Professional Documents
Culture Documents
-ف اس -
السنة الجامعية
2016/2017
1
مـقدمــــــة :
الزمن هو مادة هذه الحياة والروح التي تجري في عروقها ،فما الحياة في حقيقتها إال زمن يمر
ويمضي ،ومن أدرك الزمن على حقيقته فقد أدرك الحياة على حقيقتها ،وبانت له معالم الطريق الذي
ينبغي سلوكه ،1ومنه كا ن الزمن بمثابة السكة التي يسير عليها قطار الحياة ،وكلما ازدادت سرعة
القطار ،ازداد اهتمام اإلنسان باعتباره راكب القطار ومستعمله بالزمن ،وهكذا أصبحت حياته معلقة
بعقارب الساعة ومشدودة إليها إذ أن كل شيء في الحياة له ميقات معلوم وأجل يحدد بدايته ونهايته.2
وقد شغل التفكير أو السؤال عن الزمن الفكر اإلنساني منذ نشأته ،3فالحضارات القديمة جميعها
على مختلف العصور لم تهمل العنصر الزمني ،بل أدركت حقيقته وأهميته ،4وتبعا لذلك اخترعت
األساطير والرموز ثم شيدت األدوات واآلالت لقياسه ،وأصبح جزءا من حياتهم اليومية إن لم تكن
حياتهم جزء منه.5
وهكذا نجد أريسطو في محاولة لمفهمة عنصر الزمن عده عددا أو سلسلة عددية موجودة في
تصور األفراد ألجزاء الحركة سواء أكانت سابقة أو الحقة ،وبالتالي فهو ليس مفصوال عن الحركة
وليس مماثال لها ،ولكنه بالمقابل منتميا إليها.6
وقد كان لمفهوم الزمن عند أريسطو تأثير في الفكر العربي خاصة عند ابن رشد وابن سينا ،الذي
يربط تص وره للزمن بالحركة شأنه شأن أريسطو ،فالزمن عنده مقدر للحركة المستديرة من جهة المتقدم
والمتأخر ال من جهة المسافة.7
أما برغسون فقد سعى إلى إثبات أن الزمن ليس مجرد مفهوم نظري ،بل إن إدراكنا لصيرورته
وحركيته هو أفضل منهاج إلدراك النسق الخاص لألشياء والموضوعات وإحالله حلة مبدأ الغائية كمبدأ
طبيعي في دراسة تفسير الظواهر الثاوية في ذات الفرد والمتعلقة بالعالم الخارجي 8كونه ضروري
لسيرورة الحياة من جميع جوانبها ،إذ ال يمكننا فهم الواقع أو التعامل معه بتجرد عن الزمن ،ولعل هذه
األهمية البالغة هي التي جعلت الفرد في قلق وتوجس دائمين من حقيقته ،فهو يشكل بالنسبة إليه المنظار
1عودة علي عودة عبد هللا ،قيمة الزمن في القرآن الكريم ،مج :البحوث اإلسالمية المملكة العربية السعودية ،ج ،74 :ع ،74 :س 1425 :هـ
،ص.323 :
2عبد العزيز توفيق ،آجال اإلجراءات في التشريع المغربي ،م :النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،ط :األولى ،س ،1990 :ص.7 :
3العربي ميلود ،مفهوم الزمن في فلسفة برغسون ،م:ابن النديم للطباعة والنشر ،وهران ،الجزائر ،ط :األولى ،ص ،2013 :ص.7:
4عبد اللطيف الصديقي ،الزمان :أبعاده وبنيته ،م :المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان ،ط :األولى ،س ،1995 :ص.5 :
5عبد اللطيف الصديقي ،م س ،ص.10 :
6عبد الصمد الكباص ،عبد العزيز بومسهولي ،الزمان والفكر ،م :النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،ط :األولى ،س ،2002 :ص.13 :
7عبد الصمد الكباص ،عبد العزيز بومسهولي ،م س ،ص.17 :
8العربي ميلود ،م س ،ص.9 :
2
الذي يتطلع من خالله إلى مركزه وبالتالي إلى معرفة مصيره 9في ظل مطالب الحياة االجتماعية
والظروف التي تتبلور فيها هذه األخيرة .وإذا نظرنا إلى هذه المطالب من حيث الشكل ،فإننا سنجد ثمة
عناصر ثابتة ال يخلو م نها كل تصور اجتماعي لها ،ويمكن حصر هذه العناصر الثابتة في ثالثة عناصر
رئيسية هي العدالة واالستقرار والتقدم بما يستوجبه هذا األخير من تنظيم ،غير أن هذين العنصرين
األخيرين يعلق قيامهما على العنصر األول الذي هو العدالة ،هذه األخيرة ال تنطوي على مجرد عاملي
عدم إيقاع الضرر بالغير وإعطاء كل ما له ،وإنما تنطوي أيضا على عنصر أعمق من هذين العنصرين
بغية استحقاق ألفراد الحقوق في 10
هو عنصر التوازن المستهدف تحقيقه بين المصالح المتعارضة
أوقاتها ،فالعدالة إذن عنصر حركي ،11إذ أنها تستتبع السعي الدائب نحو معرفة ما يستحقه الفرد ومتى
وكيف يعطى له.
أما بالنسبة لالستقرار فقد تتزعزع قيمته إذا بولغ في المحافظة على المصالح الموجودة على ماهي
عليه دون اعتداد بما يطرأ من تطوير يكفل التقدم الذي يفرض تحت ضغط عنصر الزمن ،والذي هو
قيمة اجتماعية وقانونية سواء بسواء ،12ومن هنا يأتي دور القانون ليؤطر حدود عنصر االستمرار
الشيء الذي يفضي به إلى امتالك الخاصية الزمنية ،13ومن صور هذا االمتالك تبني نظام مرور الزمن
(التقادم) الذي يحدد المدة التي يسوغ داخلها المطالبة بالحق أو اقتضائه14وغيره من النظم القانونية التي
تحدد المعامالت واإلجراءات من حيث الزمن .باإلضافة إلى ذلك ،إذا كان االستقرار بمعزل عن القانون
هو العنصر المحافظ ،فإنه ال يجب أن نخلص من ذلك إلى تنافره مع عنصر في العدالة والقانون ،ألن
القانون يستعين باستقرار األوضاع ليدخل حيز التنفيذ ومن ثم كان االستقرار هو الصورة الواقعية لحالة
معينة من القا نون ،وهذا األخير هو وعد باستقرار قائم على دعائم أفضل ،وبالتالي فإن كل من االستقرار
والقانون يسند اآلخر ،فالقانون يجعل استقرار األوضاع مقبوال ،واالستقرار يجعل القانون متطلعا إليه،
وعلى ذلك يجسد االستقرار لعدد من معاني القانون ،على أن نداء القانون يتجاوز دائما حدود إشباع
االستقرار القائم ،ومن ثم كان القانون قوة تغيير مطردة .وتلقى فكرة التغيير هذه ،أبلغ تعبير لها في
3
مجال القانون عندما نتبين أن هذا األخير وإن بدا ثابت المظهر إال أنه في جوهره متداخال مع عنصر
الزمن إن بالتأثير أو التأثر 15من جهة ،أو بالتنظيم والتأطير 16من جهة ثانية .17ومنه يتبدى بوضوح أن
كل شيء خاضع للزمن ،سواء تعلق األمر بالمواد الطبيعية (المطالب االجتماعية) ،أو بالمواد القانونية،
وهكذا إذا سلطنا الضوء على هذه األخيرة وحاولنا تصنيفها بارتباط مع عنصر الزمن ،ألمكننا القول بأن
الزمن هو عنصرا ساهم في تحديد طبيعتها ،وبالتالي المقياس الذي يقدر به محل المعاملة القانونية ،فهو
يرمي إلى إشباع حاجة ال يمكن إشباعها إال مقترنة بمدة .وبذلك يأخذ الزمن في لغة القانون معنيين
مختلفين ،فهو تارة يرادف التاريخ أو اللحظة والفترة ،وهو بهذا المعنى ال يمكن أن يكون عنصرا في
العملية ،إن هو تاريخ يتعين به وقت التنفيذ ،وتارة أخرى يرادف المدة وهو بهذا المعنى يعتبر عنصرا
من العناصر األساسية في العملية القانونية ،فالزمن هو المقياس الوحيد الذي يقدر به محل هذه
األخيرة.18
إن الزمن في القانون ليس غاية في حد ذاته ،وإنما هو موصول بالهدف الذي كرس من أجله ،ذلك
أن القانون بمناسبة تعرضه لعنصر الزمن يومئ لنا في الحاضر إلى ما سيكون عليه مستقبل األوضاع
القانونية المنضوية تحت لواء تأطيره.
وإذا علمنا أن ذلك مبلغ حرصه – أي القانون – على الزمن واإلفادة من كل جزء منه ،19فإن ذلك
مرده إلى كونه الوعاء الحقيقي لكل عمل وإنتاج .20كما أنه ال يمكن تحصيل كل الحقوق وأداء مختلف
15
Noureddine to JGANI, Affinité élective entre le temps et le droit, collègue : le temps et le droit , qui
organisent par :Le Laboratoire centre droit des obligations et des contrats et la fondation Mohamed Idrissi
Alami MA chichi , Faculté de droit , Fès le 2 et 3 juin 2016. (Non publié).
16
Faouzi Ghrousse, la relativité du temps juridique, collègue, le temps et le droit, op.cit.
17وتجدر اإلشارة إلى أن االهتمام بعنصر الزمن القانون كوحدة قانونية متماسكة حديث عهد بالظهور ،إذ لم يطله اهمام الدارسين من الفقهاء
القانونيين إال في الثلث األخير من القرن الماضي في أوساط الفقه الفرنسي ،أما في المغرب فإن محاولة التقعيد لهذا المفهوم استهُلت بتنظيم
ندوة حول موضوع "الزمن والقانون" من طرف مختبر قانون االلتزامات والعقود بكلية الحقوق بفاس .الشيء الذي يعني خلو الساحة القانونية
من أي دراسة سابقة.
18هند محامدي ،األجل في قانون االلتزاما ت والعقود المغربي ،رسالة لنيل ديبلوم الدراسات العليا المعمقة ،كلية العلوم اقتصادية واالجتماعية،
جامعة الحسن الثاني عين الشق ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية ،2002 -2001 :ص.1 :
19عودة عبد عودة عبد هللا ،م س ،ص.7 :
20عودة عبد عودة عبد هللا ،م س ،ص.4 :
4
االلتزامات بمعزل عن الزمن ،21الشيء الذي حتم تنظيم هذا األخير بقواعد قانونية تعكس فلسفة السياسة
كل فرع فرع.
التشريعية من تنظيمه على صعيد النظام القانوني ككل ،وبحسب ِّ
إن السياسة التشريعية في النظام القانوني بفروعه المختلفة يجب أن تنطوي على تحديد األولويات
في كل مادة من مواد القانون بما تتطلبه كل مادة ووفق ما يميزها من خصائص عن باقي 22
التشريعية
المواد األخرى .وإذا كان الحق في التقاضي طبقا للقانون يجب لزاما أن يتم استفاؤه داخل نطاق زمني
يسري تطبيقه على جميع الفروع القانونية ،فإن منطق األولويات الذي يتحكم في 23
معقول مبدأ دستوري
السياسات التشريعية حتم بالضرورة تخصيص كل مادة من مواد القانون بمميزات تخدم الفلسفة
التشريعية التي سنت بدافع لها ،األمر الذي يصدق على المادة التجارية التي لم يتوقف المشرع بمناسبة
تنظيمه لها عند حدود تنظيم نطاق زمن التقاضي المعقول استنادا لدستورية المبدأ بصريح النص ،وإنما
تعداه إلى تنظيم نطاق المعامالت التجارية ،ومن هنا يأتي هذا البحث لبيان قيمة الزمن والتنبيه إلى
مكانته 24في القانون التجاري.
إن أهمية تنظيم عنصر الزمن التجاري على الوجه الذي ذكر أعاله تنبع من مكانة الزمن في
مجال االقتصاد والتجارة بشكل عام ،وآلثاره في المتغيرات االقتصادية التي جعلته في عالم التجارة
واألعمال يعد عنصرا من عناصر اإلنتاج ،إذ ال عملية تتم إال من خالل وحدات زمنية ،25ذلك أن النشاط
االقتصادي يتم عبر الزمن وكل عملية تجارية تحتل حيزا منه ،وكذلك يحتاج تنظيم العالقات بين
يكون هاجس الزمن المقوم األساسي الذي ينبني عليه ،ولعل هذا أهم 26
العمليات إلى تنظيم قانون محكم
ما يهدف إليه التحليل االقتصادي لقواعد القانون الذي يرصد األسباب االقتصادية المحددة الشتغال تلك
القواعد وتطورها ،وذلك من منظور اختزال القانون في نصابه األخير باالقتصاد ،27وفي ظل اإلقرار
21حسن م لكي ،مشكلة الزمن العام والزمن الخاص ،قراءة في االجتهاد القضائي لمحكمة النقض ،ندوة الزمن والقانون ،المنظمة من طرف
مختبر قانون االلتزامات والعقود بشراكة مع مؤسسة ألستاذ محمد اإلدريسي العلمي المشيشي ،كلية الحقوق جامعة سيدي محمد بن عبد هللا،
فاس 3 -2 ،يونيو ( 2016غير منشور).
22المستشار أبو دياك ،مساهمة السياسة التشريعية في تطوير الوضع االقتصادي ،مصلحة الشؤون القانونية والمهنية ،وزارة العدل ،فلسطين.
23الفصل 120من دستور .2011
24عودة عبد عودة عبد هللا .م س،ص.4 :
25مجدي علي محمد غيث ،م س ،ص.40 :
26رضا سعد عبد هللا ،مفهوم الزمن في االقتصاد اإلسالمي ،المعهد العالم للبحوث والتدريب ،جدة ،ورقة مناقشة رقم ،10ط :الثانية ،س :
،2000ص.12 :
27محمد وضفة ،فلسفة القانون ،م :المجد ،بيروت ،ط :األولى ،س ،2002 :ص .107 :
5
بوجود متغيرات وعوامل اقتصادية كثيرة تمتد عبر فترات عدة تؤدي إلى إيجاد ترابط زمني بين
القرارات االقتصادية 28بما يجعل من الضرورة اشتمال التنظيم القانوني له على البعد الزمني.
وتبعا لذلك ،لم يدخر مشرع المادة التجارية جهدا في استحضار عنصر الزمن في الفلسفة
التشريعية التي تحكمت في سن وتنظيم جميع موادها إن على مستوى جانب المعامالت أو جانب
التقاضي موضوعيا من خالل قانون 15.95المنظم لمدونة التجارة ،والقانون 17.95المنظم لقانون
شركات المساهمة والقانون 6.95المنظم لباقي الشركات وقانون 17.97المنظم للملكية الصناعية،...
ومسطريا من خالل قانون 53.95المحدث للمحاكم التجارية.
إن هذه األهمية النظرية التي انعكست في االهتمام التشريعي بعنصر الزمن القانوني في المادة
التجارية ومستوى التنظيم الذي نظم به سواء في الشق الموضوعي أو المسطري أدت بالضرورة إلى
بروز أ همية عملية تمثلت في المنهجية المعتمدة من طرف العمل القضائي التجاري في التعامل مع
المقتضيات المنظمة لعنصر الزمن في المادة التجارية وما تداخل منها بين العام والخاص وبين الخاص
واألخص منه.29
وحتى ن ِّلم قدر اإلمكان بدراسة عنصر الزمن التجاري ،فقد آثرنا مجتهدين دراسته من خالل
جانبي الموضوع والمسطرة مقتصرين في الجانب الموضوعي على مدونة التجارة باستثناء الكتاب الثاني
المتعلق باألصل التجاري بالنظر لكون هذا األخير يعد وبحق ،مؤسسة قانونية في حد ذاته تعرضت له
مدونة التجارة ارتباطا بالتصرفات الواردة عليه من بيع ورهن وتقديمه حصة في الشركة وكذا كرائه عن
طريق ما يسمى بالتسيير الحر لألصل التجاري من جهة ،وبالنظر إلى مكانة هذا األخير في الحياة
التجارية للتجار والشركات التجارية وما يثيره من إشكاالت عملية 30من جهة ثانية.
أما بالنسبة للجانب المسطري فإننا سنتناوله من خالل القانون المحدث للمحاكم التجارية باعتباره
القانون الخاص للمسطرة أمام هذه األخيرة على أن نتناول إلى جانبه قانون مساطر صعوبات المقاولة.
وسبب إدراج هذا األخير في صلب الجانب المسطري بالرغم من أن المشرع نظمه في مدونة التجارة
راجع إلى ثالث عوامل رئيسية :
6
األول :ألن قانون مساطر صعوبات المقاولة وكما يدل عليه يغلب عليه الطابع الموضوعي أكثر
منه المسطري.
ثانيا :ألجل تفادي السقوط في إشكالية الخلل المنهجي باعتبار أن كفة القوانين الموضوعية ستطفح
إذا ما تم االكتفاء بدراسة قانون إحداث المحاكم التجارية في الشق المتعلق بالقوانين المسطرية.
ثالثا :دافع الرغبة في البحث على مستويين متوازيين هما المستوى الموضوعي واإلجرائي.
ولما كان هذا التمييز في التنظيم ينم عن رغبة المشرع في إرساء معالم نظام زمني خاص في
المادة التجارية يعك س فلسفته الرامية إلى إعطاء صورة صحيحة عن الوضعية التشريعية والقواعد
القانونية التي ينبغي أن يرتكز عليها النظام القانوني التجاري في بعده الزمني ،والتي تبرز من نواح عدة
وعي المشرع بأهمية عنصر الزمن في البيئة التجارية عموما وفي المنظومة القانونية التجارية على وجه
الخصوص ،كان البد من الغوص في أعماق هذه الفلسفة وسبر أغوارها ألجل الكشف عن دواعي اهتمام
المشرع بعنصر الزمن بكيفية خاصة خالفا لباقي مواد القانون األخرى.
وقد تبدى لنا بما ال يدع مجاال للريب من خالل ما راج على هامش فعاليات ندوة الزمن والقانون
التي احتضنت ها كلية الحقوق بفاس مؤخرا تحت عنوان "الزمن والقانون" ،أن الزمن القانوني بوجه عام
والزمن التجاري على وجه الخصوص – بحسب ما ورد على لسان األساتذة المتخصصين في المادة
التجارية – له فلسفته التي استدعت بالضرورة أن ينظم بنظام يختلف عن غيره من مواد القانون
األخرى ،الشيء الذي يبرر و يفرض الغوص في كنه هذه النصوص والعمل القضائي المغربي والمقارن
فضال عن الكتب الفقهية لتبيان أبعاد هذه الفلسفة .من أجل ذلك ،كان البد من صياغة اإلشكالية التالية
للموضوع:
إلى أي حد توفق المشرع المغربي في وضع نظام زمن قانوني تجاري خاص يستجيب لمتطلبات
البيئة التجارية بما يعكس الفلسفة التشريعية من سنه؟
هذه اإلشكالية الرئيسية تتفرع عنها مجموعة من اإلشكاالت الفرعية نجملها في اآلتي:
-كيف هي طب يعة نظام الزمن القانوني في المادة التجارية؟ وماهي أنواعه وخصائصه ومميزاته؟
-ماهي األهداف الكامنة وراء تخصيص المادة التجارية بنظام قانوني زمني خاص؟
-أي حكامة تشريعية لمالءمة القواعد القانونية المنظمة لعنصر الزمن؟
7
-هل استجاب هذا التنظيم التشريعي لعنصر الزمن في المادة التجارية إلى تحقيق األهداف المبتغاة
منه؟
-وأخيرا إلى أي مدى تمكن العمل القضائي – من تفعيل المقتضيات القانونية المنظمة لعنصر
الزمن وبلورة هذه القواعد بما يحقق األهداف التشريعية ويبرز بالتالي فعالية القاعدة القانونية
في هذا اإلطار؟.
وفي سبيل اإلجابة عن اإلشكالية الرئيسية لهذا البحث وكذا لمختلف اإلشكاليات الفرعية ،سنتناول
الموضوع بالدراسة والتحليل معتمدين في ذلك على المنهج االستقرائي والمنهج المقارن والمنهج التحليلي
النقدي والمنهج االستنباطي وذلك من خالل التقسيم التالي :
الفصل األول :التأصيل النظري لعنصر الزمن في المادة التجارية
سنتناول فيه اإلطار المفاهيمي لعنصر الزمن في المادة التجارية (فرع أول) واألبعاد الفلسفية
الخاصة للزمن القانوني التجاري (فرع ثاني).
الفصل الثاني :التطبيق العملي لعنصر الزمن في المادة التجارية.
نتناول فيه تطبيقات الزمن في القوانين الموضوعية {الزمن الموضوعي} (فرع أول) وكذا
تطبيقات الزمن في القوانين المسطرية{الزمن المسطري} (فرع ثان) وذلك في الحدود المرسومة وفق
التأطير الذي اقتضاه حصر الموضوع أعاله.
8
الفصل األول :التأصيل النظري لعنصر الزمن في المادة التجارية
إن عنصر الزمن ليس له من أساس إال حين يتلبس بوقائع وأحداث ،31فالزمن هو مفهوم
مستخلص ال يوجد بصورة مستقلة ،وإنما يكون له وجود ا عتباري حال كونه متلبسا بالحوادث والوقائع،
وعليه فالزمن ال يوجد مستقال عن األشياء ،كما ال يمكن تصور زمن مستقل بذاته ،وال يمكن تصور
أشياء ال زمنية . 32وفي مجال القانون فإن الحديث عن عنصر الزمن يختلف تماما ،إذ يمكن الحديث عن
الزمن في القانون بشكل مستقل دونما الحاجة إلى تلبسه بظروف الواقع ،بل االكثر من ذلك ،فالزمن
والقانون حال اجتماعهما على صعيد واحد ،يحتفظ كل منهما باستقالليته عن اآلخر ،استقاللية تصطبغ
بصبغة التأثير والتأثر ،فالزمن والقانون ي حاول كل منهما التأثير في اآلخر .فبقانون الزمن يحاول الزمن
أن يخضع القانون ،وبالزمن القانوني يحاول القانون إخضاع الزمن ،33أما األحداث والوقائع أو الواقع
القانوني في مجال القانون ،فإنه يشكل قطب الرحى بين كل من الزمن والقانون ،وبالتالي فإن تأثير الزمن
في القانون أو العكس بوجه عام ،ينبغي أن يناقش وفق مقاربة تحليلية تمزج بين الزمن من جهة والقانون
من جهة ثانية ،ثم الواقع القانوني من جهة ثالثة.
فالواقع محكوم بعنصر القانون ،34وبالرغم من ذلك ،فإن الواقع يتمرد على هذا التحكم وينتصر
في النهاية ،35إال أن انتصار الواقع هذا جاء بمباركة و ضغط عنصر الزمن ،ألن استمرارية هذا األخير
31عالل فالي ،الزمن في حياة الشركات ،ندوة :الزمن والقانون ،المنظمة من طرف مركز قانون االلتزامات والعقود بشراكة مع مؤسسة األستاذ
محمد اإلدريسي العلمي ،كلية الحقوق فاس 3-2 ،يونيو ( ،2016غير منشور).
32عبد الهادي حمدن ،الزمن في القانون ،صحيفة الوسط البحرينية ،ع ،2287 :بتاريخ 10دجنبر ،2008الموافق ل 25رجب ،1437الموقع
اإللكتروني:
news.com/news/27903.html http://www.alwasat
-07/9/2016تمت الزيارة بتاريخ.
33
Noureddine to JGANI, op.cit.
34محمد شيلح ،محاضرات في العقود المسماة ،ألقيت على طلبة السداسية الخامسة ،كلية الحقوق ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا ،فاس،
الموسم الجامعي .2014-2013
35ومن صور انتصار الواقع على القانون ما قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز" :تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور" ،في
محاولة للتعبير عن عجز و قصر القانون عن مجاراة الواقع الذي يتغير بفعل االستمرارية التي يفرضها ضغط عنصر الزمن بما يستلزم سن
وإحداث قواعد لتنظيم الواقع الجديد وفق ما يتطلبه؛ أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشاطبي ،االعتصام ،ج :األول ،م :دار
بن عفان ،دون ذكر عدد الطبعة ،س.1412/1992 :الموقع االلكتروني:
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=109&ID=1&idfrom=1&idto=145&bookid1
09&startno=70
9
تؤثر في الوا قع الذي يكون مضطرا للتماشي مع عجلة الزمن التي ال تتوقف فيؤدي إلى انتصار الزمن
على القانون.
ولما كان القانون هو الموجه الرئيسي في الحياة بشكل عام ،وموجه البيئة القانونية على
الخصوص ،سواء من حيث التصرفات أو من حيث زمن وقوع هذه التصرفات ،فإن ذلك استدعى أن
يك ون القانون هو اإلطار الذي ينبغي أن يتحكم في الزمن القانوني ابتداء وانتهاء ،طوال وقصرا ،لذلك
فإن القانون حينما يتعرض للزمن وكثيرا ما يحصل ،فإنه يجب أن يحدده بدقة متناهية .36وهو بهذا
المعنى –أي الزمن -يأخذ أشكاال هندسية مختلفة -زمن التقاضي ،زمن المسطرة ،زمن األطراف -ذات
خصائص طوبولوجيا Topologies 37يتأثر ويؤثر.38
فالزمن القانوني يقوم بضبط أمور الناس وانشغاالتهم بداية ونهاية ،وعن طريقه يتم إلزامهم
بضبط شؤونهم بارتباط مع األوقات المحددة لذلك .ومن منطلق الضبط واالنضباط سعى المشرع إلى
وضع نظام زمني قانوني ملزم للقيام باإلجراءات والتصرفات القانونية 39في ميقاتها المحدد .وهكذا نرى
بوضوح مستوى الترابط بين الوقائع والظرف الزمني الذي تقع فيه من جهة ،والقوانين التي تحكم تلك
الوقائع من ناحية حدوثها في زمن معين من جهة ثانية.40
ومن منطلق هذه المقاربة يتبين بجالء أن الزمن في مجال القانون يكون في أمس الحاجة إلى
عنصر الضب ط عن طريق القاعدة القانونية المحددة لصيرورته بوضع مدد قد تطول أو تقصر بحسب
تموضعها.41
وبخالف هذا التوجه ،يرى بعض الفقهاء المغاربة42أنه ولئ ن كان القانون في حاجة إلى إيقاع
الزمن الذي يضمن تطوره ومسايرته لحتمية االستمرارية ،ناكرا بذلك حاجة الزمن إلى القانون ،فإن
10
الزمن ال يحتاج إلى القانون كونه يفرض ذاته الوجودية انطالقا من إيقاع االستمرارية الذي يستمد من
طبيعته ،ولكون القانون يولد وينشأ تحت رحمة ورقابة الزمن متأثرا بضغطه المستمر.
وانطالقا من طبيعة الزمن الذي يحيط بكل جوانب القاعدة القانونية ،43فإن هذه األخيرة تتعرض
لمجموعة من التغيرات االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،التي تبلور األثر الذي يخلفه الزمن على
القانون والتي لم تتأثر في ذاتها إال بقدر ما أثر فيها الزمن نفسه ،44وعلى هذا األساس فإن الزمن يفعل
فعله في القاعدة القانونية فيؤثر فيها ويجبرها على التأقلم وفق فلسفة تستدعيها فلسفة الزمن نفسه،45
تترج م في تدخل المشرع بين الفينة واألخرى استجابة لمطالب اإلصالح المرغوب لترميم عيوب القاعدة
القانونية لتكون متماشية مع مستلزمات التحديث والتطور.
أما قول هذا التوجه بأن القانون يحتا ج إلى عنصر الزمن وطبيعته المستمرة التي تساهم في
تطوره ،فإن مبادئ هذا التطور تعتبر في حد ذاتها متعارضة مع مفهوم االستقرار الواقعي ومبدأ ثبات
القانون المنظم للزمن القانوني .فكيف ن وفق إذن بين القول بأن ضرورة المصلحة تقتضي وجود أساس
قانوني ثابت ومستقر يقوم ع ليه النظام االجتماعي ،وبين القول بضرورة األخذ بعين االعتبار لمبادئ
تطور القانون تحت ضغط التحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،والتي تفرض بداهة بفعل
استمرارية الزمن.46
في الواقع إن نكران فرضية حاجة الزمن إلى القانون التي دافع عنها االتجاه األول ،وترجيح
فرضية حاجة القانون إلى الزمن ،أبرزت تناقضا في المفاهيم وعجزا عن التوصل إلى توافق بين القول
بثبات القانون المعتمد كوسيلة التحكم في عنصر الزمن ،وبين القول بتطور القانون الذي يعد تكريسا
لضغط وتأثير الظاهرة الزمنية.
إن هذا التناقض بين هذين القولين هو الذي حدد االتجاه الفلسفي الرامي إلى البحث عن الوسائل
التي تحقق التوافق بين مبادئ تطور القانون بفعل عنصر الزمن ،وبين ضرورة إقامة أساس ثابت للنظام
القانوني الزمني ،47ومن ثم انطلق فالسفة القانون يحاولون وضع نظريات للقانون ،وأخرى للتشريع ،ثم
43عبد الرحمان الشرقاوي ،الزمن في المادة المدنية ،ندوة :الزمن والقانون ،م س(غير منشور).
44
Mohamed Idrissi Alami Machichi, op.cit.
45عبد الرحمن الشرقاوي ،م س.
46خالد عبد هللا عيد ،محاضرات في فلسفة القانون ومصادره ،كلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس أكدال ،سنة ،1978ص .44 :
47خالد عبد هللا عيد ،المرجع نفسه.
11
أخذوا يبحثون عن مختلف األسس التي تؤدي إلى تحقيق التوافق واالنسجام بين ضرورة ثبات القاعدة
القانونية المؤطرة لنظام زمني معين ،وبين التطور التشريعي الواقع بفعل تأثير الزمن.
وكخالصة لهذا التحليل ،فقد طفت على السطح حتمية اصطدام هذه المحاوالت الفلسفية بمشكلة
مزدوجة ،مشكلة البرهان على ثب ات القانون بصفته ضابط من ضوابط التنظيم التشريعي للزمن القانوني
واستقراره من جانب ،و مشكلة تعارض هذا البرهان وتناقضه أمام الواقع الذي يكشف على التعديالت
المتالحقة والمستمرة ،وكذا التغيرات المتتابعة التي تطرأ على القانون بين فترة وأخرى تحت ضغط
الرغبات اإلنسانية والحاجات االقتصادية واالجتماعية48من جانب آخر ،والتي تفرض بدورها تحت
ضغط عامل االستمرارية ،ذلك أن زمن القانون حسب البعض ،49نفسه أصبح قصيرا ،سواء من حيث
زمن اإلعداد الذي يمر سريعا ،أو من حيث المدة القصيرة التي بات يعمر فيها القانون قبل يطاله اإللغاء
والتغيير.50
وعلى أساس هذه المقاربة التحليلية ذات البعد الفلسفي لمفهومي القانون والزمن داخل سياج الحقل
القانوني ،فإنه على عكس الزمن الفزيائي الذي ال يحتاج إلى قانون ،فإن الزمن القانوني يحتاج إلى
القانون كي يضبطه ويعتمده كوسيلة لتحقيق أهداف قانونية تكشف عن الفلسفة من اعتماد مدد زمنية
تتأرجح بين القصر والطول وتختلف بطبيعتها من حيث التموضع واألهمية.51
وهكذا نكون قد رجحنا التوجه األول القائل بحاجة الزمن إلى القانون في المجال القانوني،
معرضين على االتجاه الثاني المنكر لهذه الحاجة والقائل بعكسها.52
ومرد هذا الترجيح في نظرنا بجد سنده في أ ن القانون ال يحتاج إلى عنصر الزمن لكي يكون قائما
بذاته ،ألن القانون له قوته التي يستمدها من خصوصيته التشريعية القائمة على معياري الضبط
واالنضباط والتي تجعله يتربع الكفة الراجحة لميزان المقاس ،وله سلطة التحكم وامتالك آلية ترويض
الزمن بجعله في خدمة السياسة التشريعية عبر نصوص قانونية قطعية الداللة ،بحيث تعتبر هذه
النصوص المصادر الرسمية للزمن القانوني ،والتي بدورها تقع ضمن السياسة التشريعية التي تتطلع إلى
12
محددة لنظام 53
تحقيق أهداف تعكس حين تحققها الفلسفة القانونية الداعية إلى وضع نصوص قانونية
زمني معين في مجال قانوني بعينه.
ومن ناحية ثانية ،فإ نه لو سلمنا بأن القانون يحتاج إلى عنصر الزمن ،ألفقدنا القانون خاصية
الضبط والتحكم ،ولتم تثمين فرضية اعتبار إرهاص الزمن هو المعيار بدال من جودة نصوص تتعلق
بقوانين مهمة ، 54ولسقطنا في تناقض مع مبدأ استقرار وثبات ا لقاعدة القانونية كما هي مؤطرة بمقتضى
النص التشريعي ،لكون مفهوم الزمن ال يقبل شيئا اسمه االستقرار إال ما كان منظما بمقتضى القانون،
ولكونه خطي ال رجعة فيه وال تكرار.55
وال غرو أن الزمن بالر غم من حاجته للقانون في السياق التشريعي البحث ،واحتفاظ القانون
بذاتيت ه وسلطته على ترويضه ،فإن الزمن في القانون أو الزمن القانوني 56له قيمة وأهمية لم يتذوق طعم
مرارتها إال من فقد حقوقه تحت ضغط عنصر الزمن ،ولم يعرف طعم حالوتها إال من كسب حقوقا
وظفر بقضايا بمباركته ،نظرا الرتباط الزمن القانوني بمصير الدعوى والنزاع المرفوع إلى القضاء
على االعتراف بالعدد الهائل 57
استهدافا لالعتراف بحق أو حمايته ،مما حمل بعض رجال القضاء
للحقوق التي ذهبت سدى ،والمصالح الثابتة التي شطبت بجرة قلم نتيجة عدم احترام اآلجال ،وتهاونا في
التقيد بالمواعيد التي ال ترحم.
من أجل ذلك عمد المشرع المغربي كما في باقي التشريعات المقارنة إلى وضع أنظمة خاصة
إلى غاية صدور الحكم 59
مرورا بقيام الخصومة 58
بالزمن القانوني اعتبارا الرتباطها بمصير الدعوى
53
)Marie CRESP, le temps juridique en droit privé, thèse doctorat en droit, école doctorat de droit (E.D.41
université Montesquieu, Bordeaux IV, année universitaire 2010, p : 20.
54
Marie CRESP, op.cit. p : 21.
55سليمة فراجي ،أهمية الزمن التشريعي في هدر الخالفات والمزايدات ،مقال منشور بالجريدة اإللكترونية مغرب اليوم ،السبت 2يونيو .2016
الموقع اإللكتروني almaghribtoday.net306/020716004308 :تمت الزيارة بتاريخ .08/09/2016
56للمزيد من االطالع أنظر :
-ندوة الزمن والقانون المزمع نشرها من طرف مختبر قانون االلتزامات والعقود ،كلية الحقوق فاس.
- Le temps juridique en droit privé , Marie CRESP, op.cit.
57محمد العربي المجبود ،تقديم مؤلف :آجال إلجراءات في التشريع المغربي ،لمؤلفه عبد العزيز توفيق ،م :النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،ط:
األولى ،س ،1990 :ص .5 :
58ماء العينين الشيخ الكبير ،مس ،ص.11 :
59عبد الحميد أخريف محاضرات في ق م م ،كلية الحقوق ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا فاس ،الموسم الجامعي ،2014 -2013 ،ص-24:
.26
13
وتنفيذه ،وحدده تحديدا دقيقا من حيث أنواع المدد ومداها ،والتي ال تخلو من األهمية الممزوجة
بالخطورة.60
ولما كانت أهمية تنظيم الزمن في القانون عموما تروم تحقيق ضبط وأجرأة مقتضيات إيقاع
القانون الذي يعبر وبحق عن عدالة الزمن القانوني ،61فإن هذا األخير في الميدان التجاري أكثر أهمية،
وأدعى إلى هذا التنظيم فيه عن غيره ،تنظيم يجب أن يبرز خصوصية المادة التجارية التي تقوم على
السرعة والتكرار ،بحيث كلما تكررت العمليات بسرعة تحققت األرباح أكثر ،62إذ أن هناك ارتباطا وثيقا
بين الوقت والمال ، 63وتنبها لذلك أقام المشرع نظاما زمنيا خاصا سواء بالنسبة لزمن التقاضي أو بالنسبة
لزمن األطراف ،كما عمل على تنظيم تقادم تجاري قصير للمعامالت التجارية سواء كانت بين تأجرين
أو بين تاجر أو غير تاجر 64وذلك بالنظر لخصوصية المعامالت التجارية خالفا للمدنية.65
إن تبني المادة التجارية لنظام زمني خاص ليبعث على األبعاد الفلسفة التشريعية التي يرمي
66
المشرع إلى تحقيقها من وراء ذلك(،الفرع الثاني) أبعاد تعكس أهمية تموضع الزمن داخل القانون
قصد تحقيق أهداف قانونية لخدمة البيئة 67
الذي يعتمد تقنية األهداف ليخضع عنصر الزمن لسلطته
التجارية ،ذلك أن التقنية لم تقتحم مجال الحياة فحسب ،ولكنها اكتسحت مجال القانون ،68والذي هو في
حد ذاته تقنية لخدمة السياسة التشريعية الهادفة إلى إخراج األبعاد الفلسفية لهذه السياسة إلى الواقع العملي
والتي سنكشف عنها في حينها.
14
إن الميدان التجاري بالنظر إلى الخصائص التي يتميز بها وما يتطلبه من سرعة في إنجاز
المعامالت وارتباط هذه المعامالت مع بعضها البعض ، 69استدعى أن يؤطر بمقتضى نظام زمني
يستجيب لخاصية السرعة التي تطبع هذا الميدان ،تمييزا له عن غيره من فروع القانون األخرى ،هذا
التمي ز يجد سنده في كل من زمن المعامالت أو ما اصطلح عليه أحد الفقهاء بزمن األطراف ،70وكذا
زمن التقاضي 71أو زمن المسطرة باإلضافة إلى نظام التقادم القصير الخاص بالمادة التجارية.72
إن هذا الوضع الذي ينفرد به نظام الزمن القانوني التجاري لينطوي على خصوصيات تتجلى في
اكتسائه أهمية قصوى ،وبتميزه بطبيعة خاصة دون غيره من األنظمة القانونية الزمنية .من أجل ذلك،
كان البد من تأطير هذا المفهوم ــ الزمن التجاري– تأطيرا يكشف عن كل ما سلف ذكره وفقا مقاربة
تحليلية تستهدف تحديد مفهومه وأهميته وكذا طبيعته التي تميزه تحديدا نظريا خالصا(الفرع األول).
والشك أن تبني المشرع التجاري لهذا التنظيم الهيكلي ا لجديد في جسم القضاء المغربي ما كان
وحماية 74
إال استجابة لما يتطلبه ميدان المعامالت التجارية من مبادئ ،تبقى أهمها السرعة والمرونة
االئتمان التجاري بما يستهدف تحقيق استقرار البيئ ة التجارية لتكون متماشية مع مستلزمات التحديث
والتطور وتطويق المنازعات المعرقلة لتوفير أمن تجاري ،ذلك أن ضمان تحقيق هذه المبادئ يستدعي
بالضرورة وضع نظام قانوني يؤطر المادة التجارية م ن حيث جانب المعامالت بين التجار ،أو من حيث
إجراءات التقاضي بين هؤالء في حالة نشوء نزاع بينهم.
69عبد السالم الدرقاوي ،المستلزمات المسطرية لقانون األعمال ،مقال منشور بالمج :المغربية للقانون االقتصادي ،ع :مزدوج ،2013 ،6-5
ص.10 :
70أحمد كويسي ،الزمن في األوراق التجارية ،ندوة الزمن والقانون م س(.غير منشور)
71عبد الحميد اخريف ،الزمن في قمم ،ندوة الزمن والقانون ،م س(.غير منشور)
72عبد الرحيم بحار ،التقادم في المادة التجارية ،م س ،ص.60 :
73تقديم وزير العدل ،السيد محمد بوزبع لمج :المحاكم المغربية ،م :فضالة ،المحمدية ،ع :األول ،ماي ،2004ص .5 :
74عبد السالم الدرقاوي ،م س ،ص.7 :
15
ويبقى نظام الزمن القانوني التجاري أهم هذه األنظمة التي ميزت هذا القانون سواء من حيث
عناصره ،أو من حيث أهدافه التي يروم تحقيقها والتي ال تخرج في شموليتها عن ضمان المرونة
والسرعة وحماية االئتمان وفق ما يحقق استقرار البيئة التجارية.
ويتجلى ذلك من خالل نظام الزمن القصير الذي صار مشتمال على صعيد كل جزيئيات الميدان
التجاري إن على مستوى زمن األطراف أو على مستوى زمن التقاضي.
وإذا كانت هذه هي األهداف والمقاصد التي استهدف المشرع تحصيلها بتبنيه لنظام الزمن
القانوني التجاري ،فإن عناصره المميزة والتي كان لها دور ال يقل أهمية تنحصر باألساس في طبيعة
نظام الزمن القانوني(المبحث الثاني) و التي تعد بمثابة آليات لخدمة مقومات البيئة التجارية ،ثم في
الخصوصية التي يختص بها نظام الزمن القانون التجاري ،وهي خصوصية تعكس أهمية هذا النظام
والحاجة إليه .لذلك كان البد من التوقف عند مفهوم هذا المقتضى (المبحث األول) ليتسنى بالتالي مناقشة
كل ما سلف ذكره.
75مجدي علي محمد غي ث ،نظرية الحسم الزمني في االقتصاد اإلسالمي ،منشورات المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،فرجينا ،الواليات المتحدة
األمريكية ،ط :األولى ،س ،2010 :ص.36 :
76منذر قحف ،تقديم مؤلف ،نظرية الحسم الزمني في االقتصاد اإلسالمي ،مجدي علي محمد غيث ،م س ،ص.9 :
77
Marie CERSP, op.cit. p : 3.
16
ومن منطلق خصوصية الزمن القانوني في المادة التجارية ،البد من التوقف عند هذا المفهوم من
أجل تحديده بتبيين أللفاظ التي ترادفه ويراد بها هو ،تحديدا مانعا للجهالة (المطلب األول).
خالفا لما هو معهود في تحديد المفاهيم القانونية الذي يستهدف وضع تعريف للمقتضى المراد
استجالء الغموض واللبس عليه ،والذي يكون بتعريفه وتمييزه عن المفاهيم المشابهة له ،فإن تحديد مفهوم
الزمن القانوني التجاري سيكون بتعريفه (الفقرة األولى) وبرصد األلفاظ ذات العالقة بعنصر الزمن
(الفقرة الثانية) ألن الزمن قد يطلق ويراد به هذه األلفاظ 78أو العكس بالعكس.
قبل أن نعر ف الزمن القانوني في المادة التجارية ،فإنه من الحكمة التعريج على مختلف الجزئيات
المساعدة على توضيح هذ ا المفهوم بما في ذلك التوقف عند تعريفه لغويا ومن الناحية االصطالحية
لنصل نهاية إلى التعريف القانوني لهذا المقتضى.
الزمن في اللغة :الزمن والزمان يطلقان في اللغة على قليل الوقت وكثيره ،79والجمع أزمان
وأزمنة ،وسبب إطالقه على الوقت قليلة وكثيره هو أن الزمن مدة قابلة للقسمة ،80وعامله مزامنة من
الزمن ،كما يقال مشاهرة من الشهر.81
والزمن في اصطالح الفقهاء يستعمل بمعنى أجل الشيء ومدته ووقته ،82ومن ذلك نجد الفقيه علي
الشيباني ابن األثير ،الذي عرف الزمن بأنه مجموع ساعات الليل والنهار ويشمل الطويل من المدة
والقصير منها ، 83كما عرفه الجرجاني بقوله ":الزمن هو مقدار حركة الفلك ،وعند المتكلمين (المناطقة)،
فالزمن هو متجدد معلوم ،يقدر به متجدد موهوم ،فإذا اقترن ذلك الموهوم بذلك المعلوم ،زال اإليهام،84
17
وأقر البعض بأن الزمن كلمة عربية تدل على كامل أجزاء الوقت طويال كان أم قصيرا وليس له بداية
وال نهاية ،وهو مقدار الحركة يجري أبدا وال ينتهي.85
ومما سبق يتبين أن تعريف الزمن عند هؤالء الفقهاء ،اقتبس من المعنى اللغوي تارة ليدل على
قصر المدة أو طولها ،ومن التعريف االصطالحي تارة أخرى ليدل على خصائصه .ومن عناصر
االتفاق بين التعريفات السالفة أنها اعتبرت الزمن وقتا يطلق على أجزاء من الوقت ،سواء أكان قصيرا
أم طويال.86
أما الزمن من داخل القانون ،87أو الزمن في القانون–،في المادة التجارية -فهو مفهوم ذو بعد
وقتي يحمل على معنين ،األول يظهر من خالله الزمن على أنه فضاء خاص ومنظم يتم في إطاره ظهور
مختلف الوضعيات القانونية ،والثاني هو معيار تقاس وفق استمراريته مختلف هذه الوضعيات ،وتنشأ فيه
جميع التصرفات المرتبطة بها.88
ومن الزاوية التجارية في بعدها القانوني ،فإن الزمن القانوني مفهوم وظيفي يشكل أداة لتحقيق
أهداف كثيرة خدمة لمقاصد السياسة التشريعية بحيث ينظم القانون الزمن معتمدا على تقنية األهداف
لضبط فرع قانوني بعينه.
وعليه فالزمن القانوني بهذا المعنى هو مفهوم وظيفي ،بحيث أن وحدة مفهومه تستمد من وظائفه
التي تساعد على فهم البعد الزمني للقانون بشكل كامل ودقيق من خالل األهداف التي يبتغى تحقيقها،89
ومن هذا المنطلق الوظيفي لمفهوم الزمن القانوني يتبين أن هذا األخير يجب في محتواه كل األلفاظ
القانونية التي تعبر عنه ،والتي استدعت المشرع العتمادها كل بحسب تموضعه ونسبة الحاجة إليه ،وهذا
ما سنتناوله في (الفقرة الثانية).
18
الفقرة الثانية :األلفاظ القانونية ذات العالقة بمفهوم الزمن القانوني.
قد يقع خلط بين لفظ الزمن القانوني ومصطلحات أخرى ذات عالقة به من الناحية القانونية ،وتفيد
سيما من داخل القانون ،وأهم األلفاظ 90
ما يفيد ،ففي بعض األحيان يعبر عن لفظة الزمن بألفاظ أخرى
القانونية ،ذات العالقة ما يأتي :
والوقت في االصطالح ،مقدار من الزمن مقدر ألمر ما ، 93وعليه فإن الوقت بهذا المعنى خصص
من الزمن للقيام بعمل معين ،و من هنا يظهر الفرق بين الزمن والوقت ،فالزمن يستعمل لتعيين مدة
ممتدة وطويلة ،بينما الوقت يدل على مدة أقصر وألمر معين.94
والمدة في االصطالح القانوني حسب فلسفة برغسون Bergsonهي وقت معاش ،يقاس بمحتواه
الذي يعكس مدى الفترة الزمنية المشكلة للمدة من حيث كمية األحداث ،والمواضيع المستغلة فيها ،ال بعدد
األيام والساعات.96
19
وعليه ،فالمدة الزمنية في االصطالح القانوني تقاس بمدى اإلجراءات والتصرفات التي تمت
مباشرتها في غضونها ،وبذلك تكون غير مجردة عن األحداث والواقع ،وهو الطرح الذي يزكي العالقة
الوطيدة بين كل من الزمن وباقي األلفاظ الدالة عليه ،والتي تبقى المدة من أبرزها ،وبين التنظيم القانوني
الذي تدور في فلكه هذه الوقائع.97
ثالثا :األجل:
هو المدة المفروضة للشيء والمقدار المحدود من الزمن ،98ويطلق األجل في اللغة على معان عدة
أهمها غاية الوقت المضروب في الموت ،وحلول الدين ونحوه ،ويقال استأجله أي أجله إلى مدة ،واآلجلة
ضد العاجلة وهي مدة الشيء.99
وقد عرفه األلوسي بقوله األجل غاية لزمان ممتد ،عين ألمر من األمور ،وقد يطلق على كل ذلك
زمان ،100وهذا التعريف قصد به المدة المضروبة ألمر معين. 101
واألجل في مجال القانون ،هو المدة المستقبلة التي يضاف إليها أمر من األمور ،سواء كانت هذه
اإلضافة أجال للوفاء بااللتزام أو أجال إلنهاء االلتزام ،102وسواء أكانت مقررة بالتشريع أم بالقضاء أم
بإرادة أطراف العالقة.103
وعليه ،فاألجل هو أمر محقق الوقوع من شأنه أن يوقف استحقاق االلتزام أو انقضائه ،104وهكذا
105
يمكن تعريف ألجل بأنه مدة مستقبل محددة لها بداية ونهاية .ويوضح األستاذ علي مجدي محمد غيث
فيما يقترب من هذا التعريف قائال ،أن األجل ال يتحقق إال ببيان مدة معلومة ،قصيرة كانت أم طويلة،
20
وهذه المدة تكون مستقبلة بحيث أن المدة الماضية يطلق عليها التاريخ ،ومن ذلك مثال تاريخ صدور
الحكم القضائي.
رابعا :الفور:
عرفه أحد الفقهاء106بقوله ،المعنى السائد للفور هو المواالة للقبول واإليجاب لما يحصل ،على
غرار ما يحصل في الوضوء للصالة ،وفي لسان العرب حسب نفس الفقيه ،الفور هو مقدار غير محدد
من الوقت ،فإذا كان محددا سمي ميقاتا .وهو من األلفاظ التقريبية إذ البد من التسامح في استعمالها بما
تقتضي به العادة.
وفي اعتقادنا فإن ما ذهب إليه هذا الجانب من الفقه بخصوص ضرورة التسامح في استعمال الفور
بحسب ما تقضي به العادة ،فإن هذا التسامح يقبل فقط في مجال زمن األطراف أو ما يصطلح عليه بزمن
المعامالت ،أما زمن التقاضي فإن إقرار مبدأ التسامح في خالله يؤدي إلى تثاقل إجراءات المسطرة،
والقول بخالف ذلك يفرغ نظام زمن التقاضي الخاص من محتواه ،ويحول دون أدائه للمقصد الذي صيغ
من أجله.
وهكذا نكون قد تعرضنا لأللفاظ ذات العالقة بالزمن القانوني (الوقت ،المدة ،األجل ،الفور) ،ألن
الزمن قد يراد به هذه األلفاظ كما سلفت اإلشارة إلى ذلك آنفا ،إذ أن الزمن يطلق ويراد به مدة طويلة
وممتدة ،والوقت يستعمل بتعيين مدة أقصر ،أي مقدار من الزمن مقدر ألمر ما ،وبذلك يدخل الوقت
ضمن مفهوم الزمن ،فالوقت اختالفه الوحيد عن الزمن في كونه يستخدم لفترات أقصر ،أما المدة فماهي
إال جزء من الزمن ،أما األجل ف هو المدة المستقبلة التي تحدد لها بداية ونهاية ،وهو من أكثر األلفاظ
ارتباطا بالزمن القانوني والسيما التجاري منه ،وأخيرا الفور الذي ليس له حضور قوي على غرار
المفاهيم السالفة الذكر ،لذلك فإن ارتباطه بالزمن ارتباط مفاهيمي أكثر منه وظيفي للداللة على المواالة
بين عمليتين قانونيتين كتقديم المقال االفتتاحي وتعين القاضي المقرر.107
106محمد شيلح ،زمن انعقاد العقد ،ندوة الزمن والقانون ،م س(.غير منشور)
107مثال ذلك ما ورد عليه النص في الفصل 14من ق 53.95المحدث للمحاكم التجارية.
21
المطلب الثاني :أهمية تنظيم وضبط نظام الزمن التجاري
إن الناظر لقواعد القانون التجاري المنظمة لعنصر الزمن في هذا األخير يتيقن أن قيمة الزمن فيه
واضحة 108بشكل ينم عن حاجة المادة التج ارية لتنظيم هذا العنصر تنظيما قانونيا دقيقا ،وهو فعال ،األمر
الذي كان المشرع على وعي به ،وذلك عندما لم يتوقف عند تنظيمه وحسب ،ولكن بضبط هذا التنظيم
والتدقيق فيه ،بالكشف عن طبيعة ونوعية الزمن الذي تتوخاه المادة التجارية ،وقد بلورت هذه الدراية في
تقنية الزمن القصير الذي يستجيب لخدمة خاصيتي السرعة والمرونة وحماية االئتمان ،والتي تعد أبرز
تقنية انفرد بها القانون التجاري وطورها وفق نمط يخدم عملية تطوير مبادئه ،ويدفع به إلى بر االستقالل
والتفرد عن غيره من فروع القانون األخرى .ولجسامة هذه المهمة ،فقد أولى المشرع المغربي التجاري
لهذه التقنية –تقنية الزمن – تنظيما محكما من خالل نظام زمني خاص جعله يتميز بخصوصية فريدة من
نوعها يمكن الوقوف عندها بالتطرق إليها على مستويين ،األول نتناول فيه زمن التقاضي في المادة
التجارية وما يشتمل عليه من خصوصيات ت ميزه عن زمن التقاضي في القواعد العامة(،الفقرة األولى)
ثم نتطرق بعد ذلك لزمن األطراف وفق نفس المنهج الذي سرنا عليه في الحديث عن زمن التقاضي،
(الفقرة الثانية) وبذلك نكون قد أحطنا بمختلف جوانب الزمن التجاري سواء في الشق المتعلق
بالمعامالت أو في الجانب المتعلق باقتضاء الحقوق.
يعتبر مجال المال واألعمال من المواضيع ذات األهمية بمكان نظرا لموقعها ومكانتها داخل
المنظومة االقتصادية عموما والتجارية على وجه الخصوص ،وبالنظر لما تستدعيه تلك المنظومة من
سرعة ،فال يخفى دور التنظيم القانوني لعنصر الزمن فيها ،لذلك يبحث المستثمرون عن األوساط التي
تضمن لهم الحصول على حقوقهم في أوجز الفقرات وينفرون من األسواق التي سيتأخر فيها اقتضاؤهم
إياها ،ولهذا فللجانب المسطري في هذا الصدد أهمية خاصة ،لكونه يشكل المسلك الرئيسي لفض
النزاعات والوصول إلى الحقوق في أقرب اآلجال بشكل صحيح وسليم تحقيقا لألهداف االقتصادية.110
22
لذلك وضع المشرع التجاري نظاما زمنيا خاصا هدف من ورائه إلى تحقيق الغايات والمقاصد
السالف ذكرها ،كونها تشكل محور اهتمامه وغايته من إحداث قواعد إجرائية خاصة في المادة التجارية.
وإذا انتقلنا إلى القضاء باعتباره المجسد لحركية القانون111وما يقتضيه التوجه إليه من إجراءات
ومساطر ،يتضح بشكل جلي أن هذه األخيرة هي موضوع الرهان في إنجاح العملية التجارية بالنظر
لكونها محكومة بتنظيم يعكس خصوصية الزمن التجاري الذي يشكل فيصال بين القواعد اإلجرائية العامة
المعمول بها أمام المحاكم العادية وبين المساطر التي انفردت بها المحاكم التجارية.112
وبالرجوع إلى مقتضيات القانون 53.95المنظم للزمن المتحكم في إجراءات اقتضاء الحقوق نجده
قد نظم هذا العنصر في جميع مراحل اإلجراءات المتبعة لهذه الغاية ،سواء قبل وأثناء البت في النزاع أو
خالل تنفيذ الحكم أو القرار القضائي.
فعلى مستوى التنظيم القانوني لزمن اقتضاء الحق قبل وأثناء البت في النزاع التجاري تبرز خصوصية
التنظيم من أول خطوة يخطوها المدعي في سبيل اقتضاء حقه ،ويتضح ذلك من خالل مبادرة رئيس
المحكمة إلى تعيين القاضي المقرر الذي يحيل إليه الملف خالل 24ساعة من تاريخ تقييده بكتابة الضبط
من طرف المدعي ،113ويقوم المقرر باستدعاء األطراف ألقرب جلسة يحدد تاريخها.114
وال شك أن هذه المقتضيات تستلزم السرعة في اتخاذ مجموعة من العمليات كالتسريع في جدولة
التعينات التي يقوم بها رئيس المحكمة ،والتي تتطلب بذل الكثير من الجهد في تصنيف القضايا من أجل
إحالتها إلى القاضي المقرر الذي يتوسم فيه الكفاءة العلمية على سرعة المعالجة ،وهذه الكفاءة تتصل
بتخصص معين يفترض أن يتجانس مع طبيعة القضية التي سيتكلف بها ،وكذا السرعة في جدولة
الجلسات التي يقوم بها القاضي المقرر إلدراج القضايا في المناقشة.
ومن أجل تفعيل مقتضيات المادة ، 14يجد القاضي المقرر نفسه ملزما بالتوفيق بين تنفيذ السرعة
المطلوبة وبين االعتداد بموطن األطراف الذين قد يوجد أحدهم خارج نفوذ الدائرة القضائية للمحكمة،115
بحيث يتراوح ا ألجل الذي يجب أن ينصرم ما بين تبليغ االستدعاء واليوم المحدد للحضور من 5أيام إلى
15يوما ،116وكذا من شهرين إلى أربعة أشهر.117
111المهدي شبو ،لماذا تبني المشرع المغربي نظام صعوبات المقاولة ،مقال منشور بمج :المحاكم المغربية ،ع 89 :يوليوز -غشت ،س:
،2001ص.61 :
112بوشعيب الزموري ،م س ،ص.4 :
113عبد الجبار بهم ،اآلجال وفق قانون إحداث المحاكم التجارية ،مقال منشور بمج :المحامي ،ع ،45 :س ،2004 :ص.56 :
114المادة 14من ق.م التجارية الموافقة للفصل 36من قمم.
115عبد الجبار بهم ،م س ،ص.57 :
116الفصل 40من ق م م.
23
وإذا تعذر توصل األطراف باالستدعاء أصدرت المحكمة أمرا بتعيين قيم طبقا لمقتضيات الفصل
39من ق م م حماية لحقوق األطراف من جهة وتسريعا إلجراءات البت من جهة ثانية.
وبهدف تعجيل االستدعاء ،حرص المشرع التجاري من خالل المادة 15من قانون 53.95على
إسناد هذه المهمة إلى مؤسسة المفوض القضائي ،باعتبارها أداة ضامنة للسرعة بالنظر لتخصصها
وكفاءتها ودرايتها بجغرافية المحيط العام للمحكمة التجارية ومتطلباتها.118
وهذا خالفا لما عليه الحال في شأن التقاضي في القواعد العامة المنظم بمعزل عن أي إيالء ألهمية
عنصر ا لزمن قبل مرحلة البت في الدعوى ،حيث يبقى اعتماد إجراءات التبليغ المنصوص عليها في
الفصول 38 – 37 -36بما تعرفه طبعا من بطء و تأخير في توصل األطراف باستدعاءاتهم مما يترتب
على ذلك تأخر في زمن البت في النزع.
وأثناء البت في الخصومة القضائية أ مام المحكمة التجارية ،يستمر هاجس الزمن حاضرا في
مختلفة محطات البحث والتحقيق في الدعوى التجارية ،ويمكن تلمس هذا الهاجس انطالقا مما يلي :
وإذا صدر الحكم المتعلق باالختصاص بادر القاضي المقرر إلى توقيعه على وجه السرعة ،فإذا
عاقه مانع أصبح معه غير قادر على توقيع الحكم وجب إمضاؤه من طرف رئيس المحكمة داخل أربع
وعشرين ساعة بعد التحقق من وجود هذا المانع 120كما نصت على ذلك المادة 11من . 53.95
117الفصل 41من ق م م ،جاء فيه " :إذا لم يكن للطرف الذي وقع استدعاؤه ال موطن وال محل إقامة في دوائر نفوذ محاكم المملكة فإن أجل
الحضور يحدد فيما يلي:
-إذا كان يسكن بدولة افريقية أخرى أو آسيا أو أمريكا :ثالثة أشهر؛
تطبق اآلجال العادية عدا إذ ا مددها القاضي بالنسبة إلى االستدعاءات التي سلمت إلى الشخص بالمغرب الذي ال يتوفر بعد على موطن
ومحل إقامة".
24
-2زمن التحقيق في الدعوى
تنص الفقرة األولى من المادة 16من ق إ م ت على أنه إذا كانت القضية غير جاهزة للحكم ،أمكن
للمحكمة التجارية أن ترجعها للقاضي المقرر ،...ويستشف من مفهوم المخالفة لهذا النص أن القضية إذا
كانت جاهزة ف المحكمة مطالبة باإلسراع إلى وضعها في المداولة بعد تحديد تاريخ النطق بالحكم.121
وعدم جاهزية الحكم يطرح على المحاكم التجارية إشكالية االلتزام بهاجس الزمن الذي يتردد
صداه باستمرار عبر مضامين المواد المؤطرة لقا نون إحداثها ،والناظمة لمساطرها وإجراءاتها والضامنة
في نفس اآلن للسرعة التي ينشدها أطراف الدعوى ،هاته األطراف التي ما تلبث أن تتنكر للسرعة
المطلوبة عندما تأخذ المسطرة مجراها ،ويتسرب التحقيق إلى المراكز القانونية لهم حيث تبدأ النوايا
الغائرة في الميل إلى تسويف اإلجراءات والمماطلة فيها إهدارا لزمن التقاضي .122والتحقيق في الدعوى
على حد تعبير أحد الباحثين 123ليس ترفا للقاضي المقرر بقدر ما هو عناء له ،ويزيد من وطأة هذا العناء
التزامه في جميع األحوال بأن يحيل القضية من جديد إلى الجلسة داخل أجل ال يتعدى 3أشهر من تاريخ
إرجاعها له من قبل المحكمة ،وقد يستدعي التحقيق اللجوء إلى إجراءات الخبرة ،والتي يتعين بمقتضاها
مراعاة مجموعة من اآلجال التي تجد اصلها في منطق التحقيقات المدنية والمختلفة تماما عن طبيعة
التحقيق الذي ينبغي ان يسود القضايا التجارية.124
120تجدر اإلشارة إلى أنه بعد صدور الحكم المتعلق باالختصاص يفتح للطرف المتضرر منه باب الطعن باالستئناف ضمن حيز زمني تم تحديده
بموجب المادة 8من قانون إحداث المحاكم التجارية ،وإحجامنا عن عدم التطرق له على هذا المستوى راجع لكون أجل الطعن أدرجناه ضمن
الفقرة المتعلقة بزمن األطراف على اعتبارا َّن هُم من لهم الحق في استعماله أو تركه ،أنظر الصفحات اآلية بعده.
121المادة 17من ق .53.95
122عبد الجبار بهم ،م س ،ص.61 :
123عبد الجبار بهم ،الرجع نفسه.
124تتمثل هذه االجراءات التي يفضي اتباعها إلى إهدار زمن التقاضي في:
احترام الطرف المطالب بوضع أتعاب الخبرة لميعاد إيداعها داخل األجل الذي تحدده المحكمة في منطوق الحكم التمهيدي.
احترام الخبير ألجل وضع التقرير ،وهو أجل متروك للسلطة التقديرية للمحكمة ،تحدده في منطوق الحكم التمهيدي
وتدعو الخبير لمراعاته تحت طائلة استبداله بخبير آخر ،وقد يقصر هذا ألجل أو يطول بحسب المهمة المسندة للخبير
التزام الخبير بتطبيق أجل 5أيام الفاصلة بين موعد الحضور لجلسة الخبرة ويوم توصل أطراف الدعوى ووكالئهم
باالستدعاء
التزام الخبير بمسايرة مسطرة حاالت االستعجال
التزام طالبي التجريح في الخبير بتقديم طلباتهم داخل أجل 5أيام من تاريخ التوصل بالمقرر القضائي الرامي إلى تعيين
الخبير.
ثم التزام المحكمة بالبت في طلبات التجريح في الخبير داخل أجل 5أيام من تاريخ التصريح بها=
25
أما بخصوص التقاضي خالل المرحلة االستئنافية ،فإن نفس المقتضيات المنظمة لعنصر الزمن
تظل هي المتحكمة استنادا للمادة 19من ق 53.95والتي تقضي بأن تطبق المواد 13و 14و 15و
16و 17من هذا القانون أمام محكمة االستئناف التجارية ،غير أن أجل الطعن بالنقض في األحكام أو
القرارات االنتهائية هو 30يوما طبقا لمقتضيات الفصل 358من ق م م كما أحالت عليه المادة 19 / 2
من قانون 53.95خالفا لكل مقتضى خاص منظم لزمن الطعن في المادة التجارية.
من كل ما سلف ،يمكن القول بأن األحكام المؤطرة لزمن التقاضي قبل وأثناء البت في النزاع
التجاري بالرغم من أنها مؤ طرة بنظام زمني خاص على النهج الذي يخدم خاصيتي السرعة والمرونة و
يحقق الفعالية 125ليست بمعزل عن العديد من العراقيل التي تحد منها ،والتي تنبثق عن تلك األحكام ذاتها،
وتحول دون تطبيقها بالشكل الذي نص عليه المشرع ،وهي صعوبات جمة سنتحدث عنها في حينها.126
أما بالنسبة لزمن اقتضاء الحق خالل تنفيذ الحكم أو القرار القضائي ،فإنه بالنظر إلى المقتضيات
المؤطرة لزمن المسطرة خالل هذه المرحلة ،يتبين أن هاجس المشرع كان وسيظل هو اإلسراع بالبت
في القضايا التجارية وذلك تماشيا مع خصوصية هذا القطاع الذي يتميز بالسرعة في إنجاز المعامالت
والتركيز على عنصر الزمن في كل جوانبه وما يترتب على ذلك من آثار ،127والشك أن هذا الهاجس
استحكم في الخلفية التشريعية لقانون إحداث المحاكم التجارية بشكل غير مسبوق في غيره من القوانين
األخرى ،لذلك امتد آلية الزمن التي اعتمدت في صياغة القانون المذكور إلى مرحلتي التبليغ والتنفيذ ،
128
حيث نصت المادة 23منه على ما يلي ":يبلغ عون التنفيذ الطرف المحكوم عليه المكلف بتنفيذه ويعذره
بأن يفي بما قضى به الحكم أو بتعريف بنواياه وذلك خالل أجل ال يتعدى 10أيام من تاريخ تقديم طلب
التنفيذ.
= وقد يستدعي التحقيق لجوء القاضي المقرر إلى مسطرة البحث واالستماع إلى الشهود ،وهي مسطرة يتعين بمقتضاها مراعاة بعض
اآلجال القانونية بحيث يصدر حكما تمهيديا يتضمن استدعاء االطراف للحضور وتقديم ش هودهم في اليوم والساعة المحددين أو إشعار كتابة
الضبط خالل 5أيام بأسماء الشهود الذين يرغب أطراف الدعوى في االستماع إلى شهادتهم ،ويجب أن تكون المدة الفاصلة بين توصل الشاهد
باالستدعاء وبين يوم الجلسة 5أيام على األقل مع إمكانية تمديد هذا األجل إلى 15يوما إذا كان الشاهد غير موجود بدائرة نفوذ المحكمة
وقد يستدعي التحقيق أيضا لجوء القاضي إلى اآلجال المقررة عند إثارة أحد األطراف لمسطرة الطعن بالزور الفرعي
125عبد الرحيم بحار ،القضاء التجاري والمنازعات التجارية ،م س ،ص.85 :
126أنظر تطبيقات الزمن المسطري ،الفصل الثاني.
127عبد السالم الدرقاوي ،المستلزمات المسطرية لنزاع األعمال في ضوء القانون اإلجرائي المغربي ،مقال منشور ،المجلة المغربية للقانون
االقتصادي ،ع :مزدوج .6 – 5
128عبد الجبار بهم ،م س ،ص.66 :
26
يتعين على عون التنفيذ تحرير محضر بالحجز التنفيذي أو بيان األسباب التي حالت دون إنجازه
وذلك خالل أجل 20يوما تبتدئ من تاريخ انتهاء أجل األعذار.
تطبق لدى المحاكم التجارية المقتضيات المتعلقة بالقواعد العامة للتنفيذ الجبري لألحكام الواردة في
الباب الثالث من القسم الرابع من قانون المسطرة المدنية ما لم يوجد نص مخالف".
فالهدف األساسي المتوخى من إحداث المحاكم التجارية أوال وأخيرا هو إعطاء القضايا التجارية
آليات خاص ة تتسم بالفعالية والسرعة في البت والتنفيذ ، 129لذلك نجد أن المشرع قد حاول من خالل
صياغة هذه المادة تجاوز المشاكل التي تحول دون ترجمة األحكام القضائية إلى واقع ملموس ،ومن تم
ربط المشرع في هذه المادة بين التبليغ والتنفيذ وقلص أجلهما معا في 30يوما لتصير الحقوق إلى
أصحابها في زمن قياسي.130
وألهمية عامل الزمن خالل مرحلة التنفيذ ،أصدر وزير العدل منشورا عدد 95/ 11صادر بتاريخ
1995/1/12يقضي بتحديد الجدول الزمني الذي يتعين على العون القضائي من خالله تقديم نتائج عمليه
إلى كتابة الضبط بكيفية منتظمة وفق اآلجال اآلتية :
وعليه ،مما يتقدم يتبين أن عامل الزمن متحكم في عملية اقتضاء الحق بشكل كبير ،وهو ما يعكس
وعي المشرع بزمن التقاضي وأهميته في إبراز خدمة القضايا التجارية بما يعكس خصوصيتها على هذا
المستوى.
27
الفقرة الثانية :زمن األطراف
خالفا لزمن التقاضي الذي يكون من حق األطراف أن يستفيدوا منه دون أن يكون لهم دور في
تفعيله كون أجهزة المسطرة أمام المحكمة هي من تفعله وتكون ملزمة باحترامه تحت طائلة ترتيب آثار
غاية في األهمية والخطورة ،131فإن لألطراف زمنهم الذي يستعملونه بمحض إرادتهم ،والذي ال يخرج
واألنشطة المرتبطة به والتي تستلزم 132
في مجمله عن الصيغة التي تطبع خصوصية الزمن التجاري
خاصية السرعة 133المفترضة للمسطرة التجارية.134
وعليه ،يمكن القول بأن زمن األطراف زمنان ،زمن مرتبط بمعامالتهم التجارية الخاصة قد يكون
يستعمله التجار بمناسبة تدبيرهم لعالقاتهم التجارية (أوال) ،وزمن يستعملونه 135
مصدره بحسب طبيعته
في إطار الخصومة القضائية بحسب مصالحهم الذين هم على دراية بها (ثانيا).
28
أو بمقتضى نص القانون ،138أو 137
وعليه فسواءا كان الزمن التجاري محددا بمقتضى االتفاق
فإنه يكون منظما وفق ما يعكس هذه الخصوصية التي تظهر في قصر 139
بمقتضى حكم أو مقرر قضائي
اآلجال بما يسرع من وثيرة المعامالت التجارية.
واعتبارا لضرورة السرعة في منح الحماي ة القضائية وتفاديا لخطر التأخير ،142عمد المشرع إلى
وضع خصوصيات لطرق الطعن في المادة التجارية العتبارات تعود إلى طبيعتها .وفي صلب ضمانة
الطعن وضع الم شرع تقنية الزمن ،وجعلها بمثابة ورقة الضغط التي يستعملها المتقاضين لمراجعة
األحكام الصادرة ضدهم والتي يستشعر فيها حضور للخطأ القضائي على نحو تضرر منه االطراف.
وإذا كان المشرع قد تعاطى قدر اإلمكان في سبيل ضمان المالءمة عند تحديديه لزمن الطعن مع
خصوصية الزمن التجاري سواء من حيث الطعن في األحكام الصادرة في الموضوع أو األحكام
الصادرة في قضايا مساطر المعالجة أو حتى في الطعن ضد األحكام الصادرة في قضايا االختصاص
النوعي من حيث اآلجال القصيرة والسرعة التي تتطلبها مسطرة التقاضي ،143فإن الطعن في القضايا
األخيرة باألساس – قضايا االختصاص النوعي -نظرا لما يشتمل عليه من عناصر مميزة خلق جدلية
على هذا المستوى من نوع خاص ،يتداخل فيها زمن األطراف بزمن التقاضي أو زمن المحكمة ،وهو ما
137األجل االتفاقي المسموح به في إطار القانون 32.10والذي ينبغي أال يتجاوز في جميع األحوال 90يوما.
138أجل التصريح بالديون في قانون المساطر الجماعية الفصل .690
139األجل الذي يحده القاضي للوكيل الخاص لتدليل الصعوبات المقاولة ،الفصل 549من مدونة التجارة.
140بوشعيب الزموري ،م س ،ص.60 :
141عبد الكريم الطالب ،الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية ،م :الوراقة الوطنية ،ط :الخامسة ،مراكش ،س ،2008 :ص.293 :
142حسن فتوخ ،القضاء المستعجل في المادة التجارية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون المدني ،كلية الحقوق ،جامعة القاضي
عياض ،مراكش ،السنة الجامعية ،2000-1999 :ص.21 :
143بوشعيب الزموري ،م س ،ص.61 :
29
اصطلح عليه األستاذ عبد الحميد أخريف بالزمن والزمن المضاد ،144األمر الذي افرز بعض اإلشكاالت
البنيوية سنرجئ الحديث عنها في حينها.145
إن القواعد التي تحكم الظاهرة القانونية موضوع مبحثنا ،والمتعلقة بطبيعة الزمن القانوني التجاري
قمينة بتحديد كل األسماء القانونية التي يمكن أن ترتبط بهذا األخير بالرغم من اختالفها من حيث
المضمون واآلثار التي ترتبها ،والتي يكون الزمن عنصرا محددا لطبيعتها148ودون أن يغير من وضعها.
غير أن هذا العنصر يختلف باختالف مصدره ،فهو إما أن يكون تعاقديا (اتفاقيا) أو قانونيا أو قضائيا،149
مما حدا ببعض الباحثين إلى القول بأن ا ألجل هو الفترة من الزمن ،يوقتها المتعاقدون أو القانون أو
القاضي ،ألجل القيام بعمل قانوني.150
ويبدو أن مختلف المقتضيات المؤطرة للزمن القانوني في المادة التجارية والتي ينبغي أن تتفاعل
داخلها العالقات بين التجار جعلت باألساس عامل تحديد النطا ق الزمني تتحكم فيه إرادة األطراف ،على
30
اعتبار أن الزمن االتفاقي هو األصل ،وأن األزمنة ذات المصدرين القانوني والقضائي ال تعدو أن تكون
مجرد استثناءات .151
وهكذا يمكن القول بأن الزمن القانوني التجاري قد تكون له طبيعة اتفاقية حين يتم تحديده بمحض
إرادة األطراف في إطار ترتيب بنود االتفاق ات التي تجمعهم ،وقد تكون له طبيعة قانونية حينما يستند إلى
روح النص القانوني في تحديد المدة الزمنية التي ينبغي أال يتجاوزها الطرفين في تنفيذ التزاماتهما ،وقد
يكون من طبيعة قضائية ،وذلك حين يوكل للقضاء وضع اآلجال القانونية التي يلزم المدين بمقتضاها
مدة من الزمن لتسوية 153
ويجبره على األداء152أو يلزم الدائن على الكف عن مطالبة المدين وإمهاله
أوضاعه.
إن أهمية بيان طبيعة الزمن القانوني التجاري وما يترتب عليها من نتائج وآثار ليست قيمته نظرية
أو فقهية فحسب ،وإنما مسألة الممارسة جعلت هذا األمر يحض باألولوية ويأخذ طابعا عمليا وحيويا.
وعليه سنسته ل هذا المبحث بالحديث عن الزمن االتفاقي (مطلب أول) ،ثم نعرج بعد ذلك على الزمن
القانوني و الزمن القضائي في صعيد واحد تحت عنوان الزمن التشريعي( 154مطلب ثاني).
31
التجارية،157التي تشكل أداة أساسية لتحقيق األهداف 158المراد تحصيلها من توجه تشريعي بعينه ،ويدخل
في صميم القواعد المنظمة ألطراف العملية التجارية تلك التي تحدد النطاق الزمني لكل معاملة تجارية
ينبغي أن ترتب آثارها وتجنى الفائدة منها داخل هذا النطاق.
من أجل ذلك ،جعل المشرع األصل الطبيعة االتفاقية لنظام الزمن القانوني التجاري لوعيه بحاجة
المادة التجارية إلى حرية المبادرة في تحديد أجل الوفاء بااللتزام (فقرة أولى) غير أن هذا األصل ترد
عليه استثناءات يمكن حصرها في التدخل القانوني المقيد إلرادة األطراف من جهة ،وفي التدخل
القضائي المعدل لالتفاقيات الناشئة عن هذه اإلرادة من جهة ثانية (الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :حرية األطراف في تحديد النطاق الزمني للمعاملة التجارية (المبدأ)
ال خالف إن على مستوى التشريع أو الفقه أو القضاء في أن لألفراد حرية في تحديد نطاق عقدهما
في الزمن ،إذ األمر ال يعدو أن يكون تطبيقا من تطبيقات مبدأ الرضائية في العقود والمعامالت .159ولما
كانت هذه هي القاعدة من حيث األصل ،فإن التشريعات قد وضعت بيد هؤالء األفراد تقنية زمنية مهمة
تخولهم ممارسة حقهم هذا ،وهي تقنية األجل ، LE TERMEفبفضل هذه التقنية يستطيع األفراد تحديد
نقطة انتهاء العقد الذي يربطهما.160
وإن كان هذا المبدأ هو المتبنى في القواعد العامة المؤطرة للعالقات القانونية لألفراد ،فإن
المتعاملين في الميدان التجاري أ جذر بهذا التنظيم الذي يترك لألطراف الحرية في تقريب بنود االتفاق.
وفي الوقت ذاته ينسجم مع فلسفة المنظومة التجارية التي تقوم على حرية المبادرة في المعامالت التي
تستوجب بالضرورة تحديد نطاق زمني مالئم لتنفيذ هذه المعامالت وااللتزامات المرتبطة بها بحسب
مصلحة التجار.
وبالرجوع إلى المقتضيات المنظمة للقوانين الموضوعية التجارية نجد أن المشرع جعل هذا هو
المبدأ ،سواء على مستوى قانون اآلجال المكرس بمقتضى قانون 32.10المتمم لقانون ، 53.95أو على
مستوى القانون الصرفي أو قانون مساطر معالجة صعوبات المقاولة ،حيث أتاح إمكانية التفاوض
157السياسة التجارية هي "مجموعة من اإلجراءات والقوانين واألدوات التي تستخدمها الدولة ممثلة في السلطات االقتصادية للتأثير على
مسار التجارة؛ خالد المرزوك ،م س.
158مو راي غيس ،السياسة التجارية ،تقرير األمم المتحدة حول االستراتيجيات اإلنمائية الوطنية ،إدارة الشؤون االقتصادية واالجتماعية ،األمم
المتحدة ،س ،2007 :ص.7 :
159هند محامدي ،م س ،ص.10 :
160هند محامدي ،المرجع نفسه.
32
اإلرادي حول تحديد النطاق الزمني للمعاملة التجارية ،بحيث نجد في القانون الصرفي مثال ،أعطى الحق
ألطراف الورقة التجارية في سحب أي نوع من الكمبياالت المنصوص عليها في المادة 181من مدونة
والتي يتحدد بمقتضاها نطاق الوفاء بااللتزام المترتب عن المعاملة التجارية في بعده الزمني 161
التجارة
ممثال في تاريخ االستحقاق الذي يتعين خالله على الحامل تقديم الكمبيالة إلى المسحوب عليه الستيفاء
قيمتها.162
كما نجد من خالل المقتضيات المنظمة لمساطر الوقاية المعالجة والتسوية القضائية ،حيث نجد
وفسح المجال للتفاوض بين أطراف العملية التجارية وإن كان 163
المشرع كرس مبدأ الحرية التعاقدية
الوضع في أوج تذليل الصعوبات المخلة باستمرارية االستغالل ،164وقد نحى المشرع نفس المنحى في
الكتاب األول من المدونة المنظم ألحكام التاجر ضمن قانون 32.10الجديد المتمم للمادة 78إذ جعل
مبدأ الحرية التعاقدية بين التجار في تحديد نطاق معامالتهم في الزمن هو األصل ،غير أن هذه الصالحية
كانت نسبية لحد اإلجحاف والتعارض مع خصوصية الميدان التجاري إذ ترك للتجار حرية استعمال
تقنية الورقة التجارية داخل نطاق زمني محدد سلفا والذي أحدث تضاربا بين الزمن العام المكرس
بمقتضى النص العام المنظم في المادة 78-1وما بعدها ،والزمن الخاص المنظم في النص الخاص الذي
من صوره الزمن الصرفي.
فإذا كنا قد سلمنا بتعارض الزمن الخاص المنظم في القانون التجاري مع الزمن العام المنظم في ق
ل ع العتبارات اقتصادية وبالتالي تقييد الزمن الخاص للزمن العام على هذا المستوى ،فإن هذا
التعارض غير مقبول بي ن قانونين خاصين من نفس المدونة وهو ما يرتب باإلضافة إلى كونه يتنافى مع
طبيعة البيئة التجارية مشاكل قانونية غاية في الخطورة سنرجئ الحديث عنها في الشق الثاني من هذا
البحث المتعلق بالتطبيق العملي لنظام الزمني القانوني التجاري.
161تنص المادة 181من المدونة على "يجوز سحب الكمبيالة على الوجوه التالية :بمجرد إطالع بعد مدة من االطالع من تاريخ التحري في
تاريخ معين"
162أحمد كويسي ،األوراق التجارية- ،الكمبيالة .السند ألمر .الشيك -مطبعة أميمة ،سيدي ابراهيم فاس ،الطبعة األولى ،س ،2007 :ص:
.176
163هند محامدي ،م س ،ص.16 :
164عبد الحميد أخريف ،محاضرات في مساطر للوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة ،كلية الحقوق ،جامعة محمد بن عبد هللا فاس ،السنة
الجامعية ،2014 -2013 :ص.6:
33
غير أنه ورغبة في ضمان الحد األدنى من األمن واالستقرار القانونيين فإن تدخل المشرع بات
ضرورة حتمية لتنظيم مختلف مجاالت الحياة العملية شريطة أن يكون تدخله تدخال حكيما يراعي مختلف
جوانب المسائل التي هو بصدد تنظيمها.
وإذا كنا نساير التوجه المؤيد لجعل التح ديد االتفاقي ألجل االلتزام النابع من أساس الحرية التعاقدية
هو األصل ،فإنه باستقراء اإلطار القانوني للزمن في المادة التشريعية نستشف أن هذه الحرية ترد عليها
قيود مهمة منها ما تجد مصدرها في التدخل القانوني ومنها ما تجد مصدرها في التدخل القضائي (الفقرة
الثانية).
الفقرة الثانية :االستثناءات المقيدة لحرية األطراف في تحديد النطاق الزمني للمعامالت التجارية
تقوم التجارة على السرعة وحرية المبادرة بما يستدعيه مبدأ 165الحرية التعاقدية التي تعد من
مقومات التجارة وركائزها ،ومن ضمنها حرية وضع بنود العـقـد والتفاوض بشأنها والتي يبقى تحديد
النطاق الزمني من أهمها.
غير أن هذه الحرية ليست مطلقة ،إذ ترد عليها استثناءات تحد منها إما بالتقصير أو بالتمديد،
تتجلى في القيود الواردة على حرية تحديد نطاق زمن المعاملة التجارية المستمد من الطبيعة االتفاقية
للزمن القانوني التجاري في التدخل القانوني (أوال) ثم التدخل القضائي (ثانيا).
على غرار حظره للتعهدات األبدية في القواعد العامة ،166تدخل المشرع في المادة التجارية
بنصوص قانونية سن بمقتضاها تحديدا لنطاق المعاملة زمنيا بوضع حد أقصى أو أدنى لقيام التصرفات
ومراعاة منه لهذه االمتيازات القانونية في الميدان التجاري ،وما ذلك إال لضمان استقرار المعامالت
167
وغيرها ،...ورغبة في حماية مصالح أحد المتعاقدين ــ الدائن ـــ بل وحتى حماية المصلحة العامة،
تدخل المشرع لتقييد حرية األطراف في تأجيل التزاماتهم.168
34
فمن التطبيقات العملية للتدخل التشريعي لتحديد أجل االلتزام ،أن يتدخل المشرع على المستوى
التعاقدي169في مرحلة تكوين العقد في نص على حد زمني أدنى أو أقصى ال يمكن لألطراف تجاوزه لقيام
بعض التصرفات170المتمثلة في تسليم السلع أو تنفيذ الخدمة المطلوبة.171
والمثال األبرز للتدخل التشريعي ،ما نظمه قانون 32.10المتمم للقانون 53.95والمعنون بآجال
األداء والذي حدد بموجبه المشرع أجل األداء في 60يوما ابتداء من تاريخ التوصل بالسلع أو أداء
الخدمات في األحوال التي لم يتفق فيها األطراف على تحديد أجل األداء .بل إن التدخل القانوني طوق
مفعول الطبيعة التفاقية للزمن التجاري حسب القانون السالف الذكر ،ويتضح ذلك من خالل منع المشرع
األطراف من تجاوز مدة زمنية حددها في 90يوما عند إعمالهم لسلطتهم التفاوضية.
بأن تدخل المشرع لتحديد أجل ممارسة التصرفات سواء باستالم الحقوق 172
وترى إحدى الباحثات
أو بتنفيذ االلتزامات ،إنما يكون بدافع اجتماعي واقتصادي بهدف استقرار المعامالت من جهة ،وحماية
الجانب الذي ينتظر نتائج األجل وما هو إال واحد من أفراد الطائفة – التجار -التي يعمل القانون على
حماية مصالحها الستقرار األوضاع من جهة ثانية.
وبالمقابل ،ترى بعض الباحثات ،173ونحن نتفق معها ،أن إقرار هذه الصورة في تحديد النطاق
الزمني عن طريق التدخل القانوني الذي يطوق الطبيعة االتفاقية لنظام الزمن التجاري ليس أمرا عبثيا،
وإنما هو من أجل استقرار المعامالت والذي يبقى مرمى المشرع في أغلب حاالت تدخله.
غير أنه يسجل على هذا المستوى غياب الرؤية االستراتيجية القائمة على مبادئ الحكامة التشريعية
الواضحة ،و للمالءمة بين النصوص المنظمة للزمن الخاص والزمن العام ضمن المادة التجارية ،وهوما
يشكل عامل اختالل في االستقرار القانوني الذي ال يتسامح بشأنه ،174والذي يعد من الدوافع والفلسفات
التي حملت المشرع على اعتماد نظام زمني من طبيعة خاصة ينسجم مع خصوصية المادة التجارية.
169مجد رشيد ،آجال األداء في القانون المغربي ،مقال منشور بالموقع اإللكتروني :
http ://JURISTCONSEIL :BLOGSPORT :COM/2013/05/3210-1595 .HTML
تمت الزيارة بتاريخ.2016/08/28:
170هند محامدي ،م س ،ص.55 :
171مجد رشد ،م س.
172زينب عبد الرزاق ،األجل في قانون االلتزامات والعقود المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ،جامعة محمد الخامس ،أكدال الرباط،
السنة الجامعية ،1979-1978:ص.69 :
173هند محامدي ،م س ،ص.58 :
174هند محامدي ،م س ص.25 :
35
ثانيا :التدخل القضائي
إذا كان المشرع قد جعل تحديد المدة القصوى التي ينبغي لألطراف أن يعملوا سلطتهم التفاوضية
داخلها وعدم تجاوزها من نسمات التدخل القانوني الذي يكون بمقتضى نص يستهدف تحديد النطاق
الزمني لمعاملة ما ضمن أجل محدد ،فإنه بالمقابل جعل من خصوصيات التدخل القضائي ومهامه تمديد
الزمن القانو ني المحدد بإرادة ألطراف ،كما اسند له مهمة تقصير المدى الزمني في األحوال التي يتجاوز
فيها األطراف ألجل المحدد سلفا بمقتضى نص القانون.
ولتحليل هذين الصالحيتين اللتين منحتا لجهاز القضاء الحق في إعمال تقنية الزمن ،وما يمكن أن
يتمخض عن هذا اإلعمال من بروز لنوع من الجدلية بين الطبيعة االتفاقية لنظام الزمن القانوني التجاري
والطبيعة القانونية التي تخول القاضي تقصير أو تمديد ألجل المحدد بمقتضى اتفاق طرفي المعاملة ،ال بد
من وضع هذا التدخل – التدخل القضائي – في سياقه القانوني العام والخاص.
فبالرجوع إلى القواعد العامة يتبين أن الزمن القضائي منعدم التفعيل ما لم يرخص له من قبل
المشرع كأصل احتكاما للطبيعة االتفاقية دون أن يملك القضاء سلطة تقديرية إزاءه 175وهو ما ورد عليه
النص في الفصل 176 128من ق ل ع وسار عليه القضاء مكرسا.177
فاألصل إذن الطبيعة االتفاقية في تحديد زمن المعاملة القانونية وهو نفس ما سار عليه مشرع نظام
الزمن في المادة التجارية ، 178إال أنه وبالنظر العتبارات واقعية اجتماعية واقتصادية خول المشرع
القاضي صالحية إعمال تقنية الزمن من زاوية ما يراه في خدمة الواقع القانوني ،سواء كان
بالتقصير179أو بالتمديد.180
36
فالقضاء على هذا األساس له سلطة تقديرية واسعة للتحكم في عنصر الزمن ،فهو يتحول على
من طبيعة قضائية 182
ضوء اإلمهال القضائي إلى متدخل في العقد فيعدل محتواه181بإضفائه وصفا زمنيا
على جوهر االلتزام موضوع المعاملة استجابة للتطورات الواقعية ذات البعد االقتصادي واالجتماعي
ورغبة في تحقيق التوازن واستقرار المعامالت من جهة ،183و استجابة لمبادئ العدالة التعاقدية من جهة
أخرى .184وذلك لما لهذا الوصف من قدر جليل وخطير على المعامالت عموما والتجارية منها على
وجه الخصوص ، 185وبما يضمنه من حماية للمصالح وكذا سالمة وأمن التجارة Sécurité de
.commerce
ويضم الزمن التشريعي بهذا المعنى الزمن القانوني (الفقرة األولى) والزمن القضائي (الفقرة
الثانية) .وبالنظر إلى أن طبيعة الزمن التجاري القانونية والقضائية تظهر باألساس من خالل زمن
التقاضي فإننا سنعمل على تحليل هذين الطبيعتين على هذا المستوى بالخصوص لنتبين مدى تطبع
القانون التجاري في نظامه الزمني بطابع كل منهما.
-المادة 231من مدونة التجارة التي جاء فيها "ال يمنح أي إمهال قانوني أو قضائي إال في األحوال المنصوص عليها في المادتين
196و.207
-المادة 556من الكتاب الخامس المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة التي جاء فيها " ...وأن يمنح للمدين آجال األداء الواردة في
النصوص الجاري بها العمل فيما يخص الديون التي لم يشملها االتفاق".
181هند محامدي ،م س ،ص.83 :
182علي العلوي الحسيني ،األجل القضائي االستعطافي –االسترحامي–مقال منشور بمج :المحاكم المغربية: ،ع ،66س :ماي -يوليوز ،1992
ص.85 :
183من صور اإلمهال القضائي تحديد أصل المديونية في المادة التجارية ضمن أحكام مساطر التسوية :
تطبيقات المادة 556من الكتاب الخامس ،أنظر الملحق
تطبيقات اإلمهال القضائي المنصوص عليه في المادة 231من مدونة التجارة.
184هند محامدي ،مس ،ص.74 :
185علي العلوي الحسيني ،م س ،ص.86 :
37
الفقرة األولى :تقييم الزمن القانوني التجاري
يعد الزمن التجاري نسق تتم في إطاره الوضعيات القانونية وأداة قياس تدور وفق استمراريته هذه
األخيرة ،186لذاك فهو يعد فضاء تتم فيه المعامالت التجارية ،ومعيار تنظيم تقاس به هذه المعامالت في
مجال يحكمه عداد الزمن ،187ويؤدي دورا هاما وحاسما في تحريكه . 188
وفي سبيل تقييم النظام الزمني القانوني في المادة التجارية ،وإبراز الطبيعة القانونية لهذا األخير،
تبين أن هذا النظام وبالنظر العتبارات خاصة تجد أصلها في فلسفة المشرع –التي سنحاول الكشف عنها
في الفرع الموالي – يتأرجح بين نظام زمني محدد (أوال) ونظام زمني مفتوح (ثانيا).
ويضم النظام الزمني المحدد نوعين من الزمن القانوني ،زمن كامل وهو األصل في التشريع
التجاري المغربي ،والمعتمد في الميدان اإلجرائي ،وزمن ناقص يدخل بحكم حصره ضمن النظام الزمني
المحدد ،ويمكن القول بأنه يجد نفسه ضمن زمن أطراف المعاملة ،والمثال ألبرز لهذا األخير ،أجلي
الستين يوما والتسعين يوما المنصوص عليهما في قانون 32.10المعدل ألحكام الكتاب األول من مدونة
التجارة.
-1فبالنسبة للزمن القانوني الكامل :هو الفترة الزمنية التي يجب أن تنقضي كاملة ،190والتي
حددها المشرع للقيام بإجراء معين بحيث ال يحتسب في تعدادها اليوم الذي يصادف التسلم ويستمر
186
Marie Cresp, op.cit., p:13.
187ابراهيم أقبلي ،اآلجال في نظام معالجة صعوبات المقاولة ،رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة موالي
إسماعيل ،مكناس ،السنة الجامعية ،2012 -2011 :ص.6 :
188عبد الرحيم شميعة ،دروس في القانون التجاري ،م:سجلماسة ،مكناس ،دون ذكر عدد سنة الطبع ،ص.168 :
189بوشعيب الزموري ،م س ،ص.9 :
190عبد العزيز توفيق ،م س ،ص.12 :
38
التعداد حتى يستنفذ آخر يوم من األجل ،فإذا زامن اليوم األخير يوم عطلة امتد احتسابه إلى يوم العمل
الموالي حتى ال يحرم الممارس لألجراء من استيفاء األجل كامال.191
-2أما بالنسبة للزمن القانوني الناقص فهو الفترة الزمنية التي حددها المشرع وفرض القيام
ويسمى ناقصا ألن التصرف يجب أن 192
بالتصرف داخلها ،أي أن تتخذ في آخر يوم منها على األكثر
يباشر قبل نهايته.193
وفي لب الطبيعة التشريعية للزمن التجاري ببعديه القانوني والقضائي ،فاألصل في جميع اآلجال
أن تكون كاملة ،أي ال يحتسب اليوم األول الذي يتسلم فيه الطاعن اإلعالن بالحكم المراد الطعن فيه ،وال
يحتسب اليوم األخير الذي يقع فيه اإلجراء ،194وهكذا لو أن شخصا توصل بتبليغ حكم يوم فاتح أبريل
وأجل االستئناف هو خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ ،فإن اليوم األول الذي هو فاتح أبريل ال يحتسب،
كما أن اليوم السادس عشر وهو اليوم األخير ال يحتسب كذلك ،ويجب أن يقدم االستئناف يوم السابع
عشر أبريل على األكثر ،أي أنه يلزم المستأنف أن يقدم استئنافه من فاتح أبريل و يوم السابع عشر أبريل
إال أنه ال يقبل بعد ذلك ،195وإذا كان اليوم األخير لألجل يوم عطلة امتد ألول يوم عمل بعده ،196ومرد
هذا التمديد ما ورد في الفصل 512مـن ق م م الذي ينص على أن كل اآلجال الواردة في هذا القانون
هي آجال كاملة.197
وبالرغم من المزايا التي يكفلها نظام الزمن المحدد سيما الكامل منه على وجه الخصوص لخاصية
الضبط الذي يقوم عليها الزمن التجاري ،فإن أجل االستئناف المنصوص عليه في قانون 53.95والذي
يعد المظهر األبرز للزمن الكامل ،يعتبر طويال وال يتماشى وطبيعة البيئة التجارية التي تقوم السرعة
كإحدى الخصائص األساسية التي تشكل عمودها.
39
بأن أجل الخمسة عشر يوما هو أجل طويل يتنافى مع 198
ويرى األستاذ أحمد أنوار ناجي
خصوصية العمل في المادة التجارية ويشكل حجر عثرة أمام التجار الذين يظلون منشغلين بنزاعاتهم
القضائية عن أعمالهم التجارية التي تقتضي الحسم العاجل والسريع في القضايا بدل االنجرار وراء
ضرورة اكتمال المدة القانونية التي توصف بالطويلة ،وفي هذا الصدد يدعو إلى اقتفاء أثر مشرع
المساطر الجماعية وتقليص أجل االستئناف في المادة التجارية وتحديده في عشرة أيام مراعاة
لخصوصية المادة.
فالمادة 8نصت على " :عند استئناف الحكم المتعلق باالختصاص يتعين على كتابة الضبط توجيه
الملف إلى محكمة االستئناف في اليوم الموالي لتقديم االستئناف".
فنظام الزمن في هذه المادة باإلضافة إلى كونه مفتوحا وغير محدد ،فإن الصياغة التي ورد بها غير
دقيقة ،بحيث أن صيغة "الموالي" يمكن أن تحمل على أكثر من معنى ،ذلك أن المشرع لم يحدد بدقة
اليوم الموالي األول أو الثاني ،....مما يعني أنه ترك األجل مفتوحا ،وهذه الفترة قد تستغرق زمنا
طويال،200والذي حملنا على هذا االعتقاد هو أن المشرع لم يرتب أي جزاء يمكن تطبيقه في حالة خرق
أجهزة المحكمة لمقتضيات هذه المادة.
أما المادة 17فقد نصت على" :يستدعي القاضي المقرر األطراف ألقرب جلسة يحدد تاريخها".
198أحمد أنوار ناجي ،محاضرات في القضاء التجاري ،القيت على طلبة الفوج الثالث ،ماستر منازعات األعمال ،جامعة سيدي محمد بن عبد
هللا ،فاس ،السنة الجامعية(2015 -2014 ،غير منشور).
199عبد الحليم عد ،م س ،ص.69 :
200عبد الحليم عد ،م س ،ص.75 :
40
فمن خالل هذه الصياغة يتضح أن المشرع لم يحدد الفترة الزمنية التي ينبغي أن تفصل بين تاريخ
التحديد وتاريخ االستدعاء ،وبذلك ترك للقاضي المقرر صالحية تحديد هذه الفترة ،العامل الذي من شأنه
أن يؤثر في وتيرة المسطرة ويساهم في تأخيرها ،إذ أن ربط المسطرة بآجال مفتوحة وغير محددة من
شأنها ان تشجع على التأخير في أجرأتها201مما يفسح المجال أمام سلوكيات وثقافة القاضي للتأثير على
زمن التقاضي.202
وفي اعتقادنا الشك أن اعتماد المشرع للنظام الزمني المفتوح على هذا المستوى مسألة استدعتها
الطبيعة الفريدة التي تتصل بمهام القاضي والذي يكون محكوما بظروف المسطرة ،كما أن عدم اإلبقاء
على الزمن مفتوح مسألة ال تأثير لها كون القاضي مراقب بتتبع مجريات المسطرة من طرف دفاع
األطراف وهو ما يبرز دور هذا الدفاع– المحامي -في استعمال عنصر الزمن واستغالله.
إن اصطالح الزمن القضائي عندما يطلق يحمل على معنيين ،فمن الباحثين من يرى بأن هذا
األخير هو العمر االفتراضي الذي ينبغي أن تستغرقه الخصومة القضائية ،204بينما يفرق أحد الفقهاء
205
بين الزمن القضائي وزمن التقاضي ،فهذا األخير حسب ذات الفقيه هو الذي ينبغي أن يطلق على العمر
االفتراضي للدعوى والذي تستغرقه الخصومة القضائية ،باعتباره اإلطار العام لذلك التغيير والضبط
الذي يمارسه القاضي على زمن المسطرة من خالل سلطة الضغط التي يمتلكها القاضي ،أما الزمن
القضائي فهو األجل الموكول للقضاء صالحية تحديده لصال ح أحد أطراف المعاملة القانونية ،ويمنحه
41
القاضي عمال بنص قانوني يجيز منحه ،ويقترب من هذا التوجه جانب آخر من الفقهاء206بحيث يجعل
الزمن القضائي من صميم نظرة الميسرة الذي يمنحه القاضي للمدين حسن النية المالحق قضائيا العاثر
الحظ الجدير بالعطف والرعاية عن طريق إرجاء وقت سداد دينه.207
وضمن منظومة الزمن في المادة التجارية ،فإن المشرع فعال أوكل بالقضاء مهمة تحديد مجموعة
من اآلجال ألطراف المعاملة التجارية سواء بعد ولوج جهاز المحكمة أو حتى قبل ولوجها ،وهوما يعكس
طبيعة النظام الزمن التجاري من هذا الجانب ،ويحملنا بالضرورة على الكشف عن مركز القضاء من
نظام الزمن في المادة التجارية (أوال) مما يضعنا موضع تساؤل عن مدى تالؤم الزمنيين القانوني
والقضائي على مستوى التطبيق (ثانيا).
ووعيا من المشرع بأهمية دور القاضي في تفعيل منظومة الزمن في المادة التجارية ،فقد بوأه
مركزا فعاال إن على مستوى المراقبة بحيث أوكل إليه مهمة الحرص على عدم خرق األجل القانوني
المحدد من طرف المشرع بمقتضى نصوص صريحة ،أو على مستوى إعمال تقنية الزمن بتمكينه
42
في األحوال التي ينص 211
صالحية منح مهل قانونية في سبيل تحقيق العدالة التعاقدية بين طرفي االلتزام
عليها القانون ،مع ترك السلطة التقديرية للقاضي في هذا المنح من عدمه وفي مقدار هذا المنح.
أما عن إعمال تقنية الزمن ،فمن مظاهرها تخويل القاضي صالحية منح مهل قانونية ألطراف
المعاملة في حاالت خاصة ،وكذا تحديد مدة زمنية في أحوال أخرى حسب تقديره من دون أن تتعدى
السقف الزمني الذي حدد المشرع سلفا ،ومن ذلك تحديد فترة الريبة وتاريخ التوقف عن الدفع في نظام
المساطر الجماعية ،ومنح اإلمهال القضائي المنصوص عليه في المادتين 196و207المحال عليهما
بموجب المادة 231بخصوص القانون الصرفي ،والذي يجب أال يكون قصيرا جدا فيعد كأن لم يكن ،وال
بالطويل جدا فيتضرر الدائن من جرائه ضررا بليغا ، 212ولكن يجب أن يكون بين هذا وذاك كون القاضي
ينبغي أن يعي بأنه في تحديده ذاك مقيد بضابط زمني.213
إال أنه كثيرا ما يحصل ،أن يخل القضاء بمهمة المراقبة التي أسندت إليه ويسيء إعمال تقنية
الزمن تعسفا في استعمال المركز الذي له من النظام الزمني القانوني في المادة التجارية ،بحيث يكون هو
من يخرق األجل المحدد بنص القانون مما يسفر عن انبثاق جدلية بين الزمنين القانوني والقضائي.
إن تبوأ القضاء لمركز وازن ضمن منظومة الزمن في المادة التجارية على الوجه الذي ذكر أعاله،
سواء بإ عمال تقنية الزمن في سبيل تعاطيه مع المهام الموكولة إليه ،أو بإعما ل مهمة المراقبة من خالل
تفعيله لسلطته التقديرية في تقرير بعض المقتضيات من عدمها والتي يكون لها أثر على وضعية الزمن
القانوني ،انبرت عنه جدلية من صميم خاص بين الزمن القانوني والزمن القضائي .
وفي اعتقانا فإن مكمن هذه الجدلية ينبثق عن تفسير الواقع القانوني الذي يعد من صميم العمل
القضائي .إذن فكيف يؤدي تفسير الواقع القانوني من طرف القضاء بمناسبة مالءمة التشريع مع الواقع
إلى خلق جدلية بين الزمنين القانوني والقضائي؟.
43
إن اإلجابة عن هذا السؤال تقتضي منا الرجوع إلى بعض نماذج العمل القضائي باعتباره المرآة
العاكسة لمسألة وضع الواقع في سياقه القانوني ومالءمته مع التشريع المنظم له على مستوى التطبيق.
وباستقراء بعض االحكام والقرارات القضائية التي نقتصر على إيراد البعض منها يتبين أن جدلية
الزمن القانوني والقضائي مرد ها إلى إساءة القضاء لممارسة سلطته التقديرية ومغاالته في إعمال تقنية
حديث 214
الزمن وذلك بتحميله النص القانوني أكثر مما يحتمل في غالب األحيان .وهكذا جاء في حكم
ص در في مادة صعوبات المقاولة ما يؤكد هذه الحقيقة ،حيث عمدت المحكمة إلى تحديد تاريخ التوقف
عن الدفع في 6سنوات بدل 18شهرا المحددة بنص القانون.215
وبالرجوع إلى حيثيات هذا الحكم يتضح أن المحكمة اعتمدت على تقرير الخبير ( الواقع القانوني)
واستجابت لطلب السنديك بتعديل تاريخ التوقف عن الدفع .وبالرغم مخالفة هذا الحكم للمقتضيات
الصريحة لقانون مساطر صعوبات المقاولة ،فإننا سنرجئ التعليق عليه لحين الشق المتعلق بالتطبيق
العملي لنظام الزمن في المادة التجارية ،مركزين في هذا المقام على تجسيد حقيقة الطرح الذي انطلقنا
منه ،والمتعلق بإشكالية إساءة القاضي لممارسة السلطة التقديرية ،ومغاالته في أعمال تقنية الزمن الذي
خ ِّول له صالحية تحديده ،وهما العامالن اللذان يعتبران مكمن جدلية الزمنين القانوني والقضائي .وللتأكيد
على دور عنصر الواقع القانوني في التأثير على الزمن المنظم بمقتضى القانون ،والقانون المنظم لعنصر
الزمن .ذلك أن الواقع الذي سلف وقلنا بأنه قطب الرحى بي ن المفهومين اآلنفين الذكر كان هو ورقة
الضغط لخلق تضارب بين الزمن القانوني والزمن القضائي وانتصار هذا األخير في النهاية ،والواقع في
هذا الحكم هو تقرير الخبير والطلب الذي تقدم به السنديك الذي ليس إال مالك في الشركة بنسبة
% 51سيما إذا علمنا أن المادة 637من المدونة تمنع إسناد مهمة السنديك إلى أقارب رئيس المقاولة أو
مسيرها حتى الدرجة الرابعة بإدخال الغاية ،فما البال إن أوكلت "بمن" يملك أكثر من 50%من
رأسمالها...؟؟.
214حكم المحكمة التجارية بمراكش ،بتاريخ ،2015/2/ 10تحت رقم ،24عدد ( ،14 /15 /23غير منشور).
215المادة 680/من م ت" ،يعين حكم فتح المسطرة تاريخ التوقف عن الدفع الذي يجب أال يتعدى في جميع األحوال 18شهرا ،قبل فتح
المسطرة.
44
وفي قرار 216صادر عن محكمة النقض في مادة العقود التجارية بخصوص نازلة تتعلق بعقد النقل،
والذي حضي باستقالل القاضي في إعمال تقنية الزمن استناد الى تفسيره217بما يبرز وجها من أوجه
الجدلية بين الزمنين القانوني والقضائي.
وبالرجوع إلى حيثيات هذا القرار يتبين أن المحكمة جنحت إلى اختيار تطبيق الزمن العام
المنصوص عليه في ق ل ع بدل الزمن الخاص المنصوص عليه في مدونة التجارة بالرغم من تجارية
المعاملة المثار بشأنها النزاع استنادا لتفسير مفا ده ان الزمن الخاص هو الذي نظم بمقتضى خاص ،وان
هذا األخير مدرج في النص العام وبذلك وجب تطبيقه.
وبغض النظر عن صحة هذا التوجه من عدمه الذي سنكشف عنه فيما يأتي سنحاول التأكيد على
سلطة القاضي في اختيار النص بمناسبة إعمال تقنية الزمن بما يخلق نوعا من الجدلية بين الزمن
القانوني الواجب التطبيق في األصل والزمن القضائي الذي اختير له التطبيق من قبل القضاء ،ونفس
القول يصدق على بعض التطبيقات القضائية التي يعمد فيها القضاء إلى جعل مرور الزمن(التقادم)
الصرفي أولى في التطبيق من التقادم الذي يفترض أن تخضع له العالقة األصلية بحسب كونه عادي أم
تجاري بحسب األحوال.218
إن المادة التجارية ،بما تتوفر عليه من خصوصية وطبيعة تمزج بين الحرية التعاقدية في تحديد
النطاق الزمني للمعاملة والخضوع لقوة النص الثبوتية من جهة ،ومنطوق الحكم أو القرار القضائي من
جهة ثانية ،إال ألجل تحقيق غايات وأهداف تجد أصلها في فلسفة المشرع جعلته يصبو إلى تحقيقها.
ومما الشك فمنذ وجود الدول الحديثة أصبح القانون أداة طيعة في يد السلطات الحاكمة -الحكومة
والبرلمان -إلجراء توزيع عقلي متناسب للقوى المختلفة داخل المجتمع ،219ومن العناصر التي كانت
أحرى بالتطويع في مجال القانون ،عنصر الزمن بما يترتب على هذا التنظيم من نتائج وآثار ،ذلك أن
هذا العنصر عندما يتصل بالقانون يقتضي تدخل هذا األخير لتأقيت اإلجراءات القانونية ومواعيد
216محكمة النقض ،قرار رقم ،381:الصادر بتاريخ 03يوليوز ،2014ملف تجاري عدد ،2012/1/3/624منشور بنشرة قرارت محكمة
النقض ،الغرفة التجارية ،ع ،17:س ،2014 :ص.33-31 :
217حاولنا في هذا الصدد استخالص تأثير إعمال القاضي لتقنية الزمن ودور هذا اإلعمال في خلق تجادل بين الزمن القانوني والزمن القضائي
دون الخوض في مدى سالمة هذا اإلعمال من عدمه مرجئين ذلك لمناقشة الزمن الموضوعي في الشق المتعلق بالتطبيق العملي.
218محكمة االستئناف التجارية بفاس ،قرار رقم ،1630:الصادر بتاريخ ،2010/11/09ملف عدد(1032/2010غير منشور).
219صالح الناهي ،محمد صبحي نجم ،نائل عبد الرحمن ،القانون في حيتاننا ،م :دار الثقافة ،عمان – األردن -ط :التاسعة ،س ،2014 :ص:
.24
45
مباشرتها ،بحيث يفرض المنطق القانوني السليم أن يتم التعاطي مع العديد من اإلجراءات والتصرفات
فإن 221
القانونية داخل مدة زمنية محددة بتشريع قانوني ،220كما يقول األستاذ محمد العربي المجبوذ
أهمية اآلجال القانونية ضمن منظومة الزمن ،تبدو بأهمية ذات آفات واسعة اعتبارا الرتباطها بمصير
الدعوى أو النزاع المرفوع إلى القضاء ،استهدافا لالعتراف بحق أو حمايته.
فأي المقاصد الخاصة إذن تلك التي جعلت المشرع يعتبر القانون فعال أداة طيعة عمل بمقتضاها
على ترويض عنصر الزمن وتطويعه ليالئم الشكل الذي يستدعي ما يسميه األستاذ محمد اإلدريسي
المشيشي222بالهندسة القانونية للمادة التجارية استجابة لما يتطلبه واقع الميدان التجاري؟
إن كل هذه المعطيات التي سلف ذكرها تنم عن الفلسفة الكامنة في الخلفية التي استحكمت في
مشرع المادة التجارية الذي خصها بنظام زمني خاص وفريد ،والشك أن مضمون هذه الفلسفة يروم
تحقيق غايات ومقاصد يتطلبها الميدان التجاري بالنظر لخصوصيته ،ويبين الحاجة الملحة لنظام زمني
من هذا القبيل ودوره في بلوغ ذلك.
إذن فما هو مضمون هذه الفلسفة؟ وإلى أي مدى استطاع مشرع المادة التجارية ضمان الوصول
إلى ما رامه من خالل النظام التشريعي الذي وضعه والمتمثل في النظام الزمني القانوني؟ .هذا ما
سنحاول أن نجيب عنه من خالل الفرع الثاني من هذا الفصل.
220نادية احديدو ،أجل رفع دعوى اإللغاء على ضوء االجتهاد القضائي ،مقال منشور بمج ،اإلشعاع ،ع ،42 – 41 :يونيو ،2014ص.264 :
221بمناسبة تقديمه لكتاب اآلجال اإلجراءات في التشريع المغربي ،عبد العزيز توفيق ،م س ،ص.5 :
222
MOHAMED Idrissi Alami Machich, op.cit.
223ع بد المجيد اغميجة ،مبدأ األمن القانوني وضرورة األمن القضائي مقال منشور بمج :الملحق القضائي ،دار السالم ،الرباط ،ع ،42ماي،
س ،2002 :ص.30 :
224الحسن الملكي ،التجارة اإللكترونية -قراءة قانونية – ،مقال منشور بمج :المحاكم المغربية ،ع 89:يوليوز -غشت ،س ،2001 :ص.73 :
46
يتميز بكثير من التعقيد والتشابك ،225إذ قليلة هي المناسبات التي كلف فيها المشرع نفسه عناء تصدير
النص التشريعي ببيان أسباب سنه.
فاألعمال التحضيرية كما هي متعارف عليها في التشريعات المقارنة ،تقنية مجهولة بالمرة في
القانون المغربي ،إذ منذ الحركة التشريعية الكبرى لسنة 1913حين عمد تكنوقراطيو إدارة الحماية إلى
استنساخ النصوص التشريعية الفرنسية النافذة آنذاك دون وضع التشريع في إطاره المحلي أو تبرير
اختياراته األساسية ظل تجاهل التقديم للتشريع سلوكا عالقا بالمشرع المغربي ،وحتى بعد االستقالل بقيت
أعمال اللجان التقنية المتعلقة بصياغة النصوص القانونية حبيسة أدراج مكاتب الوزارات الوصية المكلفة
بإعدادها ،وإذا اعتبرنا البرلمان مجسدا للمشرع في بالدنا ،فإن مناقشته قلما تشب ع فضول الباحث ببعدها
عن النقاش القانوني ،وقربها من النقاش السياسي.226
وال يعاب على المشرع وحده في هذه الوضعية ،فعلى المستوى الفقهي أيضا يالحظ غياب شبه تام
للدراسات المرتبطة بالسوسيولوجيا القانونية في بعدها الزمني باألساس ،أما فلسفة القانون بوصفها
دراسة مستقلة إلى جانب علم القانون ،وتهتم بدراسته لما فيها من مبادئ عامة وأسس تمكن العقل
ورصد الدواعي التي كانت وراء وضع نظام قانوني البشري من الوصول إلى كنه الحقيقة القانونية
227
معين ،فقد يعتبرها الكثيرون ترفا فكريا في بلد التزال فيه القاعدة القانونية تصارع من أجل تأصيل
وتثبيت مبادئها األساسية ،ويؤ اخذ على معظم الشراح تخصيصهم مئات الصفحات للتعليق على
النصوص الجديدة دون أن يولوا بعض الوريقات ألسباب النزول ،228وهو ما يضطر الباحث القانوني
إلى الخروج عن سبيله المعه ودة عندما يجد نفسه مضطرا لسبر أغوار نصوص قانونية تفرض نفسها بما
تحمله من جدة ،السيما وأنها في الغالب األعم تستدعي فهما غير مألوف في المضمون القانوني ،وتتطلب
تحليال يتجاوز األوضاع القانونية إلى نظيرتها االقتصادية واالجتماعية التي وضعت لتنظيمها خاصة وأن
أخص ب القوانين مساعدة على النقاش السوسيوقانوني هي تلك التي تكون لها عادة خلفية اقتصادية أو
اجتماعية.
47
وعليه ،فإن كشف الحجاب عن أسباب نزول النص القانوني بما يتضمنه ،وفلسفة المشرع الداعية
إلى سنه من خالل آلية العمل التشريعي في كليته ،تجعل هذا األخير ال يتبلور في النص النهائي المصادق
عليه فحسب ،بل كذلك في كل ما صاحب دراسته من مناقشة وتساؤالت وتأويالت وتدخالت داخل اللجن
المختصة والجمع العام ،ومن هنا تتجلى فائدة نشر مضمون األعمال المصاحبة لإلنتاج التشريعي
ليوظفها رجال القضاء والحقوقيون في تنفيذ مقتضيات النص استنادا على معرفة أسباب النزول
والخلفيات التي تكون أرضيتها .229
إن من بين األنظمة القانونية التي هي أحرى بالغوص في عمقها وسبر أغوارها الستجالء خباياها
واإلحاطة بكنهها ،نظام الزمن في المادة التجارية بجميع أقسامه القانوني أو االتفاقي والقضائي منها ،وما
تشت مل عليه من خصوصيات تجعله يستقل ويختلف عن غيره من األنظمة الزمنية في باقي فروع القانون
األخرى ،وما يتضمنه من أحكام تحمل جرعة تقنية غير مألوفة عادة في النصوص المعهود للقضاء
بتطبيقها ،والتي غالبا ما تستمد مرجعتيها من العلوم االقتصادية والمالية ،وتحمل في طياتها تطورا في
المضمون ال يمكن أن يخطئ فهم القارئ العادي فباألحرى المتخصص ،وهي من الحداثة حتى في
البلدان واألنظمة التي سبق أن تبنتها ،بشكل يجعلنا نتساءل عن الدوافع الكامنة وراء اعتمادها.230
إنه لمما الشك فيه ،أ ن دواعي وضع نظام زمني خاص بالمادة التجارية بما يميزه من قصر في
المدد كان الهدف من ورائه خدمة خاصية المرونة والسرعة التي ينبغي أن تسير وفقها المعامالت
التجارية .وبالنظر إلى ارتباط هذه المعامالت مع بعضها البعض فإن النزاعات المتعلقة بهذا القطاع
تحتاج إلى قواعد إجرائية تتناسب و هذه الخصائص ،ويكون لها طابعا خاصا بعيدا عن فلسفة القواعد
العامة .231لذلك أصبحت الضرورة تفرض وجود قواعد مسطرية سريعة ومرنة تستجيب للخصوصية
التي ينفرد بها نظام الزمن القصير في المادة التجارية من جهة ،وفعالة لحل النزاعات التجارية من جهة
229فتح هللا ولعلو ،تقديم كتاب "المحاكم التجارية – األسباب والغايات :-عبد الكبير طبيح ،م س ،ص.10 :
230المهدي شبو ،المرجع نفسه.
231عبد السالم الدرقاوي ،م س ،ص.11 :
48
في ميدان األعمال 232
ثانية ،وهو ما جعل هذه القواعد في حاجة إلى مالءمتها لتحقيق األمن القانوني
عموما ،وفي الميدان التجاري بشكل أدق.233
إن األمن القانوني بهذا المدلول يقاس في المجال التجاري بمدى استقرار البيئة التجارية الناشئ عن
قلة المنازعات القضائية التي تلحق اضطرابا بخاصية األمن في الميدان التجاري ،وكذا بخاصية االئتمان
وما يتطلبه من عوامل السرعة والضبط في أجرأة المقتضيات التي تكفلها القواعد المحددة بمقتضى نظام
الزمن القانوني في المادة التجارية ،والتي تضمن قدرا من المرونة يساهم في الوصول إلى حل للنزاع في
أجل قصير ،234ذلك أن قصر األجل ومرونة اإلجراءات وسرعة البت باتت من ركائز المناخ المالئم
عموما ،واألمن القانوني التجاري بشكل خاص .236بحيث إن 235
للتنمية وترسيخ دعائم األمن القانوني
سرعة البت وعنصر االئتمان لهما أهمية قصوى في الميدان االقتصادي الذي يلعب فيه عامل الزمن
دورا مهما.
فالمستثمرون غالبا ما يبحثون عن األوساط التي تضم ن لهم الحصول على حقوقهم في أوجز
الفترات ،237والشك أن أهدافا كهذا ال سبيل لتحقيقها إال في ظل نظام زمني يحكمه عامال القصر
والضبط بما يخدم استقرار الميدان التجاري ،الشيء الذي يجعل القاضي التجاري يمارس القضاء
49
االقتصادي بالدرجة األولى وهاجسه األساسي هو جعل العدالة في خدمة التنمية واالستثمار ،238وفق ما
يكفل تحقيق األمن التجاري وبما يستلزمه الضمان القانوني والقضائي.239
وعليه ،إذا سلمنا بمسألة اقتناع المشرع التجاري المغربي من خالل تخصيصه نظام الزمن
بخاصية القصر في المد ى على جميع مستويات هذا النظام كان رغبة في خدمة خاصيتي السرعة
واالئتمان التي ينبغي أن تجري وفقها المعامالت التجارية في الواقع العملي من ناحية ،وتسريع وثيرة
اإلجراءات القضائية فيما يتعلق بالمنازعات المعروضة على أنظار المحاكم التجارية من ناحية ثانية،
فإننا نجزم أن الهدف من وراء ذلك كله كان رغبة في تحقيق األمن التجاري الذي يدور في نظرنا وجودا
وعدما بوجود السرعة االئتمان بما يتطلبانه من ضبط قانوني ،فحيث ال يوجد االئتمان في الوسط
التجاري وال السرعة في اإلجراءات القانونية المرتبطة به ،وحيث ينعدم الضبط في ميقات هذه
اإلجراءات ،ال وجو د لشيء اسمه األمن القانوني أو القضائي في الميدان التجاري والعكس صحيح،
وعليه سنخصص هذا الفرع للحديث عن دور نظام الزمن القانوني من خالل المادة التجارية في تحقيق
األمن القانوني التجاري (مبحث أول) ثم نتطرق بعد ذلك للحديث عن دور هذا النظام في تحقيق األمن
القضائي التجاري (المبحث الثاني).
المبحث األول :دور نظام زمن المادة التجارية في تحقيق األمن القانوني التجاري
يعد األمن القانوني من األهداف الرئيسية التي تسعى الدولة إلى ضمانها حتى يطمئن الفرد
والمجموع إلى سالمة حقوقهم وأموالهم ،240ومرد هذا السعي إلى كون مقتضى األمن القانوني أصبحت
الحاجة إليه حاضرة بشكل دائم في جميع المجاالت.241
ومن المجاالت التي هي أحرى بضمان قدر مهم من األمن القانوني وبحاجة إليه بشكل أمس،
الميدان التجاري ،اعتبارا ألن المفهوم السالف الذكر ــ األمن القانوني – من العناصر األساسية لتزكية
238عز الدين بنستي ،تقييم تجربة القضاء التجاري المغربي على ضوء القانون المحدث المحاكم التجارية ،مقال منشور بمج :المحاكم المغربية،
ع108 :ماي – يونيو ،س ،2007:ص.36 :
239خطاب الملك الحسن الثاني يوم 8ماي 1980بمناسبة إنشاء المجلس استشاري لحقوق اإلنسان ،انبعاث أمة ،ج ،35:س ،1990 :ص
، 126حينما قال " ...ونطلب من المستثمرين أن يستثمروا عندنا ولكن إذا لم يعرفوا أن بالدنا تنعم بالسلم والضمان القانوني والقضائي فإنهم
لن يأتو ."...
240صالح الناهي ،وآخرون ،م س ،ص.24 :
241عبد المجيد اغميجة ،م س ،ص.6 :
50
المجتمع في إطار الدولة االقتصادية الحديثة ، 242والتي ال يمكن أن تقوم إال في ظل وضع يتسم بالتسخير
القانوني لخدمة ما هو اقتصادي ، 243ومن ناحية أخرى ألن األمنين القانوني والقضائي اعتبارا للعالقة
الذي يستوجب بالضرورة حماية حرية 245
لهما عالقة وطيدة باألمن االقتصادي 244
التكاملية بينهما
التجارة وتوفير سالمة المعامالت.246
ووعيا من المشرع المغربي بأهمية وقيمة الميدان التجاري والدور الذي يلعبه في تحقيق النماء
وبحاجة هذا الميدان إلى توفير المناخ المالئم للتنمية وترسيخ دعائم األمن 247
االقتصادي واالجتماعي
الذي يدور وجود ا وعدما بوجود االستقرار في البيئة التجارية الناشئ عن التقليل من 248
القانوني
المنازعات المحتمل ورودها خارج األجل ،والتي ال يكون الغرض منها سوى عرقلة دوران العجلة
التجارية أو المس بالسمعة التجارية ألحد الفاعلين االقتصاديين ،أو غيرها من البواعث الكيدية ،وكذا
بتوفير خاصيت ي السرعة واالئتمان والضبط في المواقيت واستحضار عنصر الدقة والتسريع والتبسيط
في المساطر واإلجراءات،249،هدف –المشرع ــ إلى ضمان كل هذه المقومات التي ينبني عليها األمن
القانوني التجاري ،وذلك من خالل نظام الزمن القانوني في المادة التجارية وما يشتمل عليه من عناصر
مميزة تخدم استقرار المعامالت بالتقليل من المنازعات المثارة الدعاوى بشأنها خارج األجل ،من خالل
نظام التقادم القصير الذي يتراوح بين 6أشهر ،وسنة وثالث سنوات إلى 5سنوات كأقصى مدة في نظام
مرور الزمن (التقادم) التجاري ،وكذا بما يخدم السرعة في المعامالت والمساطر واإلجراءات التي
تستوجب لزاما الخضوع للمواقيت القانونية خدمة لخاصية السرعة واالئتمان الذين يشكالن عصب الحياة
التجارية.
242علي الحنودي ،األمن القانوني مفهومه وأبعاده ،المج :المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،ع ،96 :يناير – فبراير ،س ،2011 :ص :
.118
243أحالم عارف ،دور األمن القانوني واألمن القضائي في تحسين مناخ األعمال بالمغرب ،رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص ،كلية
الحقوق ،جامعة محمد الخامس السويسي ،الرباط ،الموسم الجامعي ،2014 -2011:ص.33 :
244عبد المجيد اغميجة ،مس ،ص.21 :
245أحمد براك ،األمن القانوني ،مقال منشور بالموقع اإللكتروني :
زيارة الموقع بتاريخ http//pallporg/v12907htm .31/ 8 /2016 :
246صالح الناهي ،وآخرون ،م س ،ص.27 :
247فاطمة الزهراء السائح الجوهري ،األمن القانوني والقضائي ،رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة محمد
الخامس السويسي ،الرباط ،السنة الجامعية ،2010 -2009 :ص.7 :
248عبد الرحيم بحار ،مس ،ص.7 :
249ادريس الفاخوري ،تقديم مؤلف اآلجال في ظهير التحفيظ العقاري ،م س ،ص .4 :
51
واستنادا إلى ذلك ،ظهرت فكرة الحاجة إلى التأصيل القانوني لمفهوم األمن القانوني التجاري
بهدف إخراجه من بؤرة األمن القانوني بوجه عام ،السيما إذا علمنا أن العادة جرت على أن هذا المفهوم
عندما يطلق ينصرف إلى ضوابط المحاكمة العادلة في بعدها الجنائي ،وكذا حماية األفراد من تعسف
اإلدارة وما إلى ذلك من قواعد حماية حقوق اإلنسان ،لذلك سنحاول مجتهدين التوقف عند مفهوم األمن
القانوني التجاري واألسس التي ينبني عليها (المطلب األول) نظرا ألهمية هذا المبدأ في الوقت الراهن،
ليتسنى بعد ذلك التطرق 250
وهي أهمية جعلته يتميز بعدة مميزات لضمان تحقيق التطور االقتصادي
ألوجه مساهمة نظام الزمن التجاري في ضمان تحقيق األمن القانوني على مستوى المادة التجارية
(المطلب الثاني).
إن أنجع الطرق لرصد مفهوم االمن القانوني في الميدان التجاري(فقرة أولى) وتحديد األسس التي
ينبني عليها (فقرة ثانية) يستوجب بالضرورة تمحيص المنظومة القانونية للزمن القانوني التجاري التي
نبتغي الكشف عن هذين األمرين استنادا لمقتضياتها.
الفقرة األولى :األمن القانوني التجاري من خالل منظومة الزمن في المادة التجارية.
إن إخراج األمن القانوني التجاري لبر التأصيل المستقل بما يرتكز عليه من أسس ومقومات بات
ضرورة حتمية ونتيجة منطقية لهذه المحاولة ،إذ أن هذا االنقالب في الثقافة القانونية ليس معروضا علينا
للخيار ،وإنما هو واقع اليوم والغد ،وهو بمثابة قطار انطلق ،فإنما أن نركبه ونؤثر فيه ،وإال فإننا سنبقى
251
في المحطة في انتظار الذي يأتي وال يأتي
من بين الذين حاولوا ولو بشكل غير مباشر التأصيل لمبدأ 252
ويعد األستاذ عبد المجيد اغميجة
األمن القانوني التجاري ذلك عندما ربط األمن بالثقة المشروعة La confiance légitimeواستقرار
المعامالت بفضل ما يوفره هذا المبدأ لألفراد الفاعلين القانونيين واالقتصاديين من حماية استقرار اإلطار
القانوني الذي يتعاقدون من خالل قواعده ،وينتظمون بالنسبة لاللتزامات تبعا لمقتضياته.
52
ويقصد بالثقة المشروعة احترام التوقعات المشروعة لألفراد والمبنية على القواعد واألنظمة
القانونية السارية المفعول ،مما يجعل المخاطبين هذه القواعد يطمئنون إن نتيجة أعمالهم وتصرفاتهم مع
استقرار في التعامل والعالقات الرابطة بينهم.253
واعتبارا لكون األمن قيمة يخدمها القانون وهو ما يشكل منبع ثقة األفراد في الحماية القانونية،254
فقد عمد مشرع المادة التجارية إلى ضمان مقومات األمن من ضمنها –أي ضمن المادة التجارية-
والمتمثلة في االستقرار والسرعة في اإلجراءات والضبط في المواقيت من خالل القانون أيضا ،وذلك
بموجب نظام الزمن القانوني وخصوصياته ،سواء على مستوى زمن التقاضي أو على مستوى زمن
األطراف ،وكذا بطبيعته المميزة التي تجعل خاصية الضبط الزمني من ركائزها األساسية.255
واستنادا إلى ذلك ،فإن األمن القانوني التجاري ينبني على فعالي ة النظام الزمني القانوني في المادة
التجارية وعلى مدى مساهمة هذا النظام في ضمان استقرار البيئة التجارية والحد من االختالالت التي
تنسف طمأنينة التجار ،بما في ذلك استهداف التقليل من المنازعات المحتمل ورودها خارج األجل
القانوني ،وكذا من حيث تكريس مبدأ السرعة في اإلجراءات والمساطر والضبط المؤقت ألجرأة
المقتضيات ،وتزكية عنصر االئتمان بين التجار بما يفرض جودة القاعدة القانونية وكذلك محتواها،256
حيث إن األمن القانوني من شروط جودة التشريع التي تضمن القدرة على التحقيق الفعلي والدائم ألهداف
القانون ،257ضمانا لحد أدنى من استقرار المراكز القانونية.
الفقرة الثانية :أسس األمن القانوني التجاري من خالل منظومة الزمن في المادة التجارية
إن أبرز المقومات التي يرتكز عليها األمن القانوني التجاري بما يضمن توفير إجراءات قانونية مناسبة
تساعد على إقامة عدالة تجارية ، 258تكمن في تحقيق مناخ قانوني سليم ،بدءا من جودة إعداد وتحرير
53
القاعدة القانونية إلى تطبيقها وتنفيذها على الوجه المطلوب ، 259والشك أن تحقيق ذلك يستهدف باألساس
حماية األفراد من اآلثار السلبية للقانون السيما عدم االنسجام وتعقد القوانين واألنظمة أو تعديلها المتكرر
بما يخلفانه من انعدام في األمن.260
وعليه ،فإنه ال مناص لضمان هذا المناخ القانوني في الميدان التجاري من ضرورة قيام األسس
الرئيسية التي تعد قوام األمن القانوني التجاري ،ويتعلق األمر بكل من وضوح القاعدة القانونية الذي يفيد
انعدام الغموض والتعقيد ،وكذا بقابليتها للتوقع الذي يفيد حماية المراكز القانونية القائمة ،وكذا حماية
حقوق األفراد وضمانها احتراما للتوقعات المشروعة.261
ويتطلب تحقيق عامل الوضوح في القاعدة القانونية وفق ما يستدعيه األمن القانوني التجاري
ضرورة العمل على صياغة تلك القاعدة بطريقة تتسم بالدقة والبساطة والوضوح حتى يتمكن الناس من
فهم القانون والتعرف بسهولة على مضمونه واالمتثال ألوامره .وإذا كان هذا هو ما عليه الحال بالنسبة
للقاعدة القانونية التجارية بوجه عام ،فإن المقتضيات المؤطرة لنظام الزمن في المادة التجارية بحاجة
أمس إلى تقنية الضبط والتدقيق ،وذلك لخطورة عنصر الزمن من جهة ولقيمته في المادة التجارية من
جهة ثانية.
فاللغة الغامضة أو المعقدة تثير الخالف واإلبهام واالضطراب في المعامالت في بعدها الزمني
خصوصا ،لذلك ال ينبغي أ ن تقتصر سمة الدقة والوضوح على العبارات فقط ،وإنما ينبغي االعتماد قدر
اإلمكان على الصياغة التي تؤدي إلى خلق نصوص واضحة الداللة وال تقبل احتماالت كثيرة التأويل،262
بمعنى أن يكون النص القانوني يسير الفهم بمجرد قراءة مفرداته من غير توقف على أمر خارجي.263
أما فيما يتعلق بمسألة قابلية القانون للتوقع ،فإن التركيز يقع على هذه الخاصية بدرجة أولى في
المادة التجارية ،باعتبار التوقع شرطا رئيسيا من شروط تحقق األمن ،بحيث يعرف ألفراد مسبقا كيف
259عبد المجيد اغميجة ،األمن القانوني وضرورة األمن القضائي ،عرض مقدم في إطار الندوة المنظمة من طرف الودادية الحسنية للقضاة
بمناسبة المؤتمر 13للمجموعة اإلفريقية لالتحاد العالمي للقضاة ،البيضاء 28 ،مارس ،2008ص .13 :
260عبد المجيد اغميجة ،المرجع نفسه.
261أحالم عارف ،مس ،ص.33 :
262إشكالية التأويل المطروحة بين عاملي الزمن العام والزمن الخاص المثارة بشأن القواعد المنظم لعقد النقل التجاري؛ حسن ملكي ،الزمن
العام والزمن الخاص ،ندوة الزمن والقانون ،م س(.غير منشور).
263علي الحنودي ،م س ،ص.120 :
54
ينظمون عالقاتهم بشكل مقبول من الناحية القانونية وكذا المعرفة المسبقة بما هو مسموح وما هو
ممنوع.264
وهكذا ففي منظومة الزمن القانوني التجاري يجب أ ن يكون األفراد على علم مسبق ،وعلى معرفة
بما هو مسموح وما هو محظور م ن حيث تحديد نطاق زمن المعامالت التجارية ،وكذا من حيث زمن
مباشرة إلجراءات القانونية المرتبطة بالوفاء بالمعامالت (زمن األطراف) ثم ضرورة اإلحاطة بكل
جزيئات زمن التقاضي.
وعليه فإن مبدأ التوقع بهذا المدلول يتصل بخاصية الوضوح اتصال فرع وأصل ،ويدور معها
وجودا وع دما ،فبوضوح القاعدة القانونية ودقة صياغتها و سالسة تحديدها من طرف المخاطبين بها،
ي ضمن مبدأ التوقع بالمدلول الذي ذكر أعاله ،حيث أن الوضوح يجعل المخاطبين بالقواعد التجارية
ـ التجار ـ سيما المؤطرة منها لنظام الزمن ،على معرفة مسبقة بما هو مسموح به وما هو ممنوع في
من حيث النطاقات الزمنية لهذه العالقات ،والتي 265
مجال تنظيم العالقات ألجل تحقيق العدالة التعاقدية
يسعى كل نظام قانوني لالتحاد معها قدر اإلمكان.266
وبعيدا عن خاصية الوضوح واإلحاطة بالمسموح أو المحظور التي تغذي مبدأ التوقع المفترض في
القواعد المؤطرة لمنظومة الزمن القانوني التجاري ،فإن فكرة التوقع في األصل ترتبط بفكرة الزمن
المستقبلي الذي ينظر إليه دائما بفكرة التغيير والتطور لكونه في مجال أكثر نشاطا ،وارتباطا بهذا فإن
يلعب دورا مهما في تحقيق األمن القانوني في ظل معياري الدقة 267
الزمن حسب إحدى الباحثات
والضبط اللذين ينبغي أن تشتمال على القاعدة القانونية ،اعتبارا ألن غياب هذين العنصرين يعد أحد أهم
األسباب في انعدام الثقة واإلحساس باألمن لدى المرتفقين(268المتقاضين).
إن نظام الزمن القانوني التجاري ،قد ال يؤدي الغايات والمقاصد المتوخاة منه إذا ما خال من مبدأي
الوضوح من ناحية والتوقع الذي يستدعي الدقة والضبط من ناحية ثانية في تحديد القواعد القانونية
التجارية من حيث طبيعتها الزمنية ،و ِّبخلو هذين المبدأين من القواعد المنظمة لنظام الزمن القانوني
55
التجاري ،لن يؤدي هذا األخير األدوار التي أنيطت به وال يخدم األهداف القانونية بحسب الصيغة التي
أعد من أجلها ،والمتمثلة أساسا –أي األهداف – في خدمة خاصية السرعة واالئتمان وكذا ضبط أجرأة
المقتضيات التجارية في سياق يروم التقليل من المنازعات المخلة باستقرار البيئة التجارية.
وعليه ،فإذا كان ما سلف قوله ،من قوام األمن القانوني التجاري ارتباطا بالقواعد المؤطرة لنظام
الزمن في المادة التجارية ،فيكف ساهم هذا األخير في تحقيق األمن القانوني التجاري؟ وما مظاهر هذا
التحقيق؟
المطلب الثاني :بعض أوجه دور نظام الزمن القانوني في تحقيق األمن التجاري
يتبين من خالل كل ما سبق أن المشرع التجاري وضع نظاما زمنيا تقمص دور القالب القانوني الذي
ينبغي أن تفرغ فيه اإلجراءات والمساطر المتبعة في حل النزاعات المرتبطة بقضايا التجارة ،والتي
ينبغي أن تباشر ضمن الوقت المخصص لها قانونا العتبارات تعود إلى طبيعتها وإلى السرعة واالئتمان
التي تستلزمها تلك القضايا ، 269وذلك نظرا لألهمية التي يكتسيها ضبط اآلجال في تسريع وتبسيط
اإلجراءات 270وضمان أجرأة المساطر المرتبطة بها (الفقرة األولى).
وبالمقابل فإن نظام الزمن القانوني التجاري رام تحقيق أهداف ال تقل أهمية عن سابقتها ويتعلق
األمر بالتقليل من المنازعات والدعاوى التي من شأنها أن تربك استقرار الحياة التجارية ،وذلك بنظام
التقادم الخاص بالمادة التجارية والذي يختلف عن نظام التقادم المؤطر في القواعد العامة(الفقرة الثانية)
كل ذلك في سبيل إرساء معالم أمن قانوني في صيغته التجارية.
الفقرة األولى :السرعة واالئتمان من خالل الضبط الزمني ألحكام المعامالت التجارية.
من المعلوم أن الوصول إلى الحق المتنازع فيه عن طريق السلطة القضائية يستلزم اتباع مجموعة
من اإلجراءات والمساطر القانونية ،وكلما كانت هذه القواعد اإلجرائية بسيطة ومتسمة بالمرونة
والسرعة ،ســهل الوصول إلى هذا الحق وكان لهذا الوصول قيمة ،فعلى حد تعبير أحد الباحثين ،271فإن
56
الوصول إلى جزء من الحق في أقرب اآلجال خير من الوصول إلى الحق كله بعد طول مدة ،272وإذا
كان هذا األمر ينطبق على كل المنازعات ،فإن المنازعات المرتبطة بالميدان التجاري تكون األولى
بتوفير مساطر مبسطة مرنة وسريعة بعيدة كل البعد عن أي تعقيد ،تستند إلى قوانين واضحة وشفافة
دون الدخول في متاهة من اإلجراءات التي ال تنتهي وال تؤدي إلى إيصال النتيجة المرجوة وهي إيصال
الحق إلى صاحبه في أقرب األوقات.
وبإلقاء نظرة شاملة على مختلف القوانين التجارية سواء الموضوعية واإلجرائية يتبين أن المشرع
التجاري المغربي راعى بشكل البأس به خاصية السرعة التي تقوم عليها المعامالت التجارية عموما
والتي تستدعي ضبط الحياة التجارية من كل جوانبها من خالل تبني نظام دقيق وضابط سواء في
إجراءات التقاضي التي ال يمكن في جميع األحوال أن تستغرق أكثر من 6أشهر ،وال يمكن إنكار ما
ألهمية ضبط إجراءات التقاضي من تأثير إيجابي على مستوى الرفع من سرعة التقاضي والحث على
القيام باإلجراءات بصورة فورية ، 273وهو ما يؤثر على صيرورة األعمال التجارية التي ستباشر من
جديد وفي و قت وجيز بحكم وضع حد لنهاية النزاع بين التجار مما يمكنهم من الرجوع والتفرغ لممارسة
أعمالهم التجارية في أقرب اآلجال ،ولعل ذلك هو السر في تبني المشرع لهذا الضابط ذي الطبيعة
الكرونولوجية الذي استحكم في مختلف مراحل التقاضي أمام المحاكم التجارية ،ابتداء من تاريخ إيداع
المقاالت االفتتاحية وانتهاء بمساطر التنفيذ.274
ولم يتوقف هاجس الضبط المتحكم في نظام الزمن القانوني التجاري والذي ينبني على السرعة
التي يشكل بالنسبة إليها الزمن عنصرا أساسيا كوحدة قياس عند حدود تنظيم اإلجراءات القضائية المتبعة
لمعالجة نزاعات التجار ،وإنما انكب على تنظيم معا مالت هذه الفئة حتى قبل ولوجهم أسوار المحاكم.
وارتباطا بما سلف ذكره ومراعاة ألهمية الزمن في المعامالت التجارية أدخل المشرع التجاري تعديال
تمم بمقتضاه المادة 78من مدونة التجارة بموجب قانون 27532.10في باب تحت عنوان آجال األداء.
57
وبمقتضى هذا القانون فإن زمن أطراف عالقة المديونية بات محسوما منذ البداية وهو الذي ال
يتعدى في جميع األحوال تسعين يوما كأقصى مدة .بحيث عمل المشرع على ضمان أداء الديون التجارية
في أقصر اآلجال درء لما يمكن أن ينتج عن إهمال ذلك من صعوبات اقتصادية ونزاعات.
وقد حدد المشرع بموجب القانون السالف الذكر -بغض النظر عن المشاكل التي يثيرها في عالقته
بباقي قوانين التجارة األخرى ،سنتطرق لها في الشق المتعلق بالتطبيق العملي -في المادة األولى منه
عالقة المديونية بين التجار كأصلفي حالة عدم اتفاقهم ،في ستين يوما ،وفي حالة أعمالهم إلراداتهم فإن
األجل الذي ينبغي خالله على المدين أن يؤدي مقابل البضاعة أو تنفيد الخدمة ال ينبغي أن يتعدى في
جميع األحوال تسعين يوما ،276لذلك عمل المشرع على وضع نضام زمني يتوخى ضمان أداء الديون
التجارية ضمن آجال قصيرة درء لما يمكن أك ينتج عن ذلك من صعوبات.277
إن االهتمام التشريعي بالبعد الزمني للحياة التجارية سواء على مستوى إجراءات التقاضي
المرتبطة بها ،أو على مستوى العالقات العملية التي تربط التجار فيما بينهم ،يبرز العناية الفائقة للمشرع
بالجسم التجاري ووعيه بأهمية ميدان يعرف فيه عنصر الزمن أهمية قصوى ،278وفي نفس الوقت حاجة
هذا الميدان لعامل الزمن ،وهي عناية تنم عن رغبة المشرع في تسييج المعامالت التجارية بنظام ضابط
لآلجال حماية لرؤوس ألموال وتحفيزا على االستثمار.279
والتي تقوم في حقيقتها على اإلمهال ومنح األجل للمسيرة في 280
أما بالنسبة لخاصية االئتمان
عالقات التجار فيما بينهم ،فقد أواله المشرع عناية خاصة من خالل تنظيمه بشكل متعدد لوسائل وتقنيات
االئتمان التجاري ،281ذلك أنه حسب أحد الفقهاء ،282االئتمان هو عصب التجارية ،إذ الغالب أن العمليات
التجارية تعقد ألجل ،فالبنك يقرض األموال سواء للتاجر أو لغير التاجر على أن تسدد في أجل معين،
وتاجر الجملة يبيع تاجر التقسيط على أن يسدد الثمن بأجل ،والمصنِّع يبيع منتوجه للمورد أو لمصنِّع
آخر وفق نفس المبدأ ،وهكذا يرتبط التجار فيما بينهم بعالقات متشابكة قوامها الثقة المتبادلة ،فيكون كل
واحد منهم مدينا ودائنا في نفس الوقت.
58
وكافة أطراف العمل ية التجارية هم في حاجة إلى االئتمان لمزاولة نشاطهم ،فالمنتجون هم في حاجة
لالئتمان لتمويل استثماراتهم الصناعية ،والتجار في حاجة إليه لشراء السلع التي سيعيدون بـيعها.283
وبالنظر لألهمية التي يكتسي ها االئتمان في الميدان التجاري والطبيعة الزمنية التي يتميز بها ،بحيث أن
االئتمان ما هو في حقيقته إال إمهال زمني 284إذ ال يخفى مدى االضطراب والخلل الذي يحدث في السوق
في حالة إخالل أحد التجار بالتزاماته ،إذ سيؤدي ذلك إلى سلسلة متتابعة من االختالالت في المعامالت
التجارية.
وبالنظر لما لقيمة السرعة واالئتمان في المعامالت التجارية ومالهما من أثر في تحقيق األمن
القانوني التجاري ،وعي المشرع بشكل جيد قيمته هاتين الخاصيتين ،كما وعي أال مناص لتحقيقهما إال
عن طريق آلية الزمن القانوني المنظم ،ونتيجة لذلك تدخل بموجب القانون الصرفي وكذا بموجب القانون
32.10السالف الذكر ليحدد زمن معامالت األطراف ،كما تدخل بمقتضى قانون 53.95المحدث
للمحاكم التجارية لتنظيم زمن التقاضي أمام المحاكم التجارية .وباإلضافة إلى ذلك فإن مشرع مدونة
التجارة يقرر جزاءات صارمة توقع على من يخل بهذا االئتمان تتمثل في قساوة قانون الصرف ،ومن
خالله الجزاءات التي تقرر في حالة اإلخالل بقطعية داللة قواعد الزمن الصرفي الذي سنعمل على
مناقشة فيما يلي .
285
القصير التقليل من المنازعات المخلة باستقرار المطلب الثاني :دور نظام التقادم
البيئة التجارية
ال يقوم التقادم في الواقع على أساس بحث ،إذ أن مضي الزمن ،بحسب األصل ،ال يؤدي بذاته إلى
إحداث أي أثر قانوني ،286إال أن مشرعي القوانين الوضعية ،287ومنذ التشريع الروماني القديم إلى حدود
59
اآلن ، 288والعتبارات معينة ،اعتنقوا فكرة أن مضي مدة طويلة من الزمن يجب أن يؤدي إلى انقضاء
حق الدائن أو انقضاء الدعوى التي تحميه إذا ظل ساكتا طوال هذه المدة ولم يطالب به ،فالزمن بطبيعته
يتغلب على كل شيء ،وينال من المؤسسات والقوانين والكلمات ويهدم الحقوق كذلك ،فيدفع بها إلى عالم
النسيان ويجعلها تتالشى لمجرد أنها بقيت راكدة مدة طويلة دون أن تستعمل أو يطالب بها،289فكل شيء
يجب أن يكون له نهاية ،والزمن يجب أن يمحو كل شيء .290
واالعتبارات التي استدعت إقرار هذا النظام متعددة في هذا السياق ،يبقى أهمها هاجس استقرار
ومتطلبات الضرورات االجتماعية ،فالتقادم ال يقوم على قرينة الوفاء أكثر مما يقوم على 291
المعامالت
وفي هذا وجوب احترام األوضاع المستقرة التي مضى عليها من الزمن ما يكفي لالطمئنان إليها
292
الصدد يقول الفقيه الفرنسي جوسران 293إن التقادم يضع نهاية لعدم االستقرار ،ويحول دون رفع دعاوى
بأن إقرار نظام التقادم يقتضي الصالح 294
ولت بردح من الزمن ،ويرى جانب آخر من الفقهاء
االجتماعي الذي اطمئن لحاالت واقعية استقرت فترة من الزمن ،وكذا حاجة المصلحة العليا إلى فرض
تحويل الواقع إلى حق حتى ولو قام هذا الواقع في مبدئه على غصب محض ،ذلك أنه إذا لم يتقرر هذا
النظام لما انتهت المنازعات ،ولما وضع حد للمشاحنات ،و لعاش الناس في نزاع ال نهاية له وال آلخر.
وعليه فإن نظام التقادم يبدو ضرورة حتمية للمصلحة االجتماعية ،إذ مثلما وجب وضع حد
للمنازعة في الحقوق وذلك بتقرير قوة ألمر المضي به ،كذلك يجب وضع حد للمطالبة بالحقوق وذلك
بتقرير مبدأ التقادم.295
كما اعتبر جانب آخر من الفقهاء ،أن التقادم يقوم على قرينة براءة ذمة المدين من الدين سواء ألنه
قام بالوفاء فعال وهذا ما يسمى بقرينة الوفاء ،أو ألن الدائن قد قام بإبراء المدين من الدين ،وهذا ما يسمى
بقرينة اإلبراء ،وإال فما تبرير سكوت الدائن طوال هذه المدة عن المطالبة بدينه؟ وهو ما يثير اللبس
60
حول دافع سكوته بحيث أن سكوته هذا ،إما ألنه استوفاه ،أو ألنه ابرأ المدين منه ،296ومن تم فإن رغبة
المشرع في إقرار نظام التقادم تكمن في عدم إرهاق المدين بمنع تراكم الديون عليه لسنوات مضت ،لذلك
ورفعا للعنت عنه ،يسقط منها ما مضى عيله من الزمن مدة طويلة.
ومن أجل كل هذه االعتبارات شرع نظام التقادم والذي يؤدي إلى إقرار أن مضي مدة من الزمن
على استحق اق الدين دون المطالبة به من قبل الدائن يمكن أن تؤدي إلى إسقاط هذا الحق أو إسقاط دعوى
المطالبة به .297
وعليه فإذا كان هذا هو مقدار الضرورة الملحة لنظام التقادم في المادة المدنية التي تتميز مدة التقادم
فيها بالطول ،فإن المادة التجارية أولى وأحوج إلى هكذا نظام ،بل األكثر من ذلك ،وإلدراك المشرع
التجاري المغربي على غرار باقي التشريعات المقارنة298أهمية نظام التقادم القصير في المادة التجارية،
وحاجة هذه األخيرة إليه ،فإنه وضع نظاما خاصا للتقادم التجاري يستجيب لخصوصية المادة التجارية
بكل مقوماتها والتي يبقى أهمها االطمئ نان للوضع الظاهر الذي يعد عمود الحياة التجارية ،والذي يستمد
مشروعيته من خاصية السرعة واالستقرار الذي يطبع هذا النوع من المعامالت التي كانت بحكم طبيعتها
الدافع الرئيسي وراء ضرورة تقصير آجال التقادم ، 299ومن مظاهر هذه الخاصية التي استدعت اعتماد
نظام زمني قصير ف ي تقرير التقادم التجاري ،أنه في كثير من األحيان تباع السلع قبل شرائها ،وعند
شرائها تسلم من البائع األول إلى المشتري الثاني ، 300وهو ما يحمل على طرح تساؤل عريض في هذا
السياق ،أليست هذه المعطيات أدعى إلى وضع نظام للتقادم كفيل بضمان استقرار المعامالت البيئة
التج ارية وهادف إلى التقليل من المنازعات المعرقلة للمسير التجاري سواء أمام القضاء أو في الواقع
العملي..301؟؟.
296جالل محمد ابراهيم ،انقضاء االلتزام ،طبعة ،1995ص 218-217؛ ذكره :حسني محمود عبد الدائم عبد الصمد ،م س ،ص.225 :
297حسن محمود عبد الصمد عبد الدايم ،م س ،ص.227 :
298المادة 350من قانون الموجبات والعقود اللبناني التي حددت التقادم التجاري في خمس سنوات.
من القانون المدني الفرنسي التي حددت التقادم في المعامالت التجارية في -المادة
299عبد الرحيم بحار ،م س ،ص.136 :
300فؤاد معالل ،م س ،ص.17 :
301حيث أثبتت الحياة العملية كثيرة الدعاوى التي ال فائدة ترجى منها سوى عرقلة سيرورة الحياة العلمية للمحاكم التجارية من جهة ،وتشوية
سمعة التجار في البيئة التجارية من جهة ثانية ،خاصة وأن اإلهمال يكون من جانب الدائن الذي ماطل وأهمل المطالبة بدينه داخل األجل
المحدد ،والتي يتكون في نهاية المطاف مآلها الرفض بسبب تمسك صاحب الحق (المدين) بالتقادم المسقط ؛ قرار صادر....
61
وبالرجوع إلى المقتضيات المنظمة لقواعد التقادم التجاري ،والتي تتأرجح المدد المكرسة من
يتبين أن المشرع التجاري راعي 304
إلى 5سنوات 303
ثم سنة وثالث سنوات 302
خاللها بين 6أشهر
بشكل نسبي هاجس استقرار المعامالت التجارية الذي يقتضي تمكين التجار من التخلص من التزاماتهم
خالل أجل قصير خالفا لما عليه األمر بالنسبة لاللتزامات المدنية .305وهو ما حمله على وضع نظام
خاص للتقادم التجاري قوامه قواعد قانونية ترمي إلى تليين آلية التقاضي وجعلها منسجمة مع محيطها
االجتماعي واالقتصادي الذي استحكم في مجرياته الشعور بقيمة الزمن306وفاعليته في حسم المنازعات
بين النشطاء االقتصاديين وكذا حسم النزاعات بين التجار وغير التجار وفق نفس المقتضيات التي حددها
مشرع نظام التقادم التجاري.
وعليه ،فإن ضرورة االستقرار و ما يستلزمه من سرعة في المعامالت التجارية هي التي تفرض
تقصير آجال التقادم في هذه المادة ،السيما وأن السائد في الميدان التجاري أن الدولة التجارية تحتم على
الفاعلين فيها –التجار -أن يطالبوا أو يوفوا بالديون التي لهم أو عليهم داخل مدة قصيرة.307
وعلي ه ،فمن خالل كل مما سلف ذكره تبرز طبيعة العالقة الوطيدة التي تربط بين نظام الزمن في
المادة التجارية ،ومقومات األمن القانوني التجاري المتمثلة في السرعة واالئتمان ،وعنصر الضبط
الزمني الرامي إلى تحقيق استقرار في المعامالت القانونية التجارية ،بحيث يعمل نظام الزمن المنظم
على المساهمة في ضبط أسس السرعة واالئتمان ،وكذا إلى التقليل من المنازعات المخلة باالستقرار
التجاري من خالل قواعد قانونية تشكل أعمدة لصرح نظام الزمن القانوني في المادة التجارية ،وبتأدية
هذا األخير لهذا الدور ،فإنه ال محالة يسهم في ضمان األمن القانو ني في صيغته التجارية والذي يعد
العمود الفقري للقواعد القانونية في الوقت ذاته ،مادام أنه ال حديث عن قيمة القاعدة القانونية إال بالنظر
التي بطبيعتها ممتدة في الزمن. 308
إلى درجة استقرارها ومدى حمايتها لألوضاع القانونية
302المادة 295والفقرة الثالثة من المادة 228من مدونة التجارة اللتين تقضيا بتقادم الدعاوى الصرفية بحسب األحوال بمضي ستة أشهر.
303المادة 228التي تقضي بأن جميع الدعاوى الناشئة عن الكمبيالة تتقادم بمضي ثالث سنوات ابتداء من تاريخ االستحقاق.
304المادة 5من مدونة التجارة التي تقضي بأن دعاوى التجار فيما بينهم وفيما بينهم وبين غيرهم تتقادم بمضي خمس سنوات.
305امحمد الفروجي ،التاجر وقانون التجارة بالمغرب ،م :النجاح الجديدة ،ص.360 :
306عبد الجبار بهم ،م س ،ص.43 :
307عبد الرحيم بحار ،التقادم في المادة التجارية ،ص.59 :
308أحالم عارف ،م س ،ص.33 :
62
وإذا كان هذا يعكس دور النظام الزمني في ال مادة التجاري ومدى تحقيقه لألمن القانوني التجاري
بعد تحديد أساساته على هذا المستوى ،فأي د ور للنظام الزمني القانوني التجاري في تحقيق األمن
القضائي في المادة التجارية؟ .هذا ما سنجيب عنه في المبحث الموالي.
المبحث الثاني :دور نظام زمن المادة التجارية في تحقيق األمن القضائي
التجاري
بشكل عام وعلى مستوى جميع الميادين ،لم يحظ مصطلح األمن القضائي بنفس الدراسة التي
حضي بها األمن القانوني ،وهو األمر الذي جعل بعض الفقهاء يتساءل إن كان سبب ذلك راجع إلى كون
هذا األخير يستغرق األمن القضائي ويحتويه ،أم أن ذلك راجع لحداثة استعمال المصطلح؟.309
وبغض النظر عن صحة هذا االفتراض أو ذاك ،فإن األمن القضائي يعني الثقة في المؤسسة
القضائية واالطمئنان إلى ما يصدر عنها من أحكام وقرارات وأوامر حماية لحقوق األفراد ،310وتحقيق
ذلك رهين بتوفر مجموعة من المبادئ األساسية ،يبقى أهمها سهولة الولوج إليه بما يستتبع ذلك من تنظيم
سيما من حيث التنظيم الزمني ألطوار المسطرة بالخصوص ،انتهاء بجودة وفعالية 311
لحق التقاضي
األحكام الصادرة عنه السيما على مستوى اإلسراع في تنفيذها ،وفي الميدان التجاري لتحقيق كل ما
سلف ذكره ،البد أن يتم في ظل ما تستلزمه خصوصية نظام الزمن المؤطر للمادة التجارية ،وفي محاولة
الستكمال منظومة األمن من داخل المادة التجارية ،واستجالء الدور الذي يؤديه احترام القواعد المنظمة
لعنصر الزمن في سبيل تحقيق األمن القضائي على اعتبار أن درجة األمن في هذه المادة تقاس بالسرعة
التي تحددها قواعد قانونية من ظمة لمدد زمنية قصيرة ،فإن فكرة الحديث عن هذا المفهوم األخير باتت
حتمية وتفرض ذاتها بقوة على غرار األمن القانوني التجاري رغبة في إخراجه من بؤرة األمن القضائي
بشكل عام ،الذي يجعل من صميمه ضمانة تطبيق القانون في إطار سيادة الديمقراطية وحماية حقوق
اإلنسان والحريات العامة.312
309عبد المجيد اغميجة ،مبدأ األمن القانوني وضرورة األمن القضائي ،مج :الملحق ،م س ،ص .26 :
310فاطمة الزهراء السائح الجوهري ،م س ،ص.37 :
311محمد النجاري ،القضاء المستقل القوي قاطرة للتنمية ،الندوة الوطنية حول الخطاب الملكي ومدونة القيم القضائية ،مجلة الودادية الحسنية
للقضاة ،ع ،2 :ص .24 :
312تقرير جمعية عدالة األمن القضائي وجودة األحكام ،م :دار القلم ،الرباط ،ط :األولى ،س ،2013 :ص .5 :
63
ومن أجل مالمسة ذلك سنحاول الوقوف عند مفهوم األمن القضائي في المادة التجارية وأسسه من
خالل منظومة الزمن التجاري (المطلب األول) ،ثم نتطرق بعد ذلك إلى الحديث عن بعض أوجه أدوار
نظام الزمن القانوني التجاري في تحقيق األمن القضائي في المادة التجارية ( المطلب الثاني).
على غرار ما سرنا عليه في شأن الحديث عن تحديد مفهوم األمن القانوني واألساسات التي يقوم
عليها من حيث ضرورة تمحيص منظومة الزمن القانوني التجاري ،فإن الوقوف على مفهوم األمن
القضائي التجاري في محاولة للتأصيل له ورصد أسسه يقتضي نهج نفس األسلوب.
وعليه سنسترسل في الحديث عن مفهوم األمن القضائي التجاري من خالل منظومة الزمن
التجاري(فقرة أولى) ثم نتحدث عن أسس هذا المفهوم من خالل ذات المنظومة(فقرة ثانية).
الفقرة األولى :األمن القضائي التجاري من خالل منظومة الزمن في المادة التجارية
نظم المشرع التجاري زمن التقاضي تنظيما دقيقا ،سواء من حيث ابتداء سريانه أو من حيث حدود
انتهائه ،وكل ذلك يهدف خدمة خاصية السرعة واالئتمان وضمان استقرار البيئة التجارية من أجل خلق
مناخ تجاري صحي وسليم بغرض تحقيق تنمية اقتصادي ة ،وال يتحقق ذلك إال بالعمل على مقومات تبعث
الثقة في المؤسسة القضائية ،وتضمن بالتالي ترسيخ مفهوم األمن القضائي الذي يهدف إلى اطمئنان
المتقاضين إلى القضاء ، 313وذلك انطالقا من كون القضاء يتحمل دورا أكثر حيوية في مسلسل تطبيق
القانون حتى يبعث الحقيقة في النص القانوني .314
وتعد النصوص القانونية المنظمة ل نظام الزمن في المادة التجارية سواء فيما يتعلق بزمن التقاضي
أو زمن األطراف أداة المقاس األساسية لتقييم درجة األمن القضائي من خالل قدرة القاضي على مباشرة
مهامه وهو محكوم بضابط السرعة التي يتطلبها الميدان التجاري والتي صيغ نظام زمني قصير دقيق
استجابة له.
64
وإ ذا كانت المهمة الحمائية للقضاء هي الجانب الطاغي في النظرة إلى األمن القضائي ،315فإن هذه
الحماية تقييم بمدى تصدي القضاء لخطورة عنصر الزمن على حقوق األفراد سيما على مستوى
اجتهاداته وتأويالته فيما يتعلق بالزمن القانوني الواجب التطبيق316بين كل من الزمن العام والزمن
الخاص ،بحيث أن أي خلل في تأدية القضاء للمهام السالفة الذكر ،تكون له آثار سلبية أساسها ضعف
الثقة في المؤسسة القضائية ،الشيء الذي يؤثر في األحكام الصادرة عن هذه األخيرة وبالتالي ضعف
التنمية االقتصادية التي أصبحت تفرض بحدة سيادة األمن القانوني وتفعيله باألمن القضائي ،ومنه فأن
القضاء ال يمكن أن يحقق دوره إال بتكريس مبادئ السرعة والضبط في الميدان التجاري بناء على
القواعد القانونية المؤطرة للنظام الزمني في المادة التجارية ،وهو ما يؤكد ضرورة ترجيح الزمن
القانوني الخاص بالمادة التجارية دون غيره لما تمتاز به المادة التجارية في النظام القضائي المغربي
كونها تختص بمساطر وإجراءات تخرج في طبيعتها عن القواعد العامة لتخصيصها بطبيعتا السرعة
واالئتمان.317
وعلى غرار األمن القانوني ،فإن ل ألمن القضائي في المادة التجارية بدوره أساسات ومقومات
تشكل عموده الفقري لترسيخه ،فاألمن القضائي مرتبط ارتباط فرع وأصل بعمل القاضي التجاري الذي
ال يخرج في شموليته إ ما عن تطبيقه للنص القانوني عموما والمؤطر لمنظومة الزمن التجاري بوجه
خاص بشكل مباشر بما تستوجبه مهام السلطة القضائية وقواعد إجراءاتها ،318وإما عن طريق االجتهاد
الذي يعد في جوهره تأويل للقاعدة القانونية المكتوبة ،وهو في هذا اإلطار يدخل في باب ابتكار القاضي
بهدف خدمة االستقرار القانوني من منطلق عدم كفاية القاعدة القانونية بهيئتها التي 319
للقاعدة القانونية
هي عليها على تناول األحداث والتطورات في حاالت استثنائية بحثة ،أو نتيجة تطورات وظروف
65
خاصة .320وتبقى التأويالت القضائية للنصوص القانونية المنظمة لعنصر الزمن من أخطر التأويالت
التي تهدد األمن القضائي التجاري مما يستوجب مراعاة أسس ومقومات هذا األخير من طرف جهاز
القضاء التي سنتعرف عليها في النقطة الموالية.
ال فقرة الثانية :أسس األمن القضائي التجاري من خالل منظومة الزمن في المادة التجارية
انطالقا من كون األمن القضائي ينبني على ما يتوصل إليه القضاء من مستوى جيد في تطبيق القاعدة
القانونية تطبيقا سليما يستحضر الفلسفة التشريعية التي صيغت من أجلها من قبل المشرع ،سواء أكان
األمر يتعلق بتطبيق آلي للنص القانوني ،أو من خالل اجتهاد القاضي بحسب واقع كل نازلة عرضت
عليه تزكية لفرضية أن القانون الحي هو الذي تصنعه المحاكم ،321فإن هذا االجتهاد وهذا التطبيق ينبغي
أن تتوفر فيه القابلية للتوقع ،ألن األفراد يدخلون في عالقات تحت ظل قواعد محددة ،غير أنهم يجدون
أنفسهم بعد ذلك أمام اجتهاد قضائي مبني على فهم غير الذي كان يفترض أن تفهم في سياقه تلك القواعد.
إن قابلية التوقع في الحكم القضائي على مستوى تطبيق النص المنظم لإلطار الزمني باألساس
بالر غم من افتراضها ليست بالسهولة المتصورة ،ذلك أن الوقائع المثارة أمام القضاء حبلى بالمفاجآت
سواء من حيث شهادة الشهود أو من حيث ما تفرزه الخبرات التقنية التي تصور الواقع القانوني كما هو،
بحيث يساهم كل ذلك في قلب أي توقع في القضية رأسا على عقب ،كما حصل في الحكم التجاري
السالف الذكر في مادة صعوبات المقاو لة الذي مدد فترة الريبة إلى ست سنوات بدل 18شهرا المحددة
بنص القانون ،استنادا للتقرير الذي أعد من قبل الخبير .ووعيا بهذه الصعوبة التي ترافق االجتهاد
القضائي ،الذي يمكن أن يكون أساس األمن خاصة في كيفية تعامله مع المقتضيات المنظمة لعنصر
الزمن ،كما يمكن أن يكون المهدد األول لهذا المبدأ ،فإن محكمة النقض المغربية في تقريرها السنوي
لسنة ، 3222011لجأت إلى اتباع تقنيتين يمكن اعتبارهما مقومان أساسيان لتحقيق األمن القضائي
عموما ،ونرى األمن القضائي التجاري حري بتبنيهما وهما :
66
فبالنسبة لتأمين االنسجام القانوني وحماية مبدأ الثقة المشروعة فإنه يستوجب بالضرورة إعالم
الفاعلين القضائيين والمخاطبين بالقانون على حد سواء ،بأي تغيير في االجتهاد القضائي من شأنه أن
يحدث اضطرابا بهذا االنسجام أو يهدد حماية الثقة المشروعة ،وهو ما تم تكريسه من خالل تقرير سنوي
ألعلى هيئة قضائية في البلد ،وذلك في انتظار اتخاذ خطوة في اتجاه إصالح التشريع من طرف
المشرع ،323وتكريس هذا االجتهاد لجعله بمثابة قانون.
أما بالنسبة للمقوم الثاني المتعلق بتأمين جودة األحكام ،فيبدو أن هذا التأمين له ارتباط وثيق بعنصر
الزمن ،ذلك أن ضمان تأمين األحكام ينبثق بدرجة أولى عن الحد في الزمن من سلبيات األثر الرجعي
لالجتهاد القضائي والذي قد يكون تهديدا حقيقيا لألمن القضائي ومن خالله القانوني مما يفرغ األنظمة
القانونية من محتواها وينسف األهداف التي ابتغت تحقيقها.
إن قساوة االجتهاد القضائي في األحوال التي يخل فيها بضوابط األمن القضائي ومبادئه أغلبه
مرتبط بعنصر الزمن ،غير أن احترام هذا العنصر قد يتم اإلخالل به من طرف القضاء مثلما يتم
اإلخالل به من طرف المتقاضين ،وإذا كان إخالل هؤالء ال يؤثر في األمن القضائي من منطلق المبدأ
القائل بأال أحد يعذر بجهل القانون ،فإن اإلخالل به من طرف القضاء اجتهادا أو تأويال ،يعد عين
اإلخالل بهذا المبدأ ،خصوصا وأن المادة التجارية تنبني على ما ينظمه الزمن القانوني من مقتضيات
وأحكام.
المطلب الثاني :بعض تجليات دور نظام الزمن التجاري في تحقيق األمن القضائي في المادة
التجارية.
إذا كان األمن القانوني في المادة التجارية ،قوامه خاصيتي السرعة واالئتمان ،والتقليل من
المنازعات اللتين يهدف إلى تحقيقهما من خالل منظومة الزمن القانوني التجاري ،وفق ما يتضمنه من
مقتضيات صيغت أساسا لهذا الغرض ،فإن األمن القضائي ينبغي أن يقاس بدوره من هذا المنطق.
ولما كان دور القضاء يؤدى من خالل مهامه سواء على مستوى زمن التقاضي أو على مستوى
زمن األطراف ،فإن تقييم مدى مساهمة نظام الزمن هذا في تحقيق األمن القضائي التجاري سيتم انطالقا
من ا لزمنين السالفين الذكر ،والستجالء هذا الدور سنحاول الكشف عن دور القاضي في تفعيل زمن
67
األطراف بما يحقق أمنا قضائيا (فقرة أولى) ثم نتطرق بعد ذلك لدور القاضي في تفعيل زمن التقاضي
بما يحقق ذات الهدف (فقرة ثانية).
الفقرة األولى :األمن القضائي التجاري من خالل دور القاضي في تفعيل زمن األطراف
يقصد بزمن األطراف الزمن القانوني المحدد بنص القانون ،والذي يترك بمقتضاه ألطراف
المعاملة المخاطبين به حرية األخذ بكثيره أو قليله ،بما ال يربك استقرار المعامالت أو يؤدي إلى خرق
السقف القانوني األقصى من حيث الزمن في حالة تحديده من طرف المشرع.
ويكمن دور القاضي في تفعيل زمن األطراف بما يحقق سرعة المعامالت وحماية عنصر االئتمان
للتقليل من المنازعات في المستقبل في المهام الرقابية لجهاز القضاء على المواقيت المحددة قانونا،324
والتي ينبغي ألطراف المعامالت أن يباشروا تصرفاتهم في ظل خضوعهم لها ،كما يكمن دور القضاء
في تفعيل زمن األطراف من خالل المهام التوجيهية التي يعمد بمقتضاها القاضي إلى تحديد المدة الزمنية
التي ينبغي أن يتم إلجراء داخلها .ويترتب على سلطة الرقابة والتوجيه المخولة للقاضي حث األفراد
على التدقيق في احترام نظام زمن المعامالت بما يسهم في ضبط اإلجراءات والتسريع من وثيرتها على
الوجه الذي يكفل فعال السرعة في إنجاز المعامالت أخذا بعين االعتبار ارتباط هذه المعامالت مع بعضها
البعض.325
وبالتالي تحقيق نوع من األمن القضائي التجاري الذي يسوق له عن طريق السوابق القضائية
326
المتبلورة أساسا في العمل القضائي الرامي إلى مراقبة وتوجيه تحديد النطاق الزمني ألطراف المعاملة
التجارية ،بحيث يكون لهذه الرقابة وهذا التوجيه خاصية الردع واالحتراز المسبق تجنبا ألي خرق
محتمل لزمن المعامالت.
إن تحقيق ما سلف ذكره من منطلق اهتمام التشريع التجاري بزمن المعامالت وتنظيمه تنظيما
محكما ،لين م عن وعي المشرع بأهمية عنصر الزمن في الميدان التجاري ككل ،وبقيمة احترام القواعد
المنظمة له من جهة وخطورة اإلخالل بها من جهة أخرى .وذلك الرتباط هذا العنصر بكل مقومات
العمل التجاري التي تجعل السرعة واالئتمان واستقرار المعامالت من صميمها ،وما يزكي هذا الوعي
هو إيكال تفعيل هذه المقتضيات والسهر عليها إلى جهاز القضاء الذي يتبو أ دور الريادة في تحقيق كل
68
ذلك ،وبالتالي ضمان أمن قضائي ذو بعد رقابي توجيهي في المادة التجارية ولو من خارج أصوار
المحاكم من منطلق السهر على تأمين المعامالت التجارية بما يحقق عدالة متميزة بقربها وببساطة
مساطرها وسرعتها ونزاهة أحكامها ،327على اعتبار أن المتضرر من خرق زمن المعامالت يكون
مالذه القضاء في نهاية المطاف.
الفقرة الثانية :األمن القضائي التجاري من خالل دور القضاء في تفعيل زمن التقاضي
يقصد بزمن التقاضي ذلك العمر االفتراضي الذي يستغرق إلنهاء الخصومة القضائية328ابتداء من
تاريخ إيداع المقاالت االفتتاحية وانتهاء بمساطر التنفيذ ،وقد نظم المشرع كل مراحل زمن التقاضي أمام
المحاكم التجارية بمقتضى قانون 53.95من خالل مجموعة من القواعد القانونية ذات الطبيعة الزمنية،
بحيث ال تكاد تخلو قاعدة من تلك القواعد إال وتضمنت مقتضى يستهدف تأثيث إجراءات التقاضي
بالوجه الذي ينبغي أن تمارس به من طرف المتقاضين بما يضمن استشعار الرقابة القضائية على هذا
المستوى ،أو حتى من طرف القاضي فيما يتعلق بتفعيل مقتضيات اإلحالة الفورية أو تحديد الجدوالت
الزمنية للجلسات ،وهوما يثبت بما يدع مجاال الشك حرص المشرع على ضمان خاصيتي السرعة
والفعالية التي تطبع على المحاكم التجارية على مستوى البت في النزاعات المعروضة عليها .329والشك
أن التفعيل الجيد لتسريع وثيرة اإلجراءات القضائية من خالل السلطة الرقابية التي يمارسها القاضي على
زمن المسطرة من بدايتها إلى نهايتها لها آثار إيجابية على تقوية وترسيخ خاصيتي السرعة واالئتمان
اللتين تستدعيهما البيئة التجارية ،مما يزيد من إشاعة الثقة في جهاز القضاء التجاري لدى المرتفقين
وبالتالي ضمان تحقيق مبدأ األمن القضائي في المادة التجارية الذي يعكس بصيغة أخرى زيادة مؤشر
في النظام القانوني المؤطر لعنصر الزمن القانوني التجاري. 330
الجودة
إن ما يعزز هذا التفعيل من طرف القضاء الذي يباشر سلطة رقابية وتوجيهية في ذات اآلن على
زمن المسطرة ،ويساهم بالتالي في زيادة األمن قضائي التجاري هو خضوع قاض أول درجة إلى رقابة
سلطة قضائية عليا ،سواء بالمراجعة االستئنافية لمنطوق الحكم تصحيحا ألي خلل يمكن أن يكون قد
تسرب إليه على مستوى محكمة أول درجة ،أو بمراقبة أعلى هيئة في الهرم القضائي التي تستهدف تقييم
327الخطاب الملكي الموجه لممثلي األمة بمناسبة افتتاح الدور التشريعية في أكتوبر .2010
الموقع اإللكتروني.www.parlement.ma/ar/2011-20 :
328لبنى فريالي ،م س.
329عبد الرحيم بحار ،القضاء التجاري والمنازعات التجارية ،م س ،ص.80 :
330فاطمة الزهراء السائح الجوهري ،م س ،ص.67 :
69
مدى تطبيق القانون بشكل سليم من عدمه ،وهو ما يمكن تسميته برقابة الرقابة على التفعيل القانوني الذي
يباشر على زمن المسطرة.
وعليه من خالل ما سبق يتبين أن المشرع التجاري تناول بشيء من التنظيم في تأطيره لزمن
التقاضي ،وذلك وعيا منه بأهمية هذا التنظيم في حماية خاصية السرعة واالئتمان ،وحسم المنازعات
التجارية في أقصر األ وقات استهدافا الستقرار المعامالت لجعل هذه الخصائص من صميم ما تمتاز به
المحاكم التجارية في النظام القضائي المغربي.331
إن استعراض قواعد ومقتضيات نظام الزمن القانوني التجاري بما يكتسيه من أهمية ،وبما يشتمل
عليه من خصوصيات ويتميز به من طبيعة ،جعلته ينفرد عن غيره من األنظمة الزمنية ،في باقي فروع
القانون األخرى ،حملنا على ضرورة المحاولة لكشف عن األبعاد الفلسفية لهذا النظام والدوافع التي
حملت المشرع سيرا على نهج باقي التشريعات المقارنة على تخصيص المادة التجارية بنظام زمني
خاص ،والتي رصدناها جازمين أنها ما كرست إال خدمة لخصائص السرعة واالئتمان واستقرار
المعامالت في البيئة التجارية ،وما يعزز هذا االفتراض هو المدد القانونية التي تم تبنيها في إطار هذا
التنظيم ،والتي تتميز بالقصر في المدى سواء فيما يخص زمن التقاضي أو زمن األطراف.
ومما الشك فيه أن المخاطبين بقواعد هذا النظام يشكل بالنسبة إليهم ميزان مقاس لدرجة االمن
بنوعيه القانوني والقضائي من خالل مدى ضمانه للخصائص السالف ذكرها في البيئة التجارية من عدمه
على مستوى المعامالت وعلى مستوى مدى مساهمة مسطرة التقاضي في تحقيقها.
فاألمن القانوني هو العمود الفقري للقاعدة القانونية مادام أنه ال حديث عن قيمة هذه القاعدة إال
بالنظر لدرجة استقرارها وحمايتها لألوضاع .332واألمن القضائي بات هو المعيار لقياس منظومة الدولة
خاصة 333
القضائية لمعرفة االنطباع الذي يخلف في نفوس الم تقاضين من خالل االجتهاد القضائي
الفاعلين االقتصاديين نظرا لدورهم الفعال في تحقيق التنمية.334
70
وعليه ،فإلى أي مدى ساهم النظام الزمني القانوني من داخل المادة التجارية في تحقيق األهداف
التي سن استهدافا لتحقيقها؟ وإلى أي حد تمكن القضاء من أداء المهام التي أوكلت به في ظل هذا النظام
تحقيقا لضمان أمن قانوني قضائي في الميدان التجاري بما يخدم المعامالت التجارية؟
إن مدى مساهمة النظام الزمني التجاري بما يشتمل عليه من خصوصيات جعلته ينفرد بطبيعة
مميزة في تحقيق أمن قا نوني من خالل القواعد المؤطرة له وكذا مساهمة القضاء التجاري في تفعيل هذا
النظام على الوجه الذي يضمن تحقيق أمن قضائي في المادة التجارية ،رهين بمالمسة تطبيقات هذا
النظام على مستوى الواقع العملي ،وفي سبيل تحصيل ذلك ،سنحاول استجالء جزئيات هذا التفعيل من
خالل التطرق للتطبيق العملي لنظام الزمن التجاري في(الفصل الثاني) من هذا البحث.
71
الفصل الثاني :التطبيق العملي للزمن القانوني في المادة التجارية
ال أحد ينكر أن المنظومة القانونية المغربية المتعلقة بالتجارة واألعمال عرفت تحوالت جدرية في
العقد األخير تمثلت في تعديل مجموعة من النصوص القانونية التجارية األساسية ،335بل األكثر من ذلك
لم يزل المشرع في طريقه إلى اإلصالح ،ليس بالتعديل وحسب ،وإنما بالمبادرة إلى وضع نصوص
قانونية جديدة . 336ومنذ بزوغ بوادر هذه التحوالت اضطر المشرع التجاري في محاولة لمواكبة هذه
األخيرة مسايرة لما استجد في المنظومة القانونية التجارية ،ورغبة في تحصيل اآلليات القانونية التي
تستهدف تحقيق أسس ومقومات التجارة بما تساهم في تنميتها وتقويتها.
إن إلمام المشرع بمتطلبات البيئة التجارية بما ينم عن تحليله باليقظة اتجاه األنظمة القانونية
المراد اعتمادها لتأطير مجال قانوني بعينه وجعله يندرج بشكل أفضل في السياسات االقتصادية المتبعة،
لخير دليل على أهمية المنظومة القانونية وما انتابها من حركية تشريعية في تأكيد البعد االقتصادي الذي
كان دائما مرتبطا بالقوانين التجارية والذي أخذ يتعاظم بشكل واضح في العقود األخير بفعل طغيان
بما في ذلك الشأن القانوني الذي 337
الشأن االقتصادي على ما دونه من شؤون المجتمعات المعاصرة
يعتبر الذراع اليمنى التي يستعمل ها االقتصاد لتحقيق ذاته على الوجه الذي يصبو إليه االقتصاديون
أنفسهم.
فالتفاعل المتبادل بين ما هو اقتصادي وما هو قانوني كما هو معلوم ،يفرض نهج سياسة تشريعية
فاعلة ،نظرا لالعتبارات االقتصادية والدور األكيد الذي تؤديه في تطوير القاعدة القانونية التجارية ،وهذه
335فؤاد معالل ،شرح القانون الجديد والشركات التجارية ،ج :الثاني ،م :األمنية ،الرباط ،ط ،4س ،2012 :ص .5 :
336يتعلق األمر بالقانون 32 . 10المتعلق بآجال األداء ،والمتمم لقانون 15 .98المتعلق بمدونة التجارة المشار إليه آنفا ،الصادر بتاريخ 17
غشت .2011
337فؤاد معالل ،ج :الثاني ،م س ،ص .7 :
338المرجع نفسه.
72
األخيرة كذلك لها دورها الهام في تط وير العمل االقتصادي ،فكان من الضروري أن تتسم القوانين
التجارية بالمرونة الالزمة التي تجعلها قادرة دائما على االستجابة ومن ثم التالؤم مع الحاجيات المستجدة
لالقتصاد.
وإسهاما في تحقيق هذا التالؤم بين كل من القانون التجاري ،وتفعيل العمل االقتصادي ،عمل
مشرع المادة التجارية إبان تلك المواكبات التشريعية التي خاضها على تضمين قواعد كل فرع من فروع
القانون التجاري المضمنة بأقسا م مدونة التجارة بنظام زمني خاص يستجيب لمتطلبات الميدان التجاري،
حيث تعززت منظومته القانونية بمجموعة من القوانين الرامية إلى تدعيم وتليين المنظومة التجارية سواء
في شقها المتعلق بجانب التقاضي ،أو في شقها المتعلق بجانب المعامالت بين أطراف العالقات التجارية،
و جعل هذه المنظومة منسجمة مع محيطها االقتصادي واالجتماعي الذي يتحكم في مجرياته الشعور بقيمة
الزمن وفاعليته في حسم النزاعات والتسريع من وثيرة المعامالت التجارية.
وعلى أساس ذلك ،فإن البيئة التجارية المالئمة التي ينشط فيها العمل االقتصادي والتجاري يجب
أن تكون م ؤطرة بمقتضى أنظمة زمنية قانونية تستهدف ضمان تحقيق كل مقومات وركائز التجارة،
والتي من خاللها يمكن الحد يث عان البيئة التجارية المالئمة ،وتعد هذه المقومات والركائز التي تعير بها
مدى مالءمة البيئة التجارية من عدمها لممارسة األعمال التجارية ونمائها أهم الدالئل القوية والمعايير
المعتمدة لقياس نسبة األمن القانوني التجاري ،والذي يعتبر أهم الدوافع التي حملت على اعتماد نظام
زمن قانوني خاص في المادة التجارية.
ومن باب التأكيد وإظهار األهمية ،فإن هذه الركائز كما سلف ذكر ذلك ،تتمثل في السرعة
واالئتمان بما يحققانه من ا ستقرار في المعامالت وازدهار في البيئة التجارية استنادا للظروف
والمعطيات الخاصة بها ،فهذه الظروف والمعطيات هي التي أدت إلى إنشاء قانون تجاري متكامل يحكم
النشاط التجاري ، 339وهي ذاتها التي أدت إلى اعتماد نظام زمني خاص بالمادة التجارية.
339بوعبيد عباسي ،العقود التجارية ،م :الوطنية ،مراكش ط ،2س ،2014 :ص .5 :
340المرجع السابق ،نفس الصفحة.
341عز الدين بنستي ،تقييم القضاء التجاري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم التجارية ،م س ،ص .29 :
73
فالسرعة تعد صفة الزمة للحياة التجارية ،إذ أن التطور الهائل في مجال إلنتاج وطرق التوزيع
وتقنيات التسويق وكذا اتساع نطاق االسواق واحتدام المنافسة بين التجار على اجتذاب أكبر عدد ممكن
من الزبائن وعلى بيع أكبر كمية من البضائع والتهافت على األرباح وشيوع المضاربة والوساطة
و التداول ،كل ذلك جعل األعمال التجارية تتسم بسرعة فائقة وبصفة متكررة في اليوم الواحد.
كما أن الحياة الت جارية ال تستقيم إال إذا سادها االئتمان المبني على الثقة بين التجار ،فالثقة تدفع
التاجر إلى التنازل عن جزء من ماله إلى أجل معين ،وتجعل التاجر يحصل أو يمنح قرضا أو يحصل
على بضاعة دون أن يسدد ثمنها 342فورا.343
وحفاظا على عنصري الثقة واالئتمان وضمانا لسرعة المعام الت عمل المشرع المغربي على
تسييج المادة التجارية بسياج نظام الزمن القانوني الخاص رغبة في التقليل من ظاهرة عدم االستقرار
التي تسود مجال التجارة واألعمال في الوقت الراهن 344من خالل وضع جزاءات صارمة تطبق في حال
خرق القواعد المحدد لنطاق زمني معين وعدم احترامها.
والشك أن غاية المشرع من هذا التسييج المتمثل في تحديد هذه اآلجال بمقتضى نصوص القانون
حيث أن أي غياب للتقيد بمواعيد 345
هو ضمان استقرار التعامل وإنهاء السلوكات الرامية إلى نقضه
الوفاء بااللتزامات يؤدي إلى اإلخالل بهذه السرعة وهذا االئتمان ،وبالتالي اضطراب المعامالت
التجارية وركودها ،فكل تاجر يرتب مواعيد وفائه بالتزاماته اعتمادا على قيام مدينه بالوفاء له في
األوقات المحددة للتنفيذ ،فإذا تخلف واحد منهم عن تنفيذ التزامه خالل األجل المحدد له فإنه يحدث بذلك
نوعا من االضطراب في الحياة التجارية.346
واستشعارا ألهمية عنصر الزمن في المادة التجارية ،وما ينجم عن احترام القواعد المؤطرة
للنظام القانوني لهذا العنصر من حماية لخاصيتي الثقة واالئتمان وضمان تحقيق السرعة المنشودة في
سبيل تحصيل الحقوق واستقرار المعامالت وتحقيق النماء االقتصادي واالجتماعي ،347فإن الضرورة
المنهجية لتبرير هذه الحقيقة بمنطق تحقيق النتائج ،حملت المشرع على تعليق ذلك على آلية الزمن
74
معتمدا على تقنية األهداف ،وهذه األهداف التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من أولوياتها ضمان الحد
المعقول من مقومات وأسس التجارة المشار إليها آنفا.
من أجل ذلك عمل المشرع على تنظيم عنصر الزمن بالمادة التجارية في كل جوانب فروعها
سواء الموضوعية (زمن المعامالت) والمسطرية (زمن التقاضي) تأكيدا على أهمية هذا العنصر في
الميدان التجاري من جهة ،ومن أجل خلق نوع من التوازن بين جانب المعامالت وجانب التقاضي من
جهة ثانية .وألجل الكشف عن خصوصيات هذا التنظي م ،سنعمل على بسط مقاربة تحليلية ذات بعد عملي
لمقتضيات نظام الزمن القانوني التجاري ومساعي القضاء من خالل تطبيقاته واجتهاداته حول هذه
القواعد سواء المنظمة للقوانين التجارية الموضوعية (الفرع األول) أو القوانين التجارية اإلجرائية
(الفرع الثاني).
ولما كانت أهم القوانين التي سنقف عندها في الشق الموضوعي تتعلق أساسا بكل القواعد المنظمة
للقانون الصرفي( ،المبحث األول) والقواعد المنظمة للعقود التجارية( ،349المبحث الثاني) فإن المشرع
خص الكتاب األول من مدونة التجارة المتعلق بأحكام التاجر والذي يعتبر بمثابة اإلطار العام لكل
القوانين الموضوعية بنظام زمني فريد ،مما يحيل على نفاذه على التجار بمناسبة أعمالهم التجارية
75
خاصة وأنه ضمن الباب المتعلق بالتزامات التجار ،350لذلك ارتأينا أن نسترسل الحديث في مقدمة هذا
الفرع بتوطئة نتناول من خاللها توجه المشرع التجاري في نظام الزمن القانوني من خالل الكتاب االول
من المدونة المنظم ألحكام التاجر باعتباره إطارا عاما لباقي الكتب المدرجة في مدونة التجارة ذات البعد
الموضوعي.
ضمانا لالئتمان التجاري الذي يعتبر عصب التجارة ومراعاة لمبدأ السرعة الذي يعتبر من أهم
المبادئ التي تحكم المجال التجاري ،عمل المشرع على وضع نظام زمني يتوخى ضمان أداء الديون
التجارية في أقصر اآلجال ،درء لما يمكن أن ينتج عن إهمال ذلك من صعوبات ونزاعات .لهذه
االعتبارات وغير ها تقدم السيد وزير التجارة والصناعة خالل دورة أبريل 2011بمشروع قانون كلل
بالمصادقة عليه بمجلسي البرلمان والذي جاء تسييجا لنطاق المعامالت التجارية من حيث الزمن فيما
يخص ميقات أداء مبالغ وأثمان للسلع والخدمات.
وفي هذا الصدد ،يجيب السيد الوزير مقرا بأن تدبير العالقات مع الزبناء وظيفة جوهرية بالنسبة
للمقاوالت ، 351وهي أساسية لضمان تطورها ،مشيرا إلى أن بعض الزبناء يقومون باإلضرار بالتوازنات
المالية للمقاولة ،بل قد يساهمون في التسبب لها في صعوبات بسبب التماطل في األداء.352
وعلى هذا األساس تجدر اإلشارة إلى أن عدم األد اء وعدم التحكم في آجاله يشكالن أحد األسباب
الرئيسية لصعوبات المقاولة المغربية ،وكذلك للتاجر الفرد ،وال يخرج عن هذه القاعدة نوع معين من
التجار ،إذ أن االكثر تضررا هم صغار التجار والمقاوالت الصغرى والمتوسطة حديثة التأسيس.
وعليه فإن كبار التجار أفرادا أو مؤس سات يفرضون على ما دونهم آجاال طويلة لألداء مما يؤدي
إلى تحمل هذا النمط األخير نصيبا أكبر في القروض الممنوحة بين المقاوالت على حساب ذمتها المالية
ونموها وتطورها ،ف نتيجة ذلك أبانت الممارسة أن المقاولة الدائنة أو التاجر الفرد الدائن يلعب دور البنك
350حسن الحطاب ،آجال أداء الديون التجارية في ضوء القانون رقم 32.10المتمم لمدونة التجارة ،مقال منشور بمج :القضاء التجاري ،ع3 :
س ،2014 :ص.94 :
351إدريس صقلي فدوى (مقرر النص التشريعي) تقرير لجنة القطاعات اإلنتاجية حول ق 32.10المتمم بموجبه قانون رقم 15.95المتعلق
بمدونة التجارة ،عرض السيد وزير التجارة الصناعية دورة أبريل ،2011السنة التشريعية الرابعة ،2010-2010الوالية التشريعية الثامنة
،2012-2007ص 12 :أنظر الملحق.
352في المغرب باستثناء تقنين الصفقات العمومية الذي يفرض على اإلدارات العمومية التقيد بآجال األداء تحت طائلة دفع فوائد التأخير ،ال
يوجد في القانون المغربي قانون خاص يقنن آجال األداء في المعامالت التجارية ،فوفق القواعد العامة ،فإن اإللزام الوحيد الموضوع على عاتق
المشتري هو أداء الثمن في األجل المتفق عليه بين األطراف حسب ق ل ع .وفي واقع الممارسة المغربية لألعمال ،تحدد آجال األداء في
المعامالت التجارية في العقود التي تربط بين المقاوالت وبالتالي يقوم األجل المتفاوض عليه مقام القانون بالنسبة للمتعاقدين؛ عرض السيد
وزير التجارة والصناعة ،م س.
76
إزاء زبائنه ممن يتعامل معهم بنسبة تصل أحيانا إلى نصف رقم أعماله ،353وبالتالي كلما كانت آجال
األداء طويلة يمكن أن تساهم في صعوبات تؤدي إلى توقف التاجر الدائن عن الدفع ،لذلك كان تنفيذ
االلتزام لحمة وأساس استقرار العالقات التجارية.
وعليه ،فإذا كان تنفيذ التزام التاجر الم دين ممثال في أداء مبلغ من المال ،يتراخى إلى تاريخ الحق
لتاريخ تنفيذ الدائن لاللتزام والمتعلق بذمته بمقتضى المعاملة التجارية نظرا لقيام العمل التجاري على
االئتمان الذي يعتبر عنصر الزمن أساسيا فيه ،باعتبار هذا األخير من مرتكزات االئتمان ،ومن منطلق
كونه ال يع ني سوى التخلي عن مال حال مقابل مال مستحق في المستقبل ،فإن الضرورة الحتمية المنبثقة
عن االعتبارات التي تقدم بها السيد الوزير ،وكذا عن تقرير الدراسة التي انجزها اتحاد مقاوالت المغرب
تستوجب سن الضمانات القانونية الالزمة لتأمين أداء محل االلتزام في المعامالت التجارية وفق تصور
يتوخى البساطة والسرعة في تحصيل مقابل المعامالت التجارية انسجاما مع ما تتطلبه التجارة من
سرعة ،وتفاديا لآلثار السلبية الناجمة عن التأخير في أداء الديون التجارية ،354مما يؤدي إلى إهدار
عنصر الزمن في استخالص الديون مع ما يترتب على ذلك من خطورة ،وبالتالي اإلخالل بالوفاء في
ميدان التجارة القائمة على االئتمان مما من شأنه أن يؤدي إلى نتائج كارثية على المنظومة االقتصادية
ككل ،نظرا لتشابك عالقات التجار المرتبطين في إطار سلسلة التعامل التجاري وتداول األموال وتقديم
الخدمات ،فضال عن التبعات االجتماعية ،ب ل إن المشرع ذهب إلى أبعد من ذلك ،بحيث لم يتوقف عند
مسألة سن الضمانات القانونية ،وإنما تعداه إلى مستوى تقرير معاقبة التاجر المخل بمقتضيات االئتمان
من خالل إدراج أنظمة قانونية تدرجت بين التشدد بين صفتها العقابية والتخفيف من طابعهما
الزجري.355
وفق هذا التصور صدر قانون 32.10المتمم لمدونة التجارة ،والذي كان بمثابة إنشاء ركيزة
جديدة إلى جانب الركائز التي يقوم عليها نظام الزمن القانوني في المادة التجارية ،والذي يعد إطارا عاما
لهذا النظام كونه أدرج ضمن الكتاب المنظم ألحكام التاجر.
353خلصت دراسة قام بها االتحاد العام لمقاوالت المغرب حول آجال األداء إلى ما يلي :حيث جاء في مقدمة هذه الدراسة التي استرعت
الطفرة الهائلة للمشاريع البنيوية والصناعية ،أصبحت المقاوالت تحتاج إلى إمكانيات مهمة من أجل مواكبة هذا النمو في الوقت الذي أصبح
حساب الزبناء الذي تدين به المقاوالت في ذمة مدينيها والذي يستغرق من 120إلى 180يوما من رقم األعمال ،والذي يمكن أن يصل إلى 50
بالمائة من الموازنة اإلجمالية؛ انظر تتمة الدراسة ،عرض السيد الوزير ،م س ،ص.3-2 :
354حسن الخطاب ،م س ،ص .90 :
355أحمد شكري السباعي الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاوالت التجارية والمدنية ،مطبعة دار نشر المعرفة ،الرباط ،ط ،1
س ،2001ص .104 :
77
من أجل ذلك كان البد من استجالء الدوافع واألسباب الداعية إلى تبني قانون جديد داخل منظومة
الزمن القانوني التجاري (أوال) وكذا تحديد نطاق تطبيق هذا القانون (ثانيا).
ال شك أن وراء سن كل قاعدة قانونية أسبابا دفعت إلى التفكير في صياغتها استجابة لضرورة
تنظيم وتقنين عالقات معينة داخل المجتمع ( ) 1على النحو الذي يمكن من الموازنة بين المصالح
المعارضة التي تتوخى هذه القاعدة تنظيمها.)2(356
نظرا الستفحال ظاهرة التماطل في أداء الديون بوجه عام والتجارية منها على وجه الخصوص
والتي أصبحت وباء منتشرا يشكل وباال على الحياة التجارية ،بالنظر للفراغ التشريعي الذي ألف من
طرف التجار من جهة ،وللتشبع الفطري بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين 357من جهة ثانية ،وما نتج عنه
تعسف من طرف كبار التجار ذوو النفوذ والمراكز االقتصادية القوية في فرض آجال أداء طويلة على
التجار الصغار على نحو تتحمل معه هذه الفئة األخيرة القسط األكبر من حجم التمويل الذي ينتج عن
طول اآلجال ،وذلك على حساب ذمتها المالية وتوازنها المالي وتطورها وقدرتها التنافسية ،دون مقابل أو
فوائد تذكر.358
وفي هذا السياق يشير األستاذ حسن الخطاب 359إلى اآلثار السلبية للتأخر عن األداء وتأثيرها على
الموازنة المالية للتجار ،الشيء الذي من شأنه أن يؤدي بهم إلى صعوبات مالية ربما وصلت حد التوقف
مع ما يترتب على هذا الوضع من آثار ونتائج قانونية على المقاولة وعلى النسيج 360
عن الدفع
االقتصادي على المستوى الوطني.
من هذا ال منطلق ،ووعيا بأهمية عنصر الزمن في المادة التجارية ،تدخل المشرع ليكثف من
مقومات منظومة الزمن القانو ني التجاري بترصيع هذه المنظومة عن طريق تتميم جديد يستهدف حماية
التجار من مخاطر الزمن سواء بتحديد النطاق الزمني بنص القانون في سبيل الحد من تفشي ظاهرة
78
فرض آجال طويلة تتعدى حدود المعقول ،أو على مستوى تقييم عامل الزمن بقيمة نقدية كجزاء ممثل في
غرامة عن التأخير ،إذ أن للزمن نصيبا من الثمن.361
وعليه ،فإذا كان هذا هو السياق العام الذي تحكم فيما قبل تنزيل قانون 32.10كما هو متضح من
ملخص تقرير لجنة القطاعات اإلنتاجية .362فماهي األهداف التي توخى المشرع تحقيقها من خالله؟ من
منطلق الظروف التي استحكمت في عملية مخاض هذا القانون التي سبقت خروجه إلى الوجود ،والتي
تعد السياق المحلي الذي وضع فيه هذا القانون إبان صدوره.
أن دواعي هذا القانون المضاف لمنظومة الزمن في المادة التجارية ،والذي 363
يرى أحد الباحثين
يعد بمثابة إطار عام لما دونه كونه أدرج في الكتاب المتعلق بأحكام التاجر ،يمكن إرجاعها لهدف أساسي
أو عام ،على حد تعبيره ،يتمثل في التصدي لظاهرة المطل في أداء الديون التجارية من خالل تقليص
آجال أداء الديون المذكورة ،غير أنه بالرجوع إلى التقرير المعد من قبل القطاعات اإلنتاجية 364نجد أن
الهاجس الذي تحكم في مشرع قانون 32.10هو مسألة المالءمة مع تشريعات شركاء المغرب
االقتصادية على رأسهم االتحاد األوربي بالدرجة األولى ثم الحفاظ على النسيج االقتصادي المغربي من
خالل دعم توازن مالية التجار وقدرتهم التنافسية ثانيا.
ولعل هاجس المالءمة مع شركاء المغرب االقتصاديين غطى على النمط المحلي لممارسة التجارة
فوق التراب المغربي مما أدى إلى انبثاق مجموعة من اإلشكاالت التي سنتطرق لها في حينها.
وعلى العموم ،فإ ذا كانت المعامالت تقوم على االئتمان الذي يقتضي التخلي على مال حال مقابل
الحصول على مال في المآل ،مع ما يعنيه ذلك من ضرورة انصرام مدة معينة بين وقت إبرام العملية
التجارية وبين وقت الوفاء الفعلي بقيمتها ،إال أنها تقتضي كذلك أحقية استيفاء مقابل هذا النوع من
ا لعمليات ،على اعتبار أن هاجس التاجر هو تحقيق الربح ،وهو الهدف الذي لن يتحقق بمجرد إبرام
الصفقات التجارية مهما تعددت وارتفعت قيمتها ما لم يتم تسلم عائداتها ،وبذلك يمكن القول بأن السعي
361مندر قحف ،تقديم مؤلف نظرية الحسم الزمني في االقتصاد اإلسالمي ،علي مجدي ،محمد غيث ،مس ،ص.10 :
362إدريس صقلي عدوي ،ملخص التقرير ،م س ،ص.4-3 :
363حسن خطاب ،م س ،ص .92 :
364أنظر الصفحة 4من ملخص التقرير ،إدريس عدوى صقلي ،م س؛ أنظر الملحق.
79
وراء التأكيد على تلك األحقية يعني السعي وراء تحقيق الثقة في المعامالت التجارية التي ترتبط وجودا
وعدما بوجودها.
ومهما يكن من أمر فإن تأكيد أو نفي مساهمة تحديد آجال للوفاء بالديون التجارية في الحد من
اختالل وضعية التجار التي يمكن أن تؤدي إلى فتح مساطر المعالجة في مواجهتهم ،وإن كان يبدو
منطقيا من الناحية النظرية ،إال أنه يبقى رهينا بالنتائج العملية بعدما دخل هذا القانون حيز النفاذ وتنزيله
على أرض الواقع ،سيما في ارتباط مع باقي قوانين مدونة التجارة.
حدد المشرع بمقتضى الماد 78-1مكرر نطاق تطبيق القانون 32.10من حيث األشخاص ،والتي يتضح
من خاللها أن هذا االخير يشمل فئتي ن ،األولى تنتمي ألشخاص القانون الخاص وتتمثل في التجار
365بخصوص الديون المترتبة بمناسبة أعمالهم التجارية ،سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو معنويين ،أو
كانوا أشخاص القانون الخاص المفوض لهم تدبير مرفق عام بمناسبة معامالتهم التجارية ،وتتمثل الفئة
الثانية المشمولة بتطبيق قانون 32.10في األشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام بمناسبة إبرامها
للمعامالت التجارية.
فمن منطلق هذا التحديد الذي حصر نطاق التطبيق من حيث األشخاص لقانون 32.10يتضح أن كل
التقنيات التي كفلها المشرع التجاري داخل اإلطار العام الذي تم تضمينه ضمن أحكام التجار من
80
المفترض أن تكون محكومة بهذا اإلطار سواء على مستوى المعامالت والعقود المبرمة ،أو على مستوى
وسائل تصفية الحسابات المرتبطة بالمعامالت المبرمة بشأنها تلك العقود.
وتجدر اإلشارة إلى أن أحكام هذا القانون ال تطبق على غير التجار بخصوص الديون الناشئة عن
المعامالت التجارية المختلطة بالرغم من عدم وجود نص صريح يؤكد ذلك على غرار ما سار عليه
في إشارة لعدم خضوع الطرف المدني المشارك في عقد 366
التوجيه األوربي سنة 2011بشكل صريح
تجاري لنظام الزمن الخاص.
وهكذا فإن نطاق تطبيق القانون 32.10يشمل متى نظرنا إليه من زاوية الديون ،جميع الديون
الناشئة عن معامالت تجارية رابطة بين تاجرين بمناسبة أعمالهم التجارية .وتجدر اإلشارة إلى أن
المشرع وضمانا منه لتحقيق األهداف المتوخاة من وضع هذا القانون الذي يعد بمثابة إضافة نوعية في
بناء صرح نظام الزمن الخاص في المادة التجارية ،والتي يبقى أهمها إرساء فاعلية عنصر الزمن في
المعامالت التجارية بما يخدم مطالب هذه األخيرة ،عمل على اعتماد عدة آليات قانونية ومؤسساتية قصد
بلوغ الهدف المتوخي من وراء هذا التدخل التشريعي في تحديد آجال الديون التجارية.369
366
Considération, n :8, directive2011/7UE
367حسن الحطاب ،م س ،ص.96:
368
Article, L441-1.L441-6 a code de commerce français.
369اعتمد مشرع ق 32.10آلية تقليص أجل المديونية بين التجار بنصوص قانونية صارمة تمثلت في إقرانها بغرامة تأخير تطبق على الطرف
المخل بضوابط الق انون باإلضافة إلى بعض القرارات المؤسساتية تبقى أهمها في القانون المغربي مؤسسة مراقب الحسابات الذي ألزمه
المشرع بتبليغ كل المعلومات المتعلقة بأجل األداء بوسيلة تتبث التوصل ،وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع الفرنسي بخصوص اآلليات
المؤسساتية أحدث آلية لتتبع تنزيل المقتضيات القانونية لمحاربة التأخر في األداء تحت مسمى "مرصد أجال األداء في مجال المعامالت
التجارية ،ويصدر تقارير سنوية بهذا الخصوص ساهمت في تعديل المقتضيات المتعلقة باآلجال ،حسن حطاب ،م س ،ص ،109المادة 78 -4
بخصوص القانون المغربي.
81
وإذا سلمنا بأن المشرع المغربي وعيا منه بأهمية عنصر الزمن في المادة التجارية ،وقيمة الفوائد
التي تجني في حال إخضاعه لتقنية األهداف عن طريق تقنينه ،وضرر المخاطر التي تنجم عن إغفاله،
جنح إلى وضع نظام قانون زمني خاص بالمادة التجارية في سبيل استهداف خاصيتي الوضوح
والشفافية سواء على مستوى زمن المعامالت أو على مستوى زمن التقاضي ،فإن التساؤل الذي يطرح
نفسه بإلحاح ،والذي نرى أن تتم اإلجابة عنه ضمن مقاربة تحليلية شمولية ذات بعد عملي منبثق من
التطبيقات القضائية ،يتمحور حول الحكامة التشريعية لمالءمة النصوص القانونية المنظمة لعنصر بما
يجعلنا نالمس الفلسفة من وضعه؟
إن اإلجابة عن هذا التساؤل تقتضي الخوض في تحليل المقتضيات التجارية المنظمة للزمن
الموضوعي وفق التقسيم المشار إليه سابقا.
وتتمثل األوراق التجارية في التشريع المغربي في الكمبيالة ،السند ألمر والشيك ،وتعتبر الكمبيالة أكثر
األوراق التجارية أ همية للقيام بالدور المطلوب في الميدان التجاري ،وأقواها مركزا شكال ومضمونا في
تأدية وظيفة االئتمان في البيئة التجارية ،لذلك فقد آثارنا أن يكون نطاق بحثنا لموضوع تطبيقات الزمن
الصرفي منحصر في حدود المقتضيات والقواعد المنظمة للكمبيالة كنموذج لألوراق التجارية قاطبة ،لما
تحضى به من أهمية في الميدان العملي وما تلعبه من دور هام في المعامالت التجارية.
وفي هذا الصدد البأس من إيراد بعض التعريفات التي صاغها الفقه للتعريف بالكمبيالة ،هذه
األخيرة عرفها األستاذ أحمد شكري السباعي ،بأنها ورقة أوصك أو سند تجاري وفقا لبيانات حددها
القانون ،تتضمن أمرا عن شخص يسمى الساحب موجها إلى شخص آخر مدين يسمى المسحوب عليه
370محمد ميكو ،تقديم مؤلف :األوراق التجارية في القانون المغربي فقها وقضاء ،محمد الحارثي ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،ط،1
س ،1996ص .4 :
371محمد إياد نجاحي ،األجل في األوراق التجارية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس
السويسي ،الرباط ،السنة الجامعية ،2014-2013 ،ص ..4 :
82
ليدفع مبلغا معينا من النقود بمجرد االطالع أو في تاريخ معين أو قابل للتعيين إلى شخص ثالث يدعى
المستفيد ،وغير بعيد عن نطاق هذا التعريف ،عرفها جانب آخر من الفقهاء372بأنها ورقة تجارية وفقا
للشكل الذي نص عليه القانون ،تتضمن أمرا من شخص يسمى الساحب إلى شخص آخر يسمى
المسحوب عليه بأداء مبلغ نقدي في تاريخ معين أو قابل للتعين لشخص ثالث أو الذنه يسمى المستفيد.
فهذين التعريفين كالهما ركزا على الوظيفة االئتمانية للكمبيالة التي يعد اعتماد عنصر الزمن أهم مقوم
لها ،من خالل تضمينها أجال للوفاء يستفيد منه التاجر المدين ليتسنى له في غضونه ترتيب أموره
وإعداد توازنه المالي ،كما يمكن له بمقتضى قواعد القانون الصرفي نقل هذا اإلمهال الذي يضمن في
الكمبيالة إلى تاجر آخر يدين له بنفس المبلغ وذلك عن طريق التظهير ،وهكذا يتوالى تداول االئتمان بين
التجار 373بفضل تقنية الكمبيالة.
وعليه تلعب الكمبيالة دورا هاما في الحياة االقتصادية والتجارية وذلك بالنظر للوظائف ذات البعد
الزمني التي تقوم بها ،والمتمثلة أساسا في كونها تحل محل النقود كأداء الديون التي حل أجلها ،أو قبل
حلول األجل عن طريق خصمها ،كما يستطيع المدين (الساحب) أن يحصل على آجال هامة يجد فيها كل
من الدائن والمدين منفعته ،374وظائف ت جسد الحضور الفاعل لعنصر الزمن في واقع العمل التجاري
وحاجة هذا االخير له بداية من التقنين المؤطر له ،وانتهاء إلى التحكم فيه وضبطه.
إن الكمبيالة بهذا المعنى تعد من أخصب المواضيع فائدة وأكثرها أهمية لما لها من وزن وقيمة في
الميدان التجاري ،فالتعامل التجاري عموما ،يقوم على السرعة والثقة واالئتمان ،وهذه العناصر مجتمعة
هي التي يقاس بها مدى توفر األمن القانوني في المادة التجارية م ن عدمه ،لذلك وألجل ضمان تحقق
هذا فإنه يتطلب أنظمة قانونية تساعد على التداول والتفعيل إلجراءاته ،375ويبقى نظام الزمن الصرفي
أهم نظام يساهم في دعم قيام الكمبيالة في أداء وظيفتها االئتمانية ،إذ أن هذا النظام يستهدف تقنين
عنصر الزمن بمقتضى نصوص قانونية بهدف إرساء نظام زمني لالئتمان الذي يعد المقصد المتوخي
من اعتماد الكمبيالة في الوسط التجاري.
من هذا المنطلق ،عدت الكمبيالة تقنية قانونية تنسجم مع طبيعة الحياة التجارية ،ووسيلة تالئم مع
الثقة واالئتمان وذلك لكونها تمكن ساحبها من جعل عنصر الزمن في مصلته لالستفادة من المزايا
372علي سلمان العبيدي ،األوراق التجارية في التشريع المغربي ،الكمبيالة -السند األدني– الشيك ،مكتبة التومي ،الرباط ،دون ذكر عدد الطبع،
س ،1970 :ص.421 :
373أحمد كويسي ،م س ،ص .1 :
374محمد إياد نجاحي ،م س ،ص.5 :
375محمد اياد نجاحي ،المرجع نفسه.
83
المتوفرة على مستوى اإلمهال والتيسير في الوقت المطلوب في المعامالت التجارية لتوفير االئتمان
والتمويل الكافي للمعاملة المسحوبة بمناسبتها الكمبيالة.
وقد جعل المشرع المغربي احترام النظام الزمني للقانون الصرفي مطبوعا بالدقة والصرامة ،وذلك
بهدف جعل تقديمها للوفا ء من قبل الحامل أو من يحل محله واستيفاؤ ها من المدين إلزاميا في تاريخ
االستحقاق.376
واستنادا إلى ذلك ،يكتسي نظام الزمن الصرفي أهمية كبيرة بالنسبة للتجار المتعاملين بالكمبيالة،
ألنهم يعولون على استيفاء ديونهم في تاريخ استحقاقها حتى يتمكنوا هم بدورهم من وفاء ديونهم التي
بذمتهم ،وكل تأخر في استيفاء هذه الديون من شأنه أن يحدث ارتباكا وتصدعا في عالقاتهم مع زبنائهم،
وقد تكون له آثار وخيمة على االقتصاد ككل ،الشيء الذي من شأنه أن يؤدي إلى عزوف التجار عن
التعامل بالكمبيالة بسبب انعدام الثقة فيها .377وهذا ما يبرر بكل تأكيد خصوصية الزمن الصرفي ودقته
والغاية من كونه نظم تنظيما صارما ،وذلك الرتباط وظيفة الكمبيالة بعنصر الزمن ارتباطا وثيقا ،بل إن
االئتمان الذي نجرم بأنه أهم وظائف الكمبيالة ال يعني إال التخلي عن مال حال مقابل الحصول على مال
بمنح المدين أجال للوفاء ،379وفترة التخلي أو المنح هذه ،والتي يمكن أن تستغرق مدة 378
في المستقبل
زمنية قد تطول وقد تقصر ،تعطي الدائن المم ِّهل (المانح لألجل) أحقية تقاضي مقابل الزمن الذي تخلى
في غضونه عن استيفاء دينه من مدينه ،فالعوض الحال ،طبعا أعلى قيمة من المؤجل ،مما يفيد بتغير
قيمة المبالغ عبر الزمن .380ومهما يكن فإن الزمن عنصر مهم في إيجاد القيمة المضافة في موجودات
من طبيعتها أن ينتفع بها ،أي أنها تنتج منفعة من ذواتها والمنفعة عامل زمن كما يقول األستاذ منذر
قحف.381
انطالقا مما سبق ،وأمام ما تتطلبه آليات المعامالت التجارية من سرعة وائتمان ،كيف يمكن أن يساهم
تشدد المشرع المغربي في تنظيم عنصر الزمن من داخل القانون الصرفي من خالل وضع آجال صارمة
376إن صرامة المقتضيات المنظمة للزمن الصرفي تتمثل في التشديد على ضرورة احترام اآلجال الواجب على الدائن التقيد بها بمناسبة
اإلجراءات السابقة لعملية التقديم للقبول والتقديم للوفاء ،ويتعلق األمر بإجراءات االحتجاج واالعالم.
377محمد إياد نجاحي ،م س ،ص.6 :
378حسن حطاب ،م س ،ص.6 :
379مصطفى كمال طه ،وائل أنور بندق ،األوراق التجارية ووسائل الدفع اإللكترونية الحديثة ،دار الفكر الجامعي اإلسكندرية ،دون ذكر عدد
الطبعة ،س ،2005 :ص .5 :
380علي مجدي محمد غيث ،م س ،ص.12 :
381أستاذ التمويل اإلسالمي ،كلية الدراس ات اإلسالمية ،مؤسسة قطر للتربية والعلوم ،الدوحة ،قطر؛ تقديم مؤلف نظرية الحسم الزمني في
االقتصاد اإلسالمي ،علي مجدي محمد غيث ،مس ،ص.10 :
84
للوفاء بالكمبيالة في حماية حقوق ومصالح حاملي هذه األخيرة وإنعاش خاصيتي السرعة واالئتمان بما
يحقق األمن في نفوس التجار من جهة وضمان استقرار المعامالت في ضوء نظام الزمن الموضوعي
عموما من جهة ثانية؟.
لإلجابة عن هذا اإلشكال يتطلب بحثنا للزمن الصرفي من خالل الكمبيالة أن نتعرف على هذا
األخير من خالل خصائصه وأنواعه (المطلب األول) محاولين الكشف عن الحكامة التشريعية في توجه
المشرع التجاري في محاولة لمالءمة أنواع الزمن الصرفي من منطلق كونه ينتمي لزمرة الزمن
الموضوعي .ثم نتعرض لآلثا ر القانونية لنظام الزمن الصرفي من داخل هذه التطبيقات معرجين على
مناقشة العمل القضائي على ضوء مقاربة الزمن العام والزمن الخاص ،382دائما في حدود المقتضيات
المنظمة للكمبيالة كنموذج لألوراق التجارية (المطلب الثاني).
إن اإللمام بمختلف جوانب نظام الزمن الصرفي من داخل منظومة الزمن القانوني التجاري ككل
يتطلب بالضرورة السعي إلى الكشف عن خصائص الزمن الصرفي (الفقرة األولى) ثم تقصي أنواعه
وتحليلها تحليال قانو نيا الستجالء مدى تسلح المشرع المغربي بسالح الضوابط القانونية الرامية إلى
الذين كان 383
ضمان مالءمة األنظمة القانونية من عدمه (الفقرة الثانية) وذلك سيرا على منهاج الفقهاء
لهم السبق في تمحيص نظام الزمن الصرفي من داخل المدرسة الصرفية المغربية خصوصا والقانونية
عموما.
تقوم األوراق التجارية عموما والكمبيالة على وجه الخصوص ،بخدمات اقتصادية جليلة ،فهي
وسيلة إلبرام عقد الصرف إذ تغني عن نقل النقود من مكان إلى آخر ،وهي أداة للوفاء تؤدي إلى
االقتصاد في استعمال النقود ،ومتى تضمنت الكمبيالة أجال الوفاء أصبحت أداة االئتمان .384والمالحظ أن
بانصهار عنصر الزمن داخل الورقة التجارية يصبح عنصرا من عناصرها األساسية انطالقا من كونه
يعد جوهر خاصية االئتمان التي تعد أهم وظائفها ،مما جعل المشرع يفرد لعنصر الزمن نظاما خاصا
382حسن ملكي ،مشكلة الزمن العام والزمن الخاص ،قراءة في االجتهاد القضائي لمحكمة النقض ،ندوة :الزمن والقانون ،مس( .غير منشور).
383أحمد كويسي ،الزمن في األوراق التجارية ،ندوة :الزمن والقانون ،م س .
384محسن شفيق ،القانون التجاري المصري ،األوراق التجارية ،م :دار المعارف ،اإلسكندرية ،مركز الثقافة العربي ،الرباط ،ط :األولى ،س:
،1954ص.19 :
85
داخل منظومة األوراق التجارية .و انطالقا من هذه المعطيات وغيرها استقل جانب من الفقهاء
باستخالص الخصائص المميزة للزمن الصرفي أجملها في خمسة خصائص أساسية .385
أوال :الزمن الصرفي زمن خاص يتميز عن باقي األزمنة ،ويتضح ذلك من خالل تنظيم
المشرع لنوعين من األزمنة على مستوى القانون الصرفي ،زمن لتسوية المعامالت بين أطراف العالقة
الصرفية ،وزمن رتب على عدم احترامه من جزاءات صارمة ألجل ضمان احترام القيام باإلجراءات
القانونية في المواعيد المحددة.
ثانيا :الزمن الصرفي زمن ال يقبل التمديد من حيث األصل ،حيث ال يقبل الزمن الصرفي
التمديد ومرجع ذلك ما ورد عليه النص في الفقرة الثانية من المادة ،231غير أنه ومراعاة من المشرع
بخاصية المرونة التي يجب أن تطبع المعامالت الصرفية ومن خاللها التجارية ،فقد أورد على هذا المنع
استثناءين على سبيل الحصر يتعلقان بالحالتين المنصوص عليهما في المادتين 196و .207
ثالثا :طابع القصر الذي يطبع الزمن الصرفي نظرا لطبيعة المادة ،حيث أنه بالرجوع إلى
األحكام المنظمة لمقتضيات هذا العنصر سواء على مستوى زمن األطراف أو زمن المعامالت نجد المدد
الزمنية تتراوح من ثالث أيام إلى 10سنوات ،وجل هذه اآلجال غير قابل لالنقطاع ،إذا ما استثنينا زمن
التقادم الصرفي الذي يخضع على مستوى أسباب انقطاعه للقواعد العامة.
رابعا :الطبيعة التدبيرية لعنصر الزمن الصرفي ،وتتضح هذه الطبيعة من خالل منح المشرع
لألطراف صالحية اختيار سحب عدة أنواع من الكمبياالت مع إخضاع كل نوع منها لنظام زمني خاص
بسحبه وطرائق استحقاقه وملحقات هذا االستحقاق.386
خامسا :القيمة االقتصادية للزمن في األوراق التجارية ،وخير مثال على هذه القيمة ووعي
المشرع بها أن منح للساحب مكنة اشتراط الفائدة في نوعين من الكمبياالت دون النوعين اآلخرين ،وهما
الكمبيالتين المستحقتين الوفاء بمجرد االطالع وبعد مدة من االطالع ،وعلة ذلك أن هذين الكمبيالتين
تاريخ استحقاقهما غير معرف عند الساحب الذي يستطيع أن يقيم الزمن بقيمة نقدية يجبر بمقتضاها
المسحوب عليه على الوفاء تفاديا لتراكم الفوائد التأخيرية.
86
ويمكن أن نظيف خاصية سادسة إلى جانب هذه الخصائص التي حدد أستاذنا أحمد كويسي،
ويتعلق األمر بكون عنصر الزمن في المادة الصرفية مقرر لمصلحة كل من الدائن والمدين خالفا لما هو
عليه األمر في المادة المدنية التي جعلت األجل مقرر لمصلحة المدين فقط.
حدد األستاذ احمد كويسي 387أنواع الزمن الصرفي من خالل المقتضيات المنظمة لهذا األخير
ضمن الكتاب الثالث من مدونة التجارة في نوعين رئيسيين هما :زمن صرفي محض (ثانيا) وزمن
صرفي لألطراف (أوال).
وتبعا لذلك يعتبر التزام المسحوب عليه بوفاء مبلغ الكمبيالة محدودا من حيث الزمن ،وبالتالي
فإنه البد أن ينقض ، 389فال يعقل أن يبقى المدين ملتزما بصورة أبدية ألن في ذلك مسا بحريته
الشخصية.390
وإذا كان المسحوب عليه يلتزم ضمن نطاق زمني يتحدد بتوافق إرادته وإرادة الطرف اآلخر
في المعاملة المسحوبة بمناسبتها الكمبيالة بوفاء هذه االخيرة عن طريق دفع مبلغ من النقود لفائدة شخص
ثالث هو المستفيد أو الحامل بمجرد االطالع أو في ميعاد معين أو قابل للتعيين وذلك تنفيذا لألمر الموجه
إليه من قبل الساحب ،فإن هذا األم ر ال يمكن أن يحدث أثره إال إذا تم تقديم الكمبيالة في تاريخ الستحقاق
87
إلى المسحوب عليه أو من يقوم مقامه من أجل المطالبة بالوفاء ، 391غير أن مرحلة الوفاء هذه تسبقها
مرحلة التقديم للقبول والتي بدورها محكومة بعنصر الزمن القانوني ،في األحوال التي يشترط فيها
الساحب التقديم أو تكون مستحقة األداء عند االطالع أو تكون قابلة األداء عند الغير أو في موطن الغير
الذي يوجد فيه مقر المسحوب عليه.392
واستنادا إلى ذلك ،فإن الزمن الصرفي المخول لألطراف صالحية تحديده يشمل زمنين ،زمن
التقديم للقبول (أ) وزمن الوفاء المعبر عنه بتاريخ االستحقاق (ب).
األصل أن واقعة التقديم للقبول غير محددة من حيث الزمن ،وإن النطاق الزمني العام للتقديم
محصور في سنة من تاريخ اإلنشاء ، 393فإذا أغفل الحامل مطالبة المسحوب عليه بالقبول فإنه ال يعتبر
مردها إلى الواقع 395
مهمال وال يتعرض لسقوط حقه ،394غير أن هذا األصل ترد عليه استثناءات
396
القانوني الذي تحكم في استصدار نوع الكمبيالة المسحوبة المخول للساحب بمقتضى نص القانون
والذي هو محتوى المادة 181من المدونة.
ومهما يكن من أمر ،فإن المقتضيات المنظمة لهذه االستثناءات تستوجب تقديم الكمبيالة للقبول
ضمن نطاق زمن معين ،والذي قد يضيق وقد يمتد بحسب ميعاد االستحقاق المعين في الكمبيالة ذاتها.
فالكمبيالة المستحقة ألداء بعد مدة من االطالع يجب تقديمها للقبول داخل أجل سنة ابتداء من تاريخها كما
نصت على ذلك الفقرة 6من المادة ،174وطبقا لهذه األخيرة ،يجوز للساحب أن ينقص من هذا األجل
أو يزيد فيه ،بينما ال يجوز للمظهرين إال أن ينقصوا منه.
وعليه ،فمن منطلق هذه الفقرة ،تستمد الطبيعة الخاصة للتدخل اإلرادي في الزمن الصرفي
(القانوني) التي تعزز صالحية التقصير والتمديد للزمن القانوني المحدد في سنة بالنسبة للساحب ،أو
صالحية التقصير فقط بالنسبة للمظهرين.
88
أما الكمبيالة المستحقة األداء في تاريخ معين أو بعد مدة من تاريخ التحرير فمادام لم يرد
بشأنهما نص خاص ،فإنهما يخضعان لألصل من حيث زمن التقديم للقبول ،بحيث يجوز للحامل أو مجرد
الحائز ،أن ينتظر حتى تاريخ استحقاقهما المعين من قبل الساحب ليقدمهما للمسحوب عليه لقبولهما.
عموما يترتب على القبول المقدم داخل األجل القانوني أو المحدد بإرادة الساحب أو أحد
المظهرين صحة إلجراء ،وبالتالي افتراض تلقي المسحوب عليه مقابل الوفاء ،وإذا رفض المسحوب
القبول وجب على الحامل القيام باحتجاج عدم القبول.
اما إذا أهمل الحامل تقديم الكمبيالة داخل األجل القانوني أو المحدد من قبل الساحب أو أحد
المظهرين ،في األحوال التي يسمح بها القانون ،عد الحامل الذي لم يحترم اآلجال المذكورة حامال
مهمال ،حيث ينسلخ بموجب هذا اإلهمال من نظام الزمن الصرفي بما فيه الزمن ،ويخضع للقواعد العامة
في المطالبة بحقوقه اتجاه المسحوب عليه بدعوى ناشئة عن الكمبيالة متى أثبت الساحب أنه قدم مقابل
الوفاء لمن سحب الكمبيالة عليه ،وهو األمر الذي يطرح مجموعة من اإلشكاالت حول النظام الزمني
الواجب التطبيق من منطلق هل اإلهمال يفقد الورقة التجارية الطبيعية الصرفية فقط ،أمر يفقدها الطبيعة
التجارية ككل ،وهو ما سنتوقف عنده بالتحليل في المطلب الثاني من هذا المبحث.
397األوراق التجارية في التشريع المغربي -الكمبيالة – السند األذني ،الشيك ،م.س ،ص .199
89
وامتدادا للطبيعة اإلرادية لنظام الزمن الصرفي ،فإن صالحية التمديد والتقصير ليست بيد
الساحب والمظهرين فقط ،ولكن المشرع كفل هذه الصالحية للمسحوب عليه أيضا ،الذي باستطاعته طبقا
للمادة 175من مدونة التجارة ، 398أن يطلب تقديم الكمبيالة له في اليوم الموالي لتقديمها للمرة األولى.
إن هذا اإلقدام األخير الذي أقدم عليه المشرع بالرغم من كونه ينافي نظام الزمن الصرفي الذي
من طبائعه الشدة والقسوة التي يس تمدها من خصيصة القانون الصرفي عامة ،فإنه بالمقابل يراعي جانب
المرونة الذي تتطلبه الحياة التجارية ويسهم في تقوية عنصر االئتمان الذي ال يعني إال منح إمهال زمني
للطرف اآلخر في المعاملة التجارية.
يكتسي تاريخ االستحقاق أهمية كبيرة في حياة الكمبيالة ألنه هو اليوم المحدد لوفائها ،399وترتكز
أهميته على عادة أسباب منها ما يرجع إلى الحامل الذي من مصلحته أن يعرف هذا التاريخ ،ومنها ما
يعود لوظيفة الكمبيالة الثانية باعتبارها أداة وفاء ،ومنها ما يعود إلى أهمية هذه األخيرة في الميدان
التجاري ، 400لذلك فإن التجار يحرصون أشد الحرص على استيفاء الكمبياالت التي بحوزتهم في تواريخ
استحقاقها ألنهم يعتمدون على ما يقبضون لتسديد ما في ذمتهم من ديون.
وعليه ،فإن عدم احترام أحكام القانون الصرفي المنظم لزمن الوفاء بمبلغ الكمبيالة يفرغ األهمية
والدور الذي تضط لع به الكمبيالة من كل محتوى ،كون هذه األهمية تبرز من خالل ما تمتاز به البيئة
التجارية من تشابك للعالقات وتعقيدها.
وال تقتصر أهمية احترام أحكام عنصر الزمن في قانون الصرف في الوفاء بالكمبيالة في تاريخ
االستحقاق على الحامل فقط ،بل أن من مصلحة الموقعين جميعه م أن يوفي المسحوب عليه بالتزامه في
هذا التاريخ ،وذلك حتى تبرأ ذمتهم من االلتزام الصرفي.401
398تنص المادة 175على ":يجوز للمسحوب عليه أن يطلب تقديم الكمبيالة له في اليوم الموالي لتقديمها للمرة األولى ،وال يقبل من ذوي
المصلحة االدعاء بعدم االستجابة لهذا الطلب إال إذا كان مذكورا في االحتجاج "....
399شرف محمد ،وفاء الكمبيالة في القانون المغربي ،بحث لنيل ديبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة الحسن الفاني،
الدار البيضاء ،السنة الجامعية ،1999 :ص.8 :
400محمد اياد نجاحي ،م س ،ص.10 :
401محمد اياد نجاحي ،المرجع نفسه.
90
وعليه ،وبالنظر لألهمية التي يكتسيها تاريخ االستحقاق ،فإن تحديده يجب أن يحدد بطريقة
تنسجم مع طبيعة الكمبيالة ووظيفتها ،بحيث ال ينبغي أن يحدد بطريقة غير تلك الطرف المنصوص عليها
فيا المادة 181من المدونة.
ولمحاولة اإلحاطة بنطاق الزمن الصرفي لواقعة استفاء مبلغ الكمبيالة سنتناول تحديد تاريخ
االستحقاق بين أطراف المعاملة التجارية ( )1ثم كيفية احتساب هذا التاريخ( )2وذلك من أجل رصد
الوقت الذي يجب أن تقدم فيه الكمبيالة للوفاء ،و جدير بالذكر أن تاريخ االستحقاق وإن كان ملزما للحامل
والمسحوب عليه ،فإنه مع ذلك يبقى قابال للتأجيل والتمديد(.)3
يقصد بتاريخ االستحقاق حلول أجل ميعاد استحقاق المبلغ الثابت في الكمبيالة ،402والذي يجب
أن يكون م عينا تعينا نافيا للجهالة يساعد على تداول الورقة التجارية ،403ولتحديد الزمن القانوني لواقعة
االستحقاق أهمية خاصة لكونه الوقت الذي ينبغي فيه على الحامل أن يطالب بالوفاء بين يدي المسحوب
عليه ،فإذا امتنع هذا األخير عن الوفاء ،تعين على الحامل القيام باإلجراءات ال منصوص عليها قانونا،
والتي يحافظ بموجبها على حقوقه الصرفية ،ألنه عند إهماله لها يسقط حقه في الرجوع الصرفي على
باقي الموقعين ، 404وتمتد هذه األهمية إلى مرحلة ما بعد حلول أجل االستحقاق ،حيث يعد تحديد هذا
األخير منطلق احتساب مدة التقادم بالنسبة للمسحوب عليه القابل ،وهو كذلك منطلق سريان آجال
الرجوع الصرفي على الموقعين في حالة رفض المسحوب عليه الوفاء بمبلغ الكمبيالة ،ومنه أيضا يبدأ
إلى المسحوب عليه الستيفاء 405
احتساب األيام الخمسة التي يتعين خاللها على الحامل تقديم الكمبيالة
قيمتها .406
وقد تكفل المشرع بتحديد طرق االست حقاق عندما حدد أنواع الكمبياالت التي مكن الساحب
والمسحوب التفاق على اختيار إحداها لتسوية معامالتهم التجارية ،وبالرجوع إلى األحكام المنظمة لهذه
األنواع التي نظمها المشرع بمقتضى المادة 181نرصد بؤرة تضارب الزمن القانوني التجاري مع
402كمال بلحركة ،محاضرات في مادة األوراق التجارية ،الكمبيالة ،مطبعة ،تارودانت ط :األولى ،س ،2004 :ص.30 :
403محمد اياد نجاحي ،م س ،ص .11 :
404محمد الشافعي ،األوراق التجارية في مدونة التجارة المغربية ،م :الوراقة الوطنية ،ط :الرابعة س ،2010 :ص.171 :
405بالنسبة للكمبيالة المستحقة األداء في يوم معين ،أو بعد مدة من تاريخها أو من تاريخ االطالع ،أنظر المادة .184 :
406أحمد كويسي ،م س ،ص.176 :
91
بعضه بين كل من القانون المن ظم للزمن الصرفي ،والقانون المحدد لنطاق أداء الديون التجارية من حيث
الزمن ،المنظم بمقتضى قانون رقم 32.10وذلك في األحوال التي يسعى التجار فيها إلى حسم وتسوية
معامالتهم التجارية عن طريق األوراق التجارية تبقى الكمبيالة أهمها.
وسعيا في سبيل استجالء هذا التضارب وما يمكن أن يترتب عليه من مساس باألمن القانوني في
المادة التجارية بالنظر لتعطيل مقومات العمل التجاري المتمثلة في السرعة واالئتمان واستقرار
المعامالت حيث يندثر الضمان القانوني لخاصية السرعة الذي رسخ بمقتضى القانون 32.10إليجاد
نطاق زمني للمعامالت التجارية المحكومة بنظام قانوني ومتحكم فيه من قبل المشرع ،وهو األمر الذي
تطلع مشرع المادة التجارية إلى تحصيله عندما أقدم على تنظيم القانون السالف الذكر ،غير أن هذا
المشرع لم يستحضر مسألة إمكانية تسوية المعامالت التجارية بين التجار عن طريق األوراق التجارية
التي تعد الكمبيالة أهمها ،والتي تخضع لنظام زمني قانوني خاص ودقيق وهو الزمن الصرفي ،ذلك أنه
بمجرد أن يعمد التجار إلى تسوية المعامالت التجارية القائمة بينهم عن طريق سحب المدين كمبيالة على
نفس ه لفائدة الدائن ،أو عن طريق سحب هذا األخير كمبيالة على المدين استيفاء لحقه في تاريخ
االستحقاق الذي يمكن أن يتجاوز حده األقصى السنة ،يفرغ القانون 32.10من كل محتوى ويجعله كألم
يكن ،وبالتالي عدم تحقيق المقاصد التي جيء به من أجلها ،كما سيندثر عنصر االئتمان تبعا النعدام
االنسجام بين القوانين المنظمة لنفس المادة القانونية ،بل والمنظمة لنفس الجزئية وهي واقعة األداء من
حيث الوسيلة المعتمدة في الوفاء والنطاق الزمني لتسوية هذا الوفاء ،وهو ما سيؤدي إلى اضطراب البيئة
التجارية المنبثق ال محالة عن فوضى التنظيم القانوني خاصة منه التنظيم القانوني لعنصر الزمن ،ولما
لهذا العنصر من قيمة ووزن في الم يدان التجاري في حال التحكم فيه بقوانين متالئمة ومنسجمة ،وما
يشكله من خطورة على اضطراب المعامالت التجارية التي يسومها سوء التأطير في حال االنفالتات
المتسربة للنظام القانوني لعنصر الزمن.
واستنادا إلى ذلك نقول بهشاشة المنظومة القانونية المنظمة لعنصر الزمن في المادة التجارية
وغياب الرؤية الواضحة والنسق المجانس الذي ينبغي أن يسير وفقه التشريع التجاري المغربي ،وبالتالي
ضعف الحكامة التشريعية لمالءمة عنصر الزمن في المادة التجارية بالرغم من االلتفاتة التي قام بها
المشرع من خالل قانون آجال األداء المتمم لمدونة التجاري.
92
إن المشرع لم يكن يهمه مالءمة القانون التجاري المغربي لخدمة البيئة التجارية لتحقيق الثقة
واالئتمان وضمان مبدأ سرعة المعامالت التي تعد عصب الحياة التجارية بقدر ما كان يهمه مالءمة
التشريع المغربي مع نظيره األوربي ،وهو ما يطرح اإلشكال حول مسألة وضع النص في سياقه
المحلي ،والتي تعد تقنية غائبة في فكر التشريع المغربي ،وبالتالي اصطدام تطبيق القانون في الواقع
العملي وهو ما سيؤدي إلى اضطراب البيئة التجارية وتالشي مبدأ االستقرار واألمنين القانوني
والقضائي في المادة التجارية الذي من المفروض أن يكونا الدافع األساسي لوضع نظام زمني خاص
لمشروع قانون 407
بالقانون التجاري .وما يعضد توجهنا هذا ويبرره ما ورد في عرض السيد الوزير
32.10الذي أكد من خالله على ضرورة الحفاظ على النسيج االقتصادي المغربي ،وربط تحقيق ذلك
بوضع حد لعرقلة تطور المقاوالت الذي لن يتأتى إال بتقليص آجال األداء وتقنين هذا التقليص ،مما
سيكون له أثر إيجابي على مالية المقاوالت وهو األمر الذي يتحقق في ضوء مالءمة تشريعنا مع
الشركاء األوربيين ،يقول السيد الوزير.
إن هاجس التبعية القانونية الذي استفحل في كيان التشريع المغربي وما يترتب عليه من اقتباس
لمختلف نصوص القا نون الحديثة التبني في منظومة التشريع األوربية خاصة الفرنسية منها دون اعتماد
معايير معقولة تراعي الخصوصية المحلية للبيئة التي جلب إليها هذا النص ،ودون محاولة لمالءمة
النص الجديد مع غيره من النصوص السابقة عليه في التبني ،سيحدث ال محالة اضطراب في الحقل
القانو ني المنظم للبيئة التجارية سيما وأن القوانين موضوع الحديث تتعلق بتلك التي تنظم عنصر الزمن
وهو ما سيؤدي إلى انعدام الثقة في النص التشريعي من قبل المخاطبين به بسبب عدم المالءمة،408
وبالتالي اضمحالل تلمس األمنيين القانوني والقضائي في المادة التجارية تبعا النعدام الثقة واالئتمان
وتقليص هامش السرعة واستقرار المعامالت بين التجار بسبب ضعف الثقة في المنظومة القانونية ،ذلك
أن النص أو القاعدة القانونية إحدى آليات عمل القاضي من جهة ،وهما أداة لحماية الحقوق واستقرار
المعامالت ومن ثم إحدى مؤشرات الثقة وحفز التجارة واالستثمار واستقطابه من جهة ثانية.409
وعليه ،فإذا كان ما سبق يتعلق بكيفية تحديد تاريخ االستحقاق الذي تكفل المشرع بتحديده
بمقتضى المادة 184بحصره ألنواع الكمبياالت التي يمكن سحبها ،وترك لألفراد حرية اختيار ما يرونه
407تقرير لجنة القطاعات اإلنتاجية ،إدريس صقلي عدوي ،م س ،ص 3 :من عرض السيد الوزير.
408يونس العياشي ،األمن القانوني والقضائي وأثرهما في التنمية االقتصادية واالجتماعية ،م :دار السالم ،الرباط ،ط :األولى ،س ،2012 :ص
.5 :
409يونس العياشي ،م س ،ص.6 :
93
مناسبا لتسوية معامالتهم التجارية بالرغم من اإلشكاالت العملية التي يثيرها هذا التنظيم في عالقة بغيره
من القوانين المنظمة لعنصر الزمن ،فإن هذا التعدد أخضعه المشرع لطريقة احتساب حددها بنص
القانون.
بالنظر ألهمية عنصر الزمن والتدقيق في تحديده في منظومة الزمن الصرفي حرص المشرع
على تضمين بعض نصوص القانون الصرفي عددا من قواعد التفسير الخاصة بحساب مواعيد
وخاصة بموجب المادة 5 -6 -7 -8 -9 /182و المواد 231- 229 – 183من مدونة 410
الستحقاق
التجارة.
ومن خالل هذه المواد المشار إليها نستخلص هذه القواعد التي يجب االهتداء بها لتحديد مواعيد
استحقاق الكمبيالة ،411ولسوف نعرض لهذه القواعد فيما يلي :
ال يدخل اليوم األول وال اليوم األخير في حساب المواعيد القانونية أو االتفاقية وذلك تطبيقا
للفقرة األولى من المادة 231من المدونة ،ويرجع سبب عدم إدخال يوم التحرير أو يوم القبول أو
االحتجاج وكذا اليوم األخير في الحساب إلى تسييج خاصية االئتمان بداية ونهاية ،وبالتالي تمكين
المسحوب عليه من االستفادة من األجل كامال.412
آليات تحديد تاريخ االستحقاق في الكمبيالة المستحقة بعد شهر أو عدة أشهر من تاريخها -
أمن االطالع.
وذلك تطبيقا للمادة ، 182 /5فإذا كانت صياغة هذه المادة واضحة على مستوى مطلع هذه
الفقرة التي جاء فيها أن الكمبيالة المستحقة بعاد شهر أو عدة أشهر من تاريخها أو من تاريخ االطالع يقع
410محمد اياد نجاحي ،م س ،ص.21 :
411أحمد كويسي ،م س ،ص.180 :
412محمد شرف ،م س ،ص.8 :
94
استحقاقها في مثل هذا التاريخ الذي يجب فيه الوفاء ،فإن حرص المشرع على التدقيق في ضبط عنصر
الزمن على مستوى استحقاق الكمبيالة ،حمل هذا األخير على وضع آلية دقيقة تستنبط من الحالة التي ال
يوجد فيها تاريخ مقابل بذلك التاريخ حيث تكون مستحقة في اليوم اآلخر من الشهر ،ومرد ذلك إلى كون
بعض الشهور ال تتقابل مع بعضها من حيث العدد ،فمثال إذا سحبت كمبيالة بتاريخ 31يناير على أن
تستحق بعد شهر من تاريخها فإنما تستحق األداء يوم 28فبراير أو 29بحسب طبيعة السنة هل هي
كبيسة أم بسيطة ،وذلك ألن 31يناير ال مقابل لها في شهر فبراير ،وهو تنظيم ينم عن وعي المشرع
بأهمية ضبط وتقنين عنصر الزمن في عالقة بواقعة استيفاء مبلغ الكمبيالة نظرا لما يمكن أن يترتب على
عدم تقنين هذا ال عنصر على هذا المستوى من أخطار تمس االئتمان والثقة بين التجار وهي التفاتة تحسب
للمشرع المغربي.
-آليات تحديد موعد استحقاق الكمبيالة المستحقة بعد شهر ونصف أو عدة أشهر ونصف.
في حال سحب كمبيالة مستحقة األداء بعد شهر أو عدة شهور ونصف من تاريخها أو تاريخ
بغض النظر عن العدد اليومي الذي يمكن أن ينتهي به 413
االطالع وجب بدء الحساب بالشهور كاملة
الشهر.
ويقتضي المنطق القانوني السليم أال تسري هذه القاعدة فقط على الكمبيالة المستحقة األداء بعد مدة
من االطالع وإنما كذلك على الكمبيالة المستحقة األداء بمجرد االطالع التي اشترط الساحب تقديمها
للوفاء ال يمكن أن يكون قبل فترة زمنية معينة.414
نص المشرع صراحة بموجب المادة 182 /7أن الكمبيالة تستحق الوفاء في أول الشهر أو
منتصفه أو آخره ،وعليه فإن المقصود بأول الشهر اليوم األول منه ،ومنتصفه في اليوم الخامس عشر
أن عبارة الخمسة عشر يوما يقصد بها 415
منه ،وآخره هو اليوم األخير منه .ويرى بعض الباحثين
نصف شهر بغض النظر عن عدد أيام ذلك الشهر ،بحيث أنه لو سحبت كمبيالة على أن تستحق األداء
413المادة : 184تنص على ":إذا سحبت الكمبيالة لشهر أو عدة شهور ونصف من تاريخها أو من تاريخ االطالع ،وجب بدء إكساب بالشهور
كاملة.
414محمد اياد نجاحي ،م س ،ص.23 :
415محمد اياد نجاحي ،م س ،ص. 24 :
95
بعد نصف شهر ،وكان تاريخها في فاتح فبراير ،فإن تاريخ االستحقاق يجب أن يكون هو الخامس عشر
منه خارج احتساب اليوم األخير الذي هو الرابع عشر يقول الباحث.
إن ما ذهب إليه هذا الباحث يقع مجانبا للصواب في اعتقادنا لفهمه النص القانوني على غير
حقيقته وتحميله إياه أكثر مما يحتمل ،ذلك أن العبرة بعدد األيام التي فسر بها المشرع عبارة نصف شهر
بشكل صريح ،وهي الخمسة عشر يوما ،إذ لو اعتبرنا أن اليوم الرابع عشر هو اليوم األخير في تاريخ
سحب الكمبيالة المنشأة في فاتح فبراير باعتباره نصف الشهر ،فكيف هو الحال إذا ما كان هذا الشهر
ينتهي بتسعة وعشرين يوما؟ وعليه فالمقصود بعبارة نصف شهر من خمسة عشر يوما بغض النظر عن
الشهر الذي سحب فيه الكمبيالة.416
لم يتوقف تتبع المشرع لزمن االستحقاق عند حدود الشهور ،وإنما تعداه لينظم بشكل دقيق
الكمبياالت المسحوبة بعد مرور أيام محددة ،ومن ذلك ما نصت عليه المادة 184 / 8التي جاء فيها ":ال
تعني عبارة ثمانية أيام أو خمسة عشر يوما ،أسبوعا أو أسبوعين وإنما ثمانية أيام أو خمسة عشر يوما
بالفعل" .واستنادا إلى قاعدة تمكين المسحوب عليه من االستفادة من اآلجال كاملة ،فإن أجل الثمانية أيام
أو الخمسة عشر يوما يجب أن يستنفد كامال.
خالفا لألصل الذي يفترض نشوء كمبيالة بين تاجرين من نفس البيئة التجارية من جهة،
ويفترض استحقاقها في يوم عمل من جهة ثانية ،هناك استثناءات يمكن أن يتغير نطاق الزمن بفعلها في
اتجاه التمديد أو التقليص بحسب األحوال ،ومن هذه العوامل المؤثرة ما يلي:
-عامل اختالف تقويم بلد إلنشاء عن بلد الوفاء وأثره على تحديد زمن االستحقاق
96
أراد المشرع أن يدرأ كل نزاع متعلق بحساب ميعاد االستحقاق ،417ومن أجل ذلك تناول بالتنظيم
مسألة تحديد تاريخ االس تحقاق حتى في األحوال التي تختلف فيها يومية تبلد اإلنشاء عن يومية بلد
الوفاء ، 418وهو األمر الذي نادرا ما يتحقق إال إذا تعلق األمر بكمبيالة دولية مسحوبة في دولة ومستحقة
في دولة أخرى.419
إن إيالء االهتمام التشريعي لهذا النوع من التنظيم القانوني ذي الطبيعة الزمنية لينم عن
استحضار المشرع لهذا الهاجس المحكوم بالشعور بأهمية الزمن في المادة التجارية عموما والصرفية
على وجه الخصوص .والحقيقة أن اعتماد تقويم بلد الوفاء يعتبر حال منطقيا ألنه ال يعقل أن يلزم
المسحوب عليه بالوفاء حسب تقويم بلد اإلنشاء ألن من شأن ذلك أن يربكه خصوصا وأن التاجر ينظم
نشاطه التجاري ويقوم بتقييداته ويسجل ماله في ذمة الغير من ديون وتاريخ استحقاقها وكل ذلك وفقا
لتقويم البلد الذي يزاول فيه نشاطه .والشك أن كل هذا يصب في اتجاه واحد وهو تحقق التوازن بين
مصلحة الحامل ومصلحة المسحوب عليه .420فعند استصدار كمبيالة مستحقة األداء بعد مدة من تاريخها
بحيث كان بلد اإلنشاء يأخذ بالتقويم الهجري وبلد 421
في حال اختالف التقويم بين بلد اإلنشاء وبلد الوفاء
الوفاء يأخذ بالتقويم الميالدي وجب إرجاع تاريخ إلنشاء إلى اليوم المقابل في تقويم بلد الوفاء ،ويتحدد
تاريخ االستحقاق تبعا لذلك.
-عامل مصادقة تاريخ االستحقاق ليوم عطلة رسمية واثره على تحديد زمن االستحقاق
لما كان معلوما أن يوم العطلة سواء كانت رسمية وطنية أو دينية يوقف كل إجراء قانوني كان
من شأنه أن يباشر في ذلك اليوم الذي كان محددا في تاريخ االستحقاق ،وفي هذا الصدد نقول بأن زمن
االستحقاق يتأثر بالتمديد بشكل تلقائي متى كان اليوم المعين لالستحقاق يصادف عطلة رسمية.
وتجدر اإلشارة إلى أن أيام العطل ليس لها أي تأثير على زمن االستحقاق إذا ما تخللت األجل
المحدد لالستحقاق ،وذلك حتى ال يتم تمطيط اإلمهال االئتماني على حساب مصلحة الحامل ،وبالتالي
اإلضرار بباقي الموقعين الذين من مصلحتهم الوفاء بمبلغ الكمبيالة في تاريخها ،ومنه فإن أيام العطل
97
ليس لها اي تأثير وهي في ذلك شأنها شأن األيام العادية إال ما صادف منها يوم االستحقاق ،وذلك ليس
راجع لطبيعة اليوم بالذات وإنما بسبب تعطيل التاجر الفرد أو المؤسسة الملقى عليها التزام الوفاء لعملها
يوم العطلة ،مما حمل المشرع على تنظيم هذه النقطة حماية لعنصر االئتمان .غير أنه بالرغم من ذلك
فإن الحامل غير ملزم بتقديم الكمبيالة للوفاء في يوم االستحقاق بالذات ،422بحيث يحق له أن يقدمها في
أحد أيام العمل الخمسة المو الية له ،كإحدى صور التمديد اإلرادي لتقديم الكمبيالة قصد استيفاء المبلغ
المضمن بها ،والذي يمكن أن يأخذ إلى جانب ذلك تمديدا قانونيا أو اتفاقيا وهي المسألة التي سنحاول
مناقشتها في النقطة الموالية.
وإذا كانت القاعدة الواردة في المادة 231 /2ال تجيز تمتيع المسحوب عليه بأي إمهال قانوني أو
قضائي ،فإن ثمة استثناءات ترد على هذه القاعدة أحالت عليهما المادة السالفة الذكر ،ويتعلق األمر
التمديد القانوني لزمن الوفاء (،)1.3 بالمادة 196والمادة 207من المدونة والتي أطلق عليها الفقه
423
كما قد يتم االتفاق بين الحامل والمسحوب عليه على تمديد زمن االستحقاق (.)2 : 3
98
استثناء على هذا األصل ،حيث أجاز التمديد على هذا المستوى في حالة المادتين 196و 207من
المدونة.
فحالة المادة 196وهي حالة التسوية أو التصفية القضائية للمسحوب عليه أو لساحب كمبيالة
مشروط عدم تقديمها للقبول ،ولما كان الم شرع قد أجاز للحامل الرجوع على باقي الملزمين في مثل هذه
األحوال ،فقد أجازت الفقرة األخيرة من هذه المادة أن يقدموا خالل ثالثة أيام من تاريخ الرجوع عليهم
إلى رئيس المحكمة التي يوجد بدائرتها موطنهم عريضة لطلب آجال ،فإذا تبين لرئيس المحكمة أن
الطلب مبني على أسا س ،عين األجل الذي يتعين على الضامنين الوفاء خالله بمبلغ الكمبيالة على شرط
أال يتجاوز ذلك النطاق الزمني لالستحقاق المعين في السند.
من جانب آخر بأن إمعان النظر في هذه المقتضيات يفيد أن هذا التمديد 424
ويرى األستاذ كويسي
الذي يمس زمن االستحقاق والذي يمنحه رئيس المحكمة للضامنين ال يناقض روح المادة 231 /2على
أساس أن هذا التمديد ال يجب أن يتعدى األجل المعين في الكمبيالة سلفا .فصالحية رئيس المحكمة مقيدة،
ومع ذلك نقول بأن هناك تمديدا للزمن الصرفي مادام الحامل كان باستطاعته الرجوع على باقي
الملتزمين بمجرد ثبوت واقعة ا لتسوية أو التصفية القضائية ،ويستفيد بالتالي من سقوط األجل لوال جنوح
الملزمين إلى استصدار أمر من رئيس المحكمة لمنحهم إمهاال قضائيا ذي طبيعة قانونية مادام مقيدا بنص
القانون.
حالة المادة 207وهي حالة القوة القاهرة ،حيث نصت الفقرة االولى من المادة المذكورة صراحة
على إمكانية توسيع نطاق زمن االستحقاق بتمديده إذا ما حالت قوة قاهرة دون تقديم الكمبيالة للوفاء أو
إقامة االحتجاج في األجل القانوني ،غير أن هذا التمديد رهين بقيام الحامل بتوجيه إخطار لمن ظهر له
الكمبيالة ،يؤرخه ويوقعه وينذره بوجود القوة القاهرة.
فإنه يجب عدم ونظرا أل ن تمديد النطاق الزمني لالستحقاق يعتبر خروجا عن األصل العام
425
التوسع في تطبيقه ألن من شأن ذلك أن يلحق الضرر بالضامنين االحتياطيين ألنهم سيجدون أنفسهم
ملزمين بضمان الوفاء لمدة تطول عن تلك التي كانوا يعتقدون ،ومراعاة من المشرع لمصلحتهم فقد عمد
إل ى تحديد النطاق الزمني الذي ال ينبغي أن تستغرقه مدة القوة القاهرة وحصره في نطاق ثالثين يوما،
424األوراق التجارية ،الكمبيالة ،الشيك ،السند ألمر ،م س ،ص .182 :
425محمد اياد نجاحي ،م س ،ص.30 :
99
كما عمد إلى تحديد كيفية احتساب مدة الثالثين يوما آخذا بعين االعتبار طرق تحديد تاريخ االستحقاق،
وهكذا نصت المادة 207في فقرتها الخامسة يسري أجل الثالثين يوما بالنسبة للكمبيالة المستحقة عند
االطالع أو بعد مدة من االطالع ابتداء من تاريخ إخطار الحامل لمن ظهر له الكمبيالة بوجود حالة القوة
القاهرة حتى ولو وقع ذلك اإلخطار قبل انصرام أجل التقديم ،وبالنسبية للكمبيالة المستحقة بعد مدة من
االطالع يضاف أجل الثالثين يوما ،إلى مدة ما بعد االطالع المحددة في السند سلفا ،بحيث أنه في
األحوال التي تستمر فيها القوة القاهرة ألكثر من ثالثين يوما ،فقد أجاز المشرع للحامل الرجوع على
باقي الملزمين من دون الحاجة إلى أي إجراء قانوني ما لم تكن دعوى الرجوع موقوفة بمقتضى
نصوص خاصة.426
وإذا كان يعد تاريخ الستحقاق من البيانات اإللزامية التي يجب ذكرها في متن سند الكمبيالة
427
426قاعدة وقف المتابعات الفردية؛ أنظر المادة 653وما بعدها مدونة التجارة.
427الفصل 159من المدونة.
428محكمة االستئناف التجارية بفاس ،رقم ،272 :صادر بتاريخ ،2011/03/1 :ملف ع(.2010/1325 :غير منشور)
429محمد إياد نجاحي ،م س ،ص .32 :
430أحمد كويسي ،م س ،ص.183 :
431انظر :اإلحالة رقم ،459 :األوراق التجارية -الكمبيالة -سند األمر -الشيك ،م س ،ص.183 :
100
الساحب إلى االتفاق بالتراضي بينه وبين الحامل على اعتماد تاريخ استحقاق جديد يحمل الحامل على
إرجاء واقعة تقديم الكمبيالة للوفاء إلى حين تقديم الساحب لمقابل هذا الوفاء للمسحوب عليه.
وفي االحوال التي يتم فيها سحب كمبيالة الرجوع على المسحوب عليه باتفاق بينه وبين الحامل
يتم إعفاء الملزمين بمقتضى الكمبيالة من منطلق أ ن السند الجديد ال يحمل توقيعهم ،ومن جهة ثانية يبرر
االعتبار الزمني لنشوء كمبيالة الرجوع ،والذي يؤكد ارتباط الطبيعة الصرفية بزمن نشوء الورقة ال
بزمن نشوء العالقة األصلية.
يتشكل اإلطار القانوني المنظم للزمن الصرفي المحض المحدد بنص القانون والذي يضفي عليه
خصوصية تجعله يستقل عن غيره من أنظمة الزمن القانوني في باقي موضوعات القانون التجاري
األخرى ،من كل من المقتضيات القانونية المنظمة لعنصر الزمن الصرفي على مستوى الرجوع فيما
يتعلق باالحتجاج أو اإلعالم وكذا التقادم ،وما حملنا على وصف الزمن الصرفي في هذا المقام بالمحض
راجع لسببين رئيسيين :
األول :لتمييزه عن النوع األول الذي يترك فيه األطراف حرية أعمال إرادتهم لتحديد المواقيت
التي تناسبهم ،وإن كان هذا اإلعمال لإلرادة مسيج بمقتضى نطاق زمني محدد قانونا ،والثاني :لكون
الزمن الصرفي على هذا ا لمستوى محدد سلفا سواء تعلق األمر بزمن الرجوع (أ) أو بشروطه
وإجراءاته و نطاقه الزمني(ب).
الشك أن العمر االفتراضي للكمبيالة ينتهي بوفائها ،وبالتالي تنقضي مهمتها طبيعيا ،432غير أنه
يمكن للمسحوب عليه أن يمتنع عن الوفاء بالكمبيالة ،كما لو لم يتلق مقابل الوفاء أو كان عاجزا عن القيام
بالوفاء ،مما يؤدي إلى إطالة عمر الورقة ،وأيا كان سبب ا المتناع ،فقد أحاط المشرع الوفاء بالكمبيالة
بعدة ضمانات وذلك قصد طمأنة الحامل على حقوقه في مواجهة المسحوب عليه القابل الذي تلقى مقابل
الوفاء وغيره من الملتزمين بمقتضى ا لكمبيالة ،وأهم ضمانة أساسية ممنوحة للحامل حق الرجوع
الصرفي وما يستلزمه من ضرورة التقيد بمقتضيات الزمن القانون للرجوع ،ذلك أن المشرع نظم حاالت
101
الرجوع من حيث الزمن في حالتين أساسيتين :رجوع عند االستحقاق ( )1ورجوع قبل تاريخ
االستحقاق ( )2إال أن حق الرجوع الص رفي على الضامنين سواء تم في ميعاد االستحقاق أو قبله ،يجب
أن يقع ضمن شروط وإجراءات معينة 433يراعى فيها عنصر الزمن بشكل حاسم.
وتتجلى حاالت الرجوع الصرفي قبل تاريخ االستحقاق في ثالث حاالت رئيسية:
إن تشريع قانون جنيف الموحد الذي أخذ عنه المشرع المغربي فيما يتعلق بباب الرجوع
الصرفي قبل تاريخ االستحقاق راعى بشكل معقول القيمة االقتصادية لعنصر الزمن في القانون الصرفي
بحيث أعطى للحامل الحرية في الرجوع على الموقعين السابقين له .435دون الحاجة إلى انتظار حلول
أجل االستحقاق وما يترتب على ذلك من تأخير وحرمان من االستفادة من عملية الرسملة للمبلغ المراد
433أحمد كويسي ،م س ،ص.196 :
434أحمد كويسي ،م س ،ص.197 :
435مع ضرورة احترام الشروط الخاصة باإلعفاء من القبول الذي يمكن أن يخص به كل ملزم نفسه ،وكذا مراعاة قواعد القبول عن طريق
التدخل والشروط الواجب احترامها في حالة الرفض الجزئي للقبول؛ أنظر بهذا الخصوص ،أحمد كويسي ،م س ،ص.198- 187 :
102
استيفاؤه ما دام عدم القبول يعني فقدان الورقة الصفة األساسية لها .436والمتمثلة في عنصر اإلمهال
االئتماني المتبادل بين التجار.
إن خاصية الرجوع الصرفي قبل ميعاد االستحقاق من طرف الحامل على الموقعين السابقين له
على الكمبيالة ،ليعت بر في نظرنا محض تطبيق القواعد العامة للزمن العام ،والتي تقضي بسقوط األجل
عند تخلف المدين عن تقديم ما وعد به من ضمانات ،ذلك أن رفض المسحوب عليه قبول الكمبيالة يعني
في حقيقة األمر تخلف الموقعين عليها السيما الساحب ،عن تقديم ما وعدوا به من ضمانات ،مما يترتب
عليه سقوط أجل الكمبيالة واكتساب الحامل حق استيفاء قيمة الكمبيالة قبل ميعادها.437
حالة التسوية أ و التصفية القضائية للمسحوب عليه أو توقفه عن أداء ديونه أو الحجز
على أمواله بدون جدوى
على غرار الحالة السابقة ،نستشف تأكيد العالقة الوطيدة الكامنة بين الثقة االئتمانية وعنصر الزمن داخل
القانون الصرفي ،فبوجود البوادر التي تؤكد قوة الثقة االئتمانية بين تاجرين إال واستمر زمن اإلمهال
االئتماني حتى حدود النطاق المحدد النتهائه ،وكلما تضاءلت الثقة كما هو الشأن بالنسبة لحالة التسوية أو
التصفية القضائية للمسحوب عليه ،أو توقف هذا االخير عن أداء ديونه أو تعرضه لحجر على أمواله إال
واندثر ذلك االمهال االئتماني الممنوح للتاجر المدين ،ذلك أن مناط منح المدين أجال هو االئتمان والثقة
التي يجوزها هذا المدين عن دائنه .وبالتالي إذا أفلس المدين فقد زالت هذه الثقة ،438وبذلك تنهدم هذه
االخيرة عند الحامل فيه ، 439إذ ال محل لالئتمان بعد صدور حكم التسوية أو التصفية ،مما يترتب عليه
سقوط األجل الممنوح للمدين وحلول ما عليه من ديون مؤجلة.
من هذا المنطلق ،يتضح بشكل جلي وعي المشرع المغربي بعنصر الزمن والمكانة التي تبوأها
ضمن المنظومة القانونية الصرفية وذلك من خالل منحه للحامل صالحية الرجوع قبل التاريخ الذي كان
مفترضا للمطالبة بمبلغ الكمبيالة ،على الملتزمين السابقين والموقعين على الكمبيالة دون أن يكون ملزما
بالترتيب الذي صدر به التزامهم ، 440وفي ذلك تقدير تشريعي لمسألة التعجيل بقبض النقد في الميدان
103
التجاري وما يترتب علي ه من آثار يبقى أهمها رسملة المبلغ واستثماره ،الشيء الذي يعكس وبحق القيمة
االقتصادية لعنصر الزمن والقوة الحضورية حتى في المادة الصرفية.
حالة التسوية أو التصفية القضائية لساحب كمبيالة مشروط عدم تقديمها للقبول. 441
تظل فرضية العالقة الرابطة بين ال ثقة االئتمانية وعنصر الزمن حاضرة بقوة حتى على مستوى
هذه الحالة ،فالحامل الذي تسلم كمبيالة مشروط عدم تقديمها للقبول من طرف الساحب تجعل الحامل
يعلق أهمية قصوى على القدرة المالية لهذا األخير ،وعليه فإعالن التسوية أو التصفية القضائية للمدين
الرئيسي الذي هو الساحب ،معناه فقدان الحامل لتلك الثقة ،442ومن ثم ال تعود له أي فائدة في انتظار
ميعاد االستحقاق ،لذا خوله المشرع حق الرجوع الفوري قبل ميعاد االستحقاق على الملتزمين.443
وفي محاولة للتخفيف من ضغط عنصر الزمن الذي قد يمارس على هؤالء الملتزمين نتيجة
مباغتتهم من قبل ال حامل قبل حلول تاريخ االستحقاق .وضع المشرع إمكانية تقديم عريضة لرئيس
المحكمة التجارية الموجودة بموطنهم األصلي خالل ثالثة أيام قصد المطالبة بإمهال قانوني خروجا عن
القاعدة العامة الواردة في الفقرة األخيرة من المادة 231على أال تتجاوز الميعاد المحدد للوفاء بالكمبيالة
طبقا للفقرة األخيرة من المادة 196من المدونة.
وفي األحوال التي لم يكن ثمة ملتزمين ،فإن الحامل مجبر على أن يقدم تصريحا بدينه إلى
السنديك داخل نطاق زمني أقصاه شهرين من تاريخ الحكم القاضي تفتح المسطرة طبقا للمادتين 686و
687من المدونة.
441تشير المادة 196فقط إلى الحالة التي يكون مشروط فيها عدم تقديم كمبيالة للقبول من طرف الساحب ،غير أن بعض الفقهاء يرى أن
مقتضيات البند "ج" يجب أن تحمل بمعناها الواسع لتجب في محتواها حتى الكمبيالة المستحقة األداء عند اإلطالع ،أحمد كويسي ،م س ،ص:
.200
442محمد إياد نجاحي ،م س ،ص.67 :
443يالحظ أن المشرع المغربي قصر حق الحامل في الرجوع قبل ميعاد االستحقاق في حالة التسوية أو التصفية القضائية لساحب كمبيالة
مشروط عدم تقديمها للقبول ،ولم ينص على حالة توقف هذا الساحب عن الدفع أو حالة الحجر على أمواله دون جدوى ،كما فعل بالنسبة
للمسحوب عليه ،مما حمل بعض الفقهاء على القول أال مجال للتفرقة بين الحالتين مادام أن األسباب التي تبرر رجوع الحامل قبل ميعاد
االستحقاق بسبب توقف المسحوب عليه عن دفع ديونه أو الحجر على أمواله دون جدوى هي نفسها قد توجد بالنسبة لتوقف الساحب عن دفع
ديون ه أو الحجز على أمواله في كمبيالة غير صالحة للقبول ،لذا فإن معظم الفقهاء يدعون إلى المساواة بين تلك الحاالت من خالل إعطاء
الحامل حق الرجوع المبتسر في حال توقف الساحب عن الدفع ،أو تعرضه للحجز على أمواله ،ونحن بدورنا نساير هذا التوجه ،لمزيد من
االطالع ،راجع :
-أحمد كويسي ،م س ،ص .201 :
-يوسف عودة غانم المنصوري ،م س ،ص.111 :
104
ليتم الرجوع في الشكل الصحيح ويعتد به قانونا ،البد من اتخاذ إجراءات شكلية هي األخرى
يراعي فيها عنصر الزمن بشكل حاسم مع إلزامية احترامه تحت طائلة عدم االعتداء بصحة اإلجراء بما
يترتب على ذلك من آثار قانونية يبقى أهمها وأخطرها فقدا ن الحق في الرجوع الذي شرع وعيا من
المشرع بالقيمة المالية واالقتصادية للزمن على مستوى القانون الصرفي من جانب ،وتجنيبا للحامل من
تحمل عبء التأخير الذي ينتابه نتيجة انتظار الميعاد األصلي مادام قد أيقن أن المسحوب عليه في
وضعية التوقف عن الدفع أو ضعف المالءة لألسباب السالف ذكرها .444وهذه اإلجراءات الشكلية التي
يجب مراعاة النطاق الزمني الذي حدده المشرع لها تنحصر أساسا في االحتجاج ( )1واالعالم(.)2
-1زمن االحتجاج
إن إجراء االحتجاج أمر ضروري لممارسة الحامل حق الرجوع الصرفي سواء تم الرجوع قبل
االستحقاق أو بتزامن مع ا لميعاد المحدد له أو قبله ،وبغض النظر عن شكلية االحتجاج ومكان تقديمه وما
إذا كان الحامل معفى منه ،فإن هذا األخير يجب أن يتم ضمن نطاق زمني يختلف من حيث المدى بحسب
ما إذا تعلق األمر باحتجاج عدم القبول او احتجاج عدم الوفاء.
فبالنسبة الحتجاج عدم القبول :فإن الحامل عليه أن يقدمه داخل اآلجال المعينة لتقديم الكمبيالة
بالنسبة لكل أنواع الكمبياالت باستثناء الكمبيالة المستحقة األداء بعد مدة من االطالع التي يتعين 445
للقبول
تقديمها بشكل التزامي داخل أجل سنة من تاريخها .مع مراعاة ما يمكن أن يكون الساحب قد ضمن من
تمديد أو تقصير لهذا اآلجل أو نتج التقصير عن اختيار المظهر وحده.446
وعليه ،فإذا كانت الكمبيالة واجبة التقديم في تاريخ معين ،فإنه يجب أن يقام احتجاج عدم القبول
ضمن األجل المحدد لتقديم الكمبيالة للقبول ،أي في آخر يوم من األجل ،447وإذا حدث أن طلب المسحوب
عليه تقديم ثان غذاة التقديم األول مستغال إلمهال التلقائي الذي تبيحه المادة 175من المدونة ،جاز إقامة
االحتجاز في اليوم الموالي ليوم التقديم االول ،وبخصوص الكمبيالة المستحقة االداء بعد مدة من
444تجدر اإلشارة إلى أن هذه اإلجراءات الشكلية يكون الحامل ملزما بها فقط في البندين "أ" و "ب" من الفقرة 2من المادة 196من المدونة،
باستثناء حالة وحيدة في البند "ب" وهي حالة الحكم بالتسوية أو التصفية القضائية بحيث يستطيع الحامل تقديم الحكم ليتسنى له استعمال حقه
في الرجوع ،المادة 197من المدونة في فقرتها األخيرة.
445أحمد كويسي ،م س ،ص.206 :
446المادة 174الفقرات .8 – 7- 6
447محمد إياد نجاحي ،م س ،ص.97 :
105
االطالع ،فإن احتجاج عدم القبول يجب أن يقام خالل هذه المدة ،وإذا ما وقع التقديم فيا آخر يوم من اجل
السنة وجب تقديم االحتجاج في نفس اليوم الذي وقع فيه التقديم.
وعليه ،يتبين من خالل ما سبق أن المشرع رغبة في التسريع بوثيرة ممارسة الرجوع الصرفي
بسبب عدم القبول ،وبالنظر للظرفية التي يقع فيها وما يمكن أن يحدثه االمتناع عن القبول من اضطراب
في السلسلة التجارية ،والذي يتوقف ال محالة على ضرورة اتخاذ اإلجراء الشكلي المتمثل في االحتجاج،
استعمل تقنية الزمن لضمان اتخاذ هذا اإلجراء في نطاق زمني ضيق تحت طائلة سقوط حق الرجوع
وما يتبعه من آثار.
أما بالنسبة الحتجاج عدم الوفاء :فقد حدد المشرع أجلين قانونيين يتعين على الحامل أن يقدم
خاللهما احتجاج عدم الوفاء حسبما إذا كان األمر يتعلق بكمبيالة مستحقة الوفاء في يوم معين أو بعد مدة
من االطالع أو من تاريخها أو بكمبيالة مستحقة بمجرد االطالع ،448ذلك أن النوع األول في التصنيف
المومأ إليه أعاله نظم المشرع بشكل صريح ح دود النطاق الزمني لتقديم احتجاج عدم الوفاء بنوع
الكمبياالت المحددة في هذا الصنف ،حيث أوجب أن يتم اتخاذ إجراء االحتجاج داخل أحذ أيام العمل
الخمسة الموالية ليوم االستحقاق مع مراعاة المقتضيات الواردة في المادة 229من المدونة.
أما إذا كانت الكمبيالة مستحقة األ داء عند االطالع ،فإنه يجب تحرير االحتجاج ضمن الشروط
المعينة لتحرير احتجاج عدم القبول ،وهي الزامية اتخاذه ضمن أجل سنة ابتداء من تاريخها تكون قابلة
للزيادة أو النقصان بحسب ما إذا أعمل الساحب هذه اإلمكانية ،أو النقصان فقط بالنسبة ألحد
المظهرين.449
إن استجالء عناصر الفلسفة القانونية للمقتضيات المنظمة للزمن الصرفي تنقشع عن خصيصة
قدرة القانون على ترويض عنصر الزمن والوظيفة التقنية لهذا األخير ودورها في خدمة الوظيفة
االئتمانية للكمبيالة في سبيل حماية الثقة والحفاظ على االئتمان في الميدان التجاري ولو بطريق غير
مباشر تجنبا ألي إرباك من شأنه أن يمس سالمة صيرورة البيئة التجارية ،ويتجلى ذلك من خالل
المعادلة القانونية المنبثقة عن فلسفة االحتجاج ودور التشدد في تنظيم عنصر الزمن في التعجيل باتخاذه
وآثار هذا التعجيل القانونية واالقتصادية سيما إذا علمنا أن االحتجاج قد يحمل أحد الملتزمين بمقتضى
106
الكمبيالة على الوفاء بمبلغها درءا ألخطار المقاضاة والرجوع وما يمكن أن يترتب في غضونهما من
فوائد ومصاريف ،ناهيك عن أخطار المساس بسمعتهم أو مركزهم 450بين غيرهم من التجار ،بل األكثر
من ذلك أنه يمكن أن يمس بسمعة المسحوب عليه الذي يرفض الوفاء ويعتبر أداة ضغط عليه من شأنها
أن تحفز على الوفاء بمبلغها.451
وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع والعتبارات زمنية منه في سبيل ربح الوقت لممارسة الرجوع
الصرفي ،أعفى الحامل من تقديم االحتجاج وبالتالي تجاوز هذه المرحلة بشكل مباشر محددا حاالت
وتبقى أهم حالة أثارت الجدل في أوساط الفقه والقضاء 452
اإلعفاء بنص القانون على سبيل الحصر
453تلك التي يفضل فيها الحامل سلوك مسطرة األمر باألداء التي كانت تسوى بين آثار سلوك هذه
المسطرة واآلثار القانونية لالحتجاج مما كان يح دو بالحاملين المهملين الذين لم يقدموا االحتجاج داخل
األجل القانوني إل ى التحايل على النص والتهرب من جزاء اإلهمال عن طريق سلوك مسطرة األمر
باألداء وبالتالي القفز على خطورة عنصر الزمن وإفراغ المادة 211من محتواها ،كل هذه االعتبارات
من داخل المدرسة المصرفية ينادي بضرورة تعديل المقتضيات المنظمة لمسطرة 454
جعلت الفقه الراجح
االمر ب األداء من حيث نطاقها الزمني إذا ما تعلق األمر بكمبيالة لم يقدم حاملها احتجاجا وفق الكيفية
والشكل اللذين يشترطهما القانون ،وفحوى هذا النداء يستهدف سلوك مسطرة االمر باألداء يجب لزاما
أن يقع ضمن األجل المنصوص عليه في المادة 197المحدد في األيام الخمسة الموالية لتاريخ
االستحقاق ،النهج الذي سار عليه القضاء التجاري المغربي في ما يتعلق بالدعاوى الصرفية ،حيث جاء
بفاس بتاريخ ... " 2010/03/23وحيث أن نظام 455
في قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية
الشكلية الذي يقوم عليه قانون الصرف يفرض على الحامل أو المستفيد عند رفض الوفاء لعدم كفاية
المؤونة أو لعدم وجودها بالمرة أعداد محضر احتجاج عدم الوفاء إن كان يرغب في الحفاظ على دعور
453محكمة االستئناف التجارية بفاس ،قرار رقم ،1231 :الصادر بتاريخ ،2011/11/04ملف ع(.2004/527 :غير منشور)؛ قرار رقم
،2306:صادر بتلريخ ،2012/12/25ملف ع(.12/2000 :غير منشور)؛قرار رقم ،25:صادر بتاريخ ،2013/01/8ملف ع(.12/1212:غير
منشور)؛ قرار رقم ،935:الصادر بتاريخ ،2013/05/28ملف ع(.13/648 :غير منشور).
454أحمد كويسي ،م س ،ص.205 :
455قرار رقم ،382ملف ع(2010/154 :غير منشور).
107
الرجوع الصرفي تجاه المظهرون والساحب الذي لم يقدم مقابل الوفاء ،إذ من المقرر أال إجراء يغني عن
تقديم االحتجاج إال ما تعلق بالسرقة او الضياع "....وهو التعديل الذي أقدم عليه المشرع في محاولة
لمالءمة المقتضيات المنظمة لعنصر الزمن واإلجراءات الرامية إلى ربح الوقت في سبيل إرساء توحيد
العمل القضائي على هذا المستوى .جدير بالذكر أن تاريخ االحتجاج هو منطلق سريان زمن التقادم
الصرفي لدعوى الحامل على المظهرين والساحب.
-2زمن اإلعالم
إن إجراء اإلعالم شأنه شأن إجراء االحتجاج ال يقل أهمية ،إذ أنه شرط شكلي لممارسة الحامل
حقه في الرجوع الصرفي طبقا للمقتضيات الجاري بها العمل ،ومن منطلق هذه األهمية وفي سبيل
ضمان ضبط وتحديد ميقات اتخاذ هذا اإلجراء تجنبا ألي تسيب أو مماطلة ،حدد القانون نطاق اتخاذ هذا
اإلجراء من حيث الزمن في ستة أيام الموالية ليوم إقامة االحتجاج أو من يوم التقديم في حالة اشتراط
الرجوع بال مصاريف .غير أن األهمية التي يحض بها اإلعالم بالمقارنة مع االحتجاج ليست قانونية
بقدر ماهي اقتصادية ،ومرد ذلك إلى كون القا نون لم يرتب على عدم توجيه اإلعالم من طرف الحامل
في سقوط حق هذا االخير في الرجوع على الضامنين كما هو الشأن بالنسبة لإلخالل بشكلية االحتجاج.
وتتجلى األهمية االقتصادية إلجراء اإلعالم في نقطتين أساسيتين ،األولى ورد عليها النص في
المادة 199في فقرتها األخيرة ا لتي جاء فيها "...ال يترتب على من لم يوجه اإلعالم داخل األجل المشار
إليه سقوط حقه وإنما يكون مسؤوال عند االقتضاء عن الضرر الذي تسبب فيه بإهماله دون أن يتجاوز
التعويض مبلغ الكمبيالة" ،وهو ما سارت فيه محكمة االستئناف التجارية بفاس حينما أقرت بأن الحامل
ال يفقد حقه في الرجو ع وإنما يكون مسؤوال عن الضرر الذي تسبب فيه بإهماله دون أن يتجاوز
التعويض مبلغ الكمبيالة ،456أما النقطة الثانية فتتمثل في التعجيل بإعالم الملتزمين برفض قبول أو الوفاء
بالكمبيالة داخل أجل ثالثة أيام من تاريخ توصل السابق فيهم باإلعالم من الالحق ،وتتجلى هذه األهمية
االقتصادية بوضوح أكثر من خالل التزام عون التبليغ بإعالم الساحب شخصيا بواسطة رسالة مضمونة
بأسباب رفض الوفاء داخل أجل ثالثة أيام العمل الموالية ليوم إقامة االحتجاج ،457ويرى األستاذ أحمد
456محكمة االستئناف التجارة بفاس ،رقم ،830 :صادر بتاريخ ،2005/06/28:ملف ع(2004/1352:غير منشور).
457المادة 199من فقرتها الثانية.
108
أن تعليل المقتضيات القانونية الخاصة بإعالم الساحب في مواجهة المسحوب عليه يستهدف 458
كويسي
صيانة مصالح الساحب ،فمن مصلحة هذا األخير أن يخطر في أقرب اآلجال برفض الوفاء قبل غيره من
الملتزمين وبأسرع وسيلة حتى يتسنى له اتخاذ اإلجراءات الضرورية التي من شأنها أن تكفل حقوقه في
مواجهة المسحوب عليه ،ولضمان القيم االقتصادية المفترض نشوئها عن إجراء اإلعالم ،استعمل
المشرع تقنية الزمن وحدد نطاقا زمنيا ولهذا اإلجراء حصره في ستة أيام من تاريخ إجراء االحتجاج
تحت طائلة االلتزام بالتعويض في حال تقاعس الحامل عن االلتزام بهذه القاعدة التي تجعل هذا األخير
يبادر إلى إعالم سابقيه من المل تزمين داخل الزمن القانوني المحدد على هذا المستوى وبالتالي إخراج
مقتضيات اإلجراءات القانونية إلى حيز التطبيق وقد استحكم في أطوارها الشعور بقيمة الزمن
االقتصادية من طرف من يجريها.
إن اآلثار القانونية لنظام الزمن الصرفي تقيم من خالل مدى احترام المقتضيات المنظمة لهذا
األخير من عدمه ، 459ففي االحوال التي يتم فيها التقيد باألحكام المنظمة لعنصر الزمن على مستوى
القانون الصرفي سواء الذي يترك فيه لألطراف صالحية إعمال إرادتهم في تحديده أو الزمن الصرفي
المحض المحدد بنص القانون ،فإن األثر الوحيد الذي يترتب هو أداء الكمبيالة لوظيفتها االئتمانية بعيدا
عن أي تعقيد أو نزاع ،لكن اإلشكال يطرح عندما يتم اإلخالل بهذه المقتضيات بالمماطلة في اتخاذ
اإلجراءات الالزمة داخل الحيز الزمني الذي حدد نطاقه المشرع ،مما يؤدي إلى ترتيب جزاء سقوط
الحق في الرجوع الصرفي بسبب اإلهمال (الفقرة األولى) الشيء الذي يفرض على الحامل الذي أهمل
التقيد بالمواعيد الزمنية المحددة التخاذ اإلجراءات الشكلية للرجوع على التخلي بقوة القانون عن مميزات
ومزايا القانون الصرفي فيما يتعلق برجوع الحامل على الملتزمين بمقتضى الكمبيالة إذا توفرت الشروط
ودفعه إلى سلك طريق القواعد العامة في الرجوع بما تشتمل عليه من بطء مقارنة مع مسطرة الرجوع
الصرفي ،كما يؤدي التقاعس والمماطلة إلى السقوط في األحوال التي لم يبادر فيها الحامل إلى المطالبة
بمبلغ الكمبيالة داخل أجل التقادم الصرفي (الفقرة الثانية) .غير أن السقوط الذي يقع في هذه الحالة
109
االخيرة نتيجة لعدم احترام مقتضيات زمن التقادم الصرفي أثارت نقاشات فقهية وقضائية بين من أضفي
على عنصر الزمن في التقادم الصرفي صبغة التشدد والقسوة وقال بسقوط الحق وبالتالي المنع من سماع
الدعوى كنتيجة لمرور الزمن الصرفي (التقادم) ،وبين من أضفي طابع المرونة على عنصر الزمن في
هذا القانون على غرار اإلهمال للمواعيد الزمنية المحدد التخاذ اإلجراءات الشكلية للرجوع ،وقال بعدمية
تأثير مرور زمن التقادم الصرفي على أصل الحق في إشارة صريحة إلى ترجيح زمن التقادم التجاري
أو زمن التقادم المدني استنادا إلى فرضية عدم تجديد االلتزام ، 460وفي هذا السياق سنحاول االنطالق من
مقاربة تحليلية تراعي أهمية عنصر الزمن في المادة الصرفية بين ما يقتضيه المنطق القانوني السليم من
جهة ،وقواعد العدالة واإلنصاف من جهة ثانية ،وفق تحليل يستهدف الكشف عن الفوارق الفاصلة بين
مشكلة الزمن العام والزمن الخاص.
110
مواجهة الساحب الذي قدم مقابل الوفاء وبقية الملتزمين فإن حقه في الرجوع على المسحوب عليه يبقى
قائما في إطار المادة 206من م ت".465
وعلى خالف ما عليه األمر بالنسبة للتقادم ،فإن أجل السقوط ال يعتريه تـوقف وال انــقطاع ،كما
يتعين على كل ذي مصلحة إثارة هذا الدفع أمام المحكمة أو التنازل عنه صراحة أو ضمنا سواء قبل
خالفا للتقادم الذي ال يسوغ لألطراف االتفاق على التنازل عنه .467وتبقى هذه 466
حصوله أو بعد حصوله
الخصائص األخيرة أهم المميزات التي ميز بها زمن اتخاذ اإلجراءات المسقط عن زمن التقادم الصرفي
المسقط بدوره للحق .فما المقصود بالحق في إطار زمن التقادم الصرفي؟،وما مدى حضور التأصيل
القانوني لفلسفة مرور الزمن (التقادم) ضمن األحكام المنظمة لزمن التقادم الصرفي وأثر ذلك على
الحقوق المضمنة بالكمبيالة؟ .هذا ما سنحاول اإلجابة عنه في خالل (الفقرة الثانية) بعرض واستحضار
اآلراء الفقهية والتوجهات القض ائية ومقاربتها مقاربة تحليلية لترجيح األقرب منها للصواب والمنطق
القانوني السليم.
الفقرة الثانية :سقوط حق الرجوع بسبب التقادم (مرور الزمن) الصرفي 468وأثره
إذا كان السقوط بسبب اإلهمال ي شكل جزاء يرتب على الحامل المهمل نتيجة تقاعسه عن اتخاذ
إجراءات قانونية متع لقة بالتقديم واالحتجاج ضمن نطاق الزمن القانوني المخصص من قبل المشرع ،فإن
التقادم الصرفي نظام يرتب بدوره سقوط الحق في الرجوع الصرفي على المسحوب عليه القابل من
حيث المبدأ نتيجة لتقادم الدعوى الصرفية كون الحامل مر عليه زمن التقادم الصرفي الذي تختلف مدده
حسب الحاالت (أوال ) غير أن فقهاء المدرسة المصرفية ،وباألخص المغاربة منهم ،أثاروا نقاشات همت
امتداد األثر القانوني للتقادم الصرفي من عدمه ،مما انعكس على العمل القضائي باالنقسام إلى صنفين
على غرار انقسام الفقهاء الذي ينبثق في شموليته عن إشكالية المقاربة بين الزمن الخاص والزمن
العام(ثانيا).
111
أوال :أحكام مرور الزمن الصرفي (التقادم) من حيث المبدأ
لما كان السقوط سببا النقضاء االلتزام الصرفي يفيد المدينين جميعا ،فهو ال يفيد المسحوب عليه
غير القابل أو الساحب الذي لم يقدم مقابل الوفاء ،كما أنه مشروط بإهمال الحامل القيام بما فرضه عليه
القانون من واجبات داخل نطاق زمني مضبوط ومواعيد قانونية محددة ،469غير أن الحامل يستطيع أن
يتفادى سقوط حقه في الرجوع رغم عدم قيامه بالواجبات التي فرضها عليه القانون إذا تضمنت الورقة
شرطا يقضي بإعفائه من هذه الواجبات أو بعضها ،ولهذا كان البد للمشرع أن يقرر التقادم الصرفي
لاللتزام الناشئ عن التعامل باألوراق التجارية . 470وواضح أن المشرع عندما أخذ بالتقادم القصير أراد
أن يتحلل الضامنون في الكمبيالة من التزاماتهم الصرفية بسرعة حتى يتمكنوا من إبرام التزامات
جديدة.471
أما بالنسبة للدائن فإن التقادم القصير يدفعه إلى المطالبة بدينه في تاريخ االستحقاق مما يستدعي
القول بأن التقادم القصير يستند إلى قرينة الوفاء ،فتقاعس الحامل عن المطالبة بمبلغ الكمبيالة لمدة ثالث
سنوات ال يمكن أن يفسر إال على أساس قرينة الوفاء ، 472وأن لمن يملك الحق أن يطلب من المدين
الصرفي أداء اليمي ن على براءة ذمته من الدين ،فإن نكل عن أدائها أصبح ملزما بالوفاء بالكمبيالة.473
وقبل الحديث عن أحكام الدعاوى الصرفية الخاضعة للتقادم الصرفي البد من استحضار وكشف
الستار عن الحكمة من تقريره ،والتي تتلخص في تجنيب انشغال ذمة الملزمين مدة طويلة كطول مدة
التقادم العادي من جهة وحثا للدائنين على المبادرة إلى المطالبة بحقوقهم في أقرب فرصة من ناحية
ثانية ،إذ أن هذه السرعة تستوجبها المعامالت التجارية.474
فالضرورات االجتماعية والرغبة في استقرار التعامل ،وتصفية المراكز القانونية القديمة ومنع
إثارة المنازعات بشأن التزامات أو وقائع قد مر عليها الزمن كانت السبب في تقرير نظام مرور الزمن
الصرفي (التقادم) القصير ،إذ من حق السلطة التشريعية أن تنظم الدعوى التي تحمي الحق في (االمتياز
112
الصرفي) وتضع لها حدا زمنيا معينا ،ال يستطيع الدائن بعد انقضائه أن يطالب بالحماية القانونية التي
يخول ها هذا األخير ،كما أن الهاجس الذي يرتكن من وراء ذلك يكمن في الرغبة في التيسير على المدين
بعدم إجباره على االحتفاظ بأدلة الوفاء لمدة طويلة . 475وباإلضافة إلى ذلك ،فإن عدم مطالبة الدائن طول
مدة التقادم الصرفي قد يرجع إلى أنه قد استوفى دينه الناشئ عن العالقة األصلية بطريق غير قضائي
(ودي) ودون اتباع شكليات تسليم الكمبيالة ووصل المخالصة للمسحوب عليه القابل ومن دون أن يطالب
هذا األخير بذلك التسليم مما يستدعي القول بأن التقادم يستند إلى قرينة الوفاء حتى ولو بقيت الكمبيالة في
حوزة الحامل فإن ذلك ال يعني أن المدين لم ي وف بدينه ،فقد يكون ذلك راجع إلى تساهله أو عدم حرصه
أو أنه أهمل المطالبة به ،وفي كلتا الحالتين يجب أن ترفض 476
في المطالبة بتسليمها بعد الوفاء
دعواه.477
وعلى العموم فإن أحكام التقادم (مرور الزمن) الصرفي التي تمنع من سماع الدعوى الصرفية
بعد مرور األجل المحدد نظمتها المادة 228من المدونة بشيء من التفصيل ،وهذه الدعاوى هي :
نظمت هذه الدعوى الفقرة األولى من المادة 228من المدونة ،وحددت المدة التي تمنع سماع
الدعوى في ثالث سنوات ابتداء من تاريخ االستحقاق وهذه أطول مدى للتقادم نص عليها القانون
راجع إلى أن المسحوب عليه القابل هو المدين األصلي 479
وسبب ذلك حسب بعض الفقه 478
الصرفي
في الكمبيالة بينما يعتبر الملتزمون اآلخرون ضامنون فقط وهو ما سار عليه العمل القضائي المغربي
مكرسا ما نظمه المشرع.480
وبالنسبة لبدء احتساب سريان مدة التقادم ،فإن المادة 228من المدونة كانت واضحة في بيان
طريقة ذلك ،بحيث تحتسب مدة التقادم ابتداء من يوم التقديم بالنسبة للكمبيالة المستحقة األداء بمجرد
االطالع وتحتسب ابتداء من تاريخ القبول أو من تاريخ االحتجاج بعدم القبول بالنسبة للكمبيالة المستحقة
113
األداء بعد مدة من االطالع بالنسبة لمن مصلحته التمسك بالتقادم .غير أن اإلشكال يطرح في األحوال
التي لم تقدم الكمبيالة للقبول ولم يقدم بشأنها احتجاج حول كيفية احتساب مدة التقادم؟
بعيدا عن تضارب بعض اآلراء الفقهية حول مسألة تحديد بداية سريان أجل التقادم يذهب الرأي
الراجح ،وع ن صواب ،إلى أن أجل التقادم يبدأ سريانه ابتداء من يوم انتهاء المدة القانونية أو االتفاقية
المحددة في التقديم ألنه ال يمكن أن نحاسب الحامل عن المدة التي تركها له المشرع أو االتفاق لتقديم
الكمبيالة للقبول ،وفي هذا الصدد يقول األستاذ أحمد كويسي ... " ،وبمقابلة بين المادتين 182 – 174
والمادة 228من المدونة يتضح أن أقصى مدة يجب أن تقدم فيها الكمبيالة -للوفاء -بالنسبة للكمبيالة
المستحقة األداء بمجرد االطالع- ،أو للقبول -بالنسبة للكمبيالة المستحقة بعد مدة من االطالع هي سنة،
فاألمر إذن يتعلق باألجل ،بحيث يصبح آخر يو م ففي السنة هو بداية مدة التقادم ،ويؤكد هذا الجانب من
الفقه رأيه بدليل الفقرة الرابعة من المادة 182التي تنص على "وإذا لم يحرر احتجاج فإن القبول غير
المؤرخ يعتبر بالنظر للقابل أنه قد تم في اليوم األخير من األجل المعين لتقديم الكمبيالة للقبول" .وتجدر
اإلشار ة إلى أن التقادم المنصوص عليه في الفقرة األولى من المادة 228ال محل للتمسك به إذا كان مبلغ
الدين األصلي المضمن بالكمبيالة مضمونا برهن رسمي ،481وفي هذا الصدد وقضى المجلس االعلى-
محكمة النقض حاليا -برفض طلب نقض قرار صادر ن محكمة االستئناف التجارية بفاس بتاريخ 9 / 8
2004 /تمسك فيه الطالب بتقادم الدعوى الصرفية لكونها أقيمت خارج التقادم المنصوص عليه في
المادة 228من المدونة حيث جاء في تعليل هذا القرار "لكن ،حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون
فيه التي تبث لها من مقال الدعوى ومرفقاته أن طلب المدعية المطلوبة مؤسس على عقد قرض مصحح
إلمضاء بتاريخ 89 /5 / 30مضمون برهن رسمي من الرتبة األولى على العقار الكائن بالحاجب ذي
الرسم العقاري عدد 10525 /05ومعزز بكشف حسابي وكمبياالت،واعتبرت – وعن صواب – أن
سحب المدعي عليه الطالب للكمبياالت كان من أجل ضمان أداء مبلغ القرض ،وأن تقادمها ال يعني
انقضاء الدين األصلي الذي فتح له اعتماد عن طريق فتح حساب مضمون برهن رسمي فال يجوز
التمسك بالتقادم كلما كان الدين مضمونا برهن رسمي وفق أحكام الفصل ،337وتحليلها بهذا الشأن يبرر
481الفصل 377من ق ل ع "ال يجوز التمسك بالتقادم إذا كان الدين األصلي مضمونا ....يرهن رسمي".
114
ما انتهت إليه في منطوقها ،إذ الكمبياالت تم سحبها لتعزز عقد القرض المضمون برهن رسمي فجاء
بذلك قرارها معلال "بما فيه الكفاية ولم يخرق أي مقتضى والوسيلة على غير أساس".482
حسب الفقرة الثانية من المادة ، 228تتقادم دعوى الحامل ضد المظهرين والساحب بمضي سنة
واحدة من تاريخ االحتجاج المحرر ضمن األجل القانوني أو من تاريخ االستحقاق في حالة اشتراط
الرجوع بدون مصاريف.
فإن تحديد مدة التقادم على هذا المستوى في سنة راجع إلى كون 483
وحسب علي سلمان العبيدي
هؤالء الملتزمين يعتبرون مجرد ضامنين بالنسبة للحامل وليسوا مدينين أصليين كما هو الحال بالنسبة
للمسحوب عليه القابل ،غير أن المالحظ ،المشرع المغربي أخضع تقادم دعوى الساحب لنفس المدة وهو
ما يخالف المنطق القانوني في األحوال التي يكون فيها الساحب محجما عن تقديم مقابل الوفاء بين يدي
المسحوب عليه بحيث يكون مديا أصليا في السلسلة الصرفية ،وفي هذا السياق يرى األستاذ أحمد
أن المنطق يقضي أن يخضع المشرع دعوى الحامل ضد الساحب ،للتقادم المقرر لدعوى 484
كويسي
الحامل على المسحوب عليه ،وهي ثالث سنوات من تاريخ االستحقاق حسب الفقرة األولى من المادة
.228
أما عن مسألة احتساب سريان مدة التقادم فإن األصل فيه أن يبدأ من وقت استحقاق الدين ،ومن
الوقت الذي يجوز المطالبة به ،485وعليه فإنه ال يقع إال في الحالة التي يكون فيها شرط الرجوع بال
مصاريف صادرا عن الساحب ،طبقا للمادة 200من المدونة ،ألن آثار الشرط في هذه الحالة تسري
على كل الموقعين ، 486أما إذا كان شرط الرجوع بدون مصاريف من وضع أحد المظهرين أو الضامنين
482قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ،2004 /9/8ملف تجاري عدد ،2001 /1 /3 / 95أحمد كويسي ،محمد الهيني ،تأمالت في
اجتهادات القضاء التجاري في مادة األوراق التجارية ،م :دار العلم ،ط :األولى ،س ،2008 :ص .366-365 :
483األوراق التجارية في التشريع المغربين م س ،ص.414 :
484األوراق التجارية –الكمبيالة -الشك – السند ألمر ،م س ،ص.239 :
485رمضان جمال كامل ،التقادم المسقط في التقنين المدني علما وعمال ،المركز القومي اإلصدارات القانونية ،القاهرة ،ط . :األولى س،2007 :
ص .70 :
486الفقرة الرابعة من المادة 200من مدونة التجارة.
115
االحتياطيين فإن احتساب مدة التقادم تبدأ من تاريخ االستحقاق بالنسبة لمن وضع الشرط وابتداء من
تاريخ االحتجاج بالنسبة لباقي الموقعين.487
تتقادم هذه الدعاوى بمضي ستة أشهر ابتداء من يوم قيام المظهر برد المبلغ إلى الحامل ،أو من
يوم رفع هذا األخير الدعوى ضده كما نصت على ذلك الفقرة الثالثة من الماجة 228من المدونة .والشك
أن المشرع بهذا اإليجاز في مدة التقادم على هذا المستوى هدف إلى اإلسراع بتسوية حاالت الرجوع
على وجه السرعة ،489ويسري 488
الصرفي الذي مارسه المظهرون الذين دفعوا للحامل مبلغ الكمبيالة
التقادم هنا من تاريخ الوفاء الذي قام به الضامن مختارا أو من تاريخ رفع الدعوى عليه إذا لم يقم بالوفاء
االختياري . 490غير أن اإلشكال الذي يطرح في هذا الصدد يرتبط باألحوال التي يحتمل أن يستغرق فيها
زمن المسطرة على مستوى الرجوع الصرفي زمن التقادم الصرفي ،السيما إذا علمنا أن من بين
المواعيد التي ينطلق منها سريان زمن التقادم في دعاوى المظهرين في مواجهة بعضهم البعض هو
ميعاد رفع الحامل دعواه ضد المظهر؟.
وتجدر اإلشارة إلى أن المادة 228أغفلت تنظيم المدة الزمنية للتقادم الذي يلحق الدعاوى
المرفوعة على الضامن االحتياطي ،والدعاوى المرفوعة منه على بقية الملتزمين ،وفي هذا الصدد يرى
أنه ولئن كان الضامن االحتياطي يلتزم بنفس الكيفية التي يلتزم بها المضمون 491
األستاذ أحمد كويسي
كما ورد على ذلك النص في المادة 180 /7فإن دعوى الحامل ضد الضامن االحتياطي للقابل تتقادم
بمرور ثالث سنوات وبسنة واحدة ضد ضامن الساحب والمظهرين ،وبستة أشهر ضد مضمونه
وضامني مضمونه حسب األحوال ،كما يجدر بالذكر أيضا أن المادة 228السالفة الذكر لم تنظم مسألة
انقطاع التقادم الصرفي باستثناء أنها أشارت إلى مسألة غاية في األهمية وهي أن اإلجراء القاطع للتقادم
487أحمد كويسي ،م س ،ص ،241 :عبد الحميد الشواربي ،م س ،ص.378 :
488أحمد كويسي ،م س ،ص.240 :
489عبد الحميد الشواربي ،م س ،ص.379 :
490عبد الحميد الشواربي ،المرجع نفسه.
491م س ،ص.241 :
116
ال يسري إال على الشخص الذي اتخذ إزاءه اإلجراء القاطع ،مما حمل الرأي الراجح للفقهاء على القول
بخضوع أسباب انقطاع التقادم للقواعد العامة للمسطرة المدنية.492
ثانيا :األثر القانوني الممتد لمرور زمن التقادم الصرفي على ضوء مقاربة الزمن الخاص
والزمن العام
إن األثر الممتد لنظام مرور الزمن الصرفي (التقادم) القصير أو نطاق تطبيق التقادم الصرفي
من حيث الحقوق إن صح القول ،المنظم بمقتضى المادة 228من مدونة التجارة المغربية أثار ولم يزل
يثير العديد من النقاشات الفقهية انقسمت إلى قسمين ،ترتب عنها اندثار وحدة التوجه القضائي بالنظر
الختالف الفهم القانوني عند كل من الفريقين لفلسفة القانون الصرفي ومن خالله نظام الزمن الصرفي
على مستوى التقادم.
وقبل أن نستعرض مضامين هذه النقاشات من خالل آراء أصحابها وتنبري أساسات كل توجه،
فإنه البد من كشف الستار عن إجماع الفريقين ح ول مسألة أساسية وتقبلها بكيفية موحدة ،ويتعلق األمر
بمبدأ األثر العام لمرور الزمن الصرفي (التقادم) حيث يترتب على هذا األخير انقضاء االلتزام الصرفي
الناتج عن الكمبيالة 493وبالتالي براءة ذمة الملتزمين صرفيا بالكمبيالة ،494سيما وأن القانون لم يحل دون
التمسك بالتقادم ، 495على أنه يجب على المدين أن يتمسك به ، 496وال يجوز للمحكمة أن تقضي به من
ولو ألول مرة أمام محكمة 498
تلقاء نفسها 497كما يجوز التمسك به في أية مرحلة من مراحل الدعوى
االستئناف ،وقد ذهبت محكمة االستئناف التجارية بفاس نفس الذهب وقضت بسقوط الحق في الضمان
الصرفي لقا دم الدعوى الصرفية نتيجة لعدم إقامتها داخل األجل المحدد .499ويسير التشريع المصري
492راجع :أحمد كويسي ،م س ،ص245 – 241 :؛ علي سلمان العبيدي ،م س ،ص416 :؛ عبد الحميد الشواربي ،م س ،ص382 – 381 :؛
محمد عبد القادر محمد ،م س ،ص.128 -126 :
493أنظر في هذا الخصوص :أحمد كويسي ،م س ،ص246 :؛ علي سلمان العبيدي ،م س ،ص419 :؛ المختار بكور ،األوراق التجارية في
القانون المغربي ،م :بابل للطباعة والنشر ،الرباط ،ط :األولى ،س ،1993 :ص177 :؛ محمد الحارثي ،محاضرات في األوراق التجارية ،م،
المعارف الجامعية ،فاس .السنة الجامعية ،95 – 94ص ،158 :سميحة القيلوبي ،م س ،ص ،281 :محمد عبد القادر محمد ،مس ،ص :
133؛ مصطفى كمال طه ووائل أنور بندق ،م س ،ص223 :؛ منير قزمان ،الكمبيالة في ضوء الفقه والقضاء ،م :دار الفكر الجامعي،
اإلسكندرية دون ذكر عدد الطبعة س ،2000ص261 :؛ مصطفى كمال طه منير مراد فهيم ،األوراق التجارية واإلفالس ،م الدار الجامعية،
اإلسكندرية ،دون ذكر عدد وسنة الطبعة ،ص .209 :
494منير قزمان ،م س ،ص.261 :
495أحمد كويسي ،م س ،ص.246 :
496مصطفى كمال طه ،منير كمال فهيم ،م س ،ص.208 :
497الفصل 372من ق ل ع ال يجوز للقاضي أن يستند إلى التقادم من تلقاء نفسه.
498مصطفى كمال طه ،وائل أنور بندق ،م س ،ص.165 :
499قرار رقم ،1180 :صادر بتاريخ ،2013/07/02 :ملف ع(13/797 :غير منشور)؛ قرار رقم ،1465صادر بتاريخ ،2010/10/12 :م س.
117
على نفس النهج ،حيث رتب جزاء السقوط وانقضاء االلتزام الصرفي في مواجهة الحامل طبقا لما نصت
عليه المادة 386من القانون المدني المصري.
غير أن التساؤل الذي يطرح نفسه ،وبإلحاح يحوم حول مركز الملحقات والتوابع المرتبطة
بااللتزام الصرفي من فوائد وغيرها والتي ترتبط بهذا االلتزام ارتباط فرع وأصل؟
لم يجب المشرع المغربي عن هذا االشكال ،إال أن البعض 500يعتقد -وعن صواب في نطرنا -أن
سقوط االلتزام الصرفي في مواجهة الحامل يترتب عليه سقوط التوابع والملحقات المتعلقة بااللتزام
الصرفي كالفوائد وغيرها ولو لم تكتمل مدة تقادم تلك الملحقات ،وفهم هذا التوجه ينبغي تأمله على ضوء
المادة 162من مدونة التجارة التي أجاز بمقتضاها المشرع اشتراط فائدة على بعض أنواع الكمبياالت
التي تسحب بغية تسوية التزامات صرفية ناشئة ف ي األصل عن عالقات أصلية بين تاجرين أو غير
تاجرين ،بحيث يعين سعر الفائدة في الكمبيالة ذاتها( الفقرة 2من المادة )162ويبتدئ سريان احتسابها
ابتداء من تاريخ انشائها كمبدأ(الفقرة 3من المادة ،)162وال يحتسب انطالقا من تاريخ العالقة االصلية.
وعليه مادام االلتزا م الصرفي الناشئ عن الكمبيالة قد انقضى بالتقادم الصرفي فان ملحقاته المتعلقة
بالفوائد منطقيا يجب ان تنقضي .وعلى ذلك قضى القضاء المصري بقبول الدفع بالتقادم استنادا لحكم
نهائي برأ ذمة المدين من االلتزام الثابت في الورقة التجارية ومن فوائده وملحقاته.501
وإذا تمسك المدين بالدفع بالتقادم برأت ذمته من االلتزام الصرفي ،بيد أنه يجوز للدائن أن يدرأ
عنه آثار االلتزام الصرفي القائم على قرينة الوفاء بتوجيه اليمين إلى مدينه .وفي هذا الصدد نصت المادة
228على"...غير أنه إذا طلب من المدين المزعوم أن يؤدي اليمين على براءة ذمته من الدين كان ملزما
بأدائها ،كما يلزم ورثته وذو حقوقه أن يؤدوا اليمين على أنهم يعتقدون في حسن نية ببراءة ذمة
إلى اليمين إقرار المدين بعدم الوفاء ليترتب عليه ما يترتب على اليمين 502
موروثهم ،كما أضاف الفقهاء
من آثار ،إذ أن هذا اإلقرار يفضي إلى سقوط داللة قرينة الوفاء.
ِّمصر أن اإلقرار ينبني عليه عدم جواز تمسك المدين بالتقادم إذا أقر 503
ويرى جانب من فقهاء
بوجود الدين وعدم الوفاء ،وفي اعتقادنا فإن هذا الجانب من الفقهاء كان على صواب ،إذليس للمدين أن
118
يتمسك بالتقادم الصرفي اللتزامه إن أقر أو استخلص من كالمه ما يفيد عدم وفائه للدين ،طالما التمسك
بالتقادم يمنع الدائن من االستفادة من مزايا القانون الصرفي التي تبقى أهمها قاعدتا استقالل التواقيع
والكفاية الذاتية للكمبيالة وقاعدة تطهير الدفوع فقط ،بينما يعطي اإلقرار بعدم الوفاء بالدين للدائن الحق
في دعوى عادية طبقا للقواعد العامة ،بفارق واضح يتمثل في حرمان هذا األخير من االستفادة من كل
تلك المزايا السالف ذكرها ،فضال عن بطء وتعقيد المسطرة خارج خطوط الرجوع الصرفي وهي نفس
النتيجة بحسب تصورنا.
فاليمين المنصوص عليها في الفقرة األخيرة من المادة 228هي يمين حاسمة504توجه إلى
المدين بطلب من الدائن ،ويمكن لهذا األخير أن يوجهها في أي مرحلة من مراحل الدعوى ،ويمتنع على
المحكمة أن توجهها من تلقاء نفسها ، 505وبأداء اليمين من طرف المدين بعد توجيهها إليه من طرف
الدائن تبرأ ذمته وذمة باقي الملتزمين من الدين ،أما إذا نكل عن حلفها تعين على المحكمة أن تلزمه بأداء
الدين ويقتصر األثر على الملتزم الذي كان طرفا في الدعوى ،دون بقية الملتزمين بمقتضى الكمبيالة.506
غير أن اإلشكال األكثر وقعا على هذا المستوى يتعلق إن صح القول ،بنطاق تطبيق نظام التقادم
الصرفي من حيث الحقوق ،وبالتالي أي مركز للحق الناشئ عن العالقة األصلية الذي ضمن مبلغ الوفاء
به في الكمبيالة ،في إطار التقادم الصرفي؟ وما مدى حضور التأصيل القانوني لفلسفة مرور الزمن
(التقادم) ضمن األحكام المنظمة لزمن التقادم الصرفي؟
بداية سنستعرض في" نقطة أولى" اآلراء الفقهية والتوجهات التي أجابت عن مركز الحق الناشئ
عن العالقة األصلية والذي ضمن مبلغ الوفاء به ضمن كمبيالة ،ثم نناقش مدى حضور التأصيل القانوني
لفلسفة مرور الزمن (التقادم) ضمن أحكام التقادم الصرفي ،لنخلص خالله إلى نتيجة نصرح فيها عن
توجهنا في الموضوع في "نقطة ثانية".
فبالنسبة للنقطة األولى المتعلقة بمركز الحق الناشئ عن العالقة األصلية والذي ضمن مبلغ الوفاء
به في الكمبيالة ،فهذا اإلشكال كان للعمل القضائي السبق في اإلجابة عليه سواء في المدرسة الصرفية
المغربية أو في نظيرتها على مستوى الفقه والقضاء المقارن ضمن منظومة القانون الصرفي.
119
وبذلك ،فقد أجاب المجلس األعلى منذ عهد بعيد على هذا اإلشكال في قرار صادر بتاريخ 11
يناير 1974عندما قضى بأن الحكم المطعون فيه على أساس أن الحكم المؤيد عندما اعتبر الكمبيالة
كسند عادي يمكن االحتجاج به في أي وقت يكون قد أخل بمقتضيات الفصل 189من القانون التجاري
(القديم) والذي حدد أجل تقادمها في ثالث سنوات.507
وسيرا على نفس النهج دأب جانب من الفقهاء على تبني هذا التوجه القضائي واستماتوا في
الدفاع معتبرين أن تقادم االلتزام الصرفي يترتب عليه انقضاء االلتزام الثابت في الكمبيالة ،على أنه يجب
أن يتمسك به المدين ،وإذا حصل التمسك بالتقادم ترتب عنه فعال انقضاء االلتزام لكنه يتخلف عنه التزام
الذي أخذ بمبدأ عدم 509
طبيعي في ذمة المدين . 508ويبقى في ذمته ديانة كما ذهب إلى ذلك التشريع الليبي
سماع الدعوى وفقا لقواعد الفقه اإلسالمي ،والذي يجيز بالمقابل تخصيص القضاء بالزمان والمكان.
ومن األسانيد التي ارتكزوا عليها في تبرير قناعاتهم ،أن الدائن مادام لجأ إلى اعتماد الورقة
التجارية التي تخضع بداهة لقانون الصرف إال ارتضاء لتقصير مدة التقادم العادية لقاء ما يفيده من
ضمانات ومزايا خاصة تؤكد حقه في االستيفاء ،ومن جهة أخرى فإنهم يرون أن تخويل الحامل الذي
سقط التزامه الصرف ي بالتقادم صالحية الرجوع على من ظهر له الورقة بالدعو ى األصلية بعد انقضاء
دعوى الصرف مما يعطي لهذا المظهر الحق في أن يرجع بدوره على مظهره السابق على العالقة
الصرفية التي كانت سببا في التظهير ،وقد يك ون هذا األخير قد أصبح معسرا فيضيع على الموفي حقه
ويتحمل بذلك نتيجة إهمال الحامل وتراخيه عن المطالبة طوال مدة التقادم الصرفي ،وهذا حسب أنصار
هذا الرأي ،ليس من العدل في شيء ، 510ثم إن التقادم الصرفي يقوم قرينة على الوفاء ،وال يمكن دحض
هذه القرينة إال باإلقرار أ و النكول عن اليمين ،وإذا أجيز للدائن المطالبة بالمبلغ المستحق له بمقتضى
الدعوى األصلية لكان في ذلك تعطيل للقرينة التي أقامها القانون.511
120
واقتناعا بهذه المعطيات سلك العمل القضائي المصري وعلى غراره المغربي في أكثر من
مناسبة هذا التوجه ،وهو ما يتضح من خالل ما سارت عليه محكمة األريكية المصرية بتاريخ
لها بانقضاء االلتزام األصلي نتيجة انقضاء االلتزام الصرفي ،بل وبتبرئة 512
2014/12/08في حكم
المتهم مصدر الشيك بدون رصيد ،حيث جاء في حيثيات حكمها نصت 531في فقرتها األولى من
القانون رقم 17لسنة 1999المعدلة بالقانون رقم 152لسنة ،2004التي تنص على "...تتقادم دعاوى
رجوع حامل الشيك على الساحب والمظهرين وغيرهم من الملتزمين بدفع قيمة الشيك بمضي سنة من
تاريخ تقديمة للوفاء او من تاريخ انقضاء ميعاد التقديم " ،وحيث تبين للمحكمة انقضاء أكثر من سنة من
تاريخ التقديم وتحرير المحضر.
وإذا كان من الثابت للمحكمة أنه من تاريخ تقديم الشيك وتاريخ تقديم المحضر لم يتخد ِّقبل المتهم
تمة أي إجراء قاطع للتقادم وكانت المدة التي انقضت من ذلك التاريخ إلى حين تاريخ المعارضة قد
جاوزت السنة ،األمر الذي تنقضي معه الدعوى الجنائية بالتقادم عمال بالمادة 1/531من مدونة التجارة
المصرية.
لهذه األسباب حكمت المحكمة بقبول المعارضة شكال وفي الموضوع بانقضاء الدعوى الجنائية
بالتقادم استنادا إلى نص المادة 1/531من مدونة التجارة".
وبالرغم من وجاهة الحجج التي استند إليها أنصار هذا الرأي ،فإن القائلين ببقاء االلتزام األصلي
رغم تقادم االلتزام الصرفي لم يجدوا صعوبة في تفنيدها والرد عليها .فالقول بأن الدائن يرتضي
التنازل عن التقادم الطويل لقاء المزايا المتعددة التي يفيدها من الورقة التجارية ،قول فيه نظر وذلك
لسبب بسيط وهو أن التنازل ال يفترض كما أن الدائن عند رجوعه بناء على الدعوى األصلية ال يفيد من
امتيازات القانون الصرفي مما يعني أال محل الفتراض تنازله عن التمسك بالتقادم الطويل ،ومن جهة
أخرى فإن مجرد تسليم الورقة التجارية للدائن الحامل عن طريق التظهير ال يترتب عليه تجديد
االلتزام، 513والذي يفيد خضوع الدعوى األصلية بعد تقادم االلتزام الصرفي للتقادم التجاري والمدني ،مما
يعطي الحق للساحب الذي قدم للمسحوب عليه مقابل الوفاء حق مقاضاته ،إذا لم يقم بوفاء الكمبيالة ،كما
يحق للحامل الذي تقادمت دعواه الصرفية الرجوع على المسحوب عليه الذي تلقى مقابل الوفاء باعتباره
512منشور بالصفحة الرسمية لمكتب /عصام هالل عفيفي لالستشارات القانونية والمحاماة ،الموقع االلكتروني:
https://www.facebook.com/680249048758809/photos/pcb.785567991560247/785567878226925
513أحمد كويسي ،م س ،ص.249 :
121
محاال له بمقابل الوفاء .وفي عالقة المظهرين ببعضهم البعض ،فإنه يحق للمظهر إليه الرجوع على من
ظهر إليه الكمبيالة استنادا إلى العالقة السابقة التي كانت سببا في التظهير ،كما يحق للضامن االحتياطي
الذي تقادمت دعواه الصرفية الرجوع على مضمونه استنادا للعالقة األصلية التي كانت سببا في تقديم
الضمان الصرفي ،514ولكن على أساس القواعد العامة للكفالة.
وعليه ،فإن حسب أنصار هذا الرأي ، 515إذا سقط حق الحامل في ممارسة الرجوع الصرفي على
المظهرين والساحب أو المسحوب عليه الذي تسلم مقابل الوفاء بسبب إهماله القيام باإلجراءات التي
يفرض القانون القيام بها في المواعيد المقررة ،فإن أثر السقوط الناتج عن التقادم ال يمس إال ممارسة
الحق في االستفادة من مزايا الرجوع الصرفي ،وال يمس الدعوى الخاصة بالعالقة األصلية في شيء،
ذلك أن كلتا العالقتين األصلية والصرفية تهدفان إلى تمكين الدائن من الحصول على حقه ،وبالتالي فإن
تن فيذ أحداهما يستتبع بالضرورة انقضاء األخرى ،إذ ليس ثمة مانع قانوني يمنع أن يلتزم المدين بمقتضى
وسلتين مزدوجتين بأداء دين واحد بين يدي الدائن وأن يكون تبعا لذلك لهذا األخير دعويان إلجبار
المدين على الوفاء بحيث إذا حصل الوفاء بمقتضى إحداهما فقد حقه في الرجوع باألخرى 516سيما وأن
السحب ال يجدد االلتزام .517وهو التوجه الذي ينبغي سلكه من قبل القضاء المغربي في سبيل تكريس
قاعدة عدم تأثير سقوط دعوى الرجوع الصرفية نتيجة التقادم المرتبط بها على الحق الناشئ عن العالقة
األصلية التي تبقى خاضعة للتقادم التجاري أو المدني بحسب األحوال أو الجنحي إذا ما تعلق األمر
بالحق العام ،وقد سار على هذا النهج القضاء المصري عندما قضى بإلغاء الحكم االبتدائي الصادر عن
محكمة األريكية المصرية بتاريخ 2014/12/08في الحكم المشار اليه سلفا بالرغم من تأييد معظم فقهاء
مصر ذات التوجه ،حيث ألغت الحكم ال صادر عن المحكمة السالفة الذكر والحكم من جديد بحبس المتهم
مصدر الشيك بدون رصيد وبكون التقادم الصرفي ال محل لتطبيقه في النازلة وأن التقادم الجنحي المقرر
في ثالث سنوات هو الواجب التطبيق.518
122
ولكن التساؤل يطرح في األحوال التي تنصرف فيها إرادة األطراف إلى تجديد االلتزام كأن
يعمد الساحب الذي يسحب كمبيالة على نفسه وفاء اللتزامه في مواجهة المسحوب عليه ،إلى تضمين
مبالغ أخرى خارج عن نطاق العالقة المسحوبة بمناسبتها بما يفيد التجديد الضمني لاللتزام من ظروف
مالبسات المعاملة؟.
أما بخصوص النقطة الثانية المتعلقة بمدى حضور التأصيل القانوني لفلسفة مرور الزمن
(التقادم) ضمن أحكام التقادم الصرفي وأي الرأيين يرجح من اآلراء التي عرضنا لها سلفا ،فإننا سنستهل
الحديث على هذا المستوى باستحضار المقاربة القانونية التي نستشف منها مدى حضور التأصيل
القانوني لفلسفة مرور الزمن (التقادم) ضمن منظومة التقادم الصرفي.
فنظام التقادم ال يختلف اثنان على أنه مرور الزمن على الحق يجعل المطالبة القضائية ممتنعة إذا
تمسك به الطرف اآلخر519وهو بذلك يستهدف تحقيق األمن واالستقرار القانونيين 520اللذين يعتبران قيمة
أساسية لكل نظام قانوني.521
519مريم فايز ،دعوى رفع أجل السقوط في إطار مساطر صعوبات المقاولة ،رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص ،كلية الحقوق،
جامعة القاضي عياض ،مراكش ،السنة الجامعية ،2013-2012:ص.14 :
520راجع بهذا الصدد :حسن محمود عبد الدائم عبد الصمد ،التقادم وإسقاطه للحقوق ،م س ،ص 221 :وما بعدها.
عبد الحميد الشواربي ،أسامة عثمان ،أحكام التقادم ،م :المعارف ،اإلسكندرية ،دون ذكر عدد وسنة الطبعة ،ص.19 :
521محمد كمال شرف الدين ،مسائل في فقه القانون المدني المعاصر ،منشورات مجمع األطرس للكتاب المتخصص ،تونس دون ذكر عدد
الطبعة ،س ،2014 :ص .1176 :
522 ème
J. CARBONNIER, Flexible droit, 5 édition, LGDJ, 1983, p 27.
ذكره :محمد كال شرف الدين ،المرجع السابق.
523محمد كمال شرق الدين ،م س ،ص .1977 :
123
ما ذهب إليه جانب من الفقهاء ، 524وعن صواب ،فإن رد التقادم العتبارات فردية من هذا القبيل تفسير
غير صحيح ،ذلك أن التقادم يقوم على أساس اعتبارات عامة تتصل بالصالح العام للمجتمع وباألفراد
الذين هم معنيين به ،فهو يستند إلى ضرورة اجتماعية تجعله ألزم ما يكون ،حيث يتعين أن يوضع حد
ينهي المنازعة في أمر معين ،وبدون ذلك ال يمكن ألحد أن يطمئن بحقه مهما مضى الزمن على قعود
خصمه عن المطالبة ،مما يؤدي بكل تأكيد إلى زعزعة في المراكز القانونية واضطراب في المعامالت،
األمر الذي يبعث الفوضى ويقوض النظام االجتماعي واالقتصادي على حد سواء.
وإذا كان هذا هو قدر الحاجة إلى نظام التقادم (مرور الزمن) في المادة المدنية أو التجارية فإن
المادة الصرفية أولى وأحرى بتبنيه لما ينجم عنه من حسم في المنازعات التي يجب أثارتها في المدد
الذي يختلف عن 525
القانونية المحددة سيما إذا علمنا أن المادة الصرفية اعتمدت نظام التقادم القصير
التقادم المدني والتقادم التجاري ،غير أن الحق الذي يسقطه نظام مرور الزمن الصرفي (القصير) ليس
الحق الناشئ عن العالقة األصلية والذي ض ِّمن مبلغ الوفاء به في الكمبيالة ،وإنما الحق في ممارسة
الرجوع الصرفي ،حيث أن مرور مدة التقادم الصرفي تحرم الدائن من االستفادة من امتيازات وضمانات
القانون الصرفي مما يحتم عليه اقتضاء حقه طبقا للقواعد العامة المدنية أو التجارية بحسب األحوال،
وهو ما يحمل على طرح سؤال مشروع في هذا الصدد مفاده ما المقصد من تنظيم مرور الزمن الصرفي
القصير مادام أنه لن يؤثر في أصل الحق؟.
إن لسقوط الحق في ممارسة الرجوع الصرفي ل ِّشدة بالنسبة للتجار يكاد يضاهي سقوط الحق
في سماع الدعوى بالنسبة للمدنيين ،ولفهم هذه المقاربة ينبغي مناقشة السؤال المطروح على ضوء
الضمانات التي يكفلها القانون الصرفي للدائن ،والتي تبقى أهمها قاعدة تطهير الدفوع واستقالل التواقيع
الناشئ عن الكفاية الذاتية للورقة التجارية ،ومن هنا تتجلى أهمية احترام المدد القانونية للتقادم الصرفي
بالنسبة للحامل والتي ت قيه وتجنبه مغبة مواجهته بالدفوع الناشئة عن العالقة األصلية من قبل المدين
فضال عن تعقيد المساطر العادية ،ونسوق على سبيل المثال لجوء الدائن إلى مسطرة األمر باألداء في
خالل الوقت الذي تكون فيه الكمبيالة محتفظة بصفتها الصرفية ،ودور قاعدة تطهير الدفوع في هذه
ال مسطرة في تمكينه من استيفاء حقه في أقرب اآلجال ،خالفا للجوئه إلى ذات المسطرة بعد تقادم الورقة
الصرفية مما يعطي للمدين الحق في المنازعة في أصل الدين استنادا للعالقات األصلية مع ما يترتب
124
على المنازعة في الدين على مستوى مسطرة ألمر باألداء من آثار قانونية ،وبذلك نقول أن تقادم الورقة
التجارية صرفيا يفقدها صفتها تلك ،ويمنع الحامل من سماع الدعوى الصرفية ويحرمه من امتيازاتها إال
أن التقادم الصرفي ال يؤدي إلى حرمان الحامل من ممارسة الدعوى التي تستند إلى االلتزام األصلي
الذي كان سببا في سحب الكمبيالة أو تظهيرها.526
وفي اعتقادنا فإن ما يزكي هذا الطرح ويقويه ما ورد في الفقرة األخيرة من المادة 228من
المدونة التي تعطي الحامل الحق في توجيه اليمين الحاسمة إلى المسحوب عليه القابل ليحلف أنه قد وفى
بدينه ،أو أن يوجهها في حالة وفاة هذا األخير إلى ورثته وخلفه ليقسموا أنهم يعتقدون عن حسن نية
براءة ذمة مورثهم .وال غرو في أن المشرع شرع توجيه اليمين بعد مرور زمن التقادم الصرفي ليس
ليدرأ آثار هذا التقادم عن الدين أصل الحق بقدر ما كان يهدف إلى توجيه مسار المسطرة بعد إجراء
اليمين ،فالتقادم الصرفي أثره الوحيد هو أنه يمنع الحامل من ممارسة حق الرجوع الصرفي والستفادة
من مزياه ،وإنما شرعت اليمين ألجل استخالص إقرار المسحوب عليه بالدين من عدمه وال أثر للتقادم
الصرفي على هذا الدين بدليل أن اليمين توجه بعد انقضاء مدة التقادم الصرفي وإال لكان للحامل أن
يمارس دعواه الصرفية دون الحاجة إلى هذه اليمين مادام زمن التقادم لم ينته ،فإذا نكل المسحوب عليه
القابل(المدين) عن حلفها جاز للحامل مقاضاته طبقا للقواعد العامة المنظمة للعالقة األصلية وليس طبقا
لمقتضيات الرجوع الصرفي لكونه فقد ممارسة هذا الحق.
ورب سائل يتساءل ،ويقول بأال فائدة تجنى من توجيه اليمين بعد انقضاء زمن التقادم الصرفي،
اللذين يترتب عليهما هما حق الدائن (الحامل) في مواجهة المدين مادام إقرار أو نكول المدين
(المسحوب عليه القابل أو غيره) ال يسعف في االستفادة من مزايا الرجوع الصرفي ومادام أن المشرع
يسلم بثبوت حقه سلفا في الرجوع طبقا للقواعد المدنية أو التجارية من منطلق أن التقادم الصرفي ال يؤثر
على الدين الناتج عن العالقة األصلية؟
إن الجواب عن هذا السؤال المفترض يجد سنده في نظرية القيمة االقتصادية لعنصر الزمن في
القانون ،527ذلك أن توجيه اليمين على مستوى المسطرة الصرفية التي يقضى في شأنها بالسقوط بسبب
التقادم يتمخض عنه ربح للوقت وتفاديا إلهدار عنصر الزمن ،وذلك بوضع حد للنزاع في حالة النكران
من طرف المدين(المسحوب عليه القابل) ،وإما باستهالل دعوى جديدة أمام القضاء المدني أو التجاري
526أحمد كويسي ،م س ،ص.249 :
527راجع بهذا الخصوص ،على مجلد محمد غيث ،نظرية الحسم الزمني في االقتصاد اإلسالمي ،م س.
125
بحسب األحوال ،تكون النتيجة فيها محسومة سلفا لفائدة الدائن في حالة اإلقرار أو النكول ،حيث يستند
القضاء إلى الحكم القضائي الصادر في حق المدين الذي أقر بالمديونية أو نكل عن حلف اليمين وبالتالي
لن يهدر الزمن المسطري في نشر الدعوى من جددي وتمحيص اإلثباتات واللجوء إلى وسائل التحقيق
وما تتطلبه من وقت قد يرهق الدائن خاصة إن كان تاجرا.
واستنادا إلى ذلك سنعمل على مناقشة عنصر الزمن في العقود التجارية وفق مقاربة تحليلية
نحاول من خاللها الكشف عن األهمية القانونية واالقتصادية لعنصر الزمن على هذا المستوى (مطلب
528زهير عباس كريم ،مبادئ القانون التجاري ،دراسة مقارنة -دراسة مقارنة ،-م :الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،دون ذكر عدد الطبعة ،س:
،1995س.848 :
529زهير عباس كريم ،المرجع نفسه.
530نورة غازالن الشنيوي ،الوجيز في العقود التجارية ،م :الورد ،انزكان ،ط :األولى ،س ،2014 :ص .37 :
531نورة غزالن الشنيوي ،المرجع نفسه.
126
أول) ثم نتطرق بعد ذلك إلى بعض تطبيقات عنصر الزمن في هذه العقود (مطلب ثان) سيرا على نفس
النهج الذي ذهبنا مذهبه في المبحث السابق.
لما كانت العقود التجارية عموما تشكل محور التقاء ووصلة ربط بين أطراف المعاملة التجارية،
عمل المشرع على تخصيصها بأحكام خاصة استقاها في األصل من خصوصية المادة التجارية التي تقوم
عل ى السرعة واالئتمان باعتبارهما عنصران ال غنى لألعمال التجارية عنهما ،532والتي تم تكريسها
ضمن مدونة التجارة ،وتبقى أهم هذه األحكام ما تعلق منها بحرية إثبات التصرفات القانونية مهما كانت
قيمتها ،والتشدد في منح المدين بدين تجاري مهلة للوفاء ،واعتماد نظام التقادم القصير وكذا فسح المجال
أمام التجار المتقاضين لعرض نزاعاتهم التجارية الناشئة عن العقود المبرمة بينهم على أنظار المحاكم
التجارية أو على مؤسسات التحكيم ، 533وال تخفى األهمية القانونية لهذه األحكام من حيث األثر الذي
ترتبه على مستوى خدمة البيئة التجارية كونها تسهم في التسريع بوثيرة اإلجراءات والمعامالت وبالتالي
ربح الوقت الذي يقيم في مجال األعمال بقيمة النقد والمال ،ومنه تظهر األهمية االقتصادية لعنصر
الزمن في هذا اإلطار .وعليه سنتوقف عند كل حكم من هذه األحكام للتعريف بما يضمنه من إمكانات
تخدم خاصية السرعة عن طري ق تالفي مسالة التمديد للنطاق الزمني لإلجراءات على غرار ما يحصل
في المادة المدنية.
فبالنسبة لحرية اإلثبات فقد اعتمد المشرع التجاري نظاما خاصا لإلثبات يالئم البيئة التجارية
وقادر على استيعاب ما يستجد فيها ، 534ومنطلق ذلك أن التاجر ال يالئمه القيام بتحرير دليل كتابي عن
كل عملية تجارية يقوم بها في نفس اليوم ،كما أن المبادرة السريعة دون تردد أو تضييع للوقت من قبله
للقيام باألعمال التجارية تعتبر من بين دوافع ا ألخذ بالحرية واالبتعاد عن الشكلية التي تتطلبها الحياة
المدنية ،535ذلك أن تقييد حرية اإلثبات والمبالغة في فرض الشكلية حسب األستاذ عبد الحميد أخريف
532أكرم يا ملكي ،القانون التجاري ،دراسة مقارنة ،ج األول ،م :الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،ط ،األولى ،س ،1998 :ص.9 :
533تجدر اإلشارة إلى أن المشرع المغربي قد زكى منظومة قانون األعمال بالمصادقة على قانون رقم 08.05المتعلق بالتحكيم والوساطة
االتفاقية ،وال يخفى على أحد أهمية هذه المؤسسات في التشريع بوثيرة حل النزاعات التجارية في أقرب األوقات وإنهاء الخصومة في أواخر
الفترات بعيدا عن تعقيدات المحاكم الرسمية.
534نورة غازالن الشنيوي ،م س ،ص38 :
535الفصل 443من ق ل ع.
127
معناه استهالك الوقت بشكل كبير في إعداد الحجج واالحتفاظ بها ،536وتكريسا لذلك ،فإن القاعدة التي
افتتحت بها مدونة التجارة كتابها الرابع المنظم للعقود التجارية تقضي بخضوع المادة التجارية لحرية
اإلثبـات.537
غير أن هذا ال يعني خلو المادة التجارية من شكلية بعض العمليات ،538إذ أن هذه األخيرة عند
إثباتها في بعض المعامالت التجارية ماهي إال وسيلة عملية ممتازة لإلسراع في انتشار التزامات ونقلها
وإنهائها نظرا لما تتضمنه هذه الشكلية من تقليل ألسباب التردد والنقاش حول طبيعة هذه االلتزامات
وبالتالي ربح الوقت وآ ثارها وما تؤدي إليه من تضييق لمجال نشوء المنازعات بشأن هذه االلتزامات
539
وتفادي تضييعه وفيما عدا ذلك ،يضيف األستاذ أكرم ياملكي540أن مبدأ حرية اإلثبات في المادة التجارية
يلعب دورا فعاال في ضمان سرعة اإلجراءات ،إذ أن الحرية التي يتمتع بها التجار إلثبات التصرفات
القانونية التجارية مهما بلغت قيمتها بأية وسيلة من وسائل إلثبات ودون التقيد بإحداها ألكبر حافز لرجال
األعمال ل إلسراع في عقد صفاتهم وإبرام عقودهم ال عن طريق الكتابة فحسب ،بل حتى عن طريق
المشافهة أو الهاتف ....
أما بالنسبة لحكم التشدد في من ح مهلة للوفاء بدين من قبل مدين تاجر ،541فإنه لما كان للوقت
قيمة كبيرة في مجال المعامالت التجارية لم يستسغ منح مهلة للمدين من أجل الوفاء بدينه إذا استحال
عليه ذلك في األجل المقرر له ،ألن من شأن تأخره أن يلحق ضررا بالدائن الذي يعتمد في مزاولة
نشاطه على استيفا ء حقوقه في مواعيدها ،وإذا كانت هذه القاعدة تتماشى من جهة مع طبيعة األعمال
التجارية التي من مقوماتها السرعة في التعامل مما يجعل التوقف أو التأخر عن أداء الديون سببا يؤول
إلى اضطرابها ،فإنها من جهة أخرى تروم كفالة حقوق الدائن وحمل المدين على الوفاء في األجل المتفق
عليه.542
128
وبخصوص نظام التقادم القصير ،فقد تبناه المشرع خروجا عن المبدأ العام المتأصل في المادة
بما يضمن استقرار المعامالت ،حيث 543
المدنية ،ومراعاة منه للمعامالت التجارية التي مناطها السرعة
جعل الدعاوى الناشئة عن االلتزامات بمناسبة عمل تجاري بين التجار أو بينهم وبين غير التجار تتقادم
بمضي خمس سنوات ما لم توجد مقتضيات خاصة مخالفة ،ولعله راعى في ذلك أن التجار من الواجب
أال يتأخروا في المطالبة بحقوقهم مع ضرورة االستمرار في السعي إلى الحصول عليها بسبب حاجتهم
الكبيرة إلى المال ،وأيضا للحد من المنازعات الناشئة عن تلك االلتزامات في أقصى سرعة ممكنة.544
ويالحظ أن القضاء المغربي يستند للحكم بالتقادم في االلتزامات التجارية على مقتضيات الفصل
388من ق ل ع في فقرته األولى ،وعلى المادة 5من مدونة التجارة ،وهذا ما ذهبت إليه المحكمة
التجارية بالدار البيضاء حيث جاء في حيثيات أحد أحكامها.
" ...وحيث دفعت المدعي عليها بالتقادم الخمسي المشار إليه في الفصل 388 /1من ق ل ع.
وحيث عقبت المدعية بأن مقتضيات الفصل المذكور ال تسري على هذه المنازعة باعتبار أن
األمر في النازلة يتعلق بالتزام عقدي يسري على التقادم المحدد في 15سنة.
وحيث إن النزاع في هذه النازلة يخص شركتين تجاريتين ويتعلق بحاجات مهنتهما ،وبالتالي فإن
مقتضيات الفصل 388هي التي تطبق.
وحيث باإلضافة إلى ذلك فإن المادة 5من مدونة التجارة تشير إلى أنه تتقادم بخمس سنوات
اللتزامات الناشئة بمناسبة عمل تجاري بين التجار أو بينهم وبين غير التجار.
وحيث إنه ما بين تاريخ آخر رسالة هو 1992 /4 / 28وتاريخ رفع الدعوى مرت أكثر من 5
سنوات وبذلك تكون الدعوى قد طالها التقادم مما ينبغي التصريح بسقوطها.545
ومن جملة ما يخدم خصيصة السرعة في العقود التجارية ما يتعلق بمكنة عرض النزاع الناشئ
بين التجار ع لى أنظار المحاكم التجارية المختصة وكذا صالحية التوجه إلى مؤسسات التحكيم وما
يترتب على ذلك من ربح للوقت الناشئ عن فض النزاعات الناشئة عن المعامالت التجارية في نطاق
129
زمني قصير ،وكذا اإلسهام في تنشيط العملية التنموية والرفع من وثيرة االزدهار االقتصادي واإلنعاش
االستثماري ،والشك أن منطلق هذا يكمن فيما ينبثق عن العقود التجارية كحلقة ربط وتأطير لكل عملية
تجارية ، 546وأخيرا يمكن الحديث عن نظام التضامن التجاري المفترض بين المدينيين بدين تجاري وما
يحتويه من مقتضيات تستجيب لعامل السرعة الذي ينبغي أن تتسم به المعامالت التجارية ،547بحيث
يتمكن كل دائن من مالحقة أي من هؤالء من أجل استيفاء دينه بالكامل من دون أن يستطيع هذا المدين
التمسك بوجوب تجزئة الدين أو أن يحتج بعدم النص على التضامن ،548وال يخفى أثر التضامن
المفترض في التسريع بوثيرة اقتضاء الحقوق من قبل الدائن التاجر الذي يكون من حقه أن يتوجه
بالمطالبة بكامل مبلغ الدين في مواجهة المدينين المتضامنين مما يعكس حضور استثمار قيمة عنصر
الزمن ضمن سياق العقود التجارية.
وعلى غرار الزمن في األوراق التجارية ،وبالنظر للقيمة االقتصادية والقانونية لعنصر الزمن
في مادة العقود التجارية وما أطر ته من مقتضيات في هذا النسق القانوني ،سنحاول الكشف عن أنواع
الزمن في العقود التجارية (فقرة ثانية) بعد استشفاف بعض خصائصه(الفقرة األولى) من األحكام
القانونية المنظمة له ضمن الباب الرابع من المدونة.
إن إلقاء نظرة على المقتضيات القانونية المنظمة لعنصر الزمن من داخل األحكام المؤطرة
للعقود التجارية ضمن الباب الرابع من مدونة التجارة ،توحي بما ال يدع مجاال للتردد في الحكم على أن
عنصر الزمن على هذا المستوى له كيان زئبقي ال يسعف الدارس في اإللمام بكل خصائصه نظرا
لتشع ب العقود وتشابكها بتشابك األعمال التجارية كونها تعتبر ترجمة أو قوالب تتم في إطارها األعمال
واألنشطة التجارية ، 549ولكون الحياة التجارية قابلة إلفراز مئات العقود من طبيعة خاصة وبعضها ال
يحض بتنظيم قانوني أصال .من أجل ذلك ،حاولنا رصد بعض الخصائص التي يتميز بها عنصر الزمن
داخل منظومة العقود التجارية ومن جملة هذه الخصائص نجد :
546السيما وأن المادة 5من مدونة التجارة في معرض تعدادها للقضايا التي ينعقد فيها االختصاص للمحاكم التجارية فيما يخص انعقاد
االختصاص النوعي.
547أنظر اإلحالة 98من الصفحة 47؛ نورة غزالن الشنيوي ،م س.
548أكرم ياملكي ،م س ،ص .15 :
549بوعبيد عباسي ،م س ،ص .6 :
130
أوال :تأثر عنصر الزمن القانوني بفعل الواقع ،وتستشف هذه الخاصية من خالل الفقرة الثانية
من المادة 347من المدونة ،حيث أن حلول أجل االستحقاق يعطي حامل بطاقة الرهن الحق في اتخاذ
في حالة االمتناع عن الدفع ،وهو ما يعني بالمفهوم المخالف ،أن الوفاء ينهي 550
مجموعة من اإلجراءات
العملية ويحرر من اآلثار القانونية المترتبة على مخالفة االلتزامات الواجب التقيد بها بالتزامن مع حلول
ميعاد االستحقاق.
ثانيا :تأثير الزمن على الحق ،وتستقي هذه الخاصية من صلب المادة 350من المدونة التي
تكرس الوقع القوي لعنصر الزمن على ممارسة بعض الحقوق يبقى من أهمها الحق في ممارسة الرجوع
القتضائها ،بحيث أن التمادي والتهاون في اتخاذ اإلجراءات الالزمة داخل النطاق الزمني الذي حدده
المشرع يؤدي إلى فقدان الحق في ممارسة الرجوع من طرف الحامل ضد مظهري بطاقة الرهن.
ثالثا :الزمن في العقود التجارية عنصر وظيفي ،إذ الشك أن تنظيم الزمن القانوني من داخل
العقود التجارية على غرار باقي فروع القانون التجاري األخرى كان الهدف منه أداء وظائف معينة
لتحقيق أهداف خاصة ،ومن جملة الوظائف التي نستخلص سعي المشرع إلى تحقيقها باستعمال تقنية
الزمن ،ما ورد عليه النص في الفقرة الثالثة من المادة 396التي عمدت بمقتضاها المادة السالفة الذكر
إلى تنظيم النطاقات الزمنية التي ينبغي على الطرف الذي وضع حدا لعقد الوكالة التجارية توجيه
األشعار في غضونها إلى الطرف اآلخر بشكل منتظم يراعي في ذلك مدة حياة العقد .وباإلضافة إلى
وظيفة التنظيم هاته ،نستخلص من صميم المادة 456وظيفة أخرى هي وظيفة التسريع بوثيرة
المعامالت بما يضمن السرعة التي تتطلبها هاته األخيرة ،بحيث نجد أن من بين أهم االلتزامات التي تقع
على عاتق الناقل هو إيصال البضاعة في الميعاد المتفق عليه ،551وفي هذا الصدد تنص المادة 456
السالفة الذكر بصيغة الوجوب على ضرورة التقيد باألجل الذي يحدد االتفاق ،....تحت طائلة تحمل
المسؤولية عن التأخير.
رابعا :الزمن عنصر إلزام ،وهو ما يستفاد من روح المادة 340من مدونة التجارة ،التي تجيز
للدائن أن يجري بيعا للشيء المرهون إذ حل تاريخ االستحقاق دون أن يوفي المدين بدينه بعد تبليغه أو
تبليغ مالك الشيء المرهون إن وجد ،داخل حيز زمني حدد نطاقه المشرع في أجل 7أيام مما يعني أن
550حيث يمكن كامل لبطاقة الرهن ...أن يعمد إلى بيع البضاعة المرهونة بدون إجراءات قضائية وذلك بعد ثمانية أيام من االحتجاج "....؛
المادة .347 /2
551زهير عباس كريم ،م س ،ص .310 :
131
مالحقة المدين بحتمية انقضاء هذا األجل تلزمه بتدبر أمره والوفاء بدينه ليتجنب مغبة بيع الشيء
المرهون الذي قد يكون المدين التاجر في حاجة ماسة إليه لممارسة نشاطه التجاري ،552ومن هنا يتضح
الطابع الملزم آللية الزمن في مواجهة المدين الذي يتقاعس عن الوفاء بدينه بحلول ميعاد االستحقاق.
خامسا :الزمن في العقود التجارية عنصر منتج ،وهذه الخاصية يمكن استنباطها إلى جانب
الفصل ، 497من مجموعة من الفصول ،والذي ينظم كيفية احتساب الفوائد البنكية في الحساب
ب االطالع ،حيث تنص المادة السالفة الذكر على "...يسجل في الرصيد المدين للحساب ،دين الفائدة للبنك
المحصور كل ثالثة أشهر ....وساهم ...في تكوين رصيد لفائدة البنك ينتج بدون فوائد ."...حيث أن
عنصر الزمن في العقود البنكية بصفة عامة ينتج فائدة لصالح البنك كلما استمر بالتزامن مع واقعه
مديونية الزبون ،لمدة حددها المشرع في حالة الفصل السالف الذكر في ثالثة أشهر ،لذلك وصفت بعض
المدارس االقتصادية الزمن بأنه عنصر من عناصر اإلنتاج واهتمت بتحليل أثره اهتمامها ببقية العناصر
األخرى مثل العمل وراس المال ،وتبقى أهم المدارس والنظريات التي اهتمت بهذا الموضوع اهتماما
بالغا ،نظرية اإلنتاج والفائدة عند رواد المدرسة النمساوية وخاصة منهم "بوهم بافرك" الذي أكد على
أهمية الزمن في المذهب االقتصادي للمدرسة النمساوية وأوضح أن الفائدة تعتبر ثمن عام ِّل إنتاج هو
عامل الزمن.553
إن القواعد التي تحكم عقود التجارة جزء ال يتجزأ من األحكام العامة التي تختص بها المادة
التجارية ،وال يبقى التنظ يم القانوني لعنصر الزمن بمنأى عن هذه الوحدة ،لذلك فإن أنواع هذا األخير في
العقو د التجارية ال تخرج عن أحد النوعين على غرار باقي فروع المادة التجارية مع انفراد نسبي
بخصوصية على هذا المستوى ،ويتعلقا األمر بكل من زمن المعامالت أو األطراف (أوال) وزمن
التقاضي (ثانيا) .
132
التجاري لهذا النوع من الزمن عناية خاصة في ا لعقود التجارية ،وهو ما يتبين بشكل جلي من خالل
المقتضيات المؤطرة لعنصر الزمن على هذا المستوى ،وفي هذا الصدد نجد المشرع يحدد النطاقات
الزمنية بشكل متسق الحتواء معامالت الوكيل التجاري وموكله من حيث المدد القانونية التي ينبغي أن
تباشر االلتزامات الناشئة عن هذه المعامالت داخلها ،زيادة على ذلك ،حدد المشرع بشكل دقيق
في األحوال التي يبادر فيها أحد الطرفين 554
المقتضيات المنظمة لعنصر الزمن فيما يتعلق بمهل األشعار
إلنهاء عقد الوكالة التجارية بإرادة منفردة.555
وعلى مستوى عقد السمسرة فهذا األخير لم يبق بمنأى عن الحاجة إلى التنظيم القانوني لعنصر
الزمن حيث أنه وبالرغم من عدم التنصيص على هذا التنظيم بشكل مباشر من طرف المشرع ،فإنه أرشد
القضاء إلى اعتماد عنصر الوقت إلى جانب عناصر أخرى لتقدير أجرة السمسار ،556وهو األمر الذي لم
جاء في 557
يجد القضاء بدا من اتباعه ،وفي هذا الصدد صدر قرار عن محكمة االستئناف التجارية بفاس
حيثياته "...وحيث أن محكمة االستئناف بما لها من سلطة تقديرية ،ومراعاة منها لظروف العملية
الخاصة والوقت الذي تطلبته وطبيعة الخدمة ،...ارتأت أن الحكم المستأنف بتحديده األجرة في 10000
درهم قد علل تعليال كافيا وصادف الصواب األمر الذي ينبغي معه تأييده"...وعلى غرار ما سلف ،حظي
عقد النقل بتنظيم دقيق لزمن المعامالت من قبل المشرع ،بل األكثر من ذلك أنه ترك لألطراف حرية
حصره بعد أن الزمهم باحترامه ،558وفي مقابل ذلك رتب على الناقل الذي يخل بالتزاماته في إيصال
البضاعة إلى المرسل إليه في التاريخ المحدد ،جزاء يحتسب بدوره استنادا إلى مرور الزمن في اتجاه
133
التأخير ،يتحمل بمقتضاه الناقل اقتطاعا من ثمن النقل بتناسب مع مدة التأخير ،وإذا استغرق الناقل ضعف
األجل المقرر للوصول سقط حق الناقل في ثمن النقل كله .559"...
وعلى مستوى التنظيم القانوني للعقود البنكية فقد أولى المشرع لزمن المعامالت على هذا
المستوى تنظيما محكما من خالل كل الفصول التي تناولت عنصر الزمن ،وفي هذا الصدد نستشهد بما
ورد عليه النص في المادة 506من مدونة التجارة ، 560التي يستفاد من روحها أن المشرع شدد على
تحديد نطاق زمن الحساب ألجل بين الزب ون والمؤسسة البنكية ،وذلك ألهمية عنصر الزمن من خالل
هذا النوع من العقود واألدوار التي يؤديها بحيث يعتبر عنصرا أساسيا من عناصر العقد اعتبارا ألن
سعر الفائدة يتحدد مداه تصاعديا أو تنازليا استنادا إلى مدة النطاق الزمني للعقد.
وإذا سلمنا بأن العقود التجارية ت قوم على حرية التعاقد بين أطراف العملية التجارية ،فإلى أي
مدى يمكن القول بخضوع هؤالء إلى مقتضيات قانون 32.10المنظم لزمن األداء بين التجار خصوصا
في العقود التي يكون محلها تسليم بضاعة أو تقديم خدمة السيما إذا علمنا أن أطراف العالقة في العقود
التجارية – التجار – يلجأون إلى تسوية معامالتهم بإصدار أوراق تجارية بسحبها على بعضهم البعض؟
إن محاولة اإلجابة عن هذا التساؤل تحيل بشكل ضمني إلى استجالء ضعف مستوى الحكامة
التشريعية وغياب الرؤية في مالءمة القوانين التجارية خصوصا من حيث المقتضيات المنظمة لعنصر
الزمن نظرا أل همية هذا األخير في القانون عموما والتجاري منه على وجه الخصوص ،الشيء الذي
يؤدي ال محالة إلى غياب األمن القانوني الناشئ عن تعقيد العالقة بين القوانين المؤطرة لنفس المادة
والسرعة التي تستدعيها سياسة تجارية 561
وبالتالي الحؤول دون ضمان الثقة في القاعدة القانونية
واقتصادية تحمي المستثمرين من تجار وأصحاب رؤوس أموال هدفها ضمان عملية التبادل التجاري
الذي أصبح مطلبا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا 562وبالتبعية تدبدب دور القضاء في خلق الثقة واالطمئنان
من خالل التوحد في االجتهادات القضائية ،563فالتشريع الجيد يحتاج إلى تنفيذ سليم ،وضمان حسن
وبالتالي تمكين المتقاضين من تنفيذ أحكامهم في اقرب 564
التطبيق يتوقف على رقابة فاعله ومبدعة
134
وهو األمر الذي لن يتأتى في ظل غياب مالءمة 565
اآلجال بما يحقق األمن القضائي في المادة التجارية
تشريعية فاعلة وانعدام تصور قانوني واقعي تتالشى معه أبسط آليات التوقع واالستقرار القانوني.
سلفت اإلشارة إلى أن زمن التقاضي هو العمر االفتراضي الذي ينبغي أن تستغرقه الخصومة
القضائية باعتباره اإلطار العام للتغيير والضبط الذي يمارسه القاضي على زمن المسطرة حسب ما جاء
على لسان األستاذ عبد الحميد اخريف ،566وفي عالقة بالعقود التجارية التي تختص المحكمة التجارية
بالبت في النزاعات الناشئة عنها ،فإن نفس المقتضيات التي تخص إجراءات مسطرة التقاضي من حيث
الزمن هي التي تستحكم فيها .لذلك سنكتفي في هذا الصدد باإلحالة على زمن التقاضي في م ت الذي
تناولناه في الفصل األول من هذا البحث تفاديا للتكرار .إال أن النطاق العام لزمن التقاضي في العقود
التجارية كغيره من باقي موضوعات القانون التجاري والذي ينبغي على من ينوي مقاضاة طرف آخر
أمام جهاز المحكمة التجارية داخله ،حدده المشرع طبقا للمادة 5من مدونة التجارية في خمس سنوات
تبتدئ من تاريخ نشوء العملية التجارية.
وبالرجوع إلى المقتضيات المنظمة لبعض العقود التجارية نجد أن المشرع وباإلحالة الصريحة،
يحيل إلى المقتضيات المنظمة في قانون االلتزامات والعقود التي يتعين تطبيقها في حالة خلو القواعد
الخاصة من مقتضى خاص ينظمها مما يطرح إشكالية االزدواجية بين القوانين وبالتالي ازدواجية تنظيم
األزمنة القانونية الواجبة التطبيق ،وما يعمق مشكل االزدواجية ويزيد من حدته هو خضوع نفس النقطة
للقواعد العامة والخاصة في ذات اآلن ، 567مما أثار العديد من اإلشكاالت العملية من حيث الزمن على
وجه الخصوص وهذا ما سنتناوله في مطلب موال.
135
المطلب الثاني :بعض تطبيقات الزمن في العقود التجارية ومركزه بين مشكلة الزمن العام
والزمن الخاص
الشك أن العقود التجارية هي العقود التي يكون محلها القيام بعمل تجاري 568وهي بهذا المعنى
تشمل جميع العقود المسماة وغير المسماة التي تعد تجارية ،فيندرج تحت هذا الوصف ليس فقط العقود
المنظمة أحكامها في الكتاب الرابع من مدونة التجارة وإنما كذلك بقية العمليات التجارية األخرى،569
ولما كان القانون المدني مكمال للقانون التجاري فيما لم ينص عليه هذا األخير ،فلذلك تسري القواعد
المدنية العامة في التعهدات والعقود كما تسري القواعد الخاصة بكل عقد على حدة ،570وينتج عن ذلك أن
أحكام المعامالت وإن كانت في الغالب واحدة في أساسها ومغزاها سواء بالنسبة لما هو مدني أو ما هو
يوجد الخالف أو
تجاري ،إال أنها قد تختلف في تطبيقها على المسائل التجارية إما بسبب نص قانوني ِّ
بسبب ما يجري به العمل في قواعد العمل بين التجار ، 571وهذا الخالف ينبثق في أصله عن ازدواجية
التنظيم القانوني لنفس المقتضى بموجب النص الخاص والنص العام.
إن تناول مقاربة ازدواجية – النص العام والنص الخاص على ضوء النصوص المنظمة لعنصر
الزمن القانوني – زمن التقادم – على مستوى ال عقود التجارية تحيل إلى ضرورة استجالء مركز هذا
والذي ال يمكن رصده إال من خالل تطبيقات العمل 572
األخير بين مشكلة الزمن الخاص والزمن العام
القضائي ممثلة في األحكام والقرارات الصادرة عن مختلف الهيئات القضائية باختالف درجاتها ،وفي
هذا الصدد ،نقتصر استشهادا 573بأحد القرارات الصادرة عن محكمة النقض 574بتاريخ 3يوليوز 2014
باعتباره نموذجا حديثا لتضارب الزمن العام والزمن الخاص الشيء الذي استرعى إليه أنظار جانب من
بين مؤيد لتوجه المحكمة ومعارض لها بحسب اختالف الرؤى حول هذا 576
والباحثين 575
الفقهاء
136
اإلشكال الشيء الذي استوجب الم حالة المبادرة إلى دراسة هذا القرار من جميع جوانبه بتحليله والوقوف
على مؤشرات اعتباره اجتهادا من عدمه من جهة ،ولمحاولة إبراز وجهة نظر شخصية حول أي
الفريقين أحرى بالتأييد من جهة ثانية.
وتدور حيثيات هذا القرار حول تطبيق المقتضيات المنظمة لمرور الزمن (التقادم) المنصوص
عليها في الفقرة الرابعة من الفصل 389من ق ل ع على الدعاوي الناشئة عن عقد النقل أو بمناسبته
وجعلها مقتضيات خاصة تقدم في التطبيق على المادة الخامسة من مدونة التجارة التي تنظم التقادم في
المادة التجارية بصفة عامة انطالقا من كونها استثنت من تلك العمومية المقتضيات الخاصة المخالفة إن
وجدت .577واستنادا إلى هذه المعطيات اختلفت وجهات النظر في هذا الصدد بين مؤيد لتوجه المحكمة
ومعارض له .وقبل الكشف عن كال التوجهين البد من تحديد اإلطار القانوني للتقادم – مرور الزمن –
الواجب التطبيق في الدعاوى الناشئة عن عقد النق ل وبمناسبة (الفقرة األولى) ليتسنى بعد ذلك مناقشة
حيثيات هذا القرار على ضوئها وفق ما اعتمده أي من التوجهين السالفين الذكر من تحليل قانوني
بمناسبة دراسته القرار(الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :اإلطار القانوني لزمن ا لتقادم الواجب التطبيق في دعاوى عقد النقل
حري بالتسليم أن عقد النقل من العقود التجارية المسماة المنصوص عليها في مدونة التجارة،
وبالتالي فإن االلتزامات الناشئة عنها شأنها شأن باقي العقود التجارية تخضع لمقتضيات المادة 5من
مدونة التجارة التي عرضت لتنظيم التقادم التجاري ،والتي تنص على "...تتقادم االلتزامات الناشئة
بمناسبة عمل تجاري بين التجار أو بينهم وبين غير التجار بمضي خمس سنوات ما لم توجد مقتضيات
خاصة مخالفة."...
وحسب األستاذ عبد الرحيم بحار ،578فإن قراءة هذا النص األخير ،يتبين أنه حدد االلتزامات
التجارية في خمس سنوات سواء فيما بين التجار أو بينهم وبين غير التجار ،كما حدد الستثناء على ذلك
المبدأ في حالة وجود مقتضيات قانونية خاصة مخالفة ،األمر الذي يتعين معه معالجة المبدأ العام للتقادم
التجاري المنظمة في إطار مدونة التجارة (أوال) وكذا االستثناءات الواردة على ذات المبدأ المنصوص
عليه سواء في مدونة التجارة أو في بعض القوانين والمقتضيات الخاصة (ثانيا).
137
أوال :المبدأ العام لنظام التقادم -مرور الزمن – في العقود التجارية (عقد النقل)
لما كان العقد مصدرا من مصادر االلتزام 579فإن االلتزامات المترتبة على عقد النقل تخضع في
تقادمها للمبدأ العام الوارد في المادة الخامسة من المدونة ،ذلك أن المادة الثانية من مدونة التجارة تنص
صراحة على أن المسائل التجارية يفصل فيها بمقتضى قوانين التجارة وعاداتها وأعرافها أو بمقتضى
القانون المدني عندما ال تتعارض أحكام هذا األخير مع المبادئ األساسية للقانون التجاري والذي يبقى
من أهمها -أي األحكام -مبدأ التقادم التجاري.
ثانيا :االستثناءات الواردة على المبدأ العام المقرر للتقادم التجاري – عقد النقل –
لقد استثنى المشرع المغربي في المادة 5من مدونة التجارة بعض الحاالت التي أفرد لها
من اعتبار المقتضيات الخاصة 584
مقتضيات قانونية خاصة ،583وخالفا لما ذهب إليه بعض الباحثين
المخالفة لنص المادة 5من مدونة التجارة هي تلك المنصوص عليها في النص العام المنظم في ق ل ع،
ويقصد بالذكر هنا الفقرة الرابعة من الفصل 389التي عرضت لتنظيم عقد النقل وحددت تقادم الدعاوى
579الفص ل األول من ق ل ع .الذي ينص على "تنشأ االلتزامات عن االتفاقات وعن التصريحات ...وعن اشباه العقود ،...
580القضاء التجاري والمنازعات التجارية ،م س ،ص.147 :
581نادية احديدو ،أجل رفع دعوى اإللغاء على ضوء االجتهاد القضائي ،مقال منشور بمج :اإلشعاع ،ع ،42-41:س ،2014:ص.265:
582قرار المجلس األعلى –محكمة النقض حاليا – ع 1957 :صادر بتاريخ .2001 /9 /26ملف تجاري رقم ،2000 / 1844 :منشور بمجلة
المحاكم المغربية ،ع ،93 :ص.143 :
583عبد الرحيم بحار ،التقادم في العقود التجارية ،م س ،ص.61 :
584حسن ملكي ،م س.
138
الناشئة ب مناسبته التي تثبت من أجل العور والتأخير والضياع في سنة ذات ثالث مائة وخمسة وستين
يوما .ويضيف هذا الجانب معلال توجهه بأن مشرع المادة 5من مدونة التجارة نص صراحة على أن
مقتضيات هذه األخير تطبق ما لم توجد مقتضيات خاصة مخالفة ولم تقل نصوص خاصة مخالفة،
والمقتضى الخاص حسب هذا الجانب يوجد في النص العام ،وبهذا وجب ترجيح الزمن الخاص المنظم
بموجب المقتضى الخاص الوارد في النص العام على النص الخاص المنظم الزمن التقادم التجاري
بشكل عام ،وهو بهذا التحليل لم يقل أن قانون االلتزامات والعقود قانون خاص وأن مدونة التجارة قانون
عام ،وهو التوجه الذي ذهبت فيه محكمة االستئناف التجارية مصدرة القرار المطعون فيه – محل
الدراسة – وأيدتها في ذلك محكمة النقض التي اعتبرتها طبقت القانون تطبيقا صحيحا.
يرى األستاذ عبد الرحيم بحار -585وعن صواب -أن المقتضيات القانونية الخاصة التي يمكن أن
تخالف عمومية المادة 5من مدونة التجارة ال تخرج عن تلك الواردة ضمن مدونة التجارة نفسها أو تلك
المنصوص عليها في بعض القوانين التجارية الخاصة - ،فبالنسبة للمقتضيات الخاصة المخالفة لعمومية
المادة الخامسة من المدونة والمنصوص عليها في مدونة التجارة نفسها ،نجد تلك التي نظمت التقادم
الصرفي بالنسبة لألوراق التجارية المنصوص عليها في المادة 228من المدونة وكذا المادة 295التي
نظمت آجال تقادم الدعاوى الناشئة عن الشيك .وتأسيسا على ما سبق فإن مدة التقادم في الدعاوى الناشئة
عن الشيك أو الكمبيالة هي مدد قصيرة وتختلف عن مدة التقادم المحددة في المادة 5من مدونة التجارة
وتبقى هي التفسير الصحيح لعبارة للمقتضيات الخاصة التي نبه المشرع إليها لكون المقتضى الخاص هنا
-في اعتقادنا -أخص من النص الخاص نفسه وتكون له األولوية في التطبيق بالنظر للطبيعة التجارية
للعمل الذي ينظمه والذي هو هنا الورقة التجارية.
أما بالنسبة للزمن الخاص المنظم للتقادم التجاري بموجب مقتضيات خاصة مخالفة لعمومية
المادة الخامسة من مدونة التجارة والمنصوص عليه ضمن قوانين تجارية خاصة ،فهناك العديد من هذه
األخيرة نقتصر على ذكر بعضها على سبيل المثال ال الحصر ،ومن ذلك المقتضيات الخاصة المنظمة
لزمن التقادم على مستوى قانون التأمين 586وكذا على مستوى قوانين الشركات.
139
فالنسبة للتقادم في الدعاوي الناشئة عن عقد التأمين فإنه يخضع لمقتضيات المادة 36من مدونة
التأمينات الجديدة التي حددت نطاق زمن التقادم في هذا السياق في سنتين ابتداء من تاريخ وقوع الحادث
الذي تولدت عنه الدعوى وهو ما سار على نهجه القضاء من خالل ما ورد في حكم صادر عن المحكمة
التجارية بالدار البيضاء قضت فيه بسقوط دعوى التأمين بالتقادم انطالقا من كون األجل الفاصل بين
حدوث الواقعة وتاريخ رفع الدعوى تجاوز أجل السنتين المنصوص عليها في المادة 36من المدونة.587
أما بالنسبة للتقادم في دعاوى الشركات التجارية ،فإن التقادم الخمسي المقرر كمبدأ عام في
المتعلق بشركات المساهمة ،589إذا ما 588
المعامالت التجارية يجد صدى قويا في القانون رقم 17.97
استثنينا بطالن الشركة أو عقودها أو مداوالتها الالحقة لتأسيسها التي تتقادم طبقا لمقتضيات المادة 345
من هذا القانون بمرور 3سنوات ابتداء من سريان البطالن .أما بخصوص قانون 5.96المتعلق بناقي
الشركات فتسري عليه نفس المقتضيات السالفة الذكر على اعتبار أنه قد تمت اإلحالة إلى هذه المقتضيات
بموجب المادة 1من القانون السالف الذكر.
الفقرة الثانية :مدى صحة هذا التوجه القضائي على ضوء اإلطار القانوني والنقاش الفقهي
للكشف عن المعنى الذي يكمن بين ثنايا عنوان هذه الفقرة ،البد من التعرض لوقائع وحيثيات
التوجه القضائي في هذا القرار (أوال) ثم نتطرق بعد ذلك لموقف الفقه منه استنادا لإلطار القانوني المنظم
له (ثانيا).
أوال :التوجه القضائي في نظام تقادم عقد النقل – من خالل القرار محل الدراسة-
يتجلى التوجه القضائي في شأن تنازع الزمنين العام والخاص من حيث التطبيق من خالل ما
راج في حيثيات وبين وقائع هذا القرار ،حيث يستفاد من هذه األخيرة أنه بتاريخ 29 /12 /2010
تقدمت الطالبة شركة النقل "المنار" بمقال إلى المحكمة التجارية بمراكش عرضت فيه إنها دائنة للمدعى
عليها شركة (س.س .ج ت كناليزاسيوى) بمبلغ 432606.06درهم حسب الفاتورات المرفقة ببونات
587حكم المحكمة التجارية بالدار البيضاء ،رقم ،11415 :صادر بتاريخ ،2006/10/17 :ملف ع ،2006/06/6602 :منشور بالموقع
االلكتروني محكمتيhttps://www.mahkamaty.com/2014/01/11/%D8%B9%D9%82%D8%AF- :
/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%AF%D9%85
تمت زيارة الموقع بتاريخ.2016/12/10 :
588عبد الرحيم بحار ،التقادم في العقود التجارية ،م.س ،ص .65 :
589انظر المواد 371 - 355 -351 :من قانون شركة المساهمة.
140
التسليم المتعلقة بخدمات النقل التي قامت بها العارض ة لفائدة المدعى عليها المذكورة ،ملتمسة لذلك الحكم
عليها بأداء المبلغ المذكور وتعويضا عن التماطل قدره 50.000درهم مع الفوائد القانونية من تاريخ كل
فاتورة وتحميلها الصائر .فأصدرت المحكمة التجارية حكما غيابيا قضت فيه على المدعى عليها بأداء ما
التمسته المدعية ،استأنفته المدعى عليها ،فألغت محكمة االستئناف الحكم االبتدائي وقضت من جديد
برفض الطلب لتقادمه بمرور أجل السنة المنصوص عليه في الفقرة الرابعة من الفصل 389من ق ل ع
المتعلقة بالدعاوى المقامة من أجل العوار والضياع والتأخير وغيرها من الدعاوى التي يمكن أن تنشأ
عن عقد النقل أو بمناسبته ،فأيدت محكمة النقض التوجه الذي سارت فيه محكمة االستئناف .وبما أن
تأييد القرار يعني تبني نفس التحليل الذي انبنى عليه ،فإن هذا التوجه القضائي الذي سارت فيه محكمة
النقض عد التمسك بأحكام المادة الخامسة من مدونة التجارة ليس في محله ،من منطلق أن المادة السالفة
الذكر تطبق على االلتزامات التجارية بوجه عام وأن المقتضى المنصوص عليه بمقتضى الفقرة الرابعة
من الفصل 389هو بمثابة مقتضى خاص وإن ورد في قانون عام وأن الخاص يقيد العام ويقدم عليه في
التطبيق ،وبالتالي تكون – محكمة االستئناف -قد طبق القانون تطبيقا صحيحا سواء من حيث الفصل
389من ق ل ع وكذا المادة 5من مدونة التجارة كونها استثنت المقتضيات الخاصة من عموميتها والتي
يبقى المقتضى المنصوص عليه في الفصل 389في فقرته الرابعة من أهمها.
إن توجه محكمة االستئناف التجارية وقرار محكمة النقض المؤيد له طرح آراء متضاربة من
قبل جانب من الفقهاء والباحثين والمهتمين من الدارسين ومواقف مختلفة بين مؤيد ومعارض ،وهو ما
سنتوقف عنده في مرحلة موالية.
أكد األستاذ عبد الحميد أخريف على ضرورة حضور االعتبارات الخاصة التي تعود إلى طبيعة
موضوع الدعوى ،والتي تعد بمثابة المعيار الحاسم الذي يعتمد في تقدير الزمن حسب تلك الطبيعة.590
وبالرغم من تأكيده على ذلك بالقول أن تحديد الزمن الواجب التطبيق يتوقف انطالقا على ضرورة تحديد
إلى تأييد المذهب الذي ذهبت فيه محكمة النقض مؤيدة القرار 591
طبيعة الدعوى ،بادر أحد الباحثين
االستئنافي الصادر في شأن عقد النقل بتاريخ 3يوليوز ،2014والقول بحتمية التمييز بين النص الخاص
141
والمقتضى الخاص معتبرا في عالقة بالقرار محل الدراسة ،أن المقتضيات المنظمة لتقادم الدعوى
الناتجة عن عقد النقل أو بمناسبته منصوص عليها في الفقرة الرابعة من الفصل ،389ومن ثم فهي
مقتضيات خاصة تقدم في التطبيق على المادة الخامسة من مدونة التجارة التي تنظم التقادم في المادة
التجارية بصفة عامة ،والتي استثنت هي نفسها من هذه العمومية المقتضيات الخاصة المخالفة إن وجدت
كما هو ا لحال بالنسبة للمقتضيات المنظمة لعقد النقل والمنصوص عليها في الفقرة الرابعة من الفصل
389من ق ل ع حسب هذا ذات الرأي.
غير أننا إذا ما أخذنا بمعيار تحديد طبيعة الدعوى الذي أكد عليه هذا الجانب ،فإننا نجد بما ال
يدع مجاال للبس أو غموض أن الدعوى الصادر في شأنها القرار القضائي هي دعوى أثيرت في إطار
منازعة قضائية بين شريكتين تجاريتين وبمناسبة عمل تجاري طبقا للفقرة السادسة من المادة 6من
المدونة ،األمر الذي استرعى اهتمام جانب من الفقهاء592وحمله على الذهاب في شأن تنازع تطبيق
األزمنة – العام و الخاص – من حيث االختصاص مذهب آخر ،والقول بمجانبة هذا التوجه القضائي
للصواب ،وعلى غراره من أيد هذا التوجه وقال بصحته .فالمشرع نص طبقا للمادة األولى من مدونة
التجارة على تحديد نطاق تطبيق هذا القانون من حيث األشخاص والمعامالت ،وبذلك يكون قد سيج
اإلطار ال ذي تسري داخله قواعد هذا القانون .ويعد عقد النقل من األعمال التجارية بطبيعتها طبقا للفقرة
السادسة من المادة 6من المدونة ،وبناء عليه ينبغي أن يفصل في النزاعات المثارة بشأنها الدعاوى
المتعلقة به استنادا إلى قوانين وأعراف التجارة أو بمقتضى القانون المدني عندما ال تتعارض أحكامه من
المبادئ األساسية للقانون التجاري .593ويعد التقادم التجاري أهم هذه المبادئ التي تنبثق عن األحكام
القانونية المتعلقة بالمادة التجارية ، 594هذا األخير نظمه مشرع مدونة التجارة في المادة 5منها وحدده في
أن خمس سنوات كأمد أقصى ما لم توجد مقتضيات مخالفة تقضي بمدد أقل ،ويرى الرأي الراجح
595
المقصود بعبارة المقتضيات المخالفة الواردة في المادة 5من المدونة من المدونة تلك الواردة في مدونة
142
التجارة نفسها كما سبقت اإلشارة إلى ذلك سلفا أو تلك المنصوص عليها في بعض القوانين التجارية
الخاصة.596
ويرى األستاذ أحمد كويسي أن المشرع التجاري كان واضحا في إخضاع الدعاوى الناشئة عن
عقد النقل إلى أحكام المادة الخامسة من مدونة التجارة من حيث مبدئها العام – التقادم الخمسي – لكون
هذا األخير يندرج ضمن األعمال التجارية الطبيعة طبقا لنص المادة 6من مدونة التجارة ،ودليله في ذلك
اإلحالة الصريحة من داخل مدونة التجارة على أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 389من ق ل ع
بخصوص تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد الوكالة بالعمولة في نقل البضائع مما يبين استشعار المشرع
التجاري قيمة المدى الزمني للتقادم المحدد في سنة ومدى مناسبته لعقد الوكالة بالعمولة في نقل البضائع
الشيء الذي حتم ضرورة اإلحالة عليه ،وبالمقابل خلو األحكام المنظمة لعقد النقل في مدونة التجارة
ضمن المواد من 443إلى 486من أي مقتضى يحيل على ضرورة تطبيق الفقرة الرابعة من الفصل
389من ق لع الشيء الذي يستفاد منه رغبة المشرع في إخضاع الدعاوى التجارية الناشئة عن عقد
ال نقل إلى التقادم التجاري وهو خمس سنوات طبقا للمادة الخامسة من المدونة ،كما أن القول بالسبق في
التطبيق يكون ألحكام الفقرة الرابعة من الفصل 389من ق ل ع فيه مخالفة صريحة للقاعدة المتعارف
عليها في اوساط الفقه المغربي والمقارن التي مفادها تقييد النص الخاص للنص العام وأولويته في
التطبيق عليه ،أما المقتضى الخاص المخالف الذي نصت عليه المادة الخامسة ،فيجب أن يكون أخص
من النص الخاص نفسه كما هو الشأن بالنسبة ألحكام تقادم الشيك والكمبيالة وعقود التأمين وغيرها مما
نصت عليه المواد 6و 9و 10من المدونة وليس أعم منه كأن يكون واردا ضمن األحكام العامة فـي ق
ل ع كما هو الحال بالنسبة للفقرة الرابعة من الفصل .389
ونرى من جهتنا ان هذا التوجه الفقهي األخير أحرى بالتأييد وأوجب بالتبني ،للحجج القانونية
المعقولة التي يستند إليها والتحليل المنطقي الذي يعتمده خالفا لما سار فيه بعض الباحثين المشار إليهم
سلفا ،الذي أكد على ضرورة تحديد طبيعة الدعوى أهي تجارية أم مدنية ليتسنى بالتالي تحديد الزمن
الواجب التطبيق بحسب تلك الطبيعة ،ثم يعود ليقول بضرورة تطبيق الزمن العام معتبرا إياه خاصا
بالرغم من وروده في النص العام والحال أن الدعوى تجارية من حيث االختصاص والموضوع
واألطراف.
596انظر الصفحات السوالف الذكر فيما يتعلق بمناقشة اإلطار القانوني التقادم اتجاري.
143
كما أن القاعدة الفقهية القائلة بجدارة النص الالحق في التطبيق على النص السابق والتي يمثل
فيها عنصر الزمن الفيصل الحاسم في ترجيح هذا التوجه أو ذاك ،ال تسعف في القول بتطبيق أحكام
الفقرة الرابعة من الفصل 389من ق ل ع وتقديمها في التطبيق على مقتضيات المادة الخامسة من مدونة
التجارة باعتبارها نصا الحقا له.597
وبناء على ما سبق بيانه نقول بأن توجه الغرفة التجارية محكمة النقض في قرارها الصادر
بتاريخ 3يوليوز 2014بخصوص تطبيق زمن التقادم المنصوص عليه في الفقرة 4من الفصل 389
هو توجه مج انب للصواب يتسنى العدول عنه في أقرب فرصة تتاح أمام ذات المحكمة لتقويم التوجه
القضائي في الطريق الصواب باالستجابة إلى مناداة الفقه الراجح في هذا الصدد.
الفرع الثاني :تطبيقات عنصر الزمن في القوانين التجارية المسطرية (الزمن المسطري)
ال يخفى أن القاضي من خالل المهام الموكولة إليه بمناسبة النظر في الدعوى والبت في الخصومة
القضائية هو ما يبعث الروح في القوانين الموضوعية بوضعها في سياقها المسطري ،وبالنظر لحتمية
سلك المساطر القضائية التي رسم طريقها المشرع في سبيل اقتضاء الحقوق ،أحاطها هذا األخير بنظام
زمني خاص ضمانا لعامل التسريع من وثيرتها.
598
وتوظيفا فيه وأيا كان األمر ،فإن القوانين المسطرية هي أكثر القوانين ارتباطا بعنصر الزمن
مقارنة بباق ي القوانين األخرى .فبغض النظر عن توظيف القوانين المسطرية لعنصر الزمن كموضوع
للتنظيم كونها تنظم اآلجال والمدد وتبين أصنافها وقواعد كل صنف واألثر المترتب عليه ،فهي تنظمه
كوسيلة وكهدف.599
فمن حيث توظيف القانون المسطري للزمن كوسيلة يتبين من خالل ربط سائر اإلجراءات بأجل أو
مدة أو ميعاد سواء كان كامال أو غير كامل ،يقبل التوقف أو ال يقبله ،وبصفة عامة فإن الزمن من منطلق
597ذلك أنه يمكن القول أن خضوع عقد النقل ألحكام الفقرة الرابعة من الفصل 389من ق ل ع كان قبل النص على تجارية هذا النوع من العقود
بشكل صريح بموجب المادة 6من مدونة التجارة ودليل ذلك أن الفصل 389من ق ل ع كان قبل النص على تجارية هذا النوع من العقود
بشكل صريح بموجب المادة 6من مدونة التجارة ،ودليل ذلك أن الفصل 389لسنة 1913لم يكن ينظم تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد النقل إال
بعد تعديل 17فبراير ، 1939وهو ما يعني أن تنظيم المقتضيات المتعلقة بتقادم عقد النقل جاءت بشكل تدبيري إلى أن توجت بتنظيم الفقرة
السادسة من المادة 4من مدونة التجارة لسنة 1996في ظل إغفال صارخ صريح إللغاء تطبيق الفقرة الرابعة من الفصل 389أو باألحرى
التنصيص استثناء تطبيقها فقط في األحوال التي تكون فيها محال لتطبيق الوكالة بالعمولة أو في األحوال التي تكتسي فيها العقد الصبغة المدنية
عندما ال يمارس فيها الناقل عملية النقل ال على سبيل االعتياد وال على سبيل االحتراف.
598عبد الحميد أخريف ،الزمن في ق م م ،م س.
599الرجع نفسه.
144
الوسيلة هو زاوية المسطرة ،إذ يلزم أن تتم فيه اإلجراءات قبل انقضائه أحيانا ،بعد انصرامه أحيانا
أخرى ،أو بعد تحقق واقعة مرتبطة به في الزمن ،يحسب تارة بالساعات وتارة باأليام وتارة بالشهور.
أما من حيث توظيف الزمن كهدف ،فمفاد هذا التوظيف أن يكون المقصد من قوانين اإلجراءات هو
تنظيم ممارسة الحق في التقاضي وجدولته في الزمن ،من منطلق تنظيم المصلحة الدائمة للمتقاضين بما
يضمن مراعاة مصالح موضوعية أحرى كمصلحة حسن سير العدالة ومصلحة أطراف أخرى جديرة
بالحماية بما يحقق تسوية النزاعات ويضمن الحماية القضائية بطريقة سريعة وفعالة وفي الوقت
المعقول ،وهو ما أسماه األستاذ عبد الحميد أخريف بالوقت االفتراضي للدعوى ،600وهي األهداف أو
التحدي ات التي تسعى إلى تحقيقها القوانين الزمنية لإلجراءات مع تفاوت في تقدير السرعة والحاجة إليها
بحسب طبيعة المراكز القانونية وما يفرضه الواقع القانوني من تأثير.
إن عاملي الوسيلة والهدف اللذين يراهن على تحقيقهما بموجب الزمن القانوني المسطري يجدان
أبلغ تطب يق لهما في المادة التجارية ضمن قانون إحداث المحاكم التجارية وقانون مساطر وقاية ومعالجة
صعوبات المقاولة ،إذ أنه بالرجوع إلى مقتضيات وقواعد كل من القانونيين السالفي الذكر نتلمس
حضورهما بشكل قوي نرى أن نعمل على كشفه بدءا بقانون إحداث المحاكم التجارية (مبحث أول) ثم
ننتقل بعد ذلك للحديث عنه في قانون مساطر الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة (مبحث ثان).
المبحث األول :التنظيم القانوني لعنصر الزمن في قواعد المسطرة أمام المحاكم
التجارية
601
أهم القوانين ذات البعد المسطري التي نظمت وعيا يعد قانون إحداث المحاكم التجارية
بفاعليتها في حسم المنافسات بين النشطاء االقتصاديين ،لذلك ضمنها المشرع مجموعة من القواعد
602
الذي استحكم فيه القانونية الرامية إلى تلين آلية التقاضي وجعلها منسجمة مع محيطها االقتصادي
الشعور بقيمة الوقت وأهميته بمناسبة الفصل في المناز عات ذات الصبغة االقتصادية عموما والتجارية
منها على وجه الخصوص ،والتي تستدعي بالضرورة تأطير نسقها المسطري بمناخ تشريعي يتناسب
145
603
أو في التسريع بمساطر وطبيعتها المتسمة بالسرعة والحركية سواء في تحريك وثيرة التجارة
التقاضي.
فالحق التجاري بطبيعته يستلزم الوصول إليه اتباع مجموعة من المساطر واإلجراءات
القانونية ، 604وعليه فكلما كانت هذه المساطر أمام المحاكم التجارية تتسم بالتبسيط والسرعة والمرونة،
سهل استحقاق الحقوق من طرف أصحابها بعيدا عن كل تعقيد أو ما شابه.
واستهدافا لتحقيق محاسن المسطرة السالف ذكرها ،انعكس ذلك على النظرة التشريعية للمشرع في
605
أو التقاضي فيه. اقتناع منه بأن الحق في البيئة التجارية يفقد أهميته بعد طول مدة الوصول إليه
ووجه هذا االنعكاس أن جعل عنصر الزمن يهيمن على كل قواعد هذا القانون الذي راهن عليه المشرع
بهدف اإلسراع بمعالجة مختلف النزاعات التي من شأنها أن تعرقل ص يرورة المستلزمات المسطرية لحل
النزاعات التجارية.
606
مقرا أن القوانين المسطرية والتي يعتبر ومن باب التأكيد ،يقول األستاذ عبد الحميد اخريف
قانون 53.95أهمها أكثر القوانين ارتباطا بتنظي م عنصر الزمن ،الشيء الذي يبدو بجالء سواء على
مستوى اإلجراءات المسطرية اتي تباشر من يوم تقديم المقال االفتتاحي حتى وقت البت في الخصومة
القضائية (مطلب أول) أو حتى بعد بت المحكمة إلى غاية اإلجراءات المسطرية الرامية إلى تنفيذ حكم
المحكمة أو ممارسة إجراءات الطعن الخاصة (مطلب ثان).
المطلب األول :التأطير القانوني للزمن المسطري قبل البت في الخصومة القضائية
بالنظر إلى الخصائص التي يتميز بها الميدان التجاري تبقى أهمها السرعة في إنجاز المعامالت
والتعجيل من وثيرتها ،فإن النزاعات المتعلقة بهذا القطاع بدورها تحتاج إلى قواعد تتناسب مع هذه
الخصائص ويكون لها طابع خاص بعيدا كل البعد عن فلسفة القواعد اإلجرائية العامة.607
ولتحقيق ذلك راهن المشرع بموجب المقتضيات المسطرية المنظمة بموجب القانون رقم 53.95
على عنصر الزمن وبه ،وذلك عن طريق جعل هاجس الوقت قوام القواعد المنظمة لزمن المسطرة،
146
فكان بذلك عنصر الزمن هدف المشرع ووسيلته في ذات اآلن ،فكون هذا األخير هدفه أن جعل الفلسفة
التشريعية تسعى إلى جعل النطاق الزمني للمسطرة في النزاعات التجارية أما المحاكم المختصة قصير
بما يخدم ويتناسب مع طبيعة وخصوصية المنازعات التجارية ،ولن يتحقق ذلك إال عن طريق الزمن
القانوني الذي ينظم المشرع بمقتضاه المدد والفترات التي ينبغي أن يستغرقها زمن المسطرة.
وبالرجوع إلى القواعد اإلجرائية المؤطرة للنزاعات التجارية نجد أن هاجس الهدف والوسيلة
الل ذين تدور رحاهما بدوران عنصر الزمن يتحكمان في مختلف أطوار المسطرة ابتداء من مرحلة إيداع
المقال االفتتاحي (فقرة أولى) مرورا بمرحلة التقاضي ابتدائيا أمام المحكمة التجارية (فقرة ثانية)
لقد عمد المشرع المغربي إلى وضع قواعد مسطرية خاصة بالنسبة للقضايا التجارية تستجيب
608
وضعا استحكم في سنه استحضار أهمية عنصر للخصائص التي تتميز بها هذه األخيرة عن غيرها
الزمن .حيث رسم بمقتضى المادة 14من قانون رقم 53.95الخطوط التي يتعين السير وفقها انطالقا
من تقييد المقال االفتتاحي ،بحيث أنه بمجرد هذا التقييد يبادر رئيس المحكمة بشكل فوري609إلى تعيين
القاضي المقرر الذي يحيل إليه الملف خالل 24ساعة والذي يتعين عليه بموجب المادة السالفة الذكر أن
يقوم باستدعاء األطراف إلى أقرب جلسة يحدد تاريخها سلفا.610
إن تنظيم واعتماد آلية الزمن في القانون المسطري انطالقا من إيداع المقال االفتتاحي لدى كتابة
ضبط المحكمة التجارية لكفيل بضمان تحقيق السرعة المنشودة في الميدان التجاري في شقه المتعلق
147
611
أن التنظيم الوارد في المادة 14من قانون إحداث المحاكم بالتقاضي .ويرى األستاذ عبد الجبار بهم
التجارية يستلزم بالضرورة اتخاذ مجموعة من القرارات أهمها السرعة في جدولة التعينات التي يقوم بها
رئيس المحكمة وكذا السرعة في جدولة الجلسات التي يقوم بها القاضي المقرر إلدراج الجلسة في
المناقشة .وقصد تفعيل مقتضيات المادة 14يجد القاضي المقرر نفسه ملزما بالتوفيق بين السرعة
المطلوبة وبين االعتداد بموطن األطراف الذين يختلف حكمهم بحسب وجودهم داخل دائرة نفوذ المحكمة
من عدمه ، 612وعلى العموم إذا تعذر توصل األطراف باالستدعاء الرامي إلى دعوتهم لحضور الجلسة
أصدرت المحكمة أمرا بتعيين قيم وفقا لمقتضيات الفصل 39من ق م م المحال عليه حماية لحقوق
األطراف من الضياع.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض 613أن مسطرة القيم بمثابة خطوة تشريعية تستحق التنويه لما
614
أن مسطرة القيم المعمول بها في يترتب عليها من تسريع لمساطر البت ،يرى جانب آخر من األساتذة
حالة ثبوت أن الطرف المدعى عليه انتقل من عنوانه يتطلب وقتا كافيا يوصف بالطويل في الغالب ،من
النيابة العامة للبح ث عن المتغيب بواسطة الشرطة أو السلطة المحلية ،وأن هاته المسطرة تؤدي دورا
رئيسيا في تأخير القضايا وعدم البت فيها داخل ثالثة أشهر كما نص القانون.
واستبعادا لهدر الزمن ،وبهدف التعجيل ببدء أولى مراحل التقاضي نجد أن المشرع كان حريصا
من خالل المادة 15من ق إحداث المحاكم التجارية على إسناد هذه المهمة إلى مؤسسة المفوض القضائي
615
باعتبارها أداة ضامنة للسرعة بالنظر إلى تخصصها وكفاءتها المحدثة بمقتضى القانون رقم 03.81
ودرايتها بجغرافية المحيط العام للمحكمة التجارية.
148
الفقرة الثانية :الزمن المسطري خالل مرحلة التقاضي ابتدائيا
يستمر وقع تنظيم عنصر الزمن في مختلف مراحل البحث والتحقيق إلى غاية صدور الحكم،
ويمكن تلمس هذا الوقع انطالقا من وضع المحكمة يدها على القضية وسريان تواجهية المسطرة بين
أطراف الخصومة القضائية.616
وعلى هذا األساس حدد المشرع نطاقا زمنيا إلثارة الدفع بعدم االختصاص بشكل مستقل في
محاولة لترسيخ تخصيص المادة التجارية بأحكام مسطرية تستقل بها عن غيرها ،ذلك أنه خالفا
للمقتضيات المسطرية العامة التي منحت المحكمة حق إضافة الطلبات العارضة إلى الجوهر عند البت
في الدفع بعدم االختصاص ،617الفينا المادة 8من قانون إحداث المحاكم التجارية توجب البت في هذا
الدفع بحكم مستقل داخل أجل ثمانية أيام وذلك تحسبا لكل ما من شأنه إطالة أمد التقاضي بحسب تعبير
األستاذ عبد الجبار بهم ،618والذي يرى أن المادة السالفة الذكر ،بها من األبعاد القانونية ما يؤشر على
الضمانات التي فرضها المشرع من أجل تحقيق السرعة التي تظهر أهم تجلياتها في الحث على اإلسراع
بتنفيذ قرار محكمة االستئناف المتعلق باالختصاص والذي ال يقبل أ ي طريق من طرف الطعن عاديا كان
أو غير عادي والتي ال يلجأ إليها غالبية المتقاضين إال أمال في تطويل أطوار المسطرة ،وباإلضافة إلى
ذلك الحث على ال سرعة في توجيه الملف إلى الجهة القضائية المختصة والتي يتكون إما المحكمة
التجارية مصدرة الحكم وإما محكمة أخرى قضى القرار االستئنافي باختصاصها النوعي.
غير أنه وبحكم أن الحكم الصادر في الدفع بعدم االختصاص يكون قابال لالستئناف خالل أجل
عشرة أيام من تاريخ التبليغ ،ويوجه الملف في اليوم الموالي لمحكمة االستئناف التجارية التي يتعين
عليها البت داخل أجل عشرة أيام من توصل كتابة الضبط بالملف ،ثم تحيل محكمة االستئناف التجارية
الملف تلقائيا على المحكمة المختصة داخل أجل عشرة أيام من تاريخ صدوره ،فإن جانب من
الفقهاء619يرى أن البت في الدفع بعدم االختصاص بحكم مستقل م ن شأنه إطالة اإلجراءات وتعقيدها،
ال سيما إذا علما أن هذه اآلجال تتميز بطول مدتها التي ال تقل عن 30يوما وكذا لعدم واقعيتها ،إذ هي
من قبيل ما يرجى تحققه ال من قبيل ما يستلزم تحققه من طرف هيئة الحكم ،ذلك أن هذه األخيرة معهود
149
620
أن تفرض احترام القانون في سبيل ما يعزز التقاضي ضمن أجل معقول ،وعليه فال إليها دستوريا
يتصور أال تحترم هي القانون الذي تتوخى تطبيقه على الغير ،كما أنه ال يستساغ تحديد جزاء ما يمكن
تطبيقه على هيأة الحكم التي لم تحترم آجال 621التقاضي سيما على هذا المستوى.
ويذهب األستاذ عبد الرحيم بحار ،622إلى أن هذه المادة ال تطبيق بالكيفية التي أريد لها منها،
بحيث تستغرق هاته المسطرة بعض الوقت ما بين المحكمة التجارية ومحكمة االستئناف التجارية الشيء
الذي يفرغ المبدأ من محتواه خالفا للغاية المتوخاة منه.
أما بخصوص نطاق ت حقيق الدعوى من حيث الزمن فقد حث المشرع على ربح ما يمكن ربحه
من الوقت خالل مرحلة التحقيق مستعمال آلية الزمن القانوني المسطري الذي يلزم القاضي في جميع
األحوال بأن يحيل القضية من جديد إلى الجلسة داخل أجل ثالثة أشهر من تاريخ إرجاعها إليه آخذا بعين
االعتبار ما يمكن أن يستدعيه البحث والتحقيق من لجوء إلى أهل الخبرة القانونية أو سلوك مسطرة
االستماع إلى الشهود أو مساطر الزور الفرعي وكل هذه المساطر محكومة بمقتضى أنظمة زمنية ينبغي
على القاضي المقرر مراعاتها.
وأيا كان األمر ،فإن المشرع المسطري من خالل التنظيم القانون ي لعنصر الزمن يبدو أنه كان
على وعي تام بأهمية هذا األخير وضيق الهوة بينه وبين القوانين المسطرية التي تعد أكثر القوانين
ارتباطا به وكذا بمستوى الضبط الذي يمكن استهداف تحقيقه من خالل تسييج زمن المسطرة بنظام
قانوني دقيق.
المطلب الثاني :التأطير القانوني للزمن المسطري بعد البت في الخصومة القضائية
لم يزل عنصر الزمن هدف مرجو التحقيق في ثنايا الفلسفة التشريعية التي استحكمت في مجريات
وضع النص القانوني المسطري حتى بعد بت المحكمة في الخصومة القضائية ،وإصدارها بالتالي للحكم
القضائي ،مما يعكس االهتمام والحيطة التي أوالها المشرع للزمن الذي يتعين على المحكمة التجارية أن
623
من أولها إلى آخرها بما يضمن وضع حد للنزاع ،ووفق ما يحقق األمن تخصه لدراسة القضية
150
واالستقرار التجاريين في بعدهما القضائي624لذلك امتدت آلية األجل التي اعتمدت في صياغة قانون
إحداث المحاكم التجارية 625إلى ما بعد صدور الحكم ،والذي وظفه –أي ق إم ت -بكيفية فريدة لم يسبق
ألي تشريع في المغرب أن اعتمده أو وظفه بها ،وذلك باعتباره آلية تضمن التبسيط والمرونة626بما
627
في المساطر واإلجراءات على غرار السرعة في يستدعيه النشاط التجاري الذي يستلزم السرعة
المعامالت وتداولها.628
وال أحد ينكر أن أول منزلة من منازل مرحلة ما بعد صدور الحكم القضائي عن المحكمة التجارية
هي عملية التبليغ ،فالتبليغ بطبيعته إجراء مسطري يواكب جميع مراحل الدعوى إلى نهايتها .629وحماية
لحقوق األفراد ،جعل المشرع من التبليغ وسيلة شكلية وإجرائية لخدمة المتقاضين عند لجوئهم إلى
القضاء ،وبهدف التدقيق في تنظيم عملية التبليغ ،سيج المشرع اإلجراءات المتعلقة بها بسياج نظام
الضبط الزمني للقواعد القانونية لمسطرة التبليغ حيث نص بموجب المادة 23/1من قانون إحداث
المحاكم التجارية على "...يبلغ عون التنفيذ الطرف المحكوم عليه ...ويعذره أن يفي بما قضي به الحكم
ويعرفه بنواياه خالل أجل ال يتعدى عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ".
إن استحضار التشريع المسطري لعنصر الزمن بمناسبة تأطير عملية التبليغ نابع من كونه صميم
القواعد الجوهرية للمسطرة نظرا لما يسعى إليه من حفظ للحقوق .630ونظرا لحساسية المادة التجارية،
فإن قواعد التبليغ بها تستقل بخصوصية فريدة تسهم في كسب رهان السرعة وربح الوقت الذي توخى
المشرع تحقيقه من خالل تنظيم الزمن القانوني على مستوى مسطرة التبليغ وتميزها عن تلك التي
تنظمها في قواعد المسطرية العامة ،ذلك أن هذه األخيرة تمت صياغتها لتوفير الحماية القضائية لحقوق
631
دون أي مراعاة لصفة المخاطبين بهذه القواعد ،ودرء لهذا الفراغ جعل مشرع المادة فردية وذاتية
التجارية األصل في عملية التبليغ أن تتم عن طريق مؤسسة المفوضين القضائيين 632التي ما من شك أنها
151
تعد وبحق ،آلية سريعة في أداء مهمة التبليغ بالنظر لتخصصها وتفرغها وطابعها الخاص كمؤسسة
تسعى إلى الربح بقدر ما تراكم لديها من سرعة في اإلنجاز.633
عموما ،يعد التبليغ إعالنا قانونيا عن إجراء مسطري محدد زمنيا ،ويتشكل فعليا من إيصال واقعة
قانونية إلى علم المبلغ إليه ،وذلك قصد تنفيذه منطوق الحكم طوعا أو اختيارا (فقرة أولى) وإما مواجهته
بسلوك طرق الطعن المخولة قانونا (فقرة ثانية) شريطة احترام نطاقات هذه المساطر من حيث الزمن.
من الثابت أنه ال ينبغي أن تكون العدالة بطيئة في الميادين كلها وبشكل أكيد في الميدان التجاري،
حتى إذا ما وصلت متأخرة إلى من يستحقها كانت عديمة الفائدة ،إذ ما أشبه العدالة باإلسعافات الطبية
التي إذا لم تقدم في حينها وفي أقرب وقت كانت بال جدوى .634لذلك لم يفوت المشرع المغربي التجاري
الفرصة بعكس خلفية الفلسفة التشريعية التي تحكمه في وضع قانوني إحداث المحاكم التجارية ضمن
مسطرة تنفيذ األحكام الصادرة عن هذه المحاكم ،حيث نص بموجب الفقرة الثانية المادة 23من قانون
53- 95على "...يتعين على عون التنفيذ تحرير محضر بالحجر التنفيذي أو بيان ألسباب التي حالت
دون إنجازه وذلك خالل أجل 20يوما تبتدئ من تاريخ انتهاء أجل االعذار"...
وعلى ضوء النطاق الزمني المحدد إلجراءات التبليغ في المادة التجارية ،يالحظ أن المشرع قد
حاول من خالل صياغة هذه المادة تجاوز مشكلة مثيرة النشغاالت المتقاضين ،والمتمثلة أساسا في
معوقات ترجمة األحكام القضائية إلى واقع ملموس عن طريق التبليغ والتنفيذ ،635فاألحكام دون تنفيذ
تبقى مجرد سيادة بال سلطة ،والتنفيذ دون تبليغ يبقى تعسفا في ممارسة هذه السيادة ،لذلك ربط المشرع
في هذه المادة بين التبليغ والتنفيذ وقلص أجلهما في ثالثين يوما لتصريح الحقوق إلى أصحابها في وقت
قياسي.
636
والمساطر الخاصة بها ،وما تمتاز وقصد تحقيق الهدف المتوخى من إحداث المحاكم التجارية
به من خصائص تتغيى في شموليتها ربح الوقت وتجاوز إهداره دفعا لكل ما من شأنه أن يعيق ذلك،
152
637
والتي يبقى أهمها عنصر الزمن ابتدع المشرع آليات التصدي لمعيقات التنفيذ واإلسراع بإجراءاته
الذي اعتمده وسيلة قبل أن يعده هدفا ،إذ بالوسائل تتحقق األهداف والمصالح ،والوجه آلخر آلليات
اإلسراع بإجراءات التنفيذ باإلضافة إلى تحديد النطاق الزمني لهذه األخيرة ،أن أوكلها في المادة التجارية
إلى هيئة المفوضين القضائيين وما يلتصق بها من محاسن لألسباب التي ذكرت آنفا .ولئن كان الهدف
المتوخى من إحداث نظام المفوضين القضائيين تحقيق السرعة والدقة في مجال التبليغ والتنفيذ ،638فإن
ذلك يتوقف على فعالية األجهزة المشرفة على سير ومراقبة إجراءاته لذلك أجمعت مختلف تشريعات
المسطرة على إسناد مهمة الرقابة واإلشراف على سير عملية التنفيذ للقضاء ،األمر الذي أقدم عليه
مشرع قانون 53.95بموجب المادة الثانية منه التي ألزمت رئيس المحكمة بتعين قاض من قضاة الحكم
ليتولى الرقابة واإلشراف على العمليات المجراة ضمن مسطرة التنفيذ بما يسهم في تحقيق فعالية في
مجال التنفيذ ويضمن استنفاذ إجراءات المسطرة في نطاق زمني وجيز بحكم الدور اإليجابي الذي يوليه
قاضي متابعة إجراءات التنفيذ في عالقاته بمأموري إجراءات التنفيذ والمفوضين القضائيين وبصفة عامة
كل من له صلة بعملية التنفيذ.639
هذا وتجد اإلشارة إلى أن المادة 23/3تعلن صراحة عجزها عن بلورة أساليب متكررة فاعلة
وسريعة لمسطرة التنفيذ ،حيث اكتفت باإلحالة إلى المقتضيات المتعلقة بالقواعد العامة للتنفيذ الجبري
لألحكام الواردة في الباب الثالث من القسم التاسع من ق م م وهو ما يعني بالضرورة إلزامية مضاعفة
الجهود لجعل مسطرة التنفيذ على صعيد المادة التجارية يتجانس والسرعة الملحوظة في بقية المواد
المنصوص عليها في قانون 53.95موضوع الدراسة.640
تتمثل أهمية السلطة القضائية في تطبيق القانون والفصل في المنازعات التي تعرض عليها من قبل
األطراف ،ولن يتأتى ذلك إال بواسطة األحكام التي تصدرها ، 641إال أن القضاء عندما يفصل في النزاع
المعروض عليه ويصدر حكمه فإن هذا الحكم يحتمل الخطأ والصواب ،الشيء الذي من شأنه أن يحمل
جانب على االستفادة على حساب جانب آخر .لذلك منح المشرع مجموعة من الضمانات للمتضرر
153
لتدارك الخطأ واقتضاء حقه ،تبقى أهمها طرق الطع ن في األحكام ومراجعتها أمام محاكم أعلى
درجة ،642وأخذا بعين االعتبار ضرورة التسريع بوثيرة اإلجراءات القضائية لتصير الحقوق إلى
أصحابها في أقرب اآلجال ،وتجنبا لكل تسويف يراد من سلوك مساطر الطعن بغرض المماطلة في
إهدار الوقت ،حدد المشرع مساطر الطعن في المادة التجارية بنطاق زمني دقيق وقصير مقارنة بزمن
الطعن في القواعد العامة.643
645
وقد أجمع فقهاء القانون بدون استثناء على تقسيم طرق الطعن إلى طرق عادية 644وغير عادية
وبهذا عمد المشرع التجاري إلى وضع قواعد وخصوصيات ذات بعد زمني لطرق الطعن في المادة
التجارية العتبارات تعود إل ى طبيعتها وإلى السرعة التي تستلزمها القضايا التجارية ولآلجال القصيرة
التي أقرها قانون . 53.95
فبالنسبة لنطاق طرق الطعن العادية من حيث الزمن فإنه البد من اإلشارة بداية إلى أهم التعديالت
التي أعقبت وضع قانون رقم 53.95المتعلق بإحداث المحاكم التجارية والمتمثلة في القانون رقم
646
الذي جعل االختصاص القيمي للمحاكم التجارية يفوق 20.000.00مما ترتب عليه صيرورة 18.02
األحكام القاضية باألداء والصادرة عن المحاكم التجارية بعد تاريخ التعديل كلها ابتدائية الشيء الذي ألغى
اآلجال الخاصة بالتعرض المنصوص عليها في الفصل 130من ق م م في عدد غير يسير من الملفات
المحكومة ،وقد أحسن المشرع صنعا بهذا التعديل حيث قلص أمد البت داخل المحاكم التجارية ووطأه
بسرعة للمرحلة االستئنافية.
وانطالقا من هذا التعديل فإنه ال مجال للحديث عن التعرض أمام المحاكم التجارية لما يترتب عليه
647
وبذلك تكون جميع األحكام الصادرة عن هذه المحاكم قابلة لالستئناف داخل من إهدار لزمن التقاضي
أجل قصيرة يتماشى وخصوصية المادة التجارية حد نطاقه في 15يوما من تاريخ تبليغ الحكم.648
154
ومن خالل ما سلف ذكره يالحظ أن المشرع كرس االتجاه الرامي إلى التعجيل بمعالجة القضايا
استئنافيا انطال قا من تقليص أجل االستئناف نفسه في الحدود المشار إليها أعاله التي حددتها المادة 18
من قانون 53.95عوض أجل 30يوما المنصوص عليها في الفصل 134من ق م م الشيء الذي يعكس
نية المشرع المحكومة بهاجس التسريع من وثيرة مساطر الطعن أمام المحاكم التجارية.
أما بالنسبة لطرق الطعن غير العادية من حيث نطاقها الزمني فإنه محدد بشكل موحد خاصة فيما
يتعلق بالطعن بالنقض أو التماس إعادة النظر بحيث يتعين على الطاعن في الحالتين السالفتين الذكر أن
يتقدم بطلب داخل أجل 30يوما من تاريخ التبليغ مع مراعاة مقتضيات الفصول 136و 137و 139
الق اضية بتمديد النطاق الزمني أو وقفه ،بينما لم يحدد المشرع مدة معينة يتقدم من خاللها المتعرض
الخارج عن الخصومة بطلب تعرضه ،مما تسنى معه القول بصالحية الغير ذي المصلحة التعرض على
الحكم في أي وقت شاء مالم يصدر عنه ما يفيد صراحة أو ضمنا إقراره للحكم والقبول بما قضى به.
وتجدر اإلشارة إلى أن األمر سيان بالنسبة للطعون العادية وغير العادية ،بحيث البد من توفر
موجبات ممارستها شكال وموضوعا بما تقتضيه أبجديات التقاضي من الناحية المسطرية.
المبحث الثاني :التنظيم القانوني للزمن المسطري في نظام مساطر الوقاية والمعالجة من صعوبات
المقاولة
يعد نظام قانون صعوبات المقاولة نظاما قائما بذاته ،وذلك على أساس أنه يضم إلى جانب القواعد
الموضوعية التي تهدف إلى اإلبقاء على المقاولة في نسجيها االقتصادي وإعطائها فرصة جديدة لمحاولة
إلقالع ،قواعد مسطرية هدف من خاللها المشرع إلى التنظيم والضبط في سبيل تفعيل هذه القواعد
الموضوعية وتحقيقها على أرض الواقع.649
ولما كان نظام صعوبات المقاولة عبارة عن سلسلة من المساطر المرتبطة التي أفرد بها المشرع
وضعيات المقاولة المختلفة ،فإن عنصر الزمن يؤدي دورا أساسيا في السير الصحيح لكل مسطرة على
حدة بحكم أن الغاية من سلك المسطرة تكون كسبا إلجراء معين يتزامن بالضرورة مع وقت بعينه سواء
كان مصدره القانون أو القضاء أو االتفاق ،من أجل ذلك عهد المشرع المغربي إلى تضمين نظام
صعوبات المقاولة مجموعة من اآلجال المختلفة والمتعددة باختالف تعدد المساطر واألجهزة وتنوعها
بحيث أنه ف ي الحالة التي تكون وضعية المقاولة غير مختلفة بشكل ال رجعة فيه فإنه يتم تطبيق مساطر
155
الوقاية (مطلب أول) ،في حين تكون مسطرة التسوية هي الواجبة التطبيق في الحالة التي تصل فيها
المقاولة إلى التوقف عن الدفع (مطلب ثان) مع ما يستوجبه التنظيم القانوني لهذه المساطر من ضرورة
اتخاذ اإلجراءات المسطرية في وقتها المناسب لما يترتب على إغفال هذا األمر من إفراغ للمسطرة
المفتوحة في وجه المقاولة من محتواها ويحتم بالتالي تصفيتها قضائيا.
الفقرة األولى :اعتماد نظام تصاعدي لآلجال خدمة للوقاية من الصعوبات داخليا.651
يتضح من خالل المادتين 347-546اللتين نظمتها مسطرة الرقابة الداخلية أن التنظيم القانوني
لمساطر الوق اية اعتمد تقنية الزمن واعتبرها عامال أساسيا علق علي االلتزام به نجاح فعاليات المسطرة
156
ويتضح ذلك من خالل التنظيم التصاعدي لآلجال المكرسة في المادتين السالفتين الذكر حيث خصص
أجل ثمانية أيام لتبليغ الوقائع التي من شأنها اإلخالل باستمرارية االستغالل (أوال) ثم أ جل خمسة عشر
يوما لدعوة الجمعية العامة لالنعقاد (ثانيا) في الوقت الذي نص على ضرورة إخبار رئيس المحكمة في
األحوال التي ال تجدي فيها هذه اإلجراءات نفعا ،في ظل غياب أي تنظيم لعنصر الزمن فيها يخص
نطاق إخبار جهاز رئيس المحكمة (ثالثا)
حدد المشرع بموجب المادة 546من م ت النطاق الزمني لتبليغ الوقائع المكتشفة من طرف
األجهزة الداخلية للمحكمة -الشريك ،مراقب الحسابات -في ثمانية أيام ابتداء من يوم اكتشافها ،ويعد هذا
ألجل حدا أقصى ال يمكن لألطراف تجاوزه حسب ما يفهم من صيغة المادة السالفة الذكر ،وهو ما يعني
بالضرورة أنه يبقى لمراقب الحسابات أو الشريك االختيار حسب تقديره وحسب خطورة الوقائع
المكتشفة في تبليغ هذه الوقائع داخل أجل أقل مما ذكره أعاله ،حيث يتحدد الزمن المؤطر لنطاق التبليغ
في هذه األحوال استناد إلى ظروف الواقع ،ذلك أن التعجيل بتبليغ الوقائع إلى رئيس المقاولة إثر
اكتشافها من عدمه يتوقف على جسامة العراقيل المكتشفة وخطورتها ،في حين يمكن للجهاز المكتشف
للوقائع أحقية التأجيل حتى اليوم الموالي أو اليوم الذي يليه ،وفي جميع األحوال له صالحية االستفادة من
أجل الثمانية أيام كامال.
ويعد أجل الثمانية أيام مناسبا لكونه ليس طويال يشجع على التراخي في التعاطي مع العراقيل التي
وإنما يعد متناغما مع 652
بدأت تعيشها المقاولة الشيء الذي من شأنه أن يؤدي إلى تعميق مشاكل المقاولة
المدد التي أقرها الكتاب الخامس المتعلق بالمساطر الجماعية عموما ،حيث يكون عنصر الزمن في مثل
هذه الحاالت حاسما.653
ويبدو جليا من خالل ما قلناه سابقا أن اكتشاف وتبليغ الوقائع التي تعرقل السير الطبيعي للمقاولة
يعتمد على يقظة الشريك ومراقب الحسابات ومدى تتبعه لشؤون المقاولة ودقة مالحظته بها ،ومهما يكن
لذا يجب على مراقب 654
فإن عامل الزمن يؤدي دورا مهما وحاسما في تحريك مسطرة الوقاية الداخلية
157
الحسابات أو الشريك في الشركة التحلي باليقظة والحذر في تحريكها ،فالتدخل في الوقت المناسب يسهم
بنسبة %50من نجاح المهمة ذاتها ،وبالمقابل فكل تسرع أو تهور سيكون له أشد النتائج وأوخمها على
مسار المقاولة وهو ما يجلي قيمة وأهمية عنصر الزمن على هذا المستوى إذ أن كل تأخير أو تراخ
سيسبب خلال في عملية الوقاية وسيجعل التدخل دون أثر لفوات أوانه مما يقتضي ضبط اختيار التوقيت
المناسب بحيث ال يكون الخطأ في تقديره إما باإلبطاء غير الالزم أو باإلسراع الالهث.655
وحال توصل رئيس المقاولة بتبليغ المراقب أو الشريك فإنه يتعين عليه أن يبادر شخصيا أو
بمساعدة مجلس المراقبة أو مجلس اإلدارة إن وجد إلى تصحيح وتدارك االختالالت داخل حيز زمني
حدده المشرع في 15يوما ،وفي الحالة التي لم يستجب أو لم يتوصل فيها إلى نتيجة مفيدة ،فإن المشرع
المغربي على غرار المشرع الفرنسي اعتمد آلية إيكال مهمة العمل على دعوة الجمعية العامة إلى
اختزاال للوقت ومن أجل العمل على اإلسراع باتخاذ أساليب الحد من الوقائع التي من شأنها 656
المراقب
أن تخل باستمرارية االستغالل بدل جعلها بيد رئيس المقاولة الذي يمكن أن تكون لديه مصلحة في
خضوع المقاولة لحكم فتح مسطرة المعالجة ليستفيد من وقف اآلجال ووقف المتابعات.
إذا كان المشرع قد حدد األجلين السابقين بدقة متناهية ،ويتعلق األمر هنا بأجل التبليغ الذي قدر له
ثمانية أيام وأجل االستجابة والتوصل إلى نتائج مفيدة المحدد في خمسة عشر يوما ،وهو تنظيم غاية في
األهمية وذلك حتى يكون عنصر الزمن أداة ووسيلة في خدمة المقاولة التي الحت بوادر الصعوبات في
األمر الذي من شانه أن يعجل بحالة التوقف عن 657
أفقها ،فإنه أغفل تعيين الوقت المحدد النعقاد الجمعية
الدفع ،على اعتبار أنه كلما طال أجل انتظار انعقاد هذه الجمعية زادت الصعوبات التي تعترض المقاولة
وقللت من فرص إنقاذها.
إن عنصر الزمن كلما ضيق نطاقه يكون له دور محدد ومحوري خالل هذه المرحلة التي تهدف
إلى رقابة داخلية تمتاز بالسرية ،ذلك أنه إن طال األمد زاد وضع المقاولة تأزما ،وكلما شاع خبر هذه
األزمة بين الدائنين ،اربكت تصرفات المسيرين وكل المرتبطين بالمقاولة.
158
وبناء على ما سبق فإن مراقب الحسابات بالرغم من األدوار والصالحيات العديدة التي يقوم بها
سواء اإلجرائي منها المتمثل في التبليغ أو السلطوي ا لمتمثل في الدعوة إلى الجمعية العامة باإلضافة إلى
المهمة األصلية المتمثلة في المراقبة لحسابات المقاولة ،ال يمكنه أن يحرك هذه المسطرة – الدعوة
النعقاد الجمعية العامة – في أي وقت شاء بل البد من توخي الحذر في اختيار توقيت انطالقها ،فهذا
التوقيت يجب أال يكون سا بقا ألوانه وال متأخرا إذ أنه في حالة العكس يصبح مراقب الحسابات معرضا
للمسؤولية.658
جاءت أحكام المادة 547لتنضاف إلى المقتضيات التي خولت مراقب الحسابات أدوارا غير التي
ألف عنه مزاولتها ويتعلق األمر بمهمة أخبار رئيس المحكمة التجارية من خالل إعداد تقرير حول
وضعية المقاولة في حالة استمرار اختالل وضعيتها ،إال أن ما يؤاخذ على المشرع في هذا الصدد إهماله
لعنصر الزمن ، 659بحيث أنه لم يحدد أجال معينا يضبط به اللحظة التي يجب فيها على مراقب الحسابات
رفع تقرير أخباري لرئيس المحكمة . 660وفي ظل استمرارية هفوة إغفال تنظيم عنصر الزمن فإن الهدف
من مسطرة الوقاية الداخلية التي تقوم أساسا على هذا األخير في سبيل استهداف تصحيح وضعية المقاولة
في جو من السرية يبقى صعب التحقيق ومبهم الوقوع من حيث التاريخ ،ومرد ذلك راجع إلى أن الجمع
العام الذي بناء على خالصاته يجنح مراقب الحسابات أو الشريك إلى رفع تقرير إخباري لرئيس
المحكمة تقبل أكثر من افتراض.
ففي األحوال التي تتعمد فيها الجمعية العامة إهمال تداول وضعية المقاولة عن طريق إغفال جدول
أعمالها للنقط التي أثارها مراقب الحسابات أو الشريك ،فإن أجل رفع التقرير إلى رئيس المحكمة يكون
بعد انتهاء اجتماع الجمعية العامة مباشرة مما يجعل من نطاق رفع التقرير إلى رئيس المحكمة قصيرا
من حيث الزمن ،الشيء الذي قد يعجل بإنقاذ المقاولة والحد من هذه الصعوبات في هذه المحطة ،أما
الحالة التي تجعل فيها الجمعية العامة تص حيح وضعية المقاولة إحدى نقط جدول أعمالها فإن أجل رفع
658لطيفة بنخير ،مراقب الحسابات ودوره في تفعيل الوقاية من الصعوبات ،مقال منشور بالندوة الجهوية الثامنة ،طبعة 22 – 21يونيو
، 2007سلسلة ندوات المجلس األولى بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيسه تحت عنوان :صعوبات المقاولة وميدان التسوية القضائية من
خالل اجتهادات المجلس األعلى ،م .األمنية ،الرباط ،دون ذكر عدد الطبعة ،س ،2007ص .67 :
659إبراهيم اقبلي ،م س ،ص.25 :
660
Mustapha Ouhnnou, le commissaire aux comptes au Maroc , imprimerie sijelmassa Meknès, première
édition, Meknès, 2010, p : 148.
159
هذا التقرير قد يطول لمدة غير محددة بالنظر لطبيعة الصعوبات التي تم اكتشافها والحلول التي تم
اقتراحها والتدابير التي تم أو سيتم اتخاذها من طرف المعنيين ،على أساس أن مراقب الحسابات في هذه
األحوال عليه أن ينتظر إلى غاية اللحظة التي يتيقن فيها أن الوضعية لم تصحح أوأن االختالل باق رغم
كل ما تم اتخاذه من إجراءات ،حينذاك يتقدم بإنجاز تقرير عن وضعية المقاولة ويرفعه إلى رئيس
المحكمة التجارية.661
ومما سبق يتضح أن الخلفية التي تحكمت في المشرع وحملته على عدم تنظيم زمن رفع التقرير
إلى رئيس المحكمة من طرف مراقب الحسابات أو رئيس المقاولة تكمن في الظروف المصاحبة لمهمة
المراقب الذي يبقى ملزما بانتظار نتائج المبادرات التي أزمع اتخاذها خالل نقاشات الجمعية العامة والتي
قد تطول أو تقصر بحسب األحوال.
غير أن فشل المحطات التي سبق أن فصلناها سابقا ينذر بدخول المقاولة مسطرة أخرى من
الوقاية ،هي الوقاية الخارجية فـأي تنظيم لعنصر الزمن على هذا المستوى؟ وما الرهانات التي تغياها
المشرع لهذا التنظيم؟ هذا ما سنجيب عنه من خالل الكشف عن هذا التنظيم وغاياته من خالل الفقرة
الموالية.
الفقر ة الثانية :آلية الزمن في مساطر الوقاية الخارجية بين التحديد واإلبهام
تتميز مساطر الوقاية الخارجية بتدخل أجهزة خارج محيط المقاولة ،ويتعلق األمر بكل من مسطرة
الوقاية الخارجية البحثة ومسطرة التسوية الودية التي تبقى في حد ذاتها خارجية بالنظر لألجهزة المتدخلة
فيها والموكول إليها صالحية تفعيل هذه المسطرة .وباإلضافة إلى اختالف هذين المسطرتين عن
بعضهما البعض من حيث األجهزة المتدخلة في كل منهما فإن االختالف من حيث التنظيم لعنصر الزمن
حاضر يتجلى بوضوح من حيث المدد الزمنية المخصصة لكل منهما .662وباستقراء المواد من 548إلى
559من مدونة التجارة نالحظ أن المشرع المغربي قد رغب عن تحديد عنصر الزمن في بعض
الحاالت بحيث أخضع تحديده للسلطة التقديرية لرئيس المحكمة (أوال) وعمل على تحديده بشكل دقيق في
حاالت أخرى (ثانيا).
160
أوال :تحديد النطاق الزمني وفق سلطة رئيس المحكمة التقديرية
خ ول المشرع لرئيس المحكمة التجارية صالحيات واسعة النطاق فيما يخص تحديد مجموعة من
اآلجال المتعلقة بالمساطر الوقائية عموما بهدف إنقاذ المقاولة في وقت مبكر ،ووسيلة في ذلك سلطه
التقديرية المخولة له من طرف المشرع في سبيل تحديد األجل المالئم إلنجاز اإلجراءات أو اتخاذ المهام
المناسبة في الوقت المحدد ،وتتجلى هذه الصالحيات في ضبط وتنظيم عنصر الزمن من خالل تحديد
أجل استدعاء رئيس المقاولة ،وكذا من خالل تحديد أجل قيام الوكيل الخاص بمهامه.
إن التدقيق في عنصر الزمن على هذا المستوى بتحديد أجل قصير بين تاريخ رفع التقرير إلى
رئيس المحكمة وتقديم هذا األخير استدعاء لرئيس المقاولة ،وبين تاريخ هذا االستدعاء وتاريخ الحضور
يلعب دورا هاما في إضفاء عنصر الفعالية على المسطرة مما يبرز خصيصة إسهام الزمن في خدمة
القانون بتنظيمه من قبل هذا األخير على اعتبار أن كلما كان منظما وقصيرا كانت فرص إنقاذ المقاولة
كثيرة ،وكلما كان طويال سيؤدي ال محالة إلى تعقد هذه الصعوبات مما قد يعجل بدخول المقاولة في
وضعية التوقف عن الدفع.
أما بالنسبة لتحديد النطاق الزمني الذي ينبغي أن تستغرقه مهام الوكيل الخاص المحددة من قبل
رئيس المحكمة ،فإن المشرع ترك أمر تحديده للسلطة التقديرية لهذا األخير الذي يحدد باإلضافة إلى ذلك
أن عدم تحديد أجل قيام 667
الشخص المناسب والمهام التي يوكلها إليه ،666ويرى األستاذ محمد كرام
الوكيل الخاص بمهامه يعتبر إغفاال وقع فيه المشرع المغربي وهفوة لزمه تجاوزها ،وخالفا لهذا الرأي
161
-وعن صواب – أن المشرع أحسن صنعا في هذا اإلطار وذلك 668
يرى األستاذ عبد الرحيم شميعة
نظرا لن جاعة الزمن القضائي على هذا المستوى الذي يتحدد من منطلق واقعي يستند فيه القاضي إلى
المهام التي اسندت للوكيل الخاص والوسائل واإلمكانيات المتاحة وإن كان البد من مؤاخذة المشرع في
670
ال صراحة وال ضمنا 669
هذا الصدد ،فاألحرى أن يؤاخذ على إغفال التنصيص على إمكانية التجديد
إلى القول بعدم وجود ما يمنع من تجديد األجل الممنوح خاصة إذا الحت 671
مما حدا ببعض الفقهاء
بوادر التصحيح في القريب العاجل على اعتبار أن مهمة الوكيل الخاص الرئيسية تكمن في مد جسور
التواصل مع دائنين المقاولة.
عموما إذا ما تمكن الوكيل الخاص من أداء المهام التي انيطت به وحقق الهدف من تعينه بأن ساهم
في تذليل الصعوبات بالكيفية التي تضمن السير العادي للمقاولة فإن األمور تتوقف عند هذا الحد ،أما إن
فشل في ذلك ،فإن األمر يفتح الباب أمام رئيس المقاولة لتقديم طلب إجراء تسوية ودية بينه وبين دائنيه
أو بينه وبين دائنيه الرئيسيين فقط ،الذي بدوره لم يخضع أجل البت فيه من قبل رئيس المحكمة التجارية
للتأطير القانوني من طرف المشرع وترك ذلك لسلطة القاضي التقديرية ،672وعموما فإن الوضعية
تستدعي اإلسراع بفتح المسطرة داخل أجل قصير 673من أجل تحقيق الغاية من سلوك هذه المسطرة.
162
وفي هذا الصدد نهيب بالتجربة التونسية التي توكل مهمة تفحص وضعية المقاولة من قبل لجنة
مختصة وما يترتب على ذلك من اختزال للوقت وتجنبا إلهدار الزمن المسطري والذي ال يتعدى في
جميع األحوال شهرا مما يجعل أجل البت في طلب فتح مسطرة التسوية الودية قصيرا وسريعا ومالئما
إما باالستجابة له وإما برفضه.
واستثناء مما سلف بيانه نظم المشرع الزمن المسطري على مستو ى مساطر الوقاية بنوع من الدقة
والتحديد في محاولة إلغالق باب التقديرات الممارسة من طرف رئيس المحكمة ،حيث حدد نطاقه بنص
القانون وهو ما سنناوله في النقطة التالية.
ثانيا :التحديد القانوني لنطاق إجراءات مسطرة التسوية الودية من حيث الزمن.
خالفا للقواعد العامة التي تعطي الحق لكل دائن في الحصول على دينه ضمن اآلجال المحددة،
فإنه خالل هذه المسطرة يتم دفع الدائنين إلى تأجيل مهلة استيفاء الديون إما عن طريق المشاركة والتوقيع
على اتفاق التسوية الودية الذي يعمل المصالح على إبرامه ،وإما عن طريق فرض آجال معينة من
طرف رئيس ا لمحكمة على الدائنين الراغبين عن المشاركة والتوقيع في هذا االتفاق ،وخالفا للمسطرة
السابقة فقد حدد المشرع أجال أقصى لقيام المصالح بمهامه ،حيث حدده في المدة الالزمة والقصوى التي
على المصالح القيام بمهمته فيها والمحصورة في ثالثة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة ولمدة شهر بطلب
من المصالح فتصبح بذلك المدة القصوى التي قد يستغرقها المصالح في سبيل تسهيل سير الشركة
والعمل على إبرام اتفاق التسوية الودية مع الدائنين هي أربعة أشهر ،676ولم يكتف المشرع بتحديد
النطاق الزمني لمهام المصالح وحسب ،وإنما جعل تقنية الزمن في يده يستعملها طلبا في إنجاح المسطرة
من خالل آلية أجل الوقف المؤقت لإلجراءات والمتابعات ،بحيث إذا رأى المصالح أنه من أجل تنفيذ
مهمته البد من خلق هدنة وتهيئ المقاولة إلنجاح االتفاق ،فإن له طلب إيقاف جميع اإلجراءات التي
677
الذي يصدر أمرا غير قابل ألي تواجه أو سوف تواجه المقاولة بعرض ذلك على رئيس المحكمة
طعن يقضي بالوقف المؤقت لجميع اإلجراءات والمتابعات التي تواجه المقاولة ويحدد مدة هذا الوقف في
أجل ال يتعدى األجل المحدد لقيام المصالح بمهامه ،678وبإجراء مقارنة بسيطة بين المادة553من مدونة
163
التجارة التي نظمت مدة قيام المصالح بم هامه العادية والممددة والمادة555التي حددت مدة وقف
إلجراءات في أجل ال يتعدى مدة قيام المصالح بمهامه ،فإننا نالحظ قصورا تشريعيا يمكن أن يربك
مقومات المسطرة في بعدها العملي ويتعلق األمر بإغفال عنصر الزمن المتعلق بمدة الوقف والمنع ومدة
قيام المصالح بمهامه ،بحي ث نجد أن هذه األخيرة تتحدد في ثالثة أشهر كتحديد أولى ،وهي نفس المدة
التي يمنع فيها على الدائنين القيام بأي إجراء أو متابعة ،لكن األشكال يطرح في األحوال التي يطلب فيها
المصالح التجديد والحال أن الدائنين لم يصل إلى علمهم إال المدة العادية المحددة في ثالثة أشهر خاصة
إن كانت الدعوى المزمع رفعها ستمارس أمام قضاء الموضوع؟.
عموما يعكس إجراء التسوية الودية مدى وعي المشرع بأهمية عنصر الزمن باعتباره آلية من
آليات القوانين المسطرية التي تتوخى ضمان أهداف تشريعية تعكس فلسفة المشرع من اعتمادها .
إن نجاح مساطر الوقاية في تحقيق األهداف التي شرعت من أجلها يعطي المقاولة دفعة قوية في
اتجاه النهوض من جديد ومباشرة أنشطتها التجارية بما يضمن تحسين نسيجها االقتصادي والمحافظة
على مناصب الشغل فيها .أما إذا حدث ما يؤدي إلى عرقلة مساطر الوقاية وازدادت بالتالي العراقيل
المخلة باستمراري ة االستغالل ،فإن المشرع المغربي في خطوة تشريعية توقعية سابق الزمن في وضع
نظام ينقذ المقاولة من تعثراتها بما يضمن استمراريتها ما أمكن ،فكان عنصر الزمن أحرى باالستحضار
واالعتماد خاصة وأن هذا النظام -نظام المعالجة -يضع المقاولة بشكل أو بآخر في سياقها التاريخي
لتسنى له دراسته حاضرها ضمانا لمستقبل واعد ،إذ أن تحسين الوضع الحالي رهين بدراسة الماضي
لضمان مستقبل جيد ،وهو األمر الذي يبتدئ بصدور حكم بقضي بفتح مسطرة المعالجة ،والذي يتميز
680
في ذات اآلن ،وهو ما سنتوقف عنده من عن غيره من األحكام بحيث يكون له أثر رجعي 679وفوري
خالل (المطلب الثاني)
المطلب الثاني :االمتداد الزمني للحكم القاضي بفتح المسطرة بين األثر الرجعي واألثر الفوري.
إن نجاح مساطر المعالجة والتسوية القضائية رهين بوضع المقاولة في سياقها الزمني الذي يعطي
ألجهزة تلك المساطر رؤية واضحة عن حياة المقاولة السابقة ليتسنى اتخاذ اإلجراءات والتدابير التي
تساهم في إنجاح المسطرة الحقا ،ويعد الحكم القاضي ب فتح المسطرة العامل الفاصل الذي يخول ألجهزة
المسطرة التي تعين بمقتضاه التموقع في الموقع الذي يؤهلها لتفعيلها ،وفي هذا السياق اعتمد المشرع
164
تقنية الزمن بغية التحكم في مج رياته بنصوص القانون لجعله في خدمة المسطرة بهدف إنجاح تسوية
681
من كون القوانين وضعية المقاولة في الوقت المناسب األمر الذي يؤكد ما ذهب إليه أحد الفقهاء
المسطرية أكثر القوانين ارتباطا بتنظيم عنصر الزمن وسيلة وهدفا.
إن الحكم القاضي بفتح المسطرة يرتب أثرا رجعيا سابقا على صدوره في الزمن سمى المشرع
نطاقه بفترة الريبة ( الفقرة األولى) كما يرتب آثارا تسري ابتداء من تاريخ صدور الحكم إلى غاية
حصر مخطط التسوية ( الفقرة الثانية) مع ما يترتب على هذه المدة الزمنية من آثار قانونية.
الفقرة األولى :األثر الرجعي للحكم القاضي بفتح المسطرة ( فقرة الريبة).
اعتمد المشرع تقنية الزمن ،فقرر خلق مساحة قانونية سابقة على تاريخ الحكم القاضي بفتح
682
تكون فيها تصرفات المدين موقوفة التنفيذ إلى حين التحقق من مدى أثرها على الذمة المالية المسطرة
للمقاولة وهي ما يعرف بفترة الريبة.683
وإذا كان األثر الرجعي للحكم القاضي بفتح المسطرة يشكل نوعا من التهديد خاصة للمتعاقد حسن
النية بما يمس باألمن واالستقرار القانونيين للمعامالت التجارية وبزعزعة الثقة فيها من منطلق أن
684
التي تسمح المجال التجاري يتحصن كثيرا بمبدأ الثقة واالستقرار ،فإن الحاجة إلى فترة الريبة
685
بما بال سريان الرجعي آلثار الحكم تنبع من إمكانية الزيادة في أصول المقاولة والنقص من خصومها
يرسخ مبدأ الزمن في خدمة القانون.686
165
وحسب المادة 674من المدونة ،تبتدئ فترة الريبة انطالقا من تاريخ التوقف عن الدفع إلى غاية صدور
الحكم القاضي بفتح المسطرة تضاف إليها مدة سابقة تحدد في ستة أشهر بالنسبة لبعض العقود ،687وبذلك
يكون المشرع المغربي قد حدد نطاق فترة الريبة العادية والممتدة بداية ونهاية.688
وأمام صعوبة تحديد تاريخ التوقف عن الدفع بشكل دقيق من طرف المحكمة ،قرر المشرع من
خالل الفقرة األولى من المادة 680أال يتجاوز 18شهرا قبل فتح المسطرة ،بحيث تكون المدة الفاصلة
بين تاريخ التوقف عن الدفع وتاريخ صدور الحكم 18شهرا بالنسبة للنطاق العادي كما يمكن لفترة الريبة
أن تمتد إلى ما قبل تاريخ التوقف بستة أشهر بالنسبة لبعض العقود وهو ما يصطلح عليه أستاذنا عبد
الحميد أخريف بالنطاق الزمني الممتد ، 689وفي جميع في األحوال فإن النطاق الزمني لفترة الريبة عموما
ينبغي أال يتجاوز24شهرا . 690غير أن القضاء المغربي كان له رأي آخر غير الذي يرتئيه المشرع،
حيث جاء في حيثيات حكم صادر عن المحكمة التجارية بمراكش ما يلي"......وحيث إن المشرع
المغربي ومن خالل المادة 680أعاله قد نص على أن حكم فتح المسطرة المحدد لتاريخ التوقف عن الدفع
والذي يجب إال يتجاوز في جميع األحوال18شهرا قبل فتح المسطرة ،قضى بأنه يمكن تغيير تاريخ
التوقف عن الدفع مرة أو عدة مرات بطلب من السنديك ،وبقراءة متمعنة للمادة المذكورة يتضح أن
مدة18شهرا السابقة لفتح المسطرة ال تكون إال في الحكم القاضي بفتح المسطرة والعلة واضحة من هذا
التحديد نظرا لكون المحكمة ال تكون على بينة من وضعية الشركة إال بعد إيداع تقرير السنديك عن فترة
المالحظة ،وبعد ذلك أتاح المشرع للمحكمة إمكانية تغيير تاريخ التوقف عن الدفع مرة أو عدة مرات
كلما ظهرت لها عناصر جديدة تبرر ذلك كما هو الحال في النازلة وذلك بطلب من السنديك إذا أن تاريخ
التوقف الفعلي للشركة المعنية باألمر لم يتبين إال بعد األمر بإجراء افتحاص دقيق لوضعية المقاولة من
طرف خبير مختص واستنادا إلى طلب السنديك الذي وقف على مجموعة من المعطيات خالل إعداد
166
تقريره "....وبالتالي فإن القول أن مدة 18شهرا تعتبر حدا أقصى ال يمكن تجاوزه يبقى مردودا وتفسيرا
معيبا للمادة أعاله بدليل أن المشرع وبمقتضى الفقرة الالحقة قد أجاز للمحكمة مراجعة تاريخ التوقف
عن الدفع مما يكون معه ما اعتمده البنك بهذا الخصوص على غير أساس وجديرا بعدم االعتبار...
لهذه األسباب قضت المحكمة بتعديل تاريخ التوقف عن الدفع المحدد في2014/02/04وجعله في
فاتح دجنبر2008بدل 18شهرا السابقة لتاريخ فتح المسطرة مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل."691......
إن ما ذهب إليه القضاء المغربي في هذ ه النازلة ال يمكن اعتباره إال التفاف على إرادة المشرع
وتأويلها تأويال خاطئا يفرغ صراحة النص القانوني من كل محتوى ويجعلها دون أثر خاصة وأن
المقتضى المفس ر يرتبط بسريان عنصر الزمن القانوني في الماضي الذي يستند على مبدأ األثر الرجعي
للحكم القضائي في سبيل إنقاذ المقاولة المتعثرة لضمان سيرها في المستقبل بشكل أفضل.
ذلك أنه لو افترضنا أن إرادة المشرع اتجهت إلى تخويل القاضي صالحية تحديد تاريخ التوقف
عن الدفع بكل حرية فما الداعي إلى سن قواعد قانونية حددت النطاق الزمني لفترة الريبة العادية
والممتدة مع تخصيص كل فترة منهما بنوع معين من العقود؟ .ثم إن سريان أثر الحكم القاضي بفتح
المسطرة بأثر رجعي وإن كان محدد النطاق بين18إلى 24شهرا فهو يمس مبدأ استقرار المعامالت
التجارية ويزعزع الثقة في االئتمان بين التجار الذين سيخيم الحذر على معاملتهم فيما بينهم ،ولئن كان
األمر كذلك فهو مبرر بإنقاذ حياة المقاولة بحكم النطاق المحدد من حيث الزمن لممارسة البطالن
الجوازي والوجوبي من طرف السنديك ،أما التسليم بالقول أن المشرع أجاز للقاضي تغيير تاريخ التوقف
عن الدفع بكل حرية وأن مدة 18شهرا ال تكون إال في الحكم القاضي بفتح المسطرة والعلة واضحة من
هذا التحديد نظرا لكون المحكمة ال تكون على بنية من وضعية الشركة إال بعد إيداع تقرير السنديك.....
كما جاء في تعليل الحكم السالف الذكر ،فال يمكن اعتباره إال التفاف على إرادة المشرع السيما وأن
السنديك يملك نسبة51%من رأسمال الذي ال يستوى وما قضى به المشرع في المادة637في فقرتها
692
الثانية.
691حكم المحكمة التجارية بمراكش ،ع ،24 :الصادر بتاريخ ،2015/02/10 :ملف رقم(123/15/14 :غير منشور).
692تنص الفقرة 2من المادة " 637يمنع إسناد مهمة القاضي المنتدب أو السنديك إلى أقارب رئيس المقاولة أو مسيرها حتى الدرجة الرابعة
بإدخال الغاية"
167
الفقرة الثانية :األثر الفوري للحكم القاضي بفتح المسطرة ( فترة إعداد الحل)
استهدافا لربح الوقت في سبيل تحصيل مرامي صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة ،أطر المشرع
عنصر الزمن بمقتضى قواعد قانونية واضحة الداللة بموجبها تبدأ فترة انت قالية تمتد من تاريخ صدور
الحكم السالف الذكر إلى غاية صدور الحكم الذي يحصر مخطط التسوية ،693وتصل مدة هذه الفترة إلى
4أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة بطلب من السنديك.694
وقد حاول المشرع على مستوى اختياره لآلجال المرتبطة بفتح المسطرة المزج بين التقصير في
المدد الزمن ية وتحقيق الفعالية المرجوة منها في آن واحد ،مما قد يساعد على إغاثة المقاولة قبل فوات
األوان .695فال شك إذن أن الرهان على حصر المخطط قائما على تحقيقه في حدود أجل 4أشهر وهو ما
يبدو من خالل تحديد فترة التسوية ضمن نفس الفترة من حيث المبدأ ،واستثناء يحق للسنديك وحدة طلب
التمديد لمرة واحدة .من أجل ذلك ،عمل المشرع على اعتماد تقنية الزمن كإحدى أهم الوسائل التي
تستخدم في إطار القوانين المسطرية التي تعد أكثر القوانين ارتباطا بتنظيم عنصر الزمن قصد إنشاء
واقعة قانونية في ظرف وجيز.
وبهدف حصر المخطط في أقصر اآلجال فرض المشرع بموجب القواعد والنصوص المنظمة
للزمن القانوني آجاال للقيام بإجراءات معينة أو االمتناع عن أخرى والتي تعد جميعها من صميم مسطرة
التسوية كما لزم على كل العناصر المتفاعلة طيلة فترة إعداد الحل سواء تعلق األمر بأجهزة المسطرة أو
بالمدين والدائنين أو الغير بصفة عامة 696التقيد بنطاقها.
وبخصوص النطاقات الزمنية المؤطرة الختصاصات أجهزة المسطرة فقد سعى المشرع إلى ربط
هذه األخيرة بآجال قانونية سعيا إلى الحث على التسريع من وثيرة المسطرة والممارسة القضائية من
جهة وجعل المسطرة متناغمة مع وثيرة اإليقاع المتسارع الذي تعيشه حركة النمو في عالم المال
واألعمال والذي تفرضه الضرورة الملحة تحت ضغط عنصر الزمن.697
168
وعليه قيد المشرع جهاز السنديك بآجال قانونية محددة ال فيما يتعلق بآجال إجراء االستشارة مع
699 698
كما حدد المشرع سقفا وال فيما يتعلق بزمن ممارسة حق االختيار بالنسبة للعقود الجارية الدائنين
زمنيا يتعين خالله على السنديك تحقيق الديون وكذا إخبار الدائن المرتهن بواقعة فك الرهن700باإلضافة
701
ملزما إياه بتقديم تقرير الموازنة إلى تنظيمه لزمن قيام السنديك بإجراء تقييم خصوم وأصول المقاولة
وعرض على القاضي المنتدب 702الذي بدوره سيج المشرع نطاق اختصاصاته من حيث الزمن.703
أما فيما يخص التأطير الزمني لإلجراءات التي يتعين على باقي العناصر األخرى المشمولة بأثر
الحكم فقد اعتمد المشرع تقنية الزمن ألجل إنجاح أطوار المسطرة ،قبل قيام السنديك بإعداد تقرير
الموازنة لكل خصوم وأصول المقاولة.
وعليه فقد اعتمد آلية الزم ن إلبعاد كل دعوى قضائية أو مطالبة بتأدية مبلغ من المال من شأنها
أن تحول دون توفير الجو المالئم الذي يساعد على عملية اإلنقاذ المنشودة وبموجب هذه المسطرة
المحددة في الزمن فرض المشرع العديد من القيود على دائني المقاولة تتمثل في وقف المتابعات الفردية
الرامية إ لى استخالص الديون بما في ذلك تقييد الرهون واالمتيازات ،704كما يتوقف ترتيب الفوائد عن
السريان ابتداء من تاريخ صدور الحكم إلى غاية تنفيذ المخطط بعد حصره وفي مقابل ذلك أعطى
المشرع لدائني المقاولة صالحية التصريح بديونهم أمام السنديك لشمولهم باآلثار القانونية لهذا التصريح
شريطة أن يتقدموا به داخل أجل قانوني حددته المادة 687في شهرين من تاريخ نشر الحكم بالجريدة
الرسمية بالنسبة للدائنين العاديين ومن تاريخ اإلشعار الشخصي بالنسبة للدائنين أصحاب الضمانات.
كما أنه جدير بالذكر أن المشرع لم يغفل نظام الطعن بالرغم من حساسية األحكام التي تصدر في
نطاق زمن التسوية وظروفها ،ومراعاة منه لخصوصية المساطر الجماعية عموما ،فقد وضع نظاما
موحدا للطعن قصير األجل بموجب المواد 728إلى 732من المدونة .
698المادة585من المدونة
699المادة 573من المدونة
700المادة 656من المدونة
701المادة 692من المدونة
702المادة 579من المدونة
703المادة 639وما بعدها ،الت ي ألزمت القاضي المنتدب باإلسراع في التعامل مع ما يعرض عليه من طلبات من أجل التعبير عن السرعة التي
يجب أن تطع هذه العملية وكذا بهدف حث األجهزة على عدم تضيع الوقت والجهد في األمور الجانبية المرافقة لسير المسطرة بحيث نجد أن
المشرع لم يحدد أجال مدققا إليداع أو امر القاضي المنتدب وإنما استعمل عبارة فورا ،انظر :شرح كلمة الفور ،محمد شيلح ،زمن انعقاد العقد ،م
س,
704المادة 653من المدونة
169
وهكذا عمل المشرع المغربي في سبيل اقتصاد ربح الوقت ،على توحيد سائر آجال الطعن سواء
تعلق اآل جل بالتعرض أو تعرض الغير الخارج عن الخصومة أو االستئناف أو النقض ،بحيث ثم األخذ
705
أن توحيد أجل الطعن بأجل موحد ال تتجاوز مدته عشرة أيام ،ويعتبر األستاذ عبد الحميد أخريف
بالنسبة لكل طرق الطعن أمرا محمودا ألنه يدخل في إطار تبسيط إجراءات الطعن في مسطرة معالجة
صعوبات المقاولة وال شك أن هذا التوحيد يتماشى مع طبيعة هذه المساطر التي تتطلب السرعة والتعجيل
بإجراءاتها حماية لمصالح المقاولة واألغيار ومصالح جميع األطراف المتعاملة معها وكذا التعجيل
706
ويأتي هذا التنظيم لطرق الطعن وفق هذه بعملية اإلنقاذ عبر إيجاد الحل المالئم قبل فوات األوان
الكيفية ألجل إحقاق حق المتضررين من أحكام المحكمة أو قرارات القاضي المنتدب ،من التقاضي على
درجتين في ظل مراعاة ضرورة ربح الوقت الذي يعد هدفا مسطريا تسعى قواعد المسطرة إلى تحقيقه،
وبإعداد السنديك تقرير الموازنة في نهاية فترة إعداد الحل يتم حصر مخطط االستمرارية أو التفويت
بحسب األحوال الذي يعد في حد ذاته اإلنقاذ المنشود الذي توخاه المشرع من خالل نظام معالجة
صعوبات المقاولة والذي أفرغه بدوره في قوالب زمنية يتعين احترامها تحت طائلة ترتيب آثار قانونية
غاية في الخطورة ،وفي األحوال التي ال يفلح فيها في إنقاذ المقاولة أو تبين من تاريخ صدور الحكم أن
وضعيتها مختلة بشكل ال رجعة فيه ،فإن المسطرة تكون مباشر تصفية أصول المقاولة تسديدا
لخصومها.707
705الدور القضائي الجديد في القانون المغربي لمعالجة صعوبات المقاولة ،م س،ص ،485 :س.2001-2001 :
706عبد الكريم عباد م س ،ص.481:
707تجدر اإلشا رة إلى أن المشرع سعيا منه للحفاظ على حقوق الدائنين من الضياع ،لم يترك أطوار مسطرة التصفية بمنآي عن تنظيم عنصر
الزمن وإنما كان لهذا األخير حضورا بهدف تسييج صالحيات أجهزة المسطرة بآجال قانونية المواد من 619إلى 636من المدونة.
170
خاتمة :
مجمل القول في ختام هذا البحث نخلص فيه إلى التأكيد على العالقة التكاملية بين عنصري الزمن
القانون في المادة التجارية ،مع استقاللية كل منهما بكيانه الخاص الذي يؤثر من منطلق مقوماته في
اآلخر ،فالزمن في الميدان التجاري يقدر بالنقد والقيمة المالية ،والقانون يشكل عنصر تأطير لعامل
الزمن ،وفي الوقت ذاته سلم تقدير الحتساب تلك القيمة ورسملتها في الزمن.
إن كل هذه المعطيات جعلت التنظيم القانوني لعنصر الزمن في المادة التجارية يتسم بخصوصية
تميزه عن غيره من القوانين األخرى ،لدر جة صارت معه المقومات التي يرتكز عليها األمن القانوني
والقضائي في المادة التجارية والتي يبقى أهمها السرعة المطلوبة واالئتمان والمرونة في إجراءات
المعامالت والتقاضي على حد سواء ،تتوقف بشكل حاسم على المستوى الذي نظم به عنصر الزمن في
القانون التجاري ،فحيث يوجد التنظيم والضبط يتلمس قدرا من اآلمنين القانوني والقضائي وبانعدامهما
تنعدم تلك المقومات وتتالشى.
لكن وبرغم كل ما سبق ،فال الزمن كموضوع (الزمن الموضوعي) وال الزمن كوسيلة أو كهدف
(الزمن المسطري) تستطيع أن تكسب رهانها ،ألن هناك جوانب من النسبية تلحق هذه العالقة بين الزمن
والقانون بسبب بعض المشاكل البنيوية اعتبارا إلى أن الزمن بالنسبة للقانون هو تحد دائم كما قال بذلك
األستاذ عبد الحميد أخريف.
غياب المالءمة التشريعية بين المقتضيات المنظمة للزمن القانوني الموضوعي المتمثلة في
تعارض أحكام الزمن الصرفي مع أحكام القانون 10 .32المنظم لزمن األداء التجاري.
تضارب نظام الزمن القانوني التجاري في شقه المتعلق بزمن األداء مع مبادئ اللبرالية
االقتصادية وحرية التعاقد التي تقوم عليها البيئة التجارية.
تره ل نظام الزمن القانوني التجاري بسبب الخلل بين مصدر استيراد القانون المؤتى به ومحلية
البيئة القانونية المزمع تطبيقها فيه.
171
تشتت التنظيم القانوني لعنصر الزمن في المادة التجارية بين الزمن العام والزمن الخاص بما
يؤثر على مبدأ الثقة في القاعدة القانونية ويزعزع مبدأ االئتمان وبالتالي التأثير على األمنيين
القانوني والقضائي في المادة التجارية.
إن المشرع المغربي في أكثر من مناسبة بادر فيها إلى تعديل قانوني أو وضع قانون جديد لقانون
ساري المفعول ،لم يكن همه مالءمة القانون التجاري المغربي ،خصوصا في القواعد المنظمة
لعنصر الزمن ،لخدمة البيئة التجارية لتحقيق الثقة وحماية االئتمان وضمان سرعة المعامالت
التي تعد عصب الحياة التجارية بقدر ما كان يهمه مالءمة التشريع مع نظيره األوربي مما
يعمق من إشكالية السياقات المحلية للنصوص القانونية.
التوقف عند مكامن الخصوصية في النظام القانوني للزمن المسطري ضمن المادة التجارية.
تالزم عاملي الوسيلة والهدف بشكل مترابط بالقواعد المنظمة لقوانين لإلجراءات المسطرية.
أن عنصر الزمن كهدف موضوعي يغلب على طابع القواعد المنظمة لمساطر الوقاية والمعالجة
مقارنة مع القانون المنظم للمسطرة أمام المحاكم التجارية.
حضور االعتبار الزمني في القوانين المسطرية بما يجعله متنافرا مع كل سلوك أو إجراء ال
يستحضر محل هذا العتباره ،والتأكيد على فرضية الزمن في خدمة القانون من خالل تنظيم
الثاني عن طريق األول على النحو الذي يخدم هذه الفرضية.
إن دراسة نظام الزمن القضائي في المادة التجارية سواء من حيث زمن المعامالت أو حيث زمن الحماية
الق ضائية جعلتنا نقف على بعض مكامن الخلل التي تتخلل النظام القانوني التجاري ،وهو ما حملنا على
صياغة بعض االقتراحات التي من شأنها معالجة المشاكل البنيوية والتقليل من حدتها ،وهي بمثابة تدابير
يمكن اتخاذها لتجاوز حدة الزمن المضاد سواء على المستوى الموضوعي أو على المستوى المسطري،
ونجمل هذه التدابير في :
في مساطر الوقاية من لتجاوز إشكالية هدر الزمن على مستوى مسطرة التسوية الودية
صعوبات المقاولة ،يمكن اقتفاء نهج المشرع التونسي وتشكيل لجنة إدارية تحت إشراف
رئيس المحكمة التجارية لتسليم طلبات التسوية الودية وفحصها داخل أجل يحدده المشرع
سلفا في نطاق يراعي استحضار الشعور بأهمية الزمن القصير المدى ،وذلك قبل إحالة تلك
الطلبات على السيد رئيس المحكمة التجارية الذي يبقى أمامه إما قبولها بناء على اقتراحات
172
اللجنة وإما رفضها بناء على ذات االقتراحات التي ال تكون لها القوة اإللزامية أمام رئيس
المحكمة الذي ال يمكن أن يرفضها بالمقابل إال بقرار معلل.
ضرورة تعديل المادة 555على ضوء صياغة المادة 553بإضافة عبارة "...مع مراعاة التجديد
من عدمه "...لنص المادة ،555مع النص على طرق كفيلة بتبليغ واقعة التجديد إلى الدائنين
خاصة غير الموقعين على االتفاق.
مراجعة مسطرة المقرر وخاصة على مستوى محاكم أول درجة بحكم أن مسطرة المقرر هي
في األصل مسطرة إدارية وليست مسطرة قضائية ،والذي أدخلها إلى التنظيم القضائي
المغربي قاضي فرنسي إداري أبان مشاركته في إعداد مشروع قانون المسطرة المدنية لسنة
،1913والذي كان متأثرا بمساطر التنظيم اإلداري ،فمسطرة المقرر هي مسطرة معقدة جدا
خصوصا على مستوى محاكم أول درجة.
تشجيع المساطر السريعة أو المختصرة ،ومعناها أن الهيئة الجماعية هي التي تباشر إجراءات
التحقيق دون إرجاع القضية إلى القاضي المقرر ولو كانت القضية غير جاهزة ،وذلك نظرا
لكون مسطرة المقرر بمنطقها اإلداري ،تفرض على الهيئة أن تحيل القضية من جديد إلى
المقرر من أجل التحقيق ،وإن كان باإلمكان أن تباشر التحقيق بنفسها.
إحياء ثقافة شفوية التقاضي كما كان عليه الحال في الماضي ،ومنح القضاء الدور التصالحي
جعل التدابير الو قتية من اختصاص قاضي الموضوع عندما يكون النزاع الموضوعي معروضا
عليه نظرا لما يترتب منتخل عن القضية الموضوعية والتوجه إلى رئيس المحكمة بغية طلب
اإلجراء الوقتي.
ترشيد طرق الطعن والحد منها وعقلنة عملية التقاضي ،إذ في غالب األحيان تكون مباشرة
مجموعة من االستئنافات خاوية المقصد وبهدف تضييع الوقت خصوصا وأن إجراء
االستئناف يوقف التنفيذ ويستهلك الوقف ويعطل المسطرة مما يترتب عليهه إهدار الزمن
التقاضي.
تفعيل قضاء التنفيذ بشكل عملي حتى يكون حارسا على مساطر التنفيذ.
173
ويجدر بالذكر أن جل هذه التوصيات تم أخذها عن األستاذ عبد الحميد أ خريف بمناسبة مداخلته في
فعاليات ندوة الزمن والقانون التي احتضنتها كلية الحقوق بفاس بشراكة مع مؤسسة األستاذ محمد
اإلدريسي العلمي المشيشي.
174
الئحة المصادر والمراجع
الكتب:
أحمد كويسي ،محمد الهيني ،تأمالت في اجتهادات ال قضاء التجاري في مادة األوراق التجارية ،م
:دار العلم ،ط :األولى ،س .2008 :
.2012
ابن األثير علي الشيباني ،الكامل في التاريخ ،م :دار صادر ،بيروت ،ط :األولى ،س.1965 :
ابن منظور محمد ابن مكرم ،لسان العرب ،م :دار صادر ،بيروت ،ط :المصورة االولى ،ج .13
أبو الفض ل شهاب الدين األلوسي ،روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،ج،2
م :دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،لبنان ،دون ذكر عدد وسنة الطبع.
أحمد ابن محمد بن علي الفيومي المقري ،المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ،مجلد ،1
مادة زمن ،م :لبنان ،بيروت ،س.1987 :
أحمد المجدوبي ،حسن بن سليمة ،أصول المرافعات المدنية والتجارية ،م :أوربيس ،تونس ،ط:
األولى ،س.2001 :
أحمد شكري السباعي الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاوالت التجارية
والمدنية ،مطبعة دار نشر المعرفة ،الرباط ،ط ،1س .2001
أحمد شكري الس باعي ،الوسيط في األوراق التجارية ،ج :األول :م :المعارف الجديدة ،الرباط،
ط :األولى ،س.1998 :
أحمد شكري السباعي ،الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي يعترض المقاولة من
الصعوبات ومساطر معالجتها ،ج :األول ،م :المعارف الجديدة ،الرباط ،ط:األولى ،س.1998 :
أحمد كويسي ،األوراق التجارية- ،الكمبيالة ،السند ألمر ،الشيك -مطبعة أميمة ،سيدي ابراهيم
فاس ،الطبعة األولى ،س.2007:
175
أكرم يا ملكي ،القانون التجاري ،دراسة مقارنة ،ج األول ،م :الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،ط،
األولى ،س.1998 :
حسن محمود عبد الدائم عبد الصمد ،ا لتقادم وإسقاطه للحقوق ،دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي
والقانون المدني ،م :دار الفكر الجامعي ،ط :األولى ،س ،2009 :ص.10:
حمد عبد القادر محمد ،انقضاء االلتزام الصرفي بالسقوط والتقادم ،م :دار النهضة العربية ،
القاهرة ،دون ذكر عدد الطبعة ،س .2008 :
خالد اإلدر يسي ،إصالح المجلس األعلى ودوره في تحقيق األمن القضائي ،م :دار القلم الرباط،
ط :األولى ،س.2010 :
رضا سعد عبد هللا ،مفهوم الزمن في االقتصاد اإلسالمي ،المعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب،
جدة ،ورقة مناقشة رقم ،10ط :الثانية ،س.2000 :
رمضان جمال كامل ،التقادم المس قط في التقنين المدني علما وعمال ،المركز القومي اإلصدارات
القانونية ،القاهرة ،ط :األولى ،س.2007 :
زهير عباس كريم ،مبادئا لقانون التجاري- ،دراسة مقارنة ،-م :الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان،
دون ذكر عدد الطبعة ،س.1995:
زينب السيد سالمة ،األوراق التجارية في النظا م السعودي ،جامعة الملك سعد دون ذكر عدد
الطبعة.2010 ،
صالح الناهي ،محمد صبحي نجم ،نائل عبد الرحمن ،القانون في حيتاننا ،م :دار الثقافة ،عمان
– األردن -ط :التاسعة ،س.2014 :
عبد الحليم عد ،اآلجال في ظهير التحفيظ العقاري ،منشور بمج :الحقوق ،م :النجاح الجديدة،
البيضاء ،ط :االولى ،س.2011 :
عبد الحميد الشواربي ،األوراق التجارية ،م :منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،دون ذكر عدد الطبع،
س.2002 :
عبد الرحمن مصلح الشرادي ،الشرط وألجل في قانون االلتزام والعقود المغربي ،م :األمنية،
الرباط ،ط :األولى.2004 ،
176
عبد الرحيم بحار ،القضا ء التجاري والمنازعات التجارية ،م :النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،ط:
األولى ،س.2014 :
عبد الرحيم سميعة ،دروس في القانون التجاري ،م :سجلماسة ،مكناس ،دون ذكر عدد وسنة
الطبع.
عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،ج ،3م :دار إحياء التراث
العربي ،بيروت ،دون ذكر عدد الطبع ،س.1964 :
عبد العزيز توفيق ،آجال اإلجراءات في التشريع المغربي ،لمؤلفه عبد العزيز توفيق ،م :النجاح
الجديدة ،الدار البيضاء ،ط :األولى ،س.1990 :
عبد الكبير طبيح ،المحاكم التجارية -األسباب والغايات ،-مطبعة دار القرويين ،الدار البيضاء،
الطبعة األولى ،س.2000:
عبد الكريم الطالب ،الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ،م :الوطنية ،مراكش ،ط :الخامسة،
س.2008 :
عبداللطيف الشنتوف ،دور رئيس المحكمة التجارية في وقاية المقاولة من الصعوبات ،دون ذكر
اسم المطبعة ،ط :األولى ،س.2012 :
عبداللطيف الصديقي ،الزمان ابعاده وبنيته ،م :المؤسسة الجامعية للدراسات ،بيروت،
ط:األولى،س،1995 :ص.
عبد المنعم البدراوي ،شرح القانون المدني في الحقوق المدنية األصلية ،ط:الثانية ،القاهرة،
س.1956:
واإلفالس ،م :المؤسسة الحديثة للكتاب، عدنان ضناوي ،عدنان خير ،اإلسناد التجاري
طرابلس ،دون ذكر عدد الطبعة ،س.2010 :
علي الخفيف ،الملكية في الشريعة اإلسالمية مع المقارنة بالشرائع الوضعية ،م :دار الفكر
العربي ،دون ذكر عدد الطبعة ،س.1996 :
علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني ،التعريفات ،تحقيق محمد صديق المنشاوي ،م :دار
الفضيلة ،القاهرة ،دون ذكر رقم الطبعة ،س 1357 :هـ.
177
علي سلمان العبيدي ،األوراق التجارية في التشريع المغربي-الكمبيالة – السند اإلذني -الشيك ،م:
التومي ،الرباط ،دون ذكر عدد الطبع ،س ،1970 :ص.421:
فؤاد معالل ،شرح القانون التجاري الجديد ،ج :األول ،م :األمنية ،الرباط ،ط:الرابعة ،س:
.2014
فؤاد معالل ،شرح القانون التجاري الجديد ،م :دار اآلفاق المغربية ،الدار البيضاء ،ج :الثاني،
ط :الرابعة ،س.2014 :
فاتن جمال مسعود ،طبيعة الدفع بمرور الزمن ،م :دار وائل للطباعة وا لنشر ،ط:األولى ،س:
.2012
ماء العينين الشيخ الكبير ،اآلجال في تحصيل الديون العمومية ،م :الرشاد ،السطات ،ط :األولى،
س.2014 :
مجدي علي محمد غيث ،نظرية الحسم الزمني في االقتصاد اإلسالمي ،منشورات المعهد العالمي
للفكر اإلسالمي ،فرجينا ،الواليات المتحدة األمريكية ،ط :األولى ،س.2010 :
محسن شفيق ،القانون التجاري المصري ،األوراق التجارية ،م :دار المعارف ،اإلسكندرية
،مركز الثقافة العربي ،الرباط ،ط :األولى ،س.1954 :
محمد الشافعي ،األوراق التجارية في مدونة التجارة المغربية ،م :الوراقة الوطنية ،ط :الرابعة
س.2010:
محمد الطاهر الرزقي ،عامل الزمن في العبادات والمعامالت ،ج ،1م :الراشد ،الرباط ،ط ،1 :
س.2000 :
محمد المجدوبي اإلدريسي ،عمل المحاكم التجارية -بدايته وإشكاليته ،-م :مكتبة دار السالم،
الرباط ،ط :األولى ،س.1996 :
محمد بن أبي بكر الرازي :مختار الصحاح ،م :لبنان ،بيروت ،ط :المصورة األولى ،ج :األول.
محمد كرام ،الوجيز في مساطر صعوبات المقاولة في التشريع المغربي ،ج :األول ،م :
الوطنية ،مراكش ،ط :األولى ،س.2010 :
محمد ميكو ،تقديم مؤلف األوراق التجارية في القانون المغربي فقها وقضاء ،محمد الحارثي ،م:
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،ط :األولى ،س.1996:
178
مصطفى كمال طه ،وائل أنور بندق ،األوراق التجارية ووسائل الدفع اإللكترونية الحديثة ،م:
دار الفكر الجامعي ،االسكندرية ،دون ذكر عدد الطبع ،س.2005:
نورة غزالن الشنيوي ،الوجيز في العقود التجارية ،م :الورد ،انزكان ،ط :األولى ،س .2014 :
يوسف عودة غانم المنصوري ،التضامن الصرفي في األوراق التجارية ،منشورات الحلبي
الحقوقية ،ط :األولى ،س.2012 :
يونس العياشي ،األمن القانوني والقضائي وأثرهما في التنمية االقتصادية واالجتماعية ،م :دار
السالم ،الرباط ،ط :األولى ،س.2012 :
الرسائل:
ابراهيم أقبلي ،اآلجال في نظام معالجة صعوبات المقاولة ،رسالة لنيل شهادة الماستر في
القا نون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة موالي إسماعيل ،مكناس ،السنة الجامعية:
.2012 -2011
أحالم عارف ،دور األمن القانوني واألمن القضائي في تحسين مناخ األعمال بالمغرب،
رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس
السويسي ،الرباط ،الموسم الجامعي. 2011:
بوشعيب الزموري ،خصوصياته المسطرة أمام المحاكم التجارية ،رسالة لنيل دبلوم
الماستر في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة القاضي عياض ،السنة الجامعية:
.2010-2009
حسن فتوخ ،القضاء المستعجل في المادة التجارية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة
في ا لقانون المدني ،كلية الحقوق ،جامعة القاضي عياض ،مراكش ،السنة الجامعية:
.2000-1999
خالدالمرزوك،السياساتالتجارية،قسمالعلومالماليةوالنقدية،كليةاإلدارةواالقتصاد،جامعةبابل
،بدونذكرالسنةالجامعية.
179
زكرياء العماري ،التسوية الودية كآلية للوقاية من صعوبات المقاولة ،رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس،
الرباط ،السنة الجامعية.2008-2007 :
زينب عبد الرزاق ،األجل في قانون االلتزامات والعقود المغربي ،رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا ،جامعة محمد الخامس ،أكدال الرباط ،السنة الجامعية .1979-1978
سعد بهتي ،األجل في التسوية القضائية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
كلية الحقوق ،جامعة الحسن األول ،سطات ،السنة الجامعية.2013 -2012 :
عبد الحليم عد ،اآلجال في قانون التحفيظ العقاري ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون
الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة محمد األول ،وجدة ،السنة الجامعية.2013 – 2012:
عبدهللا حامد المراعية ،أثر الوقت في أحكام عقد النكاح ،رسالة ماجستير ،جامعة آل
البيت ،المفرق ،الموسم الجامعي .2002:
فاطمة الزهراء السائح الجوهري ،األمن القانوني والقضائي ،رسالة لنيل شهادة الماستر
في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس السويسي ،الرباط ،السنة
الجامعية.2010 -2009 :
محمد إياد نجاحي ،األجل في األوراق التجارية ،رسالة لنيل ديبلوم الماستر في القانون
الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس السويسي ،الرباط السنة الجامعية-2013:
. 2014
محمد شرف ،وفاء الكمبيالة في القانون المغربي ،بحث لنيل ديبلوم الدراسات العليا في
القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة الحسن الفاني ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية:
.1999
مريم فايز ،دعوى رفع أجل السقوط في إطار مساطر صعوبات المقاولة ،رسالة لنيل
شهادة الما ستر في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة القاضي عياض ،مراكش،
السنة الجامعية.2013-2012:
180
هند محامدي ،األجل في قانون االلتزامات والعقود المغربي ،رسالة لنيل ديبلوم
الدراسات العليا المعمقة ،كلية العلوم اقتصادية واالجتماعية ،جامعة الحسن الثاني عين
الشق ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية.2002 -2001 :
األطروحات:
عبد الحميد أخريف ،الدور القضائي الجديد في القانون المغربي لمعالجة صعوبات
المقاولة ،اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة محمد
األول ،وجدة ،س.2001-2000:
عبدالرحيم شميعة ،آليات تدخل المساهم غير المسير في تدبير شركة المساهمة -نحو
حكامة جيدة،-أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق ،كلية الحقوق فاس ،جامعة سيدي
محمد بنعبد هللا ،السنة الجامعية.2011-2010 ،
عبد الكريم عباد ،دور القضاء في معالجة صعوبات المقاولة ،أطروحة لنيل شهادة
الدكتوراه في الحقوق ،كلية الحقوق ،جامعة الحسن الثاني ،الدار البيضاء ،س-2003 :
.2004
في المواد المدنية، محمد الكشبور ،رقابة المجلس األعلى على محاكم الموضوع
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة الحسن الثاني ،الدار
البيضاء السنة الجامعية.1986 :
المقاالت:
تقديم وزير العدل ،السيد محمد بوزبع لمجلة لمحاكم المغربية ،م :فضالة ،المحمدية ،ع:
األول،ماي.2004
حسن الحطاب ،آجال أداء الديون التجارية في ضوء القانون رقم 32.10المتمم لمدونة
التجارة ،مقال منشور بمج :القضاء التجاري ،ع 3 :س.2014 :
181
راضية منتصر ،اآلجال في قانون إنقاذ المؤسسات ،مقال منشور بمج :التشريع
والقضاء ،ع ،7 :س ،2002 :منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة
العدل ،تونس.
عبد الجبار بهم ،اآلجال وفق قانون إحداث المحاكم التجارية ،مقال منشور بمج:
المحامي ،ع ،45 :س.2004 :
عبد الرحيم بحار ،التقادم في المادة التجارية ،مقال منشور بمج :المغربية لقانون األعمال
والمقاوالت ،ع،12 :أبريل .2007
عبدالسالم الدرقاوي ،المستلزمات المسطرية لقانون األعمال ،مق :منشور ب :مج
المغربية للقانون االقتصادي ،ع :مزدوج ،6-5س.2013:
عبد المجيد اغميجة ،مبدأ األمن القانوني وضر ورة األمن القضائي مقال منشور بمج:
الملحق القضائي ،دار السالم ،الرباط ،ع ،42ماي ،س ،2002 :ص.30 :
عز الدين بنستي ،تقييم تجربة القضاء التجاري المغربي على ضوء القانون المحدث
المحاكم التجارية ،مقال منشور بمج :المحاكم المغربية ،ع108 :ماي – يونيو،
س.2007:
علي ال حنودي ،األمن القانوني مفهومه وأبعاده ،المج :المغربية لإلدارة المحلية والتنمية،
ع ،96 :يناير – فبراير ،س.2011 :
علي العلوي الحسيني ،األجل القضائي االستعطافي –االسترحامي– مقال منشور بمج:
المحاكم المغربية: ،ع ،66س. :
لحسن ملكي ،التجارة اإللكترونية -قراءة قانونية – ،مقال منشور بمج :المحاكم
المغربية ،ع 89 :يوليوز -غشت ،س.2001 :
محمد المزوغي ،القضاء التجاري ومجال تدخله في حماية االستثمار ،مقال منشور
بمج :المناظرة ،ع ،9 :يونيو .2004
محمد عبد الكريم العبسي ،األمن القضائي ،مج :العدل السعودية ،منشورات وزارة العدل
والحريات المغربية ،مصلحة الوثائق رقم . 73.02
182
المستشار علي أبو دياك ،مساهمة السياسة التشريعية في تطوير الوضع االقتصادي،
مصلحة الشؤون القانونية والمهنية ،وزارة العدل ،فلسطين.
مقال منشور في جريدة االخبار ،عدد.24 :
منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية الكويتية ،مطبعة ذات السالسل ،الكويت،
ط ،2 :ج.24 :
المهدي شبو ،لماذا تبني المشرع المغربي نظام صعوبات المقاولة ،مقال منشور بمج:
المحاكم المغربية ،ع 89 :يوليوز -غشت ،س.2001 :
نادية احديدو ،أجل رفع دعوى اإللغاء على ضوء االجتهاد القضائي ،مقال منشور بمج،
اإلشعاع ،ع ،42 – 41:يونيو ،س.2014 :
الندوات:
األستاذ ندوة:الزمنوالقانون ،المنظمةمنطرفمركزقانونااللتزاماتوالعقودبشراكةمعمؤسسةمحمد
اإلدريسي العلمي المشيشي ،كلية الحقوق فاس 3-2 ،يونيو (.2016غير منشور)
.1عالل فالي،الزمن في حياة الشركات.
.2عبدالرحمان الشرقاوي ،الزمن في المادة المدنية.
.3أحمد كويسي ،الزمن في األوراق التجارية.
.4عبد الحميد اخريف ،الزمن في قمم.
.5محمد شيلح ،زمان انعقاد العقد ،ندوة الزمن والقانون.
.6حسن ملكي ،مشكلة الزمن العام والزمن الخاص ،قراءة في االجتهاد القضائي لمحكمة النقض.
ندوة مبادئ الحكامة القضائية على ضوء مشروع قانون التنظيم القضائي ،المنظمة من طرف
نادي قضاة المغرب بشراكة مع وزارة العدل والحريات ،بكلية الطب والصيدلة ،فاس ،بتاريخ 21
ماي .2016
.1لبنى فريالي ،تدبير الزمن القضائي.
الندوة المنظمة من طرف الودادية الحسنية للقضاة بمناسبة المؤتمر 13للمجموعة اإلفريقية
لالتحاد العالمي للقضاة ،البيضاء 28 ،مارس .2008
183
.1عبد المجيد اغميجة ،األمن القانوني وضرورة األمن القضائي.
اللقاء الدولي حول األمن التعاقدي وتحديات التنمية ،المنظم من قبل الهيئة الوطنية للموثيقين،
الصخيرات 19 ، 18أبريل.2004
.1عبد المجيد اغميجة ،أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته.
الندوة الوطنية حول الخطاب الملكي ومدونة القيم القضائية ،مجلة الودادية الحسنية للقضاة ،ع:
.2
.1محمد النجاري ،القضاء المستقل القوي قاطرة للتنمية.
ندوة" :عمل المجلس األعلى والتحوالت االقتصادية واالجتماعية ،مج :المجلس األعلى ،الرباط،
20 – 18دجنبر ،س.1997 :
.1سعيد بناني ،عولمة االقتصاد ودور القضاء االجتماعي في التنمية.
الندوة الجهوية الثامنة ،طبعة 22 – 21يونيو ، 2007سلسلة ندوات المجلس األولى بمناسبة
الذكرى الخمسينية لتأسيسه تحت عنوان :صعوبات المقاولة وميدان التسوية القضائية من خالل
اجتهادات المجلس األ على ،م :األمنية ،الرباط ،دون ذكر عدد الطبعة ،س .2007:
.1لطيفة بنخير ،مراقب الحسابات ودوره في تفعيل الوقاية من الصعوبات.
.2المختار البشري ،أحكام فترة الريبة لغاية صدور حكم فتح مسطرة الصعوبات.
.3الرزقيتي العيادي ،دور الوكيل الخاص والمصالح في مسطرة التسوية الودية.
المواقع اإللكترونية:
عبد الهادي حمدن ،الزمن في القانون ،صحيفة الوسيط البحرينية ،ع ،2287 :بتاريخ 10دجنبر
،2008
الموافق ل 25رجب ،1437الموقع اإللكتروني:
http://www.alwasat news.com/news/27903.html 07/9/2016
سليمةفراجي ،أهميةالزمنالتشريعيفيهدرالخالفاتوالمزايدات،مقالمنشوربالجريدةاإللكترونيةمغرباليوم
: اإللكتروني .الموقع 2016 يونيو ،السبت2
http://www.almaghribtoday.net306/020716004308
184
ابن منظور محمد ابن مكرم ،لسا ن العرب ،م :دار صادر ،بيروت ،ط :المصورة االولى ،ج ،13
ص .199 :
http://archive.org/stream/LissanaAlarab/13-10588#page/n199/mode/24p.
محمد بن أبي بكر الرازي :مختار الصحاح ،م :لبنان ،بيروت ،ط :المصورة األولى ،ج :األول،
ص .280 :
الموقع اإللكتروني.http://archive.org/stream/wa98477/8477#page/n279/mode/2up :
علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني ،التعريفات ،تحقيق محمد صديق المنشاوي ،م :دار
الفضيلة ،القاهرة ،دون ذكر رقم الطبعة ،س 1357 :هـ ،ص .99 :
الموقع اإللكتروني http//archive.org/stream/waq111440/11440#page/n97/mode/2u:
أحمد ابن محمد بن علي الفيومي المقري ،المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ،مجلد ،1
مادة زمن ،م :لبنان ،بيروت ،س ،1987 :ص .256 :
الموقع اإللكتروني .http://archive.org/stream/waq174422#page/no/mode/2up:
بالموقع منشور مقال والوقت، المال بين مقارنة الدين، سعد أسماء
اإللكتروني :www.almasalcon/post/202-252
مجدي ممتحن ،الزمان بين األدب والقرآن ،مج :التراث األدبي ،س ،2 :ع ،5 :ص .154 :
الموقع االلكتروني www.SID.ir :
أبو الفضل شهاب الدين األلوسي ،روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،ج ،2م:
دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،لبنان ،دون ذكر عدد وسنة الطبع ،ص.137 :
الموقع اإللكتروني :
http://archive .org/stream/ wap0094/rohmaani19/page /mo /mode/2up.
خالدالمرزوك،السياساتالتجارية،قسمالعلومالماليةوالنقدية،كليةاإلدارةواالقتصاد،جامعةبابل،بدونذكر
السنةالجامعية،ص .45
185
مجد رشيد ،آجال األداء في القانون المغربي ،مقال منشور بالموقع اإللكتروني :
http ://JURISTCONSEIL :BLOGSPORT :COM/2013/05/3210-1595 .HTML
تمت الزيارة بتاريخ.2016/08/26:
محمد محبوبي ،دور التشريع والقضاء في تنمية المقاولة وتشجيع االستمارات ،مقال منشور بمج:
الفقه والقانون اإللكترونية ،بتاريخ 22أكتوبر ،2010ص 14 :الموقع اإللكترونية :
www.majalah.new.maتمت الزيارة بتاريخ .2016 /8 / 21 :
أحمد براك ،األمن القانوني ،مقال منشور بالموقع اإللكتروني :
زيارة الموقع بتاريخ http//pallporg/v12907htm 31/ 8 / 2016 :
قرار محكمة االستئناف التجارية بفاس ،رقم ،280 :صادر بتاريخ ،1999/04/26 :ملف
ع ،119/99:منشور بالموقع االلكتروني:
http://www.marocdroit.com/%D8%AD%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1-
%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D8%B1%D8%A9-
%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-
%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AA%D8%A8%D8%B7%D8%A9-%D8%A8%D9%87%D8%A7_a7340.html
186
الفهرس
187
المطلباألول :الطبيعةاالتفاقيةللزمنالقانونيالتجاري 31 ......................................................
الفقرةاألولى :حريةاألطراففيتحديدالنطاقالزمنيللمعاملةالتجارية (المبدأ) 32 .............................
الفقرةالثانية :االستثناءاتالمقيدةلحريةاألطراففيتحديدالنطاقالزمنيللمعامالتالتجارية 34 ..................
اوال :التدخاللقانوني 34 .........................................................................................
ثانيا :التدخاللقضائي 36 ........................................................................................
المطلبالثاني :الطبيعةالتشريعيةللزمنالقانونيالتجاري 37 .......................................................
الفقرةاألولى :تقييمالزمنالقانونيالتجاري 38 ....................................................................
أوال :النظامالزمنيالمحدد 38 .....................................................................................
ثانيا :النظامالزمنيالمفتوح 40 ...................................................................................
الفقرةالثانية :تقييمالزمنالقضائيالتجاري 41 ..................................................................
أوال :مركزالقضاءمننظامالزمنفيالمادةالتجارية 42 .........................................................
ثانيا :جدليةالزمنالقانونيوالزمنالقضائي 43 ..................................................................
الفرعالثاني :الفلسفةالخاصةلنظامالزمنالقانونيالتجاري 46 ..................................................
المبحثاألول :دورنظامزمنالمادةالتجاريةفيتحقيقاألمنالقانونيالتجاري 50 ...................................
النقطةاألولى :األمنالقانونيالتجاريمنخاللمنظومةالزمنفيالمادةالتجارية Error! Bookmark not ..
defined.
النقطةالثانية :مقوماتوأسساألمنالقانونيالتجاريمنخاللمنظومةالزمنفيالمادةالتجارية Error! .........
Bookmark not defined.
المطلباألول :السرعةواالئتمانمنخالاللضبطالزمنيألحكامالمعامالتالتجاريةError! Bookmark not .
defined.
المطلبالثاني :دورنظامالتقادم (مرورالزمن) القصيرالتقليلمنالمنازعاتالمخلةباستقرارالبيئةالتجارية 59
المبحثالثاني :دورنظامزمنالمادةالتجاريةفيتحقيقاألمنالقضائيالتجاري Error! Bookmark not .....
defined.
النقطةاألولى :األمنالقضائيالتجاريمنخاللمنظومةالزمنفيالمادةالتجارية Error! Bookmark not ..
defined.
النقطةالثانية :أساساتاألمنالقضائيالتجاريمنخاللمنظومةالزمنفيالمادةالتجارية Error! Bookmark
not defined.
188
المطلباألول :األمنالقضائيالتجاريمنخاللدورالقاضيفيتفعيلزمناألطراف Error! Bookmark not .....
defined.
المطلبالثاني :األمنالقضائيالتجاريمنخاللدورالقضاءفيتفعيلزمنالتقاضي Error! Bookmark not ....
defined.
الفصاللثاني :التطبيقالعمليللزمنالقانونيفيالمادةالتجارية 72 .....................................................
(الزمنالموضوعي) 75 ..... الفرعاألول :تطبيقاتعنصرالزمنفيالقوانينالتجاريةالموضوعية
أوال :أسبابوضعهذاالقانونوأهدافه 78 ..........................................................................
ثانيا :نطاقتطبيققانونآجاالألداءبينالتجار80 .................................................................. .
-1منحيثاألشخاص80 ........................................................................................... :
-2منحيثاألنشطةالتجارية81 :
المبحثاألول :تطبيقاتالزمنفياألوراقالتجارية (الكمبيالةنموذجا) 82 ..........................................
المطلباألول :خصائصوأنواعالزمنالصرفي 85 ................................................................
الفقرةاألولى :خصائصالزمنالصرفي 85 .......................................................................
الفقرةالثانية :أنواعالزمنالصرفيوارتباطاتهبالزمنالموضوعي 87 ........................................
أوال :الزمنالصرفيالمخوللألطرافصالحيةتحديده 87 .........................................................
أ-زمنالتقديمللقبول 88 ............................................................................................
ب-الزمنالقانونيللوفاءبالكمبيالة90 .............................................................................
-1تحديدتاريخاالستحقاقبينأطرافالعمليةالتجارية 91 ..........................................................
-2كيفيةتحديدزمنالستحقاق 94 .................................................................................
1-2القواعدالخاصةبتحديدزمناالستحقاق 94 .................................................................
-2-2تأثرزمناالستحقاقبالعطاللرسميةواختالفاليوميات 96 ..................................................
-3تمديدزمنالوفاء 98 .............................................................................................
1-3التمديدالقانونيلزمناالستحقاق 98 .........................................................................
-2-3التمديداالتفاقيلزمناالستحقاق 100 .......................................................................
ثانيا :الزمنالصرفيالمحض 101 ...............................................................................
أ-زمنالرجوع 101
189
-1الرجوعفيميعاداالستحقاق 102 ..............................................................................
-2الرجوعالصرفيقبلميعادالستحقاق102 ......................................................................
ب-شروطوإجراءاتالرجوعالصرفيونطاقهاالزمني 104 ......................................................
-1زمناالحتجاج105 .............................................................................................
-2زمناإلعالم 108 ................................................................................................
المطلبالثاني :اآلثارالقانونيةلنظامالزمنالصرفي 109 ...........................................................
الفقرةاألولى :سقوطحقالرجوعالصرفيأثرمباشرةلعدمالتقيدبالمواعيدالزمنيةالتخاذاإلجراءاتالشكلية
(اإلهمال) 110 .....................................................................................................
الفقرةالثانية :سقوطحقالرجوعبسببالتقادم (مرورالزمن) الصرفيوأثره 111 ............................
أوال :أحكاممرورالزمنالصرفي (التقادم) منحيثالمبدأ 112 ..................................................
ثانيا :األثرالقانونيالممتدلمرورزمنالتقادمالصرفيعلىضوءمقاربةالزمنالخاصوالزمنالعام 117 .........
المبحثالثاني :الزمنفيالعقودالتجارية 126 ........................................................................
المطلباألول :األهميةالقانونيةواالقتصاديةلعنصرالزمنفيالعقودالتجارية 127 ............................
الفقرةاألولى :بعضخصائصالزمنفيالعقودالتجارية130 ......................................................
الفقرةالثانية :أنواعالزمنفيالعقودالتجارية 132 ..............................................................
أوال :زمنالمعامالتالعقديةالتجارية 132 ........................................................................
ثانيا :زمنالتقاضي 135 .........................................................................................
المطلبالثاني :بعضتطبيقاتالزمنفيالعقودالتجاريةومركزهبينمشكلةالزمنالعاموالزمنالخاص 136 ......
أوال :المبدأالعاملنظامالتقادم -مرورالزمن – فيالعقودالتجارية (عقدالنقل) 138 .....................
ثانيا :االستثناءاتالواردةعلىالمبدأالعامالمقررللتقادمالتجاري – عقدالنقل –138 ......................
الفقرةالثانية :مدىصحةهذاالتوجها لقضائيعلىضوءاإلطارالقانونيوالنقاشالفقهي 140 ..................
أوال :التوجهالقضائيفينظامتقادمعقدالنقل – منخالاللقرارمحاللدراسة140 ............................. -
ثانيا :الموقفالفقهيمنالتوجهالقضائيفيزمنتقادمعقدالنقل 141 ..............................................
الفرعالثاني :تطبيقاتعنصرالزمنفيالقوانينالتجاريةالمسطرية (الزمنالمسطري) 144 ..................
المبحثاألول :التنظيمالقانونيلعنصرالزمنفيقواعدالمسطرةأمامالمحاكمالتجارية145 ....................
المطلباألول :التأطيرالقانونيللزمنالمسطريقباللبثفيالخصومةالقضائية 146 ................................
190
الفقرةاألولى :الزمنالمقررإليداعالمقاالالفتتاحيبالمحكمةالتجارية 147 ...................................
الفقرةالثانية :الزمنالمسطريخاللمرحلةالتقاضيابتدائيا 149 ...............................................
المطلبالثاني :التأطيرالقانونيللزمنالمسطريبعدالبثفيالخصومةالقضائية 150 ............................
الفقرةاألولى :الزمنالقانونيخاللمسطرةالتنفيذ152 ...........................................................
الفقرةالثانية :الزمنالقانونيخاللمساطرالطعنفيالمادةالتجارية 153 .........................................
المبحثالثاني :التنظيمالقانونيللزمنالمسطريفينظاممساطرالوقايةوالمعالجةمنصعوباتالمقاولة 155 ...
المطلباألول :التنظيمالقانونيلعنصرالزمنفيمساطرالوقايةمنالصعوبات 156 ..............................
الفقرةاألولى :اعتمادنظامتصاعديلآلجالخدمةللوقايةمنالصعوباتداخليا156 ............................ .
أوال :النطاقالزمنيلتبليغالوقائعالمكتشفةإلىرئيسالمقاولة 157 ...............................................
ثانيا :زمندعوةالجمعيةالعامةلالنعقاد 158 ....................................................................
ثالثا :إغفالتنظيمأجألخباررئيسالمحكمةأيةخلفية؟ 159 ....................................................
الفقرةالثانية :آليةالزمنفيمساطرالوقايةالخارجيةبينالتحديدواإلبهام 160 ................................
أوال :تحديدالنطاقالزمنيوفقسلطةرئيسالمحكمةالتقديرية 161 .............................................
ثانيا :التحديدالقانونيلنطاقإجراءاتمسطرةالتسويةالوديةمنحيثالزمن163 ............................... .
المطلبالثاني :االمتدادالزمنيللحكمالقاضيبفتحالمسطرةبيناألثرالرجعيواألثرالفوري164 .............. .
الفقرةاألولى :األثرالرجعيللحكمالقاضيبفتحالمسطرة ( فقرةالريبة)165 ................................ .
الفقرةالثانية :األثرالفوريللحكمالقاضيبفتحالمسطرة ( فترةإعدادالحل) 168 .............................
خاتمة 171 ............................................................................................................. :
الئحةالمصادروالمراجع 175 ..........................................................................................
191