوا‪ ،‬يف تلك الفرتة‪ ،‬يعيشون حالة من‬
‫الشك يف ما يخص تقلبات أسعار البرتول يوما بعد يوم‪ .‬غري أنه‪ ،‬عىل املدى األبعد‪ ،‬كان جميع هؤالء الخرباء‬
‫تقريبا متفقني عىل اعتبار أن هذه األسعار كانت متجهة نحو االرتفاع‪ .‬وكما سنرى يف ما بعد‪ ،‬أخذت أسعار‬
‫البرتول يف االرتفاع منذ أوائل شهر أفريل ‪ ،1994‬أي نفس الشهر الذي استطاع فيه الجنرال تواتي أن يحقق ما‬
‫أراد بفضل الحكومة التي خلفت حكومتي التي صدقت "توقعاته هو" ‪ :‬التوقيع عىل اتفاق إعادة الجدولة مع‬
‫صندوق النقد الدويل‪ .‬هذا‪ ،‬وقد ظلت األسعار مواصلة ارتفاعها إىل أن بلغت املستوى الذي تعرفه اليوم بعدما‬
‫سجلت انخفاضا عابرا يف ‪ .1998-1997‬عىل املديني املتوسط والبعيد‪ ،‬التوقعات التي تبنتها حكومتي كانت‪،‬‬
‫إذاً‪ ،‬أبعد مما تكون خيالية كما يريد الجنرال تواتي أن يروج له يف حواره الصحفي السابق الذكر ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ ‬‬
‫إضافة إىل ما تقدم‪ ،‬الشكوك التي كانت تحوم حول سعر البرتول سنة ‪ ،1993‬لم يقع أبدا إخفاؤها يف الخطة‬
‫املتعددة السنوات املعتمدة من طرف حكومتي‪ .‬ثم إن التوقعات املعلنة من طرف هذه الحكومة كان عليها أال‬
‫تكتف‪ ،‬ولم تكتف فعال‪ ،‬باالستناد إىل املعطيات املتصلة بأسعار املحروقات يف تقويم عائداتنا النفطية وإنما‬
‫أخذت يف الحسبان تطور حجم صادراتنا أيضا‪ .‬كي نستطيع‪ ،‬اليوم‪ ،‬أي بعد وقوع ما وقع‪ ،‬الحكم عىل مدى‬
‫صدق التوقعات يف مجال العائدات من العملة الصعبة املتأتية للجزائر‪ ،‬ينبغي األخذ يف الحسبان جميع‬
‫املؤرشات املذكورة يف الخطة املتعددة السنوات‪ .‬من هذه الناحية‪ ،‬يمكننا أن نالحظ بسهولة أن النتائج املسجلة‬
‫فعال أثناء السنوات التي شملتها هذه الخطة لم تحِ د كثريا عن التوقعات املعتمدة يف البداية‪ .‬وهذا هو األهم ألن‬
‫الجميع يعرف أن التوقع يف مجال االقتصاد هو أبعد ما يكون علما دقيقا‪ .‬أما ماعدا ذلك‪ ،‬فيبقى دائما خاضعا‬
‫لتقلبات الحياة االقتصادية وأن هذه التقلبات كما ُقدّرت آنذاك وكما تجسدت من بعد فعال تبني اليوم أنه لم‬
‫يكن هناك داع إىل التخوف أكثر من اللزوم يف ماي ‪ 1993‬وزرع تلك البلبلة التي أفضت بالجزائر إىل الخضوع‬
‫لرشوط صندوق النقد الدويل فرضت عىل سكاننا إفقارا ال رحمة فيه‪ .‬أضف إىل ذلك‪ ،‬ومثلما سبق ذكره بالنسبة‬
‫إىل سنة ‪ 1993‬عىل أية حال‪ ،‬عندما أقيلت حكومتي‪ ،‬كانت الجزائر تتوفر‪ ،‬عالوة عىل عائداتها من الصادرات‪،‬‬
‫عىل أدوات حقيقية ومتينة كانت تسمح لها بالتجاوز‪ ،‬إيجابيا‪ ،‬ملزيد من الصعوبات يف تسيري ميزان مدفوعاتها‬
‫الخارجية ‪.‬‬

‫ختاما‪ ،‬ليس من نافلة القول اإلشارة إىل تلك الطريقة التي استعملها الجنرال تواتي يف الربهنة عىل ما كان‬
‫يدعيه من خالل ترصيحاته ليومية ‪ El Watan‬حيث اختار‪ ،‬عمدا‪ ،‬رقما مرتفعا من التوقعات املتضمنة يف خطة‬
‫حكومتي املتعددة السنوات لعام ‪ 1993‬ورقما آخر يوافق أدنى مستوى بلغه انخفاض أسعار البرتول خالل‬
‫السنوات األوىل من التسعينيات بهدف حمل القارئ أو السامع عىل تقدير الفرق الشاسع ما بني الواقع‬
‫والتوقعات التي جاءت بها الخطة املذكورة‪ .‬ال يمكننا أن نتخيل برهنة أخرى أشد عىل سوء نية الجنرال تواتي‬
‫إزائي من مدى تصديق كل من كان مستعدا لتصديقه‪ ،‬السيما عىل مستوى الجيش الوطني الشعبي‪ .‬إن الكثري‬
‫من إطارات هذا الجيش الوطني الشعبي‪ ،‬السيما من بني الرتب العليا‪ ،‬ظنوا أن الجزائر كانت عىل حافة العجز‬
‫عن التسديد يف عالقاتها بالخارج عندما أقيلت حكومتي‪ .‬غري أن واقع الحال كان يدل أن الجزائر‪ ،‬يف شهر أوت‬
‫‪ ،1993‬لم تكن فقط ملتزمة بواجباتها املرتتبة عىل املديونية وإنما كانت أيضا بصدد استعادة معتربة‬
‫ملصداقيتها لدى األوساط االقتصادية األجنبية واملؤسسات املالية الدولية‪ .‬الحقيقة كما تبدو من مختلف‬
‫العنارص املتضمنة يف نص الربنامج تشري إىل أن من كان‪ ،‬عىل غرار الجنرال تواتي‪ ،‬يظن‪ ،‬خالل السدايس األول‬
‫من سنة ‪ ،1993‬أن السياسة االقتصادية لحكومتي كانت تمدهم بالحجة املبينة لفشل محاولة التقويم الوطني‬
‫التي تعهدت القيام بها عندما قبلت ترؤس الحكومة كان هدفهم من استخالص هذا الفشل االدعاء يف ما بعد‬
‫عدم وجود حل آخر غري اللجوء إىل صندوق النقد الدويل والرضا االضطراري املزعوم بتطبيق اإلصالحات التي‬
‫كان يطالب بها هذا الصندوق مقابل إسهامه يف تخفيف عبء مديونيتنا الخارجية‪ .‬تلك اإلصالحات جاءت‬
‫متفقة تماما وأطماع بعض مجموعات املصالح ومن كانوا يؤيدونهم عىل مستوى أجهزة السلطة واإلدارة‪ ،‬بل‬
‫ومؤسساتنا االقتصادية الوطنية‪ .‬بيد أن غياب الشجاعة السياسية لدى هؤالء للتعبري عالنية عما كانوا يريدونه‬
‫عىل الصعيد االقتصادي جعلهم يلجأون إىل تدبري الحيل بهدف االستفادة من اإلصالحات املذكورة بفضل‬
‫العواقب املرتتبة عىل الرشوط املفروضة من طرف صندوق النقد الدويل‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬سعي هؤالء إلرضاء‬
‫جشعهم بفضل األرباح املغرية‪ ،‬السيما من خالل ممارسات أنشطة "االسترياد‪-‬التصدير" – املقترصة‪ ،‬يف‬

‫‪30‬‬
‫‪ ‬‬
‫الحقيقة‪ ،‬عىل االسترياد وحده – جعلهم ال يرتددون يف الزج بالبلد نحو تجويع سكاننا‪ ،‬الحط من مصداقية‬
‫دولتنا يف نظر الخارج والقضاء عىل إشعاع ثورتنا‪ .‬الجميع يعرف‪ ،‬اليوم‪ ،‬أن إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية‬
‫لم تمنح الجزائر تلك األموال التي كان من شأنها‪ ،‬يف نظر دعاة هذا التدبري‪ ،‬أن تؤدي إىل انطالقة اقتصادنا‬
‫وتقليص ملا نعانيه من بطالة ‪.‬لكن من ناحية أخرى‪ ،‬األموال التي أسهم بها صندوق النقد الدويل قد وفرت‬
‫موارد ضخمة يف فائدة مضاربي "االسترياد‪-‬التصدير"‪ .‬لعل هؤالء ممن لم ينقطعوا عن الهتاف‪ ،‬يف صفحات‬
‫جرائدنا الحرة واملستقلة املزعومة‪ ،‬بـ "اقتصاد السوق" قد وجدوا بفضل إعادة الجدولة هذه ما يهدئ من‬
‫حماستهم يف خدمة هذا النمط من االقتصاد‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪óàíÙ¨a óÜbÔfi@‡ïéánÜa@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN9‬‬

‫‪2007O07O27@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫ج‪ .‬حقيقة‪ ،‬منذ انهيار أسعار البرتول سنة ‪ُ ،1986‬فرض نوع من التقشف عىل وارداتنا‪ .‬يف هذا الصدد‪ ،‬من‬
‫املفيد التنبيه إىل صمت الجنرال تواتي‪ ،‬ربما بصورة ليست غري مقصودة أو بريئة‪ ،‬عن كون الجزائر سجلت يف‬
‫تلك الفرتة التي شهدت هذا االنهيار خسارة معتربة يف عائداتها النفطية من العملة الصعبة جراء قرارات‬
‫اتخذت‪ ،‬يف أوائل الثمانينيات‪ ،‬من أجل إلغاء عقود بيع الغاز املميع للواليات املتحدة األمريكية بحكم العملية‬
‫املعروفة بـ "‪ "El Paso‬ولجمهورية أملانيا الفدرالية باالشرتاك مع هولندا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬من‬
‫أجل التوقف عن تطوير إنتاجنا من البرتول بحجة ترك قسم من ثرواتنا من املحروقات لألجيال القادمة‪.‬‬

‫يف ما يخص فقط العقدين املتعلقني ببيع الغاز املميع للواليات املتحدة األمريكية وجمهورية أملانيا االتحادية‪،‬‬
‫بلغت خسارة الجزائر‪ ،‬يف نهاية الثمانينيات‪ ،‬وبرصف النظر عن انهيار أسعار البرتول آنذاك‪ ،‬ملياري دوالر‬
‫أمريكي يف السنة‪ .‬هذه الخسارة كانت هي السبب الحقيقي يف األزمة املالية التي استعملت كذريعة للجوء إىل‬
‫صندوق النقد الدويل من أجل الحصول عىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية ومن ثمة إىل استغالل الرشوط‬
‫املفروضة من طرف هذه املؤسسة املالية الدولية يف تفكيك النظام االقتصادي الوطني كله الذي شيدته الجزائر‬
‫بعد استعادة استقاللها‪ .‬عىل أية حال‪ ،‬مثل هذا التذكري كاف بمفرده إلدراك كيف أن عملية تدمري ما حققته‬
‫ثورتنا من منجزات منذ استقالل البالد ال تعود إىل تلك الفرتة التي تمكن فيها الجنرال تواتي من القدرة عىل‬
‫التأثري يف القرارات املتخذة من طرف هيئاتنا القيادية‪ .‬فلم يكن الجنرال تواتي‪ ،‬إذاً‪ ،‬إال املواصل لهذه العملية و‪،‬‬
‫من دون شك‪ ،‬املدبر أو أحد املدبرين للوصول بها إىل نهايتها‪ .‬التقشف املطبق منذ ‪ ،1987‬كما يقول الجنرال‬
‫تواتي‪ ،‬لم يضع حدا لتبديد مخزوننا من الرصف‪ .‬لهذا السبب‪ ،‬تضمن برنامج عمل حكومتي فرض تقشف‬
‫أكثر رصامة عىل وارداتنا‪ ،‬بل وأكثر مناسبة بالنظر إىل االحتياجات الحيوية القتصادنا وحماية مخزوننا من‬
‫العملة الصعبة من أجل مواجهة خدمة مديونيتنا الخارجية من دون املساس بسيادتنا عىل املستوى‬
‫االقتصادي‪ .‬هذا ما نستطيع قراءته من خالل التدابري اآلتية ‪" :‬ال يمكن‪ ،‬بحجة التمايش مع قواعد اقتصاد‬
‫السوق‪ ،‬ترك الحرية ملسريي املؤسسات العمومية أو الخاصة ولوكالء البنوك يف الترصف يف مديونية الدولة من‬
‫خالل اللجوء‪ ،‬بحسب إرادتهم وحدها‪ ،‬إىل القروض الخارجية املضمونة من طرف الجزائر‪ ،‬وال صالحية الحكم‬
‫خصص المتصاص مديونيتنا يف املقام‬ ‫عىل فائدة استعمال احتياطات البلد من العملة الصعبة التي يمكن أن تُ ﱠ‬
‫األول ‪".‬‬

‫تطبيق هذا التدبري هو الذي أدى إىل إنشاء لجنة خاصة عىل مستواي ملراقبة جميع عقود االسترياد املتجاوزة‬
‫لقيمة معينة‪ .‬هل أنا يف حاجة إىل التذكري‪ ،‬هنا‪ ،‬أن إقامة هذه اللجنة ومبارشة أعمالها خاصة هو الذي أدى‬
‫بمجموعات املصالح إىل التكالب عيل يف زمن كان أفرادها متلهفني عىل التمتع بمنافع عمليات "االسترياد‪-‬‬
‫التصدير" عرب املضاربة عىل وارداتنا‪ .‬هذا التكالب اكتىس صيغا عديدة‪ ،‬ابتداء من حملة الحقد التي انطلقت‬
‫طرحت فكرتها يف شهر فيفري ‪ 1993‬بنادي الصنوبر إىل محاوالت شل اقتصادنا‬ ‫ُ‬ ‫ضد سياسة "الرحمة" التي‬
‫الوطني عن طريق مبادرات إثارة مختلف اإلرضابات بتواطؤ من بعض العنارص اليسارية التي أضحت من‬
‫املدافعني األشداء عىل اقتصاد السوق‪ .‬من كانوا‪ ،‬عىل مستوى أجهزة السلطة‪ ،‬املدبرين الحقيقيني لهذا التكالب‬
‫‪32‬‬
‫‪ ‬‬
‫وما تبعه من تحامل عيل‪ ،‬لم تكن لهم‪ ،‬يف نهاية األمر‪ ،‬حجة أخرى للوصول إىل ما كانوا يريدون غري التبجح‬
‫بحجة فشل حكومتي يف املجال االقتصادي من أجل التخلص مني ويل الرقبة لسياسة التقويم الوطني التي كان‬
‫خطؤها الوحيد زعزعة مصالح املجموعات التي استطاعت‪ ،‬هكذا‪ ،‬أن تجد أمامها الباب مفتوحا عىل مرصاعيه‬
‫من أجل استنزاف االقتصاد الوطني كما طاب لها ‪.‬‬

‫‪".10‬يف ما يتعلق بانتهاء مهامه عىل رأس الحكومة‪ ،‬لدي رواية أخرى أقدمها‪ .‬منذ أيام فقط‪ ،‬طلبت من‬
‫الجنرال خالد نزار تذكريي بظروف إقالة السيد عبد السالم‪ .‬القرار املتخذ بشأن إنهاء مهامه تم يف أواخر شهر‬
‫جوان أو أوائل شهر جويلية عندما أكد للمجلس األعىل للدولة أنه كان بحوزته ما قيمته ‪ 600‬مليون دوالر ظن‬
‫أنه كان قادرا عىل مواجهة املديونية به وربما حتى النفقات غري القابلة للتقليص‪ .‬غري أن املستشار االقتصادي‬
‫للرئاسة قدم للمجلس األعىل توضيحا يف غاية األهمية ‪ :‬مبلغ ‪ 600‬مليون دوالر املذكور كان معظمه متكونا من‬
‫ودائع خاصة ‪ (dépôts privés).‬وقد أخطأ السيد عبد السالم عندما نسب إيل هذه املعلومة‪ .‬ما وقع هو أنه‬
‫انطالقا من هذه املعلومة‪ ،‬دعا رئيس املجلس األعىل للدولة والجنرال خالد نزار السيد عبد السالم من أجل‬
‫مناقشة املسألة فما كان لهذا األخري إال االعتذار بحجة أنه لم يكن خبريا يف مجال االقتصاد‪ .‬ولعله يكون قد‬
‫وافق عىل اقرتاح خالد نزار بتعيني وزير لالقتصاد‪ .‬لكن‪ ،‬يف اليوم املوايل‪ ،‬تراجع عن موقفه بحجة أن مثل هذا‬
‫التعيني كان من شأنه اكتساء داللة سياسية‪ .‬وانطالقا من االعتبارين اآلتيني ‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬املعطيات التي قدمها املستشار االقتصادي لرئاسة املجلس األعىل للدولة‪ ،‬أال وهو السيد بوزيدي ؛‬
‫ثانيا‪ ،‬رفض السيد عبد السالم تعيني وزير لالقتصاد ‪.‬‬

‫اقرتح الجنرال خالد نزار عىل السيد عيل كايف‪ ،‬رئيس املجلس األعىل للدولة‪ ،‬عدم التعويل عىل رهان السيد عبد‬
‫السالم يف ما يخص تجنيبنا اللجوء إىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية ‪".‬عند قراءة هذه السطور من‬
‫ترصيحات الجنرال تواتي يف الحوار الذي خص به يومية ‪ El Watan‬الصادرة يوم ‪ 27‬سبتمرب ‪،2001‬‬
‫يصيبني الذهول ويف نفس الوقت الحزن وأنا أرى مثل هذا الكالم يصدر عن شخص يريد أو يراد له أن يظهر‬
‫بمظهر "املخ" بالنسبة إىل جيشنا الوطني الشعبي‪ .‬ال يمكننا أن نتصور وقاحة أكرب يف اإلقدام عىل مثل هذه‬
‫األكاذيب وهذه التشويهات للحقيقة وهذه الترصيحات التي ال تأتي إال من باب الغباوة‪ .‬ينبغي أال ننىس أن‬
‫األمر متعلق برجل كان واحدا من أقرب املستشارين للجنرال خالد نزار الذي تقلد زمام األمور يف أصعب فرتة‬
‫من تاريخنا منذ استقالل البالد‪ .‬كما يتعلق بشخص كان يظهر بمظهر مصدر األخبار واملعطيات االقتصادية‬
‫املوجهة إلطارات الجيش الوطني الشعبي‪ ،‬السيما الجنراالت‪ ،‬من أجل تكوين رأي حول مسرية البلد الذي كان‬
‫مصريه مرهونا بهذا الرأي بالذات لفرتة طويلة‪ ،‬وإىل غاية اليوم من دون شك‪ ،‬عىل الرغم من التقدم الحاصل يف‬
‫مجال تطبيع حياتنا السياسية الوطنية بعد تلك العواقب التي خلفتها األحداث املتتابعة منذ تلك القرارات التي‬
‫اتخذت يف جانفي ‪. 1992‬‬

‫إن من شارك يف مناقشات اللجنة التي ُش ّكلت يف الفصل األخري من سنة ‪ ،1993‬من أجل النظر يف التدابري‬
‫الواجب اتخاذها يف البلد عىل املستوى السيايس واملؤسساتي عند انتهاء عهدة الرئيس الشاديل يف أواخر ‪1993‬‬
‫بعد مواصلتها من طرف املجلس األعىل للدولة بعد إنشائه يف جانفي ‪ ،1992‬يتذكرون أنه كلما كانت تطرح‬
‫مسألة جوهرية يف هذه املناقشات كانت أنظار كل الحارضين متجهة‪ ،‬بصورة آلية وتلقائية‪ ،‬صوب رأس‬
‫الجنرال تواتي الذي كان‪ ،‬بوصفه ممثال لوزارة الدفاع الوطني‪ ،‬نوعا من وسيط الوحي الذي كان الجميع‬

‫‪33‬‬
‫‪ ‬‬
‫ينتظر ما يتفوه به من كلمات طيبة أو‪ ،‬باألحرى‪ ،‬كلمات حاسمة‪ .‬ذلك هو الرجل الذي ال يرتدد‪ ،‬يف ترصيح‬
‫عمومي‪ ،‬يف اإلدالء بأكاذيب – كي ال نذهب إىل أبعد من ذلك – أكاذيب تكشف مدى جدية وقيمة الطريقة التي‬
‫عوملت بها إدارة شؤون أمتنا يف مرحلة حرجة من التطور السيايس للجزائر املستقلة‪ ،‬ثمرة ثورة أول نوفمرب‬
‫‪. 1954‬‬

‫وأخريا‪ ،‬ذلك هو الرجل الذي كان من املفروض أن ينتظر منه اآلالف من الجنود والضباط – ممن كانوا يبذلون‬
‫النفس والنفيس يف مواجهة قوى التدمري واإلرهاب أثناء السنوات األخرية – إفادتهم باملعلومات والتوضيحات‬
‫املربرة لتضحياتهم يف خدمة الدفاع عن الجمهورية‪ ،‬تلك الجمهورية التي أراد الجنرال تواتي أن يكون رايتها‬
‫بامتياز‪ .‬الفقرات التي تنترش فيها هذه األكاذيب والتشويهات عىل حساب واقع األحداث تتطلب‪ ،‬لألسف‪ ،‬إفاضة‬
‫طويلة من أجل تنوير الرأي العام وتمكينه من فهم الحيثيات التي وقع حجبها عنه يف ما يخص تطور األحداث‬
‫التي طبعت تلك املسرية املفصية إىل إقالة حكومتي واللجوء إىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية مع كل ما‬
‫ترتب عىل هذا اللجوء من عواقب يعرفها الجميع‪ .‬نجد الجنرال تواتي يتظاهر باللجوء إىل ذاكرة الجنرال خالد‬
‫نزار يف ما يخص الظروف التي تم فيها‪ ،‬كما قال‪ ،‬إنهاء مهامي كرئيس حكومة‪ .‬ال أحد يستطيع أن يصدق مثل‬
‫هذا الزعم عندما يعلم ذلك االندفاع الذي أبداه الجنرال تواتي يف الظهور بمظهر الفاعلني األكثر دراية وحظوة‬
‫يف تدبري شؤون البلد‪ .‬ثم إنني‪ ،‬وبعد إقالة حكومتي‪ ،‬ال أظن أنني سأفاجئ الكثري من الناس إن ذكرتهم بما‬
‫ادعاه لنفسه من دور يف هذه اإلقالة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪óïuŠb©a óïäía@ßíy@߇u@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN10‬‬

‫‪2007O07O28@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫يف الحقيقة‪ ،‬لقد جرت األمور بالطريقة اآلتية ‪ :‬يف املرحلة األخرية من عمر حكومتي‪ ،‬بدأ كل يشء‪ ،‬بالنسبة إيل‪،‬‬
‫يوم االثنني ‪ 3‬ماي ‪ .1993‬يف هذا اليوم‪ ،‬وكما أرشت إىل ذلك أعاله‪ ،‬مثل سائر أيام االثنني غداة االجتماع‬
‫األسبوعي للمجلس األعىل للدولة املقرر لكل أحد‪ ،‬كان يل موعد مع الرئيس عيل كايف‪ .‬وكان رضا مالك‪ ،‬كما‬
‫أرشت‪ ،‬قد أخربني بحضور الجنرال خالد نزار يف هذا اللقاء يف حني جرت العادة أن يستقبلني الرئيس بمفرده‪.‬‬

‫كما أخربني أن الرئيس عىل كايف‪ ،‬مثله مثل الجنرال خالد نزار لم يرقهما البالغ املقتضب الذي كنت قد أذعته‬
‫إلعالن إجراءات وتدابري مختلفة عقب كشف الصحافة اإليطالية والدولية عن وجود عموالت مهمة دفعت يف‬
‫عملية إبرام عقد بيع الغاز الطبيعي إليطاليا‪ .‬ترصيف بهذا الشكل جعلني أُتهم بوضع املجلس األعىل للدولة أمام‬
‫األمر الواقع عىل أساس أنه كان من واجبي إخطار هذا األخري‪ ،‬أوال‪ ،‬قبل إذاعة بالغي املتعلق بردود فعل‬
‫حكومتي للفضيحة املذكورة التي لطخت سمعة الجزائر أمام العالم بأرسه‪ .‬لذلك‪ ،‬أشار إيل رضا ملك بتوقع‬
‫توبيخ يف هذا الشأن‪ .‬يوم االثنني ‪ 3‬ماي ‪ ،1993‬كنت بمكتب الرئيس عيل كايف الذي كان مصحوبا‪ ،‬فعال‪،‬‬
‫بالجنرال خالج نزار‪ .‬لم نتحدث كثريا عن قضية أنبوب الغاز الطبيعي الجزائري اإليطايل‪ .‬لكن‪ ،‬أثناء حديثنا‪،‬‬
‫وبطلب من الجنرال خالد نزار‪ ،‬تعرضت للخطوط العريضة يف السياسة االقتصادية لحكومتي‪ .‬ويف نهاية‬
‫العرض‪ ،‬خاطبني هذا األخري بنوع من اإللحاح قائال ‪" :‬ينبغي أن تعرض‪ ،‬يف التلفزيون‪ ،‬ما قلته لنا منذ حني‪.‬‬
‫ينبغي عىل الشعب أن يعرفه"‪ .‬وقد أجبته أنني كنت أفكر يف مثل ذلك التدخل‪ ،‬لكن بما أن األمر تعلق يف هذه‬
‫املرة بمسألة حيوية أردت‪ ،‬أوال وقبل كل يشء‪ ،‬أن أطلب من مصالحي املؤهلة تحرير وثيقة لنرشها كسند‬
‫لترصيحاتي مع ذكر كافة األرقام واملعطيات التي تقوم عليها كل من إشكالية مديونيتنا الخارجية والتدابري‬
‫املتبعة من طرف حكومتي من أجل الخروج من األزمة التي تسببت فيها هذه املديونية‪ .‬لقد ملست بعض‬
‫التعاطف لدى الجنرال خالد نزار كي ال أقول تأييدا لسياستي كما أحسست أن إلحاحه عيل بالتدخل يف‬
‫التلفزيون كما لو كان يشعر بنوع من اإلزعاج جراء بعض التدخالت التي أعطته صورة متعارضة مع عمل‬
‫حكومتي يف هذا املجال‪ .‬لقد كان من الواضح أن البعض‪ ،‬من بينهم ربما الجنرال تواتي‪ ،‬قد بدأوا محاوالت‬
‫التأثري عليه من أجل حمله عىل جعيل أغري سياستي أو يقدم عىل وضع حد ملهامي عىل رأس الحكومة‪ .‬لقد‬
‫تزامنت هذه الفرتة بقيام الصحافة الخاصة‪" ،‬الحرة واملستقلة" املزعومة‪ ،‬باإلجهاز بكل قوة عىل شخيص وعىل‬
‫تلك السياسة التي كنت أنتهجها يف املجال االقتصادي‪ .‬كلنا نعرف العالقات الوثيقة بني هذه الصحافة‬
‫والجنرال تواتي وأظن أال أحد نيس تلك الهسترييا التي شنت بها هذه الصحافة حملتها عىل حكومتي معلنة‪ ،‬يف‬
‫كل مرة‪ ،‬أن املجلس األعىل للدولة كان عىل وشك استدعائي ومطالبتي بتغيري سياستي ‪.‬‬

‫ج‪ .‬يف أواخر شهر جوان ‪ ،1993‬الوثيقة التي كنت طلبتها حول عرض السياسة االقتصادية للحكومة كانت‬
‫جاهزة بعدما تطلب إعدادها أكثر من شهرين ألن‪ ،‬أوال‪ ،‬نصها كان طويال نسبيا وثانيا ألنه كان من الالزم أن‬
‫تُحرر بلغة تجعلها مفهومة من طرف أكرب عدد من الناس‪ .‬وأخريا‪ ،‬ينبغي قول ذلك‪ ،‬كان عيل أو أواجه‪ ،‬حينئذ‪،‬‬
‫مؤامرة حقيقية عىل مستوى مصالحي‪ ،‬السيما عىل مستوى من كانوا يف اتصال مع صندوق النقد الدويل والبنك‬

‫‪35‬‬
‫‪ ‬‬
‫العاملي‪ .‬كان يُطلب مني عدم عرقلة املفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدويل بنقل النقاش إىل الساحة‬
‫العمومية‪ .‬يف الواقع‪ ،‬لم يكن البعض يريدون أن يُكشف‪ ،‬أمام كافة الجزائريني والجزائريات‪ ،‬أمر تلك الرشوط‬
‫الشهرية التي كانت هذه املؤسسة تطالب بها من أجل التخفيف من وطأة مديونيتنا الخارجية عىل ميزان‬
‫مدفوعاتنا‪ .‬كما اتخذ بعض إطاراتنا من رضورة عدم إزعاج ممثيل صندوق النقد الدويل ذريعة ملخاوفهم من‬
‫مغبة ردود أفعال مواطنينا بإعالن تلك التدابري القاسية التي كانوا يهمون بتسليطها عىل شعبنا ‪.‬‬

‫د‪ .‬يوم الخمس ‪ 24‬جوان ‪ ،1993‬استغللت زيارة عمل قادتني إىل والية الجزائر للقاء إطاراتها املجتمعني بقاعة‬
‫املجلس الشعبي البلدي لعاصمتنا‪ ،‬وبحضور ممثيل الصحافة‪ ،‬تناولت بإسهاب التوجهات املعتمدة يف السياسة‬
‫االقتصادية لحكومتي‪ .‬وقد ركزت عريض عىل أنه كان هناك سبيالن للخروج من األزمة ‪ :‬السبيل الذي انتهجته‬
‫حكومتي والسبيل اآلخر – الذي لم يكن آنذاك إال احتماال من بني االحتماالت – املرتتب عىل اللجوء إىل صندوق‬
‫النقد الدويل من أجل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية مع كل ما كان ينجم عنه من عواقب عىل مستوى معيشة‬
‫سكاننا‪ ،‬سيادتنا وحرية عملنا عىل الصعيد االقتصادي‪ .‬كما حددت‪ ،‬بصفة خاصة‪ ،‬اإلجراءات املزمع اتخاذها يف‬
‫إطار نشاط حكومتي مبينا كذلك‪ ،‬وبطريقة موضوعية قدر اإلمكان‪ ،‬حقيقة تلك املساعدات التي يمكن أن‬
‫نتوقعها من تدخل صندوق النقد الدويل وكذا طبيعة وبعد الرشوط التي كانت هذه املؤسسة الدولية تفرضها‬
‫مقابل مساعدتها للجزائر‪ .‬كنت‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬أقصد من وراء الحارضين يف االجتماع كافة الجزائريني السيما‬
‫رشائحنا الشعبية التي كان مصريها عرضة لآلثار السلبية ملا كان‪ ،‬آنذاك سوى تدخل محتمل لصندوق النقد‬
‫الدويل‪ .‬وسعيا مني للتأكد من فهم جميع الجزائريني ملا كنت بصدده‪ ،‬حرصت عىل التعبري بلغة سهلة وسليمة‬
‫يف متناول الجميع بما يف ذلك الجماهري العريضة‪ .‬وبكلمة واحدة‪ ،‬حاولت – بصيغة مبسطة وبكلمات من‬
‫الحياة اليومية العامة – أن أعمم الفائدة بتناول موضوعات جرت العادة لدى مسؤولينا السياسيني ومصالحنا‬
‫التقنية وكذا صحافتنا بصفة أخص عىل تناولها بلغة مبهمة كثريا ما وجد املختصون أنفسهم صعوبة يف فهم‬
‫فحواها‪ .‬غالبا ما كان أكثر الناس يجد مشقة يف إدراك معنى املفردات‪ ،‬العبارات أو املفاهيم املستعملة يف إطالع‬
‫رأينا العام الوطني عىل الخيارات والتوجهات التي من شانها ترك آثار عميقة يف الحياة اليومية للسكان ‪.‬‬

‫هذا الحرص عىل تعميم الفائدة هو الذي جعلني أقول إنني لم أكن خبريا يف االقتصاد أو أنني لم أكن أكتفي‪ ،‬يف‬
‫الرشوح التي كانت مصالحي تفيدني بها‪ ،‬بلغة االقتصادي‪ .‬يف ترصيحه لجريدة‪ ، El Watan‬نجد الجنرال‬
‫تواتي يستغل العبارة التي استعملتها ‪ ،‬يف عريض أمام إطارات والية الجزائر‪ ،‬بطريقة خبيثة سعيا منه للقيام‬
‫بعملية فيها سوء نية فكرية موصوف إذ قال إنني أجبت رئيس املجلس األعىل للدولة والجنرال خالد نزار أنني‬
‫لم أكن خبريا اقتصاديا‪ ،‬معرتفا‪ ،‬هكذا حسب زعمه‪ ،‬بالعجز عن تقديم توضيح بخصوص معطى يكون‬
‫املستشار االقتصادي للرئاسة قد كشف عنه للمجلس األعىل للدولة بهدف التنديد بعدم صحة املعلومة‬
‫وتوضيحها لهذا األخري الذي أعلنتها له بوصفه الهيئة العليا يف الدولة الجزائرية‪ .‬هكذا يسعى الجنرال تواتي‪،‬‬
‫بطريقة ال حياء فيها إىل حمل السامع عىل أنني لم أكن فقط عاجزا وإنما سيئ النية إزاء أعىل هيئة يف الدولة ‪.‬‬

‫إن املكر – وليسمحْ يل القارئ استعمال هذه املفردة التي ال أرى لها بديال يف وصف ترصف الجنرال تواتي من‬
‫خالل الحوار الصحفي املذكور – ال ينتهي عند حد تقديمي عىل أنني شخص غري مخلص أمام املجلس األعىل‬
‫للدولة وإنما يذهب إىل أبعد من ذلك بكثري حينما ينسب إيل القول أمام هذه الهيئة إنني "ظننت أنني كنت‬
‫قادرا عىل مواجهة املديونية وربما حتى عىل مواجهة النفقات غري القابلة للتقليص" و بـ "مخزون من العملة‬

‫‪36‬‬
‫‪ ‬‬
‫الصعبة ما قيمته ‪ 600‬مليون دوالر"‪ .‬أعتقد أنني لست يف حاجة هنا إىل تذكري كل متتبع لشؤون الجزائر‪ ،‬أن ال‬
‫أعضاء املجلس األعىل للدولة وال أنا كنا قادرين‪ ،‬يف‪ ، 1993‬أن نكون خرباء اقتصاديني‪ .‬ثم إن من سألني من‬
‫الحارضين يف االجتماع باملجلس األعىل للدولة املنعقد بتاريخ ‪ 1993-07-18‬حول املشاكل االقتصادية‪ ،‬اكتفى‬
‫بتكرار هذه العبارات ‪" :‬نعلم أن‪...‬يقال إن‪...‬هناك أفكار كثرية‪ "...‬كما لو كان يف حرية من أمره يف ما يتعلق‬
‫بالطريق الواجب اتّباعه السيما يف مجال حل املشكل املطروح بسبب مديونيتنا الخارجية‪ .‬لكن‪ ،‬مهما كان عدم‬
‫درايتنا‪ ،‬أي أعضاء املجلس األعىل للدولة وشخيص‪ ،‬بالشأن االقتصادي‪ ،‬لم يكن من املمكن أن يفوت أحدنا‬
‫االنتباه إىل سخافة ادعاء القدرة عىل "مواجهة املديونية وربما أيضا النفقات غري القابلة للتقليص وأن لنا‬
‫احتياطيا من الرصف بلغ ما قيمته ‪ 600‬مليون من الدوالرات"‪ .‬لو تفوهت بمثل هذه السخافة‪ ،‬الستطاع كل‬
‫عضو يف املجلس األعىل للدولة أن يكون له من العقل ما يعفيه من الشعور بالحاجة إىل الخربة االقتصادية أو‬
‫اللجوء إىل خدمات مستشار اقتصادي عىل مستوى الرئاسة إلدراك بطالن مثل هذا االدعاء ألن السفهاء وحدهم‬
‫هم القادرون عىل اعتبار املبلغ ‪ 600‬مليون دوالر كافيا ملواجهة خدمة مديونية ونفقات غري قابلة للتقليص‬
‫بلغت قيمتها أزيد من نحو عرشة مليارات من الدوالرات‪ .‬وعليه‪ ،‬تجدني أتساءل عن السبب الذي دفع الجنرال‬
‫تواتي‪ ،‬يف الحوار الذي خص به جريدة‪ ، El Watan‬إىل ادعاءات سخيفة من هذا القبيل‪ ،‬ادعاءات لم تخطر إال‬
‫باله‪ .‬وحينما يتحدث عن "الطب النفيس" يف ما يخصني‪ ،‬أظن أنه كان أحرى به أن يزور مصلحة من هذا‬
‫الطب ملعالجة حالته هو ‪.‬‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫‪37‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪_îŠbi@¶g@ðmaím@ßa‹å§a òŠbîŒ@öaŠìbà@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN11‬‬

‫‪2007O07O29@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫أما يف ما يتعلق بـ "التقدير املهم" الذي يكون املستشار االقتصادي للرئاسة قد قدمه والذي دل عىل أن ‪600‬‬
‫مليون دوالر – التي ينسب الجنرال تواتي إيل مصدرها خطأ – كانت تمثل‪ ،‬يف تلك الفرتة‪ ،‬قيمة الودائع الخاصة‬
‫من العملة الصعبة‪ ،‬لم أعلم أبدا بوجوده وأظن أال أحد سمع به عىل اإلطالق إىل غاية ذلك اليوم التي طلعت‬
‫يومية ‪ El Watan‬به يف الحوار الذي خصها به الجنرال تواتي‪.‬‬

‫وأخريا‪ ،‬وبما أن الجنرال تواتي وجد‪ ،‬يف املقابلة الصحفية املذكورة‪ ،‬من الواجب الكشف عن موضوع احتياطنا‬
‫من العملة الصعبة بعدما استمع إيل املجلس األعىل للدولة حسب زعمه‪ ،‬أي يف يوم ‪ 18‬جويلية ‪ ،1993‬أؤكد أنه‬
‫منذ تويل مهامي كرئيس حكومة يف شهر جويلية ‪ ،1992‬بقيت عيناي معلقتني بمخزوننا من الرصف‪ ،‬كما كان‬
‫يصلني كل أسبوع عرض لحالته من طرف بنك الجزائر الذي هو‪ ،‬كما يعرف الجميع‪ ،‬بنك البالد املركزي‪ .‬ال‬
‫أظنني يف حاجة إىل تأكيد أن هذا البنك وحده هو الذي كان مخوال حيازة احتياطاتنا من العملة الصعبة‬
‫والذهب وإدارتها‪ .‬ولو طلب مني أعضاء املجلس األعىل للدولة إطالعهم عىل املبلغ إىل يوم ‪ 18‬جويلية ‪،1993‬‬
‫تاريخ مشاركتي يف اجتماع هذه الهيئة‪ ،‬ألحلت مخاطبي‪ ،‬ببساطة‪ ،‬عىل الرقم املعلن من طرف بنك الجزائر‬
‫والذي بلغ مستواه آنذاك ‪ 1.580‬مليون دوالر‪ ،‬مع وجوب إضافة قيمة الجزء الباقي من مخزون الذهب غري‬
‫"املبادَل )"‪" (non "swapé‬املوروث عن عهد الرئيس بومدين‪ .‬كما أشري كذلك إىل أن رقم هذا املخزون‪ ،‬إىل‬
‫غاية ‪ 20‬أوت ‪ ،1993‬أي عشية إنهاء مهامي عىل رأس الحكومة‪ ،‬كان يف حدود ‪ 2,0455‬مليار دوالر ‪ ،‬منها‬
‫‪ 1,2765‬مليار دوالر احتياطي صاف و‪ 709,5‬مليون دوالر كقيمة ممثلة لقيمة الجزء "املبادَل" من مخزون‬
‫الذهب و‪ 59,5‬مليون دوالر ممثلة ملبلغ قرض قصري املدى‪ .‬كانت تلك هي األرقام املقدمة من طرف بنك‬
‫الجزائر عند إقالة حكومتي‪ .‬وعليه‪ ،‬نحن أبعد ما نكون عن ذلك الهذيان الذي تفوه به الجنرال تواتي عىل أعمدة‬
‫يومية ‪ El Watan.‬ولختم هذه اإلفاضة الطويلة التي بدت يل من املفيد االسرتسال فيها من أجل تنوير الرأي‬
‫العام الوطني وتجنيبه الوقوع يف الخطأ بسبب مزاعم الجنرال تواتي‪ ،‬أذكر أنه غداة تدخيل أمام إطارات والية‬
‫الجزائر‪ ،‬يوم ‪ 24‬جوان‪ ، 1993‬الوثيقة التي كنت قد أمرت بتحريرها حول السياسة االقتصادية لحكومتي‬
‫صدرت‪ ،‬يوم ‪ 29‬جوان ‪ 1993‬باللغتني العربية والفرنسية‪ ،‬يف جميع الصحف التابعة للقطاع العام وكذا‬
‫محطاتنا اإلذاعية ومحطة التلفزيون‪ .‬لقد كان هناك حرص عىل أن يتم التوزيع عىل نطاق واسع ومتكرر عدة‬
‫أيام‪ .‬كما تم إعالن عريض أمام إطارات والية الجزائر عىل شاشة التلفزيون‪ .‬الصحافة الخاصة – التي تدعي‬
‫أنها حرة ومستقلة والتي هي‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬خاضعة ألوامر مجموعات مصالح معينة تتحرك يف الخفاء – امتنعت‬
‫عن نرش الوثيقة‪ ،‬بل ولم تذكر‪ ،‬أحيانا‪ ،‬وجودها وصدورها أصال‪ ،‬يف حني لم تنقطع عن التأكيد أن مهمتها هو‬
‫إعالم الرأي العام الوطني من خالل قرائها وأن علة وجودها هي يف إعطاء معنى ومحتوى ملموسا للحق يف‬
‫اإلعالم‪ .‬إن وثيقة تحمل توجهات سياسة اقتصادية ذات الصلة بحياة املواطنني جميعا َلتتعدى حدود كونها‬
‫مجرد دعاية يف صالح الحكومة يمكن للصحافة أن ترفض نرشها باسم تصورها لحرية اإلعالم ‪.‬‬

‫يف ‪ 18‬جويلية ‪ ،1993‬ويف الوقت الذي دعيت إىل حضور اجتماع املجلس األعىل للدولة‪ ،‬كان أعضاء هذا األخري‬

‫‪38‬‬
‫‪ ‬‬
‫كلهم عىل علم‪ ،‬أو من املفروض أن يكونوا عىل علم‪ ،‬بكافة معطيات السياسة االقتصادية لحكومتي من أجل‬
‫الخروج من األزمة التي سببها املستوى الذي بلغته مديونيتنا الخارجية‪ .‬لعل القارئ الحظ كيف أن الجنرال‬
‫تواتي قد تجاهل تماما‪ ،‬يف حواره مع يومية ‪ ، El Watan‬وجود هذه الوثيقة وتوزيعها لدى الجمهور العريض‬
‫وكذا محتوى عريض املذاع للجمهور عىل أمواج األثري‪ .‬يف الحقيقة‪ ،‬الجنرال تواتي يؤمله أن يرى الترصيحات‬
‫املغلوطة – كيال نقول الكاذبة – التي كان يبثها هنا وهناك وهي تتهاوى أمام وثائق مكتوبة‪ ،‬ومعلومات‬
‫حقيقية‪ ،‬وفيها برهنة‪ ،‬كما هي قابلة لالعرتاض عليها رشط أن يكون ذلك عىل املكشوف‪ .‬أود أن أشري‪ ،‬هنا‪،‬‬
‫بإلحاح أنه ال علم يل بأي تحليل أو أي رد فعل من جانب الجنرال تواتي ومن يقاسمه خياراته حول الوثيقة‬
‫التي أمرت بنرشها تحت عنوان ‪" :‬مذكرة ألهم التوجهات يف برنامج الحكومة االقتصادي"‪ .‬وعندما طلبت‪ ،‬أوال‪،‬‬
‫من الجنرال تواتي رأيه يف مسألة تعيني وزير للداخلية إثر املقابلة التي جرت بيني وبني الرئيس عيل كايف‬
‫والجنرال خالد نزار‪ ،‬أجابني‪ ،‬أوال‪ ،‬أنني لم أقنعه ثم أردف يل بهذا النبأ املدهش ‪" :‬بمناسبة سفري األخري إىل‬
‫باريس‪ ،‬اتصلت بالخزينة الفرنسية التي أخربتني أنه يف حالة اللجوء إىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية‪ ،‬لن‬
‫يتجاوز تخفيض بعض القروض التجارية التي كانت الجزائر تستفيد منها إىل ذلك الوقت نحو نسبة ‪!" %20‬‬
‫فلو كان اتصاله بالخزينة الفرنسية وزيارته إىل باريس إال بغرض الحصول عىل معلومات بخصوص مستوى‬
‫القروض التجارية التي كانت الجزائر قادرة عىل مواصلة الحصول عليها بعد إعادة جدولة املديونية يف حالة‬
‫وقوعها‪ ،‬لم يكن مضطرا إىل عبور البحر األبيض املتوسط والذهاب إىل تلك الخزينة ملعرفة األمر إذ كان يكفيه‬
‫قراءة نص الوثيقة التي أصدرتُها أو االستماع إىل ترصيحاتي عرب شاشة التلفزيون وأمواج اإلذاعة كي يالحظ‬
‫أنها لم تكن تقول شيئا آخر غري ما ذكر‪ .‬ثم إنني أجبته‪ ،‬عىل التو‪ ،‬أنه كانت بحوزتنا مراسلة يف هذا الشأن من‬
‫مسؤويل صندوق النقد الدويل‪ .‬الحقيقة‪ ،‬يف تدخيل كما يف املذكرة املتعلقة بتوجهات برنامج حكومتي‬
‫االقتصادي‪ ،‬السؤال الذي كان مطروحا هو معرفة ما هي القدرة اإلضافية لالسترياد التي كانت ستتأتى‬
‫للجزائر يف حالة الوصول إىل اتفاق مع صندوق النقد الدويل‪ .‬لقد برهنا‪ ،‬باألرقام‪ ،‬عىل أن الكنز الذي توقعه‬
‫الجنرال تواتي‪ ،‬ومن حذا حذوه‪ ،‬من صندوق النقد الدويل لم يكن إال خديعة وأنه لن يرفع من قدرة الجزائر عىل‬
‫االسترياد بصورة محسوسة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬هذه الزيادة يف قدرتنا عىل االسترياد قدمها ممثلو صندوق النقد الدويل‪،‬‬
‫من بينهم السيد ميشال كامديسوس ذاته‪ ،‬عىل أنها املفتاح النطالقتنا االقتصادية‪ ،‬انطالقة كفيلة بأن تكون‬
‫األداة السحرية التي ستمكننا من تقليص البطالة بصورة معتربة كي نجنب شبابنا االلتحاق بصفوف اإلرهاب‪.‬‬
‫الجديد الذي أتت به وثيقة الحكومة أثار هلع جميع تلك العنارص التي كانت‪ ،‬مثل الجنرال تواتي‪ ،‬تنشط من‬
‫أجل حمل الجميع عىل االقتناع بأنه لم يكن هناك حل آخر ملشكل مديونيتنا الخارجية عدا اللجوء إىل صندوق‬
‫النقد الدويل وأنه كان يكفي الجزائر الحصول عىل مساعدات من هذا الصندوق للعودة إىل الرخاء بفضل‬
‫انطالقتها االقتصادية‪ .‬من كان يمدح صندوق النقد الدويل واللجوء إىل إعادة جدولة مديونيتنا‪ ،‬السيما من بني‬
‫مسؤولينا السامني يف الجيش الوطني الشعبي‪ ،‬كانوا يأملون تراجع البطالة أو عىل األقل امتصاصها‪ ،‬هذه‬
‫البطالة التي‪ ،‬وللتذكري‪ ،‬قدمت عىل أساس أنها كانت السبب الرئييس يف انخراط قسم كبري من شبابنا يف صفوف‬
‫املخربني تحت لواء الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ ‪.‬‬

‫الجنرال خالد نزار‪ ،‬وأثناء اللقاء الذي جمعني به والرئيس عىل كايف‪ ،‬بعد جلسة املجلس األعىل للدولة املنعقدة‬
‫يف ‪ 18‬جويلية ‪ 1993‬التي دعيت إليها‪ ،‬أخربني أن الجنرال تواتي الذي تم التفكري يف تعيينه وزيرا للداخلية‬
‫سافر إىل باريس بغرض الراحة مدة ثمان وأربعني ساعة‪ .‬الذهاب إىل باريس وقطع مسافة ‪ 2000‬كلم‬
‫بالطائرة من أجل راحة مدتها ثمان وأربعني ساعة بدا يل أمرا غريبا نوعا ما‪ .‬لكن‪ ،‬ونظرا إىل ما قاله يل الجنرال‬

‫‪39‬‬
‫‪ ‬‬
‫تواتي بعد عودته من باريس‪ ،‬أجدني أتساء ما إذا لم يكن للرحلة املذكورة غرض آخر غري الغرض املعلن يل‪.‬‬
‫لذلك وكما ذكرت‪ ،‬لو تعلق األمر فقط بالتأكد من مبلغ األموال التي كانت الجزائر ستستفيد منها جراء إعادة‬
‫جدولة مديونيتها‪ ،‬كان باستطاعة الجنرال تواتي أو آمريه املحتملني الحصول‪ ،‬يف عني املكان‪ ،‬بالجزائر‬
‫العاصمة‪ ،‬عىل جميع املعلومات املطلوبة‪ ،‬مشفوعة بكافة الضمانات املهدئة من مخاوفهم ‪.‬عىل أية حال‪ ،‬لقد أيد‬
‫تطور األحداث تلك األطروحة التي اعتمدتها حكومتي والقاضية باعتبار اللجوء إىل صندوق النقد الدويل لم يكن‬
‫من شأنه أبدا إفادة الجزائر بأموال كبرية مثلما كان يدعي أنصار إعادة الجدولة‪ .‬الكل يرى اليوم العواقب‬
‫الوخيمة التي تسببت فيها إعادة الجدولة هذه لشعبنا كما يرى ذلك اإلفقار الذي طال سكاننا بادئا تطوره منذ‬
‫الثمانينيات بسبب تلك السياسية االنتكاسية التي طبقها الرئيس الشاديل ثم تسارعت وتريتها بعد تدخل‬
‫صندوق النقد الدويل لريتفع معدل البطالة بقوة عوض أن ينخفض بينما لم تلق مؤسساتنا االقتصادية‬
‫العمومية والخاصة‪ ،‬ليس فقط أي دعم من أجل انطالق نشاطاتها أو نموه وإنما وجدت نفسها مضطرة إىل‬
‫تخفيض هذه النشاطات أو توقيفها نهائيا‪ .‬إن الجميع ليعلم اليوم ما وقع بعد االتفاق الخاص بإعادة الجدولة‬
‫مع صندوق النقد الدويل حيث ما لبثت مخابر االسترياد‪-‬التصدير أن تكاثرت يف بلدنا وكيف اجتاحت املوارد‬
‫اإلضافية من العملة الصعبة التي أتى بها هذا االتفاق السوق الوطنية من دون أن ترتك أي أثر إيجابي يف‬
‫االنطالقة االقتصادية وكيف اختُرص اقتصاد السوق الذي كانت بعض األصوات تهتف به ‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬يف فتح‬
‫حدودنا لتمكني نسور االسترياد –التصدير من االستيالء عىل ثروات البالد دافعني بشعبنا إىل هاوية البؤس‪،‬‬
‫الحرمان وفقدان األمل ‪.‬هل نحن يف حاجة‪ ،‬أيضا‪ ،‬إىل التذكري أنه بعد القرار الذي أذل الجزائر واضطرها إىل‬
‫الخضوع إىل الخيارات املفروضة من طرف صندوق النقد الدويل‪ ،‬ظهرت الكثري من األصوات عرب العالم‬
‫الرأسمايل‪ ،‬ال سميا يف الواليات املتحدة األمريكية ذاتها‪ ،‬منددة بمضار ما سمي بالعالج املطبق من طرف‬
‫صندوق النقد الدويل عىل تلك البلدان التي لجأت إليه لحل مشكالتها املالية املرتتبة عىل مديونيتها الخارجية ؟‬
‫يف ما يتعلق بالجزائر واألرضار التي سلطت عليها بعد إعادة جدولة مديونيتها‪ ،‬لم يجد ممثلو صندوق النقد‬
‫الدويل ما يقولونه بهذا الشأن سوى إن سبب املصاعب التي كانت بالدنا تواجهها لم يكمن يف التدابري املطلوبة‬
‫من طرف مؤسستهم وإنما يف سوء تطبيق هذه التدابري من طرف اإلدارة والسلطات الجزائرية ‪.‬‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫‪40‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪óÜì‡ÝÜ@ôÝÈÿa Ý1a@Êà@ðmaöbÕÜ@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰à@N12‬‬

‫‪2007O07O30@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫لكن ما هو أدهى وأمر‪ ،‬بالنسبة إيل‪ ،‬يف ترصف الجنرال تواتي عندما قام بزيارة إىل باريس هو أن يسمح لنفسه‬
‫–كضابط برتبة جنرال‪ ،‬يف الخدمة‪ ،‬ومعروف‪ ،‬فوق ذلك‪ ،‬بكونه مستشارا مقربا جدا من عضو يعترب األكثر‬
‫تأثريا عىل مستوى املجلس األعىل للدولة – بالتحقق لدى مصلحة أجنبية من معطيات متوفرة لدى حكومة بلده‬
‫ذاتها‪ .‬ال يمكن إال أن أظن أن الجنرال تواتي لم يكتف باالستفسار عن صحة معلومات وردت يف مذكرة‬
‫التوجهات التي أصدرتها حكومتي وأنه يكون قد أخرب الحكومة الفرنسية أن السياسة املتبعة من طرف‬
‫حكومتي لم تكن تحظى باملصداقية والتأييد من طرف من كانوا‪ ،‬يف تلك الفرتة‪ ،‬أصحاب القرار الفعيل يف‬
‫الجزائر‪.‬‬

‫لم يكن أحد ليجهل‪ ،‬بالجزائر كما بباريس‪ ،‬أن إدالء الجنرال تواتي برأي أو القيام بترصف ما لم يكن يتم‬
‫باسمه الخاص فقط‪ .‬ثم إنه كان من الثقة يف نفسه ما جعله ال يشعر بأي حرج يف أن يرس إيل شخصيا بالزيارة‬
‫التي قادته إىل باريس للتأكد‪ ،‬عىل مستوى الخزينة الفرنسة‪ ،‬من صحة وثيقة صادرة عن حكومتي‪ .‬هذا ترصف‬
‫مشني إزاء رئيس الحكومة‪ .‬لقد سمحت يل هذه الواقعة املحزنة بتقدير قلة القيمة التي كانت توىل لتلك املهمة‬
‫السامية التي عهد إيل بها‪ .‬هذا الترصف من جانب الجنرال تواتي كان داللة عىل طابع الوقاحة ميز سياسة‬
‫معينة‪ ،‬سياسة كانت‪ ،‬من ناحية‪ ،‬تعلن سيادة مؤسسات الجمهورية دافعة بخرية شبابنا‪ ،‬يف إطار الجيش‬
‫الوطني الشعبي واألجهزة األمنية‪ ،‬إىل بذل النفس والنفيس‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬تعامل نفس املؤسسات بخفة‬
‫بلغت حد عدم الرتدد يف بخسها أمام األجانب‪ .‬بعد هذا اإلسهاب الطويل – الذي أملته رضورة تعرية بعض من‬
‫األكاذيب التي وردت عىل لسان الجنرال تواتي وإبراز الطرق غري النزيهة التي استعملها لدى من كان يلقى‬
‫لديه آذانا صاغية أو يصدقون ما كان يكتب أو يقول – يجب اآلن الخوض يف تلك الطريقة التي ادعي بها‬
‫قدرته عىل رسد الوقائع يف ما يخص مختلف لقاءاتي عىل مستوى املجلس األعىل للدولة أو ببعض أعضائه‪،‬‬
‫السيما الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار ‪.‬‬

‫هـ‪ .‬مشاركتي يف اجتماع املجلس األعىل للدولة يوم ‪ 18‬جويلية ‪. 1993‬‬


‫إثر عودتي من زيارة عمل قادتني إىل واليات أقىص الجنوب من ترابنا الوطني دامت من ‪ 11‬إىل ‪ 15‬جويلية‬
‫‪ ،1993‬دعاني املجلس األعىل للدولة إىل املشاركة يف اجتماعه املنعقد يف ‪ 18‬جويلية من دون إخطاري بجدول‬
‫أعمال ذلك االجتماع‪ .‬طيلة هذه الزيارة كلها وأثناء جلسة العمل الختامية املنعقدة بإيليزي‪ ،‬طرح عيل بعض‬
‫الصحفيني أسئلة ملعرفة ما إذا كنت أنوي فعال املواصلة طويال عىل رأس الحكومة‪ .‬وقد اكتفيت بإجابتهم أنه‪،‬‬
‫من جانبي‪ ،‬سأواصل املهمة ما لم يُضع لها حدا من كلفني إياها‪ .‬عند افتتاح اجتماع مجلس األعىل للدولة –‬
‫وبعد كلمات الرتحيب ألنني لم أكن هناك إال كضيف – أعلن الرئيس عىل كايف نقاط جدول األعمال‪ ،‬وكانت‬
‫كاآلتي ‪:‬‬
‫‪-‬القيام بحصيلة لنشاطات الحكومة سنة بعد إنشائها ؛‬
‫‪-‬النظر يف الفرتة االنتقالية املقبلة بعد انتهاء مهام املجلس األعىل للدولة‪ ،‬السيما فكرة ما إذا كان من الالزم أوال‬

‫‪41‬‬
‫‪ ‬‬
‫عقد ندوة وطنية لهذا الغرض ؛‬
‫‪-‬إعادة النظر يف الخيارات االقتصادية يف ضوء املعطيات املستجدة ‪.‬‬

‫وقد شفع الرئيس عىل كايف هذه املسائل بمالحظات يمكن اخترصاها كاآلتي ‪:‬‬
‫‪-‬تمر البالد بأزمة صعبة ؛‬
‫‪-‬علينا أن نواجه هذه املرحلة كرجال يؤلفون سلطة متينة ومنسجمة‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫•يجب علينا أن نتفق عىل قاعدة متينة ؛‬
‫•يجب علينا أن نتشاور ؛‬
‫•املرحلة االنتقالية يجب أن تُطبق بكل حزم ؛‬
‫•يجب علينا أن نتفاهم حول الخيارات االقتصادية ؛‬
‫•إعادة النظر يف الخيارات االقتصادية يف ضوء املعطيات املستجدة ‪.‬‬

‫بعد هذا التقديم الوجيز من طرف الرئيس عيل كايف‪ ،‬أخذ الجنرال خالد نزار الكلمة مركزا عىل العنارص اآلتية ‪:‬‬
‫‪-‬التوجه نحو االنسجام ؛‬
‫‪-‬يف ما يخص املسائل االقتصادية‪ ،‬هناك أفكار عديدة‪ .‬هل هناك سبيل آخر مقارنة بالسياسة املتبعة حاليا ؟‬
‫‪-‬ما هي نتائج هذه السياسة ؟‬
‫‪-‬ما الذي يمكن أن نفعله بخصوص الحوار املنطلق مع األحزاب السياسية ؟‬
‫‪-‬هل يجب علينا أن نواصل هذا الحوار أم ال ؟‬

‫بدا يل أنني لم أكن مجرد ضيف هناك وما لبثت أن أدركت أنني كنت محط أنظار الجميع ومحط الكثري مما‬
‫كان يقال من ترصيحات وتلميحات‪ .‬هكذا بدت يل الهيئة – التي كانت تمارس‪ ،‬بصفة جماعية‪ ،‬السلطة العليا‬
‫يف البالد وتحتكر كافة الصالحيات الترشيعية والتنفيذية املنصوص عليها يف الدستور – وهي تريد القيام‬
‫بحصيلة سنة من النشاط الحكومي والبت بشأن مستقبل البالد يف فرتة حرجة من تاريخها كما لو تعلق األمر‬
‫بتفاهم بني خالن قرروا‪ ،‬فجأة‪ ،‬خالل نزهة أو تسلية ما التوجه لتناول مرشوب حول طاولة مقهى أو تناول‬
‫وجبة غداء رسيعة مواصلني خوضهم يف شؤون البالد‪ .‬لقد عادت بي هذه املالحظات إىل أربعني سنة من قبل‬
‫عندما كنا‪ ،‬عىل مستوى اللجنة املركزية لحزب الشعب‪-‬حركة انتصار الحريات الديمقراطية‪ ،‬نعيش أزمة حزب‬
‫شعبي طالئعي بسبب عجز قيادته التي رسعان ما سقطت بسبب ممارساتها يف مجال تنظيم العمل‪ .‬طيلة‬
‫سنوات قبيل الفرتة التي انفجرت فيها األزمة وقيض عىل التنظيم كحزب‪ ،‬كانت اجتماعات قيادة ما كان آنذاك‬
‫يعترب الحزب الثوري الطالئعي من دون جدول أعمال محدد سلفا‪ ،‬وكانت املحادثات تتم من دون االستناد إىل‬
‫ملفات ومشاريع مُعدﱠة من قبل لهذا الغرض‪ .‬هكذا ‪ ،‬إذاً‪ ،‬انعقد اجتماع املجلس األعىل للدولة بهدف مناقشة‬
‫حصيلة نشاطات الحكومة )أي‪ ،‬يف الحقيقة‪ ،‬نشاطاتها االقتصادية( والتخاذ قرارات حول مسرية البالد يف‬
‫املستقبل عىل املستوى السيايس‪ ،‬وذلك من دون تحضري الوثائق املتضمنة للمعطيات الالزمة لهذه املناقشات‬
‫واملحددة لآلفاق أو املقرتحات الواجب اعتمادها يف نهاية االجتماع‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬جاء دوري ألخذ الكلمة‪ .‬بدأت‬
‫بإعطاء نظرة شاملة مخترصة عن زيارة العمل التي قمت بها إىل واليات الجنوب األقىص ملحا عىل بعض‬
‫املشاكل املطروحة هناك والتي كان حلها يستدعي تدابري مستعجلة وواسعة النطاق‪ .‬بدا يل أن كلمتي لم تثر‬
‫اهتماما كبريا وأن األذهان كانت متجهة إىل موضوعات أخرى‪ .‬ويف تناويل ملا أدىل به كل من الرئيس عيل كايف‬

‫‪42‬‬
‫‪ ‬‬
‫والجنرال خالد نزار‪ ،‬ركزت عىل النقاط اآلتية ‪:‬‬

‫‪-‬نشاط حكومتي مندرج يف سياق برنامج عمل وافق عليه املجلس األعىل للدولة بموجب املراسيم الترشيعية‬
‫املعتمدة من طرف مجلس الوزراء والتي هي مساوية لقوانني املالية التقليدية وكذا بموجب مرسوم ترشيعي‬
‫آخر متعلق بالخطة الوطنية لسنة ‪ 1993‬واملحدد لألهداف العامة بالنسبة إىل الفرتة املمتدة من ‪ 1993‬إىل‬
‫‪. 1997‬‬

‫‪ -‬يف ما يتعلق باملديونية الخارجية‪ ،‬خدمتها تمت يف ظروف عادية واستطعنا أن نسدد يف املوعد الصعب املقرر‬
‫لدفع ‪ 500‬مليون دوالر‪ ،‬دفع كانت الجزائر فيه محط األنظار عىل مستوى األسواق املالية الدولية ‪.‬‬
‫‪ -‬يف ما يخص تعبئة موارد إضافية من العملة الصعبة خارج الدوائر الخاضعة لقواعد صندوق النقد الدويل‪،‬‬
‫هناك جهود تبذل حاليا‪ .‬غري أن نجاح مثل هذه الجهود يبقى مرهونا بالوقت السيما وأننا يف حاجة إىل إعادة‬
‫تشكيل شبكة من األصدقاء ومن املستشارين واملؤسسات ملساعدتنا يف ترتيب عمليات من شأنها توفري أموال لنا‬
‫من دون أن نضطر إىل اللجوء إىل تقبل رشوط صندوق النقد الدويل ‪.‬‬

‫‪ -‬ويف هذا السياق‪ ،‬أرشت إىل أن عملية التنازل عن عدد من حصصنا يف أحد آبارنا البرتولية كانت عىل وشك‬
‫وافقت عىل صيغها املقرتحة من طرف سوناطراك إال أن إبرامها تأخر ألسباب أجهل طبيعتها‪ .‬كما‬ ‫ُ‬ ‫التتويج‪ .‬لقد‬
‫اغتنمت الفرصة ألكشف أمام كافة أعضاء املجلس األعىل للدولة عن أن هناك أصداء وصلتني إلشاعات من‬
‫النوع "ال يمكن أن تهدى إليه هذه الهدية" ؛ وهو يعني أن هناك أشخاصا كانوا يتحركون عىل مستوى ما‬
‫ملنعي من تسجيل نتائج مالية معتربة من شأنها جلب املصداقية لحكومتي‪ .‬وبعد اإلدالء بهذه املعلومة‪ ،‬أعرب‬
‫الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار عن اندهاشهما وسخطهما‪ .‬يف ما بعد‪ ،‬علمت من مصالح متخصصة بأن‬
‫الشائعات املتعلقة بمحاولة منع العقد من اإلبرام يف العملية السابقة الذكر لم تكن خالية من الصحة ؛ وهو ما‬
‫كان يؤكد وجود مكائد كانت تحاك من طرف بعض األوساط التي كان همها إحباط السياسة االقتصادية‬
‫لحكومتي‪ .‬كما يجب أن أؤكد اليوم أن هذه العملية – التي تمت كلها يف ظل حكومتي وبموافقتي – لم يربم‬
‫العقد الخاص بها إال بعد اتفاق إعادة جدولة املديونية مع صندوق النقد الدويل‪ ،‬أي يف ذات الوقت التي لم يعد‬
‫فيه لها أي نفع وأثر يف تمكني الجزائر من الحصول‪ ،‬من خالل التنازل عن قسم من ثرواتها‪ ،‬عىل موارد كان‬
‫صندوق النقد الدويل يرفضها لها‪ .‬كل ذلك يبني أن املناورات التي حيكت من أجل تأخري هذه العملية لم يتمثل‬
‫غرضها فقط يف حرمان حكومتي من الحصول عىل أموال جديدة وإصدار إشارات إيجابية يف اتجاه أوساط‬
‫األعمال الدولية التي كان من املمكن أن تفيد بالدنا باستثماراتها‪ ،‬وإنما استهدفت كذلك غلق كل سبيل كان من‬
‫شأنه أن يجنب الجزائر السقوط يف قبضة صندوق النقد الدويل وتحمﱡ ل العواقب الوخيمة جراء تلك الرشوط‬
‫القاسية التي يقر بقسوتها كل قاص ودان‪ ،‬اليوم‪ ،‬عىل املستوى الكون ‪.‬‬

‫لفت انتباه الحارضين أنه ال يمكن الحكم عىل حصيلة نشاطات ما عىل أساس ما يمكن أن توفره من‬ ‫‪ -‬كما ﱡ‬
‫موارد مالية جديدة فقط وإنما ينبغي أيضا األخذ بعني االعتبار كل تلك األرضار والكوارث التي منعت من‬
‫تحقيق النتائج املرجوة‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬ذكرت أنه عند تأسيس حكومتي‪ ،‬يف جولية ‪ ،1992‬كانت هناك‬
‫محاوالت أراد أصحابها أن يقنعوني أنني لو لم أجد األموال الالزمة قبل شهر سبتمرب‪ ،‬سيكون لدي ‪600.000‬‬
‫عاطل إضايف عن العمل يف شوارع مدننا يف وقت كانت الجزائر تعيش اضطرابات متفاقمة لم تعرفها أبدا يف‬

‫‪43‬‬
‫‪ ‬‬
‫تاريخها منذ االستقالل‪ .‬حينئذ‪ ،‬رد الجنرال خالد نزار أنه‪ ،‬بحكم كونه عضوا يف الحكومة قبل شهر جويلية‬
‫‪ ،1992‬سمع عن هذا التقدير املشؤوم الذي كان يُشهر يف وجه تدبري شؤون البالد ؛ علما أنه لم يكن من أهون‬
‫األمور أن استطاعت حكومتي أن تبعد شبح رؤية قواتنا األمنية وهي تواجه الجماهري الجائعة يف شوارع مدننا‬
‫يف وقت كانت مجندة كلها للقضاء عىل العنف اإلرهابي وضمان سالمة األشخاص واملمتلكات ‪.‬‬

‫ُ‬
‫خضت يف املشكل رصاحة من دون لف أو دوران مشريا إىل أنه‪ ،‬منذ شهور‪،‬‬ ‫‪ -‬يف ما يتعلق بانسجام السلطة‪،‬‬
‫وحكومتي وشخيص محل هجمات مسعورة وحملة مغرضة من التضليل اإلعالمي والقدح كانت تغذيها مصادر‬
‫موجودة عىل مستوى الرئاسة وأعضاء املجلس األعىل للدولة‪ .‬وقد ذكرت رصاحة عيل هارون عىل أنه واحد ممن‬
‫كانوا يغذون تلك الحملة عن طريق اإلشاعات وعىل صفحات الجرائد الخاصة املسماة باملستقلة‪ .‬بطبيعة الحال‪،‬‬
‫أظهر الرئيس عيل كايف سخطا شديدا وهو يرى الرئاسة متورطة يف الحملة التي استهدفت الحكومة وأعرب عن‬
‫احتجاجه الصادق‪ .‬وقد ﱡ‬
‫لفت االنتباه أنه يف أكثر من مرة انترشت معلومات يف الصحافة عىل أنها صادرة عن‬
‫دوائر يف الرئاسة من دون أن يؤدي ذلك إىل صدور أي تكذيب‪ .‬كما أعرب عيل هارون‪ ،‬من جهته‪ ،‬عن براءته من‬
‫هذه الحملة غري أنني‪ ،‬وأنا جالس بجانبه‪ ،‬كررت مآخذي له ‪.‬‬

‫‪ -‬لكن‪ ،‬بالنسبة إيل‪ ،‬بلغ التالعب عىل الحبلني ذروته عندما ذكرت البالغ الذي أعلنته الرئاسة حول حصيلة‬
‫الحوار الجاري بني املجلس األعىل للدولة وبعض األحزاب السياسية‪ .‬لقد تضمن هذا البالغ مقطعا أوحى بإعادة‬
‫النظر يف السياسة االقتصادية‪ .‬ولم تلبث الصحافة "املستقلة" أن استولت عىل املوضوع متخذة منه دليال عىل‬
‫أن املجلس األعىل للدولة‪ ،‬ومن ورائه أصحاب الحكم الفعليني‪ ،‬كان بصدد اعتماد سياسة اقتصادية مختلفة عن‬
‫تلك املعتمدة إىل ذلك الحني من طرف الحكومة‪ .‬بعد ذلك مبارشة‪ ،‬قيل يل إن البالغ املذكور كان مجرد انعكاس‬
‫لخالصة من األفكار املعرب عنها من طرف الرشكاء يف الحوار وأن هذه األفكار ال تلزم أبدا املجلس األعىل للدولة‪.‬‬
‫إال أنه لم يصدر‪ ،‬هنا كذلك‪ ،‬أي رد فعل وال أي تكذيب من جانب الرئاسة جاء ليفند مزاعم الصحافة الخاصة‬
‫ضد الحكومة ؛ هذه الصحافة التي لم ترتدد يف االستغالل السافر ملواقف نسبتها ’ىل املجلس األعىل للدولة‪ .‬ويف‬
‫ضوء هذا السيل من التناقضات والشبهات‪ ،‬بدت يل الهيئة التي كان يجري بها النقاش حول مصري البالد بؤرة‬
‫للمكائد غري الالئقة بالجزائر وثورتها‪ .‬لم تتمخض أية رؤية واضحة بشأن مستقبل البالد من تلك املناقشات ‪.‬‬

‫‪ -‬أما يف ما يتعلق بالفرتة االنتقالية وبالحوار‪ ،‬كان يكفي الرجوع إىل خالصة برنامج العمل الحكومي وإىل‬
‫ترصيحاتي أمام هذا املجلس األعىل للدولة نفسه‪ ،‬يف سبتمرب‪ ، 1992‬ملعرفة وجهة نظري حول هاذين‬
‫املوضوعني‪ .‬يف جويلية ‪ ،1993‬ظل هذا املوقف نفسه ؛ مما جعل الجنرال تواتي يقول‪ ،‬حسب ما يُروى‪ ،‬إنني‬
‫كنت عاجزا عن التطور وغري قادر عىل التكيف مع السياق السيايس الجديد ‪.‬‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫‪44‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪óàíÙ¨a@ób÷Š@À >Ðþ©@‡éº@ÚÜbà@bšŠ@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN13‬‬

‫‪2007O07O31@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫بعد تدخيل‪ ،‬جاء دور رضا مالك‪ .‬وقد أوحت العبارات األوىل التي نطق بها انطباعا واضحا أنه هو الذي تم‬
‫تكليفه دور اإلجهاز عيل‪ ،‬سواء يف املجال االقتصادي أو املجال السيايس‪ .‬يف الجانب املتعلق باالقتصاد من‬
‫تدخله‪ ،‬تكلم برزانة وحذر ولم ينقطع عن القول "يقال إن‪ ،...‬يقال إن‪ "...‬كما لو كان يريد أن يوحي أنه لم‬
‫يكن إال معربا عن أفكار صاغها غريه ‪.‬هذه األفكار يمكن إيجازها كاآلتي ‪:‬‬

‫‪ -‬يتوخى الربنامج االقتصادي للحكومة‪ ،‬يف حد ذاته‪ ،‬غاية حميدة‪ ،‬أي تفادي الوقوع تحت ضغط صندوق‬
‫النقد الدويل وفرض البطالة عىل أعداد كبرية من عمالنا ‪.‬‬
‫‪ -‬ومع ذلك‪ ،‬مواصلة هذه الغاية تحتوي عىل خطر يصعب تفاديه ‪ :‬يف األوضاع الحالية‪ ،‬ال تشتغل مؤسساتنا‬
‫االقتصادية إال بنسبة ‪ % 30‬من طاقاتها بسبب نقص يف املواد األولية واملواد نصف املصنعة وقطع الغيار التي‬
‫ُ‬
‫خدمة‬ ‫ال تستطيع الجزائر استريادها نظرا إىل محدودية مواردها من العملة الصعبة التي تمتص معظمَ ها‬
‫ديوننا الخارجية‪ .‬فلو واصلنا سياسة التقشف املطبقة حاليا من طرف الحكومة‪ ،‬سنكون‪ ،‬بعد ثالث سنوات‬
‫من اآلن‪ ،‬قد قلصنا يف حجم املديونية ربما بصورة معتربة‪ .‬غري أن مؤسساتنا االقتصادية ستدمﱠ ر نهائيا ؛ مما‬
‫سيضطرها إىل توقيف نشاطاتها وبالتايل إىل تفاقم مشكل البطالة‪ .‬تفيش هذه البطالة التي نريد تجنبها اليوم‬
‫ستفرض نفسها علينا يف يوم ما ؛ لذلك وجبت مواجهتها منذ اآلن بقبول رشوط صندوق النقد الدويل يف ما‬
‫يخص إعادة جدولة ديوننا الخارجية لنتمكن من إنقاذ قسم من أداتنا اإلنتاجية‪ .‬هذه األطروحة املؤيدة إلبرام‬
‫اتفاق مع صندوق النقد الدويل بحسب رشوطه كانت تتناقض وفكرة أصحابها عندما كانوا يعتربون أن‬
‫مساعدات صندوق النقد الدويل كان من شأنها تقليص حجم البطالة كي يمكن تجفيف املنبع الذي كانت‬
‫الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ تنهل منه يف تجنيد الشباب لتعزيز صفوف اإلرهاب‪ .‬كل يشء كان يقع كما لو أن‬
‫خصوم السياسة االقتصادية املتبعة من طرف حكومتي كانوا يتخذون من أية ذريعة حجة مادام همهم كان‬
‫منصبا‪ ،‬ال عىل حماية مصالح سكاننا وحرية بالدنا يف التحرك يف املجال االقتصادي وإنما إتمام عملية تدمري‬
‫النظام االجتماعي االقتصادي الذي أقامته الجزائر منذ استقاللها عىل أساس توجهات ثورتنا‪ .‬هذا التدمري الذي‬
‫كان من شأنه السماح لبعض مجموعات املصالح من استغالل موارد البالد يف صالحها ‪.‬‬

‫عند هذا الحد‪ ،‬أود أن أشري إىل أن الرقم الذي ذكره رضا مالك بخصوص مستوى اإلنتاج‪ ،‬الذي قال عنه إنه لم‬
‫يعد يتجاوز نسبة ‪ % 30‬من طاقات مؤسساتنا االقتصادية‪ ،‬لم يكن إال محض خيال‪ .‬وإنه ملن األسف أن نرى‬
‫عضوا يف أعىل هيئة يف الدولة‪ ،‬وأثناء جلسة عمل رسمية‪ ،‬يستند إىل معلومات لم يكن لها أي أساس من الصحة‬
‫خصوصا وأن املصالح املعنية يف الدولة تؤكد أن هذا املستوى لم ينزل أبدا تحت نسبة ‪ % 50‬؛ مما يبني قلة‬
‫الجد التي ميزت عمل السلطة أو‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬كيف أن القرارات كانت تُتخذ يف دوائر خفية بحيث لم يبق‬
‫للمجلس األعىل للدولة إال تسجيلها‪ .‬قلة الجد هذه لم تظهر يل إال عندما قيل يل‪ ،‬يف بداية الجلسة‪ ،‬إن من بني‬
‫نقاط جدول األعمال كان إجراء حصيلة لنشاط الحكومة بعد سنة من وجودها‪ .‬القيام بحصيلة من هذا النوع‬
‫يفرتض تنشيط جميع مصالح الدولة املعنية من أجل جمع كافة املعطيات الرضورية لهذه الحصيلة وعىل‬

‫‪45‬‬
‫‪ ‬‬
‫أساس أرقام قابلة للتأكد منها ونعرف مصادرها ونستطيع التحقق من صحتها يف الحساب ‪.‬‬
‫ثم إن خالد نزار عندما سمع نسبة ‪ % 30‬عىل لسان رضا مالك‪ ،‬رد برسعة وبكثري من الرزانة عندما قال إنه‬
‫بحكم كونه عضوا يف الحكومة منذ سنوات لم تكن املرة األوىل التي سمع فيها بهذا الرقم ؛ ومعنى ذلك أن األمور‬
‫لم تزدد سوءا‪ ،‬إذاً‪ ،‬يف ظل حكومتي ‪.‬‬

‫‪ -‬أثناء اللقاء الذي جرى بيننا‪ ،‬بعد اجتماع املجلس األعىل للدولة ومأدبة غداء عمل مع الرئيس عيل كايف‬
‫والجنرال خالد نزار‪ ،‬كرر يل الجنرال تواتي نفس األفكار التي عرب يل عنها رضا مالك يف ما يخص القضايا‬
‫االقتصادية‪ ،‬لكن مع الكشف عن هوية ضمري املجهول )"‪ ("on‬الذي استعمله هذا األخري يف تدخله أثناء اجتماع‬
‫املجلس األعىل للدولة‪ .‬يتعلق األمر بإطار سام يف بنك الجزائر كان يعرف الجنرال تواتي جيدا‪ .‬لإلشارة‪،‬‬
‫بمناسبة تبادل لآلراء عرب الصحافة‪ ،‬وبعد تعيينه عىل رأس الحكومة‪ ،‬رصح رضا مالك أن قرار اللجوء إىل‬
‫صندوق النقد الدويل تم اتخاذه يف نهاية ‪ 1993‬إثر ذلك االنخفاض الكبري الذي كانت أسعار البرتول تسجله‬
‫حينئذ‪ .‬يف حني‪ ،‬ويف جولية ‪ 1993‬عند تدخله أمام املجلس األعىل للدولة يف االجتماع املذكور‪ ،‬اتخذ من نفسه‬
‫الناطق الرسمي لدعاة اللجوء إىل هذه املؤسسة املالية الدولية‪ .‬يف الواقع‪ ،‬قرار اللجوء إىل صندوق النقد الدويل تم‬
‫يف أواخر السدايس األول من ‪. 1993‬‬

‫غري أن من كانوا وراء هذا املوقف و"أصحاب القرار" الذين اعتمدوه أو استسلموا له كانوا يبحثون عن عذر‬
‫لتربيره أمام السكان‪ .‬هؤالء الشك أنهم كانوا يتمنون مني تأييد خيارهم وتحمّ ل مسؤولية هذا الخيار عالنية‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وسنرى يف ما بعد طبيعة املساعي املبذولة من أجل حميل عىل ذلك‪ .‬بعد هذا االستطراد اآلخر‪ ،‬لنعد ثانية‬
‫إىل مناقشات اجتماع املجلس األعىل للدولة بتاريخ ‪ 18‬جولية ‪ .1993‬بعد استعراض القضايا السياسية‪ ،‬تغريت‬
‫لهجة رضا مالك وصارت أكثر تحامال‪ ،‬كما أحسست أن كالمه كان موجها إىل شخصيا عند إشارته إىل نقص يف‬
‫االنسجام بني الترصيحات العمومية التي من املفرتض أن تعكس وجهة نظر السلطة ؛ مما أدى‪ ،‬حسب زعمه‬
‫إىل االلتباس يف أذهان الناس يف ما يخص بعض املواقف‪ .‬أي أننا لو صدقناه‪ ،‬كانت هناك بلبلة وحاالت من عدم‬
‫الفهم الخطرية يف مواقف السلطة بسبب نقص انسجام الحكومة‪ ،‬أو باألحرى رئيسها‪ ،‬مع املجلس األعىل‬
‫للدولة‪ .‬إال أن رضا مالك تفادى ذكر مبادرتي – كما فعل يف فرتة سابقة – بالقيام بتحقيق معمق حول‬
‫فضيحة أنبوب الغاز الجزائري اإليطايل باعتباره واحدا من األمثلة التي كانت تستعمل كحجة لدى من كانوا‬
‫يتهمونني بعدم احرتام واجب االنسجام مع املجلس األعىل للدولة‪ .‬لقد كان رضا مالك يتكلم كما لو أنه هو الذي‬
‫أخذ عىل عاتقه تحديد توجهات السلطة عىل الصعيدين السيايس واأليديولوجي‪ ،‬السيما يف مواجهة التيار‬
‫اإلسالمي املمثل يف الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ‪ .‬كما تبني أنه كان‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪ ،‬ومن دون أن يفصح عن‬
‫ذلك‪ ،‬بصدد الرد عىل ذلك األثر الذي خلفته ردودي أفعايل من قبل عىل التهجمات الصادرة عن "الديمقراطيني"‬
‫و"الجمهوريني" املزعومني ممن كانوا يقدمونني عىل أنني "رجل املايض" ال غري‪ .‬كما كان يستهدف املواقف‬
‫التي عربت عنها عالنية حول بعض املوضوعات اعتربت ذات صبغة إسالموية ‪.‬‬

‫إن هؤالء" الديمقراطيني" و"الجمهوريني" ملخطئون عندما يتوهمون أن الكفاح ضد ترصفات الجبهة‬
‫اإلسالمية لإلنقاذ كان يعني رفض كل ذكر لإلسالم يف خياراتنا السياسية وتوجهاتنا األيديولوجية‪ .‬عالقات‬
‫رضا مالك بالجنرال تواتي لعلها جعلته يشعر بنوع من الحظوة يف تجسيد هذه الخيارات والتوجهات‪ .‬لقد كان‬
‫من عادته الرزانة يف التعبري واإلدالء بآرائه ومشاعره‪ ،‬السيما عندما يتعلق األمر بجدل متصل بمشاكلنا‬

‫‪46‬‬
‫‪ ‬‬
‫السياسية الداخلية‪ ،‬وها هو يعرب بكلمات قطعية‪ ،‬متخذا مسافة رصيحة من مواقفي ومبديا نحوي‪ ،‬أحيانا‪،‬‬
‫معارضة تكاد تكون عداوة‪ .‬وباختصار‪ ،‬لقد أظهر من الثقة يف النفس ما لم أعهده فيه من قبل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم‬
‫يكن رضا مالك‪ ،‬يف ذلك االجتماع‪ ،‬ليدعي التحدث باسم أغلبية الحارضين وال أغلبية أعضاء املجلس األعىل‬
‫للدولة‪ .‬لقد أكد يل عيل كايف دائما تضامنه معي يف األفكار السياسية واأليديولوجية التي كنت أعرب عنها‪ ،‬السيما‬
‫عندما كنت أرد عىل "الديمقراطيني" و"الجمهوريني"‪ .‬ال يمكن ألحد أن يدعي أن الفقيد الدكتور تيجيني هدام‬
‫كان من أنصار هؤالء‪ .‬أما الجنرال خالد نزار‪ ،‬فالوعي الذي كان له بموقعه يف السلطة جعله يعتمد الحذر‬
‫والوسطية كي يظل محتفظا بدور الحكم الذي كان يمليه عليه موقعه داخل الهيئة العليا للدولة من حيث هو‬
‫أول مسؤول للجيش الوطني الشعبي‪ .‬لهذه األسباب كلها‪ ،‬لم يكن رضا مالك‪ ،‬يف استهدافه يل بكالمه‪ ،‬قادرا عىل‬
‫كسب تأييد غري عيل هارون لخياراته األيديولوجية ‪.‬‬

‫لقد ولت تلك الفرتة التي كنا نعمل فيها‪ ،‬منسجمني‪ ،‬يف عهد الرئيس بومدين‪ ،‬السيما عندما كنا بصدد صياغة‬
‫امليثاق الوطني الذي اعتمده الشعب يف استفتاء سنة ‪ .1976‬يف تلك الفرتة‪ ،‬غالبا ما كان رضا مالك يعرب عن‬
‫حرصه عىل االنسجام معي بخصوص الكثري من األمور‪ .‬وبعد وفاة بومدين‪ ،‬دُفن امليثاق الوطني مثلما دُفن‬
‫صاحبه !‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫‪47‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ÚÜbà@bšŠ Êà@ðmbÐþ‚@lbjc@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN14‬‬

‫‪2007O08O01@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫منذ أن أخرجني الرئيس الشاديل من الحكومة ثم من املكتب السيايس للجنة املركزية لجبهة التحرير الوطني‪،‬‬
‫بدا يل أنني رصت يف نظر رضا مالك نوعا من "املنبوذ" يف الساحة السياسية‪ .‬لذلك‪ ،‬كان يظهر أمامي بمظهر‬
‫ما يسميه الشيعة بـ "املرجعية" ؛ وهو ما جعلني أتساءل عما كان يسوغ له مثل هذا املظهر‪ .‬الشك أنه وصل‬
‫به املطاف إىل هذا النوع من الشعور بسبب مروره باملجلس األعىل للدولة ويف سياق انتماء إىل هذا الجهاز‪.‬‬

‫الشك أيضا أن سبب هذا الترصف يعود إىل معارشته الدائمة لبعض العسكر من أمثال الجنرال تواتي فأحس‬
‫بنفسه وكأنه صاحب الحظوة واملرجعية العليا يف ما يخص كل ما له عالقة بالديمقراطية‪ ،‬الجمهورية‬
‫والعرصنة بالنسبة إىل بلدنا‪ .‬كما كان يظهر عليه شعور متنام بنوع من التفوق فسمح لنفسه بالترصف وكأنه‬
‫صاحب رسالة يبني للناس ما يصلح لهم وألمثايل‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪ ،‬الطريق املستقيم و"الحكم الراشد"‪.‬‬
‫ذلك هو سبب ظهور الخالفات يف عالقاتنا‪ ،‬خالفات حادة يف بعض األحيان أثناء تلك الفرتة التي كان فيها‬
‫عضوا يف املجلس األعىل للدولة وأنا رئيس حكومة ما بني ‪ 1992‬و‪ .1993‬لكن هذه الخصومات ظهرت من‬
‫جانبه‪ ،‬وغالبا ما كانت حادة‪ ،‬قبل تأسيس املجلس األعىل للدولة وانضمامه إليه‪ ،‬السيما غداة األحداث التي هزت‬
‫بالدنا يف أكتوبر ‪. 1988‬‬

‫هكذا بدت له مواقفي عىل أنها كانت نوعا من الطعن يف التفوق الذي كان يظنه لنفسه‪ .‬وكان يحدث له أن يقول‬
‫يل إن ترصيحاتي ومواقفي كانت متشابهة مع ترصيحات الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ ومواقفها‪ .‬يف ما يخصني‪،‬‬
‫لم أكن أقوم بيشء آخر غري تأكيد أفكار مستمدة من املخزون املذهبي واأليديولوجي لحزب الشعب الجزائري‬
‫الذي كنت مناضال فيه منذ شبابي‪ .‬وبما أنه لم يناضل أبدا يف صفوف حزب ما‪ ،‬يبدو رضا مالك أنه ال يفهم وال‬
‫يقدر معنى اإلخالص لاللتزام ما وما يفرضه ذلك من انضباط وخضوع حر إزاء الحزب‪ .‬كما يجهل‪ ،‬عىل وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬معنى االلتزام يف حياة املناضل إزاء الحزب‪ ،‬أي الربح معه والخسارة معه وال يمكن بأي حال‬
‫التخيل عنه عندما ال يبتسم له الحظ‪ .‬لقد عرفنا يف حزب الشعب فرتات اندحار سيايس‪ ،‬إال أننا لم نفقد األمل فيه‬
‫أبدا أو خذلناه أو تنكرنا النتمائنا إليه‪ .‬هذا معناه أنني‪ ،‬من خالل ترصيحاتي وترصفاتي‪ ،‬لم أكن أسعى‬
‫للتقرب من الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ وإنما أردت فقط أن أبقى وفيا اللتزاماتي املعهودة‪ .‬هذا هو السياق الذي‬
‫ينبغي أن يُفهم فيه ذلك املوقف الذي عربت عنه أمام املجلس األعىل للدولة‪ ،‬يف ‪ 7‬سبتمرب ‪ ،1992‬عندما دعاني‬
‫إىل حضور اجتماعه وإفادته برأيي حول الحوار الذي كان يهم باملبادرة به مع بعض األحزاب السياسية‬
‫والشخصيات املعروفة عىل الساحة الوطنية‪ .‬يف هذا االجتماع‪ ،‬أكدت بكل وضوح أنه كانت يل العزيمة التامة يف‬
‫مكافحة األصولية رشيطة أال تعود فائدة ذلك إىل مصلحة الشيوعيني والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية‪.‬‬
‫يف هذه الحالة‪ ،‬سأكون يف صف الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ بكل رصاحة‪ .‬وقد وجد رضا مالك يف مثل هذا‬
‫الترصيح رضبا من الكفر يف حني‪ ،‬بالنسبة إيل‪ ،‬كان الكفر يف جانبه عندما نسب نفسه إىل نفس التيار مثل‬
‫الشيوعيني والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية‪ .‬أنا ال أؤاخذه أبدا عىل أن تكون له أفكار وأن يعرب عن هذه‬
‫األفكار وما اتصل بها من خيارات سياسية وتوجهات أيديولوجية‪ .‬ما أؤاخذه عليه هو ذلك الدور الذي تقمصه‬

‫‪48‬‬
‫‪ ‬‬
‫– السيما عىل أساس عضويته يف املجلس األعىل للدولة وعالقاته بالجنرال تواتي – واعتباره ألفكاره عىل أساس‬
‫أنها كانت أفكار الجماعة الوطنية بأرسها ‪.‬‬

‫يف ما يخصني‪ ،‬وكما هو الحال عند األغلبية الساحقة من الجزائريني‪ ،‬أشعر بتقزز حقيقي إزاء آثار االندماجية‬
‫الجديدة التي نستشفها من بعض الترصيحات والترصفات الصادرة عن "ديمقراطيينا "املزعومني ممن ال‬
‫يرتددون يف تقديم أنفسهم عىل أنهم "نخبة" البلد‪ .‬رصاحة‪ ،‬عوض آثار هذه االندماجية الجديدة‪ ،‬أفضل آثار‬
‫الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ‪ ،‬وأفضلها أكثر عندما أرى االندماجيني الجدد يميلون إىل اتخاذ مكافحة أصوليي‬
‫الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ وأفعالهم اإلجرامية مناسبة لتصفية الوطنية الشعبية الجزائرية ودفنها نهائيا‪ ،‬مع كل‬
‫ما تحمله هذه الوطنية من قيم‪ .‬ورفعا لكل لبس ومنعا لكل اتهام ممكن يل بالحكم عىل النوايا بسبب‬
‫استعرايض ملا تم تداوله يف اجتماع املجلس األعىل للدولة‪ ،‬أود أن أذكر بواقعة جرت يف أواخر سنة ‪ .1993‬من‬
‫املعلوم أنه بعد تعيينه رئيسا للحكومة إثر إقالتي‪ ،‬لم يقم رضا مالك بتقديم برنامج عمل كما جرت عليه العادة‬
‫منذ فيفري ‪ 1989‬كلما عني رئيس حكومة جديد‪ .‬وعندما سألته الصحافة عن سبب ذلك‪ ،‬أجاب أن املجلس‬
‫األعىل للدولة‪ ،‬الذي كان عضوا فيه‪ ،‬سبق له أن وافق عىل برنامج الحكومة املنقضية فلم ير داعيا إىل تغيري‬
‫الربنامج املعتمد وتقديم برنامج جديد‪ .‬و ّملا سئل وملاذا‪،‬إذاً‪ ،‬وقع تغيري الحكومة السابقة‪ ،‬أجاب أن ما كان يهم‬
‫يف حكومته هو التوفر عىل طاقم مرتاص ومتضامن وأن االنسجام بني حكومته واملجلس األعىل للدولة سيتم‬
‫تأكيده بما ال يدع املجال "ألي تأويل أو رشخ يكون من شأنه إضعاف نشاطنا"‪ .‬وقد كانت تلك طريقة أعاد‬
‫بها‪ ،‬نوعا ما‪ ،‬ما قاله يف االجتماع املذكور للمجلس األعىل للدولة‪ ،‬أي أن األمور مع الحكومة السابقة كانت تسمح‬
‫بتأويالت من شأنها إضعاف نشاط السلطة‪ .‬أشهرا من بعد‪ ،‬وقبل أن يجف حرب التوقيع عىل االتفاق املربم مع‬
‫صندوق النقد الدويل الذي دافع رضا مالك عىل رضورته أمام املجلس األعىل للدولة‪ ،‬جاء الدور لتنحيته ! ومرة‬
‫أخرى‪ ،‬وكما رصح هو بذلك عندما سئل عن عدم تقديم حكومته لربنامج عمل‪ ،‬كان من "الالزم تغيري ما لزم‬
‫تغيريه" بحسب نفس العبارة التي استعملها من قبل يف ما يخصني‪ .‬وعليه‪ ،‬لعل ذلك التماسك الذي أكده لم‬
‫يكن من التماسك الذي توقعه‪ .‬هو اآلخر‪ ،‬ربما تلقى لوما عىل تركه البلبلة وعدم االنسجام يدبان بني حكومته‬
‫والسلطة التي خلفت املجلس األعىل للدولة‪ .‬وإذا كان إبرام االتفاق مع صندوق النقد الدويل حول إعادة جدولة‬
‫مديونيتنا الخارجية مقياس نجاح السياسة االقتصادية للحكومة‪ ،‬فإن الجنرال تواتي لم يقل لنا يف ماذا‬
‫أخفقت حكومة رضا مالك شهورا فقط بعد تعيينها‪ ،‬وماذا كانت األسباب التي دعت إىل" إقالتها ‪".‬‬

‫‪ -‬لنعد اآلن إىل االجتماع املذكور للمجلس األعىل للدولة‪ .‬أثناء هذا االجتماع‪ ،‬طلبت من رضا مالك إفادتي بأسماء‬
‫املسؤولني عن البلبلة وعدم االنسجام اللذين سمح لنفسه بتسجيلهما‪ ،‬إال أنه اكتفى بالقول "نحن جميعا !"‪.‬‬
‫فلو غامر بذكر أسماء ملسؤولني معينني‪ ،‬كان عليه أن يبني أيضا تلك الحاالت التي اتسمت بالبلبلة وعدم‬
‫االنسجام ؛ وهو ما كان سيجربه عىل إظهار ميوله السياسية أو األيديولوجية بوضوح وعىل الكشف عما كان‬
‫يقوم به كلما انتهت إىل مسمعه مثل هذه الحاالت‪ .‬عندما الحظ الرئيس عيل كايف أن النقاش الذي كان يرشف‬
‫عليه يمكن أن يتحول إىل شجار بالكالم‪ ،‬سارع إىل إيقافه ورفع الجلسة‪ .‬تلك هي الظروف التي تم فيها‬
‫االستماع إيل أثناء اجتماع املجلس األعىل للدولة بتاريخ ‪ 18‬جويلية ‪ .1993‬ولم يتم التعرض يف أية لحظة من‬
‫هذا االجتماع لتلك املسألة التي اخرتعها الجنرال تواتي عندما نسب إيل فكرة مواجهة مديونيتنا الخارجية‬
‫ونفقاتنا غري القابلة للتقليص وبحوزتنا مبلغ قدره ‪ 600‬مليون دوالر‪ .‬عندما خرجت من قاعة االجتماع‪ ،‬انفرد‬
‫بي الرئيس عىل كايف ليقول يل إنه يدعوني‪ ،‬يوم الثالثاء املوايل )‪ 20‬جويلية(‪ ،‬إىل مأدبة غداء مع الجنرال خالد‬

‫‪49‬‬
‫‪ ‬‬
‫نزار بمقر إقامته عىل شاطئ البحر من أجل‪ ،‬كما قال يل‪ ،‬استئناف النقاش عىل أسس أكثر جدية ويف جو أكثر‬
‫هدوءا‪ .‬فاتفقنا‪ ،‬إذاً‪ ،‬عىل املوعد املرضوب ثم انرصفنا ‪.‬‬

‫ز ‪.‬لقائي بالرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار حول مائدة غداء بمقر إقامة رئيس الدولة يف يوم ‪ 20‬جويلية‬
‫‪ .1993‬هذا اللقاء هو الذي استطعت أن أدرك أثناءه أن قرار اللجوء إىل صندوق النقد الدويل قد اتخذ بالرشوط‬
‫املمالة من طرف هذه املؤسسة املالية الدولية ؛ مما يعني أن عمر حكومتي كانت أيامه معدودة بالنظر إىل‬
‫الرصامة التي اعتمدتها يف هذا الشأن رافضا اللجوء إىل صندوق النقد الدويل وقبول رشوطه مهما كان الثمن‪.‬‬
‫لقد مرت مأدبة الغداء يف جو من االنرشاح واألخوة‪ .‬كما أن املناقشات التي تمت سواء حول املائدة أو عىل انفراد‬
‫بعد ذلك‪ ،‬كانت كثيفة وتمت يف ظل الجدية واملودة ‪.‬لقد كان هذا اللقاء آخر مناسبة جادة حظيت بها‪ ،‬طيلة‬
‫الفرتة التي قضيتها عىل رأس الحكومة‪ ،‬ملناقشة شؤون الدولة مع أعىل مسؤولني يف البالد‪ .‬بعد انرصايف‪ ،‬وحتى‬
‫وإن كنا قد اتفقنا عىل اللقاء ثانية بعد عطلة قصرية‪ ،‬شعرت بالسعادة أنني حرضت هذا اللقاء بعد ذلك‬
‫االجتماع الذي ضم أعضاء املجلس األعىل للدولة يومني من قبل ‪.‬‬

‫بعدما قدمت عرضا‪ ،‬يف وثيقة مكتوبة‪ ،‬عن توجهات السياسة االقتصادية لحكومتي ورسمت أهداف هذه‬
‫السياسة علنيا والخيارات املحددة لهذه األهداف‪ ،‬وكذا املعطيات التي تستند إليها حكومتي‪ ،‬وأخريا دعوتي‬
‫جميع الجزائريني إىل إدراك أن وراء النقاش والجدل بشأن قيادة شؤوننا االقتصادية كان رهان جوهري‬
‫مطروح‪ ،‬رهان يتعلق بنوع املجتمع الذي نختاره‪ ،‬أي الطريقة التي تترصف بها الحكومة والسلطة التي منها‬
‫انبثقت ويتوقف عليها املصري الشخيص لكل جزائري‪ .‬وهنا‪ ،‬أشعر بالغبطة أنه سبق يل أن رصحت أثناء تدخيل‬
‫أمام إطارات والية الجزائر‪ ،‬يف ‪ 24‬جوان ‪ ،1993‬أنني كنت سعيدا باختياري السياسة التي كنت بصدد‬
‫تطبيقها‪ ،‬وكنت أومن بنجاحها يف النهاية وأنني يف مواجهة املنتقدين‪ ،‬كنت أظن أنه من قبيل الرشف أن تتم‬
‫تنحيتي بسبب هذه السياسة ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪órïj©a@ðÈb¾aì .. ÞÅÜa@pbЋ—m@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN5‬‬

‫‪2007O08O03@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫وبعدما جلسنا حول طاولة غداء شهي أعده لنا طهاة الرئيس عيل كايف‪ ،‬افتتح الجنرال خالد نزار النقاش حول‬
‫تلك املسائل التي لم يتم تناولها إال قليال أو بقيت عالقة يف اجتماع املجلس األعىل للدولة املنعقد يومني من قبل‪.‬‬
‫وقد خاطبني قائال يل إن املرحلة التي كنا بصدد اجتيازها من حياة البالد كانت تتطلب حكومة قوية ومنسجمة‬
‫وتغيريات البد منها يف طاقم الحكومة الذي شكلتُه عند تعييني أو يف التعديالت الالحقة‪.‬‬

‫لقد قال "مثال‪ ،‬نقرتح عليك تعيني وزير اقتصاد ونشري عليك بشخص يدافع بقوة عن سياستك‪ ،‬أال وهو‬
‫املستشار االقتصادي للرئاسة‪ ،‬بوزيدي"‪ ،‬فما كان يل إال أن أجبته من دون أي لف أو دوران أال أحد قادر عىل‬
‫الدفاع عن سياستي أحسن مني وأن جمعي بني رئاسة والحكومة وهذا املنصب يجعلني أعتقد أن تكليف‬
‫شخص آخر غريي يف هذه الوظيفة معناه وجوب تغيري السياسة االقتصادية املعتمدة وأنه‪ ،‬يف هذه الحالة‪ ،‬من‬
‫ينبغي تغيريه هو رئيس الحكومة‪ .‬ما نسبه الجنرال تواتي إىل الجنرال خالد نزار زاعما أنني قبلت اقرتاح تعيني‬
‫وزير اقتصاد ثم تراجعت عن موقفي يف اليوم املوايل هو مجرد اخرتاع تعوﱠ د عليه صاحبه – مثلما هو الحال يف‬
‫ما ورد يف النص الذي سلمه ليومية – ‪ El Watan‬يف دعم مكائده التي يريد أن يجر من أرادوا أن يصغوا إليه‬
‫من بينهم‪ ،‬مع األسف‪ ،‬رجال غالبا ما يشغلون مناصب مهمة يف القيادة العسكرية وأجهزة الدولة‪ .‬لم يحدث‬
‫أبدا أن قبلت تعيني وزير اقتصاد ثم تراجعت يف الغد ‪.‬‬

‫يف جويلية ‪ ،1992‬بعد تعييني عىل رئيس الحكومة‪ ،‬فكرت يف تعيني مراد بن آشنهو وزيرا لالقتصاد‪ .‬لم أكن‬
‫أعرفه من قبل شخصيا‪ ،‬لكن كنت‪ ،‬شهورا قبل تعييني‪ ،‬قد قرأت له مقاالت يف الصحف عرب فيها عن أفكار‬
‫كانت قريبة جدا من تلك األفكار التي كنت أعرب عنها من خالل مقابالتي الصحفية أو ندواتي العمومية‪.‬‬
‫وعندما علمت أنه كان بواشنطن‪ ،‬قررت اعتماد الحل املتخذ من طرف الحكومة السابقة‪ ،‬أي االحتفاظ بمنصب‬
‫وزير االقتصاد إضافة إىل رئاسة الحكومة مع تعيني ثالثة وزراء منتدبني لالقتصاد‪ .‬لقد بدا يل هذا الحل األكثر‬
‫مناسبة يف سياق تلك الفرتة التي كنت فيها بصدد إدراج إصالحات وتدابري مصريية يف برنامج حكومتي‪ .‬فحوى‬
‫ما جرى‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬من حديث حول طاولة الغداء يثبت رفيض الفوري للتخيل عن وزارة االقتصاد ‪.‬وبالفعل‪،‬‬
‫أخذ الجنرال خالد نزار يلومني عىل إجهاد نفيس بمهام لم تكن من مستواي قائال يل ‪" :‬تشغل نفسك بتفاصيل‬
‫ال لزوم لها وكان األحرى بك أن ترتكها لغريك وتسمو عليها‪ .‬ينبغي عليك أن تلتحق بنا ألننا نفكر فيك يف سياق‬
‫مسؤولية أعىل"‪ .‬هذه" التفاصيل" الشك أنها كانت ذات صلة بتلك اللجنة الخاصة )‪ (ad hoc‬املعنية بمراقبة‬
‫رخص االسترياد‪ .‬وعندما وجه الجنرال خالد نزار هذه املالحظة إيل‪ ،‬أنا متأكد أن نيته كانت "حمايتي"‬
‫سياسيا‪ .‬ونظرا إىل املهمة التي كان يفكر فيها يف ما يخصني‪ ،‬لعله كان يظن أنه من األحسن يل أن أبقى بعيدا‪،‬‬
‫نوعا ما‪ ،‬عن املعرتك وال أثقل نفيس بوظائف يمكن أن تثري‪ ،‬والزالت تثري دائما‪ ،‬نزاعات قد تتحول إىل خالفات‬
‫ترض مواصلة "مسريتي املهنية" عىل الصعيد السيايس‪ .‬ولعل مالحظا خارجيا كان بإمكانه أن يسجل‪ ،‬هنا‪ ،‬أن‬
‫العسكري خالد نزار كان له حس سيايس أكرب من مناضل مثيل انبثق من ذلك التيار الوطني الذي جسده أقدم‬
‫حزب يف الجزائر‪ .‬هذا‪ ،‬وأغتنم الفرصة هنا لتأكيد ما قاله يل الجنرال خالد نزار ذات يوم عندما زارني بإقامتي‬

‫‪51‬‬
‫‪ ‬‬
‫ليخربني بالتغيريات الحاصلة عىل مستوى وزارة الدفاع الوطني ‪:‬‬

‫"تعيني الجنرال ملني زروال عىل رأس وزارة الدفاع الوطني يعني أن صاحب املنصب يتحول إىل مدني‪ ،‬مثله‬
‫مثل باقي الوزراء يف الطاقم الحكومي‪ ،‬عىل اعتبار أن ملني زروال ضابط متقاعد لم يعد يف الخدمة ضمن‬
‫صفوف الجيش الوطني الشعبي ‪.‬غري أن القائد الحقيقي لهذا الجيش سيكون‪ ،‬من اآلن فصاعدا‪ ،‬الجنرال‬
‫العماري بعدما أصبح قائد األركان العامة للجيش الوطني الشعبي‪ .‬سأحتفظ بعيل كايف للفرتة االنتقالية وأنت‬
‫ستكون املرشح لرئاسة الجمهورية عندما يحني وقت تنظيم انتخابات رئاسية"‪ .‬وتتمة للحديث حول هذا‬
‫املوضوع‪ ،‬ينبغي أن أذكر أنه منذ تعييني عىل رأس الحكومة وإىل غاية أخر اجتماع يل باملجلس األعىل للدولة‪،‬‬
‫ظل الرئيس عيل كايف يكرر يل نفس الكالم ‪" :‬ال تنس أنك أنت الذي وقع االختيار عليك يف ما يخص االنتخابات‬
‫الرئاسية املقبلة ألننا( أي أعضاء املجلس األعىل للدولة(‪ ،‬كما تعلم‪ ،‬قررنا عدم الرتشح يف هذه االنتخابات ‪".‬‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬لعل الرئيس عيل كايف كان يعرب عن تفضيله الشخيص يل بسبب طبيعة العالقات التي كانت‬
‫تجمعنا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ما قاله يل لم يكن سوى صدى ملا كان يسمعه من حوله‪ ،‬أي ممن كنا نسميهم بـ "أصحاب‬
‫القرار"‪ .‬والشك أن هذا الخيار لم يكن لرييض الجنرال تواتي الذي كانت جعبته تحمل أسماء آلخرين ‪.‬‬

‫لم أفد بأي رد عىل هذه اإلشارات املتعلقة بمستقبيل‪ ،‬ال بالقبول وال بالرفض‪ ،‬مكتفيا بتسجيل ما كان يقال يل يف‬
‫كل مرة‪ ،‬السيما وأن هذه اإلشارات لم تكن متبوعة بأي نقاش وأن ما كان يشغل بايل ليس اإلجابة بال أو نعم‬
‫وإنما ما كان منتظرا مني مقابل العروض املطروحة عيل‪ .‬منذ شبابي املبكر‪ ،‬عاهدت نفيس عىل أن أبقى دائما‬
‫وفيا اللتزامي األول يف خدمة وطني‪ ،‬متمسكا بخطي الثابت‪ ،‬مهما كانت تقلبات الحياة السياسية‪ ،‬وبالقيم‬
‫األساسية التي قامت عليها الحركة الوطنية الجزائرية التي ناضلت يف صفوفها طيلة حياتي كلها ‪ :‬يف صفوف‬
‫حزب الشعب الجزائري‪-‬حركة انتصار الحريات الديمقراطية ثم يف صفوف جبهة التحرير الوطني من بعد‪ .‬لم‬
‫أسع أبدا‪ ،‬وبأي شكل من األشكال‪ ،‬للحصول عىل أي منصب من املناصب ‪.‬لقد كنت مناضال‪ ،‬وعىل هذا األساس‬
‫قبلت املسؤوليات التي عهد إيل بها وبذلت قصارى جهدي للقيام بها بتفان وعملت من أجل النجاح فيها قدر‬
‫اإلمكان‪ .‬وعليه‪ ،‬عندما كنت‪ ،‬طيلة السنة التي قضيتها عىل رأس الحكومة‪ ،‬أسمع أصواتا من أكرب املصادر‬
‫املأذونة تتحدث يل عن احتمال اختياري عىل رأس الدولة‪ ،‬أرصرت عىل أال أترك غريي يفهم أن العرض يمكن أن‬
‫يجعلني أتخىل عن قناعاتي ‪.‬‬

‫وسواء كنت رئيسا للجمهورية‪ ،‬رئيسا للحكومة‪ ،‬وزيرا‪ ،‬أو يف أي منصب آخر‪ ،‬ال يمكن أبدا أن أترصف إال‬
‫بحسب ما تمليه عيل مثيل‪ .‬هناك أصدقاء مقربون جدا من فلك الجنرال تواتي غالبا ما كانوا يأتونني ليشريوا‬
‫عيل برضورة إدراك أن الرهان السيايس كان االنتخابات الرئاسية املرتقبة آنذاك بعد نهاية عهدة املجلس األعىل‬
‫للدولة وأنه كان عيل ضبط مواقفي وترصفاتي بحسب ذلك املوعد‪ .‬أي أنهم كانوا يدعونني إىل املساومة‬
‫بقناعاتي عند الرضورة مقابل الحصول عىل تأييد من أجل الظفر بمنصب رئاسة الجمهورية ؛ وهو ما رفضت‬
‫الدخول يف لعبته‪ .‬ثم إنه ليس هناك ما يؤكد أنني لو استسلمت للعرض وقبلت‪ ،‬من أجل الوصول إىل رئاسة‬
‫الجمهورية‪ ،‬بانتهاج السبيل املؤدية إىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية وما كان يرتتب عليها من عواقب‬
‫وخيمة عىل حياة الشعب الجزائري واستقاللنا الوطني‪ ،‬لن يُلقى بي لقمة سائغة أمام سخط املواطنني عوض‬
‫وقع‪ ،‬فعال‪،‬‬ ‫مساندتي للوصول إىل كريس الرئاسة‪ .‬رضا مالك – الذي أيد اللجوء إىل صندوق النقد الدويل والذي ّ‬
‫عىل االتفاق املربم مع هذه املؤسسة باسم الحكومة – ذاته لم يعرف مصريا مختلفا عن مصريي كرئيس حكومة‬

‫‪52‬‬
‫‪ ‬‬
‫عندما" أنهيت مهامه"‪ ،‬كما قال الجنرال تواتي‪ ،‬أياما فقط بعد التوقيع عىل االتفاق املذكور ‪.‬هذا‪ ،‬ويبدو أن‬
‫الجنرال خالد نزار فهمني جيدا مادام‪ ،‬كما ذكرت من قبل‪ ،‬قد كتب أنني كنت "رجل مبادئ"‪ ،‬يدافع دائما عن‬
‫أفكارها بكثري من القناعة ‪".‬‬

‫هذا استطراد آخر لجأت إليه لذكر ما ذكرت منذ حني من أجل التأكيد أن اللقاء الذي جمعني بالرئيس عيل كايف‬
‫والجنرال خالط نزار كان أبعد مما يتناسب مع ما يدعيه الجنرال تواتي بافرتاءاته وتشويهه لحقيقة ما جرى‬
‫بيننا من حديث يف هذا اللقاء الذي كان‪ ،‬بالنسبة إيل‪ ،‬لقاء تاريخيا‪ .‬مواصلة لحديثنا يف اللقاء املذكور‪ ،‬ذ ّكرت‬
‫مرة ثانية بأهداف سياستي يف املجال االقتصادي والوسائل التي كنت أظن أنها كفيلة بتحقيق هذه األهداف ‪.‬يف‬
‫لحظة ما من الحديث‪ ،‬أخذ الجنرال خالد نزار الكلمة بنربة توحي بنوع من االستغراب ليخاطبني قائال ‪" :‬لكن‪،‬‬
‫يف هذه الحالة‪ ،‬ملاذا تواصلون املفاوضات مع صندوق النقد الدويل ؟"‪ .‬وقد بدا يل أنه كان يعتقد أن املفاوضات‬
‫مع هذه املؤسسة ال يمكن أن تخص شأنا آخر غري إعادة جدولة املديونية‪ ،‬إعادة جدولة كانت "ستوفر للجزائر‪،‬‬
‫ومنذ البداية‪ ،‬كنزا قيمته ‪ 14‬مليار من الدوالرات" كما كان يقال منذ زيارة السيد كامديسوس إىل الجزائر يف‬
‫أواخر شهر ديسمرب ‪. 1992‬‬

‫حينئذ أجبته أن الجزائر كانت عضوا يف صندوق النقد الدويل بوصفه جهازا دوليا تابعا لنظام األمم املتحدة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬كان علينا أن نجري لقاءات دورية مع ممثليه نتناول خاللها املسائل املتعلقة بأوضاعنا االقتصادية‬
‫وإطالع مصالحه بتطور هذه األوضاع من كافة جوانبها‪ .‬وأضفت أنه كلما ظهر مشكل ما يف أوضاعنا أو يف‬
‫عالقاتنا بهذه املؤسسة – كما حدث منذ أن صارت مصالحها تظن أن مستوى مديونيتنا الخارجية قد بلغ حدا‬
‫يحول دون الحصول عىل قروض جديدة عىل مستوى األسواق املالية الدولية – كانت لقاءاتنا مع ممثيل صندوق‬
‫النقد الدويل تتضمن مفاوضات الهدف منها الوصول إىل حلول كفيلة بتجاوز الصعوبات‪ .‬غري أن هذا التساؤل‬
‫البسيط الذي أدىل به الجنرال خالد نزار كان كافيا لجعيل أفهم أنني كنت يف نظر أصحاب القرار يف البالد‬
‫الشخص الذي كان‪ ،‬بسبب ترصفاتها املحكوم عليها بالذاتية واأليديولوجية‪ ،‬يغلق الطريق أما تدفق أموال‬
‫جديدة يف خزينة الدولة الجزائرية يف حني لم يكن صندوق النقد الدويل ينتظر سوى توقيع بسيط من طرف‬
‫الحكومة لينطلق ذلك التدفق ‪.‬مثل هذا الظن كان سببه مساع خبيثة تجري يف الخفاء وال يستطيع أصحابها أن‬
‫يجهروا بها ويجادلون فيها أمام املأل مدعني االنفراد بحيازتها بفضل صالحياتهم أو "مهنتهم "كتقنيني أو‬
‫خرباء مضافا إليهم‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬أبهة صفة "الدوليني"‪ .‬وملواجهة ترصفات الظل هذه حيث يسود الكذب‬
‫والتضليل‪ ،‬ال تجدي نفعا أكثر الوثائق دقة وإحكاما وأكثر الترصيحات العمومية حجة ألن عددا كبريا من‬
‫املسؤولني ال يقرؤون ما يُكتب‪ ،‬هذا إذا لم يتجنبوا قراءته أصال‪ ،‬باإلضافة إىل أنهم ال يهتمون بما يُعلن ظانني‬
‫أنه مجرد حمالت هدفها الدعاية ‪.‬‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫‪53‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪Њì@ðmaím@ôÝÈ@óïÝ‚a‡Üa ‹îŒì@k—åà@oš‹È@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN16‬‬

‫‪2007O08O04@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫لنعد اآلن إىل سري مأدبة الغداء وما جرى بيننا نحن الثالثة‪ ،‬الرئيس عيل كايف‪ ،‬الجنرال خالد نزار واملتحدث‪.‬‬
‫الشك أن الجنرال خالد نزار لم ييأس من إقناعي بتغيري موقفي يف اتجاه قبول تدخل صندوق النقد الدويل‬
‫والرشوط التي عادة ما ترافق هذا التدخل‪ .‬فجأة‪ ،‬خاطبني بهذه الكلمات ‪" :‬ملاذا ال يتم تنظيم ملتقى لخرباء‬
‫حول مسألة ديوننا الخارجية والحلول املمكنة لها ؟‪".‬‬

‫أجبته ‪" :‬أنا متفق‪ ،‬لكن رشط أن تكون كل املناقشات مبارشة عرب شاشة التليفزيون !"‪" .‬ل َم ال ؟"‪ ،‬أجابني‪.‬‬
‫سأعود إىل هذا الجانب املتصل بامللتقى الذي كان بمثابة حيلة استعملها أنصار إعادة الجدولة كي يتسنى لهم‬
‫إلقاء مسؤولية خيارهم عىل غريهم فيجعلوا منهم‪ ،‬عند الحاجة‪ ،‬كبش فداء يمدونهم باملاء لغسل أيديهم بعد‬
‫ذلك‪ .‬وكما سبق ذكره‪ ،‬محادثاتنا نحن الثالثة يف مأدبة الغداء تلك لم تقترص عىل املسألة االقتصادية‪ .‬من‬
‫جانبي‪ ،‬قلت إنني كنت أرغب يف إجراء تعديل يف حكومتي مؤكدا رفيض القاطع الخضوع إلرادة الشارع يف‬
‫اتخاذ قراراتي والتخيل عن هؤالء الوزراء ممن كانوا يتعرضون لحملة مسعورة من طرف الصحافة املستقلة‬
‫ط من عالم األعمال أو من داخل بعض‬ ‫طها أوسا ٌ‬
‫املزعومة التي لم تكن يف الواقع إال صحافة مأمورة تحرك خيو َ‬
‫الدوائر يف السلطة‪ .‬أما يف ما يخص وزير الداخلية – وكما وقع االتفاق عليه عند تنصيبي عىل رأس الحكومة‬
‫عىل أن يكون تعيينه باتفاق بيني وبني وزير الدفاع الوطني – وبعد وقوع مشكالت عديدة بني الوزير القائم‪،‬‬
‫الفقيد محمد حردي ووزيره املنتدب امحمد طولبة‪ ،‬من جهة‪ ،‬وقائد العمليات للواليات الوسطى املحيطة‬
‫بالعاصمة‪ ،‬من جهة ثانية‪ ،‬أعربت عن رغبتي يف أن يكون وزير الداخلية‪ ،‬هذه املرة‪ ،‬شخصية من الجيش‪ .‬من‬
‫جانبي‪ ،‬أعربت عن تفضييل السيد نور الدين زرهوني ألنني كنت أحرتمه وألنه كان كذلك صاحب دراية بشؤون‬
‫األمن بفضل تجربته الطويلة يف هذا امليدان الحيوي الذي صار ذا أهمية قصوى يف بالدنا‪ .‬ومن ناحية أخرى‪،‬‬
‫ظننت أنني بفضل تعيينه‪ ،‬ونظرا إىل الجهة التي ينحدر منها‪ ،‬كان بإمكاني إضفاء بعض التوازن الجهوي عىل‬
‫طاقم حكومتي‪ .‬لقد حظي اقرتاحي بتأييد تام من جانب الرئيس عيل كايف الذي كان يشاطرني خياري‬
‫والحجج التي أسندت بها هذا الخيار‪ .‬أما السيد خالد نزار‪ ،‬فقد اقرتح عيل اسم الجنرال بتشني الذي لم أكن‬
‫أعرفه حينئذ‪ .‬لقد كان هذا الرجل مجاهدا وعضوا سابقا يف صفوف جيش التحرير الوطني يف الداخل ثم واصل‬
‫مسريته يف صفوف الجيش الوطني الشعبي ‪.‬‬

‫كما وقع االختيار عىل اسم الجنرال تواتي من بني املرشحني للمنصب عىل أساس ما حصل له‪ ،‬يف تلك الفرتة –‬
‫سواء داخل الجيش الوطني الشعبي أو كممثل له يف اللجان الوزارية املشرتكة – من دراية بشؤون األمن‬
‫والنزاعات التي ظهرت بني مختلف مصالح الدولة الناشطة يف هذا املجال‪ .‬وقد تم االتفاق عىل أن أقوم‬
‫باالتصال به حول املوضوع‪ .‬لكن قبل أن نفرتق‪ ،‬بعد مأدبة الغداء تلك‪ ،‬لفت خالد نزار انتباهي إىل عدم‬
‫التعويل عىل الجنرال تواتي بنسبة ‪ % 80‬ألن هذا األخري‪ ،‬كما قال‪ ،‬بدأ يزعجه فعال ببعض من مواقفه‬
‫بخصوص الدستور الذي كانت أصوات مقربة من الجنرال تواتي تنادي برضورة تعديله آنذاك‪ .‬وبهذه‬
‫املناسبة‪ ،‬أخربني الجنرال خالد نزار بتلك الزيارة التي قام بها الجنرال تواتي إىل باريس يف عطلة دامت ثمان‬

‫‪54‬‬
‫‪ ‬‬
‫وأربعني ساعة‪ .‬اتصلت بهذا األخري بعد عودته من "عطلته"‪ ،‬إذاً‪ ،‬ملعرفة موقفه يف ما يخص تعيينه وزيرا‬
‫للداخلية‪ .‬رفض العرض شاكرا إياي عىل" الثقة" التي منحته إياها‪ ،‬مضيفا أنه كان‪ ،‬أكثر من ذلك‪ ،‬يفكر يف‬
‫مغادرة صفوف الجيش الوطني الشعبي يف حالة عدم حصول اتفاق بني املسؤولني حول التعديالت التي كان‬
‫يراها رضورية بالنسبة إىل الدستور‪ .‬ما قاله يل أكد تلك املعلومة التي أفادني بها الجنرال خالد نزار حول‬
‫مسألة التعديل الدستوري‪ ،‬وكان موضوعا ظل الجنرال تواتي يقلقه به إىل حد التربم به‪ .‬غري أن الجنرال تواتي‪،‬‬
‫عكس الجنرال خالد نزار‪ ،‬لم يفصح يل عن طبيعة الخالفات بني الجنرالني بشأن دستور البالد‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أظن‬
‫أن ما كان الجنرال يقوم به‪ ،‬حينئذ‪ ،‬هو امتداد منطقي لتلك األطروحة التي كان يدافع عنها "الديمقراطيون "‬
‫املزعومون وأكرب عرابيهم‪ ،‬الجنرال تواتي ذاته ‪.‬‬

‫حسب هذه األطروحة‪ ،‬النتائج االنتخابية املسجلة يف ماي ‪ 1990‬وديسمرب ‪ 1991‬يف صالح الجبهة اإلسالمية‬
‫لإلنقاذ والتيار اإلسالمي السائد آنذاك يف الساحة السياسية الوطنية جاءت بفعل تصور خاطئ للتعديل‬
‫الدستوري الذي تم يف فيفري ‪ 1989‬يف عهد الرئيس الشاديل وجاء كإجراء الغرض منه الوقاية من عواقب‬
‫أحداث أكتوبر ‪ .1988‬دعاة هذه األطروحة واملدافعون عنها كانوا يرفضون االعرتاف أن هذه األحداث وقعت‬
‫نتيجة سخط عميق يف أوساط سكاننا بسبب تلك األرضار التي خلفتها السياسة االجتماعية واالقتصادية غري‬
‫الشعبية املعتمدة يف الثمانينيات‪ .‬هذه األطروحة‪ ،‬يف جوهرها‪ ،‬لم تكن جديدة وقد سادت بمناسبة التعديل‬
‫الدستوري أثناء حكم الرئيس ملني زروال يف ما بعد‪ .‬حسب هذه األطروحة‪ ،‬االنتقال من نظام الحزب الواحد إىل‬
‫التعددية الحزبية‪ ،‬وبالتايل الديمقراطية‪ ،‬ينبغي أن يكون مصحوبا بضمانات دستورية تحول دون وقوع أي‬
‫انحراف قد تتسبب فيه الحمى الشعبية ‪.‬بالنسبة إىل "ديمقراطيينا" املزعومني‪ ،‬كان ينبغي االنطالق يف االنفتاح‬
‫الديمقراطي‪ ،‬إذاً‪ ،‬عرب أشد الوسائل تعارضا مع الديمقراطية‪ ،‬أي عدم الثقة يف الشعب الذي طاملا تبجحوا‬
‫بكونه صاحب السيادة يف كل نظام ديمقراطي جدير بهذا االسم‪ .‬الضمانات املقرتحة من طرف هؤالء‬
‫"الديمقراطيني" واملدرجة يف دستور ‪ 1996‬باقرتاح من الرئيس ملني زروال جاءت كاآلتي ‪:‬‬

‫‪ -‬عدم املوافقة عىل تأسيس أي حزب سيايس قبل الحصول عىل اعتماد من وزير الداخلية ؛‬
‫‪-‬رفض هذا االعتماد لكل حزب يحيل‪ ،‬يف قواننيه الداخلية ومذهبه‪ ،‬عىل اإلسالم أو عىل أي انتماء جهوي وال‬
‫يلتزم – وهذا ما هو سخيف – رصاحة نبذ العنف من أجل الوصول إىل السلطة ؛‬
‫‪ -‬تضمني املؤسسات الدستورية للدولة آلليات الغرض منها تعطيل أي قرار صادر عن أغلبية برملانية ال‬
‫تعتربه السلطة )أي املسؤولون العسكريون( القائمة مناسبا ‪.‬‬

‫إن من كانوا ينتقدون الحزب الواحد ويلومونه عىل اعتبار نفسه قائد الشعب ينصبون اليوم أنفسهم‪ ،‬باسم‬
‫الديمقراطية والجمهورية‪ ،‬أوصياء عىل ذات الشعب‪ .‬من هذا الجانب‪ ،‬لم تكن أطروحة مشاهري" ديمقراطيينا"‬
‫جديدة ألنها لم تكن إال عودة إىل تلك األفكار التي كان أعداء الحركة الوطنية الجزائرية ينادون بها يف السابق‬
‫والذين كانوا يعتربون أنفسهم "نخبة" لهذا الشعب ألنه لم يبلغ مستوى النضج السيايس‪ .‬لقد كانت تلك‬
‫النخب‪ ،‬كما هو معلوم‪ ،‬تتكون أساسا من نفس العنارص التي بلغت حد نكران وجود أمتنتا ذاته‪ ،‬مدافعني عن‬
‫فكرة اندماج الجزائر يف فرنسا‪ .‬للتذكري‪ ،‬أثناء إعداد امليثاق الوطني والدستور سنة ‪ ،1976‬ظهرت أصوات‬
‫تحذر السلطة من مغبة الثقة يف الشعب ألن أي قائد كاريزماتي أو أي حزب يحسن التعبئة الجماهريية كان‬
‫بوسعه أن يؤدي إىل سن قوانني تمس ببعض الحقوق األساسية‪ ،‬الفردية أو الجماعية‪ .‬أظن أن الحرص‬

‫‪55‬‬
‫‪ ‬‬
‫للحيلولة دون هذا الخطر هو الذي كان وراء إنشاء مجلس األمة يف دستور ‪ 1996‬والحكم القايض بما يسمى‬
‫بالثلث الرئايس املعطل ‪.‬‬

‫إن "ديمقراطيينا" املزعومني ملولعون بمثال تركيا كمال أترتك‪ .‬إنهم يظنون أن إدراج ممنوعات يف الدستور‬
‫كاف لرصف شعبنا نهائيا عن تلك القيم التي يبقى متمسكا بها يف العمق‪ .‬إنهم ينسون أن يف تركيا ذاتها‪،‬‬
‫اإلرث "الالئيكي" ملصطفى كمال لم يمكن فرضه إال من خالل االنقالبات العسكرية الدموية املتكررة منذ‬
‫رحيل صاحبه‪ .‬وعلة ذلك أن الحداثة ال يمكن أن يكون لها معنى وحظ يف النجاح إال إذا أحسن أنصارها‬
‫التمييز‪ ،‬بروية‪ ،‬بني ما هو متخلف وبني ما له عالقة بالوفاء للقيم التي تشكل أساس الشخصية الوطنية‪ .‬أما يف‬
‫ما يخص الراحل محمد حردي‪ ،‬فقد فكرت يف تنحيته من وزارة الداخلية بسبب تلك النزاعات التي نشبت بني‬
‫األجهزة التابعة ملديرية األمن الوطني وقيادة املنطقة العملياتية الخاصة بواليات الوسط املحيطة بالعاصمة‪.‬‬
‫وكنت كلما وصلني نبأ هذه النزاعات‪ ،‬ملت إىل تأييد قيادة املنطقة التي كنا قد أنشأناها منذ فرتة قصرية من‬
‫أجل دعم محاربة األنشطة اإلرهابية التي احتدت آنذاك‪ ،‬وكذا من أجل تمكني الجيش الوطني الشعبي من‬
‫االنخراط بقوة أكثر يف هذه املحاربة‪ .‬غري أن مطالب الجنرال العماري نحو وزير الداخلية‪ ،‬محمد حردي‪ ،‬ما‬
‫فتئت تتجاوز الحدود املمكنة وكذا نحو وزيره املنتدب‪ ،‬امحمد طولبة‪ ،‬الذي كان‪ ،‬باإلضافة إىل مهامه الوزارية‪،‬‬
‫يمارس القيادة املبارشة عىل واحدة من املصالح الخاضعة للسلطة العملياتية التابعة للجنرال العماري ‪.‬لقد قال‬
‫يل امحمد طولبة إنه كان من السهل تجريده من جميع املهام لكنه لم يكن ليقبل‪ ،‬بأي حال من األحول‪ ،‬تحمل‬
‫مسؤولية أفعال لم يكن هو صاحبها ولم يكن حتى عىل علم بها أصال‪ .‬أضف إىل ذلك أن محمد حردي صار‬
‫نوعا من "الشخصية غري املرغوب فيها" يف نظر بعض الجنراالت ممن كانوا يلومونه عىل إزعاجه لهم من خالل‬
‫بعض ترصيحاته‪ .‬لذلك‪ ،‬وجدت أنه من الرضوري تصفية األجواء بني الجيش الوطني الشعبي والحكومة‬
‫السيما وأنني كنت قد اتفقت‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬مع الجنرال خالد نزار عىل أن يتم تعيني وزير الداخلية بموافقتنا‬
‫نحن االثنني ؛ عكس باقي املناصب الوزارية التي تُركت يل‪ ،‬رصاحة‪ ،‬الحرية التامة يف تعيني أصحابها ‪.‬‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫‪56‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪1965@lþÕäa@æÈ@ÒÝn²@ý 1992 ðÑäbu@À@t‡y@bà@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN17‬‬

‫‪2007O08O05@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫تلك كانت الظروف واالعتبارات التي أدت بي إىل التفكري يف تنحية محمد حردي – لكن من دون إبعاده من‬
‫الحكومة – والبحث عن شخصية أخرى كنت أرغب أن تأتي من صفوف الجيش الوطني الشعبي ذاته‪ ،‬سواء‬
‫كانت يف الخدمة أو يف حالة تقاعد‪ ،‬تجنبا للصدامات التي ميزت‪ ،‬طيلة فرتة حكومتي‪ ،‬العالقات بني بعض‬
‫القادة العسكريني واألجهزة التابعة ملديرية األمن الوطني أو اإلدارة اإلقليمية‪ .‬إال أنني كنت‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬مرصا عىل‬
‫االحتفاظ بمحمد حردي يف الطاقم الحكومي مكلفا إياه مهمات أخرى‪ .‬موقفي من هذه املسألة عربت عنه بكل‬
‫قوة‪ ،‬وقد قبله كل من الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار‪.‬‬

‫لقد كنت مقتنعا‪ ،‬حتى يف حالة عدم وجود خالفات تعكر جو العالقات بيننا‪ ،‬أن الجنرال تواتي ما كان ليقبل‬
‫بمنصب وزير الداخلية‪ .‬دور "الرجل النافذ" الذي كان يؤديه يف الظل كان يناسبه أكثر من منصب يف الحكومة‬
‫حيث ينكشف أمام املأل ويعرض نفسه للمساوئ الناجمة عن تقلد املناصب ولخطر املواجهة مع اآلخرين يف‬
‫وضح النهار‪ .‬البقاء يف الكواليس كان أحسن له لحبك خطوط املؤامرات ورضب الناس من دون تحمل‬
‫للمسؤولية‪ .‬هذا الوضع هو الذي سمح له بمواصلة دوره‪ ،‬خالفا ملنصب وزير الداخلية الذي كان سيضطره إىل‬
‫العمل يف العلن ‪.‬الرأي القائل إنني فكرت يف عرض منصب وزير الداخلية عىل الجنرال تواتي ألنني علمت أنني‬
‫كنت بصدد تبدييل برضا مالك عىل رأس الحكومة ما هي إال عينة من تلك األوهام املخرتعة من طرف الرجل‬
‫ذاته من أجل إغاظتي وخلق الشكوك لدى الناس يف الوقت ذاته ‪.‬ومع ذلك‪ ،‬فقد بدأت فكرة تبدييل برضا مالك‬
‫تنترش منذ أوائل ‪ 1993‬يف شكل إشاعة وصلتني عن طريق بعض األصدقاء املقربني من األوساط التي كان‬
‫الجنرال تواتي يتحرك فيها‪ .‬ولم أعرها أي اهتمام ولم يكن لدي أبد ما يقلني بشأنها ألن وصويل عىل رأس‬
‫الحكومة كان قائما عىل التزامي السيايس وتلك التصورات التي كانت يل ال بفضل والئي لشخص ما وانتمائي‬
‫إىل عصبة ما من بطانة الحكم‪ .‬أضف إىل ذلك‪ ،‬وكما ورد من قبل‪ ،‬املصري الذي كان يتم التفكري فيه بشأني‬
‫بلغني من مسؤولني أكثر مصداقية بكثري من الجنرال تواتي ‪.‬وعليه‪ ،‬كنت يف غنى عن إعارة أي اهتمام لتلك‬
‫الشائعات الخائبة التي كان يروج لها هذا األخري ‪.‬‬

‫أما يف ما يتعلق بمكان لقائي للجنرال تواتي‪ ،‬فقد تم هذا اللقاء‪ ،‬فعال‪ ،‬بمقر إقامتي الرسمية‪ .‬لكن ال ألن‬
‫الجنرال تواتي فرض هذا املكان كما يزعم يف افرتاء آخر له وإنما ألنه كان‪ ،‬وببساطة‪ ،‬املكان الذي كنت أستقبل‬
‫فيه معظم زواري‪ ،‬بل وحتى املساعدين يل‪ .‬املرشفون عىل مصالح األمن املكلفة حمايتي كانوا ينصحونني‬
‫بتقليص تنقالتي يف شوارع العاصمة إىل أقىص حد ال يتجاوز املسافة الفاصلة ما بني مقر إقامتي ومكتبي‬
‫بقرص الحكومة‪ .‬فلو حاول الجنرال تواتي فرض أي مكان ما للقاء لرفضت استقباله‪ ،‬ناهيك عن دعوته إىل‬
‫مأدبة غداء يف نهاية محادثاتنا‪ .‬لقد تمت هذه املحادثات بيننا يف جو الئق ماعدا تلك اللحظة التي سمعته يقول‬
‫فيها إن الشكوك كانت تساوره بشأن نجاح سياستي يف مجال الديون الخارجية انطالقا من معطيات زوده بها‬
‫إطار سام يف بنك الجزائر ومن تلك الزيارة التي أخربني أنه قام بها إىل فرنسا للتأكد‪ ،‬لدى الخزينة الفرنسية‪،‬‬
‫من صحة األرقام الواردة يف ترصيح رسمي ووثيقة مكتوبة ومنشورة يف جميع الصحف التابعة للقطاع العام‬

‫‪57‬‬
‫‪ ‬‬
‫يف الجزائر ‪.‬‬

‫لنعد‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬إىل لقاء ‪ 20‬جويلية ‪ 1993‬بمقر إقامة الرئيس عيل كايف عىل شاطئ البحر‪ .‬عاود الجنرال‬
‫خالد نزار طرح مسألة تنظيم املرحلة االنتقالية املنتظرة لنهاية السنة بعد انتهاء عهدة املجلس األعىل للدولة‪ .‬يف‬
‫مخاطبته يل مبارشة‪ ،‬قال يل إنه كان عيل أن أسهم يف صياغة الحل الواجب اعتماده بعد انتهاء عهدة املجلس‪،‬‬
‫مشريا إىل أن الحوار الجاري مع بعض األحزاب لم يسمح بالخروج بحل يحظى بموافقة الجميع‪ .‬الفكرة التي‬
‫كان بصددها‪ ،‬وبإيعاز من الجنرال تواتي الشك‪ ،‬كانت تفيد باستدعاء ندوة وطنية الغرض منها اعتماد ما‬
‫يكون قد اتخذ من تدابري يف مجال تنظيم املرحلة االنتقالية املرتقبة‪ .‬لقد كان الجنرال تواتي دوما حريصا عىل‬
‫إلباس كل مبادرة ثوب الديمقراطية منذ توقيف املسار االنتخابي يف جانفي ‪ ،1992‬علما أن جميع املبادرات لم‬
‫يكن لها‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬مصدر آخر غري حاشية وزير الدفاع‪ ،‬أي القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي‪ ،‬التي‬
‫كانت‪ ،‬يف نهاية األمر‪ ،‬هي مصدر القرارات املتصلة بمصري البالد يف تلك املرحلة العصيبة التي بدأت منذ جانفي‬
‫‪1992‬ثم اشتدت صعوبة بسبب الفراغ السيايس الناجم عن فاجعة الرحيل املفاجئ للرئيس محمد بوضياف‪.‬‬
‫لقد كان الجنرال تواتي يرى تلك األالعيب السياسية – التي كانت الصحف تقدمها يف صورة املناقشات الخصبة‬
‫– بمثابة البعث السيايس واالزدهار الديمقراطي‪ .‬تلك الصحف التي كان الجنرال تواتي‪ ،‬عىل العموم‪ ،‬املرشف‬
‫عليها والحامي لها باإلضافة إىل تلك الزمر السياسية التي كان يحلو للجنرال تواتي تقديم نفسه عىل أنه‬
‫عرابها ‪.‬‬

‫لم يخف الجنرال خالد نزار خيبة أمله يف الحوار الذي انطلق يف سبتمرب ‪ 1992‬مع عدد من األحزاب التي كان‬
‫يرجى منها تأييد رصيح ما للمسار السيايس املعتمد منذ توقيف املسار االنتخابي يف جانفي ‪ .1992‬وقد ذكرني‬
‫أنني‪ ،‬يف نهاية األمر‪ ،‬لم أخطئ عندما حذرتهم من أن الحوار لن يؤدي إىل نتيجة عندما طلبوا مني رأيي فيه‪.‬‬
‫الدعم الذي لقوه من جانب أحزاب األقلية‪ ،‬مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أو الحزب الشيوعي وكذا‬
‫من شخصيات "ديمقراطية" لكنها ال تمثل رأينا العام الوطني لم يكن من شأنه جلب التأييد املرجو ملواجهة‬
‫الوضع الناتج عن رحيل الرئيس الشاديل وإلغاء نتائج انتخابات ديسمرب ‪ .1991‬لقد كانوا يعرفون أن الرأي‬
‫العام‪ ،‬الوطني والدويل‪ ،‬كان يعتربهم وحدهم املسؤولني عما وقع من أحداث أرادوا‪ ،‬وال زالوا إىل اليوم‪ ،‬يحاولون‬
‫تقديمها عىل أنها كانت محتومة وأن تدخلهم فرضته الظروف الناجمة عن إفالت زمام األمور‪ ،‬هذا اإلفالت‬
‫الناجم بدوره عن االنفتاح "الديمقراطي" الذي قرره الرئيس الشاديل إثر أحداث أكتوبر ‪ .1988‬وعليه‪ ،‬اكتفيت‬
‫بتذكري الرئيس عيل كايف و الجنرال خالد نزال بالحلول التي كنت قد اقرتحتها يف تلك الخالصة التي أدرجتها يف‬
‫برنامج حكومتي املقدم للمجلس األعىل للدولة ‪.‬‬

‫ظري "تغيري جانفي ‪ 1992‬كان لديهم بعض اإلعجاب بالطريقة التي حاول‬ ‫كل يشء كان يشري إىل أن "من ﱢ‬
‫الرئيس بومدين بها الحصول – وقد حصل له ذلك ولو من بعد – عىل موافقة املؤسسات السياسية يف تلك‬
‫الفرتة عىل اإلطاحة بالرئيس بن بلة ونظامه يف ‪ 19‬جوان ‪ 1965‬؛ وكانت‪ ،‬للتذكري‪ ،‬إطاحة تمت عن طريق‬
‫الجيش الوطني الشعبي‪ .‬أعضاء املكتب السيايس واللجنة املركزية لجبهة التحرير الوطني‪ ،‬نواب الجمعية‬
‫الوطنية أمضوا كلهم‪ ،‬إال قليال منهم‪ ،‬ترصيحات أكدوا فيها اإلطاحة برئيس الجمهورية وتعليق العمل‬
‫بالدستور وبالتايل حل املؤسسات السياسية القائمة بموجب أحكام هذا الدستور‪ .‬يف الوقت ذاته‪ ،‬أقرت هذه‬
‫الترصيحات‪ ،‬نوعا ما‪ ،‬الهيئات الجديدة باسم املرشوعية الثورية لتسيري شؤون األمة تحت نظام االنفراد بجميع‬

‫‪58‬‬
‫‪ ‬‬
‫السلطات‪ .‬ما تم يف جانفي ‪ ،1992‬لم يختلف جوهريا عما وقع يف جوان ‪ 1965‬ماعدا أن مدبري االنقالب لم‬
‫يريدوا‪ ،‬يف هذه املرة‪ ،‬تسمية األشياء بأسمائها ؛ مما أدى إىل كل تلك املناورات السياسية التي لجأوا إليها إىل‬
‫غاية انتخاب ملني زروال عىل رأس الجمهورية سنة ‪ .1995‬كما نعلم‪ ،‬لقد كانت هذه االنتخابات بداية لعملية‬
‫"تطبيع "لألوضاع السياسية يف الجزائر من خالل العودة إىل املسار الديمقراطي والحياة الدستورية‪ .‬أثناء‬
‫محادثاتنا‪ ،‬تعرض الجنرال خالد نزار أيضا إىل ما أسماه بمساعدة" الصحافة املستقلة"‪ .‬والشك أنه كان‬
‫يقصد‪ ،‬من دون الجهر به‪ ،‬تمويل خزينة الدولة لطبع الصحف التي اتخذت منها األوساط "الديمقراطية"‬
‫منربا والتي لم تكن صالتها ببعض الدوائر يف وزارة الدفاع الوطني لتخفى عىل أحد‪ .‬أجبته أننا كنا بصدد‬
‫وضع قانون للصحافة املكتوبة يف إشارة إىل الصيغ التي يمكن للدولة أن تقدم بها املساعدة إىل جميع الصحافة‬
‫املكتوبة عىل أساس مقاييس موضوعية يتم اختيارها بمشاركة أهل املهنة أنفسهم‪ .‬يف الواقع‪ ،‬بالنسبة إىل من‬
‫كانوا يتدخلون لدى الجنرال خالد نزار يف ما يتعلق بهذه املساعدة‪ ،‬اتصل األمر بالحصول عليها يف صالح‬
‫الصحف التي كانت تؤيد مواقف عصبة "الديمقراطيني" حتى وإن ظلت هذه الصحافة تدعي أنها حرة‬
‫ومستقلة‪ .‬هذه الصحافة" الحرة واملستقلة" كانت‪ ،‬فعال‪ ،‬مجموعات من القطاع الخاص تصدرها ولم تكن‬
‫عناوينها تابعة للقطاع العام‪ .‬غري أن هذه املجموعات كانت تتشكل أيضا من عنارص معروفة بعدائها لجبهة‬
‫التحرير الوطني والقيم التي دافعت عنها الحركة الوطنية دائما‪ .‬كما أن توجهاتها السياسية واأليديولوجية‬
‫كانت متماشية مع أراء مشابهة لتلك التي كانت للجنرال تواتي ومن كانوا‪ ،‬باسم ترقية قيم الجمهورية ومبادئ‬
‫الديمقراطية‪ ،‬يظنون أنهم قادرون بفضلها عىل وأد جبهة التحرير الوطني من الناحية األيديولوجية والتمكن‪،‬‬
‫نهائيا‪ ،‬من إصدار شهادة الوفاة للوطنية الجزائرية ‪.‬‬

‫كما تحدثنا‪ ،‬باختصار‪ ،‬يف اللقاء املذكور عن كثرة املوظفني بديواني يف قرص الحكومة‪ .‬يف الواقع‪ ،‬ومنذ إنشاء‬
‫وظيفة الوزير األول ثم رئيس الحكومة‪ ،‬كان كل معني يف هذا املنصب يأتي بجماعة من اإلطارات لتعمري‬
‫ديوانه‪ .‬غري أن هؤالء – أو قسما كبريا منهم – لم يكونوا يرحلون مع رئيسهم السابق بعد تبديله‪ .‬لذلك‪ ،‬صار‬
‫ديوان رئيس الحكومة‪ ،‬مع الزمن‪ ،‬مليئا باألطقم املتالحقة ؛ مما نتج عنه اكتظاظ يف احتالل املكاتب املخصصة‬
‫لهذا النوع من اإلطارات ‪.‬وقد رشعت يف ترسيح الكثري من هذه اإلطارات إال أنني لم أرد أبدا حرمانهم من‬
‫مصدر رزق معيشتهم وعملت عىل أن أضمن لهم منصبا يمكنهم من االستمرار يف تقايض رواتب محرتمة‪ .‬لم‬
‫يكن ذلك باألمر الهني بالنظر إىل كثرة عددهم وكان من الصعب إيجاد مناصب لهم يف مختلف أجهزتنا سواء‬
‫عىل مستوى اإلدارة أو املؤسسات العمومية الوطنية‪ .‬لقد أدى مثل هذا الوضع إىل جو مزعج عىل مستوى‬
‫ديواني حيث ساد االنطباع أنه كان مكانا للخمول ال يفيد سري مؤسسة يف مقام مؤسسة رئاسة الحكومة‪ .‬وقد‬
‫أثار هذا الوضع انتباه الجميع‪ ،‬السيما الجنرال خالد نزار الذي كان يتمنى وضع حد لحالة شكلت مصدر‬
‫انتقادات مرضة بسلطة رئيس الحكومة ‪.‬‬

‫@ @‬

‫@ @‬

‫‪59‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪μ“ni@ôÝÈ@óïÝ‚a‡ÝÜ a‹îŒì@ðäí芌@oÝ›Ð@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN18‬‬

‫‪2007O08O06@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫يف نهاية مأدبة الغداء‪ ،‬وبعد تناولنا لجميع املسائل املطروحة‪ ،‬انرصفنا لقضاء عطلة ملدة أسبوعني‪ ،‬متفقني عىل‬
‫اللقاء مرة أخرى يف نهاية هذه العطلة‪ .‬من جانبي‪ ،‬خرجت من هذا اللقاء ولدي شعور واضح جدا أن القرار قد‬
‫اتخذ – حيث تتخذ القرارات الحاسمة – بشأن اللجوء إىل صندوق النقد الدويل من أجل إعادة جدولة ديوننا‬
‫الخارجية وأنه كان هناك سعي إلقناعي بهذا الحل ألكون‪ ،‬أنا‪ ،‬صاحب املبادرة يف إبرام العقد مع هذه املؤسسة‪.‬‬

‫متخليا بذلك عن تلك السياسة التي رسمتها عىل أساس قناعاتي ومبادئي‪ ،‬تاركا نفيس أنخدع بوعد لم يكن إال‬
‫وهميا برتقية إىل أعىل منصب يف سدة الحكم‪ .‬وبما أنني لم أكن مستعدا أبدا لتغيري سياستي‪ ،‬لم أشك أبدا يف‬
‫طبيعة ما سيقع يف اللقاء الذي اتفقنا علية بعد العطلة‪ .‬هكذا‪ ،‬إذاً‪ ،‬غادرت مقر إقامة رئيس الدولة حريصا عىل‬
‫عدم االستسالم أبدا إلرادة من كانوا‪ ،‬عىل غرار الجنرال تواتي‪ ،‬يشكون يف قدرتي عىل" التكيف مع السياق‬
‫السيايس واالقتصادي الجديد" من أجل أن يقول عني هؤالء‪ ،‬يوما ما‪ ،‬إنني كنت رجل انفتاح‪ ،‬قادرا عىل التطور‬
‫وله من الذكاء ما جعله يدرك التحوالت املستجدة يف العالم‪ .‬ال أرجو من غريي مدحي عىل حساب قناعاتي‬
‫ومبادئي ليقال عني يوما إني تنكرت لهذه القناعات وهذه املبادئ من أجل إرضاء نفيس بوهم وغرور‬
‫مصدرهما وعد لم يكن أكيدا عىل أية حال‪ .‬ما الذي كان يضمن يل أنني بعد قبول حبل صندوق النقد الدويل‬
‫حول عنقي لن يلقى بي‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬إىل انتقام الجماهري وسخط األغلبية الساحقة من مواطنينا وأصري محل‬
‫احتقار من طرف من كان يحرتمني بسبب وفائي ملبادئي وقناعاتي ورفيض االستسالم ألطماع سياسية‪ .‬لننظر‬
‫إىل ما حدث لرضا مالك بعدما أبرمت حكومته االتفاق مع صندوق النقد الدويل ! لكن بالنسبة إىل الجنرال‬
‫تواتي وأتباعه‪ ،‬كل هذه االعتبارات هي داللة عىل التحجر الفكري ال يسمح لصاحبه باستخالص العرب من‬
‫تطور األمور ويمنعه من إدراك تلك التحوالت الناجمة عن التقدم والحداثة ‪.‬‬

‫بعد اللقاء املذكور بفرتة قليلة‪ ،‬زارني جنرال آخر‪ ،‬وكان من املساعدين املبارشين للجنرال خالد نزار‪ ،‬ليقول يل ‪:‬‬
‫"يس خالد كلفني‪ ،‬قبل ذهابه‪ ،‬بزيارتكم ألحاول إصالح ذات البني بينكما" فأجبته ‪" :‬لكن ليس هناك أي نزاع‬
‫بيننا‪ .‬تريدون تغيري السياسة االقتصادية فغريوا رئيس الحكومة !"‪ .‬حينئذ رد عيل قائال ‪" :‬كال ! ما جئتكم‬
‫لهذا‪ .‬األمر ال يتعلق إال بتعيني وزير لالقتصاد‪ .‬فإذا كان السيد بوزيدي ال يعجبكم‪ ،‬يمكن أن تعينوا محمد‬
‫حردي يف املنصب مادام هذا األخري مغادرا لوزارة الداخلية وتريدون اإلبقاء عليه يف الحكومة"‪ .‬أجبته ‪" :‬كال !‬
‫ال يتعلق األمر بمسألة شخص ما‪ .‬مطالبتي بتعيني وزير لالقتصاد‪ ،‬منصب أشغله حاليا باإلضافة إىل رئاسة‬
‫الحكومة‪ ،‬ال يمكن أن تكون له داللة أخرى غري تغيري السياسة االقتصادية"‪ .‬حينئذ‪ ،‬بدأ بيننا حديث عما يمكن‬
‫أن يحصل من آثار إيجابية للجزائر بفضل إبرام اتفاق اقتصادي مع صندوق النقد الدويل‪ .‬وقد بدأ مخاطبي‬
‫يتلو الحجة بعد األخرى‪ ،‬وكانت حججا سمعتها من قبل‪ ،‬أي حصول الجزائر‪ ،‬بفضل هذا االتفاق‪ ،‬عىل أموال‬
‫كثرية من املؤسسة املذكورة كفيلة بأن تمكن الجزائر من انطالقة اقتصادية وخلق عدد كبري من مناصب‬
‫الشغل تحد من البطالة وتحول دون التحاق شبيبتنا بصفوف الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ يف الجبال وبفلول‬
‫اإلرهاب باملدن‪ .‬ما قاله يل أكد إحسايس أن القرار قد اتخذ نهائيا يف ما يخص اللجوء إىل إعادة الجدولة ولم يبق‬

‫‪60‬‬
‫‪ ‬‬
‫إال حميل عىل املوافقة عىل هذا املعطى املستجد يف تطور أوضاع البالد‪ .‬كان كل يشء يظهر عىل مستوى دوائر‬
‫"اتخاذ القرار" كما لو أن الجنرال تواتي وأتباعه كانوا يسعون الستغالل ذلك الجدل املتعلق بكيفية معالجة‬
‫مديونيتنا الخارجية لدفعي نحو باب الخروج فيتمكنوا من إبرام االتفاق مع صندوق النقد الدويل بينما كان‬
‫آخرون يحاولون رضب عصفورين بحجر ‪ :‬إبرام هذا االتفاق مع االحتفاظ بي عىل رأس الحكومة ‪.‬‬

‫يف الحقيقة‪ ،‬كان الكثري عندنا مبهورين بالـ ‪ 14‬مليار دوالر التي تحدث عنها املدير العام لصندوق النقد‬
‫الدويل‪ ،‬السيد كامديسوس‪ ،‬بمناسبة زيارته إىل الجزائر يف أواخر شهر ديسمرب ‪ .1992‬التوضيحات املقدمة‬
‫شفويا وكتابيا حول اإلسهام الحقيقي لهذا املبلغ يف االنطالقة االقتصادية القتصادنا لم تكن مفهومة لدى‬
‫البعض من مسؤولينا ممن كانوا ال يأخذون بعني االعتبار إال ما كانوا يسمعونه من آراء ومعلومات من أفواه‬
‫املعنيني‪ ،‬السيما تلك التي كانت تصدر عن إطارات مزعومني من املستوى العايل‪ ،‬ذوي شهادات جامعية كثرية‬
‫واشتهروا بكونهم خرباء دوليني بارزين لم يرتددوا يف إقناع من كانوا مستعدين لإلصغاء إليهم والثقة يف آرائهم‬
‫يف إسناد "خرباتهم التقنية" بمعطيات مغلوطة أو مشوهة كانوا ينرشونها بغرض التأثري يف املسؤولني وانتزاع‬
‫ما كانوا ينتظرون منهم من قرار واستسالم لهم‪ .‬وخالفا للجنرال تواتي‪ ،‬كان الجنرال الذي زارني "منتوجا‬
‫خالصا "لجبهة التحرير الوطني‪ .‬لقد التحق هذا الضابط السامي بصفوف جيش التحرير الوطني يف سن‬
‫مبكرة وظل أثناء مسريته كلها متشبعا بقيم ثورتنا‪ .‬لذلك‪ ،‬لم يكن يف حديثنا حذر خفي ونفور متبادل مثلما‬
‫وقع يل مع الجنرال تواتي يف لقاءاتنا بسبب التعارض املوجود بيننا عىل املستوى األيديولوجي‪ .‬يف األيام األوىل‬
‫من عمر حكومتي‪ ،‬كانت عالقاتي بالجنرال تواتي الئقة‪ ،‬بل لم تخل من الثقة أحيانا إىل أن ملست تعارضا يف‬
‫املرجعية التي كان كل منا يستند إليها يف املجال السيايس ‪.‬‬

‫لقد جرت بيني وبني مساعد الجنرال خالد نزار لقاءات أخرى أتاني فيها من أجل فض ما أسماه املوفد بـ‬
‫"النزاع "الذي ثار بيني وبني رئيسه أثناء مأدبة الغداء املذكورة‪ .‬وقد تبادلنا اآلراء حول أسماء وزراء جدد‬
‫لتعيينهم بمناسبة ذلك التعديل الذي كنت أنوي إجراءه عند الدخول االجتماعي‪ .‬كما اتفقنا عىل أسماء واختلفنا‬
‫حول أخرى وتعرضنا للجنرال بتشني الذي اقرتح عيل تعيينه وزيرا للداخلية بينما كنت أفضل نور الدين‬
‫زرهوني‪ ،‬املعروف بيزيد‪ ،‬والذي كنت أعرفه منذ أيام مدرسة إطارات الوالية الخامسة بمدينة وجدة‪ .‬وقد بقيت‬
‫األمور عند هذا الحد حتى ذلك اليوم الذي أخربت فيه بانتهاء مهامي كرئيس حكومة‪ .‬وكي أجيب عن تلك‬
‫األحكام القطعية الصادرة عن الجنرال تواتي حويل أجد نفيس – عىل العكس منه وبسبب الشهرة التي حصلت‬
‫له بفضل منصبه يف وزارة الدفاع ودوره‪ ،‬أحيانا‪ ،‬كناطق رسمي باسم الجيش الوطني الشعبي السيما عندما‬
‫يوقع عىل مقاالت صادرة بمجلة الجيش – مضطرا‪ ،‬يف الرد‪ ،‬إىل إفاضة لعلها مملة لكنني أعتربها أحسن طريقة‬
‫لكشف الحقيقة ومالبساتها‪ .‬أما هو‪ ،‬بالعكس‪ ،‬فنجده يكتفي بإطالق أحكام جزافية ليست إال افرتاءات غالبا ما‬
‫يعتربها قارؤها حقائق ثابتة من دون تكليف النفس عناء التأكد من صحتها ال ليشء إال ألن صاحبها شغل‬
‫وظائف سامية بمؤسسة اشتهرت بجديتها ‪.‬‬

‫‪...".11‬فكرة الفرتة االنتقالية ذاتها جاءت نتيجة املدة التي اقرتحها السيد عبد السالم )‪ 3‬أو ‪ 5‬سنوات( بهدف‬
‫التمكن من تطبيق برنامجه‪ .‬إال أنني اكتشفت‪ ،‬مع مرور الوقت‪ ،‬أنه لم يكن لريض بتصور آخر غري تصوره‪ .‬يف‬
‫الحني الذي كانت نهاية عهدة مجلس األعىل للدولة‪ ،‬وبمقتىض ترصيح ‪ 14‬جانفي ‪ ،1992‬محددة بشهر‬
‫ديسمرب ‪ ،1993‬أي بموعد انتهاء عهدة الرئيس السابق‪ ،‬كان السيد عبد السالم يعترب أن هذه العهدة ينبغي‬

‫‪61‬‬
‫‪ ‬‬
‫تمديدها‪ .‬لكن حتى هذا املشكل كان من املمكن إيجاد حل له من خالل تعديل دستوري يتضمن أحكام انتقالية‬
‫من شأنها إسناد النشاط الحكومي‪ ،‬بل وحتى تمديد عهدة املجلس األعىل للدولة بفرتة معينة ‪.‬غري أن السيد عبد‬
‫السالم لم ير األمور هكذا وإنما كان يدعو إىل فرض حالة الظروف االستثنائية ال حالة الطوارئ فقط"‪ .‬فعال‪،‬‬
‫وكما ورد يف نص الخالصة التي تضمنتها وثيقة مرشوع برنامج حكومتي يف سبتمرب ‪ ،1992‬كنت أدعو إىل‬
‫اعتماد فرتة انتقالية تفصلنا عن الوضع املتميز بإلغاء املسار االنتخابي يف جانفي ‪ 1992‬مادامت البالد متجهة‬
‫نحو العودة إىل االنتخابات من أجل إقامة املؤسسات املنصوص عليها يف الدستور ‪.‬أذكر أن هذا االقرتاح كنت قد‬
‫أرشت إليه يف أوائل جانفي ‪ 1992‬عندما بدأ الحديث عن رحيل الرئيس الشاديل الذي لم تع َلن "استقالته"‪ ،‬غري‬
‫التلقائية‪ ،‬آنذاك بعد‪ .‬يبدو الجنرال تواتي‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬معرتفا يل ببعض الفضل‪ ،‬أي بكوني مصدر فكرة‬
‫املرحلة االنتقالية‪ .‬لكنه‪ ،‬يف الوقت ذاته وكعادته‪ ،‬يبدو أنه ال يرتدد يف السماح لنفسه بتشويه الحقيقية‪ .‬يكفي‬
‫القارئ َ الرجو ُع إىل نص خالصة مرشوع برنامجي الحكومي ليكتشف ذلك الفرق املوجود بني اقرتاحي وبني‬
‫الفكرة التي يريد الجنرال تواتي تقديمها يف حواره الصحفي مع يومية ‪ El Watan‬الصادرة بتاريخ ‪27‬‬
‫سبتمرب ‪. 2001‬‬

‫االقرتاح الذي قدمته بشأن إعالن حالة الظروف االستثنائية تمثل أساسا يف تعليق الدستور انطالقا من تطبيق‬
‫حكم وارد يف هذا الدستور نفسه‪ ،‬مع التعهد بالعودة إىل املسار االنتخابي بعد فرتة خمس سنوات وبعد تطبيق‬
‫برنامج لتطهري األوضاع السياسية واالقتصادية يف البالد‪ .‬ومعنى ذلك رضورة التقدم إىل الشعب بروزنامة‬
‫دقيقة وبآفاق واضحة يف اتجاه تحسني معيشة الجماهري الشعبية‪ ،‬أساسا‪ ،‬بما سيسمح بتغيري املعادلة يف البالد‬
‫قبل العودة إىل الناخبني ثانية‪ .‬أما يف حالة العكس‪ ،‬فأرشت يف اقرتاحي أال بديل آخر غري مواجهة من تمردوا‬
‫عىل الدولة والدخول معهم يف تنافس طويل تكون نتيجته‪ ،‬يف النهاية‪ ،‬يف فائدة مصالح األمن لكن بخسائر‬
‫باهظة لشعبنا‪ .‬ألم يكن ذلك ما وقع يف نهاية املطاف عندما ننظر يف الفرتة املمتدة من جانفي‪-‬جويلية ‪1992‬‬
‫والسنة ‪ 1997-1996‬التي تميزت باالنتهاء من العمليات االنتخابية املكرسة لتطبيع الحياة السياسة بالجزائر‬
‫بعد كل ما وقع منذ ديسمرب ‪ 1991‬؟ من‪ ،‬ماعدا الجنرال تواتي ومن رأى فيه صاحب دراية مزعومة باملسائل‬
‫القانونية‪ ،‬يستطيع أن يقول‪ ،‬اليوم‪ ،‬بصدق إن الدستور لم يتم تعليقه وإن حالة الظروف االستثنائية لم تطبق‬
‫ميدانيا يف تلك الفرتة ومن دون اإلقرار بوجودهما من الناحية الصورية ؟ وإال‪ ،‬فماذا يعني إعالن حالة الطوارئ‬
‫غري تعليق الدستور ومنح رئيس الدولة جميع السلطات من أجل حماية الجمهورية وخالص األمة ؟ أكثر من‬
‫ذلك‪ ،‬حالة الطوارئ التي تبناها الجنرال تواتي أو دعا إليها أفضت إىل حالة الظروف االستثنائية‪ ،‬ومن دون‬
‫رئيس جمهورية ؛ وهو ما يشكل‪ ،‬من الناحية القانونية‪ ،‬أمرا أسوء من حالة الظروف االستثنائية ذاتها‪ .‬يُنسب‪،‬‬
‫ربما خطأ‪ ،‬إىل تواتي نظرية مفادها أن حالة الظروف االستثنائية كان معناها استيالء الجيش الوطني الشعبي‬
‫عىل السلطة مبارشة‪ .‬من يستطيع أن يثبت‪ ،‬من دون أن يعرض نفسه للسخرية‪ ،‬أن الجيش لم يمارس السلطة‬
‫العليا‪ ،‬وبصورة انفرادية‪ ،‬يف الجزائر أثناء تلك الفرتة ؟ ومن منا يستطيع أن يدعي أن تنصيب املجلس األعىل‬
‫لألمن للمجلس األعىل للدولة‪ ،‬سنة ‪ ،1992‬ولرئيس الدولة سنة ‪ 1994‬كان‪ ،‬من الناحية القانونية‪ ،‬شيئا آخر‬
‫غري مهزلة أريد بها تمويه واقع األمور‪ ،‬أي تعطيل العمل بالدستور والدخول يف نظام حالة ظروف استثنائية‬
‫ازداد سوءا بسبب غياب رئيس جمهورية منتخب مسبقا له الحق يف اللجوء إىل تطبيق حكم دستوري يقيض‬
‫بإعالن حالة الظروف االستثنائية ملواجهة وضع استثنائي يحمل خطرا داهما ؟‬

‫يف الواقع‪ ،‬مواصلة العمل بالدستور من الناحية الشكلية عىل الرغم من تجاهله يف امليدان إىل حد إبطال العمل به‬

‫‪62‬‬
‫‪ ‬‬
‫تقريبا كان عبارة عن مراوغات سياسية وقانونية استطاع بفضلها الجنرال تواتي ومن وثق فيه التهرب من‬
‫مسؤولياتهم بل‪ ،‬وبعبارة أكثر رصاحة‪ ،‬إقامة نظام قائم عىل الالمسؤولية‪ .‬هذا هو السبب الذي يسمح ملدبري‬
‫عملية جانفي ‪ 1992‬بمواصلة القول إن الرئيس الشاديل استقال بعد حله للمجلس الوطني الشعبي وأن هذا‬
‫الرئيس ترك لهم البالد أمام فراغ دستوري كان عليهم أن يسدوه من خالل تأسيس املجلس األعىل للدولة من‬
‫طرف املجلس األعىل لألمن بعدما رفض املجلس الدستوري الدخول يف تلك اللعبة التي لم تخف عىل أحد‪.‬‬
‫االعرتاف بإجبار الرئيس الشاديل عىل االستقالة إنما هو إقرار أن الرئيس لم يستقل ولم يتسبب يف فراغ‬
‫دستوري وإنما تم خيار اللجوء إىل هذا الحل بالقوة‪ ،‬أي إىل انقالب يف نهاية األمر‪ .‬فلو اعرتف مدبرو عملية‬
‫جانفي ‪ 1992‬باألمور كما وقعت فعال الضطروا إىل اإلقرار بمسؤولية االنقالب الذي قاموا به ومن ثمة إىل‬
‫االضطالع رصاحة بمسؤولية تسيري شؤون البالد‪ .‬لم يكن الحل الذي لجأوا إليه سوى تهربا من املسؤولية‬
‫مثلما يتهرب املنافق‪ .‬هكذا‪ ،‬استطاعوا أن يحمﱢ لوا الوزر كله للمجلس األعىل للدولة الذي أرادوه لهذه الغاية‬
‫بالذات وباركوه بتنصيب شخصية تاريخية يف ثورتنا عىل رأسه‪ .‬الفراغ الدستوري الذي اختلقه هؤالء تقرر يف‬
‫كنف الرسية والتجاهل لتلك األحكام الدستورية التي تنص عىل حاالت حل املجلس الشعبي الوطني ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪òbÍݾa@pbibƒnäýa@ÞjÔ@t‡y@íÜ ‡î‡u@æi@ôÝÈ@lþÕäýa@Êà@bäcN19‬‬

‫‪@ @2007O08O07@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫اقرتاحي الخاص بإعالن حالة الظروف االستثنائية لو حظي بالقبول لسمح – ولو بصورة متأخرة‬
‫ألننا كنا يف شهر سبتمرب – ‪ 1992‬برتتيب األمور عىل املستوى الدستوري ‪.‬يف نهاية األمر‪ ،‬ويف جانفي‪، 1992‬‬
‫وقع يف بالدنا انقالب سيايس حقيقي حتى وإن لم يعرتف به مدبروه كي يمكنهم التهرب من املسؤولية ومن‬
‫االضطرار إىل االضطالع بمهام تسيري شؤون البالد ‪.‬‬

‫ومهما حاول هؤالء تغطية الشمس بالغربال‪ ،‬متخفني وراء استقالة الرئيس الشاديل‪ ،‬فإن ما قاموا به يف جانفي‬
‫‪ ،1992‬يف نظر مواطنينا‪ ،‬املالحظني األجانب والتاريخ ال يعدو أن يكون مجرد انقالب ال يراد تسميته باسمه ‪.‬‬
‫ومع ذلك‪،‬هناك سبب آخر يف تفسري الحيل التي لجأ إليها القائمون بهذه العملية لتمويه الطبيعة الحقيقية‬
‫لفعلتهم ‪.‬‬
‫إعطاء االنطباع بقيام انقالب كان يقتيض بالرضورة‪ ،‬أوال‪ ،‬إعالن اإلطاحة برئيس الجمهورية بقرار صادر عن‬
‫القوات املسلح ؛ ثانيا‪ ،‬تقديم تفسري من جانب هذه القوات للدوافع التي أدت بها إىل التدخل وطرد رئيس الدولة‬
‫بالقوة ‪.‬‬
‫غري أن ذكر مثل هذه الدوافع لم يكن بمقدوره تفادي شجب السياسة املتبعة من طرف رئيس الدولة املخلوع‬
‫واعتبار هذا األخري املسؤول عن تدهور األوضاع يف البالد‪ .‬وبعد شجب هذه السياسة‪ ،‬كان عىل مدبري االنقالب‬
‫أن يحددوا سياستهم الجديدة بالنسبة إىل املستقبل يف مكان السياسة القديمة‪ ،‬السيما يف تلك املجاالت املتصلة‬
‫مبارشة بحياة الناس الذين أدت الطريقة التي صوتوا بها يف االنتخابات إىل ظهور األزمة‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬لم يكن ممكنا اإلطاحة بالرئيس الشاديل من دون شجب سياسته‪ ،‬كما لم يكن ممكنا شجب‬
‫هذه السياسة ثم مواصلتها من دون إجراء تغيريات جوهرية فيها بعد خلع الرئيس ‪.‬‬

‫اليوم‪ ،‬ويف ضوء ما وقع يف الجزائر منذ جانفي ‪ ،1992‬يتضح أن الذين دفعوا الرئيس الشاديل إىل "االستقالة"‬
‫بقوا متمسكني بنفس السياسة التي رشعوا فيها السيما بعد فتح االقتصاد الوطني للقطاع الخاص‪ ،‬التنازل عن‬
‫أمالك الدولة للخواص‪ ،‬استيالء املتعاملني الخواص عىل األنشطة التجارية الرئيسية خصوصا يف التعامل مع‬
‫الخارج ‪.‬‬
‫بل يمكننا القول إن الخيار الذي تم اعتماده يف جانفي ‪ 1992‬بشأن مواصلة السياسة املتبعة يف املجال‬
‫االقتصادي يف عهد الرئيس الشاديل كانت تحمل يف طياتها اللجوء إىل صندوق النقد الدويل والقبول برشوطه من‬
‫أجل حل مشكل الديون الخارجية للجزائر‪.‬‬
‫تمويه االنقالب الذي أطاح بالرئيس الشاديل يف شكل استقالة َليتضح اليوم يف أجىل صورته‪ ،‬أي مواصلة‬
‫سياسة لم يرد أصحاب هذا االنقالب التخيل عنها ألنها تخدمهم‪ .‬بالنسبة إيل‪ ،‬اإلطاحة بالرئيس الشاديل‬
‫لم يكن من املمكن تربيرها إال باعتماد سياسة مغايرة عن سياسته‪ ،‬سياسة متجهة بكل قوة نحو تلبية تطلعات‬
‫الجماهري‪ ،‬أي نحو كتلة الناخبني الذين عربوا‪ ،‬من خالل تصويتهم‪ ،‬عن سخطهم عىل الحكم القائم منذ‪، 1979‬‬
‫مؤدين بذلك إىل خلق الحدث الذي أفىض إىل خلع الرئيس الشاديل‪ .‬عدم تغيري السياسة املتبعة من قبل كان يدل‬
‫عىل أن أصحاب القرار اختاروا مصالح أخرى مختلفة عن مصالح الجماهري الشعبية‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫‪ ‬‬
‫عندما دعيت إىل ترؤس الحكومة‪ ،‬قدمت برنامجا تضمن تدابري لتصحيح ذلك االتجاه الذي كان يتجاهل‬
‫األسباب الحقيقية لألزمة‪.‬‬
‫لقد اقرتحت‪ ،‬يف املجال االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬أهداف وإجراءات بهدف االستجابة النشغاالت األغلبية الساحقة‬
‫من الجزائريني وإعادة الثقة لهم من جديد يف الدولة واألمل يف أال يُضحﱠ ى بمصالحهم املرشوعة خدمة ملصالح‬
‫الطامعني يف االستيالء برسعة عىل خريات البالد‪.‬‬
‫إن الغاية التي استهدفتها من برنامجي هو كسب تأييد الشعب‪ ،‬ولو بعد فرتة طويلة نسبيا‪ ،‬للنظام الذي قام‬
‫بعد جانفي ‪ 1992‬فتتأتى له املرشوعية الشعبية التي افتقر إليها يف البداية‪.‬‬
‫قد يالحظ البعض أنني ما توخيت هذا التأييد وهذه املرشوعية إال لنفيس وأنني كنت أريد أن أغتنم فرصة‬
‫تعييني من طرف املجلس األعىل للدولة لخدمة طموحي الخاص‪.‬‬
‫حقيقة‪ ،‬من البديهي أن يكون من شأن نجاح برنامجي كسب التأييد لحكومتي‪ ،‬غري أال أحد كان من الغباء ما‬
‫يجعله ال يدرك ما كان يجري فعال عىل ساحتنا السياسية منذ جانفي ‪.1992‬‬
‫من كان باستطاعته أن يشك يف أن كال من املجلس األعىل للدولة والحكومة لم يكونا إال صنيع السلطة التي كان‬
‫أصحابها الفعليون هم قادة الجيش الوطني الشعب؟ وعليه‪ ،‬كل نجاح لحكومتي كان البد وأن يوضع يف‬
‫حساب هذه السلطة التي يبقى عمل الحكومة مرهونا بإرادتها وتأييدها ‪.‬‬
‫كما أن كل إخفاق كان سريد إىل ذات السلطة‪.‬‬
‫من يستطيع‪ ،‬اليوم‪ ،‬االدعاء أن قادة الجيش الوطني الشعبي لم يورطهم الرأي العالم يف مسؤولية ما وقع من‬
‫عواقب وخيمة جراء االتفاق املربم مع صندوق النقد الدويل سنة ‪ 1994‬؟‬
‫لو جنبنا البالد الوقوع ضحية مثل هذه العواقب ولو تركنا لها إمكانية الخروج من أزمة املديونية مرفوعة‬
‫الرأس بفضل تأييدها للسياسة املتبعة من طرف حكومتي‪ ،‬لعاد الفضل‪ ،‬من الناحيتني السياسية واألخالقية‪،‬‬
‫أوال إىل الجيش الوطني الشعبي بوصفه املؤسسة الضامنة لدوام األمة‪.‬‬
‫إن من رسم خطة تغيري جانفي ‪ 1992‬ونفذها لم يرد لألمور أن تسري بهذا الشكل‪ .‬واليوم‪ ،‬ترى األغلبية‬
‫الساحقة من الجزائريني أن الجيش الوطني الشعبي له قسط من املسؤولية‪ ،‬إن لم تكن املسؤولية كلها‪ ،‬يف ما‬
‫حدث من محن تكبدوها وال زالوا جراء تدابري اقتصادية فرضت عىل بلدنا من طرف صندوق النقد الدويل يف‬
‫مجال معالجة املشاكل املرتتبة عىل ديوننا الخارجية‪.‬‬
‫هذا هو السبب الذي جعلني‪ ،‬منذ إيقاف تلك التجربة التي حاولتها حكومتي‪ ،‬ال أنقطع عن الدعوة إىل رضورة‬
‫إجراء تقييم جديد للتقلبات السياسية الواقعة منذ جانفي ‪ ،1992‬أي البحث عن األسباب التي أدت إىل هذه‬
‫التقلبات واألهداف الحقيقية للمتسببني فيها‪.‬‬
‫لقد اقرتحت هذا التقييم عىل الرئيس زروال عندما استقبلني يف سياق املشاورات التي رشع فيها غداة تنصيبه‬
‫رئيسا للدولة‪.‬‬
‫كما كررت الدعوة إىل إجراء هذا التقييم يف ترصيحات عمومية ثم يف الوثيقة التي أجبت من خاللها عن املذكرة‬
‫الصادرة عن الرئاسة قبل إجراء التعديل الدستوري لسنة ‪ ،1996‬باإلضافة إىل إشارتي إليها يف الترصيح الذي‬
‫سلمته للصحافة بمناسبة االنتخابات الرئاسية لسنة ‪.1999‬‬
‫ذلك واحد من األمور التي ال يذكرها الجنرال تواتي ويتظاهر بجهلها ‪.‬‬

‫باختصار‪ ،‬لقد فضل أصحاب التغيري عىل هرم الدولة يف جانفي ‪ 1992‬تقديم هذه املبادرة عىل أساس أنها‬
‫جاءت نتيجة قرار طوعي اتخذه الرئيس الشاديل باالستقالة من منصبه فسمحوا ألنفسهم‪ ،‬أوال بالتهرب من‬

‫‪65‬‬
‫‪ ‬‬
‫املسؤولية وتجنب االضطالع مبارشة بمهام تسيري شوؤن الدولة‪ ،‬وثانيا بالسماح للسياسة االقتصادية املطبقة‬
‫يف عهد هذا الرئيس باملواصلة بعد رحيله‪.‬‬
‫يف ما يخصني‪ ،‬لم يقم موقفي أبدا‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬عىل رفض التخلص من الرئيس الشاديل بواسطة انقالب‪.‬‬
‫قبل االنتخابات الترشيعية املسبقة لديسمرب ‪ ،1991‬دعوت مرارا‪ ،‬ومن خالل ترصيحات عمومية‪ ،‬إىل رحيل‬
‫الرئيس‪ ،‬السيما من خالل إجراء انتخابات رئاسية مسبقة‪.‬‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬لم أخف عن مختلف املسؤولني الذين التقيتهم أميل يف رؤية هذا الرحيل يقع بواسطة انقالب من‬
‫األحسن أن يتم "بالرتايض" إن أمكن‪.‬‬
‫وسبب هذا املوقف هو أنه يف ظل األزمة الوطنية العميقة التي كانت بالدنا تعيشها يف نهاية الثمانينيات‪ ،‬كان‬
‫من ميزة االنقالب إحداث صدمة سيكولوجية يف الرأي العام الوطني يمكن استغالله من أجل هبة شعبية قوية‬
‫يف اتجاه اعتماد سياسية جديدة للخالص الوطني‪.‬‬
‫غري أن القيام بانقالب قبل إجراء االنتخابات الترشيعية لديسمرب ‪ 1991‬كان شيئا والقيام به بعد صدور نتائج‬
‫هذه االنتخابات شيئا آخر تماما‪.‬‬
‫قبل هذه االنتخابات‪ ،‬االنقالب كان عىل الرئيس الشاديل ؛ أما بعد االنتخابات‪ ،‬فاالنقالب كان عىل الشعب الذي‬
‫صوت بطريقة معينة‪ .‬هذا بالذات ما تم يف جانفي ‪. 1992‬‬

‫االقرتاح الذي قدمته يف الخالصة املرفقة بمرشوع برنامج عمل حكومتي يف ما يخص إعالن حالة الظروف‬
‫االستثنائية كان من شأنه تسمية األشياء بأسمائها من الناحية الدستورية ‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬لفهم هذا املقرتح‪ ،‬يجب أال يغيب عن أذهاننا أنه كان متصال بربنامج يرسم الطريق املؤدية إىل الخروج‬
‫من األزمة‪ ،‬طريق قابلة للدفاع عنها سياسيا أمام شعبنا وقادرة عىل تعبئته من أجل تأييد إجراءات التقويم‬
‫املتخذة من طرف السلطة التي قررت حالة الظروف االستثنائية بعد قيامها بتوضيح األسباب والدوافع التي‬
‫أدت إليها‪ ،‬وكذا الغايات املنشودة منها‪.‬‬
‫كما هو معلوم‪ ،‬لقد وافق املجلس األعىل للدولة عىل برنامج العمل لحكومتي‪ ،‬غري أنه لم يؤيدني يف إعالن حالة‬
‫الظروف االستثنائية بحجة االلتزام الذي اتخذه أعضاؤه عىل عاتقهم‪ ،‬رسميا وأمام الشعب‪ ،‬بانتهاء مهامهم مع‬
‫انتهاء املدة املتبقية من عهدة الرئيس الشاديل بعد رحيله ‪.‬‬
‫موعد انتهاء هذه العهدة كان يف أواخر سنة ‪.1993‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬تقبل املجلس األعىل للدولة املقرتح الوارد يف برنامج حكومتي والقايض بتحديد فرتة خمس سنوات‬
‫كفرتة رضورية لتطبيق هذا الربنامج وتهيئة الظروف الالزمة قبل العودة املوفقة إىل املسار االنتخابي‪.‬‬
‫لم يطعن املجلس األعىل للدولة يف رضورة ما أصبح يعرف يف ما بعد بـ "الفرتة االنتقالية"‬
‫وإنما اعترب أنه كان من السابق ألوانه تحديد صيغها يف ذلك الوقت‪ ،‬أي سبتمرب ‪ ،1992‬وأنه سيتم إيجاد حل‬
‫لذلك عند انتهاء مهامه كما كان مقررا‪.‬‬
‫من جانبي‪ ،‬لم أجعل من املوافقة عىل إعالن حالة الظروف االستثنائية وترتيب فرتة انتقالية كما وردت يف‬
‫برنامج حكومتي رشطا مسبقا ملواصلة املهمة التي عهد إيل بها ‪.‬‬
‫لقد كانت لدي الثقة يف املجلس األعىل للدولة ولم أنو أبدا أن تكون يف عالقاتنا مساومة من قبيل "وافقوا عىل كل‬
‫ما أطلب أو أغادر ‪".‬‬
‫أذكر‪ ،‬هنا‪ ،‬أن عضوا يف املجلس األعىل للدولة جاءني‪ ،‬عندما كان برنامج حكومتي بصدد مناقشته‪ ،‬ليقول يل إنه‬
‫كان مستعدا لاللتحاق بي إذا كانت يل النية يف االستقالة يف حالة عدم املوافقة عىل مقرتحي الخاص بإعالن‬

‫‪66‬‬
‫‪ ‬‬
‫حالة الظروف االستثنائية والفرتة االنتقالية ‪.‬‬
‫وقد وثقت يف الوعد الذي وعدت به عىل أساس أن يتم ترتيب مسألة تنظيم هذه الفرتة االنتقالية‪ ،‬التي يتطلبها‬
‫تطبيق برنامج حكومتي‪ ،‬قبل نهاية سنة ‪ ،1993‬وإال ما كان يل أن أقبل مواصلة مهامي عىل رأس الحكومة‪.‬‬
‫كما حصل االتفاق عىل عدم القيام بحصيلة لنشاطات حكومتي انطالقا من الربنامج الذي اعتمدته إال بعد‬
‫انقضاء الفرتة املقرتحة لتطبيقه‪.‬‬
‫وقد أشار الرئيس عيل كايف رصاحة‪ ،‬يف الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى األوىل إلنشاء املجلس األعىل للدولة‪،‬‬
‫إىل أن برنامج الحكومة كان يف حاجة إىل الوقت قبل ظهور نتائجه‪.‬‬
‫لم أعِ د أبدا بإيجاد حل ألي مشكل منذ السنة األوىل من نشاط حكومتي‪ ،‬ناهيك عن مشكل املديونية الخارجية‪.‬‬
‫ترى‪ ،‬عىل أي أساس أو مرجع استطاع الجنرال تواتي أو املجلس األعىل للدولة الحكم بإخفاق الحكومة سنة‬
‫فقط بعد إنشائها؟‬

‫‪67‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪óïÈ‹’ 7Ì@Ëbá ÿ@çbØ@ðÜì‡Üa@‡ÕåÜa@×ì‡å–@¶g@öívÝÜaN20‬‬

‫‪@ @2007O08O08@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫‪".12‬عىل املستوى االقتصادي‪ ،‬لم أسمح لنفيس بالتدخل‪ .‬غري أن ذلك لم يمنعني‪ ،‬يف أواخر ماي ‪ 1993‬تقريبا‪،‬‬
‫من االعتقاد أننا كنا‪ ،‬حسب الظاهر‪ ،‬متجهني نحو الفشل وأننا سنضطر إىل اللجوء إىل صندوق النقد الدويل‪".‬‬
‫فعال‪ ،‬ربما لم يكن الجنرال تواتي يتدخل يف الجانب االقتصادي عىل مستوى االجتماعات الوزارية‪.‬‬
‫لكن هل يستطيع حقا أن يؤكد أنه لم يكن أبدا يتدخل يف هذا الجانب لدى زمالئه عىل مستوى أجهزة وزارة‬
‫الدفاع الوطني‪ ،‬والسيما لدى رئيسه الذي كان آنذاك‪ ،‬كما هو معلوم‪ ،‬الجنرال خالد نزار ؟‬
‫ملاذا ال يكشف الجنرال تواتي لنا‪ ،‬اليوم‪ ،‬عن تلك املعلومات التي وصلته "يف أواخر شهر ماي تقريبا" وجعلته‬
‫يعتقد "أننا كنا‪ ،‬حسب الظاهر‪ ،‬متجهني نحو الفشل وأننا سنكون مضطرين إىل اللجوء إىل صندوق النقد‬
‫الدويل" ؟‬
‫فماذا كانت ‪ ،‬إذاً‪ ،‬تلك العنارص التي استطاع أن يراها ولم يرها غريه بذلك الوضوح ؟ يف الواقع‪" ،‬أواخر ماي‬
‫‪ "1993‬لم يكن هو التاريخ الذي ظن الجنرال تواتي فيه "أننا كنا مضطرين إىل اللجوء إىل صندوق النقد‬
‫الدويل" وإنما قبل ذلك ألن هذا اللجوء كان‪ ،‬بالنسبة إليه‪ ،‬مربمجا منذ جانفي ‪.1992‬‬
‫لذلك لم يكن فشيل‪ ،‬يف نظره‪ ،‬إال تحصيل حاصل ألن نجاح طريقتي كان معناه "الحكم" بالفشل عىل طريقته‬
‫هو من حيث هي قائمة عىل رضورة اللجوء إىل صندوق النقد الدويل الذي كان يمده بالحجة الالزمة من أجل‬
‫فتح اقتصادنا‪ ،‬السيما تجارتنا الخارجية يف فائدة أصحاب" االسترياد‪-‬التصدير‪".‬‬
‫يف أواخر ماي تقريبا‪ ،‬ما بدا "ظاهرا"‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬هو تلك العالمات الدالة عىل قدرتنا عىل الخروج من األزمة من‬
‫دون االضطرار إىل هذا اللجوء‪.‬‬
‫عندما بدأت هذه العالمات تلوح يف األفق‪ ،‬أخذ الهلع يدب يف أوساط املنارصين لهذا الحل‪ .‬هكذا أحسوا برضورة‬
‫التحرك فورا من أجل منع حكومتي التي كانت" حسب الظاهر" موشكة عىل القضاء عىل أية حجة تربر"اللجوء‬
‫إىل صندوق النقد الدويل "لتغطية أهداف وأطماع أخرى غري رشيفة كثريا‪.‬‬
‫هل ينبغي التذكري هنا أن الجنرال تواتي لم يرش‪ ،‬يف الحوار الذي خص به يومية‪ ، El Watan‬إىل أية معلومة أو‬
‫حدث ملموس لتأييد ادعائه املتكرر أن سياسة حكومتي االقتصادية أخفقت ماعدا التقرير املغلوط الخاص‬
‫بمخزوننا من العملة الصعبة الذي ينسبه إىل املستشار االقتصادي للرئاسة وذلك االستعمال املغرض لألرقام‬
‫املتصلة بتطور أسعار البرتول املذكورة يف التقديرات املتوسطة املدى يف الربنامج الحكومي املتعدد السنوات‪.‬‬
‫وكما سنرى من بعد‪ ،‬هذا الهروب أمام الحقيقة إنما كان تعبريا عن خوفه من أن يفضح أمره وتفسريا لرفضه‬
‫بث أشغال امللتقى حول السياسة االقتصادية مبارشة عىل شاشة التليفزيون‪ ،‬أمام املأل كي يتسنى مواجهة‬
‫حجج أنصار اللجوء إىل صندوق النقد الدويل بحجج الرافضني لهذا اللجوء‪ .‬لقد وفرت آنذاك‪ ،‬له أو ملن كلفوه‬
‫التحدث باسمهم‪ ،‬فرصة عظيمة لفضح سياستي ونزعتي القيرصية املزعومة يف ممارسة الحكم‪.‬‬
‫يف الحوار الصحفي املذكور‪ ،‬نجد الجنرال تواتي‪ ،‬وكعادته‪ ،‬يكرر القول ويتهرب من كل برهنة يمكن أن تفضح‬
‫مقاصده الحقيقية‪.‬‬
‫وكما نعلم‪ ،‬التكرار اململ ملعلومات فارغة يعد وسيلة مفضلة لحشو الدماغ‪ .‬لكن‪ ،‬ومن سوء حظ صاحبنا‪،‬‬
‫هيهات أن تتحول األكاذيب املكررة آالف املرات إىل حقائق ثابتة ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪".13‬يف ما يخصني‪ ،‬ويف أواخر أفريل ‪ 1993‬تقريبا‪ ،‬اتخذت قرار التوقف عن أي تعاون مع السيد عبد السالم‪.‬‬
‫يف ديسمرب ‪ ،1992‬كنا قد وضعنا معا خطة طارئة لحماية رؤساء املندوبيات التنفيذية البلدية )الذين عوضوا‬
‫رؤساء البلديات )ورؤساء الدوائر ممن لم تكن لهم رشطة‪.‬‬
‫لقد قامت هذه الخطة عىل تعيني عرشة أشخاص كحد أدنى لهؤالء املسؤولني ليختار كل واحد منهم حرسه كما‬
‫أراد‪ .‬كما تقرر تسليح الحرس بخمسة مسدسات آلية وخمس بندقيات صيد توفرها املديرية العامة لألمن‬
‫الوطني ‪.‬‬
‫ينبغي أن نعلم أنه إىل ذلك الوقت‪ ،‬كان قد سقط ما ال يقل عن ‪ 29‬رئيس مندوبية وأعضاء مندوبيات تحت‬
‫رصاص اإلرهاب ‪.‬‬
‫أذكر أن السيد بلعيد كان موافقا عىل هذه الخطة ولم يكن قلقا من هذا الجانب إىل غاية ذلك اليوم الذي اغتيل‬
‫فيه رئيس املندوبية التنفيذية لبلدية الكاليتوس‪ ،‬سليمان كمال‪ ،‬الذي قتل من دون أن تكون له أية حماية‪ .‬يف‬
‫أفريل ‪ ،1993‬أثناء آخر اجتماع أحرضه يف جهاز التنسيق‪ ،‬تبني يل أن جميع التعليمات الالزمة من أجل تطبيق‬
‫خطة الطوارئ املذكورة لم تصدر بعد ‪.‬‬
‫هكذا بالذات‪ ،‬غادرت االجتماع قائال‪:‬‬
‫"أنا لست هنا من أجل إحصاء الجنائز"‪ .‬ولم تطأ قدماي منذ ذلك اليوم ديوان السيد عبد السالم الذي ظل‬
‫يماطل بشأن هذه املسألة ‪".‬‬

‫مرة أخرى‪ ،‬ينطلق الجنرال تواتي من مزاعم جزافية باتة ال تستند إىل أي وقائع ملموسة ودقيقة‪ .‬إال أنه‪ ،‬يف‬
‫هذه املرة‪ ،‬يضيف شيئا آخر إىل ترسانة مزاعمه سعيا لتشويه الحقيقة واستغالل النية الحسنة ملن يسمعه أو‬
‫يقرؤه‪.‬‬
‫إنه يتالعب باأللفاظ عندما يبدو وكأنه يخلط بني "الديوان" و "املكتب" لإلشارة إىل أماكن العمل عىل مستوى‬
‫الحكومة ‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬جاء نص الحوار الذي خص به اليومية املذكورة بنوع من الغموض يمكن أن يوحي أن االجتماع الذي‬
‫تحدث عنه قد انعقد بمكتبي‪ ،‬وبحضوري‪ ،‬أي أنه استغل حضوري ألشهد ذلك الصخب الذي أحدثه عندما‬
‫احتج ضد تقصريي يف معالجة القضايا األمنية‪ ،‬تقصري كان خطريا السيما وأنه كان متعلقا بأمن األشخاص‪.‬‬
‫بهذه الطريقة املغرضة‪ ،‬الدنيئة وغري الرشيفة‪ ،‬ظن الجنرال تواتي أنه قادر عىل تحمييل‪ ،‬بمفردي‪ ،‬مسؤولية‬
‫قتل أشخاص ‪.‬غري أن الواقع هو غري ذلك إذ أن اجتماعات جهاز التنسيق حول القضايا األمنية التي يتحدث‬
‫عنها الجنرال تواتي كانت تعقد‪ ،‬فعال‪ ،‬بديواني‪ .‬لكن ذلك ال يعني أنها كانت تعقد بمكتبي بالذات وبحضوري‬
‫الشخيص‪ .‬مفردة "الديوان" يف اصطالح أجهزة رئاسة الجمهورية‪ ،‬الوزارات واإلدارات أو املديريات‪ ،‬فقط‪ ،‬عىل‬
‫مستوى مؤسسات القطاع الخاص يمكن أن تتخذ أيضا معنى جماعيا للداللة عىل كافة املساعدين املبارشين‬
‫للرئيس الذي يكون الديوان تابعا له عوض الداللة عىل مقرات هؤالء املسؤولني‪.‬‬
‫هذا هو املعنى الذي نتحدث به عادة عن "مدير الديوان"‪" ،‬رئيس الديوان" لهذا املسؤول أو ذلك‪ .‬وقد حدث‬
‫فعال أن انعقدت اجتماعات بمكتبي الخاص وبرئاستي‪ ،‬غري أن ذلك لم يقع يف جميع األحوال‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬لعل الجنرال تواتي عندما يذكر ديواني إنما يقصد‪ ،‬وبكل بساطة‪ ،‬تلك املكاتب الخاصة بجميع‬
‫املساعدين العاملني معي‪.‬‬
‫هذا الغموض املغرض يسمح للجنرال تواتي باتهامي بإثم عظيم مادام األمر متعلقا بوفاة إنسان‪ ،‬لكن مع ترك‬
‫باب للنجاة له حني يوهم السامع أن قصده لم يكن توجيه هذا االتهام أبدا ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ ‬‬
‫ال أتذكر أي اجتماع وقع بحضوري وغادر فيه الجنرال تواتي مكتبي مع رضب الباب كما يقال عندنا ألنني‪ ،‬يف‬
‫هذه الحالة‪ ،‬كنت سأرفض أي لقاء به ثانية مهما كان السبب‪.‬أضف إىل ذلك أن الجنرال تواتي لم يكن من بني‬
‫املساعدين العاملني معي ولم يكن يتعاون معي شخصيا ‪.‬‬
‫االجتماعات التي كان يحرضها بـ "ديواني" كانت بصفته ممثال لوزارة الدفاع الوطني ومساعدا لها‪.‬‬
‫لم يكن يتعاون معي مبارشة باملعنى الدقيق للكلمة‪.‬‬
‫لعل هذه اإلفاضة مملة للقارئ‪ ،‬لكنها بدت يل من الرضورة بمكان كي أفضح تلك الطرق املاكرة والدنيئة التي‬
‫لجأ إليها الجنرال تواتي يف حواره الصحفي املذكور‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬البد لنا من العودة إىل واقع األمور لتناول تلك‬
‫النقطة التي أثارها الجنرال تواتي يف ما يخص حماية رؤساء املندوبيات التنفيذية البلدية ورؤساء الدوائر ‪.‬‬

‫أ‪ .‬مرة أخرى‪ ،‬ال يذكر الجنرال تواتي فحوى تلك التعليمات التي كان عيل إصدارها أو توجيهها ولم أفعل يف ما‬
‫يخص "تطبيق خطة الطوارئ" التي أشار إليها‪.‬‬
‫كما أنه ال يقول ما إذا كنت أنا املسؤول شخصيا عن توجيه هذه التعليمات أم أنها كانت صادرة عن سلطة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫إنه لم يوضح كيف أنني "تماطلت يف هذه القضية" ولم يقل ما هو بالذات اإلجراء الذي كان عيل أن اتخذه ولم‬
‫أفعل ‪.‬‬

‫ب‪ .‬ال يستطيع الجنرال تواتي أن ينكر أنني أوليت أهمية خاصة وقوية للمسائل األمنية التي كنت أواجهها يف‬
‫ممارسة مهامي كرئيس حكومة‪.‬‬
‫كما أنني لم أدخر جهدا يف مجال توفري اإلمكانيات البرشية‪ ،‬املادية والتنظيمية من أجل هذه املسائل ‪.‬‬

‫ج‪ .‬ال يستطيع الجنرال تواتي أن ينكر أنه منذ إنشاء املنطقة العملياتية‪ ،‬يف نوفمرب ‪ ،1992‬املغطية لواليات‬
‫وسط البالد‪ ،‬كانت لقيادة هذه املنطقة‪ ،‬املوكلة للجنرال محمد العماري‪ ،‬جميع الصالحيات التي جعلت كل‬
‫املصالح األمنية باملنطقة تحت قيادة هذا األخري‪ ،‬بما يف ذلك املصالح التابعة للمديرية العامة لألمن الوطني‪.‬‬
‫من هذه الناحية‪ ،‬لقد سمحت بأقىص ما يمكن ألنني تسببت يف إثارة استياء املساعدين املبارشين يل‪ ،‬أي وزير‬
‫الداخلية والوزير املنتدب لألمن ‪،‬املدير العام لألمن الوطني‪ ،‬يف نفس الوقت‪ ،‬عندما قبلت للجنرال العماري‬
‫بجميع الصالحيات التي طلبها والتي انتهت إىل تجريد الوزيرين املذكورين من كل مسؤولية يف ما يخص‬
‫املنطقة التابعة للقيادة العملياتية‪ ،‬أي منطقة كانت تشمل والية الجزائر العاصمة وبالتايل بلدية الكاليتوس ‪.‬‬

‫د‪ .‬ال يخفى عىل الجنرال تواتي أنه منذ اختالس كمية مهمة من األسلحة عىل يد مجموعات إرهابية من مقرات‬
‫للرشطة‪ ،‬صارت وزارة الدفاع الوطني تمارس سلطة صارمة يف مجال توزيع األسلحة من كل نوع‪.‬‬
‫كما كان لها‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪ ،‬احتكار رشاء األسلحة من الخارج‪ .‬هذا جانب لم يكن لرئيس الحكومة أي‬
‫يتدخل فيه منذ إنشاء هذا املنصب‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ÞáÉÜa@pbÔìc@xŠb‚@âénzÝc@æà@™b©a@ð‹y@ç솋°@aíäbØN21‬‬

‫‪2007O08O10@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫هـ‪ .‬بما أن الجنرال تواتي هو الذي يثري هذا املشكل‪ ،‬أود أن أذكره بواقعة ال يمكن أن تخفى عنه والتي ال‬
‫أستطيع مواصلة سرتها عن الرأي العام الوطني الذي يحاول صاحبنا التالعب به‪ .‬ذات يوم‪ ،‬وبينما أنا عىل‬
‫رأس الحكومة‪ ،‬جاءني حرايس‪ ،‬وكانوا تابعني لسلك عسكري‪ ،‬ليقولوا يل ما ييل ‪:‬‬

‫"عندما ننتهي من الخدمة وندخل ثكنتنا‪ ،‬نُجرب عىل التخيل عن أسلحتنا وتسليمها عندما مدخل الثكنة‪ .‬وإذا‬
‫أردنا الخروج ثانية‪ ،‬خارج أوقات الخدمة لاللتحاق‪ ،‬مثال‪ ،‬بالعائلة الساكنة باملدينة‪ ،‬فال نحمل أي سالح للدفاع‬
‫عن النفس يف حالة التعرض العتداء من طرف اإلرهابيني الذين نشكل بالنسبة إليهم هدفا مفضال‪ .‬هل يمكنكم‬
‫أن تقوموا بيشء ما من أجل تمكيننا من االحتفاظ بأسلحتنا حتى عندما نكون نتجول خارج أوقات الخدمة ؟"‬
‫لقد أصبت بالذهول حقا وأنا أعلم بهذه الحالة‪ ،‬فما كان يل إال أن فاتحت الرئيس عيل كايف يف األمر الذي كان‬
‫حرسه هو أيضا من نفس السلك مثل حريس‪ .‬وقد أخربني أنه كان عىل دراية بهذا األمر وأنه سيتدخل لدى‬
‫الجنرال خالد نزار بوصفه وزير الدفاع‪ .‬العذر املستعمل يف تفسري سبب اإلجراء املذكور هو أن أعضاء أسالك‬
‫األمن‪ ،‬وهم يتجولون أفرادا يف شوارع املدن بزي مدني‪ ،‬كانوا‪ ،‬بالذات‪ ،‬هدفا لإلرهابيني من أجل االستيالء عىل‬
‫األسلحة التي كانوا يحملونها‪ .‬أي أن الهدف من تجريد الحرس من السالح كان من أجل حمايتهم خارج أوقات‬
‫العمل حتى ال يقعوا فريسة لإلرهابيني‪ .‬كما علمت‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬أن أفراد الرشطة كذلك كانوا خاضعني لنفس‬
‫اإلجراء‪ .‬لم أجرؤ إال بصعوبة عىل تصديق التفسري املقدم يل السيما وأن األمر تعلق بحرمان حرس من أسلحتهم‬
‫للدفاع عن النفس عىل الرغم من أنهم كانوا من أول املعرضني لخطر اإلرهاب‪ ،‬ليس فقط من أجل االستيالء عىل‬
‫أسلحتهم وإنما كانوا يعتربون أيضا َخدَمة "الطاغوت" يستهلون تصفيتهم‪ .‬ومعنى ذلك أنه بحجة تجنيب‬
‫هؤالء الوقوع فريسة اإلرهاب بسبب األسلحة التي كانوا يحملونها جعلنا منهم لقمة سائغة لإلرهابيني‪ .‬إن هذا‬
‫اإلجراء الذي يصعب تصديقه‪ ،‬قد ُرفع بفضل احتجاج مختلف أفراد األسالك األمينة عليه السيما بعد سقوط‬
‫ضحايا كثريين لألسف ‪.‬‬

‫ال يقول لنا الجنرال تواتي من "ماطل" يف هذه القضية‪ .‬أما يف ما يخصني‪ ،‬وبما أنه لم تكن لدي أي مسؤولية‬
‫يف مجال تسليح حريس‪ ،‬ال أري كيف كان بإمكاني "املماطلة" يف تنفيذ خطة الطوارئ التي يتحدث عنها‬
‫صاحبنا وأنّي يل أن أتحمل أية مسؤولية يف اغتيال رئيس املندوبية التنفيذية لبلدية الكاليتوس ! كما ال يقول‬
‫الجنرال تواتي‪ ،‬بطريقة ملموسة ودقيقة‪ ،‬يف ماذا "ماطلت" يف تطبيق إجراءات كنت قد "وافقت عليها تماما"‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬أراني مرة أخرى ال أملك إال تأكيد ذلك الغموض الذي اكتنف ترصيحاته وسمح له بأن يحيط نفسه‬
‫بسحابة كثيفة عوض اإلدالء بأجوبة رصيحة عن ترصفاته‪ .‬و‪ .‬يف الواقع‪ ،‬اإلجراء الذي حرم‪ ،‬لفرتة‪ ،‬أفراد‬
‫األسالك األمنية من االحتفاظ بأسلحتهم خارج أوقات العمل كان مرده إىل سبب آخر أكثر مصداقية‪ ،‬أي‬
‫الخشية من أي يسلم بعض من هؤالء األفراد أسلحتهم إىل اإلرهابيني طواعية‪ .‬ينبغي أن نشري هنا إىل أننا كنا يف‬
‫فرتة صارت إمكانية تسلل عنارص إرهابية يف صفوف األسالك األمنية هاجسا حقيقيا لدى مسؤويل هذه‬
‫األسالك‪ .‬وقد تم اكتشاف عدد من هذه الحاالت ؛ مما فرض حذرا أكرب‪ ،‬ربما إىل حد اإلفراط ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ ‬‬
‫أثناء االجتماع الذي ضم والة املنطقة الوسطى من الوطن املحيطة بالعاصمة وبمناسبة لقاءات بممثيل‬
‫املجاهدين‪ ،‬قيل لنا إن مطاردة الجماعات اإلرهابية من طرف الوحدات الكربى التابعة ملختلف أسالك األمن‬
‫كانت ناقصة ألن – وكان ذلك تفسريا معقوال – تحركات هذه الوحدات كانت الجماعات اإلرهابية تراها من‬
‫بعيد فكان ألفراد هذه األخرية ما يكفي من الوقت لتخبئة أسلحتهم واالنرصاف من دون ترك أي أثر لهم ‪.‬‬
‫وعندما كانت وحدات الجيش‪ ،‬الدرك الوطني والرشطة تصل إىل األماكن الذي أفادت االستعالمات بوجود‬
‫جماعات إرهابية فيها‪ ،‬كانت ال تجد شيئا‪ .‬وعليه‪ ،‬كان املسؤولون اإلداريون املحليون وممثلو املجاهدين‪ ،‬عىل‬
‫وجه الخصوص‪ ،‬يقرتحون إنشاء مجموعات مسلحة خفيفة تتشكل من متطوعني‪ ،‬السيما مجاهدين يعرفون‬
‫األرض وقادرين عىل التنقل خفية‪ ،‬بل وعىل مطاردة فلول اإلرهاب يف عقر ديارها ذاتها‪ .‬لقد تبنيت هذه الفكرة‬
‫وطرحتها عىل كل من الجنرال خالد نزار والجنرال ملني زروال عندما خلفه يف منصبه وزيرا للدفاع الوطني‪.‬‬
‫وكنت يف كل مرة ألقى آذانا صاغية لكن مع وجود اعرتاض واحد ‪" :‬من يستطيع أن يثبت لنا أن األسلحة التي‬
‫سنسلمها‪ ،‬نحن أنفسنا‪ ،‬ملجموعات املتطوعني لن توجﱠ ه ضدنا ؟"‪ .‬ولتفادي أي انحراف من هذا القبيل‬
‫للمجموعات املتطوعة‪ ،‬اقرتحت تأطريها بضباط متقاعدين سواء من الجيش الوطني الشعبي‪ ،‬الدرك الوطني أو‬
‫الرشطة‪ ،‬إضافة‪ ،‬عند الحاجة‪ ،‬إىل ضباط سابقني يف جيش التحرير الوطني‪ .‬ذلك هو الرتدد الذي منع أو أخر‬
‫لوقت ما تكوين مجموعات مسلحة للدفاع الذاتي ومحاربة اإلرهاب وكذا تسليم األسلحة الالزمة لعمل هذه‬
‫املجموعات‪ .‬يف ما بعد‪ ،‬أفضت هذه الفكرة إىل إنشاء وحدات من املتطوعني يف محاربة اإلرهاب املعروفة بـ‬
‫"الوطنيني ‪" (LES PATRIOTES).‬لم أكن مسؤوال يف يشء عما حصل من "تماطل" يف تشكيل هذه الوحدات‬
‫و‪،‬ربما أيضا‪ ،‬يف تأخري "تطبيق خطة الطوارئ "التي تحدث عنها الجنرال تواتي‪ .‬غري أن "املماطلة" يف هذه‬
‫الحالة ال يتحدث عنها الجنرال تواتي قط ألنه كان‪ ،‬من مركزه‪ ،‬يعلم جيدا أنني لم أكن معنيا باملسؤولية فيها ‪.‬‬

‫‪".14‬كما ذكرت‪ ،‬إنه رجل ذو رؤية قيرصية للسلطة‪ .‬فإذا كانت خدمة اإلمرباطورية يف زمن روما القديمة ال‬
‫يمكن أن تتم إال من خالل خدمة مجد القيرص‪ ،‬يا حرستاه عىل يس بلعيد ! لم يكن من املمكن خدمة الجزائر إال‬
‫يف إطار ما كان يراه ويتصوره‪ .‬يف نظره‪ ،‬كل طريقة أخرى كانت إما محكوما عليها بالفشل أو مشكوكا يف‬
‫أمرها"‪ .‬هذا االدعاء هو‪ ،‬يف الحقيقة‪ ،‬تعبري عن غيظ لم يستطع صاحبه كظمه ذلك أن الجنرال تواتي – الذي‬
‫يحب كثريا "ذكر" األشياء – ال يذكر بعض الوقائع ميزت عالقاتنا وأدت إىل استيائه مني‪ .‬املنصب الذي كان‬
‫يشغله يف وزارة الدفاع الوطني حيث كانت تر ﱠوج الشائعات بكونه "املخ" – منذ ذلك الدور الذي صار للجيش‬
‫الوطني الشعبي ولهذه الوزارة‪ ،‬السيما إثر التغيري السيايس الذي وقع يف البلد يف جانفي ‪ – 1992‬اعتاد‬
‫الجنرال تواتي عىل تلك "املساعي" والتوسالت التي كان بعض من أشباه الساسة )املمتلئة بهم ساحتنا‬
‫السياسية‪ ،‬السيما يف الدوائر العاصمية( يقومون بها لديه من أجل الحصول عىل دعم لطموحاتهم‪ .‬فبالنسبة إىل‬
‫هؤالء ممن كانوا يظنون أنهم مدينون له بيشء أو يخشون جانبه‪ ،‬كانت رغبات السيد تواتي تعترب أوامر ال‬
‫نقاش فيها ويجب تنفيذها بكل حماسة ورسعة‪ .‬من هذه الناحية‪ ،‬طريقتي لم تكن لرتوقه ؛ مما خلق لديه‪ ،‬من‬
‫دون شك‪ ،‬عداء جعله ينسب إيل تلك "الرؤية القيرصية للسلطة" التي يتحدث عنها بهدف النيل مني ‪.‬ذلك هو‬
‫ما يفرس‪ ،‬يف نظري‪ ،‬العداء الذي يحمله الجنرال تواتي لشخيص ‪.‬‬

‫أ‪ .‬يف نوفمرب ‪ ،1992‬قام وزير العدل بتعليق مهام النائب العام ملدينة الجزائر عىل الرغم من أنني كنت قد‬
‫أصدرت تعليمات إىل جميع الوزراء بعدم تنحية أو تعليق مهام املوظفني السامني التابعني لهم قبل الرجوع إىل‬

‫‪72‬‬
‫‪ ‬‬
‫رئيس الحكومة أوال‪ .‬ويف ما يخص وزير العدل عىل وجه الخصوص‪ ،‬منعته من املساس بوضع النائب العام‬
‫ملدينة الجزائر من دون موافقتي ألنه كان قد أخطرني من قبل بنيته يف القيام بذلك‪ .‬غري أن وزير العدل‪ ،‬ماحي‬
‫باهي‪ ،‬لم يحرتم تعليماتي فنفذ ما كان يريده جاعال إياي‪ ،‬هكذا‪ ،‬أمام األمر الواقع مرصحا للصحافة أن قراره‬
‫جاء يف سياق محاربة الفساد‪ ،‬ناسبا لنفسه وحده رشف ذلك‪ .‬وقد بلغ األمر بالبعض ممن ال يتأخرون أبدا يف‬
‫إلقاء الزيت عىل النار حد القول إن الوزير كان يريد من وراء قراره هذا أن يعطي يل املثل ويربز قصوري يف‬
‫محاربة الفساد‪ .‬وملا كان الجنرال تواتي يعرف أنني لن أبقى صامتا أما هذا التحدي العلني‪ ،‬جاءني ليقول يل‬
‫بالحرف الواحد ‪" :‬الشك أن وزير العدل ارتكب خطأ‪ .‬لكن إقالته من منصبه ستكون خطأ آخر"‪ .‬بل بلغ به‬
‫األمر حد اقرتاح إلغاء تعليق مهام النائب العام وإعادته يف منصبه ‪.‬وقد أجبته أنه لم يكن من عادتي أن أترك‬
‫غريي يتحداني يف ممارسة مسؤولياتي وأنني ال أستطيع أن أحتفظ إىل جانبي بوزير تحدى رصاحة أوامري‬
‫وأنني قد عينت وزيرا آخر يف محله‪ .‬الشك أن الجنرال تواتي وجد يف ردي ما يزعجه باعتباره "ويل نعمة" يف‬
‫منح املناصب وعرابا للنظام السيايس القائم‪ .‬لكن ما كنت أجهله حينئذ وانتهي إىل علمي يف ما بعد هو ما يكون‬
‫الوزير املخلوع قد أرس به إىل مقربني إذ قال إن الجنرال تواتي لم يكتف بالتدخل لدي بعد إعالن قرار تعليق‬
‫مهام النائب العام لكنه طمأنه أيضا بعدم فقدانه ملنصبه‪ ،‬موضحا ‪" :‬لقد تحصلت عىل ضمانات تحميني"‪.‬‬
‫غري أنه‪ ،‬يف حدود علمي‪ ،‬لم يبح باسم الشخص الذي يكون قد أعطى له هذه الضمانات‪ .‬لكن‪ ،‬ترى‪ ،‬من كان‬
‫بمقدوره أن يقدم عىل ذلك ماعدا الساعي إلبقائه يف املنصب ؟ وعليه‪ ،‬البد وأنني ظهرت يف نظر الجنرال تواتي‬
‫عىل أنني أخطأت مرتني‪ ،‬مرة عندما لم استجب لطلبه ومرة عندما طعنت يف مصداقية السلطة الخفية ودور‬
‫العراب الذي كان ينسبه إىل نفسه‪ .‬هذا هو‪ ،‬يف اعتقادي‪ ،‬من أوىل األسباب التي جعلته يتحدث عن "رؤية‬
‫قيرصية للسلطة" التي يتحفني بها ‪.‬‬

‫وتتمة للكالم يف هذا املوضوع‪ ،‬البد أن أشري إىل أن النائب العام ملجلس قضاء الجزائر كان إحدى الركائز‬
‫األساسية يف الجهاز القضائي عىل مستوى العاصمة يف مجال محاربة اإلرهاب‪ .‬سنوات من بعد‪ ،‬تسبب دوره يف‬
‫هذه املحاربة يف قتل أحد أقاربه عىل يد اإلرهاب‪ .‬كل ذلك للداللة عىل أن إجراء تعليق مهام هذا النائب لم يكن‬
‫مؤسسا وكان جائرا إزاء شخص خدم الدولة بتفان وعرض نفسه ألخطار أكيدة‪ .‬وعىل الرغم من أن اتهام‬
‫الوزير له بالرشوة كان يثري السخرية‪ ،‬إال أن هذا الوزير لم يرتدد يف اتخاذ قراره املنفرد بتعليق مهام النائب‪.‬‬
‫يكفي‪ ،‬للتأكد من بطالن هذا االتهام‪ ،‬االطالع عىل امللف الذي شكله الوزير إلسناد قراره‪ .‬هذا الوزير كان يجهل‬
‫أن امللف الذي كان بحوزته تضمن وثائق تحمل اتهامات ضده‪ ،‬هو ذاته‪ ،‬مماثلة لتلك االتهامات املوجهة ضد‬
‫النائب العام الذي كان يريد التخلص منه!‬

‫‪73‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪paím@ßa‹å§bi@ðmbÔþÈ@Šíè‡m@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN22‬‬

‫‪2007O08O11@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫ب‪ .‬تعليق يومية ‪ El Watan‬التي تحدثت عن معارفها بمثل واقعة أخرى طبعت تدهور عالقاتي بالجنرال‬
‫تواتي‪ .‬لم يستطع هذا األخري أن يهضم تعليق اليومية التي كانت تحت حمايته السيما عندما رفضت رفع هذا‬
‫التعليق‪ .‬أضف إىل ذلك‪ ،‬وكما ذكرت من قبل‪ ،‬تكون يومية ‪ El Watan‬قد تحركت يف الواقعة املذكورة بإيعاز‬
‫من الجنرال تواتي ؛ مما جعل قراري بتعليقها بمثابة التكذيب ملا كان يقال عن قوته داخل السلطة آنذاك‪.‬‬

‫الشك أن ذلك هو ما يفرس العداء الناجم عن كربيائه املجروحة حتى وإن لم أكن‪ ،‬آنذاك‪ ،‬عىل علم بصالته مع‬
‫اليومية املذكورة وترصفاته الخبيثة ضد منافسيه داخل وزارة الدفاع الوطني ‪.‬‬

‫ج‪ .‬كما هو معلوم‪ ،‬منذ تعييني عىل رئاسة الحكومة‪ ،‬شنت الزمر السياسية – ممن سمت نفسها بـ‬
‫"الديمقراطية" و"الجمهورية" وبعض الفرديات الدائرة يف فلكها األيديولوجي – ضدي حملة قدح وتشنيع‬
‫حادة عىل أساس أنني كنت "رجل املايض"‪ .‬املايض لدى املتحاملني عيل كان املقصود منه تمسكي بقيم الوطنية‬
‫الجزائرية ومعارضتي لتصورات الحركة الرببرية االنفصالية عىل وجه الخصوص‪ .‬ويف ردي عىل هذه الحملة‬
‫املعادية‪ ،‬قلت إن أصحابها لم يكونوا سوى ورثة من كانوا‪ ،‬يف زمن ما‪ ،‬ينكرون وجود أمتنا ذاته ويدعون إىل‬
‫إدماج الجزائريني يف فرنسا وأنهم كانوا‪ ،‬عىل الرغم من صغر أعمارهم‪ ،‬هم رجال املايض ما ماداموا حاملني‬
‫أفكارا وتصورات موروثة عن هذا املايض‪ ،‬لكنه ماض يريدون إخفاءه عن األجيال الصاعدة‪ .‬لقد أبدى يل‬
‫الجنرال تواتي امتعاضه حول هذه املسألة فكانت مناسبة أدركت فيها عمق الخالفات التي لم تكن تفصلنا‬
‫فحسب وإنما كانت تجعلنا أيضا عىل طريف نقيض عىل الصعيد األيديولوجي والسيايس‪ .‬وأنا أصغي إليه‪ ،‬تهيأ‬
‫يل وكأنني كنت استمع إىل كل تلك األقوال التي حاربها الوطنيون الجزائريون يف السابق‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ما أدهشني‬
‫وأحزنني معا هو أن أكتشف أن واحدا من حاميل هذه التصورات كان معششا عىل قمة هرم القيادة العسكرية‬
‫يف بالدنا ‪.‬‬

‫يف الواقع‪ ،‬لم يغفر يل الجنرال تواتي أبدا إدانتي العلنية ملن كانوا تحت حمايته وجعل من نفسه عرابا لهم عىل‬
‫مستوى أكثر املؤسسات أهمية يف السلطة‪ ،‬أال وهي الجيش الوطني الشعبي‪ .‬ومرة أخرى‪ ،‬قمت بثلم ذلك الصنم‬
‫الذي أراد إقامته لنفسه يف نظر أتباعه السياسيني ممن كانوا أيضا ال ينقطعون عن مدحه ‪.‬‬

‫د‪ .‬لعلنا نتذكر االنتخابات املحلية التي جرت سنة ‪ 1990‬وقاطعتها جبهة القوى االشرتاكية حيث حصل‬
‫التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عىل األغلبية يف عدد من املجالس البلدية والوالئية يف كل من واليات تيزي‬
‫وزو‪ ،‬بجاية‪ ،‬والبويرة من دون أن تتعدى نسبة فوز مرشحيه ‪ % 10‬من الناخبني املسجلني‪ .‬ويف محاولة منه‬
‫لالحتجاج ضد سياسة حكومتي‪ ،‬طلب هذا الحزب من منتخبيه االستقالة من جميع املجالس املذكورة حتى‬
‫وإن رفض عدد منهم تعليمة الحزب مفضلني الوفاء لناخبيهم‪ .‬لكن ما أخفاه محتجو هذا الحزب املزعومون‬
‫عن مناضليهم والرأي العام هو اتصالهم‪ ،‬مبارشة بعد خبطتهم اإلعالمية هذه‪ ،‬بوايل تيزي وزو مطالبني إياه‬

‫‪74‬‬
‫‪ ‬‬
‫بتعيينهم أعضاء يف املندوبيات التنفيذية الخاصة التي أحلت محل املجالس املنتخبة بعد أن هجروها‪ .‬هكذا‬
‫استطاعوا‪ ،‬بطريقة ملتوية‪ ،‬استعادة تلك الصالحيات واالمتيازات التي ضحوا بها يف عيون الرأي العام من أجل‬
‫التعبري عن معارضتهم لحكومتي‪ .‬وعندما بلغني نبأ ذلك‪ ،‬رفضت طلب املعنيني لدى الوايل من دون تردد‪.‬‬
‫موقف التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يف هذه الواقعة كان منطو عىل تناقض يصعب فهمه إذ كيف‬
‫يمكن أن يطلب هذا الحزب من منتخبيه االستقالة من املجالس املحلية احتجاجا عىل سياسة الحكومة ثم يطلب‬
‫من نفس الحكومة إعادة الصالحيات لهؤالء واالمتيازات املتصلة بوظائفهم‪ .‬يف الواقع‪ ،‬بالنسبة إىل قيادة هذه‬
‫الحزب‪ ،‬لم نكن‪ ،‬أنا وأعضاء حكومتي‪ ،‬إال أداة طيعة يف أيدي الحكام الحقيقيني الذين كانوا يدعون صلتهم‬
‫بهم‪ .‬هذا ما جعلهم يظنون أنهم كانوا قادرين عىل التحامل عىل الحكومة وتجاوزها يف سبيل تحقيق مطامحهم‬
‫غري املرشوعة‪ .‬وما لبثت أن أدركت عروة السلطة الفعلية التي كان عنارص التجمع من أجل الثقافة‬
‫والديمقراطية متشبثني بها يف شخص الجنرال تواتي حينما جاءني هذا األخري من أجل االستجابة إىل طلب هذا‬
‫الحزب يف ما يخص إعادة الصالحيات للمستقيلني ضمن املندوبيات التنفيذية التي كانت بصدد تعويض‬
‫املجالس املنتخبة ‪.‬بطبيعة الحال‪ ،‬لم ألب طله ؛ مما جعلني أنال مرة أخرى من تلك الهيبة التي أراد أن يضفيها‬
‫عىل نفسه كعنرص بارز يف السلطة‪ .‬الطعن يف مركزه يف هذه الواقعة كان‪ ،‬بالنسبة إليه‪" ،‬رؤية قيرصية‬
‫للسلطة"‪ .‬من جانبي‪ ،‬لم أستطع‪ ،‬أمام مسعى من هذا القبيل‪ ،‬أن أمنع نفيس من تذكر بعض من تلك األفكار‬
‫التي كان اإلسالميون يرددونها ويقولون إنهم لم يفهموا كيف أن قائد حزب التجمع من أجل الثقافة‬
‫والديمقراطية‪ ،‬حزب أقلية يف البلد‪ ،‬يريد أن يظهر بمظهر املعارض الشديد للسلطة‪ ،‬يسمح لنفسه بمخاطبتنا‬
‫كلما التقيناه بهذه العبارة ‪" :‬لن نرتككم تفعلون كذا أو كذا"‪ .‬وقد كان هؤالء يتساءلون عن مصدر تلك الثقة‬
‫التي كانت لزعيم هذا الحزب كما لو كان هو السيد يف البالد يف حني حزبه لم يكن يمثل إال أقلية من املواطنني‪،‬‬
‫بما يف ذلك مواطني تلك املناطق التي كان يدعي تمثيلها‪ .‬بالنسبة إيل‪ ،‬األمور كانت بسيطة ألن مصدر هذه الثقة‬
‫لم يكن سوى الجنرال تواتي‪ .‬ورسعان ما استنتجت أن الرئيس الحقيقي للتجمع من أجل الثقافة‬
‫والديمقراطية لم يكن الشخصية املعروفة لدى الرأي العام وإنما تلك الشخصية األخرى التي‪ ،‬من فوق هرم‬
‫وزارتنا للدفاع الوطني‪ ،‬نصبت نفسها مصدر وحي لسياسة البالد‪ ،‬بما يف ذلك تلك املجاالت التي تدعي أنها‬
‫منعت نفسها من التدخل فيها‪ .‬وقد فاتحت الجنرال خالد نزار يف األمر وعربت له عن دهشتي من مسعى‬
‫الجنرال تواتي يف صالح الحزب املذكور علما أنه كان واحدا من الضباط العسكريني من ذوي املكانة البارزة‬
‫بجانبه لكنه نصب نفسه القيم الحقيقي لهذا الحزب ال مجرد رجل يعرب عن آراء قريبة ممن كانوا يصفون‬
‫أنفسهم بـ" الديمقراطيني"‪ .‬وملا كان الجنرال خالد نزار مدركا للطابع الغريب لوجود مساعد مقرب بجانبه‬
‫يحمل أفكار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ويساند مبادراته السياسية‪ ،‬اكتفى بالرد عيل بهذه العبارة ‪:‬‬
‫"كال ! كال ! إنه وطني ! إنه وطني ‪!".‬‬

‫تلك هي بعض من الوقائع التي كانت‪ ،‬ربما‪ ،‬مصدر العداء الذي حمله يل الجنرال تواتي ولم يبينه يل رصاحة‬
‫عىل الرغم من أن هذه الوقائع تدل عىل الفكرة التي كانت له حويل يف ما يخص تصوري ملمارسة الحكم‪ .‬ومثلما‬
‫هو الشأن يف ما يخص املجال االقتصادي‪ ،‬يكتفي الجنرال تواتي بإطالق أحكام من دون إسنادها إىل معطيات‪.‬‬
‫أما من جانبي‪ ،‬فأكتفي بالقول إنني أفضل أن يتهمني الجنرال تواتي بـ "رؤية قيرصية للسلطة" عوض أن‬
‫يلومني غريه عىل أنني كنت أداة طيعة يف يده‪ .‬وكما قال يل عضو سابق يف ديواني عىل رأس الحكومة حينما‬
‫نبهني إىل أن القيرص كان‪ ،‬يف نهاية األمر‪ ،‬إمرباطوريا رومانيا عظيما وليس هناك ما يدعوني إىل االستياء عندما‬
‫يتهمني الجنرال تواتي بـ "رؤية قيرصية للسلطة"‪ .‬أشاطره الرأي السيما وأن األوضاع التي كانت البالد تمر‬

‫‪75‬‬
‫‪ ‬‬
‫بها آنذاك حينما كان الشغل الشاغل هو إعادة الهيبة واملصداقية للدولة يف عيون املواطنني الذين كان ربما من‬
‫مصلحتهم استشفاف تلك "الرؤية القيرصية للسلطة" عىل مستوى أحد املناصب العليا يف الدولة ‪.‬‬

‫‪".15‬ثم إن طريقته كلها كانت مفككة‪ .‬يف الوقت الذي كان مرتابا مني ويتهمني بكل ذنوب الدنيا‪ ،‬نجده‪ ،‬يف‬
‫ماي ‪ ،1993‬يعرض عيل منصب وزير الداخلية‪ .‬أنا لم أكن حتى أرغب يف لقائه ثانية ولم استجب لطلب لقائه‬
‫لوال إلحاح خالد نزار‪ .‬عندئذ زرته بإقامته ال بمكتبه"‪" .‬بطبيعة الحال‪ ،‬رفضت عرضه ألسباب سياسية‬
‫واقتصادية رشحتها له مبارشة‪ .‬لكن البد أن أقول إننا افرتقنا يف جو من الود‪ .‬ثم إنني أظن أنه لم يقرتح عيل‬
‫املنصب إال بعدما وصلته أصداء تفيد بتعيني وشيك لرضا مالك عىل رأس الحكومة‪ .‬يف نهاية األمر‪ ،‬السيد عبد‬
‫السالم انتهي به املطاف إىل االنغالق عىل ذاته‪ ،‬انغالقا يبدو أنه صار مزمنا‪ .‬لذلك تجده يتحامل عىل غريه تهربا‬
‫من تحمل مسؤولية إخفاقاته‪ .‬ما وقع فعال هو أن السيد عبد السالم تمت إقالته كرئيس حكومة من طرف‬
‫املجلس األعىل للدولة لسبب أسايس‪ ،‬أال وهو إخفاق سياسته االقتصادية‪ ...‬أود أن أقول للسيد عبد السالم هذه‬
‫الكلمات ]بالقبائلية يف النص[ ‪’ :‬أذي ذاوي ربي ألحس أومغنون’ ومعناها ‪’ :‬اللهم اشف عبدك املريض ‪!‘".‬‬

‫أ‪ .‬ينبغي‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬تصحيح ما جاء عىل لسان الجنرال تواتي من أخطاء ال تبدو عفوية ‪.‬‬

‫أوال‪ ،‬اللقاء الذي جمعني بالجنرال تواتي حيث عرضت عليه منصب وزير الداخلية لم يقع يف ماي ‪1993‬‬
‫وإنما‪ ،‬كما يؤكده هو نفسه‪ ،‬يف أواخر جويلية ‪ ،1993‬بعد اجتماع املجلس األعىل للدولة املنعقد يف ‪ 18‬من نفس‬
‫الشهر وبعد مأدبة الغداء التي دعيت إليها بمقر إقامة الرئيس عىل كايف بحضور الجنرال خالد نزار يومني من‬
‫بعد ‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬اللقاء الذي تم بيني وبني بالجنرال تواتي جرى بمقر إقامتي ال بمكتبي ألن أغلبية استقباالتي كانت تتم‪،‬‬
‫بالذات‪ ،‬يف تلك الفيال التي خصصت يل كإقامة رسمية أثناء تأدية وظائفي‪ ،‬وذلك بطلب من مصالح األمن التي‬
‫كانت تريد تجنيبي تنقالت متكررة عرب شوارع العاصمة ما بني مقر إقامتي وقرص الحكومة ‪.‬‬

‫ثالثا‪ ،‬العرض الذي اقرتحته عليه لتعيينه وزيرا للداخلية كان مندرجا يف سياق مشاورات كنت قد رشعت فيها‬
‫– باالتفاق مع الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار‪ ،‬بعد مأدبة الغداء التي جمعتنا يوم ‪ 20‬جويلية ‪– 1993‬‬
‫من أجل إجراء تعديل يف حكومتي‪ .‬كما تواصلت هذه املشاورات مع املساعد الذي كلفه الجنرال خالد نزار‬
‫باستكمال املحادثات معي بعد مأدبة العمل املذكورة‪ .‬وقد اتفقنا‪ ،‬ألسباب سبق ذكرها‪ ،‬حول تغيري وزير‬
‫طرح اسم‬ ‫الداخلية‪ ،‬محمد حردي آنذاك‪ ،‬لكن مع االحتفاظ بهذا األخري عضوا يف الحكومة يف منصب آخر‪ .‬هكذا‪ُ ،‬‬
‫الجنرال تواتي ألنني كنت قد اتفقت مع الجنرال خالد نزار أن يكون وزير الداخلية شخصية من وزارة الدفاع‬
‫الوطني اتقاء ملا ظهر‪ ،‬من قبل‪ ،‬من سوء تفاهم واختالف يف املزاج بني مسؤولني من هذه الوزارة ونظرائهم يف‬
‫وزارة الدفاع‪ .‬ثم إن الجنرال تواتي ذاته لم يكن مرشحي وإن العرض الذي اقرتحته عليه كان‪ ،‬بالنسبة إيل‪،‬‬
‫مسألة ضمري‪ ،‬أساسا‪ ،‬وشعور برضورة االختيار ما بني عدد من املرشحني للمنصب‪ .‬الجنرال خالد نزار نفسه‬
‫حذرني أنه كان يتوقع رفض الجنرال تواتي منصب وزير الداخلية بنسبة ‪ ،% 80‬موضحا يل أن هذا األخري‬
‫صار يزعجه كثريا بسبب طبيعة اإلصالحات التي كان يدعو إىل إدراجها يف الدستور املزمع تعديله‪ .‬أضف إىل‬
‫ذلك أن الشخص الذي أوفده إيل الجنرال خالد نزار بغرض استكمال املشاورات املتصلة بالتعديل الحكومي‬

‫‪76‬‬
‫‪ ‬‬
‫املنتظر قد أخرني‪ ،‬هو اآلخر‪ ،‬أنه لم يعد يعول عىل الجنرال تواتي لشغل منصب وزير الداخلية ‪.‬‬

‫رابعا‪ ،‬يدعي الجنرال تواتي‪ ،‬يف حواره الصحفي‪ ،‬أنه لم يرض بمقابلتي مرة ثانية إال عىل مضض‪ .‬فعال‪ ،‬ال‬
‫أستطيع أن أطلع عىل ما بقرارة نفسه يف اللقاء الذي جرى بيننا بعد عودته من "عطلة ‪ 48‬ساعة" بباريس‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬أكتفي باإلشارة إىل ما أخربني به يف هذا اللقاء ‪:‬‬

‫‪ -‬سعيه لدى الخزينة الفرنسية للتأكد من صحة األرقام الواردة يف املذكرة الصادرة عن حكومتي يف ما يخص‬
‫توجهات سياستي االقتصادية‪ ،‬وهي ذات األرقام التي سبق يل ذكرها‪ ،‬شخصيا‪ ،‬يف ترصيح عمومي بثته جميع‬
‫وسائل اإلعالم التابعة للقطاع العام ؛‬

‫‪ -‬رغبته يف مغادرة الجيش الوطني الشعبي يف حالة عدم القيام ببعض التغيريات التي كان يراها أساسية يف‬
‫الدستور الذي كان يدعو إىل تعديله‪ .‬عىل أية حال‪ ،‬موقفه من هذه املسألة هو الذي اتخذ منه سببا يف رفضه‬
‫منصب وزير الداخلية‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪Ê÷bÔíÜa@êîí“nÜ@kîˆbØÿa@óŠb¿@¶a@dvÝî@çbØ@ðmaím@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN23‬‬

‫‪2007O08O12@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫ب‪ .‬وألنه عاجز عن تأييد مزاعمه بالحجج املستندة إىل وقائع قابلة للتأكد منها‪ ،‬نجد الجنرال تواتي يلجأ إىل‬
‫ممارسة يبدو أنها صارت ميزة يف ترصفاته ‪.‬تتمثل هذه املمارسة يف تشويه الوقائع تماما وترتيب األمور‬
‫بحسب ما يحتاج إليه من لجوء إىل أكاذيب يريد أن يحمل غريه عىل تصديقها‪ .‬هكذا‪ ،‬وحسب ما جاء عىل لسانه‬
‫يف الحوار الذي خص به يومية‪ ، El Watan‬كنت أقوم بمهامي بصورة عادية إىل أن وصلتني أنباء عن وشوك‬
‫تغيريي برضا مالك عىل رأس الحكومة ‪.‬‬

‫وهكذا أيضا‪ ،‬حسب زعمه وبعدما دب اليأس إيل‪ ،‬جاءتني فكرة اللجوء إىل مساعي الجنرال تواتي من خالل‬
‫عريض له منصب وزير الداخلية كي يتسنى يل‪ ،‬بفضله‪ ،‬املحافظة عىل منصبي‪ .‬هذه الرتّهة لم تكن إال لتثري‬
‫السخرية لو لم ترد عىل لسان رجل اعتربه البعض "مخ" أقوى مؤسسة يف الدولة‪ ،‬أال وهو الجيش الوطني‬
‫الشعبي‪ ،‬وادعى دوار امللهم يف اتخاذ القرارات الخاصة بمصري جميع الجزائريني‪ .‬ها نحن‪ ،‬اليوم‪ ،‬نعرف‬
‫الظروف التي جعلتني أقرتح عىل الجنرال تواتي منصب وزير الداخلية‪ .‬أما يف ما يخص تبدييل برضا مالك فإن‬
‫املسألة لم تكن واردة يف جدول األعمال عىل األقل يف تلك الفرتة‪ .‬يكفيني هنا أن أذكر بتلك الوعود الرباقة التي‬
‫وعدني بها من كانوا أكثر شأنا من الجنرال تواتي يف ما يخص مصريي السيايس‪ .‬فلو اقترص انشغايل عىل‬
‫إرضاء النفس بتلبية مثل هذا الطموح‪ ،‬الكتفيت بأن أترك نفيس أُرفع برفق إىل تلك املكانة التي كان هؤالء‬
‫يلوحون يل بها يف األفق ‪.‬‬

‫فلو كنت‪ ،‬كما يقول الجنرال تواتي‪ ،‬قلقا فعال عىل منصبي الكتفيت يف رد "خطر" تبدييل عىل الترصف‬
‫بالطريقة اآلتية ‪:‬‬
‫‪ -‬منذ البداية‪ ،‬االكتفاء يف إعداد برنامج حكومتي بسياسة اقتصادية متجهة نحو خدمة املصالح التي كان‬
‫الجنرال تواتي يدافع عنها أو اعتماد هذه السياسة ثم الرتاجع عنها واإلرساع يف االستجابة لتطلعات من كان‬
‫مصريي‪ ،‬كرئيس حكومة‪ ،‬بني أيديهم ؛‬
‫‪ -‬عدم اإلفصاح عن معارضتي منذ تنصيب حكومتي لتطبيق تلك العقود العجيبة املربمة مع الحكومة اإليطالية‬
‫واملوروثة عن عهد الرئيس الشاذيل والتي بلغت قيمتها من ‪ 5‬إىل ‪ 7‬مليار دوالر ويقول عنها البعض إنها كانت‬
‫مرتبطة بمصالح مهمة عندنا ؛‬
‫‪ -‬الوقوف‪ ،‬قبل اإلقدام عىل أية مبادرة‪ ،‬عىل ما كان مرغوبا فيه وما لم يكن عىل مستوى من كان قادرا عىل‬
‫إعادة النظر يف منصبي عىل املستوى السيايس ؛‬
‫‪ -‬غض الطرف عن بعض األمور التي ُرشع فيها أو كانت بصدد ذلك‪ ،‬أي االمتناع عن إطالق بعض اإلجراءات‬
‫أو‪ ،‬عىل األقل‪ ،‬منعها من مواصلة طريقها نزوال عند رغبة من قصدني ووعدني‪ ،‬لقاء فهم انشغاالته وتلبية‬
‫طلبه‪ ،‬باالستفادة من دعم قوي يل من طرف "موكليهم" ممن كان شأنهم أعىل بكثري من شأن الجنرال تواتي‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬لو لم يقترص األمر‪ ،‬بالنسبة إيل‪ ،‬سوى عىل ضمان تأييد ملطامحي ونيل رضا "األقوياء"‪ ،‬لكنت‬
‫يف غنى عن الجنرال تواتي ألنه كانت بحوزتي أوراق أخرى أكثر قيمة وفعالية ومصداقية ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪ ‬‬
‫وكما رصحت بذلك عالنية يف تدخيل ببلدية الجزائر العاصمة يوم ‪ 23‬جوان ‪ ،1993‬لم أكن أجهل تلك الطرق‬
‫التي كان يسلكها من كان همهم األول هو خدمة تطلعاتهم والبقاء يف السلطة أو الرقي إىل قمة هرمها‪ .‬أما يف ما‬
‫يخص الجنرال تواتي‪ ،‬حتى ولو أردت أن أنال ثقته والفوز بتأييده – مادام يعترب نفسه "صانع امللوك" –‬
‫كنت أعرف جيدا أن عريض له منصب وزير الداخلية ما كان ليجدي نفعا‪ .‬كان يكفيني أن ألبي رغبته بما يؤكد‬
‫دوره كعراب لدى التجمع الوطني من أجل الثقافة والديمقراطية ويومية ‪ El Watan‬وغريها من الصحف التي‬
‫كانت تدور يف فلكه‪ .‬وحتى ولو لم أستطع الحصول عىل دعمه‪ ،‬كان بمقدوري عىل األقل محاولة إبطال أثر‬
‫تحفظاته بشأني وعداءه يل ‪.‬‬

‫ج‪ .‬ال يمل الجنرال تواتي من تكرار زعمه بخصوص إخفاق سياستي االقتصادية وقيام املجلس األعىل للدولة‬
‫بتنحيتي بسبب هذا اإلخفاق‪ .‬وعندما ال يجد الحجج القائمة عىل عنارص ملموسة‪ ،‬تراه‪ ،‬بسبب اعتياده اللجوء‬
‫إىل استعمال عبارات من الطب العقيل‪ ،‬وكأنه يسقط‪ ،‬بدوره‪ ،‬ضحية ولعه بطريقة ‪ Coué.‬يظن أنه يكفيه‬
‫التكرار اململ لعبارة "سياسته االقتصادية قد أخفقت" كي يتحول هذا اإلخفاق املزعوم إىل حقيقة راسخة يف‬
‫أذهان الناس من دون الشعور بالحاجة إىل تقديم األدلة املثبتة لذلك‪ .‬لذلك تجد طريقته ال تختلف كثريا عن‬
‫طريقة النجار الذي يظل يرضب عىل رؤوس املسامري إىل أن تنغرز يف األلواح‪ .‬لكن‪ ،‬هيهات أن تكون عقول‬
‫الجزائريني مثل ألواح الخشب ‪.‬‬

‫ما قاله الجنرال تواتي يف الحوار الذي خص به يومية ‪ El Watan‬ال يعدو كونه مجرد نسيج من األكاذيب‬
‫وتالعبا باأللفاظ خاليا من أي معنى‪ .‬لذلك‪ ،‬عوض أن يدعم كالمه بالحجج تجده يلجأ إىل تكرار مزاعم إىل ما ال‬
‫نهاية‪ .‬للتذكري‪ ،‬بعد صدور حواره‪ ،‬لفت انتباهه بعض الصحفيني‪ ،‬وكانوا محقني يف ذلك‪ ،‬أنه لم يجب عن أية‬
‫واحدة من الوقائع التي كنت قد ذكرتها يف مقابالتي مع عدد من الصحف قبله‪ ،‬مقابالت كان من املفروض أن‬
‫يرد عليها يف حواره‪ .‬يف آخر األمر‪ ،‬وربما شعورا منه بضعف موقفه وخفة املزاعم التي رددها طيلة نص‬
‫الحوار‪ ،‬اتجه إىل الطعن يف شخيص بعبارات كادت أن تكون شتما سافرا عندما قال عني إني مريض أحتاج إىل‬
‫املعالجة مثلما يحتاج املريض النفساني الذي يظل يردد نفس االدعاءات الفارغة تمنعه من رؤية واقع العالم‬
‫كما هو من حوله‪ .‬وبعدما أحس بالغيظ جراء فضحه سياسيا‪ ،‬لجأ إىل طرق هي أقرب إىل العار‪ .‬أما من‬
‫جانبي‪ ،‬فأنا أرفض أن أتبعه يف الدرب الذي اختار أن يسلكه‪ ،‬متعمدا تفضيل االحتقار عن واجب االحرتام ‪.‬‬

‫‪...".16‬عوض البكاء عىل مجده الضائع‪ ،‬كان األحرى بالسيد عبد السالم أن يسهم يف إثراء النقاش الوطني‪.‬‬
‫فكرة املصلحة العليا لألمة ذاتها لم تنج من سوء معاملة بعض األشخاص الذين أهانوها بردها إىل مستوى‬
‫أشخاصهم الصغرية‪ .‬بالنسبة إيل‪ ،‬فكرة املصلحة العليا لألمة هذه ال يمكن بلورتها خارج الدستور ويف ظل‬
‫احرتام القوانني والتنظيمات‪ .‬ال أعرتف ألي شخص بالحق يف تنصيب نفسه سيدا للوطنية‪ ،‬موزعا "فتاواه" يف‬
‫اتجاه هذه أو ذلك‪ .‬نحن نعيش يف ظل جمهورية وما الساسة إال مجرد مو ﱠكلني‪ .‬ال يولد املرء قائدا‪ .‬نحن‬
‫مطالبون بأال نبتعد عن تلك املفاهيم الجمهورية التي ينبغي‪ ،‬بالعكس‪ ،‬تقويتها‪ .‬الشعب الجزائري غري مدين‬
‫برضيبة عرفان نحو القادة عىل أساس ما كانوا عليه يف مرحلة ما من املايض ‪.".‬‬

‫هذا الكالم الذي قاله الجنرال تواتي يف خاتمة حواره الصحفي لم يكن جديدا إذ كثريا ما نسمعه من أفواه أو‬

‫‪79‬‬
‫‪ ‬‬
‫نقرؤه ألقالم يعاني أصحابها عقدة عدم املشاركة يف حركتنا الوطنية‪ ،‬أو االنحدار من تيارات سياسية أو‬
‫أيديولوجية حاربت هذه الحركة الوطنية من أبناء جلدتنا‪ .‬ذلك هو سبب انتشار عبارات جذابة من قبيل ‪" :‬ال‬
‫أحد له الحق يف احتكار الوطنية" أو‪ ،‬تلك العبارة التي أتحفنا بها الجنرال تواتي حينما قال إنه ال يعرتف ألحد‬
‫بالحق يف إصدار "فتاوى"‪ .‬مثل هذه العبارات ال تتطلب ردا آخر غري االبتسامة‪ ،‬وقد تستدعي قسطا من‬
‫الشفقة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تجدني مضطرا إىل الرد عىل عبارة" وما الساسة إال مجرد مو ﱠكلني" بنوع من االندهاش‬
‫املمزوج بالسخرية‪ .‬ال أملك إال أن أسأله ‪ :‬ترى‪ ،‬ما هي "الفتوى" التي سمحت له باملشاركة يف حرمان منتخبي‬
‫ديسمرب ‪ 1991‬من فوزهم وتنصيب قادة آخرين لم يفوضهم أحد يف محلهم ؟ اللهم إال إذا كان يعتقد‪ ،‬وهذا ما‬
‫أظن‪ ،‬نفسه ومن تبعه يف "فتواه" مصدر املرشوعية يف الجمهورية التي يتحدث عنها‪ ،‬ومن ثمة املوىل الذي يعود‬
‫إليه منح التوكيل ‪.‬‬

‫بالنسبة إىل الوطنيني الجزائريني‪ ،‬الحديث عن الجمهورية وتحويل مبدئها إىل عقيدة مطلقة ال يعدو أن يكون‬
‫دفعا ألبواب مفتوحة أصال‪ .‬فمنذ نشأة حركتنا الوطنية‪ ،‬السيما منذ املؤتمر الوطني الثاني لحزب الشعب‪-‬‬
‫حركة انتصار الحريات الديمقراطية يف أفريل ‪ ،1953‬ظلت فكرة" الجمهورية كشكل حكم" أحد املبادئ‬
‫األساسية بالنسبة إىل ما كان يسمى آنذاك بـ" الدولة الجزائرية املستقلة املقبلة"‪ .‬الوطنيون الجزائريون‪،‬‬
‫السيما منذ استعادة الجزائر الستقاللها‪ ،‬ليسوا يف حاجة إىل الترصف كما لو كانوا صعاليك الثورة الفرنسية يف‬
‫‪ ،1789‬مضطرين إىل التذكري‪ ،‬يف كل مرة‪ ،‬بتمسكهم بالجمهورية من حيث هي مبدأ ثابت وواحدة من القيم‬
‫األصلية لثورتنا‪ .‬أما بالنسبة إىل الفرنسيني‪ ،‬فعىل العكس‪ ،‬الجمهورية منذ نشأتها كمحصلة أساسية للثورة‬
‫الفرنسية تتحدد بعالقتها بالنظام السيايس واالجتماعي الذي جاءت لتقيض عليه وباإلحالة عىل القيم واملعايري‬
‫الجديدة املتمثلة يف الحرية‪ ،‬املساواة واألخوة التي رسختها يف تنظيم املجتمع الفرنيس ويف شكل الحكم الذي أتت‬
‫به يف محل النظام امللكي واإلقطاعي البائد الذي كان قائما عىل عدم املساواة بني الطبقات االجتماعية ‪.‬‬

‫يف ما يخص قيم ثورتنا والتي كانت تشكل الرهان الجوهري يف حرب التحرير الوطني ضد النظام االستعماري‬
‫تمثلت أساسا يف ‪ :‬األمة‪ ،‬االستقالل الوطني‪ ،‬اإلسالم‪ ،‬الثقافة الوطنية العربية اإلسالمية‪ ،‬إعادة املجد لتاريخنا‬
‫الوطني العريق‪ ،‬العدالة االجتماعية‪ ،‬النهوض بجماهرينا الشعبية‪ .‬كل هذه القيم تمثل أساس إعالن أول نوفمرب‬
‫‪ 1954‬وتم تأكيدها منذئذ يف كل مرة من خالل النصوص األساسية لثورتنا‪ .‬لكن‪ ،‬لألسف بالنسبة إىل‬
‫"الديمقراطيني" و"الجمهوريني" املزعومني ممن يع ﱡد الجنرال تواتي نفسه واحدا منهم‪ ،‬أصبحت هذه القيم‬
‫عبارة عن تابوهات ينبغي تحطيمها ومفاهيم موروثة عن مايض وىل وحان وقت نسيانه‪ .‬غري أن الوطنيني‬
‫الجزائريني الذين بقوا أوفياء ألنفسهم وللقيم األساسية والثابتة لثورتنا ال يعتربون أبدا من قبيل تنصيب الذات‬
‫"أسيادا لحب الوطن" أن يواصلوا التمسك بهذه القيم والدفاع عنها يف الوقت الذي يحاول البعض‪ ،‬شفاء‬
‫للغليل الشك‪ ،‬جعلها نسيا منسيا ودفنها إىل األبد ‪.‬جوهر الخالف مع الجنرال تواتي ومن شاطره مشاعره هو‬
‫عىل هذا املستوى ألننا يف هذه الجزائر بدولتها املستقلة اليوم لم ننحدر من نفس األصول ‪.‬‬

‫ختاما‪ ،‬ومن دون اللجوء إىل ترجمة حكمة بسيطة بالقبائلية‪ ،‬أرد عىل الجنرال تواتي بهذه الكلمات" ‪ :‬أدعو الله‬
‫أن يلطف بك وينفعك بحكمته التي ال حدود لها‪!".‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪béjÔaíÈì@>àíÙy@ãbéà@óîbéä@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN24‬‬

‫‪2007O08O13@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫أود اآلن أن أخوض يف الجدل الذي خص مسألة نجاح أو إخفاق السياسة االقتصادية لحكومتي التي لم تعمر‬
‫إال ‪ 13‬شهرا وبضعة أيام‪ ،‬فأبدأ بما ورد يف ذات الخالصة التي ألحقتها بمرشوع برنامج عمل حكومتي‪ ،‬وجاء‬
‫كاآلتي‪:‬‬

‫"تحدد الحكومة‪ ،‬هكذا‪ ،‬األهداف التي ترسمها لنشاطها‪ ،‬كما تعلن بوضوح الوسائل والسبل التي تنوي‬
‫اعتمادها من أجل القيام بمهامها‪ .‬األرضار التي لحقت بالبالد يف املجالني االقتصادي واالجتماعي عميقة وال‬
‫يمكن تقويمها بعصا سحرية وال يف وقت قصري‪ .‬وإذا كان من املمكن األمل يف نتائج ملموسة يف أجل قريب‬
‫نسبيا يف ما يخص معالجة األزمة‪ ،‬فإن الخروج النهائي من هذه األزمة والتسوية الفعلية للمشاكل التي كانت‬
‫السبب فيها ال يمكن تصوره إال عىل املديني املتوسط والبعيد‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬نحن يف حاجة إىل وقت من أجل‬
‫هذا الخروج النهائي ؛ مما يجعل الوقت عامال حاسما يف كل مسعى يكون هدفه الوحيد خالص الجزائر"‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬لقد حذرت ‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬أن حكومتي ال يمكن أن تظهر وتقدﱠر قيمة نتائج نشاطاتها إال عىل املديني‬
‫املتوسط والبعيد‪ .‬إال هذا الحكومة – التي طلبت مهلة بضع سنوات من أجل التمكن من تطبيق برنامج عملها‬
‫– ما لبثت أن أُنهيت مهامها بعد ‪ 13‬شهرا و‪ 10‬أيام فقط‪ .‬إن الذين نصبوا حكومتي ووافقوا عىل برنامجها‬
‫وأقروا برضورة املدة املطلوبة منها ثم ما لبثوا أن أنهوا مهامها سنة ونيف بعد تعيينها‪ ،‬لم يروا‪ ،‬إىل حد اآلن‪،‬‬
‫أي داع إلبالغ الجزائريني باألسباب التي أدت بهم إىل تغيري رأيهم‪ .‬يظل هؤالء‪ ،‬مثل الجنرال تواتي‪ ،‬مكتفني‬
‫بتكرار ادعائهم أن حكومتي أنهيت مهاما ألنها "أخفقت يف سياستها االقتصادية"‪ ،‬لكن من دون توضيح هذا‬
‫اإلخفاق ألنهم لو أرادوا‪ ،‬فعال‪ ،‬أن يبقوا منطقيني مع أنفسهم ملا أمكنهم الحكم عىل هذه السياسة باإلخفاق إال‬
‫بالرجوع إىل الربنامج الذي وافقوا عليه وعىل أساس معطيات ملموسة يمكن أن يفهمها الجميع‪ .‬إن قرار إنهاء‬
‫مهام حكومتي كان بمثابة فسخ العقد من طرف واحد ‪.‬لقد كان هذا العقد معنويا ومكتوبا معا‪ .‬عقد معنوي‪،‬‬
‫ألن العرض املتعلق برتؤيس الحكومة لم يتم اقرتاحه إال بعد االستماع إىل أرائي حول طبيعة األزمة التي كانت‬
‫بالدنا تعيشها آنذاك وحول إيجاد الحلول للمشاكل التي كانت السبب يف هذه األزمة‪ ،‬إضافة إىل مسألة الوقت‬
‫الالزم لذلك‪ .‬عقد مكتوب‪ ،‬ألنه تجسد من خالل برنامج العمل الذي قدمته للمجلس األعىل للدولة للموافقة عليه‬
‫والذي تبلورت فيه األفكار التي كنت قد عربت عنها شفويا أمام من دعاني إىل املنصب وحصل عىل موافقة‬
‫هؤالء رسميا‪ .‬صحيح‪ ،‬العقد ليس نصا مقدسا‪ .‬إنه قابل للتعديل أو اإللغاء يف أي وقت‪ .‬لكن العقد الذي نتحدث‬
‫عنه تعلق بمصري الجزائريني يف جميع مناحي الحياة ؛ لذلك ال يمكن إخفاء األسباب التي أدت إىل إلغائه عن‬
‫الشعب‪ ،‬عىل األقل كي نصدق ما يظل هؤالء يدعونه من أننا نعيش يف جمهورية وديمقراطية يُفرتض فيها‬
‫تجسيد معايري اإلعالم للجميع والشفافية ‪.‬‬

‫أظن أن هذا النص سيفيد الجزائريني بوقائع ومعلومات‪ ،‬ال يعرفونها فقط‪ ،‬وإنما كان هناك سعي إلخفائها‬
‫وتغليط الناس بشأنها‪ .‬أحد املسؤولني عن هذا اإلخفاء وهذا التغليط هو الجنرال تواتي بالذات كما سنرى يف ما‬
‫بعد‪ .‬بقي أن نعرف الظروف التي وقع فيها اتخاذ قرار تنحيتي إضافة إىل محاولة فهم ما قام به املدبرون‬

‫‪81‬‬
‫‪ ‬‬
‫الحقيقيون بعد هذه التنحية ‪.‬‬

‫أوال‪ ،‬عالقاتي باملجلس األعىل للدولة منذ اجتماع ‪ 18‬جويلية ‪ 1993‬واالجتماع الضيق املنعقد يومني من بعد‪.‬‬
‫كما هو معلوم‪ ،‬استمرت املحادثات مع واحد من املساعدين املبارشين للجنرال خالد نزار‪ ،‬وقد خصت‪ ،‬أساسا‪،‬‬
‫التعديل الحكومي وتم االتفاق حول عدد من األسماء بينما وقع االختالف حول أسماء أخرى‪ .‬كما تناولت‬
‫املحادثات أيضا‪ ،‬وبصفة ثانوية‪ ،‬مسائل اقتصادية كان يظن مخاطبي أثناءها أن صندوق النقد الدويل سيمنح‬
‫الجزائر مبالغ مالية ضخمة تمكنها من التغلب عىل البطالة وبالتايل من تقليص عدد الشباب ممن قد يغرهم‬
‫االلتحاق بصفوف التمرد والتخريب‪ .‬أذكر أن هذه املحادثات وقعت بعد االجتماع مع املجلس األعىل لدولة يف ‪18‬‬
‫جويلية‪ ،‬أي أثناء العطلة القصرية التي تلت هذا االجتماع والتي كان من املقرر أن تستمر إىل غاية نهاية النصف‬
‫األول من شهر أوت‪ .‬هذا املساعد‪ ،‬وكان واحدا من الجنراالت القادة عىل مستوى وزارة الدفاع‪ ،‬كلفه الجنرال‬
‫خالد نزار‪ ،‬قبل الذهاب يف عطلة‪ ،‬مواصلة الحديث معي حول تلك املسائل التي تم تناولها معه والبحث عما إذا‬
‫كان هناك حل وسط بشأنها ‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬مسالة تنظيم ملتقى حول الخيارات االقتصادية ورهاناتها‪ .‬يف أواخر جويلية أو أوائل أوت‪ ،‬أعلنت‪ ،‬من‬
‫خالل بالغ‪ ،‬خرب تنظيم ملتقى‪ ،‬يف شهر سبتمرب املوايل‪ ،‬حول الخيارات االقتصادية ورهاناتها موضحا أن هذا‬
‫امللتقى كان مفتوحا لكل من كانوا مهتمني باملسائل االقتصادية وأن جلساته ستكون مفتوحة لجميع الصحف‬
‫ومنقولة مبارشة عرب شاشة التليفزيون‪ .‬بعض من املعارضني لسياستي ظنوا يف هذا اإلعالن مناورة الغاية منها‬
‫تحميل غريي مسؤولية اللجوء إىل صندوق النقد الدويل يف حالة إقراره من أجل إعادة جدولة ديوننا الخارجية‪.‬‬
‫وسواء كانوا قاصدين دعاية كاذبة أو سوء التقدير إلخفاء ما كانوا يفكرون فيه فعال‪ ،‬أراد خصومي حمل‬
‫الناس عىل االعتقاد أنني وصلت إىل االقتناع أال حل آخر غري اللجوء إىل صندوق النقد الدويل للخروج من املأزق‬
‫الذي وضعت نفيس فيه وأنني لم ِأرد‪ ،‬من خالل تنظيم امللتقى املذكور‪ ،‬سوى القيام بمحاولة يائسة الهدف‬
‫منها تحميل غريي مسؤولية إعادة الجدولة وما كان منتظرا منها من عواقب وخيمة عىل مواطنينا‪ .‬هؤالء الذين‬
‫أجهزوا عىل حكومتي‪ ،‬كانوا ينسبون إىل نوايا دعاة إعادة الجدولة‪ ،‬هؤالء الدعاة الذين كانوا يبحثون عن عذر‬
‫لتغطية الغدر الذي كانوا مقدمني عليه ضد الشعب الجزائري‪ .‬لذلك‪ ،‬ويف بالغ ثان أذيع يف جميع وسائل اإلعالم‪،‬‬
‫وضحت أن مرشوع امللتقى كان باتفاق مع املجلس األعىل للدولة ‪.‬‬

‫وفعال‪ ،‬لقد تبنيت نفس الفكرة التي أدىل يل بها الجنرال خالد نزار من قبل يف شكل سؤال ‪" :‬ملاذا لم يتم‬
‫تنظيـم ملتقى حول املسائـل االقتصاديـة؟" أثناء مأدبة الغداء املذكورة التي جمعتنا بمقر إقامة الرئيس عىل‬
‫كايف‪ .‬وكما قلت من قبل‪ ،‬رددت عىل الجنرال خالد نزار هكذا" ‪ :‬متفق ! لكن رشط أن تنقل أشغال املؤتمر عىل‬
‫املبارش يف شاشة التليفزيون‪ .".‬فما كان له إال أن أجابني ببساطة ‪" :‬لم ال ؟"‪ .‬بناء عىل ذلك‪ ،‬أعلنت تنظيم‬
‫امللتقى يف شهر سبتمرب مع نقل أشغاله مبارشة عىل شاشة التليفزيون إىل جانب الصحافة املتواجدة بالقاعة‪ .‬لم‬
‫يتأخر خصومي بشأن السياسة االقتصادية يف الرد عىل التحدي‪ ،‬لكن هذه املرة من جانب املجلس األعىل للدولة‬
‫عىل لسان رضا مالك الذي كان يشرتط أمرين ‪:‬‬

‫‪ -‬أال يكون النقل عرب التليفزيون والصحف مبارشة وإنما من خالل عروض تتم صياغتها بعد كل جلسة ؛‬
‫‪ -‬أال تكون املناقشات تحت رئاستي وإنما تحت رئاسة شخصية أخرى بحجة رضورة سري هذه املناقشة يف جو‬

‫‪82‬‬
‫‪ ‬‬
‫من الحياد ‪.‬‬

‫أما أنا فقد رفضت هاذين الرشطني لألسباب اآلتي ذكرها ‪:‬‬
‫أ‪ .‬يف ما يتعلق بالنقل املبارش للمناقشات عىل شاشة التليفزيون‪ ،‬اإلذاعة والصحافة املكتوبة املعتمدة بامللتقى‪،‬‬
‫حرصت كل الحرص عىل فضح وامتحان صدق من ظلوا طيلة سنة كاملة يهاجمونني بحدة بسبب السياسة‬
‫االقتصادية لحكومتي ولم ينقطعوا عن الطعن يف شخيص ونشاطاتي‪ .‬كما أردت‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪ ،‬مطاردة‬
‫أنصار إعادة الجدولة إىل آخر معقل لهم‪ ،‬مركزا يف تدخالتي عىل النقاط اآلتية ‪:‬‬
‫‪ -‬جرد الحتياجات الجزائر من الواردات‪ ،‬سواء بالنسبة إىل االستهالك العادي للسكان أو بالنسبة إىل دعم‬
‫النشاطات اإلنتاجية ومتطلبات التنمية ؛‬
‫‪ -‬تطور مديونيتنا الخارجية والوضعية الفعلية للجزائر يف مجال املخزون من العملة الصعبة للتسديدات‬
‫الخارجية‪ ،‬مع إعالم الجميع‪ ،‬يف وضح النهار وبلغة يفهمها كافة املواطنني‪ .‬هكذا‪ ،‬كان بوسع كل واحد أن‬
‫يعرف الطريقة املستعملة‪ ،‬منذ صيف ‪ ،1993‬يف ضمان تغطية حاجيات اقتصادينا األساسية‪ .‬بفضل توضيح‬
‫هذه الجوانب الثالثة )وسائل التسديد الخارجية‪ ،‬املديونية الخارجية‪ ،‬تغطية مواردنا األساسية(‪ ،‬كان بإمكان‬
‫الجميع أن يدرك كيف أن وضعنا كان‪ ،‬حقيقة‪ ،‬صعبا لكن لم يكن أبدا مستحيال ؛‬
‫‪ -‬اآلثار الفعلية للحلول املنتظر الحصول عليها جراء االتفاق مع صندوق النقد الدويل‪ .‬أوال‪ ،‬يف ما يخص األرقام‬
‫الفعلية املمثلة للمساعدة اإلضافية السنوية من أجل رفع قدراتنا يف مجال استرياد املواد األولية‪ ،‬املواد نصف‬
‫املصنعة وقطع الغيار الرضورية لالنطالقة االقتصادية ‪.‬ثانيا‪ ،‬كشف فحوى الرشوط املفروضة من طرف‬
‫صندوق النقد الدويل من أجل الحصول عىل حلول بفضل تدخله‪ .‬لقد كان بإمكان الجزائريني‪ ،‬هكذا‪ ،‬معرفة ما‬
‫كانوا بصدده بسبب اآلثار املرتتبة عىل ذلك العالج القايس الذي كان صندوق النقد الدويل يفرضه‪ .‬تلك األرقام‬
‫التي ما فتئ منارصو اللجوء إىل هذه املؤسسة املالية الدولية يتبجحون بها ويقولون إن أمواال ضخمة تعد‬
‫بمليارات الدوالرات ستتدفق علينا وتمأل خزائننا حالة قبولنا إلبرام عقد مع صندوق النقد الدويل كانت‪ ،‬أي هذه‬
‫األرقام‪ ،‬ستُفضح وستظهر عىل حقيقتها لتقيض عىل جميع األوهام‪ ،‬يف حني ستؤدي الرشوط املفروضة إىل‬
‫عواقب قاسية عىل حياة كافة الجزائريني ماعدا أقلية منهم من املنتفعني الذين كان مثل هذا الوضع يف صالحهم‬
‫بحيث كان سيقذف بهم إىل قمم الثراء بفضل الفوائد الضخمة الحاصلة عن طريق عمليات االسترياد‪-‬التصدير ‪.‬‬

‫‪ -‬حمل كل من كانوا يتحركون يف الظل ويروجون ألرقام مغلوطة‪ ،‬أو يحمﱢ لون أرقاما صحيحة تأويالت تبعث‬
‫عىل اليأس والهلع‪ ،‬عىل الخروج إىل العلن وتعريض أنفسهم للتفنيد والتكذيب عىل مرأى ومسمع املأل‪.‬‬
‫وباختصار‪ ،‬أردت أن أفضح هؤالء أمام الناس جميعا ‪.‬‬

‫لقد كنت مصمما فعال عىل مواصلة حملة التطهري والتوضيح التي رشعت فيها منذ تدخيل أمام إطارات والية‬
‫الجزائر العاصمة يوم ‪ 24‬جوان‪ ، 1993‬حملة أكدتها يف ما بعد بنرش وثيقة مكتوبة وموزعة تحت عنوان‬
‫"مذكرة لعرض التوجهات الرئيسية لربنامج الحكومة االقتصادي"‪ .‬هكذا‪ ،‬كنت عاقدا العزم عىل فضح من‬
‫كانوا يصطادون يف املياه العكرة وكانوا يدبرون املكائد يف الخفاء‪ .‬لكن يف ما يخصني أيضا‪ ،‬كنت أعرض نفيس‬
‫لصعوبات أو لتكذيبات بشأن املواقف‪ ،‬املعلومات واملعطيات التي كنت أستند إليها كأساس لسياستي‬
‫االقتصادية وكتربير للخيارات واألهداف املتضمنة يف هذه السياسة‪ .‬تلك هي قاعدة اللعبة‪ ،‬وقد قبلتها بصدر‬
‫رحب ألنني لم أكن أخفي شيئا ما أو أخشاه‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪óÜbÕnýa@ôÝÈ@ñŠbjufi@μïÈíï“Üa@Êà@aìü aím@ðàí—‚N25‬‬

‫‪2007O08O14@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫أما خصوم سياستي‪ ،‬فقد أبدوا‪ ،‬من خالل ترصفاتهم‪ ،‬خوفا من الشفافية ألنه كان لهم‪ ،‬عىل األقل‪ ،‬يشء ما‬
‫يريدون إخفاءه عىل الشعب الذي أمرت بأن تجري النقاشات عىل مرآه ومسمعه‪ .‬لقد وفرت‪ ،‬بترصيف هذا‪،‬‬
‫للجنرال تواتي أو من قبلوا التحدث باسمه فرصة من ذهب إلفحامي أمام الرأي العام الوطني وتبيني بطالن‬
‫سياستي‪.‬‬

‫إن الجنرال تواتي وربما املجلس األعىل للدولة – مادام يختفي وراء هذه املؤسسة التي حولها إال مسألة ال محل‬
‫لها من اإلعراب – كان لهم كل الحرية إلثبات إخفاق سياستي االقتصادية وإبراز عنادي يف رفض هذا اإلخفاق‪،‬‬
‫غري قابل لإلقرار بالواقع كما يدعي الجنرال تواتي يف الكثري من األماكن من الحوار الصحفي الذي خص به‬
‫يومية ‪ El Watan.‬االعرتاض الذي عرب عنه رضا مالك باسم املجلس األعىل للدولة يف ما يخص النقل املبارش‬
‫لوقائع امللتقى جاء بحجة أن هذه الطريقة كان من شأنها تحويل امللتقى إىل فرجة إعالمية يمكن أن تنتهي‬
‫فجأة من دون التوصل إىل خالصة‪ .‬مرة أخرى‪ ،‬نجد ذلك الحذر الغريزي الذي يطبع "ديمقراطيينا" نحو‬
‫الشعب‪ ،‬السيما "الجماهري" ؛ هذه املفردة التي ينفر منها الجنرال تواتي‪ .‬هنا أيضا‪ ،‬ملست ذلك النوع من ردود‬
‫الفعل املعتادة لدى خصوم الوطنية الجزائرية قبل اندالع ثورة التحرير وها هم اليوم‪ ،‬بعد أن أخرستهم هذه‬
‫الثورة‪ ،‬يرفعون الرأس ثانية ملهاجمة كل نداء مبارش إىل الشعب عىل أنه نزعة شعبوية مرضة ألن املوضوع‬
‫املفضل لدى هؤالء هو إبراز دور "النخبة" التي يمنحوها مكانة كربى يف تسيري شؤون البلد‪ .‬أود أن أغتنم هذه‬
‫املناسبة لإلشارة إىل أن بعض الصحفيني ممن كانوا يف صف هذا التيار "الديمقراطي" الموني ذات يوم عىل‬
‫إذاعة ترصيحاتي مبارشة عىل شاشة التليفزيون‪ .‬حسب رأيهم‪ ،‬من باب ضمان الفعالية كان من األحسن يل أن‬
‫أمدهم باملوضوعات التي كنت أتمنى إحاطة الرأي العام علما بها ليتكفلوا هم‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬بالطريقة التي تصلح‬
‫لنرشها‪ .‬وهذه طريقة غري مبارشة استعملوها يف معاتبتي عىل تجاوزهم والتحدث إىل الشعب مبارشة‪ .‬عىل أية‬
‫حال‪ ،‬ذلك هو ترصف كل من أراد أن يفرض نفسه وسيطا بني الشعب وقادته‪ .‬إن الرفض القاطع الذي أبداه‬
‫رضا مالك ضد نقل مناقشات امللتقى عىل املبارش ملست فيه خلفية لذلك الرفض للسماح للشعب باالطالع‬
‫مبارشة عىل املعطيات التي تتوقف عليها الحلول املتصلة بمصريه وذلك االدعاء برضورة تمكني "نخب "‬
‫مزعومة من أن تكون الوسيط اإلجباري للحديث إىل الشعب ‪.‬‬

‫بطبيعة الحال‪ ،‬لم أكن بذلك املغفل الذي لم يدرك أن العرض املقرتح عيل برتك الصحفيني يتكفلون بإيجاد‬
‫أحسن طريقة لنقل أفكاري إىل الرأي العام كان الهدف منه إتاحة الفرصة لهؤالء الصحفيني للترصف يف‬
‫أفكاري بحسب هواهم‪ ،‬أي إيصال أفكار إىل الرأي العام هي أفكار لغريي وأفكار خصومي السياسيني يف نهاية‬
‫األمر لكن باسمي هذه املرة‪ .‬ب‪ .‬يف ما يتعلق بتسيري مناقشات امللتقى‪ ،‬لم أوافق عىل الرشط الذي وضعه املجلس‬
‫األعىل للدولة بخصوص تكليف شخصية أخرى غريي اإلرشاف عليه بحجة الحياد املزعوم تجاه األطراف‬
‫املنخرطة يف النقاش‪ .‬وعلة رفيض كانت بسيطة ألنني كنت أنا الذي من كان مصريه مرهونا بحسب مجريات‬
‫امللتقى والنتائج التي كانت سترتتب عليه‪ .‬لذلك‪ ،‬اعتربت أنه من عدم الحيطة أن أسمح لغريي بالحق يف‬

‫‪84‬‬
‫‪ ‬‬
‫حرماني من إمكانية الدفاع عن نفيس كلما دعت الحاجة أثناء املناقشات ‪.‬صحيح‪ ،‬لقد عرضوا عيل شخصية‬
‫أحرتمها كثريا‪ ،‬لكن هذه الشخصية كانت آنذاك‪ ،‬من الناحية السياسية‪ ،‬يف صف "الديمقراطيني" املشتهرين‬
‫بعدائهم يل واعرتاضهم الشديد عىل سياستي‪ ،‬السيما يف املجال االقتصادي‪ .‬فباسم الحياد ورضورة تهدئة‬
‫الجدل‪ ،‬كان من املمكن حرماني من التدخل لتوضيح بعض األمور أو للرد عىل حاالت لتشويه الحقيقة أو‬
‫لتقديم معلومات البد منها ‪.‬‬

‫إال أنني مع ذلك‪ ،‬حرصت كل الحرص عىل تمكني خصومي من التعبري عن أفكارهم بكل حرية وتقديم الحجج‬
‫لتأييد هذه األفكار‪ ،‬ومن انتقاد التصورات املعتمدة يف برنامجي واملوضحة بالتفصيل يف املذكرة املوزعة يف أوائل‬
‫جويلية ‪ ،1993‬وكذا من الطعن يف املعطيات واألرقام املذكورة يف وثائقي‪ .‬أي‪ ،‬باختصار‪ ،‬حرصت عىل أال أحرم‬
‫أحدا من أية وسيلة وفرصة إلطالع الغري عىل خياراته‪ .‬بالنسبة إيل‪ ،‬الحكم عىل األفكار كان من حق املتتبعني‬
‫للمناقشات حتى وإن لم يكونوا حارضين معنا جسديا‪ ،‬أي الشعب يف عمومه‪ .‬ولوا حدث أن ترصفت بصورة‬
‫منحازة أو كنت غري نزيه يف قيادة املناقشات‪ ،‬الكتشف الجمهور املتتبع ذلك وأصدر حكمه عيل يف ما يخص‬
‫النتائج املتمخضة عن هذه املناقشات بعد تتبعه لها‪ .‬لقد كنت واثقا من مواقفي أصال السيما وأنني اخرتت‬
‫الشفافية التامة كأسلوب‪ ،‬كما أنه لم يكن هناك ما يجعلني أستحي من استعراض جميع جوانب سياستي‬
‫واألهداف املتوخاة فيها‪ .‬باختصار‪ ،‬لم يكن لدي ما أخفيه‪ ،‬عىل العكس من خصومي الذين لم يكونوا رصحاء‬
‫ولم يعرتفوا بأهدافهم الحقيقية التي أردت أن أفضحها أمام املأل‪ .‬أكرر‪ ،‬لقد استعمل خصومي‪ ،‬بصورة خبيثة‪،‬‬
‫أرقاما مغلوطة ومعطيات غري صحيحة كان من الصعب عليهم تبنيها يف وضح النهار أمام مسمع ومرأى‬
‫املتتبعني‪ ،‬أي الجزائريني أنفسهم‪ .‬يف الحقيقة‪ ،‬فكرة تنظيم ملتقى حول القضايا االقتصادية خرجت من دماغ‬
‫أنصار اللجوء إىل إعادة الجدولة‪ ،‬من بينهم الجنرال تواتي‪ ،‬هذا إذا لم يكن هذا األخري هو الذي أوحى بها يف‬
‫األصل‪ .‬الغرض املتوخى من هذا امللتقى اتصل بإيجاد الحجج التقنية الدامغة لتأييد اللجوء إىل صندوق النقد‬
‫الدويل وتقديمه للمواطنني عىل أنه قدر محتوم كما أثبته الخرباء واالختصاصيني "األكثر كفاءة" يف مجال‬
‫االقتصاد‪ .‬ولعل الغرض تعلق أيضا‪ ،‬يف أذهان أصحابه‪ ،‬بحميل عىل تغيري رأيي واملوافقة عىل إعادة توجيه‬
‫سياستي بشأن تسوية مشكلة الديون الخارجية يف اتجاه الرشوط التي كان صندوق النقد الدويل يفرضها‪ .‬يف‬
‫نهاية األمر‪ ،‬أنصار إعادة الجدولة الذين بقوا مختفني وراء الستار كانوا يريدون إيجاد حجة تمكنهم من‬
‫التهرب من مسؤولية الخيار االقتصادي الذي رضوه لبلدهم مع كل ما ترتب عليه من عواقب وخيمة عىل حياة‬
‫املواطنني‪ .‬تماما مثلما وفرت "استقالة "الرئيس الشاديل سنة تقريبا من قبل لهؤالء عذرا مناسبا‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫مقنعا‪ ،‬من أجل تغطية القيام بذلك التدخل القوي الذي جاء به تغيري جانفي ‪. 1992‬‬

‫وبعدما تبنيت الفكرة‪ ،‬صار تنظيم امللتقى املذكور حامال لخطر ضد أصحابها األصليني‪ .‬هكذا صار أنصار‬
‫إعادة الجدولة‪ ،‬لحاجة يف نفس يعقوب‪ ،‬يرون إسرتاتيجيتهم كلها ليس فقط معرضة لخطر االنهيار وإنما‬
‫كانت قادرة عىل التسبب يف اإللغاء التام لحلهم املفضل يف ما يخص الديون الخارجية‪ ،‬أي اللجوء إىل صندوق‬
‫النقد الدويل‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فلقد أخذت أصداء تظهر عىل مستوى بعض دوائر الحكم حول ردود فعل الجماهري‬
‫الشعبية والطبقات املتوسطة إثر ترصيحاتي وما كشفت عنه أمام إطارات والية الجزائر العاصمة يف يوم ‪24‬‬
‫جوان ‪. 1993‬ردود الفعل هذه بينت أن الجزائريني‪ ،‬السيما الجماهري العريضة الهشة‪ ،‬بدأوا يدركون‪ ،‬أكثر‬
‫فأكثر‪ ،‬طبيعة العواقب املنتظرة من عملية إعادة جدولة ديوننا الخارجية املورثة عن الثمانينيات‪ .‬بالنسبة إىل‬
‫أنصار إعادة الجدولة هذه‪ ،‬لم يبق هناك إال سبيلني ‪ :‬إما تحول امللتقى – الذي أرادوه لخدمة غرضهم املتمثل‬

‫‪85‬‬
‫‪ ‬‬
‫يف اللجوء إىل صندوق النقد الدويل – إىل منتدى تنكشف فيه مناورتهم ويُحكم فيه‪ ،‬أمام الجماهري‪ ،‬باملوت‬
‫النهائي عىل الحل الذي كانوا يحاولون فرضه قبل الرشوع يف مساعيهم وإما التحرك من أجل الحصول عىل‬
‫تنحيتي وحل حكومتي قبل انعقاد امللتقى‪ .‬لعل هذا هو املعنى الذي حمله املسعى الذي رشحه الجنرال تواتي‬
‫يف الحوار الذي خض به يومية ‪ El Watan‬حني قال ‪" :‬بناء عىل )‪ (1‬املعطيات املقدمة من طرف املستشار‬
‫االقتصادي لرئاسة املجلس األعىل للدولة‪ ،‬السيد بوزيدي‪ ،‬؛ )‪ (2‬رفض السيد عبد السالم تعيني وزير لالقتصاد‪،‬‬
‫اقرتح الجنرال خالد نزار عىل السيد عيل كانفي‪ ،‬رئيس املجلس األعىل للدولة‪ ،‬عدم امليض أكثر مع السيد عبد‬
‫السالم يف رهانه لتجنيبنا اللجوء إىل إعادة الجدولة ‪".‬‬

‫يف الواقع‪ ،‬كان بإمكانه أن يقول‪ ،‬ببساطة‪ ،‬أنه عندما أردت أن أجعل من امللتقى منتدى تُنقل مناقشاته مبارشة‬
‫عىل شاشة التليفزيون‪ ،‬أوحى أنصار إعادة الجدولة الذين كان واحدا من قادتهم‪ ،‬إن لم يكن قائدهم الرئييس‪،‬‬
‫إىل الجنرال خالد نزار بإخبار الرئيس عيل كايف أن الخيار الوحيد الذي بقي له هو "عدم امليض أكثر مع السيد‬
‫عبد السالم" والقيام بإنهاء مهامه بحجة إخفاق سياسته االقتصادية‪ .‬وهذا ما تم بالفعل بتاريخ ‪ 19‬أوت‬
‫‪ 1993‬وتم إعالنه يومني من بعد يف ظروف سأتعرض لها يف ما بعد‪ .‬قبل ذلك‪ ،‬كان خصومي يأملون يف‬
‫إجباري عىل استقالة تلقائية بتعطيل املوانئ الجزائرية بواسطة إرضاب للعمال من أجل خنق نشاطاتنا‬
‫االقتصادية والبالد بأرسها‪ .‬غري أن هذه املناورة األخرية‪ ،‬التي ساعدهم فيها الشيوعيون لدى العمال‪ ،‬رسعان ما‬
‫أُحبطت ؛ مما جعلهم يعتقدون أال حل بقي لهم غري إقالة حكومتي‪ .‬يف ما يتعلق باملواجهة التي حدثت‪ ،‬من‬
‫خالل املجلس األعىل للدولة واملتحدث باسمه رضا مالك‪ ،‬بيني وبني أنصار إعادة الجدولة لعل يف مقدمتهم‬
‫الجنرال تواتي‪ ،‬لم يرش إليها هذا األخري إطالقا يف الحوار الصحفي املذكور‪ .‬لكن‪ ،‬عىل أية حال‪ ،‬لقد اتضح اآلن‬
‫أن هذه املواجهة لم تكن الواقعة الوحيدة والحقيقة الوحيدة التي أخفاها عن الرأي العام الذي أراد أن يغلطه ال‬
‫أن ينريه بفضل "روايته لألمور‪".‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪>ÜbÔg çþÈg@ãíî@Lpìc@21ì@óÜì‡ÝÜ@ôÝÈÿa@Ý1bi@ðÜ@öbÕÜ@‹‚eN26‬‬

‫‪2007O08O15@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫كما ذكرت‪ ،‬خرجت من محادثاتي الطويلة التي جرت‪ ،‬يوم ‪ 20‬جويلية ‪ ،1993‬بيني وبني الرئيس عيل كايف‬
‫والجنرال خالد نزار وأنا متأكد من أن قرار اللجوء إىل إعادة الجدولة قد تم اتخاذه ولم يبق لهؤالء الذين اتخذوه‬
‫إال محاولة إقناعي تحمل مسؤوليته والعواقب املرتتبة عليه‪ .‬بل أجزم أن محاولة إقناعي بالدخول يف لعبة إعادة‬
‫الجدولة كان نزوال عند رغبة الجنرال خالد نزار الذي – خالفا‪ ،‬الشك‪ ،‬للجنرال تواتي وأتباعه من‬
‫"الديمقراطيني" داخل الجيش الوطني الشعبي وخارجه – يبدو أنه لم يتمن رحييل‪.‬‬

‫وبالفعل‪ ،‬من بني إطارات مؤسستنا العسكرية كان هناك من وثق‪ ،‬بصدق‪ ،‬يف صحة املعطيات واألرقام التي‬
‫كانت تأتيهم وظن أن الجزائر كانت عىل حافة العجز عن التسديد واالنهيار االقتصادي الذي ال يمكن تجنبه‬
‫سوى باللجوء إىل صندوق النقد الدويل‪ .‬بينما استسلم آخرون‪ ،‬ممن أغوتهم الفوائد الوهمية القتصاد متحرر‬
‫تماما‪ ،‬للمنفعة املزعومة الحاصلة بفضل إعادة الجدولة‪ .‬أما يف ما يخص الجنرال تواتي‪ ،‬فاألمر يختلف إذ‬
‫إضافة إىل دوافعه املتصلة باالقتصاد كانت له – كما يظهر يف الحوار الصحفي املذكور – نية إلشفاء الغليل‬
‫بسبب التحدي الذي ناله مني والذي ظل يجرته عندما رفضت له االمتيازات التي كان يريدها لحزب التجمع من‬
‫أجل الثقافة والديمقراطية باإلضافة إىل تسوية بعض املسائل الشخصية كما كان يريد‪ ،‬السيما يف ما يخص‬
‫حاالت بعض الصحف التي كانت لها صلة به‪ .‬يف رأيه‪ ،‬كيف يمكن أن يحدث ذلك وهو الذي كان يظن نفسه‬
‫رجل نفوذ و"مخا" ملهما لخيارات السلطة‪ .‬هذا الرجل الذي كانت تدخالته أكثر فعالية من املسؤولني‬
‫الصوريني الذين نصبتهم هذه السلطة‪ ،‬لم يستسغ كيف أسمح لنفيس بعدم النزول عند رغباته واعتربها بمثابة‬
‫األوامر‪ .‬لذلك تجده يتهمني بالنزعة القيرصية يف ممارسة السلطة‪ .‬وألنني قررت أال أستجيب لألصوات امللحاحة‬
‫الداعية إىل اللجوء إىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية وال لتلك الوعود الرنانة يف ما يخص ترقيتي الخاصة‬
‫مقابل التخيل عن سياستي‪ ،‬لم أشك يف أن املواجهة التي كنت بصددها‪ ،‬من خالل املجلس األعىل للدولة‪ ،‬مع‬
‫دعاة االستنجاد بصندوق النقد الدويل كانت ستنتهي‪ ،‬ربما‪ ،‬بإنهاء مهامي كرئيس حكومة‪ .‬كما أوحيت إىل‬
‫مساعد واحد فقط من املساعدين يل أن حكومتي لن تدوم‪ ،‬ربما‪ ،‬إىل ما بعد العطلة التي اتفقنا عليها يف مأدبة‬
‫الغداء بمقر إقامة الرئيس عىل كايف يف يوم ‪ 20‬جويلية ‪ .1993‬والتزاما بسريتي يف ممارسة مختلف املسؤوليات‬
‫التي أنيطت بي طيلة حياتي – وهو ما أكدته أمام إطارات والية الجزائر العاصمة وبمناسبة اإلجابة عن أسئلة‬
‫بعض الصحفيني أثناء جولتي التفقدية بواليات جنوب البالد – حرصت عىل مواصلة مهامي من دون إعارة‬
‫االهتمام إىل مصريي كرئيس حكومة ‪.‬‬

‫ويف هذا السياق‪ ،‬أشري إىل الوقائع اآلتية ‪:‬‬


‫‪ -‬انعقاد مجلسني حكوميني أثناء األيام األخرية من شهر جويلية وتم التباحث فيهما حول التدابري الرئيسة‬
‫الواجب اعتمادها يف ما يخص قانون املالية لسنة ‪ 1994‬؛‬
‫‪ -‬انعقاد اجتماع مع االتحاد العام للعمال الجزائريني يف بداية شهر أوت لتناول مسائل مختلفة‪ ،‬السيما ما‬
‫تعلق منها بحياة املؤسسات ؛‬
‫‪ -‬انعقاد اجتماع مع نقابة أساتذة التعليم العايل )"الكناس"( يف بداية شهر أوت كذلك وقد ُرشحت يل‪ ،‬بهذه‬
‫‪87‬‬
‫‪ ‬‬
‫املناسبة‪ ،‬فضيحة األحياء التي بنيت من أجل إيواء أساتذة الجامعة لكنها صارت‪ ،‬بسبب التنازل عن السكنات‬
‫عىل أساس فردي‪ ،‬أحياء محتلة من طرف أشخاص ال ينتمون إىل الجامعة‪ .‬وسبب ذلك أن األساتذة الذي‬
‫حصلوا عىل هذه السكنات أعادوا بيعها إىل الغري بعد مغادرتهم الجامعة حتى غدا األساتذة الذين خلفوهم‬
‫مضطرين إىل اإلقامة بفنادق أو حمامات شعبية‪ .‬كانت هذه الفضيحة واحدا من املشاكل الواجب مواجهتها منذ‬
‫الدخول الدرايس ‪.‬‬
‫‪ -‬أضف إىل ذلك‪ ،‬لم ييأس خصومي السياسيون من السعي لرحييل‪ ،‬من تلقاء ذاتي‪ ،‬بعد انهيار معنوياتي‬
‫واالستسالم أمام الهجمات املتواصلة املوجهة ضد سياسة حكومتي إىل درجة املحاولة‪ ،‬أحيانا‪ ،‬القدح يف‬
‫شخيص‪ .‬ليس من املستبعد أن تكون هذه الهجمات‪ ،‬بالنظر إىل حدتها وورودها من كل الجهات تقريبا‪،‬‬
‫موجهة عن بعد من طرف من كانوا‪ ،‬داخل السلطة‪ ،‬يتمنون أال يضطر "أصحاب القرار"‪ ،‬من خالل املجلس‬
‫األعىل للدولة‪ ،‬إىل املبادرة بتنحيتي‪ .‬والسبب يف ذلك هو أنهم كانوا‪ ،‬يف هذه الحالة‪ ،‬يتوقعون ردود فعل من‬
‫طرف الرأي العام الذي كان ينتظر منهم تربيرا لهذه املبادرة‪ .‬كما كانوا يعرفون – السيما بعد تدخيل أمام‬
‫إطارات والية الجزائر العاصمة ونرش مذكرة التوجهات الرئيسية لسياستي االقتصادية – أن الرأي العام‬
‫الوطني ال يمكنه أن يكتفي بقرار بسيط يُعلن من خالله فشل السياسة االقتصادية لحكومتي‪) .‬ومن مآيس‬
‫التاريخ أن من اتخذوا القرار بإقالة حكومتي وجدوا أنفسهم‪ ،‬من حسن حظهم‪ ،‬معفيني من رضورة تفسري‬
‫أسبابها يف ذلك الجو املشحون باالنفعال إثر اغتيال قاصدي مرباح ‪).‬‬

‫الشك أن ذلك كان واحدا من األسباب الرئيسة يف تكثيف محاوالت زعزعة حكومتي‪ .‬وباإلضافة إىل الصحافة‬
‫املسماة بـ "الحرة واملستقلة"‪ ،‬كان هناك هجوم عىل الجبهة االجتماعية منذر بدخول اجتماعي ساخن للغاية‪.‬‬
‫السلسلة األوىل من مطالب بعض النقابات استجابت لها الحكومة برسعة بعد لقاء تم مع األمانة الوطنية‬
‫لالتحاد العام للعمال الجزائريني‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬بدأ تحرك نقابات عمال املوانئ بهدف توقيف العمل يف جميع‬
‫موانئ الجزائر من أجل شل جميع النشاطات االقتصادية يف البلد‪ .‬وقد سمحت االتصاالت بهذه النقابات بإيجاد‬
‫تسوية للمشاكل ذات الطابع املادي واملهني التي أثارها العمال يف أغلب املوانئ التي طالها اإلرضاب ماعدا عمال‬
‫موانئ الجزائر العاصمة الذين ظلوا متمسكني بموقفهم نتيجة التأثري الذي كانت عنارص شيوعية‪ ،‬لها عالقة‬
‫بحزب الطليعة االشرتاكية‪ ،‬تمارسه عليهم‪ .‬يف نهاية األمر تنازلوا عن موقفهم وأعلنوا نهاية اإلرضاب عندما‬
‫هددهم عمال يف موانئ أخرى بفضحهم أمام املواطنني أنهم كانوا يقومون باإلرضاب ألغراض سياسية ال من‬
‫أجل الدفاع عن مصالح العمال‪ .‬فشل هذا اإلرضاب وخطر تحول امللتقى حول القضايا االقتصادية إىل غري‬
‫صالحهم – عكس ما كانوا يريدون منه يف األصل‪ ،‬أي تزكية اللجوء إىل صندوق النقد الدويل – كانا هما أيضا‪،‬‬
‫ربما‪ ،‬من بني العوامل التي دفعت أنصار إعادة الجدولة إىل التحرك من أجل الحصول عىل إقالتي مبارشة قبل‬
‫انفالت زمام األمور من أيديهم عندما يبني تطور األوضاع بطالن مساعيهم ‪.‬‬

‫من ناحية الصحافة‪ ،‬قررت التمسك بعدم جعل خزينة الدولة تتكفل بفواتري طبع الصحف التي كانت تبدو‬
‫أمام الجميع‪ ،‬بمن فيهم الصحفيني عىل وجه الخصوص‪ ،‬متوفرة عىل األموال الرضورية لهذه الغاية‪ .‬تلك كانت‬
‫حالة يومية ‪ Liberté‬اململوكة لرجل صناعة أمواله تعد بمليارات الدينارات والذي كان‪ ،‬يف الوقت ذاته‪ ،‬مدينا‬
‫ملصالح الرضائب بمبلغ ‪ 140‬مليار سنتيم من دون أن نُدرج يف الحساب عقوبات التأخر عن التسديد‪ .‬وهكذا‬
‫أيضا كانت حالة يومية ‪ Le Matin‬التي لكم تكن تدفع مستحقات الطبع لكنها استطاعت رشاء عمارة فخمة‬
‫يف العاصمة بأموالها الخاصة‪ ،‬أموال ظهرت إشاعات‪ ،‬يف أوساط الصحفيني‪ ،‬تفيد باستعمال جزء منها ألغراض‬

‫‪88‬‬
‫‪ ‬‬
‫غري متصلة مبارشة بسري املؤسسة‪ .‬وقد بلغ األمر بمسؤول إحدى الصحف حد القول‪ ،‬شاهرا دفرت شيكاته‪ ،‬إن‬
‫له من املال ما يسمح له بتسديد الفواتري لكنه يرفض القيام بذلك كي تمتد فرتة تعليق صدور جريدته بهدف‬
‫ممارسة ضغط من أجل رحيل رئيس الحكومة‪ .‬أخريا‪ ،‬وكوزير لالقتصاد‪ ،‬بلغني تقرير من مصالح الرضائب‬
‫حول عدم قيام رجل صناعة معروف يف األوساط العاصمية بتسديد مستحقات الدولة من الرضائب عىل الفوائد‬
‫التجارية التي حصلت له من عمليات االسترياد‪ .‬وقد أصدرت تعليمات لهذه املصالح باالنطالق يف اإلجراءات‬
‫الالزمة الستعادة املستحقات من هذا املتعامل‪ .‬تنفيذا لهذه األوامر‪ ،‬منح للمعني مهلة ‪ 30‬يوما لتسوية وضعه‬
‫الرضيبي‪ ،‬وبعد انقضاء هذا األجل كانت مصالح الرضائب مخولة للتحرك عن طريق املصادرة من أجل‬
‫استعادة مستحقات الخزينة العمومية‪ .‬وقد علمت يف ما بعد أن انقضاء هذا األجل اتفق – بصورة غريبة وكما‬
‫لو كان محض صدفة – مع اليوم الذي أقيلت فيه حكومتي‪ .‬رجل الصناعة العنيد هذا تجرأ‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬عىل‬
‫الترصيح عالنية ومن دون خشية أي عقاب‪ ،‬أنه استطاع‪ ،‬بفضل دعم جنرال‪ ،‬الحصول عىل إلغاء التقويم‬
‫الرضيبي الذي قررته له مصالح الرضائب عندما كانت تحت إمرتي‪ .‬إال أن الجنرال تواتي‪ ،‬الذي تجمعه برجل‬
‫الصناعة هذا عالقات معروفة‪ ،‬لم يقل كلمة حول هذه القضية ‪.‬‬

‫يف إطار ممارسة مهامي كرئيس حكومة ومواصلة لتطبيق الربنامج الذي سطرته لحكومتي‪ ،‬أنشأت فوج عمل‬
‫للتحضري الفعيل‪ ،‬مع الدخول االجتماعي‪ ،‬لعملية تغيري العملة مشفوعة بآليات ملراقبة األموال النقدية‪ ،‬بمختلف‬
‫أشكالها‪ ،‬التي كانت بحوزة األشخاص املاديني واملعنويني يف الجزائر‪ .‬كما أرسلت إىل الوالة تعليمات بشأن‬
‫التحقيق يف الظروف التي وقع فيها التنازل عن األمالك العقارية التي كانت تابعة للدولة لتصري أمالكا خاصة‪.‬‬
‫قبل ذلك‪ ،‬كانت مصالح أمالك الدولة قد فرغت من إحصاء جميع قطع األرض والعقارات التي كانت مساحتها‬
‫‪ 1000‬م فما فوق وبيعت للخواص‪ .‬كما كان هناك إحصاء مماثل يف يخص قطع األرض والعقارات الباقية لم‬
‫يشملها اإلحصاء األول‪ .‬لقد تعلق األمر‪ ،‬يف هذه الحالة‪ ،‬بتدابري موجودة‪ ،‬رصاحة أو ضمنيا‪ ،‬يف برنامج عمل‬
‫حكومتي‪ .‬يف األخري‪ ،‬حدثت واقعة شخصية لم تكن عىل تلك األهمية كي أثريها يف هذا السياق وإنما أسوقها ألن‬
‫البعض حاول أن يجعل منها قضية ذات طبيعة سياسية‪ .‬يتعلق األمر بزيارة كنت قد قمت بها إىل الرئيس بن‬
‫بلة يف جويلية ‪ .1993‬أول مرة رأيت فيها بن بلة منذ ‪ 1965‬كانت بمناسبة مراسيم دفن الفقيد الرئيس محمد‬
‫بوضياف ‪.‬عندما عاد الرئيس بن بلة من منفاه الطوعي‪ ،‬لم أر داعيا إىل أن أكون من بني مستقبليه ألن ذلك‬
‫كانت له داللة سياسية‪ .‬يف ما بعد‪ ،‬لم تتح الفرصة يل للقيام بزيارة مجاملة له إىل ذلك اليوم الذي التقينا فيه‬
‫أثناء املناسبة التي أرشت إليها منذ حني‪ .‬اقرتح عيل زيارتي ببيتي فقلت له‪ ،‬بالعكس‪ ،‬أنا الذي سأزوره ببيته‪.‬‬
‫أياما من بعد‪ ،‬رصت رئيس حكومة بينما كان هو قد غادر الجزائر فقررت انتظار عودته للوفاء بوعدي ؛ وهو‬
‫ما قمت به أثناء عطلتي القصرية يف صيف ‪ .1993‬أثناء حديثنا‪ ،‬قال يل إنه كان متفقا مع برنامجي وإنه‪ ،‬من‬
‫ناحية ثانية‪ ،‬لو منح مهلة ستة شهور سيعمل كل ما يف وسعه لتسوية الخالف مع جبهة القوى االشرتاكية‪ .‬فما‬
‫كان يل إال أن أجبته أن مثل هذه األمور كانت شأن املجلس األعىل للدولة والجنرال خالد نزار عىل وجه التحديد‬
‫ألنه كان‪ ،‬بوصفه وزير الدفاع الوطني‪ ،‬املخاطب املفضل يف ما يتعلق بالشؤون املتصلة بالحوار الذي يمكن أن‬
‫يقع مع املتمردين‪ .‬هذا‪ ،‬وقد صدر‪ ،‬يف ما بعد‪ ،‬كتاب بفرنسا أوحى أن بعض الدوائر العاصمية اعتربت زيارتي‬
‫لبن بلة سعيا مني للحصول عىل مساعدته السياسية‪ .‬أظن أن يل من الحس السيايس ما يكفيني ألن أدرك أن بن‬
‫بلة لم يكن بإمكانه تقديم أية مساعدة يل من هذا القبيل‪ .‬ثم إنني لم أكن أبدا أبحث عن هذه املساعدة ألنني لم‬
‫أكن يف حاجة إليها‪ ،‬ولو أحسست بهذه الحاجة‪ ،‬كنت أعرف األبواب التي أقصدها ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ ‬‬
‫يف ما يخص الرئيس بن بلة‪ ،‬لقد كنت مدينا له ألنه هو الذي اختارني‪ ،‬يف ‪ 1963‬و‪ ،1964‬لإلرشاف عىل شؤون‬
‫املحروقات‪ ،‬إضافة إىل تلك الصلة الشخصية التي جمعتنا يف الذكرى املشرتكة لروح عزيز علينا‪ ،‬أال وهو األخ‬
‫الفقيد محمد خميستي الذي سعى كثريا من أجل التقريب بيننا ‪.‬أما الناس الذين يعيشون عىل الدسائس‬
‫السياسية فال يستطيعون تصور وجود عالقات أخوية بني رجال جمعتهم ظروف النضال‪ .‬إن زيارتي لبن بلة‪،‬‬
‫أثناء عطلة جويلية ‪ ،1993‬لم تحمل داللة أخرى غري كونها زيارة مجاملة وتعبريا عن احرتام لشخص سبق له‬
‫أن عهد إىل بمهمة يف خدمة بلدي وأردت‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬اإلعراب له عن مودتي والقول له إنني لم أنس تلك الثقة‬
‫التي وضعها يف عندما كان عىل رأس الدولة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪NóàíÙy@ï÷‹Ø@ðàbéà@öbéäg@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN27‬‬

‫‪2007O08O17@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫يف ‪ 19‬أوت ‪ ،1993‬استدعاني الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار إىل مقر إقامة رئيس الدولة عىل شط البحر‪،‬‬
‫أي نفس املكان الذي كنا قد تناولنا فيه مأدبة غداء شهرا من قبل بالضبط‪ .‬بعدما تبادلنا كالما عاديا وأفدتهم‬
‫بمعلومات حول الوضع األمني‪ ،‬اتخذ الرئيس عيل كايف مظهر الجد ليخاطبني بهذه الكلمات ‪:‬‬

‫"منذ نحو سنة‪ ،‬التقينا نحن الثالثة وعهدنا إليك بمهمة تشكيل حكومة‪ .‬اليوم‪ ،‬وبعد إخفاق هذه الحكومة يف‬
‫عملها‪ ،‬نعلمك بإنهاء هذه املهمة‪ .‬يبقى علينا أن نصوغ سيناريو بكيفية تجعله ال يبدو إقالة وال استقالة ‪".‬‬

‫فما كان لردي إال أن يأتي هكذا ‪" :‬ال تكلفوا أنفسكم عناء كبريا‪ .‬سوف أبعث إليكم برسالة أقول فيها بكلمات‬
‫بسيطة ‪ :‬يف اليوم الفالني دعوتموني وعهدتم إيل بمهمة تشكيل حكومة ويف اليوم الفالني دعوتموني‪ ،‬مرة‬
‫أخرى‪ ،‬لتبليغي قراركم إنهاء هذه املهمة‪ .‬أسجل هذا القرار شاكرا لكم ثقتكم‪ .‬أقول لكم إىل اللقاء متمنيا لكم‬
‫ملخاطبي" ‪ :‬لم أخنكما ولم أغ ّلطكما ولم أطرح عليكما‬
‫ﱠ‬ ‫حظا سعيدا يف مهامكم"‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬أردفت قائال‬
‫رشوطا"‪ .‬عندئذ‪ ،‬رد عيل الجنرال خالد نزار بصوت هادئ يكاد ال يُسمع قائال ‪" :‬نعم ! حقيقية‪ ،‬لم تطرح علينا‬
‫أي رشوط"‪ .‬باختصار‪ ،‬وحرصا مني عىل تفادي أي حديث مطول أو جدل كان‪ ،‬يف نظري‪ ،‬من شأنه النيل من‬
‫كرامتي‪ ،‬اكتفيت بالتلميح إىل أنني لم أطلب من أعضاء املجلس األعىل للدولة شيئا ولم يكن بيننا إال عقدا‬
‫معنويا كانوا بصدد فسخه من جانب واحد‪ .‬هذا العقد املعنوي ما كانوا ليجهلوه مادمت قد عربت عنه من‬
‫خالل عرض أفكاري حول وضع البالد والحلول املمكنة من أجل تجاوز الصعوبات‪ .‬كما لم يكن بإمكانهم‬
‫تجاهل هذا العقد ألنه كان متضمنا يف برنامج العمل الذي سطرته لحكومتي والخطة املتوسطة املدى اللذين‬
‫حظيا بموافقتهم رصاحة وعالنية‪ .‬ثم إنني حرصت عىل التأكيد أن الحكم عىل نتائج نشاطي لم يكن ليتم إال‬
‫بالرجوع إىل االلتزامات التي أخذتها عىل عاتقي أمام املأل ال عىل أساس النوايا التي تُنسب إيل هنا وهناك بما يف‬
‫ذلك من طرف "أصحاب القرار ‪".‬‬

‫رفيض للسيناريو الذي أرادوا توريطي فيه يف ما يخص صيغة إعالن إنهاء مهامي عىل رأس الحكومة وكذا‬
‫محتوى الرسالة التي كنت بصدد توجيهها إليهم‪ ،‬كانا الهدف منهما اإلشارة إىل أنني كنت أفضل ترك الحرية‬
‫لهم يف رشح األسباب التي جعلتهم يحكمون عىل نشاط حكومتي بالفشل ألنني لم أكن أريد إعفاءهم من هذه‬
‫املهمة‪ .‬ثم إنني لو منحت إقالتي شكل االستقالة لصار هذا العبء ملقى عيل عاتقي ألنني سأكون‪ ،‬حينئذ‪،‬‬
‫مطالبا‪ ،‬بتفسري األسباب التي جعلتني أنسحب‪ .‬وسعيا مني لتفادي كل ما من شأنه أن يبدو مساومة أو يأسا‬
‫مخاطبي أنه‪ ،‬شهرا من قبل فقط وأثناء مقابلة عىل انفراد‪ ،‬قال يل‬
‫ﱠ‬ ‫أمام القرار الذي اتخذوه‪ ،‬امتنعت عن تذكري‬
‫كل منهما أن االختيار وقع عيل ألكون رئيس الدولة ‪.‬‬

‫أخربني الجنرال خالد نزار باختيار رضا مالك خلفا يل معتربا أن يف هذا االختيار ما يسعدني مادام خليفتي‬
‫صديقا يل‪ .‬صحيح‪ ،‬منذ سنوات تفرقت سبلنا‪ ،‬أنا ورضا مالك‪ ،‬لكن عالقاتنا الشخصية بقيت معقولة وودية‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ ‬‬
‫أظن يف هذه اللحظة بالذات أثار الجنرال خالد نزار سؤاال جاء ليعكر جو اللقاء حيث خاطبني بهذه الكلمات ‪:‬‬
‫"واآلن‪ ،‬تحدث لنا عن زيارتك إىل بن بلة !" فأجبته شارحا له ما سبق يل ذكره يف هذا املقال مبينا له أسباب‬
‫الزيارة وطبيعة الكالم الذي دار بيننا ثم ختمت طالبا من الجنرال خالد نزار‪" :‬إذا كانت لكم رواية مغايرة‬
‫فلتفدوني بها !"‪ .‬كال ! أجابني ولم يلح‪ .‬إىل اليوم‪ ،‬أجهل السبب الذي جعل الجنرال خالد نزار يسألني عن‬
‫زيارتي إىل بن بلة يف وقت اجتمعنا‪ ،‬ال لنحكي حياتنا لبعضنا البعض وإنما لنفرتق‪ .‬لم أكن أدري ما علمته يف‬
‫ما بعد بشهور بمناسبة صدور كتاب بباريس ورد فيه أن زيارتي إىل بن بلة كان الغرض منها الحصول من‬
‫هذا األخري عىل دعم سيايس‪ .‬فلو كنت عىل علم بهذا االدعاء‪ ،‬يوم ‪ 19‬أوت ‪ ،1993‬ألعربت للجنرال خالد نزار عن‬
‫اندهايش وأنا أرى شخصا يف مقامه يرتك نفسه ينخدع بأقوال صادرة عن سفهاء‪ .‬قبل أن نفرتق‪ ،‬وقع بيننا‬
‫تبادل قصري يف ما يخص يوم إعالن قرار تغيري الطاقم الحكومي‪ .‬وبما أننا كنا يف نهاية األسبوع‪ ،‬قلت إنني‬
‫كنت‪ ،‬فقط‪ ،‬يف حاجة إىل وقت أجتمع فيه مع أعضاء الحكومة‪ .‬يف نهاية األمر‪ ،‬تم االتفاق عىل يوم ‪ 22‬أوت‬
‫إلعالن التغيري وتنصيب رضا مالك خلفا يل ‪.‬‬

‫مخاطبي اللذين قررا إنهاء مهامي بعد أن نصباني فيها نحو ثالثة عرش شهرا من قبل‪ .‬لقد كلف‬ ‫ﱠ‬ ‫هكذا غادرت‬
‫الرئيس عيل كايف نفسه عناء مرافقتي إىل غاية السيارة املقلة يل‪ .‬أثناء تلك الخطوات التي مشيناها مع بعض‪،‬‬
‫وكما لو أنه كان يريد مواساتي‪ ،‬همس يل بهذه الكلمات ‪" :‬سنلتقي بعد شهر‪ ،‬يف أكتوبر‪ ،‬يف إطار الحوار‬
‫واملرحلة االنتقالية"‪ .‬لم أقل شيئا ثم تعانقنا وودع بعضنا بعضا ثم امتطيت سيارتي وانطلقت‪ .‬فور وصويل إىل‬
‫مقر إقامتي‪ ،‬اتصل بي الجنرال خالد نزار عرب الهاتف ليخربني بتقديم موعد اإلعالن بيوم‪ ،‬أي ‪ 21‬أوت‪ .‬كما‬
‫اتصل بي رضا مالك ليقرتح عيل لقاء خاصا‪ ،‬فأجبته أننا سنلتقي يوم تسليم املهام سائال إياه ما إذا كان هناك‬
‫من أمر خاص نلتقي من أجله وإال فليس لدينا ما نقوله لبعضنا البعض عىل انفراد‪ .‬هكذا‪ ،‬إذاً‪ ،‬طلبت من‬
‫ديواني استدعاء اجتماع ألعضاء الحكومة يوم السبت ‪ 21‬أوت ‪ 1993‬يف الصباح‪ .‬يف ذلك اليوم‪ ،‬التحقت أوال‬
‫بالرئاسة لحضور اجتماع ضم جميع أعضاء املجلس األعىل للدولة حيث أعلن الرئيس تغيري الحكومة قائال‬
‫إنني‪ ،‬منذ‪ ،‬سنة قبلت املنصب "من دون رشوط" وها أنا اليوم "أقبل" إنهاء مهامي "يف نفس الظروف"‪ .‬بعد‬
‫ذلك‪ ،‬قرأت عىل مسامع الحضور رسالتي بحسب املحتوى الذي وقع االتفاق عليه بيني وبني الرئيس عيل كايف‬
‫والجنرال خالد نزار يف االجتماع الذي أبلغاني فيه بقرار إنهاء مهام يومني من قبل ‪.‬‬

‫فور ذلك‪ ،‬غادرت الرئاسة متوجها إىل مقر الحكومة حيث كان يف انتظاري من سيصريون منذ ذلك اليوم‬
‫وزرائي السابقني‪ .‬أخربتهم بالتغيري الذي حصل وقرأت عليهم فحوى الرسالة التي سلمتها للمجلس األعىل‬
‫للدولة ثم ختمت تدخيل املقتضب بتالوة آية من القرآن ‪" :‬وعىس أن تكرهوا شيئا وهو خري لكم وعىس أن تحبوا‬
‫شيئا وهو رش لكم والله يعلم وأنتم ال تعلمون" )البقرة‪ ،‬اآلية ‪ (216‬وقد أخذ وزير العدل‪ ،‬باسم زمالئه‪ ،‬الكلمة‬
‫ليخاطبني بعبارات الشكر عىل العمل الذي قمنا به معا‪ .‬هكذا افرتقنا إىل غري رجعة‪ .‬بعد هذا اللقاء بوقت‬
‫قصري‪ ،‬حرض رضا مالك إىل قرص الحكومة وقمنا بمراسيم تسليم املهام كما تقيض العادة‪ .‬تلك هي الظروف‬
‫التي أنهيت فيها مهامي عىل رأس الحكومة ‪.‬‬

‫يف نهاية اليوم‪ ،‬هتف إىل صديق من املدينة يخربني بشائعة تفيد بمحاولة اغتيال قاصدي مرباح مشريا إىل‬
‫احتمال وفاته‪ .‬وقد تأكدت من ذلك من خالل اتصال بوزير الداخلية والوزير املنتدب لألمن اللذين لم يغادرا‬
‫بعد منصبيهما ريثما يتم تعيني خليفتني لهما‪ .‬أبلغت رضا مالك بهذا الخرب املحزن كما كان عيل أن أقوم بتلك‬

‫‪92‬‬
‫‪ ‬‬
‫املهمة األليمة‪ ،‬أال وهي تأكيد الخرب لعائلة مرباح التي كانت تبحث عن مصدر رسمي لالستفسار عما وقع‬
‫بالذات‪ .‬من املعلوم أن وفاة قاصدي مرباح كان مأساة عائلية فظيعة ألن محاولة اغتياله أودت أيضا بحياة‬
‫شقيقه وأحد أبنائه إضافة إىل الحرس‪ .‬يوم السبت ‪ 21‬أوت ‪ 1993‬يبقى وصمة عار يف التاريخ السيايس‬
‫املعارص للجزائر‪ .‬تذكرنا هذه الواقعة بواقعة أخرى يف تاريخ اإلسالم حيث شهدت نفس الليلة أحداث خصت‬
‫ثالثة أمراء للمؤمنني يف تاريخ الدولة اإلسالمية ‪ :‬أحدهم ولد ؛ ثانيهم اغتيل؛ ثالثهم ارتقى إىل سدة الحكم‪ .‬يف‬
‫صب يف وظيفته‬ ‫الجزائر‪ ،‬يوم ‪ 21‬أوت ‪ 1993‬كان يوما لثالثة رؤساء حكومة ‪ :‬أحدهم أُنهيت مهامه‪ ،‬ثانيهم ن ُ ﱢ‬
‫وثالثهم اغتيل ‪.‬‬

‫األثر املبارش الذي تركته هذه الواقعة غطى عىل ذلك الغليان الذي عادة ما يقع عندنا إثر كل تغيري حكومي‪.‬‬
‫هناك واقعة أخرى ال يمكن إال أن نربطها بالظروف التي أحاطت إقالتي‪ .‬أسبوعا تقريبا قبل إعالمي بإنهاء‬
‫مدو أصدر فيه حكما‬
‫مهامي‪ ،‬كان وزير الخارجية الفرنيس‪ ،‬آالن جوبي‪ ، Alain Juppé‬قد أدىل بترصيح ٍ‬
‫بالفشل عىل حكومتي حينما قال ‪" :‬الوضع القائم ال يمكن أن يستمر" سامحا لنفسه‪ ،‬هكذا‪ ،‬بالتدخل السافر‬
‫يف شؤوننا الداخلية‪ .‬وقد تبع هذا الترصيحَ مبارشة تعليق يف يومية ‪ Le Monde‬تبنى صاحبه االنتقادات التي‬
‫وجهها الوزير الفرنيس ضدنا‪ ،‬مشريا إىل مقال كتبه عمر بلهوشات‪ ،‬مدير يومية – ‪ El Watan‬املوصوفة‬
‫باليومية "املستقلة" – يف شكل افتتاحية تندد بنشاط الحكومة معتربة إياي‪ ،‬شخصيا‪ "،‬رجل املايض" يحمل‬
‫"أفكارا بالية"‪ .‬كما هو معلوم‪ ،‬يومية ‪ Le Monde‬كانت معروفة‪ ،‬منذ سنوات‪ ،‬بكراهيتها للثورة الجزائرية‬
‫ولجبهة التحرير الوطني السيما الفرتة التاريخية التي عاشتها الجزائر تحت رئاسة هواري بومدين‪ ،‬تلك الفرتة‬
‫التي ال زال معظم الجزائريني يفتخرون بها إىل اليوم‪ .‬من هذه الناحية‪ ،‬ليس من الغريب أن نجد هذه اليومية‬
‫يف وفاق مع زميلتها وحليفتها يف الجزائر العاصمة ‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬ما أدهشني أكثر يف ‪ 23‬أوت ‪ ،1993‬هو ذلك السكوت املحري الذي التزمته تلك األصوات املفزوعة‪،‬‬
‫هاهنا‪ ،‬عندما رصح الرئيس ميتريان‪ ،‬بعد توقيف املسار االنتخابي سنة ونصف من قبل‪ ،‬أن هذا املسار ينبغي‬
‫أن يُستأنف برسعة‪ .‬ماعدا مقاال نُرش بيومية‪ ، El Moudjahid‬لم يصدر‪ ،‬يف الجزائر‪ ،‬أي رد فعل ضد ترصيح‬
‫آالن جوبي والتعليقات املغرضة املنشورة عىل صفحات يومية ‪ Le Monde.‬رضا مالك الذي كان وزيرا‬
‫للخارجية وعضوا يف املجلس األعىل للدولة – والذي أعربت له عن اندهايش من عدم صدور رد دبلومايس من‬
‫جانبنا عىل إقحام الوزير الفرنيس نفسه يف سياستنا الداخلية – انتهى به املطاف إىل االعرتاف برضورة إصدار‬
‫احتجاج ضد ترصيح عمومي جاء عىل لسان وزير خارجية أجنبي يطعن يف سياسة بلدنا‪ .‬وقد قرأ عيل‪ ،‬عرب‬
‫الهاتف‪ ،‬نص بالغ مقتضب كان بصدد نرشه باسم وزارته ذكر فيه استدعاء السفري الفرنيس بالجزائر لتقديم‬
‫تفسري لترصيح وزير خارجية بلده ‪.‬غري أن ال وكالة األنباء الجزائرية وال نرشة األخبار التليفزيونية ملساء ذلك‬
‫اليوم أشارتا إىل هذا البالغ ؛ علما أن رضا مالك كان دائما يدعي أنه يترصف بكل حرية واستقاللية‪ .‬بعد‬
‫املقابلة الصحفية التي أجريتها مع يومية ‪ L'Authentique‬بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر ‪ 2001‬والتي أوحيت فيها بأن‬
‫الجنرال تواتي هو الذي كان من وراء إنشاء التحالف الوطني الجمهوري‪ ،‬الحزب الذي كان رضا مالكا رئيسا‬
‫له‪ ،‬اتصل بي هذا األخري ليقول يل إنه هو الذي أسس الحزب من دون أية أوامر تكون قد جاءته من هنا أو‬
‫هناك‪ .‬أما يف ما يخصني‪ ،‬ال يمكن أن أقتنع أن امتناعه عن نرش البالغ املذكور للرد عىل ترصيح أالن جوبي كان‬
‫بإرادته وأنه لم يتخذ "الحيطة الالزمة" بـ "االستشارة" قبل رمي بالغه يف سلة املهمالت ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ ‬‬
‫أياما فقط بعد هذه "القلبة"‪ ،‬أُخربت بقرار وضع نهاية ملهامي ‪.‬لعل البعض يرى من التفاهة الربط بني‬
‫الحدثني غري كونهما مجرد صدفة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يصعب تفادي طرح سؤالني اثنني ‪ (1) :‬هل أخطر حكام الجزائر‬
‫باريس بنيتهم أو قرارهم بشأن تغيري الحكومة واإلقدام عىل تغيري السياسة االقتصادية للجزائر يف اتجاه ما‬
‫يتطابق و" رغبات" القادة الفرنسيني ؟ )‪ (2‬أم هل بعد أن عرب هؤالء عن "تمنياتهم" من خالل وزير‬
‫خارجيتهم‪ ،‬أالن جوبي‪ ،‬ويومية‪ ، Le Monde‬سارع حكامنا إىل تلبية هذه الرغبات من دون تأخر ؟ صحيح‪،‬‬
‫يقال إن "الصدفة أحسن من ألف ميعاد"‪ ،‬لكن‪ ،‬يف هذه الحالة‪ ،‬يبدو يف الصدفة من الحث ما يصعب إخفاؤه!‬

‫‪94‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪âéïÐ@pd‚c@báØ@À@aìd‚c@‡ÕÜ@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN28‬‬

‫‪2007O08O18@ßbÕ¾a@„îŠbm‬‬

‫@ @‬
‫يف شهر فيفري ‪ ،1993‬قمت بزيارة إىل باريس حيث قال يل الوزير األول الفرنيس‪ ،‬بيار برييغوفوا‪ ،‬إن رفض‬
‫حكومتي تخفيض عملتنا الوطنية كان موقفا يف محله ألن الجزائر كانت تستورد أكثر من ‪ % 25‬من واردات‬
‫اقتصادها‪ .‬يف شهر أفريل املوايل‪ ،‬حلت حكومة يمينية محل حكومة بريغوفرا‪ .‬ولم تمض إال فرتة قصرية عىل‬
‫تشكيل الحكومة الجديدة حتى أعلنت هذه األخرية أن كل مساعدة مالية فرنسية ألي دولة إفريقية كانت من‬
‫ذلك الحني فصاعدا مرهونة بإبرام اتفاق بني هذه األخرية وصندوق النقد الدويل‪.‬‬

‫ومن غريب األمور‪ ،‬أن نجد الجنرال تواتي‪ ،‬يف حواره الصحفي مع يومية ‪ El Watan‬يشري إىل أن هذه الفرتة‬
‫بالذات هي التي حصلت له فيها القناعة‪ ،‬حسب قوله‪ ،‬برضورة لجوء الجزائر إىل إعادة جدولة ديونها الخارجية‬
‫حيث يقول ‪..." :‬لكن لم يمنعني ذلك‪ ،‬يف أواخر ماي ‪ ،1993‬من الظن أننا كنا‪ ،‬حسب الظاهر‪ ،‬متوجهني نحو‬
‫اإلخفاق‪ ،‬محكوما علينا بالتفكري يف اللجوء إىل صندوق النقد الدويل"‪ .‬ما انفك الجنرال تواتي يقول إنه لم يكن‬
‫يتدخل يف الشؤون االقتصادية وها هو يتلقى الوحي من السماء يخربه أننا كنا "حسب الظاهر متوجهني إىل‬
‫اإلخفاق"‪ .‬وكما سبق ذكره‪ ،‬يف أواخر جويلية ‪ ،1993‬قام الجنرال تواتي بزيارة إىل باريس لقضاء "‪ 48‬ساعة‬
‫من الراحة" "استغلها لالتصال بالخزينة الفرنسية"‪ .‬أقل من أسبوعني بعد ذلك‪ ،‬أدىل وزير الخارجية الفرنيس‬
‫بالترصيح املشار إليه أعاله متبوعا باملقال الصادر بيومية ‪ Le Monde‬الذي جاء كصدى ملا كان مدير ‪El‬‬
‫‪Watan‬قد كتبه يف جريدته ؛ هذه الجريدة املعروفة بصلتها بالجنرال تواتي‪ .‬زد عىل ذلك أن وزير الخارجية‬
‫الجزائري لم يرغب يف الرد عىل ترصيح نظريه الفرنيس الذي كان قد استقبله منذ أسابيع بباريس‪ .‬ويف أقل من‬
‫أسبوع من هذا ترصيح‪ ،‬أُخربت بقرار إنهاء مهامي عىل رأس الحكومة ‪.‬‬

‫يف الحوار الذي خص به يومية‪ ، El Watan‬لم يجرؤ الجنرال تواتي عىل تقديم "روايته لألمور" يف ما يخص‬
‫زياراته‪ ،‬الدبلوماسية‪-‬السياحية‪ ،‬إىل باريس ؛ علما أنني‪ ،‬يف ترصيحاتي الصحفية أرشت إىل تلك" العطلة"‬
‫القصرية التي قضاها بباريس واالتصاالت التي أجراها مع الخزينة الفرنسية ‪.‬ترى‪ ،‬ملاذا تغافل عن هذه الواقعة‬
‫عىل الرغم من أنني أرشت إليها وكان من املفروض أن يرد عىل ما قلته بشأنها يف ترصيحاتي الصحفية ؟‬
‫السؤال املطروح ‪ :‬أال يمكن أن يكون وراء هذا التغافل أمور أخرى أكثر خطورة أراد أن يخفيها ؟ يف نهاية‬
‫األمر‪ ،‬أليس من حقنا‪ ،‬أن نظن أننا حمّ لنا الصدفة أكثر مما تحتمل ؟ ومهما يكن من أمر‪ ،‬الفرتة التي قضيتها‬
‫عىل رأس الحكومة تجعلني أنتهي إىل االستنتاجات اآلتية ‪:‬‬

‫‪ -‬ليس هناك ما يجعلني أندم عىل قبويل‪ ،‬يف جويلية ‪ ،1993‬منصب رئيس الحكومة من دون أن أضع رشوطا‬
‫مسبقة عىل من اقرتحوا عيل هذا املنصب يف اجتماع هم الذين بادروا به ولم يروا فائدة من إخطاري بموضوعه‬
‫مسبقا ؛‬
‫‪ -‬أنا راض عن نفيس ملا عرضت سياستي من خالل برنامج عمل محدد ومع تقديم تحليل يف ما يخص األزمة‬
‫التي كانت البالد تمر بها آنذاك‪ ،‬شارحا األهداف املتوخاة من أجل الخروج من هذه األزمة ومبينا السبل‬

‫‪95‬‬
‫‪ ‬‬
‫والوسائل الكفيلة بتحقيق هذه األهداف ؛‬
‫‪ -‬أنا راض عن نفيس عندما قمت برتجمة هذا الربنامج‪ ،‬الذي وافق عليه املجلس األعىل للدولة‪ ،‬رسميا عرب‬
‫مراسيم ترشيعية ترقى إىل مستوى القوانني يف إطار النظام املؤسساتي القائم يف البالد آنذاك ؛‬
‫‪ -‬أشعر بالسعادة عندما قمت بذلك التدخل العمومي‪ ،‬بتاريخ ‪ 24‬جوان ‪ ،1993‬وأعلنته لجميع الجزائريني‪ ،‬من‬
‫خالل كل وسائل اإلعالم التابعة للقطاع العام‪ ،‬ثم أردفته‪ ،‬يف اليوم املوايل‪ ،‬بوثيقة مكتوبة نرشتها نفس وسائل‬
‫اإلعالم وحرصت فيها‪ ،‬بلغة يفهمها الجميع‪ ،‬عىل توضيح ما كنت بصدده يف ما يخص السياسة االقتصادية‬
‫لحكومتي وكذا الخيارات املحددة للتوجهات املعتمدة يف هذه السياسة مبينا الرهانات الحقيقية التي كانت‬
‫تواجها البالد برصف النظر عن الجدال القائم حول مواقفي يف قيادة نشاطي يف املجال االقتصادي ؛‬
‫‪ -‬أشعر بالسعادة أيضا عندما أكدت‪ ،‬يف تدخيل هذا أمام جميع الجزائريني‪ ،‬أنني سأظل وفيا لسياستي‬
‫االقتصادية وأنني لن أرضخ أبدا إىل من كانوا‪ ،‬من خالل حمالتهم املسعورة‪ ،‬يريدون حميل عىل الرحيل عرب‬
‫استقالة تلقائية وأنه يرشفني أن أسقط بسبب هذه السياسة؛‬
‫‪ -‬أحمد الله عىل أنني خرجت برشف من تجربتي كرئيس حكومة بعد سنة ونيف‪ ،‬تاركا للجنرال تواتي ومن‬
‫تبعه من املتملقني والطامعني التبخرت يف وحل ما فرضوه عىل البلد ؛‬
‫‪ -‬وأخريا‪ ،‬أحمد الله عىل أنني لم أستسلم أبدا لوعود من كانوا هم أنفسهم من أعلنوا يل إنهاء مهامي‪ .‬عندما كان‬
‫هؤالء يلمحون يل بمنصب أعىل‪ ،‬شعرت دائما وكأنهم كانوا يريدون مني‪ ،‬كمقابل‪ ،‬تغيري خطي السيايس يف‬
‫املجال االقتصادي ‪.‬‬

‫عىل أية حال‪ ،‬وكما أرشت إىل ذلك خالل هذا النص كله‪ ،‬وبمناسبة مواقف سياسية اتخذتها منذ مغادرتي‬
‫لرئاسة الحكومة‪ ،‬ال يمكن الحكم عىل نجاح سياستي االقتصادية أو فشلها إال بالرجوع إىل تلك االلتزامات التي‬
‫أخذتها عىل عاتقي يف هذا املجال‪ ،‬بطريقة ال لبس فيها وال غموض‪ .‬أنا لست مسؤوال أبدا عن نوايا اآلخرين أو‬
‫أداءهم‪ ،‬بمن فيهم "أصحاب القرار"‪ ،‬إذا أرادوا أن يتوهموا أنهم هم الذين حددوا مهامي من دون مشورتي أو‬
‫اتفاق معي‪ .‬أنا لست مسؤوال إال عىل ما لتزمت به‪ .‬أما األفكار التي تكونت يف "مخ" الجنرال تواتي حول‬
‫ّ‬
‫يلومن إال نفسه ‪.‬‬ ‫حكومتي‪ ،‬فهي ال تلزمني عىل اإلطالق وإذا راح الرجل ضحية أوهامه فال‬

‫ومع ذلك‪ ،‬العربة التي يمكن استخالصها من تلك املغامرة كرئيس حكومة ويف تلك الظروف الصعبة التي كانت‬
‫الجزائر تمر بها آنذاك‪ ،‬ظروف دعيت إىل مواجهتها وعرب عنها األخ عبد العزيز بوتفليقة ذاته يف ما بعد‪ .‬ال أحد‬
‫يجهل‪ ،‬اليوم‪ ،‬أنه عند انتهاء عهدة املجلس األعىل للدولة‪ ،‬عُ رضت رئاسة الدولة عىل السيد عبد العزيز بوتفليقة‬
‫من طرف نفس األشخاص الذين دعوني قبله إىل ترؤس الحكومة‪ .‬لقد قيل وكتب الكثري عن "رفض" عبد‬
‫العزيز بوتفليقة للعرض‪ .‬كما قيل وكتب الكثري عن األسباب التي قدمها هذا األخري لتفسري رفضه‪ .‬غري أنني لم‬
‫أجد أحدا قال أو كتب كالما عن السبب األسايس لهذا الرفض كما أخربني صاحبه ذاته سنوات بعد هذه الواقعة‬
‫حيث قال يل إن قراره كان نابعا من رفضه الستالم زمام األمور طبقا ملا كان يراه "أصحاب القرار"‪ .‬هذا‬
‫السبب رشحـه يل بهذه العبارة‪" :‬بعد استعراض أسباب أخرى ويف ختام محادثاتنا‪ ،‬قلت لهم ‪" :‬لقد دعوتم‬
‫ذات يوم عبد السالم لتويل رئاسة الحكومة وهو لم يطلب منكم أي يشء‪ .‬التزم معكم ثم أنهيتم مهامه سنة من‬
‫بعد‪ .‬هذا كاف لجعيل أظن أنكم غري قادرين عىل احرتام عقد معنوي ‪.‬ال أمنحكم الفرصة لتفعلوا بي‪ ،‬يف يوم ما‪،‬‬
‫ما فعلتموه بعبد السالم"‪ .‬أي إن الرجل كان نبها فأراد أن يحصل منهم عىل أمر بدا له كفيال بإعادة االعتبار له‬
‫من طرف من كان يحسبهم مصدر تصفيته من الساحة السياسية بعد رحيل الرئيس هواري بومدين ثم رد‬

‫‪96‬‬
‫‪ ‬‬
‫بالرفض عىل عرضهم بكل بساطة‪ .‬ولقد كان باستطاعة عبد العزيز بوتفليقة أن يقول لهم إنهم لم يكونوا‬
‫يدركون معنى العقد املعنوي ذاته ألن األمر بالنسبة إليهم – أي الجنرال تواتي ومن مىش وراءه – ال بعدو‬
‫كونه فخا‪ .‬لذلك‪ ،‬كان عبد العزيز بوتفليقة‪ ،‬ربما بفضل ما وقع يل‪ ،‬يقظا ولم يقع يف الفخ‪ .‬شخصيا‪ ،‬لم أر داعيا‬
‫إىل التفكري يف هذا الفخ تفاديا للظهور بمظهر املدعي للنضال ثم رسعان ما يتهرب من املسؤوليات التي‬
‫يفرضها هذا النضال‪ .‬غري أن من أسقطني يف الفخ ثم استطاع التخلص مني لم ينجح يف القضاء عىل تلك‬
‫الروح التي تحركني‪ .‬لكن كان هناك من الناس من لم يرضهم الوقوع يف الفخ ألنهم‪ ،‬الشك‪ ،‬كانوا يدركون أن‬
‫ليس لديهم ما يضيعونه ‪.‬‬

‫التذكري بهذه االعتبارات غري املرشفة يف ترصف قسم كبري من طبقتنا السياسية يف السنوات األخرية ال ينسيني‬
‫ما قام به الجنرال خالد نزار نحوي حينما أقر بـ "وطنيتي ونضايل" يف أحد كتبه‪ .‬إني ألشكره جزيل الشكر‬
‫عىل هذه االلتفاتة‪ .‬فرتة قصرية بعد إقالة حكومتي‪ ،‬قام الفقيد عبد الحق بن حمودة‪ ،‬األمني العام لالتحاد العام‬
‫للعمال الجزائريني‪ ،‬بزيارتي بالفيال املخصصة يل كمقر إقامة رسمية حينما كنت رئيس حكومة قبل مغادرتي‬
‫لها‪ .‬وقد أراد االطالع عىل األسباب التي أدت إىل ما يسميه الجنرال تواتي بـ "إنهاء املهام"‪ .‬الشك أنه كان‬
‫يتذكر تلك الدعوة التي وجهها إىل‪ ،‬يف ‪ 1‬نوفمرب ‪ ،1992‬ألخذ الكلمة أمام إطارات االتحاد العام للعمال‬
‫الجزائريني بدار الشعب حيث رصحت أن حكومتي لن تطبق أبدا سياسة مضادة ملصالح العمال‪ .‬وحينما‬
‫سألني عن األسباب‪ ،‬أجبته بهذه العبارة ‪" :‬لقد أخطأوا يف َ كما أخطأت فيهم ‪ .‬من جانبي‪ ،‬لقد مشيت وفق‬
‫التزاماتي واملنطق الذي قامت عليه سياستي إىل النهاية‪ .‬بقي عليكم أنتم‪ ،‬أي االتحاد العام للعمال الجزائريني‪،‬‬
‫أن تدخلوا الحلبة ‪.‬‬

‫كما اغتنمت مناسبة هذه الزيارة ألخربه بذلك القرار الذي اتخذته من قبل وكلفت بموجبه حكومتي بالعمل عىل‬
‫تبديل األوراق النقدية ومراقبة رؤوس األموال كهدف رئييس وركيزة أساسية يف نشاطها االقتصادي‪ .‬وعندما‬
‫فقدنا عبد الحق بن حمودة يف ما بعد‪ ،‬لم يعد االتحاد العام للعمال الجزائريني فاعال حاسما يف قيادة السياسية‬
‫االقتصادية لبالدنا ويف التأييد الفعال لعملية التنمية القائمة عىل الحفاظ عىل مصالحنا الوطنية والنهوض‬
‫بجماهرينا الشعبية‪ .‬النموذج‪ ،‬املجلوب من خارج الديار‪ ،‬الذي صار االتحاد يقتدي به هو االتحادية الفرنسية‬
‫الديمقراطية للشغل ‪ CFDT‬التي تتبنى فكرة التعاون مع أرباب العمل‪ ،‬مبتعدا هكذا عن التصورات واألفكار‬
‫االجتماعية االقتصادية الثورية املعروفة عند عيسات إيدير ورفاقه ممن كان لهم رشف تأسيس تنظيمنا‬
‫النقابي يف زمن الثورة‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ ‬‬

You might also like