Professional Documents
Culture Documents
Alayman Oma Ytaalk BH MN Almsayl
Alayman Oma Ytaalk BH MN Almsayl
اإلميان :حقيقته
وما يتعلق به من مسائل
643 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
املقدمة
السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل الرسالة 644
مدخل
647 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 648
مدخل
باب اإلميان _كما مر_ يف املقدمة من أعظم أبواب العقيدة ،وهو مشتمل على
مسائل كثرية ذُكرت أصولُها يف املقدمة من خالل استعراض فصول الكتاب،
وسريد ذكر تفاصيلها يف تضاعيفه.
وللعالمة الشيخ حافظ احلكمي منظومة يف العقيدة امسها (سلم الوصول إىل
علم األصول يف التوحيد) وعدد أبياتها 291بيتاً.
وقد شرحها يف كتاب عظيم نافع امسه (معارج القبول بشرح سلم الوصول
إىل علم األصول يف التوحيد).
وهذه املنظومة حوت مباحث العقيدة عموماً ،ويف ضمنها تسعة أبيات تَعَرَّضَ
من خالهلا جلملة من أهم مسائل اإلميان؛ فرغبت يف أن تكون تلك األبيات
مدخالً هلذا الكتاب؛ ليسهل على القارئ حفظها ،واستحضار تلك املسائل من
خالهلا.
يقول ×:
ونقص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاللالتِ مياننـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يليـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بالطاعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتِ
ه ــل أنـ ـ ك ــاألممج ِ أو كالرُّس ــل وأهلـ ـ ـ ـ ــه في ـ ـ ـ ـ ــه عل ـ ـ ـ ـ ــى تفا ـ ـ ـ ـ ــل
مل ينَـ ـ ـ ـ عن ـ ـ ــه مطل ـ ـ ــق اإلمي ـ ـ ــان والفاسـ ـ ـ ـ ــق امللِّ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ ذو العصـ ـ ـ ـ ــيان
ميانـ ـ ـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ـ ـ ــا ال يف انتقـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـقَ بقـ ـ ـ ــدر ال فـ ـ ـ ــر واملعاص ـ ـ ـ ـ
خمل ـ ـ ـ ـ ــد ب ـ ـ ـ ـ ــل أم ـ ـ ـ ـ ــر للب ـ ـ ـ ـ ــار وال نقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه يف النـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار
ن ش ـ ــا عف ـ ــا عن ـ ــه و ن ش ـ ــا آخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مشـ ـ ـ ــيئةِ اإلل ـ ـ ـ ـهِ الناف ـ ـ ـ ـ َ
649 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
ي َ ـ ـ ــر ن م ـ ـ ــات عل ـ ـ ــى اإلميـ ـ ـ ــان بقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر ذنبِـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه و ىل اجلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان
ال مـ ـ ـ ــ اس ـ ـ ـ ــتحمجلِه مل ـ ـ ـ ــا جن ـ ـ ـ ــى وال ن فَّـ ـ ـ ـ ـ ـرَ باملعاصـ ـ ـ ـ ـ ـ م من ـ ـ ـ ـ ــا
( )1
كم ــا أت ــى يف الشعـ ـرَعةِ املطهـ ــر َ وتقابـ ـ ـ ــل التوبـ ـ ـ ــة بـ ـ ـ ــل الغرَ ـ ـ ـ ــر َ
الفصل األول
وحتته:
املبحث األول :مثرات اإلميان.
املبحث الثاني :مفهوم اإلسالم واإلميان.
املبحث الثالث :العالقة بني اإلسالم واإلميان.
600 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 601
املبحث األول :مثرات اإلميان
مر يف مقدمة الكتاب ذِكْ ٌر جممل لبعض مثرات اإلميان ،وال ريب أن أهمية
الشيء تتجلى أعظم التجلي مبعرفة مثراته ،وفوائده.
وقد عقد الشيخ عبدالرمحن السعدي × يف كتابه القيم (تيسري اللطيف
املنان يف خالصة تفسري القرآن) فصالً خاصاً بثمرات اإلميان ،وقد ذكر حتته
( )1
مجلة نافعة يف هذا الشأن.
قال ×= :اعلم أن خري الدنيا واآلخرة من مثرات اإلميان الصحيح ،وبه
حييى العبد حياة طيبة يف الدارين ،وبه ينجو من املكاره والشرور ،وبه ختف
الشدائد ،وتُدْرَك مجيع املطالب ،ولُْنشِرْ إىل هذه الثمرات على وجه التفصيل؛
فإن معرفة فوائد اإلميان ومثراته من أكرب الدواعي إىل التزود منه.)2(+
ثم شرع×يف ذكر تفاصيل مثرات اإلميان وفوائده ،وإليك ملخصها فيما يلي:
_1أنه سبب رضا اهلل الذي هو أكرب شيء.
_2أن ثواب اآلخرة ودخول اجلنة والتنعم بنعيمها ،والنجاة من النار وعقابها،
إمنا يكون باإلميان.
_3أن اهلل يدفع ويدافع عن الذين آمنوا شرور الدنيا واآلخرة.
_4أن اهلل وعد املؤمنني القائمني باإلميان حقيقةً بالنصر والتأييد.
_ 1انظر الشيخ عبدالرمحن السعدي ،وجهوده يف توضيح العقيدة للشيخ د .عبدالرزاق البدر
ص.298_296
_ 2تيسري اللطيف املنان يف خالصة تفسري القرآن ص.131
603 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
_ 1انظر النهاية يف غريب احلديث البن األثري ،71_69/1ونواقض اإلميان االعتقادية وضوابط
التكفري عند السلف د .حممد الوهييب .34_31/1
_ 2انظر التمهيد البن عبدالرب ،238/9وانظر جمموع الفتاوى البن تيمية 318/7و،472/12
وانظر تفسري ابن كثري ،39/1وفتح الباري البن حجر ،47/1وشرح أصول اعتقاد أهل السنة لاللكائي
.832/4
607 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
ومن قال :قول وعمل ونية ،أراد أن القول يتناول االعتقادَ (قول القلب)
وقولَ اللسان.
( )1
وأما العمل فقد ال يفهم منه النية اليت هي عمل القلب؛ فزاد ذلك.
وخالصة ما سبق من حقيقة اإلميان الشرعي :أنها حقيقة مركبة من قول،
وعمل.
والقول قسمان :قول القلب :وهو إقراره ،واعتقاده.
وقول اللسان :وهو التكلم بكلمة اإلسالم ،أي النطق بالشهادتني ،واإلقرار
بلوازمهما.
والعمل قسمان :عمل القلب :وهو نيتُه وإخالصه ،وحمبته ،وانقياده،
وحنوها من القربات اليت هي من عمل القلب ،كاخلشية ،واإلنابة ،واخلشوع،
والتوكل ،واحملبة ،واخلوف ،والرجاء.
وعمل اللسان واجلوارح :وذلك كثري جداً؛ فعمل اللسان هو سائر القربات
اليت ال تؤدى إال به كتالوة القرآن ،وسائر األذكار ،وحنو ذلك مما طريقه اللسان.
وعمل اجلوارح :هو مما ال يُؤَّدى إال بها كالقيام ،والركوع ،والسجود،
( )2
واملشي إىل مراضي اهلل كاخلطا إىل املساجد ،وإىل احلج ،وحنو ذلك.
وبهذا يتبني لنا :أن اإلميان اسم جامع لعقائد القلب ،وأعماله ،وأعمال
اجلوارح ،وأقوال اللسان؛ فجميع الدين أصوله ،وفروعه داخل يف اإلميان.
وتشتمل على قول اللسان من جهة أن املؤمن يقول ذلك بلسانه؛ حبيث لو
سئل لقال بوجوبها.
وتشتمل على عمل القلب من جهة أن املؤمن يؤدي الصالة بنية ،وإخالص
وخشوع ،وحمبة هلل ،ورغبة فيما عنده ،وخوفاً من عقابه _عز وجل_.
وتشتمل على عمل اللسان من جهة أن املصلي يؤدي بلسانه مجيع أقوال
الصالة من أذكار ،وتالوة ،وأدعية.
وتشتمل على عمل اجلوارح من جهة أن املصلي يقوم ،ويقعد ،ويركع
ويسجد ،وحيرك سائر جوارحه يف الصالة.
وهكذا انطبق تعريف اإلميان على الصالة؛ وهلذا مسيت إمياناً كما قال اهلل
_عز وجل_[ :وَمَا كَانَ اللَّهُ ِليُضِيعَ إِميَانَكُمْ] البقرة.143:
أي صالتكم إىل بيت املقدس.
واألمثلة على ذلك كثرية جداً كالصيام ،واحلج ،وسائر القربات؛ حيث ميكن
تنزيلُ تعريف اإلميان عليها.
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 614
املبحث الثالث :العالقة بني اإلسالم واإلميان
من خالل ما مضى يتبني لنا أن اإلسالم يشمل الدين كله ،واإلميان يشمل
الدين كله ،وذلك حينما ينفرد أحدهما عن اآلخر ،أما إذا اقرتن أحدهما باآلخر
فإن اإلسالم يفسر باالستسالم الظاهر الذي هو قول اللسان ،وعمل اجلوارح،
ويَصْدُرُ من املؤمن كامل اإلميان ،وضعيف اإلميان.
قال اهلل _تعاىل_ [ :قَالَتِ األَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَ ْسلَمْنَا َولَمَّا
يَدْخُلِ األِميَانُ فِي ُقلُوبِكُمْ] احلجرات. 14:
ويصدر _كذلك_ من املنافق لكن يُسمّى مسلماً ظاهراً ،ولكنه كافر باطناً.
ويفسر اإلميان باالستسالم الباطن الذي هو إقرار القلب ،وعمله ،وال يصدر
جلَتْ
إال من املؤمن حقًّا ،كما قال _تعاىل_[ :إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَ ِ
َكلُونَ( )2الَّذِينَ
ُقلُوبُهُمْ وَإِذَا ُت ِليَتْ َع َليْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِميَاناً وَ َعلَى رَبِّهِمْ يَتَو َّ
يُقِيمُونَ الصَّالةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ( ] )3األنفال.
( )1
وبهذا املعنى يكون اإلميان أعلى ،فكل مؤمن مسلم؛ وال عكس.
وباجلملة فإن اإلسالم واإلميان إذا أطلق أحدهما مشل الدين كلَّه أصولَه
وفروعَه من اعتقاداتِه ،وأقوالِه ،وأفعالِه؛ فيكونان بهذا االعتبار مرتادفني يدل
أحدُهما على اآلخر.
أما إذا قُرِنَ بينهما ،وذُكِرا معاً يف سياق واحد فإنهما بهذا االعتبار يفرتقان،
ويكونان متباينني؛ فرياد باإلسالمِ حينئذٍ األعمالُ واألقوالُ الظاهرةُ ،ويراد باإلميا ِن
االعتقاداتُ.
ومن تأمل النصوصَ الواردة يف ذلك تبني له هذه العالقةُ بني اإلسالم واإلميان
كما يف النصوص اليت مرت ،وكما يف قوله _تعاىل_[:إِنَّ الْمُ ْسلِمِنيَ وَالْمُ ْسلِمَاتِ
وَالْمُؤْمِنِنيَ وَالْمُؤْمِنَاتِ] األحزاب.35:
وكما يف حديث جربيل _عليه السالم_ الذي رواه عمر ÷= :ما اإلسالم،
وما اإلميان.+
يقول العالمة الشيخ عبدالرمحن السعدي × مقرراً هذا األصل= :اعلم أن
اإلميان الذي هو تصديق القلب التام بهذه األصول ،وإقراره املتضمن ألعمال
القلوب واجلوارح.
وهو _بهذا االعتبار_ يدخل فيه اإلسالم ،وتدخل فيه األعمال الصاحلة كلها؛
فهي من اإلميان ،وأثر من آثاره؛ فحيث أطلق اإلميان دخل فيه ما ذكر.
وكذلك اإلسالم إذا أطلق دخل فيه اإلميان.
فإذا قرن بينهما كان اإلميان امساً ملا يف القلب من اإلقرار ،والتصديق ،واإلسال ُم
امسًا لألعمال الظاهرة.)1(+
الفصل الثان
وحتته:
املبحث األول :زيادة اإلميان ونقصانه.
املبحث الثاني :املخالفون يف باب اإلميان.
املبحث الثالث :مراتب اإلميان ،وطبقات الناس فيه.
املبحث الرابع :أسباب زيادة اإلميان.
املبحث اخلامس :أسباب نقص اإلميان.
613 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 614
املبحث األول :زيادة اإلميان ونقصانه
من أصول أهل السنة واجلماعة :أن اإلميان يزيد وينقص ،وقد دل على ذلك
الكتاب والسنة.
فمن أدلة الكتاب ،قوله _تعاىل_ِ[ :لَيزْدَادُوا إِميَاناً مَعَ إِميَانِهِمْ] الفتح.4:
ومن أدلة السنة ،قوله " يف النساء= :ما رأيت من ناقصات عقل ودين
أذهب ِللُبِّ الرجل احلازم من إحداكن.)1(+
ففي اآلية إثبات زيادة اإلميان ،ويف احلديث إثبات نقص الدين.
وكلُّ نصٍّ يدل على زيادة اإلميان فإنه يتضمن الداللة على نقصه ،وبالعكس؛
( )2
ألن الزيادة والنقص متالزمان ،ال يُعْقَل أحدهما دون اآلخر.
ومن األدلة على زيادة اإلميان ونقصانه قوله _تعاىل_[ :وَإِذَا مَا أُن ِزلَتْ سُورَةٌ
فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَ ِذهِ إِميَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا َفزَادَتْهُمْ إِميَاناً وَهُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ ( )124وَأَمَّا الَّذِينَ فِي ُقلُوبِهِمْ مَرَضٌ َفزَادَتْهُمْ رِجْساً ِإلَى رِجْسِهِمْ
َرةً أَوْ مَرََّتيْنِ ثُمَّ
وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ( )125أَوَال يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ م َّ
ال يَتُوبُونَ وَال هُمْ يَذَّكَّرُونَ ( ])126التوبة.
قال الشيخ عبدالرمحن السعدي يف تفسري هذه اآليات= :ويف هذه اآليات دليل
على أن اإلميان يزيد وينقص ،وأنه ينبغي للمؤمن أن يتفقد إميانه ،ويتعاهده،
فيجدده ،وينميه؛ ليكون دائماً يف صعود.)1(+
وقال × عند تفسريه لقوله _تعاىل_[ :وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى]
مريم= :76:ويف هذا دليل على زيادة اإلميان ونقصه كما قال السلف الصاحل.
ويدل عليه قوله _تعاىل_[ :وََيزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِميَاناً] املدثر[ ،31:وَإِذَا
ُت ِليَتْ َعلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِميَانَاً] األنفال.2:
ويدل عليه _أيضاً_ الواقع؛ فإن اإلميان قول القلب واللسان ،وعمل القلب
واللسان واجلوارح.
واملؤمنون متفاوتون يف هذه األمور أعظم تفاوت.)2(+
وقد ثبت لفظ الزيادة والنقص يف اإلميان عن الصحابة ،ومل يعرف منهم
خمالف فيه ،ومجهور السلف على ذلك.
قال اإلمام البخاري ×= :لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء باألمصار؛
فما رأيت أحداً خيتلف يف أن اإلميان قول وعمل يزيد وينقص.)3(+
_ 1اخلوارج :فرقة ظهرت يف عهد علي بن أبي طالب ÷ عام 37هـ ،حيث اعرتضوا على قبول
التحكيم مع أنهم هم الذين أكرهوا عليَّاً على قبوله عندما رفع أصحاب معاوية ÷ املصاحف.
وملَّا ذكَّرهم بإكراههم له ،قالوا= :ولكنَّ ذلك كان منَّا كفراً؛ فقد تبنا إىل اهلل _عز وجل_ منه؛ فتب كما
تبنا نبايعْك.+
ثم بعد ذلك خرجوا عن مجاعة املسلمني ،وصاروا يكفِّرون بالكبائر ولو كانت دون الشرك.
وكانت مقالتهم أول مقالة فرَّقت األمة .انظر امللل والنحل للشهرستاني ،114/1واملقاالت
،56/1وتاريخ الطربي 57/1و 66و.72
_ 2املعتزلة :فرقة نشأت ما بني سنة 115هـ _ 111هـ ،حني انفصل واصل بن عطاء عن احلسن
البصري ،حني خالف احلسنَ يف حكم مرتكب الكبرية ،وزعم أنه يف منزلة بني املنزلتني ال مؤمن وال
كافر ،فسُمِّي هو ومن تابعه املعتزلة؛ العتزالِهم احلسنَ ،وقولِ األمة يف حكم مرتكب الكبرية ،وزعمِهم
أن صاحب الكبرية قد اعتزل الكافرين واملؤمنني .انظر الفرق بني الفرق ص ،21_21واملعتزلة
وأصوهلم اخلمسة ،وموقف أهل السنة منها ،د .عواد بن عبداهلل املعتق ص.283
_ 3انظر فتح رب الربية ص.97
_ 4املرجئة :سُمُّوا بذلك من اإلرجاء ،وهو تأخري العمل عن مسمى اإلميان ،وأول ما ظهر اإلرجاء
إمنا كان ردَّ فعل للخوارج عندما كفَّروا احلكمني ،وعليَّ بن أبي طالب.
=
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 618
أن إقرار القلب ال يتفاوت؛ فالفاسق والعدل عندهم سواء يف اإلميان.
فالوعيدية واملرجئة يرون أن اإلميان حقيقة واحدة ،إما أن يوجد كله ،أو أن
يذهب كله.
ولكنهم اختلفوا يف كيفية وجوده وعدمه؛ فالوعيدية يرون أنه ال بد يف اإلميان
من اإلتيان جبميع الواجبات ،وترك مجيع احملرمات؛ فإذا ختلف شيء من ذلك
ذهب اإلميان.
واملرجئة يرون أنه ال يضر مع اإلميان معصية كما ال ينفع مع الكفر طاعة.
يقول الشيخ حافظ احلكمي × مبيناً مذهب الوعيدية من اخلوارج واملعتزلة
يف باب اإلميان= :وما متسك به اخلوارج واملعتزلة وأضرابهم من التشبث بنصوص
الكفر ،والفسوق األصغر ،واستدالهلم به على األكرب _ فذلك مما جََنْت ُه أفهامُهم
الفاسدةُ ،وأذهانُهم البعيدة ،وقلوبُهم الغلفُ؛ فضربوا نصوص الوحي بعضَها
ببعض ،واتبعوا ما تشابه؛ منه ابتغاء الفتنة ،وابتغاء تأويله
ص ُّر على كبرية من زناً ،أو شربِ مخرٍ ،أو رباً _ كافرٌ مرتدٌ،
فقالت اخلوارج :املُ ِ
ص َّلى عليه ،وال يُدفن يف مقابر املسلمني ،ولو أقر هلل
خارجٌ من الدين بالكلية ال يُ َ
________________________
= وأول من تكلم يف اإلرجاء :احلسن بن حممد بن احلنفية املتوفى عام ،99وقد ذكر ذلك كلَّ مَنْ
ترجم له ،وكان × يقول = :لوددت أني كنت مِتُّ ،ومل أكتبه.+
وهو حممد بن احلسن بن علي بن أبي طالب ،وقد اشتهر بالنسبة إىل أمه ،وهي من بين حنيفة ،وكان
من أعلم الناس باالختالف ،وكان من أوثق الناس .انظر طبقات ابن سعد ،328/5والفَرْق بني الفِرَق
للبغدادي ،212والتهذيب البن حجر .321/2
619 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
_ 1معارج القبول بشرح سلم الوصول إىل علم األصول يف التوحيد للشيخ حافظ احلكمي
.1194_1193/3
_ 2معارج القبول .1194/3
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 634
يقول الشيخ العالمة حممد بن عثيمني×بعد إيراده كالم املرجئة والوعيدية:
=وكل من هاتني الطائفتني حمجوج بالسمع والعقل.
أما السمع فقد تقدّم يف النصوص ما دل على إثبات زيادة اإلميان ونقصه.
وأما العقل فنقول للمرجئة :قولكم :إن اإلميان هو إقرار القلب ،وإقرار
القلب ال يتفاوت ،ممنوع يف املقدمتني مجيعاً.
أما املقدمة األوىل :فتخصيصكم اإلميان بإقرار القلب خمالف ملا دلّ عليه
الكتاب والسنة من دخول القول والعمل يف اإلميان.
وأما املقدمة الثانية :فقولكم :إن إقرار القلب ال يتفاوت خمالف للحس؛ فإن
من املعلوم لكل أحد أن إقرار القلب إمنا يَتْبَعُ العلمَ؛ وال ريب أن العلمَ يتفاوت
بتفاوت طرقه؛ فإن خرب الواحد ال يفيد ما يفيده خربُ االثنني وهكذا ،وما أدركه
اإلنسانُ باخلرب ال يساوي يف العلم ما أدركه باملشاهدة؛ فاليقني درجاتٌ متفاوتةٌ،
وتفاوتُ الناس يف اليقني أمرٌ معلومٌ.
بل اإلنسان الواحد جيد من نفسه أنه يكون يف أوقات وحاالت أقوى منه يقيناً
يف أوقات وحاالت أخرى.+
ويضيف × قائالً = :كيف يصح لعاقل أن حيكم بتساوي رجلني يف اإلميان
أحدهما :مثابر على طاعة اهلل _تعاىل_ فرضها ونفلها ،متباعد عن حمارم اهلل،
وإذا بدرت منه املعصية بادر إىل اإلقالع عنها والتوبة منها.
والثاني :مُضيّع ملا أوجب اهلل عليه ،ومنهمك فيما حرّم اهلل عليه ،غري أنه مل
يأت ما يكفره ،كيف يتساوى هذا وهذا؟!
630 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
وأما الوعيدية ،فنقول هلم :قولكم :إن فاعل الكبرية خارج من اإلميان
خمالف ملا دل عليه الكتاب والسنة ،فإذا تبني ذلك فكيف حنكم بتساوي رجلني يف
اإلميان؟ أحدهما :مقتصد فاعل للواجبات ،تارك للمحرّمات.
والثاني :ظامل لنفسه يفعل ما حرم اهلل عليه ،ويرتك ما أوجب اهلل عليه من
غري أن يفعل ما يكفر به؟!
ونقول ثانياً :هب أننا أخرجنا فاعل الكبرية من اإلميان ،فكيف ميكن أن حنكم
على رجلني بتساويهما يف اإلميان وأحدهما مقتصد ،واآلخر سابق باخلريات بإذن
( )1
اهلل؟!.+
هذا وسيأتي مزيد بيان هلذه املسألة يف املبحث التالي عند احلديث عن مراتب
اإلميان ،وطبقات الناس فيه.
اإلميان مراتب ،والناس فيه على طبقات ،وهم فيه على تفاوت وتفاضل؛
فمنهم من ليس معه إال أصلُ اإلميان ،واحلدُّ األدنى منه.
ومنهم من بلغ فيه درجات الكمال الواجب أو املستحب ،وفيما يلي بيان
ملراتب اإلميان ،وطبقات الناس فيه بإجياز.
_1اإلميان اجململ ،أو مطلق اإلميان :واملقصود به احلد األدنى من اإلميان
الذي هو شرطُ صحةِ اإلميان ،والنجاةِ من اخللود يف النار يف اآلخرة إن مات
صاحبه على ذلك.
وبه تثبت األحكام من فرائض ،ومواريث ،وحقوق ،وحدود ،وذبائح،
ومناكحة ،وحنو ذلك.
وهذه املرتبة يُطلق على صاحبها اسم :اإلسالم ،أو اإلميان املقيَّد ،فيقال:
مسلم ،أو مؤمن ناقص اإلميان ،أو :فاسق؛ فيدخل حتت هذه املرتبة أهل الكبائر
عموماً ،وكذلك َمنْ أَسْلَمَ مِنْ أهل الطاعة ممن مل تدخلْ حقائقُ اإلميان
( )1
قلوبهم.
ح أن يطلق على من كان من أهل تلك املرتبة :مرتبة الظامل لنفسه.
ويَصِ ُّ
_2اإلميان املطلق الواجب :ويقال عنه اإلميان الكامل الواجب ،أو اإلميان
املفصَّل ،أو حقيقة اإلميان.
ويكون صاحبه ممن يؤدي الواجبات ،وجيتنب الكبائر ،وهو ممن وعد باجلنة
بال عذاب.
وأهل هذه املرتبة متفاوتون على حسب تورعهم عن الصغائر اليت تُكَفَّرُ بفعل
احلسنات ،واجتناب الكبائر؛ فمن كان أحرص على اجتناب الصغائر كان أكمل
( )1
ممن يغشاها.
وهذه املرتبة يصح أن تسمى مرتبة املقتصدين األبرار.
_3اإلميان املطلق املستحب :وهي مرتبةُ اإلميان الكامل باملستحبات ،ومرتبةُ
اإلحسان ،ومرتبةُ املقربني السابقني باخلريات.
وصاحب هذه املنزلة ال يكتفي بفعل الواجبات ،وترك احملرمات ،بل يضيف
إليها فعل املستحبات ،وترك املكروهات.
وهذا حالُه يف عامة األعمال ،كالصالة ،والصدقة ،والصوم ،واحلج ،وغريه.
فهذه مراتب اإلميان؛ فمن قَصَّر بالواجبات فهو الظامل لنفسه ،ومن أتى
بالواجبات فحسب فهو من أهل اإلميان الواجب ،ومن زاد على ذلك فأتى
باملستحبات ،وتَجَنَّبَ املكروهاتِ فهو من أهل اإلميان املستحب.
وقد ورد يف القرآن الكريم اإلشارة إىل ذلك يف عدة مواطن كما يف قوله _تعاىل_:
[ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ َّالذِينَ اصْطَفَيْنَا ِمنْ عِبَا ِدنَا فَمِْنهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِْنهُمْ مُقْتَصِ ٌد
( )2
ل الْكَبِريُ] فاطر.32:
ت بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُ َو الْفَضْ ُ
وَمِْنهُمْ سَابِ ٌق بِالْخَيْرَا ِ
_ 1التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من املباحث املنيفة للشيخ عبدالرمحن
السعدي ص.51
_2معارج القبول 1189/3
635 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
تقدم أن اإلميان يزيد وينقص ،واحلديث ههنا سيكون عن أسباب زيادة اإلميان
ونقصانه؛ فهناك أسباب كثرية إذا صدرت من العبد زاد إميانه ،وسار يف طريق
الكمال.
كما أن هناك أسباباً أخرى إذا فعلها العبد نقص إميانه ،وضعف ،وأوشك أن
ينحط يف مهاوي الردى.
ومعرفة أسباب زيادة اإلميان ونقصانه من األهمية مبكان؛ فاحلاجة إليها ماسة،
بل الضرورة مُلِحَّة؛ ألن اإلميان هو كمال العبد ،وسبيل سعادته وفالحه يف الدنيا
واآلخرة.
ونقصُ اإلميان أو زوالُه سببُ شقائه يف الدارين.
َحققِ بها
واملوفق كل التوفيق هو من يسعى يف حتقيقِ اإلميان ،وفروعه ،والت ُّ
علماً ،وعمالً ،وحاالً.
ويسعى _كذلك_ يف دفع ما ينايف ذلك ،ويَنْقُضُه ،أو يُنْقِصُه من الفنت الظاهرة
والباطنة ،وحيرص كل احلرص على مداواة ما قَصَّر فيه من الطاعات ،وجترأ
عليه من املعاصي بالتوبة النصوح ،وتدارك ما فات من األمر؛ فتحقيقُ اإلميان
وتقويته يكون مبعرفة أسباب زيادته؛ والقيام بها.
والسعيُ يف دفع ما ينافيه أو يضاده يكون مبعرفة أسباب نقصه ،واحلذر من
( )1
الوقوع فيها.
هذا وإن لزيادة اإلميان أسباباً منها على سبيل اإلجياز ما يلي:
_ 1انظر التوضيح والبيان لشجرة اإلميان للشيخ عبدالرمحن السعدي ص ،38وزيادة اإلميان ونقصانه
ص.181
639 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
_1تعلم العلم النافع :املستمد من الكتاب والسنة؛ فمن وفّق لذلك وُفِّق
ألعظم سبب من أسباب زيادة اإلميان.
ومن تأمل نصوص الوحيني ،وكالم العلماء يف ذلك الشأن أدرك ذلك،
( )1
واملقامُ ال يسمح بالتفصيل.
_ 2معرفة أمساء اهلل وصفاته ،فإن العبد كلما ازداد معرفة بها ومبقتضياتها،
وآثارها _ ازداد إمياناً بربه ،وحبّاً ،وتعظيماً له.
_ 3النظر يف آيات اهلل الكونية :فإن العبد كلما نظر فيها ،وتأمل ما اشتملت
عليه من القدرة الباهرة ،واحلكمة البالغة ،ازداد إمياناً ويقيناً بال ريب.
الليْلِ وَالنَّهَارِ
قال اهلل _تعاىل_[ :إِنَّ فِي َخلْقِ السَّمَوَاتِ وَاألَرْضِ وَاخْتِالفِ َّ
س وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ
وَالْ ُفلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّا َ
ُل دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ
حيَا بِهِ األَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ ك ِّ
فَأَ ْ
ض آليَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْ ِقلُونَ] البقرة.164:
الْمُسَخَّرِ َبيْنَ السَّمَاءِ وَاألَرْ ِ
_1قراءة القرآن الكريم وتدبره :فإن ذلك من أعظم أبواب العلم املؤدية إىل
زيادة اإلميان ،وثباته ،وقوته.
قال الشيخ عبدالرمحن السعدي × متحدثاً عن القرآن ،وكونه من أعظم
أسباب تقوية اإلميان = :ويُقَوّيه من وجوه كثرية؛ فاملؤمن مبجرد ما يتلو آيات اهلل،
ويعرف ما رُكِّب عليه من األخبار الصادقة ،واألحكام احلسنة حيصل له من أمور
_ 1انظر مقدمة مفتاح دار السعادة البن القيم ،فقد ذكر ما يزيد على مائة فائدة من فوائد العلم.
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 644
َملَهُ ،وفَهْمَ مقاصدِه وأسراره.)1(+
اإلميان خري كثري؛ فكيف إذا أحسن تَأ ُّ
_ 5فعل الطاعة تقرباً إىل اهلل _تعاىل_ :فإن اإلميان يزداد بذلك حبسب حسن
العمل ،وجنسه ،وكثرته؛ فكلما كان العمل أحسن كانت زيادةُ اإلميانِ به
أعظم ،وحسنُ العمل يكون حبسب اإلخالص واملتابعة.
وأما جنس العمل فإن الواجب أفضل من املسنون ،وبعض الطاعات أوكد
وأفضل من بعضها اآلخر ،وكلما كانت الطاعة أفضل كانت زيادة اإلميان بها
أعظم.
وأما كثرة العمل فإن اإلميان يزداد بها؛ ألن العمل من اإلميان فال جرم أن يزيد
بزيادته.
ومما يرفع من شأن الطاعة ،ويعظم أثرها يف زيادة اإلميان _زيادة على ما
مضى_ مراعاة األسباب واألعمال اليت يضاعف بسببها الثواب ،وترتك آثارها
( )2
الطيبة على القلوب ،وهي كثرية مبسوطة يف كتب أهل العلم.
_6ترك املعصية خوفاً من اهلل _عزّ وجل_ :ألن املعصية تضعف القلب،
وتعطل سريه إىل اهلل _جل وعال_.
وكلما قوي الداعي إىل فعل املعصية كانت زيادة اإلميان برتكها أعظم؛ ألن
تركها مع قوة الداعي إليها دليل على قوة إميان العبد ،وتقدميه ما حيبه اهلل
( )3
ورسوله على ما تهواه نفسه.
كما أن لإلميان أسباباً تزيده ،وتنميه فكذلك هناك أسباب تنقصه ،وتضعفه،
بل قد تذهب به.
وكما أن املسلم مطالب مبعرفة أسباب زيادة اإلميان؛ فهو كذلك مطالب مبعرفة
أسباب نقصه؛ ليحذرها.
وفيما يلي ذكر لبعض تلك األسباب على سبيل اإلمجال:
_ 1اجلهل باهلل _تعاىل_ وأمسائه وصفاته :فاجلهل باهلل _عز وجل_ أساس كل
شر؛ فهو جير صاحبه إىل الويالت ،والعواقب الوخيمة.
وأعظم اجلهل :اجلهل خبالق األرض والسموات ،وبأمسائه ،ومقتضياتها،
وآثارها.
_ 2الغفلة واإلعراض عن النظر يف آيات اهلل وأحكامه الكونية والشرعية،
فإن ذلك يُوجب مرض القلب ،أو موته باستيالء الشهوات والشبهات عليه.
_ 3فعل املعصية :فينقص اإلميان حبسب جنسها ،وقدرها ،والتهاون بها،
وقوة الداعي إليها ،أو ضعفه.
فأما جنسها وقدرها فإن نقص اإلميان بالكبائر أعظم من نقصه بالصغائر،
ونقص اإلميان بقتل النفس احملرمة أعظم من نقصه بأخذ مال حمرتم ،ونقصه
مبعصيتني أكثر من نقصه مبعصية واحدة ،وهكذا.
وأما التهاون بها فإن املعصية إذا صدرت من قلبٍ متهاونٍ مبن عصاه ضعيفِ
اخلوف منه كان نقص اإلميان بها أعظم من نقصه إذا صدرت من قلبٍ معظمٍ هلل
643 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
الفصل الثالل
االستثناء يف اإلميان
وحتته:
املبحث األول :مفهوم االستثناء يف اإلميان ،ومنشؤه.
املبحث الثاني :األقوال يف مسألة االستثناء يف اإلميان.
املبحث الثالث :اآلثار الواردة عن السلف يف االستثناء ،وتوجيهها.
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 646
647 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
املبحث األول :مفهوم االستثناء يف اإلميان ،ومنشؤه
_ 1انظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق البن جنيم املصري ،46/2وزيادة اإلميان ونقصانه ص.521
_ 2النرباس شرح العقائد ص ،421وزيادة اإلميان ونقصانه ص.522
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 654
الكُالَّبية ،واألشعرية وهذا القول له مأخذان:
_1أن اإلميان هو ما مات اإلنسان عليه؛ فاإلنسان إمنا يكون مؤمناً وكافراً
حبسب املوافاة ،وهذا شيء مستقبل غري معلوم؛ فال جيوز اجلزم به.
وهذا مأخذ كثري من املتأخرين من الكالبية وغريهم.
لكن هذا املأخذ مل يُ ْعلَمْ أن أحداً من السلف علل به ،وإمنا كانوا يُعللون
باملأخذ الثاني وهو:
_2أن اإلميان املطلق يتضمن فعل مجيع املأمورات ،وترك مجيع احملظورات،
وهذا ال جيزم به اإلنسان من نفسه ،ولو جزم لكان قد زكى نفسه ،وشهد هلا بأنه
من املتقني األبرار ،وكان ينبغي على هذا أن يشهد لنفسه بأنه من أهل اجلنة ،وهذه
لوازم ممتنعة.
القول الثالث :التفصيل :فإن كان االستثناء صادراً عن شك يف وجود أصل
اإلميان فهذا مُحرّم ،بل كفر؛ ألن اإلميان جزم ،والشك يُنافيه.
وإن كان صادراً عن خوفِ تزكيةِ النفس والشهادةِ هلا بتحقيق اإلميان قوالً،
وعمالً ،واعتقاداً _ فهذا واجب؛ خوفاً من هذا احملذور.
وإن كان املقصود من االستثناء التربكَ بذكر املشيئة ،أو بيان التعليل ،وأن ما
قام بقلبه من اإلميان مبشيئة اهلل _ فهذا جائز.
والتعليق باملشيئة على هذا الوجه _أعين بيان التعليل_ ال ينايف تَحَقُّقَ املُعَلَّقِ؛ فإنه
ُن
قد ورد التعليق على هذا الوجه يف األمور احملققة ،كقوله _تعاىل_[ :لََتدْخُل َّ
جدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِنيَ مُحَلِّقِنيَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ال تَخَافُون]
الْمَسْ ِ
الفتح. 27 :
وبهذا عُرِفَ أنه ال يصح إطالق احلكم على االستثناء ،بل ال بد من التفصيل
650 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
السابق.
وهذا _أعين الثالث_ هو الذي عليه السلف الصاحل؛ فهم يرون أن االستثناء
جائز مش روع على هذا النحو؛ فهذا مأخذ عامة السلف الذي كانوا يستثنون؛ ألن
اإلميان عندهم قول وعمل ،والقول _ الذي هو االعتقاد _ كل جيزم أنه أتى به.
وأما العمل فال؛ إذ الناس متفاوتون فيه تفاوتاً عظيماً.
وأقوال السلف يف هذا كثرية جداً( )1وسريد يف املبحث اآلتي ذكر لشيء منها
مع توجيه ما ورد عنهم يف ذلك.
مرَّ بنا يف املبحث املاضي أن السلف الصاحل _رضي اهلل عنهم_ يرون االستثناء يف
اإلميان ،وقد ورد عنهم آثار كثرية يف ذلك.
وقد يردُ إشكال عند بعض الناس يف كون بعض السلف يرون االستثناء،
وبعضهم ال يرونه.
وفيما يلي ذكر لبعض تلك اآلثار مع توجيهها.
قال حييى بن سعيد القطان ×= :ما أدركت أحداً من أصحابنا ،وال بلغنا إال
على االستثناء.)1(+
وقال الوليد بن مسلم ×= :مسعت أبا عمرو _يعين األوزاعي_ ومالك بن
أنس ،وسعيد بن عبدالعزيز ينكرون أن يقول :أنا مؤمن ،ويأذنون يف االستثناء أن
يقول :أنا مؤمن إن شاء اهلل.)2(+
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية×= :وأما مذهب سلف أصحاب احلديث كابن
مسعود وأصحابه ،والثوري ،وابن عيينة ،وأكثر علماء الكوفة ،وحييى بن سعيد
القطان فيما يرويه عن علماء البصرة ،وأمحد بن حنبل ،وغريهم من أئمة السنة؛
فكانوا يستثنون يف اإلميان ،وهذا متواتر عنهم.)3(+
وقال اإلمام أمحد ×= :إمنا نصري إىل االستثناء على العمل؛ ألن القول قد
جئنا به.+
وقال= :أ ذهب إىل حديث ابن مسعود يف االستثناء يف اإلميان؛ ألن اإلميان قول
وعمل ،والعمل :الفعل؛ فقد جئنا بالقول ،وخنشى أن نكون قد فرطنا يف
العمل؛ فيعجبين أن نستثين يف اإلميان بقول :أنا مؤمن إن شاء اهلل.)1(+
وقال= :لو كان القول كما تقول املرجئة :إن اإلميان قول ثم استثنى بَعْدُ على
القول لكان هذا قبيحاً أن تقول :ال إله إال اهلل إن شاء اهلل ،ولكن االستثناء على
العمل.)2(+
هذا وقد ورد عن بعض السلف( )3ترك االستثناء كما جاء عن إبراهيم
التيمي× قال= :وما على أحدكم أن يقول :أنا مؤمن؛ فواهلل لئن كان صادقاً ال
يعذبه اهلل على صدقه ،وإن كان كاذباً لَمَا دخل عليه من الكفر أشد عليه من
الكذب.)4(+
ومراده بقوله= :أنا مؤمن +أصل اإلميان ،كما يدل على ذلك آخر قوله= :ملَاَ
دخل عليه من الكفر.+...
وعن أبي عبدالرمحن السلمي × قال= :إذا سئل أحدكم :أمؤمن أنت فال
يشك يف إميانه.)5(+
فهذه اآلثار وغريها ال تُ شْكِلُ؛ فإن من استثنى من السلف يف إميانه إمنا قصد به
اإلميان التام الكامل املقبول عند اهلل.
ومن مل يستثنِ قَصَدَ اإلميانَ الباطنَ الذي هو أصل اإلميان وأساسه ،وهذا ال
الفصل الراب
وحتته:
املبحث األول :مفهوم الكفر والتكفري.
املبحث الثاني :التكفري املطلق ،وتكفري املعني.
املبحث الثالث :ضوابط يف التكفري.
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 656
657 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
املبحث األول :مفهوم الكفر والتكفري
_ 1انظر اقتضاء الصراط املستقيم البن تيمية ،218/1وكتاب الصالة البن القيم ص،61
ونواقض اإلميان القولية والعملية ص.46
_ 2رواه مسلم ( )82بلفظ= :إن بني الرجل وبني الشرك والكفر تركَ الصالة +وبلفظ= :بني
الرجل.+...
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 664
بعضكم رقاب بعض.)1(+
فقوله= :يضرب بعضكم رقاب بعض :+تفسري الكفار يف هذا املوضع،
وهؤالء يسمون كفاراً تسمية مقيدة ،وال يدخلون يف االسم املطلق إذا قيل:
كافر ،مؤمن.)2(+
واملقصود من هذه املسألة :الشهادة ألحدٍ باجلنة أو النار ،فهناك فرق بني
الشهادة واحلكم بالعموم باجلنة أو النار وبني الشهادة ألحد معيَّن بذلك.
ويتضح ذلك من خالل ما يلي:
_1الشهادة ألحد باجلنة أو النار :ال يُشهد ألحد مُعَيِّن من أهل القبلة باجلنة أو
النار إال عن طريق النص؛ ذلك أن الشهادة باجلنة أو النار موقوفةٌ على الشرع،
وليس للعقل فيها مدخل؛ فمن شهد له الشارع بذلك شهدنـا له ،وما ال فال،
لكننا نرجو للمحسن ،وخناف على املسيء(.)1
_2أقسام الشهادة باجلنة أو النار :تنقسم الشهادة باجلنة أو النار إىل قسمني:
عامة ،وخاصة:
فالعامة :هي املعلقة بالوصف ،كأن نشهد لكل مؤمن بأنه يف اجلنة ،أو لكل
كافر بأنه يف النار ،أو حنو ذلك من األوصاف اليت جعلها الشارع سبباً لدخول
اجلنة أو النار.
واخلاصة :هي املعلقة بشخص ،مثل أن نشهد لشخص معني بأنه يف اجلنة ،أو
لشخص معني بأنه يف النار؛ فال نعني إال ما عينه اهلل ورسوله".
_3أمثلة للمعينني من أهل اجلنة :العشرة املبشرون باجلنة :أبو بكر ،وعمر،
وعثمان ،وعلي ،وسعيد بن زيد ،وسعد بن أبي وقاص ،وعبد الرمحن ابن
عوف ،وطلحة بن عبيداهلل ،وأبو عبيدة عامر بن اجلراح ،والزبري بن العوام
_رضي اهلل عنهم_.
وكذلك احلسن ،واحلسني ،وثابت ب ن قيس بن مشاس ،وعكاشة بن حمصن
_ 1انظر شرح العقيدة الطحاوية ص ،378وملعة االعتقاد للشيخ حممد بن عثيمني ص.144
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 664
_رضي اهلل عنهم_(.)1
_1أمثلة للمعينني من أهل النار :أبو هلب عبدالعزى بن عبداملطلب،
وامرأته أم مجيل أروى بنت حرب أخت أبي سفيان.
وكذلك أبو طالب ،وعمرو بن حلي اخلزاعي ،وغريهم(.)2
فهؤالء املبشرون بالنار ،ومن جاء قبلهم من املبشرين باجلنة جاء النص يف
شأنهم.
مر بنا أن التكفري :هو نسبة اإلنسان إىل الكفر ،واحلكم عليه به.
ومر بنا _كذلك_ الفرق بني التكفري املطلق ،وتكفري املعني ،وأن تكفري املعني ال
بد فيه من اجتماع شروط ،وانتفاء موانع.
واحلديث ههنا عن بعض الضوابط يف التكفري ،وذلك من خالل املسائل
التالية:
_1أن احلكم على الناس إمنا يكون بالظاهر من أحواهلم :وهذه من املسائل
العظيمة يف مذهب أهل السنة يف احلكم على الناس ،فليس ذلك مبنياً على
ظنون ،وأوهام ،أو دعاوى دون بينات.
وهذا من رمحة اهلل بعباده ،وتيسريه عليهم ،ومن باب تكليفهم ما يطيقون.
واملقصود من احلكم على الناس إمنا هو احلكم الدنيوي على املعني بالكفر أو
اإلسالم.
( )1
أما احلكم على احلقيقة فال سبيل إليه.
واألدلة على هذا األصل العظيم كثرية جداً ،ومنها قوله _تعاىل_[ :يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَال تَقُولُوا لِمَنْ َألْقَى ِإَليْكُمْ السَّالمَ
حيَاةِ الدُّْنيَا] النساء.94:
لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْ َ
قال الشوكاني ×= :واملراد هنا :ال تقولوا ملن ألقى بيده إليكم ،واستسلم
لست مؤمناً؛ فالسلم والسالم مبعنى االستسالم.
على ذلك حديث أسامة بن زيد املشهور ملا صبحوا احلرقات من جهينة وهو ما
جاء يف الصحيحني عن أسامة بن زيد _رضي اهلل عنهما_ قال :بَعَثَنا رسول اهلل"
ت أنا
يف سرية فَصَبَّحْنا احلُرُقات من جهينة ،فَصََّبحْنا القوم ،فهزمناهم ،ولَحِقْ ُ
ورجل من األنصار رجالً منهم ،فلما غشيناه قال :ال إله إال اهلل ،فكف عنه
األنصاري ،وطعنته برحمي؛ حتى قتلته ،قال :فلما قدمنا بلغ ذلك النيب" فقال
لي= :يا أسامة أقتلته بعد ما قال ال إله إال اهلل؟.+
قال :قلت :يا رسول اهلل إمنا كان متعوذاً.
قال :فقال = :أقتلته بعد ما قال ال إله إال اهلل؟ +قال :فما زال يكررها علي؛
حتى متنيت أني مل أكن أسلمت قبل ذلك اليوم (.)1
فانظر كيف أنكر _ عليه الصالة والسالم _ على أسامة ÷ قتله ذلك الرجل
الذي نطق بالشهادة ،مع أنه يظهر من حاله _ كما تبادر إىل ذهن أسامة _ أنه إمنا
قال ذلك تعوذاً ،وتقية.
ولكن اإلسالم _كما مر_ يثبت بالظاهر من الناس ،وبأدنى بينة من أحواهلم.
وكذلك حديث اجلارية ،وهو ما جاء يف صحيح مسلم من حديث معاوية ابن
احلكم السلمي ÷ قال= :كانت لي جاريةٌ ترعى غنماً لي قِبَلَ أحد واجلوانيَّة،
فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاةٍ من غنمها ،وأنا رجل من بنى آدم
آسف كما يأسفون ،لكين صككتها صكَّةً ،فأتيت رسول اهلل " فعظَّم ذلك
علي ،قلت :يا رسول اهلل أفال أعتقها؟ قال= :ائتين بها +فأتيته بها ،فقال هلا:
واستتابته ،وإقامة احلدِّ عليه ليست شأن كل أحد ،وإمنا هي شأن احلاكم املسلم.
وهلذا التزم أهل السنة االحتياط يف التكفري بعكس الفرق األخرى اليت تتهافت
( )1
عليه.
ومن خالل ما مضى يتبني لنا أنه ال جيوز التساهل يف تكفري املسلم؛ ألن يف
ذلك افرتاءَ الكذب على اهلل يف احلكم ،وعلى احملكوم عليه يف الوصف الذي نُِبزَ
فيه ،وملا يف ذلك من رجوع التكفري على املُكَفِّر إذا كان املُكَفَّر ساملاً منه؛( )2ففي
صحيح مسلم عن عبداهلل بن عمر _رضي اهلل عنهما_ أن النيب" قال= :إذا كَفَّر
الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما. +
ويف رواية= :إن كان كما قال ،وإال رجعت عليه.)3(+
وفيه عن أبي ذر ÷= :ومن دعا رجالً بالكفر ،أو قال :عدو اهلل وليس
كذلك إال حار عليه.)4(+
_ 1أن التكفري والتعذيب ال يكون إال بعد قيام احلجة؛ فال مؤاخذة قبل اإلنذار؛
فمن متام حكمة اهلل _عز وجل_ وعدله أنه ال يُعذِّبَ أحداً إال بعد قيام احلجة عليه كما
قال _تعاىل_[ :وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِنيَ حَتَّى َنبْعَثَ رَسُو ًال] اإلسراء.15:
يهودي وال
ٌّ وقال الرسول " = :والذي نفسي بيده ال يسمع بي أحدٌ من هذه األمة
نصراني ،ثم ميوت ومل يؤمن بالذي أرسلت به _ إال كان من أصحاب النار.)5(+
وال يشرتط ذلك فيمن نشأ ببلد علمٍ ،وأمورُ الشرع منتشرةٌ مشهورةٌ فيه بني
عامة الناس وخاصتهم.
أما إذا كان األمر الشرعي خفياً ،أو كانت أدلته غري ظاهرة _ فيشرتط قيام
احلجة فيه على كل حال.
( )1
وقيام احلجة يشمل توضيحها ،وكشف شبهها إن وجدت.
_7عدم التكفري بكل ذنب :فمن األصول اجملمع عليها عند أهل السنة أنهم ال
يكفرون أحداً بذنب ما مل يستحله.
ويقصدون بالذنب :الذنب الذي هو دون الكفر ،والذي ال يكفر صاحبه به،
كفعل الكبائر اليت هي دون الشرك.
فأهل السنة ال يُكَ ِّفرون بكل ذنب كما تفعل اخلوارج ،وفرقٌ بني النفي العام،
ونفي العموم؛ فالنفي العام قد يفهم منه عدم تكفري املعني مطلقاً مهما عمل من
الذنوب ولو عمل النواقض.
أما نفي العموم فيفهم منه أنهم ُيكَ ِّفرون ببعض الذنوب ،وال يكفرون
ببعضها؛ فمن الذنوب اليت يُكَفَّر مُرْتَكِبُها :نواقضُ اإلسالم الكربى املعلومة.
ومن ذلك _أيضاً_ اخلالف املشهور عند أهل السنة يف التكفري برتك األركان،
( )2
وخاصة الصالة.
_8األمور اليت يطلق عليها الكفر :هناك أفعـال ،وأقـوال ،واعتقـادات يطلـق
الفصل اخلام
موانع التكفري
وحتته:
_ متهيد
املبحث األول :مانع اجلهل.
املبحث الثاني :مانع اخلطأ.
املبحث الثالث :مانع اإلكراه.
املبحث الرابع :مانع التأويل.
املبحث اخلامس :مانع التقليد.
املبحث السادس :مانع العجز.
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 674
675 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
متهيد
موانع التكفري :هي الصوارف اليت متنع من احلكم على املعني بالكفر.
والتكفري _كما مر_ هو احلكم بالكفر.
والتكفري ينتفي بانتفاء شيء من الشروط ،أو وجود شيء من املوانع.
وموانع التكفري تكاد تنحصر يف ستة موانع ،وهي اجلهل ،واخلطأ ،واإلكراه،
والتأويل ،والتقليد ،والعجز.
( )1
وبعضهم يدخل بعض هذه املوانع يف بعض.
فهذه أوضح ،وأشهر موانع التكفري ،ويدخل حتتها من التفاصيل ما يطول
ذكره ،وفيما يلي من املباحث توضيح موجز هلذه املوانع.
وأمر الرب فجمع ما فيه ،ثم قال له :مل فعلت هذا؟ قال :من خشيتك يا رب،
وأنت أعلم؛ فغفر له. )1(+
يقول ابن قتيبة × عن هذا احلديث= :وهذا رجل مؤمن باهلل ،مقر به،
خائف له ،إال أنه جهل صفة من صفاته ،فظن أنه إذا أُحرق وذُري يف الريح أنه
يفوت اهلل _تعاىل_ فغفر اهلل _تعاىل_ له مبعرفته ما بنيته ،ومبخافته من عذابه جهلَه
بهذه الصفة من صفاته.)2(+
ويقول ابن تيمية ×= :وكنت دائماً أذكر هذا احلديث ..فهذا رجل شك يف
قدرة اهلل ،ويف إعادته إذا ذُريَ ،بل اعتقد أنه ال يعاد.
وهذا كفر باتفاق املسلمني ،لكن كان جاهالً ال يعلم ذلك ،وكان مؤمناً خياف
اهلل أن يعاقبه؛ فغفر له بذلك.)3(+
ويفصل ابن تيمية ذلك بقوله = :فهذا الرجل كان قد وقع له الشك واجلهل يف
قدرة اهلل _تعاىل_ على إعادة ابن آدم بعدما أحرق ،وذُرِي ،وعلى أنه يعيد امليت
وحيشره إذا فعل به ذلك ،وهذان أصالن عظيمان:
أحدهما :متعلق باهلل _تعاىل_ :وهو اإلميان بأنه على كل شيء قدير.
والثاني :متعلق باليوم اآلخر :وهو اإلميان بأن اهلل يعيد هذا امليت ،وجيزيه
على أعماله.
ومع هذا فلما كان مؤمناً باهلل يف اجلملة ،ومؤمناً باليوم اآلخر يف اجلملة ،وهو
وهو كل ما يصدر عن املكلف من قول ،أو فعل خالٍ عن إرادته ،وغري مقرتن
( )1
بقصد منه.
فوقوع اخلطأ من املسلم مانع من تكفريه إذا وقع يف مُكَفِّر.
وخالصة القول يف هذا املانع أن النصوص من الكتاب والسنة قد تواترت يف
إعذار املخطئ ،وأنَّ حُكْمَهُ حكمُ اجلاهل ،أو املتأول؛ فال يُكفَّر إال بعد قيام احلجة
عليه ،وأنه إن كان جمتهدًا فيما يَسُو ُغ فيه االجتها ُد فله أجرٌ باجتهاده ولو أخطأ.
أما إن مل يكن جمتهداً ،وأخطأ فيأثم؛ لتفريطه.
يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ×= :وأما التكفري فالصواب أن من اجتهد
من أمة حممد " وقصد احلق فأخطأ _ مل يُكَفَّر ،بل يُغْفَرُ له خطؤه.
ومن تبني له ما جاء به الرسول ،فشاق الرسول من بعد ما تبني له احلق ،واتبع
غري سبيل املؤمنني _ فهو كافر.
ومن اتبع هواه ،وقصر يف طلب احلق ،وتكلم بال علم _ فهو عاصٍ مذنبٌ،
قد يكون له حسنات ترجح على سيئاته.)2(+
وقال × = :هذا مع أني دائماً ومن جالسين يعلم ذلك مين أني من أعظم
الناس نهياً عن أن ينسب مُعََّي ٌن إىل تكفري ،وتفسيق ،ومعصية ،إال إذا علم أنه
قد قامت عليه احلجة الرسالية اليت من خالفها كان كافراً مرة ،وفاسقاً مرة،
اهلل"= :هلل أشد فرحاً بتوبة عبده حني يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته
بأرض فالة ،فانفلتت منه ،وعليها طعامه ،وشرابه ،فأيس منها ،فأتى شجرة،
فاضطجع يف ظلها ،قد أيس من راحلته؛ فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده،
فأخذ خبطامها ،ثم قال من شدة الفرح :اللهم أنت عبدي ،وأنا ربك ،أخطأ من
شدة الفرح.)1(+
يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ×= :وكنت دائمًا أذكر احلديث الذي يف
الصحيحني يف الرجل الذي قال= :إذا أنا مت فأحرقوني ،ثم اسحقوني ،ثم
ذروني يف اليم ،فواهلل لئن قدر اهلل علي ليعذبين عذابًا ما عذبه أحدًا من العاملني.
ففعلوا به ذلك ،فقال اهلل له :ما محلك على ما فعلت؟ قال :خشيتك ،فغفر
له.)2(+
فهذا رجل شك يف قدرة اهلل ،ويف إعادته إذا ذُريَ ،بل اعتقد أنه ال يعاد،
وهذا كفر باتفاق املسلمني ،لكن كان جاهالً ال يعلم ذلك ،وكان مؤمناً خياف اهلل
أن يعاقبه ،فغفر له بذلك ،واملتأول من أهل االجتهاد احلريص على متابعة
الرسول " أوىل باملغفرة من مثل هذا+اهـ(.)3
_ 1مسلم (.)2747
_ 2البخاري ( )7516و(.)2756
_ 3جمموع الفتاوى ، 229/3وانظر تفصيل هذه املسألة يف نواقض اإلميان االعتقادية
.313_312/1
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 681
املبحث الثالث :مانع اإلكراه
قال ابن تيمية ×= :فأباح _سبحانه_ عند اإلكراه أن ينطق الرجل بالكفر
بلسانه إذا كان قلبه مطمئنًا باإلميان ،خبالف من شرح بالكفر صدراً.
وأباح للمؤمنني أن يتقوا من الكافرين تقاةً مع نهيهم عن مواالتهم.
وعن ابن عباس قال= :إن التقية باللسان.+
وهلذا مل يكن عندنا نزاع يف أن األقوال ال يثبت حكمها يف حق املُكْرَه بغري
ح ُكفْ ُر املكره بغري حق ،وال إميان املكره بغري حق.)1(+
حق؛ فال يَصِ ُّ
وهناك مسألة يف اإلكراه ،وهي هل يشمل اإلكراه األفعال كما يشمل األقوال؟
واجلواب :أن هذه املسألة خمتلف فيها على قولني _ كما يقول ابن تيمية _
واجلمهور على أنه شامل لألفعال كما أنه شامل لألقوال...
( )2
وهذا هو الذي مال إليه ×.
فهذه خالصة موجزة ملسألة اإلكراه ،وكونه مانعاً من موانع التكفري.
( )3
وهناك تفصيالت أخرى يف هذه املسألة يطول ذكرها ،واملقام ال حيتملها.
_ 1كقدامة بن مظعون وأصحابه _رضي اهلل عنهم_ روى ذلك عبد الرزاق يف املصنف ،241/9
،242وابن أبي شيبة ،546 /9والبيهقي يف سننه ،16/8وأخرجها أبو الشيخ وابن مردويه واحلاكم
وابن املنذر كما يف الدر املنثور ،174 ،161/3وابن السكن كما يف اإلصابة ،229 ،228/3
واجلوزجاني كما يف منهاج السنة ،84/6ويف بعض الروايات ذكر قدامة ،وبعضها مل يذكر.
_ 2جمموع الفتاوى . 619/7
_ 3واآلية هي قوله _تعاىل_[ :لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا...اآلية]
املائدة. 93 :
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 686
االستحالل كفروا ،وإن أقروا به جلدوا ،فلم يكفروهم باالستحالل ابتداءاً؛
ألجل الشبهة اليت عرضت هلم حتى يتبني هلم احلق.)1(+
وكذلك احلُكْ ُم على كل مَنْ استحل حمرماً من احملرمات الظاهرة املتواترة إذا مل
تقم عليه احلجة ،وعَرَضَتْ له شبهاتٌ مِنْ جِنْس ما عرض هلؤالء؛ فالتكفري
يكون بعد إقامة احلجة وإزالة الشبهة.
جحد فريضة مِ ْن فرائض يقول اإلمام ابن القيم × بعدما بََّين كُفْ َر َم ْن َ
ال
ح َّر ٍم من حمرماته = :وأما من جحد ذلك جهالً ،أو تأوي ً اإلسالم ،أو حتريمَ ُم َ
يعذر فيه صاحبه _ فال يكفر صاحبه به ،كحديث الذي جحد قدرة اهلل عليه ،أمر
أهله أن حيرقوه ويذروه يف الريح ،ومع هذا فقد غفر اهلل له ،ورمحه جلهله؛ إذ كان
ذلك الذي فعله مبلغ علمه ،ومل جيحد قدرة اهلل على إعادته عنادًا أو تكذيباً.)2(+
وقال ابن الوزير ×= :إن املتأولني غري كفار؛ ألن صدورهم مل تنشرح
بالكفر قطعاً ،أو ظناً ،أو جتويزاً ،أو احتماالً.)3(+
واستدل بقول أمري املؤمنني علي بن أبي طالب ÷عن اخلوارج= :من الكفر
فروا.+
فقال ابن الوزير = :فكذلك مجيع أهل التأويل من أهل امللة ،وإن وقعوا يف
أفحش البدع ،واجلهل؛ فقد علم منهم أن حاهلم يف ذلك هي حال
( )4
اخلوارج.+
ويعده بعض العلماء مانعاً من موانع إحلاق التكفري باملعني ،وبعضهم يلحقه
بغريه من املوانع اليت مرت.
والذين جعلوا العجز مانعاً من موانع التكفري انطلقوا من مثل قوله _تعاىل_:
[ال يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِالَّ وُسْعَهَا] البقرة ،286:وقوله[ :ال يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً
إِالَّ مَا آتَاهَا] الطالق.7:
ومن هؤالء شيخ اإلسالم ابن تيمية × حيث عَدَّ العجز عن أداء ما شرع
اهلل _عز وجل_ من املوانع اليت متنع التكفري؛ فمن عجز عن ذلك ،واتقى اهلل ما
استطاع فإنه معذور غري مؤاخذ على ما تركه(.)1
وذلك كأن تبلغ دعوة النيب " لبعض الكفار ،وهم يف دار كفر ،فعلموا أنه
رسول اهلل فآمنوا به ،وآمنوا مبا أنزل عليه ،واتقوا اهلل ما استطاعوا ،ومل يتمكنوا
من اهلجرة إىل دار اإلسالم ،وال االلتزام جبميع شرائع اإلسالم؛ لكونهم
ممنوعني من اهلجرة ،وممنوعني من إظهار دين اهلل ،وليس عندهم مَنْ يُعَلِّمهم
( )2
مجيع شرائع اإلسالم _ فهؤالء مؤمنون من أهل اجلنة.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية مبيناً هذا املانع= :فمن ترك بعض اإلميان
الواجب؛ لعجزه عنه ،إما لعدم متكنه من العلم ،مثل أال تبلغه الرسالة ،أو لعدم
تَمِكُّنه من العمل مل يكن مأمورًا مبا يعجز عنه ،ومل يكن ذلك من اإلميان والدين
الواجب يف حقه ،وإن كان من الدين واإلميان الواجب يف األصل ،مبنزلة صالة
املريض ،واخلائف ،واملستحاضة ،وسائر أهل األعذار ،الذين يعجزون عن
إمتام الصالة؛ فإن صالتهم صحيحة حبسب ما قدروا عليه ،وبه أمروا إذ ذاك،
وإن كانت صالة القادر على اإلمتام أكمل وأفضل ،كما قال النيب "= :املؤمن
القوى خري وأحب إىل اهلل من املؤمن الضعيف ،ويف كل خري.)2()1(+
واستدل شيخ اإلسالم ابن تيمية على ذلك مبا يأتي:
الدليل األول :أن النجاشي كان ملك النصارى ،فلم يُطِعْهُ قومُه يف الدخول يف
اإلسالم ،ومل يدخلْ معه سوى نفرٍ يَسريٍ منهم ،فلما مات ،صلى عليه النيب"
باملدينة ،خرج باملسلمني إىل املصلى ،فصفهم صفوفاً ،وصلى عليه ،وأخربهم
مبوته يوم مات ،فقال= :قد تويف اليوم رجل صاحل من احلبشَ ،فهَلُّمَ؛ فصلوا
عليه.+ ( )3
وكثريٌ من شرائع اإلسالم مل يكن دخل فيها؛ لعجزه عن ذلك ،فلم يهاجر،
ومل جياهد ،بل قد روي أنه مل يصلِّ الصلوات اخلمس ،وال يصوم شهر رمضان،
وال يؤدي الزكاة الشرعية؛ ألن ذلك كان يظهر عند قومه؛ فينكرونه ،وال ميكنه
خمالَفَتُهم.
ويُعلم قطعاً أنه مل يكنْ يُمْكِنُهُ أن حيكمَ بينهم حبكم القرآن؛ ألن قومه ال
يُقِرُّونه على ذلك ،وهلذا جعل اهلل هؤالء من أهل الكتاب الذين آمنوا بالنيب"
_ 1انظر جمموع الفتاوى ،219_217/19واألول مروي عن جابر بن عبداهلل وأنس ،وابن جريج،
واآلخر مروي عن قتادة ،انظر تفسري الطربي ،219_218/4والدر املنثور ،113/2ومنهج ابن تيمية يف
مسألة التكفري .264_263/1
_ 2انظر جمموع الفتاوى ،221/19وانظر منهج ابن تيمية يف مسألة التكفري .264/1
693 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية مبيناً وَجْهَ الداللةِ من هذه اآلية= :فأولئك كانوا
عاجزين عن إقامة دينهم؛ فقد سقط ما عجزوا عنه ،فإذا كان هذا فيمن كان
( )1
مشركاً وآمن ،فما الظن مبن كان من أهل الكتاب وآمن؟.+
الدليل الرابع :ما أخرب به عن حال مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون ،وعن
حال امرأة فرعون ،وكما كان يوسف _عليه السالم_ مع أهل مصر؛ فإنهم كانوا
كفاراً ،ومل يُمْكِنْهُ أن يفعلَ معهم كلَّ ما يعرفه من دين اإلسالم؛ ألنه دعاهم إىل
( )2
التوحيد واإلميان فلم جييبوه.
الفصل الساد
وحتته:
_ متهيد
املبحث األول :تقسيم الذنوب.
املبحث الثاني :ماهية الصغائر والكبائر.
املبحث الثالث :تكفري األعمال الصاحلة للصغائر والكبائر.
املبحث الرابع :موانع إنفاذ الوعيد.
املبحث اخلامس :وسطية أهل السنة يف باب اإلميان.
695 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 696
متهيد
مصطلح الكبائر والصغائر يرد يف كتب العقائد ،وذلك إذا حتدثوا عن
الذنوب ،وتقسيمها ،وحكم مرتكب الكبرية يف الدنيا واآلخرة ،وهكذا...
ومسألة الصغائر والكبائر هلا ارتباط وثيق بباب اإلميان؛ من جهة حكم
مرتكب الكبرية ،واخلالف فيه _كما مر_.
وكذلك احلال بالنسبة ملسألة موانع إنفاذ الوعيد ،فلها ارتباط بباب اإلميان
_على ما سيأتي بيانه_.
وكذلك وسطية أهل السنة واجلماعة يف باب اإلميان؛ فهي خالصةٌ لكثري من
مسائل هذا الكتاب.
وفيما يلي نبذة عن تقسيم الذنوب إىل صغائر وكبائر ،واألدلة على ذلك ،مع
بيان ماهية الصغائر والكبائر سواء عند من حصروا الكبائر بعدد ،أو حَدُّوها
بِحَدٍّ ،ثم ينتقل احلديث إىل مسألة تكفري الكبائر باألعمال الصاحلة ،وهل هذا
ممكن؟ أو أنه ال بد من التوبة؟ فإىل التفصيل يف ذلك الشأن.
و بعد ذلك ينتقل احلديث إىل مسألة إنفاذ الوعيد ،ثم إىل وسطية أهل السنة يف
باب اإلميان.
697 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
املبحث األول :تقسيم الذنوب
الذنوب تنقسم إىل صغائر وكبائر ،قال الغزالي ×= :اعلم أن الذنوب
ت نقسم إىل صغائر وكبائر ،وقد كثر اختالف الناس فيها؛ فقال قائلون :ال صغرية
وال كبرية ،بل كل خمالفة هلل فهي كبرية.
وهذا ضعيف؛ إذ قال _تعاىل_[ :إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُْنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُ ْم
سَيِّئَاتِكُمْ َوُندْخِلْكُمْ ُمدْخَالً كَرِمياً] النساء ،31:وقال _تعاىل_َّ [ :الذِينَ يَجْتَنِبُو َن
حشَ إِالَّ اللَّمَمَ] النجم.32:
كَبَائِرَ اإلِثْ ِم وَالْفَوَا ِ
وقال" = :الصلوات اخلمس واجلمعة إىل اجلمعة يكفرن ما بينهن إن اجتنبت
الكبائر +ويف لفظ آخر= :كفارات ملا بينهن إال الكبائر.)1 (+
وقد قال"فيما رواه عبداهلل بن عمرو بن العاص _رضي اهلل عنهما_= :الكبائر:
اإلشراك باهلل ،وعقوق الوالدين ،وقتل النفس ،واليمني الغموس.)3()2(+
وقال ابن القيم × = :وقد دل القرآن والسنة وإمجاع الصحابة والتابعني
بعدهم واألئمة على أن من الذنوب كبائرَ وصغائر.)4 (+
وقال ×= :والذين مل يقسموها إىل كبائر وصغائر قالوا :الذنوب كلها
_بالنسبة إىل اجلراءة على اهلل سبحانه ومعصيته وخمالفة أمره_ كبائر؛ فالنظر إىل من
_1وهذا ما رجحه شيخ اإلسالم ابن تيمية × يف جمموع الفتاوى ،654/00وقال يف
= :654/00إنه أمثل األقوال يف هذه املسألة ،+وقال يف = :654/00وإمنا قلنا :إن هذا الضابط
أوىل من سائر تلك الضوابط املذكورة لوجوه +. . .ثم ذكر مخسة وجوه.
740 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
املبحث الثالث :تكفري األعمال الصاحلة للصغائر والكبائر
هذا وقد رجح شيخ اإلسالم ابن تيمية × أن احلسنات املاحية تكفر الكبائر
بدون التوبة.
قال × بعد أن ذكر السبب الثالث من األسباب اليت تزول بها عن العبد عقوبة
الذنوب ،وهو احلسنات املاحية قال= :وسؤاهلم على هذا الوجه أن يقولوا:
احلسنات إمنا تكفر الصغائر فقط.
أما الكبائر فال تغتفر إال بالتوبة كما جاء يف بعض األحاديث= :ما اجتنبت
( )1
الكبائر +فيجاب عن هذا بوجوه +ا .هـ .
ثم ذكر × مخسة وجوه بيَّن من خالهلا أن احلسنات تكفِّر الكبائر.
ومما قال × من الوجوه اليت أيَّد بها كالمه ما يلي:
=أحدهما :أن هذا الشرط _يعين ما اجتنبت الكبائر_ جاء يف الفرائض،
كالصلوات اخلمس ،واجلمعة ،وصيام رمضان ،وذلك أن اهلل _تعاىل_ يقول:
[إِن تَجْتَنِبُوْا كَبَآئِ َر مَا تُْنهَوْ َن عَنْهُ نُكَفِّ ْر عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ] النساء.31 :
فالفرائض مع ترك الكبائر مقتضية لتكفري السيئات ،وأما األعمال الزائدة من
ل
التطوعات فال بد أن يكون هلا ثواب آخر؛ فإن اهلل _سبحانه_ يقول[ :فَمَن يَعْمَ ْ
ل مِثْقَا َل ذَرَّةٍ شَ ّرًا يَرَهُ( ])8الزلزلة.
مِثْقَا َل ذَرَّ ٍة خَيْرًا يَرَهُ ( )7وَمَن يَعْمَ ْ
الثاني :أنه قد جاء التصريح يف كثري من األحاديث بأن املغفرة قد تكون مع
الكبائر ،كما يف قوله "= :غفر له وإن كان فر من الزحف.+
ويف السنن= :أتينا رسول اهلل " يف صاحب لنا قد أوجب ،فقال= :أعتقوا عنه
_ 1وهو ما رواه البخاري ( )3467ومسلم ( :)2245قال النيب "= :بينما كلـب يطيـف _يـدور_
بركية _بئر_ كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغيٌّ من بغايا بين إسرائيل؛ فنزعت موقها _خفهـا_ واسـتقت لـه بـه،
فسقته إياه؛ فغُفر هلا به.+
فهذه املرأة قام بقلبها من اإلخالص ،وتوابعه ما كان سبباً ملغفرة ذنوبها.
قال ابن القيم × يف كتابه مدارج السالكني 341/1مقرراً هذا املعنى= :وقريب من هذا ما قام بقلب
البغي اليت رأت ذلك الكلب ،وقد اشتد به العطش يأكل الثرى ،فقام بقلبها ذلك الوقت_مـع عـدم اآللـة،
وعدم املعني ،وعدم من ترائيه بعملها_ما محلها على أن غَرَّرَت بنفسها يف نزول البئر ،وملء املاء يف خفها،
ومل تعبأ بتعرضها للتلف ،وحَمْلِها خُفَّها بفيها وهو مآلن ،حتى أمكنها الرقيُّ من البئر ،ثم تواضـعها هلـذا
املخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه ،فأمسكت له اخلف بيدها حتى شرب من غري أن ترجـو منـه جـزاء
وال شكوراً؛ فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء ،فَغُفر هلا.
فهكذا األعمال والعمال عند اهلل ،والغافل يف غفلة من هذا اإلكسري الكيماوي الذي إذا وضع منه مثقال
ذرة على قناطري من حناس األعمال قلبها ذهباً واهلل املستعان.+
ويُقصد بقوله= :اإلكسري الكيماوي :+اإلخالص ،واإلكسري مادة يقال :إنها إذا وضعت مع املعادن غري
الذهب حولتها إىل ذهب.
_ 2هو ما جاء يف قوله " = :إن اهلل سيخلِّصُ رجالً من أميت على رؤوس اخلالئق يوم القيامة،
فَيحْشُرُ عليه تسعة وتسعني سجالً ،كل سجلٍّ مثل مدِّ البصر ،ثم يقول:أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبيت
احلافظون؟ فيقول:ال يا ربِّ ،فيقول:أَفَلَكَ عذر؟ فيقول:ال يا ربِّ.
فيقول :بلى ،إن لك عندنا حسنةً؛ فإنه ال ظلم اليوم ،فتخرج بطاقة فيها:أشهد أن ال إله إال اهلل،
وأشهد أن حممداً عبده ورسوله ،فيقول:أحضر وزنك.
فيقول :يا ربِّ ما هذه البطاقة مع هذه السجالت؟ فقال :إنك ال تُظْلم.
قال :فتوضع السجالت يف كفةٍ ،فطاشت السجالت ،وثقلت البطاقة ،فال يثقل مع اسم اهلل شيء.+
رواه الرتمذي ( )2639وحسَّنه ،وابن ماجة ( )4311وابن حبان ( )2523وصححه ،واأللباني يف
صحيح اجلامع (.)1776
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 746
747 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
املبحث الرابع :موانع إنفاذ الوعيد
هلذه املسألة ارتباط بباب اإلميان؛ ذلك أن الوعيدية من اخلوارج واملعتزلة _كما
مر_ ير ون أنه ال بد من إنفاذ الوعيد على من تَلَبَّس بالكبائر؛ ألنه خارج عن امللة
_بزعمهم_.
واملرجئة ال يرون أن مرتكب الكبرية خارج عن امللة ،بل هو مؤمن كامل
اإلميان؛ فال وعيد عليه _كما يزعمون_ ألن اإلميان عندهم هو جمرد التصديق
بالقلب؛ فطاملا أنه موجود فال يضر معه معصية.
ومسألة موانع إنفاذ الوعيد ترد يف كتب العقائد خصوصاً يف باب اإلميان،
وحكم مرتكب الكبرية ،وعند مناقشة الوعيدية كاخلوارج واملعتزلة.
وهذه املسألة تسمى :موانع إنفاذ الوعيد ،وتسمى بـ :األسباب اليت تندفع بها
العقوبة.
ومما يوضح هذه املسألة أن يقال :إن الذنو ب موجبة لدخول النار ،وصاحبها
متوعد بالعذاب إال أن هناك أسباباً تندفع بها العقوبة ،وينتفي بسببها الوعيد،
ويزول موجب الذنوب.
وهذه األسباب تسمى موانع إنفاذ الوعيد ،أي موانع إيقاع العذاب على
مستحقه؛ ألن الوعيد إمنا يكون بالشر.
وهذه األسباب عشرة عرفت باالستقراء من الكتاب والسنة.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ×= :وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على
أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب :أحدها :التوبة ،وهذا
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 748
متفق عليه بني املسلمني.)1(+
ثم شرع × يف ذكر باقي املوانع بالتفصيل.
وقال يف موضع آخر = :واملؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع عنه بعشرة
أسباب:
_1أن يتوب فيتوب اهلل عليه؛ فإن التائب من الذنب كمن ال ذنب له.
_2أو يستغفر ،فيغفر اهلل له.
_3أو يعمل حسناتٍ متحوها؛ فإن احلسنات يذهنب السيئات.
_4أو يدعو له إخوانه املؤمنون ،ويستغفرون له حياً وميتاً.
_5أو يهدون له من ثواب أعماهلم ما ينفعه اهلل به.
_6أو يشفع فيه نبيه حممدٌ ".
_7أو يبتليه اهلل ـ تعاىل ـ يف الدنيا مبصائب تكفَّر عنه.
_8أو يبتليه يف الربزخ بالصعقة ،فيكفر بها عنه.
_9أو يبتليه يف عرصات القيامة من أهواهلا مبا يكفِّر عنه.
_11أو يرمحه أرحم الرامحني.
فمن أخطأته هذه العشرة فال يلومن إال نفسه ،كما قال _تعاىل_ فيما يرويه عنه
رسول اهلل " =يا عبادي إمنا هي أعمالكم أحصيها لكم ،ثم أوفيكم أياها؛ فمن
( )3 ()2
وجد خريًا فليحمد اهلل ،ومن وجد غري ذلك فال يلومن إال نفسه.+
وقال يف االستقامة = :فإن الذنوب اليت يُبتلى بها العبادُ يسقط عنهم عذابُها إما
بتوبة تَجُبُّ ما قبلها ،وإما باستغفار ،وإما حبسنات ماحية يذهنب السيئات ،وإما
بدعاء املسلمني وشفاعتهم ،أو مبا يفعلونه له من الرب ،وإما بشفاعة النيب "
وغريه فيه يوم القيامـة ،وإما أن يكفِّر اهلل عنه خطاياه مبا يصيبـه من
املصائب.)1(+
ومما حيسن التنبيه عليه ههنا أن التوبة وحدها هي اليت يزول بها موجب
الذنوب للمؤمن والكافر ،أما باقي املوانع فهي خاصة باملؤمن.
ثم إن الوعيدية ال يرون من هذه املوانع إال التوبة ،وأما باقي املوانع فال يرون
أنها متنع من إنفاذ الوعيد ،بل يرون أنه جيب على اهلل _عز وجل_ أن يعاقب من
عصاه ،كما جيب عليه أن يثيب من أطاعه ،ومل يلتفتوا إىل باقي املوانع.
أما أهل السنة فهم يرون هذه املوانع؛ وذلك ألنهم ينظرون إىل النصوص
كافة ،وحيرصون على اجلمع بينها.
_1االستقامة .185_184/2
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 704
املبحث اخلامس :وسطية أهل السنة يف باب اإلميان ومسائله
الوسطية من أعظم ما مييز أهل السنة واجلماعة ،فكما أن أهل أمة اإلسالم
وسط بني األمم اليت جتنح إىل الغلو الضار ،واألمم اليت متيل إىل التفريط املهلك_
فكذلك أهل السنة واجلماعة وسط بني فرق األمة املبتدعة اليت احنرفت عن الصراط
املستقيم.
وتتجلى هذه الوسطية يف شتى األمور سواء يف باب العقيدة أو األحكام ،أو
السلوك ،أو غريها.
ولعل أجلى مظاهر تلك الوسطية وسطيتها يف باب العقيدة ،ومن ذلك
وسطيتها يف باب اإلميان ومسائله ،وقد مر شيء من ذلك بإجياز ،وفيما يلي ذكر
لبعض تلك املظاهر:
_1وسط يف باب الوعد والوعيد بني املرجئة وبني الوعيدية :فاملرجئة قالوا :ال
يضر مع األميان ذنب ،كما ال ينفع مع الكفر طاعة ،وزعموا أن اإلميان جمرد
التصديق بالقلب ،وإن مل ينطق به ،وأخروا األعمال عن اإلميان ،وجوَّزوا أن
يعذب اهلل املطيعني ،ويُنَعِّم العاصني.
أما الوعيدية فهم القائلون بان اهلل جيب عليه عقالً أن يعذب العاصي كما جيب
عليه أن يثيب املطيع؛ فمن مات على كبرية ،ومل يتب منها ال جيوز عندهم أن يغفر
اهلل له.
أما أهل السنة فوسط بني نفاة الوعيد من املرجئة ،وبني موجبيه من الوعيدية؛
فمن مات على كبرية دون الشرك عندهم فَأَمْرُه مفوَّض إىل اهلل ،إن شاء عاقبه،
وإن شاء عفا عنه ،وإذا عاقبه بها فإنه ال خيلد خلود الكفار ،بل خيرج من النار،
700 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
( )1
ويدخل اجلنة.
_2وسط يف مسألة التكفري :فبينما نَجِد فريقاً يتسرعون يف إطالق الكفر،
فيكفرون بالكبرية ،وال حيكمون بإسالم َمنْ نطق بالشهادتني ،وصلى ،وصام،
وأدى فرائض اإلسالم ـ ما مل يتحققوا إسالمه بشروط حَدَّدوها مل تَرِدْ يف الكتاب
وال السنة ـ وذلك كحال اخلوارج ومن سار على نهجهم ـ جند فريقاً آخر فَرَّط أميا
تفريط ،فمنع التكفري البتة ،ورأى أن من تلفظ بالشهادتني ال ميكن تكفريه حبال،
بل قالوا:إنه ال جيوز تكفري شخص بعينه ،وإمنا إطالق الكفر يكون على األعمال .
ومن هنا فَهُمْ ال يكفِّرون أحداً أبداً حتى املرتدين ،ومدعي النبوة ،وجاحدي
وجوب الصالة ،وحنو ذلك من األمور اليت أمجع أهل العلم على خروج
أصحابها من دائرة اإلسالم .
أما أهل السنة فقد هداهم اهلل ملا اختلف فيه من احلق بإذنه؛ اللتزامهم بالدليل
الشرعي؛ فهم ال مينعون التكفري بإطالق ،وال يكفرون بكل ذنب ،ومل يقولوا:
إن تكفري املعني غري ممكن ،ومل يقولوا بالتكفري بالعموم دون حتقق شروط
التكفري ،وانتفاء موانعه يف حق املعني ،ومل يتوقفوا يف إثبات وصف اإلسالم ملن
دخل فيه ،أو ظهر منه إرادة الدخول فيه.
بل حيسنون الظن بأهل القبلة املوحدين ،ومبن دخل يف اإلسالم ،أو أراد
الدخول فيه.
ومن أتى مبكفر ،واجتمعت فيه الشروط ،وانتفت يف حقه املوانع ـ فإنهم ال
أما أهل السنة واجلماعة فمذهبهم وسط بني هذين املذهبني ،فمرتكب
الكبرية عندهم مؤمن بإميانه ،فاسق بكبريته ،أو هو مؤمن ناقص اإلميان ،أو
يسمُّونه فاسقاً مِلِّيَّاً قد نقص إميانه بقدر ما ارتكب من معصية ،فال ينفون عنه
اإلميان أصالً ،وال يقولون :إنه خرج من امللة كاخلوارج واملعتزلة ،وال يقولون:
بأنه كامل اإلميان كاملرجئة .
وحكمه يف اآلخرة عندهم أنه قد يتجاوز اهلل عنه فيدخل اجلنة ابتداءً ،أو يعذبه
( )1
بقدر معصيته ثم خيرجه ،ويدخله اجلنة كما سبق.
اخلامتة
705 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 706
اخلامتة
حتى تقوم به حقيقةُ الكفرِ ،كما ال يلزم من قام به شعبة من شعب اإلميان أن
يصري مؤمناً حتى يقوم به أصلُ اإلميان.
_21التكفري املطلق ،أو كفر اإلطالق :هو التكفري بالعموم ،كأن يقال :من
قال :كذا وكذا ،أو فعل كذا وكذا فهو كافر ،أو فَقَدْ كَفَرَ.
وهذا النوع ال بأس بإطالقه ،بل جيب القول بعمومه.
وتكفري املعني ،أو كفر التعيني :أن يقال :إن فالناً الذي قال :كذا ،أو فعل
كذا _ كافر بعينه.
وهذا النوع ال جيوز إال إذا اجتمعت فيه _ أي املعني _ الشروط ،وانتفت يف
حقه املوانع.
_21احلكم األخروي املطلق ،وعلى املعيَّن :هو الشهادة ألحدٍ باجلنة والنار،
وهناك فرق بني الشهادة واحلكم بالعموم باجلنة والنار وبني الشهادة ألحد معيَّنٍ
بذلك.
َفيُشْهَدُ بالعموم أنَّ كلَّ مؤمنٍ يف اجلنة ،وكلَّ كافرٍ يف النار.
ولكن ال يُشهد ملعيَّنٍ باجلنة أو النار إال عن طريق النص.
_22التكفري من أعظم املسائل اليت جيب تعلمُها وفهمُها ،وهناك ضوابط يف
التكفري ،وقد ورد يف البحث ذكر لبعضها ،ومن ذلك:
أ_ أن احلكمَ على الناس إمنا يكون بالظاهر من أحواهلم.
ب_ أن اإلسالم يثبت بأدنى بيِّنة ،والتكفري ينتفي بأدنى شبهة.
ط يف التكفري؛ فال بد فيه من اجتماعِ الشروط،
ج_ أن مذهبَ أهلِ السنةِ االحتيا ُ
الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل 714
وانتفا ِء املوانع ،واستحضا ِر أن ذلك هو شأن أهل العلم ،والبصرية ،والعقل.
د _ التكفريُ ال يكون إال بعد قيام احلجة ،وتوضيحها ،وكشف شبهها.
هـ _ من األصول اجملمع عليها عند أهل السنة أنهم ال يكفرون أحداً بذنب ما مل
يستحله.
ويقصدون بالذنب :الذنب الذي هو دون الكفر ،والذي ال يَكْفُر صاحبه
كفعل الكبائر اليت هي دون الشرك.
_23هناك أفعال ،وأقوال ،واعتقادات يطلق عليها الكفر ،ويكفر مرتكبها
إذا اجتمعت فيه الشروط ،وانتفت املوانع ،وذلك كحال مَنْ جعل بينه وبني اهلل
وسائط يدعوها ،وكتارك أركان اإلسالم بالكلية ،ورادّ شرع اهلل ،أو بعضه،
ومن استهزأ باهلل أو آياته.
_24موانع التكفري :هي الصوارف اليت متنع من احلكم على املعني بالكفر؛
فالتكفري ينتفي بانتفاء شيء من الشروط ،أو وجود شيء من املوانع.
_25موانعُ التكفريِ تكاد تنحصر يف ستة ،وهي :اجلهل ،واخلطأ ،واإلكراه،
والتأويل ،والتقليد ،والعجز.
وقد ورد يف البحث تفصيل لكل واحد من هذه املوانع.
_26تنقسم الذنوب إىل صغائر ،وكبائر ،وقد ورد يف البحث بيان لذلك،
وتوضيح ملا هية الصغائر ،والكبائر.
_27ورد يف البحث مسألة إمكان تكفري احلسنات للصغائر والكبائر على حد
سواء.
_28موانع إنفاذ الوعيد :هي األسباب اليت تندفع بها العقوبة ،ويزول
710 الرسالة السادسة عشرة :اإلميان :حقيقته ،وما يتعلق به من مسائل
مُوجَب الذنوب ،وهي عشرة أسباب عرفت باالستقراء من الكتاب والسنة ،وقد
ورد يف البحث بيان هلا.
_29أهل السنة وسط يف باب اإلميان ومسائله ،فهم وسط يف باب الوعد
والوعيد بني املرجئة والوعيدية ،ووسط يف مسألة التكفري ،ووسط يف باب أمساء
الدين واإلميان.
هذا هو أهم ما ورد يف البحث ،واحلمد هلل رب العاملني.