Professional Documents
Culture Documents
الخطبة الثالثة في بيان شيء من آداب الصيام ومفطراته
الخطبة الثالثة في بيان شيء من آداب الصيام ومفطراته
الحمد هلل الذي شرع لعباده الشرائع لحكم بالغة وأسرار ورتب على
صيام رمضان وقيامه إيمانا واحتسابا مغفرة الذنوب واألوزار ،وأشهد
أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،الملك الغفار ،وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله المصطفى المختار صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه ومن
تبعهم بإحسان آناء الليل والنهار ،وسلم تسليما .
أما بعد أيها الناس :اعبدوا ربكم ،وصلوا فرضكم ،وصوموا شهركم ،
واعلموا أن من حكم الصيام وأسراره أن يكون عونا للعبد على طاعة اهلل
وتقواه ،فيجتهد في فعل الخيرات واجتناب المحرمات ،فمن لم يدع
قول الزور والعمل به فليس هلل حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ،
اعمروا أوقات هذا الشهر الفاضل بالذكر والقراءة والصالة ،وتعرضوا
فيه لنفحات المولى بكثرة الدعوات ،وكثرة اإلحسان إلى الخلق والعفو
عنهم ،فإن اهلل يحب المحسنين ،ويحب العفو عن المسيئين ،وجودوا
على الفقراء في هذا الشهر بالزكاة والصدقات ،فإن اهلل جواد يحب
الجود ،ولقد كان نبينا صلى اهلل عليه وسلم أجود الناس ،وكان أجود
ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ،فيدارسه القرآن ،فلرسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ،وال تحقرن من
المعروف شيئا ،واتقوا النار ولو بشق تمرة ،فإن الرجل ليتصدق بعدل
تمرة من كسب طيب ،فيربيها اهلل له حتى تكون مثل الجبل ،واعلموا
،رحمكم اهلل ،أن للصيام سننا ينبغي مراعاتها ،فمنها السحور ،فقد
أمر النبي صلى اهلل عليه وسلم به وقال « :تسحروا فإن في السحور
بركة » .واألفضل تأخير السحور في آخر الليل ،ففي الحديث عن
النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال « :ال تزال أمتي بخير ما أخروا
السحور » .وإذا قدم أحدكم السحور ،وفرغ قبل طلوع الفجر ،
ونوى الصيام ،ثم اشتهى أن يأكل فال بأس أن يأكل حتى يطلع الفجر
ض ِم َن
ط اأْل َْبيَ ُ
لقوله تعالى َ { :و ُكلُوا َوا ْش َربُوا َحتَّى َيتََبيَّ َن لَ ُك ُم الْ َخ ْي ُ
الْ َخ ْي ِط اأْل َ ْس َو ِد ِم َن الْ َف ْج ِر } .والخيط األبيض النهار ،واألسود الليل ،
وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم « :إن بالال يؤذن بليل ،فكلوا ،
واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ،وكان ال يؤذن حتى يطلع الفجر » .
فإذا تبين الفجر ،فإنه ال يجوز أن يتناول الصائم شيئا مما يفطره ،وإن
الواجب على المؤذنين أن يتحروا ،فال يؤذنوا حتى يطلع الفجر ،ولقد
سمعت أن بعض الناس يورد حديثا عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه
كان يتقي بناقته عن الفجر .وهذا الحديث ما رأيناه في الكتب
الصحيحة وال أظنه يصح عن النبي صلى اهلل عليه وسلم وإذا تسحر
أحدكم فال يحتاج أن يقول :اللهم إني نويت الصيام إلى الليل ؛ ألن
النية محلها القلب ،والتلفظ بها بدعة ،وكل بدعة ضاللة ،وإذا أفطر
أحدكم ،فليفطر على تمر ،فإن لم يجد ،فليفطر على ماء ،فإن لم
يجد ،فلينو الفطر بقلبه مثل أن تغرب الشمس ،وهو خارج البلد ،
وليس عنده طعام وال شراب ،فينوي الفطر ،وال يحتاج أن يمص
إصبعه ،كما يقول بعض العوام ،وينبغي عند الفطر أن يحرص على
الدعاء ،فإن للصائم عند فطره دعوة ال ترد ،ويروى عن النبي صلى
اهلل عليه وسلم أنه كان إذا أفطر قال « :اللهم لك صمت ،وعلى
رزقك أفطرت » .واسألوا اهلل تعالى القبول ألعمالكم ،فإن المعول
عليه ،ولقد كان إبراهيم الخليل وولده إسماعيل يرفعان القواعد من
البيت ،وهما يقوالن :ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ،وإن من
عالمة القبول أن يوفق العبد للتقوى ،فإنما يتقبل اهلل من المتقين ،فمن
اتقى اهلل تعالى ظاهرا وباطنا كان حريا باإلجابة .واعلموا أن من
المفطرات األكل والشرب والجماع ،وإخراج الدم بالحجامة ،فقد
أفطر الحاجم والمحجوم ،وإخراج القيء عمدا ،وإذا خرج الدم منه
بغير حجامة مثل أن يحصل له رعاف ،أو ينقلع سنه ،أو ينجرح شيء
من بدنه ،فيخرج الدم ،فال يفطر بذلك ،وال يفطر أيضا إذا غلبه القيء
،أو داوى عينه ،أو أذنه ،أو قطر فيهما .وتفطر المرأة إذا خرج منها
دم الحيض ،وهي صائمة ،وإذا طهرت في أثناء النهار ،وجب عليها
قضاء اليوم الذي طهرت فيه ،وال يفطر الصائم بالسواك ،ويستحب له
السواك كغيره في كل وقت في أول النهار وآخره .
ب َعلَْي ُك ُم ِ َّ ِ
آمنُوا ُكت َ
ين َ أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم { :يَاأ َُّي َها الذ َ
ين ِم ْن َق ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن } . َّ ِ
ب َعلَى الذ َ
ِ
ام َك َما ُكت َ
الصيَ ُ
ِّ
بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم . . .الخ .