You are on page 1of 3

‫الخطبة الثالثة في ذكر شيء من أوصاف اليوم اآلخر‬

‫الحمد هلل الذي بدأ الخلق ثم يعيده وهو على كل شيء قدير‬
‫والحمد هلل الذي خلق الخلق ليعبدوه فيجازيهم بعملهم وهللا بما‬
‫يعملون بصير فسبحانه من رب عظيم وإله غفور رحيم وأشهد‬
‫أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له في الخلق والملك والتدبير‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير‬
‫أرسله هللا بين يدي الساعة فختم به الرسالة وأكمل له الدين‬
‫صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم‬
‫الدين وسلم تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد أيها الناس ‪ :‬اتقوا ربكم واخشوا يوما ال يجزي والد‬
‫عن ولده وال مولود هو جاز عن والده شيئا اتقوا يوما يفر‬
‫المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امريء منهم‬
‫يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة‬
‫ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة‬
‫‪ .‬اتقوا يوما ترجعون فيه إلى هللا ثم توفى كل نفس ما كسبت‬
‫وهم ال يظلمون يوما يجمع هللا فيه الخالئق األولين منهم‬
‫واآلخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ‪،‬‬
‫أجسامهم عارية وأقدامهم حافية وقلوبهم وجلة خائفة مهطعين‬
‫اس اتَّقُوا‬ ‫إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ‪ { : .‬يَاأَيُّ َها النَّ ُ‬
‫َي ٌء َع ِظي ٌم }{ يَ ْو َم تَ َر ْونَ َها ت َْذ َه ُل ُك ُّل‬ ‫سا َع ِة ش ْ‬ ‫َربَّ ُك ْم إِنَّ َز ْل َزلَةَ ال َّ‬
‫ت َح ْم ٍل َح ْملَ َها َوتَ َرى النَّ َ‬
‫اس‬ ‫ض ُع ُك ُّل َذا ِ‬ ‫ض َعتْ َوتَ َ‬ ‫ض َع ٍة َع َّما أَ ْر َ‬
‫ُم ْر ِ‬
‫ش ِدي ٌد } ال تغرنكم‬ ‫س َكا َرى َولَ ِكنَّ َع َذ َ‬
‫اب هَّللا ِ َ‬ ‫س َكا َرى َو َما ُه ْم بِ ُ‬ ‫ُ‬
‫الحياة الدنيا بزخارفها ولذاتها فإنها فيء زائل عن قريب ثم‬
‫تنقلون إلى الدار اآلخرة لتجزوا بما كنتم تعملون فحققوا‬
‫رحمكم هللا عبادة ربكم واتقوه لعلكم تفلحون ومن عذاب اآلخرة‬
‫تسلمون فال سالمة من عذاب هللا إال بتقوى هللا كونوا من الذين‬
‫قالوا سمعنا وأطعنا فالقرآن يتلى عليكم وأنتم تتلونه بأنفسكم‬
‫وفيه موعظة وشفاء لما في الصدور فاتعظوا بما فيه وال‬
‫تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم ال يسمعون قالوا علمنا وهم ال‬
‫يعلمون ألم تعلموا أن أمامكم يوما تشيب فيه الولدان وتندك‬
‫صم الجبال ويذهل فيه المرء عن القريب والصديق والخالن ألم‬
‫يبلغكم أن هللا يطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين‬
‫الجبارون أين المتكبرون ‪ ،‬وأن األرضين بيده األخرى ثم يقول‬
‫أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ألم يبلغكم ما ثبت عن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال « يقول هللا تعالى يا آدم‬
‫فيقول لبيك وسعديك والخير كله في يديك فيقول هللا له أخرج‬
‫بعث النار من ذريتك قال آدم وما بعث النار قال من كل ألف‬
‫تسعمائة وتسعة وتسعون فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات‬
‫حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب‬
‫هللا شديد » ولما حدث النبي صلى هللا عليه وسلم أصحابه بهذا‬
‫الحديث فتح هللا عليهم أن يسألوا نبيهم يا رسول هللا وأينا ذلك‬
‫الواحد فقال أبشروا فإن منكم رجال ومن يأجوج ومأجوج ألفا‬
‫ثم قال والذي نفسي بيده إني ألرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة‬
‫فكبروا وحمدوا هللا فقال أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا‬
‫وحمدوا هللا فقال أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا‬
‫وحمدوا هللا ثم قال ما أنتم في الناس إال كالشعرة السوداء في‬
‫جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود أيها‬
‫المسلمون ألم تعلموا أن األرض يومئذ تحدث أخبارها فتشهد‬
‫على كل أحد بما عمل عليها من خير أو شر ألم تعلموا أن‬
‫الرجل يختم على فمه ويقال ألركانه انطقي فتنطق بما عملت ‪:‬‬
‫سنَتُ ُه ْم َوأَ ْي ِدي ِه ْم َوأَ ْر ُجلُ ُه ْم بِ َما َكانُوا يَ ْع َملُ َ‬
‫ون‬ ‫ش َه ُد َعلَ ْي ِه ْم أَ ْل ِ‬
‫{ يَ ْو َم تَ ْ‬
‫ق‬‫ون أَنَّ هَّللا َ ُه َو ا ْل َح ُّ‬
‫ق َويَ ْعلَ ُم َ‬ ‫}{ يَ ْو َمئِ ٍذ يُ َوفِّي ِه ُم هَّللا ُ ِدينَ ُه ُم ا ْل َح َّ‬
‫ا ْل ُمبِينُ } وفي الكتاب والسنة من تفاصيل أحوال ذلك اليوم ما‬
‫هو عبرة للمعتبرين وموعظة للمتقين اقرؤوا قوله تعالى أعوذ‬
‫ان َونَ ْعلَ ُم َما‬
‫س َ‬ ‫باهلل من الشيطان الرجيم ‪َ { :‬ولَقَ ْد َخلَ ْقنَا اإْل ِ ْن َ‬
‫ون فِي َها َولَ َد ْينَا‬‫سهُ } إلى قوله { لَ ُه ْم َما يَشَا ُء َ‬ ‫س بِ ِه نَ ْف ُ‬ ‫س ِو ُ‬ ‫تُ َو ْ‬
‫َم ِزي ٌد } فإن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع‬
‫وهو شهيد ‪.‬‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ‪ . .‬الخ ‪.‬‬

You might also like