You are on page 1of 182

C

CM

MY

CY

CMY

K
‫ساهم يف إعداد هذا الكتاب‬
‫الفريق العلمي يف جمموعة زاد‬
‫بإرشاف الشيخ حممد صالح املنجد‬
‫ح جمموعة زاد للن�شر‪1435 ،‬هـ‬
‫فهر�شة مكتبة امللك فهد الوطنية اأثناء الن�شر‬
‫املنجد‪ ،‬حممد �صالح‬
‫معاين الأذكار‪ / .‬حممد �صالح املنجد‪ - .‬الريا�ض‪1435 ،‬هـ‬
‫‪�24‬ض‪�21×14 ،‬صم‬
‫ردمك‪978-603-8047-44-6 :‬‬
‫اأ‪ .‬العنوان‬ ‫‪ .2‬ال�صالة‬ ‫‪ .1‬الأدعية والأذكار‬
‫‪1435/6624‬‬ ‫ديوي‪212.93 :‬‬

‫رقم الإيداع‪1435/6624 :‬‬


‫ردمك‪978-603-8047-44-6 :‬‬

‫الطبعة الأوىل‬
‫‪1435‬هـ‪2014/‬م‬

‫امتياز التوزيع‬ ‫النا�شر‬

‫اململكة العربية ال�شعودية ‪ -‬الريا�ض ‪ -‬املحمدية‬ ‫اململكة العربية ال�شعودية‬


‫طريق الأمري تركي بن عبدالعزيز الأول‬ ‫اخلرب ‪ -‬هاتف‪8655355 :‬‬
‫هاتف‪ - 4808654 :‬فاك�ض‪4889023 :‬‬ ‫جدة ‪ -‬هاتف‪6929242 :‬‬
‫هاتف جماين‪920020207 :‬‬ ‫�ض‪.‬ب‪ 126371 :‬جدة ‪21352‬‬
‫�ض‪.‬ب‪ 62807 :‬الريا�ض ‪11595‬‬ ‫‪www.zadgroup.net‬‬
‫معاين األذكار‬

‫املقدمة ‪7 ............................................................................‬‬
‫أمهية الذكر ومنزلته‪9 ...........................................................‬‬
‫ِذكر اهلل ليس له حدٌ حمدود ‪12...............................................‬‬
‫متى يكون العبد من الذاكرين اهلل كثري ًا؟ ‪14............................‬‬
‫أهل الذكر أسبق ‪15............................................................‬‬
‫أهل الذكر أرفع ‪16.............................................................‬‬
‫صلة الذكر بالعبادات أوثق ‪17..............................................‬‬
‫الذكر طمأنينة وسكينة ‪19....................................................‬‬
‫الذكر بركة ونعمة‪21...........................................................‬‬
‫إنه وصية رسول اهلل ﷺ ملن كثرت عليه رشائع اإلسالم ‪22.......‬‬
‫الذكر حياة القلب‪23...........................................................‬‬
‫الذكر أجور بال حدود‪25.....................................................‬‬
‫الذكر سالمة وحفظ ‪27.......................................................‬‬
‫عالمة حب اهلل كثرة ذكره ‪29................................................‬‬
‫الذكر عبودية وإعانة ‪30.......................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫معاين األذكار‬

‫قال تعاىل‪( :‬ﯪ ﯫ ﯬ) ‪32.....................................‬‬


‫الذكر خري األعامل وأزكاها عند اهللِ‪33...................................‬‬
‫الذكر عند املرور ببيوت اهلل أو حلق الذكر‪35..........................‬‬
‫يا حرس ًة عىل أهل الغفالت! ‪38............................................‬‬
‫فوائد الذكر ‪40...................................................................‬‬
‫مسائل وأحكام يف الذكر ‪43.................................................‬‬
‫مراتب الذكر ‪47.................................................................‬‬
‫العالقة بني الذكر والدعاء ‪51...............................................‬‬
‫حضور القلب يف الذكر ‪56...................................................‬‬
‫العمل بالفضائل حسب االستطاعة‪ ،‬ولو مرة ‪57.....................‬‬
‫إذا اختلفت الروايات يف العدد؟ ‪58.......................................‬‬
‫الذكر لطائف ومناسبات ‪61.................................................‬‬
‫الفرق بني الذكر املطلق واملقيد ‪63.........................................‬‬
‫الذكر املقيد بالزمان ‪66........................................................‬‬
‫الذكر املقيد باملكان ‪124 ......................................................‬‬
‫الذكر املقيد باألحوال ‪131 ..................................................‬‬

‫‪6‬‬
‫معاين األذكار‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم عىل رسول اهلل‪ ،‬وعىل آله وصحبه‬
‫ومن وااله‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫�ف لطي�ف‪ ،‬يف مع�اين األذكار‬ ‫خمت�ر خفي�ف‪ ،‬و ُمق َت َط ٌ‬


‫ٌ‬ ‫فه�ذا‬
‫الذاكر به عىل‬
‫ُ‬ ‫المجتَب�اة من األحادي�ث النبوية؛ لِ َ‬
‫يق�ف‬ ‫الرشعي�ة‪ُ ،‬‬
‫وجنانُه؛ حيث ال‬ ‫لهج به لس�انه‪ ،‬ف ُيص َقل بالذكر قل ُب�ه َ‬
‫َمعرف�ة م�ا َي َ‬
‫أنجى له ِمن عذاب اهلل ِمن ِذ ِ‬
‫كر اهلل‪.‬‬ ‫يش َء أنفع لقلب العبد‪ ،‬وال َ‬
‫بالذاك�ر أن َي ُغ َ‬
‫ف�ل قل ُبه عن معاين م�ا َيلهج به؛ فإن‬ ‫وال حيس� ُن ّ‬
‫مرشوع حلياة القل�ب‪ ،‬فإذا غفل‬
‫ٌ‬ ‫موضوع لرف الغفل�ة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الذك�ر‬
‫َ‬
‫الري ُن َقس�ا و َم ِر َض وتواردت عليه‬
‫القلب عام ُجعل حلياته و َعاله َّ‬
‫ُ‬
‫اآلفات ِ‬
‫والعلل‪.‬‬ ‫ُ‬

‫القلب فتُذهله عن معاين ما جيري‬


‫َ‬ ‫فلام كانت الغفل ُة الني تعرتي‬
‫به لسانُه آف ًة من آفاته‪ ،‬وعل ًة توجب َس َق َمه ومرضه‪ ،‬نَشطنا لوض ِع‬
‫ِ‬
‫األصل‪ ،‬وتذكري ًا لنا وإلخواننا بام‬ ‫المختر؛ تنبيه ًا عىل ه�ذا‬
‫هذا ُ‬
‫ينبغي أن نتحىل به إذا َقعدنا ُ‬
‫نذكر اهلل‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ف�إذا َذك�ر العب�دُ رب� ُه بلس�انه‪ ،‬و َع َقل قل ُب�ه عن اهلل ورس�وله‪،‬‬
‫البدن ك ُّله‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الصالح ‪ -‬صار‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫رشع هلا من‬ ‫اجلوارح ملِا ُ ِ‬
‫ُ‬ ‫ونَشطت‬
‫ج َع ب�ني ذلك و َث َب َت‬
‫ذاك�ر ًا هلل‪ ،‬بالقول واالعتق�اد والعمل‪ ،‬و َمن َ َ‬
‫هل ِذ ِ‬
‫كر اهلل َح ّق ًا‪.‬‬ ‫َعليه فهو ِمن َأ ِ‬

‫‪8‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:¬àdõæeh ôcòdG ᫪gCG‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫العيل‬ ‫إن م�ن أعظ�م ما َتيا ب�ه الروح وتس�عدُ ‪ :‬ذ َ‬
‫ك�ر خالقه�ا ِّ‬ ‫ّ‬
‫عراجها ال�ذي فيه تَرت ّقى‪ِ ،‬‬
‫وزينتُه�ا التي هبا ّ‬
‫تتحىل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫األع�ىل‪ ،‬فهو م ُ‬
‫وعُدّ ُتا التي هبا تتقوى‪.‬‬

‫ق�ال تع�اىل‪( :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬


‫ﰃ ﰄ) [األحزاب‪.[42-41 :‬‬

‫وقال تعاىل‪( :‬ﭲﭳﭴﭵﭶ) [اجلمعة‪.[10 :‬‬

‫إن ذك�ر اهلل عز وج�ل هو الدواء الذي ُيطه�ر القلب‪ ،‬والنعم ُة‬
‫العظم�ى‪ ،‬والمنح� ُة الك�رى‪ ،‬به تُس�تدفع النقم‪ُ ،‬‬
‫وتل�ب النعم‪،‬‬
‫وتُنال أع�ىل الدرجات‪ ،‬إنه ُق�وت القلوب‪ ،‬و ُق�رة العيون‪ ،‬وحيا ُة‬
‫الروح‪ ،‬وروح احلياة‪.‬‬

‫متى فارق القلوب صارت األجس�اد هلا قبور ًا‪ ،‬وهو السالح‬
‫ال�ذي يقاتَ�ل به ق ّط�اع الطري�ق‪ ،‬والماء ال�ذي ُيطفأ ب�ه التهاب‬
‫احلري�ق‪ ،‬وال ُق�وت الذي َتيا به القلوب‪ ،‬والس�بب الواصل بني‬
‫المؤمنني وعال ِم الغيوب‪ ،‬به َيس�تدفعون اآلفات‪ ،‬ويستكشفون‬

‫‪9‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وت�ون عليه�م المصيب�ات‪ ،‬إذا أظ ّل ُ‬


‫هم الب�الء فإليه‬ ‫الكُرب�ات‪َ ،‬‬
‫مفزعهم‪ ،‬وهو رياض‬
‫ُ‬ ‫ملجؤه�م‪ ،‬وإذا نزلت هبم النوازل فإلي�ه‬
‫جنته�م التي فيه�ا يتقلب�ون‪ ،‬ورؤوس أموال س�عادتم التي هبا‬
‫َيتج�رون‪ ،‬يدع القلب احلزين ضاحك ًا مرسور ًا‪ ،‬و ُيوصل الذاكر‬
‫إىل المذك�ور وجيعل�ه ذاك�ر ًا مذك�ور ًا‪ ،‬ويرف�ع درجت�ه وجيعل�ه‬
‫مشكورا مأجور ًا)‪.(1‬‬

‫طه�ر القل�ب‪ ،‬و ُيصفي النف�س‪ ،‬ويرف�ع الدرجات‪،‬‬


‫والذك�ر ُي ّ‬
‫و ُينجي من عذاب اهلل‪ ،‬وال يشء هو أنفع لقلب العبد من ذكر اهلل‪.‬‬

‫‪« :‬ذهب الذاكرون باخلري كله»‪.‬‬ ‫قال أبو بكر‬

‫ع�ذاب اهللِ من‬


‫ِ‬ ‫‪« :‬م�ا يش ٌء أنجى من‬ ‫وق�ال مع�ا ُذ ب� ُن ٍ‬
‫جبل‬
‫ِ‬
‫ذكر اهللِ»‪.‬‬

‫‪« :‬لكل يشء َج�الء‪ ،‬وإن جالء القلوب‬ ‫وق�ال أب�و الدرداء‬
‫ذكر اهلل عز وجل»‪.‬‬

‫أكثر ذكر اهلل بريء من النفاق»‪.‬‬


‫‪َ « :‬من َ‬ ‫وقال كعب بن مالك‬

‫وق�ال عبيد ب�ن عم�ري‪ :‬إن أعظمكم ه�ذا اللي�ل أن تكابدوه‪،‬‬


‫وج ُبنت�م ع�ن الع�دو أن تقاتلوه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وبخلت�م ع�ىل امل�ال أن تنفق�وه‪َ ،‬‬
‫فأكثروا من ذكر اهلل عز وجل‪.‬‬

‫وذكر الناس داء‪.‬‬ ‫كر اهلل تعاىل شفاء‪،‬‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫وقال مكحول‪ :‬ذ ُ‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬مدارج السالكني (‪.)423/2‬‬

‫‪10‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وملا شكا رجل إىل احلسن البري قسو ًة يف قلبه‪ ،‬قال له‪« :‬أذبه‬
‫بذكر اهلل»)‪.(1‬‬
‫وربام يأيت العبد يوم القيامة بسيئات أمثال اجلبال‪ ،‬فيجد لسانه‬
‫قد هدمها من كثرة ذكر اهلل تعاىل وما اتصل به)‪.(2‬‬
‫«الذكر للقلب ُ‬
‫مثل‬ ‫ُ‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫الماء للسمك‪ ،‬فكيف يكون ُ‬
‫حال السمك إذا فارق الماء؟»)‪.(3‬‬ ‫ِ‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص‪.)7180‬‬


‫)‪ (2‬اجلواب الكايف (ص‪.)161‬‬
‫)‪ (3‬الوابل الصيب (ص‪.)42‬‬

‫‪11‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪l ¬d ¢ù«d ˆG ôcPp‬‬


‫‪:Ohófi óM‬‬

‫‪« :‬إن اهلل تع�اىل مل يف�رض ع�ىل عب�اده‬ ‫يق�ول اب�ن عب�اس‬
‫فريض� ًة إال جع�ل هلا حدّ ًا معلوم� ًا ثم عذر أهله�ا يف حال العذر‬
‫غ�ري الذكر‪ ،‬ف�إن اهلل تعاىل مل جيعل ل�ه حد ًا ينتهي إلي�ه‪ ،‬ومل يعذر‬
‫أح�د ًا يف ترك�ه إال مغلوب ًا عىل تركه فق�ال‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ) [النس�اء‪ ،[103 :‬باللي�ل والنه�ار‪ ،‬يف ال�ر‬
‫والبحر‪ ،‬ويف الس�فر واحلرض‪ ،‬والغنى والفقر‪ ،‬والسقم والصحة‪،‬‬
‫والرس والعالنية‪ ،‬وعىل كل حال»)‪.(1‬‬

‫فالذك�ر هو العب�ادة املطلوبة بال حدّ تنته�ي إليه (ﯺ ﯻ‬


‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [األحزاب‪.[41 :‬‬

‫ختت�ص ب�ه (ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬


‫ّ‬ ‫وب�ال وق�ت‬
‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ) [طه‪. [130 :‬‬

‫وب�ال ح�ال تس�تثنى من�ه (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬


‫ﮛ) [آل عمران‪.[191 :‬‬

‫)‪ (1‬تفسري ابن كثري (‪.)386/6‬‬

‫‪12‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الذاكرين اهللَ كث�ري ًا والذاكرات‪ُ ،‬ختمت‬


‫وبالثنا ُء اجلمي�ل عىل ّ‬
‫صفات المس�لمني والمس�لامت والمؤمنني والمؤمنات‪ ،‬يف قوله‬
‫تع�اىل‪( :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬
‫ﯞﯟﯠ) [األحزاب‪.[35 :‬‬
‫وغدو ًا‬
‫ّ‬ ‫ق�ال ابن عب�اس‪« :‬يذك�رون اهلل يف أدب�ار الصل�وات‪،‬‬
‫وعش� ّي ًا‪ ،‬ويف المضاج�ع‪ ،‬وكلام اس�تيقظ من نومه‪ ،‬وكل�ام غدا أو‬
‫ذكر اهلل تعاىل»)‪.(1‬‬
‫راح من منزله َ‬

‫)‪ (1‬األذكار للنووي (ص‪.)10‬‬

‫‪13‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪?Gk Òãc ˆG øjôcGòdG øe óÑ©dG ¿ƒµj ≈àe‬‬

‫عن أيب سعيد اخلدري وأيب هريرة عن رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬


‫ِ‬
‫ركعتني مجيع ًا‬ ‫صل‪-‬‬ ‫من ال ىّل ِ‬
‫ي�ل فص ىّليا ‪-‬أو ىّ‬ ‫الر ُ‬
‫جل أهل ُه َ‬ ‫َ‬
‫أيق�ظ ىّ‬ ‫«إذا‬
‫ِ‬
‫اكرات»)‪.(1‬‬ ‫اكرين اهلل كثري ًا ىّ‬
‫والذ‬ ‫كتبا يف ىّ‬
‫الذ‬
‫َ‬
‫الصالح ‪-‬رمح�ه اهلل‪ -‬عن ال َق�در الذي‬ ‫وس�ئل أب�و عمرو ب�ن َّ‬
‫يص�ري به العب�د من الذاكري� َن اهلل كث�ري ًا والذاكرات‪ ،‬فق�ال‪« :‬إذا‬
‫ُ‬
‫واظب ع�ىل األذكار المأثورة المثبتة صباح ًا ومس�ا ًء يف األوقات‬‫َ‬
‫ال وهن�ار ًا‪ ،‬كان م�ن الذاكري�ن اهلل كثري ًا‬
‫واألح�وال المختلف�ة لي� ً‬
‫والذاكرات»)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬رواه أب�و داود (‪ )1309‬وابن ماجة (‪ )1335‬وصححه األلباين يف صحيح أيب‬
‫داود وغريه‪.‬‬
‫)‪ (2‬األذكار للنووي (ص‪.)11‬‬

‫‪14‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:≥Ñ°SCG ôcòdG πgCG‬‬

‫الذك�ر أكر‪ ،‬وأجره أعظم‪ ،‬وأهله أس�بق؛ ك�ام ورد يف حديث‬


‫دون»‪ ،‬قالوا‪ :‬وما‬
‫المف�ر َ‬
‫ىّ‬ ‫«س�بق‬
‫َ‬ ‫أيب هري�رة عن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫اكرات»)‪.(1‬‬
‫ُ‬ ‫اكرون اهللَ كثري ًا ىّ‬
‫والذ‬ ‫َ‬ ‫رسول اهللِ؟ قال‪ :‬ىّ‬
‫«الذ‬ ‫َ‬ ‫المفر َ‬
‫دون يا‬ ‫ّ‬
‫ب�«المف�ردون» يف احلدي�ث‪ :‬الذاك�رون اهلل كثري ًا‬
‫ّ‬ ‫فالمقص�ود‬
‫المو َلع�ون بالذكر‬‫والذاك�رات؛ ك�ام فرسه رس�ول اهلل ﷺ‪ ،‬وه�م ُ‬
‫المتفرغون له‪.‬‬
‫ّ‬
‫وفر َد بمعنى انفر َد ِبه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يقال‪ :‬فر َد برأيه وأفر َد ّ‬
‫ّاس‪ ،‬وخ�ال بمراعاة‬ ‫ُ‬
‫الرج�ل إذا تف ّقه واعت�زل الن َ‬ ‫ف�ر َد‬ ‫َ‬
‫وقي�ل‪ّ :‬‬
‫األمر والنهي)‪.(2‬‬
‫«واألظه�ر َّ‬
‫أن المرا َد‬ ‫ُ‬ ‫وق�ال احلافظ ابن رج�ب ‪-‬رمح�ه اهلل‪:-‬‬
‫ِ‬
‫االنفراد‬ ‫الذ ِ‬
‫ك�ر‪َ ،‬‬
‫دون‬ ‫وهو كث�ر ُة ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العمل‪َ ،‬‬ ‫باالنف�راد االنفرا ُد هب�ذا‬
‫ِ‬
‫المخالطة»)‪.(3‬‬ ‫عن‬ ‫ِ‬
‫القرن أو ِ‬ ‫احلس‪ ،‬إ ّما ِ‬
‫عن‬ ‫ّ ِّ‬

‫)‪ (1‬رواه مسلم (‪.)2676‬‬


‫)‪ (2‬انظر‪ :‬النهاية (‪.)425/3‬‬
‫)‪ (3‬جامع العلوم واحلكم (‪.)512/2‬‬

‫‪15‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:™aQCG ôcòdG πgCG‬‬

‫إن أه�ل الذك�ر ليس�وا س�ابقني للب�رش فحس�ب‪ ،‬ب�ل ه�م يف‬
‫مق�ام المباه�اة والمضاهاة للمالئكة الكرام؛ ف�إن أهل الذكر من‬
‫المؤمن�ني يف مكانة رفيعة عالي�ة‪ ،‬حتى لقد باهى اهلل هبم مالئكته‪،‬‬
‫أن اهللَ يباهي‬ ‫الذ ِ‬
‫كر‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫رشف ّ‬ ‫قال ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬ويكفي يف‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫أن‬‫صحيح مسل ٍم)‪ (1‬عن معاوي َة ‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأهله؛ كام يف‬ ‫مالئكت ُه‬
‫أصحابه فقال‪« :‬ما أجلسكم؟» قالوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حلقة من‬ ‫خرج عىل‬ ‫ِ‬
‫اهلل ﷺ َ‬
‫نذك�ر اهللَ ونحمد ُه عىل ما هدانا لإلس�ال ِم وم� َّن ِبه علينا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫جلس�نا‬
‫ذلك؟» قالوا‪ :‬آهللِ ما أجلس�نا ّإال َ‬
‫ذلك‪.‬‬ ‫قال‪« :‬آهللِ ما أجلس�كم ىّإل َ‬
‫جربيل فأخربين‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫قال‪« :‬أما ىّإين مل أستحلفكم هتم ًة لكم‪ ،‬ولكن أتاين‬
‫بكم المالئك َة»)‪.(2‬‬
‫أن اهللَ يباهي ُ‬
‫َّ‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم (‪.)2701‬‬


‫)‪ (2‬مدارج السالكني (‪.)400/2‬‬

‫‪16‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:≥KhCG äGOÉÑ©dÉH ôcòdG á∏°Up‬‬

‫وجوهر العبادات‪ ،‬وهو أس�اس كثري‬ ‫إن الذكر ُل ّ‬


‫ب الطاعات‪َ ،‬‬
‫م�ن الفرائض والش�عائر الظاهرة؛ إن�ه يكون قبلها تيئ�ة ألدائها‪،‬‬
‫ويك�ون معها كجزء من أعامهل�ا وأركاهنا‪ ،‬ويكون بعد الفراغ منها‬
‫ختام ًا هلا‪.‬‬

‫الذكر بالنداء وترديده‪ ،‬وذكر الميض إىل‬


‫ُ‬ ‫فالصالة مث ً‬
‫ال يسبقها‬
‫المس�جد‪ ،‬وذكر دخول المس�جد؛ وذلك لتكون م�ع اهلل‪ ،‬وتتهيأ‬
‫للدخول عليه يف الصالة‪.‬‬

‫وكذا يف الصيام؛ فإن اهلل يقول‪( :‬ﯟﯠﯡ‬


‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة‪.[185 :‬‬

‫ذك�ر اهلل وإعالن التوحي�د‪ ،‬واالس�تجاب ُة لرب‬


‫واحل�ج مب�دأه ُ‬
‫األرض والس�اموات‪ ،‬والط�واف والس�عي ذكر وتكب�ري وتليل‪،‬‬
‫ورم�ي اجل�امر إن�ام ُرشع إلقام�ة ذكر اهلل ع�ز وجل‪ ،‬وخت�ام احلج‬
‫وصي�ة بالذكر‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [البقرة‪.[200 :‬‬

‫‪17‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ويف اجله�اد أم�ر بالذك�ر‪( :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬


‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [األنفال‪. [45 :‬‬

‫‪18‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:á櫵°Sh áæ«fCɪW ôcòdG‬‬

‫يقول اهلل تعاىل‪( :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ‬


‫إخبار من اهلل عن المؤمنني‬
‫ٌ‬ ‫ﰑ ﰒ ﰓ) [الرع�د‪ ،[28 :‬فهذا‬
‫بأهنم تطمئن قلوهبم بذكره «أي يزول قلقها واضطراهبا‪ ،‬وترضها‬
‫أفراحه�ا ولذاتا‪ ،‬وحري أن ال تطمئن ليشء س�وى ذكره‪ ،‬فإنه ال‬
‫أل�ذ للقلوب وال أحىل‪ ،‬من حمبة خالقها واألُنس به ومعرفته‪،‬‬
‫يشء ّ‬
‫وعىل قدر معرفتها باهلل وحمبتها له‪ ،‬يكون ذكرها له»)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫اضطراب�ه‬ ‫ال�يش ِء‪ ،‬وع�د ُم‬ ‫ِ‬
‫القل�ب إىل ّ‬ ‫ُ‬
‫س�كون‬ ‫ف�(ال ّطمأنين� ُة‬
‫ٌ )‪(2‬‬
‫والكذب ريبة»‬ ‫دق طمأنين ٌة‪،‬‬
‫«الص ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫المعروف ّ‬
‫ُ‬ ‫األثر‬
‫وقلقه‪ .‬ومن ُه ُ‬
‫إلي�ه قلب الس�امعِ‪ ،‬وجيدُ عنده س�كون ًا ِ‬
‫إليه‪.‬‬ ‫�دق يطمئ�ن ِ‬ ‫الص ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫أي ّ‬
‫يوجب ل� ُه اضطراب ًا وارتياب� ًا‪ ،‬ومن ُه قول� ُه ﷺ‪ُّ :‬‬
‫«الرب ما‬ ‫ُ‬ ‫والك�ذب‬
‫ُ‬
‫إليه القلب»)‪ (3‬أي سكن ِ‬
‫إليه َ‬
‫وزال عن ُه اضطراب ُه وقلق ُه))‪.(4‬‬ ‫اطمأن ِ‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫)‪ (1‬تفسري السعدي (ص‪.)417‬‬


‫ً‬
‫)‪ (2‬رواه الرتمذي (‪ )2518‬عن احلسن بن عيل مرفوعا‪ ،‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أمح�د (‪ )17288‬وحس�نه األلب�اين يف صحي�ح الرتغي�ب والرتهي�ب‬
‫)‪.)1734‬‬
‫)‪ (4‬مدارج السالكني (‪.)479480/2‬‬

‫‪19‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ّبي ﷺ‬ ‫ٍ‬
‫اخلدري ّأهنام ش�هدا عىل الن ِّ‬
‫ِّ‬ ‫س�عيد‬ ‫وعن أيب هرير َة وأيب‬
‫وجل ىّإل ح ىّفتهم المالئك ُة‬
‫يذك�رون اهللَ ع َّز َّ‬
‫َ‬ ‫أنّ� ُه قال‪« :‬ل يقعدُ قو ٌم‬
‫الس�كين ُة وذكره�م اهلل فيم�ن‬
‫الرمح� ُة ونزل�ت عليه�م ىّ‬
‫وغش�يتهم ىّ‬
‫عند ُه»)‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬رواه مسلم (‪.)2700‬‬

‫‪20‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:᪩fh ácôH ôcòdG‬‬

‫يق�ول اهلل ع�ز وج�ل‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬


‫ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهي�م‪ ،[7 :‬وروى‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪َّ :‬‬
‫«إن‬ ‫ُ‬ ‫بن ٍ‬
‫مالك قال‪ :‬قال‬ ‫أنس ِ‬
‫مس�لم (‪ )2734‬عن ِ‬
‫يرشب‬ ‫َ‬
‫ي�أكل األكل َة فيحم�د ُه عليها‪ ،‬أو‬ ‫اهللَ ل�ريىض ع�ن ِ‬
‫العبد أن‬
‫َ‬
‫الرشب َة فيحمد ُه عليها»‪.‬‬
‫ىّ‬

‫إن ه�ذا مع كل طع�ام يأكله أو رشاب يرشبه‪ ،‬يذك�ر َمن َرزقه‬


‫فيلهج له باحلمد والش�كر‪ ،‬مس�تحرض ًا عظمة‬
‫وأطعم�ه وس�قاه؛ َ‬
‫المنعم سبحانه‪.‬‬
‫والركة حاصلة بالذكر بمنع ما يمحقها‪ ،‬والسالمة من تسلط‬
‫بن‬ ‫ِ‬
‫جاب�ر ِ‬ ‫الش�يطان‪ ،‬ومش�اركته للم�رء يف طعام�ه ورشاب�ه؛ فعن‬
‫فذكر اهللَ‬ ‫الر ُ‬
‫جل بيت ُه‬ ‫يقول‪« :‬إذا َ‬‫ّبي ﷺ ُ‬ ‫ِ‬
‫عبد اهللِ أ ّن ُه‬
‫َ‬ ‫دخل ىّ‬ ‫س�مع الن َّ‬
‫َ‬
‫عش�اء‪،‬‬ ‫مبيت لكم ول‬ ‫�يطان ل َ‬
‫ُ‬ ‫الش‬ ‫ِ‬
‫طعامه قال ىّ‬ ‫ِ‬
‫دخوله وعندَ‬ ‫عن�دَ‬
‫َ‬
‫المبيت‪،‬‬
‫َ‬ ‫يطان أدركتم‬‫الش ُ‬ ‫ِ‬
‫دخوله قال ىّ‬ ‫دخل فلم يذكر اهللَ عندَ‬ ‫وإذا َ‬
‫والعشاء»)‪.(1‬‬ ‫المبيت‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫طعامه قال أدركتم‬ ‫وإذا مل يذكر اهللَ عندَ‬
‫َ‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم (‪.)2018‬‬

‫‪21‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪ ˆG ∫ƒ``°SQ á«``°Uh ¬fEG‬ﷺ ‪™FGô``°T ¬«∏Y äÌc ø``Ÿ‬‬


‫‪:ΩÓ°SE’G‬‬

‫رشائع‬ ‫رسول اهللِ َّ‬


‫إن‬ ‫َ‬ ‫ال قال‪ :‬يا‬ ‫َّ‬
‫أن رج ً‬ ‫برس‬ ‫فعن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬
‫بن ٍ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بيشء أتش� ّب ُث ِبه‪ .‬قال‪« :‬ل ُ‬
‫يزال‬ ‫عيل فأخرين‬ ‫اإلس�ال ِم قد كثرت َّ‬
‫ذكر اهللِ»)‪.(1‬‬
‫لسانك رطب ًا من ِ‬
‫َ‬

‫ق�ال ال ِّطيب�ي‪« :‬رطوب ُة اللس�ان عبارة عن س�هولة جريانه‪ ،‬كام‬


‫أن ُيبس�ه عب�ارة عن ضدّ ه‪ ،‬ثم إن جريان اللس�ان حينئذ عبارة عن‬
‫مداومة الذكر»)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ ،)3375‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫)‪ (2‬دليل الفاحلني (‪.)237/7‬‬

‫‪22‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:Ö∏≤dG IÉ«M ôcòdG‬‬

‫قال‪ :‬قال‬ ‫فف�ي صحي�ح البخ�اري )‪ (6407‬عن أيب موس�ى‬


‫احلي‬
‫مثل ِّ‬‫يذكر ر ىّب� ُه ُ‬
‫يذكر ر ىّب ُه وا ىّل�ذي ل ُ‬
‫«مث�ل ا ىّل�ذي ُ‬
‫ُ‬ ‫ّب�ي ﷺ‪:‬‬
‫الن ُّ‬
‫ِ‬ ‫والمي ِ‬
‫«مثل البيت ا ىّلذي ُ‬
‫يذكر اهلل‬ ‫ت» ورواه مس�لم )‪ (779‬ولفظه‪ُ :‬‬ ‫ىّ‬
‫ت»‪.‬‬ ‫مثل احلي واملي ِ‬
‫فيه ُ‬‫والبيت ا ىّلذي ل يذكر اهلل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيه‬
‫ِّ ىّ‬ ‫ُ‬
‫وإذا كان القلب ح ّي ًا‪ ،‬كان عامر ًا باإليامن؛ كام قال تعاىل‪( :‬ﭨ‬
‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ) [الزمر‪.[23:‬‬

‫ومن قس�ا قلبه من ذكر اهلل مات قلبه‪ ،‬فويل له؛ (ﭜ ﭝ‬


‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الزم�ر‪ ،[22 :‬وجاء رجل للحس�ن يش�كو إليه‬
‫قس�وة قلب�ه فقال‪« :‬أذبه بالذك�ر»‪ ،‬وهذا ألن القلب كلام اش�تدت‬
‫به الغفلة‪ ،‬اشتدت به القسوة‪ ،‬فإذا ذكر اهلل ذابت تلك القسوة)‪.(1‬‬

‫وق�ال ابن القي�م ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬وال ري�ب أن القلب يصدأ كام‬

‫)‪ (1‬الوابل الصيب (ص‪.)71‬‬

‫‪23‬‬
‫معاين األذكار‬

‫يص�دأ النح�اس والفض�ة وغريمها‪ ،‬وج�الؤه بالذكر؛ فإن�ه َجيلوه‬


‫حتى َيدعه كالمرآة البيضاء‪ ،‬فإذا تُرك صدئ‪.‬‬
‫وص�دأ القل�ب بأمري�ن‪ :‬بالغفل�ة والذنب‪ ،‬وجالؤه بش�يئني‪:‬‬
‫َ‬
‫باالستغفار والذكر‪.‬‬
‫الصدَ ُأ مرتاكب ًا عىل قلبه‪،‬‬
‫أغلب أوقات�ه كان ّ‬
‫َ‬ ‫فم�ن كانت الغفلة‬
‫بحسب غفلته»)‪.(1‬‬
‫وصدؤه َ‬

‫)‪ (1‬الوابل الصيب (ص‪.)40‬‬

‫‪24‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:OhóM ÓH QƒLCG ôcòdG‬‬

‫عن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬من سبح اهلل يف دبر‬ ‫عن أيب هريرة‬
‫كل ص�الة ثالث� ًا وثالثني‪ ،‬ومح�د اهلل ثالث ًا وثالثني‪ ،‬وك�رب اهلل ثالث ًا‬
‫وثالثني‪ ،‬فتلك تس�ع وتس�عون‪ ،‬وق�ال يف متام املائ�ة‪ :‬ل إله إل اهلل‬
‫وح�ده ل رشيك له‪ ،‬له امللك ول�ه احلمد وهو عل كل يشء قدير‪،‬‬
‫غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»)‪.(1‬‬
‫وه�ذا يعن�ي أن الذك�ر يمح�و اهلل ب�ه الذن�وب و ُيذهبه�ا عن‬
‫صاحبها وإن كانت مثل زبد البحر‪.‬‬
‫هيجانه ومتو ِ‬
‫جه)‪.(2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجهه عندَ‬ ‫هو ما يعلو عىل‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫البحر‪َ :‬‬ ‫وزبدُ‬
‫ق�ال‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬ألن أقول‪:‬‬ ‫وع�ن أيب هري�رة‬
‫س�بحان اهلل واحلم�د هلل وال إل�ه إال اهلل واهلل أك�ر‪ ،‬أح�ب إيل مم�ا‬
‫طلعت عليه الشمس»)‪.(3‬‬
‫أحب إ َّيل من أن‬ ‫ِ‬ ‫يكون المراد َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أن هذه الكلامت ُّ‬ ‫ُ‬ ‫حيتمل أن‬ ‫قيل‪:‬‬

‫)‪ (1‬رواه مسلم (‪.)597‬‬


‫)‪ (2‬مرقاة المفاتيح (‪.)54/4‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم (‪.)2695‬‬

‫‪25‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ّب عىل‬
‫واب المرتت َ‬ ‫أن ال ّث َ‬ ‫ُ‬
‫واحلاص�ل َّ‬ ‫يك�ون يل الدّ نيا فأتصدّ َق هبا‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ثواب من تصدّ َق بجمي ِع الدّ نيا)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫قول هذا الكال ِم ُ‬
‫أكثر من‬

‫)‪ (1‬تفة األحوذي (‪.)40/10‬‬

‫‪26‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:ßØMh áeÓ°S ôcòdG‬‬

‫ٍ‬
‫شديدة‬ ‫ٍ‬
‫وظلمة‬ ‫مطر‬ ‫قال‪ :‬خرجنا يف ِ‬
‫ليلة ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خبيب‬ ‫بن‬ ‫عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬
‫ليصيل لن�ا فأدركنا ُه فقال‪ :‬أص ّليت�م؟ فلم أقل‬ ‫َ ِ‬
‫رس�ول اهلل ﷺ ّ َ‬ ‫نطل�ب‬
‫ُ‬
‫ثم قال قل‪.‬‬ ‫ثم قال قل‪ .‬فلم أقل شيئ ًا‪َّ ،‬‬
‫شيئ ًا‪ ،‬فقال قل‪ .‬فلم أقل شيئ ًا‪َّ ،‬‬
‫والمعو ِ‬
‫ذتني‬ ‫ّ‬ ‫هو اهلل أحدٌ‬
‫أقول؟ قال «ق�ل‪ :‬قل َ‬ ‫رس�ول اهللِ ما ُ‬
‫َ‬ ‫فقلت يا‬
‫ُ‬
‫كل ٍ‬ ‫تكفيك من ِّ‬ ‫ثالث مر ٍ‬
‫يشء»)‪.(1‬‬ ‫َ‬ ‫ات‬ ‫تصبح َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫وحني‬
‫َ‬ ‫حني متس‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫عن�ك َّ‬
‫يك�ون‬ ‫وحيتم�ل أن‬ ‫س�وء‪.‬‬ ‫كل‬ ‫َ‬ ‫تدف�ع‬
‫ُ‬ ‫ق�ال ال ّط ُّ‬
‫يب�ي‪ :‬أي‬
‫عام سواها)‪.(2‬‬ ‫َ‬
‫تغنيك ّ‬ ‫المعنى‪:‬‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬ما من ٍ‬
‫عبد‬ ‫ُ‬ ‫ان قال‪ :‬قال‬ ‫عثامن بن ع ّف َ‬
‫َ‬ ‫وعن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومساء ِّ ٍ‬
‫مع‬ ‫كل ليلة‪ :‬بس ِم اهلل ا ّلذي ال ُّ‬
‫يرض َ‬ ‫صباح ِّ‬
‫كل يو ٍم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يقول يف‬
‫َ‬
‫ثالث‬ ‫العليم‬ ‫�ميع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الس ُ‬ ‫وهو ّ‬ ‫الس�امء َ‬‫األرض وال يف ّ‬ ‫اس�مه يش ٌء يف‬
‫يرض ُه يش ٌء»)‪.(3‬‬ ‫ٍ‬
‫مرات مل ّ‬ ‫ّ‬
‫)‪ (1‬رواه أب�و داود (‪ )5082‬والرتم�ذي (‪ )3575‬والنس�ائي (‪ )5428‬وحس�نه‬
‫األلباين‪.‬‬
‫)‪ (2‬مرقاة المفاتيح (‪.)29/7‬‬
‫)‪ (3‬رواه أب�و داود (‪ )5088‬والرتم�ذي (‪ )3388‬وصححه‪ ،‬وابن ماجة (‪)3869‬‬
‫وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فبالذك�ر َحيف�ظ اهلل عبده من كل س�وء؛ فيحفظ علي�ه قلبه من‬


‫الرض‪.‬‬
‫تسلل الشياطني إليه‪ ،‬وحيفظ عليه نفسه وبدنه من نوازل ّ ّ‬

‫‪28‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪o‬‬
‫‪p Io Ìc ˆG ÖM áeÓY‬‬
‫‪:√ôcP‬‬

‫حب اهللِ كثر ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بيع ب ُن ٍ‬


‫بع�ض أصحابه‪ :‬عالم ُة ِّ‬ ‫أنس عن‬ ‫الر ُ‬ ‫ق�ال ّ‬
‫تب ش�يئ ًا ّإال‬ ‫ِ‬
‫الموصيل‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫فتح‬
‫أكثرت ذكر ُه‪ .‬وقال ٌ‬ ‫َ‬ ‫ذكره‪ ،‬فإن َّك لن َّ‬
‫من‬‫ع�ني‪ ،‬وقال غ�ريه‪ِ :‬‬ ‫ذك�ر اهللِ طرف� َة ٍ‬ ‫يغف�ل ع�ن ِ‬ ‫ُ‬ ‫المح�ب هللِ ال‬ ‫ُّ‬
‫إليه‪.‬‬‫االشتياق ِ‬
‫ِ‬ ‫نور‬ ‫ِ‬ ‫بالذ ِ‬
‫اش�تغل قلب ُه ولس�ان ُه ّ‬ ‫َ‬
‫قذف اهلل يف قلبه َ‬ ‫كر‪َ ،‬‬
‫المحب هللِ دوا ُم‬ ‫ِ‬
‫عالم�ة‬ ‫كان ُ‬
‫يقال‪ :‬من‬ ‫اجلني�د‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫إبراهيم ب ُن‬ ‫وق�ال‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫وجل ّإال‬ ‫عز َّ‬ ‫بذك�ر اهللِ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذ ِ‬
‫بالقلب وال ّلس�ان‪ ،‬وق ّلام َ‬
‫ولع المر ُء‬ ‫ك�ر‬ ‫ّ‬
‫حب اهللِ‪.‬‬ ‫أفا َد من ُه َّ‬
‫الون من‬ ‫س�ئم الب ّط َ‬ ‫ِ‬
‫مناجاته‪ :‬إذا‬ ‫�لف ُ‬
‫يقول يف‬ ‫بعض الس ِ‬ ‫وكان ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫جعفر‬ ‫وذكرك‪ .‬وقال أبو‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مناجاتك‬ ‫وك من‬ ‫بطالتهم‪ ،‬فلن يس�أ َم حم ّب َ‬
‫ذك�ر ر ّب ِه‪ ،‬وال يس�أ ُم من‬ ‫المح�ب هللِ ال خيل�و قلب� ُه من ِ‬ ‫ُّ‬ ‫المح�و ُّيل‪:‬‬
‫ّ‬
‫طاعته)‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬جامع العلوم واحلكم (‪.)516/2‬‬

‫‪29‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:áfÉYEGh ájOƒÑY ôcòdG‬‬

‫أباها ﷺ خادم ًا‪ ،‬واشتكت إليه ما تعانيه‬ ‫ملا س�ألت فاطمة‬


‫‪« :‬أال أد ُّلكام عىل ما‬ ‫م�ن أعامل البيت‪ ،‬ق�ال هلا ولزوجها ع�يل‬
‫هو خري لكام من خادم؟ إذا آويتام إىل فراشكام فسبحا ثالث ًا ثالثني‪،‬‬
‫وامح�دا ثالث� ًا وثالثني‪ ،‬وك�را أربع� ًا وثالثني؛ فإنه خ�ري لكام من‬
‫خادم»)‪.(1‬‬

‫ق�ال ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬الذكر يعطي الذاكر قوة‪ ،‬حتى‬
‫إن�ه ليفع�ل مع الذكر ما مل يظ�ن فعله بدونه‪ ،‬وقد ش�اهدت من‬
‫قوة ش�يخ اإلس�الم ابن تيمية يف َس�نَنه وكالم�ه وإقدامه وكتابه‬
‫أمر ًا عجيب ًا‪ ،‬فكان يكتب يف اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ‬
‫يف جع�ة وأكثر‪ ،‬وقد ش�اهد العس�كر م�ن قوته يف احل�رب أمر ًا‬
‫أن يس�بحا كل‬ ‫عظي ًام‪ ،‬وقد ع ّلم النبي ﷺ ابنته فاطمة وعلي ًا‬
‫ليل�ة إذا أخذا مضاجعه�ام ثالث ًا وثالثني وحيم�دا ثالث ًا وثالثني‬
‫ويك�را أربع ًا وثالثني ملا س�ألته اخلادم وش�كت إليه ما تقاس�يه‬
‫من الطحن والسعي واخلدمة‪ ،‬فع ّلمها ذلك وقال‪ :‬إنه خري لكام‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫معاين األذكار‬

‫م�ن خادم‪ .‬فقيل إن من داوم عىل ذل�ك وجد قوة يف يومه تغنيه‬
‫عن خادم»)‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬الوابل الصيب (ص‪.)77‬‬

‫‪31‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪( :¤É©J ∫Éb‬ﯪ ﯫ ﯬ)‪:‬‬

‫ِ‬
‫َفذ ُ‬
‫كر اهلل أك ُر من كل يشء‪ ،‬ومن كل عمل‪ ،‬وأجره فوق كل أجر‪،‬‬
‫فهو ليس كبري ًا فحسب‪ ،‬بل هو أكر‪.‬‬
‫وق�د ذكر العل�امء والمفرسون عدة ٍ‬
‫معان جدي�رة بالهتامم توضح‬
‫كون الذكر أكرب‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫ •أن ِذكر اهلل أكر من كل يشء‪ ،‬فهو أفضل العبادات‪.‬‬
‫ •أن المعنى أنكم إذا ذكرمتوه َذكَركم‪ ،‬فكان ذكره لكم أكر‬
‫من ذكركم له‪.‬‬
‫ •أن ذكر اهلل أكر من أن يبقى معه فاحشة ومنكر‪ ،‬بل إذا تم‬
‫الذكر حمق كل خطيئة ومعصية‪.‬‬
‫شيخ اإلسال ِم اب َن تيم ّي َة‬ ‫«وسمعت َ‬
‫ُ‬ ‫وقال ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫اآلي�ة (ﯣﯤﯥﯦﯧ‬ ‫ِ‬ ‫رمح� ُه اهلل ُ‬
‫يقول‪ :‬معنى‬
‫عظيمتني إحدامها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فائدتني‬ ‫أن يف الص ِ‬
‫الة‬ ‫ﯨﯩﯪﯫﯬ) َّ‬
‫ّ‬
‫وتضمنها‬ ‫ذكر اهللِ‬
‫والمنكر‪ ،‬وال ّثاني ُة‪ :‬اش�تامهلا عىل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفحش�اء‬ ‫هنيها ِ‬
‫عن‬
‫ّ‬
‫الفحشاء والمنكر»)‪.(1‬‬ ‫ِ‬ ‫أعظم من هنيها ِ‬
‫عن‬ ‫ذكر اهللِ‬
‫تضمنت ُه من ِ‬
‫ُ‬ ‫ل ُه‪ ،‬وملا ّ‬
‫)‪ (1‬مدارج السالكني (‪.)398/2‬‬

‫‪32‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪p G óæY ÉgÉcRCGh ∫ɪYC’G ÒN ôcòdG‬‬


‫ˆ‪:‬‬

‫ّب�ي ﷺ «أل أن ىّبئك�م ِ‬


‫بخري‬ ‫ع�ن أيب ال�دّ ِ‬
‫ق�ال‪ :‬ق�ال الن ُّ‬ ‫رداء‬
‫وخ�ري‬
‫ٌ‬ ‫أعاملك�م وأزكاه�ا عن�دَ مليكك�م وأرفعه�ا يف درجاتك�م‬
‫عدوكم‬‫وخري لكم م�ن أن تلقوا ىّ‬ ‫ِ‬
‫والورق‬ ‫الذ ِ‬
‫ه�ب‬ ‫لك�م من ِ‬
‫إنفاق ىّ‬
‫ٌ‬
‫«ذكر اهللِ‬
‫فترضب�وا أعناقهم ويرضبوا أعناقكم؟» قالوا ب�ىل‪ .‬قال‪ُ :‬‬
‫تعاىل»)‪.(1‬‬
‫فانظ�ر إىل ه�ذه المقارنة الملموس�ة بأعامل معروف�ة بعظمتها‬
‫وكث�رة أجره�ا‪ ،‬وقد جعل الذك�ر أكثر منه�ا أجر ًا فق�ال‪( :‬وخري‬
‫لكم من إنفاق الذهب والورق‪ ،‬وخري لكم من أن تلقوا عدوكم)‬
‫فق�ارن الذك�ر وأج�ره باإلنفاق الم�ايل‪ ،‬وهو عب�ادة متعدية النفع‬
‫عظيم�ة األج�ر الحتياجه�ا إىل جماه�دة النف�س‪ ،‬ومغالبة ش�حها‬
‫وش�هوتا يف التمل�ك واالس�تزادة‪ ،‬وكذلك قارن الذك�ر باجلهاد‬
‫أرفع ش�أن ًا‪،‬‬
‫العميل الذي تبذل فيه المهج واألرواح‪ ،‬فكان الذكر َ‬
‫وأعظم أجر ًا‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ )3377‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ •إشكال وح ىّله‪:‬‬
‫كيف يكون الذكر أفضل من اجلهاد؟!‬
‫مع ما‬ ‫قال احلافظ‪« :‬وقد أرشت ِ‬
‫إليه مستش�ك ً‬
‫ال يف أوائل اجلهاد َ‬
‫كالصائ ِم ال يفطر وكالقائ ِم ال يفرت وغري‬
‫ور َد يف فض�ل المجاهد أ ّن ُه ّ‬
‫الصاحلة‪ ،‬وطريق‬ ‫ي�دل عىل أفضل ّيته عىل غريه من األع�امل ّ‬‫ذل�ك ممّا ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بذك�ر اهلل يف حدي�ث أيب الدّ رداء‪:‬‬ ‫اجلم�ع ‪-‬واهللّ أعل�م‪َّ -‬‬
‫أن الم�راد‬
‫الذك�ر الكامل وهو م�ا جيتمع ِ‬
‫فيه ذكر ال ّلس�ان والقل�ب بالتّفك ِّر يف‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ذلك يكون‬ ‫وأن ا ّلذي حيصل ل ُه َ‬
‫المعنى واستحضار عظمة اهلل تعاىل َّ‬
‫ال من غري استحضار َ‬
‫لذلك‪.‬‬ ‫أفضل ممّن يقاتل الك ّفار مث ً‬

‫المجرد‪،‬‬ ‫وأن أفضلي�ة اجلهاد إنّام هي بالن ِ‬


‫ّس�بة إىل ذكر ال ّلس�ان‬ ‫َّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫بلسانه وقلبه واستحضاره‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جع َ‬
‫ذلك كمن يذكر اهلل‬ ‫ّفق ل ُه أ ّن ُه َ‬
‫فمن ات َ‬
‫ذلك حال صالته أو يف صيامه أو تصدّ قه أو قتاله الك ّفار مث ً‬
‫ال‬ ‫وكل َ‬ ‫ّ‬
‫بلغ الغاية القصوى‪ ،‬والعلم عند اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫فهو ا ّلذي َ‬ ‫َ‬
‫يب بأ ّن ُه ما من عمل صالح ّإال‬
‫وأج�اب القايض أبو بكر بن العر ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والذكر مش�رتط يف تصحيحه‪ ،‬فمن مل يذك�ر اهلل بقلبه عند صدقته‬ ‫ّ‬
‫فصار ّ‬
‫الذكر أفضل األعامل من‬ ‫َ‬ ‫فليس عمله كامالً‪،‬‬
‫ال َ‬ ‫أو صيامه مث ً‬
‫ِ‬
‫هذه احليث ّية»)‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬فتح الباري (‪.)210/11‬‬

‫‪34‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:ôcòdG ≥∏M hCG ˆG 䃫ÑH QhôŸG óæY ôcòdG‬‬

‫بن ٍ‬
‫مالك‬ ‫أنس ِ‬
‫روى أمح�د )‪ (12114‬والرتمذي )‪ (3510‬عن ِ‬
‫برياض اجلن ِ‬
‫ىّ�ة فارتعوا»‪ .‬قالوا‬ ‫ِ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ ق�ال «إذا مررت�م‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫الذ ِ‬
‫كر»)‪.(1‬‬ ‫«حلق ىّ‬
‫ُ‬ ‫رياض اجلن ِّة؟ قال‪:‬‬
‫وما ُ‬
‫قال‪:‬‬ ‫وعند الرتمذي )‪ (3509‬بس�ند فيه ضعف عن أيب هرير َة‬
‫ىّ�ة فارتع�وا» ُ‬
‫قلت‪ :‬يا‬ ‫برياض اجلن ِ‬
‫ِ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬إذا مررت�م‬
‫ُ‬ ‫ق�ال‬
‫تع يا‬
‫الر ُ‬
‫قلت‪ :‬وما ّ‬‫رياض اجلن ِّة؟ قال‪« :‬المس�اجدُ » ُ‬ ‫رس�ول اهللِ وما ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫«سبحان اهلل واحلمدُ اهلل ول إل َه ىّإل اهلل واهلل ُ‬
‫أكرب»‪.‬‬ ‫رسول اهللِ؟ قال‪:‬‬
‫َ‬
‫أرض خمرض ٌة بأنوا ِع الن ِ‬
‫ّبات‪.‬‬ ‫وهي ٌ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫الروضة َ‬
‫جع ّ‬‫ياض ُ‬
‫الر ُ‬
‫ّ‬
‫والمس�تلذات‪ ،‬كام هو‬
‫والرتع هو التوس�ع يف األكل والرشب ُ‬
‫عادة الناس إذا خرجوا إىل الرياض‪.‬‬
‫الذ ِ‬
‫كر) وبني قوله (المس�اجدُ ) ‪-‬لو‬ ‫(حلق ّ‬
‫ُ‬ ‫بني قوله‬
‫وال تن�ايف َ‬
‫أعم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الذ ِ‬
‫حل�ق ّ‬ ‫ص�ح‪-‬؛ َّ‬
‫فهي ُّ‬‫تصدق بالمس�اجد وغريه�ا َ‬ ‫كر‬ ‫َ‬ ‫ألن‬
‫ُ‬
‫أفضل‪ ،‬وألهنا بيوت الذكر أصالً‪.‬‬ ‫ألهنا‬
‫وخصت المساجدُ هنا ّ‬
‫ّ‬

‫)‪ (1‬حسنه األلباين يف الصحيحة (‪.)2562‬‬

‫‪35‬‬
‫معاين األذكار‬

‫(ﯩ ﯪ)‪:‬‬
‫وأعظم ِمن كل ما ُذكر ما جاء يف قوله تعاىل‪( :‬ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [البقرة‪.[152 :‬‬
‫فأم�ر تعاىل المؤمن�ني بذكره‪ ،‬ووعد عليه أفض�ل اجلزاء‪ ،‬وهو‬
‫وأي فخر‬
‫ف�أي رشف أعظم‪ّ ،‬‬
‫الثن�اء يف المأل األعىل عىل َمن ذكره ّ‬
‫أك�ر م�ن أن يذك�رك رب العالمني؟ ويف احلدي�ث اإلهلي عن أيب‬
‫ظن‬ ‫ّبي ﷺ‪ُ :‬‬
‫يقول اهلل تع�اىل‪« :‬أنا عندَ ِّ‬ ‫هري�ر َة أن�ه قال‪ :‬ق�ال الن ُّ‬
‫ِ‬
‫نفس�ه ذكرت ُه يف نفيس‬ ‫عب�دي يب وأن�ا مع ُه إذا ذكرين‪ ،‬فإن ذكرين يف‬
‫ٍ‬
‫بش�رب‬ ‫إيل‬ ‫إل ٍ‬ ‫إل ذكرت ُه يف م ٍ‬
‫وإن ذك�رين يف م� ٍ‬
‫تقر َب َّ‬
‫خ�ري منهم‪ ،‬وإن ىّ‬
‫بت ِ‬
‫إليه باع ًا‪ ،‬وإن أتاين‬ ‫تقر ُ ِ‬
‫إيل ذراع ًا ىّ‬
‫تقر ُ‬ ‫تقر َب َّ‬ ‫بت إليه ذراع ًا‪ ،‬وإن ىّ‬ ‫ىّ‬
‫يميش أتيت ُه هرول ًة» (متفق عليه)‪.‬‬
‫ِ‬
‫لذك�ر اهلل تع�اىل إال ه�ذا الفض�ل لك َفى ب�ه رشف ًا‬ ‫فل�و مل يك�ن‬
‫وفضالً‪.‬‬
‫ولي�س الش�أن أن يذكر الفق�ري الغني‪ ،‬وال الضعي�ف القوي‪،‬‬
‫وإنام الشأن أن يذكر الغني الفقري‪ ،‬والقوي الضعيف‪.‬‬
‫الفق�ري كان ِذك�ره ل�ه‬
‫َ‬ ‫الكري�م العب�دَ‬
‫ُ‬ ‫الغن�ي‬
‫ُّ‬ ‫ال�رب‬
‫ُّ‬ ‫وإذا ذك�ر‬
‫عالم� ًة عىل َوصل�ه ب ّ‬
‫ره وكرمه‪ ،‬فام ظنُّك بأك�رم األكرمني وأجود‬
‫ِ‬
‫األجودين إذا ذكر عبده الذاكر وريض عنه؟‬
‫َ‬
‫ش�يخ اإلس�ال ِم اب َن‬ ‫«وس�ألت‬
‫ُ‬ ‫وق�ال ابن القي�م ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫الر ُّب س�بحان ُه يرىض‬ ‫فقلت ل� ُه‪ :‬إذا َ‬
‫كان ّ‬ ‫ُ‬ ‫تيم ّي� َة ‪-‬رمح� ُه اهلل‪ -‬يوم ًا‬

‫‪36‬‬
‫معاين األذكار‬

‫جيوز أن‬ ‫ِ‬


‫خمالفته‪ ،‬فه�ل ُ‬ ‫ويغض�ب من‬ ‫ِ‬
‫بتوبته‬ ‫ويف�رح‬ ‫ِ‬
‫العب�د‬ ‫ِ‬
‫بطاع�ة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذلك؟ فقال َيل‪:‬‬‫وغري َ‬‫المحدث يف القدي ِم ح ّب ًا وبغض ًا وفرح ًا َ‬ ‫ُ‬ ‫يؤ ّث َر‬
‫ِ‬
‫والفرح‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والغضب‬ ‫الرضا‬
‫أس�باب ّ‬ ‫َ‬ ‫هو ا ّلذي َ‬
‫خلق‬ ‫الر ُّب س�بحان ُه َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ذلك التّأ ّث ُر من غريه‪ ،‬بل من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإنّام كانت بمشيئته وخلقه‪ ،‬فلم يكن َ‬
‫خيلق‬
‫حمال‪ ،‬وأ ّما أن َ‬ ‫فيه فهذا ٌ‬ ‫بنفسه‪ ،‬والممتنع أن يؤ ّثر غريه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفس�ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هو أسباب ًا ويشاءها ويقدّ رها تقتيض رضا ُه وحم ّبت ُه وفرح ُه وغضب ُه‪:‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وإليه يعو ُد»)‪.(1‬‬ ‫ذلك من ُه بد َأ‬‫فإن َ‬ ‫ٍ‬
‫بمحال‪َّ ،‬‬ ‫ليس‬
‫فهذا َ‬

‫)‪ (1‬مدارج السالكني (‪.)405/2‬‬

‫‪37‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪k‬‬
‫‪!äÓبdG πgCG ≈∏Y Iô°ùM‬‬ ‫‪Éj‬‬

‫فالغفلة إذ ًا عن ذكر اهلل عز وجل خسارة عظيمة‪ ،‬مع ما يوجبه‬


‫ذلك من احلرسة‪ ،‬وما يؤدي إليه من قسوة القلب‪.‬‬
‫جلس قو ٌم جملس� ًا مل‬
‫ّبي ﷺ قال‪« :‬ما َ‬
‫عن الن ِّ‬ ‫ع�ن أيب هرير َة‬
‫ش�اء‬ ‫كان عليهم تر ًة فإن‬ ‫يذك�روا اهللَ ِ‬
‫فيه ومل يص ىّل�وا عل نب ىّيهم ىّإل َ‬
‫َ‬
‫غفر هلم»)‪.(1‬‬
‫شاء َ‬ ‫عذهبم وإن َ‬ ‫ىّ‬
‫وقال الرتمذي عقبه‪« :‬ومعنى ِ‬
‫قوله ترةً‪ :‬يعني حرس ًة وندام ًة»‪.‬‬
‫وتقصرياتم‬ ‫عذهبم» أي‪ :‬بذنوهبم الس ِ‬
‫�ابقة‬ ‫وقوله‪« :‬فإن ش�ا َء ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫يبي ‪-‬رمح ُه اهلل‪ :-‬قول ُه‪« :‬فإن ش�ا َء ّ‬ ‫ِ‬
‫عذهبم» من‬ ‫الالحقة‪ .‬وقال ال ّط ُّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫المجلس ما‬ ‫يصدر من ِ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬
‫وحيتم�ل أن‬ ‫ّش�ديد والت ِ‬
‫ّغليظ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باب الت‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫حصائد ألسنتهم)‪.(2‬‬ ‫يوجب العقوب َة من‬
‫ُ‬
‫ذل�ك أن أه�ل المجلس إذا غفلوا عن الذك�ر كان ذلك أدعى‬
‫تتم‬
‫هب�م أن يقعوا بألس�نتهم فيام يس�توجب هلم العقوب�ة؛ وبذلك ّ‬
‫عليهم احلرسة‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ )3380‬وصححه‪ ،‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫)‪ (2‬مرقاة المفاتيح (‪.)37/8‬‬

‫‪38‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فم�ن فضائ�ل الذك�ر حفظ اللس�ان م�ن الوق�وع يف المهالك‬‫ِ‬


‫ىّ�اس يف الن ِ‬
‫ىّار عل‬ ‫يك�ب الن َ‬
‫ُّ‬ ‫المردي�ة‪ ،‬وق�د ق�ال النب�ي ﷺ‪« :‬وهل‬
‫وجوههم أو عل مناخرهم ىّإل حصائدُ ألسنتهم؟»)‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ )2541‬وصححه األلباين يف الصحيحة (‪.)1122‬‬

‫‪39‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:ôcòdG óFGƒa‬‬

‫للذك�ر فوائ�د كثرية تعود عىل الذاكر باخل�ري والفضل يف الدنيا‬


‫واآلخرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ •أنه َيطرد الشيطان ويقمعه ويكرسه‪.‬‬
‫ •أنه ُيريض الرمحن عز وجل‪.‬‬
‫اهلم والغم عن القلب‪.‬‬
‫ •أنه ُيزيل ّ‬
‫الفرح والرسور وال َبسط‪.‬‬
‫َ‬ ‫ •أنه َجيلب للقلب‬
‫ •أنه ُيفرح القلب ويقويه‪.‬‬
‫ •أنه َي ّنور الوجه والقلب‪.‬‬
‫ •أنه َجيلب الرزق‪.‬‬
‫الذاكر المهاب َة واحلالوة والنرضة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ •أنه َيكسو‬
‫ •أنه يورثه المحب َة التي هي روح اإلسالم‪.‬‬
‫ •أنه يورثه المراقب َة حتى ُيدخله يف باب اإلحسان‪.‬‬
‫ •أنه يورثه اإلناب َة‪ ،‬وهي الرجوع إىل اهلل عز وجل‬
‫ •أنه يورثه اهليب َة لربه عز وجل وإجالله‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ •أنه يورثه جال َء القلب من صدئه‪.‬‬


‫ •أن�ه حي�ط اخلطاي�ا و ُيذهبه�ا‪ ،‬فإن�ه م�ن أعظ�م احلس�نات‪،‬‬
‫واحلسنات يذهبن السيئات‪.‬‬
‫ •أنه يزيل الوحش َة بني العبد وبني ربه تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫دافع للنق�م‪ ،‬فام اس�تُجلبت نعم اهلل عز‬
‫ •أن�ه ج�ال ٌَّب للنعم‪ٌ ،‬‬
‫وجل‪ ،‬وال استُدفعت نقمه بمثله‪.‬‬
‫ •أنه نجا ٌة من الشدائد‪.‬‬
‫ •أنه ٌ‬
‫أمان من احلرسة يوم احلرسة‪.‬‬
‫أيرس العبادات‪ ،‬وهو من أج ِّلها وأفضلها‪.‬‬
‫ •أنه ُ‬
‫ •أن العط�اء والفضل ال�ذي ُرتِّب عليه مل ُيرتَّب عىل غريه من‬
‫األعامل مثله‪.‬‬
‫َ‬
‫األمان من نس�يانه‬ ‫ •أن دوام ذكر الرب تبارك وتعاىل يوجب‬
‫الذي هو سبب شقاء العبد‪.‬‬
‫األوقات واألحوال مثله‪.‬‬
‫َ‬ ‫ •أنه ليس يف األعامل يشء يعم‬
‫ذكر اهلل عز‬
‫ •أن يف القلب خلة َوفاقة ال َيس�دها يشء البتة إال ُ‬
‫وجل‪.‬‬
‫ •أن الذك�ر يعطي الذاكر قوة‪ ،‬حتى إنه ليفعل مع الذكر ما ال‬
‫يطيق فعله بدونه)‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬الوابل الصيب (ص‪.)4182‬‬

‫‪41‬‬
‫معاين األذكار‬

‫قال الشيخ السعدي ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬

‫إل�ه الع�رش رس ًا ومعلِن� ًا‬


‫فذك�ر ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واهلم عن�ك و َيطر ُد‬
‫َّ‬ ‫ُيزي�ل الش�قا‬
‫ِ‬
‫للخ�ريات دني�ا وآج�ال‬ ‫وجي ُل ُ‬
‫�ب‬
‫يرشد‬ ‫ِ‬
‫س�واس يوما ىّ‬
‫ُ‬ ‫الو‬
‫وإن يأتك َ‬
‫خت�ار يوم ًا لصحبه‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫أخرب ُ‬
‫فقد َ‬
‫الس�بق ُم ِ‬
‫فر ُد‬ ‫كث�ري ِّ‬
‫الذكر يف َّ‬ ‫َ‬ ‫ب�أن‬
‫َّ‬
‫ووص مع�اذ ًا َيس�تعني إهل�ه‬
‫َّ‬
‫عل ذكره والش�كر باحلسن يعبدُ‬
‫وأوص لشخص قد أتى لنصيحة‬
‫وق�د كان يف مح�ل الرشائ�ع َجي َهد‬
‫ب�أن ل َ‬
‫ي�زال رطب� ًا لس�انُك هذه‬
‫تع�ني ع�ل كل األم�ور وت ِ‬
‫ُس�عد‬

‫‪42‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:ôcòdG ‘ ΩɵMCGh πFÉ°ùe‬‬

‫ •معنى الذكر ودللته‪:‬‬


‫الذكر‪ :‬ضد الغفلة والنسيان‪ ،‬والغفلة‪ :‬ترك الذكر عمد ًا‪ ،‬وأما‬
‫النسيان‪ :‬فرتكه عن غري عمد‪.‬‬

‫ول�ذا فالغفل�ة مذك�ورة يف الق�رآن الكري�م يف مع�رض النهي‬


‫والتحذي�ر؛ ك�ام يف قول�ه تع�اىل (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ) [الكهف‪.[28 :‬‬

‫بينام النسيان ليس كذلك لعدم صدوره عن قصد‪ ،‬ومن هنا جاء‬
‫التوجي�ه القرآين العظي�م (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الكه�ف‪،[24 :‬‬
‫أن الغفل َة‬ ‫ِ‬
‫ّس�يان‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫الغفلة والن‬ ‫بني‬ ‫ُ‬
‫«الفرق َ‬ ‫قال ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫ِ‬
‫اختياره‪ ،‬وهلذا قال تعاىل‪:‬‬ ‫ترك ِ‬
‫بغري‬ ‫ّس�يان ٌ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الغافل‪ ،‬والن‬ ‫ِ‬
‫باختيار‬ ‫ٌ‬
‫ترك‬
‫(ﯮﯯﯰﯱ) [األع�راف‪ ،[205 :‬ومل يق�ل‪« :‬وال تك�ن م� َن‬
‫ِ‬
‫ّكليف فال ينهى عن ُه»)‪.(1‬‬
‫تت الت‬ ‫ُ‬
‫يدخل َ‬ ‫فإن الن َ‬
‫ّسيان ال‬ ‫ّاسني»؛ َّ‬
‫الن َ‬

‫)‪ (1‬مدارج السالكني (‪.)405406/2‬‬

‫‪43‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ •والذكر يشمل معنيني‪:‬‬


‫األول‪ :‬معنى التذكىّر واس�تحضار ال�يشء يف الذهن‪ ،‬كقولك‪:‬‬
‫ذك�رت حادث�ة ك�ذا وك�ذا‪ ،‬إذا اس�تحرضتا يف ذهن�ك‪ ،‬وم�رت‬
‫دقائقها بمخيلتك‪ ،‬وهذا المعنى ضد النسيان‪.‬‬

‫فأص�ل الذك�ر‪ :‬التنب�ه بالقل�ب للمذك�ور والتيق�ظ ل�ه‪ ،‬ومنه‬


‫قول�ه تع�اىل‪( :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [البق�رة‪ ،[40 :‬أي‬
‫تذكّروها)‪.(1‬‬

‫والمقصود به تَذكّر اهلل واستحضار عظمته وخشيته‪ ،‬ومراقبته‬


‫ونعمت�ه حت�ى يكون القل�ب له مع ّظ� ًام‪ ،‬ومن�ه خائف ًا ول�ه مراقب ًا‪،‬‬
‫ولنعمته شاكر ًا‪.‬‬
‫ٌ‬
‫استعامل غالب‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬فالن‬ ‫والثاين‪ :‬النطق باللسان‪ ،‬وهو‬
‫يواظ�ب ع�ىل األذكار‪ ،‬أي يتلفظ هب�ا‪ ،‬ومنه قول�ه تعاىل‪( :‬ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [األحزاب‪.[41 :‬‬

‫اللس�اين هو ثمرة ذكر القلب‪ ،‬وش�اهد عليه‪ ،‬ومرتجم‬


‫ّ‬ ‫فالذكر‬
‫عن�ه‪ ،‬فمن ع ّظم اهلل يف قلبه س� ّبح وه ّلل ّ‬
‫وكر بلس�انه‪ ،‬ومن خافه‬
‫(وس�مي القول باللس�ان ذكر ًا؛ ألنه داللة عىل الذكر‬
‫ترضع ودعا ُ‬
‫القلبي‪ ،‬غري أنه قد كثر اس�م الذكر عىل القول اللس�اين حتى صار‬
‫هو السابق إىل الفهم))‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬المفهم (‪.)6/7‬‬


‫)‪ (2‬المفهم (‪.)6/7‬‬

‫‪44‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ •الذكر رشع ًا له إطالقان‪:‬‬

‫األول‪ :‬إط�الق ع�ام‪ :‬ويش�مل كل أنواع العب�ادات من صالة‬


‫وصي�ام وحج وقراءة قرآن وثناء ودعاء وتس�بيح وتميد ومتجيد‬
‫وغ�ري ذلك من أنواع الطاع�ات؛ ألهنا إنام تُقام لذك�ر اهلل وطاعته‬
‫وعبادته‪.‬‬

‫«كل م�ا تك ّل َم ِبه‬


‫قال ش�يخ اإلس�الم اب�ن تيمية ‪-‬رمح�ه اهلل‪ّ :-‬‬
‫ِ‬
‫وتعليمه‬ ‫يقر ُب إىل اهللِ من تع ّل� ِم عل ٍم‬ ‫ال ّل ُ‬
‫القلب ممّا ّ‬
‫ُ‬ ‫وتص�ور ُه‬
‫ّ‬ ‫س�ان‬
‫ذكر اهللِ»)‪.(1‬‬
‫فهو من ِ‬ ‫وهني عن ٍ‬ ‫بمعروف ٍ‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫منكر َ‬ ‫وأمر‬

‫وقال عبد الرمحن بن سعدي ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬وإذا ُأطلق ُ‬


‫ذكر اهلل‬
‫قلبي أو‬ ‫فكر أو ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عقيدة أو ٍ‬ ‫شمل َّ‬
‫َ‬
‫عمل ٍّ‬ ‫قرب العبدَ إىل اهلل من‬‫كل ما ُي ِّ‬
‫عم�ل بدين أو ٍ‬
‫ثناء عىل اهلل أو تعل ِم عل ٍم ناف ٍع وتعليمه ونحو ذلك‪،‬‬ ‫ٍ ٍّ‬
‫فكله ذكر هلل تعاىل»)‪.(2‬‬

‫الث�اين‪ :‬إطالق خاص‪ :‬وهو ُ‬


‫ذكر اهلل باأللفاظ التي وردت عن‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل من تالوة كتابه أو إجراء أسامئه أو صفاته العليا‬
‫عىل لس�ان العبد أو قلبه مما ورد يف كتاب اهلل س�بحانه‪ ،‬أو األلفاظ‬
‫التي وردت عىل لس�ان رس�وله ﷺ‪ ،‬وفيها متجيد وتنزيه وتقديس‬
‫وتوحيد هلل تعاىل‪.‬‬

‫)‪ (1‬جمموع الفتاوى (‪.)661/10‬‬


‫)‪ (2‬الرياض النرضة (ص‪.)245‬‬

‫‪45‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الشارع بلفظه‬
‫ُ‬ ‫قال ابن عالن‪« :‬أصل وضع الذكر هو ما تع َّبدَ نا‬
‫مما يتعلق بتعظيم احلق والثناء عليه»)‪.(1‬‬
‫والم�راد م�ن الذك�ر‪ :‬حض�ور القل�ب‪ ،‬فينبغي أن يك�ون هو‬
‫مقص�و َد الذاك�ر فيحرص عىل تصيل�ه ويتد ّبر ما يذك�ر‪ ،‬ويتع َّقل‬
‫معناه)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)396/1‬‬


‫)‪ (2‬األذكار (ص‪.)13‬‬

‫‪46‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:ôcòdG ÖJGôe‬‬

‫ك�ر اهلل ع�ز وج�ل يك�ون بالقلب ويك�ون باللس�ان ويكون‬ ‫ِ‬
‫ذ ُ‬
‫باجل�وارح‪ ،‬فالقل�ب‪ :‬بالتفك�ر‪ ،‬واللس�ان‪ :‬بالنط�ق‪ ،‬واجل�وارح‪:‬‬
‫بالعمل‪.‬‬
‫فالذك�ر يك�ون بالقل�ب‪ ،‬ويك�ون باللس�ان‪ ،‬ويك�ون بالقلب‬
‫واللسان مع ًا‪.‬‬
‫أم�ا ِذك�ر القل�ب فمعن�اه‪ :‬التفك�ر والتدبر يف عظم�ة اهلل تعاىل‬
‫وجالله وآياته الرشعية‪ ،‬والقرآن وأحكامه‪ ،‬وآيات اهلل يف خملوقاته‬
‫كالسامء واألرض والشمس والقمر‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫كر اهلل تعاىل بالقلب‪ :‬أن َيذكره المسلم بقلبه عند أوامره‬‫ومن ِذ ِ‬
‫ِ‬
‫ونواهيه‪ ،‬فيأيت بام ُأمر وينتهي عام ُ ِهني عنه‪ .‬قاله القايض عياض)‪.(1‬‬
‫كر اهلل باللسان يكون بالتسبيح والتهليل واالستغفار وقراءة‬ ‫ِ‬
‫وذ ُ‬
‫القرآن وكل قول يقرب إىل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وأكمل المراتب‪ :‬أن جيمع الذاكر بني ذكر القلب وذكر اللسان‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)106/1‬‬

‫‪47‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ق�ال الن�ووي ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬الذك�ر يك�ون بالقل�ب‪ ،‬ويكون‬


‫اقتر‬
‫َ‬ ‫كان بالقلب واللسان جيع ًا‪ ،‬فإن‬ ‫ُ‬
‫واألفضل منه ما َ‬ ‫باللسان‪،‬‬
‫فالقلب أفضل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عىل أحدمها‬
‫الذكر باللس�ان مع القل�ب خوف ًا من أن‬
‫ُ‬ ‫ث�م ال ينبغ�ي أن ُي َ‬
‫رتك‬
‫يذكر هبام جيع� ًا و ُيقصدُ به وج ُه اهلل تعاىل‪ ،‬وقد‬
‫ُيظ� َّن به الرياء‪ ،‬بل ُ‬
‫قدّ منا عن ال ُف َضيل ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬أن ترك العمل ألجل الناس رياء‪.‬‬
‫تطرق‬
‫باب مالحظة الناس‪ ،‬واالحرتاز من ّ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان عليه َ‬ ‫ولو فتح‬
‫أكثر أبواب اخلري‪ ،‬وض َّيع عىل نفس�ه‬
‫ظنوهن�م الباطلة النس�دَّ عليه ُ‬
‫شيئ ًا عظي ًام من ّ‬
‫مهامت الدين»)‪.(1‬‬
‫الذكر باجل�وارح‪ :‬فهو العمل بطاع�ة اهلل‪ ،‬فكل من عمل‬
‫ُ‬ ‫وأم�ا‬
‫غري‬
‫بطاع�ة اهلل فهو ذاكر هلل‪ .‬ق�ال النووي‪« :‬اعلم أن فضيلة الذكر ُ‬
‫ٍ‬
‫منح�رة يف التس�بيح والتهليل والتحميد والتكب�ري ونحوها‪ ،‬بل‬
‫ذاكر هلل تعاىل‪ ،‬كذا قاله س�عيدُ بن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫عام�ل هلل تع�اىل بطاعة فه�و ٌ‬ ‫كل‬
‫ُجبري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬وغريه من العلامء‪.‬‬
‫جمال�س احلالل‬
‫ُ‬ ‫جمال�س ِّ‬
‫الذكر هي‬ ‫ُ‬ ‫وق�ال عط�اء ‪-‬رمح�ه اهلل‪:-‬‬
‫وتنك�ح وتط ّلق‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وتصيل وتص�و ُم‬ ‫وتبي�ع‬
‫ُ‬ ‫واحل�رام‪ ،‬كي�ف تش�رتي‬
‫وتج‪ ،‬وأشباه هذا»)‪.(2‬‬
‫ّ‬
‫فالص�الة من ذكر اهلل‪ ،‬واجلهاد من ذك�ر اهلل‪ ،‬وبر الوالدين من‬
‫ذكر اهلل‪ ،‬وصلة األرحام من ذكر اهلل‪ ،‬وإعانة المسلم من ذكر اهلل‪،‬‬

‫)‪ (1‬األذكار (ص‪.)9‬‬


‫)‪ (2‬األذكار (ص‪.)910‬‬

‫‪48‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ون�رة المظلوم من ذك�ر اهلل‪ ،‬وتع ّلم العلم وتعليمه من ذكر اهلل‪،‬‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ذكر اهلل‪.‬‬
‫نفسه وأن ُي َ‬
‫رك لسانه؟‬ ‫هل يشرتط يف الذكر أن ي ِ‬
‫الذاكر َ‬
‫ُ‬ ‫سمع‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األذكار التي تقال باللسان كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد‬
‫والتهليل‪ ،‬وأذكار الصباح والمساء والنوم ودخول اخلالء وغريها‬
‫ال بد فيها من تريك اللسان‪ ،‬وال ُي َعدّ اإلنسان ذاكر ًا إال إذا حرك‬
‫هبا لسانه‪.‬‬

‫والفضائ�ل ال�واردة يف ال�رشع‪َ ( :‬م�ن قال ك�ذا وكذا فل�ه كذا) ال‬
‫حيصل هذا الثواب الموعود به إال بالتلفظ باللس�ان‪ ،‬وأما جمرد التفكر‬
‫بالقل�ب فال حيص�ل به هذا الثواب اخل�اص باتفاق العل�امء ‪-‬نقله ابن‬
‫حجر اهليتمي‪ -‬وإن كان يثاب من جهة أخرى وهي التفكر والتدبر)‪.(1‬‬

‫س�ئل اإلمام مال�ك ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن الذي يق�رأ يف الصالة‪ ،‬ال‬
‫نفس�ه‪ ،‬وال حيرك به لس�ان ًا‪ .‬فقال‪« :‬ليس�ت هذه‬ ‫ِ‬
‫ُيس�م ُع أحد ًا وال َ‬
‫قراءة‪ ،‬وإنام القراءة ما حرك له اللسان»)‪.(2‬‬

‫وقال الكاس�اين ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬القراءة ال تك�ون إال بتحريك‬


‫اللس�ان باحلروف‪ ،‬فالمصيل القادر عىل القراءة إذا مل ُحيرك لس�انه‬
‫باحلروف ال توز صالته»)‪ (3‬انتهى بترف يسري‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)106/1‬‬


‫)‪ (2‬البيان والتحصيل (‪.)490/1‬‬
‫)‪ (3‬بدائع الصنائع (‪.)118/4‬‬

‫‪49‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وي�دل ع�ىل ذل�ك أيض� ًا‪ :‬أن العل�امء منع�وا اجلنب م�ن قراءة‬
‫يمسه‪،‬‬
‫القرآن باللسان‪ ،‬وأجازوا له أن ينظر يف المصحف دون أن ّ‬
‫ويق�رأ القرآن بالقلب دون حركة اللس�ان‪ .‬مما يدل عىل الفرق بني‬
‫األمرين‪ ،‬وأن عدم تريك اللسان ال ُي َعدّ قراءة)‪.(1‬‬
‫وس�ئل الش�يخ اب�ن عثيم�ني ‪-‬رمح�ه اهلل‪ :-‬هل جي�ب تريك‬
‫اللسان بالقرآن يف الصالة؟ أو يكفي بالقلب؟‬
‫فأج�اب‪« :‬الق�راءة البد أن تكون باللس�ان‪ ،‬فإذا قرأ اإلنس�ان‬
‫بقلب�ه يف الصالة فإن ذلك ال جيزئه‪ ،‬وكذلك أيض ًا س�ائر األذكار‪،‬‬
‫ال ت�زئ بالقلب‪ ،‬بل البد أن حيرك اإلنس�ان هبا لس�انه وش�فتيه؛‬
‫ألهنا أقوال‪ ،‬وال تتحقق إال بتحريك اللسان والشفتني»)‪.(2‬‬
‫نفسه‪ :‬فقد قال بذلك كثري من العلامء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وأما اش�رتاط أن ُيسمع َ‬
‫والصواب أنه ال ُيش�رتط ذلك‪ ،‬بل يكفي أن حيرك لس�انه‪ ،‬فبذلك‬
‫يتحقق الكالم‪.‬‬
‫وه�و ال�ذي اختاره ش�يخ اإلس�الم اب�ن تيمية‪ ،‬ورجح�ه ابن‬
‫عثيمني‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬المجموع (‪.)187189/2‬‬


‫)‪ (2‬جمموع فتاوى ابن عثيمني (‪.)156/13‬‬

‫‪50‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:AÉYódGh ôcòdG ÚH ábÓ©dG‬‬

‫وردت نص�وص كث�رية تدل ع�ىل إط�الق الدعاء ع�ىل الذكر‬


‫ول‬ ‫اس َأ َّن َر ُس َ‬ ‫األعم من معنى دعاء المس�ألة‪ ،‬منها حديث ِ‬
‫ابن َع ّب ٍ‬
‫احلليم‪ ،‬ل‬
‫ُ‬ ‫العظيم‬
‫ُ‬ ‫�ول ِعن�دَ الك ِ‬
‫َرب‪« :‬ل إل� َه ىّإل اهلل‬ ‫اهللِ ﷺ َ‬
‫كان َي ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورب‬
‫الس�موات ُّ‬ ‫رب ىّ‬ ‫العرش العظيمِ‪ ،‬ل إل َه ىّإل اهلل ُّ‬ ‫رب‬ ‫إل َه ىّإل اهلل ُّ‬
‫العرش الكريمِ» متفق عليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ورب‬ ‫ِ‬
‫األرض ُّ‬
‫ِ‬
‫الكرب‬ ‫ّبي ﷺ يدعو عندَ‬ ‫ويف لفظ للبخاري )‪َ :(6345‬‬
‫«كان الن ُّ‬
‫ُ‬
‫يقول‪.»...‬‬
‫وقد ىّبني هذا أهل العلم‪:‬‬
‫فقال حسني بن حسن المروزي‪ :‬سألت ابن عيينة عن احلديث‬
‫ال�ذي في�ه‪« :‬أكثر ما كان يدعو ب�ه النبي ﷺ بعرف�ة‪ :‬ال إله إال اهلل‬
‫وح�ده ال رشيك ل�ه‪ (1)» ...‬فقال‪ :‬هو ذكر وليس فيه دعاء‪ ،‬ولكن‬
‫ق�ال النبي ﷺ عن ربه عز وجل‪« :‬من ش�غله ذكري عن مس�ألتي‬
‫َ‬
‫أفضل ما أعطي السائلني»)‪.(2‬‬ ‫أعطيته‬

‫)‪ (1‬رواه أمحد (‪ )6922‬وضعفه األلباين يف ضعيف اجلامع (‪.)4464‬‬


‫)‪ (2‬رواه الرتمذي (‪ )2926‬وحسنه‪ ،‬وضعفه غريه‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫معاين األذكار‬

‫قال‪ :‬وقال أمية بن أيب الصلت يف مدح عبد اهلل بن جدعان‪:‬‬

‫أأذك�ر حاجت�ي أم ق�د ك�ف�اين‬


‫احلي�اء‬
‫ُ‬ ‫َحي�اؤُ ك إن ش�يمتك‬
‫الم�رء يوم� ًا‬
‫ُ‬ ‫إذا أثن�ى علي�ك‬
‫الثن�اء‬
‫ُ‬ ‫َعرض��ك‬
‫كَف�اه م�ن ت ُّ‬
‫قال س�فيان‪ :‬فهذا خملوق حني نُس�ب إىل الك�رم اكتفى بالثناء‬
‫عن السؤال فكيف باخلالق؟!)‪.(1‬‬

‫وقال اخلطايب‪« :‬إن الداعي يفتح دعاءه بالثناء عىل اهلل سبحانه‬
‫فس ِّمي الثناء دعاء‪ ،‬إذ كان مقدم ًة له وذريعة‬
‫ويقدمه أمام مس�ألته‪ُ ،‬‬
‫إليه؛ عىل مذهبهم يف تسمية اليشء باسم سببه»)‪.(2‬‬
‫«إن َّ‬
‫كل واحد من الدعاء والذكر يتضمن‬ ‫وقال شيخ اإلسالم‪َّ :‬‬
‫اآلخر ويدخل فيه»)‪.(3‬‬

‫فعل ما تقدم‪:‬‬
‫ •إذا ُأريد بالدعاء دعاء العبادة فهو حينئذ مرادف للذكر‪.‬‬
‫أخص مطلقا‬
‫ •وإذا أريد بالدعاء دعاء المس�ألة فيك�ون حينئذ َّ‬
‫من الذكر‪ ،‬ويكون الذكر أعم مطلقا منه؛ ألن الدعاء ال ينفك‬
‫عن كونه ذكر ًا‪ ،‬وأما الذكر فيكون سؤاال ويكون غري سؤال‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)176177/11‬‬


‫)‪ (2‬شأن الدعاء (ص‪.)206‬‬
‫)‪ (3‬جمموع الفتاوى (‪ ،)19/15‬وانظر‪ :‬بدائع الفوائد (‪.)10/3‬‬

‫‪52‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ •وتكون العالقة بينهام التالزم‪ ،‬وذلك أن دعاء المس�ألة ذكر‬


‫وت�رضع وافتقار‪ ،‬كام أن يف الذك�ر طلب جلب النفع‬
‫ّ‬ ‫وثن�اء‬
‫ودفع الرض ورجاء الثواب وخوف العقاب‪.‬‬
‫واحلاص�ل أن العالقة بني الدع�اء والذكر إما تَ�رادف ّ‬
‫واتاد‪،‬‬
‫وإم�ا عموم وخصوص مطل�ق‪ ،‬وإما ت�الزم‪ ،‬وال ُيتصور انفكاك‬
‫أحدمه�ا ع�ن اآلخ�ر‪ ،‬فله�ذا كان�ت أغل�ب الكت�ب المصنفة يف‬
‫األذكار تشتمل عىل األدعية وبالعكس)‪.(1‬‬

‫ولكن الغالب إطالق الذكر عىل معناه اخلاص وإطالق الدعاء‬


‫عىل دعاء المس�ألة‪ ،‬قال الشيخ عبد الرمحن بن حسن‪« :‬إن الدعاء‬
‫أكثر ما يس�تعمل يف الكتاب والس�نة واللغة ولسان الصحابة ومن‬
‫بعده�م من العلامء يف الس�ؤال والطلب؛ كام ق�ال العلامء من أهل‬
‫اللغة وغريهم»)‪.(2‬‬

‫قراءة القرآن أفضل من الذكر والدعاء المطلق‪ ،‬والذكر أفضل‬


‫من الدعاء‪ ،‬وأما الذكر المقيد بزمان أو مكان أو حال‪ ،‬فاالشتغال‬
‫به أفضل‪.‬‬

‫ق�ال ابن القيم ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬قراءة الق�رآن أفضل من الذكر‪،‬‬


‫جمرد ًا‪،‬‬
‫والذك�ر أفضل من الدع�اء‪ ،‬هذا من حيث النظر لكل منهام َّ‬
‫وق�د يعرض للمفضول م�ا جيعله أوىل من الفاض�ل‪ ،‬فال جيوز أن‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬الدعاء ومنزلته من العقيدة اإلسالمية (‪.)78 77/1‬‬


‫)‪ (2‬فتح المجيد (ص‪.)180‬‬

‫‪53‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ُيعدل عنه إىل الفاضل‪ ،‬وهذا كالتسبيح يف الركوع والسجود‪ ،‬فإنه‬


‫أفضل من قراءة القرآن فيهام‪ ،‬بل القراءة فيهام منهي عنها‪ ،‬وكذلك‬
‫التس�ميع والتحميد يف حملهام أفضل من القراءة‪ ،‬وكذلك التشهد‪،‬‬
‫وكذل�ك «رب اغف�ر يل وارمحن�ي واهدين وعافن�ي وارزقني» بني‬
‫الذكر عقيب الس�الم من‬
‫ُ‬ ‫الس�جدتني أفضل من القراءة‪ ،‬وكذلك‬
‫الص�الة ‪-‬ذكر التهليل والتس�بيح والتكبري والتحميد‪ -‬أفضل من‬
‫االش�تغال عنه بالقراءة‪ ،‬وكذلك إجاب� ُة المؤذن والقول كام يقول‬
‫ِ‬
‫كفضل اهلل‬ ‫فضل القرآن عىل كل كالم‬‫أفضل من القراءة‪ ،‬وإن كان ُ‬
‫تعاىل عىل َخلقه‪ ،‬لكن ّ‬
‫لكل َمقام َمقال‪.‬‬
‫ُ‬
‫أفضل من القراءة‬ ‫ٍ‬
‫خمصوص�ة‬ ‫بم َّ‬
‫حال‬ ‫األذكار المقيدة َ‬
‫ُ‬ ‫وهك�ذا‬
‫المطلق�ة‪ ،‬والق�راء ُة المطلق�ة أفضل م�ن األذكار المطلقة‪ ،‬اللهم‬
‫إال أن يع�رض للعب�د ما جيع�ل الذكر أو الدعاء أنف�ع له من قراءة‬
‫القرآن‪.‬‬

‫مثال�ه‪ :‬أن َيتفك�ر يف ذنوبه فيحدث ذلك له توبة من اس�تغفار‪،‬‬


‫أو َيع�رض له ما خياف أذاه من ش�ياطني اإلن�س واجلن فيعدل إىل‬
‫تصنه وتفظه‪ .‬وكذلك أيضا قد َيعرض‬ ‫األذكار والدعوات التي ّ‬
‫للعبد حاجة رضورية إذا اشتغل عن سؤاهلا أو ِذكرها مل َحيرض قلبه‬
‫فيهام‪ ،‬وإذا أقبل عىل س�ؤاهلا والدعاء إليها اجتمع قلبه كله عىل اهلل‬
‫تعاىل وأحدث له ترضع ًا وخش�وع ًا وابتهاالً‪ ،‬فهذا يكون اش�تغاله‬
‫َ‬
‫أفضل‬ ‫بالدعاء واحلالة هذه أنفع‪ ،‬وإن كان ٌّ‬
‫كل من القراءة والذكر‬
‫وأعظم أجر ًا‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وهذا باب نافع حيتاج إىل ِ‬


‫فقه نَفس وفرقان بني فضيلة اليشء يف‬ ‫ٌ‬
‫نفس�ه وبني فضيلته العارضة‪ ،‬فيعط�ي كل ذي حق حقه‪ ،‬ويوضع‬
‫كل يشء موضعه‪...‬‬
‫وقلت لشيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يوم ًا‪ :‬سئل بعض‬
‫أهل العلم أهيام أنفع للعبد التس�بيح أو االستغفار؟ فقال‪ :‬إذا كان‬
‫الثوب نق ّي ًا فالبخور وماء الورد أنفع له‪ ،‬وإذا كان دنس ًا فالصابون‬
‫والم�اء احلار أنف�ع له‪ .‬فق�ال يل ‪-‬رمحه اهلل‪ : -‬فكي�ف والثياب ال‬
‫تزال دنسة؟)‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬الوابل الصيب (ص‪.)9192‬‬

‫‪55‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:ôcòdG ‘ Ö∏≤dG Qƒ°†M‬‬

‫حض�ور القلب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ق�ال الن�ووي يف األذكار‪« :‬الم�را ُد من الذكر‬
‫فينبغي أن يكون هو مقصو َد الذاكر فيحرص عىل تصيله‪ ،‬ويتدبر‬
‫مطلوب‬
‫ٌ‬ ‫مطلوب كام هو‬
‫ٌ‬ ‫ما يذكر‪ ،‬ويتعقل معناه‪ .‬فالتد ُبر يف الذكر‬
‫يف القراءة الشرتاكهام يف المعنى المقصود»)‪.(1‬‬
‫فحض�ور القل�ب س�اع َة الذك�ر ي�ورث القلب تعظي�م الرب‬
‫ُ‬
‫وإجالل�ه‪ ،‬ويس�تدعي تدب�ر الذك�ر وتعق�ل معن�اه‪ ،‬وإذا كان اهلل‬
‫ع�ز وجل قال ع�ن الق�رآن‪( :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ) [ص‪ ،[29 :‬فالذك�ر كالق�رآن‪ ،‬فليح�رص‬
‫الذاكر عىل تدبره والعمل به‪.‬‬

‫)‪ (1‬األذكار (ص‪.)1213‬‬

‫‪56‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:Iôe ƒdh ,áYÉ£à°S’G Ö°ùM πFÉ°†ØdÉH πª©dG‬‬

‫ق�ال الن�ووي ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬ينبغ�ي مل�ن بلغ�ه يشء يف فضائل‬


‫األع�امل أن يعمل به ولو مرة واحدة؛ ليك�ون من أهله‪ ،‬وال ينبغي‬
‫أن يرتك�ه مطلق ًا‪ ،‬بل يأيت بام تيرس من�ه؛ لقول النبي ﷺ يف احلديث‬
‫ٍ‬
‫بيشء فأتوا من ُه ما استطعتم»)‪.(1‬‬ ‫المتفق عىل صحته‪« :‬إذا أمرتكم‬
‫والواجب من ذلك البد من اإلتيان به‪ ،‬والمستحب منه فأكثر‬
‫منه ما اس�تطعت وال ترم نفس�ك فضله وأجره‪ ،‬ولو أن تعمل به‬
‫مرة واحدة‪.‬‬
‫ف�ال ينبغ�ي أن يتهاون المس�لم ب�األذكار الرشعي�ة‪ ،‬وعليه أن‬
‫قدر ما يس�تطيع وال هيجرها بالكلي�ة‪ .‬ومعلوم أن من‬
‫ينش�غل هبا َ‬
‫أح�ب ش�يئ ًا أكثر من ذك�ره‪ ،‬بل كان ذك�ره أحب إليه م�ن ذكر ما‬
‫ِ‬
‫ليس�تح المس�لم من ربه‬ ‫س�واه؛ ملا يف قلبه تاهه من حمبة ورضا‪َ ،‬ف‬
‫أن هيجر ذكره وينشغل عنه بام سواه‪.‬‬

‫)‪ (1‬األذكار (ص‪ ،)8‬واحلدي�ث رواه البخ�اري (‪ ،)7288‬ومس�لم (‪ )1337‬عن‬


‫أيب هريرة ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪?Oó©dG ‘ äÉjGhôdG âØ∏àNG GPEG‬‬

‫ك ُُّل ذك�ر أو دعاء عددي من نوع واح�د جاءت به الرواية عىل‬


‫نوعني من العدد أو أكثر‪ ،‬فللذاكر أن يأيت بأي عدد ورد به النص‪،‬‬
‫وكلام كانت الرواية أكثر عدد ًا فهو أكمل وأفضل‪.‬‬
‫مث�ال‪« :‬ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬له الملك وله احلمد‬
‫وهو عىل كل يشء قدير»‪ ،‬جاءت يف أذكار الصباح والمس�اء‪ :‬مرة‬
‫واحدة‪ ،‬وعرش مرات‪ ،‬ومائة مرة‪.‬‬
‫فم�ن قاهلا مرة واح�دة فقد أحس�ن‪ ،‬ومن قاهلا ع�رش مرات فهو‬
‫أفض�ل ممن قاهلا مرة‪ ،‬وم�ن قاهلا مائة مرة فهو أفض�ل منهام؛ ولذلك‬
‫جاء أجره عىل التامم‪ ،‬وليس أحد هو أفضل منه إال من َه ّل َل هب ّن أكثر‬
‫رسول اهللِ ﷺ قال‪« :‬من قال ل إل َه ىّإل اهلل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫منه؛ فعن أيب هرير َة‬
‫قدير يف‬ ‫ٍ‬ ‫وه�و عل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كل يشء ٌ‬ ‫َ‬ ‫الملك ول ُه احلمدُ‬ ‫رشي�ك ل ُه ل ُه‬ ‫وح�د ُه ل‬
‫ٍ‬ ‫عرش ٍ‬
‫رقاب‪ ،‬وكتبت ل ُه مائ ُة‬ ‫عدل ِ‬ ‫مر ٍة كانت ل ُه َ‬
‫حسنة وحميت‬ ‫يو ٍم مائ َة ىّ‬
‫يميس‪،‬‬
‫َ‬ ‫يطان يوم ُه َ‬
‫ذلك حتىّى‬ ‫الش ِ‬‫عن ُه مائ ُة س� ىّي ٍئة‪ ،‬وكانت ل ُه حرز ًا من ىّ‬
‫ذلك»)‪.(1‬‬ ‫أكثر من َ‬ ‫عمل َ‬ ‫جاء ِبه ىّإل أحدٌ َ‬
‫بأفضل ممىّا َ‬‫َ‬ ‫يأت أحدٌ‬‫ومل ِ‬

‫)‪ (1‬رواه البخاري (‪ )3293‬ومسلم (‪.)2691‬‬

‫‪58‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:º¡e ¬«ÑæJ‬‬

‫جيب تعظيم اس�م اهلل تع�اىل‪ ،‬فال ُيذكر يف مق�ام اللهو واللعب‬
‫والمعصي�ة‪ ،‬وبعضهم يبدأ حفالت الرق�ص والمجون واخلالعة‬
‫بقراءة يشء من القرآن الكريم‪ ،‬أو أسامء اهلل احلسنى‪.‬‬

‫وهذا حمرم ملا فيه من امتهان اسم اهلل تعاىل‪ ،‬وعدم تعظيم آياته‪.‬‬

‫ف�� «كل حم�رم أو مكروه‪ ،‬من ق�ول أو عمل‪ ،‬ال جي�وز افتتاحه‬
‫ب�يشء من ذك�ر اهلل تعاىل‪ ،‬ملا في�ه من االمتهان‪ ،‬وافتت�اح المعصية‬
‫بالطاعة‪.‬‬

‫وذلك مثل‪ :‬كتابة البسملة‪ ،‬أمام الشعر غري احلسن‪ ،‬واستفت�اح‬


‫المض ّلة بالقرآن‪،‬‬
‫الل�عب المحرم‪ ،‬وال�رهان المح�رم‪ ،‬والرامج ُ‬
‫أو احلمد‪ ،‬والصالة والسالم عىل الرسول ﷺ ونحو ذلك‪.‬‬

‫وقد وصل الناس يف هذا الزمان إىل حد العبث‪ ،‬وعدم المباالة‪،‬‬


‫الس َّذج بمرشوعية تلك المحرمات‪.‬‬
‫والتغطية عىل عقول ُ‬
‫وع�ن مكح�ول األزدي ق�ال‪ :‬قلت الب�ن عمر‪ :‬أرأي�ت قاتل‬
‫النفس وش�ارب اخلمر والس�ارق والزاين يذك�ر اهلل؟ وقد قال اهلل‬

‫‪59‬‬
‫معاين األذكار‬

‫تع�اىل‪( :‬ﯩ ﯪ) ق�ال‪ :‬إن ذك�ر اهلل هذا ذك�ره اهلل بلعنته‬
‫حتى يسكت)‪.(1‬‬
‫وع َّل�ق ع�ىل ه�ذا األثر الش�يخ أمحد ش�اكر ‪-‬رمح�ه اهلل‪ -‬تعاىل‬
‫يف كتاب�ه عم�دة التفس�ري قائالً‪« :‬وه�ذا الذي قال اب�ن عمر حق‪،‬‬
‫ينطب�ق متام� ًا عىل م�ا يصنع أه�ل الفس�ق والمجن�ون يف عرنا‪،‬‬
‫م�ن ذكر اهلل س�بحانه وتع�اىل يف مواطن فس�قهم وفجورهم‪ ،‬ويف‬
‫األغ�اين الداع�رة‪ ،‬والتمثيل الفاجر الذي يزعمون�ه تربية وتعلي ًام‪،‬‬
‫ويف قصصه�م المف�رتى‪ ،‬ال�ذي جيعلونه أنه ه�و األدب وحده أو‬
‫ي�كادون‪ ،‬ويف تالعبه�م بالدي�ن‪ ،‬بام يس�مونه (القصائ�د الدينية)‬
‫و(االبته�االت)‪ ،‬التي يتالعب هب�ا اجلاهلون من ال ُق ّ�راء‪ ،‬يتغنون‬
‫هب�ا يف مواطن اخلش�وع وأوقات التخيل للعبادة‪ ،‬حتى ل ّبس�وا عىل‬
‫ش�عائر اإلس�الم‪ ،‬فكل أولئك يذكرون اهلل فيذكرهم‬
‫َ‬ ‫عامة الناس‬
‫اهلل بلعنته حتى يسكتوا»)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬رواه ابن أيب حاتم يف تفسريه (‪ )260/1‬وإسناده جيد‪.‬‬


‫)‪ (2‬تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ‪-‬رمحه اهلل‪( -‬ص‪.)4749‬‬

‫‪60‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:äÉÑ°SÉæeh ∞FÉ£d ôcòdG‬‬

‫ •ملاذا الهتامم بمعاين األذكار؟‬


‫إذا َع�رف العب�د مع�اين األذكار التي يتلفظ هب�ا يف يومه وليلته‬
‫الذكر تأثري ًا بالغ� ًا فجعل منه عبد ًا‬
‫ُ‬ ‫ويف عبادات�ه المختلف�ة أ ّث َر في�ه‬
‫خاش�ع ًا خمبت ًا هلل عز وجل‪ ،‬ألن القلب سيس�تحرض معاين ما يقول‬
‫فيزداد تعلق ًا بربه ومعبوده وينتفع بالذكر أعظم االنتفاع‪.‬‬

‫فأفض�ل الذكر ما اجتمع عليه القلب واللس�ان‪ ،‬قال ابن القيم‬


‫َ‬
‫اللس�ان‬ ‫القلب‬
‫ُ‬ ‫‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬وأفضل الذك�ر وأنفعه ما واطأ فيه‬
‫وكان من األذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده»)‪.(1‬‬
‫مطلب ل�كل مس�لم‪ّ ،‬‬
‫وإن مما يعني عىل‬ ‫ٌ‬ ‫فاخلش�وع يف الص�الة مث ً‬
‫ال‬
‫ه�ذا اخلش�وع معرفة مع�اين األذكار الت�ي نتلفظ هب�ا يف الصالة‪ ،‬حتى‬
‫يتدبر المصيل ما يتلو من القرآن والذكر‪ ،‬فيشعر ّ‬
‫بلذة الطاعة‪ ،‬أما إذا مل‬
‫ٍ‬
‫كلامت تغيب معانيها‬ ‫ّ‬
‫المصيل معنى ما يقول ومل يتد ّبره‪ ،‬فسريدد‬ ‫يعرف‬
‫ومن َث ّم ال يتذوقها وال يدرك مراميها‪ ،‬وهكذا يف سائر العبادات‪.‬‬‫عنه‪ِ ،‬‬

‫)‪ (1‬الفوائد (ص‪.)192‬‬

‫‪61‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ •س�لوك عل�امء الس�لف هل�ذا املنه�ج (معرف�ة مع�اين‬


‫األذكار)‪:‬‬
‫وإذا تأملن�ا يف بط�ون كت�ب الفقه ورشوح األحادي�ث لعلامئنا‬
‫السابقني ‪-‬كالنووي وابن القيم وابن حجر وغريهم‪ -‬لوجدنا أن‬
‫كتبهم مليئة برشح هذه األذكار وحماولة معرفة مناس�بات ألفاظها‬
‫�مي دعاء س�يد االس�تغفار هبذا االسم؟‬
‫ومواقعها‪ ،‬فمثالً‪ :‬ملاذا ُس ّ‬
‫فصل يف هذا وأبدع‪ ،‬وما ذلك إال‬
‫فنج�د ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬قد ّ‬
‫ليعلم المس�لم حينام يتلفظ هبذا الذكر معنى ما يقول‪َّ ،‬‬
‫فريق قلبه‪،‬‬
‫ويشعر بالذلة واالنكسار تاه ربه‪.‬‬
‫َ‬
‫وملاذا عند صعود مرتفع نقول‪ :‬اهلل أكر؟ وعند نزول منخفض‬
‫نقول‪ :‬سبحان اهلل؟ وملاذا عند السجود نقول‪ :‬سبحان ريب األعىل؟‬
‫وملاذا ُهنينا يف السجود عن قراءة القرآن؟ وهكذا‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:ó«≤ŸGh ≥∏£ŸG ôcòdG ÚH ¥ôØdG‬‬

‫هن�اك ف�رق ب�ني األدعي�ة واألذكار المقيدة بح�ال أو زمان أو‬


‫مكان‪ ،‬وبني األدعية واألذكار المطلقة‪ :‬فاألذكار واألدعية المقيدة‬
‫يؤت�ى هبا عىل الوجه الذي ورد يف زمانه أو حاله أو مكانه‪ ،‬وبلفظه‬
‫الوارد من غري زيادة وال نقصان وال تبديل وال تقديم وال تأخري‪.‬‬

‫وأما األذكار واألدعية المطلقة فهي عل وجهني‪:‬‬

‫األول‪ :‬أذكار وأدعي�ة واردة ع�ن الرس�ول ﷺ‪ ،‬فهذه يؤتى هبا‬


‫بلفظها الوارد من غري زيادة وال نقصان‪.‬‬

‫الث�اين‪ :‬أذكار وأدعي�ة يأيت هب�ا الداعي من عند نفس�ه أو تكون‬


‫منقولة عن السلف فال بأس هبا برشوط‪:‬‬
‫‪ .1‬أن خيت�ار م�ن األلفاظ أحس�نها وأجلها للمع�اين وأبينها؛‬
‫ألنه يناجي ربه سبحانه‪.‬‬
‫‪ .2‬أن تك�ون خالية من أي حمذور رشعي من حيث اللفظ أو‬
‫المعنى‪ ،‬كدعاء غري اهلل‪ ،‬أو التوس�ل باألولياء‪ ،‬أو السجع‬
‫المتكلف‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪ .3‬أن ال يتخذها س�نة راتبة يواظ�ب عليها؛ ألن ذلك جيعلها‬


‫بمنزلة الوارد عن النبي ﷺ‪.‬‬
‫ِ‬
‫فذكر اهلل عز وجل يكون مطلق ًا ويكون مقيد ًا‪:‬‬

‫ف�األول‪ :‬وه�و المطل�ق يف كل األوق�ات واألح�وال‪ ،‬ك�ام يف‬


‫قول�ه تع�اىل‪( :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران‪.[191 :‬‬

‫أي الذي�ن يذك�رون اهلل يف جيع أحواهلم‪ :‬قيام� ًا وقعود ًا وعىل‬


‫جنوهب�م وه�م يتدب�رون يف خل�ق الس�موات واألرض قائلني‪ :‬يا‬
‫ِ‬
‫فارصف عنا‬ ‫ربن�ا ما أوجدت هذا اخللق عبث ًا فأنت َّ‬
‫منزه عن ذلك‬
‫عذاب النار‪.‬‬

‫وال َح�رج يف ذك�ر اهلل تع�اىل قائ� ًام أو قاع�د ًا أو مضطجع ًا‪ ،‬أو‬
‫ماش�ي ًا يف الطري�ق‪ ،‬وال يوص�ف يشء م�ن ذلك بالكراه�ة؛ لقول‬
‫(ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [آل‬ ‫اهلل تع�اىل‪:‬‬
‫ّكئ يف حجري‬ ‫ّبي ﷺ َ‬
‫كان يت ُ‬ ‫عمران‪ (1)[191:‬وحلديث عائش َة َّ‬
‫«أن الن َّ‬
‫َ‬
‫القرآن»)‪.(2‬‬ ‫ثم يقر ُأ‬
‫حائض َّ‬
‫ٌ‬ ‫وأنا‬

‫)‪ (1‬تنبيه‪ :‬اس�تدل جهل�ة الصوفية هبذه اآلية عىل ما يفعلون�ه أثناء الذكر من التاميل‬
‫والرقص وغري ذلك من جهاالتم وال خيفى أن اآلية الكريمة ال تدل عىل هذا‪.‬‬
‫)‪ (2‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ِ‬
‫أحيانه»)‪.(1‬‬ ‫يذكر اهللَ عىل ِّ‬
‫كل‬ ‫‪َ :‬‬ ‫وقالت عائش ُة‬
‫ّبي ﷺ ُ‬
‫«كان الن ُّ‬
‫«إين ألق�ر ُأ ح�زيب‪ ،‬أو عا ّم َة ح�زيب‪ ،‬وأنا‬
‫‪ّ :‬‬ ‫وقال�ت عائش�ة‬
‫مضطجع ٌة عىل فرايش»)‪.(2‬‬
‫وأم�ا الث�اين‪ :‬فه�و المقيد‪ ،‬وه�و ثالثة أن�واع‪ :‬مقي�د باألزمان‬
‫واألماكن واألحوال‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه مسلم (‪.)373‬‬


‫)‪ (2‬رواه ابن أيب شيبة يف المصنف (‪ )241/2‬وسنده صحيح‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:¿ÉeRC’ÉH ó«≤ªdG ôcòdG‬‬

‫�ص الذك�ر بزمان معني ي�دور معه‪ ،‬كل�ام جاء هذا‬


‫وه�و أن ُخي ّ‬
‫الوقت وهذا الزمان هلج المسلم هبذا الذكر المعني‪.‬‬

‫ •ومن األزمان التي يرشع فيها الذكر‪ :‬الصباح واملساء‪.‬‬


‫وأذكار الصب�اح والمس�اء كث�رية متع�ددة‪ ،‬وهي م�ن األذكار‬
‫المقي�دة المهمة التي يتحصن هبا العبد من الش�يطان ووساوس�ه‬
‫مره كله‪.‬‬
‫ومكائده بالصباح والمساء‪ ،‬وبذلك يتحصن منه ُع َ‬
‫ويف الس�نة الصحيحة مجلة حس�نة من هذا الن�وع من األذكار‪،‬‬
‫فمن ذلك‪:‬‬

‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬م�ن قال َ‬


‫حني‬ ‫ُ‬ ‫ع�ن أيب هري�ر َة ق�ال‪ :‬قال‬
‫وبحمده مائ َة مر ٍة مل ِ‬
‫يأت أحدٌ يو َم‬ ‫ِ‬ ‫س�بحان اهللِ‬
‫َ‬ ‫وحني يميس‬ ‫يصبح‬
‫ىّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫مثل ما قال أو زا َد عليه»)‪.(3‬‬ ‫ِ‬
‫جاء به ىّإل أحدٌ قال َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بأفضل ممىّا َ‬ ‫القيامة‬

‫بحان اهللِ» أي تنزهيه عام ال يليق به من كل نقص‪.‬‬ ‫«س َ‬ ‫ُ‬


‫مد ِه» احلمد‪ :‬هو وصف المحمود بالكامل‪.‬‬ ‫«وبِح ِ‬
‫َ َ‬

‫)‪ (3‬رواه مسلم (‪.)2692‬‬

‫‪66‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فانتظم يف هاتني الكلمتني تنزيه اهلل عن كل نقص‪ ،‬وإثبات كل‬


‫صفات الكامل له‪.‬‬
‫ولذل�ك كانت هذه الكلمة «س�بحان اهلل وبحمده» من أفضل‬
‫األذكار‪.‬‬
‫ُ‬
‫أفضل؟ قال‪:‬‬ ‫أي ال�كال ِم‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ َ‬
‫س�ئل ُّ‬ ‫َ‬ ‫ذر َّ‬
‫أن‬ ‫فعن أيب ٍّ‬
‫ِ‬
‫وبحمده»)‪.(1‬‬ ‫‪:-‬سبحان اهللِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫لعباده‬ ‫ِ‬
‫ملالئكته ‪-‬أو‬ ‫«ما اصطفى اهلل‬
‫َ‬
‫أخربك‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬أل‬
‫ُ‬ ‫ذر قال ق�ال‬ ‫ويف رواي�ة‪ :‬ع�ن أيب ٍّ‬
‫بأحب الكال ِم‬
‫ِّ‬ ‫رس�ول اهللِ أخرين‬
‫َ‬ ‫بأحب الكال ِم إىل اهللِ؟» ُ‬
‫قلت‪ :‬يا‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وبحمده»)‪.(2‬‬ ‫سبحان اهللِ‬ ‫أحب الكال ِم إىل اهللِ‬ ‫إىل اهللِ‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫«إن َّ‬
‫وفيه إشارة إىل قول المالئكة‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ) [البقرة‪.[30 :‬‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ويف الصحيح�ني ع�ن أيب هري�ر َة ق�ال‪ :‬ق�ال‬
‫ِ‬
‫حبيبتان إىل‬ ‫ِ‬
‫المي�زان‬ ‫ِ‬
‫ثقيلت�ان يف‬ ‫خفيفت�ان ع�ل ال ىّل ِ‬
‫س�ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«كلمت�ان‬
‫سبحان اهللِ العظيمِ»)‪.(3‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وبحمده‬ ‫سبحان اهللِ‬
‫َ‬ ‫الر ِ‬
‫محن‪:‬‬ ‫ىّ‬
‫ِ‬
‫«خفيفتان عىل ال ّلس�ان» قال‬ ‫ق�ال احلافظ ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬قول�ه‬
‫ال ّطيبي‪ :‬اخل ّفة مس�تعارة للس ِ‬
‫هولة‪ ،‬ش ّب َه س�هولة جريان هذا الكالم‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫يش�ق‬
‫خيف عىل احلامل من بعض المحموالت فال ّ‬ ‫عىل ال ّلس�ان بام ّ‬

‫)‪ (1‬رواه مسلم (‪.)2731‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)2731‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري (‪ )7563‬ومسلم (‪.)2694‬‬

‫‪67‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فذكر المش� ّبه وأرا َد المش� ّبه ِبه‪ ،‬وأ ّما ال ّثقل فعىل حقيقته َّ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬
‫عليه‪َ ،‬‬
‫تتجسم عند الميزان‪ ،‬واخل ّفة ّ‬
‫والسهولة من األمور النّسب ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫األعامل‬

‫حث ع�ىل املواظبة عىل هذا ّ‬


‫الذك�ر وتريض عىل‬ ‫ويف احلدي�ث ّ‬
‫ألن جيع التّكاليف ش�ا ّقة عىل النّفس‪ .‬وهذا س�هل َ‬
‫ومع‬ ‫مالزمت�ه؛ َّ‬
‫الشا ّقة فال ينبغي التّفريط ِ‬
‫فيه‪.‬‬ ‫َ‬
‫ذلك يثقل يف امليزان كام تثقل األفعال ّ‬
‫وخص الرمحن من األس�امء احلسنى للت ِ‬
‫ّنبيه عىل سعة رمحة اهلل‪،‬‬ ‫َّ ّ‬
‫حي�ث جي�ازي عىل العم�ل القليل بال ّث ِ‬
‫�واب اجلزيل‪ ،‬ومل�ا فيها من‬ ‫ُ‬
‫التّنزيه والتّحميد والتّعظيم»)‪.(1‬‬

‫***‬

‫سيد الستغفار‪:‬‬
‫ِ‬
‫الستغفار أن‬ ‫ّبي ﷺ قال‪« :‬س ىّيدُ‬
‫أوس عن الن ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫عن شدّ ا ُد ب ُن‬
‫َ‬
‫عبدك وأنا عل‬ ‫ريب ل إل َه ىّإل َ‬
‫أن�ت خلقتني وأنا‬ ‫أنت ىّ‬
‫اللهم َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫تق�ول‪:‬‬
‫أبوء‬
‫صنعت‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫رش م�ا‬‫بك من ِّ‬ ‫اس�تطعت‪ ،‬أعو ُذ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ووعدك ما‬ ‫َ‬
‫عه�دك‬
‫نوب‬
‫الذ َ‬‫يغفر ىّ‬
‫لك بذنبي فاغفر يل؛ فإ ىّن ُه ل ُ‬ ‫وأبوء َ‬
‫ُ‬ ‫عيل‬ ‫َ‬
‫بنعمتك َّ‬ ‫َ‬
‫ل�ك‬
‫فامت من ِ‬
‫يومه َ‬
‫قبل‬ ‫ىّه�ار موقن ًا هبا َ‬ ‫أن�ت» قال‪« :‬ومن قاهلا من الن ِ‬ ‫ىّإل َ‬
‫موقن هبا‬ ‫وهو‬ ‫ىّ�ة‪ ،‬ومن قاهلا من ال ىّل ِ‬‫أهل اجلن ِ‬‫فه�و من ِ‬
‫ٌ‬ ‫ي�ل َ‬ ‫يم�يس َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫أهل اجلن ِىّة»)‪.(2‬‬
‫فهو من ِ‬ ‫يصبح َ‬
‫َ‬ ‫فامت َ‬
‫قبل أن‬ ‫َ‬

‫)‪ (1‬فتح الباري (‪.)208/11‬‬


‫)‪ (2‬رواه البخاري (‪.)6306‬‬

‫‪68‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ومناسبة احلديث يف الصباح والمساء ظاهرة‪:‬‬

‫فاإلنسان لن يموت إال يف يوم أو ليلة‪ ،‬فقراءة هذا الذكر يكون‬


‫سببا يف حسن اخلامتة؛ وذلك أن سيد االستغفار فيه ِذكر ِ‬
‫العبد ر َّبه‬ ‫ُ‬
‫بأكمل األوصاف‪ ،‬وذكر نفس�ه بأنقص احلاالت‪ ،‬وهو أقىص غاية‬
‫الترضع وهناية االستكانة‪.‬‬

‫أما األول‪ :‬فلام في�ه من االعرتاف بالربوبية وتوحيد األلوهية‪،‬‬


‫واإلقرار بنعم اهلل تعاىل عىل العبد‪.‬‬

‫وأما الثاين‪ :‬فلام فيه من االعرتاف بالعبودية والذنوب‪.‬‬

‫واالس�تغفار‪ :‬هو طلب املغفرة وهي سرت الذنب والوقاية منه‪،‬‬


‫وكان ه�ذا الدعاء اس�تغفار ًا؛ لقول�ه يف آخره‪« :‬فاغف�ر يل؛ فإ ّن ُه ال‬
‫نوب ّإال َ‬
‫أنت»‪.‬‬ ‫يغفر ّ‬
‫الذ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫االستغفار‬ ‫«وتقول المرأ ُة يف س ّي ِد‬
‫ُ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:‬‬
‫بن�ت عبدك» ولو قالت‪:‬‬
‫بنت أمتك أو ُ‬ ‫وم�ا يف معن�ا ُه‪« :‬وأنا أمتك ُ‬
‫ٍ‬
‫شخص»)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫بتأويل‪:‬‬ ‫خمرج يف العرب ّي ِة‬
‫«وأنا عبدك» فل ُه ٌ‬
‫وقال أيض ًا‪« :‬قد اش�تمل هذا احلديث من المعارف اجلليلة ما‬
‫اس�تحق ألجلها أن يكون س� ّيد االس�تغفار‪ ،‬فإنه صدّ ره باعرتاف‬
‫العبد بربوبية اهلل‪ ،‬ثم َثنّاها بتوحيد اإلهلية بقوله‪« :‬ال إله إال أنت»‪.‬‬
‫ث�م ذكر اعرتافه ب�أن اهلل هو ال�ذي خلقه وأوجده ومل يكن ش�يئا‪،‬‬

‫)‪ (1‬جمموع الفتاوى (‪.)345/5‬‬

‫‪69‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فه�و حقيق ب�أن يتوىل متام اإلحس�ان إليه بمغفرة ذنوب�ه‪ ،‬كام ابتدأ‬
‫اإلحسان إليه بخلقه‪.‬‬
‫ثم قال‪« :‬وأنا عبدك» اعرتف له بالعبودية‪.‬‬
‫ثم قال‪« :‬وأنا عىل عهدك ووعدك ما اس�تطعت» فاهلل سبحانه‬
‫وتع�اىل عه�د إىل عب�اده عهدا أمره�م فيه وهناه�م‪ ،‬ووعدهم عىل‬
‫وفائهم بعهده أن يثيبهم بأعىل المثوبات‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬ما استطعت» أي إنام أقوم بذلك بحسب استطاعتي‪،‬‬
‫عيل‪.‬‬
‫ال بحسب ما ينبغي لك وتستحقه ّ‬
‫ثم قال‪« :‬أعوذ بك من رش ما صنعت» فاستعاذته باهلل االلتجاء‬
‫والتحص�ن به واهلروب إليه من المس�تعاذ من�ه‪ ،‬كام يتحصن‬
‫ّ‬ ‫إلي�ه‬
‫اهلارب من العدو باحلصن الذي ينجيه منه‪.‬‬
‫عيل‪،‬‬
‫عيل» أي أعرتف لك بإنعامك ّ‬
‫ثم قال‪« :‬أبوء لك بنعمتك ّ‬
‫وأين أنا المذنب‪ ،‬فمنك اإلحس�ان ومني اإلساءة‪ .‬فأنا أمحدك عىل‬
‫نعمتك‪ ،‬وأنت أهل ألن ُتمد وأستغفرك لذنويب‪.‬‬
‫أنفاس�ه كلها‬
‫ولذا قال بعض الصاحلني‪ :‬ينبغي للعبد أن تكون ُ‬
‫َن َف َسني‪ :‬نَفسا َحيمد فيه ربه‪ ،‬ونَفسا َيستغفره من َذنبِه‪.‬‬
‫ومتى ش�هد العبدُ هذين األمرين اس�تقامت ل�ه العبودي ُة‪ ،‬وتَر ّقى‬
‫نفس�ه‪ ،‬وتواضع لربه‪،‬‬
‫يف درج�ات المعرفة واإليامن‪ ،‬وتَصاغرت إليه ُ‬
‫وهذا هو كامل العبودية‪ ،‬وبه يرأ من العجب ِ‬
‫والكر وزينة العمل»)‪.(1‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫)‪ (1‬جامع الرسائل واملسائل (‪ - )159162/1‬باختصار‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫معاين األذكار‬

‫قراءة املعوذات‪:‬‬
‫هو اهلل أحدٌ‬ ‫ٍ‬ ‫عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬
‫خبيب أن رسول اهلل ﷺ قال له‪« :‬قل َ‬ ‫بن‬
‫كل ٍ‬ ‫تكفيك من ِّ‬ ‫ثالث مر ٍ‬ ‫والمعو ِ‬
‫يشء»)‪.(1‬‬ ‫َ‬ ‫ات‬ ‫وتصبح َ ىّ‬
‫ُ‬ ‫حني متيس‬
‫ذتني َ‬ ‫ىّ‬
‫وكأن قراءة سورة اإلخالص بمنزلة الثناء قبل الدعاء)‪.(2‬‬
‫فه�و يثن�ي أوال ع�ىل اهلل تع�اىل ب�ام هو أهل�ه م�ن التوحيد‪ ،‬ثم‬
‫ورش‪.‬‬
‫يستعيذ به؛ فيكفيه اهلل كل سوء ّ‬
‫عنك َّ‬
‫كل‬ ‫تدف�ع َ‬
‫ُ‬ ‫ق�ال القاري ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬ق�ال ال ّط ُّ‬
‫يبي‪ :‬أي‬
‫ِ‬
‫الغاية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البتداء‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫ويصح أن‬ ‫ِ‬
‫اإلثبات‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫س�وء‪ ،‬ف� «من» زائد ٌة يف‬
‫ُّ‬
‫مراتب الس ِ‬ ‫عنك من ّأو ِل‬
‫وء إىل آخرها‪.‬‬ ‫ِ ّ‬ ‫تدفع َ‬
‫أي ُ‬
‫كل نو ٍع من أنوا ِع الس ِ‬
‫وء‪.‬‬ ‫أو تبعيض ّي ًة‪ ،‬أي بعض ِّ‬
‫ّ‬
‫وينر المعنى‬
‫ُ‬ ‫عام س�واها‪.‬‬ ‫َ‬
‫تغنيك ّ‬ ‫َ‬
‫يكون المعنى‪:‬‬ ‫ُ‬
‫وحيتمل أن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعو َذ‬
‫حدي�ث عقب َة؛ لقول�ه «فام ّ‬
‫ُ‬ ‫األو ِل َ‬
‫وهو‬ ‫ال ّث�اين م�ا يف احلدي�ث ّ‬
‫متعو ٌذ بمثلهام»)‪.(3‬‬
‫ّ‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬أمل ت�ر ٍ‬
‫آيات‬ ‫ُ‬ ‫بن ٍ‬
‫عامر ق�ال‪ :‬قال‬ ‫وع�ن عقب� َة ِ‬
‫َ‬
‫مثلهن ُّ‬
‫قط‪( :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) و(ﮀ ﮁ‬ ‫َّ‬ ‫أنزل�ت ال ىّليل َة مل َير‬
‫ﮂ ﮃ)«)‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬رواه أب�و داود (‪ )5082‬والرتم�ذي (‪ )3575‬والنس�ائي (‪ )5428‬وحس�نه‬


‫األلباين‪.‬‬
‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)84/3‬‬
‫)‪ (3‬مرقاة المفاتيح (‪.)29/7‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم (‪.)814‬‬

‫‪71‬‬
‫معاين األذكار‬

‫أبلغ عندَ اهللِ من‬


‫ورواه النس�ائي )‪ (953‬ولفظه‪« :‬لن تقر َأ ش�يئ ًا َ‬
‫(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) و(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)»‪.‬‬
‫ق�ال الس�ندي‪« :‬قول�ه «أبل�غ عن�د اهلل» أي‪ :‬أعظ�م يف ب�اب‬
‫االستعاذة»)‪.(1‬‬
‫ورشع ق�راءة المعوذات ث�الث مرات؛ ألن م�ن أدب الدعاء‬
‫اإلحلاح‪ ،‬وأق ّله الثالثة)‪.(2‬‬
‫***‬

‫ل يرض مع اسم اهلل يشء‪:‬‬


‫ُ‬
‫يقول‪ :‬قال‬ ‫عثامن ب َن ع ّف َ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عثامن قال‪:‬‬ ‫أبان ِ‬
‫بن‬ ‫عن َ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫ومس�اء ِّ‬ ‫يقول يف صباحِ ِّ‬
‫كل يو ٍم‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬م�ا من ٍ‬
‫عب�د ُ‬ ‫ُ‬
‫األرض ول يف الس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫امء‬ ‫ىّ‬ ‫يشء يف‬
‫مع اسمه ٌ‬ ‫ليلة‪ :‬بس ِم اهلل ا ىّلذي ل ُّ‬
‫يرض َ‬
‫يشء»)‪.(3‬‬ ‫ٍ‬ ‫العليم َ‬
‫يرض ُه ٌ‬
‫مرات مل ىّ‬‫ثالث ىّ‬ ‫ُ‬ ‫ميع‬
‫الس ُ‬ ‫وهو ىّ‬
‫َ‬
‫كل ٍ‬
‫ليلة» ظاهره أنه ال حيصل له الفائدة من احلديث‬ ‫ِ‬
‫«ومساء ِّ‬ ‫قوله‬
‫إال إذا قاله يف أول الليل‪ ،‬فلو قاله قبل الغروب ال حيصل له ذلك‪.‬‬
‫والمس�اء ق�د يطلق عىل ما بعد الغروب‪ .‬قال الس�ندي ‪-‬رمحه‬
‫اهلل‪« :-‬أي بعد طلوع الفجر وبعد غروب الشمس»)‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬حاشية السندي عىل النسائي (‪.)254/8‬‬


‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)85/3‬‬
‫)‪ (3‬رواه الرتمذي (‪ )3388‬وابن ماجة (‪ )3869‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (4‬حاشية السندي عىل ابن ماجة (‪.)250/7‬‬

‫‪72‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ِ‬
‫اسمه» أي ال يرض مع ذكر اسمه يشء من طعام أو‬ ‫مع‬
‫يرض َ‬
‫«ال ُّ‬
‫عدو أو حيوان أو غريه من العالم السفيل المشار إليه باألرض‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫العالم العلوي المشار إليه بقوله‪« :‬وال يف السامء»‪.‬‬
‫ويف رواية أيب داود‪« :‬مل تصبه فجأ ُة ٍ‬
‫بالء» وصححه األلباين)‪.(1‬‬ ‫ُ‬
‫أي‪ :‬البالء الذي يأيت مفاجأة من غري تقدّ م س�بب‪ ،‬ألن ما يأيت‬
‫بالتدرج‪ ،‬وهو من ذكر اخلاص الموافق‬
‫ّ‬ ‫فجأة أعظم من الذي يأيت‬
‫للعام يف احلكم‪ ،‬فال يقتيض التخصيص‪.‬‬
‫َ‬
‫فجعل‬ ‫طرف ٍ‬
‫فالج)‪،(2‬‬ ‫ُ‬ ‫«كان ُ‬
‫أبان قد أصاب ُه‬ ‫ويف رواية احلديث‪َ :‬‬
‫َ‬
‫احلديث كام‬ ‫تنظ�ر؟ أم�ا َّ‬
‫إن‬ ‫ج�ل ينظ�ر ِ‬
‫إلي�ه‪ ،‬فق�ال ل ُه ُ‬
‫أب�ان‪ :‬ما‬ ‫الر ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫عيل قدر ُه»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حدّ َ‬
‫ليميض اهلل َّ‬
‫َ‬ ‫يومئذ‬ ‫ثتك ولكنّي مل أقل ُه‬

‫ويف ه�ذا ما يدل ع�ىل أن المحافظة عىل األذكار المقيدة رشط‬


‫يف حص�ول الفض�ل المذكور للذكر‪ ،‬وأن م�ن مل حيافظ عليها فقد‬
‫حيرم الفضل أو بعضه‪.‬‬

‫وكان من عادة السلف االستدامة عىل الذكر المقيد وعدم تركه‬


‫أن فاطم َة اش�تكت‬ ‫ٍ‬
‫طالب َّ‬ ‫عيل ِ‬
‫بن أيب‬ ‫مه�ام تغريت األحوال؛ فعن ِّ‬
‫س�بي فانطلقت فلم‬
‫ٌ‬ ‫ّبي ﷺ‬
‫الرحى يف يدها‪ ،‬وأتى الن َّ‬
‫م�ا تلق�ى من ّ‬
‫ّبي ﷺ أخرت ُه عائش� ُة‬ ‫تد ُه ولقيت عائش� َة فأخرت�ا‪ّ ،‬‬
‫فلام جا َء الن ُّ‬
‫ث�م قال‪« :‬أل أع ىّلمكام‬ ‫ِ‬
‫ّبي ﷺ إلينا َّ‬ ‫بمج�يء فاطم َة إليه�ا‪ ،‬فجا َء الن ُّ‬
‫)‪ (1‬رواه أبو داود (‪ )5088‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع (‪.)6426‬‬
‫شقي اجلسم طوال ً‪ .‬املعجم الوسيط (‪.)699/2‬‬
‫)‪ (2‬الفالج‪ :‬شلل يصيب أحد ّ‬

‫‪73‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وثالثني‬
‫َ‬ ‫خري ًا ممىّا س�ألتام؟ إذا أخذمتا مضاجعكام أن ىّ‬
‫تكربا اهللَ أربع ًا‬
‫خري لكام من‬‫فهو ٌ‬
‫وثالث�ني‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫وثالثني وحتمدا ُه ثالث ًا‬
‫َ‬ ‫وتس� ىّبحا ُه ثالث ًا‬
‫ّبي ﷺ‪َ .‬‬
‫قيل ل ُه وال‬ ‫عيل‪ :‬ما تركت ُه ُ‬
‫منذ س�معت ُه م�ن الن ِّ‬ ‫خادمٍ»‪ ،‬قال ٌّ‬
‫ني؟ قال‪ :‬وال ليل َة ص ّف َ‬
‫ني)‪.(1‬‬ ‫ليل َة ص ّف َ‬

‫***‬

‫ومن أذكار الصباح واملساء‪:‬‬


‫نبي اهللِ ﷺ إذا أمس�ى قال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫مس�عود قال‪َ :‬‬ ‫عبد اهللِ ِ‬ ‫عن ِ‬
‫كان ُّ‬ ‫بن‬
‫المل�ك هللِ‪ ،‬واحلم�دُ هللِ‪ ،‬ل إل� َه ىّإل اهلل وحد ُه ل‬‫ُ‬ ‫«أمس�ينا وأمس�ى‬
‫رب‬ ‫ٍ‬ ‫وه�و ع�ل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قدير‪ِّ ،‬‬
‫كل يشء ٌ‬ ‫َ‬ ‫الملك ول� ُه احلمدُ‬ ‫رشي�ك ل� ُه‪ ،‬ل ُه‬
‫رش‬ ‫وخري م�ا بعدها‪،‬وأعو ُذ َ‬ ‫ه�ذه ال ىّل ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫بك من ِّ‬ ‫َ‬ ‫يلة‬ ‫خري ما يف‬ ‫أس�ألك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رب أعو ُذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس�وء‬ ‫الكس�ل‬ ‫بك من‬ ‫ورش ما بعدها‪ِّ ،‬‬ ‫ما يف هذه ال ىّليلة ِّ‬
‫وعذاب يف ِ‬
‫القرب»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عذاب يف الن ِ‬
‫ىّار‬ ‫ٍ‬ ‫بك من‬‫رب أعو ُذ َ‬ ‫ِ‬
‫الكرب‪ِّ ،‬‬
‫الملك هللِ»)‪.(2‬‬
‫ُ‬ ‫وأصبح‬
‫َ‬ ‫ذلك أيض ًا‪« :‬أصبحنا‬
‫أصبح قال َ‬
‫َ‬ ‫وإذا‬

‫ما معنى أمسى الملك هلل‪ ،‬والملك هلل أبد ًا‪ ،‬وكذلك احلمد هلل؟‬

‫اجلواب‪ :‬هو بيان حال القائل‪ ،‬أي عرفنا أن الملك هلل واحلمد‬
‫له ال لغريه‪ ،‬فالتجأنا إليه واس�تعنا ب�ه‪ ،‬وخصصناه بالعبادة والثناء‬
‫عليه والشكر له‪.‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪.‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)2723‬‬

‫‪74‬‬
‫معاين األذكار‬

‫هذه ال ّل ِ‬
‫يلة» أي خ�ري ما أردت وقوعه يف‬ ‫وقول�ه‪« :‬خ�ري ما يف ِ‬
‫َ‬
‫ه�ذه الليلة‪ ،‬خل�واص خلقك من الك�امالت الظاه�رة والباطنة‪،‬‬
‫ويدخ�ل يف ذل�ك أيض ًا خري م�ا يف هذه الليلة م�ن العبادات التي‬
‫ُأمرن�ا هبا فيه�ا‪ ،‬أو المراد خري الموجودات الت�ي قارن وجودها‬
‫هذه الليلة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«رش ما يف هذه ال ّليلة» أي من َ ٍّ‬
‫رش أردت وقوعه فيها‪.‬‬ ‫وقوله‪ِّ :‬‬
‫رش)‪.(1‬‬
‫رش كل موجود اآلن مما فيه ّ‬
‫أو المراد‪ّ :‬‬
‫الصدّ َيق‬
‫بك�ر ّ‬‫أن أبا ٍ‬ ‫ِ‬
‫الع�اص ّ‬ ‫بن‬ ‫وع�ن عب�د اهللِ بن عم�رو ِ‬
‫أمس�يت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أصبحت وإذا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أق�ول إذا‬ ‫رس�ول اهللِ ع ّلمن�ي ما‬
‫َ‬ ‫ق�ال‪ :‬يا‬
‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫عالم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فقال‪« :‬يا أبا ٍ‬
‫واألرض َ‬ ‫موات‬ ‫الس‬
‫فاطر ّ‬ ‫اللهم َ‬
‫َّ‬ ‫بكر قل‪:‬‬
‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫رش‬
‫بك من ِّ‬ ‫يشء ومليك ُه أعو ُذ َ‬ ‫رب ِّ‬ ‫�هادة ال إل� َه ّإال َ‬
‫أن�ت َّ‬ ‫ّ‬
‫والش‬
‫أقرتف عىل نفس س�وء ًا أو‬ ‫ِ‬
‫ورشكه‪ ،‬وأن‬ ‫ِ‬
‫�يطان‬ ‫رش ّ‬
‫الش‬
‫َ‬ ‫نفس ومن ِّ‬
‫أجر ُه إىل مسل ٍم»)‪.(2‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رش هواها المخالف للهدى‬ ‫قوله‪َ « :‬أ ُعو ُذ بِ َك من َ ِّ‬
‫رش نَفس» أي ّ‬
‫(ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸِ) [القصص‪.[50:‬‬

‫وتقديم االس�تعاذة من رش النفس عىل االستعاذة من الشيطان‬


‫فيه اإلش�ارة إىل مزيد االعتناء بتطه�ري النفس‪ ،‬ودفع صولة العدو‬
‫الداخيل تكون قبل دفع صولة العدو اخلارجي‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)90/3‬‬


‫)‪ (2‬رواه الرتمذي (‪ )6812‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الش ِ‬
‫يطان‪ :‬وسوسته وإغواؤه وإضالله ورصعه‪ ،‬والمراد‬ ‫ورش َّ‬
‫َّ‬
‫جنس الشياطني‪.‬‬
‫«و ِرش ِك ِ‬
‫�ه» ختصي�ص بع�د تعمي�م‪ ،‬وه�ي بك�رس الش�ني‪ :‬من‬ ‫َ‬
‫اإلرشاك باهلل أي يوقع اإلنسان يف الرشك والكفر‪.‬‬
‫وبفتح الش�ني‪ :‬أي حبائله‪ ،‬واحلبائل هي ما يمس�ك به الصيد إذا‬
‫غفل عنها‪ ،‬أو اغرت بام فيها مما تشتهيه نفسه‪ ،‬والمراد بحبائل الشيطان‪:‬‬
‫تسويالته وتزييناته التي ُيري هبا الباطل حقا والقبيح حسن ًا‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأرشاك الش�يطان وحبائل�ه كثرية‪ ،‬ينصبها الب�ن آدم وقد قعد‬
‫بأطر ِق�ه ليض ّله‪ ،‬فت�ارة يضله بالش�هوة‪ ،‬وتارة بالش�بهة‪ ،‬وتارة‬
‫ل�ه ُ‬
‫الرش علي�ه‪ ،‬وأقل ذل�ك أن يش�غله بالمفضول عن‬ ‫بتس�ليط أه�ل ّ‬
‫الفاضل‪ ،‬فهو يروم غايته فيه بكل وسيلة متكنه‪.‬‬
‫ورب�ام بادأه بالفكرة واخلطرة‪ ،‬فإن اسرتس�ل معه وجاراه طمع‬
‫فيه؛ حتى تصري الفكرة ش�هوة‪ ،‬ثم ال يزال به حتى تصري الش�هوة‬
‫عادة‪ ،‬فتضعف حينئذ نفسه عن طلب السالمة‪ ،‬وقد تلطخ قلبه بام‬
‫تلطخ به مما كان بمنأى من قبل عنه‪.‬‬
‫صارت‬‫ق�ال ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬دافع اخلطرة َفإِن مل تفعل َ‬
‫�هوة‪ ،‬فحارهبا َفإِن مل‬
‫صارت َش َ‬ ‫فك�رة‪ ،‬فدافع الفكرة ف�إن مل تفعل َ‬
‫ص�ارت فعال‪َ ،‬فإِن مل‬ ‫ِ‬
‫ومهة‪َ ،‬ف�إِن مل تدافعها‬
‫َ‬ ‫يمة َّ‬‫ص�ارت َع ِز َ‬
‫َ‬ ‫تفع�ل‬
‫االنتِقال َعنها»)‪.(1‬‬
‫تتداركه بضدّ ه صار عادة؛ فيصعب َع َليك ِ‬
‫َ‬

‫)‪ (1‬الفوائد (ص‪.)31‬‬

‫‪76‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وتل�ك من َمصالِيه وفخوخه وحبائله الت�ي ينصبها ليغوي هبا‬


‫ابن آدم‪.‬‬

‫فلذلك حيتمي العبد المسلم من الشيطان وحيرتز من رشه هبذه‬


‫المع�وذات الرشعية‪ ،‬الت�ي يبدؤها بالثناء ع�ىل اهلل تعاىل بتمجيده‬
‫وتوحيده‪.‬‬

‫***‬

‫من فواضل األذكار‪:‬‬

‫حني‬‫َ‬
‫)‪(1‬‬
‫خرج من عنده�ا بكر ًة‬
‫ّب�ي ﷺ َ‬ ‫َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫ع�ن جويري َة‬
‫وهي‬
‫َ‬
‫)‪(2‬‬
‫رجع بع�دَ أن أضحى‬
‫ثم َ‬ ‫وهي يف مس�جدها َّ‬ ‫بح َ‬ ‫الص َ‬ ‫ّ‬
‫ص�ىل ّ‬
‫ِ‬
‫فارقتك عليها؟»‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫احلال ا ىّلت�ي‬ ‫زلت عل‬ ‫جالس� ٌة فقال‪« :‬ما ِ‬
‫ثالث مر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ات لو‬ ‫أربع كلامت َ ىّ‬ ‫قلت بعدك َ‬ ‫ّبي ﷺ‪« :‬لقد ُ‬ ‫نعم‪ .‬قال الن ُّ‬
‫ِ‬
‫خلقه‬ ‫ِ‬
‫وبحمده عد َد‬ ‫سبحان اهللِ‬
‫َ‬ ‫لوزنتهن‪:‬‬ ‫قلت ُ‬
‫منذ اليو ِم‬ ‫وزنت بام ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫كلامته»)‪.(3‬‬ ‫ِ‬
‫عرشه ومدا َد‬ ‫ِ‬
‫نفسه وزن َة‬ ‫ورضا‬

‫«وهي يف مسجدها» أي المكان المعدّ للصالة من بيتها‪.‬‬


‫َ‬ ‫قوله‪:‬‬

‫وكان من عادة السلف أن يتخذوا يف بيوتم أماكن خيصصوهنا‬


‫للذكر وصالة النوافل وغري ذلك‪.‬‬

‫)‪ (1‬البكرة أول النهار من طلوع الفجر‪.‬‬


‫)‪ (2‬أي دخل يف الضحى‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم (‪(2726‬‬

‫‪77‬‬
‫معاين األذكار‬

‫قول�ه‪« :‬لوزنته� َّن» أي عادلته�ن‪ ،‬أو زادت عليه�ن‪ ،‬ويؤي�ده‬


‫لرجحن بام‬ ‫وزن‬ ‫ٍ‬
‫كلامت لو َّ‬ ‫ِ‬
‫بع�دك‬ ‫قلت‬
‫رواي�ة أمحد )‪« :(2330‬لقد ُ‬
‫َ‬
‫قلت» وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫ِ‬
‫«و ِم�داد ك َِلامتِ ِ‬
‫�ه» الم�داد بمعن�ى الم�دد‪ ،‬والمدد هو م�ا ك ّثر به‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال�يشء‪ ،‬وكل�امت اهلل ال هناية هلا‪ ،‬كام قال تع�اىل‪( :‬ﯱﯲﯳﯴﯵ‬
‫ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ) [الكهف‪.[109 :‬‬
‫وقال تعاىل‪( :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [لقامن‪.[27 :‬‬
‫«وهذا من باب تقريب المعنى إىل األذهان‪ ،‬ألن هذه األش�ياء‬
‫خملوق�ة‪ ،‬وجيع المخلوقات‪ ،‬منقضي�ة منتهية‪ ،‬وأما كالم اهلل‪ ،‬فإنه‬
‫من جلة صفاته‪ ،‬وصفاته غري خملوقة‪ ،‬وال هلا حد وال منتهى»)‪.(1‬‬
‫والمراد أن التسبيح واحلمد ال ُحيدّ دان بعدد وال مقدار‪ ،‬كمداد‬
‫كلامته‪.‬‬
‫و َذكر النبي ﷺ هذه األمور األربعة عىل جهة الكثرة التي ال تنحر‪.‬‬
‫وال�وزن‪ ،‬ومل يذكر واحد ًا منهام‬
‫َ‬ ‫وذك�ر مع اخلل�ق والعرش العد َد‬
‫َ‬
‫مع رضائه ومداد كلامته؛ إش�ارة إىل أهنام ال يدخالن يف المعدود وال‬
‫قال‪َ :‬‬
‫كان‬ ‫الم�وزون‪ ،‬وال حيرمها المق�دار)‪ .(2‬وعن أيب هري�ر َة‬
‫وبك أمس�ينا‪َ ،‬‬
‫وبك‬ ‫بك أصبحنا‪َ ،‬‬
‫«اللهم َ‬
‫َّ‬ ‫أصب�ح ق�ال‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّب�ي ﷺ إذا‬
‫الن ُّ‬
‫)‪ (1‬تفسري السعدي (ص‪.)488‬‬
‫)‪ (2‬دليل الفاحلني (‪.)231/7‬‬

‫‪78‬‬
‫معاين األذكار‬

‫«اللهم َ‬
‫بك‬ ‫َّ‬ ‫ىّش�ور»‪ ،‬وإذا أمس�ى ق�ال‪:‬‬ ‫َ‬
‫وإليك الن ُ‬ ‫نموت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫نحي�ا‪َ ،‬‬
‫وبك‬
‫المصري»‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وإليك‬ ‫نم�وت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وب�ك نحيا‪َ ،‬‬
‫وبك‬ ‫وبك أصبحنا‪َ ،‬‬
‫أمس�ينا‪َ ،‬‬
‫رواه البخاري يف األدب املفرد )‪ (1199‬هبذا اللفظ‪ ،‬وصححه النووي‬
‫وابن حجر‪ ،‬وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة )‪.(263‬‬

‫وعند أيب داود (‪ (5068‬بلفظ‪« :‬النش�ور» فيهام‪ ،‬وعند الرتمذي‬


‫)‪ (3391‬بلفظ «املصري» يف الصباح‪ ،‬و«النشور» يف املساء‪.‬‬

‫«وهي‬
‫َ‬ ‫ق�ال ابن القيم عن رواي�ة البخ�اري يف األدب المفرد‪:‬‬
‫الصباح واالنتباه من النّوم‪:‬‬ ‫َّ‬
‫‪-‬ألن ّ‬ ‫الروايات أن تكون حمفوظة‬
‫أوىل ّ‬
‫والصريورة إىل‬ ‫ِ‬
‫وهو احلياة بعد الموت‪ .‬والمس�اء ّ‬‫بمنزلة النّش�ور َ‬
‫جعل اهلل س�بحانه‬ ‫ِ‬
‫بمنزل�ة الم�وت والمص�ري إىل اهلل وهلذا َ‬ ‫النّ�وم‬
‫ال عىل البعث والنّش�ور‪َّ -‬‬
‫ألن‬ ‫يف النّ�وم الموت واالنتب�اه بعده دلي ً‬
‫النّ�وم أخ�و الم�وت واالنتباه نش�ور وحي�اة‪ ،‬قال تع�اىل‪( :‬ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫البخاري يف‬ ‫ويدل ِ‬
‫عليه أيض ًا ما روا ُه‬ ‫ﯛﯜﯝ)‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫استيقظ قال‪ :‬احلمد هللِ‬
‫َ‬ ‫ّبي ﷺ َ‬
‫كان إذا‬ ‫صحيحه عن حذيفة َّ‬
‫«أن الن ّ‬
‫ِ‬
‫وإليه النّشور»)‪.(1‬‬ ‫ا ّلذي أحيانا بعدما أماتنا‬

‫وم�ؤ ّدى المصري والنش�ور واحد‪ ،‬وهو الرج�وع إىل اهلل تعاىل‬
‫بعد الموت)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬تذيب السنن (‪.)465/2‬‬


‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)86/3‬‬

‫‪79‬‬
‫معاين األذكار‬

‫سؤال اهلل العفو والعافية‪:‬‬


‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫يدع‬ ‫ُ ِ‬
‫رس�ول اهلل ﷺ ُ‬ ‫أنه ق�ال‪ :‬مل يكن‬ ‫عمر‬
‫ع�ن اب َن َ‬
‫أس�ألك العافي َة يف‬
‫َ‬ ‫«اللهم ىّإين‬ ‫يصبح‪:‬‬ ‫وحني‬
‫َ‬ ‫حني يمس‬ ‫عوات َ‬ ‫ِ‬ ‫الدّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ودنياي‬ ‫العف�و والعافي َة يف ديني‬ ‫َ‬
‫أس�ألك‬ ‫اللهم ىّإين‬ ‫ِ‬
‫واآلخرة‪،‬‬ ‫الدىّ نيا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اللهم احفظني من‬‫َّ‬ ‫اللهم اسرت عورايت وآمن روعايت‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وأهيل ومايل‪،‬‬
‫يدي ومن خلفي وعن يميني وعن ش�اميل ومن فوقي‪ ،‬وأعو ُذ‬ ‫ِ‬
‫ب�ني َّ‬
‫بعظمتك أن َ‬
‫أغتال من حتتي»)‪.(1‬‬ ‫َ‬

‫ويف هذا احلديث أن النبي ﷺ كان يداوم عىل هؤالء الكلامت؛‬


‫وهو مما يدل عىل فضلها‪.‬‬
‫و«العافِ َي َة» هي الس�المة من األسقام والباليا‪ ،‬وسؤال العافية‬
‫م�ن أج�ع األدعية ألهن�ا تعني الس�المة م�ن كل اآلف�ات الدينية‬
‫والدنيوية‪.‬‬
‫ومعنى العافية من آفات الدنيا عدم االبتالء هبا‪ ،‬والصر عليها‬
‫إن وقعت‪ ،‬وهلذا أرشد النبي ﷺ العباس إىل سؤال اهلل العافية‬
‫ِ‬
‫واآلخرة»)‪.(2‬‬ ‫رسول اهللِ‪ :‬سل اهللَ العافي َة يف الدّ نيا‬
‫ِ‬ ‫عم‬
‫يف قوله‪« :‬يا َّ‬
‫وأسألك «العافِ َية ِيف ِدينِي» بدوام الرتقي يف كامالته‪ ،‬والسالمة‬
‫من النقص الذي هيوي بالعبد‪.‬‬
‫فو» هو حمو الذنوب‪.‬‬
‫و«ال َع َ‬

‫)‪ (1‬رواه أبو داود (‪ )5074‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫)‪ (2‬رواه الرتمذي (‪ )2514‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫معاين األذكار‬

‫في�رسه يل وأزل عن طريق�ي عراقيله‪،‬‬


‫ف�ام كان س�بيله الرتق�ي ّ‬
‫وما كان س�بيله النقص واحلرمان فس� ّلمني منه‪ ،‬وما كان من ذنب‬
‫اقرتفته فاغفره يل‪.‬‬

‫وتأم�ل اجلم�ع بني الدي�ن والدني�ا يف طلب العف�و العافية‪ ،‬يف‬


‫ودنياي» فهو صباح مس�اء‬
‫َ‬ ‫العفو والعافي َة يف ديني‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫«أس�ألك‬ ‫قوله‪:‬‬
‫يطلب الس�المة لدينه بالبع�د عن المعصية وأهله�ا وعن مواطن‬
‫الفت�ن ومواق�ع الش�به‪ ،‬ويطل�ب الس�المة لدني�اه م�ن النكب�ات‬
‫والمعيش�ة المنغصة واالضطرابات النفسية‪ ،‬ومن أنواع البالء يف‬
‫النف�س واألهل والمال والولد)‪(1‬؛ وإذا س�لم له دينه ودنياه أحياه‬
‫اهلل يف الدنيا حياة طيبة س�المة من المنغصات‪ ،‬وأجزل له المثوبة‬
‫والعط�اء يف اآلخرة؛ كام قال تع�اىل (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ) [النحل‪.[97 :‬‬
‫«و َأ ِ‬
‫هيل َو ِ‬
‫مايل» بأال يرى فيهام ما يسوؤه‪.‬‬ ‫َ‬
‫حس ومنها ما هو‬ ‫«اس�رت َع ِ‬
‫ورايت» العورات منها ما هو‬ ‫ُ‬ ‫وقوله‬
‫ّ‬
‫معن�وي‪ ،‬فالعبد يس�أل ربه أن يس�رت عليه عوراته ف�ال يفضحه يف‬

‫)‪ (1‬فعىل من خياف عىل نفس�ه من نكبات الدنيا وفجآت البالء أن يلتزم العمل هبذا‬
‫احلدي�ث ويواظب عليه‪ ،‬وخاصة أولئ�ك التجار الذين يصيبهم ما يصيبهم من‬
‫ذلك يف أس�واق األس�هم وكثري من المعامالت التجارية‪ ،‬والذكر والدعاء إما‬
‫أن يمنعا وقوع البالء أو خيففاه أو حيمال صاحبه عىل الصر واالحتس�اب‪ ،‬ويف‬
‫ٍّ‬
‫كل خري‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الدنيا وال يف اآلخرة‪ ،‬وال ينزله منازل اخلزي والفضح فيهام‪ ،‬وإنام‬
‫يسرت عليه عيوبه ويغفر له ذنوبه ويسدل عليه سرته وجيعله يف َكن َِفه‬
‫وحفظه‪.‬‬
‫ِ‬
‫وع�ايت» أي فزع�ايت التي ختيفن�ي‪ ،‬أي ارفع عني كل‬ ‫«و ِآم�ن َر‬
‫َ‬
‫خوف‪.‬‬

‫و«عورايت وروعايت» بصغية اجلمع إشارة إىل كثرتام‪.‬‬

‫يدي‪ »...‬الخ‪ ،‬أي‪ :‬ادفع عني‬ ‫«اللهم احفظني من ِ‬


‫بني َّ‬ ‫َّ‬ ‫وقول�ه‪:‬‬
‫الب�الء‪ ،‬من جهايت الس�ت‪ ،‬ألن كل بالء يصل لإلنس�ان إنام يصل‬
‫من إحدى هذه اجلهات‪.‬‬

‫غت�ال ِم�ن َتتِي» با َل َغ يف جهة الس�فل‬ ‫«و َأ ُع�و ُذ بِ َع َظ َمتِ َ‬


‫�ك َأن ُأ َ‬ ‫َ‬
‫لرداءة اآلفة‪.‬‬

‫واالغتيال أن ُخيدع و ُيقتل يف موضع ال يراه أحد‪.‬‬

‫يع‪َ :‬يعنِي اخلَ َ‬


‫سف)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫وقال َوك ٌ‬

‫***‬

‫الستعاذة بكلامت اهلل‪:‬‬


‫َ‬
‫رسول‬ ‫ّبي ﷺ فقال‪ :‬يا‬ ‫قال‪ :‬جا َء ٌ‬
‫رجل إىل الن ِّ‬ ‫عن أيب هرير َة‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)109/3‬‬

‫‪82‬‬
‫معاين األذكار‬

‫حني‬
‫قلت َ‬‫عقرب لدغتني البارح َة؟)‪ (1‬قال‪« :‬أما لو َ‬ ‫ٍ‬ ‫اهللِ ما ُ‬
‫لقيت من‬
‫ترض َك»)‪.(2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫خلق مل ىّ‬
‫رش ما َ‬‫أمسيت أعو ُذ بكلامت اهلل الت ىّىّامات من ِّ‬
‫َ‬
‫صال�ح عن ِ‬
‫أبيه‬ ‫ٍ‬ ‫س�هيل ِ‬
‫ب�ن أيب‬ ‫ِ‬ ‫وروى الرتم�ذي )‪ (3529‬ع�ن‬
‫ح�ني يميس َ‬
‫ثالث‬ ‫َ‬ ‫ّب�ي ﷺ قال‪« :‬م�ن قال‬ ‫ع�ن أيب هري�ر َة ع�ن الن ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫يرض ُه مح ٌة َ‬
‫تلك‬ ‫خلق مل ىّ‬
‫رش ما َ‬‫م�رات أعو ُذ بكلامت اهلل الت ىّىّامات من ِّ‬ ‫ىّ‬
‫ال ىّليل َة»)‪.(3‬‬
‫كل ٍ‬
‫ليلة‪،‬‬ ‫ف�كان أهلنا تع ّلموه�ا فكانوا يقولوهن�ا َّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫س�هيل‪:‬‬ ‫قال‬
‫فلدغت جاري ٌة منهم فلم تد هلا وجع ًا‪.‬‬
‫ِ‬
‫بكلامت اهللِ»‪ :‬هي القرآن‪.‬‬ ‫«أعو ُذ‬
‫«التّام ِ‬
‫�ات» أي التي ال يطرقها عي�ب وال نقص بخالف كالم‬ ‫ّ‬
‫الناس‪.‬‬

‫قال ش�يخ اإلسالم ‪-‬رمحه اهلل‪«:-‬االستعاذة ال تصح بمخلوق‬


‫كام نص عليه اإلمام أمحد وغريه من األئمة‪ ،‬وذلك مما اس�تدلوا به‬
‫ع�ىل أن كالم اهلل غ�ري خمل�وق‪ ،‬وألنه قد ثب�ت يف الصحيح وغريه‬
‫ع�ن النبي ﷺ أنه كان يقول «أعوذ بكلامت اهلل التامات من رش ما‬
‫خلق» قالوا‪ :‬واالستعاذة ال تكون بمخلوق»)‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬المعنى‪ :‬لقيت وجع ًا شديد ًا‪.‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)2709‬‬
‫)‪ (3‬رواه الرتمذي (‪ )3966‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (4‬اقتضاء الراط (ص‪.)419-418‬‬

‫‪83‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وق�ال ابن عثيم�ني ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬حيم�ل كالم اإلمام أمحد‬


‫‪-‬رمح�ه اهلل‪ -‬عىل أن االس�تعاذة بكالم ال تك�ون بكالم خملوق‪،‬‬
‫ب�ل بكالم غري خملوق‪ ،‬وه�و كالم اهلل‪ ،‬وال�كالم تابع للمتك ّلم‬
‫ب�ه‪ :‬إن كان خملوق�ا فهو خمل�وق‪ ،‬وإن كان غري خمل�وق فهو غري‬
‫خملوق»)‪.(1‬‬

‫وقوله‪« :‬مل يرضه يشء» يشمل كل يشء‪ ،‬حتى النفس واهلوى‪.‬‬

‫***‬

‫صباح مساء‪:‬‬
‫َ‬ ‫اإلقرار بالنعمة هلل وشكره عليها‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ قال‪« :‬من‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫البيايض‬ ‫بن غنّا ٍم‬ ‫عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫وحدك ل‬ ‫َ‬
‫فمن�ك‬ ‫ق�ال ح�ني يصب�ح‪ :‬اللهم ما أصب�ح يب من ٍ‬
‫نعمة‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الش�كر فقد أدى ش�كر ِ‬ ‫فلك احلمدُ َ‬ ‫ل�ك َ‬‫رشي�ك َ‬
‫َ‬
‫يومه‪ ،‬ومن‬ ‫َ‬ ‫ىّ‬ ‫ولك ىّ ُ‬
‫ذلك حني يميس فقد أدى شكر ِ‬
‫ليلته»)‪.(2‬‬ ‫مثل َ‬‫قال َ‬
‫َ‬ ‫ىّ‬ ‫َ‬
‫يف ه�ذا احلديث اإلق�رار بأن جيع النعم م�ن اهلل تعاىل‪ :‬الدينية‬
‫والدنيوية‪.‬‬

‫�كر» أي‪ :‬إذا كانت النعم كلها‬


‫الش ُ‬ ‫«فلك احلمدُ َ‬
‫ولك ّ‬ ‫َ‬ ‫وقول�ه‪:‬‬
‫منك وح�دك فها أنا أنقاد لك وأخص احلمد والش�كر لك‪ ،‬فلك‬
‫احلمد ال لغريك‪ ،‬ولك الشكر ال ألحد سواك‪.‬‬

‫)‪ (1‬جمموع فتاوى ابن عثيمني (‪.)508/10‬‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )5073‬وحسنه ابن القيم وابن حجر وغريمها‪ ،‬وضعفه األلباين‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫معاين األذكار‬

‫َ‬
‫وحدك» ليس هو جواب الرشط؛ ألن جواب‬ ‫َ‬
‫«فمنك‬ ‫وقول�ه‪:‬‬
‫الرشط يشرتط فيه أن يكون مس ّبب ًا عن الرشط‪ ،‬وعىل هذا فهو دال‬
‫عىل اجلواب وليس ه�و اجلواب‪ ،‬وجواب الرشط‪ :‬فمنك وحدك‬
‫فأوزعني أن أقوم بشكرها)‪.(1‬‬

‫***‬

‫صباح مساء‪:‬‬
‫َ‬ ‫اإلقرار بالتوحيد واإلشهاد عليه‬
‫بن ٍ‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ قال‪« :‬من قال َ‬
‫حني‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫مالك‬ ‫أن�س ِ‬
‫ِ‬ ‫ع�ن‬
‫َ‬
‫عرشك‬ ‫َ‬
‫أشهدك وأشهدُ محل َة‬ ‫أصبحت‬
‫ُ‬ ‫اللهم ىّإين‬
‫َّ‬ ‫يصبح أو يميس‪:‬‬
‫ُ‬
‫حممد ًا‬
‫وأن ىّ‬
‫أنت َّ‬ ‫أنت اهلل ل إل� َه ىّإل َ‬ ‫ىّك َ‬‫خلقك أن َ‬
‫َ‬ ‫ومجيع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ومالئكت�ك‬
‫أعتق‬
‫تني َ‬‫مر ِ‬ ‫أعتق اهلل ربع ُه من الن ِ‬
‫ىّ�ار‪ ،‬فمن قاهلا ىّ‬ ‫َ‬
‫ورس�ولك‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫عبدك‬
‫ِ‬
‫أرباعه‪ ،‬ف�إن قاهلا أربع ًا‬ ‫أعتق اهلل ثالث َة‬
‫اهلل نصف� ُه‪ ،‬ومن قاهلا ثالث� ًا َ‬
‫أعتق ُه اهلل من النىّار»)‪.(2‬‬
‫َ‬
‫«أش�هدك» أي أجعل�ك ش�اهد ًا ع�ىل إق�راري بوحدانيتك يف‬
‫األلوهي�ة والربوبي�ة‪ ،‬وهو تأكيد للش�هادة يف كل صباح ومس�اء‪،‬‬
‫وغرضه‪ :‬أنه ليس من الغافلني عنها‪.‬‬

‫َ‬
‫ومالئكتك» تعميم بعد ختصيص‪.‬‬ ‫َ‬
‫عرشك‬ ‫«محل َة‬

‫َ‬
‫خلقك» تعميم آخر‪.‬‬ ‫«وجيع‬
‫َ‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)108/3‬‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )5069‬وحسنه ابن القيم وابن حجر وضعفه األلباين‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وق�د اختلف يف ه�ذا احلديث‪ ،‬فمن العلامء من حس�نه ومنهم‬


‫غري مقيد بالصباح والمس�اء؛ فروى‬ ‫م�ن ضعفه‪ ،‬وق�د صح نحوه َ‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ‪:‬‬‫ُ‬ ‫الفاريس قال‪ :‬قال‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫س�لامن‬ ‫احلاكم )‪ (1920‬عن‬
‫َ‬
‫عرش�ك‪،‬‬ ‫مالئكتك ومحل َة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أش�هدك وأش�هدُ‬ ‫اللهم‪ :‬ىّإين‬
‫َّ‬ ‫«م�ن ق�ال‬
‫أنت اهلل ل إل َه ىّإل‬‫ىّك َ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬أن َ‬ ‫ِ‬
‫�اموات ومن يف‬ ‫الس‬
‫وأش�هدُ من يف ىّ‬
‫َ‬
‫ورسولك‪ ،‬من‬ ‫َ‬
‫عبدك‬ ‫حممد ًا‬
‫أن ىّ‬‫لك‪ ،‬وأشهدُ َّ‬‫رشيك َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫وحدك ل‬ ‫أنت‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ِ‬ ‫مر ِ‬ ‫من الن ِ‬
‫أعتق اهلل ثلثيه َ‬
‫تني َ‬ ‫ىّار‪ ،‬ومن قاهلا ىّ‬ ‫أعتق اهلل ثلث ُه َ‬
‫مر ًة َ‬
‫قاهلا ىّ‬
‫من الن ِ‬
‫ىّار»)‪.(1‬‬ ‫أعتق اهلل ك ىّل ُه َ‬ ‫الن ِ‬
‫ىّار‪ ،‬ومن قاهلا ثالث ًا َ‬
‫أصبح‪:‬‬
‫َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ قال‪« :‬من قال إذا‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫وعن أيب ع ّي ٍ‬
‫اش‬
‫كل‬ ‫وهو عل ِّ‬ ‫ُ‬
‫الملك ول ُه احلمدُ َ‬ ‫َ‬
‫رشيك ل ُه‪ ،‬ل ُه‬ ‫ل إل َه ىّإل اهلل وحد ُه ل‬
‫عرش‬ ‫َ‬ ‫رقبة من ِ‬ ‫كان ل�ه ع�دل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وكت�ب ل ُه ُ‬
‫َ‬ ‫إس�امعيل‬ ‫ولد‬ ‫قدي�ر‪ُ َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يشء‬
‫ٍ‬ ‫وحط عنه عرش س�ي ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وكان يف‬
‫َ‬ ‫درجات‬ ‫عرش‬
‫ورفع ل ُه ُ‬
‫َ‬ ‫ئات‬ ‫َّ ُ ُ ىّ‬ ‫حس�نات‬
‫كان ل ُه ُ‬
‫مثل‬ ‫يم�يس‪ .‬وإن قاهلا إذا أمس�ى َ‬ ‫ِ‬
‫�يطان حتىّى‬ ‫ح�رز م�ن ىّ‬
‫الش‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫يصبح»)‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫ذلك حتىّى‬‫َ‬

‫رقبة» بفتح الع�ني وكرسها‪ ،‬أي كان ذلك القول‬ ‫«عدل ٍ‬ ‫َ‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫ملن قاله مثل عتق رقبة يف األجر‪.‬‬
‫َ‬
‫إسامعيل» التخصيص هبم ألهنم أرشف من سبي‪.‬‬ ‫«من ِ‬
‫ولد‬

‫)‪ (1‬صحح�ه احلاكم ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه األلباين أيضا يف الصحيحة (‪)267‬‬
‫وق�ال‪« :‬وله ش�اهد م�ن حديث أن�س مرفوعا نح�وه مقيدا بالصباح واملس�اء‪،‬‬
‫وسنده ضعيف كام بينته يف «سلسلة األحاديث الضعيفة) رقم (‪.»)1041‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪.)5077‬‬

‫‪86‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الش ِ‬
‫يطان» أي يف حفظ من وسوسة الشيطان‬ ‫«وكان يف ٍ‬
‫حرز من ّ‬ ‫َ‬
‫وإغوائه)‪.(1‬‬

‫***‬

‫سؤال اهلل خري اليوم فتحه ونرصه ونوره وبركته وهداه‪:‬‬


‫أصبح‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬إذا‬
‫ُ‬ ‫األشعري قال‪ :‬قال‬ ‫عن أيب ٍ‬
‫مالك‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫اللهم ىّإين‬
‫َّ‬ ‫العالمني‬
‫َ‬ ‫رب‬‫المل�ك هللِ ِّ‬
‫ُ‬ ‫وأصبح‬
‫َ‬ ‫أحدك�م فليقل‪ :‬أصبحنا‬
‫خري هذا اليو ِم فتح ُه ونرص ُه ونور ُه وبركت ُه وهدا ُه وأعو ُذ َ‬
‫بك‬ ‫َ‬
‫أسألك َ‬
‫مثل َ‬
‫ذلك»)‪.(2‬‬ ‫ثم إذا أمسى فليقل َ‬ ‫ِ‬
‫ورش ما بعد ُه‪َّ ،‬‬
‫رش ما فيه ِّ‬
‫من ِّ‬
‫« َف َ‬
‫تح� ُه» ه�ذا بي�ان لقوله‪ :‬خري ه�ذا اليوم‪ ،‬والفت�ح هو الظفر‬
‫بالمقصود‪.‬‬

‫َر ُه» هو اإلعانة عىل العدو الظاهري والباطني‪.‬‬


‫«ون َ‬
‫َ‬
‫ُور ُه» هو أن هيدي اهلل تعاىل عبده إىل طريق احلق فيعمل به‪.‬‬
‫«ون َ‬
‫َ‬
‫«و َب َر َكتَ� ُه» الركة كثرة اخلري وثبوته‪ ،‬وتكون يف الوقت والرزق‬
‫َ‬
‫والمال واجلهد وغري ذلك‪.‬‬

‫ال ومداوم ًة عليه إىل حس�ن‬


‫«و ُهدا ُه» اهلداية إىل احلق عل ًام وعم ً‬
‫َ‬
‫اخلامتة‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)113/3‬‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )5084‬وحس�نه األلباين يف صحيح اجلامع (‪ ،)352‬ثم ضعفه‬
‫يف ضعيف أيب داود ويف السلسلة الضعيفة (‪.)5606‬‬

‫‪87‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫رش ما َبعدَ ُه» أي ما بعده من األيام‪،‬‬ ‫«و َأ ُعو ُذ بِ َك من َ ِّ‬
‫رش ما فيه َو َ ِّ‬ ‫َ‬
‫وكأنه استعاذ من رش ما بعده‪ ،‬ومل يسأل خري ما بعده؛ ألن االعتناء‬
‫بدفع المفاس�د أهم من جلب المصال�ح‪ ،‬ومن القواعد‪« :‬أن درء‬
‫المفاسد مقدم عىل جلب المصالح)‪.(1‬‬

‫***‬

‫صباح مساء‪:‬‬
‫َ‬ ‫سؤال اهلل العافية يف البدن والسمع والبرص‬
‫ألبيه‪ :‬ي�ا ِ‬
‫أبت ّإين‬ ‫ِ‬ ‫ب�ن أيب بكر َة أنه ق�ال‬ ‫الر ِ‬
‫محن ُ‬ ‫ع�ن عب�دُ ّ‬
‫اللهم عافني‬ ‫«اللهم عافني يف بدين‬ ‫ٍ‬
‫غداة‪:‬‬ ‫أس�معك تدعو َّ‬
‫كل‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أنت» تعيدها ثالث ًا‬‫اللهم عافني يف برصي ل إل َه ىّإل َ‬
‫َّ‬ ‫يف سمعي‬
‫بك‬ ‫«اللهم ىّإين أعو ُذ َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫وتق�ول‪:‬‬ ‫حني متس‪،‬‬ ‫تصبح وثالث ًا َ‬
‫ُ‬ ‫ح�ني‬
‫َ‬
‫ع�ذاب ِ‬
‫القرب ل إل َه‬ ‫ِ‬ ‫بك من‬ ‫اللهم ىّإين أعو ُذ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫والفق�ر‬ ‫ِ‬
‫الكفر‬ ‫م�ن‬
‫ح�ني متس قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫تصب�ح ثالث ًا وثالث ًا‬
‫ُ‬ ‫ىّإل أن�ت» تعيده�ا َ‬
‫حني‬
‫أس�تن‬
‫َّ‬ ‫فأحب أن‬
‫ُّ‬ ‫هبن‬
‫ّبي ﷺ يدعو َّ‬
‫س�معت الن َّ‬
‫ُ‬ ‫بني ّإين‬
‫نعم يا َّ‬
‫بسن ِ‬
‫ّته)‪.(2‬‬

‫«اللهم عافن�ي يف بدين» أي أعطن�ي العافية من اآلفات‬


‫َّ‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫المانع�ة م�ن الق�وة ع�ىل الطاعة‪ ،‬وس�لمني ب�أن ال يق�ع يشء من‬
‫جوارحي يف معصية‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)115/3‬‬


‫)‪ (2‬رواه أمحد (‪ )19917‬وأبو داود (‪ )5090‬وحسنه احلافظ واأللباين‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫معاين األذكار‬

‫عام يقع من المخالفة‪.‬‬


‫واعف ّ‬
‫فعافني من أن أقع يف معصيتك‪ ،‬فإن وقعت فاعف عني واغفر‬
‫يل‪.‬‬

‫«الله�م عافن�ي يف س�معي» أي س� ّلمه وأبع�د عن�ه اآلف�ات‪،‬‬


‫َّ‬
‫وس�لمه من كل خلل يمنعه من إدراك احلق وقبوله‪ ،‬وعافني فيه‪،‬‬
‫فال يسمع ما ال جيوز سامعه‪.‬‬

‫«اللهم عافني يف بري» من العمى‪ ،‬وعدم مشاهدة آياتك أو‬


‫َّ‬
‫من النظر إىل احلرام‪.‬‬
‫ك�ر الس�مع والب�ر بع�د الب�دن ِم�ن ِذ ِ‬
‫كر اخلص�وص بعد‬ ‫وذ ُ‬
‫ِ‬

‫العموم ألمهيتهام‪:‬‬

‫آيات اهلل المنزلة عىل الرسل‪.‬‬


‫ُدرك ُ‬
‫فبالسمع‪ :‬ت َ‬
‫وبالبر‪ :‬تُدرك آيات الكون المنبثة يف اآلفاق‪.‬‬

‫«الله�م متىّعن�ا بأس�امعنا‬


‫َّ‬ ‫ولذل�ك كان النب�ي ﷺ يدع�و‪:‬‬
‫وأبصارنا»)‪.(1‬‬

‫وتقدي�م الس�مع عىل البر يدل ع�ىل أنه أفض�ل‪ ،‬وبيان ذلك‬
‫أن فق�د الب�ر ال يمنع من معرفة احلق واتباع�ه‪ ،‬بخالف َمن َف َقدَ‬
‫َسم َعه‪ ،‬إال أن يعطيه اهلل ذلك هبة منه)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ )3502‬وحسنه األلباين‪.‬‬


‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)116/3‬‬

‫‪89‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الله�م ّإين أعو ُذ َ‬


‫بك من‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫والفقر‬ ‫ِ‬
‫الكف�ر‬ ‫وقول�ه‪« :‬أعو ُذ َ‬
‫بك من‬
‫عذاب ِ‬
‫القر»‪.‬‬ ‫ِ‬

‫قال المناوي‪« :‬قرن الفقر بالكفر ألنه قد جير إليه»)‪.(1‬‬

‫***‬

‫متى تقال أذكار الصباح واملساء؟‬


‫للعل�امء أقوال متع�ددة يف تديد وقت الصباح والمس�اء بداي ًة‬
‫وهناية‪:‬‬

‫فمنه�م من ق�ال‪ :‬وقت أذكار الصباح ما ب�ني طلوع الفجر‬


‫إىل رشوق الش�مس‪ ،‬ووق�ت أذكار المس�اء م�ا ب�ني الع�ر‬
‫والمغرب‪.‬‬

‫واختار هذا القول ش�يخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وابن القيم حيث‬
‫ك�ر َط َريف النهار‪ ،‬ومها ما‬ ‫ِ‬
‫ق�ال يف كتابه الوابل الصيب (ص‪« :(93‬ذ ُ‬
‫بني الصبح وطلوع الشمس‪ ،‬وما بني العر والغروب‪.‬‬

‫قال س�بحانه وتعاىل‪( :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬


‫ﰂ ﰃ ﰄ) [األحزاب‪ [42-41 :‬واألصيل‪ :‬قال اجلوهري‬
‫هو الوقت بعد العر إىل المغرب‪.‬‬

‫وقال تع�اىل‪( :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [غافر‪[51 :‬‬

‫)‪ (1‬فيض القدير (‪.)171/2‬‬

‫‪90‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فاإلب�كار أول النه�ار والعيش آخره‪ ،‬وق�ال تعاىل‪( :‬ﮁ ﮂ‬


‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [ق‪ ]39 :‬وهذا تفس�ري ما جاء‬
‫يف األحادي�ث‪ :‬م�ن قال كذا وك�ذا حني يصبح وح�ني يمس‪ ،‬أن‬
‫المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا‪ ،‬وأن حمل هذه األذكار‬
‫بعد الصبح وبعد العر» انتهى‪.‬‬

‫ومنه�م م�ن قال‪ :‬وق�ت أذكار الصب�اح من الفج�ر إىل الزوال‬


‫‪-‬يعن�ي دخ�ول وق�ت الظهر‪ -‬ووق�ت أذكار المس�اء م�ن زوال‬
‫الشمس إىل غروب الشمس‪ ،‬ويف أول الليل‪.‬‬

‫وهذا ما نصت عليه اللجنة الدائمة حيث قالت‪:‬‬

‫«أذكار المس�اء تبتدئ من زوال الشمس إىل غروهبا‪ ،‬ويف أول‬


‫الليل‪ ،‬وأذكار الصباح تبتدئ من طلوع الفجر إىل زوال الشمس‪،‬‬
‫قال اهلل تع�اىل‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [طه‪:‬‬

‫‪.[130‬‬

‫وق�ال س�بحانه‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬


‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [األع�راف‪ [205 :‬واآلص�ال ج�ع‬
‫أصيل‪ ،‬وهو‪ :‬ما بني العر والمغرب‪.‬‬

‫وقال سبحانه‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬


‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الروم‪.(1)»[18-17 :‬‬

‫)‪ (1‬فتاوى اللجنة (‪.)178179/24‬‬

‫‪91‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ومنه�م من قال‪ :‬الصباح من نصف اللي�ل األخري إىل الزوال‪،‬‬


‫ثم المس�اء من الزوال إىل آخر نصف الليل األول‪ ،‬نقله ابن عالن‬
‫يف الفتوحات الربانية عن السيوطي)‪.(1‬‬

‫وقي�ل‪ :‬أذكار الصب�اح من طلوع الفجر إىل غروب الش�مس‪،‬‬


‫والمس�اء م�ن الغ�روب إىل الفجر‪ ،‬وه�و اختيار ابن اجل�زري)‪،(2‬‬
‫واخت�ار أهن�ا تبدأ من الغروب الس�ندي أيض ًا يف حاش�يته عىل ابن‬
‫ماجة (‪ )284/1‬والمباركفوري يف رشح المشكاة (‪.)111/8‬‬

‫أذكار مضافة‬
‫ٌ‬ ‫وق�ال ابن عثيمني ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬أذكار الصباح‬
‫إىل الصب�اح وهذه إضاف ٌة بمعن�ى (يف) فإذا قلنا أذكار الصباح فهو‬
‫(أذكار يف الصب�اح)؛ فيكون حملها م�ن حني طلوع‬
‫ٌ‬ ‫بمنزل�ة قولن�ا‬
‫الفجر إىل أن ترشق الش�مس‪ ،‬ف�إذا كان الضحى انتهى اإلصباح‪،‬‬
‫أذكار تكون يف المس�اء‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وكذل�ك يف المس�اء أذكار المس�اء يعني‬
‫والمس�اء من صالة العر إىل هزي ٍع من الليل)‪ (3‬كل ذلك يس�مى‬
‫مس�ا ًء‪ ،‬لك�ن م�ا ُق ِّي�د يف الليل فه�و يف اللي�ل كآية الك�ريس مثالً‪،‬‬
‫وكذلك اآليتان آخر سورة البقرة‪.‬‬

‫ف�ام قي�د يف الليل فهو يف الليل‪ ،‬وما قيد يف المس�اء فهو أوس�ع‬
‫وأشمل‪ ،‬يكون من صالة العر إىل هزيع من الليل»)‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)73/3‬‬


‫)‪ (2‬تفة الذاكرين (ص‪.)91‬‬
‫)‪ (3‬هزيع من الليل أي طائفة منه‪ ،‬نحو ثلثه وربعه‪ .‬لسان العرب (‪.)370/8‬‬
‫)‪ (4‬فتاوى نور عىل الدرب (‪.)342/12‬‬

‫‪92‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وق�ال احلافظ اب�ن حجر ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬والظاه�ر أن المراد يف‬


‫األحاديث بالمساء أوائل الليل‪ ،‬وبالصباح أوائل النهار»‪.‬‬
‫فع�ىل العبد أن حيرص ع�ىل اإلتيان بأذكار الصب�اح يف الوقت‬
‫م�ا ب�ني طلوع الفجر إىل طلوع الش�مس‪ ،‬فإن فات�ه ذلك فال بأس‬
‫أن ي�أيت هب�ا إىل هناية وقت الضحى وهو قبل ص�الة الظهر بقليل‪،‬‬
‫ووقت الضحى ينتهي قبيل الزوال بربع ساعة تقريب ًا‪.‬‬
‫وأن ي�أيت ب�أذكار المس�اء يف الوق�ت ما بني ص�الة العر إىل‬
‫المغرب‪ ،‬فإن فاته فال بأس أن يأيت هبا إىل ثلث الليل‪.‬‬
‫ق�ال احلافظ ابن حجر ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬الظاهر أنه لو قال أذكار‬
‫الصب�اح والمس�اء أثناء النه�ار أو اللي�ل ال تصل تل�ك الفائدة‪،‬‬
‫وعظيم بركة الذكر يقتيض احلصول»)‪.(1‬‬
‫***‬

‫ِم َن األزمان التي ُيرشع فيها الذكر والدعاء أوقات الصالة‪:‬‬


‫ومن تلك األذكار‪:‬‬
‫ •إجابة المؤذن‪:‬‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ قال‪« :‬إذا س�معتم‬
‫َ‬ ‫اخل�دري َّ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫س�عيد‬ ‫عن أيب‬
‫ِّ‬
‫مثل ما ُ‬
‫يقول المؤ ىّذ ُن»)‪.(2‬‬ ‫ىّداء فقولوا َ‬
‫الن َ‬
‫ِ‬
‫احليعلتني‬ ‫فيستحب ملن يسمع المؤذن أن يقول ما يقول ّإال يف‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)74/3‬‬


‫)‪ (2‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫معاين األذكار‬

‫قوة ّإال باهللِ‪ ،‬أي ال حركة وال استطاعة يل‬


‫فإ ّن ُه يقول‪ :‬ال حول وال ّ‬
‫ِ‬
‫بمشيئة اهلل‪.‬‬ ‫ّإال‬
‫هل�م إىل اهلدى عاج� ً‬
‫ال والفوز‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫احليعلتني‪:‬‬ ‫وذل�ك ألن معن�ى‬
‫بالنّعي ِم آجالً‪.‬‬
‫مع ضعفي القيام‬
‫أستطيع َ‬
‫ُ‬ ‫عظيم ال‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫فناس�ب أن يقول‪ :‬هذا ٌ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫به ّإال إذا و ّفقني اهلل بحوله ّ‬
‫وقوته)‪.(1‬‬
‫ويف متابع�ة الم�ؤ ِّذ ِن ٌ‬
‫دلي�ل عىل رمح�ة اهلل‪ ،‬وس�عة فضله؛ ألن‬
‫المؤ ِّذن�ني مل�ا نالوا ما نالوه م�ن أجر األذان ُرشع لغ�ري المؤ ِّذن أن‬
‫يتابعه؛ لينال أجر ًا كام نال المؤ ِّذن أجر ًا‪.‬‬
‫وهلذا نظائر‪ ،‬فمن ذلك‪َّ :‬‬
‫أن احلُ ّجاج يذبحون اهلدايا يوم النَّحر‪،‬‬
‫احلجاج إذا‬
‫رشع هلم ذبح األضاحي‪ ،‬وكذلك ّ‬ ‫حيج ُ ِ‬
‫وغريهم ممن مل َّ‬
‫أحرموا تركوا الرت ُّفه فال حيلقون ش�عر َّ‬
‫ال�رأس‪ ،‬وغريهم من أهل‬
‫األضاحي ال يأخذون من شعورهم)‪.(2‬‬
‫من فوائد احلوقلة‪:‬‬
‫قو َة ّإال باهللِ) يف‬
‫حول وال ّ‬ ‫تأثري (ال َ‬
‫يق�ول ابن القي�م‪« :‬وأ ّما ُ‬
‫ِ‬
‫ّفويض‪،‬‬ ‫دف ِع هذا الدّ ِاء ‪-‬يعني اهلم والغم‪ -‬فلام فيها من ِ‬
‫كامل الت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمر ك ّله ل ُه‪ ،‬وعد ِم‬ ‫ِ‬
‫وتس�ليم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والقوة ّإال به‬ ‫ِ‬
‫احلول‬ ‫من‬
‫ّ‬ ‫ري َ‬ ‫وال ّت ّ‬
‫تو ٍل م�ن ٍ‬
‫حال إىل‬ ‫ذل�ك ِّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لكل ّ‬ ‫يشء من� ُه‪ ،‬وعموم‬ ‫منازعت�ه يف‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)92/2‬‬


‫)‪ (2‬الرشح الممتع (‪.)8586/2‬‬

‫‪94‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ّحو ِل‪،‬‬ ‫َ‬


‫ذل�ك الت ّ‬ ‫والقوة عىل‬
‫ّ‬ ‫�فيل‪،‬‬
‫والس ِّ‬
‫العلوي ّ‬‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫العالم‬ ‫ٍ‬
‫ح�ال يف‬
‫ِ‬
‫الكلم�ة يش ٌء‪ .‬ويف‬ ‫ذل�ك ك ّل�ه باهللِ وحده؛ ف�ال يقوم ِ‬
‫هلذه‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وأن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مل�ك من الس ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلثار‪ :‬إنّ� ُه ما ُ‬ ‫ِ‬
‫�امء‪ ،‬وال يصعدُ إليها‬ ‫ٌ َ ّ‬ ‫ينزل‬ ‫بع�ض‬
‫ح�ول وال قو َة ّإال ب�اهلل»‪ ،‬وهلا تأث�ري عجيب يف ِ‬
‫طرد‬ ‫َ‬ ‫ّإال ب��ِ«ال‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫الش ِ‬
‫يطان»)‪.(1‬‬ ‫ّ‬

‫فائدة يف ختم احلوقلة المطلقة بالعزيز احلكيم‪:‬‬

‫المشهور عند الناس ختم احلوقلة ب�«العيل العظيم» والصحيح‬


‫الثاب�ت ما ورد يف صحيح مس�لم من ختمه�ا ب�«العزيز احلكيم»؛‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ‬
‫ِ‬ ‫يب إىل‬‫فعن س�عد بن أيب وقاص قال‪ :‬جا َء أعرا ٌّ‬
‫َ‬
‫رشيك‬ ‫فقال‪ :‬ع ّلمني كالم ًا أقول ُه قال‪« :‬قل‪ :‬ل إل َه ىّإل اهلل وحد ُه ل‬
‫حول‬‫العالمني ل َ‬ ‫رب‬ ‫َ ِ‬ ‫أكرب كبري ًا واحلمدُ هللِ كثري ًا‬
‫َ‬ ‫سبحان اهلل ِّ‬ ‫ل ُه اهلل ُ‬
‫ِ‬
‫العزيز احلكيمِ»)‪.(2‬‬ ‫ول قو َة ىّإل باهللِ‬
‫ىّ‬
‫االين‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وق�د روى أب�و داود )‪ (832‬من طريق أيب خال�د الدّ ِّ‬
‫بن أيب أوىف‪ ،‬قال‪ :‬جا َء‬ ‫عن إبراهيم السكس�كي‪ ،‬عن ِ‬
‫عب�د اهللِ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ّ‬
‫آخ�ذ من القرآنِ‬ ‫ٌ‬
‫َ َ‬ ‫أس�تطيع أن‬
‫ُ‬ ‫ّبي ﷺ فقال‪ّ :‬إين ال‬‫رج�ل إىل الن ِّ‬
‫س�بحان اهللِ‪ ،‬واحلمدُ‬
‫َ‬ ‫ش�يئ ًا فع ّلمني ما جيزئني من ُه‪ ،‬قال‪« :‬قل‪:‬‬
‫حول ول قو َة ىّإل باهللِ‬ ‫ِ‬
‫العيل‬
‫ِّ‬ ‫ىّ‬ ‫أكرب‪ ،‬ول َ‬ ‫هلل‪ ،‬ول إل� َه ىّإل اهلل‪ ،‬واهلل ُ‬
‫العظي�مِ»‪ .‬وحس�نه األلب�اين يف صحي�ح أيب داود‪ ،‬ولك�ن يف‬

‫)‪ (1‬زاد المعاد (‪.)193/4‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)2696‬‬

‫‪95‬‬
‫معاين األذكار‬

‫إس�ناده أبو خالد الداالين يزيد ب�ن عبد الرمحن‪ ،‬قال احلافظ‪:‬‬
‫«ص�دوق خيطئ كث�ري ًا‪ ،‬وكان يدل�س»)‪ .(1‬ورواه اإلمام أمحد‬
‫)‪ )18631‬واحلمي�دي (‪ (734‬م�ن طريق�ه فاقت�ر ع�ىل قوله «ال‬
‫ح�ول وال قوة إال باهلل»‪ .‬وقد رواه حج�اج بن أرطاة عند ابن‬
‫أيب ش�يبة )‪ (100/6‬ومعم�ر بن راش�د عند اب�ن خزيمة )‪(544‬‬

‫ومس�عر عند النس�ائي )‪ (924‬واحلاكم )‪ )880‬واملسعودي عند‬


‫البيهق�ي (‪ (3977‬كلهم عن السكس�كي ب�ه‪ ،‬دون قوله «العيل‬
‫العظيم» وهو املحفوظ‪.‬‬
‫ب�ن الص ِ‬
‫امت ق�ال‪ :‬قال‬ ‫وعن�د اب�ن ماج�ه )‪ (3878‬عن عب�اد َة ِ ّ‬
‫يس�تيقظ‪ :‬ل إل َه ىّإل‬
‫ُ‬ ‫حني‬
‫يل فقال َ‬ ‫تعار من ال ىّل ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬من َّ‬
‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫وهو ع�ل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الملك ول� ُه احلمدُ َ‬ ‫رشي�ك ل� ُه ل ُه‬ ‫اهلل وح�د ُه ل‬
‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫حول ول‬ ‫أكرب ول َ‬‫سبحان اهلل واحلمدُ هلل ول إل َه ىّإل اهلل واهلل ُ‬ ‫قدير‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫غفر ل ُه»‪ .‬وصححه‬ ‫رب اغفر يل َ‬ ‫ثم دعا ِّ‬ ‫العيل العظيمِ‪َّ ،‬‬ ‫قو َة ىّإل باهلل ِّ‬
‫ىّ‬
‫األلباين يف صحيح ابن ماجه‪.‬‬

‫واحلدي�ث رواه البخ�اري (‪ )1154‬وأمح�د (‪ )22165‬وأب�و داود‬


‫)‪ )5060‬والرتمذي (‪ )3414‬بلفظ‪« :‬ال حول وال قوة إال باهلل» بدون‬
‫قوله‪« :‬العيل العظيم»‪.‬‬

‫فاحلاص�ل‪ :‬أن ثب�وت خت�م احلوقل�ة ب�� «العزي�ز احلكيم» هو‬


‫المحفوظ‪.‬‬

‫)‪ (1‬تقريب التهذيب (ص‪.)636‬‬

‫‪96‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وختمه�ا بالعزي�ز احلكي�م أنس�ب‪ ،‬ألن العزيز م�ن ال يغالب‬


‫أم�ره‪ ،‬وال حول وال قوة معه‪ ،‬ومع ذل�ك فهو حكيم يضع اليشء‬
‫موضعه عىل مقتىض احلكمة)‪.(1‬‬

‫ •الذكر بعد سامع النداء‪:‬‬


‫بن ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ قال‪« :‬من قال َ‬
‫حني‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫عبد اهللِ‬ ‫عن ِ‬
‫جابر ِ‬
‫القائمة‪ِ ،‬‬
‫آت‬ ‫ِ‬ ‫عوة التىّام ِة‪ ،‬والص ِ‬
‫الة‬ ‫هذه الدىّ ِ‬
‫يسمع النىّداء‪ :‬اللهم رب ِ‬
‫ىّ‬ ‫ىّ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حممد ًا الوسيل َة والفضيل َة‪ ،‬وابعث ُه مقام ًا حممود ًا ا ىّلذي وعدت ُه‪ ،‬ح ىّلت‬
‫ىّ‬
‫ِ‬
‫القيامة»)‪.(2‬‬ ‫ل ُه شفاعتي يو َم‬

‫يس�مع‬
‫ُ‬ ‫حني‬ ‫َ‬
‫األذان‪ ،‬والمرا ُد َ‬ ‫يس�مع النّ�دا َء» أي‬
‫ُ‬ ‫«حني‬
‫َ‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫ِ‬
‫األذان‪.‬‬ ‫ذلك ُ‬
‫يقال عندَ فرا ِغ‬ ‫أن َ‬ ‫ِ‬
‫بتاممه‪ ،‬ففي هذا َّ‬ ‫النّدا َء‬

‫ُ‬
‫ألفاظ‬ ‫عوة التّام ِة» الم�راد بالدّ ِ‬
‫عوة هاهنا‬ ‫ه�ذه الدّ ِ‬
‫ِ‬ ‫رب‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫«اللهم َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫عبادة اهللِ تعاىل)‪.(3‬‬ ‫خص إىل‬ ‫ِ‬
‫األذان ا ّلتي يدعى هبا ّ‬
‫الش ُ‬
‫وس ّمى األذان دعوةً؛ ألنه يدعو إىل الصالة والذكر‪.‬‬
‫َ‬
‫وو َص َفها بالتّامة؛ الشتامهلا عىل تعظيم اهلل وتوحيده‪ ،‬والشهادة‬
‫َ‬
‫بالرسالة‪ ،‬والدعوة إىل اخلري‪.‬‬

‫القائ َم ِة» َأي ا َّلتِي ستُقام‪.‬‬


‫الة ِ‬ ‫«والص ِ‬
‫َّ‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)225/1‬‬


‫)‪ (2‬رواه البخاري (‪.)614‬‬
‫)‪ (3‬عمدة القاري (‪.)122/5‬‬

‫‪97‬‬
‫معاين األذكار‬

‫«فإنا منزل ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ّبي ﷺ بقوله‪ :‬ىّ‬
‫فرسها الن ُّ‬‫حممد ًا الوس�يل َة»‪ :‬قد ّ‬
‫«آت ّ‬
‫لعبد من ِ‬
‫عباد اهللِ»)‪.(1‬‬ ‫يف اجلن ِىّة ل تنبغي ىّإل ٍ‬

‫«والفضيل َة» هي المنقبة العالية التي ال يشاركه فيها أحد‪.‬‬


‫مطل�ق يف ِّ‬
‫كل ما‬ ‫وهو‬ ‫ِ‬ ‫«مقام� ًا حمم�ود ًا» أي حيم�دُ‬
‫ٌ‬ ‫القائم في�ه‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكرامات‪.‬‬ ‫جيلب احلمدَ من أنوا ِع‬
‫ُ‬
‫الشفاع ُة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المحمود ّ‬ ‫واألكثر عىل َّ‬
‫أن المرا َد بالمقا ِم‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫«إال ح ّل�ت ل� ُه ّ‬
‫الش�فاع ُة» أي اس�تح ّقت ووجب�ت أو نزل�ت‬
‫ِ‬
‫عليه)‪.(2‬‬
‫رجة الر ِ‬
‫فيعة المشهور ُة‬ ‫المرقاة‪« :‬وأما زياد ُة الدّ ِ‬
‫ِ‬ ‫قال القاري يف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫وايات»)‪.(3‬‬ ‫الر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫خاوي‪ :‬مل أر ُه يف يشء من ّ‬
‫ُّ‬ ‫الس‬
‫عىل األلسنة فقال ّ‬
‫فائدة‪ :‬اجلمع بني (نبي ًا) و(رسولً)‪:‬‬

‫رس�ول اهللِ ﷺ أ ّن ُه قال‪« :‬من قال‬ ‫ِ‬ ‫اص عن‬ ‫بن أيب و ّق ٍ‬ ‫ِ‬
‫س�عد ِ‬ ‫عن‬
‫َ‬
‫رشيك‬ ‫يس�مع المؤ ىّذ َن‪ :‬وأنا أش�هدُ أن ل إل َه ىّإل اهلل وحد ُه ل‬ ‫ُ‬ ‫حني‬
‫َ‬
‫وبمحم ٍد رس�ولً‬
‫ىّ‬ ‫رضيت ب�اهللِ ر ىّب ًا‬
‫ُ‬ ‫حمم�د ًا عبد ُه ورس�ول ُه‬ ‫وأن ىّ‬
‫ل� ُه َّ‬
‫وباإلسال ِم دين ًا َ‬
‫غفر ل ُه ذنب ُه»)‪.(4‬‬
‫يس�مع الم�ؤ ّذ َن‪ :‬وأنا‬
‫ُ‬ ‫وعن�د ابن ماج�ه )‪« :(721‬من قال َ‬
‫حني‬

‫)‪ (1‬رواه مسلم (‪.)384‬‬


‫)‪ (2‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)95/2‬‬
‫)‪ (3‬مرقاة المفاتيح (‪.)561/2‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم (‪.)386‬‬

‫‪98‬‬
‫معاين األذكار‬

‫حممد ًا عبد ُه‬


‫أن ّ‬ ‫رشيك ل ُه وأش�هدُ َّ‬
‫َ‬ ‫أش�هدُ أن ال إل َه ّإال اهلل وحد ُه ال‬
‫ٍ‬ ‫رضي�ت باهللِ ر ّب ًا وباإلس�ال ِم دين� ًا‬
‫وبمحمد نب ّي� ًا َ‬
‫غفر ل ُه‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ورس�ول ُه‬
‫ذنب ُه» وصححه األلباين‪ .‬وأكثر الروايات بلفظ مسلم‪.‬‬

‫يت بِاهللِ َر ّب ًا» أي رضيت بربوبيته‪ ،‬وذلك يش�مل‬


‫«ر ِض ُ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫الرضا باألحكام الرشعية والقضايا الكونية‪.‬‬

‫وذه�ب بع�ض أه�ل العل�م إىل أن األفضل اجلم�ع بني لفظ‬


‫و«رس�والً»‪ .‬واألَوىل االقتص�ار عىل أحدمه�ا‪ ،‬وأصحهام‬
‫«نب ّي� ًا» َ‬
‫«رس�والً»؛ حي�ث مل ترد رواية صحيحة ‪-‬في�ام نعلم‪َ -‬جعت بني‬
‫َ‬
‫اللفظني‪.‬‬

‫والرض�ا بمحمد ﷺ نبي ًا ورس�وال ًمعن�اه‪ :‬تصديقه فيام أخر‪،‬‬


‫وطاعت�ه فيام أم�ر‪ ،‬واالنتهاء عام هنى عنه وزج�ر‪ ،‬و َت َقدُّ م قولِه ﷺ‬
‫كل ٍ‬
‫أحد كائنا َمن كان‪.‬‬ ‫عىل ِ‬
‫قول ّ‬

‫اإلس�ال ِم ِدين� ًا»‪ :‬في�ه الت�رؤ من س�ائر األدي�ان كاليهودية‬


‫«وبِ ِ‬
‫َ‬
‫والنرانية وغريها‪.‬‬

‫ • متى يقول هذا الذكر؟‬


‫هل يقوله بعد الفراغ من األذان؟ أم يقوله عقب تشهد المؤذن؟‬

‫الراجح الثاين؛ ملا وقع يف رواية الطحاوي يف رشح معاين اآلثار‬


‫يسمع المؤ ّذ َن ّ‬
‫يتشهدُ ‪»...‬‬ ‫ُ‬ ‫حني‬
‫)‪« :(145/1‬من قال َ‬

‫صحح�ه األلباين وقال‪« :‬وفيه هذه الزيادة التي تعني متى يقال‬

‫‪99‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ه�ذا الدع�اء‪ ،‬وهو حني يتش�هد الم�ؤذن‪ .‬وهي زي�ادة عزيزة قلام‬
‫توجد يف كتاب فتشبث هبا»)‪.(1‬‬
‫وقال ابن عثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬ويف قوله‪« :‬وأنا أش�هد» ٌ‬
‫دليل‬
‫ع�ىل أنه يقوهلا عقب قول المؤ ِّذن‪« :‬أش�هد أن ال إله إال اهلل»؛ َّ‬
‫ألن‬
‫ال�واو حرف عطف‪ ،‬فيعطف قو َله ع�ىل ِ‬
‫قول المؤ ِّذن‪ .‬فإذ ًا‪ :‬يوجد‬
‫كر مرشوع أثناء األذان» )‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫ذ ٌ‬
‫ه�ل يقوله بعد قول المؤذن‪« :‬أش�هد أن ل إل�ه إل اهلل» أم بعد‬
‫قوله‪« :‬أشهد أن حممد ًا رسول اهلل»؟‬
‫الراجح‪ :‬الثاين‪.‬‬
‫س�ئل الش�يخ ابن عثيم�ني‪ :‬ورد يف احلديث أن اإلنس�ان يقول‬
‫عند متابعته للمؤذن «رضيت باهلل ربا‪ ،‬وباإلس�الم دينا‪ ،‬وبمحمد‬
‫رسوالً» فمتى يقول هذا؟‬
‫فأج�اب بقوله‪« :‬ظاه�ر احلديث أن المؤذن إذا قال أش�هد أن‬
‫ال إله إال اهلل وأش�هد أن حممدا رسول اهلل وأجبته تقول بعد ذلك‪:‬‬
‫«رضيت باهلل رب ًا‪ ،‬وباإلسالم دين ًا‪ ،‬وبمحمد رسوالً»)‪.(3‬‬
‫ •دعاء اخلروج إىل الصالة‪:‬‬
‫يف قصة وصفه لتهجد الرسول ﷺ ملا‬ ‫بن ع ّب ٍ‬
‫اس‬ ‫عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬

‫)‪ (1‬الثمر المستطاب (ص‪.)183‬‬


‫)‪ (2‬الرشح املمتع (‪.)86/2‬‬
‫)‪ (3‬جمموع فتاوى ابن عثيمني (‪.)170/12‬‬

‫‪100‬‬
‫معاين األذكار‬

‫بات عند خالته ميمونة قال‪ ... :‬فأ ّذ َن المؤ ّذ ُن ‪-‬أي لصالة الصبح‪-‬‬
‫«اللهم اجعل يف قلبي نور ًا‪ ،‬ويف لساين‬ ‫وهو ُ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫الصالة َ‬ ‫فخرج إىل ّ‬
‫َ‬
‫نور ًا‪ ،‬واجعل يف س�معي نور ًا‪ ،‬واجعل يف ب�رصي نور ًا‪ ،‬واجعل من‬
‫خلف�ي ن�ور ًا‪ ،‬ومن أمامي ن�ور ًا‪ ،‬واجعل من فوقي ن�ور ًا‪ ،‬ومن حتتي‬
‫اللهم أعطني نور ًا»)‪.(1‬‬
‫َّ‬ ‫نور ًا‪،‬‬

‫الكرماين‪ :‬التّنوين فيها‬


‫ُّ‬ ‫«اللهم اجعل يف قلبي نور ًا» قال‬
‫َّ‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫للتّعظي ِم أي نور ًا عظي ًام)‪.(2‬‬
‫وجهاته والم�را ُد ِبه ُ‬
‫بيان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعضائ�ه‬ ‫ّور يف‬ ‫ق�ال العلام ُء‪َ :‬‬
‫س�أل الن َ‬
‫ِ‬
‫وجسمه‬ ‫ِ‬
‫أعضائه‬ ‫ّور يف جي ِع‬ ‫َ‬ ‫احلق وضياؤه واهلداي ُة ِ‬
‫فس�أل الن َ‬ ‫إليه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫�ت حتّى ال َ‬
‫يزيغ‬ ‫الس ِّ‬ ‫وترفاته وتق ّلباته وحاالته وجلته يف جهاته ّ‬ ‫ّ‬
‫يش ٌء منها عن ُه)‪.(3‬‬

‫وه�ذا الدعاء يقال عند الذهاب إىل المس�جد‪ ،‬وهذا مناس�ب‬


‫ُور»)‪.(4‬‬
‫«والصال ُة ن ٌ‬
‫َّ‬ ‫غاية المناسبة مع قوله ﷺ‬

‫فل�ام كان�ت الص�الة ن�ور ًا للمس�لم يف دني�اه وآخرت�ه‪ ،‬كان من‬


‫المناس�ب وهو ذاهب إىل هذه الصالة أن يس�أل اهلل أن ُيعظم حظه‬
‫من هذا النور يف جسمه كله‪ ،‬وأن جيعله حميط ًا به من جيع جوانبه)‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬رواه البخاري (‪ )6316‬ومسلم (‪ - )763‬واللفظ له ‪.‬‬


‫)‪ (2‬فتح الباري (‪.)117/11‬‬
‫)‪ (3‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)45/6‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم (‪.)223‬‬
‫)‪ (5‬فقه األدعية واألذكار (‪.)118/3‬‬

‫‪101‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وإذا أراد اإلنس�ان الدخ�ول يف الصالة وج�ب عليه أن يقول‪:‬‬


‫اهلل أكر‪.‬‬

‫واحلكمة يف افتتاح الصالة بالتكبري تنبيه المصيل عىل ِعظم َمن‬


‫قام ألداء العبادة له‪ ،‬وأنه أكر من كل كبري‪ ،‬وأن كل ما سواه حقري‬
‫صغري‪.‬‬

‫قال ابن القيم‪ّ « :‬ملا كان المصيل قد َخت ّىل عن الشواغل و َق َطع جيع‬
‫وتطهر وأخذ زينته وتيأ للدخول عىل اهلل تعاىل ومناجاته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العالئق‪،‬‬
‫َ‬
‫دخول العبيد عىل الملوك‪ ،‬فيدخل بالتعظيم‬ ‫ُرشع له أن يدخل عليه‬
‫فرشع له ُ‬
‫أبلغ لفظ يدل عىل هذا المعنى‪ ،‬وهو قول «اهلل‬ ‫واإلجالل‪ُ ،‬‬
‫أك�ر»‪ ،‬ف�إن يف اللفظ م�ن التعظي�م والتخصيص واإلط�الق ما ال‬
‫يوجد يف غريه‪ ،‬وهلذا كان الصواب أن غري هذا اللفظ ال يقوم مقامه‬
‫وال يؤدي معناه وال تنعقد الصالة إال به‪ ...‬فإنه إذا استشعر بقلبه أن‬
‫اهلل أكر من كل ما خيطر بالبال اس�تحيا منه أن يشغل قلبه يف الصالة‬
‫بغ�ريه‪ ،‬فال يكون موفي ًا ملعنى اهلل أكر وال مؤدي ًا حلق هذا اللفظ وال‬
‫أتى البيت من بابه‪ ،‬بل الباب عنه مسدود‪.‬‬

‫وهذا بإجاع الس�لف‪ :‬أن�ه ليس للعبد من صالت�ه إال ما عقل‬


‫منها وحرضه بقلبه‪.‬‬

‫والمقص�ود أنه قبي�ح بالعبد أن يق�ول بلس�انه‪ :‬اهلل أكر‪ ،‬وقد‬


‫امت�أل قلبه بغري اهلل؛ فهو قبلة قلب�ه يف الصالة‪ ،‬ولعله ال حيرض بني‬
‫يدي ربه يف يشء منها‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فل�و قىض حق اهلل وأتى البيت من بابه لدخل وانرف بأنواع‬


‫التح�ف واخلريات‪ .‬فهذا الب�اب الذي يدخل من�ه المصىل‪ ،‬وهو‬
‫التحريم»)‪.(1‬‬
‫ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫الصالة ال ىّط ُ‬
‫هور‬ ‫«مفتاح ىّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عيل قال‪ :‬قال‬ ‫وعن ٍّ‬
‫ىّسليم»)‪.(2‬‬
‫ىّكبري وحتليلها الت ُ‬
‫وحتريمها الت ُ‬
‫قال ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬قوله‪« :‬وتريمها التّكبري» دليل ّبني‬
‫أنّ� ُه ال تريم هلا ّإال التّكبري‪ .‬وهذا قول اجلمهور وعا ّمة أهل العلم‬
‫قدي ًام وحديث ًا‪ّ ،‬‬
‫فيتعني «اهلل أكر»‪...‬‬
‫كل يشء‪ .‬وأ ّم�ا إذا َ‬
‫قيل‬ ‫كان معن�ا ُه‪ :‬من ّ‬ ‫ف�إذا َ‬
‫قي�ل‪« :‬اهلل أكر» َ‬
‫ويتخصص وال يس�تعمل هذا ّإال يف‬‫ّ‬ ‫«اهلل األك�ر» فإ ّن ُه يتق ّيد معنا ُه‬
‫قيل‪ :‬من أفضل أزيد أم عمرو؟ فيقول‪:‬‬ ‫معني‪ ،‬كام إذا َ‬ ‫ِ‬
‫مفضل عليه ّ‬ ‫ّ‬
‫هو المعروف يف ال ّلغة واالستعامل‪.‬‬ ‫زيد األفضل‪ .‬هذا َ‬
‫ِ‬
‫بدليل ما روى‬ ‫وه�ذا المعن�ى مطلوب من القائل‪« :‬اهلل أك�ر»‬
‫ّبي ﷺ قال‬‫أن الن ّ‬ ‫عدي ِ‬
‫ب�ن حات ٍم ال ّطوي�ل‪َّ :‬‬ ‫م�ذي م�ن حديث ِّ‬
‫ّ‬ ‫الرت‬
‫ّ‬
‫أيرضك أن يقال‪ :‬اهلل أكر؟ فهل تعلم ش�يئ ًا أكر من‬
‫يرضك ّ‬ ‫ل ُه «ما ّ‬
‫لقوله تع�اىل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) وهذا‬ ‫ِ‬ ‫اهلل؟»)‪ (3‬وه�ذا مطابق‬
‫يقتيض جواب ًا‪ :‬ال يشء أكر شهادة من اهلل فاهللّ أكر شهادة من ّ‬
‫كل‬

‫)‪ (1‬بدائع الفوائد (‪.)196/2‬‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )61‬والرتمذي (‪ )3‬وابن ماجة (‪ )275‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه الرتمذي (‪ )2954‬وحسنه‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫معاين األذكار‬

‫لعدي «هل تعلم ش�يئ ًا أكر م�ن اهلل؟» يقتيض‬


‫ٍّ‬ ‫يشء‪ .‬ك�ام َّ‬
‫أن قول�ه‬
‫جواب ًا‪ :‬ال يشء أكر من اهلل فاهللّ أكر من ّ‬
‫كل يشء‪.‬‬
‫الصالة هبذا ال ّلفظ المقصود من ُه‪ :‬اس�تحضار هذا‬
‫ويف افتت�اح ّ‬
‫ع�ز َّ‬
‫وجل‬ ‫وق�ف بني يدي اهلل َّ‬
‫َ‬ ‫وتص�وره؛ َّ‬
‫ف�إن العبد إذا‬ ‫ّ‬ ‫المعن�ى‪،‬‬
‫رسه‬ ‫�ق قلبه َ‬
‫ذل�ك‪ ،‬وأرشب ُه ّ‬ ‫عل�م أن ال يشء أك�ر من ُه‪ ،‬وت ّق َ‬
‫وق�د َ‬
‫ِ‬
‫بغريه‪ ،‬ومن‬ ‫اس�تحى من اهلل ومنع ُه وقاره وكرياؤ ُه أن يش�غل قلبه‬
‫ِ‬
‫بجس�مه‪ ،‬وقلبه هييم‬ ‫مل يس�تحرض هذا المعنى فهو واقف بني ِ‬
‫يديه‬ ‫َ‬
‫يف أودية الوساوس واخلطرات‪.‬‬
‫َ‬
‫اش�تغل عن ُه‪،‬‬ ‫كان اهلل أك�ر م�ن ّ‬
‫كل يشء يف قل�ب هذا ملا‬ ‫فل�و َ‬
‫أن الواق�ف ب�ني ي�دي المل�ك‬ ‫ورصف ك ّل ّي�ة قلب�ه إىل غ�ريه ك�ام َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بغ�ريه ومل‬ ‫المخل�وق ّمل�ا مل يك�ن يف قلبه أعظ�م من ُه مل يش�غل قلبه‬
‫يرف ُه عن ُه صارف»)‪.(1‬‬
‫فاس�تحضار المصيل معاين األذكار من متام تعظيم الرب تعاىل‬
‫ومتجيده‪.‬‬
‫ •دعاء الستفتاح‪:‬‬
‫بني الت ِ‬
‫ّكبري‬ ‫يسكت َ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬ ‫عن أيب هريرة قال‪َ :‬‬
‫كان‬
‫بني‬ ‫َ‬
‫إس�كاتك َ‬ ‫رس�ول اهللِ‬
‫َ‬ ‫فقلت‪ :‬بأيب وأ ّمي يا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القراءة هن ّي ًة‪،‬‬ ‫وب�ني‬
‫َ‬
‫وبني‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والق�راءة م�ا ُ‬ ‫الت ِ‬
‫«اللهم باع�د بيني َ‬
‫َّ‬ ‫أق�ول‪:‬‬ ‫تقول؟ ق�ال‬ ‫ّكب�ري‬
‫الله�م ن ىّقني من‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫والمغ�رب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الم�رشق‬ ‫بني‬
‫باع�دت َ‬
‫َ‬ ‫خطاي�اي ك�ام‬
‫َ‬

‫)‪ (1‬تذيب السنن (‪.)2023/1‬‬

‫‪104‬‬
‫معاين األذكار‬

‫خطاياي‬
‫َ‬ ‫اللهم اغسل‬
‫َّ‬ ‫األبيض من الدىّ ِ‬
‫نس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اخلطايا كام ين ىّقى ال ىّث ُ‬
‫وب‬
‫ِ‬
‫والربد»)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫بالماء وال ىّثلجِ‬
‫قوله‪« :‬اللهم ِ‬
‫باعد بيني وبني َخطاياي كام باعدت بني المرشق‬ ‫َّ‬
‫والمغ�رب»‪ :‬المباعدة بني المرشق والمغرب هو غاية ما يبالغ به‬
‫ّاس يبالغون يف الش�يئني المتباعدين إ ّما بام بني الس�امء‬ ‫ّاس‪ ،‬فالن ُ‬
‫الن ُ‬
‫والمغرب‪ ،‬ومعن�ى ِ‬
‫«باعد بيني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم�رشق‬ ‫واألرض‪ ،‬وإم�ا ب�ام بني‬
‫باع�د بيني وب�ني فِ ِ‬
‫عله�ا بحي�ث ال َأف َع ُلها‪،‬‬ ‫وب�ني َخطاي�اي» أي‪ِ :‬‬
‫ِ‬
‫وباعد بيني وبني عقوبِتها إذا فعلتُها‪.‬‬

‫األبيض ِمن‬
‫ُ‬ ‫الث�وب‬
‫ُ‬ ‫«اللهم ن ِّقني ِم�ن خطاياي كام ُين َّقى‬
‫َّ‬ ‫وقول�ه‪:‬‬
‫األبيض؛ ألن األبيض هو أشدُّ ما يؤ ِّثر فيه الوسخ‪.‬‬
‫َ‬ ‫الدَّ نس» وإنام َذك ََر‬

‫والر ِد‪،‬‬ ‫فس�أل إزال َة آثار خطاياه بزي�ادة التطهري بالم�اء وال َّث ِ‬
‫لج َ َ‬
‫الذنوب‬‫أن ُّ‬
‫والر ُد مناسبته هنا َّ‬
‫لج َ َ‬‫مطه ٌر‪ ،‬لكن ال َّث ُ‬
‫فالماء ال َش َّك أنه ِّ‬
‫حارة‪ ،‬واحلرار ُة يناسبها يف التنقية منها‬‫العذاب بالن ِّار‪ ،‬والن ُّار َّ‬
‫ُ‬ ‫آثارها‬
‫والر ُد فيهام التريدُ )‪.(2‬‬ ‫اليشء البارد‪ ،‬فالماء فيه التنظيف‪ ،‬وال َّث ُ‬
‫لج َ َ‬
‫***‬

‫ونجد التناسب الواضح بني األذكار ومواضعها‪:‬‬


‫فيق�ول المصيل يف ركوعه‪ :‬س�بحان ريب العظي�م‪ .‬ملا روى أبو‬

‫)‪ (1‬رواه البخاري (‪ )744‬ومسلم (‪.)598‬‬


‫)‪ (2‬انظر‪ :‬الرشح املمتع (‪.)50/3‬‬

‫‪105‬‬
‫معاين األذكار‬

‫بن ٍ‬
‫عامر قال‪ّ :‬ملا نزلت (ﯶﯷﯸﯹ)‬ ‫داود عن عقب َة ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬اجعلوها يف ركوعكم»)‪.(1‬‬
‫ُ‬ ‫قال‬

‫ركع‪:‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ُ‬


‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وعن حذيف َة ِ‬
‫يقول إذا َ‬ ‫س�مع‬
‫َ‬ ‫اليامن أ ّن ُه‬ ‫بن‬
‫ثالث مر ٍ‬
‫ات)‪.(2‬‬ ‫َ ّ‬ ‫ريب العظي ِم ‪-‬‬ ‫َ‬
‫سبحان ّ َ‬
‫العظيم يف ذاتِ ِه وصفاتِ ِه‪ ،‬فإنه سبحانه وتعاىل أعظم ِمن ِّ‬
‫كل يشء‪.‬‬

‫في�رشع للراكع أن ُي ِّنزه اهلل س�بحانه وتعاىل‪ ،‬ويصفه بعد تنزهيه‬


‫بأمرين كامليني كاملني ومه�ا‪ :‬الربوبية والعظمة‪ ،‬فيجتمع ِمن هذا‬
‫الذ ِ‬
‫كر‪ :‬التَّنزيه والتَّعظيم‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫وبالرك�وع تعظيم‬
‫والتَّنزي�ه والتَّعظي�م باللس�ان تعظيم ق�و ٌّيل‪ُّ ،‬‬
‫والفعيل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فعيل‪ ،‬فيكون الراكع جامع ًا بني التعظيمني‪ :‬القو ّيل‬
‫ٌّ‬
‫وإين ُنيت أن أق�رأ القرآن راكع ًا أو‬
‫النبي ﷺ‪« :‬أل ِّ‬
‫وهل�ذا ق�ال ُّ‬
‫ساجد ًا‪ ،‬ىّأما الركوع فع ِّظموا فيه َّ‬
‫الرب»)‪.(3‬‬

‫اإل ُ‬
‫نسان وهو‬ ‫الذ ِ‬
‫كر؛ مل ُيناسب أن يقرأه ِ‬ ‫أرشف ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫و َّملا كان‬
‫يف هذا االنحناء‪ ،‬إنام ُيقرأ يف حال القيام‪.‬‬

‫«س ِم َع اهللُ ملن َمحِدَ ه»‪.‬‬


‫وعند الرفع من الركوع يقول‪َ :‬‬
‫استجاب‪.‬‬
‫َ‬ ‫«س ِم َع» أي‪:‬‬
‫ومعنى َ‬
‫)‪ (1‬رواه أبو داود (‪ )869‬وحسنه النووي‪ ،‬وضعفه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه ابن ماجة (‪ )888‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم (‪.)479‬‬

‫‪106‬‬
‫معاين األذكار‬

‫صف المحمود بالكامل مع المح َّبة والتَّعظيم‪.‬‬


‫حلمد‪َ :‬و ُ‬
‫وا َ‬
‫ف�الن َر َّب�ه‪ ،‬أي‪َ :‬و َص َفه بصفات الك�امل مع حم َّبته‬
‫ٌ‬ ‫ف ُيق�ال‪َ :‬محِدَ‬
‫وتعظيمه‪.‬‬

‫صف‬
‫الم�دح‪َ :‬و ُ‬ ‫فإن‬ ‫�رق بني احل ِ‬
‫م�د والمدح؛ َّ‬ ‫وهب�ذا ُيعرف ال َف ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بالصفات احلميدة‪ ،‬لكن ال يلزم منه أن يكون‬ ‫الممدوح بالكامل‪ ،‬أو ِّ‬
‫يمدحه‬
‫ُ‬ ‫يمدحه ِمن أجل أن َ‬
‫ين�ال َغ َرض ًا له‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫حمبوب� ًا مع َّظ ًام‪ ،‬فقد‬
‫رشه‪ ،‬لكن احلمد ال يكون إال مع حم َّب ٍة وتعظي ٍم‪.‬‬
‫من أجل أن يتَّقي َ َّ‬
‫ِ‬

‫ق�ال ابن القي�م ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬الص�واب يف الف�رق بني احلمد‬


‫والم�دح أن يقال‪ :‬اإلخبار عن حماس�ن الغري إم�ا أن يكون إخبارا‬
‫جم�ردا من ح�ب وإرادة أو مقرون�ا بحبه وإرادته‪ ،‬ف�إن كان األول‬
‫ّ‬
‫فه�و المدح وإن كان الثاين فهو احلمد‪ ،‬فاحلمد إخبار عن حماس�ن‬
‫المحم�ود مع حب�ه وإجالل�ه وتعظيمه‪ ،‬وهلذا كان خ�را يتضمن‬
‫اإلنشاء‪ ،‬بخالف المدح فإنه خر جمرد»)‪.(1‬‬

‫«اللهم ر ىّبنا‬ ‫الركو ِع قال‪:‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ‬


‫َّ‬ ‫رفع رأس ُه من ّ‬‫رس�ول اهلل ﷺ إذا َ‬ ‫وكان‬
‫يشء بعدُ ‪،‬‬ ‫شئت من ٍ‬ ‫وملء ما َ‬ ‫ِ‬
‫واألرض‬ ‫لك احلمد ملء(() الس ِ‬
‫اموات‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ىّ‬ ‫َ‬
‫مانع‬ ‫أحق ما قال العبدُ وك ىّلنا َ‬ ‫ِ‬ ‫أهل ال ىّث ِ‬
‫َ‬
‫اللهم ل َ‬ ‫َّ‬ ‫لك عبدٌ ‪،‬‬ ‫والمجد‪ُّ ،‬‬ ‫ناء‬
‫ينفع ذا اجلدِّ َ‬
‫منك اجلدُّ »)‪.(3‬‬ ‫منعت ول ُ‬
‫َ‬ ‫معطي ملا‬
‫َ‬ ‫أعطيت ول‬
‫َ‬ ‫ملا‬

‫)‪ (1‬بدائع الفوائد (‪.)93/2‬‬


‫)‪ (2‬بنصب اهلمزة ورفعها‪ ،‬والنصب أشهر‪ .‬قاله النووي يف رشح مسلم (‪.)193/4‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم (‪.)477‬‬

‫‪107‬‬
‫معاين األذكار‬

‫شئت‬ ‫ِ‬
‫واألرض وملء ما َ‬ ‫ِ‬
‫اموات‬ ‫الس‬ ‫قوله‪« :‬ر ّبنا َ‬
‫لك احلمد ملء ّ‬
‫م�ن ٍ‬
‫يشء بعدُ »‪ :‬فه�و حيمد اهلل محد ًا يمأل العالم العلوي والس�فيل‬
‫والفضاء الذي بينهام‪ ،‬فهذا احلمد يمأل جيع اخللق الموجود‪.‬‬
‫وقول�ه‪َ « :‬أ َ‬
‫ه�ل ال َّثن�اء وا َ‬
‫حلم�دُ » أي‪َ :‬ر َّبن�ا أنت أه�ل أن ُيثنَى‬
‫عليك ُ‬
‫ومت ّجد لعظمة صفاتك وكامل نعوتك وتَوايل نعمك وكثرة‬
‫آالئك‪.‬‬
‫«أحق ما قال العبد وك ّلنا لك عبدُ »‪ :‬يف هذا الكالم دليل‬
‫ُّ‬ ‫قوله‪:‬‬
‫أحق ما‬‫أن هذا ُّ‬ ‫ّبي ﷺ َّ‬ ‫ظاه�ر عىل فضيلة هذا ال ّلف�ظ؛ فقد أخ َ‬
‫ر الن ّ‬
‫قاله العبد‪ ،‬فينبغي أن حيافظ ِ‬
‫عليه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فيه من التّفويض إىل اهلل تعاىل‪،‬‬‫أحق م�ا قاله العبد ملا ِ‬ ‫وإنّ�ام َ‬
‫كان َّ‬
‫ُ‬
‫ت�ه‪ ،‬والتّريح بأ ّن ُه ال حول وال‬‫واإلذع�ان له واالعرتاف بوحداني ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الزه�ادة يف الدّ نيا‬ ‫ّ‬
‫واحل�ث عىل ّ‬ ‫وال�رش من ُه‬ ‫وأن اخل�ري‬ ‫ق�وة ّإال ِ‬
‫ب�ه‪َّ ،‬‬
‫ّّ‬ ‫ّ‬
‫الصاحلة)‪.(1‬‬
‫واإلقبال عىل األعامل ّ‬
‫منعت»‪ :‬فيه االعرتاف بتفرد‬
‫َُ‬ ‫معطي ملا‬
‫َ‬ ‫أعطيت وال‬
‫َ‬ ‫مانع ملا‬
‫«ال َ‬
‫اهلل بالعطاء والمنع والقبض والبس�ط واخلفض والرفع‪ ،‬فام يكتبه‬
‫لعب�ده من خري ونعمة فال راد له وال مانع لوقوعه‪ ،‬وما يمنعه عن‬
‫عبده من اخلري والنعمة فال سبيل لوقوعه‪.‬‬
‫هو ّ‬
‫احلظ والغنى والعظمة‬ ‫ينفع ذا اجلدِّ َ‬
‫منك اجلدُّ »‪ :‬اجلدّ َ‬ ‫«وال ُ‬
‫ِ‬
‫بالم�ال والولد والعظمة‬ ‫والس�لطان أي ال ينف�ع ذا ّ‬
‫احلظ يف الدّ نيا‬ ‫ّ‬
‫)‪ (1‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)196/4‬‬

‫‪108‬‬
‫معاين األذكار‬

‫والسلطان منك ح ّظه‪ ،‬أي ال ينجيه ح ّظه منك‪ ،‬وإنّام ينفع ُه وينجيه‬
‫ّ‬
‫الصالح)‪.(1‬‬
‫العمل ّ‬
‫ويقول حال الس ِ‬
‫جود‪« :‬سبحان ريب األعل»‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫علو اهلل هنا‬ ‫ِ‬
‫ك�ر ِّ‬
‫يب العظيم»؛ ألن ذ َ‬
‫دون أن يق�ول‪« :‬س�بحان َر ِّ َ‬
‫أنسب من ذكر العظمة‪ ،‬ألن اإلنسان اآلن أنزل ما يكون‪ ،‬لذا كان‬
‫من المناسب أن ُيثني عىل اهلل بالعلو‪.‬‬

‫الصحاب ُة‬
‫فانظر إىل احلكمة والمناسبة يف مثل ذلك‪ ،‬وكيف أن َّ‬
‫َ�روا‪ ،‬وإذا هبطوا وادي ًا َس� َّبحوا؛‬
‫كانوا يف الس�فر إذا علوا ش�يئ ًا ك َّ‬
‫ويتكر ويعلو‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ألن اإلنس�ان إذا ع�ال وارتفع قد يتعاظم يف نفس�ه‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪.‬‬ ‫نفسه بكرياء اهلل َّ‬ ‫ِ‬
‫فناسب أن يقول‪« :‬اهلل أكر» ل ُيذك َِّر َ‬
‫َ‬
‫كر التس�بيح َأوىل؛ لتنزيه‬ ‫ِ‬
‫أما إذا نزل فإن النزول نقص‪ ،‬فكان ذ ُ‬
‫عز َّ‬
‫وجل عن النقص الذي كان فيه اآلن‪ ،‬فكان من المناس�ب‬ ‫اهلل َّ‬
‫نفسه بِ َمن هو أعىل منها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان َ‬ ‫أن ُي َذك َِّر‬

‫رب‬
‫وس ُّ‬
‫وح ق�دىّ ٌ‬
‫وكان ﷺ يق�ول يف ركوعه وس�جوده‪« :‬س� ىّب ٌ‬
‫والروحِ »)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫المالئكة ىّ‬
‫وح»‪ :‬أي م�رأ م�ن النقائ�ص والرشيك وكل م�ا ال يليق‬
‫«س� ُّب ٌ‬
‫ُ‬
‫باإلهلية‪.‬‬

‫)‪ (1‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)196/4‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)487‬‬

‫‪109‬‬
‫معاين األذكار‬

‫« ُقدُّ ٌ‬
‫وس»‪ :‬أي مطهر من كل ما ال يليق باخلالق)‪.(1‬‬

‫والر ِ‬
‫وح»‪ :‬والروح هو جريل ‪-‬عليه السالم‪،-‬‬ ‫ِ‬
‫«رب المالئكة ّ‬
‫ُّ‬
‫ُخ ّ‬
‫ص بالذكر تفضيال له عىل سائر المالئكة‪.‬‬

‫ويق�ول يف اجللوس بني الس�جدتني‪« :‬اللهم اغف�ر يل وارمحني‬


‫واجربين وارفعني واهدين وعافني وارزقني»)‪.(2‬‬

‫ن�وب ك َّلها الصغائر‬


‫الذ َ‬‫يغفر له ُّ‬
‫فيس�أل اهلل س�بحانه وتعاىل أن َ‬
‫والكبائر‪.‬‬
‫نب والعفو عنه‪ ،‬مأخ�وذة من ِ‬
‫المغفر‬ ‫الذ ِ‬
‫والمغف�رة هي‪ :‬س�رت َّ‬
‫حل ِ‬
‫رب يتَّقي به السهام‪.‬‬ ‫الذي يكون عىل رأس اإلنسان عند ا َ‬
‫وج�ع بني طلب الرمح�ة والمغفرة‪ ،‬فتُطلب ‪-‬رمح�ة اهلل‪ -‬التي‬
‫َ‬
‫هبا حصول المطل�وب‪ ،‬وتطلب بالمغف�رة زوال المرهوب‪ ،‬هذا‬
‫إذا ُجع بينهام‪.‬‬

‫تشم ُل األخرى‪.‬‬
‫فإن ك َُّل واحدة منهام َ‬
‫أما إذا افرتقا؛ َّ‬

‫مفرط‬
‫وكل إنس�ان ناقص ِّ‬ ‫ر يكون من الن ِ‬
‫َّقص‪ُّ ،‬‬ ‫جل ُ‬
‫«واجرين» ا َ‬
‫ُم ِرس ٌ‬
‫ف عىل نفسه بتجاوز احلدِّ أو بالتقصري‪ ،‬فهو حيتاج مع المغفرة‬
‫والرمحة جر ًا جير به نقصه‪.‬‬

‫)‪ (1‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)205/4‬‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )850‬والرتمذي (‪ )284‬وابن ماجة (‪ ،)898‬يزيد بعضهم عىل‬
‫بعض‪ ،‬راجع‪ :‬صفة الصالة (ص‪.)153‬‬

‫‪110‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ٍ‬
‫م�رض ديني أو بدين‪،‬‬ ‫«وعافن�ي» أي‪ :‬أعطن�ي العافية ِمن ِّ‬
‫كل‬
‫فع ِ‬
‫�ه‪ ،‬وإن كان غري‬ ‫ث�م إن كان متَّصف� ًا هبذا الم�رض؛ فهو دعاء بر ِ‬
‫َ‬
‫يتعرض له يف المستقبل‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫متَّصف فهو دعاء بدَ فعه‪ ،‬بحيث ال َّ‬
‫فينبغي لإلنس�ان إذا س�أل العافي�ة يف هذا الم�كان أو غريه أن‬
‫يستحرض أن يسأل اهلل عافية البدن‪ ،‬وعافية الدِّ ين‪.‬‬
‫وأم�ا قول�ه‪« :‬وارزقن�ي» فه�و طلب ال�رزق‪ ،‬وهو م�ا يقوم به‬
‫البدن‪ ،‬وما يقوم به الدِّ ين‪:‬‬
‫وسك ٍ‬
‫َن‪.‬‬ ‫ما يقوم به البدن من طعام ورشاب ولباس َ‬
‫ٍ‬
‫وإيامن و َع َم ٍل صالح‪.‬‬ ‫وما يقوم به الدِّ ين من ِعل ٍم‬
‫نفس�ه اس�تحضار ه�ذه المعاين‬
‫يعود َ‬
‫واإلنس�ان ينبغ�ي له أن ِّ‬
‫العظيمة حتى حيصل له النفع وزيادة اإليامن‪.‬‬
‫فهذا الدعاء اشتمل عىل‪:‬‬
‫ •سؤال المغفرة التي يكون هبا الوقاية من رش الذنوب‪.‬‬
‫ •وسؤال الرمحة وفيه تصيل اخلري والر واإلحسان‪.‬‬
‫ •وس�ؤال اهلل أن جيره بسدّ حاجته وجر كرسه ونقصه‪ ،‬وأن‬
‫يعوضه ما فاته من اخلري‪.‬‬
‫ •وسؤال الرفعة يف الدارين‪.‬‬
‫ •وس�ؤال اهلداي�ة بالتوص�ل إىل أبواب الس�عادة والفالح يف‬
‫الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ •وس�ؤال العافية بالس�المة من اآلفات والفت�ن والنجاة من‬


‫الباليا والمحن‪.‬‬
‫ •وسؤال الرزق بنيل ما به قوام البدن والروح‪.‬‬
‫فجاء هذا الدعاء العظيم جامعا ألصول السعادة حميطا بأبواب‬
‫اخلري مش�تمال عىل س�بل الفالح يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فام أعظمه من‬
‫دعاء وما أحسن إحاطته وجعه‪.‬‬
‫«اللهم‬
‫َّ‬ ‫ومم�ا كان النب�ي ﷺ يدع�و به ب�ني التش�هد والتس�ليم‪:‬‬
‫علمت احليا َة خري ًا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اخللق أحيني م�ا‬ ‫َ‬
‫وقدرتك عل‬ ‫الغيب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بعلم�ك‬
‫َ‬
‫خش�يتك‬ ‫َ‬
‫وأس�ألك‬ ‫اللهم‬
‫َّ‬ ‫علم�ت الوف�ا َة خري ًا يل‪،‬‬
‫َ‬ ‫يل وتو ىّفن�ي إذا‬
‫ِ‬
‫والغضب‪،‬‬ ‫الرض�ا‬ ‫وأس�ألك كلم� َة ِّ‬
‫َ‬ ‫والش ِ‬ ‫ِ‬
‫الغيب ىّ‬
‫احلق يف ىّ‬ ‫�هادة‪،‬‬ ‫يف‬
‫َ‬
‫وأسألك‬ ‫وأسألك نعي ًام ل ينفدُ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫الفقر والغنى‪،‬‬‫وأسألك القصدَ يف ِ‬‫َ‬
‫َ‬
‫وأس�ألك بر َد‬ ‫ِ‬
‫القضاء‪،‬‬ ‫ضاء بعدَ‬ ‫َ‬ ‫قر َة ٍ‬
‫الر َ‬ ‫وأس�ألك ىّ‬ ‫تنقطع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ع�ني ل‬ ‫ىّ‬
‫والش َ‬
‫�وق إىل‬ ‫وجهك ىّ‬ ‫َ‬ ‫وأس�ألك ىّلذ َة الن ِ‬
‫ىّظر إىل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الموت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العيش بعدَ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫فتنة مض ىّل ٍة‪ ،‬اللهم زينىّا ِ‬
‫بزينة‬ ‫غري رضاء مرض ٍة ول ٍ‬ ‫لقائك يف ِ‬ ‫َ‬
‫َّ ىّ‬ ‫ىّ َ ىّ‬
‫مهتدين»)‪.(1‬‬
‫َ‬ ‫واجعلنا هدا ًة‬
‫وهذا الدعاء عظيم النفع الشتامله عىل معان عظيمة ودالالت‬
‫نافعة‪ ،‬ولنقف عىل بعض معانيه‪:‬‬
‫ِ‬
‫اخلل�ق أحيني ما‬ ‫َ‬
‫وقدرتك عىل‬ ‫الغي�ب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بعلمك‬ ‫«الله�م‬
‫َّ‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫علم�ت الوفا َة خ�ري ًا يل»‪ :‬فيه‬
‫َ‬ ‫علم�ت احليا َة خ�ري ًا يل وتو ّفن�ي إذا‬
‫َ‬

‫)‪ (1‬رواه النسائي (‪ )1305‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫معاين األذكار‬

‫تفوي�ض العب�د أم�وره إىل خالق�ه‪ ،‬فهو يتوس�ل إلي�ه بعلمه الذي‬
‫أح�اط ب�كل يشء وقدرته النافذة عىل كل اخلل�ق أن خيتار له اخلري‬
‫حيث كان‪.‬‬
‫ِ‬
‫�هادة»‪ :‬أي أن أخشاك يف‬ ‫ِ‬
‫الغيب ّ‬
‫والش‬ ‫َ‬
‫خش�يتك يف‬ ‫َ‬
‫«وأس�ألك‬
‫الرس والعالنية والظاهر والباطن‪.‬‬
‫ِ‬
‫والغضب»‪ :‬وق�ول احلق يف‬ ‫الرض�ا‬ ‫«وأس�ألك كلم� َة ِّ‬
‫احلق يف ّ‬ ‫َ‬
‫ح�ال الغضب من األم�ور العزيزة يف الن�اس؛ ألن الغضب حيمل‬
‫صاحبه عىل أن يقول خالف احلق‪.‬‬
‫ِ‬
‫الفق�ر والغن�ى»‪ :‬القص�د هو التوس�ط‬ ‫َ‬
‫«وأس�ألك القص�دَ يف‬
‫واالعت�دال‪ ،‬فإن كان فق�ري ًا مل يقرت خوف ًا من نفاد الرزق‪ ،‬وإن كان‬
‫غنيا مل يرسف ومل يبذر‪.‬‬
‫«وأس�ألك نعي� ًام ال ينف�دُ »‪ :‬والنعي�م ال�ذي ال ينف�د ه�و نعيم‬
‫َ‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫تنقطع»‪ :‬والمؤمن ال تقر عينه يف الدنيا‬
‫ُ‬ ‫«وأس�ألك ّقر َة ٍ‬
‫عني ال‬ ‫َ‬
‫إال بمحب�ة اهلل وذك�ره والمحافظة عىل طاعته «وجعلت قرة عيني‬
‫يف الصالة»‪.‬‬
‫ِ‬
‫القضاء»‪ :‬والرضا ال يتحقق إال إذا وقع‬ ‫الرضا َء بعدَ‬ ‫َ‬
‫«وأسألك ّ‬
‫القضاء‪ ،‬وأما قبل وقوعه فهو جمرد عزم من العبد عىل الرضا‪.‬‬
‫ي�ش بعدَ الم ِ‬ ‫«و َأ َ‬
‫�وت»‪ :‬فالعيش قب�ل الموت‬ ‫َ‬ ‫س�أ ُل َك َب�ر َد ال َع ِ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫من ّغص‪ ،‬وطيب العيش ال يكون إال بعد الموت‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫معاين األذكار‬

‫لقائك يف ِ‬
‫غري‬ ‫َ‬ ‫والش َ‬
‫�وق إىل‬ ‫َ‬
‫وجه�ك ّ‬ ‫ل�ذ َة الن ِ‬
‫ّظر إىل‬ ‫«وأس�ألك ّ‬
‫َ‬
‫فتنة مض ّل ٍة»‪ :‬جع يف هذا الدعاء بني أطيب يشء‬
‫رضاء م�رض ٍة وال ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ َ‬
‫يف الدني�ا وهو الش�وق إىل لقاء اهلل‪ ،‬وأطي�ب يشء يف اآلخرة وهو‬
‫النظ�ر إىل وجهه الكريم‪ ،‬ولكن متام ه�ذا النعيم متوقف عىل عدم‬
‫وج�ود م�ا يرضه يف دني�اه أو يفتن�ه يف دينه؛ ولذلك ق�ال‪« :‬يف ِ‬
‫غري‬
‫فتنة مض ّل ٍة»‪.‬‬
‫رضاء مرض ٍة وال ٍ‬
‫ّ َ ّ‬
‫ِ‬
‫اإلي�امن»‪ :‬زين�ة اإليامن تش�مل زينة القلب‬ ‫«الله�م زينّ�ا ِ‬
‫بزينة‬ ‫َّ ّ‬
‫باالعتقاد السليم‪ ،‬واللس�ان بالذكر والتالوة‪ ،‬واجلوارح باألعامل‬
‫الصاحلة‪.‬‬
‫ِ‬
‫واه�د بنا‪ ،‬وه�ذا أفضل‬ ‫«واجعلن�ا ه�دا ًة مهتدي� َن»‪ :‬فاهدن�ا‪،‬‬
‫الدرجات‪.‬‬

‫وإذا فرغ من صالته قال‪ :‬السالم عليكم ورمحة اهلل‪.‬‬

‫فكام افتتح صالته باس�م اهلل «اهلل أكر» كذلك خيتمها باسم اهلل‬
‫«السالم عليكم»؛ فإن السالم من أسامء اهلل‪.‬‬

‫ق�ال ابن القي�م‪« :‬فيكون مفتتحا لصالته باس�مه تبارك وتعاىل‬


‫وخمتتام هلا باس�مه‪ ،‬فيكون ذاكرا الس�م ربه أول الصالة وآخرها‪،‬‬
‫فأوهل�ا باس�مه وآخرها باس�مه‪ ،‬فدخل فيها باس�مه وخ�رج منها‬
‫باس�مه‪ ،‬مع ما يف اس�م الس�الم من اخلاصي�ة واحلكمة المناس�بة‬
‫الن�راف المصيل من بني يدي اهلل تعاىل؛ ف�إن المصيل ما دام يف‬
‫صالت�ه بني يدي ربه فهو يف ِمحاه الذي ال يس�تطيع أحدٌ أن خيفره‪،‬‬

‫‪114‬‬
‫معاين األذكار‬

‫محى من جي�ع اآلفات والرشور‪ ،‬ف�إذا انرف من بني‬


‫ب�ل هو يف ً‬
‫يدي�ه تبارك وتعاىل ابتدرته اآلفات والباليا والمحن وتعرضت له‬
‫من كل جانب‪ ،‬وجاءه الش�يطان بمصائ�ده وجنده؛ فهو متعرض‬
‫ألن�واع البالي�ا والمحن‪ ،‬فإذا انرف من بني ي�دي اهلل مصحوبا‬
‫بالس�الم مل ي�زل علي�ه حافظ م�ن اهلل إىل وقت الص�الة األخرى‪،‬‬
‫وكان م�ن مت�ام النعمة علي�ه أن يك�ون انرافه من ب�ني يدي ربه‬
‫بسالم يستصحبه ويدوم له ويبقى معه»)‪.(1‬‬

‫وإذا جاءك الشيطان يف الصالة ع ىّلمك كيف تر ىّد كيده‪:‬‬


‫َ‬
‫رسول‬ ‫ّبي ﷺ فقال‪ :‬يا‬
‫أنّه أتى الن َّ‬ ‫ِ‬
‫العاص‬ ‫َ‬
‫عثامن بن أيب‬ ‫عن‬
‫عيل؟‬‫وبني صاليت وقراءيت يلبس�ها َّ‬ ‫�يطان قد َ‬
‫حال بيني َ‬ ‫َ‬ ‫إن ّ‬
‫الش‬ ‫اهللِ َّ‬
‫خنزب‪ ،‬فإذا أحسست ُه‬
‫ٌ‬ ‫ش�يطان ُ‬
‫يقال ل ُه‬ ‫ٌ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪َ :‬‬
‫«ذاك‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫َ‬
‫يسارك ثالث ًا»‪.‬‬ ‫فتعوذ باهللِ من ُه واتفل عل‬
‫ىّ‬
‫ففعلت َ‬
‫ذلك فأذهب ُه اهلل عنّي)‪.(2‬‬ ‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫فبخ�اء معجم�ة‬ ‫(خن�زب)‬ ‫ق�ال الن�ووي ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬أ ّم�ا‬
‫ٌ‬
‫ثم زاي مكس�ورة ومفتوحة ويقال أيض ًا‬
‫ثم نون س�اكنة َّ‬
‫مكس�ورة َّ‬
‫بض�م اخلاء وفتح‬
‫ِّ‬ ‫والزاي ح�كا ُه القايض ويقال أيض ًا‬ ‫ِ‬
‫بفت�ح اخلاء ّ‬
‫وهو غري�ب‪ .‬ويف هذا احلديث‬
‫ال�زاي حكا ُه اب�ن األثري يف النّهاية َ‬
‫ّ‬
‫مع التّفل عن اليسار‬ ‫ّعوذ من ّ‬
‫الشيطان عند وسوسته َ‬ ‫اس�تحباب الت ّ‬

‫)‪ (1‬بدائع الفوائد (‪.)196197/2‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)2203‬‬

‫‪115‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ثالث� ًا ومعنى «يلبس�ها» أي خيلطها ويش�كّكني فيها ومعنى «حال‬


‫بين�ي وبينه�ا) أي نكّدين فيها‪ ،‬ومنعن�ي ّ‬
‫لذتا‪ ،‬والفراغ للخش�و ِع‬
‫فيها»)‪.(1‬‬

‫«أس�تغفر‬ ‫ِ‬
‫صالته قال‪:‬‬ ‫ان�رصف م�ن‬
‫َ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ إذا‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫السال ُم‪،‬‬ ‫َ‬
‫ومنك ىّ‬ ‫السال ُم‪،‬‬
‫أنت ىّ‬
‫اللهم َ‬
‫َّ‬ ‫أس�تغفر اهللَ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أس�تغفر اهللَ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫اهللَ‪،‬‬
‫ِ‬
‫اجلالل واإلكرامِ»(()‪.‬‬ ‫تباركت ذا‬
‫َ‬

‫وإن�ام ُرشع لإلنس�ان س�ؤال المغف�رة بع�د أداء ه�ذه العب�ادة‬


‫فرط‬
‫وكثري من الناس ُي ِّ‬
‫ٌ‬ ‫العظيمة؛ ألهنا جديرة باالعتناء واالهتامم‪،‬‬
‫فيه�ا‪ ،‬إما يف المرشوع�ات ال ّظاهرة‪ ،‬أو يف المرشوع�ات الباطنة‪.‬‬
‫الوس�واس‬
‫ُ‬ ‫يفرط تفريط ًا كثري ًا فيس�تويل‬
‫ففي المرشوعات الباطنة ِّ‬
‫ع�ىل صالت�ه أو أكثره�ا‪ ،‬ويف المرشوعات ال ّظاه�رة أيض ًا ال خيلو‬
‫قر يف َوض� ِع اليدين‪ ،‬وربام‬
‫اإلنس�ان من تقص�ري أو تاوز‪ ،‬ربام ُي ِّ ُ‬
‫التفت يف صالته‪ ،‬ور َّبام أكثر من احلركة يف الصالة لغري حاجة‪ ،‬كام‬
‫يشاهد ِمن بعض المص ِّلني‪.‬‬

‫وهذا ك ُّله ِمن الش�يطان‪ ،‬يريد أن يش�غل المص�يل ويلهيه وهو‬


‫الصالة‬
‫ب�ني ي�دي ربه‪ ،‬ويذكّره اليشء فيش�غله به‪ ،‬فإذا انته�ى من َّ‬
‫أنساه إ ّياه‪ ،‬حتى تأيت الصالة الثانية ثم يذكّره فيشغله‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫وق�د ذكر ابن اجلوزي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن رجال جا َء إىل أيب حنيفة‬

‫)‪ (1‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)190/14‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)591‬‬

‫‪116‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فش�كا ل� ُه أنه دفن ماال يف موضع وال يذك�ر الموضع‪ ،‬فقال له أبو‬
‫فصل ال ّليلة إىل الغداة فإنّك س�تذكره إن ش�ا َء اهلل‬
‫حنيف�ة‪ :‬اذه�ب ِّ‬
‫تع�اىل‪ .‬ففعل الرج�ل ذلك‪ ،‬فلم يمض ّإال أقل من ربع ال ّليل حتّى‬
‫ذك�ر الموضع‪ ،‬فج�اء إىل أيب حنيفة فأخر ُه‪ ،‬فق�ال‪ :‬قد علمت أن‬
‫الش�يطان ال يدعك تصيل حتّى تذكره‪ّ ،‬‬
‫فهال أمتمت ليلتك ش�كرا‬ ‫ّ‬
‫هلل عز وجل!)‪.(1‬‬

‫الس�الم له مناسب ٌة‬


‫والمقصود اإلش�ارة إىل أن االس�تغفار بعد َّ‬
‫ر التقصري واخلل�ل الذي حص�ل يف الصالة‪،‬‬
‫واضح�ة‪ ،‬وه�ي َج� ُ‬
‫نسأل اهلل المغفرةَ‪.‬‬

‫الس�ال ُم‪،‬‬
‫الس�الم ومنك َّ‬
‫«اللهم أنت َّ‬
‫َّ‬ ‫ثم يقول بعد الس�تغفار‪:‬‬
‫تباركت يا ذا اجلالل واإلكرام»‪.‬‬

‫الس�الم‪،‬‬
‫اللهم أنت َّ‬
‫َّ‬ ‫والمناس�بة يف هذا ظاه�رة‪ ،‬كأنك تقول‪:‬‬
‫ال�ر ِّد والن ِ‬ ‫ِ‬
‫الص�ال َة قد تُقبل وقد ال‬
‫َّقص؛ ألن َّ‬ ‫فس� ِّلم يل صاليت من َّ‬
‫تُقبل‪ ،‬وقد ُيكتب له بعضها و ُي َر ّد عليه بعضها‪.‬‬

‫قال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫ي�ارس‬ ‫ع�امر بن‬
‫ك�ام روى اإلم�ام أمح�د )‪ (18415‬عن ّ‬
‫يكتب‬
‫ُ‬ ‫الصال َة ما‬ ‫ّ‬
‫ليصيل ّ‬ ‫«إن العبدَ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ ُ‬
‫يقول‪َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫س�معت‬
‫ُ‬
‫ل ُه منها ّإال عرشها تس�عها ثمنها سبعها سدسها مخسها ربعها ثلثها‬
‫نصفها»)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬األذكياء (ص‪.)76‬‬


‫)‪ (2‬حسنه األلباين يف صحيح اجلامع (‪.)1626‬‬

‫‪117‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ثم يقول بعد ذلك أذكار التسبيح والتحميد والتكبري والتهليل‪:‬‬

‫يتضمن نفي النّقائص عن‬


‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ّس�بيح أل ّن ُه‬
‫قال احلافظ‪« :‬البداءة بالت‬
‫الباري سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫يتضمن إثبات الكامل ل� ُه إذ ال يلزم من نفي‬


‫ّ‬ ‫ث�م التّحمي�د أل ّن ُه‬
‫َّ‬
‫النّقائص إثبات الكامل‪.‬‬

‫ث�م التّكب�ري إذ ال يلزم من نفي النّقائص وإثب�ات الكامل أن ال‬


‫َّ‬
‫يكون هناك كبري آخر‪.‬‬
‫ِ‬
‫ّهلي�ل الدّ ّال عىل انفراده س�بحانه وتع�اىل بجمي ِع‬
‫ثم خيت�م بالت‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ذلك»)‪.(1‬‬
‫***‬

‫الستخارة‪:‬‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ يع ّلمنا‬
‫ُ‬ ‫عب�د اهللِ ق�ال‪َ :‬‬
‫كان‬ ‫ب�ن ِ‬ ‫ِ‬
‫جاب�ر ِ‬ ‫ع�ن‬
‫القرآن‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫األمور ك ّلها كام يع ّلمنا ّ‬
‫الس�ور َة من‬ ‫االس�تخار َة يف‬
‫ثم ليقل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ركعتني من ِ‬ ‫ِ‬
‫غري الفريضة َّ‬ ‫باألمر فلريكع‬ ‫هم أحدكم‬ ‫«إذا َّ‬
‫َ‬
‫وأسألك من‬ ‫َ‬
‫بقدرتك‪،‬‬ ‫َ‬
‫وأس�تقدرك‬ ‫َ‬
‫بعلمك‪،‬‬ ‫َ‬
‫أس�تخريك‬ ‫اللهم ىّإين‬
‫َّ‬
‫وأنت‬
‫أعلم‪َ ،‬‬ ‫وتعل�م ول ُ‬
‫ُ‬ ‫أقدر‪،‬‬
‫تق�در ول ُ‬‫ُ‬ ‫فضل�ك العظي�مِ‪ ،‬فإن َ‬
‫ىّك‬ ‫َ‬
‫خري يل يف ديني‬
‫األمر ٌ‬
‫أن ه�ذا َ‬ ‫تعلم َّ‬
‫كنت ُ‬‫اللهم إن َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الغي�وب‪،‬‬ ‫ىّ‬
‫ع�ال ُم‬
‫ِ‬
‫وآجل�ه‪ -‬فاقدر ُه يل‬ ‫ِ‬
‫عاجل أمري‬ ‫ِ‬
‫وعاقبة أم�ري ‪-‬أو قال‬ ‫ومع�ايش‬

‫)‪ (1‬فتح الباري (‪.)328/2‬‬

‫‪118‬‬
‫معاين األذكار‬

‫رش يل يف‬ ‫وي�رسه يل ث�م ب�ارك يل ِ‬


‫األمر ٌّ‬
‫أن ه�ذا َ‬
‫تعلم َّ‬
‫كنت ُ‬ ‫فيه‪ ،‬وإن َ‬ ‫َّ‬ ‫ىّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عاجل أم�ري وآجله‪-‬‬ ‫ِ‬
‫دين�ي ومع�ايش وعاقبة أم�ري ‪-‬أو ق�ال يف‬
‫ث�م‬
‫كان‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫حي�ث َ‬ ‫اخل�ري‬
‫َ‬ ‫فارصف� ُه عنىّ�ي وارصفن�ي عن� ُه‪ ،‬واق�در يل‬
‫ويسمي حاجت ُه»)‪.(1‬‬
‫ىّ‬ ‫أرضني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫األم�ور ك ّله�ا ك�ام يع ّلمنا‬ ‫«كان يع ّلمن�ا االس�تخار َة يف‬
‫قول�ه‪َ :‬‬
‫السورة من القرآن»‪.‬‬
‫ّ‬
‫«فيه إش�ارة إىل االعتناء التّا ّم البال�غ هبذا الدّ عاء‬ ‫ق�ال ال ّطيب�ي‪ِ :‬‬
‫ُّ‬
‫للفريضة والقرآن»‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تلوين‬ ‫الصالة؛ جلعلهام‬ ‫ِ‬
‫وهذه ّ‬
‫الة عىل الدّ ِ‬
‫عاء َّ‬
‫أن‬ ‫وق�ال ابن أيب جرةَ‪« :‬احلكم ُة يف تقدي� ِم الص ِ‬
‫ّ‬
‫خريي الدّ ني�ا واآلخرة‪ِ،‬‬
‫ِ‬ ‫حصول اجلم ِع َ‬
‫ب�ني‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫باالس�تخارة‬ ‫الم�را َد‬
‫أنجح‬ ‫أنج�ع وال‬ ‫َ‬
‫لذلك‬ ‫المل�ك‪ ،‬وال يش َء‬‫ِ‬ ‫فيحت�اج إىل ق�ر ِع ِ‬
‫باب‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واالفتقار ِ‬
‫إليه مآالً‬ ‫ِ‬ ‫عليه‬ ‫الة؛ ملا فيها من تعظي ِم اهللِ وال ّث ِ‬
‫ناء ِ‬ ‫م�ن الص ِ‬
‫َ ّ‬
‫وحاالً»)‪.(2‬‬

‫رس�ول اهللِ ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫«فع�و َض‬


‫ّ‬ ‫وق�ال اب�ن القي�م ‪-‬رمح�ه اهلل‪:-‬‬
‫زج�ر ال ّط ِري‬
‫ِ‬ ‫أهل اجلاهلي ِ‬
‫�ة من‬ ‫ِ‬
‫علي�ه ُ‬ ‫ع�ام َ‬
‫كان‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫أ ّمت� ُه هب�ذا الدّ ع�اء‪ّ ،‬‬
‫كان يفعلها‬ ‫هذه القرع ُة ا ّلت�ي َ‬‫واالستقس�ا ِم باألزال ِم ا ّلذي نظ�ريه ِ‬
‫ُ‬
‫الغيب‪ ،‬وهلذا‬ ‫ِ‬ ‫قس�م هلم يف‬
‫َ‬ ‫علم ما‬ ‫َ‬
‫يطلبون هبا َ‬ ‫المرشكني‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫إخ�وان‬
‫ِ‬
‫هو توحيدٌ‬ ‫وعوضهم هب�ذا الدّ عاء ا ّل�ذي َ‬‫ذلك استقس�ام ًا‪ّ ،‬‬ ‫س�م َي َ‬
‫ّ‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري (‪.)1166‬‬
‫)‪ (2‬فتح الباري (‪.)185186/11‬‬

‫‪119‬‬
‫معاين األذكار‬

‫اخل�ري ك ّل ُه ا ّلذي ال‬ ‫وس�ؤال ملن ِ‬


‫بيده‬ ‫ٌ‬ ‫وافتق�ار‪ ،‬وعبود ّي� ٌة‪ ،‬وتوك ٌّل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هو‪ ،‬ا ّلذي إذا َ‬
‫فتح‬ ‫الس ّيئات ّإال َ‬‫يرف ّ‬
‫ُ‬ ‫هو‪ ،‬وال‬ ‫يأيت باحلسنات ّإال َ‬
‫لعبده رمح ًة مل يستطع أحدٌ حبسها عن ُه‪ ،‬وإذا أمسكها مل يستطع أحدٌ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ونحوه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واختيار ال ّطال ِع‬ ‫إرساهلا ِ‬
‫إليه‪ ،‬م َن الت ّ ِ‬
‫ّطري والتّنجي ِم‬
‫أهل الس ِ‬
‫عادة‬ ‫طالع ِ ّ‬‫الس�عيدُ ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫الميمون ّ‬ ‫هو ال ّط ُ‬
‫الع‬ ‫فهذا الدّ عا ُء‪َ ،‬‬
‫الرش ِك‬ ‫طالع ِ‬
‫أهل ّ‬ ‫ِ‬
‫ّوفيق‪ ،‬ا ّلذي َن س�بقت هلم م َن اهلل احلسنى‪ ،‬ال ُ‬ ‫والت ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واخل�ذالن‪ ،‬ا ّلذي� َن‬ ‫والش ِ‬
‫فس�وف‬
‫َ‬ ‫م�ع اهلل إهل� ًا َ‬
‫آخر‪،‬‬ ‫َ‬
‫جيعل�ون َ‬ ‫�قاء‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫يعلمون‪.‬‬

‫واإلق�رار‬ ‫ِ‬
‫بوج�وده س�بحان ُه‪،‬‬ ‫اإلق�رار‬ ‫فتضم� َن ه�ذا الدّ ع�ا ُء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫واإلرادة‪ ،‬واإلقرار بربوبيته‪ِ،‬‬
‫ِ‬ ‫كامل العل ِم والقدرةِ‬ ‫بصفات كامله من ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫واخلروج من‬ ‫إليه‪ ،‬واالس�تعان َة ِبه‪ ،‬والتّوك َّل ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫األمر ِ‬ ‫وتفويض ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫واع�رتاف ِ‬
‫العبد‬ ‫والقو ِة ّإال ِبه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احل�ول‬ ‫ري م َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عه�دة نفس�ه‪ ،‬وال ّت ّ‬
‫ِ‬
‫وإرادته هلا‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫وقدرته عليها‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفس�ه‬ ‫ِ‬
‫بمصلحة‬ ‫ِ‬
‫علمه‬ ‫بعجزه عن‬ ‫ِ‬
‫وفاطره ِ‬ ‫ِ‬ ‫بيد ول ّي ِه‬‫ذلك ك ّله ِ‬
‫احلق»)‪.(1‬‬
‫وإهله ِّ‬ ‫َ ُ‬
‫***‬

‫صالة اجلنازة‪:‬‬
‫رشعت صالة اجلنازة للدعاء للميت والش�فاعة فيه‪ ،‬وقد روى‬
‫رسول اهللِ ﷺ‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫اس قال‪:‬‬ ‫مسلم )‪ (948‬عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬
‫بن ع ّب ٍ‬

‫)‪ (1‬زاد المعاد (‪.)405/2‬‬

‫‪120‬‬
‫معاين األذكار‬

‫أربعون رج ً‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫جنازته‬ ‫يموت فيقو ُم عل‬
‫ُ‬ ‫رجل مس�ل ٍم‬‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫يقول‪« :‬ما من‬
‫يرشكون باهللِ شيئ ًا ىّإل ش ىّفعهم اهلل ِ‬
‫فيه»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬

‫رس�ول اهللِ ﷺ إذا ّ‬


‫ص�ىل ع�ىل‬ ‫ُ‬ ‫ق�ال‪َ :‬‬
‫كان‬ ‫وع�ن أيب هري�ر َة‬
‫«اللهم اغفر حل ىّينا وم ىّيتنا وش�اهدنا وغائبنا وصغرينا‬ ‫جنازة ُ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫فأحيه عل اإلس�ال ِم‬ ‫اللهم من أحييت ُه منىّا‬ ‫وكبرين�ا وذكرنا وأنثان�ا‪،‬‬
‫َّ‬
‫اللهم ل حترمنا أجر ُه ول تض ىّلنا‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪،‬‬ ‫وم�ن تو ىّفيت ُه منىّا فتو ىّف ُه عل‬
‫بعد ُه»)‪.(1‬‬

‫«اللهم اغفر حل ّينا وم ّيتنا‪ :»...‬أي جلميع أحيائنا وأمواتنا معرش‬


‫َّ‬
‫المسلمني؛ ألن المفرد المضاف ‪-‬حيث ال عهد‪ -‬للعموم)‪.(2‬‬

‫وسئل الطحاوي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن معنى االستغفار للصغار مع‬


‫أنه ال ذنب هلم‪ ،‬فقال‪ :‬إن النبي ﷺ سأل ربه أن يغفر هلم الذنوب‬
‫التي قضيت هلم أن يصيبوها بعد االنتهاء إىل حال الكر‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬بل المراد بالصغار الشبان‪ ،‬وبالكبار الشيوخ‪.‬‬

‫وق�ال ابن حج�ر‪ :‬هذا اإلش�كال يف غري حمله‪ ،‬ألن�ه مبني عىل‬
‫مقدمة ُمت َّ َ‬
‫َومهة وهي أن طلب المغفرة تستدعي سبق ذنب‪ ،‬وليس‬
‫«ليغفر َ‬
‫ل�ك اهلل ما تقدّ َم من‬ ‫َ‬ ‫كذل�ك‪ ،‬ف�إن اهلل تعاىل قال لنبي�ه ﷺ‪:‬‬
‫ذنبك وما ّ‬
‫تأخ َر» مع أنه ﷺ معصوم‪.‬‬ ‫َ‬

‫)‪ (1‬رواه أب�و داود (‪ )3201‬والرتم�ذي (‪ )1024‬وابن ماجة (‪ ،)1498‬وصححه‬


‫األلباين‪.‬‬
‫)‪ (2‬دليل الفاحلني (‪.)240/6‬‬

‫‪121‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فالص�واب‪ :‬أن طلبه�ا ال يس�تدعي ذنب�ا‪ ،‬ب�ل قد يك�ون لنيل‬


‫الدرجات وحمو التقصريات)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫فأحيه عىل اإلس�ال ِم وم�ن تو ّفيت ُه منّا‬ ‫وقول�ه‪« :‬من أحييت� ُه منّا‬
‫اإل ِ‬
‫يامن»‪.‬‬ ‫َفت ََو َّف ُه َع َىل ِ‬
‫ِ‬
‫باألركان‬ ‫ّمسك‬ ‫ففر َق بني احلياة والموت؛ َّ‬
‫هو الت ّ‬
‫ألن اإلسالم َ‬ ‫ّ‬
‫ال ّظاهر ّي�ة‪ ،‬وه�ذا ال يتأتّ�ى ّإال يف حال�ة احلي�اة وأ ّم�ا اإلي�امن َ‬
‫فهو‬
‫حال الوفاة)‪.(2‬‬‫وهو ا ّلذي ال ينفع غريه َ‬ ‫الباطني‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫التّصديق‬

‫والقاعدة‪ :‬أن اإلسالم إذا ُقرن باإليامن يراد به الرشائع العملية‬


‫الظاهرة‪ ،‬ويراد باإليامن االعتقادات الباطنة‪ ،‬وهلذا ناسب يف احلياة‬
‫أن يذكر اإلس�الم‪ ،‬ألن اإلنس�ان ما دام ح ّي ًا‪ ،‬فلديه جمال وفس�حة‬
‫للعم�ل والتعبد‪ ،‬وأما عند المامت فال جمال لذلك‪ ،‬بل ال جمال إال‬
‫للموت عىل االعتقاد الصحيح واإليامن السليم)‪.(3‬‬

‫(اللهم ال َت ِرمنا َأ َ‬
‫جر ُه) أي ال ترمنا أجر الصالة عليه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫أو أج�ر المصيبة به‪ ،‬فإن المس�لمني يف المصيبة كاليشء الواحد‪،‬‬
‫ؤمن َف َموته ُم ِصي َبة َع َل ِيه َيط ُلب فِيها األَجر‪.‬‬
‫ؤمن َأ ُخو الم ِ‬
‫ُ‬
‫والم ِ‬
‫ُ‬
‫(وال تض ّلنا بعد ُه) أي ال تعلنا ضا ّل َ‬
‫ني بعدَ اإليامن‪.‬‬

‫فالمسلم يف صالة اجلنازة يدعو إلخوانه المسلمني‪:‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)173/4‬‬


‫)‪ (2‬انظر‪ :‬تفة األحوذي (‪.)90/4‬‬
‫)‪ (3‬فقه األدعية واألذكار (‪.)232/3‬‬

‫‪122‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪ -‬لألحياء بالثبات عىل اإلسالم‪.‬‬


‫‪ -‬وملن يموت منهم بالوفاة عىل اإليامن‪.‬‬
‫‪ -‬وملن مات منهم بالمغفرة والرمحة‪.‬‬
‫ويرشع له أن يدعو بام ثبت يف السنة‪ ،‬فإن كان ال حيفظ شيئا من‬
‫ذلك ودعا بالرمحة والمغفرة فال حرج‪.‬‬
‫ِ‬
‫الفقه‬ ‫وقع يف ِ‬
‫كتب‬ ‫وقال الش�وكاين ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬اعلم أ ّن ُه قد َ‬
‫المأثورة عنه ﷺ والتّمس ُك بال ّث ِ‬
‫ابت عن ُه أوىل»)‪.(1‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أدعية ِ‬
‫غري‬ ‫ذكر‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقال الش�يخ ابن عثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬يدعو بالدعاء المأثور‬
‫ع�ن النب�ي ﷺ إن كان يعرف�ه‪ ،‬ف�إن مل يكن يعرفه فب�أي دعاء دعا‬
‫جاز‪ ،‬إال أنه خيلص الدعاء للميت‪ ،‬أي‪ :‬خيصه بالدعاء»)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬نيل األوطار (‪.)78/4‬‬


‫)‪ (2‬الرشح الممتع (‪.)154/5‬‬

‫‪123‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:¿ÉµŸÉH ó«≤ŸG ôcòdG‬‬

‫فمن ذلك‪:‬‬

‫دعاء الدخول واخلروج من المسجد‪:‬‬


‫«اللهم افتح‬
‫َّ‬ ‫يس�تحب لإلنس�ان إذا دخل المس�جد أن يق�ول‬
‫َ‬
‫أس�ألك من‬ ‫«اللهم ّإين‬
‫َّ‬ ‫خ�رج أن يقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫أب�واب رمحت�ك»‪ ،‬وإذا‬
‫َ‬ ‫يل‬
‫محيد أو عن أيب ٍ‬
‫أسيد قال‪:‬‬ ‫فضلك»؛ ملا رواه مس�لم )‪ (713‬عن أيب ٍ‬
‫َ‬
‫اللهم‬
‫َّ‬ ‫دخ�ل أحدكم المس�جدَ فليق�ل‪:‬‬‫َ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬إذا‬
‫ُ‬ ‫ق�ال‬
‫َ‬
‫أس�ألك من‬ ‫اللهم ىّإين‬
‫َّ‬ ‫خرج فليقل‪:‬‬ ‫َ‬
‫رمحت�ك‪ ،‬وإذا َ‬ ‫أب�واب‬
‫َ‬ ‫افت�ح يل‬
‫َ‬
‫فضلك»‪.‬‬
‫محة بالدّ ِ‬ ‫ختصيص الر ِ‬
‫باخلروج َّ‬
‫أن من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والفضل‬ ‫خول‬ ‫ِ ّ‬ ‫وال�رس يف‬
‫ّ ُّ‬
‫ثوابه وجن ِّته فيناسب ذكر الر ِ‬
‫محة‪.‬‬ ‫اشتغل بام يز ّلفه إىل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دخل‬
‫ُ َ ّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفضل؛ كام‬ ‫ذكر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بابتغاء الر ِ‬ ‫َ‬
‫فناس�ب َ‬
‫َ‬ ‫احلالل‬ ‫زق‬ ‫ّ‬ ‫اش�تغل‬ ‫خرج‬
‫وإذا َ‬
‫ق�ال اهلل تع�اىل (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)‪ ،‬قال�ه‬
‫ال ّط ُّ‬
‫يبي)‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬تفة األحوذي (‪.)215/2‬‬

‫‪124‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فقلت ل ُه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫لقيت عقب َة ب َن مس�ل ٍم‬
‫رشيح ق�ال‪ُ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫وع�ن حي�و َة ِ‬
‫بن‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫بن عمرو ِ‬ ‫ثت عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬ ‫بلغني أن َ‬
‫العاص عن الن ِّ‬ ‫بن‬ ‫ّك حدّ َ‬
‫ِ‬
‫وبوجهه الكري ِم‬ ‫دخل المسجدَ قال‪« :‬أعو ُذ باهللِ العظي ِم‬ ‫كان إذا َ‬ ‫أ ّن ُه َ‬
‫الرجيمِ» قال‪ :‬أقط؟)‪ُ (1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس�لطانه القدي ِم من ىّ‬
‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫�يطان ىّ‬ ‫الش‬
‫سائر اليو ِم)‪.(2‬‬ ‫َ‬
‫حفظ منّي َ‬ ‫الش ُ‬
‫يطان‪:‬‬ ‫قال‪ :‬فإذا قال َ‬
‫ذلك قال ّ‬

‫وذل�ك ألن الش�يطان حري�ص غاي�ة احل�رص ع�ىل أن يص�د‬


‫اإلنس�ان عن دخول المس�جد وعن الصالة‪ ،‬فناس�ب أن يستعيذ‬
‫«الله�م احفظني من وسوس�ته‬
‫َّ‬ ‫ب�اهلل العظي�م منه‪ ،‬فكأن�ه يق�ول‪:‬‬
‫ِ‬
‫وإغوائه وخطواته وخطراته وتسويله وإضالله»‪.‬‬
‫وعند خروجه من المس�جد حيرص الش�يطان عىل أن يسوقه إىل‬
‫أماك�ن احل�رام ليوقع�ه يف مواطن الري�ب والعصي�ان‪ ،‬لذلك كانت‬
‫الش ِ‬
‫يطان‬ ‫«اللهم اعصمني من ّ‬ ‫السنة أن يقول إذا خرج من المسجد‪:‬‬
‫َّ‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ‬
‫َ‬ ‫الرجي ِم»؛ ملا روى ابن ماجه )‪ (773‬عن أيب هرير َة َّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫دخ�ل أحدكم المس�جدَ فليس� ىّلم عل الن ِّ‬
‫ىّب�ي ﷺ وليقل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ق�ال‪« :‬إذا‬
‫خرج فليس� ىّلم ع�ل الن ِّ‬
‫ىّبي ﷺ‬ ‫َ‬
‫رمحت�ك‪ ،‬وإذا َ‬ ‫أب�واب‬
‫َ‬ ‫الله�م افت�ح يل‬
‫َّ‬
‫الرجيمِ» ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬ ‫الش ِ‬
‫يطان ىّ‬ ‫اللهم اعصمني من ىّ‬
‫َّ‬ ‫وليقل‪:‬‬
‫ِ‬
‫«وس�لطانه القدي ِم»‪ :‬فالس�لطان صفة من‬ ‫وقول�ه يف احلديث‪:‬‬
‫صف�ات اهلل‪ ،‬وهي صفة س�لطته وملكوته وعظمت�ه وغلبته؛ ألنه‬

‫)‪ (1‬يعني‪ :‬أهذا الذي بلغك فقط؟‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ ،)466‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬صححه األلباين يف صحيح ابن ماجة وغريه‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ال يس�تعاذ بمخلوق‪ ،‬واحلديث جاء فيه االس�تعاذة باهلل عز وجل‬


‫وبصفاته‪.‬‬

‫وأما كلمة «القديم» فالمقصود هبا األزيل‪ ،‬يعني‪ :‬الذي صفاته‬


‫ّص�ف بذلك أزالً‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وقدرت�ه وغلبت�ه وقهره ليس هل�ا بداية‪ ،‬فهو مت‬
‫وصف لقهره وغلبته‬
‫ٌ‬ ‫ولكن ليس من أسامء اهلل القديم‪ ،‬ولكن هذا‬
‫بأهنا أزلية)‪.(1‬‬

‫***‬

‫ذكر اهلل عند دخول البيت‪:‬‬


‫يق�ول‪« :‬إذا َ‬
‫دخل‬ ‫ُ‬ ‫ّب�ي ﷺ‬ ‫بن ِ‬
‫عب�د اهللِ أ ّن ُه‬ ‫ِ‬
‫جاب�ر ِ‬
‫س�مع الن َّ‬
‫َ‬ ‫ع�ن‬
‫�يطان‪ :‬ل‬
‫ُ‬ ‫الش‬ ‫ِ‬
‫طعامه قال ىّ‬ ‫ِ‬
‫دخوله وعندَ‬ ‫فذكر اهللَ عن�دَ‬ ‫الر ُ‬
‫ج�ل بيت� ُه‬
‫َ‬ ‫ىّ‬
‫ِ‬
‫دخ�ل فلم يذكر اهللَ عن�دَ دخوله قال‬ ‫َ‬ ‫عش�اء‪ .‬وإذا‬ ‫مبي�ت لكم ول‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫طعام�ه ق�ال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫يذك�ر اهللَ عن�دَ‬ ‫المبي�ت‪ .‬وإذا مل‬
‫َ‬ ‫�يطان‪ :‬أدركت�م‬‫ُ‬ ‫ىّ‬
‫الش‬
‫والعشاء»‪.‬‬
‫َ‬ ‫المبيت‬
‫َ‬ ‫أدركتم‬
‫ِ‬
‫إلخوانه‬ ‫ق�ال الن�ووي ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬معن�ا ُه‪ :‬ق�ال ّ‬
‫الش�يطان‬
‫وأعوان�ه ورفقت�ه‪ .‬ويف هذا اس�تحباب ذكر اهلل تع�اىل عند دخول‬
‫البيت وعند ال ّطعام»)‪.(2‬‬

‫وقال ابن عثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬يف هذا‪ :‬حث عىل أن اإلنسان‬

‫)‪ (1‬رشح سنن أيب داود ‪ -‬عبد املحسن العباد (‪ - )255256/3‬ترقيم الشاملة‪.‬‬
‫)‪ (2‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)190/13‬‬

‫‪126‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ينبغ�ي له إذا دخل بيته أن يذكر اس�م اهلل‪ ،‬والذكر الوارد يف ذلك‪:‬‬
‫«بس�م اهلل وجلنا وبس�م اهلل خرجنا وعىل اهلل ربنا توكلنا‪ ،‬اللهم إين‬
‫أس�ألك خري المولج وخري المخرج»)‪ (1‬ثم يستاك؛ ألن النبي ﷺ‬
‫إذا دخل بيته فأول ما يبدأ به السواك)‪ .(2‬ثم يسلم عىل أهله‪.‬‬
‫أما عند العش�اء فيقول‪« :‬بسم اهلل» وبذلك حيرتز من الشيطان‬
‫الرجيم مبيت ًا وعشاء‪.‬‬
‫فإن ذكر اس�م اهلل عند الدخول دون العش�اء ش�اركه الشيطان‬
‫يف عشائه‪.‬‬
‫وإن ذكر اسم اهلل عند العشاء دون الدخول شاركه الشيطان يف‬
‫المبيت دون العشاء‪ .‬وإن ذكر اسم اهلل عند الدخول وعند العشاء‬
‫فإن الشيطان ال يكون له مبيت وال عشاء»)‪.(3‬‬

‫***‬

‫دعاء دخول اخلالء‪:‬‬


‫َ‬
‫دخ�ل اخلال َء قال‪:‬‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ إذا‬
‫ُ‬ ‫ع�ن أن�س قال‪َ :‬‬
‫كان‬
‫ِ‬
‫اخلبث واخلبائث»)‪.(4‬‬ ‫«اللهم ىّإين أعو ُذ َ‬
‫بك من‬ ‫َّ‬
‫)‪ (1‬رواه أب�و داود (‪ )5096‬وصحح�ه األلب�اين يف الصحيح�ة (‪ )225‬وصحي�ح‬
‫اجلام�ع (‪ ،)839‬ث�م تراجع وضعف�ه يف الضعيف�ة (‪ )5832‬وضعيف أيب داود‬
‫)‪ )1091‬والثمر املستطاب (ص‪ ،)613‬وأعله باالنقطاع‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)253‬‬
‫)‪ (3‬رشح رياض الصاحلني (ص‪.)809‬‬
‫)‪ (4‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫معاين األذكار‬

‫قوله‪« :‬إذا َ‬
‫دخل» يعني‪ :‬إذا أرا َد الدّ خول‪.‬‬
‫«إِ ِّين َأ ُعو ُذ بِك» َأي‪َ :‬أ ُلو ُذ َو َألت ِ‬
‫َج ُئ‪.‬‬
‫«اخلب�ث» َجع َخبِيث «واخل ِ‬
‫بائث» َجع َخبِي َثة‪ ،‬والمراد‪ُ :‬ذكران‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫الشياطِني َوإِناثهم‪.‬‬
‫َّ‬

‫ال�رش أو المذم�وم أو الض�ار‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ك�روه أو‬ ‫الم ُ‬
‫وقي�ل‪ :‬اخلُب�ث‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫المعاص َأو ُمط َلق األَفعال َ‬
‫المذ ُمو َمة‪.‬‬ ‫واخلَبائث‪َ :‬‬
‫وقيل اخلبائث‪ :‬الشياطني)‪. (1‬‬

‫ّبي ﷺ‬
‫أرقم عن الن ّ‬
‫ّعوذ ما رواه زيد بن َ‬
‫وور َد يف س�بب هذا الت ّ‬
‫هذه احلش�وش حمترضة‪ ،‬فإذا َ‬
‫دخل أحدكم اخلالء فليقل‬ ‫«إن ِ‬ ‫قال‪َّ :‬‬
‫اللهم ّإين أعوذ بك من اخلبث واخلبائث»)‪.(2‬‬
‫َّ‬
‫***‬

‫دعاء اخلروج من اخلالء‪:‬‬


‫كان النَّبِي ﷺ إِذا َخرج ِمن اخل ِ‬
‫الء قال‪:‬‬ ‫عائ َش َة قالت‪َ :‬‬ ‫َعن ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ‬
‫َك»)‪َ .(3‬أي َأ َ‬
‫سأ ُلك ُغفرانَك‪.‬‬ ‫«غُفران َ‬

‫ِ‬
‫اخل�روج م�ن‬ ‫عق�ب‬
‫َ‬ ‫ّ�ووي‪« :‬وج�ا َء يف ا ّل�ذي ُ‬
‫يق�ال‬ ‫ُّ‬ ‫ق�ال الن‬

‫)‪ (1‬راجع‪ :‬رشح النووي عىل مس�لم (‪ - )71/4‬فتح الباري (‪ - )110/1‬كشف‬


‫المشكل (‪.)271/3‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )6‬وابن ماجة (‪ )296‬وأمحد (‪ ،)18800‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أبو داود (‪ )30‬والرتمذي (‪ )7‬وابن ماجة (‪ )300‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫معاين األذكار‬

‫حديث عائش� َة‬


‫ُ‬ ‫ثابت ّإال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لي�س فيه�ا يش ٌء ٌ‬
‫أحادي�ث كثري ٌة َ‬ ‫اخل�الء‬
‫المذكور»)‪.(1‬‬
‫ُ‬
‫ومناس�بة س�ؤال المغفرة بعد خروجه من اخلالء أن اإلنس�ان‬
‫ملا ختفف من أذية اجلس�م تذكر أذية اإلثم‪ ،‬فدعا اهلل أن خيفف عنه‬
‫أذية اإلثم كام م ّن عليه بتخفيف أذية اجلس�م‪ ،‬وهذا معنى مناسب‬
‫من باب تذكّر اليشء باليشء‪.‬‬
‫أنعم اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق�و َة البرش ّي َة قارص ٌة عن‬ ‫وقي�ل‪َّ :‬‬
‫بش�كر ما َ‬ ‫الوفاء‬ ‫إن ّ‬
‫ِ‬
‫الوجه‬ ‫ِ‬
‫الغذاء ع�ىل‬ ‫ِ‬
‫وترتي�ب‬ ‫اب‬‫وال�رش ِ‬ ‫ِ‬
‫علي�ه من تس�وي ِغ ال ّطعا ِم‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫االس�تغفار‬ ‫َ‬
‫فلجأ إىل‬ ‫ِ‬
‫اخلروج‪،‬‬ ‫الب�دن إىل ِ‬
‫أوان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملصلحة‬ ‫ِ‬
‫المناس�ب‬
‫تلك النّع ِم)‪.(2‬‬
‫حق َ‬ ‫ِ‬
‫بالقصور عن بلو ِغ ِّ‬ ‫اعرتاف ًا‬
‫***‬

‫إذا نزل منزلً‪:‬‬


‫رسول اهللِ ﷺ‬
‫َ‬ ‫ّأهنا سمعت‬ ‫السلم ّي ِة‬ ‫ِ‬
‫عن خول َة بنت حكي ٍم ّ‬
‫بكل�امت اهللِ التىّام ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫نزل أحدك�م منزلً فليقل‪ :‬أعو ُذ‬ ‫يق�ول‪« :‬إذا َ‬
‫ُ‬
‫ىّ‬
‫َ‬
‫يرحتل من ُه»)‪.(3‬‬ ‫يشء حتىّى‬
‫يرض ُه ٌ‬ ‫خلق؛ فإ ىّن ُه ل ىّ‬
‫رش ما َ‬‫من ِّ‬
‫ق�ال القرطبي‪« :‬وهذا خر صحيح وقول صادق علمنا صدقه‬
‫دليال وتربة؛ فإين منذ س�معت هذا اخل�ر عملت به‪ ،‬فلم يرضين‬

‫)‪ (1‬المجموع (‪.)76/2‬‬


‫)‪ (2‬مرقاة المفاتيح (‪.)387/1‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم (‪.)2708‬‬

‫‪129‬‬
‫معاين األذكار‬

‫يشء إىل أن تركته لدغتني عقرب بالمهدية ليال‪ ،‬فتفكرت يف نفس‬


‫فإذا يب قد نس�يت أن أتعوذ بتل�ك الكلامت فقلت لنفس ‪-‬ذا ّم ًا هلا‬
‫ومو ّبخ ًا‪ -‬ما قاله عليه الس�الم للرجل الملدوغ‪ :‬أما إنك لو قلت‬
‫حني أمسيت أعوذ بكلامت اهلل التامات مل يرضك يشء»)‪.(1‬‬
‫***‬

‫الذكر عند المشعر احلرام‪:‬‬


‫ق�ال تع�اىل‪( :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [البقرة‪.[198 :‬‬
‫فيس�تحب اإلكث�ار من الذك�ر والدع�اء يف مزدلفة‪ ،‬ومناس�بة‬
‫ذل�ك‪ :‬أهنا ليلة عظيمة اجتمع فيها رشف المكان والزمان‪ ،‬وكونه‬
‫حمرم�ا‪ ،‬وهي جممع احلجي�ج وقد جاءت بعد عب�ادة عظيمة وهي‬
‫يوم عرفة)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)94/3‬‬


‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)12/5‬‬

‫‪130‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:∫GƒMC’ÉH ó«≤ŸG ôcòdG‬‬

‫ومن ذلك‪:‬‬

‫أذكار النوم‪:‬‬
‫أموت‬
‫ُ‬ ‫الله�م‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫«باس�مك‬ ‫ّب�ي ﷺ إذا أرا َد أن ين�ا َم ق�ال‪:‬‬ ‫َ‬
‫كان الن ُّ‬
‫ِ‬
‫منامه قال‪« :‬احلمدُ هللِ ا ىّلذي أحيانا بعدَ ما‬ ‫َ‬
‫اس�تيقظ من‬ ‫وأحيا» وإذا‬
‫ىّشور»)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫أماتنا وإليه الن ُ‬
‫واحلكم�ة من الذك�ر والدعاء عند النوم وبعد االس�تيقاظ‪ :‬أن‬
‫يك�ون خامتة عمل�ه يف اليوم وأوله بعد االس�تيقاظ ذك�ر التوحيد‬
‫والكلم الطيب‪ ،‬كام قيل‪:‬‬
‫ٍ‬
‫جع�ة‬ ‫وآخ�ر يشء أن�ت يف ِّ‬
‫كل َه‬ ‫ُ‬
‫وأول يشء أن�ت ِعن�د ُه ُب�ويب‬
‫ُ‬

‫ف�إذا ابتدأ العبد يوم�ه بذكر اهلل‪ ،‬وختمه بذك�ر اهلل‪ُ ،‬فريجى أن‬
‫ُيغفر له ما بني أول اليوم وهنايته من الذنوب‪.‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الر ُ‬
‫جل بيت ُه‬ ‫َ‬
‫دخ�ل ىّ‬ ‫وع�ن جابر أن رس�ول اهلل ﷺ قال‪« :‬إذا‬
‫ُ‬
‫الملك‪ :‬اختم‬ ‫وش�يطان‪ ،‬فق�ال‬
‫ٌ‬ ‫ملك‬ ‫ِ‬
‫فراش�ه ابت�در ُه(() ٌ‬ ‫أو أوى إىل‬
‫برش؛ فإن مح�دَ اهللَ وذكر ُه‪ ،‬أطرد ُه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بخري(()‪ ،‬وقال ىّ‬
‫�يطان‪ :‬اختم ٍّ‬
‫ُ‬ ‫الش‬
‫وبات يكلؤ ُه(()«)‪.(4‬‬
‫َ‬

‫أم�وت وأحي�ا» قي�ل المعن�ى‪ :‬بذكر‬


‫ُ‬ ‫الله�م‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫«باس�مك‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫اس�مك أحيا ما حييت وعليه أموت أي‪ :‬أن�ا مداوم عىل ذكرك ما‬
‫حييت وعليه أموت‪.‬‬

‫وحيتمل أن االس�م هنا بمعنى المس�مى فيك�ون المعنى‪ :‬بك‬


‫أحيا وبك أموت‪.‬‬

‫وحيتم�ل أن المراد باحلياة‪ :‬احلياة بع�د الموت وحيتمل‪ :‬احلياة‬


‫بعد النوم‪.‬‬

‫وحيتمل أن المراد بالموت الموت احلقيقي وحيتمل أنه النوم؛‬


‫فإن النوم أخو الموت‪.‬‬
‫ِ‬
‫«احلمدُ هللِ ا ّلذي أحيانا بعدَ ما أماتنا وإليه الن ُ‬
‫ّش�ور» أي‪ :‬أحيانا‬
‫باالستيقاظ بعد أن أماتنا بالنوم‪.‬‬

‫ووج�ه احلمد عىل االس�تيقاظ بع�د النوم أن ذل�ك من أفضل‬

‫)‪ (1‬تسارع إليه‪.‬‬


‫)‪ (2‬أي‪ :‬اختم عمل يومك بخري‪.‬‬
‫)‪ (3‬حيفظه وحيرسه‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري يف األدب المفرد (‪ ،)1214‬وحسنه ابن حجر‪ ،‬وضعفه األلباين‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫معاين األذكار‬

‫النع�م؛ ليكتس�ب ثم�رة احلي�اة الدنيا م�ن العل�م الناف�ع والعمل‬


‫الصالح‪ ،‬ويف ذلك أيضا إمهال اإلنسان ليتوب‪ ،‬ويرجع إىل اهلل‪.‬‬
‫ّشور» هو احلياة بعد الموت‪ ،‬فالمعنى‪ :‬إىل اهلل رجوع‬ ‫ِ‬
‫«وإليه الن ُ‬
‫اخلالئ�ق بع�د بعثه�م وحياتم بع�د ممات�م؛ ليحاس�ب ك ّ‬
‫ال منهم‬
‫حسب عمله‪.‬‬
‫وحكم�ة ذكر ذل�ك‪ :‬أن يكون ح�ارض القل�ب يف اليقظة‪ ،‬فال‬
‫يفيض به تي ّقظه إىل الغفلة عام ُطلب منه‪.‬‬
‫وحكمة ذكر الموت عند النوم‪ :‬كأنه ُي َذكِّر نفسه بالموت حتى‬
‫ِ‬
‫التكاسل أو التباطؤ عام ُطلب منه)‪.(1‬‬ ‫ال ُيفيض به نو ُمه إىل‬
‫***‬

‫قراءة خواتيم سورة البقرة‬


‫ٍ‬
‫مس�عود‬ ‫روى البخ�اري )‪ (4008‬ومس�لم )‪ (807‬ع�ن أيب‬
‫ِ‬
‫س�ورة‬ ‫آخر‬ ‫ِ‬
‫«اآليتان من ِ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الب�دري قال‪ :‬قال‬
‫ِّ‬
‫البقرة من قرأمها يف ٍ‬
‫ليلة كفتا ُه»‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ومه�ا قول�ه تع�اىل‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬


‫ﮞ‪ )...‬إىل آخر السورة‪.‬‬
‫قي�ل‪ :‬كفت�ا ُه من قي�ام ال ّليل وقي�ل‪ :‬كفتا ُه من ّ‬
‫الش�يطان وقيل‪:‬‬
‫ِ‬
‫اإلنس واجل ِّن‪.‬‬ ‫رش‬ ‫كل سوء‪َ ،‬‬
‫وقيل‪ :‬دفعتا عن ُه َّ‬ ‫كفتا ُه َّ‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)286/1‬‬

‫‪133‬‬
‫معاين األذكار‬

‫واسع‪.‬‬ ‫وفضل اهللِ‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األمور جيعها‪،‬‬ ‫إرادة ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫مانع من‬
‫ٌ‬ ‫وال َ‬
‫«قي�ل‪ :‬معنا ُه كفتا ُه م�ن قيام ال ّليل‪،‬‬
‫ق�ال النووي ‪-‬رمحه اهلل‪َ :-‬‬
‫وقيل‪ :‬من اآلفات وحيتمل من اجلميع»)‪.(1‬‬ ‫الشيطان َ‬ ‫َ‬
‫وقيل‪ :‬من ّ‬
‫تضمنتا ُه م َن‬ ‫اختصتا َ‬
‫بذلك ملا ّ‬ ‫ّ‬ ‫«وكأهنام‬
‫ّ‬ ‫قال احلافظ ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫بجميل انقيادهم إىل اهللِ وابتهاهلم ورجوعهم‬
‫ِ‬ ‫حابة‬ ‫ال ّث ِ‬
‫ناء ع�ىل الص ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫اإلجابة إىل مطلوهبم»)‪.(2‬‬ ‫َ‬
‫حصل هلم م َن‬ ‫ِ‬
‫إليه‪ ،‬وما‬
‫يعقل ينا ُم حتّى يقر َأ‬
‫أن أحد ًا ُ‬
‫كنت أرى َّ‬
‫عيل قال‪« :‬ما ُ‬‫وعن ّ‬
‫ِ‬
‫البقرة»)‪.(3‬‬ ‫ِ‬
‫سورة‬ ‫ِ‬
‫اآليات من ِ‬
‫آخر‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬
‫فضم إليهام اآلية الثالثة‪( :‬ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‪ )...‬اآلية‪.‬‬
‫ملا فيها من إثبات علم اهلل المحيط بكل يشء‪ ،‬ومشيئته النافذة‪،‬‬
‫وقدرته الغلبة لكل يشء‪.‬‬
‫***‬

‫قراءة ( ﭑ ﭒ ﭓ)‪:‬‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫نوفل عن ِ‬
‫أبيه َّ‬ ‫بن ٍ‬ ‫روى أبو داود )‪ (5055‬عن فرو َة ِ‬
‫أن الن َّ‬
‫فإنا براء ٌة‬
‫ثم نم عل خامتتها ىّ‬
‫الكافرون َّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫لنوفل‪« :‬اقرأ قل يا ىّأيا‬ ‫قال‬
‫الرش ِك»)‪.(4‬‬
‫من ىّ‬

‫)‪ (1‬رشح النووي عىل مسلم (‪ .)9192/6‬وانظر‪ :‬فتح الباري (‪.)56/9‬‬


‫)‪ (2‬فتح الباري (‪.)56/9‬‬
‫)‪ (3‬رواه الدارم�ي (‪ )3384‬واب�ن الرضيس يف فضائل الق�رآن (‪ ،)176‬وصححه‬
‫النووي وابن حجر‪ ،‬وضعفه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (4‬حسنه احلافظ ابن حجر‪ ،‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ال�رش ِك»‪ :‬يعني أهنا توج�ب لقارئها األمن‬


‫وكوهن�ا « َبرا َء ٌة ِمن ِّ‬
‫والنجاة من اإلرشاك باهلل‪ ،‬ملا اش�تملت عليه من نفي األلوهية عام‬
‫سوى اهلل‪ ،‬وإثباتا له وحده‪ ،‬مع التزام ذلك والمداومة عليه‪.‬‬
‫فهل َيفهم قارئ هذه السورة هذا المعنى أنه يتربأ من الرشك باهلل؟‬
‫لألس�ف يفهم بعض المس�لمني من قول�ه‪( :‬ﭬﭭﭮ‬
‫ﭯ) خ�الف ما أراد اهلل منها؛ حيث يفهم أهنا إقرار للرشك‪ ،‬وأن‬
‫كل إنسان ال حرج عليه أن يعبد ما شاء!!‬
‫وه�ذا فهم خاطئ‪ ،‬بل باطل‪ ،‬وهو من فس�اد االعتقاد‪ ،‬وعدم‬
‫الفهم عن اهلل ورسوله‪.‬‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬إذا‬
‫ُ‬ ‫ق�ال‪ :‬قال يل‬ ‫ٍ‬
‫عازب‬ ‫بن‬ ‫ِ‬
‫ال�راء ِ‬ ‫وع�ن‬
‫ك‬ ‫ثم اضطجع عل ش� ىّق َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مضجعك ىّ‬
‫للصالة َّ‬
‫وضوءك ىّ‬ ‫فتوضأ‬ ‫أتي�ت‬
‫َ‬
‫ض�ت أمري َ‬
‫إليك‬ ‫ُ‬ ‫وفو‬ ‫أس�لمت نف�يس َ‬
‫إليك ىّ‬ ‫ُ‬ ‫اللهم‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫األيم�ن وقل‪:‬‬
‫منك ىّإل‬ ‫َ‬
‫ملجأ ول منجا َ‬ ‫إليك رهب ًة ورغب ًة َ‬
‫إليك ل‬ ‫وأجلأت ظهري َ‬
‫ُ‬
‫مت‬
‫أرسلت‪ .‬فإن َّ‬
‫َ‬ ‫ك ا ىّلذي‬‫أنزلت وبنب ىّي َ‬
‫َ‬ ‫بكتابك ا ىّلذي‬
‫َ‬ ‫آمنت‬
‫إليك‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫تقول»‪ .‬ق�ال الرباء‪« :‬فر ىّددهتا‬‫آخر ما ُ‬ ‫ِ‬
‫فاجعلهن َ‬
‫َّ‬ ‫الفط�رة‪،‬‬ ‫م�ت عل‬ ‫َّ‬
‫قلت‬‫أنزلت ُ‬
‫َ‬ ‫بكتاب�ك ا ىّلذي‬
‫َ‬ ‫آمنت‬
‫اللهم ُ‬‫َّ‬ ‫بلغت‬
‫ُ‬ ‫فل�ام‬
‫ىّبي ﷺ ىّ‬‫ع�ل الن ِّ‬
‫أرسلت»)‪.(1‬‬
‫َ‬ ‫ك ا ىّلذي‬
‫ورسولك قال ل ونب ىّي َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫إلي�ك» أي رضي�ت بأن تك�ون تت‬ ‫«أس�لمت نف�س‬
‫ُ‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫مشيئتك‪ ،‬تترف فيها بام شئت من إمساكها أو إرساهلا‪.‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ففيه إش�ارة إىل أنه ينبغي لإلنس�ان أن يت�وب إىل اهلل تعاىل قبل‬
‫النوم لينام مطيع ًا‪.‬‬

‫َ‬
‫إلي�ك» والم�راد بالوجه الذات‪،‬‬ ‫«أس�لمت وجهي‬
‫ُ‬ ‫ويف لف�ظ‪:‬‬
‫فهو بمعنى «أسلمت نفس إليك»‪.‬‬

‫ضت أمري َ‬
‫إليك» أي‪ :‬توكلت عليك يف جيع شأين‪.‬‬ ‫«وفو ُ‬
‫ّ‬
‫«وأجلأت ظهري َ‬
‫إليك» أي أس�ندته إىل حفظك ويف التعبري ب�‬ ‫ُ‬
‫«أجلأت» إش�ارة إىل أنه مضطر إىل حفظ اهلل حيث ال حافظ له إال‬
‫هو وال ُيتقوى بأحد سواه‪.‬‬

‫إليك» ِع ّلة ملا سبق‪.‬‬


‫«رغب ًة ورهب ًة َ‬

‫ف�«أس�لمت وجهي» و«فوضت أم�ري»‪ ،‬و«أجلأت ظهري»‪:‬‬


‫«رغب ًة ورهبة» طمع ًا يف ثوابك وخمافة عذابك‪.‬‬

‫منك ّإال َ‬
‫إليك» أي‪:‬ال مهرب وال‬ ‫َ‬
‫ملج�أ وال منجا َ‬ ‫وقول�ه‪« :‬ال‬
‫خم ّل�ص من عقوبتك إال بالفرار إليك‪ ،‬ففيه إش�ارة إىل قوله تعاىل‪:‬‬
‫(ﰃ ﰄ ﰅ) [الذاريات‪.[50 :‬‬

‫أنزلت»‪ :‬وهو القرآن الكريم‪.‬‬


‫َ‬ ‫بكتابك ا ّلذي‬
‫َ‬ ‫«آمنت‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفطرة»‪ :‬أي اإلسالم‪.‬‬ ‫مت عىل‬
‫مت َّ‬
‫«فإن َّ‬
‫آخر ما ُ‬
‫تقول»‪ :‬أي من الدعوات)‪.(1‬‬ ‫«فاجعله َّن َ‬
‫)‪ (1‬دليل الفاحلني (‪.)281/2‬‬

‫‪136‬‬
‫معاين األذكار‬

‫قال ابن بطال‪« :‬أي ال تتكلم بعدهن بيشء من أحاديث الدنيا‪،‬‬


‫وليكن هذا الذكر خامتة عملك»)‪.(1‬‬

‫تبني أ ّن ُه‬
‫وهي ّ ُ‬ ‫الكشميهني‪« :‬من ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر» َ‬ ‫ِّ‬ ‫رواية‬ ‫وقال احلافظ‪« :‬يف‬
‫الذ ِ‬
‫كر عندَ النّو ِم»)‪.(2‬‬ ‫رشع م َن ّ‬ ‫يمتنع أن َ‬
‫يقول بعده َّن شيئ ًا ممّا َ‬ ‫ُ‬ ‫ال‬

‫أرسلت»‪،‬‬
‫َ‬ ‫«وبرسولك ا ّلذي‬
‫َ‬ ‫فرددها الراء ليس�تذكرها فقال‪:‬‬
‫أرسلت»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ك ا ىّلذي‬
‫فقال له النبي ﷺ‪« :‬ل‪ ،‬وبنب ىّي َ‬

‫«اختلف العلامء يف سبب إنكاره ﷺ ور ّده ال ّلفظ‪:‬‬


‫َ‬ ‫قال النووي‪:‬‬
‫ّبي ﷺ‬
‫ألن قوله‪« :‬آمنت برس�ولك» حيتمل غري الن ّ‬ ‫َ‬
‫فقي�ل‪ :‬إنّام ر ّد ُه َّ‬
‫حيث ال ّلفظ‪.‬‬
‫من ُ‬

‫أن هذا ذكر ودعاء‪،‬‬ ‫أن س�بب اإلنكار َّ‬‫المازري وغريه َّ‬
‫ُّ‬ ‫واختار‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بحروفه‪ ،‬وقد يتع ّلق اجلزاء‬ ‫فينبغي ِ‬
‫فيه االقتصار عىل ال ّلفظ الوارد‬
‫فيتعني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بتل�ك احل�روف‪ ،‬ولع ّل� ُه‬
‫َ‬
‫أوحي إلي�ه ﷺ هب�ذه الكل�امت‪ّ ،‬‬‫َ‬
‫ألن قوله‪« :‬ونب ّيك‬ ‫َ‬
‫وقي�ل‪َّ :‬‬ ‫أداؤها بحروفها‪ ،‬وهذا القول حس�ن‪.‬‬
‫حيث صنعة الكالم‪ِ ،‬‬
‫وفيه جع الن ّّبوة‬ ‫فيه جزالة من ُ‬ ‫ا ّلذي أرسلت» ِ‬

‫مع‬
‫فإن هذا األمر َ‬ ‫والرس�الة‪ ،‬فإذا قال‪ :‬رس�ولك ا ّلذي أرس�لت‪َّ ،‬‬‫ّ‬
‫فيه من تكرير لفظ «رس�ول» َو«أرسلت» أهل البالغة يعيبون ُه‪،‬‬ ‫ما ِ‬

‫الرسالة الن ّّبوة وال عكسه»)‪.(3‬‬


‫وقد قدّ منا أ ّن ُه ال يلزم من ّ‬
‫)‪ (1‬رشح صحيح البخاري (‪.)84/10‬‬
‫)‪ (2‬فتح الباري (‪.)358/1‬‬
‫)‪ (3‬رشح النووي عىل مسلم (‪ ،)33/17‬وانظر‪ :‬فتح الباري (‪.)112/11‬‬

‫‪137‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وق�ال عل�امء اللجن�ة الدائم�ة‪« :‬األص�ل يف األذكار وس�ائر‬


‫العب�ادات الوقوف عند ما ورد من عباراتا وكيفياتا يف كتاب اهلل‬
‫وسنة رسوله ﷺ»)‪.(1‬‬
‫رسول اهللِ ﷺ َ‬
‫كان إذا أرا َد أن‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫ّبي ﷺ َّ‬ ‫وعن حفص َة ِ‬
‫زوج الن ِّ‬
‫َ‬
‫عذابك‬ ‫«الله�م قني‬ ‫ثم ُ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ت�ت خدّ ه َّ‬
‫وضع يد ُه اليمنى َ‬
‫َ‬ ‫يرق�دَ‬
‫َ‬
‫عبادك»)‪.(2‬‬ ‫ُ‬
‫تبعث‬ ‫يو َم‬
‫ِ‬
‫الموت‬ ‫قال المباركفوري ‪-‬رمحه اهلل‪ّ « :-‬ملا َ‬
‫كان النّو ُم يف حك ِم‬
‫ِ‬
‫احلالة»)‪.(3‬‬ ‫عاء؛ تذكّر ًا َ‬
‫لتلك‬ ‫كالبعث دعا هبذا الدّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واالستيقاظ‬

‫وأراد أن يكون آخر عمله ذكر اهلل‪.‬‬


‫ِ‬
‫فراش�ه قال‪:‬‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ َ‬
‫كان إذا أوى إىل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫وعن ٍ‬
‫أنس‬
‫«احلمدُ هللِ ا ّلذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا‪ ،‬فكم ممّن ال َ‬
‫كايف ل ُه‬
‫مؤوي»)‪.(4‬‬
‫َ‬ ‫وال‬

‫«كَفانا» أي دفع عنا رش المؤذيات‪.‬‬

‫«وآوانا» أي رزقنا مساكن نأوي إليها‪ ،‬ونسكن فيها‪ ،‬ومل جيعلنا‬


‫َ‬
‫رشدين‪.‬‬
‫الم َ َّ‬
‫من ُ‬
‫مؤوي» أي‪ :‬فكم شخص ال يكفيهم‬
‫َ‬ ‫كايف ل ُه وال‬
‫«فكم ممّن ال َ‬
‫)‪ (1‬فتاوى اللجنة (‪.)87/6‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ ،)5045‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفة األحوذي (‪.)241/9‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم (‪.)2715‬‬

‫‪138‬‬
‫معاين األذكار‬

‫اهلل رش األرشار حتى غلب عليهم أعداؤهم‪ ،‬وال هييئ هلم مأوى‪،‬‬
‫بل تركهم هييمون يف البوادي ويتأذون باحلر والرد‪.‬‬

‫ومناس�بة ذلك للنوم‪ :‬أن اإلنسان إذا ُدفع عنه اجلوع والعطش‬
‫ب�األكل وال�رشب‪ ،‬وأمن م�ن ال�رشور والمكاره طاب ل�ه نومه‪،‬‬
‫َفت ََذك َ‬
‫َّ�ر ه�ذه النعم التي هي س�بب لطيب الن�وم‪ ،‬فحمد اهلل تعاىل‬
‫عليها‪.‬‬

‫***‬

‫الكريس‪:‬‬
‫ىّ‬ ‫قراءة آية‬
‫بحف�ظ ِ‬
‫زكاة‬ ‫ِ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬ ‫ق�ال‪ :‬وكّلني‬ ‫ع�ن أيب هري�ر َة‬
‫فقلت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فجع�ل حيث�و م�ن ال ّطع�ا ِم‪ ،‬فأخذت� ُه‬ ‫رمض�ان‪ ،‬فأت�اين ٍ‬
‫آت‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫احلدي�ث‪ ،‬إىل أن ق�ال‪ :‬إذا‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪ ...‬فذك�ر‬
‫ِ‬ ‫ألرفعن َ‬
‫ّ�ك إىل‬
‫ٌ‬
‫حافظ‬ ‫معك من اهللِ‬ ‫الكريس ل�ن َ‬
‫يزال َ‬ ‫فراش�ك فاقرأ آي َة‬
‫َ‬ ‫أويت إىل‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫وهو‬ ‫َ‬
‫«صدقك َ‬ ‫ّب�ي ﷺ‪:‬‬
‫تصبح‪ .‬فقال الن ُّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ش�يطان حتّى‬ ‫َ‬
‫يقربك‬ ‫وال‬
‫شيطان»)‪.(1‬‬
‫ٌ‬ ‫كذوب‪َ ،‬‬
‫ذاك‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫حافظ»‪ :‬الم�راد بذلك اجلنس‪،‬‬ ‫معك من اهللِ‬ ‫قول�ه‪« :‬لن َ‬
‫ي�زال َ‬
‫فيحتمل أن يكون مل�ك ًا واحد ًا أو أكثر‪ ،‬حيفظك يف بدنك ومالك‬
‫ودينك وسائر ما يتعلق بك‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه البخ�اري تعليق� ًا (‪ )3275‬ووصل�ه البغ�وي يف رشح الس�نة (‪)1196‬‬


‫والبيهقي يف الشعب (‪ )2170‬وغريمها‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ٌ‬
‫ش�يطان»‪ :‬ه�و تأكي�د للحف�ظ‪ ،‬فإن�ه إذا حفظ�ه‬ ‫َ‬
‫يقرب�ك‬ ‫«وال‬
‫الملك‪ ،‬فال يقربه الشيطان‪ ،‬وال يؤذيه يف دينه وال دنياه‪.‬‬

‫ق�ال‪« :‬ما أرى أح�د ًا ُ‬


‫يعقل‬ ‫عيل‬
‫وروى اب�ن أيب ش�يبة ع�ن ٍّ‬
‫الكريس» )‪.(1‬‬
‫ِّ‬ ‫دخل يف اإلسال ِم ينا ُم حتّى يقر َأ آي َة‬
‫َ‬

‫كان إذا َ‬
‫أخذ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫األنامري‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫األزهر‬ ‫وع�ن أيب‬
‫اللهم اغفر يل‬ ‫وضع�ت جنبي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يل قال‪« :‬بس� ِم اهللِ‬
‫مضجع� ُه من ال ّل ِ‬
‫َّ‬
‫ىّدي األعل»)‪.(2‬‬ ‫ذنبي وأخسئ شيطاين َّ‬
‫وفك رهاين واجعلني يف الن ِّ‬
‫«وأخسئ شيطاين» أي اطرده عني‪.‬‬

‫َّ‬
‫«وف�ك رهاين» الرهان هو ما يوضع لتوثيق الدين‪ ،‬أراد بذلك‬
‫نفس�ه ألهنا مرهونة بعملها‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ﮔﮕﮖﮗﮘ)‬
‫َفس بِام ك ََس َبت َر ِهينَ ٌة) [املدثر‪.[38 :‬‬
‫[الطور‪ ،[21:‬وقال تعاىل‪( :‬ك ُُّل ن ٍ‬

‫�ك الرهان هو ختليص�ه من يد المرت�ن‪ .‬والمعنى‪َ :‬خ ِّلص‬


‫و َف ُّ‬
‫رقبت�ي م�ن حق�وق الناس‪ ،‬وم�ن حقك ي�ا رب العالم�ني‪ ،‬ومن‬
‫وخ ِّلصه�ا من التكالي�ف بالتوفيق لإلتيان‬
‫الذن�وب بالعفو عنها‪َ ،‬‬
‫هبا‪.‬‬

‫الندى هم القوم المجتمعون يف‬


‫ّ‬ ‫ّ�دي األعىل»‬
‫«واجعلني يف الن ِّ‬
‫جملس‪ ،‬والمراد هنا المأل األعىل من المالئكة‪.‬‬

‫)‪ (1‬المصنف (‪.)40/6‬‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )5054‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ومناس�بة ه�ذا الدع�اء للن�وم‪ :‬أنه مل�ا كان الن�وم وإراح�ة البدن‬
‫ُيس�تعان ب�ه عىل طاع�ة اهلل‪ ،‬واالبتعاد عن معاصيه‪ ،‬س�أله عند النوم‬
‫أن يعينه عىل طاعته وذلك بفك رهانه‪ ،‬وأن يبعده عن معصيته بطرد‬
‫شيطانه‪ ،‬ثم سأل القرب من اهلل تعاىل بأن جيعله مع المأل األعىل‪.‬‬
‫***‬

‫أذكار الستيقاظ‪:‬‬
‫َ‬
‫استيقظ أحدكم‬ ‫رسول اهللِ ﷺ قال‪« :‬إذا‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫عن أيب هرير َة‬
‫ِ‬
‫وأذن يل‬ ‫فليقل‪ :‬احلمدُ هلل ا ىّلذي عافاين يف جس�دي ور َّد َّ‬
‫عيل روحي َ‬
‫ِ‬
‫بذكره»)‪.(1‬‬
‫قوله‪« :‬عافاين يف جسدي» أي جعل جسدي ذا عافية‪.‬‬
‫ِ‬
‫العافية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بس�ؤال‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫ُ‬
‫األحاديث يف‬ ‫ِ‬
‫كثرت‬ ‫قال النووي‪« :‬وقد‬
‫ِ‬
‫المكروهات يف‬ ‫ِ‬
‫المتناول�ة لدف ِع جي� ِع‬ ‫األلفاظ العام ِ‬
‫�ة‬ ‫ِ‬ ‫وه�ي م� َن‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ )‪(2‬‬ ‫والباطن يف الدّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين والدّ نيا واآلخرة» ‪.‬‬ ‫البدن‬
‫ع�يل روحي»؛ ألن الروح تفي�ض يف النوم‪ ،‬قال‬
‫وقول�ه‪« :‬ور َّد َّ‬
‫تع�اىل‪( :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الزمر‪.[42 :‬‬
‫***‬

‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ )3401‬وحسنه‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬


‫)‪ (2‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)46/12‬‬

‫‪141‬‬
‫معاين األذكار‬

‫دعاء السفر‪:‬‬
‫للر ِ‬
‫جل‬ ‫كان ُ‬ ‫عم�ر َ‬ ‫عمر َّ‬ ‫ب�ن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬ ‫عن س�ال ِم ِ‬
‫يقول ّ‬ ‫َ‬ ‫أن اب َن‬ ‫بن َ‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ يو ّدعنا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عك كام َ‬
‫كان‬ ‫إذا أرا َد س�فر ًا‪ُ :‬‬
‫ادن منّ�ي أو ّد َ‬
‫َ‬
‫عملك»)‪.(1‬‬ ‫وخواتيم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأمانتك‬ ‫«أستودع اهللَ َ‬
‫دينك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيقول‪:‬‬
‫َ‬
‫حف�ظ الدين ع�ىل حفظ األمان�ة اهتامما به‪ ،‬وألن الس�فر‬ ‫ق�دّ م‬
‫موض�ع خ�وف أو خطر وق�د يص�اب‪ ،‬وتصل له مش�قة وتعب‬
‫إلمهال�ه بع�ض األم�ور المتعلقة بالدي�ن من إخ�راج الصالة عن‬
‫وقتها ونحوه كام هو ُمشاهد)‪.(2‬‬
‫رس�ول اهللِ‬
‫َ‬ ‫ّبي ﷺ فقال‪ :‬يا‬ ‫ٌ‬ ‫وع�ن ٍ‬
‫رج�ل إىل الن ِّ‬ ‫أنس قال‪ :‬جا َء‬
‫«زو َ‬
‫دك اهلل التّقوى» قال‪ :‬زدين‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ّإين أريدُ سفر ًا ّ‬
‫فزودين‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫اخلري‬
‫لك َ‬ ‫«ويرس َ‬
‫أنت وأ ّم�ي‪ ،‬قال‪َ ّ :‬‬ ‫«وغف�ر َ‬
‫ذنبك» قال‪ :‬زدين بأيب َ‬ ‫َ‬
‫كنت»)‪.(3‬‬
‫حيثام َ‬
‫«زو َ‬
‫دك اهلل التّق�وى» أي جعله�ا زادك‪ ،‬فإن خري الزاد‬ ‫فقول�ه‪ّ :‬‬
‫التقوى‪ ،‬ألهنا زاد المعاد‪.‬‬
‫َ‬
‫ذنب�ك»‪ :‬أي جي�ع ذنوبك‪ ،‬وخاصة الذن�وب التي قد‬ ‫«وغف�ر‬
‫َ‬
‫تقع يف سفرك‪.‬‬

‫كن�ت»‪ :‬أي ي�رس لك اخل�ري الديني‬


‫َ‬ ‫اخل�ري حيث�ام‬
‫َ‬ ‫«وي�رس َ‬
‫ل�ك‬ ‫َّ‬
‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ )3443‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)116/5‬‬
‫)‪ (3‬رواه الرتمذي (‪ )3444‬وحسنه‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫معاين األذكار‬

‫والدني�وي من احلج والغ�زو والعلم وطلب احلالل وصلة الرحم‬


‫ونحوه‪ ،‬حيثام كنت متوجها إليه ومرشفا عليه‪.‬‬

‫وحيتم�ل أن الرجل طلب الزاد المتعارف عليه‪ ،‬فأجابه ﷺ بام‬


‫أج�اب عىل طريق أس�لوب احلكي�م‪ :‬أي إن زادك أن تتقي حمارمه‬
‫وتتنب معاصيه)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫بعريه‬ ‫رسول اهللِ ﷺ َ‬
‫كان إذا استوى عىل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫عمر‬
‫وعن اب َن َ‬
‫«س�بحان ا ىّلذي س�خىّ َر لنا هذا‬
‫َ‬ ‫كر ثالث ًا َّ‬
‫ثم قال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫س�فر ّ َ‬ ‫خارج� ًا إىل‬
‫َ‬
‫نسألك يف سفرنا‬ ‫اللهم إنىّا‬
‫َّ‬ ‫ملنقلبون‪،‬‬
‫َ‬ ‫مقرنني وإنىّا إىل ر ىّبنا‬
‫َ‬ ‫وما كنىّا ل ُه‬
‫هون علينا س�فرنا‬
‫اللهم ىّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫العمل ما ترىض‪،‬‬ ‫الرب والتىّقوى‪ ،‬ومن‬ ‫هذا َّ‬
‫الس ِ‬
‫�فر‪ ،‬واخلليف ُة يف‬ ‫احب يف ىّ‬‫الص ُ‬ ‫أنت ىّ‬
‫اللهم َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫واطو عنىّ�ا بعد ُه‪،‬‬ ‫ه�ذا‬
‫ِ‬
‫وس�وء‬ ‫ِ‬
‫المنظر‬ ‫ِ‬
‫وكآبة‬ ‫الس ِ‬
‫�فر‬ ‫ِ‬ ‫اللهم ىّإين أعو ُذ َ‬ ‫ِ‬
‫بك من وعثاء ىّ‬ ‫َّ‬ ‫األهل‪،‬‬
‫«آيبون‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫واأله�ل»‪ ،‬وإذا َ‬
‫رجع قاهل َّن وزا َد فيه َّن‪:‬‬ ‫ِ‬
‫المال‬ ‫ِ‬
‫المنقل�ب يف‬
‫حامدون»)‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫عابدون لر ىّبنا‬
‫َ‬ ‫تائبون‬
‫َ‬
‫مقرنني»‪:‬‬
‫َ‬ ‫«سبحان ا ّلذي ّ‬
‫سخ َر لنا هذا وما كنّا ل ُه‬ ‫َ‬ ‫قوله‪:‬‬

‫وج�ه مناس�بة اإلتي�ان هب�ذا الذك�ر وافتتاح�ه ب�� «س�بحان»‬


‫الموضوعة للتنزيه‪ :‬أن تس�خري الدواب لن�ا نعمة عظيمة ال يقدر‬
‫عليها غريه‪ ،‬فناسب شهود تنزهيه عن الرشيك حينئذ‪.‬‬
‫َ‬
‫ملنقلب�ون» ومناس�بة ذل�ك‪ :‬أنه مل�ا كان ركوب‬ ‫«وإنّ�ا إىل ر ّبن�ا‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)120121/5‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)1342‬‬

‫‪143‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الس�فينة والداب�ة قد يف�يض إىل الموت يف بعض األح�وال؛ تذكر‬


‫معاده بس�ببه‪ ،‬فناس�ب ذكره؛ ألن الدابة سبب من أسباب التلف‪،‬‬
‫فيكون ذلك حامال له عىل تقوى اهلل يف ركوبه ومسريه‪.‬‬

‫والمع�ني‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلاف�ظ‬ ‫�فر» ِ‬
‫أي‬ ‫الس ِ‬
‫اح�ب يف ّ‬
‫ُ‬ ‫الص‬‫أن�ت ّ‬ ‫«الله�م َ‬
‫َّ‬
‫األصل المالزم‪ ،‬والمراد‪ :‬مصاحب ُة اهللِ إياه بالعنايةِ‬ ‫ِ‬ ‫احب يف‬
‫ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والص ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫واالكتفاء ِبه‬ ‫االعتامد ِ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول عىل‬ ‫واحلفظ والر ِ‬
‫عاي�ة‪ ،‬فن ّب َه هبذا‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫مصاحب سوا ُه‪.‬‬ ‫كل‬‫عن ِّ‬
‫أحد يف إصالحِ ِ‬
‫أمره‪.‬‬ ‫األهل»‪ :‬اخلليف ُة من يقوم مقام ٍ‬
‫ِ‬ ‫«واخلليف ُة يف‬
‫ُ َ‬
‫أن�ت ا ّلذي أرجوه وأعتم�دُ ِ‬
‫عليه يف‬ ‫ّوربش�تي‪ :‬المعنى َ‬
‫ق�ال الت‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫تلم‬ ‫َ‬
‫يكون معين�ي وحافظي‪ ،‬ويف غيبتي ع�ن أهيل أن َّ‬ ‫س�فري ب�أن‬
‫َ‬
‫وتفظ عليهم دينهم وأمانتهم»)‪.(1‬‬ ‫وتداوي سقمهم‬
‫َ‬ ‫شعثهم‬
‫ِ‬
‫المنظر»‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وكآبة‬ ‫الس ِ‬
‫فر‬ ‫ِ‬ ‫«اللهم ّإين أعو ُذ َ‬
‫بك من وعثاء ّ‬ ‫َّ‬
‫ب وال ّت َعب‪.‬‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫فر» ُه َو الن ََّص ُ‬ ‫«وعثاء ّ‬
‫ينقلب إىل ما يقتيض كآب ًة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫المنظر»‪ :‬يعني أعو ُذ َ‬
‫بك ممّا‬ ‫ِ‬
‫«وكآب�ة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫احلزن)‪.(2‬‬ ‫ظهور‬ ‫أحذر‪ ،‬والكآب ُة‬ ‫ِ‬
‫فوات ما أريدُ أو وقو ِع ما‬ ‫من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجو ِع بأن يصيبنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المنقلب» أي‪ :‬أعو ُذ َ‬ ‫ِ‬
‫بك من سوء ّ‬ ‫«وس�وء‬
‫مرض‪.‬‬‫حزن أو ٌ‬ ‫ٌ‬

‫)‪ (1‬تفة األحوذي (‪.)280/9‬‬


‫)‪ (2‬المنتقى رشح الموطأ (‪.)303/7‬‬

‫‪144‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ٍ‬
‫لنائبة‬ ‫ِ‬
‫احلاجة أو‬ ‫مق�يض‬ ‫غري‬ ‫ِ‬
‫واألهل» َ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫مثل أن يعو َد َ‬ ‫الم�ال‬ ‫«يف‬
‫ُ‬
‫واألهل‬ ‫ِ‬
‫بعضه‪،‬‬ ‫كرسقة ك ّل ِه أو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المال‬ ‫كمرض‪ِ ،‬‬
‫أو‬ ‫ٍ‬ ‫أصابت ُه يف الن ِ‬
‫ّفس‬
‫كمرض أحدهم أو ِ‬
‫فقده‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واألقارب‬ ‫الزوج ُة واخلد ُم‬
‫أي‪ّ :‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫يكتئب‬ ‫وطنه فيلقى ما‬‫ِ‬ ‫ينقلب إىل‬ ‫ِ‬
‫المنقلب أن‬ ‫ِ‬
‫الفائق‪ :‬كآب ُة‬ ‫ويف‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سفره أو فيام يقدم ِ‬
‫عليه)‪.(1‬‬ ‫ِ‬ ‫من ُه من ٍ‬
‫أمر أصاب ُه يف‬
‫ُ‬
‫***‬

‫ذكر الرجوع من السفر‪:‬‬


‫قفل)‪ (2‬من ٍ‬
‫غزو‬ ‫كان إذا َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫عمر‬ ‫عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬
‫بن َ‬
‫ثم‬ ‫ٍ‬ ‫األرض َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يكر عىل ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ثالث تكبريات َّ‬ ‫رشف من‬ ‫كل‬ ‫ح�ج أو عمرة ّ ُ‬ ‫أو ٍّ‬
‫وهو عل‬ ‫الملك ول ُه احلمدُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫رشيك ل ُه ل ُه‬ ‫يقول‪« :‬ل إل َه ىّإل اهلل وحد ُه ل‬
‫ُ‬
‫حامدون‪،‬‬
‫َ‬ ‫س�اجدون لر ىّبنا‬
‫َ‬ ‫عابدون‬
‫َ‬ ‫تائب�ون‬
‫َ‬ ‫(()‬
‫آيبون‬
‫َ‬ ‫قدي�ر‪،‬‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬
‫األحزاب وحد ُه»)‪.(4‬‬
‫َ‬ ‫ونرص عبد ُه وهز َم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صدق اهلل وعد ُه‬

‫مناسبة جميء التهليل بعد التكبري‪:‬‬

‫قال احلافظ يف الفتح (‪« :)189 /11‬قال القرطبي‪ :‬ويف تعقيب‬


‫التكبري بالتهليل إش�ارة إىل أنه المتفرد بإجي�اد جيع الموجودات‪،‬‬
‫وأنه المعبود يف جيع األماكن»‪.‬‬

‫)‪ (1‬مرقاة املفاتيح (‪.)305/8‬‬


‫)‪ (2‬القفول‪ :‬الرجوع‪.‬‬
‫)‪ (3‬اإلياب‪ :‬الرجوع والعودة‪.‬‬
‫)‪ (4‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ُش ُ‬
‫كر اهلل تعاىل عل نعمه‪:‬‬

‫ق�ال ابن عبد ال�ر ‪-‬رمح�ه اهلل‪« : -‬وليس يف ه�ذا احلديث إال‬
‫احلض عىل شكر اهلل للمسافر عىل أوبته ورجعته‪ ،‬وشكر اهلل تعاىل‬
‫والثن�اء علي�ه ب�ام هو أهل�ه واجب ع�ىل كل مؤمن الزم ل�ه بدليل‬
‫قوله تع�اىل‪( :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)‪ ،‬ومن‬
‫الشكر االعرتاف بالنعمة‪ ،‬فنعمة اهلل عظيمة‪.‬‬

‫ومعنى آيبون راجعون‪ ،‬ومعنى تائبون‪ :‬أي من الرشك والكفر‪،‬‬


‫عائ�دون بام افرتض�ه عليهم ورضي�ه منهم‪ ،‬س�اجدون لوجهه ال‬
‫لغريه‪ ،‬حامدون عىل ذلك كله‪.‬‬

‫وقول�ه‪« :‬ص�دق اهلل وعده» في�ام كان َوعَ�دَ ه من ظه�ور دينه‪،‬‬


‫وذلك كله اعرتاف بالنعمة وشكر هلا»)‪.(1‬‬

‫***‬

‫حال اهلم واحلزن‪:‬‬


‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬ما‬
‫ُ‬ ‫ق�ال‪ :‬ق�ال‬ ‫ع�ن ِ‬
‫عب�د اهللِ بن مس�عود‬
‫َ‬
‫عبدك‬ ‫وابن‬ ‫َ‬
‫عبدك ُ‬ ‫اللهم ىّإين‬
‫َّ‬ ‫ح�زن فقال‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫هم ول‬ ‫أص�اب أحد ًا ُّ‬
‫قط ٌّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫قضاؤك‪،‬‬ ‫حكمك ٌ‬
‫ع�دل َّيف‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ماض َّيف‬ ‫َ (()‬
‫واب�ن َ‬
‫أمتك ناصيت�ي بيدك‬ ‫ُ‬
‫نفس�ك أو ع ىّلمت ُه أحد ًا من‬
‫َ‬ ‫يت ِبه‬ ‫س�م َ‬
‫لك ىّ‬ ‫هو َ‬ ‫أس�ألك ِّ‬
‫بكل اس� ٍم َ‬ ‫َ‬

‫)‪ (1‬االستذكار (‪.)397/4‬‬


‫)‪ (2‬الناصية‪ :‬مقدم الرأس‪ ،‬وهي هنا إشارة إىل أن إحاطته كاملة للعبد‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫معاين األذكار‬

‫َ‬
‫عندك‪ :‬أن‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫استأثرت ِبه يف عل ِم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كتابك أو‬ ‫َ‬
‫خلقك أو أنزلت ُه يف‬
‫مهي‪،‬‬ ‫وذهاب ىّ‬
‫َ‬ ‫وجالء حزين‬
‫َ‬ ‫ونور صدري‬ ‫ربيع قلبي َ‬ ‫القرآن َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جتع�ل‬
‫رس�ول اهللِ‬
‫َ‬ ‫مه ُه وحزن ُه وأبدل ُه مكان ُه فرج ًا» َ‬
‫فقيل‪ :‬يا‬ ‫ىّإل‬
‫أذهب اهلل ىّ‬
‫َ‬
‫أل نتع ىّلمها؟ فقال‪« :‬بل ينبغي ملن سمعها أن يتع ىّلمها»)‪.(1‬‬

‫وه�ذا احلديث يتضم�ن أربعة أصول‪ ،‬ال س�بيل للعبد إىل نيل‬
‫السعادة وزوال اهلم والغم إال باإلتيان هبا وتقيقها‪:‬‬
‫(‪ .‬األصل األول‪ :‬هو تقيق العبادة هلل ومتام االنكسار بني يديه‪،‬‬
‫واع�رتاف العبد بأنه خملوق هلل ممل�وك له هو وآباؤه وأمهاتُه‪،‬‬
‫َ‬
‫عبدك واب ُن َ‬
‫أمتك»‬ ‫َ‬
‫عبدك واب ُن‬ ‫«اللهم ّإين‬
‫َّ‬ ‫وذلك يف قوله‪:‬‬
‫يكتف بقوله‪« :‬إين عب�دك» بل زاد «وابن عبدك وابن‬‫ِ‬ ‫فل�م‬
‫أمت�ك» إلظهار التذلل واخلضوع‪ ،‬واالعرتاف بالعبودية‪،‬‬
‫فهذا أبلغ وآكد يف إظهار التذلل والعبودية‪ ،‬ألن َمن َملك‬
‫رجال ليس مثل من ملكه مع أبويه‪.‬‬
‫(‪ .‬األص�ل الث�اين‪ :‬أن يؤمن العبد بقض�اء اهلل و َقدَ ره‪ ،‬وأن ما‬
‫شاء كان وما مل يشأ مل يكن‪ ،‬وأنه ال معقب حلكمه‪ ،‬وال را ّد‬
‫كم َك‬‫ماض ِ َّيف ُح ُ‬
‫ٍ‬ ‫«ناص َيتِي بِ َي ِد َك‬
‫لقضائه‪ ،‬وذلك يف قوله‪ِ :‬‬

‫دل ِ َّيف َق ُ‬
‫ضاؤ َك»‪.‬‬ ‫َع ٌ‬
‫(‪ .‬األصل الثالث‪ :‬أن يؤمن العبد بأسامء اهلل احلسنى وصفاته‬
‫العظيم�ة الواردة يف الكتاب والس�نة‪ ،‬ويتوس�ل هبا إىل اهلل‬

‫)‪ (1‬رواه أمحد (‪ ،)3704‬وصححه األلباين يف الصحيحة (‪.)199‬‬

‫‪147‬‬
‫معاين األذكار‬

‫يت‬
‫سم َ‬ ‫هو َ‬
‫لك ّ‬ ‫بكل اس ٍم َ‬ ‫«أس�ألك ِّ‬
‫َ‬ ‫تعاىل‪ ،‬وذلك يف قوله‪:‬‬
‫َ‬
‫كتابك أو‬ ‫َ‬
‫خلقك أو أنزلت ُه يف‬ ‫نفسك أو ع ّلمت ُه أحد ًا من‬
‫َ‬ ‫ِبه‬
‫َ‬
‫عندك»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫استأثرت ِبه يف عل ِم‬
‫َ‬
‫ ‪ .‬األص�ل الرابع‪ :‬ه�و العناية بالقرآن الكري�م‪ ،‬كالم اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬المش�تمل عىل اهلداية والش�فاء والكفاية والعافية‪،‬‬
‫والعب�د كل�ام كان عظيم العناي�ة بالقرآن نال من الس�عادة‬
‫والطمأنين�ة وراح�ة الص�در وزوال اهل�م والغم بحس�ب‬
‫ربيع قلبي‬ ‫َ‬
‫الق�رآن َ‬ ‫ذل�ك‪ ،‬وهلذا ق�ال يف الدعاء‪« :‬أن َ‬
‫تعل‬
‫مهي»‪.‬‬
‫وذهاب ّ‬
‫َ‬ ‫ونور صدري وجال َء حزين‬
‫َ‬
‫فهذه أربع ُة أصول عظيمة مس�تفادة من ه�ذا الدعاء المبارك‪،‬‬
‫ينبغ�ي علين�ا أن نتأ َّم َلها ونَس� َعى يف تقيقها؛ َ‬
‫لننال ه�ذا الموعو َد‬
‫مه ُه‬
‫أذه�ب اهلل ىّ‬
‫َ‬ ‫والفض�ل العظي�م‪ ،‬وه�و قول�ه ﷺ‪ :‬ىّ‬
‫«إل‬ ‫َ‬ ‫الكري�م‬
‫َ‬
‫وحزن ُه وأبدل ُه مكان ُه فرج ًا»)‪.(1‬‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ كثري ًا ُ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫أس�مع‬
‫ُ‬ ‫أنس قال‪ُ :‬‬
‫كنت‬ ‫وع�ن ِ‬
‫ِ‬
‫والبخل‬ ‫ِ‬
‫والكس�ل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والعجز‬ ‫ِ‬
‫واحلزن‪،‬‬ ‫اهلم‬ ‫«اللهم ىّإين أعو ُذ َ‬
‫بك من ِّ‬ ‫َّ‬
‫جال»)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫وغلبة الر ِ‬ ‫واجلبن‪ ،‬وضل ِع الدىّ ِ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ىّ‬
‫اهلم يف المتو ّقع‪ ،‬واحلزن‬ ‫اهلم واحلزن» قال ال ّط ُّ‬
‫يبي‪ّ :‬‬ ‫قوله‪« :‬من ّ‬
‫فات‪.‬‬
‫فيام َ‬

‫)‪ (1‬فقه األدعية واألذكار (‪.)186188/3‬‬


‫)‪ (2‬رواه البخاري (‪- )2893‬واللفظ له ‪ -‬ومسلم (‪.)2706‬‬

‫‪148‬‬
‫معاين األذكار‬

‫هو ضدّ القدرة‪.‬‬


‫و«العجز»‪َ :‬‬
‫و«الكسل»‪ :‬هو التّثاقل عن األمر المحمود‪.‬‬
‫هو ترك أداء الواجبات المال ّية‪.‬‬
‫و«البخل»‪َ :‬‬
‫وهو اخلوف عند القتال)‪.(1‬‬ ‫و«اجلبن»‪ :‬ضدّ ّ‬
‫الشجاعة‪َ ،‬‬
‫الضلع‪ :‬االعوج�اج‪ ،‬والمراد ِبه‬ ‫قول�ه «وضل�ع الدّ ين»‪ :‬أصل ّ‬
‫ِ‬
‫علي�ه الدّ ين وفا ًء‬ ‫وذل�ك ُ‬
‫حيث ال جيد من‬ ‫َ‬ ‫هن�ا ثقل الدّ ين وش�دّ ته‬
‫مع المطالبة‪.‬‬‫وال س ّيام َ‬
‫أذهب من‬
‫َ‬ ‫ه�م الدّ ين قلب� ًا ّإال‬ ‫الس�لف‪ :‬ما َ‬
‫دخل ّ‬ ‫وق�ال بعض ّ‬
‫العقل ما ال يعود ِ‬
‫إليه‪.‬‬
‫الرجال»‪ :‬أي قهرهم وش�دّ ة تس� ّلطهم‪ ،‬فاستعا َذ‬
‫قوله «وغلبة ّ‬
‫الرجال ملا يف َ‬
‫ذلك من الوهن يف النّفس والمعاش‪.‬‬ ‫من أن يغلب ُه ّ‬
‫الرذائل‬ ‫الكرماين‪ :‬هذا الدّ عاء من جوامع الكلم‪َّ ،‬‬
‫ألن أنواع ّ‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫ثالثة‪ :‬نفسان ّية وبدن ّية وخارج ّية‪ ،‬والدّ عاء مشتمل عىل االستعاذة‬
‫من جيع َ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫يتص�ور ُه العقل م�ن المك�روه يف احلال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اهل�م مل�ا‬
‫أن ّ‬ ‫وحمصل�ه َّ‬
‫ّ‬
‫وقع يف المايض‪ ،‬والعجز ضدّ االقتدار‪ ،‬والكس�ل ضدّ‬
‫واحلزن ملا َ‬
‫النّشاط‪ ،‬والبخل ضدّ الكرم‪ ،‬واجلبن ضدّ ّ‬
‫الشجاعة)‪.(2‬‬

‫***‬

‫)‪ (1‬عون المعبود (‪.)280281/4‬‬


‫)‪ (2‬فتح الباري (‪.)174/11‬‬

‫‪149‬‬
‫معاين األذكار‬

‫دعاء الكرب‪:‬‬
‫ِ‬
‫الكرب‬ ‫ّب�ي ﷺ يدعو عن�دَ‬ ‫اس ق�ال‪َ :‬‬
‫كان الن ُّ‬ ‫اب�ن ع ّب ٍ‬ ‫ع�ن ِ‬
‫ِ‬
‫العرش‬ ‫رب‬‫احللي�م‪ ،‬ل إل� َه ىّإل اهلل ُّ‬
‫ُ‬ ‫العظي�م‬
‫ُ‬ ‫يق�ول‪« :‬ل إل� َه ىّإل اهلل‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العرش‬ ‫ورب‬ ‫األرض ُّ‬ ‫ورب‬
‫الس�موات ُّ‬ ‫العظيمِ‪ ،‬ل إل َه ىّإل اهلل ُّ‬
‫رب ىّ‬
‫الكريمِ»)‪.(1‬‬

‫العظيم»‪ :‬أنه ال يتعاظمه مسؤول‬


‫ُ‬ ‫ومناسبة قوله‪« :‬ال إل َه ّإال اهلل‬
‫وإن عظم‪ ،‬ومنه إزالة الكرب الذي ال يزيله غريه‪.‬‬
‫ِ‬
‫الع�رش العظي� ِم»‪ :‬فم�ن وس�عت ربوبيت�ه الع�رش‬ ‫«ورب‬
‫ُّ‬
‫الذي وس�ع المخلوق�ات كلها‪ ،‬جدير بأن يزي�ل الكروب ويرفع‬
‫اللغوب)‪.(2‬‬

‫وك�رر ذكر الع�رش مرتني ألن الع�رش أعظ�م المخلوقات‪،‬‬


‫وأعىل الموجودات‪ ،‬تنبيه ًا عىل عظمة شأنه‪ ،‬وعىل عظم خالقه)‪.(3‬‬

‫قال ابن بطال ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬حدثني أبو بكر الرازي قال‪ :‬كنت‬
‫بأصبه�ان عند الش�يخ أبى نعي�م أكتب عنه احلدي�ث‪ ،‬وكان هناك‬
‫شيخ آخر ُيعرف بأيب بكر بن عيل‪ ،‬وكان عليه مدار الفتيا‪ ،‬فحسده‬
‫بعض أهل البلد فب ّغاه عند الس�لطان‪ ،‬فأمر َ‬
‫بسجنه‪ ،‬وكان ذلك يف‬
‫ش�هر رمضان‪ ،‬ق�ال أبو بكر‪ :‬فرأيت النب�ي ﷺ يف المنام وجريل‬

‫)‪ (1‬رواه البخاري (‪ )6346‬ومسلم (‪.)2730‬‬


‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)5/4‬‬
‫)‪ (3‬ال َع َلم اهليب (‪.)336‬‬

‫‪150‬‬
‫معاين األذكار‬

‫عن يمينه حيرك ش�فتيه ال يفرت من التسبيح‪ ،‬فقال يل النبي ﷺ‪ :‬قل‬


‫أليب بك�ر بن عيل‪ :‬يدعو بدعاء الكرب الذي يف صحيح البخاري‬
‫حتى يفرج اهلل عنه‪.‬‬

‫فأصبح�ت فأتي�ت إليه وأخرت�ه بالرؤيا‪ ،‬فدعا ب�ه فام بقي إال‬
‫ال حتى ُأخرج من السجن‪.‬‬
‫قلي ً‬

‫ففي ه�ذه الرؤيا ش�هادة النبي ﷺ لكتاب البخ�اري بالصحة‬


‫بح�رضة جري�ل ﷺ‪ ،‬والش�يطان ال يتص�ور بص�ورة النب�ي يف‬
‫المنام»)‪.(1‬‬

‫ويف احلدي�ث فضل التوحي�د وأثره العظيم يف كش�ف الكرب‬


‫وزوال اهل�م والغ�م‪ ،‬وكام قال تع�اىل عن نبيه يونس عليه الس�الم‬
‫وهو يف أعظم ساعات الكرب‪( :‬ﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ‬
‫ﮬﮭﮮ) [األنبياء‪.[88 -87 :‬‬

‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬دعو ُة‬


‫ُ‬ ‫س�عد بن أيب و ّقاص قال‪ :‬قال‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫َ‬
‫س�بحانك‬ ‫أنت‬ ‫ِ‬
‫احلوت‪ :‬ل إل َه ىّإل َ‬ ‫ِ‬
‫بط�ن‬ ‫وهو يف‬ ‫ذي الن ِ‬
‫ىّ�ون إذ دع�ا َ‬
‫قط ىّإل‬ ‫رجل مس�لم يف ٍ‬
‫يشء ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫يدع هبا ٌ‬ ‫كنت من ال ىّظ َ‬
‫المني‪ ،‬فإ ىّن ُه مل ُ‬ ‫ىّإين ُ‬
‫استجاب اهلل ل ُه»)‪.(2‬‬
‫َ‬

‫)‪ (1‬رشح صحيح البخاري (‪.)109110/10‬‬


‫)‪ (2‬رواه الرتمذي (‪ )3505‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫معاين األذكار‬

‫«دع�وات‬
‫ُ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وع�ن أيب بك�رة ق�ال‪ :‬ق�ال‬
‫رمحتك أرجو فال تكلن�ي إىل نفس طرف َة ٍ‬
‫عني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اللهم‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫المك�روب‪:‬‬
‫وأصلح يل شأين ك ّل ُه‪ ،‬ال إل َه ّإال َ‬
‫أنت»)‪.(1‬‬

‫َ�ك َأ ُ‬
‫رج�و»‪ :‬ق�دم الرمحة ع�ىل الطل�ب والرجاء‪،‬‬ ‫محت َ‬
‫«ر َ‬
‫قول�ه‪َ :‬‬
‫والتقديم يفيد القر‪ ،‬أي ال أرجو سوى رمحتك‪.‬‬
‫َكلنِي إِ َىل ن ِ‬
‫َفس» فض ً‬
‫ال عن غريها‪.‬‬ ‫« َفال ت ِ‬

‫فإن�ك إن تكلن�ي إىل نف�س تكلن�ي إىل ضعف وع�ورة وذنب‬


‫وخطيئة)‪.(2‬‬

‫وق�ال المناوي‪« :‬ختمه بكلم�ة التوحيد إش�ارة إىل أن الدعاء‬


‫إن�ام ينفع المكروب ويزي�ل كربه إذا كان مع حضور القلب‪ ،‬و َمن‬
‫ري‬
‫شهد هلل بالتوحيد واجلالل مع جع اهلمة وحضور البال فهو َح ّ‬
‫بزوال الكرب يف الدنيا والرمحة ورفع الدرجات يف العقبى»)‪.(3‬‬

‫ومناس�ب ُة الدع�اء بكلم�ة التوحي�د إلزال�ة الك�رب‪ :‬أن كلمة‬


‫الروح‪ ،‬وإذا اس�تنار القلب زال عنه‬
‫َ‬ ‫التوحيد تنري القلب‪ ،‬وت ِ‬
‫ُرش ُق‬
‫الكرب‪.‬‬

‫«سبحان ََك» أي ُأن َِّزهك عن أن ُي َ‬


‫عجزك يشء)‪.(4‬‬ ‫وقوله‪ُ :‬‬
‫)‪ (1‬رواه أبو داود (‪ )5090‬وأمحد (‪.)27898‬‬
‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)9/4‬‬
‫)‪ (3‬فيض القدير (‪.)526/3‬‬
‫)‪ (4‬الفتوحات الربانية (‪.)11/4‬‬

‫‪152‬‬
‫معاين األذكار‬

‫رسه أو يكرهه؟‬
‫أمر َي ُ ّ‬
‫ماذا يقول َمن أتاه ٌ‬
‫حيب‬ ‫ُ ِ‬ ‫ع�ن عائش� َة قال�ت‪َ :‬‬
‫رس�ول اهلل ﷺ إذا رأى م�ا ُّ‬ ‫كان‬
‫ِ‬
‫احل�ات‪ ،‬وإذا رأى ما يكر ُه‬
‫ُ‬ ‫الص‬ ‫ق�ال‪ :‬احلمدُ هللِ ا ّل�ذي بنعمته ُّ‬
‫تت�م ّ‬
‫كل ٍ‬
‫حال)‪.(1‬‬ ‫قال‪ :‬احلمدُ هللِ عىل ِّ‬

‫المناوي ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬أحوال المؤمن كلها خري‪ ،‬وقضاء‬


‫قال ُ‬
‫اهلل بال�رساء والرضاء رمحة ونعمة‪ ،‬ولو انكش�ف ل�ه الغطاء لفرح‬
‫بال�رضاء أكث�ر من فرحه بال�رساء‪ ،‬وهو أعلم بام يصل�ح به عبده‪.‬‬
‫ونب�ه هب�ذا احلدي�ث ع�ىل أن ع�ىل العبد أن حيم�د اهلل ع�ىل الرساء‬
‫خيصهم وهو احلمد هلل عىل كل‬
‫والرضاء‪ ،‬وعىل أن للصابرين محدا ّ‬
‫حال‪ ،‬وأن للشاكرين محدا خيصهم وهو احلمد هلل الذي بنعمته تتم‬
‫الصاحلات»)‪.(2‬‬

‫***‬

‫مناسبة ذكر اهلل عند القتال‪:‬‬


‫ق�ال تع�اىل‪( :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [األنفال‪.[45 :‬‬

‫أم�ر اهلل عب�اده بذك�ره كث�ريا عن�د مصاب�رة الع�دو والتالحم‬


‫بالرماح والس�يوف‪ ،‬ألهنا حالة يقع فيه�ا الذهول يف هذا الموطن‬

‫)‪ (1‬رواه ابن ماجة (‪ )3803‬وحسنه األلباين‪.‬‬


‫)‪ (2‬فيض القدير (‪.)368/1‬‬

‫‪153‬‬
‫معاين األذكار‬

‫العظيم‪ُ ،‬فأمروا فيها بذكر اهلل تعاىل الذي ُيفزع إليه عند الش�دائد‪،‬‬
‫ففيه تنبيه للعبد أال يشغله عن ذكر اهلل تعاىل يشء‪ ،‬وأنه يلتجئ إليه‬
‫عند الشدائد‪ ،‬واثق ًا بأن لطفه ال ّ‬
‫ينفك عنه يف حال من األحوال)‪.(1‬‬
‫«ثنتان ل تر ىّد ِ‬
‫ان‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫بن ٍ‬
‫سعد قال‪ :‬قال‬ ‫س�هل ِ‬
‫ِ‬ ‫وعن‬
‫يلحم‬ ‫حني‬ ‫ِ‬ ‫ان‪ : -‬الدىّ ع�اء عندَ الن ِ‬
‫‪-‬أو ق ىّل�ام ت�ر ىّد ِ‬
‫ُ‬ ‫الب�أس َ‬ ‫ىّ�داء‪ ،‬وعندَ‬ ‫ُ‬
‫بعضهم بعض ًا»)‪.(2‬‬

‫***‬

‫ذكر اهلل عند وسوسة الشيطان‪:‬‬


‫ق�ال اهلل عز وجل‪( :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [فصلت‪.[36 :‬‬

‫ينخدع‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلنس ر ّبام‬ ‫َ‬
‫شيطان‬ ‫قال ابن كثري ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬أي‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫وسوس ّإال‬ ‫شيطان اجلن فإ ّنه ال حيل َة ِ‬
‫فيه إذا‬ ‫ُ‬ ‫باإلحس�ان ِ‬
‫إليه‪ ،‬فأ ّما‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ ُ‬
‫وجلأت‬
‫َ‬ ‫استعذت باهللِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عليك‪ ،‬فإذا‬ ‫ِ‬
‫بخالقه ا ّلذي س ّلط ُه‬ ‫االس�تعاذ َة‬
‫ِ‬
‫إليه ك ّف ُه َ‬
‫عنك ور َّد كيد ُه»)‪.(3‬‬

‫وقد سمى اهلل عز وجل الشيطان ب� «الوسواس اخلناس»؛ ألنّه‬


‫سو َس)‪.(4‬‬ ‫إذا ُذ ِكر اهلل َخنَس‪ ،‬وإِذا ُغ ِف َل َعن ِذ ِ ِ‬
‫كر اهلل َو َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)51/5‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )2540‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسري ابن كثري (‪.)166/7‬‬
‫)‪ (4‬تفسري الطري (‪ ،)709/24‬جمموع الفتاوى (‪.)16/2‬‬

‫‪154‬‬
‫معاين األذكار‬

‫يل بن أيب صالح قال‪« :‬أرس�لني أيب إىل بني حارث َة‪،‬‬ ‫�ه ٍ‬‫و َعن ُس َ‬
‫وأرشف ا ّلذي معي‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫باسمه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حائط‬ ‫ومعي غالم لنا‪ ،‬فناداه ٍ‬
‫مناد من‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ش�عرت‬
‫ُ‬ ‫ذلك أليب‪ ،‬فقال‪ :‬لو‬ ‫فذك�رت َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلائط فلم َير ش�يئ ًا‪،‬‬ ‫ع�ىل‬
‫فناد بالص ِ‬
‫الة؛‬ ‫س�معت صوت ًا ِ‬ ‫َ‬ ‫أرس�لك‪ ،‬ولكن إذا‬‫َ‬ ‫تلق هذا مل‬ ‫أن َّك َ‬
‫ّ‬
‫الش َ‬
‫يطان‬ ‫رسول اهللِ أ ّن ُه قال‪َّ :‬‬
‫«إن ّ‬ ‫ِ‬ ‫سمعت أبا هرير َة حيدّ ُ‬
‫ث عن‬ ‫ُ‬ ‫فإين‬
‫ّ‬
‫حصاص»)‪.(1‬‬ ‫وىل ول ُه‬ ‫إذا نودي بالص ِ‬
‫الة ّ‬
‫ٌ‬ ‫َ ّ‬
‫ي�ل‪:‬‬‫خ�رى‪َ .‬و ِق َ‬ ‫الروا َي�ة األُ َ‬‫«الحص�اص» َأي ُرضاط كَ�ام ِيف ِّ‬ ‫ُ‬
‫«احلُصاص» ِشدَّ ة ال َعدو‪.‬‬

‫ف�إن قي�ل‪ :‬ما احلكمة من أن الش�يطان هيرب م�ن األذان‪ ،‬وال‬


‫هيرب من قراءة القرآن‪ ،‬وهي أفضل من األذان؟‬

‫فيضطر‬
‫ّ‬ ‫الش�يطان عن�د األذان ّ‬
‫لئ�ال يس�مع ُه؛‬ ‫أدب�ر ّ‬
‫قي�ل‪ :‬إنّ�ام َ‬
‫ّبي ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫للش�هادة ل ُه بام س�مع إذا استش�هد ي�وم القيامة؛ لق�ول الن ّ‬
‫جن ول إنس ول يشء ىّإل ش�هدَ ل ُه يوم‬
‫«ل يس�مع صوت المؤ ىّذن ىّ‬
‫القيامة»)‪.(2‬‬
‫ِ‬
‫علي�ه من قواعد‬ ‫َ‬
‫اش�تمل‬ ‫َ‬
‫وقي�ل‪ :‬إنّ�ام يدبر لعظ ِم أمر األذان ملا‬
‫التّوحيد‪ ،‬وإظهار شعائر اإلسالم‪.‬‬
‫ِ‬
‫ّوحيد)‪.(3‬‬ ‫ِ‬
‫ليأسه من وسوسة اإلنسان عند اإلعالن بالت‬ ‫َ‬
‫وقيل‪:‬‬

‫)‪ (1‬رواه مسلم (‪.)389‬‬


‫)‪ (2‬رواه البخاري (‪.)609‬‬
‫)‪ (3‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)92/4‬‬

‫‪155‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ويف احلدي�ث دلي�ل ع�ىل ج�واز األذان يف غ�ري وقت�ه لدف�ع‬


‫الشيطان)‪.(1‬‬

‫***‬

‫تلقني المحترض‪:‬‬
‫آخر‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬من َ‬
‫ُ‬ ‫بن ٍ‬ ‫معاذ ِ‬‫عن ِ‬
‫كان ُ‬ ‫جبل قال‪ :‬قال‬
‫ِ‬
‫كالمه‪ :‬ل إل َه ىّإل اهلل َ‬
‫دخل اجلنىّ َة»)‪.(2‬‬

‫ق�ال الكرم�اين ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬قوله‪« :‬ال إل�ه إال اهلل» أي‪ :‬هذه‬
‫الكلمة‪ ،‬والمراد هي وضميمتها «حممد رسول اهلل)»)‪.(3‬‬
‫ِ‬
‫بقوله «ال إل َه ّإال اهلل» كلمتا‬ ‫وقال احلافظ ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬المرا ُد‬
‫ِ‬ ‫ذكر الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المنري‪:‬‬ ‫الزي ُن ب ُن‬
‫سالة‪ .‬قال ّ‬ ‫إشكال ترك ِ ّ‬‫ُ‬ ‫�هادة‪ ،‬فال ير ُد‬ ‫ّ‬
‫الش‬
‫ِ‬
‫هادتني رشع ًا»)‪.(4‬‬ ‫لقب جرى عىل الن ِ‬
‫ّطق ّ‬
‫بالش‬ ‫قول ال إل َه ّإال اهلل ٌ‬
‫ُ‬

‫فيستحب تذكري المحترض هبذه الكلمة لتكون آخر ما يتكلم به‪.‬‬

‫وم�ن لطي�ف ما ُيروي يف ه�ذا الباب‪ :‬م�ا رواه احلاكم يف معرفة‬


‫ور ِاق أيب‬
‫�اوي ّ‬
‫الس ِّ‬‫ع�يل ّ‬
‫بن ٍّ‬‫حمم ِد ِ‬ ‫ٍ‬
‫جعف�ر ّ‬ ‫عل�وم احلدي�ث)‪ (5‬عن أيب‬
‫وق ‪-‬يعني يف‬ ‫وكان يف الس ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بامش�هران‬ ‫«حرضت أبا زرع َة‬
‫ُ‬ ‫زرع َة قال‪:‬‬
‫ّ‬
‫)‪ (1‬العلم اهليب (ص‪.)356‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )3116‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬عون المعبود (‪.)267/8‬‬
‫)‪ (4‬فتح الباري (‪.)110/3‬‬
‫)‪ (5‬معرفة علوم احلديث (ص‪.)76‬‬

‫‪156‬‬
‫معاين األذكار‬

‫والمنذر ب ُن‬
‫ُ‬ ‫وحممدُ ب ُن مس�ل ِم ِ‬
‫ب�ن وارةَ‪،‬‬ ‫الموت‪ -‬وعند ُه أبو حات ٍم‪ّ ،‬‬
‫ّبي ﷺ‪« :‬ل ىّقنوا موتاكم‬ ‫ِ‬
‫العلامء‪ ،‬فذكروا َ‬ ‫ش�اذان‪ ،‬وجاع ٌة م َن‬
‫َ‬
‫قول الن ِّ‬
‫َ‬
‫احلديث‪،‬‬ ‫ل إل َه ىّإل اهلل»‪ ،‬فاستحيوا من أيب زرع َة‪ ،‬وقالوا‪ :‬تعالوا ُ‬
‫نذكر‬
‫اك بن ٍ‬ ‫عبد اهللِ ب ُن وارةَ‪ :‬حدّ ثنا ّ‬ ‫فق�ال أبو ِ‬
‫خملد أبو عاص ٍم قال‪:‬‬ ‫الض ّح ُ ُ‬
‫َ‬
‫والباقون س�كتوا‪،‬‬ ‫جعفر‪ ،‬عن صالحٍ ‪ ..‬ومل جياوز‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫احلميد ب ُن‬ ‫ثنا عبدُ‬
‫بندار‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو عاص ٍم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫فقال أبو زرع َة َ‬
‫الس�وق‪ :‬ثنا ٌ‬ ‫وهو يف ّ‬
‫مر َة‬ ‫عريب‪ ،‬عن ِ‬
‫كثري ِ‬ ‫ٍ‬ ‫جعفر‪ ،‬عن صالحِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بن ّ‬ ‫بن أيب‬ ‫احلميد ب ُن‬ ‫ثنا عبدُ‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬من َ‬
‫كان‬ ‫ُ‬ ‫جبل‪ ،‬قال‪ :‬قال‬ ‫بن ٍ‬ ‫معاذ ِ‬‫احلرضم�ي‪ ،‬ع�ن ِ‬
‫ِّ‬
‫ومات رمح ُه اهلل»)‪.(1‬‬
‫َ‬ ‫دخل اجلنىّ َة»‬ ‫ِ‬
‫آخر كالمه ل إل َه ىّإل اهلل َ‬ ‫ُ‬
‫***‬

‫ذكر اهللِ عند الغضب‪:‬‬


‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫س�ليامن ِ‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫كن�ت جالس� ًا َ‬
‫م�ع الن ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ق�ال‪:‬‬ ‫رصد‬ ‫ب�ن‬ ‫َ‬ ‫ع�ن‬
‫امحر وجه ُه وانتفخت أوداج ُه)‪ ،(2‬فقال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورجالن يست ّبان‪ ،‬فأحدمها َّ‬
‫ذهب عن ُه ما جيدُ ‪ ،‬لو قال أعو ُذ‬
‫ألعلم كلم ًة لو قاهلا َ‬‫ُ‬ ‫«إين‬
‫ّبي ﷺ‪ :‬ىّ‬ ‫الن ُّ‬
‫ذهب عن ُه ما جيدُ »‪.‬‬
‫يطان َ‬ ‫الش ِ‬ ‫باهللِ من ىّ‬
‫ِ‬
‫�يطان‪ .‬فقال‪:‬‬ ‫الش‬‫تعوذ باهللِ من ّ‬ ‫فقال�وا ل� ُه‪َّ :‬‬
‫ّبي ﷺ ق�ال‪ّ :‬‬ ‫إن الن َّ‬
‫جنون؟)‪.(3‬‬ ‫ٌ‬ ‫وهل يب‬

‫)‪ (1‬وانظر‪ :‬اجلرح والتعديل (‪ ،)346/1‬شعب اإليامن (‪.)546/6‬‬


‫)‪ (2‬األوداج‪ :‬العروق المحيطة بالعنق‪.‬‬
‫)‪ (3‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫معاين األذكار‬

‫رش‬‫ألن الغضب ن�وع من ّ‬ ‫الش�يطان َّ‬‫فالغاض�ب يس�تعيذ م�ن ّ‬


‫ُ‬
‫ِ‬
‫الش�يطان‪ ،‬وهلذا خيرج به عن صورته ويز ّين إفس�اد مال ُه‪ ،‬كتقطي ِع‬
‫ّ‬
‫ثوب�ه وك�رس آنيت�ه‪ ،‬أو اإلق�دام عىل م�ن أغضب� ُه‪ ،‬ونحو َ‬
‫ذل�ك ممّا‬
‫يتعاطا ُه من خيرج عن االعتدال)‪.(1‬‬
‫***‬

‫تشميت العاطس‪:‬‬
‫عط�س أحدكم‬
‫َ‬ ‫ّب�ي ﷺ ق�ال‪« :‬إذا‬
‫ع�ن الن ِّ‬ ‫ع�ن أيب هري�ر َة‬
‫َ‬
‫يرمحك اهلل‪ ،‬فإذا قال‬ ‫فليق�ل احلمدُ هللِ‪ ،‬وليقل ل ُه أخ�و ُه أو صاحب ُه‪:‬‬
‫ويصلح بالكم»)‪.(2‬‬
‫ُ‬ ‫يديكم اهلل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يرمحك اهلل فليقل‪:‬‬ ‫ل ُه‬
‫العاط�س قد حصلت ل ُه‬‫ُ‬ ‫ق�ال ابن القيم ‪-‬رمح�ه اهلل‪ّ « :-‬ملا َ‬
‫كان‬
‫ِ‬
‫دماغه ا ّلتي‬ ‫ِ‬
‫المحتقنة يف‬ ‫ِ‬
‫األبخرة‬ ‫ِ‬
‫بخ�روج‬ ‫ِ‬
‫بالعطاس نعم ٌة ومنفع ٌة‬
‫في�ه أحدثت له أدواء ع�رسةً‪ ،‬رشع له مح�دُ اهللِ عىل ِ‬
‫هذه‬ ‫ل�و بقيت ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫الز ِ‬
‫لزلة ا ّلتي‬ ‫أعضائه عىل التئامها وهيئتها بعدَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ّعم�ة مع ِ‬ ‫الن ِ‬
‫هذه ّ‬ ‫بقاء‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األعضاء‬ ‫ُ‬
‫حيدث يف‬ ‫العطاس‬ ‫فإن‬ ‫ِ‬
‫األرض هلا‪َّ ...‬‬ ‫ِ‬
‫كزلزلة‬ ‫ِ‬
‫للبدن‬ ‫ه�ي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حرك ًة وانزعاج ًا»)‪.(3‬‬
‫العطاس ال‬
‫ُ‬ ‫ازي)‪:(4‬‬
‫ال�ر ّ‬
‫وق�ال اب� ُن هبري َة ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬ق�ال ّ‬
‫تكون ل ُه زكم ٌة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مرض أبد ًا‪ّ ،‬إال أن‬ ‫يكون ّأو َل‬
‫ُ‬

‫)‪ (1‬فتح الباري (‪.)467/10‬‬


‫)‪ (2‬رواه البخاري (‪.)6224‬‬
‫)‪ (3‬زاد المعاد (‪.)400/2‬‬
‫)‪ (4‬هو أبو بكر حممد بن حييى بن زكريا الرازي‪ ،‬أحد األطباء المشهورين‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ِ‬
‫نفس�ه‬ ‫بذلك من‬ ‫َّ‬
‫اس�تدل َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنس�ان‬ ‫عطس‬ ‫ق�ال ابن هبريةَ‪ :‬فإذا‬
‫َ‬
‫قو ِته؛ فينبغي ل ُه أن حيمدَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صحة بدنه وجودة هضمه واستقامة ّ‬ ‫عىل ّ‬
‫اهللَ»)‪.(1‬‬
‫***‬

‫الذكر عند صياح الديك ونيق احلامر‪:‬‬


‫أن النّبي ﷺ قال‪« :‬إذا سمعتم صياح الدىّ ِ‬
‫يكة‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫عن أيب هرير َة‬
‫ِ‬
‫احلامر‬ ‫فإن�ا رأت ملك ًا‪ ،‬وإذا س�معتم َ‬
‫نيق‬ ‫ِ‬
‫فاس�ألوا اهللَ م�ن فضله ىّ‬
‫الش ِ‬
‫يطان فإ ىّن ُه رأى شيطان ًا»)‪.(2‬‬ ‫فتعوذوا باهللِ من ىّ‬
‫ىّ‬
‫ِ‬
‫فضله» قال‬ ‫قوله‪« :‬إذا س�معتم صياح الدّ ِ‬
‫يكة فاس�ألوا اهللَ من‬ ‫َ‬
‫فيه رجاء تأمني المالئكة عىل دعائهِ‬‫«كان السبب ِ‬
‫القايض عياض‪ّ َ :‬‬
‫ِ‬
‫باإلخالص»‪.‬‬ ‫واستغفارهم ل ُه وشهادتم ل ُه‬
‫وأخ�رج أبو داو َد )‪ (5101‬وأمح�د )‪ (21171‬من حديث زيد بن‬
‫َ‬
‫الصالة»)‪.(3‬‬
‫خالد رفع ُه «ال تس ّبوا الدّ يك فإ ّن ُه يدعو إىل ّ‬
‫أن ّ‬
‫كل من استفيدَ من ُه اخلري ال ينبغي‬ ‫احلليمي‪« :‬يؤخذ من ُه َّ‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫أن يسب وال أن يستهان ِبه‪ ،‬بل يكرم وحيسن ِ‬
‫إليه»‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الصالة» أن يقول‬
‫«وليس معنى قوله‪« :‬فإ ّن ُه يدع�و إىل ّ‬
‫َ‬ ‫ق�ال‪:‬‬

‫)‪ (1‬اآلداب الرشعية (‪.)334/2‬‬


‫)‪ (2‬رواه البخ�اري (‪ )3303‬ومس�لم (‪ )2729‬وأب�و داود (‪ )5102‬والرتم�ذي‬
‫)‪ )3459‬والنسائي يف الكرى (‪.)10780‬‬
‫)‪ (3‬صححه األلباين يف صحيح أيب داود وغريه‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ِ‬
‫بصوت�ه حقيق�ة ص ّل�وا أو حان�ت ّ‬
‫الصالة‪ ،‬ب�ل معن�ا ُه َّ‬
‫أن العادة‬
‫ال�زوال فطر ًة فطر ُه‬
‫ج�رت بأنّ� ُه يرخ عند طل�وع الفجر وعند ّ‬
‫اهلل عليها»‪.‬‬
‫الش ِ‬
‫يطان»‪.‬‬ ‫فتعوذوا باهللِ من ّ‬
‫قول ُه‪« :‬وإذا سمعتم هناق احلمري ّ‬
‫رش ّ‬
‫الش�يطان‬ ‫قال عياض‪« :‬وفائدة األمر بالت ِ‬
‫ّعوذ ملا خيش�ى من ّ‬
‫ّ‬
‫ورش وسوسته‪ ،‬فيلجأ إىل اهلل يف دفع َ‬
‫ذلك»)‪.(1‬‬ ‫ّ‬
‫فائدة‪ :‬هذا احلديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والرتمذي‬
‫والنسائي يف الكرى كلهم عن شيخ واحد وهو قتيبة بن سعيد‪.‬‬

‫قال‪ :‬سمعت‬ ‫وروى أبو يعىل )‪ (2327‬عن جابر بن عبد اهلل‬


‫رس�ول اهلل ﷺ يق�ول‪« :‬إذا س�معتم نب�اح الكلب باللي�ل أو نيق‬
‫احلمري فتعوذوا باهلل؛ فإنم يرون ما ل ترون»)‪.(2‬‬

‫ق�ال احلافظ ابن رجب ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬يس�تعاذ باهلل عند س�امع‬
‫صوت احلامر بالليل‪ ،‬ألنه يرى الشيطان»)‪.(3‬‬

‫وق�ال أب�و احلس�ن المباركفوري ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬قي�ل‪ :‬أطلق‬


‫األمر بالتعوذ عند هنيق احلمري يف حديث الباب فاقتىض أنه ال فرق‬
‫وخصه يف رواية أخ�رى بالليل‪ .‬فإما‬
‫ّ‬ ‫يف طلب�ه بني الليل والنه�ار‪،‬‬
‫أن حيم�ل المطل�ق عىل المقي�د‪ ،‬أو يقال‪ :‬خص الليل ألن انتش�ار‬

‫)‪ (1‬فتح الباري (‪.)353/6‬‬


‫)‪ (2‬صححه األلباين يف الصحيحة (‪.)3184‬‬
‫)‪ (3‬فتح الباري ‪ -‬البن رجب (‪.)135/4‬‬

‫‪160‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الش�ياطني في�ه أكثر‪ ،‬فيكون هني�ق احلمري فيه أكثر‪ ،‬فل�و وقع هنار ًا‬
‫كان ذلك‪.‬‬

‫وق�ال الش�وكاين‪« :‬يف قوله يف احلديث اآلخر «م�ن الليل»‪ :‬يقيد‬


‫ال ال هنار ًا»)‪.(1‬‬
‫المطلق؛ فتكون االستعاذة إذا سمع النهيق والنباح لي ً‬

‫***‬

‫دعاء من رأى مبتل‪:‬‬


‫رس�ول اهللِ ﷺ قال‪« :‬م�ن رأى صاحب ٍ‬
‫بالء‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫عمر‬
‫َ‬ ‫ع�ن َ‬
‫وفضلني عل ٍ‬
‫كثري ممىّن‬ ‫ب�ه ىّ‬ ‫ابتالك ِ‬
‫َ‬ ‫فق�ال‪ :‬احلمدُ هللِ ا ىّل�ذي عافاين ممىّا‬
‫ِ‬
‫البالء»)‪.(2‬‬ ‫ذلك‬‫عويف من َ‬ ‫خلق تفضيالً‪ ،‬ىّإل َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫كرص‬ ‫بدين‬ ‫مبت�ىل يف ٍ‬
‫بالء» أي ً‬ ‫قول�ه‪« :‬م�ن رأى صاحب ٍ‬
‫أمر ٍّ‬ ‫َ‬
‫يد‬ ‫اعوجاج ٍ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ع�رج أو‬ ‫عم�ى أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فاح�ش أو ط�ول مفرط أو ً‬ ‫وق�ر‬
‫ٍ‬
‫وكفر وغريها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وبدعة‬ ‫فسق وظل ٍم‬ ‫بنحو ٍ‬
‫ِ‬ ‫ديني‬
‫ونحوها‪ ،‬أو ٍّ‬
‫أوس�ع من‬
‫ُ‬ ‫«احلم�دُ هللِ ا ّل�ذي عافاين ممّا ابتالك ِبه»؛ َّ‬
‫فإن العافي َة‬
‫تكون حمن� ًة أي ٍ‬
‫حمنة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وحينئ�ذ‬ ‫ِ‬
‫والفتنة‪،‬‬ ‫ألهن�ا مظنّ ُة اجل�ز ِع‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫البل ّي�ة؛ ّ‬
‫الض ِ‬
‫عيف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المؤمن ّ‬ ‫أحب إىل اهللِ من‬
‫القوي ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫والمؤم ُن‬
‫خل�ق تفضيالً» أي يف الدّ ِ‬
‫ي�ن والدّ نيا‬ ‫َ‬ ‫«وفضلن�ي عىل ٍ‬
‫كثري ممّن‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫والقالب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والقلب‬

‫)‪ (1‬مرعاة المفاتيح (‪.)166/8‬‬


‫)‪ (2‬رواه الرتمذي (‪ )3431‬وحسنه األلباين‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الب�الء» أي مل ير أحدٌ صاح�ب ٍ‬


‫بالء فقال‬ ‫ِ‬ ‫ع�ويف من َ‬
‫ذلك‬ ‫ّ‬
‫«إال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫البالء)‪.(1‬‬ ‫عويف من َ‬
‫ذلك‬ ‫هذا الدعاء ّإال‬
‫َ‬
‫جعفر حمم ِ‬
‫عيل‬
‫بن ٍّ‬ ‫�د ِ‬ ‫ٍ ّ‬ ‫روي عن أيب‬
‫ق�ال الرتم�ذي عقبه‪« :‬وق�د َ‬
‫ِ‬
‫نفس�ه وال‬ ‫فتعو َذ من ُه ُ‬
‫يقول َ‬
‫ذلك يف‬ ‫ٍ‬
‫صاحب بالء ّ‬
‫َ‬ ‫أ ّن ُه قال‪ :‬إذا رأى‬
‫ِ‬
‫البالء»‪.‬‬ ‫صاحب‬ ‫يسمع‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يس�مع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بحيث‬ ‫رس ًا‬
‫الذكر ّ‬
‫َ‬ ‫قال النووي‪« :‬ينبغي أن يقول هذا‬
‫نفس�ه وال يس�معه المبتىل؛ لئال ّ‬
‫يت�أمل َ قلبه بذل�ك‪ ،‬إال أن تكون‬
‫بل ّيت�ه معصي� ًة ف�ال بأس أن يس�معه ذل�ك إن مل خي�ف من ذلك‬
‫مفسدة»)‪.(2‬‬
‫***‬

‫ذكر اهلل عل الطعام‪:‬‬


‫يأكل طعام ًا يف ست ِّة‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ ُ‬ ‫ُ‬ ‫عن عائش� َة قالت‪َ :‬‬
‫كان‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بلقمتني‪ ،‬فقال‬ ‫يب فأكل ُه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫نفر من أصحابه‪ ،‬فجا َء أعرا ٌّ‬
‫أكل أحدكم طعام ًا‬ ‫كان قال‪ :‬بس� ِم اهللِ‪ ،‬لكفاكم‪ ،‬ف�إذا َ‬ ‫«أم�ا إ ىّن ُه لو َ‬
‫يقول بس ِم اهللِ يف أو ِله فليقل‪ :‬بس ِم اهللِ‬
‫نيس أن َ‬ ‫ِ‬
‫ىّ‬ ‫فليقل‪ :‬بس ِم اهلل‪ ،‬فإن َ‬
‫ِ‬
‫وآخره»)‪.(3‬‬ ‫يف ىّأو ِله‬
‫له» أي‬ ‫ق�ال المباركفوري ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬قوله‪« :‬فإن نس يف أو ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫)‪ (1‬تفة األحوذي (‪.)275/9‬‬


‫)‪ (2‬األذكار (ص‪.)303‬‬
‫)‪ (3‬رواه الرتمذي (‪ )1858‬وصححه‪ ،‬وابن ماجة (‪ )3264‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ترك التّسمي َة‬ ‫ِ‬


‫أثنائه أ ّن ُه َ‬ ‫ثم تذك َّر يف‬ ‫ِ‬ ‫الرشو ِع يف‬
‫األكل َّ‬ ‫حني ّ‬
‫نس َ‬ ‫فإن َ‬
‫ِ‬
‫أجزائه‪،‬‬ ‫وآخ�ره» والمعنى‪ :‬يف جي ِع‬ ‫ِ‬ ‫أوالً «فليقل بس� ِم اهللِ يف أو ِ‬
‫له‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خيرج‬
‫يقال ذكرمها ُ‬ ‫كام يشهدُ ل ُه المعنى ا ّلذي قصدَ ِبه التّسمي َة‪ ،‬فال ُ‬
‫كقوله تعاىل‪( :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) مع ِ‬
‫قوله‬ ‫ِ‬ ‫فهو‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫الوس�ط‪َ ،‬‬
‫وجل‪( :‬ﭝ ﭞ)‪.‬‬ ‫عز َّ‬ ‫َّ‬
‫ّصف‬ ‫ِ‬
‫وبآخره الن ُ‬ ‫األو ُل‬ ‫ويمك�ن أن يقال‪ :‬المراد بأو ِ‬
‫ّصف ّ‬‫له الن ُ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫واالستيعاب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيحصل االستيفا ُء‬ ‫ال ّثاين‬

‫ّايس‬ ‫ِ‬
‫ل�ألكل َّ‬ ‫ِ‬ ‫دليل عىل مرشوع ّي ِة الت‬ ‫ِ‬
‫احلديث ٌ‬
‫وأن الن َ‬ ‫ّس�مية‬ ‫ويف‬
‫ِ‬
‫ّس�مية‬ ‫ّارك للت‬ ‫ِ‬
‫وآخ�ره‪ ،‬وكذا الت ُ‬ ‫أثنائ�ه‪ :‬بس� ِم اهللِ يف أو ِ‬
‫له‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يق�ول يف‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫أثنائه‪.‬‬ ‫يرشع ل ُه الت ُ‬
‫ّدارك يف‬ ‫عمد ًا‬
‫ُ‬
‫وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األكل َ‬ ‫ّس�مية عن�دَ‬
‫وجوب الت‬
‫ُ‬ ‫حيح‬
‫والص ُ‬
‫اهلدي‪ّ :‬‬ ‫ق�ال يف‬
‫ِ‬
‫األمر هب�ا صحيح ٌة‬ ‫ُ‬
‫وأحادي�ث‬ ‫ِ‬
‫ألصحاب أمح�دَ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الوجه�ني‬ ‫أح�دُ‬
‫وخي�رج عن‬
‫ُ‬ ‫يس�و ُغ خمالفته�ا‬
‫إج�اع ّ‬
‫َ‬ ‫مع�ارض هل�ا وال‬
‫َ‬ ‫رصحي� ٌة ال‬
‫ظاهرها»)‪.(1‬‬

‫***‬

‫دعاء كفارة المجلس‪:‬‬


‫جلس يف‬ ‫ُ ِ‬
‫رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬م�ن َ‬ ‫ع�ن أيب هري�ر َة ق�ال‪ :‬قال‬
‫ِ‬ ‫جملس فكثر ِ‬
‫َ‬
‫سبحانك‬ ‫جملسه َ‬
‫ذلك‪:‬‬ ‫فيه لغط ُه فقال َ‬
‫قبل أن يقو َم من‬ ‫ٍ َ‬
‫)‪ (1‬تفة األحوذي (‪.)483484/5‬‬

‫‪163‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وأتوب َ‬
‫إليك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أس�تغفرك‬ ‫وبحمدك أش�هدُ أن ل إل َه ىّإل َ‬
‫أنت‬ ‫َ‬ ‫اللهم‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫جملسه َ‬
‫ذلك»)‪.(1‬‬ ‫كان يف‬ ‫ىّإل َ‬
‫غفر ل ُه ما َ‬

‫قالت‪ :‬م�ا‬ ‫وروى النسائي يف الكرى (‪ )(0067‬عن عائشة‬


‫قط‪ ،‬وال ت�ال قرآن ًا‪ ،‬وال ّ‬
‫صىل صال ًة‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ جملس� ًا ُّ‬
‫ُ‬ ‫جلس‬
‫َ‬
‫رس�ول اهللِ‪َ ،‬‬
‫أراك ما‬ ‫َ‬ ‫فقلت‪ :‬ي�ا‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بكل�امت‪ ،‬قال�ت‪:‬‬ ‫خت�م َ‬
‫ذل�ك‬ ‫ّإال‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫هبؤالء‬ ‫ختمت‬ ‫تص�يل صال ًة ّإال‬
‫ّ‬ ‫تلس جملس� ًا‪ ،‬وال تتلو قرآن ًا‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ذلك ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلري‪،‬‬ ‫طابع عل َ‬ ‫ختم ل ُه ٌ‬‫الكل�امت؟ قال‪« :‬نعم‪ ،‬من قال خري ًا َ‬
‫وبحمدك‪ ،‬ل إل َه ىّإل َ‬
‫أنت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س�بحانك‬ ‫رش ًا َّ‬
‫كن ل ُه ك ىّفارةً‪:‬‬ ‫وم�ن قال ىّ‬
‫وأتوب َ‬
‫إليك»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أستغفرك‬

‫رس�ول اهللِ ﷺ‬
‫َ‬ ‫ورواه يف الصغ�رى )‪ (1344‬ولفظ�ه‪ :‬عن عائش� َة َّ‬
‫أن‬
‫بكلامت‪ ،‬فس�ألت ُه عائش� ُة عن‬ ‫ٍ‬ ‫صىل تك ّل َم‬
‫جلس جملس� ًا أو ّ‬ ‫َ‬
‫كان إذا َ‬
‫ِ‬
‫القيامة‪،‬‬ ‫عليهن إىل يو ِم‬ ‫كان طابع ًا‬
‫بخري َ‬ ‫ِ‬
‫الكل�امت فقال‪« :‬إن تك ىّل َم ٍ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫وبحمدك‬ ‫الله�م‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫س�بحانك‬ ‫كان ك ىّفار ًة ل ُه‪:‬‬
‫ذل�ك َ‬ ‫ِ‬
‫بغ�ري َ‬ ‫وإن تك ىّل َ‬
‫�م‬
‫َ‬
‫«سبحانك‬ ‫وأتوب َ‬
‫إليك»‪ .‬ورواه أمحد )‪ (23965‬ولفظه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أستغفرك‬
‫أنت أستغفر اهللَ وأتوب ِ‬
‫إليه»)‪.(2‬‬ ‫وبحمدك ل إل َه ىّإل َ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فكثر في�ه لغطه‪ :‬قال يف النهاية‪ :‬اللغط صوت وضجة ال ُيفهم‬
‫معناها)‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ )3433‬وصححه‪ ،‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫)‪ (2‬صححه األلباين يف صحيح النسائي وغريه‪.‬‬
‫)‪ (3‬النهاية (‪.)517/4‬‬

‫‪164‬‬
‫معاين األذكار‬

‫والمراد ما يش�ابه اهلذيان مما ال طائل تته‪ ،‬وأشد منه ما يقع يف‬
‫المجلس من غيبة ونميمة‪.‬‬

‫س�بحانك الله�م وبحمدك‪ :‬أي أس�بحك وأمحدك‪ ،‬أو أس�بح‬


‫حامد ًا لك)‪.(1‬‬

‫تنبيه مهم‪:‬‬

‫ق�ال اب�ن حج�ر‪« :‬ينبغ�ي أن ال ُيذك�ر ه�ذا الذكر وال�ذي فيه‬


‫ُوجد منه توب ٌة صحيحة مما‬
‫«أس�تغفرك وأتوب إليك» إال بع�د أن ت َ‬
‫ه�و فيه من المعاص‪ ،‬أما المقي�م عىل المعصية القائل بذلك فهو‬
‫كاذب بني يدي اهلل تعاىل‪ ،‬فربام ُخيشى عليه من المقت‪ ،‬فل ُي َتنَ َّبه له؛‬
‫فإنه كثري ًا ما ُيغفل عنه»)‪.(2‬‬

‫***‬

‫الدعاء ملن صنع معروف ًا‪:‬‬


‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬من صنع ِ‬
‫إليه‬ ‫ُ‬ ‫زيد قال‪ :‬قال‬ ‫بن ٍ‬
‫عن أسام َة ِ‬
‫َ‬
‫جزاك اهلل خري ًا فقد أبلغَ يف ال ىّث ِ‬
‫ناء»)‪.(3‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫لفاعله‪:‬‬ ‫معروف فقال‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫لفاعل�ه» أي بع�د عج�زه ع�ن إثابت�ه‪ ،‬وقيل بل‬ ‫قوله‪«:‬فق�ال‬
‫مطلق ًا‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)169/7‬‬


‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)169/7‬‬
‫)‪ (3‬رواه الرتمذي (‪ )2035‬وحسنه‪ ،‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ِ‬
‫اجل�زاء‪ ،‬أو أعطاك خري ًا من خريي‬ ‫«ج�زاك اهلل خري ًا» أي َ‬
‫خري‬
‫ِ‬
‫واآلخرة‪.‬‬ ‫الدّ نيا‬

‫اعرتف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وذلك أ ّن ُه‬ ‫ِ‬
‫ش�كره؛‬ ‫بالغ يف ِ‬
‫أداء‬ ‫أبلغ يف ال ّث ِ‬
‫ناء» أي َ‬ ‫«فقد َ‬
‫وثنائه فف�و َض جزاءه إىل اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جزائه‬ ‫عجز ع�ن‬ ‫ِ‬
‫ّقص�ري وأ ّن ُه ممّن َ‬
‫بالت‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ليجزي ُه اجلزا َء األوىف‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالمكاف�أة‪ ،‬فليطل لس�انك‬ ‫ق�ال بعضه�م‪ :‬إذا ق�رت ي�داك‬
‫كر والدّ ِ‬
‫عاء)‪.(1‬‬ ‫بالش ِ‬
‫ّ‬

‫قال الرتمذي عقب هذا احلديث‪:‬‬

‫سمعت المك َّّي ب َن‬


‫ُ‬ ‫البلخي قال‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫الرحي ِم ب ُن حاز ٍم‬ ‫حدّ ثني عبدُ ّ‬
‫س�ائل فسأل ُه فقال‬ ‫ٌ‬ ‫جريج المك ِّّي فجا َء‬ ‫ٍ‬ ‫يقول‪ :‬كنّا عندَ ِ‬
‫ابن‬ ‫إبراهيم ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جريج خلازنه‪ :‬أعطه دينار ًا فقال‪ :‬ما عندي ّإال ٌ‬
‫دينار إن أعطيت ُه‬ ‫ٍ‬ ‫اب ُن‬
‫أعطه‪ .‬ق�ال المك ُّّي‪ :‬فنح ُن‬‫ِ‬ ‫فغضب وقال‪:‬‬ ‫َ‬
‫وعيال�ك‪ .‬قال‪:‬‬ ‫جلعت‬
‫َ‬
‫َ‬
‫بعض‬ ‫إليه ُ‬ ‫بعث ِ‬‫ورص ٍة وقد َ‬ ‫ٍ‬ ‫جريج إذ جاء ُه ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫عندَ ِ‬
‫بكتاب ّ‬ ‫رجل‬ ‫اب�ن‬
‫فحل اب ُن‬ ‫مخس�ني دين�ار ًا‪ .‬قال‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫بعثت‬
‫الكتاب‪ّ :‬إين قد ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إخوان�ه ويف‬
‫ومخسون دينار ًا‪ .‬قال‪ :‬فقال اب ُن‬
‫َ‬ ‫هي أحدٌ‬ ‫الر َة فعدّ ها فإذا َ‬ ‫جريج ّ ّ‬ ‫ٍ‬
‫مخس�ني‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وزادك‬ ‫َ‬
‫عليك‬ ‫أعطيت واحد ًا فر ّد ُه اهلل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫خلازنه‪ :‬ق�د‬ ‫ٍ‬
‫جري�ج‬
‫دينار ًا‪.‬‬

‫***‬

‫)‪ (1‬تفة األحوذي (‪.)156/6‬‬

‫‪166‬‬
‫معاين األذكار‬

‫كر النكاح والتهنئة به والدخول بالزوجة‪:‬‬ ‫ِ‬


‫ذ ُ‬
‫التهنئة بالنكاح‪:‬‬

‫الذي ورد يف السنة أن تنئة الزوجني بالنكاح تكون بالدعاء هلام‬


‫َ‬
‫اإلنسان)‪ (1‬إذا‬ ‫كان إذا ر ّف َأ‬
‫ّبي ﷺ َ‬ ‫َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫بالركة؛ فعن أيب هرير َة‬
‫ومجع بينكام يف ِ‬
‫اخلري»)‪.(2‬‬ ‫َ‬
‫عليك َ‬ ‫َ‬
‫وبارك‬ ‫لك‬ ‫َ‬
‫«بارك اهلل َ‬ ‫تزو َج قال‪:‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫طالب امرأ ًة من‬ ‫تزو َج ُ‬
‫عقيل ب� ُن أيب‬ ‫البري قال‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫احلس�ن‬ ‫وعن‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقيل له‪ :‬بالر ِ‬
‫والبنني‪ .‬قال‪ :‬قولوا كام قال‬
‫َ‬ ‫فاء‬ ‫بني جث ٍم َ ُ ّ‬
‫َ‬
‫وبارك لكم»)‪.(3‬‬ ‫َ‬
‫«بارك اهلل فيكم‬
‫َ‬
‫يقولون يف تنئتهم‬ ‫قال ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬كانت اجلاهل ّية‬
‫بالن ِ‬
‫ّكاح‪ :‬بالرفاء والبنني‪ .‬والرفاء االلتحام واالتفاق‪ ،‬أي تزوجت‬
‫زواج�ا حيصل ِ‬
‫ب�ه االتّف�اق وااللتح�ام بينك�ام والبن�ون‪ ،‬فيهنئون‬
‫بالبنني سلفا وتعجيال‪ ،‬وال ينبغي للرجل أن هينئ باالبن وال هينئ‬
‫بالبنت‪ ،‬بل هينئ هبام‪ ،‬أو يرتك التهنئة ليتخلص من س�نة اجلاهل ّية؛‬
‫فإن كثري ًا منهم كانوا هينئون باالبن وبوفاة البنت دون والدتا‪.‬‬

‫وق�ال أب�و بك�ر ب�ن المن�ذر يف األوس�ط‪ :‬روين�ا عن احلس�ن‬


‫الب�ري أن رج�ال ج�اء ِ‬
‫إليه وعنده رج�ل قد ولد ل� ُه غالم فقال‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫هو أو محار!‬
‫ل ُه‪ :‬هينك الفارس‪ .‬فقال ل ُه احلسن‪ :‬ما يدريك فارس َ‬

‫)‪ (1‬يعني هنأه ودعا له‪.‬‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )2130‬والرتمذي (‪ )1091‬وصححه‪ ،‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه النسائي (‪ )3371‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ق�ال‪ :‬فكيف نقول؟ قال‪ :‬قل‪ :‬بورك لك يف الموهوب وش�كرت‬


‫الواهب وبلغ رشده ورزقت ّبره»)‪.(1‬‬
‫عند الدخول بالزوجة‪:‬‬
‫يسن له أن يقول‬
‫إذا دخل الزوج عىل زوجته ليلة الزفاف‪ُّ ،‬‬
‫عن رس�ول اهلل ﷺ‬ ‫م�ا ورد يف حدي�ث عبد اهلل بن عمرو‬
‫ت�زو َج أحدكم امرأ ًة أو اش�رتى خادم� ًا فليقل‪:‬‬
‫أن�ه قال‪« :‬إذا ىّ‬
‫بك‬ ‫ِ‬
‫علي�ه وأعو ُذ َ‬ ‫وخري م�ا جبلتها‬ ‫َ‬
‫أس�ألك خريه�ا‬ ‫الله�م ىّإين‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وليدع‬ ‫ثم ليأخذ بناصيتها‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫رش ما جبلتها عليه‪َّ .‬‬
‫رشها ومن ِّ‬ ‫م�ن ىّ‬
‫ِ‬
‫بالربكة»)‪.(2‬‬
‫َ‬
‫أس�ألك خريها»‪ :‬أي خري هذه المرأة كحس�ن‬ ‫«الله�م ّإين‬
‫َّ‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫المع�ارشة وحف�ظ الف�راش واألمانة يف الم�ال ورعاية ح�ق الزوج‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫«وخري ما جبلتها ِ‬
‫عليه»‪ :‬أي خري ما خلقتها عليه من األخالق‬ ‫َ‬
‫احلسنة وال ّطباع المرضية ّ‬
‫والسجايا الكريمة‪.‬‬
‫ِ‬
‫علي�ه»‪ :‬فيه التعوذ‬ ‫رش ما جبلتها‬ ‫«وأع�و ُذ َ‬
‫رشه�ا ومن ِّ‬ ‫بك من ّ‬
‫ب�اهلل وااللتج�اء إليه‪ ،‬بأن َي ِق َيه و ُي َس� ّلمه مما فيها م�ن رش يف خلقها‬
‫وتعاملها ومعارشتا وسجاياها‪.‬‬
‫وهذا فيه داللة عىل أن صالح أمر الزوجني والتئام ش�ملهام ال‬

‫)‪ (1‬تفة المودود (ص‪.)29‬‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )2160‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫معاين األذكار‬

‫يتحقق إال بااللتجاء إىل اهلل‪ ،‬واالعتامد عليه‪ ،‬وسؤاله وحده العون‬
‫والتوفيق والصالح‪.‬‬
‫الذكر عند إتيان األهل (اجلامع)‪:‬‬
‫أن أحدهم إذا أرا َد‬
‫ّبي ﷺ‪« :‬لو َّ‬ ‫اس قال‪ :‬قال الن ُّ‬ ‫عن ِ‬
‫ابن ع ّب ٍ‬
‫يطان‬
‫الش َ‬ ‫�يطان وجنىّب ىّ‬
‫َ‬ ‫اللهم جنىّبنا ىّ‬
‫الش‬ ‫أن يأيت أهله قال‪ :‬باس� ِم اهللِ‬
‫َّ‬ ‫َ ُ‬
‫شيطان أبد ًا»)‪.(1‬‬
‫ٌ‬ ‫يرض ُه‬ ‫ما رزقتنا‪ ،‬فإ ىّن ُه إن يقدىّ ر بينهام ولدٌ يف َ‬
‫ذلك مل ىّ‬
‫واحلكمة يف ذلك أن الشيطان له مشاركة يف األموال واألوالد‪،‬‬
‫ك�ام يف قول�ه تع�اىل‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [اإلرساء‪.[64 :‬‬
‫ووقي‬ ‫ِ‬
‫فإذا دعا المس�لم هبذه الدعوة َس�لم من هذه المشاركة ُ‬
‫من رشه‪.‬‬
‫ي�رض ُه»‪ :‬ق�ال النووي‪« :‬ق�ال القايض‪َ :‬‬
‫قيل الم�راد بأ ّن ُه ال‬ ‫ّ‬ ‫«ال‬
‫الش�يطان عند‬ ‫وقي�ل ال يطعن ِ‬
‫فيه ّ‬ ‫َ‬ ‫ي�رض ُه أنّ� ُه ال يرع ُه ش�يطان‪،‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫والدت�ه بخ�الف غريه‪ .‬ق�ال‪ :‬ومل حيمل ُه أحد ع�ىل العموم يف جيع‬
‫الرضر والوسوسة واإلغواء‪ ،‬هذا كالم القايض»)‪.(2‬‬ ‫ّ‬
‫وقيل‪ :‬مل َيتسلط عليه بحيث يمنعه العمل الصالح‪.‬‬

‫وقال ابن اجلزري‪ :‬مل ُيس� َّلط عليه يف دينه‪ ،‬ومل تظهر َ َّ‬
‫مرضتُه يف‬
‫حقه بنسبة غريه)‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪.‬‬


‫)‪ (2‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)5/10‬‬
‫)‪ (3‬الفتوحات الربانية (‪.)86/7‬‬

‫‪169‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الذكر عند دخول السوق‪:‬‬

‫رس�ول اهللِ ﷺ‬
‫َ‬ ‫أبيه عن جدّ ِه َّ‬
‫أن‬ ‫بن عمر عن ِ‬ ‫عن س�ال ِم ِ ِ ِ‬
‫بن عبد اهلل ِ َ‬
‫َ‬
‫رشي�ك ل ُه ل ُه‬ ‫الس ِ‬
‫�وق‪ :‬ل إل� َه ىّإل اهلل وح�د ُه ل‬ ‫ق�ال‪« :‬م�ن ق�ال يف ىّ‬
‫وهو‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اخلري َ‬
‫يموت بيده ُ‬‫ُ‬ ‫حي ل‬
‫وهو ٌّ‬
‫ويميت َ‬‫ُ‬ ‫الملك ول ُه احلمدُ ييي‬
‫ألف‬ ‫ٍ‬
‫حس�نة وحما عن ُه َ‬ ‫ألف ِ‬
‫ألف‬ ‫كت�ب اهلل ل ُه َ‬ ‫قدي�ر‪،‬‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫ع�ل ِّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ألف س ىّي ٍئة»)‪.(1‬‬
‫ِ‬

‫ذكر اهللِ‬ ‫ِ‬


‫الغفلة ع�ن ِ‬ ‫ُ‬ ‫بالذ ِ‬
‫«خص ُه ّ‬
‫م�كان‬ ‫ك�ر أل ّن ُه‬ ‫ّ‬ ‫ق�ال ال ّط ُّ‬
‫يب�ي‪:‬‬
‫ِ‬
‫جنوده‪،‬‬ ‫وجممع‬ ‫الش ِ‬
‫يطان‬ ‫ِ‬
‫سلطنة ّ‬ ‫موضع‬ ‫فهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫واالشتغال بالتّجارة‪َ ،‬‬
‫ذكر‬
‫خليق بام َ‬
‫فهو ٌ‬ ‫َ‬
‫�يطان وهيز ُم جن�ود ُه‪َ ،‬‬ ‫حيارب ّ‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫اك�ر َ‬
‫هناك‬ ‫ّ‬
‫فالذ ُ‬
‫من ال ّث ِ‬
‫واب»)‪.(2‬‬

‫والس�وق م�ن أماكن الله�و والغفلة؛ لذلك اس�تحب ذكر اهلل‬


‫فيه‪.‬‬
‫رسول اهللِ مل َ‬
‫أرك تصو ُم شهر ًا‬ ‫َ‬ ‫قلت يا‬ ‫وعن أسامة بن ٍ‬
‫زيد قال‪ُ :‬‬
‫ّاس‬ ‫شهر ُ‬
‫يغفل الن ُ‬ ‫َ‬
‫«ذلك ٌ‬ ‫َ‬
‫ش�عبان؟ قال‪:‬‬ ‫الش ِ‬
‫�هور ما تصو ُم من‬ ‫من ّ‬
‫رب‬ ‫ُ‬ ‫ورمض�ان‪ ،‬وهو ش�هر ترفع ِ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫األع�امل إىل ِّ‬ ‫فيه‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫رجب‬ ‫ب�ني‬
‫عن� ُه َ‬
‫صائم»)‪.(3‬‬
‫ٌ‬ ‫يرفع عميل وأنا‬
‫فأحب أن َ‬
‫ُّ‬ ‫العالمني؛‬
‫َ‬

‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ )3429‬وحسنه األلباين‪ ،‬وضعفه غريه‪ ،‬والراجح ضعفه‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفة األحوذي (‪.)272/9‬‬
‫)‪ (3‬رواه النسائي (‪ )2357‬وحسنه األلباين‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ففي�ه دليل عىل اس�تحباب عامرة أوقات غفل�ة الناس بالطاعة‬


‫وأن ذل�ك حمب�وب هلل ع�ز وج�ل؛ ك�ام كان طائف�ة م�ن الس�لف‬
‫يس�تحبون إحياء ما بني العش�اءين بالصالة ويقولون‪ :‬هي س�اعة‬
‫غفل�ة‪ .‬ولذلك ُف ّضل القيا ُم يف وس�ط الليل وآخره لش�مول لغفلة‬
‫ألكثر الناس فيه عن الذكر‪.‬‬

‫ق�ال ابن اجل�وزي ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬ك ُُّل وقت يغف�ل الناس عنه‬
‫يكون فاضال لقلة القائمني باخلدمة‪ ،‬وكام بني العش�اءين‪ ،‬ونصف‬
‫الليل وأشباه ذلك»)‪.(1‬‬

‫***‬

‫الدعاء عل العدو‪:‬‬
‫بعض أي ِ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ يف‬ ‫عن عبدُ اهللِ ب ُن أيب أوىف قال‪َّ :‬‬
‫امه‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫ثم قا َم يف الن ِ‬
‫ّاس‬ ‫�مس َّ‬
‫الش ُ‬ ‫انتظر حتّى مالت ّ‬
‫العدو َ‬
‫َّ‬ ‫لقي فيه�ا‬‫ا ّلت�ي َ‬
‫ِ‬
‫األحزاب‬ ‫ِ‬
‫�حاب وه�از َم‬ ‫الس‬
‫وجمري ىّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫َ‬
‫من�زل‬ ‫«اللهم‬
‫َّ‬ ‫فق�ال‪:‬‬
‫اهزمهم وانرصنا عليهم»)‪.(2‬‬

‫فأشار هبذا الدىّ عاء إىل وجوه النىّرص عليهم‪:‬‬


‫َ‬
‫ِ‬
‫فبالكت�اب أش�ار إىل قول�ه تع�اىل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ)‪.‬‬

‫)‪ (1‬كشف المشكل (‪.)353/4‬‬


‫)‪ (2‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫معاين األذكار‬

‫السحاب‬ ‫الس�حاب» إىل القدرة ال ّظاهرة يف تسخري ّ‬ ‫«جمري ّ‬


‫َ‬ ‫وب�‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمش�يئة اهللِ تعاىل‪،‬‬
‫مع‬‫يس�تمر يف مكانه َ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫وحيث‬ ‫يح‬ ‫حير ُك ّ‬
‫الر ُ‬ ‫ُ‬
‫حيث ّ‬
‫ِ‬
‫بحركته‬ ‫فأش�ار‬ ‫متطر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫متطر تار ًة وأخرى ال ُ‬ ‫وحيث ُ‬ ‫يح‪،‬‬ ‫هب�وب ّ‬
‫ِ‬
‫وبوقوفه إىل إمس�اك‬ ‫إىل إعان�ة المجاهدي َن يف حركتهم يف القتال‪.‬‬
‫أيدي الك ّفار عنهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫وبعدمه‬ ‫ِ‬
‫وبإنزال المطر إىل غنيمة م�ا معهم ُ‬
‫حيث يتّفق قتلهم‪،‬‬
‫حي�ث ال حيصل ال ّظف�ر بيشء منه�م‪ ،‬وك ّلها أحوال‬
‫ُ‬ ‫إىل هزيمته�م‬
‫للمسلمني‪.‬‬
‫َ‬ ‫صاحلة‬
‫ِ‬
‫وأش�ار ب� «ه�از ِم األح�زاب» إىل النّعمة ّ‬
‫الس�ابقة‪ ،‬وإىل تريد‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بالفعل‪.‬‬ ‫هو المنفرد‬ ‫التّوكّل‪ ،‬واعتقاد َّ‬
‫أن اهلل َ‬
‫ِ‬
‫بإنزال الكتاب‬ ‫وفي�ه التّنبيه عىل عظم ِ‬
‫هذه النّعم ال ّث�الث؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫ِ‬

‫الس�حاب‬ ‫ِ‬
‫وه�ي اإلس�الم‪ ،‬وبإجراء ّ‬ ‫َ‬ ‫حصل�ت النّعم�ة األخرو ّية‬
‫َ‬
‫حصل‬ ‫ِ‬
‫وهبزيمة األحزاب‬ ‫ال�رزق‪،‬‬ ‫وهي ّ‬‫حصل�ت النّعمة الدّ نيو ّية َ‬
‫ِ‬
‫ّعمتني‬ ‫اللهم ك�ام أنعمت بعظي� ِم الن‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ّعمت�ني‪ ،‬وكأنّ� ُه قال‪:‬‬ ‫حف�ظ الن‬
‫األخرو ّية والدّ نيو ّية وحفظتهام فأبقهام)‪.(1‬‬

‫***‬

‫الذكر عند التعزية‪:‬‬


‫إن ابن ًا‬ ‫قال‪ :‬أرسلت ابن ُة النّبي ﷺ ِ‬
‫إليه‪َّ :‬‬ ‫عن أسام ُة بن ٍ‬
‫زيد‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬

‫)‪ (1‬فتح الباري (‪.)157/6‬‬

‫‪172‬‬
‫معاين األذكار‬

‫«إن هللِ ما َ‬
‫أخذ ول ُه ما‬ ‫ُ‬
‫ويقول‪َّ :‬‬ ‫السال َم‬
‫يقرئ ّ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫فأرسل‬ ‫قبض فأتنا‪،‬‬
‫يل َ‬
‫مسمى فلتصرب ولتحتسب»)‪.(1‬‬ ‫ٍ‬
‫بأجل ًّ‬ ‫أعطى ٌّ‬
‫وكل عند ُه‬

‫ك�ر األخذ عىل اإلعط�اء مع أنه متأخر عن�ه يف الواقع‪،‬‬ ‫ِ‬


‫فق�دّ م ذ َ‬
‫وذل�ك ملا يقتضيه المق�ام‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن اهلل إذا أراد أن يأخذه فهو‬
‫الذي أعطاه‪ ،‬فإن أخذه أخذ ماله‪ ،‬فال ينبغي اجلزع إذا است ُِعيدَ منه‪.‬‬

‫غم اجلزع حينئذ ال فائدة له‪ ،‬بل هو‬ ‫ِ‬ ‫« َفلت ِ‬


‫َصر َولتَحتَسب» ألن ّ‬
‫سبب لفقد الثواب وعظم المصاب)‪.(2‬‬

‫حجر فيه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ق�ال النووي ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬وأما لفظ� ُة التعزية‪ ،‬فال‬
‫عزاه حصلت»)‪.(3‬‬
‫فبأي لفظ ّ‬
‫ّ‬
‫وروى البيهقي عن اإلمام الشافعي أنه بلغه أن عبد الرمحن بن‬
‫َ‬
‫فبعث إليه الشافعي‪:‬‬ ‫زع عليه جزع ًا شديد ًا‪،‬‬
‫فج َ‬
‫مهدي مات له ابن َ‬
‫غريك‪ ،‬واس�تقبح من فعلك ما‬
‫عز نفس�ك بام َت َع َّزى به ُ‬
‫يا أخي ِّ‬
‫ٍ‬
‫رسور‬ ‫أم�ض المصائب فقدُ‬
‫تس�تقبحه م�ن فعل غريك‪ .‬واعلم أن َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وحرمان أجر‪ ،‬فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر؟‬ ‫ُ‬

‫فتن�اول ح َّظ َك يا أخ�ي إذا قرب منك قب�ل أن تطل َبه وقد نأى‬
‫وأح�رز لنا ولك بالصر‬
‫َ‬ ‫عن�ك‪ ،‬أهلم�ك اهلل عند المصائب صر ًا‪،‬‬
‫أجر ًا‪ ،‬وكتب إليه‪:‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪.‬‬


‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)144/4‬‬
‫)‪ (3‬األذكار (ص‪.)150‬‬

‫‪173‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ٍ‬
‫ثق�ة‬ ‫ىّإين معز َ‬
‫ىّي�ك ل أين ع�ل‬

‫ين‬ ‫ِ‬
‫اخللود ولك�ن س���نىّ ُة الدىّ ِ‬ ‫م�ن‬
‫َ‬
‫بب�اق بع�دَ مي ِ‬
‫ت�ه‬ ‫ٍ‬ ‫ف�ام المع�زىّى‬
‫ىّ‬
‫(()‬ ‫ول المعزىّي ولو عاشا إىل ِ‬
‫حني‬
‫يعزيه بابنه‪« :‬أما بعد‪َّ ،‬‬
‫فإن الولدَ‬ ‫وكتب ٌ‬
‫رجل إىل بعض إخوانه ُّ‬ ‫َ‬
‫عىل والده ما عاش ُح ٌ‬
‫زن وفتنة‪ ،‬فإذا قدّ مه فصالة ورمحة‪ ،‬فال تزع‬
‫عز ّ‬
‫وجل‬ ‫عوضك اهلل ّ‬ ‫ِ‬
‫عىل ما فاتك من حزنه وفتنته‪ ،‬وال تض ّيع ما ّ‬
‫من صالته ورمحته»‪.‬‬

‫يتع�ز عن�د مصيبت�ه باألج�ر‬ ‫وع�ن اب�ن ُج َر ٍ‬


‫ي�ج ق�ال‪« :‬م�ن مل ّ‬
‫ال كام تَس ُلو البهائم»‪.‬‬
‫واالحتساب‪َ ،‬س َ‬

‫وإن قال يف التعزية‪« :‬أعظم اهلل أجرك‪ ،‬وأحسن عزاءك‪ ،‬وغفر‬


‫مليتك» فحسن)‪.(2‬‬

‫***‬

‫الدعاء للمريض يف عيادته‪:‬‬


‫ٍ‬
‫مريض‬ ‫ّب�ي ﷺ إذا َ‬
‫دخل عىل‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫كان الن ُّ‬ ‫اس‬ ‫ع�ن ِ‬
‫اب�ن ع ّب ٍ‬
‫شاء اهلل»)‪.(3‬‬
‫طهور إن َ‬
‫ٌ‬ ‫بأس‪،‬‬
‫يعود ُه قال‪« :‬ل َ‬

‫)‪ (1‬مناقب الشافعي (‪.)9091/2‬‬


‫)‪ (2‬انظر‪ :‬األذكار للنووي (ص‪.)152-150‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري (‪.)3616‬‬

‫‪174‬‬
‫معاين األذكار‬

‫بأس»‪ :‬أي ال شدة عليك وال أذى‪.‬‬


‫قوله‪« :‬ال َ‬
‫ِ‬
‫حصلت‬ ‫الم�رض يك ّف ُ�ر اخلطايا‪ ،‬ف�إن‬
‫َ‬ ‫ق�ال احلاف�ظ‪« :‬أي َّ‬
‫أن‬
‫ربح الت ِ‬
‫ّكفري»)‪.(1‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفائدتان‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫العافي ُة فقد‬
‫حصل ُ‬ ‫وإال‬ ‫حصلت‬
‫(طهور)‪ :‬أي هذا طهور لك من ذنوبك؛ أي‪َ :‬مطهرة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قوله‪:‬‬
‫وق�ال ابن بطال ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬قوله لألعرايب‪« :‬ال بأس طهور‬
‫إن شاء اهلل» إنام أراد تأنيسه من مرضه بأن اهلل يك ّفر ذنوبه‪ ،‬و ُيقيله‪،‬‬
‫ويؤخر وفاته‪ ،‬فوقع االس�تثناء عىل ما رجا له من اإلقالة والفرج؛‬
‫ألن المرض معلوم أنه كفارة للذنوب»)‪.(2‬‬
‫وقال ابن عثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪(« :-‬ال بأس)‪ :‬يعني ال ش�دة عليك‬
‫وال أذى‪( ،‬طهور) يعني هذا طهور إن ش�اء اهلل‪ .‬وإنام قال النبي ﷺ‪:‬‬
‫«إن شاء اهلل»؛ ألن هذه جلة خرية وليست جلة دعائية؛ ألن الدعاء‬
‫ينبغي لإلنسان أن جيزم به وال يقل‪ :‬إن شئت»)‪.(3‬‬

‫***‬

‫دعاء زيارة القبور‪:‬‬


‫َ‬
‫جريل أتاين‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬ق�ال رس�ول اهلل ﷺ‪َّ :‬‬
‫«إن‬ ‫ع�ن عائش� َة‬
‫قلت‪:‬‬
‫فتستغفر هلم‪ ،‬قالت‪ُ :‬‬
‫َ‬ ‫يت َ‬
‫أهل البقي ِع‬ ‫َ‬
‫يأمرك أن تأ َ‬ ‫فقال‪َّ :‬‬
‫إن ر ّب َك‬
‫أهل الدّ ِ‬
‫يار من‬ ‫السال ُم عىل ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫كيف ُ‬
‫رسول اهلل؟ قال‪ :‬قويل‪ّ :‬‬ ‫أقول هلم يا‬ ‫َ‬

‫)‪ (1‬فتح الباري (‪.)119/10‬‬


‫)‪ (2‬رشح صحيح البخاري (‪.)484/10‬‬
‫)‪ (3‬رشح رياض الصاحلني (‪.)484/4‬‬

‫‪175‬‬
‫معاين األذكار‬

‫المستقدمني منّا والمستأخري َن‪،‬‬


‫َ‬ ‫ويرحم اهلل‬
‫ُ‬ ‫والمس�لمني‪،‬‬
‫َ‬ ‫المؤمنني‬
‫َ‬
‫لالحقون‪ُ ،‬‬
‫نسأل اهللَ لنا ولكم العافي َة»)‪.(1‬‬ ‫َ‬ ‫وإنّا إن شا َء اهلل بكم‬

‫***‬

‫أحوال الناس يف زيارة القبور‪:‬‬


‫ال خترج أحوال الناس يف زيارة القبور عن أربع حاالت‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬أن ي�زور القب�ور ليدع�و لألم�وات‪ ،‬فيس�أل اهلل هل�م‬


‫المغف�رة والرمحة‪ ،‬وليعتر بحال الموت�ى وما آلو إليه‪َ ،‬في ِ‬
‫حد َ‬
‫ث له‬ ‫ُ‬
‫ذلك عر ًة وذكرى‪ ،‬وهذه هي الزيارة الرشعية‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬أن يزورها ليدعو لنفس�ه ومل�ن أحب عندها معتقد ًا أن‬
‫ُ‬
‫أفضل وأحرى بالقبول‬ ‫الدع�اء يف المقابر أو عند قب�ور الصاحلني‬
‫واإلجابة‪ ،‬وهذه بدعة منكرة‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬أن يزورها ليدعو اهلل متوس�ال بجاه الموتى أو ح ِّقهم‪،‬‬


‫فيق�ول‪ :‬أس�ألك يا ريب بجاه فالن أو بحق ف�ال‪ ،‬فهذه بدعة حمرمة‬
‫ووسيلة إىل الرشك‪.‬‬

‫الرابع�ة‪ :‬أن يزورها ليدعو المقبورين ويس�تغيث هبم ويطلب‬


‫منه�م الم�دَ َد والعون والش�فاء وغري ذلك‪ ،‬فه�ذا رشك أكر ناقل‬
‫عن ملة اإلسالم)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬رواه مسلم (‪.)974‬‬


‫)‪ (2‬فقه األدعية واألذكار (‪.)238/3‬‬

‫‪176‬‬
‫معاين األذكار‬

‫هذا ما تيرس جعه عىل سبيل االختصار يف معاين األذكار‪ ،‬أردنا‬


‫ب�ه التنوي�ه والتذكري‪ ،‬مع ذك�ر الفائدة التي تعني ع�ىل ذلك؛ حتى‬
‫يتس�نى للذاكر أن يس�تحرض بعض تلك المعاين الرشعية؛ فيكون‬
‫ممن يذكر اهللَ بلسانه وقلبه‪.‬‬

‫جعلنا الله وإخواننا المسلمني ممن يذكرون الله ذكراً كثيراً‪،‬‬


‫يسبحونه بكرة وأصي ًال؛ إنه سميع مجيب‪.‬‬ ‫و ّ‬

‫‪177‬‬
‫من مؤلفات الشيخ‬

‫توزيع‬ ‫نرش‬

‫‪ .(0‬العيد آداب وأحكام‪.‬‬ ‫(‪ .‬كيف عاملهم ﷺ‪.‬‬


‫((‪ .‬المتقلبون‪.‬‬ ‫(‪ 70 .‬مسألة في الصيام‪.‬‬
‫((‪ .‬اترك أثر ًا قبل الرحيل‪.‬‬ ‫(‪ .‬شرح األربعين النووية‪.‬‬
‫((‪ .‬المجمعات التجارية‪.‬‬ ‫ ‪ .‬أربعون نصيحة إلصالح البيوت‪.‬‬
‫ (‪ .‬رصاع مع الشهوات‪.‬‬ ‫‪ .5‬زاد الصائم‪.‬‬
‫‪ .(5‬األمة المالية‪.‬‬ ‫‪ .6‬رمضان فرصة للتربية والتعليم‪.‬‬
‫‪ .(6‬زاد الحج‪.‬‬ ‫‪ .7‬األساليب النبوية في التعامل مع‬
‫‪ .(7‬بدعة إعادة فهم النص‪.‬‬ ‫أخطاء الناس‪.‬‬
‫‪ .(8‬مشروعك الذي يالئمك‪.‬‬ ‫‪ .8‬كيف تقرأ كتاب ًا‪.‬‬
‫‪ .(9‬نظرات في القصص والروايات‪.‬‬ ‫‪ .9‬أريد أن أتوب ولكن‪...‬‬
‫‪ .(0‬الفقه والعتبار في فاجعة السيل‬ ‫‪ .(0‬التنبيهات الجلية‪.‬‬
‫الجرار‪.‬‬ ‫((‪ (( .‬سبب ًا للخشوع في الصالة‪.‬‬
‫((‪ .‬أخطار تهدد البيوت‪.‬‬ ‫((‪ .‬شكاوى وحلول‪.‬‬
‫((‪ .‬فتيان اإليمان‪.‬‬ ‫((‪ .‬ظاهرة ضعف اإليمان‪.‬‬
‫((‪ .‬الدليل إلى مراجع الموضوعات‬ ‫ (‪ .‬محرمات استهان بها كثير من الناس‪.‬‬
‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪ .(5‬وسائل الثبات على دين الله‪.‬‬
‫‪ .(6‬كونوا على الخير أعوان ًا‪.‬‬
‫ (‪ .‬سلسلة نسائم الشام‪:‬‬ ‫‪ .(7‬أدرك أهلك قبل أن يحترقوا‪.‬‬
‫ •طوبى للشام‬ ‫‪ .(8‬حمى األلعاب اإللكترونية‪.‬‬
‫ •سنن اهلل يف خلقه‬ ‫‪ .(9‬المسابقات الشرعية‪.‬‬
‫‪ .(6‬سلسلة أمراض القلوب‪:‬‬ ‫‪ .(5‬سلسلة أعمال القلوب‪:‬‬
‫ •الشهوة‪.‬‬ ‫ •اإلخالص‪.‬‬
‫ •الرتف‪.‬‬ ‫ •التوكل‪.‬‬
‫ •العشق‪.‬‬ ‫ •اخلوف‪.‬‬
‫ •الغفلة‪.‬‬ ‫ •الرجاء‪.‬‬
‫ •اجلدال واملراء‪.‬‬ ‫ •التقوى‪.‬‬
‫ •الكرب‪.‬‬ ‫ •املحاسبة‪.‬‬
‫ •النفاق‪.‬‬ ‫ •التفكر‪.‬‬
‫ •حب الرياسة‪.‬‬ ‫ •املحبة‪.‬‬
‫ •حب الدنيا‪.‬‬ ‫ •الشكر‪.‬‬
‫ •اتباع اهلوى‪.‬‬ ‫ •الرضا‪.‬‬
‫ •الورع‪.‬‬
‫ •الصرب‪.‬‬
C

CM

MY

CY

CMY

You might also like