You are on page 1of 34

‫أقوال خالدة لحنبعل وحوله؛‬

‫‪"-‬ال ُيمكن ُمقارنته بأي ملك‪ ،‬ال يف جسارته وال يف اقتداره"‪ :‬بلوتارخوس‪.‬‬
‫األكث جدية‪ ،‬ر‬
‫األكث نشاطا عىل اإلطالق‪ ،‬إنها حياة حنبعل"‪ :‬أدولف ت ريث‪.‬‬ ‫األكث عظمة‪ ،‬ر‬
‫‪"-‬ها ه لكم الحياة ر‬
‫ي‬
‫‪"-‬إذا استخدمنا السيف‪ ،‬فإنه يجب أن يكون لبناء العالـم"‪ :‬جان بول بريسون ‪J. B. Brisson‬‬
‫الت خاضها"‪" :‬قورنليوس نيبوس"‪.‬‬
‫‪"-‬ظل "حنبعل" منترصا يف كل الـمعارك ي‬
‫‪"-‬سوف نجد حال أو سنصنع واحدا"‪ :‬حنبعل برقا‪.‬‬
‫غث ازدراء الـموت"‪ :‬حنبعل برقا‪.‬‬
‫‪"-‬لـم يعط اإلله لإلنسان أي حافز لالنتصار ر‬
‫‪1:‬‬
‫عنوان ال ُـمداخلة‪ :‬معركة "زاما"‪ :‬رؤى جديدة حول مدى حدوث الـمعركة‬
‫أسامة بقار‪ :‬طالب دكتوراه يف التاري ــخ القديم بجامعة الجزائر ‪.02‬‬
‫توطئة‪:‬‬

‫الت شهدها العالم القديم‬ ‫تمثل الحروب ال ُـمسماة بالبونيقية‪ ‬أحد أهم المواجهات الحربية ر‬
‫الكثى ي‬
‫والبحر الـمتوسط‪ .‬إذا كانت الحرب األوىل (‪ 264-241‬ق‪.‬م) قد انتهت بانهزام "قرطاجة" وفقدانها لجزيرة‬
‫صقلية ثم رسدينيا وكورسيكا يف أعقاب تمرد المرتزقة والحرب الثالثة (‪ 149-146‬ق‪.‬م) كانت يف واقع‬
‫بتدمث قرطاجة وإبادة سكانها تحت وقع تحريضات "كاتو" وأسلحة جيش "سكيبيو‬ ‫ر‬ ‫األمر حصار انتىه‬
‫ر‬
‫ه الحرب األشهر واألكث ررساسة حيث برز فيها‬ ‫ايمليانوس"‪ ،‬فإن الحرب الثانية (‪ 218-201‬ق‪.‬م) تعد ي‬
‫ي‬
‫ي‬
‫القرطاج "حنبعل برقا" ابن "هاملكار برقا (عبد ملقرط برقا)" والذي سّع من خاللها ليس‬ ‫ر ي‬ ‫نجم القائد‬
‫اإلمثيالية الرومانية الـمتصاعدة بل إىل تشكيل جبهة تحالف واسعة لشعوب‬ ‫فقط إىل حماية وطنه من ر‬
‫عث‬ ‫ر‬
‫اإلمثيالية للرومان وبناء دولة قرطاجية قوية ومنفتحة أكث وهو ما ر‬ ‫ر‬ ‫الـمتوسط للوقوف ضد العقلية‬
‫وطت ولضمان هيبته‬‫ي‬ ‫عنه قائال‪" :‬أنا ال أشن حرب إبادة ضد الرومان‪ ،‬بل أحارب من أجل الحفاظ عىل رتبة‬
‫ـمشوع وخوض هذه الحرب حشد "حنبعل" خلفه جيشا مشكال من‬ ‫سأقاتل"‪ 2.‬من أجل تجسيد هذا ال ر‬
‫الت آمنت بمغامرته واجتازت تحت إمرته جبال األلب للوصول إىل‬ ‫واإليبثية و ي‬
‫ر‬ ‫عديد الشعوب الـمغاربية‬
‫وه شعوب من أجل‬ ‫ايطاليا‪ ،‬ثم انضمت له بعدها عدة قبائل من الضفة األوروبية وإغريق رسقوسة ي‬
‫االيطاليي الذين أرسوا يف‬
‫ر‬ ‫عث الخطاب الـموجه للجنود‬‫والسياس ر‬
‫ي‬ ‫عث لها عن خطه العسكري‬ ‫كسبها ر‬
‫"بحثة تراسمانيا" ‪ 217‬ق‪.‬م قائال‪" :‬لقد قدمت (إىل إيطاليا) ليس من أجل شن حرب عىل‬ ‫ر‬ ‫معركة‬
‫كثثا‪.‬‬‫وه مقولة تستحق أن نقف عليها ر‬ ‫ي‬
‫‪3.‬‬
‫يطاليي ضد روما"‬
‫ر‬ ‫اإليطاليي ولكن لـمساعدة اال‬
‫ر‬
‫كبثة‬
‫عث جبال األلب ووصل إىل شبه الجزيرة اإليطالية حقق "حنبعل" أربعة انتصارات ر‬
‫بعد أن ر‬
‫"بحثة تراسمانيا"‬
‫ر‬ ‫ديسمث ‪ 218‬ق‪.‬م‪ ،‬معركة‬
‫ر‬ ‫وشهثة‪" :‬معركة تيسينيوس" ‪ 218‬ق‪.‬م‪" ،‬معركة تريبيا"‬
‫ر‬

‫يوم ‪ 02-01‬مارس ‪ 2020‬والموسوم بـ‪" :‬حنبعل‬ ‫الوطت المنظم بجامعة الجزائر ‪ 02‬ي‬
‫ي‬ ‫‪ 1‬تم تقديم هذه المداخلة يف الملتق‬
‫ومصث إفريقيا"‪.‬‬
‫ر‬
‫ُ‬
‫ه من انتاج األسطوغرافيا اإلغريقو‪-‬رومانية ومن بعدها األسطوغرافيا‬
‫ي ي‬‫الت‬ ‫التسمية‬ ‫هذه‬ ‫عىل‬ ‫الشديد‬ ‫اضنا‬ ‫اعث‬ ‫سجل‬ ‫‪‬ن‬
‫ُ‬
‫المؤرخي المغاربة‬
‫ر‬ ‫غث صحيح تماما‪ ،‬لهذا وجب عىل‬ ‫والت تحمل قرطاجة مسؤولية هذه الحروب وهو ما نراه ر‬ ‫ي‬ ‫األوربية‬
‫المرافعة من أجل مراجعة هذه التسمية لصالح تسمية الحروب القرطاجية‪-‬الرومانية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪L. Cottrell : Enemy of Rome, 1992, P 150.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪L. Harold : One man against Rome, 1958, P 119.‬‬
‫حواىل ‪ 85‬ألف‬
‫ي‬ ‫جوان ‪ 217‬ق‪.‬م‪ ،‬ثم الـمعركة األشهر "كاناي" ‪ 02‬أوت ‪ 216‬ق‪.‬م ي‬
‫الت أفقد روما فيها‬
‫وأسث حسب "بوليبيوس" و‪ 67‬ألف حسب "تييوس" ليفيوس"‪ .‬هذه النجاحات‬ ‫ر‬ ‫جندي ربي قتيل‬
‫العسكرية بقدر ما كانت من الـممكن أن تقود "حنبعل" إلنهاء الحرب إال أن عوامل متداخلة ومعقدة عىل‬
‫رأسها خذالن "قرطاجة" له نتيجة سيطرة األوليغارشيون عىل مجلس الشيوخ لـم تكن تسمح بالهجوم‬
‫عىل روما األمر الذي دفع مساعده الفارس النوميدي "مهربعل" لـمخاطبته مادحا وناقدا‪" :‬بكل تأكيد؛ لـم‬
‫ُيبارك أي إنسان بكل عطايا اإلله‪ ،‬إنك يا "حنبعل" تعرف كيف تنترص لكنك ال تعرف كيف تستغل‬
‫النرص"‪ 4.‬ظل "حنبعل" يقاتل يف إيطاليا لـمدة ‪ 15‬سنة تخىل عنها فيها العديد من حلفائه الذي وصف‬
‫ُ‬
‫طريقة تعاملهم معه قائال‪" :‬عندما تنترص ينضم لك الجميع حت أشد أعدائك‪ ،‬وعندما تهزم يتخىل عنك‬
‫كثثون‪،‬‬‫"ميكيافيىل"‪" :‬الـمنترص أصدقاؤه ر‬
‫ي‬ ‫وه مقولة تذكرنا بمقولة‬
‫الجميع حت أولئك الـمقربون إليك" ي‬
‫ُ‬
‫أما الـمهزوم فأصدقاؤه حقيقيون"‪ .‬عاد "حنبعل" إىل "إفريقيا" سنة ‪ 203‬ق‪.‬م بعد أن طلب منه العودة‬
‫الكثى وأرس حليف "قرطاجة"‬ ‫فريق" الذي حقق انتصارين يف كل من "أوتيكا" والسهول ر‬ ‫لصد "سكيبيو اإل ي‬
‫الـملك النوميدي "سيفاقس" سنة ‪ 203‬ق‪.‬م؟‪ .‬فما الذي حدث عند عودته إلفريقيا؟‪ ،‬هل خاض فعال‬
‫معركة "زاما" أم أنها معركة من اختالق األسطوغرافيا الرومانية؟‪.‬‬
‫أوال‪-‬إشكالية الـمصادر والرقابة األدبية حول الحرب‪:‬‬
‫قبل تقديم قراءتنا إلشكالية الـمصادر والرقابة وجب علينا اإلشارة يف البداية إىل أنه قبل وصول‬
‫ي‬
‫الرومان تنحرص مواضيعهم واهتماماتهم يف أسطورة التأسيس‪،‬‬ ‫ي‬ ‫"حنبعل" إىل إيطاليا كانت كتاب التاري ــخ‬
‫ر ي‬
‫القرطاج‬ ‫كتابة الحوليات وبعض التأمالت الدينية واإلجرائية‪ ،‬لكن منذ الحرب األوىل وخصوصا الغزو‬
‫الت كان هدفها حرصا‬ ‫ُ‬
‫إليطاليا بقيادة "حنبعل" يمكن القول أنه ولدت وانبثقت األسطوغرافيا الرومانية ي‬
‫الت أطلقها "حنبعل" ومعه رسدية عديد الـكتاب الـمؤيدين لقرطاجة‪ .‬هذه األجواء‬ ‫مواجهة حملة الدعاية ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الت أخرجت لنا الكتابة التاريخية الرومانية تجعل منها عمل مؤسس ومكرس ألهداف وطنية‬ ‫والسياقات ي‬
‫"قوميي ومؤيدين لروما" إال يف حاالت‬ ‫ر‬ ‫وللفعل الدعا ين‪ ،‬لذلك لم يخرج مؤلفوها من دائرة كونهم‬
‫ه محاولة‬ ‫الرسميي ي‬
‫ر‬ ‫ـمؤرخي‬‫ر‬ ‫استثنائية‪ .‬يف الواقع‪ ،‬إن الكتابات الوحيدة والقليلة ي‬
‫الت وصلتنا من هؤالء ال‬
‫إلبراز والتأكيد عىل دور بعض األرس يف صناعة وصياغة السياسة الرومانية وعىل رأسها عائلة‬
‫"الفابيي ‪ ."Fabii‬هذه التنافسية ربي أرس البطارقة‬‫ر‬ ‫كبث مع عائلة‬‫الت كانت يف تنافس ر‬ ‫"السكيبيون ريي" ي‬
‫الوطت الذي امتاز‬ ‫(األرساف) تعاظمت زمن الحرب الثانية ومثلت أحد عنارص خلق وتشكيل التاريـ ــخ‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫السكيبيونيي ال يت خلد لنا "بوليبيوس" تاريخها‬
‫ر‬ ‫قوم ومخلد لتاريـ ــخ روما وباألخص ألرسة‬
‫بكونه مشحوة‪ ،‬ي‬
‫تدمث "قرطاجة" ومحوها‬‫ر‬ ‫ووقائع الحروب والـمعركة محل الدراسة بعد ‪ 60‬سنة من حدوثها وأيضا بعد‬
‫‪5.‬‬
‫يعت زوال إمكانية الرد عليه‬
‫من الوجود ما ي‬
‫اإلغريق "بوليبيوس" )‪(Pulubios‬‬
‫ي‬ ‫إننا نعتمد يف معرفتنا ألحداث الـمعركة أساسا عىل أعمال الـمؤرخ‬
‫"ميغالوبوىل" باليونان يف عائلة مرموقة كونته عىل السياسة والحرب منذ‬
‫ي‬ ‫‪ 126-208‬ق‪.‬م‪ ،‬الـمولود يف‬
‫غريق وهو يجابه تصاعد قوة روما‪،‬‬
‫الت عاشها العالـم اإل ي‬ ‫صغره‪ ،‬حينها كان شاهدا عىل االضطرابات ي‬
‫ـمقدون" والفيالق الرومانية يف ‪ 22‬جوان‬
‫ي‬ ‫"بثسيوس ال‬
‫فنجده شارك يف معركة "بيندا" )‪ (Pynda‬ربي ر‬
‫‪ 168‬ق‪.‬م عىل رأس فرقة فرسان‪ ،‬هذه المشاركة كضابط أدت إىل إرساله كرهينة إىل روما رفقة ‪1000‬‬
‫حي وصل "بوليبيوس" لروما تم‬‫رهينة أخيانية لتحييد الرابطة األخيانية من التحالف مع روما أو مقدونيا‪ .‬ر‬
‫‪4‬‬
‫‪Tite Live : Histoire romaine, XXII, 51.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪B. Dominique : la naissance de l’historiographie romaine : la canonisation de la mémoire nationale selon un‬‬
‫‪modèle étranger, P-P 01-11, A. Belkhoudja : Hannibal, P-P 182-183.‬‬
‫السكيبيونيي" )‪ (cercle des Scipions‬الذي مثلما ضم الشخصيات‬
‫ر‬ ‫ضمه إىل ما عرف "بنادي أو دائرة‬
‫ومؤرخي لبعضهم صلة بالثقافة‬
‫ر‬ ‫مشحيي‪ ،‬شعراء‪ ،‬فالسفة‬
‫ر‬ ‫السياسية للعائلة فإنه ضم أيضا كتاب‬
‫اإلفريق وقد تمثل دوره وعمله يف إعالء‬
‫ي‬ ‫وتأثثه تدريجيا مع وفاة سكيبيو‬
‫اإلغريقية وهو نادي تراجع دوره ر‬
‫الشخص لسكيبيو‬ ‫ُ‬
‫مكانة األرسة وتدوين فضلها عىل روما‪ .‬نجد أنه يف روما شغل يف البداية مهمة الـمدرس‬
‫ي‬
‫إيمليانوس واستمرت خدمته لـمدة طويلة حيث لـم يتحصل عىل حريته إال بعد ‪ 17‬سنة أي (‪ 150‬ق‪.‬م)‪،‬‬
‫تدمث قرطاجة وحصار "نومنسيا"‪ .‬نجد أيضا أنه‬ ‫ورسم يف حصار ر‬ ‫ي‬ ‫شخص‬
‫ي‬ ‫لنجده بعدها مشاركا بشكل‬
‫لعب دورا هاما يف إدماج بالد اإلغريق الوسىط بالجمهورية الرومانية بعد انتصار الرومان عىل الرابطة‬
‫األخيانية سنة ‪ 146‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫الت شهدتها من نيل حظوة‬ ‫لقد مكنته إقامته الطويلة يف ورما وتفاعله مع مختلف األحداث السياسية ي‬
‫خثاته السياسية‬‫سياسية قادته إلجراء دراسة عميقة حول السياسة والدولة العسكرية الرومانية جمع فيها ر‬
‫كبثا يف السن‪ ،‬كما سافر إىل بلدان عديدة‪:‬‬ ‫الشخصية‪ ،‬ذكرياته‪ ،‬شواهد معارصيه الذين كان بعضهم ر‬
‫ـمتوسىط وكل هذا‬
‫ي‬ ‫وه رحالت سمحت له بالتعرف عىل جغرافية الغرب ال‬ ‫األلب‪ ،‬الغال‪ ،‬إسبانيا‪ ،‬إفريقيا‪ ،‬ي‬
‫ُ‬
‫جمعه يف كتابه "التواريـ ــخ"‪ .‬عندما حرر سنة ‪ 150‬ق‪.‬م رجع إىل اإلغريق ثم عاد بشعة ليكون بجوار‬
‫خبثا مطلعا عىل تقنيات حصار‬ ‫"سكيبيو إيمليانوس" لـمساعدته يف حصار "قرطاجة " باعتبار أنه كان ر‬
‫تدمث "قرطاجة" تجول يف‬ ‫الـمدن )‪ (poliorcétique‬وقدم للرومان مساعدة ثمينة يف هذا الـمجال‪ .‬بعد ر‬
‫وف سنة ‪133‬‬ ‫تدمث مدينة "كورينث" ي‬ ‫ر‬ ‫السواحل الـمغاربية‪ ،‬لنجده يف اليونان سنة ‪ 146‬ق‪.‬م مشارك يف‬
‫ع من قبل "سكيبيو ايمليانوس" للمشاركة يف حصار "نومانس"‪ .‬ليتوف سنة ‪ 126‬ق‪.‬م عن‬ ‫ق‪.‬م استد ي‬
‫أربعي‪،‬‬
‫ر‬ ‫عمر ‪ 82‬سنة‪ .‬بخصوص كتابه "التواريـ ــخ" فإنه لـم يتبق لنا منه سوى ‪ 05‬مجلدات من أصل‬
‫الرومان ما ربي ‪168- 264‬م كتبها خالل سنوات نفيه (‪- 167‬‬‫ي‬ ‫والت خصصها للتوسع‬ ‫الكتب من ‪ 1‬إىل ‪ 29‬ي‬
‫‪ 150‬ق‪.‬م)‪ ،‬أما الكتب من ‪ 29‬إىل ‪ 40‬فحررها بعد سنة ‪ 146‬ق‪.‬م‪ ،‬أين تحدث فيها حول االضطرابات‬
‫الت شهدتها روما ما ربي ‪ 146-168‬ق‪.‬م‪ .‬يف هذه الكتب عالج تاري ــخ روما والدول الـمعارصة لها‪ ،‬كيفية‬ ‫ي‬
‫تدمث "قرطاجة" قام بتعديالت‬ ‫ر‬ ‫بعد‬ ‫أنه‬ ‫ونتصور‬ ‫الرومانية‬ ‫للهيمنة‬ ‫ة‬‫ـمتحرص‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫مم‬‫األ‬ ‫سقوط‬ ‫وأسباب‬
‫الت بحوزتنا عىل الشكل‬ ‫عميقة لكتبه تحت طلب من "إيمليانوس"‪ .‬جاء محتوى المجلدات الخمسة ي‬
‫التاىل‪:‬‬
‫ي‬
‫والثان‪ :‬شكال ما يمكن تسميته بالـمقدمة "‪ "prokataskeuè‬حيث لخص األحداث ي‬
‫الت‬ ‫ي‬ ‫‪-‬الكتاب األول‬
‫اإليلثية األوىل‪ ،‬تاري ــخ االتحاد (الرابطة)‬
‫ر‬ ‫وقعت ربي ‪ 220- 264‬ق‪.‬م‪ :‬الحرب البونيقية األوىل‪ ،‬الحرب‬
‫األخيانية وصوال إىل حرب "كليومينس" الثالث‪.‬‬
‫‪-‬الكتاب الثالث‪ ،‬الرابع والخامس‪ :‬خط فيها األولمبياد الـمـائة واألربعون أي تاري ــخ سنوات ‪216- 220‬‬
‫الهلنسيت وصوال لـمعركة "رافيا" )‪(Raphia‬‬
‫ي‬ ‫ق‪.‬م‪ ،‬باألخص بداية الحرب البونيقية الثانية‪ ،‬تاري ــخ العالـم‬
‫سنة ‪ 217‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫الشق‬‫حي استعرض ف الكتب األحرى أحداث ر‬ ‫الرومان‪ ،‬يف ر‬ ‫يف الكتاب السادس استعرض الدستور‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫التاورميت" يف االستقصاء‬
‫ي‬ ‫سنتي‪ .‬الكتاب ‪ XII‬خصصه النتقاد منهج "تيماووس‬
‫ر‬ ‫والغرب بمعدل كتاب لكل‬
‫الغرن‬
‫ري‬ ‫التاريخ‪ .‬الكتاب ‪ XXXIV‬وصف فيه جغرافية بالد الغال‪ ،‬إسبانيا‪ ،‬إفريقيا‪ ،‬وكل أجزاء الحوض‬
‫ي‬
‫الت زارها‪ ،‬أما الكتاب األربعون فهو بمثابة فهرس الـمحتوى لخص فيه مضمون مؤلفه الذي‬ ‫للـمتوسط ي‬
‫والرومان عىل ممالك دول عرصه وعىل رأسهم "قرطاجة"‪،‬‬
‫ي‬ ‫هدف من خالله إىل إظهار التفوق العسكري‬
‫الرومان الذي كان مصدر القوة الـمعنوية واالنضباط العسكري‪ .‬بعيدا عن‬
‫ي‬ ‫وهو ما فشه بقوة الدستور‬
‫تفسث الوقائع وفق‬
‫ر‬ ‫كث عىل‬
‫وتفسثها والث ر‬
‫ر‬ ‫الـثناء الذي ناله منهج "بوليبيوس" القائم عىل رابط األحداث‬
‫أساس نهل منها العديد من‬
‫ي‬ ‫األسئلة الثالث‪ :‬كيف؟‪ ،‬مت؟‪ ،‬ولـمـاذا؟‪ ،‬فإننا نجد أن أعماله شكلت مصدر‬
‫افيي وعىل رأسهم "تيتيوس ليفيوس" و"سثابون" أخبارهم ومعارفهم‪ 6.‬إن هذه اللـمحة‬ ‫ـمؤرخي والجغر ر‬
‫ر‬ ‫ال‬
‫ُ‬
‫اإلفريق" ومدمر‬ ‫الـمخترصة لحياة "بوليبيوس" الـمقرب جدا من "سكيبيو إيمليانوس" حفيد "سكيبيو‬
‫ي‬
‫تستدع بالرصورة التشكيك فيما نقله لنا حول الحروب البونيقية عموما بما فيها الـمعركة‬ ‫ي‬ ‫قرطاجة‬
‫األدان أو‬
‫ي‬ ‫الرئيس لمجرياتها‪ ،‬فنحن نرى أن االستعمال‬
‫ي‬ ‫موضوع الدراسة باعتباره الناقل والواصف‬
‫سء وارد بقوة وشبه مؤكد وهذا‬ ‫ر‬
‫التوظيق )‪ (instrumentalisation‬للتاري ــخ وتحريفه من قبله هو ي‬
‫ي‬
‫السكيبيونيي والحفاظ عىل مصلحة الدولة الرومانية يف معركة الذاكرة‬
‫ر‬ ‫بهدف إظهار "عظمة" عائلة‬
‫والـمجد الذي زعزعه "حنبعل"‪.‬‬
‫علينا أن نضع جيدا يف الحسبان أن رواية الوقائع جاءتنا حرصيا من عند األسطوغرافيا الرومانية وتلك‬
‫والت لـم رتثز إال يف وقت الحرب البونيقية الثانية لـمواجهة أخبار العديد‬ ‫ُ‬
‫الـمقربة منها الـمكتوبة باإلغريقية ي‬
‫وطت‬
‫ي‬ ‫الرومان لكتابة التاريـ ــخ نابع من هدف‬
‫ي‬ ‫نعتث أن التوجه‬
‫من الكتاب الـمؤيدين "لقرطاجة"‪ ،‬لهذا ر‬
‫دعان‪ .‬هنا نتساءل عن الش وراء حرصية األسطوغرافيا الرومانية يف رسد الحرب‪ ،‬هل كان األمر‬ ‫ي‬ ‫وفعل‬
‫عفويا أم مخطط له؟‪ .‬إن غياب الـمصادر الـمتناقضة للحرب ليس وليد الصدفة من وجهة نظرنا بل هو‬ ‫ُ‬
‫الرئيس للحرب البونيقية الثانية وهو‬
‫ي‬ ‫نتاج إرادة رومانية ُمحددة وواضحة؛ جعل "بوليبيوس" الـمصدر‬
‫تدمث "قرطاجة" واإلبادة الجماعية لسكانها ومحو ذاكرتها (مكتبتها)‪ ،‬بهذا أصبح هو‬ ‫ر‬ ‫الذي ساعد عىل‬
‫ناهبي ألفكاره حيث لـم يعاكسوه يف‬ ‫ر‬ ‫الـناقل والسارد األهم ألحداث الحرب ومن جاء بعده هم مجرد‬
‫البشية للمعارك‪ ،‬فإذا كان "بوليبيوس" تبت‬ ‫الجوهر بل ف تفاصيل وإضافات منها مثال أرقام الخسائر ر‬
‫ي‬
‫الـمبالغة يف أرقام خسائر الرومان عىل يد "حنبعل" وأيضا خسائر "قرطاجة" عىل يد "سكيبيو" فإن هذا‬
‫حي تعامل "تيتوس ليفيوس"‬ ‫عث انتصاره يف "زاما"‪ ،‬يف ر‬ ‫من باب إظهار وتصوير أن "سكيبيو" هو األعظم ر‬
‫اإلفريق" بنوع من الحذر؛ كالهما اتفقا عىل الثناء ومدح خصال "حنبعل" السياسية‬ ‫ي‬ ‫مع أرقام "سكيبيو‬
‫والعسكرية ليس حبا فيه بل بهدف تصوير القيمة الشخصية "لسكيبيو" الذي انترص عليه وإلظهار صورة‬
‫اإلفريق" لـمـا تم وضع نهاية له‪.‬‬
‫ي‬ ‫وخطورة الشخص الذي حاربته "روما" وأنه لوال "سكيبيو‬
‫البونيقيي" وإبادة ساكنتها بالحقد والخوف‬
‫ر‬ ‫تدمث عاصمة من ُيسمون "ب‬ ‫تفسث ر‬
‫ر‬ ‫يف الواقع‪ ،‬إذا أمكننا‬
‫الرومان سنة ‪150‬‬
‫ي‬ ‫من تجدد منافسة "قرطاجة" لروما عىل نفوذ البحر الـمتوسط كما رصح بذلك القنصل‬
‫ق‪.‬م‪ 7،‬فكيف نفش محو ذاكرة "قرطاجة" من الوجود؟ وألي سبب أمر "سكيبيو إيميليانوس" حفيد‬

‫‪6‬‬
‫‪M.-R. Guelfucci : Polybe, le regard politique, la structure des Histoires et la construction du sens, in Actes du‬‬
‫‪colloque de Besançon (16 au 18 octobre 2008), Action politique et histoire. Le narrateur homme d’action (M.-R.‬‬
‫‪Guelfucci, éd.), Cahiers des Études Anciennes, XLVII, 2010, P-P 329-357, Le discours politique sur l’histoire :‬‬
‫‪Polybe et son lecteur. Histoire passée et histoire(s) nationale(s), Dialogues d'histoire ancienne. Supplément n°8,‬‬
‫‪2013. Discours politique et Histoire dans l’Antiquité, P-P 17-38, Simon Guinebaud : Polybe et la guerre de siège,‬‬
‫‪P-P 49-60.‬‬
‫قينشينوس" ‪(L. Marcius‬‬ ‫ُ‬ ‫ـقنصلي "مانيوس مانيليوس" )‪ (Manius Manilius‬و"ل‪ .‬مارقيوس‬ ‫ر‬ ‫أخث ال‬
‫ر‬ ‫‪7‬‬

‫قائلي‪" :‬اتركوا قرطاجة‪ ،‬وأجلوا سكانها عنها إىل مكان ترونه‬


‫مصث مدينتهم ر‬ ‫ر‬ ‫النهان لروما حول‬
‫ي‬ ‫)‪ Censorinus‬البالغ أو القرار‬
‫تدمث "قرطاجة"‪ .‬ثم يواصالن تقديم أسباب هذا القرار‪:‬‬ ‫ثماني غلوة (‪ 15‬كلم) ألننا قررنا ر‬
‫بشط أن يبعد عن البحر ر‬ ‫مناسبا ر‬
‫"إن رؤية البحر سوف تذكركم دوما بمجدكم الغابر مما سيقودكم إىل ارتكاب الحماقات القديمة مثل غزو صقلية‪ ،‬رسدينيا‬
‫واسبانيا‪ .‬بالنسبة للسكان من الـممكن أن تقدم لهم الزراعة قدرا ر‬
‫كبثا من الطمأنينة مما كانت تقدمه لهم التجارة البحرية‪ ،‬وبما‬
‫اض‬
‫للقرطاجيي أن يعملوا بسالم يف الزراعة داخل األر ي‬
‫ر‬ ‫أن التفوق البحري سيكون من نصيب "روما" فقط‪ ،‬فمن األفضل‬
‫إمثاطورية البحر‪ ،‬ص‪-‬ص‪.220-219 :‬‬ ‫اإلفريقية"‪ ،Appien : Libyca, 81 :‬طالع أيضا‪ :‬فرانسوا دوكريه‪ :‬قرطاجة أو ر‬
‫أكث الـمدن علمية يف الفثة القديمة؟‪ .‬لقد سمحت لنا بعض‬ ‫"سكيبيو اإلفريق" جيشه بإحراق كتب أحد ر‬
‫ي‬
‫اإلشارات من معرفة أنه من ربي الكتب ال ُـمدمرة هنالك العديد منها متعلق بالحرب البونيقية الثانية‪ ،‬منها‬
‫ط" )‪ (Sosylos de Lacédémone‬الذي‬ ‫األسث ي‬
‫ر‬ ‫سث رتي لحنبعل؛ األوىل كتبها "سوسيلوس‬ ‫عىل األقل ر‬
‫ُ‬
‫الشخص لحنبعل والذي رافقه خالل الحرب ونتصور أنه كان يدون يوميات الحرب‬ ‫شغل مهمة الـمعلم‬
‫ي‬
‫تاريخ مكون من سبعة مجلدات بعنوان "أعمال حنبعل ‪les actes‬‬ ‫ي‬ ‫الت أفضت لتحرير مؤلف‬ ‫ي‬
‫‪ "d’Hannibal‬ونرجح بقوة أن "بوليبيوس" قد اعتمد عليه يف كتابه "التواريـ ــخ"‪ ،‬لكن هذا الـمؤلف الهام‬
‫والـمناقض للشدية الرومانية فقدناه ولـم نتعرف عليه سوى بفضل بردية تروي معركة بحرية وقعت سنة‬
‫الكاالتيت"‬
‫ي‬ ‫الصقىل "سيلينوس‬
‫ي‬ ‫‪ 217‬ق‪.‬م يف "اإلي رثو" )‪ 8.(Ebre‬نجد مؤلفا آخر من تأليف الـمؤرخ‬
‫الثان قبل الـميالد وكتب باإلغريقية تاري ــخ حملة "حنبعل"‬
‫ي‬ ‫)‪ (Silenus Calatinus‬الذي عاش يف القرن‬
‫عىل إيطاليا ما ربي ‪ 204-218‬ق‪.‬م بعنوان "تاري ــخ حنبعل" بشكل يبدو أنه محتواه كان يصب يف صالح‬
‫"قرطاجة" باعتبار أنه بدوره كان مرافقا لحنبعل يف الحملة ومنه فإنه روايته معارصة وسباقة لبوليبيوس ‪،‬‬
‫األخث رفقة "تيتوس ليفيوس" اعتمدا عليه يف كتاباتهم ولألسف فقدناه هو اآلخر ولم يتبق لنا‬ ‫ر‬ ‫ونتصور أن‬
‫"شيشون" و"سيليوس إيتاليكوس" )‪ 9.(Silius Italicus‬بدوره‬ ‫ر‬ ‫سوى إشارات مقتضبة وردت عند‬
‫النابوىل" )‪ (Eumachos de Naples‬الذي كتب مؤلف عن "تاري ــخ‬ ‫ي‬ ‫اإلغريق "إوماخوس‬
‫ي‬ ‫الـمؤرخ‬
‫إغريق‬
‫ي‬ ‫الثان قبل الـميالد كانت محط انتقاد من "بوليبيوس" رفقة مؤرخ‬ ‫حنبعل" من عدة أجزاء يف القرن ي‬
‫"خثياس" )‪ (Chaireas‬كتب بدوره كتاب حول "تاريـ ــخ حنبعل" حيث‬ ‫ُ‬
‫الثان يدع ر‬
‫ي‬ ‫آخر عاش يف القرن‬
‫وصف مؤلفيهما بأنها ال يتمتعان بالـمصداقية ومجرد ثرثرة (قيل وقال)‪ ،‬طبعا هذه الـمصداقية ال يمكن‬
‫معرفتها ألننا فقدنا أعمالهما‪ ،‬لكن بال شك فإن هذا الحكم الصادر من خادم "سكيبيو ايمليانوس" البد أن‬
‫ُينظر له بعي الشك‪ ،‬ويفش بكونهما قدما موقف مؤيد لقرطاجة وحنبعل‪10.‬‬
‫ر‬
‫السث األخاذة والمتخصصة يف تاري ــخ حنبعل‪ ،‬فإذا‬ ‫هذا االندثار يجعلنا نتساءل عن كيفية اختفاء هذه ر‬
‫وف نية الرومان "وسكيبيو" يف القضاء عىل أي مؤلف‬ ‫تفسث فقداننا لها ي‬
‫ر‬ ‫تدمث قرطاجة مساهم يف‬ ‫ر‬ ‫كان‬
‫ر‬
‫الت كتبها "بوليبيوس"‪ ،‬فإنه يف الـمقابل من الوارد أن تلك الكتب انتشت يف‬ ‫يقدم صورة مغايرة عن تلك ي‬
‫أجزاء أخرى من الـمتوسط واقتبست منها وقائع الحرب بما يتوافق مع الرؤية الرومانية ثم تم عن عمد‬
‫محوها من الوجود‪ .‬إن صح هذا التصور فإن السطات الرومانية كانت تنفذ سياسة رقابة )‪(censure‬‬
‫واسعة النطاق وهو ما استمر لـوقت طويل‪ ،‬بهذا ال ُـمعىط فإنه ليس فقط "سكيبيو إيمليانوس" وخادمه‬
‫ه عبارة عن قرار دولة‪.‬‬‫"بوليبيوس" من قررا تزييف التاري ــخ‪ ،‬بل إن الـمسألة ي‬
‫ـمؤلفي الرومان الـمعارصين للوقائع‬
‫ر‬ ‫واألكث مثارة للدهشة هو أن كتابات جميع ال‬‫ر‬ ‫األمر ر‬
‫األكث غرابة‪ ،‬بل‬
‫ُ‬
‫ه األخرى وهذا عىل غرار ما كتبه الـمنحدر من عائلة البطارقة "ك‪ .‬فابيوس بيكث" ‪(Q. Fabius‬‬ ‫اختفت ي‬
‫ي‬
‫)‪ 201- 254 Pictor‬ق‪.‬م الذي وصفه "تيتوس" بأقدم الكتاب )‪ (scriptorum antiquissimus‬ألنه‬
‫ـمؤرخي الرومان والذي كتب مؤلفه عىل طريقة "الحوليات" مخلدا تاريـ ــخ "روما" من األصول‬ ‫ر‬ ‫من أوائل ال‬

‫‪8‬‬
‫‪A. Belkhodja : Hannibal n’a jamais perdu contre Rome, P 01, S. Reinach : note de M. Seymour de Ricci sur un‬‬
‫‪fragment de l'historien grec Sosylos, professeur de grec d'Hannibal, C.R.A.I, 50ᵉ année, n° 1, 1906, P-P 84-85, H.‬‬
‫‪Dexter : A Companion to the Punic Wars, John Wiley & Sons, 2011, P 100.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪C. Luciano Canfora, Histoire de la littérature grecque à l'époque hellénistique, Desjonquères, 2014, 424p, B.‬‬
‫‪Dominique : sur un fragment de Silènos de Kalè Actè : à propos d'un article récent, Ktêma, n° 29, 2004, P-P 145-‬‬
‫‪157, R. B. Smith : Carthage et les Carthaginois, Longmans, Green et Company, 1878, P 272.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪Polybe : Histoires, III, 20, W. Roller, Duane : Eumachos of Neapolis (178), in: Brill’s New Jacoby, General Editor:‬‬
‫‪Ian Worthington (Macquarie University).‬‬
‫بحثة "تراسيمينا")‪ 11‬بهدف الدفاع عن السياسة‬ ‫إىل عهده (ذكره "تيتوس ليفيوس يف رسد معركة ر‬
‫حواىل ‪ 210-216‬ق‪.‬م يف‬ ‫ي‬ ‫الرومانية‪ .‬هذا الـمؤلف حرره باإلغريقية‪ ،‬لغة العلم يف عرصه عىل األرجح يف‬
‫وقت كانت روما بحاجة إىل نفس يف الروح الوطنية لـمجابهة "حنبعل" ال ُـمهدد إليطاليا وقد اعتمد يف‬
‫(الفابيي ‪ ،) Fabii‬العائالت السيناتورية وحوليات األحبار الكبار‬ ‫ر‬ ‫كتابته عىل أرشيف عائلته الـمرموقة‬
‫األغريغنت"‬
‫ي‬ ‫اإلغريق "فيلينوس‬
‫ي‬ ‫اعتثه "بوليبيوس" منحازا لروما مثلما كان‬ ‫والشهادات الشفهية وقد ر‬
‫)‪ (Philinos d’Agrigente‬منحازا لقرطاجة‪ .‬الغريب أن هذا الـمؤرخ فقدنا مؤلفه ولـم تتبق لنا منه إال‬
‫األكث"‪ .‬هذا االختفاء نتصور أنه جاء نتيجة‬ ‫ر‬ ‫اقتباسات عند "بلوتارخوس"‪"،‬تيتيوس ليفيوس" و"بلينوس‬
‫السكيبيونيي‪ 12.‬نجد كذلك الـمؤرخ "ل‪.‬‬
‫ر‬ ‫ه عائلة منافسة لعائلة‬ ‫استهداف له باعتبار أن عائلة الـمؤلف ي‬
‫حواىل ‪ 190-240‬ق‪.‬م وعرف بكونه‬ ‫ي‬ ‫قينقيوس أليمينتوس" )‪ (L. Cincius Alimentus‬الذي عاش يف‬
‫فيلقي وكان أحد أرسى "حنبعل" أين عامله ورفقاءه باحثام‪ ،‬بذلك‬ ‫عي كقائد ل ر‬ ‫سياس‪ ،‬قائد عسكري أين ر‬
‫ي‬
‫الت تؤهله لتقديم أحداث الحرب ووصف أفضل لشخصية "حنبعل" يف‬ ‫فإنه امتلك الـقاعدة الـمعرفية ي‬
‫مؤلفه الذي حرره بطريقة الحوليات من "إينياس" إىل الحرب البونيقية الثانية‪ ،‬حيث رسد فثة احتجازه‬
‫القرطاج‪ ،‬عىل أن كتابه بدوره فقدناه‪ ،‬وهذا بعد أن استفاد منه كل من‬ ‫ر ي‬ ‫ممثات الجيش‬ ‫القرطاجيي و ر‬
‫ر‬ ‫عند‬
‫‪13.‬‬
‫"تيتوس ليفيوس"‪" ،‬بوليبيوس" و"فلروس" يف أعمالهم‬
‫األكث" )‪ (Caton l’Ancien‬الـمعروف بانتخابه‬ ‫ر‬ ‫الشهثة "كاتو‬
‫ر‬ ‫نضيف لـمـا ذكرناه أعمال الشخصية‬
‫تجهث حملته عىل‬
‫ر‬ ‫ماىل )‪ (questeur‬سنة ‪ 205‬ق‪.‬م وإرساله إىل صقلية لـمساعدة "سكيبيو" يف‬ ‫كمفتش ي‬
‫السياس لشن الحملة‪ ،‬لنجدهما يختلفان فيما بعد‬‫ي‬ ‫إفريقيا بصفة مرافق لسفن النقل‪ ،‬كما منح له الدعم‬
‫يف مسألة إدارة الجيش ما دفعه لتقديم استقالته مستنكرا النفقات (التبذير) الباهظة لسكيبيو‪ .‬انتخب‬
‫ر ي‬
‫العاج ‪ ،)édile curule‬وأيضا‬ ‫سنة ‪ 199‬ق‪.‬م مسؤوال عىل صيانة ال ي‬
‫ـمبان وإقامة الـمهرجانات (اإليديل‬
‫الفاعلي يف إنهاء‬
‫ر‬ ‫"برايتور" ومعروف أن بعد نهاية هذه الحرب برز كشخصية معارضة لسكيبيو وكان أحد‬
‫السياس (لعب دورا فعاال يف التحريض عىل الحرب ضد قرطاجة‬ ‫ي‬ ‫السياس‪ .‬إىل جانب دوره‬
‫ي‬ ‫مشواره‬
‫ـمؤرخي الرومان األوائل الذين كتبوا بالالتينية حيث‬
‫ر‬ ‫وتدمثها) وإقدامه العسكري فقد عرف بأنه من ال‬
‫ر‬
‫ألف عدة كتب أبرزها؛ "بخصوص الزراعة" )‪ (de agri cultura‬وخاصة "األصول" )‪(Origines‬‬
‫ال ُـمشكل من سبعة أجزاء تضمن تاري ــخ الـمدن اإليطالية‪ ،‬باألخص "روما" من البدايات لغاية أواسط القرن‬
‫األكث"‪،‬‬
‫ر‬ ‫مؤرخي جاؤوا بعده مثل "بلينوس‬
‫ر‬ ‫الثان قبل الـميالد والذي فقدناه وكل ما تبق هو إشارات عند‬
‫ي‬
‫وغثهم وهو الـمؤلف الذي نتوقع أنه تطرق فيه لـموضوع الحرب‬ ‫ر‬
‫"تيتيوس ليفيوس"‪" ،‬شيشون" ر‬
‫البونيقية الثانية ونتصور أنه استهدف ف سياسة الرقابة الرومانية‪14.‬‬
‫ي‬
‫أربعي سنة من نهاية الحرب البونيقية الثانية حرر الـمؤرخ والخطيب "ل‪ .‬قيليوس أنتيباتر"‬
‫حواىل ر‬
‫ي‬ ‫بعد‬
‫)‪ (L. Coelius Antipater‬كتاب حول "الحرب البونيقية الثانية" من سبعة أجزاء استند فيها عىل ما‬
‫‪15‬‬
‫متناقضي يف عمله‪،‬‬
‫ر‬ ‫مؤلفي‬
‫ر‬ ‫األكث‪ ،‬أي أنه حاول الجمع ربي‬‫كتبه "سيلينوس" وكتاب "األصول" لكاتو ر‬

‫‪11‬‬
‫‪Tite Live : Histoire romaine, XXII, 7.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪Polybe : Histoires, I, 14-15, B. Dominique : la naissance de l’historiographie romaine : la canonisation de la‬‬
‫‪mémoire nationale selon un modèle étranger, Revue science et lettre, 2013, P-P 01-11.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Tite Live : XXI, 38, B. Dominique : 2013, loc.cit, Andreas Mehl : roman historiography : an introduction to its‬‬
‫‪basic aspects and development, John Wiley et Sons, 2011, P-P 48-49.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪Laure Hermand-Schebat. Entre figure historique et construction littéraire : Caton l’Ancien chez Cicéron (Brutus‬‬
‫‪et De senectute), 2009, P-P 01-11, M. Chassignet : les origines, fragments, Paris, les belles letrres, 1986.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪Cicéron : de divinatione, I, 24, Aulu-Gelle : Nuits attiques, X, 24, Macrobe : saturnales, I, 4.‬‬
‫مؤرخي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫و"شيشون"‪ 16.‬نجد‬ ‫هذا الكتاب هو اآلخر لـم يصلنا منه سوى اقتباسات عند "تيتوس ليفيوس"‬
‫آخرين كتبوا باإلغريقية‪ ،‬لكننا فقدنا كتبهم‪ ،‬عىل رأسهم "ف‪ .‬آريانوس كسينوفون" ‪(F. Arrianus‬‬
‫)‪160/146-89/86 Xenophen‬م‪ ،‬وهو شخصية مقربة من "هادريانوس" حيث ألف كتاب بعنوان‬
‫األكث" )‪ (Anabase‬أين رسد فيها حمالته يف سبعة أجزاء جاء فيها ذكر‬ ‫ر‬ ‫"الحملة العسكرية لإلسكندر‬
‫‪17.‬‬
‫اإلفريق‬
‫ي‬ ‫"حنبعل" يف إطار مقارنته به وبسكيبيو‬
‫الثان‬
‫ي‬ ‫مثها كذلك فقداننا لـمؤلفات الجيل‬ ‫هذا الفقدان التام لكل هذه األعمال الـمعارصة لحنبعل ر‬
‫الذي أخذ من الجيل األول من قبيل "كايوس أقيليوس" )‪ (Caius Acilius‬الذي عاش يف النصف األول‬
‫الرومان من األصول إىل غاية سنة ‪ 184‬ق‪.‬م‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الثان وكتب باإلغريقية كتاب عن التاري ــخ‬
‫ي‬ ‫من القرن‬
‫ر‬
‫فحسب "تيتوس ليفيوس" فإن العمل نش سنة ‪ 142‬ق‪.‬م وتمت ترجمته إىل الالتينية‪ ،‬وهو بعنوان‬
‫"حوليات أقيليوس" )‪ ،(Annales Aciliani/libri Aciliani‬عىل أنه بدوره فقدناه ولـم نتعرف عليه اال‬
‫األخث نجد مؤرخ آخر عاش يف أواسط القرن‬ ‫ر‬ ‫كشيشون وبلوتارخوس‪ 18.‬يف‬ ‫ر‬ ‫من خالل إشارات عند البعض‬
‫الثان قبل الـميالد هو "ل‪ .‬قاصيوس همينيا" )‪ (L. Cassius Hemina‬الذي ألف مؤلفا بعنوان‬ ‫ي‬
‫"الحوليات" مكون من أربعة أجزاء لـم يتبق منها سوى ‪ 43‬مقطع‪ ،‬حيث خصص الجزء الثالث للحرب‬
‫البونيقية الثالثة‪ ،‬والرابع لحرب "حنبعل برقا" و يف تأليفه لها نرى أنه من الـمرجح قد اعتمد عىل ما كتبه‬
‫"كاتو الكبث"‪19.‬‬
‫ر‬
‫خي‬ ‫بهذه الـمعطيات والحقائق فإننا نجد أنفسنا أمام حالة اندثار واختفاء لـمؤلفات عديدة كتبتها مؤر ر‬
‫إغريقي مؤيدين لقرطاجة‪ ،‬وآخرين يمكنهم وصفهم بالـمبتعدين‬ ‫ر‬ ‫مؤرخي‬
‫ر‬ ‫رومان وإغريق مؤيدين لروما‪،‬‬
‫التحث ولـم يتبق لنا سوى ما نقله "بوليبيوس"!‪ ،‬هل هذا األمر عفوي ومحض مصادفة؟‪ .‬نشك يف‬ ‫ر‬ ‫عن‬
‫ُ‬
‫ذلك تماما ونعتقد أننا أمام حالة ما يمكنه وصفه بتشكيل "قمع" تم فيه تصفية أو فلثة كل كتب تاريـ ــخ‬
‫الت عارصت "بوليبيوس" خضعت‬ ‫الحرب البونيقية الثانية لصالح مؤلف "بوليبيوس"‪ ،‬فاألعمال األخرى ي‬
‫بدورها إىل "فلثة" أخرى‪ :‬مثلما عمل "بوليبيوس" لصالح "إيميليانوس" فإن "تيتيوس ليفيوس" خدم‬
‫مشوع إعادة تأهيل عظمة "روما"‪ .‬بهذه الرقابة والفلثة أصبحنا نعتمد يف‬ ‫لصالح "أغسطس" ضمن ر‬
‫دراستنا لحنبعل عىل مؤرخ عائلة عدوة لحنبعل ومدمرة لقرطاجة وعىل ومؤرخ بالط‪ ،‬واللذين كانت لهما‬
‫حرصية رسد الحرب‪ ،‬بل إن "تيتيوس" يف الواقع قد اعتمد يف أغلب معلوماته عىل ما كتبه "بوليبيوس"‪.‬‬
‫إنه من الواضح بالنسبة لنا أن األمر ال يتعلق بالمصادفة وأقدار الحياة بل يتعلق بعملية "انتقاء وفرز" لـمـا‬
‫أرادت وسعت السلطة الرومانية أن تقرأه وتعرفه األجيال القادمة‪ ،‬ومن أجل فرض وانجاح هذا شنت‬
‫ونش حول الحرب‬ ‫العائلة السكيبيونية والسلطة الرومانية عملية رقابة واسعة النطاق عىل كل ما كتب ر‬
‫والـمعركة موضوع الدراسة وشخص "حنبعل" الذي ظلت السلطة الرومانية تراقب بشدة كل ما يكتب‬
‫حوله‪ ،‬وهو ما يظهر بوضوح من خالل أن كتابات ما بعد "تيتيوس ليفيوس" )‪ (post-livien‬بنيت عىل‬
‫هذا الـمبدأ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪S. Lancel : Hannibal, Fayard, Paris, 1995, P 51.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪F. Simone : Arrien de Nicomédie in Richard Goulet, Dictionnaire des Philosophes Antiques, t° I. Paris, 1989, P-‬‬
‫‪P 597-604, M. Bernard : vies parallèles dans le récit livien : Hannibal et Scipion l’Africain, 2009, P-P 01-19.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪Tite Live : Periochae, LIII, 4, Histoire romaine, XXV, 39, XXXV, 14, Cicéron : de officcis, III, 32, Plutarque : vies‬‬
‫‪parallèles : romulus, 21.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪Thomas Henry Dyer : Sources of Roman History, L'histoire des rois de Rome , Londres, 1868, Bell & Daldy, P‬‬
‫‪LXXXIV.‬‬
‫لقد ظلت العقلية االتهامية‪ ،‬العدوانية واإلزدرائية للرومان اتجاه "قرطاجة" ورجاالتها لعدة قرون‬
‫اإلمثاطور "دوميتيانوس" ذهب إىل حد إعدام سيناتور ألنه منح لعبيده‬‫ر‬ ‫ويظهر هذا البغض مثال يف أن‬
‫قرني ونصف لـم يتجاوز الرومان حقدهم اتجاه "حنبعل"‬ ‫أسماء "حنبعل" و"ماغون"‪ ،‬أي أنه بعد قرابة ر‬
‫كثى يبدو يف كل‬ ‫اإلفريق" سحقها يف معركة ر‬
‫ي‬ ‫وشعبه‪ 20.‬هذه الرقابة‪ ‬اتجاه شخصية ُيفثض أن "سكيبيو‬
‫يثث‬
‫الحاالت أمرا غريبا‪ ،‬ألن الـمنترص حجب الـمهزوم وقص عىل سمعته ومجده العسكري وهو ما ر‬
‫الشكوك يف حقيقة هذا االنتصار الذي سعت االسطوغرافيا الرومانية إلظهاره وتصويره‪ ،‬يف مقابل عمل‬
‫اإلمثاطور‬
‫ر‬ ‫السلطة عىل محو وجود من يقدم تصورا مغايرا له‪ .‬كذلك‪ ،‬بعد أربعة قرون ر‬
‫اعتث أعداء‬
‫اإلمثاطورية هو بمثابة "انتقام‬
‫ر‬ ‫البونيق أن وصوله إىل عرش‬
‫ي‬ ‫اإلفريق‪-‬‬
‫ي‬ ‫"سبتيميوس سويروس" ذو األصل‬
‫‪21.‬‬
‫لحنبعل"‬
‫يف النهاية إن عملية القضاء عىل الكتابات الـمتناقضة جاء نتيجة الرقابة الشديدة للسلطة الرومانية‬
‫سء ما أراد "سكيبيو إيمليانوس"‬ ‫ر‬
‫والت استمرت لعديد القرون وهو األمر الذي يدفع لالعتقاد بأن هنالك ي‬ ‫ي‬
‫ومن بعده السلطة الرومانية اجتثاثه (القضاء عليه) نهائيا‪ ،‬األمر ال يتعلق بمجرد تقييم ورسد للوقائع بل‬
‫الت كتبها‬
‫الت حدثت وتلك ي‬ ‫السّع لتقديم نسخة منقحة ومنتقاة لألحداث تختلف جذريا عن تلك ي‬ ‫ي‬
‫تجىل واضح لعبارة‬‫ي‬ ‫التدريخ والـممنهج‪ ،‬بهذا فنحن أمام‬
‫ر ي‬ ‫مؤرخون آخرون تعرضت أعمالهم لإلخفاء‬
‫"التاري ــخ يكتبه الـمنترص"‪ ،‬فتاري ــخ الحروب البونيقية وحياة حنبعل كتبها خادم مدمر قرطاجة وأيضا‬
‫التاريخ لتقدم به نفسها‬
‫ي‬ ‫اإلمثيالية الرومانية قد تشكلت واحتاجت للتدوين‬
‫مؤرخو "روما" يف وقت كانت ر‬
‫للعالم ولألجيال الصاعدة كدولة حمت الوطن من عدو ظل يثبص بها وهدد وجودها‪ .‬قد نستغرب ترك‬
‫الحرصية لبوليبيوس يف رسد أحداث الحرب لكن بالعودة إىل جملة من الـمعطيات قد نفهم لماذا وقع‬
‫سياس وثقافة عسكرية‬ ‫ي‬ ‫االختيار عليه وتم االحتفاظ بروايته دون البقية‪ :‬شخصية إغريقية لها مسار‬
‫تاريخ وهو ما يبدو أنه لـم يكن متوفرا يف نخبة‬
‫ي‬ ‫وجغرافية تؤهلها ليكتب بإتقان تفاصيل الحرب بمنهج‬
‫اغريق فإن هذا يزيد‬
‫ي‬ ‫العلم لإلغريق مسألة معروفة للجميع‪ ،‬أيضا لكونه‬
‫ي‬ ‫"روما" آنذاك باعتبار أن التفوق‬
‫من مصداقية ما ينقله للقارئ‪ ،‬فالكتاب االغريق يف الفثة القديمة كانوا ذو سمعة حسنة بفضل أعمالهم‬
‫أكث‬
‫التاريخية‪ ،‬الفلسفية والعلمية‪ ،‬وهو االعتبارات الذي ربما عول عليه "سكيبيو" يف إعطاء مصداقية ر‬
‫لروايته لألجيال القادمة‪.‬‬
‫ثانيا‪-‬أحداث معركة زاما؛ أي منطقية تملك؟‪:‬‬
‫انتهت الحرب الثانية ال ُـمسماة بالبونيقية كما هو معروف يف كل الدراسات التاريخية بانهزام "قرطاجة"‬
‫جثت "قرطاجة" عىل توقيع اتفاقية سالم سنة ‪201‬‬ ‫يف موقعة "زاما" سنة ‪ 202‬ق‪.‬م‪ .‬انترصت "روما" وأ ر‬
‫الرئيس يف حصول كل هذا وفق الرواية‬
‫ي‬ ‫ق‪.‬م تتضمن تنازالت ثقيلة وتعويضات للـمنترص وقد كان العامل‬
‫الت هزم فيها "حنبعل برقا"‪ ،‬العسكري‬‫الت تقدمها الـمصادر الـمؤيدة لروما هو هذه الـمعركة ي‬ ‫الكالسيكية ي‬
‫‪20‬‬
‫‪Suétone : vie de Domitien, X, A. Belkhodja : Hannibal Barca, l’histoire véritable et le mensonge de Zama, P-P‬‬
‫‪184-185.‬‬
‫‪ُ ‬يعد "دوميتيانوس" أحد أسوأ األباطرة الرومان نظرا لتسلطه واستبداده‪ ،‬وتعامله بهذا الشكل مع السيناتور لها دالالته يف‬
‫التسم بأسماء قرطاجية‪ ،‬وال ربما الكتابة عنها بإنصاف‪ .‬ظلت هذه النظرة العدوانية لحنبعل‬ ‫ي‬ ‫أنه كان من الـمحظور‬
‫سيفثوس" ذو األصول البونيقية ووليد "لبدة" الذي قام بإعادة ترميم رقثه الـموجود يف‬ ‫ر‬ ‫متواصلة لغاية عهد "سبتميوس‬
‫"جثي" )‪ (Libyssa‬حيث تم تغطيته بالرخام األبيض بعد أن كان يرقد يف نعش ما عده خصومه بمثابة "انتقام‬ ‫مدينة ر‬
‫لحنبعل"‪Clémentine Gutron : l’archéologie en Tunisie (XIXe-XXe siècles), Karthala édition, :‬‬
‫‪.2010, P-P 224-225‬‬
‫‪21‬‬
‫‪A. Belkhodja : Hannibal Barca, P-P 185-186.‬‬
‫األكث عبقرية وتألقا يف التاريـ ــخ القديم والذي ظل يقاتل لـقرابة ‪ 16‬سنة يف أرض العدو دون أن ُيهزم‬
‫ر‬
‫ويقص عليه‪ ،‬عىل الرغم من عدم تحصله عىل أي إمدادات وتعزيزات عسكرية من وطنه‪ُ ،‬ليهزم حسب‬ ‫ُ‬
‫الرومان "بوبليوس قورنليوس سكيبيو" الذي تحصل عىل لقب‬ ‫ي‬ ‫هذه الـمصادر عىل أرضه ضد القائد‬
‫الكبث!‪ ،‬فهل حدث هذا فعال؟‪ .‬هنالك عدة استشكاالت‪،‬‬ ‫ر‬ ‫اإلفريق )‪ (Africanus‬كاعثاف له بانتصاره‬
‫ي‬
‫ه؟‪.‬‬ ‫تشث إىل عكس ذلك‪ ،‬فما ي‬ ‫تناقضات ومفارقات ر‬
‫وه‬ ‫والشياىل ربي "سكيبيو" و"حنبعل" سنة ‪ 202‬ق‪.‬م قبيل الـمعركة ي‬ ‫ي‬ ‫الخياىل‬
‫ي‬ ‫البداية مع ذلك الحوار‬
‫العسكريي وسط حضور‬ ‫ر‬ ‫المقابلة والمناقشة يمكن وصفها بالهزلية جرى فيها التطرق إىل كفاءة القادة‬
‫العديد من الـمشاهدين‪ ،‬فسأل "سكيبيو" حنبعل عن رأيه يف هوية القائد العسكري األعظم‪ ،‬فأجاب‬
‫كث"‪ ،‬فوافق "سكيبيو" عىل وضعه يف الـمركز األول‪ ،‬ثم طلب من "حنبعل"‬ ‫(حنبعل) بأنه "اإلسكندر األ ر‬
‫ه أول صفة‬ ‫يعتث أن الجسارة ي‬ ‫اإلبثي" ألنه ر‬
‫"بثوس ر‬ ‫الت يضعها بعده‪ ،‬فرد‪ :‬إنه ر‬ ‫أن يقدم له الشخصية ي‬
‫(جريئي) مثلهما (الحظ‬‫ر‬ ‫مقدامي‬
‫ر‬ ‫ملكي‬
‫ر‬ ‫ممثة لهذا القائد العسكري‪ ،‬مضيفا أنه يستحيل العثور عىل‬ ‫ر‬
‫االغريقي يف الطليعة وبال شك فإن "حنبعل" أعظم‬ ‫ر‬ ‫كيف وضع "بلوتارخوس" و"بوليبيوس" القائدين‬
‫كبث)‪ .‬اغتاظ‬ ‫ر‬
‫"بثوس" ومسألة أن "اإلسكندر" أعظم منه فيها نقاش ر‬ ‫تكتيكيا وموهوب حربيا أكث من ر‬
‫"سكيبيو" من هذه اإلجابة‪ ،‬لكنه واصل سؤال "حنبعل" عن الرجل الذي يراه يف الـمركز الثالث عىل أمل‬
‫وعثت جبال‬ ‫شبان بغزو إسبانيا ر‬
‫فق الواقع قمت يف ر ي‬ ‫أن يكون هو‪ ،‬عىل أن "حنبعل" أجاب‪" :‬أنا شخصيا‪ ،‬ي‬
‫التخىل‬
‫ي‬ ‫وأجثتكم عىل‬
‫عثت إيطاليا وصدمتكم جميعا بالرعب‪ ،‬ر‬ ‫األلب مع جيش ألول مرة منذ "هرقل"‪ .‬لقد ر‬
‫عن ‪ 400‬من مدنكم وغالبا ما هددت مدينتكم (عاصمتكم) بالخطر الشديد‪ ،‬طبعا كل هذا دون أن أحصل‬
‫عىل أي أموال أو تعزيزات من "قرطاجة"‪ .‬عندما شعر "سكيبيو" أنه سوف يطيل يف هذا الثناء (الحظ‬
‫العمل عىل تشويه صورة حنبعل وتصويره عىل أنه انسان مغرور ومعث بنفسه ما سيسهل هزمه فيما بعد)‬
‫(مجددا نرى العمل عىل تعظيم "سكيبيو"‬ ‫قال ضاحكا‪" :‬أين ستضع نفسك إذا لـم ُتهزم من قبىل؟ ُ‬
‫ي‬
‫‪:‬‬
‫"الغثة" " يف هذه الحالة سأكون أنا يف‬
‫ر‬ ‫ووضعه يف صورة قائد عسكري عظيم)‪ ،‬فأجاب حنبعل بنوع من‬
‫األكث؟!)‪ .‬بعدا هذا‬
‫الـمركز األول" (إذن انتصار "سكيبيو" عىل "حنبعل" سيجعل منه عظيما كاإلسكندر ر‬
‫ـملحم حول العظمة والـمجد تنقلنا األسطوغرافيا نحو أن "حنبعل" بادر إىل الدعوة‬ ‫ي‬ ‫الشياىل‪-‬ال‬
‫ي‬ ‫الحوار‬
‫وطلب السالم وهو ما رفضه "سكيبيو" ورد عليه قائال‪" :‬لـم آت إىل هنا من أجل السالم‪ ،‬بل قدمت من‬
‫أجل النرص"‪ ،‬وحسب "تيتوس ليفيوس" فقد قال له أيضا‪" :‬استعد للحرب‪ ،‬ألنك لن تستطيع تحمل‬
‫السالم"‪ .‬افثق الطرفي اللذين قررا إنهاء الخالف بالسالح‪22.‬‬
‫ر‬
‫علق "هلو" عىل هذا اللقاء بأنه إذا كانت الـمحادثات حقيقية‪ ،‬فإنه من الـمستحيل واالستحالة‬
‫اإليميليي عىل علم بتفاصيله الدقيقة عكس‬
‫ر‬ ‫القاطعة بأال يكون "بوليبيوس" الحميم والـمقرب من‬
‫الت نتساءل من أين جاءت بهذه التفاصيل؟‪ ،‬هل األمر يتعلق بلقاء وحوار‬ ‫الت أوردته ي‬
‫الـمصادر األخرى ي‬
‫مختلق من "بوليبيوس" ثم "تيتوس ليفيوس" يهدف إىل تصوير "حنبعل" كقائد عسكري مغرور‪ ،‬خائف‬
‫ومستجدي للسالم لتجنيب نفسه هزيمة أكيدة أمام "سكيبيو"؟‪ 23.‬إن هذا الحدث الذي‬ ‫من الهزيمة ُ‬
‫نشكك فيه بقوة يجعلنا نكتشف مقدرة األسطوغرافيا الرومانية واإلغريقية عىل االختالق والخيال‪ .‬هنا‬
‫نتساءل؛ ألي سبب أراد "حنبعل" الذي لـم ُيهزم لـمدة ‪ 15‬سنة تجنب الـمواجهة؟‪ ،‬هل كان يشعر بأنه‬
‫خس‬ ‫غريب ف إقليم قرطاجة عكس إيطاليا نظرا ألنه لـم يعش بها إال تسعة سنوات من طفولته؟‪ ،‬هل ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫األكث وعصبته؟ أو ربما أيضا نقص‬
‫ر‬ ‫لحنون‬ ‫تأتمر‬ ‫الت‬
‫ي‬ ‫القرطاجية‬ ‫السلطة‬ ‫وتقلب‬ ‫حماقة‬ ‫‪،‬‬ ‫(حقد)‬ ‫عداء‬
‫‪22‬‬
‫‪Polybe : XV, 6-9, Plutarque : Titus, 21, Tite Live : XXX, 30-31, Appien : The syrians wars, history of Rome, 10-11.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪Maurice Holleaux : l’entretien de Scipion l’Africain et d’Hannibal, Hermes, 48, 1913, P-P 75-98.‬‬
‫النوميديي (الـمـاسيل)‬
‫ر‬ ‫اعتثوا أن نجمه قد أفل؟‪ .‬إنه عىل الرغم من حقيقة أن جزء من‬ ‫الحلفاء الذين ر‬
‫مسثته إىل جنب "حنبعل" وهو ما ال‬
‫أصبحوا حلفاء لروما‪ ،‬إال أن "ماسينيسا" يف الواقع لـم يقاتل طوال ر‬
‫حي استفاد "حنبعل" ربما من قوات شقيقه "ماغون"‬ ‫يؤهله لـمعرفة فكره وتكتيكه العسكري‪ .‬يف ر‬
‫الت بإمكان "قرطاجة"‬‫معارضي لـمـاسينيسا مع احتساب قوات "فرمينا" والقوات ي‬‫ر‬ ‫ونوميديي آخرين‬
‫ر‬
‫تجنيدها من أفرادها أو من الـمرتزقة‪.‬‬
‫حواىل ‪ 38‬ألف مشاة و‪ 8000‬فارس وهذا‬ ‫ي‬ ‫إن "حنبعل" الذي وصل وحارب يف ايطاليا بجيش قدره‬
‫بعد أن فقد ما ربي ‪ 20- 3000‬ألف جندي خالل عبور األلب لـم يخش مواجهة فيالقها وقناصلتها‪ ،‬بل‬
‫نجده انترص عليها يف معركة تلو األخرى‪ ،‬بل إنه يف "كاناي" واجه جيشا رومانيا يتشكل من قرابة ضعف‬
‫اإليطاىل‪ ،‬فكيف‬
‫ي‬ ‫قواته وانترص وبعد هذه الـموقعة تجنبت "روما" مواجهته وتركته معزوال يف الجنوب‬
‫ينتىه به األمر للخوف من مواجهة "سكيبيو" يف موطنه إفريقيا؟ وهو الذي كان عدد جيشه حسب‬ ‫ي‬
‫نعتث أنه ال الـمحادثة جرت وال‬ ‫‪.‬‬
‫الـمصادر خالل الـمعركة الـمزعومة يفوق تعداد جيش الرومان لهذا فإننا ر‬
‫"حنبعل" طلب السالم‪ ،‬بل األمر يتعلق بمحاولة ماكرة من األسطوغرافيا الستدراج وتوجيه القارئ نحو‬
‫فكرة ضعف موقف "حنبعل" وتنبأه بالهزيمة وهذا حت يتقبل عقل القارئ أطروحة حدوث الـمعركة‬
‫لمان الذي حدث خالل‬ ‫الث ي‬‫وانهزامه‪ ،‬وهذا االختالق للـمقابلة جاء كما سنتطرق له للذهاب واإلياب ر‬
‫القرطاج مع "سكيبيو اإلفريق"‪24.‬‬
‫ي‬ ‫ر ي‬ ‫مفاوضات الوفد‬
‫غث‬‫بعد أن رفض "سكيبيو" السالم الذي عرضه "حنبعل" حدثت الـمعركة الحاسمة يف مكان ال يزال ر‬
‫ُمحدد ُيدع "زاما"‪ ،‬خاللها من الـمفثض أن "حنبعل" تمكن من حشد ‪ 36‬ألف من الـمشاة‪ 4000 ،‬فارس‬
‫وأكث من ‪ 6000‬فارس‪ .‬ملخص‬ ‫و‪ 80‬فيل لـمواجهة جيش "سكيبيو" الذي ضم ‪ 29‬ألف من الـمشاة ر‬
‫وقائع الـمعركة تتضمن أن كال القائدين اعتمد خطة للهجوم؛ وضع "حنبعل" يف الـمقدمة الفيلة الثمانون‪،‬‬
‫الثان الـمواطنون القرطاجيون ووحدات‬ ‫ي‬ ‫يف الخط األول الـمرتزقة (الغاليون والليغوريون)‪ ،‬يف الخط‬
‫ـمحاربي القدام الذين كانوا ضمن جيشه يف إيطاليا وهم تحت‬ ‫ر‬ ‫ـمقاتلي وال‬
‫ر‬ ‫وف الخط الثالث ال‬
‫األفارقة ي‬
‫بق يف الصف الثالث وليس األول‪ ،‬وتقديمه بهذا الشكل‬ ‫قيادة "حنبعل" (نشكك يف صحة أن "حنبعل" ي‬
‫اليمي وضع‬ ‫ر‬ ‫الخفيفي؛ عىل‬
‫ر‬ ‫هو كتلميح لخوفه أثناء الـمعركة)‪ ،‬أما عىل األجنحة فنجد سالح الفرسان‬
‫القرطاجيون وعىل اليسار رتب النوميديون‪ .‬هذا التنظيم يسمح لنا بتصور خطة "حنبعل"؛ يتم إطالق‬
‫بشية مع بث الرعب يف نفوسهم‪ ،‬ثم يتم‬ ‫الفيلة بهدف تشتيت تنظيم صفوف الرومان وإحداث خسائر ر‬
‫بعدها إرسال الـمرتزقة الغاليون والليغوريون يف االنقضاض األول إلضعاف الرومان‪ ،‬ليحدث بعدها تدخل‬
‫ر‬
‫األكث حنكة‬ ‫ربي االيطاليون‬‫خث يتدخل قدام الـمحا ر‬ ‫ر‬
‫األكث صالبة‪ ،‬و يف األ ر‬ ‫خط الـمواطنون القرطاجيون‬
‫الحنبعىل الذي خاض الـمعركة جملة من الـمالحظات‬ ‫ي‬ ‫لضمان االنتصار وإنهاء الـمعركة‪ .‬قدمت لهذا الجيش‬
‫االثت غائب!)‪ ،‬يتكلم بلغات مختلفة‪ ،‬ذو‬ ‫ي‬ ‫واالنتقادات‪ :‬جيش ُمشكل من جنسيات مختلفة (التجانس‬
‫أسلحة وأسلوب قتال متباين!‪ ،‬وهو ما يصعب حسب رأيهم نقل ووصول التعليمات الـمثجمة من قبل‬
‫بالتحفث الـمادي من خالل وعد‬ ‫ر‬ ‫وه الـمسألة الذي سّع "حنبعل" لتعويضها‬ ‫الفوريي‪ ،‬ي‬
‫ر‬ ‫جمي‬
‫الـمث ر‬
‫الـمرتزقة برواتب إضافية‪ ،‬أما القرطاجيون والنومديون فقد حفزهم من خالل تبيان مخاطر انهزامهم يف‬
‫دمار بالدهم‪.‬‬
‫ـمؤرخي لمجريات الـمعركة بال فعالية أمام‬
‫ر‬ ‫هذا التكتيك الـمنتهج من "حنبعل" كان حسب وصف ال‬
‫األول=الرماحي )‪ ،(Hastati‬الخط‬
‫ر‬ ‫تكتيك "سكيبيو" الذي نظم بدوره جيشه إىل ثالثة أقسام‪ :‬الخط‬

‫‪24‬‬
‫‪A. Belkhodja : Hannibal, P-P 178-179.‬‬
‫الثان=األوائل )‪ ،(principes‬الخط الثالث=الثالثيون )‪ ،(Triarii‬هذه الخطوط الثالثة فصل ربي‬ ‫ي‬
‫الخماس ‪)quinconce‬‬
‫ي‬ ‫د‬‫الث‬ ‫مكعب‬ ‫شكل‬ ‫(عىل‬ ‫الخمس‬ ‫الوحدات‬ ‫شكل‬ ‫لتأخذ‬ ‫اصة‬
‫ـمث‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫صفوفها‬
‫وحدتي‬
‫ر‬ ‫للمشاة‪ ،‬وهو ما خلق ممرات شاغرة ربي ررساذم الفيلق (كل ررسذمة ‪ُ manipule‬مكونة من‬
‫الخفيفي )‪ (vélites‬الذين بإمكانهم‬
‫ر‬ ‫مئويتي ‪ .)centuries‬وضع يف هذه الفراغات (الـممرات) المشاة‬ ‫ر‬
‫اليمي الفرسان‬
‫ر‬ ‫االيطاليي‪ ،‬وعىل‬
‫ر‬ ‫(تغيث) وإعادة توجيه الفيلة‪ .‬عىل الجناح األيش رتب الفرسان‬
‫ر‬ ‫تعديل‬
‫الرومان عىل‬ ‫يشف عليهم "ماسينيسا"‪ .‬هنا نالحظ بوضوح تفوق سالح الفرسان‬ ‫النوميديون الذين ر‬
‫ي‬
‫ر ي‬
‫قرطاج) وهو ما تفطن له "حنبعل" الذي‬ ‫القرطاج (‪ 6100‬فارس رومانو‪-‬نوميدي مقابل ‪ 4000‬فارس‬ ‫ر ي‬
‫أمر فرسانه بالتظاهر بالفرار لتتم مالحقتهم من قبل فرسان "اليليوس" و"ماسينيسا"‪ ،‬أي أن حنبعل عمل‬
‫وف الوقت ذاته عمل عىل تجنب تطويق قواته والهجوم عىل صفه‬ ‫عىل إبعاد الفرسان من ساحة الـمعركة‪ ،‬ي‬
‫الثالث وقدام محاربيه من الخلف‪.‬‬
‫بدأت الـمعركة وفق ما خطط له "حنبعل" بإطالق الفيلة الحربية إيذانا بانطالقتها عىل أنه تم إذعارها‬
‫النفث (البوجل) والهورن (آلة نفخ نحاسية) ما أدى إىل عودتها ضد جيشها مع وجود قليل من‬ ‫عث صخب ر‬ ‫ر‬
‫الي‬ ‫ي‬
‫الفيلة تقدمت نحو القوات الرومانية‪ ،‬عندئذ ظهر تفوق التنظيم الـموضوع من قبل "سكيبيو"‪ :‬الفي ر‬
‫ُ‬
‫جانت‬
‫ير‬ ‫الخفيفي بإطالق رماحهم عىل‬
‫ر‬ ‫الت تركت ما سمح للـمشاة‬ ‫دخلوا بحيواناتهم يف الـممرات الشاغرة ي‬
‫التكتيك فإنه خلق‬
‫ي‬ ‫األوىل للفيلة مثلما صنع الفارق‬
‫ي‬ ‫الحيوانات وهو ما أدى للقضاء عليهم‪ .‬هذا الفشل‬
‫القرطاجيي والنوميديون‪ ،‬وهذا نتيجة الهروب‬
‫ر‬ ‫جناج جيش "حنبعل" أي الفرسان‬ ‫ي‬ ‫معاناة عىل مستوى‬
‫والثان‬
‫ي‬ ‫الجماع للفيلة‪ .‬خيبت الفيلة اآلمال الـمعلقة عليها فتقدم الخط األول (الـمرتزقة)‬‫ي‬ ‫(التفرق)‬
‫غث متساوين ضدها عدديا‪ ،‬األمر الذي لـم يؤهلهم‬ ‫(الـمواطنون) لـمواجهة القوات الرومانية أين كانوا ر‬
‫أكث مثلما خطط له حنبعل‪ ،‬ما اضطرهم للثاجع ومحاولة الدخول مع الخط الثالث الذي يضم‬ ‫للصمود ر‬
‫الـمحاربون القدام‪ ،‬فأصبحت بذلك الجبهة القرطاجية مشكلة من الخط الثالث يف الوسط يقوده‬
‫والثان فتحولوا إىل مشاة مددوا من امتداد الجبهة القرطاجية‪.‬‬
‫ي‬ ‫"حنبعل"‪ ،‬أما من تبق من الخط األول‬
‫الثان‬
‫ي‬ ‫أمام هذا الثتيب الجديد تبت "سكيبيو" تكتيك "حنبعل" ال ُـمستعمل يف معركة "كاناي"‪ :‬الخط‬
‫للقرطاجيي‪ ،‬يف‬
‫ر‬ ‫للفيلقيي تم إرسالهما إىل األجنحة أين ررسعا يف تنفيذ حركة التفافية وتطويقية‬
‫ر‬ ‫والثالث‬
‫(الرماحي) بقيادة "سكيبيو"‪ .‬بهذا التطور الحاصل يف‬
‫ر‬ ‫حي انشغل خط "حنبعل" يف قتال الصف األول‬ ‫ر‬
‫الرومان الذي تأكد فعليا مع عودة فرسان ماسينيسا و"اليليوس"‬ ‫ي‬ ‫العراك اتضحت معالم االنتصار‬
‫ر ي‬
‫القرطاج‬ ‫)‪ (Laelius‬الذين تمكنوا من القضاء عىل الفرسان القرطاج ريي الذين هاجموا مؤخرة الجيش‬
‫الذي لـم يتبق منه سوى خط "حنبعل"‪ ،‬فتمت عملية التطويق التام و ررسع يف القضاء عىل جيشه وال‬
‫الكىل والنجاة من الـموت!‪ .‬استطاع "سكيبيو"‬ ‫نعرف كيف استطاع "حنبعل" التملص من هذا االلتفاف ي‬
‫ي‬
‫حسب الوصف الـمقدم يف هذه الـمعركة من حرمان "حنبعل" من امتياز الفيلة‪ ،‬من إحداث التفوق بسالح‬
‫الفرسان‪ ،‬من القضاء عىل كل الـمرتزقة ومن إبادة غالبية جيشه حيث لم تتمكن سوى مجموعة قليلة من‬
‫القوات من الفرار كان من ضمنها "حنبعل" (أقل من ‪ 4000‬آالف؟)‪ ،‬لذلك جاءت حصيلة خسائر‬
‫حواىل ‪ 20‬ألف جندي لقوا حتفهم‪ ،‬أرس ‪ 20‬ألف جندي و‪ 11‬فيل (عند بوليبيوس‬ ‫ي‬ ‫"حنبعل" ثقيلة‪:‬‬
‫وتيتوس ليفيوس كل الجيش تقريبا (ال نفهم كيف رنخ حنبعل؟)‪ ،‬أما عند أبيانوس‪ 25 :‬ألف قتيل‪8500 ،‬‬
‫رومان‪،‬‬‫ي‬ ‫أسث)‪ .‬يف الـمقابل لـم يفقد الرومان سوى ما ربي ‪ 5000- 4000‬جندي‪ ،‬منهم ‪2500-1500‬‬ ‫ر‬
‫وحواىل ‪ 2500‬نوميدي‪ .‬لـم تنته هذه الـمعركة فقط بانهزام "قرطاجة" وحنبعل بل بخسارتها النهائية‬ ‫ي‬
‫للحرب الثانية الـمسماة بالبونيقية بل أيضا بانكسارها العسكري التام‪ ،‬إجبارها عىل توقيع اتفاقية السالم‪،‬‬
‫فقدانها إلسبانيا‪ ،‬تسليمها ألسطولها وفيلتها الحربية‪ ،‬دفع غرامة مالية قدرها ‪ 10‬آالف تاالن عىل ‪50‬‬
‫‪25.‬‬
‫"اإلفريق"‬
‫ي‬ ‫قسط‪ ،‬عودة "سكيبيو" إىل "روما" أين احتفل بانتصاره وتحصل من قبل جنوده عىل لقب‬
‫بالعودة إىل تحليل هذا الوصف الـمخترص نرى يف البداية أن األسطوغرافيا الرومانية يف إطار إعداد‬
‫ُ‬ ‫(تكوين) الحكاية التخيلية لسكيبيو ر‬
‫ونش الدعاية الـمؤيدة لوجهة النظر الرومانية تسجل لنا بأن "حنبعل"‬
‫كبث ومبالغ فيه من الفيلة يف موقعة "زاما" ال يقل عن ‪ 80‬فيال ( ‪Tite Live :‬‬ ‫كان تحت ترصفه عدد ر‬
‫بعي االعتبار أنه لـم يكن بحوزته سوى ‪ 37‬فيل عند عبوره لأللب وغزوه إليطاليا‪،‬‬ ‫‪ .)XXX, 30‬إذا أخذنا ر‬
‫الكبثة والـماحقة ما ربي ‪ 216- 218‬ق‪.‬م لـم تشارك الفيلة سوى يف معركة "تريبيا" يف‬ ‫وأنه خالل انتصاراته ر‬
‫شتاء ‪ 218‬ق‪.‬م‪ ،‬فإن هذا الرقم ال ُـمعىط لفيلة "زاما" الفت للنظر‪ .‬يف الـمقابل نجد أنه يف أعقاب غزو‬
‫عسكريي ربي القوى‬
‫ر‬ ‫اشتباكي‬
‫ر‬ ‫القرطاجيي يف بالد الـمغرب وقبل معركة "زاما" حدث‬
‫ر‬ ‫"سكيبيو" لوطن‬
‫الكثى‪ ،‬واللذين ال نجد أي مشاركة للفيلة فيهما‪ .‬هنا‬ ‫الـمتحاربة؛ األول يف "أوتيكا" واآلخر يف السهول ر‬
‫ُ‬ ‫نتساءل عن كم يقدر عدد ي‬
‫الت حافظت عليها مدينة قرطاجة ولـم تدعم بها جيشها؟‪ .‬إن الـمنطق‬ ‫ي‬ ‫الفيلة‬
‫ُ‬
‫ـمنطق أن ترسل‬
‫ي‬ ‫الفيلة الحربية ال ُـمدربة فإنه من ال‬‫كبثة من ي‬
‫يقول أنه إذا كان لدى القرطاجيون كمية ر‬
‫ه بمثابة "دبابات الفثة القديمة" مع "صدربعل جيسكو" ‪(Hasdrubal‬‬ ‫الت ي‬
‫تشكيلة من الفيلة الحربية ي‬
‫)‪ Gisco‬عندما سار لـمالقاة القوات الغازية الـمطوقة لـمدينة "أوتيكا" يف ‪ 204‬ق‪.‬م‪ ،‬لكن يف الواقع ال نقرأ‬
‫يف التقارير الرومانية عن وجود أي فيلة وال حت فيل واحد رافق قوات "صدربعل"!‪ ،‬وبالتأكيد فإنه بعد‬
‫القرطاجيي أين أحرق مخيمات‬
‫ر‬ ‫الهجوم الغادر الذي شنه "سكيبيو" يف منتصف الليل عىل معسكر‬
‫الجنود الذين خلدوا للنوم دون ارتياب نتيجة الرضا الناتج عن وعود السالم كان عىل مجلس الشيوخ‬
‫ي‬
‫الكثى‪ ،‬عىل‬‫القرطاج أن يأمر بتحريك جميع فيلته الحربية الـمتوفرة لـمواجهة عدوه الغدار يف السهول ر‬ ‫ر ي‬
‫غث متوقع مع "حنبعل" الذي‬ ‫أن الفيلة كانت غائبة بشكل واضح مرة أخرى‪ ،‬لنجد أنفسنا فجأة وبشكل ر‬
‫وجد حسب هذه الـمصادر صعوبات يف تكوين جيش قوي يوظفه يف الـمواجهة الحاسمة وهو تحت‬
‫الي )‪ (cornacs‬وتم تدريبهم عىل القتال!‪.‬‬ ‫ترصفه ما ال يقل عن ‪ 80‬فيل مزود ي‬
‫بفي ر‬
‫ه عىل األقرب مجرد اختالق‬ ‫هذه التشكيلة من ي‬
‫الغث الـمحتملة [الحدوث والصحة] ي‬
‫الفيلة الحربية ر‬
‫أكث عظمة‪ ،‬صعوبة‬ ‫ـمؤرخي الـمؤيدين لروما‪ ،‬نوع من الدعاية لجعل وإظهار انتصار "سكيبيو" ر‬‫ر‬ ‫من ال‬
‫ومثارة لإلعجاب‪ ،‬لذلك ربما بدال من ‪ 80‬فيال لـم يكن هنالك سوى ‪ 18‬فيال‪ ،‬ربما ثمانية فيلة‪ ،‬وعىل‬
‫األقرب وال فيل!‪ .‬يف الـمقابل االدعاء الذي يفثض أن الفيلة افتتحت ما ُيسم "معركة زاما" صاحبه أن‬
‫"سكيبيو" تمكن من ابتكار تقنيات تسمح بإخافتها (إذعارها) وإبطال فعاليتها حيث تم الرد عىل هجوم‬
‫تأثث عىل‬
‫وغثها‪ ،‬فهل فعال لهذه الترصفات (التقنيات) ر‬ ‫العاىل‪ ،‬لطم الدروع‪ ،‬األبواق‪ ،‬ر‬ ‫الي بالصخب‬ ‫ي‬
‫الفي ر‬
‫ي‬
‫الفيلة كما تنقل لنا الـمصادر؟‪ .‬نعتقد بقوة أنها أفعال بال معت‪ ،‬فالـمعارك القديمة تبدأ عادة بالرصاخ‬
‫كبث من تدريبات الحيوانات‬ ‫وبالتاىل فإن جزء ر‬
‫ي‬ ‫العاىل‪ ،‬قرع الدروع‪ ،‬وأشكال أخرى من الثهيب للخصم‬ ‫ي‬
‫الستخدامها يف مهاجمة العدو تتضمن تعويدهم عىل مثل هذه األصوات واألجواء‪ .‬بعد ذلك تزعم‬
‫الـمصادر الرومانية أن الفيلة كانت تجري بغباوة (بال تبرص) يف أروقة (ممرات) تركت مفتوحة ربي‬
‫غث ُمؤذ "كحل مزعوم" من قبل سكيبيو‬ ‫التشكيالت الرومانية بغرض توجيه الحيوانات إىل العبور بشكل ر‬
‫الت تم إذعارها وإعادتها ضد رجال "حنبعل" متسببة يف فوض‬ ‫الت يطرحها هجوم الفيلة ي‬ ‫لـلمشكلة ي‬
‫ـمنطق‪ ،‬ألنه باإلضافة إىل‬
‫ي‬ ‫وخراب سالح فرسانه‪ .‬هذه الفكرة ال تصمد بدورها أمام التفحص والتدقيق ال‬
‫ه ُمدربة عىل‬ ‫فيالي‪ ،‬وهذه الفيلة ي‬
‫ر‬ ‫مسلحي كانت الفيلة تحمل عىل ظهرها‬‫ر‬ ‫محاربي‬
‫ر‬ ‫وجود عدة‬
‫‪25‬‬
‫‪Polybe : XV, 9-16, Tite Live : XXX, 29-35, Appian : The punic wars, X, 46-50, Y. le Bohec : histoire des guerres‬‬
‫‪puniques, P-P 238-254, A. Belkhoudja : Hannibal, P-P 179-181.‬‬
‫اليمي أو اليسار‬
‫االستجابة لألوامر وعىل حض (إثارة) فرسانها‪ ،‬لهذا فإن الـمؤكد أنها كانت ستنعطف نحو ر‬
‫لتدوس الرجال الـمتمركزين عىل حواف ممراتهم وتقطعها بانحراف‪ 26.‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬ومثلما أشار‬
‫الكثث من الخسائر يف‬
‫ر‬ ‫"هيوود"‪ 27‬و"سكوالرد"‪ ،28‬فإنه ليس من الـمعقول أن يتسبب هيجان الفيلة يف‬
‫الي يحملون مطرقة وإزميل لقتل أي فيل يخرج عن السيطرة‪ ،‬كما‬ ‫حال عودتها ضد معسكرها ألن ي‬
‫الفي ر‬
‫جرى الحال يف معركة "ميتوريوس" سنة ‪ 207‬ق‪.‬م )‪.(Tite Live : XXVII, 49‬‬
‫الفيلة كانت سيئة التدريب‪ ،‬ألن "قرطاجة" عندما لـم ترسل‬ ‫ال ُيمكننا القول وال الـمجادلة ف أن هذه ي‬
‫ي‬
‫الكثى فهذا ببساطة ألنها لـم يكن بحوزتها أي‬‫ر‬ ‫السهول‬ ‫إىل‬ ‫أو‬ ‫"‬ ‫"أوتيكا‬ ‫إىل‬ ‫أي فيل مع "صدربعل جيسكو"‬
‫فيلة ُمدربة وإذا كانت "قرطاجة" لـم تستطع أن تمتلك فيلة مدربة ما ربي معركة "ميتوريوس" لغاية‬
‫ُ‬
‫الكثى ‪ 203‬ق‪.‬م فإننا نتصور أن الوضعية لـم تتغ رث بحلول وقت‬ ‫كت "أوتيكا" ‪ 204‬ق‪.‬م والسهول ر‬ ‫معر ي‬
‫وبالتاىل ليس هنالك أي انتشار وتوظيف للفيلة يف الـمعركة ألن الـمدينة استنفذت مخزونها من‬ ‫ي‬ ‫المعركة‬
‫لكثى‬‫الفيلة الحربية يف موقعة "ميتوريوس" ولـم يكن لها الوقت وال حت ربما النية ما ربي معركة السهول ا ر‬
‫و"زاما" ألرس الفيلة وتدريبها مسبقا وهو التصور الذي يتفق معه أستاذ قسم التاري ــخ والدراسات الحربية‬
‫اعتث أنه ال يوجد‬
‫بالكلية الـملكية العسكرية الكندية "ريتشارد آي غابريل" )‪ (Richard A. Gabriel‬الذي ر‬
‫مؤرخ عسكري جاد يتقبل رقم ‪ 80‬فيل يف "زاما" وأنه إذا كان هنالك فيلة فإما بعدد قليل وعىل األقرب لم‬
‫يكن هنالك وال فيل‪.‬‬

‫ـمؤرخي والعامة حيث نجدها حارصة‬ ‫ر‬ ‫الجمّع لل‬


‫ي‬ ‫لقد ترسخت أسطورة فيلة معركة "زاما" يف الـمخيال‬
‫اإلفريق ’‪Scipione l‬‬ ‫الفاس "سكيبيو‬‫ر‬ ‫اإليطاىل‬ ‫يف مختلف الروايات األدبية وكانت سمة بارزة يف الفيلم‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫"كارمي غالون ‪ "Carmine Gallone‬بإنتاج ودعم من حكومة‬ ‫ر‬ ‫‪ "Africano‬الـذي تم إخراجه من قبل‬
‫الدعان تم استعمال ‪ 50‬فيال صور عىل أن عدد منهم تم رميهم‬ ‫ي‬ ‫"موسوليت" سنة ‪ .1937‬يف هذا الفيلم‬ ‫ي‬
‫"موسوليت" أن يطابق (يحدد) نفسه مع "سكيبيو‬ ‫ي‬ ‫حاول‬ ‫الفيلم‬ ‫هذا‬ ‫عث‬‫ر‬ ‫‪.‬‬‫ذلك‬ ‫إثر‬ ‫عىل‬ ‫وماتوا‬ ‫بالرماح‬
‫سياسيي‬
‫ر‬ ‫اإلمثيالية ألجداده الرومان‪ ،‬هنا نحن طبعا أمام حالة‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الفاس مع العقلية‬ ‫اإلفريق" ونظامه‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ولك نؤكد عىل كوننا أمام عملية أسطرة للفيلة‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬
‫األخث‬
‫ر‬ ‫ف‬‫ي‬
‫‪29‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فيه‬ ‫ضليعي‬
‫ر‬ ‫يكونوا‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫ـخ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬
‫التار‬ ‫يستغلون‬
‫يف موقعة "زاما" بغية تعظيم انتصار "سكيبيو" نجد أنه ورد ضمن بنود معاهدة "زاما" بند يتضمن أن‬
‫ُ‬
‫"تسلم قرطاجة كل فيلتها وأن تلثم بثويض أعداد أخرى من الفيلة لصالح روما"‪ 30،‬وهو ما تم التأكد منه‬
‫سنة ‪ 150‬ق‪.‬م حينما قدم "س كيبيو إيمليانوس" الستالم الفيلة وقفل عائدا إىل "اسبانيا" وتزامن هذا مع‬
‫نشوب معركة بي "قرطاجة" وجيش "ماسينيسا" كان السبب ف إعالن "روما" الحرب عىل "قرطاجة"‪31.‬‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫هنا نتساءل وبتعجب؛ إذا كان الرومان قد تمكنوا من الوصول إىل تقنيات تضع حد للفعالية الحربية‬
‫ـمنطق أنها‬
‫ي‬ ‫للفيلة فلماذا طالبوا "قرطاجة" بأن تروض لهم الفيلة الستعمالها يف حروبــهم؟!‪ ،‬أليس من ال‬
‫أصبحت بال قيمة ويمكن ألعدائهم التعامل معها يف الـمعركة بنفس أساليبهم؟!‪ .‬هذه الـمالحظة تجعلنا‬
‫تدجي وترويض هذا الحيوان‬ ‫ر‬ ‫الت كانت عاجزة عن‬ ‫نرى أن الفيل شكل "عقدة نفسية حربية" لروما ي‬
‫الستخدامه يف حروبــها‪ ،‬لذلك فرضت عىل قرطاجة أن تروضه لصالحها وتمنعه يف المقابل من‬
‫حرن‪ ،‬لذلك مثلما وظف الفيل يف الـمعركة‬ ‫الرومان تفوقية استعماله ال ر ي‬ ‫ي‬ ‫استخدامه‪ ،‬فيكون بذلك للجيش‬

‫‪26‬‬
‫‪Yozan Mosing : the trouble with Zama : Paradox, smoke and mirrors in an ancient battlefield, 2012.‬‬
‫‪27‬‬
‫‪R. M. Haywood : Studies on Scipio Africanus, Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1933.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪H. H. Scullard : The Elephant in the Greek and Roman World. Ithaca, NY: Cornell University Press, 1974.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪Yozan Mosing : op.cit.‬‬
‫‪30‬‬
‫‪Polybe : XV, 18, Tite Live : XXX, 37.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪G. Camps : Massinissa, P 194.‬‬
‫الت واجهها "سكيبيو" يف الـمعركة وتصوير عبقريته العسكرية فإن بند معاهدة "زاما"‬ ‫إلظهار الـمخاطر ي‬
‫وسّع الرومان‬
‫ي‬ ‫الحرن يف معاركها‬
‫ري‬ ‫الرومان بتمكن "قرطاجة" من توظيف الفيل‬ ‫ي‬ ‫ينقل لنا ذلك االنبهار‬
‫عث سلبه من "قرطاجة" وجعله خاصا بها‪.‬‬ ‫إلدخاله لجيوشهم ر‬
‫ُ‬
‫لك تفهم الـمسألة بشكل أفضل‬ ‫بعد أسطورة الفيل ننتقل إىل موضوع عدد قوات الـمعركة ونعتقد أنه ي‬
‫ه بمثابة "معركة كاناي الـمقلوبة أو العكسية"‪ .‬يف البداية نجد أن‬ ‫نحتاج لـمقارنتها بمعركة "كاناي"‪ ،‬فزاما ي‬
‫الرومان‪ ،‬و‪ 50‬ألف‬
‫ي‬ ‫عث قوات وصلت لـ ‪ 96‬ألف من الطرف‬ ‫بكثث ر‬ ‫أكث ر‬ ‫حجم (وزن) معركة "كاناي" كان ر‬
‫ُ‬
‫لجيش حنبعل‪ ،‬أي أن قرابة ‪ 150‬ألف رجل دخلوا يف مواجهة حت الـموت يف ذلك اليوم الـمقدر قبل ‪14‬‬
‫سنة من "زاما"‪ .‬عىل النقيض‪ ،‬إذا قبلنا بالحسابات الرومانية فإنه من الـمرجح أن هنالك مبالغة يف عدد‬
‫أكث مثارة لإلعجاب‪ .‬يف الـمقابل نجد يف "زاما" تواجد‬ ‫الـمحاربي القرطاجيون ف "زاما" وهذا لجعل النرص ر‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫الرومان ضد ‪ 40‬ألف (عىل األرجح أقل‪-‬إن حدثت المعركة من األساس‪ )-‬من‬ ‫ي‬ ‫‪ 35‬ألف جندي من الجانب‬
‫القرطاج وهو ما مجموعة ‪ 75‬ألف جندي‪-‬أي ما يقرب نصف جنود موقعة "كاناي"‪ .-‬يف‬ ‫ر ي‬ ‫الجانب‬
‫"كاناي" كان االنضباط قاطعا وقوات "حنبعل" تحركت بدقة ساعة العمل حيث لم يثك أي فرصة‬
‫للصدفة‪ ،‬فبعد أن هزمت الفرسان القرطاجية الثقيلة بقيادة "صدربعل" الخيالة الرومان عىل الجناح‬
‫الناجي وهو إثبات بارز لالنضباطية القرطاجية‪.‬‬ ‫ر‬ ‫الرومان أين لـم ينقادوا إلغراء مالحقة‬
‫ي‬ ‫األيمن للتشكيل‬
‫اليمي مثل "ماكينة مزيتة جيدا"‪ ،‬يمتطون األحصنة بشعة خلف ساحة‬ ‫ُ‬ ‫بدال من ذلك كانوا يجرون نحو ر‬
‫اإليطاليي‬
‫ر‬ ‫الكثى للفرسان‬‫الـمعركة ذات طول يصل للميل لالنقضاض عىل خارصة ومؤخرة التشكيلة ر‬
‫عث تكتيك الرصب والهروب‬ ‫والت تم االحتفاظ بها يف مكانها ر‬ ‫ي‬ ‫ـمحالفي تحت لواء "فارو ‪"Varro‬‬ ‫ر‬ ‫ال‬
‫الخفيفي ومتعددي االستعماالت‪ .‬عندما أصيب الفرسان الـمتحالفون بالذعر وتم‬ ‫ر‬ ‫للفرسان النوميد‬
‫حي الفرسان‬ ‫الشيعي هم الوحيدون الذين اضطلعوا بالـمطاردة‪ ،‬يف ر‬ ‫ر‬ ‫النوميديي‬
‫ر‬ ‫كشهم وكان الفرسان‬
‫اليمي وانقضوا عىل‬‫الثقيلي لهاصدربعل حافظوا دائما عىل انضباطهم التام حيث ساروا من جديد نحو ر‬ ‫ر‬
‫وف طور االلتفاف عليه من قبل‬ ‫قرطاجت الوسط ي‬
‫ري‬ ‫الرومان الذي دخل الـمنازلة من قبل مع‬ ‫ي‬ ‫مؤخرة الجيش‬
‫ُ‬
‫الجانبي‪ .‬الـمناورة الـمقررة مسبقا لفرسان "هاصدربعل"‬ ‫الت اقثبت من‬
‫ر‬ ‫قوات النخبة الليبية لحنبعل ي‬
‫ـمصث الذي نالته فيالق "سارفيليوس‬ ‫سدت (منعت) احتمالية أي تراجع (انسحاب) وتسبب يف ال ر‬
‫‪ "Servilius‬و"مينوقيوس ‪."Minucius‬‬
‫عندما نقارن ما برهنه جيش "حنبعل" من مقدرة عىل التناور وانضباطية الفرسان يف "كاناي" مع‬
‫اشتباك الفرسان يف "زاما" أين كان "حنبعل" حينها قد تراجع عدديا من ‪ 10‬آالف يف "كاناي" إىل ‪4000‬‬
‫الصغثة‬
‫ر‬ ‫فارس يف "زاما" فإننا نسجل االستغراب‪ .‬من الواضح أن "حنبعل" قد أصدر تعليماته لمجموعته‬
‫والقرطاجيي بالتظاهر باالنسحاب عندما هاجم الفرسان الرومان يف بداية‬
‫ر‬ ‫النوميديي‬
‫ر‬ ‫من الفرسان‬
‫النوميديي يالحقونهم من‬
‫ر‬ ‫الـمعركة‪ ،‬وادعاء هروبــهم‪ ،‬هذا االبتعاد عن ساحة الـمعركة يجعل الفرسان‬
‫الرومان األيمن تحت قيادة "ماسينيسا" وكذلك الفرسان الرومان تحت إمرة "اليليوس" من‬ ‫ي‬ ‫الجانب‬
‫الجناح اآلخر‪ .‬هذه الخطة تم إنجازها بإتقان‪ ،‬واجتذب قوات الفرسان الـمتفوقة من ساحة الـمعركة‪ ،‬بهذا‬
‫فإن "حنبعل" وليس "سكيبيو" هو من سيطر عىل تطور األحداث‪ .‬فيما يتعلق بمشاركة الـمشاة فإنه‬
‫الخطي اآلخرين وهو مشكل من قدام‬ ‫ر‬ ‫كاحتياط بعيدا خلف‬
‫ي‬ ‫الخط الثالث فقط هو من احتفظ به‬
‫مي وقوات النخبة من حملته بإيطاليا‪ .‬بطبيعة الحال نتصور (إن حدثت الـمعركة) أن‬ ‫ـمحاربي الـمخرص ر‬
‫ر‬ ‫ال‬
‫عثوا معه جبال األلب سنة ‪218‬‬ ‫معظم الرجال الذين خاضوا معه معركة "زاما" لـم يكونوا أولئك الذين ر‬
‫"الثوتانيون" )‪ (Bruttium‬الذين كانوا عاقدين‬ ‫الكثث منهم من ر‬
‫ر‬ ‫(محنكي)‪،‬‬
‫ر‬ ‫تمرسي‬
‫ر‬ ‫ق‪.‬م‪ ،‬بل هم جنود ُم‬
‫والثان ذو نوعية موضع شك‪ ،‬لهذا‬
‫ي‬ ‫الخطي األول‬
‫ر‬ ‫الرومان‪ .‬عىل النقيض فإننا ر‬
‫نعتث أن‬ ‫ي‬ ‫النث‬
‫العزم عىل هز ر‬
‫للمحاربي الرومان‬
‫ر‬ ‫فإنه من الـمرجح أن "حنبعل" كان ينتظر انهيارهما تحت وقع الهجوم الخاطف‬
‫الـقدام‪ .‬عىل الرغم من ذلك فإنهما عىل األقل يساهمان يف تقديم حصيلة عسكرية تتجسد يف إيقاع‬
‫=الرماحي )‪- (Hastati‬‬
‫ر‬ ‫الرومان‬
‫ي‬ ‫الضحايا واالرهاق‪ .‬لقد أراد "حنبعل" يف خطته أن يضمن أن الخط األول‬
‫الثان=األوائل )‪ (principes‬والخط الثالث )‪-(triarii‬يدخلون يف االشتباك ويتم‬ ‫ي‬ ‫ولكن أيضا الخط‬
‫ـمنسحبي بإعادة ادماج أنفسهم بال‬ ‫ُ‬
‫انهاكهم تدريجيا‪ .‬بمجرد كش الخط األول لحنبعل لم يسمح للجنود ال‬
‫ر‬
‫الجانبي لتمديد الجبهة القرطاجية‪ .‬مع العلم أنه‬
‫ر‬ ‫ـتاىل (األقرب) بل اضطروا لالنتقال إىل‬
‫تبرص يف الخط ال ي‬
‫من عادة "حنبعل" حرصه عىل التخطيط شديد الدقة‪ .‬بهذا فإنه من الـمحتمل أن تكون عملية إعادة‬
‫الـتموضع هذه مقصودة وتم إقرارها بوضوح قبل بداية الـمعركة‪.‬‬
‫ـمحاربي‬ ‫الثان وهو ما أدى ألن يجد الرومان أنفسهم يف مواجهة ال‬ ‫السء بعد كش الخط‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫حدث ذات ي‬
‫بكثث يهددهم بابتالعهم من‬ ‫ـمرتاحي يف جيش حنبعل‪ ،‬إضافة إىل خط أعداء أوسع ر‬ ‫ر‬ ‫النشطي وال‬
‫ر‬ ‫القدام‬
‫ُ‬
‫األجنحة‪ .‬يف تلك الـمرحلة من العراك كان "سكيبيو" قد أدرك أن وضعه أصبح يائسا ألنه أصبح مهدد بأن‬
‫ـمرتاحي‬ ‫ـمحاربي ال‬ ‫نبي وكان يف مواجهة حاجز شديد القوة مشكل من قدام ال‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫يلتف حوله من الجا ر‬
‫الرومان وإعادة الـتموضع‬ ‫ي‬ ‫ـمتعبي يف الوسط‪ .‬قيل لنا أنه أمر بإيقاف التقدم‬ ‫ر‬ ‫والـمستعدين لسحق جنوده ال‬
‫القرطاج عىل أمل‬ ‫ر ي‬ ‫جانت التشكيل‪ ،‬ممددا جبهته بالتوافق مع عرض الخط‬ ‫"األوائل" والخط الثالث عىل ر ي‬
‫خاملي خالل إعادة انتشار‬ ‫ر‬ ‫القرطاجيي ظلوا‬
‫ر‬ ‫الرومان لدينا انطباع بأن‬
‫ي‬ ‫تجنب التطويق‪ .‬من الوصف‬
‫غث‬‫بصث دون أن يهاجموا لغاية أن انتىه "سكيبيو" استعداداته وهو بال شك أمر ر‬ ‫ر‬ ‫القوات‪ ،‬ينتظرون‬
‫التكتيكيي تألقا يف التاري ــخ لـم يخض فقط معركة‬‫ر‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫منطق‪ .‬إن الوصف الـمقدم يطلب منا أن نعتقد أن أكث‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫يستحيل تخيلها (يتعذر تصورها) بل وأيضا يضيع الوقت وهو الذي يعرف بشكل جيد أن الوقت مسألة‬
‫جوهرية يف الـمعركة وأنه كان عليه أن ُيكمل هزيمة مشاة العدو قبل أن يتمكن الفرسان الرومان الغائبون‬
‫من العودة إىل ساحة الـمعركة‪ .‬عىل ضوء ذلك فإنه من الـمحتمل بأنه إذا حدثت الـمعركة كما هو موصوف‬
‫يحي عىل الرومان دون إعطائهم الفرصة إلعادة‬ ‫ـمحاربي المسث ر‬
‫ر‬ ‫فإنه يف تلك الـمرحلة هاجم قدام ال‬
‫االنتشار أو عىل األقل استغل "حنبعل" الهدوء الـمؤقت يف القتال إلعادة تنظيم قواته عىل األرجح يف نقل‬
‫األولي تم‬
‫ر‬ ‫الجانبي لـمواجهة الخط الثالث واألوائل‪ ،‬بينما الناجون من خطيه‬ ‫ر‬ ‫قدام محاربيه عىل‬
‫خاملي‪.‬‬
‫ر‬ ‫ـمنهكي يف الوسط‪ ،‬فليس من الـمعقول أن يبقوا‬ ‫ر‬ ‫الرماحي ال‬‫ر‬ ‫تحضثهم لـمواجهة‬
‫ر‬
‫سء بإمكانه فعله يف هذه الـمرحلة‪ .‬تقول لنا الـمصادر أن الـمعركة‬ ‫ر‬
‫بالنسبة لسكيبيو لـم يكن هنالك أي ي‬
‫ـمحاربي القدام لحنبعل فإنه من الـمحتمل أنهم‬ ‫ر‬ ‫استأنفت برصاوة مثايدة‪ .‬يف ضوء حالة الراحة وجودة ال‬
‫كانوا يف طريقهم لدحر األوائل والخط الثالث أثناء صمود الـمركز (الوسط) وهو ما كان نذيرا لهزيمة أكيدة‬
‫تلقاها "سكيبيو"‪ .‬فما الذي أنقذ يومها؟‪ .‬إذا صدقنا وصف الروايات الكالسيكية فإن العودة ر‬
‫الغث‬
‫الـمتوقعة (الـتصادفية) يف الوقت الـمناسب للخيالة الذين هم تحت قيادة "ماسينيسا" و"اليليوس" الذين‬
‫القرطاجيي‪ .‬إذا كان‬
‫ر‬ ‫تم خداعهم بعيدا عن ساحة الـمعركة بغية إبعادهم لساعات أين انقضوا عىل خلفية‬
‫ه‬‫الثاعة العسكرية لسكيبيو ي‬ ‫هذا هو ما حدث فإن العودة الـسعيدة لـلفرسان إىل ميدان الـمعركة بدال من ر‬
‫من قررت نتيجة الـمعركة ولو تأخرت عودة "ماسينيسا" و"اليليوس" لـمدة نصف ساعة أخرى لكان من‬
‫القرطاجيي بشكل‬
‫ر‬ ‫الـمؤكد أن ينترص "حنبعل"‪ .‬عىل أنه حت يف هذه الـمرحلة نتصور أنه لـم يتم تطويق‬
‫كىل مثلما حدث للرومان يف معركة "كاناي"‪ .‬بالعودة إىل الخسائر فإننا نجد أن "بوليبيوس" يقدرها بـ ‪20‬‬ ‫ي‬
‫رومان يف "كاناي"‪ ،‬وهـو ما يمثل نصف الجيش‪ .‬فيما بعد‬ ‫ي‬ ‫قتيل‬ ‫ألف‬ ‫‪70‬‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫تقارن‬ ‫ال‬ ‫حصيلة‬ ‫ـي‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ألف‬
‫نجد "سكيبيو" يعثف أنه فعل يف "زاما" كل ما ُيمكن ألي شخص فعله ‪(Tite Live : XXX, XXX, 35,‬‬
‫األخث نعتقد أن هنالك جوانب عديدة تصب يف ال منطقية الـمعركة نلخصها يف النقاط‬
‫ر‬ ‫‪ 32.5-8).‬إننا يف‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫الت تجنبت مواجهة "حنبعل" يف إيطاليا‬ ‫‪-‬تحاول األسطوغرافيا الرومانية أن تقنعنا أن السلطة الرومانية ي‬
‫بعد معركة "كاناي" يف معارك جادة وحاسمة تمكنت من هزمه يف عقر داره بإفريقيا وهو ما يجسد تكافأ‬
‫نشتها‬‫التلميذ (سكيبيو) مع األستاذ بل وتجاوزه‪ .‬وهو ما يعد ف نظرنا جزء من أسطورة "سكيبيو" الت ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وروجت لها األسطوغرافيا الرومانية وهو ما ال يتطابق ويتناسب مع ما كان من الـمفثض أن يكون قد‬
‫األخثة من الحرب البونيقية الثانية‪.‬‬
‫ر‬ ‫حدث يف الـمعركة‬
‫الرومان يف الـمعركة منذ البداية من خالل ذلك‬
‫ي‬ ‫‪-‬توهمنا الـمصادر الرومانية وتستدرجنا إىل أن االنتصار‬
‫األخث السالم من الرومان إدراكا منه بأن‬
‫ر‬ ‫"الشياىل" ربي "سكيبيو" و"حنبعل" والذي يطلب فيه‬
‫ي‬ ‫الحوار‬
‫اإلمثيالية الرومانية وحقق‬
‫ر‬ ‫مصثه االنهزام‪ .‬فهل يعقل أن "حنبعل" الذي خاض حرب ررسسة ضد‬ ‫ر‬
‫مصثية ضد "سكيبيو" ويتم هزمه بتلك‬ ‫ر‬ ‫ينتىه به الـمطاف للخوف من خوض حرب‬ ‫ي‬ ‫انتصارات ساحقة‬
‫الطريقة‪.‬‬
‫‪-‬بغية إقناع القارئ يف هزيمة "حنبعل" راحت األسطوغرافيا تطعن يف انسجام وتناغم جيشه الذي هزم‬
‫الرومان يف معارك عديدة وتصور لنا "حنبعل" كجثال فقط عبقريته الحربية ورؤيته االسثاتيجية يف‬
‫يخس الهزيمة يف الـمعركة‪،‬‬ ‫ر‬
‫األكث منطقية؛ من الذي ر‬ ‫مقابل تعظيم التكتيك العسكري لسكيبيو‪ .‬فالسؤال‬
‫هل هو "حنبعل" أم "سكيبيو"؟‪ ،‬أليس "سكيبيو" الذي يعرف براعة "حنبعل" الحربية وأن انهزامه‬
‫السياس والعسكري فسّع لتجنب ذلك بالدبلوماسية والسياسة كما سنتعرف‪.‬‬
‫ي‬ ‫مصثه‬
‫ر‬ ‫سيقص عىل‬
‫ي‬
‫غث متناسقة ومتناقضة بشكل غريب‪ .‬فالـمجريات والوقائع‬ ‫‪-‬األوصاف الكالسيكية للمعركة نرى أنها ر‬
‫تجعلها معركة ال يمكن تخيلها لدرجة التشكيك يف كونها نتيجة للفكر العسكري لحنبعل‪ ،‬ما يجعل العقل‬
‫الـمخثع لها يفتقر لـمعرفة ورؤية عميقة لتكتيك حنبعل‪ .‬فأوال ر‬
‫نعتث أن مسألة الفيلة الخيالية تفقدها أي‬
‫ُ‬
‫الت خدع بيها "حنبعل" الرومان خدع بها يف إفريقيا عىل يد‬‫مصداقية‪ ،‬ثانيا تصور لنا خطة "كاناي" ي‬
‫"سكيبيو"‪ .‬صور لنا جيش "حنبعل" كجيش خامل‪ ،‬قليل الحركة والكفاءة‪ ،‬سهل استدراجه وااللتفاف‬
‫عليه‪ .‬األرقام الـمقدمة للخسائر (‪ 4000-5000‬جندي) ال يمكن تصديقها باعتبارها تنقل معركة يف اتجاه‬
‫واحد أفص النتصار كاسح لسكيبيو‪.‬‬
‫يمكننا اعتبار أن ما وصلنا من أخبار لغاية نزول "سكيبيو" يف إفريقيا سنة ‪ 204‬ق‪.‬م جدير ظاهريا‬
‫اإلفريق" وابن "ل ‪.‬‬
‫ي‬ ‫بالتصديق ومن الواضح والوراد للغاية أن الـمؤرخ ال ُـمفوض من حفيد "سكيبيو‬
‫ّ‬
‫أيميليوس بولوس" قد أخق (حجب) القيمة السياسية لتحدي "حنبعل"‪ ،‬قلل من انتصاراته‪ ،‬تالعب‬
‫باألرقام‪ ،‬عظم الفضائل الرومانية ودافع عن وجهة نظرهم‪ .‬لكن من الواضح يف الـمقابل أنه ال يستطيع أن‬
‫يخاطر بفقدان كل مصداقيته وأن يحجب العبقرية العسكرية لحنبعل ويحرف (يشوه) الوقائع خصوصا‬
‫الت حدثت يف إيطاليا ألن الشهادات الـمتناقلة ربي األرس ستكشف زيفه ولن تصمد طويال‪ .‬لكن‬ ‫تلك ي‬
‫األحداث انتقلت اآلن إىل إفريقيا ونحن نعلم دائما أن رسد الوقائع البعيدة (ينطبق هذا أيضا عىل وصف‬
‫(الت تم العمل‬
‫ما حدث يف إسبانيا) عان من التضليل (الـموثوقية) خصوصا مع غياب الشواهد الـمناقضة ي‬
‫عىل التخلص منها) والحال أن شهادات ما جرى يف إفريقيا لم يرويــها سوى جنود "سكيبيو" الذين لن‬

‫‪32‬‬
‫‪Yozan Mosig : The trouple, loc.cit, Yozan Mosig and Imene Belhassen : revision and reconstruction of the‬‬
‫‪battles of Cannae (216 BC) and Zama (202BC), P-P 01-55.‬‬
‫الفرنسيي وتعاملهم‬
‫ر‬ ‫يثددوا كما نعتقد يف التالعب بالحقائق لصالح وطنهم (األمر شبيه بشهادات الضباط‬
‫ائريي والثورة التحريرية)‪ .‬يف هذا الصدد نجد العديد من أعمال اإلزاحة التضليلية لبوليبيوس‪،‬‬
‫مع الجز ر‬
‫فذهب مثال إىل حد كتابة أنه يف معركة "كاناي" كان "فارو ‪ "Varron‬وليس "ل‪ .‬أيميليوس بولوس" عىل‬
‫أكث كارثة عسكرية يف‬
‫لتحسي صورة جد "سكيبيو إيمليانوس" ونزع مسؤولية ر‬
‫ر‬ ‫الرومان وهذا‬
‫ي‬ ‫رأس الجيش‬
‫اإلفريق" وصاحب‬
‫ي‬ ‫الرومان منه‪ ،‬فما الذي يمنعه من استخدام ذات األسلوب لصالح "سكيبيو‬
‫ي‬ ‫التاري ــخ‬
‫نعمته "سكيبيو إيمليانوس"؟‪.‬‬

‫الت خاضوها يف‬ ‫قنصلي جرت مجريات الـمعركة ي‬


‫ر‬ ‫إذا ذهب "بوليبيوس" إىل حد قلب (عكس) أدوار‬
‫الت جرت بعيدا‬ ‫رومان (فارو)‪ ،‬فما الذي يمنعه من تحريف الوقائع ي‬
‫ي‬ ‫إيطاليا ونفذ الـمناورة التضليلية ضد‬
‫عن األنظار يف إفريقيا وهذه الـمرة ضد ألذ أعداء "روما"‪ ،‬وهذا بعد أن تم محو "قرطاجة" من الخريطة؟‪.‬‬
‫الهدف من هذا التوضيح ليس إثبات "االختالق (التلفيق)" عند "بوليبيوس" الهادف إىل تعزيز استحقاقية‬
‫"سكيبيو" بل الدعوة إىل التساؤل عما حدث بالفعل بعد نزول "حنبعل" يف "لـمطة" وتنصيب معسكراته‬
‫أدن يدعم الفرضيات ال ُـمقدمة‬
‫الشتوية بالقرب من "سوسة=حرصموت"‪ .‬لسوء الحظ ال نمتلك أي نص ر ي‬
‫نظرا لالعتبارات ال ُـمقدمة وأي كان الحجاج فإن األمل سيبق قائما عىل اكتشاف مصادر أولوية جديدة‬
‫الت ال يزال وصفها متسيدا‪.‬‬‫تعزز تصوراتنا وتتناقض النسخة "البوليبو‪-‬ليفيونية" )‪ (Polybo-Livienne‬ي‬
‫إذا كان الـمصا در األدبية تعزز النظرة الرومانية لألحداث فإن الوثائق األركيولوجية واستنتاجات منطقية‬
‫أخرى تعزز ف رأينا عدم حدوث هذه الـمعركة‪33.‬‬
‫ي‬
‫ثالثا‪-‬تعارض الرواية الرومانية مع الحقائق األثرية‪:‬‬
‫‪"-1‬زاما"؛ الـموقع الـمجهول‪ :‬هذا الـمكان ورد ذكره يف عديد الـمصادر األدبية اإلغريقيو‪-‬رومانية‪ 34‬حيث كان‬
‫مشحا لعديد األحداث الهامة يف تاري ــخ بالد الـمغرب‪ :‬الصدام العسكري الـمحتمل ربي "حنبعل"‬
‫و"سكيبيو"‪ ،‬حرب يوغرطة‪ ،‬سقوط مملكة نوميديا‪ ،‬الحرب األهلية الرومانية يف إفريقيا‪ ،‬كما يرجح أنها‬
‫"قثطا" و"سيغا" )‪.(Siga‬‬ ‫كانت عاصمة ملكية من خالل لقبها "زاما ريجيا ‪ "Zama Regia‬عىل غرار ر‬
‫عىل أنه بالرغم من كل هذا فإننا ال نعرف تموضعها ما فتح الباب أمام نقاش مستفيض وفرضيات عديدة‬
‫تقريت‪ :‬سهل "زوارين ‪ " Zouarin‬بالكاف أين تقع‬ ‫ري‬ ‫بعضها بال قيمة ومنطقية والبعض اآلخر قدم تصور‬
‫‪35.‬‬
‫يف ح ري نجد‬ ‫الـمدينة القديمة "أولولس ‪ "Ulules‬أو بالقرب من "سوق الخميس" (حاليا بوسالـم)‬
‫شث لزاما ريجيا عىل الطريق الرابط ربي‬ ‫الت ت ر‬
‫سث لوحة "بوتينغر" ي‬ ‫فرضيات أخرى عولت عىل خط ر‬
‫َ َ‬
‫"مد ْينة" )‪ (Althiburos‬والـجم )‪ (Thysdrus‬ربي "زنفور" )‪ (Assuras‬و"قصور عبد الـملك"‬
‫)‪ ،(Uzappa‬عىل بعد ‪ 10‬أميال من الـمدينة األوىل‪ .‬اإلفادات ي‬
‫الت قدمتها لنا الـمصادر وباألخص‬ ‫‪36‬‬

‫‪33‬‬
‫‪Yozan Mosig : The trouble, loc.cit, A. Belkhoudja : op.cit, P-P 186-187.‬‬
‫‪34‬‬
‫ه شواهد للمعركة ربي "حنبعل ( ‪Polybe : XV, 5, 3, Tite Live : XXX, 29, Nepos : Hannibal, VI, Silius Italicus : III, 261‬‬ ‫ي‬
‫أشغال تحصينات منجزة من قبل يوبا ( ‪), Vitruve : VIII, 3, 24‬وصف حصار لـميتيليوس( ‪), Salluste : guerre de Jugurtha, LVI‬وسكيبيو‬
‫‪), Dion Cassius : XLVIII, 23,‬الدور الذي لعبته "زاما" بعد معركة "تابسوس( ‪), César : guerre d’Afrique, 91 et suiv‬األول يف "زاما"‬
‫ـمنتم لحزب "قيرص( ‪Strabon : XVIII, 3, 9‬‬
‫ي‬ ‫ـمنتم لحزب "ماكوس أنطونيوس" وال‬ ‫ي‬ ‫‪),‬تدمث "زاما" خالل الرصاع الذي نشب ربي حاكم إفريقيا ال‬
‫ر‬
‫اإلمثاطورية( ‪Pline l’Ancien : Histoire naturelle, V, 4, 30‬‬
‫ر‬ ‫ة‬‫الفث‬ ‫بداية‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫حرة‬ ‫‪).‬أشار إليها كمدينة‬
‫‪35‬‬
‫‪Ch. Tissot : Exploration scientifique de la Tunisie. Géographie comparée de la province romaine d'Afrique, t° II,‬‬
‫‪Paris, 1888, P-P 571-572, G.-Ch. Picard : Le couronnement de Vénus, M.E.F.R, 58, 1941-1946, P-P 101-106, L.‬‬
‫‪Poinssot : Zama, R.Afr, v° 69, 1928, P 166, n° 2.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪A. Grenier : Manuel d'Archéologie gallo-romaine, t° II, 1, Paris, 1934, P-P 126-133, Atlas archéologique de la‬‬
‫‪Tunisie, feuille de Ksour, n° 80, feuille de Maktar, n° 153.‬‬
‫"سالوستيوس" ُيفهم منها أن "زاما ريجيا" تقع يف منطقة سهلية‪ 37.‬بخصوص االكتشافات النقائشية فإننا‬
‫‪38‬‬
‫الكثى" )‪، (Zama Maior‬‬ ‫تشث إىل "زاما ر‬
‫نقيشتي‪ ،‬اكتشفت األوىل يف "جاما ‪ "Jama‬ر‬
‫ر‬ ‫ال نمتلك سوى‬
‫اميي" ‪(colonia‬‬ ‫ر‬
‫تشث إىل "مستوطنة الز ر‬‫أما األخرى فعث عليها يف "سيدي عمر الجديدي" حيث ر‬
‫ارج (مظهر) للمنطقة ُيظهر أن موقع "زاما" هو عىل سفح عند‬ ‫األخث الشكل الخ ر ي‬
‫ر‬ ‫)‪ 39.Zamensis‬يف‬
‫‪40.‬‬
‫الحافة الشمال‪ -‬ررسقية لجبل "مسوق" )‪(Massouge‬‬
‫كبث نظرا ألن اكتشاف حديث أظهر‬ ‫لـم تحظ فرضية وضع "زاما" يف "سيدي عمر الجديدي" بدعم ر‬
‫أن االسم القديم لهذا الـموقع هو "‪ 41."civitas Sivalitana‬تم كذلك وضع "زاما ريجيا" يف "سبع بيار‬
‫‪ "Sabaa Biar‬الواقعة يف سهل عىل حافة "زنفور"‪ ،‬هذا الـتموضع يتوافق يف الواقع بشكل أفضل مع‬
‫الت تضع "زاما ريجيا" بالقرب من "زنفور"‪ ،‬كما‬ ‫"جاما ‪ " Jama‬باالستناد عىل إشارات لوحة بوتينغر ي‬
‫أكث من‬‫ويدافع عنها بأيدي الرجال ر‬ ‫تتقاطع مع نص "سالوستيوس" الذي يشث لكونها قلعة تقع ف سهل ُ‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫طبيعة الـمكان‪ .‬مثلما أيد البعض فرضية تطابق "جاما" مع "زاما" الـمتموضعة عىل حافة جبل "مسوق"‬
‫عل هضبة شديدة االنحدار تحيط بها األفاجيج العميقة فإن هنالك من رفض الطرح بحجة أن األبعاد‬
‫الت‬
‫الت ربي "زنفور" و"جاما" ي‬ ‫الـمقدمة من لوحة بوتينغر ربي "زنفور" و"زاما ريجيا" ال تتوافق مع تلك ي‬
‫‪ 42‬ر‬ ‫ر‬
‫تشث إىل‬
‫الت ر‬ ‫ه أكث امتدادا‪ .‬لشح مسألة تطابق "زاما" مع "جاما" بالتعويل عىل النقيشة ‪ C, 16442‬ي‬ ‫ي‬
‫تدمثها من قبل "ت‪ .‬سكتيوس" )‪ (T. Sextius‬سنة‬ ‫ر‬ ‫الكثى" افثض "فايت" أن "زاما ريجيا" تم‬ ‫"زاما ر‬
‫كث"‪ 43.‬بدوره‬ ‫‪ 41‬ق‪.‬م ثم أعيد بناءها فيما بعد من قبل سكانها يف "جاما" أين منحوها اسم "زاما األ ر‬
‫مبارسة بعد حرب "يوغرطة"‪ 44.‬هذه االحتمالية‬ ‫"سكوالرد" قبل هذه الفرضية عىل أنه وضع هذا التحول ر‬
‫"غث‬‫"لزاما" بكونها "جاما" رفضها "وينكلر" أيضا باعتبار أن "جاما" تقع عىل هضبة ما يجعلها مدينة ر‬
‫ملكية" بل مجرد منطقة ريفية أو بلدة‪ 45.‬لم يستبعد آخرون كونها "زاما" تقع يف "سبع بيار" نظرا‬
‫تشثان‬
‫نقيشتي ر‬‫ر‬ ‫الت منحتنا‬
‫"ج ماراقيتانوس" )‪ (vicus Maracitanus‬ي‬ ‫لوقوعها يف سهل بجوار ي‬
‫‪46.‬‬
‫ـموظفي تعود أصولها إىل "زاما ريجيا"‬
‫ر‬ ‫ل‬
‫ر‬
‫السء الوحيد الذي نعرفه بوضوح‬
‫أكث مع اإلشكالية‪ ،‬فنجد "مرالن" يالحظ أن ي‬
‫تعامل البعض بحذر ر‬
‫حي حدد "غزال"‬‫هو وقوع "زاما ريجيا" ربي "زنفور" و"قصور عبد الـملك" بجوار جبل "مسوق"‪ 47.‬يف ر‬
‫موقع الـمدينة الـملكية يف مكان ما بناحية وسط تونس بجوار "الكاف ‪" ،"Sicca Veneria‬جاما" و"قصور‬
‫حي نص‬ ‫تشث لوجود "زاما الـملكية" يف ناحية "جاما"‪ ،‬يف ر‬
‫عبد الـملك" وحسب رأيه فإن اللوحة ر‬
‫‪37‬‬
‫‪Salluste : guerre de Jugurtha, LVI, 3, LVII, 1.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪C.I.L, VIII, 16442.‬‬
‫‪39‬‬
‫‪C.I.L, VIII, 12018.‬‬
‫‪40‬‬
‫‪Atlas archéologique de la Tunisie, feuille de Jama, n° 72.‬‬
‫‪41‬‬
‫‪Z. Benzina Ben Abdallah : Sidi Amor Jedidi, civitas Sivalitana, dans LAfrica romana XI, 1994, Atti dell'XI‬‬
‫‪convegno di studio, Carthage, 15-18 décembre 1994, P-P 1355-1367.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪A. Ferjaoui : Localisation de Zama Regia à Jama (note d'information), dans Comptes-rendus des séances de‬‬
‫‪l'Académie des Inscriptions et Belles-Lettres, 146e année, n° 3, Paris, 2002, P-P 1003-1006.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪G. Veith : Afrika, dans J. Kromayer, Antike Schlachtfelder, Bausteine zu einer antiken Kriegsgeschichte, t° III,‬‬
‫‪Berlin, 1912, P-P 621-626.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪H. H. Scullard : Scipio Africanus in the Second Punie War, Cambridge, 1930, app 4 : Zama and the site of the‬‬
‫‪battle, P-P 310-313.‬‬
‫‪45‬‬
‫‪A. Winkler : Encore la question de Zama... et les voies antiques du massif central tunisien d'après les dernières‬‬
‫‪découvertes, Revue tunisienne, 1907, P-P 93-102, 280-291.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪L. Déroche : Les fouilles de Ksar Toual Zammel et la question de Zama, M.E.F.R 60, 1948, P 104, A. Merlin,‬‬
‫‪Inscriptions latines de la Tunisie, Paris 1944, n° 572, 574.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪A. Merlin : Où s'est livrée la bataille de Zama ? , Journal des Savants, 10, 1912, P-P 513-514.‬‬
‫"سالوستيوس" يدفع لالعتقاد بوجود "زاما" أخرى يف سهل بهذه الـناحية‪ 48.‬عىل الرغم من صعوبة‬
‫التوفيق ربي الشواهد األدبية والحقائق الطبوغرافية لموقع "جاما" لـم يثدد "مومسن" يف مطابقة "زاما‬
‫ريجيا" مع "جاما"‪ .‬يف مقالته ي‬
‫‪49‬‬
‫الت تعد اليوم مرجعا رئيسيا يف محاولة تحديد تموضع "زاما ريجيا" خلص‬
‫"بواسو" إىل جملة من األدلة واالستنتاجات تتلخص يف‪:‬‬
‫"هنشث مسعدين"‬
‫ر‬ ‫ه جنوب‬ ‫ـمديت" )‪ (Felix d’Abthugni‬ي‬
‫ي‬ ‫‪"-‬زاما" الـمشار إليها من قبل فليكس ال‬
‫تشث إىل الصيغة‬
‫الت قدمت لنا نقيشة ر‬
‫)‪ (Furnos Minus‬وأنه ال يمكن مطابقتها سوى مع "جاما" ي‬
‫")(‪."Zama M‬‬
‫اميي )‪ (Zamensis‬لـم يتم إعقابها‬ ‫‪ -‬يف العديد من النقوش الالتينية أسماء‪ :‬مستوطنة الز ر‬
‫اميي‪ ،‬زاما‪ ،‬الز ر‬
‫بنعوت )‪ (épithètes‬ما يظهر أنه لغاية ما بعد "هادريانوس" لم يكن يف تونس الوسىط سوى "زاما"‬
‫والت تقع يف "جاما زاما ريجيا" أين أصبحت مستوطنة يف عهد‬ ‫ي‬ ‫واحدة تمت ترقيتها إىل مستوطنة‬
‫"هادريانوس"‪.‬‬

‫تشث إىل‬
‫اميي" )‪ (Zamensis‬الواردة يف النقيشة ‪( C, 16442‬مؤرخة بـ ‪322‬م) الـمكتشفة بجاما أين ر‬ ‫‪"-‬الز ر‬
‫اإلمثاطورية لزاما الـملكية" )‪(colonia Aelia Hadriana Augusta Zama Regia‬‬ ‫"مستوطنة آيليا ر‬
‫ـملكيي" للنقيشة ‪ .C, 1686‬بدورها النقيشة ‪ C, 23601‬الـمكتشفة يف "قرص بوفتح"‬‫ر‬ ‫اميي ال‬
‫ه مثل "الز ر‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫"مكث" وبالعودة إىل لوحة بوتينغر فإن "زاما" تتطابق عموما مع‬ ‫غث بعيدة عن‬ ‫تظهر أن "زاما ريجيا" ر‬
‫"جاما"‪.‬‬
‫غث بعيد عن "الكاف" وأن اصطالح "ميدان=سهل‬ ‫‪-‬إشارة "سالوستيوس" رتثز أن "زاما ريجيا" تقع ر‬
‫الكثى الواقعة جنوب "جاما"‪ 50.‬بدوره "عزالدين باش‬
‫لتميث الهضبة ر‬
‫‪ "campus‬الـمستخدم من قبله هو ر‬
‫ام" وأن‬
‫شاوس" قدم أدلة أخرى مفادها أن الشخص الذي أهدى قوس "غورديانوس" حدد نفسه بأنه "ز ي‬
‫عث عىل نقيشة اهدائية‬ ‫"زاما" ُحددت من قبل "بطليموس" بجوار "الكريب ‪ .Mustis‬ف "جاما" كذلك ر‬
‫ي‬
‫وبالتاىل فإنها عىل غرار مستوطنات أخرى‬
‫ي‬ ‫رومان مسجل يف قبيلة "كويرينا ‪"Quirina‬‬
‫ي‬ ‫تشث لمواطن‬
‫ر‬
‫مؤسسة عىل يد هادريانوس ومسجلة ضمن هذه القبيلة‪ .‬لتسمح لنا نقوش رقثية عديدة من التعرف عىل‬
‫‪51.‬‬
‫بعض ساكنتها‬
‫ه قرية "جاما"‬ ‫الباحثي لكون "زاما" ي‬
‫ر‬ ‫وسط كل هذه الـمعطيات هنالك ميل قوي لدى العديد من‬
‫الواقعة عىل بعد ‪ 08‬كلم إىل غرب مدينة "سليانة"‪ ،‬األمر الذي دعمه الفرجاوي" بشظية نقيشة حديثة‬
‫االكتشاف تتضمن االختصار "]‪ ،Zamen[ses] Reg[ii‬واعتث عىل أنه حسم لكون "زاما" ه "جاما"‪52.‬‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫الباحثي عىل كون‬
‫ر‬ ‫اعتث أن النقاشات العديدة قادت نحو اتفاق‬‫هذا الـموقف أكد عليه "لوبوهاك" الذي ر‬
‫ه "زاما" الذي جرت فيه الـمعركة‪ 53.‬يف دراسته الحديثة تطرق الـمؤرخ‬
‫نواج "الكاف" ي‬
‫ي‬ ‫"جاما" الحالية يف‬
‫معتثا أنه لحد اآلن لم يتم تحديد موقع الـمعركة وأنه ال توجد أي‬
‫األمريك "بهمانيار" للـمسألة ر‬
‫ي‬ ‫العسكري‬
‫الت أشارت لزاما تمتاز بالتضارب‬ ‫ُ‬
‫أدلة أثرية لتأكيد أي موقع من الـمواقع الـمقثحة وأن الـمصادر القديمة ي‬
‫وتزيد من حالة االرتباك حيث ينقل "تيتيوس ليفيوس" الـموقع قائال‪" :‬أخذ "سكيبيو" موضعه بالقرب من‬
‫‪48‬‬
‫‪St. Gsell : Histoire ancienne de l'Afrique du Nord, t° III, P-P 255-280 et t° VII, P 198.‬‬
‫‪49‬‬
‫‪Th. Mommsen : dans Hermès, 1885, P-P 144-145.‬‬
‫‪50‬‬
‫‪L. Poinssot : Zama, Revue africaine 69, 1928, P-P 165-181.‬‬
‫‪51‬‬
‫‪A. Beschaouch : Zama, Bulletin de la Société nationale des Antiquaires de France, 1995, P-P 42-43.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪A.E, 2002, 1668 (Djama), A. Ferdjaoui : op.cit, P-P 1003-1017.‬‬
‫‪53‬‬
‫‪Y. le Bohec : op.cit, P 249.‬‬
‫بتوفث إمدادات‬
‫ر‬ ‫مدينة "ساقية سيدي يوسف؟" )‪ (Naraggara‬عىل تموقع إضافة إىل مزاياه فإنه يسمح‬
‫حي أقام "حنبعل" عىل مرتفع يبعد أربعة أميال (‪6.5‬‬ ‫الـمياه لحملة الرماح داخل الصفوف الرومانية‪ ،‬يف ر‬
‫كلم) وهو موقع بدوره آمن ومفيد سوى أنه يجب الحصول عىل الـمياه من مسافة بعيدة"‪ .‬تم اختيار مكان‬
‫[لالجتماع ربي "حنبعل" و"سكيبيو"] يف منتصف الطريق ربي الـمعسكرين ولـمنع أي خيانة محتملة‬
‫الجانبي" )‪ 54.(Tite Live : XXX, 29‬عىل أساس هذا الوصف حدد البعض‬ ‫ر‬ ‫قدمت نظرة شاملة لكال‬
‫غث بعيد عن "زاما"‪ ،‬العاصمة الـمـاسيلية"‪ ،‬عىل األرجح يف سهل "سليانة" أين نجد طريق‬ ‫موقع الـمعركة ر‬
‫‪55.‬‬ ‫ر‬
‫يعث طريق يؤدي مبارسة من قرطاجة عىل امتداد وادي مليانة الباحث‬ ‫"حرصموت" إىل "الكاف" ر‬
‫"الزنت" يعتقد أن "حنبعل" قاتل بالقرب من "الكاف" وبالتحديد يف "سبع بيار" عىل بعد ‪ 13‬كلم من‬ ‫ري‬
‫"زنفور"‪ ،‬كما يرى أن الـمعركة جرت عىل مكان قريب منها وعىل بعد ‪ 05‬كلم من معسكر "سكيبيو" وأن‬
‫معرفتنا لمكان عسكرة "سكيبيو" هو الـمفتاح لضبط ساحة الـمعركة‪ ،‬كما يعتقد الباحث أن "ساقية سيدي‬
‫وبالتاىل فإنه من الوارد أن "تيتيوس ليفيوس" أخلط (ماثل) ربي‬ ‫ي‬ ‫كثثة التالل‪،‬‬
‫ه منطقة ر‬ ‫يوسف" ي‬
‫وه مدينة أخرى قريبة‬ ‫"ناراغارا" و"مارغارون" )‪ (Margaron‬الواردة عند "بوليبيوس" كمكان للمعركة ي‬
‫يعتث أن سهل "ذراع الـمينان" (أو الـمتنام‬
‫ر‬ ‫من "ساقية سيدي يوسف" لـم يتم تحديدها‪ .‬مع ذلك‬
‫حواىل ‪27‬‬ ‫مبارسة جنوب الطريق الحديث الـمؤدي من "سيدي يوسف" إىل "الكاف" ‪-‬‬ ‫‪ )Metnam‬الواقع ر‬
‫ي‬
‫كلم عن "سيدي يوسف"‪ -‬وبالقرب من نقطة اتصاله بالطريق الـرابط ربي "القرصين" و"الكاف‪-‬مناسب‬
‫كبثة‪ 56.‬يف الـمقابل وصل "هويوس" إىل استنتاج مختلف‪" :‬سار (ذهب) حنبعل إىل‬ ‫الستيعاب جيوش ر‬
‫والت سميت عىل األرجح فيما بعد "زاما ريجيا" (هو موقع‬ ‫"زاما"‪ ،‬إحدى عديد الـمدن الواقعة بالداخل ي‬
‫الش يف من "الكاف)‪" .‬زاما" عىل الرغم من كونها‬ ‫ُيسم حاليا "سبع بيار" عىل بعد ‪ 15‬ميل إىل الجنوب‪ -‬ر‬
‫أعىط لها اسم الـمعركة نتيجة خطأ أرعن‬
‫ي‬ ‫مسث ‪ "encampment on the march‬إال أنه‬ ‫مجرد "مخيم يف ر‬
‫سثته "نيبوس" بعد قر رني"‪ .‬إذن "زاما" ليست مكان الـمعركة بل مجرد موقع خيم‬ ‫(طائش) وقع فيه كاتب ر‬
‫يشث لتخبط األسطوغرافيا الرومانية يف منحنا مكان‬ ‫فيه "حنبعل" قبل أن يتقدم غربا للـمعركة وهو ما ر‬
‫واضح ودقيق لـمعركة فاصلة ف الحرب‪57.‬‬
‫ي‬
‫كبثة يف دراسة‬ ‫األلمان "كرماير" وضابط الـمدفعية النمساوي "ويث" طاقة ر‬
‫ي‬ ‫بذل كل من الـمؤرخ‬
‫ُ‬
‫وتفحص مختلف النظريات الـمتعلقة بموقع ساحة الـمعركة أين خلصا يف استنتاجهما‪-‬رأي قبل من قبل‬
‫هنشث الشمام" )‪ (Margaron‬وبشكل أحد‬ ‫ر‬ ‫الكثث من العلماء‪-‬أن "سكيبيو" أقام معسكره أو موقعه يف "‬
‫ر‬
‫تحديدا باتجاه طريق "الكاف ‪-‬ساقية سيدي يوسف" نحو الغرب باتجاه "نوميديا"‪ .‬عىل الـمقابل خلص‬
‫"القثوان"‬
‫ر‬ ‫إىل أن "حنبعل" خرج من "حرصموت" وسار بجيشه إما عن طريق "سيدي عبد الجديد" أو‬
‫الستطالعيي) ثم توجه نحو‬
‫ر‬ ‫لغاية وصوله إىل "سبع بيار" (زاما)‪ ،‬هنا أرسل "حنبعل" أجزاء من الكشافة (ا‬
‫عث سهل "ذراع الـمينان"‪ .‬بهذا فإن معسكر‬ ‫القنصىل "لسكيبيو" أين تواجه الجيشان عىل األرجح ر‬
‫ي‬ ‫الجيش‬
‫مان‬ ‫ُ‬
‫"سكيبيو" يقع عىل تل يسم "كودية البهيمة" والذي كان يحصل أيضا عىل مدخل الـمياه من جدول ي‬
‫حي أنشأ "جنبعل" معسكره عىل بعد ‪ 5.5‬كلم عىل تلة بال مياه (جدباء) تحمل‬ ‫ُ‬
‫يسم "رأس العجلة"‪ ،‬يف ر‬
‫تسمية "كودية بونغرين ‪ 58."Bongrine‬بعد أن سار "حنبعل" لـمدة ‪ 05‬أيام إىل غرب "حرصموت" أقام‬
‫الرومان والعودة إىل‬ ‫وسمح له بدخول الـمعسكر‬ ‫معسكره‪ ،‬الذي أرسل منه كشافة نوميد تم أرس أحدهم ُ‬
‫ي‬

‫‪54‬‬
‫‪Mir Bahmanyar : Zama 202 BC. Scipio crushes Hannibal in North Africa, 2016, P-P 47-51.‬‬
‫‪55‬‬
‫‪G. Picard et Colette Picard : 1987, P 265.‬‬
‫‪56‬‬
‫‪Lazenby : 1998, P 218.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪Hoyos : 2008, P 107.‬‬
‫‪58‬‬
‫‪Kromayer and Veith : 1903, P 38.‬‬
‫يخثنا بعدها "بوليبيوس" أن ترصف "سكيبيو"‬ ‫"حنبعل" بال أي تحرش أين أبلغ ما رآه لحنبعل !!‪ .‬ر‬
‫الدمث اتجاه الجواسيس في به "جنبعل" لدرجة أنه ذهب للبحث عن لقاء يتعرف ويتحدث فيه مع هذا‬
‫القائد‪ 59.‬إن هذا العرض الـمستفيض حول "موضع" الـمعركة يجعلنا نصل إىل الـمالحظات واالستنتاجات‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪-‬ال يوجد أي وثائق أثرية تسمح بالتعرف عىل موضع الـمعركة وكل ما أمامنا هو اجتهادات وآراء لـمواقع‬
‫غث‬‫حي مكان الـمعركة هو ر‬‫ه مجرد معسكر لحنبعل‪ ،‬يف ر‬ ‫عجزت المصادر الرومانية أن تحدده لنا‪ ،‬فزاما ي‬
‫محدد تقدم الفرضيات نطاقا واسعا لها يمتد ما ربي "سليانة‪-‬الكاف‪-‬ساقية سيدي يوسف"‪ .‬عند دراسة‬
‫أكث من ‪ 75‬ألف جندي وبالـمناورة‬ ‫هذه الـمواقع الـمقثحة نجد أن طبوغرافيتها ال تسمح باحتضان ر‬
‫كثثة التالل‪.‬‬
‫الحربية نظرا لكونها ر‬
‫الكثى) فإن الـمعركة الثالثة‬
‫غث بعيد "قرطاجة" (أوتيكا‪ ،‬ثم السهول ر‬ ‫السابقتي ر‬
‫ر‬ ‫كتي‬
‫‪-‬إذا جرت الـمعر ر‬
‫والحاسمة جرت يف مكان (ساقية سيدي يوسف) يبعد عن قرطاجة بـ ‪ 200‬كلم وعن حرصموت بـ ‪270‬‬
‫غث منطقيا ألنه يصور لنا أن‬ ‫النوميديي وهو ما يبدو لنا ر‬
‫ر‬ ‫اض‬
‫غث دقيقة)‪ ،‬يف عمق أر ي‬ ‫كلم (مسافات ر‬
‫"سكيبيو" هو من تمكن من استدراج "حنبعل" للمكان الذي اختاره للـمعركة وهو مكان ضمن فيه الثود‬
‫بالـمياه عكس "حنبعل" الذي سار خمسة أيام ونصب معسكره يف منطقة جدباء بال أي مياه‪ ،‬فهل يعقل‬
‫النوميديي ويختار مكانا بال مياه‪ ،‬فيحكم بذلك عىل نفسه‬ ‫اض‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫أن "حنبعل" هو من يستدرج لعمق أر ي‬
‫وعىل جيشه بالهزيمة‪.‬‬
‫لقثطا‪،‬‬
‫الكثى" عند عودته ر‬
‫‪-‬إذا كان الرومان تمكنوا من مالحقة "سيفاقس" وأرسه بعد موقعة "السهول ر‬
‫صغثة من الجنود يف‬
‫ر‬ ‫فال نعرف كيف لـم يالحق الرومان "حنبعل" الذي نجا من المعركة رفقة مجموعة‬
‫مكان يبعد بتلك المسافة الطويلة عن "قرطاجة" وأرسه ونقله لروما عىل غرار "سيفاقس"‪.‬‬

‫ـمؤرخي الـمعارصين) ليس بتحديد‬


‫ر‬ ‫إن األمر يتعلق يف نظرنا (الـمواقع الـمقدمة من قبل الـمصادر وال‬
‫والرومان‬
‫ي‬ ‫ر ي‬
‫القرطاج‬ ‫موقع الـمعركة الحاسمة بل ربما بالـمكان الذي جرت فيها الـمفاوضات ربي الطرف‬
‫ـاسيىل القريب من الحدود القرطاجية‪ .‬هنا نتساءل لماذا نعرف كل مواقع‬ ‫ي‬ ‫الذي كان ربما بالعمق الـم‬
‫حي نجهل موقع الـمعركة االفثاضية "زاما"؟‪ ،‬كيف نعرف كل‬ ‫الكثى يف التاري ــخ العسكري يف ر‬‫الـمعارك ر‬
‫ُ‬
‫حي نجهل الـموقع الوحيد الذي هزم فيه "حنبعل"؟‪ .‬كيف روما‬ ‫الت انترص فيها "حنبعل" يف ر‬ ‫األمكنة ي‬
‫الت ترمز لـمجدها لم تفكر وتشيد رصح تذكاري يخلد‬ ‫الفورية (الشيعة) يف رفع الـرصوح التذكارية ي‬
‫النتصارها األهم يف إفريقيا طيلة خمسة قرون من االحتالل لبالد الـمغرب يف ذلك الـمكان؟‪ ،‬كيف تجاوزت‬
‫افيي الرومان‪،‬‬
‫عديد الشخصيات العلمية الرومانية واإلفريقية اإلشارة إليه يف مؤلفاتهم عىل غرار الجغر ر‬
‫"أبوليوس"‪ ،‬القديس أوغسطي وغثهم؟‪60.‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫‪-2‬تأري ــخ الـميناء العسكري لقرطاجة‪:‬‬
‫وحثة هو تأري ــخ ميناء قرطاج العسكري بالغ‬ ‫الدليل األثري الثان الذي يمكن اعتباره ب ر‬
‫األكث إرباكا ر‬ ‫ي‬
‫واألثريي‪ .‬الـميناء العسكري أو الـميناء الدائري‬
‫ر‬ ‫ـمؤرخي‬
‫ر‬ ‫الشهرة بتصميمه ما أثار دهشة وإعجاب ال‬
‫لقرطاجة بقطر ‪325‬م وعمق ‪02‬م تم وصفه لنا بنص ورد عند "أبيانوس" وعىل أساس هذا الوصف‬
‫وثالن األبعاد ‪ ،3D‬فجاء عند‬‫ر‬ ‫ثنان األبعاد ‪2D‬‬ ‫ظهرت محاوالت عديدة لتصور مخططه بنموذج‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫‪59‬‬
‫‪Polybe : XV, 5.‬‬
‫‪60‬‬
‫‪A. Belkhoudja : op.cit, P 188.‬‬
‫مينان قرطاجة (التجاري والعسكري) بشكل يسمح للسفن بأن تنتقل من‬ ‫ي‬ ‫اآلن‪" :‬تم ترتيب‬
‫"أبيانوس" ي‬
‫(حواىل ‪21‬م) والذي يتم إغالقه بالسالسل‬ ‫ي‬ ‫عث مدخل بعرض ‪ 70‬قدم‬ ‫واحد لآلخر؛ من البحر تدخل ر‬
‫ُ‬
‫الحديدية‪ .‬الـميناء األول خصص للتجار‪ ،‬لذلك زود بأقالس )‪ (amarres‬عديدة ومتنوعة‪ .‬يف وسط الـميناء‬
‫كبثة‪ .‬عىل طول األرصفة‬ ‫الداخىل (العسكري) كانت هنالك جزيرة‪ ،‬هذه الجزيرة والـميناء محاط ري بأرصفة ر‬ ‫ي‬
‫الـمينائية كانت هنالك مقصورات )‪ (loges‬أقيمت الحتواء ‪ 220‬سفينة‪ ،‬وفوق الـمقصورات هنالك مخازن‬
‫اإليون واللذين يمنحان للـمحيط‬
‫ي‬ ‫تجهثات (عدة) السفن‪ .‬أمام كل مقصورة يرتفع عمودين عىل الطراز‬ ‫ر‬
‫لألمثال أين تنطلق‬
‫ر‬ ‫الدائري للـميناء وللجزيرة مظهر رواق معمد )‪ .(portique‬عىل الجزيرة تم بناء جناح‬
‫األمثال مراقبته‪ .‬تقع الجزيرة‬
‫والت منها يمارس ر‬‫ـمعلني ‪ )hérauts‬ي‬ ‫ر‬ ‫منه إشارات األبواق ودعوات ال ُـمنادين (ال‬
‫ُ‬
‫(يعث) يف البحر بينما الذين قدموا من‬
‫لألمثال برؤية ما يحدث ر‬ ‫ر‬ ‫قبالة الـمدخل وترتفع بحدة وهو ما يسمح‬
‫تميث داخلية الـميناء بوضوح‪ .‬حت بالنسبة للتجار الذين دخلوا عىل‬ ‫عرض البحر فإنه ليس بمقدورهم ر‬
‫محاطي يف الواقع بجدار مزدوج وبأبواب سمحت للتجار‬ ‫ر‬ ‫غث مرئية فقد كانا‬‫سفنهم فقد ظلت الثسانات ر‬
‫‪61.‬‬
‫بالمرور من الـميناء األول يف الـمدينة دون الحاجة إىل عبور الثسانات"‬
‫يعتث أن هذا الـميناء مؤرخ بما ال يقل عن‬
‫لغاية سنة ‪ 1993‬كان االعتقاد العام (االتجاه والرأي) السائد ر‬
‫القرن الثالث قبل الـميالد وأنه خدم خالل الحرب الثانية‪ ،‬إن لـم يكن منذ الحرب البونيقية األوىل‪ ،‬عىل أن‬
‫الت قادها "هورست" خلصت يف حفريتها إىل أن الميناء شيد (حفر) بعد الحرب‬ ‫الثيطانية ي‬
‫البعثة األثرية ر‬
‫الثان ما ربي ‪ 146-201‬ق‪.‬م‪ ،‬وهذا يف‬ ‫ي‬ ‫الثانية ال يت سماها أعداء "قرطاجة" بحرب حنبعل أي يف القرن‬
‫وقت كانت فيه "قرطاجة" حسب الرواية الرومانية الـممثلة يف بنود معاهدة "زاما" تنص أنه ليس من حق‬
‫"قرطاجة" امتالك "بحرية حربية" (حسب الـمعاهدة تتنازل "قرطاجة" عن أسطولها البحري وال تحتفظ‬
‫بعشة سفن طويلة (ثالثية)‪ .‬هذا التأري ــخ يكشف لنا التناقض الصارخ ربي ما تنقله لنا معاهدة السالم‬ ‫إال ر‬
‫ُ‬
‫وهذه الحقيقة األثرية‪ ،‬ويدفعنا للتساؤل‪ :‬كيف ُيمكن لقرطاجة أن ت رثر‪-‬باالستناد عىل معاهدة ‪ 201‬ق‪.‬م ‪-‬‬
‫األكث قوة وعبقرية يف الفثة القديمة (بإمكانه استيعاب ما ال يقل عن ‪220‬‬ ‫تشييد جهاز البحرية العسكرية ر‬
‫يعث هذا عن نواياها القتالية والحربية ما يتناف مع تحديد ترسانتها العسكرية بموجب‬ ‫سفينة)؟‪ ،‬أال ر‬
‫كبث من السفن‬ ‫الثان قبل الميالد تمتلك تحت ترصفها عدد ر‬ ‫ي‬ ‫الـمعاهدة؟‪ .‬إذا كانت "قرطاجة" يف القرن‬
‫التجارية والحربية ولها مؤهالت صيانتها فإنها فعال كانت تمتلك حق تشييد الـميناء الدائري وأيضا تصنيع‬
‫لتثير وجوده‪-‬بشكل‬ ‫تفسث للـمعضلة؟‪ .‬ر‬
‫ر‬ ‫السفن وهو ما يرصب مصداقية معاهدة زاما يف مقتل‪ .‬فهل من‬
‫اعتث ب عض الـمؤرخون أنه شيد بطريقة رسية أو كما تقدم‬ ‫متناقض مع الرواية التاريخية التقليدية‪ -‬ر‬
‫"هورست" بعد انتهاء مدة صالحية معاهدة السالم أي منذ سنة ‪ 150‬ق‪.‬م وهو ما يقودنا لالعتقاد بأنه‬
‫ربما أحد األسباب الرئيسية للحرب الثالثة‪.‬‬

‫طبعا فرضية أنه شيد بطريقة رسية ال يمكن قبولها وال تصمد نظرا ألهمية الـمنشأة وموقعها يف قلب‬
‫المتعاوني مع روما والذين لن يثددوا يف نقل أخبار‬
‫ر‬ ‫القرطاجيي البارزين‬
‫ر‬ ‫ـمسؤولي‬
‫ر‬ ‫الـمدينة ووجود عديد ال‬
‫التشييد لها‪ ،‬نضيف لهذا طبعا الزيارات الدورية للسلطات الرومانية لالطالع عىل مدى الثام "قرطاجة"‬
‫بمعاهدة السالم‪ .‬القول كذلك أنه شيد سنة بعد سنة ‪ 150‬ق‪.‬م ف وقت كان روما ُمصممة ر‬
‫أكث من أي‬ ‫ي‬
‫وقت مص عىل االنتهاء من "قرطاجة" هو أمر أقل احتماال خصوصا أنه أعىل كل مثلق )‪ (cale‬كانت‬
‫ُ‬
‫بتدمث‬
‫ر‬ ‫القرطاجيي ال ُـمهددين‬
‫ر‬ ‫هنالك عنارص زخرفية تدعمها األعمدة األيونية‪ ،‬لهذا من الصعوبة تقبل أن‬

‫‪61‬‬
‫‪Appien : Libyca, 96.‬‬
‫وبالتاىل فالميناء‬
‫ي‬ ‫الجماىل للميناء‬
‫ي‬ ‫التفكث والوقت يف البعد‬
‫ر‬ ‫مدينتهم ومحوهم من الوجود أن يكون لهم‬
‫شيد يف وقت لـم تكن هنالك أي ضغوط سياسية وحربية عىل الـمدينة‪.‬‬
‫دواع التشييد؟‪ .‬نعرف أن‬ ‫ي‬ ‫إذا سلمنا أن الـميناء أقيم ما ربي ‪ 149-200‬ق‪.‬م‪ ،‬فمن صاحب الفكرة وما‬
‫القرطاج وأنه أصبح سنة ‪ 196‬ق‪.‬م شفطا عىل "قرطاجة" أي‬ ‫ر ي‬ ‫"حنبعل" ظل عىل رأس قوات الجيش‬
‫الشق نجد أنه أمص قرابة ثمانية سنوات (‪195-203‬‬ ‫قائد الدولة‪ .‬ربي عودته من إيطاليا ومغادرته نحو ر‬
‫يخثنا التاري ــخ أنه خالل تلك الفثة تم الدفاع عن‬‫ق‪.‬م) يف قرطاجة مارس فيه سلطات عسكرية وسياسية‪ .‬ر‬
‫الشق لـم يجرؤ أبدا عىل القيام‬‫أراض "قرطاجة" باقتدار وأن "ماسينيسا" نفسه حت رحيل "حنبعل" إىل ر‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫‪.‬‬
‫القرطاج كذلك يطلعنا التاري ــخ مبارسة "حنبعل" يف تلك السنوات ساهم‬‫ر ي‬ ‫بغاراته واعتداءاته عىل الـمجال‬
‫الت قادها ومحاربته لفساد العصبة‬ ‫عث الحركة اإلصالحية ي‬ ‫"حنبعل" يف التنمية االقتصادية لقرطاجة ر‬
‫بان‬
‫األوليغارشية وراح يستخدم الجيش يف أشغال للصالح العام‪ ،‬دون أن نغفل أن "حنبعل" عرف بكونه ي‬
‫ُمدن (بورصا ‪ Bursa‬يف آسيا الصغرى وأرتاشات ‪ Artaxata‬بأرمينيا)‪ .‬إذا كان القدماء قد لمحوا إىل النوايا‬
‫تضق لها نيته وعزمه عىل خوض‬ ‫المحبة للحرب عند "حنبعل" فإن بعض الـمصادر (قورنيليوس نيبوس)‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫عث "اليونان" واآلخر انطالقا من "قرطاجة"‬ ‫حرب جديدة ضد "روما" انطالقا من هجوم مزدوج‪ ،‬واحد ر‬
‫الحقيق يف التآمر‬
‫ي‬ ‫وهو ما يفش ربما بناء الـميناء العسكري عىل أيدي "حنبعل" والذي يكون المتسبب‬
‫عليه ونفيه من وطنه "قرطاجة"‪62.‬‬

‫عث عنه "بوليبيوس"‬ ‫نعلم أن "روما" كانت تبحث وبحاجة إىل ذريعة واحدة إلنهاء قرطاجة وهو ما ر‬
‫بوضوح‪ 63،‬فلماذا لـم تستغل فرصة بناء هذا الـميناء العسكري للتحرك العسكري بحجة انتهاك أحد بنود‬
‫معاهدة "زاما" وراحت رتثر إعالنها للحرب الثالثة باتهام "قرطاجة" بكل وقاحة أنها لـم تحثم البند الذي‬
‫يمنعها من القيام بالحرب للدفاع عن نفسها ضد االعتداءات ال ُـمتكررة لـمـاسينيسا‪ .‬إذن؛ إذا كانت معاهدة‬
‫السالم تنص عىل أنه ُيحظر عىل "قرطاجة" امتالك بحرية حربية فإن "روما" عدوة "قرطاجة" كانت‬
‫والت جاءت بعض نداءات‬ ‫ي‬ ‫غث جديرة‬‫ستستغل هذه اإلنشاء إلعالن الحرب بدال من التذرع بحجة ر‬
‫اعتث "دوكريه" أن‬‫متكررة قدمتها "قرطاجة" وحرب دفاعية ألراضيها‪ .‬يف مناقشته ألسباب الحرب الثالثة ر‬
‫ه‬‫رغبة أصحاب السفن االيطاليون ف االطمئنان نهائيا عىل استمرار سيطرتهم الـمطلقة عىل تجارة البحر ي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫القرطاجيي من بناء سفن تجارية‬
‫ر‬ ‫تدمث "قرطاجة" وأن معاهدة "زاما" لـم تكن تمنع‬ ‫الحقيق وراء ر‬
‫ي‬ ‫الدافع‬
‫للقرطاجيي‬
‫ر‬ ‫القنصلي‬
‫ر‬ ‫اج يف البحر والتجارة ومقولة‬ ‫(وال حربية) وإن أضفنا لهذا عبقرية الفرد القرط ر ي‬
‫برصورة الهجرة للداخل فإن هذا يجعلنا نستنتج أن "قرطاجة" شهدت محاولة بعث لقوتها البحرية سواء‬
‫لتنام القوة‬
‫ي‬ ‫الت تحركت لوضع حد‬ ‫التجارية أو العسكرية األمر الذي أثار مخاوف السلطة الرومانية ي‬
‫أساس من تاري ــخ‬
‫ي‬ ‫البحرية لقرطاجية‪ 64.‬إن هذا التأريـ ــخ للـميناء العسكري يدعو إىل التشكيك يف عنرص‬
‫ُ‬
‫غث‬ ‫الحرب البونيقية الثانية‪ :‬الـمعاهدة الحقيقية ال ُـموقعة ربي "قرطاجة" و"روما" لـم تعقب هدنة ر‬
‫يتعي كذلك أنها تشبه معاهدة تجميد "الوضع الراهن" وإذا سمح قرطاجة ببناء هذا الـميناء‬ ‫مشوطة بل ر‬ ‫ر‬

‫‪62‬‬
‫‪H.R. Hurst, Excavations at Carthage: The British Mission - The Circular Harbour, North Side - The Site and Finds‬‬
‫‪Other Than Pottery, V° 2, 1995, 340p, H.R. Hurst : Le port militaire de Carthage, Les dossiers d’Archéologie, v°‬‬
‫‪183, P-P 42-51, A. Belkhodja : le mystère du port militaire de l’ancienne Carthage, 16 aout 2018 sur :‬‬
‫‪https://www.lanation.tn/le-port-militaire-de-lancienne-carthage/‬‬
‫تدمث "قرطاجة" قرارا عنيفا اتخذ منذ فثة طويلة من قبل جميع ال ُـمفكرين‬ ‫ر‬ ‫‪ 63‬كتب يف هذا الصدد قائال‪" :‬لقد كان‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫(السياسيي) الذين كانوا يبحثون سوى عن فرصة واحدة مناسبة‪ ،‬عن ذريعة مشفة يف عيون األجانب‪ .‬ألن الرومان كانوا دائما‬
‫ر‬
‫كثثا عىل هذه السياسة"‪.Polybe : XXXVI, 2 :‬‬
‫ولسبب وجيه يعلقون ر‬
‫إمثاطورية البحر‪ ،‬ص‪-‬ص‪.219- 218 :‬‬‫‪ 64‬فرانسوا دوكريه‪ :‬قرطاجة أو ر‬
‫يعت أنه لها الحق يف القيام بذلك ويدعو للتساؤل بجدية‬
‫االستثنان بعد نهاية الحرب فإن هذا ي‬
‫ي‬ ‫العسكري‬
‫حول حقيقة هزيمة "حنبعل" يف "زاما"‪.‬‬
‫رابعا‪-‬الـمعركة والـمعاهدة‪ :‬هل هما اختالق من "بوليبيوس"؟؛‬
‫رابعا‪-1-‬معاهدة "زاما" ‪ 201‬ق‪.‬م‪:‬‬

‫نشث يف البداية أن مثل هذه االتهامات ليست نادرة‪ ،‬فبوليبيوس نفسه اتهم "فيلينوس‬ ‫علينا أن ر‬
‫اإلغريقنت" بأنه اختلق معاهدة ربي "قرطاجة" و"روما" (معاهدة ‪ 306‬ق‪.‬م) تتعلق بتوزي ــع مناطق النفوذ‬
‫ي‬
‫الت مكنت "قرطاجة" من إلقاء مسؤولية الحرب األوىل ال ُـمسماة‬ ‫ي‬ ‫ـمعاهدة‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ـي‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ـمدينتي‬
‫ر‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫بي‬ ‫والتأثث ر‬
‫ر‬
‫بالبونيقية عىل "روما"‪ ،‬وهذا بعد أن اتهمه أيضا بأنه من الـمؤيدين لقرطاجة‪ 65.‬هذا عىل الرغم من أن‬
‫مسؤولية "روما" يف اندالع هذا الرصاع من الصعب جدا إنكارها (الطعن فيها) وأن "تيتيوس ليفيوس"‬
‫يشثان لوجودها مع استمرار تجادل الدراسات الحديثة حولها‪ 66.‬إن أحد النتائج‬ ‫و"رسفيوس هثاتوس" ر‬
‫الت وصلتنا من الـممكن أن تكون "اختالق" خالص‬ ‫ه أن الـمعاهدة ي‬ ‫الهامة لتأري ــخ الـميناء العسكري ي‬
‫تفسث آخر ال يقاوم التحليل‪ ،‬لذلك دعونا نقدم االحتماالت التالية‪:‬‬
‫ر‬ ‫وبسيط من قبل "بوليبيوس" ألن أي‬
‫‪/1-‬أن الرومان لـم يكتشفوا الـميناء العسكري إال عندما تم االستيالء عىل "قرطاجة" وهو أمر مستحيل‬
‫مرن تماما‪ ،‬خصوصا عندما يكون الـمرء عىل ارتفاع‪،‬‬
‫ه مدينة مفتوحة وميناءها ي‬ ‫ألن الـحارصة البونيقية ي‬
‫القرطاجيي كانوا‬
‫ر‬ ‫ـمخثين‬
‫وهذا دون أن نغفل وجود الجوسسة الرصورية لروما عىل "قرطاجة" وأن ال ر‬
‫يطلعون السلطات الرومانية بكل ما يحدث ويتهدد أمنها‪.‬‬
‫تخس من‬‫‪/2-‬إن علم الرومان بوجوده دون أن يعقبه إدانة أمر مستحيل أيضا‪ ،‬ألننا كما نعرف كانت روما ر‬
‫انبعاث (عودة) القوة التجارية والعسكرية لقرطاجة وكانت ستبحث عن كل الوسائل والذرائع للقضاء عىل‬
‫منافستها‪.‬‬
‫القرطاجيي بأن هذا الـميناء ليس بميناء عسكري أمر مستحيل بدوره؛ تصميمه‪ ،‬أجهزته‬
‫ر‬ ‫‪/3-‬إن إجابة (رد)‬
‫ومعداته كلها تؤكد عن طبيعته‪.‬‬
‫األخث ال ُيمكن بناء هذا الـميناء عىل عجل بعد إعالن "روما" لحربــها ضد "قرطاجة" (الحرب‬‫ر‬ ‫‪ /4-‬يف‬
‫الثالثة)‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬فإن كتابات "بوليبيوس" ُيمكن اعتبارها متناقضة بشكل صارخ مع ما يقدمه علم اآلثار‪ .‬من ثمة‬
‫وتفكث يف أن "بوليبيوس" أعاد كتابة تاري ــخ نهاية الحرب البونيقية الثانية بنوع من‬
‫ر‬ ‫نجد أنفسنا أمام اعتقاد‬
‫الـمصداقية يف أطوار عديدة منها سوى يف كيفية وطريقة نهايتها نرى أنه مارس التضليل خدمة لسيده‬
‫ولروما‪.‬‬
‫رابعا‪-2-‬اختالق "زاما"؛ رصورة بالنسبة لروما‪:‬‬
‫والعقالن لما نقله لنا "بوليبيوس" "وتيتيوس ليفيوس" حول وصف‬
‫ي‬ ‫ـمنطق‬
‫ي‬ ‫دون العودة إىل الفساد ال‬
‫مجريات الـمعركة والذي تمت مناقشته بإسهاب يف األعىل ‪ ،‬فإنه من الهام اإلشارة إىل الـمقال الحصيف‬

‫‪65‬‬
‫‪Polybe : Histoires, III, 26, 2-4.‬‬
‫‪66‬‬
‫‪Tite Live : Histoire romaine, IX, 43, 26, M. Servius Honoratus : fragmente der griechischen Historiker, 174, 1,‬‬
‫‪John Serrati : Neptun's Altars:The Treaties between Rome and Carthage, The classical Quarterly, v° 56, 2006, P-P‬‬
‫‪113-134.‬‬
‫اعتثا أنه بعد "‪ 15‬سنة من‬
‫األمريك "موسيغ" والتونسية "إيمان بلحسن" اللذين ر‬ ‫ي‬ ‫الـمشثك ربي الباحث‬
‫قائلي‪" :‬أوصاف كل من "كاناي"‬
‫الكاتبي ر‬
‫ر‬ ‫اإلذالل ال ُـمستمر أصبحت "زاما" رصورة بالنسبة لروما" ويواصل‬
‫ُ‬
‫(مثث للفضول)"‪.‬‬‫ر‬ ‫و"زاما" يف األسطوغرافيا الرومانية تقدمان مبادلة وتبادل )‪ (réciprocité‬غريب‬
‫ماسة لبطل تلتف حوله الستعادة الثقة الـمفقودة‪ ،‬كما أنها كانت بحاجة‬ ‫ويضيفان أن روما كانت بحاجة ي‬
‫كبث مشابه لذلك الذي حققه "حنبعل" يف "كاناي" لـمح و العار والخزي الذي لحق‬ ‫ماسة النتصار ر‬
‫بجيوشها‪ .‬مع ذلك فإنه مع معركة "إليبا" سنة ‪ 206‬ق‪.‬م تمكن "سكيبيو" من السيطرة عىل كل إسبانيا‬
‫وبالتاىل‬
‫ي‬ ‫قبل أن يدخل إىل "روما" كبطل‪ .‬كل األنظار اتجهت إليه وتم انتخابه كقنصل سنة ‪ 205‬ق‪.‬م‬
‫لإلرساف عىل الجيوش الرومانية ضد "حنبعل" إلنهاء هذه الحرب‪ .‬عىل أنه كما نعلم‬ ‫استدع منطقيا ر‬
‫ي‬
‫رفض "سكيبيو" ذلك! وفضل الذهاب للـمحاربة يف إفريقيا!‪ ،‬األمر الذي فتح نقاشا طويال وساخنا داخل‬
‫حي جيش "قرطاجة" ال يزال بإيطاليا؟‪ .‬انتىه األمر بحصول‬ ‫مجلس الشيوخ؛ لـمـاذا الذهاب إلفريقيا يف ر‬
‫"سكيبيو" عىل "توقيع عىل بياض ‪ ، "blanc-seing‬لكن عىل الـمقابل تم منعه من الـمساس بالقوات‬
‫الـمدافعة عن إيطاليا من "ماغون ‪ "Magon‬شماال و"حنبعل" جنوبا وأنه عىل "سكيبيو" تدبر أمره‬
‫لوحده بخصوص جمع قواته الغازية‪.‬‬

‫اعتث الرجل‬
‫الرومان والذي ر‬
‫ي‬ ‫هذا األمر يجعلنا أمام وضعية متهافتة إىل حد ما؛ "سكيبيو" بطل الشعب‬
‫األخث (الذي يصل عددها لقرابة ‪40‬‬‫ر‬ ‫الوحيد القادر عىل التضارب مع "حنبعل" يرفض الهجوم عىل قوات‬
‫ألف جندي) بإيطاليا‪ ،‬وهو عىل رأس قوات نظامية ال يقل عددها عن مئات اآلالف (تذهب التقديرات لـ‬
‫ر‬
‫األكث‬ ‫‪ 350‬ألف جندي منهم ‪ 20‬ألف فارس) ويقرر جمع جيش ُمركب والذهاب إىل إفريقيا‪ ،‬فاألمر‬
‫الت تمثل نقطة قوتها االقتصادية والعسكرية‬ ‫منطقية وقبوال هو أنه بعد أن أخذ من قرطاجة "إسبانيا" ي‬
‫ومصدر مقدرتها عىل مواصلة الحرب كان األحرى أن يتم االستعداد لالنتصار عىل "حنبعل" الـمعزول يف‬
‫معتث ودون أي دعم من السلطة القرطاجية‪ .‬لذلك نتساءل‪ :‬كيف‬ ‫ر‬ ‫إيطاليا‪ ،‬خصوصا أنه كان بال جيش‬
‫أكث جيش يف العالـم القديم ليقهر به "حنبعل" يف إيطاليا واختار‬ ‫رفض "سكيبيو" أن يكون عىل رأس ر‬
‫الكاف وهو ما جعله‬
‫ي‬ ‫والتحضث‬
‫ر‬ ‫مجابهته عنده يف إفريقيا بجيش من الدرجة الثانية يفتقر إىل الكفاءة العالية‬
‫ـاىل "كاتو"؟‪ 67.‬يف الواقع لقد كان "سكيبيو" عىل إطالع ومعرفة جيدة‬ ‫محط نقد الذع من الـمراقب الـم ي‬
‫ُ‬
‫بالقوة التكتيكية االستثنائية لحنبعل الـمتعذر هزمه طيلة ‪ 16‬سنة‪ ،‬لذلك لـم تكن له أي رغبة يف خوض‬
‫وف "كاناي" قاتل‬ ‫ُ‬
‫فق معركة "تيسينيوس" كان عليه أن ينجد والده من الـموت الـمحقق ي‬ ‫القتال ضده‪ ،‬ي‬
‫ضمن جيش يفوق عدد جيش "حنبعل (‪ 86‬ألف مقابل ‪ 50‬ألف جندي) ولـم يكن أمامه للنجاة سوى‬
‫الفرار مخلفا وراءه أكث هزيمة عسكرية ف التاريـ ــخ‪68.‬‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫رابعا‪-3-‬الـمؤامرة ضد "حنبعل"‪:‬‬
‫عامي عىل مشاري ــع أخرى‬
‫"سكيبيو" الذي ال ينوي محاربة "حنبعل" يف إيطاليا عمل عىل األقل منذ ر‬
‫تهدف يف النهاية إىل نقل الحرب إىل إفريقيا‪ .‬يف سنة ‪ 206‬ق‪.‬م انطلق "سكيبيو" من إسبانيا صوب إفريقيا‬
‫السياس وكان هذا طبعا قبل أن يثوج‬
‫ي‬ ‫بغية لقاء "سيفاقس" ما أفص إىل ما يعرف بلقاء "سيقا"‬
‫قرطاجيي كان‬
‫ر‬ ‫مسؤولي‬
‫ر‬ ‫القرطاج‪ .‬استقبل يف إطار هذه اللقاء كذلك‬
‫ر ي‬ ‫بصوفونثيا وانضمامه إىل الحضن‬
‫ر‬

‫ماىل )‪ (questeur‬إىل "صقلية" أين كان "سكيبيو" يحرص النطالقه‬ ‫ر‬


‫كما أرسنا من قبل فإن "كاتو" تم إرساله كمراقب ي‬
‫‪67‬‬

‫يمص أيامه يف الـمشح وقاعات التمرينات وكيف كان يدفع لجنوده بسخاء وينفق المال‬ ‫ي‬ ‫صوب "إفريقيا حيث رآه كيف‬
‫والت ربما كتب عنها بإسهاب يف الكتاب الذي ألفه وفقدناه‪.‬‬
‫ي‬ ‫ات‪،‬‬
‫ز‬ ‫التجاو‬ ‫هذه‬ ‫ليدين‬ ‫تدبث‪ ،‬فعاد إىل "روما"‬
‫دون ر‬
‫‪68‬‬
‫‪I. Belhassen and Y. Mosig : op.cit, P-P 01-55, A. Belkhoudja : op.cit,P-P 190-193.‬‬
‫من ضمنهم "صدربعل جيسكو" الذي كان مارا من إسبانيا نحو "قرطاجة" وهو ما أدى حسب "تيتيوس‬
‫ليفيوس" إىل لقاء ربي "جيسكو" و"سكيبيو" عند "سيفاقس" أين تقاسما "جلسة وجبة طعام" ‪(Tite‬‬
‫ـمتحاربي يف أحد الرصاعات‬
‫ر‬ ‫)‪ُ .Live : XXVIII, 17-18‬يمكن وصف هذا اللقاء بالـغريب (العجيب) ربي ال‬
‫"إرفي روميل" بصحبة "جورج‬ ‫ر‬ ‫الكثى يف الفثة القديمة ! وهو شبيه حسب "بلخوجة" بتخيل لقاء‬ ‫ر‬
‫باتون" يف عز الحرب العالمية الثانية!‪.‬‬
‫القرطاجيي ونسج عالقات قوية معهم واستخبار‬ ‫ر‬ ‫مكن هذا اللقاء "سكيبيو" من التعرف عىل القادة‬
‫لعبهم ورهانهم السياس واألهم التعرف عىل التوتر الشديد القائم بي حكومة "قرطاجة" و"حنبعل"‪69،‬‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫سء لـمنع "حنبعل"‬ ‫ر‬
‫القرطاجيي عىل استعداد لفعل أي ي‬
‫ر‬ ‫ـمحافظي (األوليغارشية)‬
‫ر‬ ‫فأيقن "سكيبيو" أن ال‬
‫تأثثات سياسية‬ ‫نهان عىل "روما" وما سيفرزه من ر‬ ‫من العودة من إيطاليا وهذا تحت هالة تحقيقه النتصار ي‬
‫الت أطلقها "حنبعل" عندما تلق األمر بمغادرة "إيطاليا" بالغة‬ ‫الصدد نجد أن الجملة ي‬ ‫بقرطاجة‪ .‬يف هذا‬
‫ُ‬
‫مان الذي غالبا ما تم هزمه ررس هزيمة والذ بالفرار‬ ‫العثة‪" :‬هكذا إذن هزم [حنبعل]‪ ،‬ليس من الشعب الرو ي‬ ‫ر‬
‫عودن سيمنح‬ ‫ي‬ ‫القرطاج‪ ،‬أداة االتهام الكاذب (تشويه السمعة) والحسد‪ .‬عار‬ ‫ر ي‬ ‫بل من قبل مجلس الشيوخ‬
‫يخس إن‬ ‫القليل من الفرح والفخر لسكيبيو بالـمقارنة مع "حنون ‪ "Hanon‬الذي من أجل تقويض أرستنا ال ر‬
‫ـمثة‬
‫الرومان عىل الفور ال ر‬
‫ي‬ ‫لـم توجد ثارات أخرى التضحية بقرطاجة" )‪ ."(Tite Live : XXX, 20‬انتهز‬
‫الت نقلها له من "صدربعل‬ ‫الت يمكن أنه استمدها من الـمعلومات ي‬ ‫(األفضلية) الشخصية الهائلة ي‬
‫األكث" ألذ أعداء عائلة "آل برقة"‬
‫القرطاج الذي يثأسه "حنون ر‬ ‫ر ي‬ ‫جيسكو"‪" ،‬سيفاقس"‪ ،‬وفيما بعد الوفد‬
‫عصبتي؛ عصبة حنبعل يف إيطاليا وتضم‬ ‫ر‬ ‫وبالتاىل أصبح القرطاجيون عشية نهاية الحرب‬ ‫ي‬ ‫وحنبعل‪،‬‬
‫الت يقودها "حنون‬ ‫ر‬
‫والموالي أكث لألوليغارشية ي‬
‫ر‬ ‫المنارصين آلل برقة وعصبة "صدربعل جيسكو" وحلفاءه‬
‫الكبث" وهو ما عمل "سكيبيو" عىل االستفادة منه‪70.‬‬
‫ر‬
‫سياس" بت "سكيبيو" خطته الـ ُمشكلة عىل هزم بعض الجيوش القرطاجية من‬ ‫ي‬ ‫بصفته "إسثاتيجوس‬
‫الت ينتظرونها‬ ‫الطراز الثالث وهكذا يمنح للسيناتوريون القرطاجيون الصيغة والغطاء للتوقيع عىل الهدنة ي‬
‫الثان‪ :‬حملته اإلفريقية ي‬‫الصث‪ .‬وهذا ما يفش لماذا كان "سكيبيو" راضيا عىل جيش من الطراز ي‬
‫ه‬ ‫‪71‬‬ ‫بفارغ‬
‫ر‬
‫وغث متعبة) ألنه يتشارك مع األوليغارشية يف نفس الهدف‪ ،‬بل قد قد‬ ‫بمثابة "نزهة صحية" (مهمة سهلة ر‬
‫نذهب لحد االعتقاد لكون األمر متفق عليه بينهما ولعل لقاءه بجيسكو يدفع لالشتباه يف هذا‪ .‬هذه‬
‫الت هبط بها يف إفريقيا‪ ،‬بينما منذ بداية الحرب منعت األرساب البحرية‬ ‫الفرضية تعززها السهولة ي‬
‫ر ي‬
‫القرطاج تبنوا‬ ‫القرطاجية أي إنزال‪ 72.‬من هذا الـمنطلق نفسه الذي أصدر الفعل فإن أعضاء مجلس‬
‫قناعة عدم توجيه دعوة لحنبعل بمجرد نزول جيش "سكيبيو"‪ :‬نعلم أن "حنبعل" كان متحصنا يف‬
‫وبالتاىل لـمـاذا هذا التشع من قبل‬‫ي‬ ‫اإليطاىل وأنه ليس لديه ما يفعله منذ مدة طويلة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الجنوب‬
‫الكثى)؟‪ ،‬لـمـاذا لـم‬
‫(ف سيقا ثم يف أوتيكا وبعد السهول ر‬ ‫األوليغارشيون يف التفاوض والتوقيع عىل السالم ي‬
‫يتم استدعاء "حنبعل" قبل التوقيع عىل الهدنة أي بمجرد نزول "حنبعل"؟‪ .‬بكل بساطة ألنه لو تم‬

‫القرطاج الـمرسل سنة ‪ 203‬ق‪.‬م للتفاوض عىل معاهدة السالم تكلم بهذه األوصاف عن حنبعل‪" :‬إنه هو الذي‬ ‫ر ي‬ ‫‪ 69‬الوفد‬
‫"اإليثو ‪ "Ebre‬والذي تحت سلطته الخاصة أعلنت الحرب عىل‬ ‫ر‬ ‫عث جبال األلب‪ ،‬وحت نهر‬ ‫بال أوامر من مجلس الشيوخ ر‬
‫الساغانتونيي )‪.Tite Live : XXX, 22 :(Sagontins‬‬
‫ر‬ ‫الرومان‪ ،‬ومن قبل عىل‬
‫‪ 70‬من ال ُـم رثث لالهتمام التنويه إىل أنه يف سنة ‪ 190‬ق‪.‬م عند الحرب ضد "أنطوخيوس ‪ "Antiochos‬تم اتهام "سكيبيو"‬
‫السلوف للتفاوض عىل السالم الذي كان مناسبا له‪.‬‬
‫ي‬ ‫أنه ُدفع له (رشوة) من قبل الـملك‬
‫الت يتعرض فيها "آل برقة"‬
‫العثة حيث لم تكن المرة األوىل ي‬ ‫التاريخ مع نهاية الحرب البونيقية األوىل بالغ ر‬
‫ي‬ ‫‪ 71‬التوازي‬
‫المحافظي يف التوقيع عىل معاهدة السالم‪.‬‬
‫ر‬ ‫لتشع‬
‫‪ 72‬ال نجد سوى بعض الغارات الخفية ألعداد متواضعة من السفن تمكنت من خداع يقظة البحرية القرطاجية‪.‬‬
‫ُ‬
‫الت ستمكنه من سحق جيش "سكيبيو"‬ ‫استدعاء "حنبعل" س رثفض التفاوض والهدنة ويختار الحرب ي‬
‫كبث أثناء‬
‫األوليغارشيي الـذين تورطوا يف فساد ر‬
‫ر‬ ‫وهو ما يعريــهم أمام الشعب ويشن ثأرا سياسيا حادا اتجاه‬
‫الحرب وخذالن للقضية القرطاجية‪.‬‬
‫من خـالل هذه الـمناورة يحقق األوليغارشيون القرطاجيون هدفهم‪ :‬معاهدة سالم تجعلهم أعىل مكانة‬
‫اهية (قهرية)‪ ،‬لكن باألخص ألنه تسمح لهم‬ ‫(مثلة) من "حنبعل" خصوصا وكونها بعيدة عن كونها إكر ي‬
‫بإنقاذ رؤوسهم‪ .‬يف الواقع‪ ،‬بهذه الـمعاهدة كانوا يعتقدون أن "حنبعل" لن يكون لديه ررسعية أخذ السلطة‬
‫واالنتقام من مؤامراتهم الـمستمرة ضده وضد الدولة القرطاجية‪ .‬مع ذلك وكما سثى‪ ،‬فإن "حنبعل" ظل‬
‫بشعية كافية مكنته من الوصول إىل السلطة ومحاولة إصالح الدولة القرطاجية األمر الذي جابهه‬ ‫يتمتع ر‬
‫ر‬
‫الت ذكرناها هل كان سيملكها‬‫األوليغارشيون بالـمقاومة‪ ،‬التشويه والوشاية لروما‪ .‬هذه الشعية الـمذكورة ي‬
‫ـمهزومي‬
‫ر‬ ‫القرطاجيي ال‬
‫ر‬ ‫مصث القادة‬
‫ر‬ ‫"حنبعل" لو خش فيما ُيسم معركة "زاما"؟‪ ،‬خصوصا ونحن نعرف‬
‫الكثى)‪.‬‬
‫حيث كان يتم صلبهم (صدربعل جيسكو انتىه به األمر إىل االنتحار بعد خسارته موقعة السهول ر‬
‫اعتثنا أنه من الـممكن أن تقليد تطور ضمن معت أقل قشية‪ ،‬فإنه من االستحالة أن يتطور‬ ‫حت ولو ر‬
‫سياس يف "قرطاج!‪ .‬كل ما تم ذكره يقودنا إىل‬
‫ي‬ ‫لدرجة تكريم الخارس بمنصب الشفط وهو أعىل منصب‬
‫نهان‪ :‬ال يوجد حسب رأينا هزيمة لحنبعل يف "زاما"‪ ،‬إذن فما الذي حدث يف شهر أكتوبر من‬ ‫ي‬ ‫استنتاج‬
‫سنة ‪ 202‬ق‪.‬م؟‪73.‬‬

‫خامسا‪-‬محاولة إعادة تشكيل الوقائع أو الرواية البديلة‪:‬‬


‫اض العدو (إيطاليا) قوات متفوقة عليه عدديا يف عقر دارها بشكل دائم يف‬ ‫َ‬
‫كيف سحق "حنبعل" يف أر ي‬
‫اض وطنه مثلما نقلته لنا الـمصادر؟‪ .‬يف‬ ‫ر‬
‫حي نجده يخس مواجهة جيش أدن يف العدد والجودة داخل أر ي‬ ‫ر‬
‫ُ‬
‫ظل غياب النصوص فإنه ال يمكننا سوى تقديم نسخة من الوقائع الـمفشة والـمنطقية‪ .‬هذه الرصورة‬
‫تقتضيها فقدان الـنصوص القديمة للـمصداقية فيما يتعلق بطريقة نهاية الحرب البونيقية الثانية‪ .‬نتصور‬
‫ه بمثابة خيانة ألنها تمنعه من تحقيق النرص الذي سّع إليه‬ ‫اعتث أن الـهدنة الـموقعة ي‬ ‫أن "حنبعل" قد ر‬
‫ه‬ ‫كثى ضد "سكيبيو"‪-‬عالوة عىل ذلك ي‬ ‫بال هوادة منذ سنوات ونتصور أنه بالنسبة له‪ ،‬فإن معركة ر‬
‫باألرض اإلفريقية‪-‬ستكون أسهل معركة يف مساره العسكري ألنه بإمكانه تحقيق التعبئة السياسية‬
‫والعسكرية لها‪ .‬يف هذا الـموضوع يمكننا وصف األدبيات ال ُـمطورة من قبل األسطوغرافيا الرومانية مجرد‬
‫تخيىل ربي "حنبعل"‬ ‫والت ذهب بها لحد اختالق لقاء وحوار‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫وكثثه فاسد) ي‬ ‫نسيج من الـهراء (كالم فارغ ر‬
‫تشكيك خصوصا وأن كتابه‬‫ي‬ ‫و"سكيبيو"‪ .‬إن الفطرة السليمة والقراءة النقدية تتطلب قراءة التاري ــخ بمنهج‬
‫جىل‪ ،‬لذلك نتساءل‪ :‬كيف ُيمكن أن الرجل الذي أمرت كل الجيوش النظامية لروما‬ ‫منحازون بشكل ي‬
‫ي‬
‫يخس من خوض معركة ضد "سكيبيو" وجيشه‬ ‫بتجنب مواجهته وكأنه "طاعون" ينتىه به األمر إىل أن ر‬
‫ي‬
‫جي السلطة القرطاجية وال‬ ‫التكتيك الـمزعوم لسكيبيو‪ ،‬ال ر‬
‫ي‬ ‫الثان؟‪ ،‬إنه ال ما ُيسم الذكاء‬
‫ي‬ ‫من الطراز‬
‫‪74.‬‬
‫تفسث هذا‬
‫ر‬ ‫تغثات التحالف‪ ،‬وال نقص حالة قواته الخاصة (الجودة)‪ ،‬بإمكانهم‬ ‫ر‬

‫‪73‬‬
‫‪Innocent Kati-Coulibaly : Les prémices de la négociation entre Rome et le Royaume numide pendant la‬‬
‫‪seconde guerre punique, Hypothèses, 2001, P-P 131-140, A. Belkhoudja : op.cit, P-P 193-196.‬‬
‫تغيث الوضع (الـمعىط)‪،‬‬
‫الرومان كان مجدي جزئيا يف ر‬
‫ي‬ ‫نعتث عموما أن انتقال "ماسينيسا" لتقديم خدماته لصالح العدو‬ ‫ر‬ ‫‪74‬‬

‫تأثثه أقل أهمية‪ .‬مع ذلك فإن تحليل أو يىل لـمعارك "حنبعل"‬ ‫عىل أن "ماسينيسا" لم يقاتل إىل جنب "حنبعل" ما يجعل ر‬
‫ه يف "التكاملية الحركية"‪ ،‬يف تنبؤ‬
‫ي‬ ‫العسكرية‬ ‫عبقريته‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫أساس عىل فصيل عسكري ُم ر‬
‫عي‬ ‫ي‬ ‫ُيظهر أنه لم يكن يعتمد بشكل‬
‫(تبرص) التكبيل (التصفيد)‪ ،‬يف الـمفاجأة‪ ،‬يف المخادعة‪ ،‬يف دراسة العدو‪ ،‬يف الحرب النفسية‪ .‬لهذا فإن االعتقاد بأن عبقريته‬
‫الت‬
‫تعتمد عىل تفوق فصيل عسكري عىل اآلخرين معناه الوقوع يف الفخ الذي أرادت أن توقعنا فيه األسطوغرافيا الرومانية ي‬
‫التخيىل مع "سكيبيو" يف صورة الشيخ (عمره ‪45‬‬ ‫ي‬ ‫ُيقدم لنا "تيتيوس ليفيوس" حنبعل يف ذلك الحوار‬
‫عشة سنوات ونحن نعلم أنه لغاية‬ ‫يكث "سكيبيو" إال ب ر‬ ‫سنة) الذي يطلب السالم وهو يف حقيقة األمر ال ر‬
‫وبالتاىل كيف يفزع هذا الرجل وهو يف ذروة‬‫ي‬ ‫نهاية حياته أثبت (حافظ) عىل عبقريته ونشاط قل شيوعه‪،‬‬
‫الرومان؟‪ .‬كان "حنبعل" جد ُمطلع بأن "سكيبيو" الذي عجز عن منع أخويه‬ ‫ي‬ ‫قوته من مالقاة ذلك‬
‫الت ظفر بها عىل الثاب‬ ‫"صدربعل" و"ماغون" من االنضمام إليه يف إيطاليا وعىل علم بأن الـمعارك ي‬
‫ه مشكلة من الفارين ما‬ ‫ُ‬
‫ه قليلة األهمية‪ ،‬وعىل دراية أيضا بأن قواته الـمجندة من صقلية ي‬ ‫اإلفريق ي‬
‫ي‬
‫الت تمتلكها الجيوش النظامية لروما‪ .‬أما بالنسبة لحلفاءه‬ ‫ي‬ ‫الجدارة‬ ‫ذات‬ ‫لها‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫بعيدة‬ ‫يجعلها‬
‫عيني‬ ‫ُ‬
‫العسكريي الـم ر‬
‫ر‬ ‫متحمسي لفكرة القتال ضد "سيفاقس" والقادة‬ ‫ر‬ ‫النوميديي الجدد‪ ،‬فإنهم إذا كانوا‬
‫ر‬
‫ُ‬
‫من "قرطاجة" فإنهم كانوا أقل تحمسا فيما يتعلق بالقتال ضد "حنبعل" الذي يكنون له الكث رث من‬
‫يمثون‬‫النوميديي الجدد كانوا ر‬
‫ر‬ ‫االحثام‪ ،‬فالعديد من إخوتهم وأباءهم قاتلوا وال يزالوا يقاتلون معه‪ ،‬أي أن‬
‫ربي "حنبعل" و"األوليغارشية القرطاجية"‪ .‬من جهته كان "سكيبيو" يعرف حدوده الخاصة‪ :‬إرصام النار‬
‫يف األكواخ الخشبية لـمعسكرات العدو (خديعة أوتيكا تظهر عجزه العسكري) أو الـمقاتلة ضد جيوش‬
‫ه عمليات يف متناول يده‪ ،‬لكن خوض معركة ضد "حنبعل" مسألة أخرى وأمر يحتاج‬ ‫حديثة التجنيد ي‬
‫السياس وحياته يف حد ذاتها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫تفكثا جديا ألنه قد يقص عىل مستقبله‬ ‫ر‬
‫الرومان‬ ‫أكث منه عسكري‪،‬‬ ‫بهذا فإنه علينا أال ُنخدع؛ جيش "سكيبيو" الذي نزل ف إفريقيا هو سياس ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫القرطاج‪ ،‬فالطائفة األوىل لهم نفس مصلحة‬ ‫‪75‬‬
‫ر ي‬ ‫ابحتي‪ :‬األوليغارشيون والدستور‬
‫ورقتي ر ر‬ ‫ر‬ ‫كانت له‬
‫القانون الذي ال يمكن‬
‫ي‬ ‫الثان فهو الوازع (العقبة)‬ ‫ي‬ ‫وه هزم حنبعل وإبعاده من المشهد‪ ،‬أما‬ ‫"سكيبيو" ي‬
‫لحنبعل تجاوزه وانتهاكه‪ .‬بهذا الخصوص كان الرومان عىل معرفة أنه منذ تأسيس "قرطاجة" كان احثام‬
‫القواني ُمقدسا وأن "حنبعل" ليس بإمكانه الذهاب نحو مخالفة قرارات مجلس الشيوخ مهما كانت‬ ‫ر‬
‫ررسعيته وقوته‪76.‬‬

‫خامسا‪-1-‬استئناف األعمال العدوانية‪:‬‬


‫إن الوضع ال ُـمشوش (ال ُـمعقد) الستئناف األعمال العدوانية (الحربية) كما روتها لنا األسطوغرافيا‬
‫(العقالن)‪ 77.‬نعرف أن هنالك أصوات ارتفعت يف روما‬
‫ي‬ ‫ه مخالفة (متعارضة) مع الفكر السليم‬ ‫الرومانية ي‬
‫ضد هذا السالم الذي يثك "لقرطاجة" حرية حيازة وسائلها‪ .‬يف هذا الخصوص يقول "فابيوس‬
‫ماكسيموس" هذه الـكالم الذي هو بمثابة وصية سياسية‪" :‬سيكون "حنبعل" عدوا مرعبا ر‬
‫أكث يف وطنه مما‬
‫اض األجنبية" )‪ .(Tite Live : XXX, 28‬يف روما‪ ،‬عندما تم إسناد الـمناصب لسنة ‪202‬‬ ‫كان عليه يف األر ي‬
‫سي)‬ ‫ق‪.‬م كان االهتياج يف أوجه‪ :‬القناصلة‪ ،‬السيناتوريون والقادة العسكريون كلهم يف حالة تأهب (محث ر‬

‫الت تكبدتها "روما"‪ ،‬والـمقصود هنا الفرسان‬ ‫لتثير الهزائم ي‬


‫مارست الكذب الدائم بخصوص تفوق سالح فرسان حنبعل ر‬
‫النوميد عىل وجه الخصوص الذين أصبحوا محط إشادة من األسطوغرافيا الرومانية بعد تحول جزء منهم بخدماته إىل‬
‫الرومان‪.‬‬
‫ي‬ ‫الطرف‬
‫‪ 75‬علينا أن نضع يف الحسبان أن احثام الـمؤسسات السياسية يف "قرطاجة" لـم يكن بالثقل والقوة الـمطلوبة عكس مجلس‬
‫القرطاجيي عندما تم توبيخ أحدهم من قبل "حنبعل"‪ .‬هذه النادرة‬ ‫ر‬ ‫الرومان‪ .‬يف هذا الصدد نتذكر رد فعل النواب‬
‫ي‬ ‫الشيوخ‬
‫تقدم لنا باألحرى )‪ (à fortiori‬نظرة عن احثام الـمؤسسات السياسية واالستحالة السياسية لحنبعل للذهاب نحو مخالفة‬
‫القرطاج بنقض المعاهدة ومواصلة الحرب‪.‬‬
‫ر ي‬ ‫قرار مجلس الشيوخ‬
‫الشعت‪ ،‬والذي يجعل "قرطاجة" تظل‬ ‫ُ‬
‫(مكي) مع الـمكون‬
‫ر‬ ‫‪...‬‬ ‫‪:‬‬
‫‪ 76‬كتب "أرسطو" حول هذا قائال " إنها عالمة دستور راسخ‬
‫ري‬
‫سء يستحق المالحظة‪ ،‬ال الفتنة وال طاغية"‪.‬‬ ‫ر‬
‫(الدستوري)‪ ،‬وأنه لم يكن هنالك ي‬
‫ُ‬
‫ـمؤسسان‬
‫ي‬ ‫مرتبطة بتنظيمه ال‬
‫ـمبعوثي‪ ،‬اللقاء ربي "حنبعل" و"سكيبيو"‪ ،‬مجريات‬ ‫ر‬ ‫الت جرت إىل "قرطاجة"‪ ،‬الهجوم عىل ال‬ ‫رسو السفن الرومانية ي‬
‫‪77‬‬

‫مصث "حنبعل"‪ ،‬انبعاث قرطاجة وتفاهة خسائر الحرب (عند الرومان)‪ ،‬كلها ال ترض الفكر السليم‪.‬‬ ‫الـمعركة‪ ،‬ر‬
‫الت‬ ‫اإلفريق‪ ،‬لـمـاذا؟‪ .‬ببساطة ألنهم فهموا‪-‬بعد "سكيبيو"‪-‬الفرصة الـمؤاتية (ال ر‬
‫ـمثة) ي‬ ‫ي‬ ‫للظفر بهذا الـمنصب‬
‫ُيمكنهم الحصول عليها نتيجة العالقات العصيبة (السيئة للغاية) ربي حكومة قرطاج وحنبعل‪ .‬وهم‬
‫سء بغية إيقاف وتحطيم‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫أوليغارشت قرطاجة مستعدون لفعل أي ي‬
‫ري‬ ‫يعلمون من اآلن فصاعد بأن‬
‫غث‬‫"حنبعل"‪ .‬ومن اآلن فصاعدا‪ ،‬يف روما‪ ،‬كان كل واحد يريد االستفادة من هذه النعمة (=الحظ ر‬
‫تثث من ناحية أخرى ردود أفعال هزلية‪ ،‬مثل ذلك الذي قاله قنصل‬ ‫والت ر‬
‫الـمتوقع) السياسية الحقيقية ي‬
‫‪ 203‬ق‪.‬م "رسويليوس كايبيتو" )‪ (Cn. Servilius Caepio‬بعد مغادرة "حنبعل" إليطاليا‪.." :‬اقتنع بأن‬
‫الـمجد الحاصل يف تهدئة إيطاليا يعود إليه وانطلق يف ُمالحقة "حنبعل"‪ ،‬كما لو كان هو الذي قام بطرده‪،‬‬
‫فمر إىل "صقلية" بغية االنتقال بعدها إىل إفريقيا"‪ 78.‬إذن هذا القنصل قرر نقل قواته إىل صقلية بغية‬
‫الهبوط يف إفريقيا‪ ،‬متجاوزا مجلس الشيوخ الذي دخل يف مفاوضات مع "قرطاجة" ودخل يف منافسة‬
‫لسكيبيو الـموجود بإفريقيا وهو ما استدع إرسال الديكتاتور "ب‪ .‬سولبيقيوس ماكسيموس" ‪(P.‬‬
‫)‪ Sulpicius Galba Maximus‬إلعادته إليطاليا‪.‬‬
‫الت نقلها لنا "تيتوس ليفيوس" تظهر لنا "مقدار التهيج" الذي ساد الرومان (خصوصا‬ ‫هذه النادرة ي‬
‫سء يمكن القيام به بال ُـمخادعة‪ :‬عىل أن منع القنصل‬‫ُ‬ ‫ر‬
‫والسيناتوريي) عندما فهموا أن كل ي‬
‫ر‬ ‫القناصلة‬
‫تعيي "ديكتاتور" أمر‬
‫عث قيام مجلس الشيوخ بفصله من خالل ر‬ ‫"كايبيتو" من الذهاب إىل نهاية مغامرته ر‬
‫تعيي "ديكتاتور"؟‪،‬‬ ‫ُ‬
‫السياس عىل الرغم من أن الـموقف ال ريثر مطلقا ر‬ ‫مستغرب!‪ ،‬فلماذا هذا التطرف‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫ببساطة ألنه من إفريقيا رصخ سكيبيو بصوت عال وقوي أن خططه مهددة بأن تنقلب (أن يشوش عليها)‬
‫تماما؛ فهو بصدد فرض السالم عىل "قرطاجة" ومغادرة "حنبعل" إليطاليا وهو أيضا بموجب معاهدة‬
‫السالم مطالب مغادرة إفريقيا‪ .‬فإذا نزل القنصل ال ُـمزعج (الـمضايق) "كايبيتو" بإفريقيا‪ ،‬فإن وقف إطالق‬
‫الكبثة لروما والـمحافظ ري‬
‫ر‬ ‫النار سيتم إلغاءه فورا وهو ما سيمنح سعادة لقلب "حنبعل" يف مقابل التعاسة‬
‫وبالتاىل كان من الرصوري لروما اللجوء للديكتاتورية إليقاف خطر "كايبيتو" عىل مخططات‬ ‫ي‬ ‫القرطاجيي‪.‬‬
‫ر‬
‫رفيّع الـمستوى من يتحدث‬‫ي‬ ‫ـمسؤولي الرومان‬
‫ر‬ ‫"سكيبيو"‪ .‬عىل الرغم من ذلك كان هنالك العديد من ال‬
‫عن "سالم ناقص (مبتور)"‪.‬‬
‫أكث انتصار لسكيبيو يف تاري ــخ روما فهو يف الواقع مجرد هزم لجيوش من الطراز‬
‫مهما كانت هالة ر‬
‫ُ‬
‫حي أن "حنبعل" ظل منيعا‪ ،‬وجيشه سليما (لم يمس)‪ ،‬وإقليم مدينة "قرطاجة" لم‬ ‫(الدرجة) الثالث‪ ،‬يف ر‬
‫تمسسه الحرب وهو ما يجعل انتصار "سكيبيو" خدعة تنقلب عليه‪ .‬نتوقع أن الرومان طالبوا (اشثطوا)‬
‫أكث أهمية ضد "حنبعل" وأنهم كانوا يرصخون بصوت عال وقوي يف مجلس الشيوخ وهذا‬ ‫بضمانات ر‬
‫الت حققها كانت هشة‪ ،‬مثلما أظهرته قضية القنصل‬ ‫ليعرف "سكيبيو" ويفهم أن االنتصارات (العسكرية) ي‬
‫"كايبيتو"‪ .‬لذلك‪ ،‬كان عىل "سكيبيو" أن يترصف عىل جناح الشعة‪ ،‬ألنه منذ اللحظة ي‬
‫الت نزل فيها‬
‫اإلفريق هو مخالف تماما للمعاهدة وهو ما يمنح‬
‫ي‬ ‫الرومان عىل الثاب‬
‫ي‬ ‫"حنبعل" بإفريقيا حضور القوات‬
‫‪79.‬‬
‫لحنبعل اإلمكانية القانونية إلطالق جيشه ضد "سكيبيو"‬
‫خامسا‪"-2-‬سكيبيو"‪ :‬حليف حكومة "قرطاجة"‪:‬‬
‫ـمحافظي مستغال حادثة غريبة‪ :‬يف أعقاب‬
‫ر‬ ‫الرومان مدعوا مرة أخرى لالستفادة من مخاوف ال‬
‫ي‬ ‫كان‬
‫ُ‬
‫الغذان للرومان نتيجة تعرضها لعاصفة (أو قد يكون ربما أسطول مخصص إلعادة‬ ‫رسو سفن اإلمداد‬
‫ي‬
‫القرطاجيي ‪،‬‬
‫ر‬ ‫والت تمت استعادة جزء منها من قبل‬
‫ي‬ ‫"سكيبيو" ورجاله إىل وطنهم‪ ،‬كما تنص الـمعاهدة)‬

‫‪78‬‬
‫‪Tite Live : Histoire romaine, XXX, 24.‬‬
‫‪79‬‬
‫‪A. Belkhoudja : op.cit, P-P 196-201.‬‬
‫سيناتورن "قرطاجة" باستئناف العدوان وأنهم نهبوا القافلة‪ُ ،‬مطالبا إياهم‬ ‫يي‬ ‫راح "سكيبيو" يتهم‬
‫غث ودي‪ ،‬ما أدى لعودتهم بال رد واضح وفوق‬ ‫ـمتعجرفي استقبلوا بشكل ر‬
‫ر‬ ‫غث أن مندوبيه ال‬
‫بتعويضات‪ ،‬ر‬
‫المفاوضي بعد مغادرتها‬
‫ر‬ ‫الت تحمل‬‫ذلك‪ ،‬حاولت ثالث سفن قرطاجية صدم السفينة الرومانية ي‬
‫لقرطاجة!‪ .‬هذا الهجوم الذي قد يكون ربما صادرا عىل الجماعة الرافضة للهزيمة والتفاوض عده‬
‫"سكيبيو" بمثابة إعالن للحرب والذي أطلق جيشه للقيام بعمليات تخريب ونهب لألرياف والقرى‪ .‬إن‬
‫الحقيق لسكيبيو كان يتمثل يف كيفية‬
‫ي‬ ‫السياس‬
‫ي‬ ‫هذا األمر يتعلق يف نظرنا بذر الرماد يف العيون‪ ،‬فالرهان‬
‫كبث عىل‬‫الرومان كانتصار ر‬ ‫السذج )‪ (gérontes‬وإظهار هذا للشعب‬ ‫فرض بنود جديدة‪ 80‬عىل الشيوخ ُ‬
‫ي‬
‫"حنبعل" الذي كان حينها قريبا من الثول يف "لـمطة"؟‪ .‬مثلما أخر (بىط) سكيبيو مغادرته لإلقليم‬
‫القرطاج‪-‬كما هو منصوص يف معاهدة السالم‪ ،-‬فإن "حنبعل" أعلم من قبل أنصاره بمغادرة‬ ‫ر ي‬
‫وه‬
‫النوميديي الجدد ي‬
‫ر‬ ‫الغرن لعزله عن حلفاءه‬
‫"حرصموت" عىل رأس جيشه والتوجه نحو الشمال‪ -‬ر ي‬
‫حي كظم "سكيبيو" أنفاسه‪ ،‬وهذا‬ ‫خطوة عندما تم اإلعالن عنها أصاب الذعر الحكومة القرطاجية يف ر‬
‫خشية أن يهاجم عىل األقل "ماسينيسا"‪ .‬فهل يجرؤ "حنبعل" عىل تحدي الدستور واستئناف القتال بعد‬
‫القرطاج من أجل لقاء "حنبعل" وهذه الـمقابلة ُيمكن‬
‫ر ي‬ ‫الهدنة الـموقعة؟‪ .‬غادر وفد من مجلس الشيوخ‬
‫‪81.‬‬
‫أن نتصور أنها كانت حامية الوطيس أين حثه السيناتوريون فيها عىل احثام الـمعاهدة والدستور‬
‫بصفته القائد األعىل للقوات القرطاجية والـمسؤول عن سالمة اإلقليـم‪ 82،‬ومن واجبه ضمان احثام‬
‫ر ي‬
‫القرطاج‪ ،‬لذلك قد‬ ‫الخصم لبنود معاهدة السالم أو بمعت آخر‪ :‬خروج "سكيبيو" وجيشه من اإلقليم‬
‫األخث‪ ،‬أمام‬
‫ر‬ ‫نهان )‪ (ultimatum‬لنقله لسكيبيو‪ 83.‬هذا‬ ‫يكون منح للسيناتوريون القرطاجيون إنذار (بالغ) ي‬
‫موضع القوة الذي كان فيه أمام أعضاء مجلس الشيوخ يكون قد فاوض عىل مغادرته إفريقيا مقابل‬
‫انسحاب "حنبعل" من نوميديا‪-‬أين يوجد حلفاؤه‪-‬وعىل بنود جديدة وردت يف معاهدة ‪ 203‬ق‪.‬م وهدف‬
‫شيئي‪ :‬انسحاب "حنبعل"‬ ‫ر‬ ‫"سكيبيو" من ذلك هو إسكات منتقديه يف روما‪ ،‬للقيام بذلك كان يحتاج إىل‬
‫نحو "حرصموت" وإضافة بنود جديدة إىل الـمعاهدة (ومن الوارد كذلك أنه قبل نزول "حنبعل" يف لـمطة‬
‫كانت قد أضيفت البنود الجديدة)‪ .‬حنبعل‪ ،‬ال ُـمحثم للقانون‪ ،‬عاد إىل "حرصموت" منتظرا تطبيق إنذاره‪،‬‬
‫الت فرضها "سكيبيو"‪ .‬عىل ر‬
‫هاتي‬ ‫حي السيناتورييون القرطاجيون كانوا قد وقعوا عىل البنود الجديدة ي‬‫يف ر‬
‫الواقعتي نجد أن مناور من صنف "سكيبيو" قد رسم انتصاره‪( :‬ربما) "حنبعل" رفض الـمواجهة ي‬
‫لك‬ ‫ر‬

‫الالجئي والعبيد الرومان الفارين‬


‫ر‬ ‫‪ 80‬كانت ررسوط "سكيبو" تتمثل يف البداية يف أن تطلق "قرطاجة" رساح األرسى‪ ،‬تعيد‬
‫عشين‬‫السثالبية واسبانيا‪ ،‬أن يسلم القرطاجيون أسطولهم الحرن باستثناء ر‬ ‫ر‬ ‫إليها‪ ،‬االنسحاب من إيطاليا وبالد الغال‬
‫ري‬
‫والشعث‬
‫ر‬ ‫القمح‬ ‫من‬ ‫بحاجته‬ ‫الرومان‬
‫ي‬ ‫الجيش‬ ‫يزودوا‬ ‫وأن‬ ‫تاالن‬ ‫آالف‬ ‫خمسة‬ ‫قدرها‬ ‫أخثا أن يدفعوا غرامة‬
‫سفينة‪ ،‬وعليهم ر‬
‫الت سّع "سكيبيو" لفرضها ونجح‬ ‫حت نهاية معاهدة الصلح‪ :‬فرانسوا دوكريه‪ :‬قرطاجة‪ ،‬ص‪ .210 :‬لكن البنود الجديدة ي‬
‫عث بندي أن‬ ‫ممثلة خصوصا يف رفع تعويضات الحرب إىل ‪ 10‬آالف تاالن‪ ،‬حماية "ماسينيسا" وتحريضه عىل "قرطاجة" ر‬
‫"قرطاجة" ال يحق لها إعالن الحرب إال بإذن روما وحق "ماسينيسا" يف اسثجاع ممتلكات أجداده‪ ،‬وهو بال شك ما منع‬
‫"حنبعل" فيما بعد من الهجوم عىل نوميديا‪.‬‬

‫‪ 81‬ربما إصالح منصب القائد األعىل يفتح انتهاكات (أرصار) قانونية يف دستور "قرطاجة"؟‪.‬‬
‫‪ 82‬إذا كان منصب "حنبعل" مستقال عن السلطة التنفيذية‪ ،‬فإن سلطته العسكرية ال تمنحه الحق يف إلعالن الحرب‪ .‬حيث‬
‫بتفسث مهمته عىل نطاق‬
‫ر‬ ‫يبق يف هذا الصعيد تابع للسلطة التنفيذية و‪/‬أو مجلس الشيوخ‪ .‬لكن ررسعيته وحظوته تسمحان‬
‫والت يجب عليه أن يجعلها معروفة لدى نواب‬ ‫ي‬ ‫تقتص حقه يف مراقبة احثام الخضم لبنود لمعاهدة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والت‬
‫ي‬ ‫واسع‪،‬‬
‫المجلس‪.‬‬
‫لمان هو الذي منح األسطوغرافيا الرومانية الفرصة‬
‫الث ي‬
‫‪ 83‬عىل األرجح هذا اإلقبال واإلدبار (الذهاب والعودة ‪ )navette‬ر‬
‫الستنتاج وتعميم فكرة حدوث لقاء ربي القائدين‪.‬‬
‫ـمحافظي أمام الشعب (أو وجد نفسه مضطرا الحثام الـمعاهدة)‪ ،‬وطبعا هذه‬
‫ر‬ ‫ُيحرج ويكشف خيانة ال‬
‫الـمعاهدة الجديدة فاقمت من هزيمة "قرطاجة"‪.‬‬
‫يف "أوتيكا"‪ ،‬بمجرد أن علم "سكيبيو" بأن قوات "حنبعل" قد عادت بأدراجها إىل "حرصموت" أعلن‬
‫كثى اعتاد عىل فعلها‬ ‫ُ‬
‫ه خدعة ر‬ ‫لقواته عن انسحاب العدو وهو ما عد وقدم عىل كونه انتصارا و ي‬
‫"سكيبيو"‪ ،‬لذلك يمكن اعتبار ما حدث نسخة ثانية من "بيكوال" )‪ 208 (Baecula‬ق‪.‬م‪ .‬إن الصفات‬
‫الباف‪ ،‬وبعد قرن ونصف حفيده‬ ‫ي‬ ‫الدعائية لسكيبيو ووصوله إىل روما مع الـمعاهدة الجديدة ستفعل‬
‫‪84‬‬
‫النهان لهذه الوقائع (كتابيا)‪ ،‬مع إقصاء (إبعاد)‬ ‫بالتبت "سكيبيو إيمليانوس" يأمر "بوليبيوس" بالتوكيد‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫حي كلف هو شخصيا بمحو "قرطاجة"‪ ،‬شعبها وتاريخها من عىل سطح‬ ‫جميع الـمصادر األخرى‪ ،‬يف ر‬
‫األرض‪.‬‬
‫خامسا‪-3-‬أكذوبة دولة‪:‬‬

‫نتصور أن روما قد صادقت عىل كذبة "سكيبيو"‪ ،‬ألنها بال ريب كانت بحاجة إىل محو اإلذالل الـمروع‬
‫الت وجدت روما فيها‬ ‫الذي ألحقه بها "حنبعل" طيلة سنوات الحرب‪ .‬من الصعوبة قياس مدى البلبلة ي‬
‫الرومان إىل القبول بانتصار قائم عىل الدعاية‬
‫ي‬ ‫الت دفعت بأعضاء مجلس الشيوخ‬ ‫وه البلبلة ي‬
‫نفسها ي‬
‫الرومان‪ .‬لكن التاري ــخ سيثبت أن السيناتوريون صادقوا عىل هذا النرص‬ ‫ر‬
‫والتضليل من أجل إنقاذ الشف‬
‫ي‬
‫‪85‬‬
‫عىل عجل‪ ،‬عىل أنهم لـم يغفروا لسكيبيو خدعته‪ ،‬فانتصاره احتفل به بشكل ضئيل (متواضع) للغاية‪،‬‬
‫‪86.‬‬
‫كبثة تتعلق بمعاهدة سالم!‬
‫ونجد أن حياته السياسية توقفت بسبب قضية فساد ر‬
‫خامسا‪-4-‬معاهدة السالم‪:‬‬
‫ُ‬
‫الت جاءت بعد "زاما" تؤكد بأن السالم ال ُـموقع ربي "روما" و"قرطاجة" لم يأت يف‬
‫العديد من العنارص ي‬
‫أعقاب هزيمة عسكرية‪ .‬فإذا كان "بوليبيوس" اختلق البند الذي يمنع "قرطاجة" من امتالك البحرية‬
‫العسكرية‪ ،‬فإن القراءة النقدية تك شف لنا الـمعاهدة األصلية ليست قشية (قهرية)‪ ،‬بل تثجم بتساوي‬
‫عث التاريـ ــخ ومن قبل الجميع بأنها‬
‫والت سنعرضها وصفت ر‬ ‫ي‬ ‫الوضعية عىل األرض‪ .‬ررسوط السالم هذه‬
‫وأخثا خسائر الحرب‪،‬‬
‫ر‬ ‫ر ي‬
‫القرطاج‬ ‫"قاسية جدا"‪ .‬مع ذلك‪ ،‬إذا علمنا ما استجد لحنبعل‪ ،‬للجيش‪ ،‬لإلقليم‬
‫حواىل نصف قرن استطاعت‬ ‫ي‬ ‫فإن االستنتاج الذي نصل إليه هو مخالف‪ ،‬وهو ما يدل عليه أن بعد‬
‫"قرطاجة" أن تتخلص من الـمعاهدة وأن تدب الحيوية االقتصادية والعسكرية لها ما استدع التحرك‬
‫الشيـ ــع إلنهاء وجودها‪.‬‬
‫مصث "حنبعل"‪ :‬الرجل الذي اتهمه الرومان بأنه "ال ُـم رثث=ال ُـمحرك" لهذا الرصاع والذي راحت الـمصادر‬
‫‪ -‬ر‬
‫تسم هذه الحرب باسمه (الحرب الحنبعلية) وطالبت "روما" بتسليمه بعد حادثة "ساغنتوم‬ ‫ي‬ ‫القديمة‬
‫الرومان‪ ،‬نجده يف نهاية الحرب ال يزال عىل‬
‫ي‬ ‫‪ ،"Saguntum‬وهو مرتكب وصانع أفظع الهزائم يف التاري ــخ‬
‫ُ‬
‫وقص عىل غالبيته!‪ ،‬بل وبعد سنوات قليلة سيصبح رئيس‬ ‫ي‬ ‫رأس الجيش الذي من الـمفثض أنه هزم‬

‫‪ 84‬الكتب من ‪ I‬إىل ‪ XXIX‬من مؤلفه "التواري ــخ"‪ ،‬والـمتعلقة أساسا بتاري ــخ الحرب البونيقية الثانية كتبت ما ربي ‪151-167‬‬
‫تدمث "قرطاجة"‪.‬‬
‫وتغيثات عميقة عقب ر‬ ‫ر‬ ‫ق‪.‬م شهدت بال شك تعديالت‬
‫‪ 85‬يف سنة ‪ 189‬ق‪.‬م شقيقه "ل قورنليوس سكيبيو" )‪ (L. Cornelius Scipion‬تحصل حسب "تيتوس ليفيوس" ‪(Tite‬‬
‫‪.‬‬
‫اإلفريق !‪ ،‬وهذا بعد‬ ‫أكث إبهارا واستعراضية من الذي خص به‬ ‫)‪ Live : XXXVII, 59‬عىل موكب انتصار أحتفل به بشكل ر‬
‫ي‬
‫االنتصار عىل "أنطوخيوس"‪ ،‬كما نالحظ أن هنالك فقدان للثقة فيه‪ ،‬لذلك لـم تمنح له القيادة الفعالة‪.‬‬
‫اإلفريق" حول معاهدة سالم مواتية له‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ 86‬مقابل الدفع (الرشوة) تفاوض "أنطوخيوس" مع "سكيبيو‬
‫ـمصثه؟‪ ،‬ولماذا لـم تطالب "روما" بتسليمه أو‬
‫الدولة القرطاجية!‪ ،‬فلماذا لـم تتضمن المعاهدة إشارة ل ر‬
‫بعزله من الوظائف العسكرية والـمدنية كإجراء احثازي يجنب تجدد الحرب؟‪ .‬بكل بساطة ألنها لم تهزمه‬
‫ه تعرف أن الـمطالبة بذلك معناها الـمواجهة وتواصل الـمقاتلة األمر الذي سّع‬
‫لك تطالب برأسه و ي‬ ‫ي‬
‫الدبلوماس‪.‬‬
‫ي‬ ‫بالحل‬ ‫لتجنبه‬ ‫"سكيبيو"‬
‫تخثنا أن "حنبعل" استخدمه يف العديد‬ ‫بق الجيش ولم يتم حله‪ ،‬بل نجد أن النصوص ر‬ ‫مصث الجيش‪ :‬ي‬ ‫‪ -‬ر‬
‫لبساتي الزيتون عىل الساحل وهذا يف إطار النهوض‬ ‫ر‬ ‫من الـمهمات الـمدنية‪ ،‬عىل غرار زرع الجنود‬
‫عث تطوير الزراعة الشجرية‪ .‬هنا نتساءل لماذا لـم تتضمن الـمعاهدة حرمان "قرطاجة" من‬ ‫بقرطاجة ر‬
‫ر‬
‫ويحم أكث حليفها‬ ‫جيشها وال ُـمطالبة بدولة بال جيش كإجراء يمنع تجدد الحرب‪ ،‬وهو ما يحميها‬
‫ي‬
‫"ماسينيسا"؟‪ .‬بصفته القائد األعىل للجيش وباعتباره لـم ُيهزم فيما ُيسم "زاما" ولم ينخرط يف‬
‫مفاوضات السالم فإننا نتصور أن "سكيبيو" تجنب هذا الـمطلب الذي سيقود "قرطاجة" لـمواصلة‬
‫القتال بقيادة "حنبعل"‪.‬‬
‫ُ‬
‫اض الواقعة خارج إفريقيا" هو بند بال‬ ‫اض القرطاجية خارج إفريقيا‪ :‬بند "تفقد "قرطاجة" كل األر ي‬ ‫‪-‬األر ي‬
‫الرسم من "قرطاجة"‬
‫ي‬ ‫كبثة‪ ،‬عىل الرغم من أن الغرض منه هو تفعيل الـمعاهدة وضمان االعثاف‬ ‫قيمة ر‬
‫حي‬‫بسيادة روما عىل إسبانيا عىل وجه الخصوص وطبعا "قرطاجة" فقدت إسبانيا قبل الـمعاهدة‪ .‬يف ر‬
‫اإليطاىل من قبل "حنبعل" وأخيه‬
‫ي‬ ‫اض بالجنوب‬ ‫ه أر ي‬ ‫الت كان يسيطر عليها القرطاجيون ي‬
‫األخثة ي‬
‫ر‬ ‫اض‬
‫األر ي‬
‫"ماغون"‪ ،‬واللذين غادرا إيطاليا بناء عىل طلب مجلس الشيوخ وبما يتوافق مع معاهدة السالم ‪203‬‬
‫ق‪.‬م‪.‬‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫سء‬ ‫الت قسطت عىل مدار نصف قرن فإنه ال ي‬ ‫‪-‬خسائر الحرب‪ :‬بخصوص خسائر (تعويضات) الحرب ي‬
‫ـمنطق أن "سكيبيو" نجح يف فرض هذا البند عىل‬ ‫ي‬ ‫يسمح لنا بطرح الـمسألة للبحث والتشكيك‪ ،‬ألن ال‬
‫اض اإليطالية‪ .‬فيما يتعلق‬
‫السيناتوريون‪ :‬األمر ممكن رتثيره بالنظر إىل أن معظم األرصار قد لحقت باألر ي‬
‫بأهمية هذه التعويضات نعلم أنه بعد بضعة سنوات عرضت "قرطاجة" عىل "روما" دفع كامل الـمبلغ‬
‫ُمسبقا‪ ،‬ما يكشف عن القيمة النسبية لهذه التعويضات بالنسبة للـمدينة البونيقية‪87.‬‬

‫‪-‬منع "قرطاجة" من القيام بالحرب‪ُ :‬يعد هذا البند هو األخطر بالنسبة لقرطاجة حيث يمنعها من شن‬
‫حرب‪ ،‬حت عىل أراضيها الخاصة‪ ،‬حيث ُيلزمها بأن تأخذ إذن وموافقة روما لذلك وهو طبعا بند جاء‬
‫القرطاج‪ .‬هذا البند جاء عىل الرغم من أن الـمعاهدة ال تمنع‬
‫ر ي‬ ‫لحماية "ماسينيسا" من التحرك العسكري‬
‫"قرطاجة" من امتالك جيش (تمنعها من تجنيد الـمرتزقة)‪ ،‬ومع تأري ــخ الـميناء العسكري فقد أصبح بند‬
‫حرن الغيا (ساقطا)‪ ،‬بهذا فإن قرطاجة حافظت عىل حق امتالكها‬ ‫حرمانها من تشكيل أسطول بحري ر ي‬
‫ر‬
‫الت كان فيها "حنبعل"‬‫لجيش بري وبحري‪ ،‬فهل منعتها فعال من مبارسة الحرب؟‪ .‬نعلم أنه طوال الفثة ي‬
‫اض الجمهورية وهو ما نعده دليال آخر عىل أن‬ ‫ال يزال يف "قرطاجة" لـم يجرأ "ماسينيسا" عىل انتهاك أر ي‬
‫الرومان لـم يوقعوا الـمعاهدة بعد الـمعركة ومع "حنبعل" بل دون موافقته‪ .‬بعدها (قبل ‪ 193‬ق‪.‬م‪ ،‬ربما يف‬
‫‪ 195‬ق‪.‬م) ينقل لنا "بوليبيوس" عن أن الـملك النوميدي وجيشه الحقوا ثائر نوميدي ُيدع‬
‫اض‬ ‫ُ‬ ‫"أفثثات=أفث" )‪ (Aphtherate‬قائال‪" :‬كان لزاما عليه أن يطلب من‬
‫"القرطاجيي" الـمرور عىل أر ي‬
‫ر‬ ‫ر‬

‫السلوف "أنطوخيوس" من أجل نزاع ال ُيمكن مقارنته تماما بالحرب البونيقية الثانية اضطر‬
‫ي‬ ‫عشة سنوات الملك‬ ‫‪ 87‬بعد ر‬
‫قصثة للغاية‪.‬‬ ‫ُ‬
‫لدفع تعويضات الحرب الـمقدرة بـ ‪ 15‬ألف تاالن خالل مدة ر‬
‫الصغث) وهو األمر الذي رفضه القرطاجيون"‪ 88.‬فألي سبب لـم يجرأ "ماسينيسا"‬
‫ر‬ ‫بالسثت‬
‫ر‬ ‫الـموان (أمبوريا‬
‫اض "قرطاجة"؟‪ ،‬إن السبب هو الردع الذي مثله حضور "حنبعل" وجيشه‪ ،‬والذي‬ ‫عىل االعتداء عىل أر ي‬
‫الت تسمح له بإعالن الحرب‪ .‬لكن تطور‬‫كان حينها يشغل منصب الشفط أي رئيس السلطة التنفيذية ي‬
‫ونق "حنبعل"‪ :‬نعلم أن اعتداءات "ماسينيسا" تعددت‬ ‫ر‬
‫األحداث سيكون رسيعا مبارسة بعد مغادرة ي‬
‫القرطاج‪.‬‬
‫ر ي‬ ‫وتزايدت وأنه يف كل مرة لـم يكن يطلب اإلذن لالستيالء عىل الثاب‬
‫إن كل هذه العنارص الـمذكورة تثبت أن ما ُيسم معاهدة "زاما" ‪ 201‬ق‪.‬م لـم تعقب بأي حال كارثة‬
‫وهزيمة عسكرية‪ ،‬بل إنها أدت إىل تفاقم بعض أحكام معاهدة ‪ 203‬ق‪.‬م‪ ،‬وهذا التفاقم لم يعقب حدث‬
‫خثة كما روى ال ُـمؤلفون‬
‫هام كهزيمة عسكرية يف أرضية منبسطة ومكشوفة‪ ،‬ألنه لو حدثت هذه األ ر‬
‫القدام‪ ،‬فإن هذا لن يؤدي إىل تفاقم األمور بل إىل التنقيح الكامل للـمعاهدة مع متطلبات (مقتضيات)‬
‫الت تمس يف البداية وأساسا شخص "حنبعل"‪ ،‬وطبعا‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬لم يكن هذا هو الحال‪ .‬لهذا‬ ‫ر‬
‫أكث أهمية و ي‬
‫ندافع عن مجرد تفاقم (تشديد) لبعض بنود معاهدة ‪ 203‬ق‪.‬م‪ ،‬وكأنها بمثابة نرص ر‬
‫كبث يف التاري ــخ‬
‫صغثة حدثت سنة ‪ 203‬ق‪.‬م‪ .‬كل هذا ُيعزز أطروحة أن "سكيبيو‬ ‫ر‬ ‫الرومان‪ ،‬والذي جاء الحقا الشتباكات‬
‫ي‬
‫اإلفريق" ثم فيما بعد "سكيبيو ايمليانوس" بالتعاون مع "بوليبيوس" اختلقوا كل فصول "نرص زاما"‬ ‫ي‬
‫إلنقاذ سمعته وسمعة روما من عار الهزائم الت ألحقها "حنبعل" بهم ف "روما"‪89.‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫الرومان‬
‫ي‬ ‫والعثة‪" :‬إن من هزم "حنبعل" لم يكن الشعب‬
‫ر‬ ‫هذه الكلمات لتيتوس ليفيوس بالغة الداللة‬
‫(وال سكيبيو) الذي الذ بالفرار مرات عديدة‪ ،‬بل الفئة الحاكمة القرطاجية "الفاسدة والحسودة" ‪(Tite‬‬
‫ر‬
‫األكث عبقرية ف التاري ــخ العسكري القديم والذي مثل ُ‬ ‫)‪.Live : XXX, 20‬‬
‫"البعبع" يف التاري ــخ‬ ‫ي‬ ‫ر ي‬
‫فالقرطاج‬
‫قائلي لهم عبارة "حنبعل عىل األبواب ‪Hannibal ad‬‬ ‫ر‬ ‫الرومان الذي تخيف به نساء روما أبناءها‬ ‫ي‬
‫الت وظفت نفوذها يف منع وصول‬ ‫ي‬ ‫القرطاجية‬ ‫األوليغارشية‬ ‫بل‬ ‫روما‪،‬‬ ‫جيوش‬ ‫تهزمه‬ ‫ـم‬ ‫ل‬ ‫"‬ ‫‪portas‬‬
‫عث اإلرساع إىل ابرام معاهدة "زاما"‪ ،‬بهذا فقد ظل‬ ‫التعزيزات واإلمدادات له من جهة ثم التآمر عليه ر‬
‫مشوعها الهادف لتشكيل جبهة من كل شعوب الحوض‬ ‫حنبعل وأرسة "آل برقة" تقاتل لوحدها من أجل ر‬
‫اإلمثيالية الرومانية الـمتصاعدة‪ ،‬لذلك فإن حرب "حنبعل" كانت الفرصة‬ ‫ر‬ ‫الغرن للـمتوسط تقف أمام‬ ‫ري‬
‫الرومان الذي سيخضعهم بعد عقود‬‫ي‬ ‫النث‬
‫األخثة لكل تلك الشعوب من أجل االتحاد وإنقاذ أنفسها من ر‬ ‫ر‬
‫ولـمدة قرون‪ .‬يف هذا الرصاع ضد "روما" حافظ "حنبعل" من وجهة نظرنا عىل صورته وهيبته كقائد‬
‫ينتىه األمر بحنبعل الـمهزوم حسب‬‫ي‬ ‫ـمنطق أن‬
‫ي‬ ‫عث أدلة عديدة‪ .‬فهل من ال‬ ‫يتعذر هزمه وهو ما أكدنا عليه ر‬
‫األسطوغرافيا الرومانية يف "زاما" بأن يصبح شفطا عىل "قرطاجة" أي رئيس السلطة التنفيذية؛ عىل أي‬
‫ُ‬ ‫ررسعية استند وترشح لهذا الـمنصب؟‪ ،‬وعىل أساس أي ر‬
‫مشوعية تم انتخابه؟‪ ،‬هل فعال لو هزم وورط‬
‫"قرطاجة" يف تلك الـمعاهدة لوضعت فيه الثقة؟‪ ،‬نشك يف ذلك تماما‪.‬‬
‫"حنبعل" الذي لـم يهزم يف أي معرك ة حافظ عىل منصب القائد األعىل للجيش ووصل إىل منصب‬
‫وتطهثي للفساد‪ ،‬والذي‬
‫ر‬ ‫إصالج‬
‫ي‬ ‫النضاىل برنامج‬
‫ي‬ ‫الشفط سنة ‪ 196‬ق‪.‬م وقاد باالستناد عىل تاريخه‬
‫الت استفادت منها األوليغارشية القرطاجية بهدف الـحفاظ عىل‬‫كشف حجم الخطط واالمتيازات ي‬
‫ستقص‬
‫ي‬ ‫مصالحها وتضخيم ثرواتها وهو ما يفش تحالفها مع "سكيبيو" ضد "حنبعل" معتقدة أنها بذلك‬

‫‪88‬‬
‫‪Polybe : XXI, 21, Tite Live : XXXIV, 62, G. Camps : Aphther, in Gabriel Camps (dir.), 6 | Antilopes – Arzuges, Aix-‬‬
‫‪en-Provence, Edisud, V° 6, 1989, P-P 807-808.‬‬
‫‪89‬‬
‫‪A. Belkhoudja : op.cit, P-P 201-207.‬‬
‫السياس والعسكري لحنبعل‪ ،‬لكنها يف نهاية الـمطاف تمكنت من الوشاية به لروما‬
‫ي‬ ‫عىل المستقبل‬
‫وتصويره كمتمرد يحرص لشن حرب جديدة عىل روما‪ ،‬وهو الذي حاول مجددا إنقاذ وطنه‪ ،‬فانتىه به‬
‫ـمصث إىل الـمنق‪.‬‬
‫ال ر‬
‫لـم يتوقف "حنبعل" عن النضال ضد "روما" وبال شك فإن خوف روما من تحركاته يف الـمنق‬
‫الشق يؤكد من وجهة نظرنا أن مجده العسكري لـم يهث وأنه لو فعال هزم يف‬ ‫واستقباله ف عديد بالطات ر‬
‫ي‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫لقص عىل طموحه ومستقبله العسكري عىل ضوء ذلك نجده سنة ‪ 195‬ق م يف بالط‬ ‫ي‬ ‫"زاما"‬
‫السلوف‪ ،‬ثم انتقل إىل بالط "بروسياس ‪ "Prusias‬ملك "بيثينيا"‪ ،‬وكان يحاول يف كل‬ ‫ي‬ ‫"أنطوخيوس"‬
‫الرومان الـمشثك‪ ،‬لكن خوف تلك القوى من "روما" ومن ضياع‬ ‫ي‬ ‫مناسبة إحياء تحالف ضد العدو‬
‫لينتىه به األمر إىل إنهاء حياته منتحرا بالسم! بعد أن شعر بخيانة‬
‫ي‬ ‫عروشها جعلها ال تتحمس لـمشاريعه‪،‬‬
‫صديقه وبأنه يخطط لتسليمه للرومان‪ .‬يكتب "بوليبيوس" ملخصا حياته بعد التحامل عليه قائال‪ " :‬يف‬
‫والت كان سببها شخص واحد وفكرة‬ ‫وقرطاجيي ي‬
‫ر‬ ‫الت كانت تؤلم الجميع‪ ،‬من رومان‬ ‫خضم هذه األحداث ي‬
‫ر‬
‫سء رائع أن يكون اإلنسان موهوبا بهذا الشكل عند والدة‬ ‫وحيدة؛ اسمها "حنبعل"‪ ...‬أي عظمة‪ ،‬بل وأي ي‬
‫عبقرية توازي أي طموح إنسان مهما كان نوعه!"‪90.‬‬
‫ي‬
‫من الهام إنهاء المداخلة بالقول أن غياب الشدية المناقضة لما نقله لنا "بوليبيوس" و"تيتوس ليفيوس "‬
‫خاضعي لوجهة النظر االغريقو‪-‬رومانية‬
‫ر‬ ‫المؤرخي‬
‫ر‬ ‫بخصوص الحرب القرطاجية‪-‬الرومانية الثانية قد جعل‬
‫كىل بعد حرق وتشتيت مكتبة "قرطاجة" ومعها جميع السجالت‬ ‫ويبدو أن "أسطورة زاما" انبثقت بشكل ي‬
‫الت يكنها الرومان‬
‫الحربية القرطاجية‪ ،‬فراحت األسطوغرافيا الرومانية تتوقد من الحقد والكراهية ي‬
‫الكبث والمتجدد للمدينة المغاربية يف كتابة تاري ــخ لهذا الرصاع يخدم‬
‫ر‬ ‫لقرطاجة وانزعاجهم من االزدهار‬
‫وجهة النظر الرومانية ويشوه صورة "قرطاجة" ورموزها وشخصيتها وهويتها التاريخية والسياسية ‪.‬‬
‫بالتأكيد فإنه من مصلحة روما تزوير التاري ــخ لخدمة صورتها الدعائية ومن صالح "سكيبيو" ونسله ذلك‬
‫والثوة‪ .‬ومثلما فعل الرومان هذا نجد أن‬ ‫أيضا لتجنيب نفسه تهم االختالس والفوز بالشهرة والمجد ر‬
‫المغول أعطوا الذهب للناس ليحملوا قصصا عن قوتهم العسكرية وكان معهم اآلشوريون القدماء تجار‬
‫يخيفون شعوبا بأكملها لمنحهم صفقات جيدة؛ إذن صحيح أن التاري ــخ كتبه المنترص لكن المؤرخ عليه أن‬
‫يجتهد لتقديم رؤى أخرى مختلفة عن السائد‪.‬‬

‫‪90‬‬ ‫فرانسوا دوكريه‪ :‬قرطاجة‪ ،‬ص‪-‬ص‪.215-214 :‬‬

You might also like