You are on page 1of 111

‫الطبعة األولى‬

‫‪ 1441‬هـ ‪ 2020 -‬م‬

‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫عنوان الكتاب‪:‬‬

‫د‪ .‬علوي بن أمحد بن حسني العيدروس‬ ‫تأليــــــــــــــــف‪:‬ـ‬

‫‪21 × 14.8‬‬ ‫قياس القطع‪:‬‬ ‫‪110‬‬ ‫عدد الصفحات‪:‬‬

‫التنضيد والتنسيق الطباعي واإلخراج‬

‫مكتبة تريم الحديثة‬


‫للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫حضرموت ‪-‬ترمي‬
‫‪E.M: tmbs417130@hotmail.com‬‬ ‫هاتــف‪ +967 5 417130 :‬‬
‫‪OR: mab418130@ hotmail.com‬‬ ‫فاكـس‪+967 5 418130 :‬‬
‫مكتبة ترمي احلديثة (مجموعة) ‪Facebook :‬‬ ‫جــوال‪+967 777417130 :‬‬

‫مينع طبع هذا الكتاب أوجزء منه بكل طرق الطبع والتصوير‬
‫والنقل والترجمة والتسجيل املرئي واملسموع واحلاسوبي‬
‫وغيرها من احلقوق إال بإذن خطي‬

‫الكتب والدراسات التي يصدرها املكتب ال تعني بالضرورة‬


‫تبني األفكار الواردة فيها‪ ،‬وهي تعبر عن آراء‬

‫واجتهادات أصحابها‬
‫بقلم‬

‫د‪ .‬علوي بن أمحد بن حسني العيدروس‬


‫‪5‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫املقدمة‬
‫ِّ‬

‫احلمدهللالقائل‪:‬ﱹﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﱸ‬
‫‪ ،‬من‬ ‫[يونس‪ ]٥٨ :‬والصالة والسالم عىل نبينا وحبيبنا حممد‬
‫قال عندما سئل عن صيام يوم االثنني ‪(( :-‬ذاك يوم ولدت فيه))‪ ،‬وعىل آله‬
‫وصحبه أمجعني من يومنا هذا إىل يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد ‪..‬‬

‫فإن اهلل تعاىل اختار زمرة من عباده واصطفاهم لرسالته‪ ،‬وخصهم‬


‫بخصوصيات ال يشاركهم فيها أحد‪ ،‬وفضل من بينهم‪ ،‬فاختار حبيبه‬
‫صفوة أنبيائه‪ ،‬وأثنى عليه يف كثري من آيات كتابه‪،‬‬ ‫حممد ًا‬
‫ويرحم اهلل اخلطيب األندليس حني قال‪:‬‬
‫لياك نظم ِ‬
‫مدحيي‬ ‫ُيثني عىل َع َ ُ‬ ‫عسى‬
‫آيات الكتاب فام َ‬ ‫َ‬
‫مدحتك ُ‬
‫القصور قصار َكل فصيحِ‬
‫ُ‬ ‫كان‬ ‫كتـــاب اهلل أثنَـــى مفصح ًا‬
‫ُ‬ ‫وإذا‬
‫ومن هذه اآليات قوله تعاىل‪:‬ﱹ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﱸ [البقرة‪ .]٢٥٣ :‬وإذا كان هذا النبي الكريم قد عظمه ربه‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪6‬‬

‫فقال‪ :‬ﱹ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﱸ [األحزاب‪ ،]٥٦ :‬فحري باملسلمني أيض ًا أن يعظموه ويوقروه‪.‬‬

‫وإن من املسائل االجتهادية التي تنبني عىل ذلك (مسألة االحتفال‬


‫باملولد النبوي)‪ ،‬والتي وقع فيها جدال واسع يتكرر كل عام‪ ،‬ونتيجة ملا حيدث‬
‫يف جمتمعنا من التنافر واخلصام بل والسب عىل املنابر‪ ،‬بل وأسوأ من ذلك‪،‬‬
‫قال الدكتور عبد اإلله العرفج يف كتابه ((مفهوم البدعة وأثره يف اضطراب‬
‫الفتاوى املعارصة))‪ :‬صـ ‪" :27‬سمعت بأذين أحد اخلطباء يقول‪( :‬إن الذي‬
‫حيتفل باملولد النبوي أعظم إث ًام ممن يرشب اخلمر ويرسق ويزين ويقتل)‪ .‬فهل‬
‫ُيصدَّ ق صدور مثل هذا الكالم من مسلم يف حق أخيه املسلم؟!‬

‫وكوين مدرس ًا باجلامعة‪ ،‬فبمجرد دخول شهر ربيع األول تكثر‬


‫األسئلة حول هذا املوضوع‪ ،‬حتى سألني بعض الطالب‪ :‬ملاذا ال تكتب لنا‬
‫بحث ًا خمترص ًا يف هذا املوضوع؟ فاعتذرت بانشغايل بأمور أخرى أهم‪.‬‬

‫وملا حدثت أزمة كورونا وتعطلت األربطة واملدارس واجلامعات‪ ،‬بل‬


‫اشتلت احلياة نوع ًا ما‪ ،‬وأرغم الناس عىل القرار يف البيوت‪ ،‬حينها وجدت‬
‫يس لنا‬
‫الفرصة حيث الوقت الكثري‪ ،‬فرشعت يف الكتابة واحلمد هلل الذي َّ‬
‫ذلك حتى أكملنا هذا البحث‪ ،‬فله احلمد أوالً وآخر ًا‪.‬‬

‫وقد كتب عن موضوع املولد كثري بني مؤيد ومعارض‪ ،‬فأحببت أن‬
‫‪7‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫أدرس املوضوع من جانب جديد‪ ،‬وملا كان ختصيص (تفسري وعلوم قرآن‬
‫)‬

‫طرقت البحث من باب القرآن الكريم‪ ،‬ولكون القرآن الكريم فيه بيان كل‬
‫مبي هلا‪.‬‬
‫يشء‪ ،‬واملسائل املحدثة كذلك‪ ،‬فكتاب اهلل خري ِّ‬

‫وليس غريض من هذا البحث إثارة املسائل اخلالفية‪ ،‬واإلسهاب‬


‫يف ذلك‪ ،‬بل الغرض األول مجع الشمل‪ ،‬وبث روح التسامح يف مثل هذه‬
‫األمور‪ ،‬ونبذ اخلالف والتعصب‪ ،‬من خالل إثبات أن هذه املسألة اجتهادية‬
‫ختتلف فيها األنظار‪ ،‬ولكل أدلته‪ ،‬ولكن من تعمق يف نصوص القرآن‬
‫الكريم وجد فيه الداللة عىل جواز ذلك كام سيأيت‪ ،‬ومن قال باملنع نحرتم‬
‫رأيه فكلنا صدور رحبة آلراء اآلخرين‪ ،‬وكلنا يد واحدة وإن اختلفنا يف‬
‫بعض األمور؛ ولذلك جعلت آخر البحث خامتة يف أدب االختالف‪ ،‬ذكرت‬
‫فيها أهم القواعد والضوابط ملسألة االختالف‪ ،‬ومن ثم كيفية التعامل معها‬
‫وبالذات القواعد األخالقية‪.‬‬

‫وال يسعني إال أن أشكر كل من ساعدين يف كتابة هذا اجلهد املتواضع‬


‫وأمدَّ ين بعلمه أو فهمه أو كتبه‪ ،‬أو حتى بالتشجيع بالكلمة الطيبة‪ ،‬إىل كل‬
‫أقول هلم‪:‬‬ ‫هؤالء‪ ،‬وكل حمب لرسول اهلل‬
‫ِ‬
‫والنثر‬ ‫ِ‬
‫القول والنظ ِم‬ ‫بحر‬ ‫ٍ‬ ‫أوتيـــت َّ‬
‫وأثنيت َ‬
‫ُ‬ ‫بالغة‬ ‫كل‬ ‫ُ‬ ‫ولو أنَّنـــي‬
‫ِ‬
‫واجب الشكر‬ ‫ِ‬
‫بالعجز عن‬ ‫ومعرتف ًا‬ ‫مقص ًا‬ ‫ِ‬
‫كنت بعد القـــول إال ِّ‬
‫ملـــا ُ‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪8‬‬

‫أن جيعله خالص ًا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن ينفع به الكاتب‬ ‫فأسأل اهلل‬
‫والقارئ‪ ،‬وأن يكون هذا البحث سبب ًا للتقريب بني الناس والرتاحم فيام‬
‫بينهم‪ ،‬ومجع شمل املسلمني؛ إنه ويل ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫املبحث األول‬
‫عظمة القرآن العظيم‬

‫إن من أعظم نعم اهلل علينا هذا القرآن العظيم الذي ﱹ ﮓ ﮔ ﮕ‬


‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﱸ [فصلت‪ ،]٤٢ :‬وهو الكتاب الذي‬
‫ال تنقيض عجائبه وال خيْلق عن كثرة الرد بل يظل طر َّي ًا جديد ًا كأنه ُأنزل‬
‫اآلن‪ ،‬وال يش َبع منه العلامء فال يزالون ينهلون من علومه‪ ،‬وهو حبل اهلل‬
‫املتني‪ ،‬وهو الذكر احلكيم وهو الرصاط املستقيم‪ ،‬وخري ما يدلنا عىل عظمة‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬القرآن العظيم نفسه‪:‬‬

‫يقول اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬


‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﱸ [الزمر‪.]٢٣ :‬‬

‫ويقول اهلل تبارك وتعاىل‪ :‬ﱹ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬


‫ﯠ ﯡ ﱸ [الزمر‪.]٢٧ :‬‬

‫بل وصفه اهلل بأنه (روح)‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ‬


‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪10‬‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱸ [الشورى‪ ،]٥٢ :‬فالقرآن الكريم هو الروح التي متدنا‬
‫باحلياة‪ ،‬وال فائدة من جسد بال روح‪.‬‬

‫وقد وصفه اهلل جل وعال بصفة العظمة يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯝ ﯞ‬


‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﱸ [احلجر‪.]٨٧ :‬‬

‫وهذه العظمة هلا مظاهر ودالئل نلخصها يف املطلبني اآلتيني‪:‬‬

‫املطلب األول‬
‫مظاهر عظمة القرآن العظيم‬

‫مظاهر كثرية يصعب حرصها لكن نكتفي‬


‫َ‬ ‫إن لعظمة القرآن العظيم‬
‫بذكر أمهها عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫ ‪1 .‬تفضل الله تعالى بإنزال القرآن العظيم‪:‬‬


‫من مظاهر عظمة القرآن العظيم أن اهلل تعاىل أثنى عىل نفسه الرشيفة‬
‫لتفضله بإنزاله‪ ،‬وع َّلم عبا َده أيضا كيف يثنون عليه تعاىل من أجل إنزال‬
‫ِّ‬
‫الكتاب‪ ،‬فقال‪ :‬ﱹ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﱸ [الكهف‪،]١ :‬‬
‫جل وعال عبا َده يف َأ َّول هذه‬
‫‪" :‬ع َّلم اهللُ َّ‬ ‫قال الشيخ الشنقيطي‬
‫الكريمة أن حيمدوه عىل أع َظم ٍ‬
‫نعمة َأنعمها عليهم؛ وهي إِنزا ُله عىل‬ ‫ورة ِ‬‫الس ِ‬
‫ُّ‬
‫‪11‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫اعوجاج فيه‪ ،‬بل هو‬ ‫هذا ال ُقرآن العظِيم‪ ،‬ا َّلذي ال ِ‬ ‫نب ِّينا‬
‫وبي هلم فِيه العقائد‪،‬‬
‫يف كامل االستقامة‪َ ،‬أخرجهم به من ال ُّظلامت إىل النُّور‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫وحذرهم فيه من ِّ‬
‫كل‬ ‫َّ‬ ‫واحلالل واحلرام ‪،‬وأسباب دخول اجلنَّة والن َِّار‪،‬‬
‫كل ما ينفعهم‪ ،‬فهو النِّعم ُة العظمى عىل‬ ‫وحضهم فِيه عىل ِّ‬
‫َّ‬ ‫يرضهم‪،‬‬
‫ما ُّ‬
‫ربم كيف حيمدونه عىل هذه النِّعمة الكربى"(‪.)1‬‬ ‫مهم ُّ‬ ‫اخللق‪ ،‬ولذا ع َّل ُ‬

‫لتفضله بإنزال القرآن العظيم‪،‬‬


‫الشيفة ِّ‬
‫ومن ثناء اهلل تعاىل عىل نفسه َّ‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﱸ [الفرقان‪،]١ :‬‬
‫‪" :‬وظاهر قوله‪ :‬ﱹ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﱸ أنَّه‬ ‫قال الشيخ ابن عاشور‬
‫واإليقاظ‪،‬‬‫فيكون املقصود به التَّعليم ِ‬ ‫ُ‬ ‫إخبار عن عظمة اهلل وتو ُّفر كامالته‬ ‫ٌ‬
‫ثناء عىل اهلل تعاىل أنشأ اهلل به ثنا ًء‬ ‫اء ٍ‬ ‫وجيوز مع ذلك أن يكون كناي ًة عن إِن َْش ِ‬

‫طريقة الكالم‬ ‫عىل نفسه كقوله‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﱸ [اإلرساء‪ ]١ :‬عىل ِ‬


‫َّعجب من صفات املتك ِّلم يف مقام ا ْل َف ْخ ِر َوا ْل َع َظ َم ِة ‪،...‬‬ ‫يب يف إِنشاء الت ُّ‬
‫العر ِّ‬
‫الصلة من خصائص اهلل‬
‫والذي َّنزل الفرقان هو اهلل تعاىل‪ ،‬وإذ قد كانت ِّ‬
‫تعاىل كان الفعل كاملسند إِىل ضمري املتك ِّلم فكأنَّه قيل‪ :‬تباركت‪.‬‬

‫واملوصول ُيومئ إىل ع َّلة ما قبله فهو كناي ٌة عن تعظيم شأن الفرقان وبركته‬
‫عىل النَّاس من َق ْولِ ِه‪ :‬ﱹ ﯚ ﯛ ﯜ ﱸ فتلك منَّ ٌة َعظيم ٌة تُوجب ال َّثناء‬

‫((( ((أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي‪.191/3 :‬‬


‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪12‬‬

‫والسالم"(‪.)1‬‬
‫الصالة َّ‬ ‫عىل اهلل‪ ،‬وهو أيض ًا كناي ٌة عن تعظيم شأن َّ‬
‫الرسول عليه َّ‬

‫ ‪2 .‬نزوله في أفضل األزمنة‪:‬‬


‫ومن مظاهر عظمة القرآن العظيم أن اهلل تعاىل أنزله يف أفضل األزمنة‬
‫يف شهر رمضان املبارك‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱸ [البقرة‪.]١٨٥ :‬‬

‫وقد أنزل يف ليلة مباركة من هذا الشهر املبارك‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﱸ [الدخان‪ .]٣ :‬قال الشيخ ابن عاشور‪َ " :‬فربك ُة الليلة‬
‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫التي ُأ ِنزل فيها القرآن برك ٌة قدَّ رها اهلل هلا قبل نزول القرآن؛ ليكون‬
‫ال ورشف ًا‪ ،‬وهذا‬ ‫بابتداء نُزولِه فيها مالبس ًا لوقت مبارك فيزداد بذلك فض ً‬
‫من املناسبات ِ‬
‫اإلهل َّية الدَّ قيقة التي أنبأنا اهلل بِبعضها"(‪.)2‬‬

‫وهذه الليلة املباركة هي ليلة القدر والرشف والرفعة التي قال اهلل‬
‫فيها‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﱸ [القدر‪ ،]٣ - ١ :‬قال الشيخ ابن عاشور‪" :‬ويف ضمري العظمة وإسناد‬
‫عظيم للقرآن"(‪.)3‬‬
‫ٌ‬ ‫ترشيف‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫اإلنزال إليه‬

‫((( ((التحرير والتنوير))‪.315/18 :‬‬


‫((( املصدر نفسه‪.278/35 :‬‬
‫((( املصدر نفسه‪.456/30 :‬‬
‫‪13‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫ ‪3 .‬نزوله بأرقى اللغات وأجمعها‪:‬‬


‫لقد اختص اهلل تعاىل اللغة العربية من بني سائر اللغات‪ ،‬بل اختارها‬
‫هلذه اللغة احلاكمة عىل‬ ‫لتكون لغة آخر كتبه‪ ،‬وهذا االختيار من احلق‬
‫كل اللغات‪ ،‬إنام يعود إىل ما متتاز به من مرونة واتساع وقدرة عىل االشتقاق‪،‬‬
‫والنحت والترصيف‪ ،‬وغنى يف املفردات والصيغ واألوزان(‪.)1‬‬

‫والذي يدرس لغات العامل يقر بأن اللغة العربية هي أم اللغات‬


‫وأمجعها للمعاين الكثرية املندرجة حتت األلفاظ القليلة‪ ،‬وهذا يدل عىل‬
‫عظمة القرآن العظيم أنه نزل بأفضل اللغات وأرقاها‪ :‬اللغة العربية‪ ،‬وقد‬
‫أشاد القرآن العظيم هبا يف أكثر من موضع‪ ،‬منها‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﱸ [يوسف‪ ،]٢ :‬وقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﱸ [فصلت‪.]٣ :‬‬

‫وقد يسأل سائل فيقول‪ :‬ما احلكمة من إنزال القرآن العظيم باللغة‬
‫العربية دون غريها من لغات العامل؟ أجاب الشيخ ابن عاشور عن ذلك‬
‫فقال‪" :‬وقد أراد اهلل تعاىل أن يكون القرآن كتاب ًا ُما َطب ًا به ُّ‬
‫كل األمم يف مجيع‬
‫بلغة هي أفصح كال ٍم بني لغات البرش وهي ال ُّلغة‬ ‫العصور‪ ،‬لذلك جعله ٍ‬
‫ٍ‬
‫ألسباب يلوح يل منها‪َ :‬أ َّن تلك ال ُّلغة أوفر ال ُّلغات ما َّدةً‪ ،‬وأق ُّلها‬ ‫العربية‪،‬‬

‫((( ينظر‪(( :‬لغة القرآن مكانتها واألخطار التي هتددها)) د‪.‬إبراهيم بن حممد بن عباة‪ :‬صـ ‪.12 - 11‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪14‬‬

‫ترصف ًا يف الدَّ اللة عىل أغراض املتك ِّلم‪،‬‬


‫حروف ًا‪ ،‬وأفصحها هلج ًة‪ ،‬وأكثرها ُّ‬
‫تتحمله ال ُّلغة العربِية يف‬
‫َّ‬ ‫وأوفرها ألفاظ ًا‪ ،‬وجعله جامع ًا ألكثر ما يمكن أن‬
‫أقل ما يسمح به نظم تلك ال ُّلغة‪ ،‬فكان قوام‬
‫نظم تراكيبها من املعاين‪ ،‬يف ِّ‬
‫أسالِيبه ِ‬
‫جاري ًا عىل أسلوب اإلجياز فلذلك كثر فيه ما مل يكثر مثله يف كالم‬
‫بلغاء العرب"(‪.)1‬‬

‫ومعلوم أن العرب أ َّمة ُجبلت عىل ذكاء القرائح وفطنة األفهام‪،‬‬


‫فكانوا أرباب الفصاحة والبالغة وأصحاب اليد ال َّطوىل يف ذلك؛ فلذلك‬
‫تنوعت أساليب كالمهم‪ ،‬فيكثر يف كالمهم املجاز واالستعارة والتمثيل‬
‫والكناية والتعريض واالشرتاك وغريها من األساليب التي حتوي املعاين‬
‫البديعة‪ ،‬وكيفية إيصاهلا إىل املتكلم بأوضح إشارة وأوجز عبارة‪.‬‬

‫وملا كان القرآن العظيم وحي ًا من اهلل تعاىل أراده أن يكون معجز ًة وآي ًة‬
‫وحتدَّ ى بلغاء العرب بأقرص سورة‬ ‫عىل صدق رسوله‬
‫منه‪ ،‬فقد نُسج نظمه نسج ًا بالغ ًا منتهى ما تسمح به اللغة العربية من الدقائق‬
‫واللطائف لفظ ًا ومعنى‪.‬‬

‫ ‪4 .‬عاملية القرآن العظيم‪:‬‬


‫ومن مظاهر عظمة القرآن العظيم كونه رسالة خالدة للخلق عامة‪،‬‬

‫((( ((التحرير والتنوير))‪. 98/1 :‬‬


‫‪15‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫خاطب اهلل تعاىل به مجيع البرش إىل يوم القيامة‪ ،‬فلم ُيقيد بزمان وال بمكان‬
‫موجه إىل الثقلني خاطبهم مجيع ًا بام ُيسعدهم‬
‫وال جنس وال طبقة‪ ،‬بل هو َّ‬
‫يف الدنيا واآلخرة من العقائد الصحيحة والعبادات احلكيمة واألحكام‬
‫الرفيعة واألخالق الفاضلة التي تستقيم هبا حياهتم‪.‬‬

‫ولقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة وإمجاع األمة عىل عاملية‬


‫القرآن العظيم‪ ،‬وقد ذكر بعضهم "أن عدد اآليات الدالة عىل عاملية القرآن‬
‫تزيد عىل ثالثامئة ومخسني آية"(‪.)1‬‬

‫ومن هذه النصوص قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬


‫ﭚ ﭛ ﱸ [يوسف‪[ ،]١٠٤ :‬ص‪[ ،]87 :‬القلم‪[ ،]52 :‬التكوير‪.]27 :‬‬

‫قال الرازي‪َ " :‬ل ْف َظ ﱹ ﭛ ﱸ يتناول مجيع املخلوقات فد َّلت اآلية‬


‫ِ‬
‫األنبياء‬ ‫رسول للخلق إىل يوم القيامة‪ ،‬فوجب أن يكون خاتم‬ ‫ٌ‬ ‫عىل أنَّه‬
‫والرسل"(‪.)2‬‬
‫ُّ‬

‫وما دام أن القرآن العظيم رسالة عاملية للخلق قاطبة‪ ،‬فال شك أن‬
‫الرسول الذي كانت رسالته القرآن العظيم هو رسول عاملي أيض ًا‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﱸ [األنبياء‪ ،]١٠٧ :‬قال الشيخ ابن عاشور‪:‬‬

‫((( ((داللة أسامء سور القرآن الكريم من منظور حضاري)) د‪.‬حممد خليل جيجك‪ :‬صـ ‪.132‬‬
‫((( ((تفسري الرازي))‪.429/24 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪16‬‬

‫"صيغت بأبلغ نظ ٍم إذ اشتملت هاته اآلية بوجازة ألفاظها عىل مدح َّ‬
‫الرسول‬
‫ومدح مرسله تعاىل‪ ،‬ومدح رسالته بِأن كانت مظهر‬
‫رمحة اهلل تعاىل للنَّاس كا َّف ًة َّ‬
‫وبأنا رمحة اهلل تعاىل بخلقه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أربعة وعرشين حرف ًا بدون حرف العطف الذي‬ ‫فهي تشتمل عىل‬
‫والرسالة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الرسول‪ ،‬ومرسله‪ ،‬واملرسل إليهم‪،‬‬
‫عطفت به‪ ،‬ذكر فيه َّ‬
‫وأوصاف هؤالء األربعة‪ ،‬مع إفادة عموم األحوال‪ ،‬واستغراق املرسل‬
‫إليهم‪ ،‬وخصوص َّية احلرص‪ ،‬وتنكري ﱹ ﮓ ﱸ للتَّعظيم‪ ،‬إذ ال مقتىض إليثار‬
‫وإل لقيل‪َّ ( :‬إل لنرحم العاملني)‪ ،‬أو‬
‫التَّنكري يف هذا املقام غري إرادة التَّعظيم‪َّ ،‬‬
‫( َّإل أنَّك َّ‬
‫الرمحة للعاملني)‪ ،‬وليس التَّنكري لإلفراد قطع ًا لظهور َّ‬
‫أن املراد جنس‬
‫وتنكري اجلنس هو الذي يعرض له قصد إرادة التَّعظيم‪ .‬فهذه اثنا‬ ‫ِ‬ ‫الرمحة‪،‬‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كلمة لبلغاء العرب‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫معنى خصوصي ًا‪ ،‬فقد فاقت َ‬
‫أمجع‬ ‫عرش ً‬

‫‪....................‬‬ ‫ومنز ِل‬


‫يب ِ‬ ‫ِق َفا نبك ِمـــن ِذكرى َحبِ ٍ‬

‫واستو َقف و َبكى ْ‬


‫واس َت ْبكى‬ ‫ْ‬ ‫إذ تلك الكلمة قصاراها كام قالوا‪( :‬أنَّه وقف‬
‫فجمع س َّت َة معان‬
‫َ‬ ‫واملنزل) دون خصوص َّي ٍة أزيد من ذلك‬
‫ِ‬ ‫احلبيب‬
‫َ‬ ‫وذكر‬
‫ال غري"(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫((( ((التحرير والتنوير))‪.165/17 :‬‬


‫‪17‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫املطلب الثاني‬
‫دالئل عظمة القرآن العظيم‪:‬‬

‫املقصود بدالئل عظمة القرآن‪ :‬هي األمور احلسية والواقعية التي تدلنا‬
‫عىل أن هذا القرآن عظيم وهذه الدالئل تفوق احلرص‪ ،‬ومن أمثلتها إمجاالً‪:‬‬
‫اتساق القرآن العظيم عىل نسق واحد‪ ،‬وحتقق أخباره الغيب َّية املستقبلية‪،‬‬
‫وأنه معجزة ال تنتهي‪ ،‬وقد بلغ الغاية يف البالغة والفصاحة‪ ،‬وحوى كل‬
‫ما حيتاجه البرش يف املعاش واملعاد‪ ،‬وهكذا‪...‬‬

‫وسيقترص حديثنا عىل داللتني هامتني‪ ،‬خوف ًا من اإلطالة وجتنب ًا‬


‫للسآمة وامللل من كثرة احلديث‪ ،‬ومها عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫ ) ‪1‬كثرة العلوم املستنبطة من القرآن العظيم‪:‬‬


‫إن أكثر العلوم ‪ -‬إن مل يكن كلها ‪ -‬إنام نشأت يف أحضان القرآن‬
‫العظيم‪ ،‬بل كان القرآن العظيم سبب ًا لتدوينها ومن َّ‬
‫ثم االهتامم هبا ودراستها‪.‬‬

‫علوم اللغة مثال والتي تعترب ركيزة مهمة يف فهم القرآن العظيم‪،‬‬
‫قال حجة اإلسالم الغزايل‪" :‬ومن أراد أن يتكلم يف تفسري القرآن وتأويل‬
‫والتبحر يف‬
‫ُّ‬ ‫األخبار ويصيب يف كالمه؛ فيجب عليه أوالً‪ :‬حتصيل علم اللغة‬
‫فن النحو‪ ،‬والرسوخ يف ميدان اإلعراب‪ ،‬والترصف يف أصناف الترصيف؛‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪18‬‬

‫فإن علم اللغة س َّلم ومرقاة إىل مجيع العلوم‪ ،‬ومن ال يعلم اللغة فال سبيل‬
‫له إىل حتصيل العلوم؛ فإن من أراد أن يصعد سطح ًا عليه متهيد املرقاة أوالً‬
‫ثم بعد ذلك يصعد ‪،‬وعلم اللغة وسيلة عظيمة‪ ،‬ومرقاة كبرية‪ ،‬فال يستغني‬
‫طالب العلم عن أحكام اللغة‪ ،‬فعلم اللغة أصل األصول"(‪.)1‬‬

‫فعلوم اللغة إنام نشأت خدمة لكتاب اهلل تعاىل وجتويده وفهمه‪،‬‬
‫قال الرافعي‪" :‬فال جتد من رجل روى أو صنَّف أو أ ْمىل يف ف ٍّن من فنون‬
‫اآلداب أول عهدهم بذلك‪ ،‬إال خدم ًة للقرآن الكريم؛ ثم استقلت الفنون‬
‫بعد ذلك وبقي أثر هذا املعنى يف فواتح الكتب؛ والقرآن نفسه حادثة‬
‫أدبية من املعجزات احلقيقية التي ال شبهة فيها‪ ،‬وإن مل يفهم رس ذلك من‬
‫ال يفهمونه"(‪.)2‬‬

‫وكذلك علوم الرشيعة من تفسري وحديث وعقيدة وفقه وأصول‬


‫املفسون بألفاظه فوجدوا منه لفظ ًا‬
‫‪ ،...‬قال اإلمام السيوطي‪" :‬واعتنى ِّ‬
‫يدل عىل معنيني ولفظ ًا يدل عىل ِ‬
‫أكثر فأجروا‬ ‫يدل عىل معنى واحد ولفظ ًا ُّ‬
‫اخلفي منه‪ ،‬وخاضوا يف ترجيح أحد‬
‫ِّ‬ ‫األول عىل حكمه وأوضحوا معنى‬
‫َّ‬
‫نظره‬
‫كل منهم فكره وقال بام اقتضاه ُ‬‫حمتمالت ذي املعنيني واملعاين وأعمل ٌّ‬
‫َّظر َية‬ ‫ِ‬
‫األصل َّية والن ِ‬ ‫ِ‬
‫العقلية َّ‬
‫والشواهد‬ ‫واعتنى األصول ُّيون بِام فيه من األد َّلة‬

‫((( ((الرسالة اللدنية)) للغزايل‪ :‬صـ ‪. 98‬‬


‫((( ((تاريخ آداب العرب)) للرافعي‪. 16/1 :‬‬
‫‪19‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫مثل قوله تعاىل‪ :‬ﱹﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﱸ [األنبياء‪ ]٢٢ :‬إىل غري ذلك من‬
‫اآليات الكثرية فاستنبطوا منه أد َّل ًة عىل وحدانِ َّية اهلل ووجوده وبقائه وقدمه‬
‫وس َّموا هذا العلم بأصول الدِّ ين‪.‬‬
‫عم ال يليق به َ‬ ‫وتنزهيِه َّ‬
‫وقدرته وعلمه ِ‬

‫وتأ َّملت طائف ٌة منهم معاين خطابه فرأت منها ما يقتيض العموم ومنها‬
‫ما يقتيض اخلصوص إىل غري ذلك فاستنبطوا منه أحكام ال ُّلغة من احلقيقة‬
‫واملجاز‪ ،‬وتك َّلموا ِف التخصيص واإلخبار والنص (االجتهاد) وال َّظاهر‬
‫واملجمل واملحكم واملتشابه واألمر َوالن َّْه ِي والنَّسخ إىل غري ذلك من أنواع‬
‫وس َّموا هذا الف َّن (أصول الفقه)‪.‬‬
‫األقيسة واستصحاب احلال واالستقراء‪َ ،‬‬
‫وأحكمت طائف ٌة صحيح الن ِ‬
‫َّظر وصادق الفكر فيام فيه من احلالل‬
‫وفرعوا فروعه وبسطوا القول يف‬
‫فأسسوا أصوله َّ‬
‫واحلرام وسائر األحكام َّ‬
‫وسموه بعلم الفروع وبالفقه أيض ًا"(‪.)1‬‬
‫ذلك بسط ًا حسن ًا‪َّ ،‬‬

‫وليس هذا فحسب‪ ،‬بل حتى العلوم احلديثة من طب وهندسة وجرب‬


‫وفيزياء واقتصاد و ‪ ...‬قد أشار إليها القرآن العظيم يف بعض آياته العظام‬
‫وصفاته‪ ،‬ويف‬ ‫قال الغزايل‪" :‬وباجلملة فالعلوم كلها داخلة يف أفعال اهلل‬
‫القرآن رشح ذاته وأفعاله وصفاته‪ ،‬وهذه العلوم ال هناية هلا ويف القرآن إشارة‬
‫إىل جمامعها‪ ،‬واملقامات يف التعمق يف تفصيله راجع إىل فهم القرآن‪ ،‬وجمرد‬

‫((( ((اإلتقان يف علوم القرآن)) للسيوطي‪. 33/4 :‬‬


‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪20‬‬

‫ظاهره التفسري ال يشري إىل ذلك‪ ،‬بل كل ما أشكل فيه عىل النظار واختلف‬
‫فيه اخلالئق يف النظريات واملعقوالت‪ ،‬ففي القرآن إليه رموز ودالالت عليه‬
‫خيتص أهل الفهم بدركها فكيف يفي بذلك ترمجة ظاهره وتفسريه"(‪.)1‬‬

‫وجيب أن ننبه إىل أمر مهم للغاية‪ ،‬وهو أن القرآن العظيم هو كتاب‬
‫هداية وإعجاز‪ ،‬وليس هو كتاب طب أو فيزياء أو فلك أو اقتصاد أو غري‬
‫ذلك‪ ،‬فهذه العلوم ليست مقصودة لذاهتا بل ملا حتمله من عظة وعربة‪ ،‬قال‬
‫الزرقاين ‪ -‬حتت عنوان‪( :‬القرآن كتاب هداية وإعجاز)‪" :-‬وحتقيق القول‬
‫يف هذا املوضوع‪ :‬أن القرآن الكريم كتاب هداية وإعجاز من أجل هذين‬
‫املطمحني نزل‪ ،‬وفيهام حتدث‪ ،‬وعليهام دل‪ .‬فكل علم يتصل بالقرآن من‬
‫ناحية قرآنيته أو يتصل به من ناحية هدايته أو إعجازه فذلك من علوم‬
‫القرآن‪ ،‬وهذا ظاهر يف العلوم الدينية والعربية‪.‬‬

‫أما العلوم الكونية واملعارف والصنائع‪ ،‬وما جدَّ أو جيد يف العامل‬


‫من فنون ومعارف كعلم اهلندسة واحلساب وعلم اهليئة والفلك وعلم‬
‫االقتصاد واالجتامع وعلم الطبيعة والكيمياء وعلم احليوان والنبات‪ ،‬فإن‬
‫شيئ ًا من ذلك ال جيمل عدُّ ه من علوم القرآن؛ ألن القرآن مل ينزل ليدلل عىل‬
‫ليقرر قانون ًا من قوانينها‪ ،‬وكذلك علم‬
‫نظرية من نظريات اهلندسة مثال‪ ،‬وال ِّ‬
‫اهلندسة مل يوضع ليخدم القرآن يف رشح آياته أو بيان أرساره‪.‬‬

‫((( ((إحياء علوم الدين))‪. 289/1 :‬‬


‫‪21‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫وهكذا القول يف سائر العلوم الكونية والصنائع العاملية‪ ،‬وإن كان‬


‫القرآن قد دعا املسلمني إىل تعلمها وحذقها والتمهر فيها خصوصا عند‬
‫احلاجة إليها‪ ،‬وإنام قلنا‪ :‬إنه ال جيمل اعتبار علوم الكون وصنائعه من علوم‬
‫القرآن مع أن القرآن يدعو إىل تعلمها ألن هناك فرق ًا كبري ًا بني اليشء حيث‬
‫القرآن عىل تعلمه يف عموماته أو خصوصياته‪ ،‬وبني العلم يدل القرآن عىل‬
‫مسائله أو يرشد إىل أحكامه‪ ،‬أو يكون ذلك العلم خادما للقرآن بمسائله‬
‫أو أحكامه أو مفرداته‪ ،‬فاألول ظاهر أنه ال يعترب من علوم القرآن بخالف‬
‫الثاين‪ ،‬وهو ما نريد أن نرشدك إليه وأن حترص أنت بدورك عليه"(‪.)1‬‬

‫ ) ‪2‬خصوم القرآن العظيم وأعداؤه شهدوا بعظمته‪:‬‬


‫إن من أعظم دالئل عظمة القرآن العظيم أن شهد له أعداؤه‪ ،‬رغم‬
‫عدم إيامهنم به‪ ،‬بل َّ‬
‫سخروا عقوهلم وأمواهلم لطمس معامله وحتريفه‪ ،‬وكام‬
‫قيل‪ :‬احلق ما شهدت به األعداء‪.‬‬

‫وقد سجل التاريخ قصص وأخبار لكثري من الكفار ممن استمع إىل‬
‫القرآن العظيم فرسعان ما أبدى إعجابه‪ ،‬وبعضهم أسلم عىل إثر سامعه‬
‫للقرآن العظيم‪ ،‬وهلل در القائل‪:‬‬

‫((( ((مناهل العرفان))‪. 24/1 :‬‬


‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪22‬‬

‫(‪)1‬‬
‫والفضل ما شـــهدت به األعداء‬ ‫رضاتا‬
‫ُ‬ ‫ومليحة شـــهدت هلـــا‬
‫وهذه النامذج كثرية نقترص عىل أمهها‪ ،‬وذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫ ) ‪1‬شهادة الفيلسوف الفرنيس (ألِكْس لوازون) حيث يقول‪" :‬خ َّلف حممد‬
‫وسجل لألخالق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫للعامل كتاب ًا هو آية البالغة‪،‬‬
‫وكتاب مقدس‪ ،‬وليس بني املسائل العلمية املكتشفة حديث ًا مسألة‬
‫تتعارض مع األسس اإلسالمية‪ ،‬فاالنسجام تام بني تعاليم القرآن‬
‫والقوانني الطبيعية"(‪.)2‬‬

‫ ) ‪2‬شهادة املسترشق األملاين (د‪ .‬شومبس)‪ ،‬حيث قال‪ ..." :‬وربام تعجبون‬
‫من اعرتاف رجل أورويب مثيل هبذه الطريقة‪ ،‬فقد درست القرآن‬
‫فوجدت فيه تلك املعاين العالية‪ ،‬واألنظمة املحكمة‪ ،‬والبالغة الرائعة‬
‫التي مل أجد مثلها قط يف حيايت‪ ،‬مجلة واحدة منه تغني عن مؤلفات‪،‬‬
‫عن ربه"(‪.)3‬‬ ‫وال شك أكرب معجزة أتى هبا حممد‬

‫رس بقاء‬
‫وليس هذا فحسب‪ ،‬بل إن أعداء اإلسالم أدركوا أن َّ‬
‫املسلمني اليوم هو القرآن العظيم‪ ،‬ولواله مل يكن للمسلمني أي أثر‬

‫((( ((إعانة الطالبني))‪. 289/4 :‬‬


‫((( ((ينظر بالقرآن أسلم هؤالء)) لعبد العزيز سيد الغزاوي‪ :‬صـ ‪. 63‬‬
‫((( املصدر السابق‪ :‬صـ ‪.49‬‬
‫‪23‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫اليوم‪ ،‬واستمع إىل الشهادة اآلتية‪:‬‬

‫ ) ‪3‬شهادة وزير املستعمرات الربيطانية (غالدستون)‪ ،‬فقد وقف وزير‬


‫املستعمرات الربيطاين (غالدستون) عام ‪1895‬م‪ ،‬يقول لزمالئه يف‬
‫جملس العموم الربيطاين‪ ،‬وقد أمسك بقرآن يف يده‪" :‬لن حتقق بريطانيا‬
‫شيئ ًا من غاياهتا يف العرب واملسلمني‪ ،‬إال إذا سلبتْهم سلطان هذا‬
‫الكتاب أوالً ‪ ..‬أخرجوا رس هذا الكتاب مما بينهم ‪،‬تتحطم أمامكم‬
‫مجيع السدود"(‪.)1‬‬

‫بل أدركوا أن القرآن العظيم أقوى منهم ومن كل العامل‪ ،‬استمع إىل‬
‫الشهادة اآلتية‪:‬‬

‫ ) ‪4‬شهادة وزير املستعمرات الفرنيس (الكوست)‪ ،‬فقد قال حني عجز عن‬
‫ْفرسنة اجلزائر بعد جهد كبري خالل سنوات عديدة‪" :‬ماذا أصنع إذا‬
‫كان القرآن أقوى من فرنسا"(‪.)2‬‬

‫أضف إىل ذلك أن املسلمني ملا فتحوا العامل إنام فتحوه بالقرآن‬
‫العظيم‪ ،‬اقرأ الشهادة اآلتية‪:‬‬

‫ ) ‪5‬شهادة (كوبولد) حيث يقول‪" :‬القرآن هو الذي دفع العرب إىل فتح‬

‫((( ينظر‪(( :‬عاملية القرآن)) د‪ .‬وهبة الزحييل‪ :‬صـ ‪. 14‬‬


‫((( ((قادة الغرب يقولون)) جالل العامل‪ :‬صـ ‪ ،31‬عن جملة املنار‪ ،‬عدد (‪ 9‬ـ ‪1962( ،)11‬م)‪.‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪24‬‬

‫العامل‪ ،‬ومكَّنهم من إنشاء امرباطورية فاقت امرباطورية االسكندر‬


‫الكبري‪ ،‬واالمرباطورية الرومانية سع ًة وقو ًة وعمران ًا وحضار ًة ‪."...‬‬

‫ويضيف قائالً‪" :‬هذا هو الكتاب الذي خلق العرب خلق ًا جديد ًا‪،‬‬
‫وحد صفوفهم‪ ،‬ودفعهم إىل العامل فاقتحموه وحكموه ‪.)1("...‬‬
‫ثم َّ‬

‫وأخري ًا وليس آخر ًا يمكن أن يقال وباختصار‪ :‬إن عظمة اإلسالم‬


‫يف عظمة القرآن‪ ،‬وإليك الشهادة اآلتية‪:‬‬

‫ ) وشهادة الدكتورة (لورا فيشيا فاغلريي)‪ ،‬حيث قالت‪" :‬إن عظمة‬


‫اإلسالم الكربى هي القرآن ‪ ،...‬وال يزال لدينا برهان آخر عىل مصدر‬
‫القرآن اإلهلي‪ ،‬هذه احلقيقة هي أن نص القرآن َّ‬
‫ظل صافي ًا غري َّ‬
‫حمرف‬
‫طوال القرون التي ترامت بني تنزيله وحتى يومنا هذا ‪. ...‬‬

‫إن هذا الكتاب الذي يتىل كل يوم يف طول العامل اإلسالمي وعرضه‬
‫ال يوقع يف نفس املؤمن أيام إحساس بامللل‪ ،‬عىل العكس إنه من طريقة‬
‫التالوة املكررة حي ِّبب نفسه إىل املؤمنني أكثر فأكثر يوما بعد يوم ‪...‬‬
‫حتى إننا لنجد اليوم ‪ -‬عىل الرغم من انحسار موجة اإليامن ‪ -‬آالف ًا‬
‫من الناس قادرين عىل ترديده عن ظهر قلب‪ .‬ويف مرص وحدها عدد‬
‫من احلفاظ أكثر من عدد القادرين عىل تالوة األناجيل عن ظهر قلب‬

‫((( ((البحث عن اهلل))‪ :‬صـ ‪. 51‬‬


‫‪25‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫يف أوروبة كلها"(‪.)1‬‬

‫فحري بنا نحن املسلمني أن نعرف قيمة هذا الكتاب الذي بني أيدينا‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وندرك عظمته‪ ،‬ونجعله نرباس ًا لسلوكنا‪ ،‬ودستور ًا حلياتنا‪ ،‬ونعتكف عىل‬
‫قراءته حتى نتضلع من علومه ونرتشف من أرساره وأنواره‪.‬‬

‫((( ((دفاع عن اإلسالم))‪ :‬صـ ‪.32 - 30‬‬


‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪26‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫اإلجماع على أنه ما من نازلة أو حادثة إال وفي‬


‫كتاب الله بيان حكمها‪ ،‬وأمثلته التطبيقية‬

‫ويتكون هذا املبحث من املطلبني اآلتيني‪:‬‬

‫املطلب األول‬

‫اإلجماع على أنه ما من حادثة إال وفي‬


‫كتاب الله بيان حكمها‪:‬‬

‫بام أن نصوص الرشيعة ‪ -‬عىل كثرهتا ‪ -‬معدودة حمدودة‪ ،‬بينام احلوادث‬


‫والنوازل واملستجدات ال تعد وال حترص‪ ،‬فقد أمجع العلامء عىل أنه ال ختلو‬
‫ال أو تأصيالً‪ ،‬نص ًا‬
‫‪ :‬إما ترصحي ًا أو تلميح ًا‪ ،‬تفصي ً‬ ‫واقعة عن حكم هلل‬
‫أو داللة‪ ،‬واستندوا يف إمجاعهم هذا عىل أدلة متعددة من القرآن الكريم‪،‬‬
‫من أمهها‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ [األنعام‪ ،]٣٨ :‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﱸ [النحل‪ ،]٨٩ :‬وقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﱸ [الكهف‪ ،]٥٤ :‬وقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯢ‬
‫‪27‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﱸ [الروم‪[ ،]٥٨ :‬الزمر‪.]27 :‬‬

‫‪ -‬عند تفسريه لقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬ ‫قال القرطبي‬


‫ليبي لكم أمر دينكم‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﱸ [النساء‪" :]٢٦ :‬أي ِّ‬
‫ومصالح أمركم‪ ،‬وما حيل لكم وما حيرم عليكم‪ ،‬وذلك يدل عىل امتناع خلو‬
‫واقعة عن حكم اهلل تعاىل‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ "(‪.)1‬‬
‫وقال أيض ًا يف تفسري قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ‪" :‬أي يف اللوح‬
‫املحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من احلوادث‪ .‬وقيل‪ :‬أي يف القرآن‪ .‬أي‪:‬‬
‫ما تركنا شيئ ًا من أمر الدين إال وقد دللنا عليه يف القرآن‪ ،‬إما داللة مب َّينة‬
‫مرشوحة‪ ،‬وإما جمملة يتلقى بياهنا من الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬أو‬
‫من االمجاع‪ ،‬أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﱸ النحل‪ ،٨٩ :‬وقال‪ :‬ﱹ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﱸ [النحل‪ ،]٤٤ :‬وقال‪ :‬ﱹ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﱸ [احلرش‪ ]٧ :‬فأمجل يف هذه اآلية وآية (النحل) ما مل ينص عليه‬
‫مما مل يذكره‪ ،‬فصدق خرب اهلل بأنه ما فرط يف الكتاب من يشء إال ذكره‪،‬‬
‫إما تفصي ً‬
‫ال وإما تأصيالً‪ ،‬وقال‪ :‬ﱹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ [املائدة‪.)2("]٣ :‬‬

‫((( ((تفسري القرطبي))‪.147/5 :‬‬


‫((( ((تفسري القرطبي))‪ ،420/6 :‬وينظر‪(( :‬أحكام القرآن)) للكيا اهلرايس‪ ،427/2 :‬و((اإلكليل يف =‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪28‬‬

‫يف رشح حديث طلحة بن مرصف قال‪ :‬سألت‬ ‫وقال النووي‬


‫أوىص؟‬ ‫َّبي‬
‫‪(( :‬هل كان الن ُّ‬ ‫عبد اهلل بن أيب أوىف‬
‫فقال‪ :‬ال‪ .‬فقلت كيف كتب عىل النَّاس الوص َّية أو ُأمروا بالوص َّية؟ قال‪:‬‬
‫أوىص بكتاب اهلل))(‪ ،)1‬قال اإلمام النووي‪" :‬أي بِالعمل بام فيه‪ ،‬وقد قال اهلل‬
‫نص ًا‬ ‫تعاىل‪ :‬ﱹ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ ومعناه َّ‬
‫أن من األشياء ما ُيعلم منه ّ‬
‫ومنها ما حيصل باالستنباط"(‪.)2‬‬

‫ملا اشتد بالنبي‬ ‫وقال عبداهلل بن عباس‬


‫وجعه قال‪(( :‬ائتوين بكتاب أكتب لكم كتاب ًا ال تضلوا من بعده‪ .‬قال عمر‪ :‬إن‬
‫غلبه الوجع وعندنا كتاب اهلل حسبنا‪ .‬فاختلفوا‬ ‫النبي‬
‫وكثر اللغط قال‪ :‬قوموا عني وال ينبغي عندي التنازع))(‪ .)3‬قال اإلمام‬
‫فقد اتَّفق العلامء املتك ِّلمون يف‬ ‫‪" :‬وأ َّما كالم عمر‬ ‫النووي‬
‫عمر وفضائله ودقيق نظره؛ ألنَّه خيش‬
‫رشح احلديث عىل أنَّه من دالئل فقه َ‬
‫أمور ًا ر َّبام عجزوا عنها واستح ُّقوا العقوبة‬ ‫أن يكتب‬
‫ألنا منصوص ٌة ال جمال ِللجتهاد فيها‪ ،‬فقال عمر‪ :‬حسبنا كتاب اهلل‬
‫عليها َّ‬
‫لقوله تعاىل ﱹ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ وقوله‪ :‬ﱹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﱸ‬

‫اسنباط التنزيل)) للسيوطي‪ ،89/1 :‬و((التفسري املنري)) للزحييل‪. 29/5 :‬‬ ‫= ‬


‫((( أخرجه البخاري‪ ،227/5 :‬حديث رقم (‪ ،)4191‬ومسلم‪ ،1256/3 :‬حديث رقم (‪. )1634‬‬
‫((( ((رشح النووي عىل مسلم))‪. 88/11 :‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،1111/3 :‬حديث رقم (‪ ،)2888‬ومسلم‪ ،1260/3 :‬حديث رقم (‪. )1637‬‬
‫‪29‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫التفيه(‪ )1‬عىل‬
‫الضالل عىل األ َّمة وأراد َّ‬ ‫فعلم َّ‬
‫أن اهلل تعاىل أكمل دينه فأمن َّ‬
‫فكان عمر أفقه من ابن ع َّباس وموافقيه‪.‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫قال اإلمام احلافظ أبوبكر البيهقي يف أواخر كتابه ((دالئل الن َُّّبوة)) إنَّام‬
‫حني غلبه الوجع‬ ‫قصد عمر التَّخفيف عىل رسول اهلل‬
‫أن يكتب ما ال يستغنون عنه مل يرتكه‬ ‫ولو كان مراده‬
‫الختالفهم وال لغريه لقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﱸ‬
‫[املائدة‪ ]٦٧ :‬كام مل يرتك تبليغ غري ذلك ملخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه‪،‬‬
‫وكام أمر يف ذلك احلال بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغري ذلك ممَّا ذكره‬
‫يف احلديث‪ ،‬قال البيهقي‪ :‬وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أنَّه‬
‫ثم ترك‬
‫(‪َّ )2‬‬ ‫أراد أن يكتب استخالف أيب بكر‬
‫ذلك اعتامد ًا عىل ما علمه من تقدير اهلل ذلك ‪ ...‬وإن كان املراد بيان أحكام‬
‫الدِّ ين ورفع اخلالف فيها‪ ،‬فقد َعلم عمر حصول ذلك لقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭻ‬
‫وف الكتاب‬‫ﭼ ﭽ ﭾ ﱸ وعلم أنَّه ال تقع واقع ٌة إىل يوم القيامة َّإل ِ‬
‫نص ًا أو دالل ًة ‪ ،...‬ورأى عمر االقتصار عىل ما سبق بيانه‬ ‫بيانا ّ‬ ‫ِ‬
‫أو السنَّة ُ‬

‫والتيسري عليه‪.‬‬ ‫((( أي‪ :‬أراد الرفق برسول اهلل‬


‫حديث عائشة‬ ‫أراد كتابة استخالف أيب بكر‬ ‫((( مما يدل عىل أن الرسول‬
‫يف مرضه‪(( :‬ادعي يل أبا بكر أباك وأخاك؛ حتى‬ ‫قالت‪ :‬قال يل رسول اهلل‬
‫متمن‪ ،‬ويقول قائل‪ :‬أنا أوىل‪ ،‬ويأبى اهلل واملؤمنون إال أبابكر)) رواه‬
‫ٍّ‬ ‫أكتب كتابا؛ فإين أخاف أن يتمنى‬
‫البخاري‪ ،1238/3 :‬حديث رقم (‪ ،)3204‬ومسلم‪ ،1857/4 :‬حديث رقم (‪. )2387‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪30‬‬

‫نص ًا أو داللة ختفيف ًا عليه‪ ،‬ولئال ينسد باب االجتهاد عىل أهل العلم‬
‫إ َّياه ّ‬
‫ِ‬
‫وإحلاق الفروع باألصول ‪ ،...‬ويف تركه‬ ‫واالستنباط‬
‫اإلنكار عىل عمر ٌ‬
‫دليل عىل استصوابه"(‪.)1‬‬

‫أن يرسل معاذ بن جبل‬ ‫وملا أراد رسول اهلل‬


‫قضاء؟ قال أقىض بكتاب اهلل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قال له‪(( :‬كيف تقىض إذا عرض لك‬
‫‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فإن مل جتد يف كتاب اهلل؟ قال‪ :‬فبسنَّة رسول اهلل‬
‫وال يف كِت ِ‬
‫َاب اهللِ؟‬ ‫َق َال‪ :‬فإن مل جتد يف سنَّة رسول اهلل‬
‫صدره‪،‬‬ ‫رأيي وال آلو‪ .‬فرضب رسول اهلل‬ ‫قال‪َ :‬أجتهد ِ‬
‫رسول اهللِ))(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫رسول اهللِ لِ َـم ُي ْر ِض‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫رسول‬ ‫وقال‪ :‬احلمد هلل ا َّل ِذي و َّفق‬

‫ومعنى قوله‪( :‬أجتهد رأيي) أي‪ :‬أبذل كل ما بوسعي وأستفرغ‬


‫جهدي يف طلب احلكم الرشعي‪ ،‬واملراد به رد القضية الرشعية التي تعرض‬
‫للمجتهد ‪ -‬من طريق القياس ‪ -‬إىل أصل الكتاب والسنة‪ ،‬ومل يرد الرأي‬
‫الذي يراه من قبل نفسه عن غري محل عىل كتاب وسنة‪ ،‬قال اخلطايب‪" :‬مل‬
‫ٍ‬
‫أصل من‬ ‫نح له من ِقبل نفسه‪ ،‬أو خيطر بباله عىل غري‬
‫يس ُ‬
‫الرأي الذي ْ‬
‫يرد به َّ‬

‫((( ((رشح النووي عىل مسلم))‪. 90/11 :‬‬


‫((( أخرجه أبو داؤود‪ ،304/3 :‬حديث رقم (‪ ،)3593‬والرتمذي‪ ،616/3 :‬حديث رقم (‪،)1327‬‬
‫والدارمي‪ ،72/1 :‬حديث رقم (‪ ،)168‬وأمحد‪ ،236/5 :‬حديث رقم (‪ .)22114‬واخلالف يف ثبوت‬
‫احلديث مشهور‪ ،‬فمنهم من ضعفه‪ ،‬ومنهم من حسنه‪ ،‬ومنهم من صححه‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫كتاب‪ ،‬أو سنَّة‪ ،‬بل أراد ر َّد القض َّية إىل معنى الكتاب والسنَّة؛ من طريق‬
‫القياس ويف هذا إثبات للحكم بالقياس"(‪.)1‬‬

‫‪،‬‬ ‫يف حياة النبي‬ ‫وقد وقع االجتهاد من الصحابة‬


‫فأقرهم عىل اجتهادهم‪ ،‬ومل يعنِّفهم عىل نتائجه‪ ،‬فمن أمثلة ذلك‪ :‬أمره‬
‫َّ‬
‫هلم يوم األحزاب أن ال يصلوا العرص إال يف بني‬
‫قريظة(‪ ،)2‬فاجتهد بعضهم وصالها يف الطريق‪ ،‬وقالوا‪ :‬مل يرد منا التأخري‪،‬‬
‫وإنام أراد رسعة النهوض‪ ،‬فنظروا إىل املعنى‪ ،‬فهم سلف أصحاب املعاين‬
‫والقياس‪ ،‬واجتهد آخرون‪ ،‬وأخروها إىل بني قريظة‪ ،‬فصلوها ليالً‪ ،‬فنظروا‬
‫إىل اللفظ‪ ،‬وهؤالء سلف أهل الظاهر(‪.)3‬‬

‫‪:‬‬ ‫إىل أيب موسى األشعري‬ ‫وقد كتب عمر بن اخلطاب‬


‫(أما بعد‪ ،‬فإن القضاء فريضة حمكمة وسنة متبعة ‪ ...‬الفهم فيام خيتلج يف‬
‫صدرك‪ ،‬فام مل يبلغك يف القرآن والسنة ‪ ،‬فتعرف األمثال واألشباه‪ ،‬ثم قس‬
‫األمور عند ذلك‪ ،‬واعمد إىل أحبها إىل اهلل‪ ،‬وأشبهها فيام ترى)(‪.)4‬‬

‫((( ((معامل السنن)) للخطايب‪. 165/4 :‬‬


‫((( أخرجه البخاري‪ ،1510/4 :‬حديث رقم (‪ ،)3893‬ومسلم‪ ،1391/3 :‬حديث رقم (‪.)1770‬‬
‫((( ينظر‪(( :‬حتفة األحوذي))‪.466/4 :‬‬
‫((( رواه الدارقطني‪ ،206/4 :‬حديث رقم (‪ ،)15‬والبيهقي يف ((سننه الكربى))‪ ،115/10 :‬حديث رقم‬
‫(‪.)20844‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪32‬‬

‫املطلب الثاني‬
‫األمثلة التطبيقية‬

‫ومن أمثلة هذا الفهم الدقيق املستنبط من كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬ما روي‬
‫أنه كان يقول‪" :‬ما يل ال ألعن من لعنه اهلل يف كتابه‪،‬‬ ‫عن ابن مسعود‬
‫أن امرأة قرأت‬ ‫يعني‪ :‬الواشمة واملستوشمة‪ ،‬والواصلة واملستوصلة‪ ،‬وروي َّ‬
‫مجيع القرآن ثم أتته فقالت‪ :‬يا ابن أم ٍ‬
‫عبد‪ ،‬تلوت البارحة ما بني الدَّ َّف ْ ِ‬
‫تي‪ ،‬فلم‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫أجد فيه َل ْع َن الواشمة‪ ،‬واملستوشمة‪ ،‬فقال‪ :‬لو تلوتيه لوجدتيه‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﱹﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﱸ [احلرش‪ ،]٧ :‬وإن مما أتانا به رسول‬
‫أن قال‪(( :‬لعن اهلل الواشمة واملستوشمة))"(‪.)1‬‬ ‫اهلل‬

‫وحكي أن َّ‬
‫الشافعي جلس يف املسجد احلرام فقال‪" :‬ال تسألوين‬
‫عن يشء إال أجبتكم فيه من كتاب اهلل‪ ،‬فقال رجل‪ :‬ما تقول يف ا ُملحرم‬
‫إذا َقتل َّ‬
‫الزنبور؟‪ ،‬فقال‪ :‬ال يشء عليه‪ ،‬فقال‪ :‬أين هذا يف كتاب اهلل؟‪،‬‬
‫فقال‪ :‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱸ [احلرش‪ ،]٧ :‬ثم ذكر سند ًا‬
‫اء‬‫اخلل َف ِ‬
‫وسن َِّة ُ‬
‫أنه قال‪(( :‬عليكم بسنَّتي ُ‬ ‫إىل رسول اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للمحرم‬ ‫م َر أنه قال‪(( :‬‬‫إسنَاد ًا إىل ُع َ‬
‫اشدين م ْن َب ْعدي)) ثم ذكر ْ‬
‫َ‬ ‫الر‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،390/10 :‬حديث رقم (‪ ،)5939‬ومسلم‪ ،89/14 :‬حديث رقم (‪.)2125‬‬
‫((( أخرجه احلاكم‪ ،176/1 :‬حديث رقم (‪ ،)331‬وابن ماجة‪ ،17/1 :‬حديث رقم (‪ ،)44‬والدارمي‪= :‬‬
‫‪33‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫َقتْل الزَّنبور))"(‪.)1‬‬

‫وليس هذا فحسب بل حتى املشاكل التي تعصف باإلنسان‬


‫واملعضالت التي تن ِّغص عليه حياته‪ ،‬واهلموم التي حتارصه من كل مكان‬
‫‪ -‬فهمه من فهمه وجهله من جهله ‪ -‬كل ذلك عالجه يف القرآن الكريم‪،‬‬
‫فهو كالبدر حيثام التفت وجدته أمامك‪ ،‬وكالشمس يرشق نورها فيغشى‬
‫كل يشء‪ ،‬ومع ذلك هو بحر هيبك كنوز ًا نافعة ويرمي إليك جواهر ًا نادرة‪:‬‬

‫ُ ْيـــدي إىل عين ْيك نـــور ًا ثاقبا‬ ‫كالبدر من حيـــث التفت رأيتَه‬
‫َي ْغشـــى البال َد مشارق ًا ومغاربا‬ ‫وضو ُؤها‬
‫كالشمس يف كبد السامء ْ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ُ‬
‫ويبعث للبعيد ســـحائبا‬ ‫جود ًا‬ ‫يقـــذف للقريب جواهر ًا‬
‫ُ‬ ‫كالبحر‬

‫حكى اإلمام الرازي عن اإلمام جعفر بن حممد الصادق رمحهام اهلل‬


‫أنه قال ‪ -‬كاشفا بعض هذه الكنوز ‪" :-‬عجبت ملن ابتىل بأربع كيف يغفل‬
‫عن أربع‪:‬‬
‫عجبت ملن ُأعجب ٍ‬
‫بأمر كيف ال يقول‪( :‬ما شاء اهلل ال قوة إال باهلل)‪ .‬وإنه‬

‫‪ ،58/1‬حديث رقم (‪ ،)95‬والبيهقي يف ((السنن الكربى))‪ ،114/10 :‬حديث رقم (‪ .)20125‬وهو‬ ‫= ‬


‫حديث صحيح ليس له علة‪ .‬ينظر‪(( :‬تذكرة املحتاج إىل أحاديث املنهاج))‪. 66/1 :‬‬
‫((( رواه البيهقي يف ((سننه))‪ ،212/5 :‬حديث رقم (‪ ،)9837‬وابن حزم يف ((املحىل))‪.244/7 :‬‬
‫وخصومه))‬ ‫((( هذه األبيات أليب الطيب املتنبي يف ((ديوانه))‪ ،25/1 :‬وانظر‪(( :‬الوساطة بني املتنبي‬
‫للقايض اجلرجاين‪ :‬صـ ‪ ،262‬و((معرتك األقران)) للسيوطي‪. 19/1 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪34‬‬

‫تعاىل يقول‪ :‬ﱹ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﱸ [الكهف‪.]٣٩ :‬‬


‫وعجبت ملن خاف قوم ًا كيف ال يقول‪( :‬حسبي اهلل ونعم الوكيل) واهلل‬
‫تعاىل يقول‪ :‬ﱹ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﱸ‬
‫[آل عمران‪.]١٧٤ - ١٧٣ :‬‬

‫وعجبت ملن ُمكر به كيف ال يقول‪ :‬ﱹ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ‬


‫واهلل تعاىل يقول‪ :‬ﱹ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ‬ ‫ﮏ ﮐ ﱸ [غافر‪]٤٤ :‬‬

‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﱸ [غافر‪.]٤٥ :‬‬

‫كرب كيف ال يقول‪ :‬ﱹ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬


‫ٌ‬ ‫هم أو‬
‫وعجبت ملن أصابه ٌّ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﱸ [األنبياء‪ ،]٨٧ :‬فيقول اهلل‪ :‬ﱹ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﱸ [األنبياء‪ ]٨٨ :‬أن ينجيه من الغم‪،‬‬
‫ومعلوم بالرضورة أن اهلل ال خيلف امليعاد"(‪.)1‬‬

‫((( ((من أرسار التنزيل)) للرازي‪. 136/1 :‬‬


‫‪35‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫املبحث الثالث‬

‫نصوص قرآنية تدل(‪ )1‬على جواز االحتفال‬


‫باملولد النبوي‬

‫بام أن مسألة االحتفال باملولد النبوي مسألة حادثة؛ ألهنا أحدثت‬


‫املفضلة‪ ،‬فيكون احلكم عليها من خالل ردها لقواعد‬
‫بعد الثالث القرون َّ‬
‫الرشع‪ ،‬فإن وافقت قواعد الرشع فهي بدعة حسنة‪ ،‬وإال فبدعة ضاللة‪،‬‬
‫قال اإلمام اللكنوي‪" :‬وأما احلادث بعد األزمنة الثالثة فيعرض عىل أدلة‬
‫الرشع‪ ،‬فإن وجد نظريه يف العهود الثالثة أو دخل يف قاعدة من قواعد‬
‫الرشع‪ ،‬مل يكن بدعة؛ ألهنا عبارة عام ال يوجد يف القرون الثالثة وليس له‬
‫أصل من أصول الرشع‪ ،‬وإن أطلقت عليه (البدعة) قيدته بـ(احلسنة)‪ .‬وإن مل‬
‫يوجد له أصل من أصول الرشع صار بدعة ضاللة وإن ارتكبه من ُيعدُّ من‬

‫((( يدل داللة‪ ،‬والداللة هي كون اليش بحالة يلزم من العلم به العلم بيشء آخر‪ .‬ويقارهبا االستنباط وهو‬
‫ربط كالم له معنى بمدلول اآلية بأي نوع من أنواع الربط كأن يكون بداللة إشارة أو داللة مفهوم‬
‫أو غريها‪ .‬ينظر‪(( :‬منهج االستنباط من القرآن الكريم)) لفهد الوهبي‪ :‬صـ ‪ ،288‬و((مفهوم التفسري‬
‫والتأويل واالستنباط والتدبر)) د‪ .‬مساعد الطيار‪ :‬صـ ‪. 160‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪36‬‬

‫أرباب الفضيلة‪ ،‬أو من يشتهر باملشيخة‪ ،‬فإن أفعال العلامء والعباد ليست‬
‫بحجة ما مل تكن مطابقة للرشع"(‪.)1‬‬

‫وتقدم أن قلنا‪ :‬إنه ما من حادثة إال ويف كتاب اهلل بيان حكمها‪،‬‬
‫لقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﱸ [النحل‪ ،]٨٩ :‬ولذلك‬
‫أثنى اهلل عىل العلامء األفذاذ املؤهلني للنظر يف القرآن الكريم واستنباط‬
‫األحكام واملعاين‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ [النساء‪ ،]٨٣ :‬قال اإلمام األلويس‪" :‬فإن العلامء‬
‫هم املستنبطون املستخرجون لألحكام"(‪ .)2‬وقال اإلمام ابن القيم‪" :‬وقد‬
‫مدح اهلل تعاىل أهل االستنباط يف كتابه وأخرب أهنم أهل العلم ومعلوم َّ‬
‫أن‬
‫االستنباط إنَّام هو استن َباط املعاين والعلل ونسبة بعضها إىل بعض‪ ،‬ف ُيعترب‬
‫يصح‪ ،‬هذا الذي‬
‫ُّ‬ ‫بصحة مثله ومشبِهه ونظريه‪ ،‬ويلغى ما ال‬
‫َّ‬ ‫يصح منها‬
‫ُّ‬ ‫ما‬
‫يعقله النَّاس من االستنباط"(‪.)3‬‬

‫وإن من ِّ‬
‫أجل نعم اهلل تعاىل أن خيص بعض عباده بفهم خاص لكتابه‬
‫‪" :‬هل‬ ‫العظيم‪ ،‬فقد سأل أبو جحيفة سيدنا عيل بن أيب طالب‬
‫‪ :‬ال والذي‬ ‫عندكم يش ٌء من الوحي إال ما يف كتاب اهلل؟ فقال عيل‬

‫((( ((إقامة احلجة عىل أن اإلكثار من التعبد ليس ببدعة)) أليب احلسنات اللكنوي‪ :‬صـ ‪. 56‬‬
‫((( ((روح املعاين)) لآللويس‪. 66/5 :‬‬
‫((( ((إعالم املوقعني)) البن القيم‪. 172/1 :‬‬
‫‪37‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫فلق احلبة وبرأ النسمة‪ ،‬ما أعلمه إال فه ًام يعطيه اهلل رج ً‬
‫ال يف القرآن‪ ،‬وما يف‬
‫‪:‬‬ ‫هذه الصحيفة‪ ،‬فقال أبو جحيفة‪ :‬وما يف هذه الصحيفة؟ فقال عيل‬
‫العقل وفكاك األسري‪ ،‬وأن ال يقتل مسلم بكافر"(‪.)1‬‬

‫أن من الدين فهم العلامء لنصوص‬ ‫فقد عد سيدنا عيل‬


‫الرشيعة‪ ،‬وأن أهل الفهم الصحيح يتميزون عىل غريهم ممن ال يستطيع‬
‫ال فه ًام يف‬
‫‪" :‬إن أعطى اهلل رج ً‬ ‫الغوص يف معانيها‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‬
‫الزيادة بذلك االعتبار"(‪ ،)2‬وقال‬‫كتابه فهو يقدر عىل االستنباط فتحصل عنده ِّ‬
‫ستدل به من باطن معانِيه"(‪.)3‬‬
‫أيض ًا‪" :‬واملراد ما يفهم من فحوى لفظ القرآن و ُي ُّ‬

‫فمن تأمل القرآن الكريم وتد َّبره فاضت عليه معانيه وأرساره‪ ،‬قال‬
‫لتمر باآلية الواحدة فتتأ َّملها وتتد َّبرها فتنهال‬
‫الشيخ ابن عاشور‪" :‬وإنَّك ُّ‬
‫التكيب عىل اختالف االعتبارات يف أساليب‬ ‫ٍ‬
‫معان كثري ٌة يسمح هبا َّ‬ ‫عليك‬
‫ٍ‬
‫حرص‬ ‫االستعامل العريب‪ ،‬وقد تتكاثر عليك فال تك ‪ -‬من كثرهتا ‪ -‬يف‬
‫وال جتعل احلمل عىل بعضها منافي ًا للحمل عىل البعض اآلخر إن كان‬
‫التكيب سمح ًا بذلك"(‪.)4‬‬
‫َّ‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،34/6 :‬حديث رقم (‪. )6517‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪. 204/1 :‬‬
‫((( املصدر نفسه‪. 246/12 :‬‬
‫((( ((التحرير والتنوير))‪. 97/1 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪38‬‬

‫وقد استنبط العلامء فهوم ًا بديعة من كتاب اهلل تعاىل مل هيتد هلا أحد‬
‫‪:‬‬ ‫قبلهم‪ ،‬وممن مت َّيز بذلك اإلمام الشافعي‪ ،‬فمن استنباطاته‬

‫ ) أاستنباطه حجية االمجاع(‪ )1‬بدليل قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬


‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ‬
‫عول عليه‬
‫ﮁ ﮂ ﱸ [النساء‪ .]١١٥ :‬قال احلافظ ابن كثري‪" :‬والذي َّ‬
‫حج ًة َترم خمالفته‬
‫‪ ،‬يف االحتجاج عىل كون اإلمجاع َّ‬ ‫َّ‬
‫الشافعي‪،‬‬
‫يل(‪ ،)2‬وهو من أحسن‬ ‫الت ِّوي والفكر ال َّط ِو ِ‬
‫هذه اآلية الكريمة‪ ،‬بعد َّ‬
‫ْ‬
‫استشكل ذلك واستبعدَ‬ ‫االستنباطات وأقواها‪ ،‬وإن كان بعضهم قد‬

‫((( ((أحكام القرآن)) للشافعي‪ ،40 - 39/1 :‬وينظر‪(( :‬تفسري الرازي))‪ ،43/11 :‬و((الكشاف)) للزخمرشي‪:‬‬
‫‪ ،149/2‬و((الربهان يف علوم القرآن))‪ ،4/2 :‬و((اإلكليل يف أرسار التنزيل))‪.589/2 :‬‬
‫والربيع‪" :‬كنا يوما عند الشافعي‪ ،‬إذ جاء شيخ‪ ،‬فقال له‪ :‬أسأل؟ قال الشافعي‪ :‬سل‪ .‬قال‪:‬‬
‫ن َّ‬ ‫((( قال ا ْلز ِ‬
‫‪.‬‬ ‫أيش احلجة يف دين اهلل؟ فقال الشافعي‪ :‬كتاب اهلل قال‪ :‬وماذا؟ قال‪ :‬سنة رسول اهلل‬
‫قال‪ :‬وماذا؟ قال‪ :‬اتفاق األمة‪ .‬قال‪ :‬ومن أين قلت اتفاق األمة‪ ،‬من كتاب اهلل؟ فتدبر الشافعي‬
‫ساعة‪ .‬فقال الشيخ‪ :‬أجلتك ثالثة أيام‪ .‬فتغري لون الشافعي ثم إنه ذهب فلم خيرج أياما‪ .‬قال‪ :‬فخرج من‬
‫البيت يف اليوم الثالث‪ ،‬فلم يكن بأرسع أن جاء الشيخ فسلم فجلس‪ ،‬فقال‪ :‬حاجتي؟ فقال الشافعي‬
‫‪ :‬ﱹﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫‪ :‬نعم أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪ ،‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬قال اهلل‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﱸ‪ .‬ال يصليه‬
‫جهنم عىل خالف سبيل املؤمنني‪ ،‬إال وهو فرض‪ .‬قال‪ :‬فقال‪ :‬صدقت‪ .‬وقام وذهب‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬قرأت القرآن يف كل يوم وليلة ثالث مرات‪ ،‬حتى وقفت عليه‪(( .‬أحكام القرآن))‪:‬‬
‫للشافعي‪. 29/1 :‬‬
‫‪39‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫الدِّ اللة منها عىل ذلك"(‪.)1‬‬

‫صحة صوم من أصبح جنب ًا(‪ )2‬بدليل قوله تعاىل‪:‬‬ ‫ ) باستنباطه‬


‫ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﱸ‬
‫[البقرة‪.]١٨٧ :‬‬

‫قال الكيا اهلرايس‪" :‬فإباحة املبارشة إىل الصبح تقتيض وقوع الغسل‬
‫بعد الصبح‪ ،‬وهذا مل يفهمه غريه‪ ،‬وهو يف القرآن حتقيق ًا"(‪.)3‬‬

‫ومن خالل البحث والنظر يف نصوص القرآن الكريم‪ ،‬ومراجعة‬


‫فهوم العلامء وما فتح اهلل عليهم بالقرآن الكريم‪ ،‬عثرنا عىل بعض النصوص‬
‫التي تد ِّلل عىل جواز االحتفال باملولد النبوي وكونه (بدعة حسنة)‪ ،‬وهذه‬
‫النصوص عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫((( ((تفسري ابن كثري))‪.412/2 :‬‬


‫((( ينظر‪(( :‬تفسري الرازي))‪ ،119/5 :‬و((أحكام القرآن)) للكيا اهلرايس))‪. 467/2 :‬‬
‫((( ((أحكام القرآن)) للكيا اهلرايس‪. 467/2 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪40‬‬

‫املطلب األول‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬


‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﱸ [يونس‪.]٥٨ :‬‬

‫من املعلوم أن أفضل طريقة لتفسري القرآن الكريم هي تفسري القرآن‬


‫‪" :‬فإن قال قائل‪ :‬فام أحسن‬ ‫بالقرآن‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫طرق التفسري؟‬

‫يفس القرآن بالقرآن‪ ،‬فام ُأمجِ َل‬


‫فاجلواب‪ :‬إن أصح الطرق يف ذلك أن َّ‬
‫اخت ُِص من مكان فقد ُب ِس َط يف‬ ‫يف مكان فإنه قد ُف ِّ َ‬
‫س يف موضع آخر‪ ،‬وما ْ‬
‫موضع آخر‪ ،‬فإن أ ْعياك ذلك فعليك بالسنة‪ ،‬فإهنا شارحة للقرآن وموضحة‬
‫له‪ ،‬بل قد قال اإلمام أبو عبداهلل حممد بن إدريس الشافعي‪ :‬كل ما حكم‬
‫فهو مما فهمه من القرآن‪ ،‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬ ‫به رسول اهلل‬
‫ﱹ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﱸ [النساء‪ ،]١٠٥ :‬وقال تعاىل ‪ :‬ﱹ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﱸ [النحل‪.)1("]٤٤ :‬‬

‫فتفسري الرمحة يف اآلية املتقدمة هو رسول اهلل‬

‫((( ((مقدمة يف أصول التفسري)) البن تيمية‪ :‬صـ ‪. 36‬‬


‫‪41‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫بدليل قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﱸ [األنبياء‪ ،]١٠٧ :‬قال‬


‫السيوطي يف تفسريه لآلية املتقدمة‪ :‬وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس‬
‫يف اآلية قال‪ :‬فضل اهلل العلم ورمحته حممد ‪ ‬قال اهلل َت َع َ‬
‫ال‪ :‬ﱹ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﱸ [األنبياء‪.)1("]١٠٧ :‬‬

‫أنه قال‪(( :‬يا أهيا الناس إنام أنا‬ ‫وعن رسول اهلل‬
‫رمحة مهداة))(‪ ،)2‬وهذا من تفسري القرآن الكريم بالسنة النبوية وهي املرتبة‬
‫الثانية بعد تفسري القرآن بالقرآن‪.‬‬

‫أمر إهلي‪،‬‬ ‫ويتبني لنا مما تقدم أن الفرح بالنبي‬


‫واالحتفال باملولد النبوي إنام هو مظهر من مظاهر هذا الفرح والرسور‪،‬‬
‫فهو جائز وإن مل يفعله السلف‪ ،‬وهبذا استدل العلامء بجواز االحتفال بيوم‬
‫مولده عليه الصالة والسالم‪ ،‬وممن قال بذلك‪:‬‬

‫ ‪1 .‬اإلمام أبو شامة شيخ اإلمام النووي‪ ،‬حيث قال‪" :‬ومن أحسن ما ابتُدع‬
‫يف زماننا من هذا ال َقبِيل ما كان ُيفعل بمدينة اربل َ‬
‫جبها اهلل تعاىل كل‬
‫الصدقات‬
‫من َّ‬ ‫عام يف اليوم املوافق ليوم مولد النَّبي‬

‫((( ((الدر املنثور يف التفسري باملأثور)) للسيوطي‪. 367/4 :‬‬


‫((( أخرجه الدارمي‪ ،22/1 :‬حديث رقم (‪ ،)15‬واحلاكم يف ((املستدرك))‪ ،91/1 :‬حديث رقم (‪.)100‬‬
‫قال املناوي يف ((فيض القدير))‪" :572/2 :‬احلديث مرفوع وأخرجه احلاكم يف ((املستدرك))‪ ،‬وقال‬
‫صحيح‪ ،‬وأقره الذهبي"‪.‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪42‬‬

‫والسور َّ‬
‫فإن ذلك مع ما فيه من اإلحسان إىل‬ ‫الزينة ُّ‬ ‫وامل ْعروف وإظهار ِّ‬
‫وتعظيمه وجاللته يف‬ ‫الفقراء مشعر بمحبة النَّبِي‬
‫قلب فاعله وشكر ًا هلل تعاىل عىل ما م َّن به من إجياد رسوله الذي أرسله‬
‫"(‪.)1‬‬ ‫رمحة للعاملني‬

‫ ‪2 .‬وقد سئل اإلمام املحقق أبو زرعة العراقي عن عمل املولد‪ :‬هل هو‬
‫مستحب أو مكروه؟ وهل ورد فيه يشء؟ وهل نقل فعله عمن يقتدى‬
‫‪" :‬بأن اختاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب يف كل‬ ‫به؟ فأجاب‬
‫وقت‪ ،‬فكيف إذا انضم إىل ذلك الفرح والرسور بظهور نور النبوة يف‬
‫هذا الشهر الرشيف؟! وال نعلم غري ذلك عن السلف‪ ،‬وال يلزم من‬
‫كونه بدعة كونه مكروها‪ ،‬فكم من بدعة مستحبة‪ ،‬بل واجبة"(‪.)2‬‬

‫ ‪3 .‬وقال احلافظ ابن اجلزري‪" :‬ولو مل يكن يف ذلك إال إرغام الشيطان‬
‫ورسور أهل اإليامن من املسلمني ‪ ..‬لكفى"(‪.)3‬‬

‫ ‪4 .‬وقال احلافظ ابن حجر اهليتمي‪" :‬اعلم أنه مل ينقل عن أحد من السلف‬
‫بخيريتها‪ ،‬لكنها‬ ‫من القرون الثالثة التي شهد النبي‬
‫بدعة حسنة؛ لما اشتملت عليه من اإلحسان الكثير للفقراء‪ ،‬ومن‬

‫((( ((الباعث عىل إنكار البدع واحلوادث)) أليب شامة املقديس‪ :‬صـ ‪. 23‬‬
‫((( انظر‪(( :‬جواهر البحار)) للنبهاين‪. 391/3 :‬‬
‫((( ((التعريف باملولد الرشيف)) (خمطوط) البن اجلزري‪ :‬صـ ‪. 104‬‬
‫‪43‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫‪،‬‬ ‫قراءة القرآن‪ ،‬وإكثار الذكر‪ ،‬والصالة على النبي‬


‫‪ ،‬وإغاضة أهل‬ ‫وإظهار السرور بمولده والفرح به‬
‫الزيغ والعناد من الزنادقة والملحدين والكفرة والمشركين"(‪.)1‬‬
‫ ‪5 .‬وليس هذا فحسب بل ذكر البخاري يف ((صحيحه)) قصة عتق أيب هلب‬
‫وأن العباس‬ ‫جلاريته ثويبة ملا أخربته بوالدة النبي‬
‫بن عبد املطلب رأى أبا هلب يف النوم بعد وفاته‪ ،‬فسأله عن حاله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"مل ألق خري ًا بعدكم‪ ،‬غري أين سقيت بعتاقتي ثويبة‪ ،‬وإنه ليخفف َّ‬
‫عيل يف‬
‫كل يوم اثنني"(‪.)2‬‬
‫‪" :‬إذا كان أبو هلب خيفف عنه‬ ‫قال احلافظ ابن اجلزري‬
‫وعتقه‬ ‫العذاب يوم االثنني بفرحه بمولد النبي‬
‫رس بمولده‪،‬‬
‫جاريته التي برشته بالنبي يوم ولد‪ ،‬فام حال املسلم الذي ُي ُّ‬
‫ويبذل ما تصل إليه قدرته يف حمبته‪ ،‬لعمري إنام يكون جزاؤه من اهلل‬
‫الكريم‪ ،‬أن يدخله بفضله جنات النعيم"(‪.)3‬‬
‫وما أحسن ما قاله احلافظ شمس الدين بن نارص الدمشقي يف ذلك‪:‬‬

‫وت َّبت يـــداه يف اجلحيم خم َّلدا‬ ‫كافر جـــاء ذ ُّمه‬


‫إذا كان هـــذا ٌ‬

‫((( ((إمتام النعمة الكربى عىل العامل بمولد سيد ولد آدم)) البن حجر اهليتمي‪ :‬صـ ‪.22 ،21‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،1961/5 :‬حديث رقم (‪ ،)4813‬ومسلم‪ ،1073/2 :‬حديث رقم (‪. )1449‬‬
‫((( ((عرف التعريف))‪ :‬صـ ‪.22‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪44‬‬

‫محدا‬ ‫للـــر ِ‬
‫ور بأ َ‬ ‫ُّ‬ ‫خي َّف ُ‬
‫ـــف عنه‬ ‫أتـــى أنَّه يف يـــوم االثنني دائام‬
‫(‪)1‬‬
‫موحدا‬
‫ومات ِّ‬
‫َ‬ ‫بأمحدَ مرسور ًا‬ ‫طول ِ‬
‫عمره‬ ‫فام الظ ُّن بالعبد الذي َ‬

‫ ‪6 .‬وأخري ًا وليس آخر ًا إن قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﱸ‬


‫فحسب‪ ،‬دليل عىل جواز االحتفال باملولد النبوي‪ ،‬كيف ذلك؟‬

‫))‬ ‫ذكر السيد العالمة حممد علوي املالكي يف آخر كتابه ((الصارم املبيد‬
‫نق ً‬
‫ال عن بعض علامء األحناف‪" :‬أن االحتفال باملولد مستحب؛ ألن اهلل‬
‫ﱹﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﱸ‬ ‫تعاىل يقول لنبيه‬
‫والرمحة هي من أعظم النعم‪.‬‬

‫وقد ورد األمر بالتحدث بالنعم الفائضة عليه‬


‫بالبيانات التفصيلية؛ بحيث يظهر أنه نعمة عظمى فائقة عىل نعم العاملني‪.‬‬

‫‪،‬‬ ‫كام جيب علينا التحدث بالنعم الفائضة علينا بواسطته‬


‫وحيث علم ذلك كان الواجب عىل الواعظ التايل لقصة مولده‬
‫‪ ،‬الذي هو سبب وصول النعمة العظمى إلينا‪ :‬أن‬
‫يبي أوالً الفضائل املذكورة تفصيالً‪ ،‬بحيث جيعلها توطئة لوالدة النبي‬
‫ِّ‬
‫يبي تفصي ً‬
‫ال فضائل الوالدة‬ ‫‪ ،‬ووصوله إلينا‪ ،‬ثم ِّ‬

‫)) لشمس الدين الدمشقي‪ :‬صـ ‪ .55 - 54‬وينظر‪:‬‬ ‫((( ((مورد الصادي بمولد اهلادي‬
‫((حسن املقصد يف عمل املولد)) للسيوطي‪ :‬صـ ‪. 52 - 51‬‬
‫‪45‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫والوصول إلينا"(‪.)1‬‬

‫رمحة لنا يف الدين والدنيا‪ ،‬قال‬ ‫ورسول اهلل‬


‫اإلمام الرازي ‪ -‬عند تفسريه هلذه اآلية وذكر مسائلها ‪ :-‬املسألة األوىل‪ :‬أنه‬
‫بعث‬ ‫كان رمحة يف الدين ويف الدنيا‪ ،‬أما يف الدين فألنه‬
‫والناس يف جاهلية وضاللة‪ ،‬وأهل الكتابني كانوا يف حرية من أمر دينهم‬
‫لطول مكثهم وانقطاع تواترهم ووقوع االختالف يف كتبهم؛ فبعث اهلل‬
‫حني مل يكن لطالب احلق سبيل إىل الفوز‬ ‫تعاىل حممد ًا‬
‫والثواب‪ ،‬فدعاهم إىل احلق وبني هلم سبيل الثواب‪ ،‬ورشع هلم األحكام‬
‫وم َّيز احلالل من احلرام‪ ،‬ثم إنام ينتفع هبذه الرمحة من كانت مهته طلب احلق‬
‫فال يركن إىل التقليد وال إىل العناد واالستكبار ‪ ،...‬وأما يف الدنيا فألهنم‬
‫ختلصوا بسببه من كثري من الذل والقتال واحلروب ونرصوا بربكة دينه"(‪.)2‬‬

‫وهلل در اإلمام البوصريي حني قال‪:‬‬

‫ووقـــــار وعصمـــــ ٌة وحيــــا ُء‬


‫ٌ‬ ‫رمحـــ ٌة ك ُّلـــه وحـــزم ٌوعـــز ٌم‬
‫الروضـــ ُة الغنّـــاء‬ ‫ِ‬
‫ــــر حم ّياه ّ‬
‫ُ‬ ‫ما ســـوى ُخلقه الن ُ‬
‫ّسيم وال غيـ‬
‫(‪)3‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫((( ((الصارم املبيد)) للاملكي‪ :‬صـ ‪ 23‬بترصف‪.‬‬


‫((( ((تفسري الرازي))‪.193/22 :‬‬
‫((( ((ديوان البوصريي))‪ :‬صـ ‪. 57‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪46‬‬

‫املطلب الثاني‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﱸ [هود‪]120 :‬‬

‫فقد دلت هذه اآلية بمنطوقها عىل أن رسول اهلل‬


‫ُيتث َّبت فؤا ُده ويطمئن قل ُبه بسامع قصص وأخبار إخوانه السابقني من األنبياء‬
‫واملرسلني عليهم الصالة والسالم‪ ،‬قال الطربي‪" :‬يقول تعاىل ذكره‪ :‬ﱹ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱﱸ‪ ،‬يا حممد = ﱹﭲ ﭳ ﭴﱸ‪ ،‬الذين كانوا قبلك = ﱹﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﱸ‪ ،‬فال جتزع من تكذيب من كذبك من قومك‪ ،‬ور َّد عليك ما جئتهم به‪،‬‬
‫أنزلت إليك من أجل أن قالوا‪ :‬ﱹ ﯯ‬
‫ُ‬ ‫وال يضق صدرك‪ ،‬فترتك بعض ما‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱸ [هود‪]١٢ :‬؟ إذا علمت ما لقي من قبلك من‬
‫رسيل من أممها"(‪.)1‬‬

‫كام دلت اآلية بمفهوم املوافقة أو ما يسمى عند األصوليني (القياس‬


‫األوىل) وهو إعطاء ما ثبت للفظ من احلكم املنطوق به للمسكوت عنه‬
‫بطريق األوىل سواء كان احلكم املنطوق به منفيا أم مثبتا(‪.)2‬‬

‫((( ((تفسري الطربي))‪. 539/15 :‬‬


‫((( ينظر‪(( :‬اإلحكام يف أصول األحكام)) لآلمدي‪ ،257/2 :‬و((البحر املحيط)) للزركيش‪،23/1 :‬‬
‫و((حاشية شيخ اإلسالم زكريا األنصاري عىل رشح اإلمام املحيل عىل مجع اجلوامع))‪- 488/1 :‬‬
‫‪ ،489‬و((نثر الورود عىل مراقي السعود)) للشنقيطي‪.103/1 :‬‬
‫‪47‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫مع علو شأنه يتثبت فؤاده‬ ‫فإذا كان رسول اهلل‬


‫بسامع قصص إخوانه من األنبياء واملرسلني‪ ،‬فنحن املسلمني ‪ -‬من باب أوىل ‪-‬‬
‫قص علينا نبأ نبينا حممد‬
‫حمتاجون لتثبيت أفئدتنا بأن ُي َّ‬
‫كام ال خيفى(‪.)1‬‬

‫وهو سيد‬ ‫كيف ال تتثبت أفئدتنا بسامع سريته‬


‫األنبياء‪ ،‬وهو خري البرش كلهم وصفوهتم‪.‬‬
‫ِ‬
‫خلـــق اهلل كلهم‬ ‫خـــر‬ ‫وأنَّه‬ ‫فمبلـــغ العلـــ ِم فيـــه أنَّـــه ٌ‬
‫برش‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫ُ‬

‫والقياس أحد طرق استنباط األحكام يف املسائل التي مل يرد فيها نص (قرآن‬
‫أو سنة)‪ ،‬وقد عدَّ ه األصوليون فرض كفاية عند تعدد املجتهدين وفرض‬
‫عني إن مل يوجد إال واحد‪ ،‬واستدلوا عىل فرضيته بقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﱸ [احلرش‪]٢ :‬؛ ألن فيه معنى اعتبار النظري بنظريه‪ ،‬قال الشيخ‬
‫الشنقيطي يف منظومته ((مراقي السعود))‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫للحك ِم مـــن ٍّ‬
‫نص عليه ين َبني‬ ‫ِ‬
‫يكـــن‬ ‫مفـــروض إذا مل‬
‫ٌ‬ ‫وهـــو‬
‫واالحتجاج بطريق (قياس األوىل) من أقوى األدلة‪ ،‬وتركُه ُيعدُّ مباعد ًة‬

‫((( ينظر‪(( :‬اإلعالم بفتاوى أئمة اإلسالم حول مولده عليه الصالة والسالم)) ملحمد بن علوي املالكي‪:‬‬
‫صـ ‪.117‬‬
‫((( ((ديوان البوصريي))‪. 33/1 :‬‬
‫((( ((نثر الورود عىل مراقي السعود)) للشيخ الشنقيطي‪ :‬صـ ‪. 557‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪48‬‬

‫‪" :‬ومن مل ي ْلحظ‬ ‫ملنهج القرآن والسنة‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫املعاين من خطاب اهلل ورسوله وال َيفهم تنبيه اخلطاب وفحواه من َأهل‬
‫إن قوله‪ :‬ﱹ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﱸ ال يفيد النهي عن‬ ‫ال َّظاهر؛ كا َّلذين يقولون‪َّ :‬‬
‫الضب‪ ،‬وهو إحدى الروايتني عن َداود؛ واختاره ابن حزم وهذا ِف غاية‬ ‫َّ‬
‫دل عليه اخلطاب لكن ُع ِرف أنَّه‬ ‫الضعف بل وكذلك قياس األوىل وإن مل َي َّ‬ ‫َّ‬
‫يسبقهم هبا‬ ‫فإنكاره من بِدع ال َّظاهر ّية التي مل ْ‬
‫ُ‬ ‫َأوىل باحلكم من املنطوق هبذا‬
‫حيتجون بمثل هذا وهذا"(‪.)1‬‬
‫السلف ُّ‬
‫السلف فام زال َّ‬
‫أحدٌ من َّ‬

‫وممن استدل بجواز االحتفال باملولد النبوي بطريق قياس األوىل‪:‬‬


‫‪ ،‬قال احلافظ السخاوي‬ ‫حافظ العرص ابن حجر العسقالين‬
‫خرج شيخ مشايخ اإلسالم‪ ،‬خامتة األئمة‬
‫‪ -‬عىل سبيل اإلرضاب ‪" :-‬بل َّ‬
‫األعالم العالمة أبو الفضل ابن حجر‪ ،‬األستاذ املعترب ‪،‬تغمده اهلل برمحته‬
‫وأسكنه فسيح جنَّته‪ ،‬فع َله عىل أصل ثابت إمام‪ ،‬يميل إىل االستناد إليه كل‬
‫َح ْ ٍب ُهام‪ ،‬وهو ما ثبت يف الصحيحني من أن النبي‬
‫فوجد اليهود صيام ًا يوم عاشوراء فقال هلم رسول اهلل‬
‫قدم املدينة َ‬
‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫‪(( :‬ما هذا اليوم الذى تصومونه؟ فقالوا هذا يو ٌم‬
‫وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكر ًا‬ ‫أنجى اهلل فيه موسى وقومه َّ‬
‫أحق وأوىل‬
‫فنحن ُّ‬
‫ُ‬ ‫‪:‬‬ ‫فنحن نصومه‪ .‬فقال رسول اهللِ‬

‫((( ((جمموع الفتاوى))‪. 207/21 :‬‬


‫‪49‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫وأمر بصيامه"(‪.)1‬‬ ‫بِموسى منكم‪ .‬فصامه رسول اهلل‬

‫قال ‪ -‬أي‪ :‬الشيخ ابن حجر ‪" :-‬فيستفاد منه فعل الشكر هلل تعاىل‬
‫معي من إسداء نعمة أو دفع نقمة‪ ،‬ويعاد ذلك يف نظري‬
‫عىل ما َم َّن به يف يوم َّ‬
‫ذلك اليوم من كل سنة‪ ،‬والشكر هلل تعاىل حيصل بأنواع العبادة؛ كالصالة‬
‫والصيام والتالوة‪ ،‬وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي؛ نبي الرمحة‬
‫؟!"(‪.)2‬‬

‫وقد نقل احلافظ السيوطي نفس كالم احلافظ ابن حجر‪ ،‬وزاد‬
‫فيه قليال حيث قال‪" :‬وقد سئل شيخ اإلسالم حافظ العرص أبو الفضل‬
‫ابن حجر عن عمل املولد‪ ،‬فأجاب بام نصه‪( :‬أصل عمل املولد بدعة مل‬
‫تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثالثة‪ ،‬ولكنها مع ذلك قد‬
‫حترى يف عملها املحاسن وجتنب ضدَّ ها‬
‫اشتملت عىل حماسن وضدها‪ ،‬فمن َّ‬
‫‪ ..‬كانت بدعة حسنة‪ ،‬وإال ‪ ..‬فال‪.‬‬

‫وقد ظهر يل خترجيها عىل أصل ثابت وهو ما ثبت يف الصحيحني‬


‫قدم املدينة فوجد اليهود يصومون يوم‬ ‫من أن النبي‬
‫عاشوراء ‪.)3("...‬‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،214/4 :‬حديث رقم (‪ ،)1130‬ومسلم‪ ،792/2 :‬حديث رقم (‪. )1125‬‬
‫((( ((التحفة اللطيفة يف تاريخ املدينة الرشيفة))‪ ،150/1 :‬و((األجوبة املرضية))‪. 1117/3 :‬‬
‫((( ((احلاوي للفتاوي)) للسيوطي‪. 196/1 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪50‬‬

‫بطريق (قياس األوىل) وهو الذي‬ ‫واستدالل احلافظ ابن حجر‬


‫تستحق‬ ‫أخذنا به من خالل اآلية السابقة‪ ،‬فإذا كانت نجاة موسى‬
‫يوم‬ ‫فنجاة نبينا‬ ‫يف مناسبتها السنوية شكرنا هلل‬
‫هجرته مث ً‬
‫ال أوىل؛ ألن النعمة فيها أعظم‪ ،‬وكلام كانت النعمة أعظم كان‬
‫شكرها أحق‪ ،‬ولذا قال احلافظ عن يوم املولد النبوي‪" :‬وأي نعمة أعظم‬
‫"(‪ )1‬فرسالته رمحة‪،‬‬ ‫من نعمة بروز هذا النبي نبي الرمحة‬
‫كام قال اهلل تعاىل‪:‬ﱹ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﱸ فليتأمل وذاته رمحة‪،‬‬
‫‪(( :‬إنام أنا رمحة مهداة))(‪ ،)2‬بل وجوده رمحة حتى‬ ‫كام قال‬
‫حصن ًا هلم من‬ ‫للكفار الذين حتدوه وآذوه‪ ،‬فوجوده‬
‫العذاب‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﱸ [األنفال‪ ،]٣٣ :‬فهل‬
‫توجد نعمة أعظم من هذه النعمة؟! فليتأمل‪ .‬وهلل در القائل‪:‬‬
‫ِ‬
‫حممـــد‬ ‫العاملـــن‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بخـــر‬ ‫فيهـــا‬ ‫يا ســـاع ًة نلنا الســـعاد َة واهلَنا‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫وتكملت يف شهر مولد أمحد‬ ‫َّ‬ ‫بظهوره‬ ‫أفراحهـــا‬
‫ُ‬ ‫متَّـــت لنـــا‬

‫أضف إىل ذلك أن احلافظ ابن حجر مل يقيد الشكر بالصوم فحسب‪ ،‬وإن كان‬
‫هو املذكور يف هذا احلديث‪ ،‬ويف حديث صوم كل يوم اثنني‪ ،‬وهو الصوم؛‬

‫((( ((احلاوي للفتاوي)) للسيوطي‪.196/1 :‬‬


‫((( تقدم خترجيه‪ :‬صـ ‪. 41‬‬
‫((( ((سبل اهلدى والرشاد يف هدي خري العباد)) ملحمد بن يوسف الشامي‪.324/1 :‬‬
‫‪51‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫كام قال يف ((فتح الباري))‪" :‬يدل عىل‬ ‫وذلك ألن حديث ابن عباس‬
‫أن الباعث عىل صيامه موافقتهم عىل السبب‪ ،‬وهو شكر اهلل تعاىل عىل نجاة‬
‫نص الشارع عىل حكم‪،‬‬
‫"(‪ .)1‬وعلامء األصول يقولون‪" :‬إذا َّ‬ ‫موسى‬
‫ونص عىل علته ‪ -‬أي‪ :‬عىل السبب املقصود من مرشوعيته ‪ -‬فكل عمل‬
‫حيصل به ذلك املقصود‪ ،‬فهو مراد هلل بنص الرشع‪ ،‬جاء يف مسودة آل تيمية‪:‬‬
‫(احلكم املتعدي إىل الفرع بعلة منصوص عليها مراد بالنص)"(‪.)2‬‬

‫وبالتايل يتبني لنا أن (كل ما حيصل به الشكر مرشوع بداللة احلديث‬


‫كأنه مذكور يف احلديث نصا)(‪.)4()3‬‬

‫وهلذه الذكرى اجلليلة والنعمة العظيمة جيلس املسلمون يذكرون اهلل‬


‫‪ ،‬ويقرأون يشء من سريته‪،‬‬ ‫تعاىل ويصلون عىل نبيهم‬
‫ويشكرون اهلل تعاىل عىل نعمة إرسال هذا النبي الكريم‪ ،‬فال شك أنه من‬

‫((( ((فتح الباري))‪. 248/4 :‬‬


‫((( ((املسودة يف أصول الفقه)) البن تيمية‪.385/1 :‬‬
‫)) للدكتور حممود أمحد الزين‪ :‬صـ ‪. 50‬‬ ‫((( ((البيان النبوي عن فضل االحتفال بمولد النبي‬
‫((( وقد فطن هلذا املعنى قبل احلافظ ابن حجر احلافظ ابن رجب يف كتابه ((لطائف املعارف))‪ :‬صـ ‪.96‬‬
‫وسيأيت الكالم عنه يف هذا البحث‪ ،‬وإن كان قول احلافظ ابن حجر اشتهر أكثر؛ لشهرته يف علمه وكتبه‪:‬‬
‫أما علمه فقد لقب بأمري املؤمنني يف علم احلديث‪ ،‬وهي أعىل درجة يف علم احلديث‪ .‬وأما كتبه فحسبك‬
‫كتاب ((فتح الباري)) الذي قيل عنه‪ :‬ال هجرة بعد الفتح‪ .‬ينظر‪(( :‬تذكرة احلفاظ)) للذهبي‪،4/1 :‬‬
‫و((كيف نتعامل مع السنة النبوية)) للقرضاوي‪ :‬صـ ‪. 33‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪52‬‬
‫‪" :‬وأي ٍ‬
‫يشء أحسن من أن جيتمع‬ ‫األعامل الفاضلة‪ ،‬قال اإلمام أمحد‬
‫الناس يصلون ويذكرون ما أنعم اهلل به عليهم"(‪.)1‬‬

‫ومما نحب أن ننبه له هنا هو أن أسلوب القصص من أهم األساليب‬


‫الرتبوية اهلامة واملؤثرة‪ ،‬قال اإلمام أبو حنيفة‪" :‬احلكايات عن العلامء‬
‫أحب إيل من كثري من الفقه؛ ألهنا آداب القوم وأخالقهم"(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫وحماسنهم‬
‫وجاء يف مقدمة كتاب ((ال ُّلقط يف حكايات الصاحلني))‪" :‬عن مالك بن دينار‬
‫‪،‬‬ ‫قال‪ :‬احلكايات ُ َتف اجلنة‪ .‬وقال اجلنيد‪ :‬احلكايات جند من جنود اهلل‬
‫يقوي هبا إيامن املريدين‪ ،‬فقيل له‪ :‬هل هلذا من شاهد؟ قال‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﱹﭯ‬
‫ِّ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﱸ‪ ،‬استكثروا من احلكايات فإهنا‬
‫درر‪ ،‬وربام كانت فيها الدرة اليتيمة"(‪.)3‬‬

‫فإذا كانت قصص العلامء والصاحلني ترفع اهلمم وتشد العزائم‪،‬‬


‫وتقوم األخالق فكيف بقصة س ِّيد العلامء وأصلح الصاحلني وحبيب رب‬
‫ِّ‬
‫‪ ،‬وإذا كانت قصص العظامء تسمو باملقاصد‬ ‫العاملني‬
‫وتربز النبوغ وتفجر الطاقات املدفونة‪ ،‬فكيف بقصة أعظم عظامء العامل(‪)4‬؟!‬

‫((( ((اقتضاء الرصاط املستقيم)) البن تيمية‪ :‬صـ ‪. 304‬‬


‫((( ينظر‪(( :‬جامع بيان العلم وفضله)) البن عبدالرب‪ ،117/1 :‬و((ترتيب املدارك)) للقايض عياض‪:‬‬
‫‪ ،23/1‬و((اإلعالن بالتوبيخ)) للسخاوي‪ :‬صـ ‪.20‬‬
‫((( ((اللقط يف حكايات الصاحلني)) البن اجلوزي (خمطوط)‪ :‬صـ ‪. 2‬‬
‫) ترمجه الشيخ أمحد =‬ ‫((( كتب مايكل هارت كتاب بعنوان‪( :‬العظاء مائة أوهلم حممد‬
‫‪53‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫أفال حتقق ذلك؟ اللهم بىل‪ ،‬بل وأكثر من ذلك‪ .‬كيف ال‪ ،‬وهو حبيب اهلل‬
‫ومصطفاه‪ .‬وهلل در الشاعر اإلمام الرصرصي حيث يقول يف مدح املصطفى‬
‫‪:‬‬

‫حب؟‬
‫ل ُه وبه سا َد الورى م ْن له َص ْ‬ ‫مجـــع اهلل املحاســـ َن ك َّلها‬
‫َ‬ ‫أ َمـــا‬
‫تج ْب؟‬
‫اح َ‬
‫تكليم م ْن عن ُه ما ْ‬
‫َ‬ ‫وك َّلمه‬ ‫حبيب اهلل وهـــو خليل ُه‬
‫َ‬ ‫أليـــس‬
‫ال إذا ُذكر الن ْ‬
‫َّسب؟‬ ‫وأرش ُفهم أص ً‬ ‫أعل الناس قدر ًا ومنصب ًا‬
‫أ َما كان َ‬
‫ــــر ِّية قدًّ ا ماشـــي ًا وإذا ْ‬
‫ركب؟‬ ‫َ‬
‫وأمجل الـ‬ ‫أ َما كان ْأبى ال َعاملني‬
‫(‪)1‬‬
‫األدب؟‬
‫وأ َّدبه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أحس َن ْ‬ ‫اجلوامـــع ك َّلها‬
‫َ‬ ‫أ َمـــا اهللُ أعطاه‬

‫ربام جيلس بعضهم ويذكِّر إخوانه بقصة‬ ‫مع العلم أن الصحابة‬


‫‪ ،‬ويتدارسون حياته وغزواته وأخالقه‬ ‫املصطفى‬
‫من أشعار‪ ،‬والدليل‬ ‫‪ ،‬وما قيل فيه‬
‫عىل ذلك ما رواه البخاري يف ((صحيحه)) حيث قال‪:‬‬

‫"حدثنا حييى بن بكري قال‪ :‬حدثنا الليث عن يونس‪ ،‬عن ابن شهاب‪،‬‬
‫يقصص يف‬
‫وهو ُ‬ ‫أخربين اهليثم بن أيب سنان أنه سمع أبا هريرة‬
‫إن أخ ًا لكم ال يقول‬ ‫قصصه وهو يذكر رسول اهلل‬ ‫ِ‬

‫ديدات يف كتابه‪(( :‬حممد أعظم عظامء العامل))‪.‬‬ ‫= ‬


‫((( ((النظم املختار من مدائح املختار)) للرصرصي‪ :‬صـ ‪. 60‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪54‬‬

‫الرفث يعني بذلك عبد اهلل بن رواحة‪.‬‬

‫معروف من الفجر ساط ُع‬


‫ٌ‬ ‫إذا انشق‬ ‫ُ‬
‫رســـول اهلل يتلـــو كتا َبه‬ ‫وفينـــا‬
‫واقع‬ ‫موقنـــات َّ‬
‫أن ما قـــال ُ‬ ‫ٌ‬ ‫به‬ ‫أرانا اهلدى بعد العمى فقلو ُبنا‬
‫(‪)1‬‬
‫إذا است ْثق َلت باملرشكني املضاج ُع"‬ ‫يبيـــت جيايف جن َبه عن فراشـــه‬
‫ُ‬
‫‪،‬‬ ‫وعن زين العابدين اإلمام عيل بن احلسني بن أمري املؤمنني عيل‬
‫كام نع ّلم ّ‬
‫السورة من‬ ‫قال‪" :‬كنا نع ّلم مغازي رسول اهلل‬
‫املدين‬
‫ّ‬ ‫الزهري‬‫القرآن‪ .‬ورويا عن إسامعيل بن حممد بن سعد بن أيب وقاص ّ‬
‫ويعدّ ها علينا‬ ‫قال‪ :‬كان أيب يع ّلمنا مغازي رسول اهلل‬
‫ورساياه‪ ،‬ويقول‪ :‬يا بني هذه رشف آبائكم فال تضيعوا ذكرها‪ .‬ورويا أيض ًا‬
‫عن الزهري قال‪ :‬يف علم املغازي خري الدنيا واآلخرة(‪.)2‬‬

‫فام أمجل أن جيلس أحدنا مع أهله وأوالده يف شهر مولد النبي‬


‫ويتدارس معهم سرية املصفى وأخالقه وشيمه‪،‬‬
‫الرصاع‪" :‬من‬
‫‪ ،‬قال ابن َّ‬ ‫فتنغرس يف قلوب أوالدك حمبته‬
‫‪ :‬أن يكون معظ ًام لليلة ميالده‪،‬‬ ‫آداب املحب هلذا النبي‬
‫حمب أن يظهر الرسور والبشارة‬
‫ولليوم الذي أظهره اهلل فيه‪ ،‬فينبغي لكل ٍّ‬
‫يف تلك الليلة وصبيحتها‪ ،‬ويذكر هلم صفة رسول اهلل‬

‫((( أخرجه البخاري‪ 69/2 :‬؛ حديث رقم (‪. )1155‬‬


‫((( ((سبل اهلدى والرشاد يف سرية خري العباد)) ملحمد بن يوسف الشامي‪. 10/4 :‬‬
‫‪55‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫ومجاله وكامله ‪. ...‬‬

‫وهذا عندي وعند كل حمب من أحسن الرأي والنظر؛ ألن التعليم يف‬
‫الصغر كالنقش يف احلجر‪ ،‬ويذكر العامة بمحامد صفاته ومعجزاته‪ ،‬ويرسد‬
‫هلم ما أكرمه به مواله وخصه من آياته"(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫املطلب الثالث‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬


‫[إبراهيم‪]٥ :‬‬ ‫ﯟﯠﯡﯢﱸ‬

‫إن املقصود من هذه األيام‪ :‬إما األيام التي وقع فيها أمر خارق للبرش‬
‫‪" :‬وكل األيام أيام اهلل‪،‬‬ ‫سواء أكان نعم ًة أم نقم ًة‪ ،‬قال السيد قطب‬
‫ولكن املقصود هنا أن يذكرهم باأليام التي يبدو فيها للبرش أو جلامعة منهم‬
‫أمر بارز أو خارق بالنعمة أو بالنقمة كام سيجيء يف حكاية تذكري موسى‬
‫لقومه‪ .‬وقد ذكرهم بأيام هلم‪ ،‬وأيام ألقوام نوح وعاد وثمود والذين من‬

‫((( ((اإلعالم بفتاوى أئمة اإلسالم حول مولده عليه الصالة والسالم)) ملحمد بن علوي املالكي‪ :‬صـ ‪.285‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪56‬‬

‫بعدهم‪ .‬فهذه هي األيام"(‪ .)1‬وهذه اآلية وإن نزلت يف بني إرسائيل فحكمها‬
‫عام والقاعدة األصولية تقول‪( :‬العربة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب)(‪،)2‬‬
‫وألن الغرض هو اال ِّدكار واالعتبار وهو عام لكل الناس‪.‬‬

‫وال شك أن يوم املولد النبوي من أيام النعم التي م َّن اهلل هبا عىل‬
‫عباده‪ ،‬وهي بروز هذا النبي الكريم الذي أخرج الناس من الظلامت إىل‬
‫النور‪ ،‬يقول ايلز ‪ -‬وهو مسترشق مؤرخ ‪ : -‬مل يشهد العامل يف تارخيه فرتة‬
‫أظلم وال أسوأ وال أكثر يأسا يف املستقبل من القرن السادس امليالدي" ثم‬
‫يصف العامل آنذاك فيقول‪( :‬إن العامل أصابه الشلل الكامل ‪ ..‬وإن أوروبا‬
‫تشبه جثة رجل ضخم مات واجلثة تعفنت) وخيتم كالمه فيقول‪( :‬حتى ظهر‬
‫حممد نبي املسلمني عليه الصالة والسالم)"(‪ .)3‬كيف ال وهو الذي استطاع‬
‫أن حيول العرب من اهلمجية والعصبية إىل القيادة واإلدارة حتى استضاء‬
‫العامل بعقوهلم وحكموه بقلوهبم‪ ،‬يقول (تولستوى)‪" :‬يكفي حممد ًا فخر ًا‬
‫أنه خ َّلص أمة ذليلة دموية من خمالب شياطني العادات الذميمة‪ ،‬وفتح عىل‬
‫وجوههم طريق الرقي والتقدم‪ ،‬وأن رشيعة حممد ستسود العامل النسجامها‬

‫((( ((يف ظالل القرآن))‪. 3087/4 :‬‬


‫((( ينظر‪(( :‬الربهان يف علوم القرآن)) للزركيش‪ ،19/3 :‬و((اإلتقان يف علوم القرآن)) للسيوطي‪،11/1 :‬‬
‫و((املحصول يف علم األصول)) للرازي‪ ،125/3 :‬و((البحر املحيط يف أصول الفقه)) للزركيش‪:‬‬
‫‪.269/4‬‬
‫((( ((حممد أعظم عظامء العامل)) ألمحد ديدات ومايكل هارت‪ :‬صـ ‪. 30‬‬
‫‪57‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫مع العقل واحلكمة"(‪.)1‬‬

‫‪،‬‬ ‫فام من نعمة ظهرت هلذه األمة دين ًا أو دني ًا إال بسببه‬
‫فهو صاحب اليد الطوىل‪ ،‬قال اإلمام الشافعي‪" :‬وجزاه اهلل عنا أفضل‬
‫ال عن من ُأرسل إليه؛ فإنه أنقذنا به من اهللكة‪ ،‬وجعلنا يف‬
‫ما جزى مرس ً‬
‫خري أمة أخرجت للناس‪ ،‬دائنني بدينه الذي ارتىض‪ ،‬واصطفى به مالئكته‬
‫ومن أنعم عليه من خلقه‪ .‬فلم ُتس بنا نعمة ظهرت وال َب َطنَت‪ ،‬نلنا هبا‬
‫حظ ًا يف دين ودنيا أو ُدفِ َع هبا عنا مكروه فيهام‪ ،‬ويف واحد منهام‪ :‬إال وحممد‬
‫سببها‪ ،‬القائدُ إىل خريها ‪،‬واهلادي إىل رشدها‪ ،‬الذائدُ‬
‫السوء يف خالف الرشد‪ ،‬املن ِّب ُه لألسباب التي تورد‬
‫عن اهللكة وموارد َّ‬
‫القائم بالنصيحة يف اإلرشاد واإلنذار فيها‪ .‬فصىل اهلل عىل حممد‬
‫ُ‬ ‫اهللكة‪،‬‬
‫وعىل آل حممد كام صىل عىل إبراهيم وآل إبراهيم إنه محيد جميد"(‪.)2‬‬

‫وواجب املسلم جتاه هذه النعم العظيمة مقابلة هذه النعم بالشكر‬
‫اجلزيل واملحافظة عليها ‪،‬حينها يسدل اهلل تعاىل نعمه ويفيض منها عىل‬
‫عباده؛ ولذلك ختمت اآلية بقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﱸ‪ ،‬فالبالء والنقم تقابل بالصرب عليها‪ ،‬والنعم واملنن تقابل بالشكر‬
‫هلا‪ ،‬قال ابن عاشور‪" :‬ولكون اآليات خمتلفة‪ ،‬بعضها آيات موعظة وزجر‬

‫((( ((موسوعة تراجم ألشهر أألعالم العرب واألجانب القدامى واملحدثني))‪ :‬صـ ‪.147 - 146‬‬
‫((( ((الرسالة)) للشافعي‪ :‬صـ ‪.13‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪58‬‬

‫وبعضها آيات منَّة وترغيب‪ ،‬جعلت متعلقة بـ ﱹ ﯠ ﯡ ﯢ ﱸ إذ‬


‫الصرب مناسب للزجر ألن التخويف يبعث النفس عىل حتمل معاكسة هواها‬
‫خيفة الوقوع يف سوء العاقبة‪ ،‬واإلنعام يبعث النفس عىل الشكر‪ ،‬فكان ذكر‬
‫الصفتني توزيع ًا ملا أمجله ذكر أيام اهلل من أيام بؤس وأيام نعيم"(‪.)1‬‬

‫واالحتفال باملولد النبوي مظهر من مظاهر شكر نعمة بروز املصطفى‬


‫هلذا العامل‪ ،‬وقد فطن هلذا املعنى البديع احلافظ ابن‬
‫‪:‬‬ ‫رجب‪ ،‬حيث قال ‪ -‬أثناء تعليقه عىل حديث رسول اهلل‬
‫حينام سئل عن صيام يوم االثنني‪ ،‬فقال‪(( :‬ذاك يوم ولدت فيه))(‪" :- )2‬إشارة‬
‫إىل استحباب صيام األيام التي تتجدد فيها نعم اهلل عىل عباده‪ ،‬فإن أعظم‬
‫هلم وبعثته وإرساله‬ ‫نعم اهلل عىل هذه األمة إظهار حممد‬
‫إليهم ‪ ...‬فصيام يوم جتدَّ دت فيه هذه النعم من اهلل عىل عباده املؤمنني حسن‬
‫مجيل‪ ،‬وهو من باب مقابلة النعم يف أوقات جتددها بالشكر‪ ،‬ونظري هذا‬
‫صيام يوم عاشوراء حيث أنجى اهلل فيه نوح ًا من الغرق ونجى فيه موسى‬
‫اليم فصامه نوح وموسى شكر ًا‬
‫وقومه من فرعون وجنوده وأغرقهم يف ِّ‬
‫متابعة ألنبياء اهلل وقال لليهود‪:‬‬ ‫هلل فصامه رسول اهلل‬
‫((نحن أحق بموسى منكم)) وصامه وأمر بصيامه"(‪.)3‬‬

‫((( ((التحرير والتنوير))‪.183/13 :‬‬


‫((( أخرجه مسلم‪ ،820/2 :‬حديث رقم (‪. )1162‬‬
‫((( ((لطائف املعارف)) البن رجب‪ :‬صـ ‪. 96‬‬
‫‪59‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫وهبذا حكم احلافظ ابن حجر بجواز االحتفال باملولد النبوي بعمل‬
‫املولد وإظهار الفرح والرسور بناء عىل قاعدة الشكر بدليل قياس األوىل كام‬
‫معي‬
‫تقدم‪ ،‬حيث قال‪" :‬فيستفاد منه فعل الشكر هلل تعاىل عىل ما َم َّن به يف يوم َّ‬
‫من إسداء نعمة أو دفع نقمة‪ ،‬ويعاد ذلك يف نظري ذلك اليوم من كل سنة‪،‬‬
‫والشكر هلل تعاىل حيصل بأنواع العبادة؛ كالصالة والصيام والتالوة‪ ،‬وأي‬
‫؟!"(‪.)1‬‬ ‫نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي؛ نبي الرمحة‬

‫وإذا كان هذان العاملان اجلليالن قد استنبطا هذا الفهم البديع من‬
‫النظر يف نصوص السنة النبوية‪ ،‬فإن هذا املعنى بنفسه قد أشار إليه القرآن‬
‫الكريم من خالل خامتة هذه اآلية ﱹ ﯠ ﯡ ﯢ ﱸ‪ ،‬فسبحان من‬
‫وصف كتابه بقوله‪ :‬ﱹ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﱸ [النحل‪،]٨٩ :‬‬
‫فحري بنا نحن املسلمني أن نتدبر كتاب اهلل ونغوص يف أعامقه كي نستخرج‬
‫ٌ‬
‫اجلواهر والدرر املستقرة يف قيعانه‪ .‬وهلل در القائل‪:‬‬
‫وع ِ‬
‫ظات‬ ‫آي به ِ‬ ‫وما ِض ْق ُت عن ٍ‬ ‫تاب اهللِ َلفظ ًا وغاي ًة‬ ‫وس ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـــعت ك َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫و َتن ِْس ِ‬ ‫صف ٍ‬ ‫أض ُيق اليوم عن و ِ‬ ‫فكيف ِ‬
‫عـــات‬ ‫ـــيق أســـاء ُمل ْخ َ‬
‫رت‬ ‫آلة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فهل ساءلوا الغواص عن صدفايت‬ ‫ِ‬
‫أحشائه الدر كام ٌن‬ ‫البحر يف‬ ‫أنا‬
‫(‪)2‬‬
‫ُ‬
‫يضاف إىل ما تقدم أنه يمكن أن يستدل هبذه اآلية بداللة التضمن ‪ -‬وهي‬

‫((( ((التحفة اللطيفة يف تاريخ املدينة الرشيفة))‪ ،150/1 :‬و((األجوبة املرضية))‪.1117/3 :‬‬
‫((( ((جواهر األدب)) ألمحد اهلاشمي‪.478/1 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪60‬‬

‫استعامل اللفظ يف جزء معناه(‪ ،- )1‬إذ يوم املولد النبوي هو جزء من أيام‬
‫اهلل وأحدها‪ ،‬بل هو أرشفها ‪،‬فاالحتفال به من باب التذكري بأيام اهلل‪ ،‬قال‬
‫الشيخ عبدالفتاح عيل شهاب‪" :‬نحن املسلمني نحتفل بذكرى ميالد حبيبنا‬
‫اقتداء بسلفنا الصالح؛ رجاء أن يكون وفاء ب ُعرش‬
‫علينا؛ كتلك األحفال التي‬ ‫معشار حق رسول اهلل‬
‫تقام يف ليلة القدر إيقاظ ًا ودعوة للعمل‪ ،‬والتمسك بام أنزل فيها من القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬كام نحتفل هبجرته؛ تذكري ًا بالطاعة املطلقة والتضحية الفائقة‬
‫اللتني قام عليهام اإلسالم‪ ،‬ونحتفل بذكرى غزواته وانتصاراته عىل البغي‬
‫والعدوان التي سجلها القرآن الكريم ودعا املؤمنني إىل تذكرها دائام‪ ،‬وأوىل‬
‫هبذا التذكر يوم وقوعها‪.‬‬

‫أليست هذه كلها من أيام اهلل التي لفت نظر املؤمنني إليها‪ ،‬ودعاهم‬
‫إىل تذكرها؛ ليكون ما أودع اهلل فيها من عطاء أو بالء دروس ًا للمؤمنني تنري‬
‫هلم مستقبلهم دائ ًام‪ ،‬ويك ِّيفون دنياهم عىل ضوء ما وقع فيها‪ ،‬ونور اآلية‬
‫تشدُّ املؤمنني هبا إىل ذلك‪ ،‬فاقرؤوها يف تدبر وخشوع ﱹ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮﮯ ﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﱸ [إبراهيم‪.]٥ :‬‬

‫((( ينظر‪(( :‬اإلحكام يف أصول األحكام)) لآلمدي‪ ،105/1 :‬و((املحصول يف علم األصول)) للرازي‪:‬‬
‫‪ ،76/1‬و((البحر املحيط يف أصول الفقه)) أليب حيان‪.269/2 :‬‬
‫‪61‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫وأفضل األيام بالنسبة لألمة املحمدية‪ ،‬بل لإلنسانية كلها‪ :‬هو يوم‬
‫‪ ،‬يشكرون فيه رهبم عىل نعمة ميالده؛ فهو النعمة‬ ‫ميالده‬
‫املهداة والرمحة املسداة ﱹ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﱸ [األنبياء‪.)1("]١٠٧ :‬‬

‫بل إن ليلة امليالد خالصة كل الليايل واأليام ولوالها ما عرفنا يوم‬


‫اهلجرة ويوم بدر ويوم فتح مكة وليلة القدر وليلة املعراج‪ ،‬وغريها من‬
‫األيام والليايل الفاضلة فكلها من حسنات ونفحات ليلة امليالد‪.‬‬

‫أشم ومن غنَى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يا ليل َة االثنني مـــاذا صافحت‬
‫ُيمناك من رشف َّ‬
‫السنَا‬
‫مفتاح َّ‬
‫ُ‬ ‫نسب إليك فأنت‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫كل الليـــايل البيض يف الدنيا هلا‬
‫(‪)2‬‬
‫هبر َن األع ُينَا‬ ‫حســـناتك َّ‬
‫الليت ْ‬ ‫واملعراج من‬
‫ُ‬ ‫فالقدر واألعيـــا ُد‬
‫ُ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫((( ((اإلعالم بفتاوى أئمة اإلسالم حول مولده عليه الصالة والسالم)) للاملكي‪ :‬صـ ‪.330‬‬
‫)) ملحمد أمني كتبي‪ :‬صـ ‪.77‬‬ ‫((( ((نفح الطيب يف مدح احلبيب‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪62‬‬

‫املطلب الرابع‬

‫[مريم‪]33 :‬‬ ‫قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﱸ‬

‫لقد ذكر القرآن الكريم يف بعض آياته ما يشري إىل تقدير يوم امليالد‪،‬‬
‫‪ ،‬وكقوله تعاىل ‪ -‬عن نبي اهلل‬ ‫كاآلية املتقدمة عن نبي اهلل عيسى‬
‫‪ :-‬ﱹ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﱸ [مريم‪،]١٥ :‬‬ ‫حييى‬
‫وغريها من اآليات‪ ،‬ويستدل بمجموع هذه اآليات بداللة اإلشارة(‪ )1‬إىل‬
‫أمهية هذا اليوم يف حياة املسلمني ليتذكروا نعمة اهلل عليهم بإرسال هؤالء‬
‫الرسل‪ ،‬وليشكروا اهلل تعاىل عىل هذه النعمة العظيمة‪ .‬ويلزم من ذلك جواز‬
‫االحتفال باملولد النبوي فهو مظهر من مظاهر االهتامم بيوم امليالد‪.‬‬

‫هو أول من احتفل‬ ‫ويف احلقيقة‪ :‬إن رسول اهلل‬


‫هذا اليوم بعبادة‬ ‫بيوم مولده؛ وذلك بتخصيصه‬
‫خاصة‪ ،‬وهي الصيام‪ ،‬وهذا هو معنى االحتفال‪ ،‬وقد استنبط ذلك ابن‬
‫إىل فضيلة هذا الشهر‬ ‫احلاج‪ ،‬حيث قال‪" :‬لكن أشار‬

‫((( داللة اإلشارة‪ :‬هي إشارة اللفظ إىل معنى ليس مقصود ًا منه باألصالة‪ ،‬بل بالتبع‪ .‬أو‪ :‬هي داللة اللفظ‬
‫عىل معنى الزم للمعنى املقصود من السياق‪ .‬وهي أحد أقسام املنطوق غري الرصيح‪ .‬ينظر ((املستصفى))‬

‫و((املوافقات))‬ ‫للغزايل‪ ،219/2 :‬و((اإلحكام يف أصول األحكام))‪ ،‬و((البحر املحيط))‪،132/5 :‬‬


‫للشاطبي‪ ،195/2 :‬و((مراقي السعود))‪.100/1 :‬‬
‫‪63‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫للسائل الذي سأله عن صوم يوم االثنني‪،‬‬ ‫العظيم بقوله‬


‫فترشيف هذا اليوم‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪(( :‬ذاك يوم ولدت فيه‬
‫))‬ ‫فقال له‬
‫متضمن لترشيف هذا الشهر الذي ولد فيه‪ .‬فينبغي أن نحرتمه حق االحرتام‬
‫ِّ‬
‫ونفضله بام فضل اهلل به األشهر الفاضلة وهذا منها ‪ ...‬وفضيلة األزمنة‬
‫واألمكنة بام خصها اهلل تعاىل به من العبادات التي تفعل فيها‪ ،‬ملا قد علم‬
‫تترشف لذاهتا وإنام حيصل هلا الترشيف بام خصت‬
‫أن األمكنة واألزمنة ال َّ‬
‫خص اهلل تعاىل به هذا الشهر‬
‫به من املعاين‪ .‬فانظر رمحنا اهلل وإياك إىل ما َّ‬
‫الرشيف ويوم االثنني‪.‬‬

‫أال ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم ألنه‬


‫يكرم ويع َّظم‬
‫ولد فيه‪ .‬فعىل هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن َّ‬
‫يف كونه‬ ‫وحيرتم االحرتام الالئق به وذلك باالتِّباع له‬
‫كان خيص األوقات الفاضلة بزيادة فعل الرب فيها وكثرة‬
‫اخلريات"(‪.)2‬‬

‫ويف هذا رد عىل من يعرتض عىل ختصيص هذا اليوم هلذا االجتامع‬
‫وإظهار الفرح والرسور فيه‪ ،‬وأنه ختصيص بال دليل‪ ،‬قال الدكتور عزت‬
‫عيل عطية‪" :‬وهبذا االستدالل رد القول بأن هذا االحتفال ختصيص هلذا‬

‫((( تقدم خترجيه‪ :‬صـ ‪. 58‬‬


‫((( ((املدخل)) البن احلاج‪ :‬صـ ‪.3‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪64‬‬

‫اليوم بغري خمصص‪ ،‬حيث ثبت هلذا التخصيص أصل من السنة"(‪.)1‬‬

‫وقد يقول قائل‪ :‬إن القرآن الكريم اهتم بذكر يوم الوفاة كام اهتم بذكر‬
‫يوم الوالدة‪ ،‬وبالتايل فليس الفرح بأوىل من احلزن‪ ،‬وكان األوىل باملحب أن‬
‫يتخذ هذا اليوم مأمت ًا ويوم حزن‪.‬‬

‫وقد أجاب عن ذلك احلافظ السيوطي حيث قال‪" :‬إن والدته‬


‫أعظم النعم علينا‪ ،‬ووفاته أعظم املصائب لنا‪ ،‬والرشيعة‬
‫حثت عىل إظهار شكر النعم والصرب والسكون والكتم عند املصائب‪،‬‬
‫وقد أمر الرشع بالعقيقة عند الوالدة‪ ،‬وهي إظهار شكر وفرح باملولود‪،‬‬
‫ومل يأمر عند املوت بذبح وال بغريه بل هنى عن النياحة وإظهار اجلزع‪،‬‬
‫فدلت قواعد الرشيعة عىل أنه حيسن يف هذا الشهر إظهار الفرح بوالدته‬
‫دون إظهار احلزن فيه بوفاته‪ ،‬وقد قال ابن رجب يف‬
‫كتاب ((اللطائف)) يف ذم الرافضة حيث اختذوا يوم عاشوراء مأمتا ألجل‬
‫قتل احلسني‪ :‬مل يأمر اهلل وال رسوله باختاذ أيام مصائب األنبياء وموهتم مأمت ًا‪،‬‬
‫حيث‬ ‫در العباس بن عبد املطلب‬
‫فكيف ممن هو دوهنم؟!" ‪ .‬وهلل ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪:‬‬ ‫يقول مدح ًا يف رسول اهلل‬

‫((( ((البدعة‪ :‬حتديدها وموقف اإلسالم منها)) للدكتور عزت عيل عطية‪ :‬صـ ‪. 415‬‬
‫((( ((احلاوي للفتاوي)) للسيوطي‪ ،226/1 :‬و((لطائف املعارف)) البن رجب‪ :‬صـ ‪.54‬‬
‫‪65‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫الور ُق‬ ‫ُ‬


‫حيث ُي َْص ُ‬ ‫مستو َد ٍع‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬
‫ف َ‬ ‫اجلنان ويف‬ ‫طبـــت يف‬
‫َ‬ ‫قبلها‬
‫أنـــت وال ُم ْض َغـــ ٌة وال َع َل ُ‬
‫ـــق‬ ‫بـــر‬
‫هبطـــت البـــا َد ال َ ٌ‬
‫َ‬ ‫ثـــم‬
‫َّ‬
‫فق‬ ‫ِ‬
‫بنـــور َك األُ ُ‬ ‫وضاءت‬
‫ْ‬ ‫أرض‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أرشقت الـ‬ ‫لـــدت‬
‫َ‬ ‫وأنت ّملـــا ُو‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ــــور وسب َل الر ِ‬ ‫ذلـــك الض ِ‬
‫نخرت ُق‬ ‫شاد‬ ‫ِ ُ ْ َّ‬ ‫ياء ويف النُّـ‬ ‫َ ِّ‬ ‫فنح ُن يف‬
‫(‪)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫املطلب اخلامس‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ [احلج‪.]٧٧ :‬‬

‫إن لفظ (اخلري) اسم جنس يدخل حتته أفراد كثرية فهو عام‪ ،‬قال‬
‫‪" :‬صل ُة األرحام‬ ‫ابن عاشور‪ :‬ﱹ ﮜ ﮝ ﱸ َق َال ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫التتيب َّأنم أمروا أوالً َّ‬
‫بالصالة وهي‬ ‫ومكارم األخالق‪ ،‬ويظهر يف هذا َّ‬
‫نوع من فعل اخلري‪ ،‬وثالث ًا بفعل اخلري‬
‫ْنو ٌع من العبادة‪ ،‬وثاني ًا بالعبادة وهي ٌ‬
‫بخاص ثم بعا ٍّم ثم بأعم"(‪.)2‬‬
‫ٍّ‬ ‫أعم من العبادة فبدأ‬
‫وهو ُّ‬

‫ووجه الداللة من هذه اآلية أن االحتفال باملولد النبوي حوى كثريا‬

‫((( ((املواهب اللدنية باملنح املحمدية))‪. 68/1 :‬‬


‫((( ((التحرير والتنوير))‪.539/7 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪66‬‬

‫والصدقات‬ ‫من أفعال اخلري‪ :‬كالصالة عىل النبي‬


‫واملعروف وإظهار الزينة والرسور واإلحسان إىل الفقراء ‪ ...‬فيستدل‬
‫التضمن إذ أن املولد جزء من اخلري الذي أمر به القرآن‬
‫ِّ‬ ‫عىل جوازه بداللة‬
‫الكريم‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر اهليتمي‪" :‬إن قاصدي اخلري وإظهار الفرح‬
‫واملحبة له يكفيهم أن جيمعوا‬ ‫والرسور بمولد النبي‬
‫أهل اخلري والصالح والفقراء واملساكني‪ ،‬فيطعموهم ويتصدقوا عليهم حمب ًة‬
‫‪ ،‬فإن أرادوا فوق ذلك َأمروا من ي ِ‬
‫نشد املدائح النبوية‬ ‫له‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫واألشعار املتعلقة باحلث عىل األخالق الكريمة مما ُي ِّرك القلوب إىل فعل‬
‫اخلريات‪ ،‬والكف عن البدع املنكرات‪ ،‬أي‪ :‬ألن من أقوى األسباب الباعثة‬
‫‪ :‬سامع األصوات احلسنة املطربة بإنشاد‬ ‫عىل حمبته‬
‫ال قابالً؛ فإهنا ُتدث للسامع شكر ًا وحمبة"(‪.)1‬‬
‫املدائح النبوية إذا صادفت حم ً‬

‫إذ ًا فالقرآن الكريم أمر بفعل اخلري‪ ،‬لكن رشيطة أن ال يصادم هذا‬
‫اخلري أدلة الرشع‪ ،‬وليس بحجة أن يقول البعض‪( :‬كيف تفعل شيئا مل يفعله‬
‫)‪ ،‬أو قوهلم‪( :‬لو كان خريا لسبقونا إليه)؛ ألن‬ ‫رسول اهلل‬
‫الرتك وحده إن مل يصحبه نص عىل أن املرتوك حمظور ال يكون نص ًا يف ذلك‪،‬‬
‫بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مرشوع؛ وأما أن ذلك الفعل املرتوك‬
‫يكون حمظور ًا‪ ،‬فهذا ال يستفاد من الرتك وحده‪ ،‬وإنام يستفاد من دليل‬

‫((( ((جواهر البحار))‪.394/3 :‬‬


‫‪67‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫وعملها‬ ‫يدل عليه(‪ ،)1‬فكم من أمور تركها رسول اهلل‬


‫الصحابة بعده أو التابعني أو حتى يف زماننا احلارض‪.‬‬

‫مثالً‪ :‬مسألة مجع القرآن الكريم‪ ،‬فعل هذا سيدنا أبوبكر الصديق‬
‫حيث قال سيدنا عمر فيام‬ ‫‪ -‬مع أنه مل يفعله رسول اهلل‬
‫‪،‬وكان ممن يكتب‬ ‫رواه البخاري‪َّ :‬‬
‫"أن زيد بن ثابت األنصاري‬
‫الوحي قال‪ :‬أرسل إ َّيل أبوبكر مقتل أهل الياممة وعنده عمر‪ ،‬فقال أبوبكر‪:‬‬
‫استحر يوم الياممة بالناس وإين أخشى أن‬
‫َّ‬ ‫إن عمر أتاين فقال إن القتل قد‬
‫يستحر القتل بالقراء يف املواطن‪ ،‬فيذهب كثري من القرآن إال أن جتمعوه‪،‬‬
‫َّ‬
‫وإين ألرى أن جتمع القرآن‪ .‬قال أبو بكر قلت لعمر‪ :‬كيف أفعل شيئ ًا مل يفعله‬
‫؟ فقال عمر‪ :‬هو واهلل خري‪ ،‬فلم يزل عمر‬ ‫رسول اهلل‬
‫يراجعني فيه حتى رشح اهلل لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر‪ .‬قال زيد‬
‫بن ثابت وعمر عنده جالس ال يتكلم‪ ،‬فقال أبوبكر إنَّك رجل شاب عاقل‪،‬‬
‫فتتبع القرآن‬ ‫وال نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول اهلل‬
‫فامجعه فواهلل لو كل َّفني نقل جبل من اجلبال ما كان أثقل عيل مما أمرين به من‬
‫؟‬ ‫مجع القرآن‪ .‬قلت‪ :‬كيف تفعالن شيئ ًا مل يفعله النبي‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬هو واهلل خري‪ ،‬فلم أزل أراجعه حتى رشح اهلل صدري للذي‬

‫((( الكالم يف هذه املسألة طويل وأحيل القارئ إىل كتاب مهم حوى هذه املسألة وتفصيالهتا والشبه التي‬
‫تثار حوهلا واسمه‪(( :‬حسن التفهم والدرك ملسألة الرتك)) لعبد اهلل بن حممد بن الصديق الغامري‪.‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪68‬‬

‫رشح اهلل له صدر أيب بكر وعمر‪ ،‬فقمت فتتبعت القرآن أمجعه من الرقاع‬
‫واألكتاف والعسب وصدور الرجال ‪.)1("...‬‬

‫عن سبب تعاوهنام جلمع‬ ‫فتأمل معي قول أيب بكر وعمر‬
‫القرآن الكريم‪( :‬هو واهلل خري)‪" ،‬فهذا اجلواب من اخلليفتني الراشدين‬
‫هو اجلواب لكل من يستنكر اليوم ما أحدث من اخلريات بقوله‪:‬‬
‫)؛ ألن‬ ‫‪ ،‬وال الصحابة‬ ‫(مل يفعله رسول اهلل‬
‫اخلري مأمور به يف نص كتاب اهلل‪ ،‬موعود عليه بالفالح‪ :‬ﱹ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﱸ‪ ،‬ومأمور بالدعوة إىل اخلري ﱹ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﱸ [آل عمران‪.)2("]١٠٤ :‬‬

‫ويف هذا دليل عىل أن املحدَ ث إذا كان خري ًا وموافق ًا ألدلة الرشع‪،‬‬
‫فال يكون بدعة رشع ًا وإن سمي بدعة لغة‪ ،‬فقد أخرج البيهقي يف مناقب‬
‫الشافعي أنه قال‪« :‬املحدثات من األمور رضبان أحدمها ما أحدث خيالف‬
‫كتاب ًا أو سن ًة أو إمجاع ًا أو أثر ًا‪ ،‬فهذه البدعة الضاللة‪ .‬والثاين ما أحدث من‬
‫اخلري ال خالف فيه لواحد من هذا‪ ،‬فهي حمدثة غري مذمومة‪ ،‬وقد قال عمر‬
‫يف قيام شهر رمضان‪( :‬نعمت البدعة هذه) يعني إهنا حمدثة مل تكن‪،‬‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،2711/6 :‬حديث رقم (‪. )6989‬‬


‫)) للدكتور‪/‬حممود أمحد الزين‪ :‬صـ ‪.12‬‬ ‫((( ((البيان النبوي عن فضل االحتفال بمولد النبي‬
‫‪69‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫وإذا كانت فليس فيها رد ملا مىض"(‪ .)1‬وأخرج يف ((احللية)) يف ترمجة الشافعي‬
‫أنه قال‪" :‬البدعة بدعتان‪ :‬بدعة حممودة ‪،‬وبدعة مذمومة‪ ،‬فام وافق السنة فهو‬
‫حممود‪ ،‬وما خالف السنة فهو مذموم"(‪.)2‬‬

‫فكل خري له مستند من الرشع فليس ببدعة وإن مل يفعله السلف‪ ،‬قال‬
‫اإلمام الشافعي‪" :‬كل ما له مستند من الرشع فليس ببدعة‪ ،‬ولو مل يعمل به‬
‫السلف؛ ألن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام هلم يف الوقت‪ ،‬أو ملا هو‬
‫أفضل منه‪ ،‬أو لعله مل يبلغ مجيعهم علم به"(‪.)3‬‬

‫وقال الدكتور عزت عيل عطية ‪ -‬يف تقريره لكالم الشافعي ‪:-‬‬
‫هلذا االحتفال‪ ،‬إنام كان النشغاهلم بام‬ ‫"فنحن نرى أن ترك الصحابة‬
‫هو أهم كاجلهاد‪ ،‬وإعداد الدولة اإلسالمية من الناحية العلمية والسياسية‬
‫واالقتصادية والعسكرية‪ ،‬أو أهنم كانوا حيتفلون هبذا اليوم بصورة فردية أو‬
‫أرسية ال تكاد تظهر يف املجتمع‪ ،‬خاصة وأن مثل هذا اليوم ليس له شعرية‬
‫خاصة تظهر االحتفال به كالعيد مثال ‪.)4("...‬‬

‫((( ((مناقب الشافعي)) للبيهقي‪.468/1 :‬‬


‫((( ((حلية األولياء))‪.113/9 :‬‬
‫((( ينظر‪(( :‬إتقان الصنعة يف حتقيق معنى البدعة)) للغامري‪ :‬صـ ‪.30‬‬
‫((( ((البدعة‪ :‬حتديدها وموقف اإلسالم منها)) للدكتور‪ :‬عزت عيل عطية‪ :‬صـ ‪.414‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪70‬‬

‫ومن هنا قال العلامء‪ :‬إن حديث‪(( :‬كل بدعة ضاللة))(‪ )1‬عام خمصوص‪ ،‬قال‬
‫‪:‬‬ ‫اإلمام النووي ‪ -‬عند تعليقه عىل هذا احلديث ‪« :-‬قوله‬
‫((وكل بِدعة ضاللة)) هذا عام خمصوص‪ ،‬واملراد غالب البدع‪ ،‬قال أهل‬
‫اللغة‪ :‬هي كل يشء عمل عىل غري مثال سابق‪ ،‬قال العلامء‪ :‬البدعة مخسة‬
‫أقسام‪ :‬واجبة ومندوبة وحمرمة ومكروهة ومباحة‪ :‬فمن الواجبة‪ :‬نظم أدلة‬
‫املتكلمني للرد عىل املالحدة واملبتدعني وشبه ذلك‪ ،‬ومن املندوبة‪ :‬تصنيف‬
‫كتب العلم وبناء املدارس والربط وغري ذلك‪ ،‬ومن املباح‪ :‬التبسط يف ألوان‬
‫األطعمة وغري ذلك‪ ،‬واحلرام واملكروه ظاهران وقد أوضحت املسألة‬
‫بأدلتها املبسوطة يف هتذيب األسامء واللغات‪ ،‬فإذا عرف ما ذكرته علم أن‬
‫احلديث من العام املخصوص وكذا ما أشبهه من األحاديث الواردة‪ ،‬ويؤيد‬
‫يف الرتاويح‪( :‬نعمت البدعة)‪ ،‬وال‬ ‫ما قلناه قول عمر بن اخلطاب‬
‫يمنع من كون احلديث عام ًا خمصوص ًا قوله‪( :‬كل بدعة) مؤكد ًا‪ ،‬بكل بل‬
‫يدخله التخصيص مع ذلك ‪،‬كقوله تعاىل‪ :‬ﱹﮜ ﮝ ﮞ ﱸ [األحقاف‪.)2("]٢٥ :‬‬
‫وقالاإلمامالقرطبييفتفسريقولهتعاىل‪:‬ﱹﯖﯗﯘﱸ[البقرة‪:]١١٧:‬‬
‫"كل بدعة صدرت من خملوق فال خيلو أن يكون هلا أصل يف الرشع أوال‪،‬‬
‫فإن كان هلا أصل كانت واقعة حتت عموم ما ندب اهلل إليه وخص رسوله‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،2262/5 :‬حديث رقم (‪ ،)5747‬ومسلم‪ ،593/2 :‬حديث رقم (‪.)867‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم)) للنووي‪ ،154/6 :‬وينظر‪(( :‬فتح الباري)) البن حجر‪.253/13 :‬‬
‫‪71‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫عليه‪ ،‬فهي يف ح ِّيز املدح‪.‬‬

‫وإن مل يكن مثاله موجود ًا كنوع من اجلود والسخاء وفعل املعروف‪،‬‬


‫فهذا فعله من األفعال املحمودة‪ ،‬وإن مل يكن الفاعل قد سبق إليه‪ .‬ويعضد‬
‫‪( :‬نعمت البدعة هذه) ‪ ،‬ملا كانت من أفعال اخلري‬ ‫هذا قول عمر‬
‫قد صالها‬ ‫وداخلة يف حيز املدح‪ ،‬وهي وإن كان النبي‬
‫إال أنه تركها ومل حيافظ عليها‪ ،‬وال مجع الناس‪ ،‬عليها‪ ،‬فمحافظة عمر‬
‫عليها‪ ،‬ومجع الناس هلا‪ ،‬وندهبم إليها‪ ،‬بدعة لكنها بدعة حممودة‬
‫ممدوحة‪ ،‬وإن كانت يف خالف ما أمر هلل به ورسوله فهي يف ح ِّيز الذم‬
‫واإلنكار‪ ،‬قال معناه اخلطايب وغريه‪.‬‬

‫يف خطبته‪(( :‬ورش األمور‬ ‫قلت‪ :‬وهو معنى قوله‬


‫حمدثاهتا وكل بدعة ضاللة)) يريد ما مل يوافق كتاب ًا أو سنة‪ ،‬أو عمل الصحابة‬
‫سن يف اإلسالم سنة حسنة‪ ،‬كان له‬
‫‪ ،‬وقد َّبي هذا بقوله‪(( :‬من َّ‬
‫أجرها وأجر من عمل هبا من بعده من غري أن ينقص من أجورهم يشء‬
‫سن يف اإلسالم سنة سيئة ‪،‬كان عليه وزرها ووزر من عمل هبا من بعده‬
‫ومن ِّ‬
‫من غري أن ينقص من أوزارهم يشء))(‪ ،)1‬وهذا إشارة إىل ما ابتدع من قبيح‬
‫وحسن‪ ،‬وهو أصل هذا الباب"(‪.)2‬‬

‫((( أخرجه مسلم‪ ،593/2 :‬حديث رقم (‪. )867‬‬


‫((( ((تفسري القرطبي))‪. 87/2 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪72‬‬

‫سمي (بدعة) وثبت حسنه‬


‫‪" :‬وما ِّ‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫بأدلة الرشع فأحد األمرين فيه الزم‪ :‬إما أن يقال‪ :‬ليس ببدعة يف الدين وإن‬
‫‪( :‬نعمت البدعة‬ ‫كان يسمى بدعة من حيث اللغة‪ ،‬كام قال عمر‬
‫هذه)‪ ،‬وإما أن يقال‪ :‬هذا عام خصت منه هذه الصورة ملعارض راجح‪ ،‬كام‬
‫يبقى فيام عداها عىل مقتىض العموم كسائر عمومات الكتاب والسنة"(‪.)1‬‬

‫ويمكن أن يستدل عىل أن االحتفال باملولد النبوي يدرج يف أعامل‬


‫اخلري بالقياس االقرتاين املنطقي والذي تكون فيه النتيجة مذكورة بالقوة(‪،)2‬‬
‫وذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫مقدمـــة صغرى‬ ‫االحتفـــال باملولـــد النبوي عمـــل خريي‬


‫مقدمـــة كـــرى‬ ‫وكل عمـــل خـــري مستحســـن رشعـــي‬
‫ا لنتيجــــــــــــــة‬ ‫االحتفال باملولد النبوي مستحسن رشعي‬

‫قد يعرتض بعضهم بأنه وإن كان خري ًا مادام أنه حمدث ال جيوز فعله‬
‫مستدال بحديث ابن مسعود ففي ((سنن الدارمي))‪" :‬أخربنا احلكم بن املبارك‬
‫أنبأنا عمر بن حييى قال سمعت أيب حيدث عن أبيه قال ‪ :‬كنا نجلس عىل‬

‫((( ((جمموع الفتاوى))‪.271/10 :‬‬


‫السعود))‬ ‫((( ينظر‪(( :‬رشح املحيل عىل مجع اجلوامع)) للسبكي‪ ،209/2 :‬و((نثر الورود عىل مراقي‬
‫للشنقيطي‪ ،565/2 :‬و((ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة)) للدكتور‪/‬عبدالرمحن حسن‬
‫امليداين‪ :‬صـ ‪.229‬‬
‫‪73‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫باب عبد اهلل بن مسعود قبل صالة الغداة فإذا خرج مشينا معه إىل املسجد‪،‬‬
‫فجاءنا أبو موسى األشعري فقال‪ :‬أخرج إليكم أبو عبد الرمحن بعد؟ قلنا ال‬
‫فجلس معنا حتى خرج فلام خرج قمنا إليه مجيع ًا‪ ،‬فقال له أبو موسى‪ :‬يا أبا‬
‫عبد الرمحن إين رأيت يف املسجد آنفا أمرا أنكرته ومل َأر واحلمد هلل اال خري ًا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فام هو؟ فقال‪ :‬ان عشت فسرتاه‪ ،‬قال‪ :‬رأيت يف املسجد قوما حلق ًا‬
‫ٍ‬
‫حلقة رجل ويف أيدهيم حص ًا فيقول‪ :‬كربوا‬ ‫جلوس ًا ينتظرون الصالة‪ ،‬يف كل‬
‫مائة‪ ،‬فيكربون مائة‪ .‬فيقول‪ :‬هللوا مائة‪ ،‬فيهللون مائة‪ .‬ويقول سبحوا مائة‪،‬‬
‫فيسبحون مائة‪ .‬قال فامذا قلت هلم؟ قال‪ :‬ما قلت هلم شيئ ًا انتظار رأيك أو‬
‫انتظار أمرك‪ ،‬قال‪ :‬أفال أمرهتم أن يعدوا سيئاهتم وضمنت هلم أن ال يضيع‬
‫من حسناهتم‪ ،‬ثم مىض ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك احللق فوقف‬
‫عليهم فقال‪ :‬ما هذا الذي أراكم تصنعون؟! قالوا يا أبا عبد اهلل حص ًا نعد‬
‫به التكبري والتهليل والتسبيح‪ .‬قال‪ :‬فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن ال يضيع‬
‫من حسناتكم يشء؛ وحيكم يا أمة حممد ما أرسع هلكتكم هؤالء صحابة‬
‫متوافرون‪ ،‬وهذه ثيابه مل تبل‪ ،‬وآنيته مل تكرس‪،‬‬ ‫نبيكم‬
‫والذي نفيس بيده إنكم لعىل ملة هي أهدى من ملة حممد‪ ،‬أو مفتتحوا باب‬
‫ضاللة‪ ،‬قالوا‪ :‬واهلل يا أبا عبد الرمحن ما أردنا اال اخلري‪ .‬قال‪ :‬وكم من مريد‬
‫حدثنا أن قوما يقرؤون‬ ‫للخري لن يصيبه؛ إن رسول اهلل‬
‫القرآن ال جياوز تراقيهم‪ ،‬وأيم اهلل ما أدري لعل أكثرهم منكم‪ ،‬ثم توىل‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪74‬‬

‫عنهم فقال عمرو بن سلمة‪ :‬رأينا عامة أولئك ِ‬


‫احللق يطاعنونا يوم النهروان‬
‫مع اخلوارج"(‪.)1‬‬

‫من خالل النقاط اآلتية‪:‬‬ ‫ويمكن مناقشة حديث ابن مسعود‬

‫ ‪1 .‬أن بعض طرق هذا احلديث فيها ضعف‪ ،‬فقد روى هذا احلديث أيض ًا‬
‫الطرباين يف ((املعجم الكبري))(‪ )2‬من طريق عمرو بن مسلمة‪ ،‬قال احلافظ‬
‫اهليثمي يف ((جممع الزوائد))‪" :‬رواه ال َّطرباين يف الكبري‪ ،‬وفيه جمالد بن‬
‫سعيد‪ ،‬و َّثقه النَّسائي‪ ،‬وض َّعفه البخاري وأمحد بن حنبل وحييى"(‪.)3‬‬

‫ ‪2 .‬عىل افرتاض صحة احلديث فهو معارض بأحاديث أصح منه تدل‬
‫عىل فضيلة الذكر‪ ،‬قال احلافظ السيوطي‪" :‬هذا األثر عن ابن مسعود‬
‫حيتاج إىل بيان سنده ومن أخرجه من األئمة احلفاظ يف كتبهم‪ ،‬وعىل‬
‫تقدير ثبوته فهو معارض باألحاديث الكثرية الثابتة املتقدمة(‪ ،)4‬وهي‬
‫مقدمة عليه عند التعارض‪ ،‬ثم رأيت ما يقتيض إنكار ذلك عن ابن‬
‫مسعود‪ ،‬قال اإلمام أمحد بن حنبل يف كتاب الزهد‪ :‬ثنا حسني بن حممد‪،‬‬
‫ثنا املسعودي‪ ،‬عن عامر بن شقيق ‪،‬عن أيب وائل قال‪ :‬هؤالء الذين‬

‫((( ((سنن الدارمي))‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسني سليم أسد‪ ،79/1 :‬حديث رقم (‪ .)204‬قال املحقق‪ :‬إسناده جيد‪.‬‬
‫((( ((املعجم الكبري)) للطرباين‪ ،127/9 :‬حديث رقم (‪. )8636‬‬
‫((( ((جممع الزوائد ومنبع الفوائد)) للحافظ اهليتمي‪ ،221/1 :‬حديث رقم (‪. )854‬‬
‫((( وهذه األحاديث هي نفسها التي ذكرها السيد عبد اهلل احلداد كام سيأيت‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫يزعمون أن عبد اهلل كان ينهى عن الذكر‪ ،‬ما جالست عبد اهلل جملس ًا‬
‫قط إال ذكر اهلل فيه‪ .‬وأخرج أمحد يف الزهد عن ثابت البناين قال‪ :‬إن‬
‫أهل ذكر اهلل ليجلسون إىل ذكر اهلل‪ ،‬وإن عليهم من اآلثام أمثال اجلبال‪،‬‬
‫وإهنم ليقومون من ذكر اهلل تعاىل ما عليهم منها يشء"(‪.)1‬‬

‫وقال السيد العالمة عبداهلل حمفوظ احلداد‪" :‬هل يصح أن يوضع رأي‬
‫من تقريره‬ ‫ابن مسعود ملعارضة ما صح عن رسول اهلل‬
‫لكل اجتامع عىل ذكر اهلل‪ ،‬بل وحثه عليه يف أحاديث كثرية متعددة يمكن‬
‫ملجموعها أن تبلغ التواتر املعنوي ففي ((صحيح مسلم)) عن أيب سعيد‬
‫‪(( :‬ال‬ ‫قاال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫وأيب هريرة‬
‫الرمحة ونزلت‬ ‫يقعد قو ٌم يذكرون اهلل إِال َح َّفت ُْه ُم املالئكة وغشيتهم َّ‬
‫السكين ُة وذكرهم اهلل فيمن عنده))(‪ ،)2‬واحلديث املتفق عليه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫عليهم َّ‬
‫عبدي يب وأنا معه إِذا ذكرين فإن ذكرين يف‬ ‫((يقول اهلل تعاىل أنا عند ظن ِ‬
‫ِّ‬
‫خري ِمنهم))(‪،)3‬‬
‫إل ٍ‬ ‫إل َذكرته يف م ٍ‬
‫نفسه ذكرته يف نفيس‪ ،‬وإن ذكرين يف م ٍ‬
‫وغري هذه من األحاديث الثابتة الصحيحة باالجتامع بالذكر ‪ ...‬ولكنه‬
‫بحديث‬ ‫الولع والتشغيب أ ِّداهم مقابلة رأي ابن مسعود‬

‫((( ((احلاوي للفتاوي)) للسيوطي‪. 472/1 :‬‬


‫((( أخرجه مسلم‪ ،2074/4 :‬حديث رقم (‪. )2700‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،2725/6 :‬حديث رقم (‪ ،)7066‬ومسلم‪ ،2102/4 :‬حديث رقم (‪. )2675‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪76‬‬

‫وإنكار ما رصح به احلديث لرأي ابن‬ ‫الرسول‬


‫مسعود"(‪.)1‬‬

‫ومعلوم أن تقديم رأي الصحايب عىل حديث رسول اهلل‬


‫أمر خطري‪ ،‬بل حذر منه الصحابة أنفسهم‬
‫فهذا ابن عباس كام روى عنه سعيد بن جبري يقول‪" :‬عن ابن عباس‬
‫فقال عروة بن الزبري‪ :‬هنى‬ ‫قال‪ :‬متتع النبي‬
‫أبو بكر وعمر عن املتعة‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬ما يقول عروة قال‪ :‬يقول‪:‬‬
‫هنى أبو بكر وعمر عن املتعة‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬أراهم سيهلكون‪ ،‬أقول‪:‬‬
‫‪ ،‬ويقول هنى أبو بكر وعمر"(‪.)2‬‬ ‫قال رسول اهلل‬

‫ ‪3 .‬أضف إىل ذلك أن حديث ابن مسعود يعارضه حديث آخر أصح منه‬
‫ربام يف بعض األمور جيتهد فيها برأيه‪،‬‬ ‫يدل عىل أن ابن مسعود‬
‫كتخصيص ابن مسعود كل مخيس باملوعظة كام يف البخاري ونص‬
‫احلديث‪" :‬عن أيب وائل قال كان عبد اهلل يذكر الناس يف كل مخيس‪،‬‬
‫فقال له رجل‪ :‬يا أبا عبد الرمحن لوددت أنَّك ذكرتنا كل يوم‪ .‬قال‪ :‬أما‬
‫إنه يمنعني من ذلك أين أكره أن أم َّلكم وإين َّ‬
‫أختولكم باملوعظة كام كان‬

‫((( ((السنة والبدعة)) لعبداهلل حمفوظ احلداد‪ :‬صـ ‪. 28‬‬


‫((( أخرجه أمحد يف ((مسنده))‪ ،337/1 :‬حديث رقم (‪. )3121‬‬
‫‪77‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫يتخولنا هبا خمافة السآمة علينا"(‪ )1‬قال احلافظ‬


‫ّ‬ ‫النبي‬
‫ابن حجر‪" :‬واحتمل عمل بن مسعود مع استدالله أن يكون اقتدى‬
‫حتى يف اليوم الذي عينه واحتمل‬ ‫بفعل النبي‬
‫أن يكون اقتدى بمجرد التخلل بني العمل والرتك الذي عرب عنه‬
‫بالتخول والثاين أظهر"(‪ .)2‬حيث رجح ابن حجر أن عمل ابن مسعود‬
‫هو من اجتهاده‪ .‬وهذا احلديث يف ((البخاري)) وباإلمجاع أنه يف مسألة‬
‫التعارض يقدم ما يف ((الصحيحني)) عىل غريمها من كتب احلديث‪ ،‬قال‬
‫الشيخ الشنقيطي ‪ -‬يف ((مراقي السعود))‪ ،‬كتاب التعادل والرتاجيح‬
‫أثناء كالمه عن املرجحات من حيث السند ‪:-‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ملسلم والشيخ ذي الرتجيح‬ ‫وكونـــه أودع يف الصحيـــح‬

‫أنه أنكر أن تكون‬ ‫ ‪4 .‬يضاف أيض ًا ما روي عن ابن مسعود‬


‫املعوذتان من القرآن الكريم(‪ ،)4‬فهل نوافق ابن مسعود يف هذا الرأي مع‬
‫إمجاع األمة أن القرآن الكريم منقول بالتواتر واملعوذتان سورتان منه‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،38/1 :‬حديث رقم (‪.)68‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.163/1 :‬‬
‫((( ((نثر الورود عىل مراقي السعود)) للشيخ حممد األمني بن حممد املختار الشنقيطي‪ :‬صـ ‪.597‬‬
‫((( ينظر‪(( :‬فضائل القرآن)) البن الرضيس‪ ،124/1 :‬و((فضائل القرآن)) للمستغفري‪،743/2 :‬‬
‫و((احلاوي الكبري)) للاموردي‪ ،242/2 :‬و((مناهل العرفان يف علوم القرآن))‪.276/1 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪78‬‬

‫قد يوجد له حممل سليم وذلك من‬ ‫ ‪5 .‬أن حديث ابن مسعود‬
‫خالل النظر يف هذه الرواية‪ ،‬ملا قال عمرو بن سلمة‪" :‬رأينا عامة أولئك‬
‫احللق يطاعنونا يوم النهروان"‪ ،‬قال الدكتور عزت عيل عطية‪" :‬وهذا‬ ‫ِ‬

‫كله يدل عىل أن هؤالء كانوا مشهورين بالتشدد واخلروج عىل اجلامعة‬
‫ومن ماثله كانوا يرون فيهم صفات‬ ‫وأن عبد اهلل بن مسعود‬
‫منهم ‪ ...‬ولعل يف‬ ‫اخلوارج الذين حذر رسول اهلل‬
‫هذا التعليل ما يدفع ما قيل من التعارض بني ما روي عن عبد اهلل بن‬
‫مسعود من إنكار ملثل هذه املجالس ومن إقراره له"(‪.)1‬‬

‫ولعل هذا التوجيه أفضلها وبه يزول اإلشكال‪.‬‬

‫مجاعة‬ ‫تعصب حلديث ابن مسعود‬


‫ولكن لألسف‪ ،‬فقد َّ‬
‫من املتفيقهني ومنعوا جمالس الذكر ظن ًا منهم أهنا بدعة ضاللة‪ ،‬بل حتى‬
‫حلق القرآن الكريم مل تسلم منهم‪ ،‬قال السيد العالمة عبد اهلل احلداد‪:‬‬
‫"والغريب أهنم بكالم ابن مسعود هذا أخرجوا الشباب من املسجد وقد‬
‫كانوا حيرضون األحزاب املعروفة عندنا يف املساجد بني املغرب والعشاء‪،‬‬
‫أخرجوهم إىل األسواق واألندية‪ ،‬بزعم أن هذه األحزاب من البدعة نعوذ‬
‫فيمن‬ ‫باهلل من الضاللة‪ ،‬أال قالوا هلم عىل األقل كام قال ابن عمر‬

‫((( ((البدعة حتديدها وموقف اإلسالم منها)) للدكتور عزت عيل عطية‪ :‬صـ ‪. 277‬‬
‫‪79‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫(‪)1‬‬
‫يصيل قبل العيد‪" :‬إن اهلل ال يرد عىل عبد إحسان ًا"‬

‫‪" :‬أكره أن أكون كالذي ينهى عبدا إذا صىل"(‪،)2‬‬ ‫أو كام قال عيل‬
‫‪ ...‬وياليتهم حني رصفوهم عن هذه االجتامعات اخلريية شغلوهم ببديل‬
‫أي كان فال حول وال قوة إال باهلل العيل العظيم"(‪.)3‬‬
‫أفضل‪ ،‬أو إىل خري ٍّ‬

‫وقال احلافظ ابن حجر اهليتمي ‪ -‬يف تعليقه عىل حديث‪(( :‬ال يقعد‬
‫قوم يذكرون اهلل))(‪ )4‬وحديث‪(( :‬أتاين جربيل فأخربين‪ :‬أن اهلل تعاىل يباهي‬
‫بكم املالئكة))(‪" :- )5‬يف احلديثني أوضح دليل عىل فضل االجتامع عىل اخلري‬
‫واجللوس له‪ ،‬وأن اجلالسني عىل خري كذلك يباهي اهلل هبم املالئكة"(‪.)6‬‬

‫((( ((مصنف عبد الرزاق))‪ ،304/3 :‬حديث رقم (‪ )5604‬ونصه‪ :‬عن األزرق بن قيس عن رجل قال‪:‬‬
‫يوم العيد قبل خروج اإلمام فصلوا‪ ،‬وجاء ابن عمر‬ ‫"جاء ناس من أصحاب النبي‬
‫فصلوا‪،‬‬ ‫فلم يصل‪ ،‬فقال الرجل البن عمر‪ :‬جاء ناس من أصحاب رسول اهلل‬
‫وجئت فلم تصل‪ ،‬فقال ابن عمر‪ :‬ما اهلل تبارك وتعاىل براد عىل عبد إحسان ًا أحسنه"‪.‬‬
‫((( ((مصنف عبد الرزاق))‪ ،276/3 :‬حديث رقم (‪ ،)56626‬ونصه‪ :‬عن املنهال بن بن عمرو عن رجل‬
‫قد سامه‪ ،‬قال ‪" :‬خرجنا مع عيل بن أيب طالب يف يوم عيد إىل اجلبانة فرأى ناس ًا يصلون قبل صالة‬
‫اإلمام‪ ،‬فقال كاملتعجب‪ :‬أال ترون هؤالء يصلون؟ فقلنا‪ :‬أال تنهاهم؟ فقال‪ :‬أكره أن أكون كالذي ينهى‬
‫عبدا إذا صىل‪ ،‬ثم بدأ بالصالة قبل اخلطبة ومل يصل قبلها وال بعدها"‪.‬‬
‫((( ((السنة والبدعة))‪ :‬صـ ‪.29 - 28‬‬
‫((( تقدم خترجيه‪ :‬صـ ‪. 75‬‬
‫((( أخرجه مسلم‪ ،2075/4 :‬حديث رقم (‪. )2701‬‬
‫((( ((الفتاوى احلديثية)) البن حجر اهليتمي‪ :‬صـ ‪.150‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪80‬‬

‫املطلب السادس‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ‬

‫[األحزاب‪]٥٦ :‬‬ ‫ﭻﭼﭽﭾﭿﱸ‬

‫فهذه اآلية الكريمة تدل عىل ترشيف مقام النبي‬


‫وتعظيمه‪ ،‬كيف ال وقد ع َّظمه ربه ومالئكته بالصالة عليه‪ ،‬بل وث َّلث‬
‫باملسلمني أن يصلوا عليه‪ ،‬قال ابن عاشور‪" :‬أعقبت أحكام معاملة أزواج‬
‫أن تلك األحكام‬ ‫بال َّثناء عليه وترشيف مقامه إيام ًء إىل َّ‬ ‫النبيء‬
‫عند اهلل تعاىل‪ ،‬وإِىل‬ ‫ِ‬
‫جاري ٌة عىل مناسبة عظمة مقام النبيء‬
‫ِ‬
‫الصالة‬ ‫أن ألزواجه من ذلك التَّرشيف ح ّظ ًا َعظي ًام؛ ولذلك كانت صيغة َّ‬ ‫َّ‬
‫عليه التي ع َّلمها للمسلمني مشتمل ًة عىل ذكر أزواجه كام سيأيت قريب ًا‪،‬‬
‫ول ُيجعل ذلك متهيد ًا ألمر املؤمنني بتكرير ذكر النبي‬
‫كر صال ُة املالئكة مع صالة اهلل ليكون مثاالً‬
‫بال َّثناء والدُّ عاء والتَّعظيم‪ ،‬و ُذ َ‬
‫الرسول لتقريب درجة صالة املؤمنني ا َّلتي‬
‫من صالة أرشف املخلوقات عىل َّ‬
‫يؤمرون هبا عقب ذلك‪ ،‬والت ِ‬
‫َّأكيد لالهتامم‪ ،‬وجمي ُء اجلملة االسم َّية ِ‬
‫لتقوية‬
‫‪81‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫اخلرب‪ ،‬وافتتاحها باسم اجلاللة إلدخال املهابة والتَّعظيم يف هذا احلكم"(‪.)1‬‬

‫‪:‬‬ ‫وقد ُأمرنا بكثرة الصالة عليه يف يوم اجلمعة وليلته قال‬
‫((أكثروا الصالة عيل يوم اجلمعة))(‪.)2‬‬

‫والسؤال الذي يتبادر للذهن‪ :‬ملاذا يوم اجلمعة وليلته بالذات؟ ال شك‬
‫وفضله عىل‬ ‫أن فيه لفتة بديعة تدل عىل تعظيم مقام النبي‬
‫أمته‪ ،‬قال اإلمام ابن القيم ‪ -‬يف معرض كالمه عن خصائص يوم اجلمعة ‪: -‬‬
‫الصالة عىل النّبِي‬
‫"اخلاصية الثانية استحباب كثرة َّ‬
‫ّ‬
‫عيل يوم اجلمعة)) ورسول اهلل‬ ‫الصالة َّ‬‫فيه ويف ليلته لقوله‪(( :‬أكثروا من َّ‬
‫فللصالة عليه يف‬ ‫س ِّيد األنام ويوم اجلمعة س ِّيد األيام‪ّ ،‬‬
‫أن كل ٍ‬
‫خري نالت ُه أ َّمته‬ ‫حكمة أخرى‪ ،‬وهي َّ‬ ‫ٍ‬ ‫هذا اليوم مز ّي ٌة ليست لِغريه‪ ،‬مع‬
‫خري ْي الدُّ نيا‬ ‫ِ ِ‬
‫يف الدُّ نيا واآلخرة فإنّام نال ْت ُه عىل يده‪ ،‬فجمع اهللُ أل َّمته به بني َ‬
‫فإن فيه َب ْعثهم‬ ‫كرامة حتصل هلم فإنَّام حتصل يوم اجلمعة َّ‬ ‫ٍ‬ ‫واآلخرة‪ ،‬فأعظم‬
‫املزيد هلم إذا دخلوا اجلنَّة وهو‬ ‫منازلم وقصورهم يف اجلنَّة‪ ،‬وهو يوم ِ‬ ‫ِ‬ ‫إىل‬
‫يوم ٍ‬
‫عيد هلم يف الدُّ نيا ويو ٌم فيه ُيسعفهم اهللُ تعاىل بطلباهتم وحوائجهم وال‬
‫َير ُّد سائ َلهم‪ ،‬وهذا ك ُّله إنَّام عرفوه وحصل هلم بسببه وعىل يده‪ ،‬فمن شكره‬

‫((( ((التحرير والتنوير))‪. 97/22 :‬‬


‫((( أخرجه احلاكم يف ((املستدرك))‪ ،457/2 :‬حديث رقم (‪ ،)3577‬وهو حديث صحيح اإلسناد ومل‬
‫خيرجاه (أي‪ :‬الشيخني‪ :‬البخاري ومسلم)‪(( .‬موسوعة التخريج))‪. 14662/1 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪82‬‬

‫الصالة عليه‬
‫أن نكثر من َّ‬ ‫ومحده وأداء القليل من ح ِّقه‬
‫يف هذا اليوم وليلته"(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫لديـــه َعظيـــا‬ ‫وأنالـــ ُه فضـــ ً‬
‫ا‬ ‫ٍ‬
‫حممـــد‬ ‫ِ‬
‫جـــاه‬ ‫قـــدر‬ ‫اهللُ ع َّظـــم‬
‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ص ُّلوا عليه وســـ ِّلموا تسليام‬ ‫التنزيل قـــال ِ‬
‫خللقه‬ ‫ِ‬ ‫يف ُمكـــم‬

‫حتوله‬
‫أضف إىل ذلك أن األمر قد يكون يف ذاته مباح‪ ،‬ولكن النية الصاحلة ِّ‬
‫من عادة مباحة إىل عبادة يثاب عىل فعلها والقاعدة الفقهية تقول‪( :‬النية‬
‫حتول العادة إىل عبادة)(‪ ،)3‬قال صاحب ((الزبد)) وهي منظومة يف الفقه‬
‫الشافعي‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫لطاعـــة اهلل لـــه ما قد نـــوى‬ ‫لكـــن إذا نـــوى بأكلـــه القوى‬

‫َأي‪ :‬أن ا ُملكلف إذا نوى بفعل املباح ال َّت ْق َوى لطاعة اهلل تعاىل له ما قد نوى‪،‬‬
‫َّقوي عىل العبادة َأو بنومه النشاط هلا(‪.)5‬‬ ‫فيثاب عليه كأن نوى بِأكله املباح الت ِّ‬

‫واالحتفال بيوم املولد النبوي وإظهار الفرح والرسور‪ ،‬وقراءة يشء‬


‫من سرية النبي وأخباره‪ :‬هو من باب تعظيم النبي‬

‫((( ((زاد املعاد يف هدي خري العباد)) البن القيم‪. 263/1 :‬‬
‫)) للاملكي‪ :‬صـ ‪. 316‬‬ ‫((( ينظر‪(( :‬اإلعالم بفتاوى أئمة اإلسالم حول مولده‬
‫((( ((منار السبيل يف رشح الدليل))‪. 187/2 :‬‬
‫((( ((غاية البيان رشح زبد ابن رسالن))‪ :‬صـ ‪. 24‬‬
‫((( املصدر نفسه‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫وتوقريه وحمبته‪ ،‬ولذلك قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ -‬مع أن رأيه عدم‬
‫جواز االحتفال باملولد وبدعيته‪« :-‬فتعظيم املولد‪ ،‬واختاذه موس ًام‪ ،‬قد يفعله‬
‫بعض الناس ‪،‬ويكون له فيه أجر عظيم حلسن قصده‪ ،‬وتعظيمه لرسول اهلل‬
‫"(‪.)1‬‬

‫وقال احلافظ السخاوي‪" :‬وأصل عمل املولد الرشيف مل ينقل عن‬


‫أحد من السلف الصالح يف القرون الثالثة الفاضلة‪ ،‬وإنام حدث بعدها‬
‫باملقاصد احلسنة‪ ،‬والنية التي لإلخالص شاملة ‪،‬ثم ال زال أهل اإلسالم يف‬
‫سائر األقطار واملدن العظام‪ ،‬حيتفلون يف شهر مولده‬
‫وكرم؛ بعمل الوالئم البديعة‪ ،‬واملطاعم املشتملة عىل األمور‬
‫ورشف َّ‬ ‫َّ‬
‫البهيجة الرفيعة‪ ،‬ويتصدقون يف لياليه بأنواع الصدقات‪ ،‬ويظهرون املرسات‬
‫ويزيدون يف املربات‪ ،‬بل يعتنون بقراءة مولده الكريم‪ ،‬ويظهر عليهم من‬
‫جرب؛ كام قال اإلمام شمس‬
‫بركاته كل فضل عظيم عميم‪ ،‬بحيث كان مما ِّ‬
‫الدين ابن اجلزري املقرئ املقرب‪ :‬ومن خواصه‪ :‬أنه أمان تام يف ذلك العام‪،‬‬
‫وبرشى تعجيل بنيل ما يبتغى ويرام ‪.)2("...‬‬

‫وقال احلافظ السيوطي ‪ -‬عند إجابته لسؤال عن حكم عمل املولد‬


‫النبوي يف شهر ربيع األول ‪" : -‬واجلواب عندي‪ :‬أن أصل عمل املولد‬

‫((( ((اقتضاء الرصاط املستقيم)) البن تيمية‪ :‬صـ ‪. 297‬‬


‫((( ((األجوبة املرضية)) للسخاوي‪.116/3 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪84‬‬

‫الذي هو اجتامع الناس‪ ،‬وقراءة ما تيرس من القرآن‪ ،‬ورواية األخبار الواردة‬


‫‪ ،‬وما وقع يف مولده من اآليات‪ ،‬ثم يمدُّ‬ ‫يف مبدأ أمر النبي‬
‫ٌ‬
‫سامط يأكلونه‪ ،‬وينرصفون من غري زيادة عىل ذلك‪ ،‬هو من البدع احلسنة‬ ‫هلم‬
‫‪،‬‬ ‫التي يثاب عليها صاحبها؛ ملا فيه من تعظيم قدر النبي‬
‫"(‪.)1‬‬ ‫وإظهار الفرح واالستبشار بمولده‬

‫ويف احلقيقة لو مل توجد فائدة من عمل املولد النبوي إال كثرة الصالة‬
‫عىل النبي لكفت‪ ،‬قال السيد أمحد عابدين ‪ -‬بعد نقل أقوال العلامء القائلني‬
‫باستحباب االحتفال باملولد النبوي ‪" : -‬فإنه إذا مل يكن من ذلك فائدة إال‬
‫لكفى وفضلها ال خيفى‪،‬‬ ‫كثرة الصالة والسالم عليه‬
‫واهلل سبحانه أعلم باملرام‪ ،‬وإنام األعامل بالنيات"(‪.)2‬‬

‫يضاف إىل ما تقدم أنه يمكن أن يستدل هبذه اآلية عىل وجوب كل ما‬
‫حارض ًا كان أو غائب ًا؛ استنباط ًا من األمر‬ ‫يشعر بتعظيمه‬
‫‪،‬‬ ‫بخصوص الصالة والسالم عليه عند جمرد ذكر اسمه‬
‫بطريق تنقيح املناط(‪ ،)3‬وإلغاء خصوص طلبها يف تعظيمه عند ذلك‪ ،‬واعتبار‬

‫((( ((حسن املقصد يف عمل املولد)) للسيوطي‪ :‬صـ ‪. 44‬‬


‫((( ((جواهر البحار)) للنبهاين‪. 1135/3 :‬‬
‫((( تنقيح املناط‪ :‬هو أن يدل ظاهر من كتاب أو سنة عىل التعليل بوصف فيحذف املجتهد خصوص هذا‬
‫الوصف الذي دل ظاهر النص عىل أنه العلة‪ ،‬وينيط احلكم بام هو أعم منه‪ ،‬مثال قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﱸ‪ ،‬فقد ألغوا خصوص الوصف الذي هو (األنوثة) يف تشطري =‬
‫‪85‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫طلب عموم كل ما يشعر بتعظيمه(‪ .)1‬وال شك أن االحتفال باملولد النبوي‬


‫وتوقريه‪ ،‬كام تقدم‪.‬‬ ‫مظهر من مظاهر تعظيم النبي‬

‫ونصوص القرآن العظيم متعددة ملن تدبرها يف داللتها عىل جواز‬


‫االحتفال باملولد النبوي‪ ،‬ولكن يكفي من القالدة ما أحاط بالعنق‪ ،‬فنكتفي‬
‫هبذا القدر من األدلة فالقرآن الكريم بحر واسع تصب فيه أهنار كثرية‪ ،‬وما‬
‫أروع قول اإلمام احلداد‪:‬‬
‫ِ‬
‫البحر‬ ‫أهنار متدُّ من‬ ‫ِ‬
‫الكتـــب ٌ‬ ‫من‬ ‫وغريه‬ ‫أال إنَّـــه البحر املحيـــط‬
‫ُ‬
‫(‪)2‬‬‫والذ ِ‬
‫خر‬ ‫تفوز من األرسار بالكنز ُّ‬
‫ُ‬ ‫تد َّبـــر معانيـــه ورتِّله خاشـــع ًا‬

‫فكالم اهلل تعاىل ال تنقيض عجائبه‪ ،‬ومهام استنبط منه البرش من أفهام‪ ،‬فإنه‬
‫ال يساوي ما أودعه اهلل يف آية من كتابه‪ ،‬يقول اإلمام سهل التسرتي‪" :‬لو‬
‫أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم‪ ،‬مل يبلغ هناية ما أودعه اهلل يف‬
‫آية من كتابه؛ ألنه كالم اهلل‪ ،‬وكالمه صفته‪ ،‬وكام أنه ليس هلل هناية فكذلك‬
‫(‪)3‬‬
‫ال هناية لفهم كالمه وإنام يفهم كل بمقدار ما يفتح اهلل عليه"‬

‫احلد وأناطوه بـ (الرق) تنقيحا للمناط‪ .‬ينظر‪(( :‬املستصفى))‪ ،219/2 :‬و((البحر املحيط))‪،322/7 :‬‬ ‫= ‬
‫و((املوافقات))‪ ،19/2 :‬و((نثر الورود عىل مراقي السعود))‪.522/2 :‬‬
‫((( ينظر‪(( :‬اإلعالم بفتاوى أئمة اإلسالم))‪ :‬صـ ‪. 117‬‬
‫((( ((الدر املنظوم لذوي العقول والفهوم)) لإلمام احلداد‪ :‬صـ ‪.231‬‬
‫((( ((الربهان يف علوم القرآن)) للزركيش‪. 9/1 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪86‬‬

‫إذ ًا من خالل ما تقدم من األدلة القرآنية وأقوال العلامء‪ ،‬وكيفية‬


‫االستنباط من هذه النصوص بالدالالت املعروفة (قياس األوىل {مفهوم‬
‫املوافقة}‪ ،‬تنقيح املناط‪ ،‬داللة اإلشارة‪ ،‬داللة التضمن‪ ،‬داللة االلتزام‪،‬‬
‫القياس االقرتاين)‪ ،‬يتبني لنا أن االحتفال باملولد النبوي بدعة حسنة؛‬
‫ومعلوم أن القرآن الكريم كله حق واملستنبط منه حق؛ ألنه تابع له‬
‫ما دام االستنباط بطريقة واضحة وصحيحة‪ ،‬قال اإلمام ابن حزم‪" :‬مجيع‬
‫ما استنبطه املجتهدون معدود من الرشيعة‪ ،‬وإن خفي دلي ُله عىل العوام‪،‬‬
‫رشعون ما مل يأذن به اهلل‪،‬‬
‫ومن أنكر ذلك فقد نسب األئمة إىل اخلطأ‪ ،‬وأهنم ُي ِّ‬
‫وذلك ضالل من قائله عن الطريق"(‪ ،)1‬وقال الشيخ السعدي ‪ -‬عند كالمه‬
‫عىل القاعدة احلادية عرشة‪ :‬مراعاة داللة التضمن واملطابقة وااللتزام ‪:-‬‬
‫"وهذه القاعدة‪ :‬من أجل قواعد التفسري وأنفعها‪ ،‬وتستدعي قوة فكر‪،‬‬
‫وحسن تدبر‪ ،‬وصحة قصد‪َّ ،‬‬
‫فإن الذي أنزله للهدى والرمحة هو العامل بكل‬
‫يشء‪ ،‬الذي أحاط علمه بام تكن الصدور‪ ،‬وبام تضمنه القرآن من املعاين‪ ،‬وما‬
‫يتبعها وما يتقدمها‪ ،‬وتتوقف هي عليه‪ ،‬وهلذا أمجع العلامء عىل االستدالل‬
‫باللوازم يف كالم اهلل هلذا السبب"(‪.)2‬‬

‫وأما كيفية اتباع هذا الطريق فيقول فيه‪:‬‬

‫((( ينظر‪(( :‬امليزان الكربى)) للشعراين‪. 16/1 :‬‬


‫((( ((القواعد احلسان يف تفسري القرآن)) للسعدي‪ :‬صـ ‪. 32‬‬
‫‪87‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫"والطريق إىل سلوك هذا األصل النافع‪ :‬أن تفهم ما دل عليه اللفظ‬
‫من املعاين فإذا فهمتها فه ًام جيد ًا‪ ،‬ففكِّر يف األمور التي تتوقف عليها‪،‬‬
‫وال حتصل بدوهنا‪ ،‬وما يشرتط هلا‪ ،‬وكذلك فكِّر فيام يرتتب عليها‪ ،‬وما يتفرع‬
‫عنها‪ ،‬وينبني عليها‪ ،‬وأكثر من هذا التفكري وداوم عليه ‪،‬حتى تصري لك ملكة‬
‫جيدة يف الغوص عىل املعاين الدقيقة؛ فإن القرآن حق‪ ،‬والزم احلق حق‪،‬‬
‫وما يتوقف عىل احلق حق‪ ،‬وما يتفرع عن احلق حق‪ ،‬ذلك كله حق والبد‪.‬‬

‫فمن ُو ِّفق هلذه الطريقة وأعطاه اهلل توفيق ًا ونور ًا‪ ،‬انفتحت له يف القرآن العلوم‬
‫النافعة‪ ،‬واملعارف اجلليلة‪ ،‬واألخالق السامية‪ ،‬واآلداب الكريمة العالية"(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ومن هنا قال مجهور العلامء من احلنفية واملالكية والشافعية واحلنابلة‬
‫بأن االحتفال باملولد النبوي‪ :‬بدعة حسنة إذا خال من املنكرات كاالختالط‬
‫املحرمة‪ ،‬فال شك أن‬
‫بني الرجال والنساء واستخدام املعازف وآالت اللهو َّ‬
‫هذا ال جيوز باتفاق الكل (املجيزين واملانعني)‪ .‬واحلمد هلل موالدنا خالية من‬
‫هذه األمور‪ ،‬قال السيد العالمة حممد بن علوي املالكي‪" :‬إن االجتامعات‬
‫التي ندعوا إليها وننادي هبا ونقصدها‪ ،‬والتي تنعقد لالحتفال بسرية النبي‬

‫((( ((القواعد احلسان يف تفسري القرآن)) للسعدي‪ :‬صـ ‪. 32‬‬


‫((( وممن قال باملنع من العلامء‪ :‬ابن تيمية والفاكهي احلنبليان‪ ،‬وابن احلاج املالكي رمحهم اهلل‪ .‬ينظر‪(( :‬حكم‬
‫االحتفال باملولد النبوي بني املجيزين واملانعني دراسة مقارنة)) لعبدالفتاح بن صالح اليافعي‪ .‬وقد‬
‫ناقش أدلة املانعني السيوطي يف كتابه‪(( :‬حسن املقصد يف عمل املولد))‪.‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪88‬‬

‫يف احلرمني‬ ‫الكريم والرسول العظيم سيدنا حممد‬


‫ونحرضها‪ ،‬أو يف غريها من البالد العربية واإلسالمية‪ :‬كمرص واملغرب‬
‫والشام وبالد اخلليج واليمن ‪ ..‬هي جمامع رشيفة نظيفة‪ ،‬جمامع أدب وذوق‬
‫وتقدير واحرتام‪ ،‬جمامع فضل وعلم‪ ،‬وفرح وهبجة ورسور"(‪.)1‬‬

‫والبدعة احلسنة يستحب فعلها‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر اهليتمي‪" :‬إن‬
‫البدعة احلسنة متفق عىل ندهبا‪ ،‬وعمل املولد واجتامع الناس له كذلك؛ أي‪:‬‬
‫أنه بدعة حسنة"(‪.)2‬‬

‫وأختم هذا املبحث بعبارة احلافظ القسطالين عن تقريره لالحتفال‬


‫باملولد النبوي‪ ،‬حيث قال‪" :‬وال زال أهل السالم حيتفلون بشهر مولده‬
‫‪ ،‬ويعملون الوالئم‪ ،‬ويتصدقون يف لياليه بأنواع الصدقات‪،‬‬
‫ويظهرون الرسور‪ ،‬ويزيدون يف املربات‪ ،‬ويعتنون بقراءة مولده الكريم‪،‬‬
‫ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم‪ .‬ومما جرب من خواصه‪ :‬أنه ٌ‬
‫أمان‬
‫ىف ذلك العام‪ ،‬وبرشى عاجلة بنيل البغية واملرام‪ ،‬فرحم اهلل امرء ًا اختذ ليايل‬
‫شهر مولده املبارك أعياد ًا؛ ليكون أشد عل ًة عىل من يف قلبه مرض وإعياء‬
‫داء"(‪.)3‬‬

‫)) للاملكي‪ :‬صـ ‪. 43‬‬ ‫((( ((اإلعالم بفتاوى أئمة اإلسالم حول مولده‬
‫((( ((الفتاوى احلديثية)) البن حجر اهليتمي‪ :‬صـ ‪. 150‬‬
‫((( ((املواهب اللدنية يف املنح املحمدية)) للقسطالين‪. 78/1 :‬‬
‫‪89‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫خامتة في أدب االختالف‬

‫بام أن مسألة االحتفال باملولد النبوي مسألة اجتهادية‪ ،‬واملسألة‬


‫االجتهادية ختتلف فيها اآلراء وتتعدد فيها وجهات النظر‪ ،‬إليك أخي‬
‫القارئ بعض الضوابط املهمة والتي تعينك عىل فهم مثل هذه املواضيع‬
‫وكيفية التعامل معها‪ ،‬وذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫ ‪1 .‬إن أساس النظر إىل املسائل االجتهادية‪ ،‬وإىل حكم االختالف فيها‪:‬‬
‫بقوله‪(( :‬إذا حكم احلاكم‬ ‫هو ما ب َّينه لنا رسول اهلل‬
‫فاجتهد ثم أصاب فله أجران‪ ،‬وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر))(‪)1‬؛‬
‫ولذلك فاالختالف املبني عىل هذا احلديث اختالف سائغ وجائز‪،‬‬
‫وهو من االختالف يف الفروع‪ ،‬قال ابن العريب ‪ -‬عند قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱸ‬
‫[آل عمران‪ :- ]١٠٥ :‬التفرق املنهي عنه حيتمل ثالثة أوجه‪ :‬األول‪ :‬التفرق‬
‫يف العقائد ‪ ...‬الثالث‪ :‬ترك التخطئة يف الفروع والتربي فيها‪ ،‬وليمض‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،2676/6 :‬حديث رقم (‪ ،)6916‬ومسلم‪ ،1342/3 :‬حديث رقم (‪.)1716‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪90‬‬

‫كل أحد عىل اجتهاده؛ فإن الكل بحبل اهلل معتصم‪ ،‬وبدليله عامل؛‬
‫‪(( :‬ال يصلني أحد منكم العرص إال يف بني‬ ‫وقد قال‬
‫قريظة))(‪)1‬؛ فمنهم من حرضت العرص فأخرها حتى بلغ بني قريظة‬
‫‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬مل يرد هذا‬ ‫أخذ ًا بظاهر قول النبي‬
‫أحد ًا منهم؛‬ ‫منِّا‪ ،‬يعني وإنام أراد االستعجال‪ ،‬فلم يعنف النبي‬
‫واحلكمة يف ذلك أن االختالف والتفرق املنهي عنه إنام هو املؤدي إىل‬
‫الفتنة والتعصب وتشتيت اجلامعة‪ ،‬فأما االختالف يف الفروع فهو من‬
‫‪(( :‬إذا اجتهد احلاكم‬ ‫حماسن الرشيعة قال النبي‬
‫فأصاب فله أجران ‪ ،‬وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد))‪ ،‬وروي‪(( :‬أن‬
‫له إن أصاب عرشة أجور))"(‪ .)3()2‬إذ ًا فاالختالف يف الفروع اختالف‬
‫حممود إذا سلم من البغي والتعصب واتباع اهلوى‪ ،‬ومل يؤد إىل التفرق‬
‫بني املسلمني وإثارة اخلالفات والتحريش فيام بينهم‪ ،‬وإال كان مذموم ًا‪.‬‬

‫ ‪2 .‬املخطئ يف املسائل االجتهادية غري مبتدع وال ضال‪ :‬ففي احلديث‬


‫ترصيح بأن املخطئ غري مبتدع فضال أن يكون ضاالً؛ ألن اهلل ال يأجر‬
‫عىل البدعة‪ ،‬وألنه ربام يكون له دليل مل يطلع عليه املخالف‪ ،‬فال جيوز‬

‫((( تقدم خترجيه‪ :‬صـ ‪. 31‬‬


‫((( ((أحكام القرآن)) البن العريب‪. 64/2 :‬‬
‫((( هذه رواية أمحد يف ((املسند))‪ ،205/4 :‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬فيها ضعف"‪(( .‬فتح الباري))‪:‬‬
‫‪. 309/13‬‬
‫‪91‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫يتحرج من تبديع من‬


‫َّ‬ ‫أنه‬ ‫تبديعه‪ ،‬فقد قرر الشيخ ابن عثيمني‬
‫عن قبض‬ ‫خيالف السنَّة عىل وجه يسوغ فيه االجتهاد‪ ،‬فقد سئل‬
‫اليدين بعد الرفع من الركوع‪ ،‬وأن أحد العلامء حكم بأن هذا الفعل‬
‫بدعة‪ ،‬فقال‪" :‬أنا أحترج من أن يكون خمالف السنَّة عىل وجه يسوغ فيه‬
‫االجتهاد مبتدع ًا‪ ،‬فالذين يضعون أيدهيم عىل صدورهم بعد الرفع‬
‫من الركوع إنام يبنون قوهلم هذا عىل دليل من السنة‪ ،‬فكوننا نقول‪ :‬إن‬
‫هذا مبتدع؛ ألنه خالف اجتهادنا‪ ،‬هذا ثقيل عىل اإلنسان‪ ،‬وال ينبغي‬
‫لإلنسان أن يطلق كلمة بدعة يف مثل هذا؛ ألنه يؤدي إىل تبديع الناس‬
‫بعضهم بعض ًا يف املسائل االجتهادية التي يكون احلق فيها حمتم ً‬
‫ال يف‬
‫هذا القول أو ذاك‪ ،‬فيحصل به من الفرقة ما ال يعلمه إال اهلل"(‪.)1‬‬

‫ ‪3 .‬جتنب القطع واإلنكار يف املسائل االجتهادية‪ :‬بام أن االختالف يف‬


‫املسائل االجتهادية أمر سائغ‪ ،‬وبالتايل فال جيوز القطع باحلكم فيها‬
‫وال جيوز اإلنكار عىل املخالف‪ ،‬فقد سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫عمن يقلد بعض العلامء يف مسائل االجتهاد‪ :‬فهل ينكر عليه أم هيجر؟‬
‫وكذلك من يعمل بأحد القولني؟ فأجاب‪" :‬احلمد هلل‪ ،‬مسائل االجتهاد‬
‫من عمل فيها بقول بعض العلامء مل ينكر عليه ومل هيجر ومن عمل بأحد‬
‫القولني مل ينكر عليه وإذا كان يف املسألة قوالن‪ :‬فإن كان اإلنسان يظهر‬

‫((( ((فتاوى أركان اإلسالم)) البن عثيمني‪ :‬صـ ‪. 324‬‬


‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪92‬‬

‫له رجحان أحد القولني عمل به وإال قلد بعض العلامء الذين يعتمد‬
‫عليهم يف بيان أرجح القولني واهلل أعلم"(‪.)1‬‬

‫من القضايا االجتهادية التي‬ ‫وهذا هو موقف الصحابة‬


‫ختتلف فيها وجهات النظر‪ ،‬حيث إن كل واحد منهم يقبل رأي اآلخر‪ ،‬ولو‬
‫كان خمالفا لرأيه‪ ،‬فقد روي‪" :‬عن عمر أنه لقي رجال فقال‪ :‬ما صنعت؟ قال‪:‬‬
‫قىض عيل وزيد بكذا‪ ،‬قال‪ :‬لو كنت أنا لقضيت بكذا‪ ،‬قال‪ :‬فام منعك واألمر‬
‫‪-‬‬ ‫إليك؟ قال‪ :‬لو كنت أردك إىل كتاب اهلل أو إىل سنة نبيه ‪-‬‬
‫لفعلت‪ ،‬ولكني أردك إىل رأي‪ ،‬والرأي مشرتك‪ ،‬فلم ينقض ما قال عيل‬
‫وزيد"(‪.)2‬‬

‫أما كيفية التعامل مع هذه املسائل املختلفة‪ ،‬أو القواعد األخالقية‬


‫لفقه االختالف فعىل النحو اآليت‪:‬‬

‫ ) ‪1‬األخوة اإليامنية (القاسم املشرتك بني الطرفني)‪:‬‬


‫جيب أن يعلم الكل أنا وإن اختلفنا يف بعض األفكار واملسائل فإننا‬
‫نتفق فيام هو أهم من ذلك‪ ،‬فنحن أوالً وآخرا ًكلنا مسلمون‪ ،‬فيجب‬
‫علينا أن نحافظ عىل هذه األخوة اإليامنية‪ ،‬ونعض عليها بالنواجذ‪ ،‬قال‬
‫اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﱸ [احلجرات‪ ،]١٠ :‬ونبتعد‬

‫((( ((جمموع الفتاوى))‪. 207/20 :‬‬


‫((( ((إعالم املوقعني)) البن القيم‪. 52/1 :‬‬
‫‪93‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫عن كل ما يعكر صفوها‪ ،‬وإن وجد أرسعنا إلصالحه‪.‬‬

‫ومن ذهبيات اإلمام الشافعي يف ذلك‪ :‬ما حكاه الذهبي يف‬


‫الصدَ يف‪ ،‬قال‪" :‬ما رأيت أعقل من‬
‫ترمجة تلميذه يونس بن عبد األعىل َّ‬
‫الشافعي! ناظرته يوم ًا يف مسألة‪ ،‬ثم افرتقنا‪ ،‬ولقيني فأخذ بيدي َّ‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫يا أبا موسى أال يستقيم بنا أن نكون إخوان ًا وإن مل نتفق يف مسألة"(‪.)1‬‬

‫ولو أنا جعلنا هذه العبارة الرائعة شعارنا اليوم ملا وجدنا هذا‬
‫الرصاع والتنازع التي تشهده ساحاتنا اإلسالمية اليوم‪.‬‬

‫وقد عرب عن هذا املعنى البديع الشيخ حممد رشيد رضا بقوله‪:‬‬
‫"نتعاون فيام اتفقنا عليه‪ ،‬ويعذر بعضنا بعض ًا فيام اختلفنا فيه"(‪.)2‬‬

‫ ) ‪2‬حسن الظن باآلخرين واحرتام الرأي اآلخر‪:‬‬


‫إن من املبادئ األخالقية املهمة يف التعامل بني املسلمني بعضهم‬
‫ببعض حسن الظن باآلخرين‪ ،‬بل هو من أعظم شعب اإليامن‪ ،‬ويف‬
‫املقابل فقد حذر القرآن الكريم من سوء الظن‪ ،‬إذ األصل محل املسلم‬
‫عىل الصالح‪ ،‬وأال تظن به إال خري ًا‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫((( ((سري أعالم النبالء)) للذهبي‪.16/10 :‬‬


‫((( ينظر‪(( :‬الصحوة اإلسالمية بني االختالف املرشوع والتفرق املذموم)) للدكتور يوسف القرضاوي‪:‬‬
‫صـ ‪ ،159‬و((اخلالصة يف أصول احلوار وأدب االختالف)) لعيل بن نايف الشحود‪.215/2 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪94‬‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﱸ [احلجرات‪.]١٢ :‬‬

‫فإذا رأيت من أخيك أمرا حيتمل وجها واحدا يكون فيه خريا‬
‫وأكثر من عرشة أوجه ال حتتمل إال رش ًا‪ ،‬فعىل أي وجه حتمله؟ يقول‬
‫الدكتور يوسف القرضاوي‪" :‬فإذا كان العمل الصادر عن املسلم‬
‫حيتمل وجها واحد ًا يكون فيه خري ًا‪ ،‬وعرشين وجه ًا ال يكون فيها إال‬
‫رش ًا‪ ،‬فينبغي محل هذا العمل عىل وجه اخلري املمكن واملحتمل‪ ،‬وإذا مل‬
‫جيد وجها واحدا للخري حيمله عليه‪ ،‬فيحمل به أن يرتيث‪ ،‬وال يستعجل‬
‫يف االهتام‪ ،‬فقد يبدو له يشء عن قريب"(‪.)1‬‬

‫وما أروع ما قاله الشاعر‪:‬‬


‫(‪)2‬‬
‫لعل له عـــذر ًا وأنت تلو ُم‬ ‫تأن وال تعجل بلومك صاحب ًا‬
‫َّ‬

‫‪:‬‬ ‫ومن ذهبيات اإلمام الشافعي يف احرتام الرأي اآلخر قوله‬


‫"رأيي صواب حيتمل اخلطأ ورأي غريي خطأ حيتمل الصواب"(‪.)3‬‬

‫ومثال ذلك من مسألتنا (االحتفال باملولد النبوي)‪ :‬شيخ اإلسالم‬


‫‪ ،‬فهو ممن قال ببدعية االحتفال باملولد النبوي‪ ،‬ولكنه‬ ‫ابن تيمية‬

‫((( ((الصحوة اإلسالمية بني االختالف املرشوع والتفرق املذموم)) للقرضاوي‪ :‬صـ ‪. 225‬‬
‫((( ((جممع األمثال)) للنيسابوري‪. 192/2 :‬‬
‫((( ((آداب املناظرة)) لعمرو بن سليم‪. 11/1 :‬‬
‫‪95‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫مل يعنف من قال بجواز ذلك‪ ،‬بل أحسن الظن فيهم بقوله‪" :‬فتعظيم‬
‫املولد‪ ،‬واختاذه موس ًام‪ ،‬قد يفعله بعض الناس‪ ،‬ويكون له فيه أجر عظيم‬
‫"(‪ ،)1‬وقال‬ ‫حلسن قصده‪ ،‬وتعظيمه لرسول اهلل‬
‫أيضا‪" :‬كذلك ما حيدثه بعض الناس‪ ،‬إما مضاهاة للنصارى يف ميالد‬
‫وتعظيم‪ ،‬واهلل‬
‫ً‬ ‫‪،‬‬ ‫‪ ،‬وإما حمبة للنبي‬ ‫عيسى‬
‫قد يثيبهم عىل هذه املحبة واالجتهاد"(‪.)2‬‬

‫ ) ‪3‬ترك الطعن والتجريح‪:‬‬


‫إن من أهم أسباب التقارب والرتاحم بني املسلمني هو عدم طعن‬
‫أو جتريح املخالف ولو كنت ال ترى رأيه‪ ،‬أو كان يف ظنك أنه خمطئ؛‬
‫فلربام يكون له عذر‪ ،‬فال جيوز أن تنهاه عن هذا اليشء فض ً‬
‫ال عن أنك‬
‫أنه قال‪" :‬إذا‬ ‫تسبه أو تقدح فيه‪ ،‬فعن اإلمام سفيان الثوري‬
‫رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه وأنت ترى غريه‪ :‬فال‬
‫تنهه"(‪.)3‬‬

‫أما أن يطلق املسلم لسان سيفه فيجرح به كل من خيالفه يف الرأي‪،‬‬


‫حتى العلامء األفذاذ‪ ،‬بل حتى األموات‪ ،‬فهذا أمر خطري‪ ،‬يقول الدكتور‬

‫((( ((اقتضاء الرصاط املستقيم)) البن تيمية‪ :‬صـ ‪. 297‬‬


‫((( املصدر السابق‪ :‬صـ ‪.123‬‬
‫((( ((الفقيه واملتفقه)) للخطيب البغدادي‪. 69/2 :‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪96‬‬

‫يوسف القرضاوي‪" :‬من خالف هؤالء يف رأي أو سلوك ‪ -‬تبع ًا لوجهة‬


‫نظر عنده ‪ -‬اهتم يف دينه باملعصية أو االبتداع أو احتقار السنة‪ ،‬أو ما شاء‬
‫هلم سوء الظن ‪ ...‬وال يقترص سوء الظن عند هؤالء عىل العامة‪ ،‬بل‬
‫يتعدى إىل اخلاصة‪ ،‬وخاصة اخلاصة‪ ،‬فال يكاد ينجو فقيه أو داعية أو‬
‫مسه شواظ من اهتام هؤالء‪ .‬فإذا أفتى فقيه بفتوى فيها تيسري‬
‫مفكر إال ّ‬
‫عىل خلق اهلل‪ ،‬ورفع احلرج عنهم‪ ،‬فهو يف نظرهم متهاون بالدين‪ ،‬وإذا‬
‫عرض داعية اإلسالم عرض ًا يالئم ذوق العرص‪ ،‬متكل ًام بلسان أهل‬
‫زمانه ليبني هلم‪ ،‬فهو متهم باهلزيمة النفسية أمام الغرب وحضارة‬
‫الغرب ‪ ..‬وهكذا‪.‬‬

‫ومل يقف االهتام عند األحياء‪ ،‬بل انتقل إىل األموات الذين ال يستطيعون‬
‫الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬فلم يدعوا شخصية من الشخصيات املرموقة إالّ‬
‫صوبوا إليها سهام االهتام ‪...‬‬

‫حتى أئمة املذاهب املتبوعة ‪ -‬عىل ما هلم من فضل ومكانة لدى‬


‫األمة يف كافة عصورها ‪ -‬مل يسلموا من ألسنتهم ومن سوء ظنهم"(‪.)1‬‬

‫إذ ًا فسلوك األدب هو مربط الفرس يف موضوع االختالف‪ ،‬فمن‬


‫التزمه فاز وفرح‪ ،‬ومن أمهله خرس وندم‪ ،‬وقد قال العلامء املربون‪:‬‬

‫((( ((الصحوة اإلسالمية بني اجلحود والتطرف)) للدكتور يوسف القرضاوي‪ :‬صـ ‪. 32‬‬
‫‪97‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫"ما فاز من فاز إال باألدب‪ ،‬وما سقط من سقط إال بسوء األدب"(‪.)1‬‬

‫فواجب الدعاة واملفكرين والعلامء اليوم أن يبثوا روح التعاون‬


‫والرتاحم بني املسلمني‪ ،‬ويدعوهنم لنبذ اخلالف والتعصب وشغل‬
‫املسلمني هبموم أمتهم الكربى التي تعصف هبم من حني آلخر حتى‬
‫يكونوا يدا واحدة وجسم واحد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر‬
‫اجلسد بالسهر واحلمى‪.‬‬

‫ونحن وإن رجحنا يف هذا البحث جواز االحتفال باملولد النبوي‪،‬‬


‫فإننا نقدِّ ر الرأي اآلخر ونك ُّن هلم كامل التقدير واالحرتام؛ فكلنا إخوة‬
‫وجتمعنا كلمة (ال إله إال اهلل)‪.‬‬

‫وهبذا آيت إىل هناية البحث‪ ،‬فام كان صواب فمن اهلل جل وعال‪،‬‬
‫وما كان غري ذلك فمن نفيس والشيطان‪ ،‬ومن وجد خطأ فليصلحه وجزاه‬
‫اهلل خري اجلزاء‪.‬‬

‫بأن يـــدي ت ْفنَى ويبقـــى ُ‬


‫كتابا‬ ‫َّ‬ ‫يقنـــت حني كتبت ُه‬
‫ُ‬ ‫كتبت وقد َأ‬
‫ُ‬
‫ف َيا هلل مـــن َيقرأ كتـــايب دعا لِيا‬ ‫واحلروف كام هي‬
‫ُ‬ ‫ســـت ْب َل ِعظامي‬

‫أسأله أن يتقبل مني هذا اجلهد املتواضع‪ ،‬وأن جيعله يف‬ ‫واهللَ‬
‫ميزان حسنايت‪ ،‬وأن يفتح عيل بفهم خاص يف كتابه العزيز‪ ،‬وأن يرزقني حمبة‬

‫((( ((أدب االختالف يف مسائل العلم والدين)) للدكتور حممد عوامه‪ :‬صـ ‪. 192‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪98‬‬

‫وشفاعته‪ ،‬إنه عىل كل يشء قدير وباإلجابة‬ ‫املصطفى‬


‫جدير وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫ثبت املصادر واملراجع‬

‫ ‪1 .‬اإلتقان يف علوم القرآن‪ :‬عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬


‫حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬اهليئة املعرفية العامة للكتاب‪ ،‬عام النرش‪:‬‬
‫‪1394‬هـ ‪1974 -‬م‪.‬‬

‫ ‪2 .‬إمتام النعمة الكربى عىل العامل بمولد سيد ولد آدم‪ :‬أمحد بن حممد بن‬
‫حجر اهليتمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪:‬‬
‫‪1422‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫ ‪3 .‬أحكام القرآن للشافعي‪ :‬أمحد بن احلسني بن عيل البيهقي‪ ،‬مكتبة‬


‫احلانجي ‪ -‬القاهرة‪ ،‬تاريخ النرش‪1414 :‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬

‫ ‪4 .‬أحكام القرآن‪ :‬عيل بن حممد بن عيل الطربي املعروف بـ(الكيا اهلرايس)‪،‬‬


‫حتقيق‪ :‬موسى حممد وعزة عبد عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1405 :‬هـ‪.‬‬

‫ ‪5 .‬أدب االختالف‪ :‬حممد عوامة‪ ،‬دار اليرس ‪ -‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة‬


‫اخلامسة‪1428 :‬هـ ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪100‬‬

‫ ‪6 .‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ :‬حممد األمني بن حممد املختار‬


‫الشنقيطي‪ ،‬دار الفكر‪ :‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬عام النرش‪1415 :‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬

‫ ‪7 .‬اإلعالم بفتاوى أئمة اإلسالم حول مولده عليه الصالة والسالم‪ :‬حممد‬
‫بن علوي املالكي احلسني‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬أمحد بن علوي املالكي‪ ،‬دار‬
‫احلاوي‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬عام النرش‪1440 :‬هـ ‪2019 -‬م‪.‬‬

‫ ‪8 .‬اقتضاء الرصاط املستقيم ملخالفة أصحاب اجلحيم‪ :‬أمحد بن عبد احلليم‬


‫بن تيمية‪ ،‬حتقيق‪ :‬نارص عبد الكريم العقل‪ ،‬دار عامل الكتب‪ ،‬بريوت ‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة السابعة‪1419 :‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬

‫ ‪9 .‬اإلكليل يف استنباط التنزيل‪ :‬عبد الرمحن بن أيب بكر جالل الدين‬


‫السيوطي‪ ،‬حتقيق‪ :‬سيف الدين عبد القادر الكاتب‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬تاريخ النرش‪1401 :‬هـ ‪1981 -‬م‪.‬‬

‫ ‪10.‬الباعث عىل إنكار البدع واحلوادث‪ :‬شهاب الدين عبد الرمحن بن‬
‫إسامعيل املعروف بأيب شامة‪ ،‬دار الراية للنرش والتوزيع ‪ -‬الرياض‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1410 :‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬

‫ ‪11.‬البدعة حتديدها وموقف اإلسالم منها‪ :‬د‪.‬عزت عيل عطية‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العريب‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1400 :‬هـ ‪1980 -‬م‪.‬‬

‫ ‪12.‬الربهان يف علوم القرآن‪ :‬حممد بن عبد اهلل بن هبادر الزركيش‪ ،‬حتقيق‪:‬‬


‫‪101‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬الطبعة األوىل‪1376 :‬هـ ‪1957‬م‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫ ‪13.‬البيان النبوي عن فضل االحتفال بمولد النبي‬


‫د‪ .‬حممود أمحد الزين‪ ،‬دار البحوث للدراسات اإلسالمية وإحياء‬
‫الرتاث‪ ،‬الطبعة الثانية‪1426 :‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬

‫ ‪14.‬تاريخ آداب العرب‪ :‬حممد صادق الرافعي‪ ،‬دار الكتاب العريب ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة السادسة‪1422 :‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫ ‪15.‬التحرير والتنوير‪ :‬حممد الطاهر بن عاشور‪ ،‬الدار التونسية للنرش‬


‫والتوزيع‪ ،‬عام النرش‪.1984 :‬‬

‫ ‪16.‬التعريف باملولد الرشيف‪ :‬شمس الدين أيب اخلري حممد بن حممد بن‬
‫حممد اجلزري‪ ،‬خمطوطة برقم (‪ )64640‬كتاب خانة جملس شورى‬
‫إيراين ‪ -‬إيران‪.‬‬

‫ ‪17.‬تفسري ابن كثري‪ :‬إسامعيل بن عمر بن كثري‪ ،‬حتقيق‪ :‬سامي بن حممد‬


‫سالمة‪ ،‬دار طيبة للنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪1420 :‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬

‫ ‪18.‬تفسري الرازي‪ :‬حممد بن عمر التميمي الرازي الشافعي‪ ،‬دار الكتب‬


‫العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1421‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬

‫ ‪19.‬جامع البيان يف تأويل آي القرآن‪ :‬حممد بن جرير الطربي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد‬


‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪102‬‬

‫حممد شاكر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬األوىل‪1420 :‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬

‫ ‪20.‬اجلامع ألحكام القرآن‪ :‬حممد بن أيب بكر القرطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد‬


‫الربدوين‪ ،‬وإبراهيم أطفش‪ ،‬دار الكتب املرصية ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1483 :‬هـ ‪1964 -‬م‪.‬‬

‫ ‪21.‬حاشية شيخ اإلسالم زكريا األنصاري عىل رشح اإلمام املحيل عىل‬
‫مجع اجلوامع‪ ،‬حتقيق‪ :‬مرتىض عيل الداغستاين‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬اململكة‬
‫العربية السعودية ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪1428 :‬هـ ‪2007 -‬م‪.‬‬

‫ ‪22.‬احلاوي للفتاوي‪ :‬عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي‪ ،‬دار الكتب‬


‫العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1395 :‬هـ ‪1975 -‬م‪.‬‬

‫ ‪23.‬حسن التفهم والدرك ملسألة الرتك‪ :‬أبو الفضل عبد اهلل بن حممد بن‬
‫الصديق الغامري‪ ،‬حتقيق‪ :‬أ‪/‬صفوت جودة أمحد‪ ،‬مكتبة القاهرة‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1423 :‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬

‫ ‪24.‬حسن املقصد يف عمل املولد‪ :‬عبد الرمحن بن أيب بكر جالل الدين‬
‫السيوطي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد الطيب هباء الدين اهلندي‪ ،‬الطبعة األوىل‪:‬‬
‫‪1421‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫ ‪25.‬دفاع عن اإلسالم‪ :‬لورا فيشيا فاغلريي‪ ،‬ترمجة‪ :‬منري البعلكي‪ ،‬دار‬


‫العلم للماليني بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1976 :‬م‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫ ‪26.‬الرسالة‪ :‬حممد بن إدريس الشافعي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد شاكر‪ ،‬مكتبة احللبي‬


‫‪ -‬مرص‪ ،‬الطبعة األوىل‪1358 :‬هـ ‪1940 -‬م‪.‬‬

‫ ‪27.‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬حممود بن عبد‬


‫اهلل األلويس ‪،‬حتقيق‪ :‬عيل عبد الباري عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1415 :‬هـ‪.‬‬

‫ ‪28.‬السنة والبدعة (حتقيق فريد لبيان املراد بالسنة يف حديث الرسول‬


‫‪ :‬عليكم بسنتي وسنة اخللفاء الراشدين من‬
‫بعدي)‪ :‬عبد اهلل حمفوظ حممد احلداد‪.‬‬

‫ ‪29.‬سنن ابن ماجة‪ :‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويني‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب‬
‫األرنؤوط‪ ،‬وعادل مرشد‪ ،‬الطبعة األوىل‪1430 :‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬

‫ ‪30.‬سنن أيب داوود‪ :‬سليامن بن أشعث بن إسحاق األزدي السجستاين‪،‬‬


‫حتقيق‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬املكتبة العرصية‪ ،‬صيدا ‪-‬‬
‫بريوت‪.‬‬

‫ ‪31.‬سنن الرتمذي‪ :‬حممد بن عيسى بن َس ْورة الرتمذي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد أمحد‬


‫شاكر‪ ،‬وحممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬الطبعة الثانية‪1395 :‬هـ ‪1975 -‬م‪.‬‬

‫ ‪32.‬سنن الدارمي‪ :‬عبد اهلل بن عبد الرمحن بن الفضل الدارمي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬


‫حسني سليم أسد الداراين‪ ،‬دار املغني للنرش والتوزيع ‪ -‬اململكة‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪104‬‬

‫العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1420 :‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬

‫ ‪33.‬السنن الكربى‪ :‬أمحد بن احلسني بن عيل البيهقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬


‫عبدالقادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪:‬‬
‫‪1424‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬

‫ ‪34.‬سنن النسائي‪ :‬أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب النسائي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬


‫عبدالفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتبة املطبوعات اإلسالمية ‪ -‬حلب‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1406 :‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬

‫ ‪35.‬سري أعالم النبالء‪ :‬حممد بن أمحد بن عثامن الذهبي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬


‫الطبعة الثالثة‪1405 :‬هـ ‪1985 -‬م‪.‬‬

‫ ‪36.‬رشح النووي عىل مسلم‪ :‬حييى بن رشف النووي‪ ،‬مؤسسة قرطبة‬


‫للنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪1414 :‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬

‫ ‪37.‬الصحوة اإلسالمية بني االختالف املرشوع والتفرق املذموم‪ :‬الدكتور‪/‬‬


‫يوسف القرضاوي‪.‬‬

‫ ‪38.‬صحيح البخاري‪ :‬حممد بن إسامعيل أبو عبد اهلل البخاري‪ ،‬حتقيق‪:‬‬


‫حممد زهري النارص‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1422 :‬هـ‪.‬‬

‫ ‪39.‬صحيح مسلم‪ :‬مسلم بن احلجاج أبو احلسني القشريي النيسابوري‪،‬‬


‫‪105‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫ ‪40.‬عاملية القرآن الكريم‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحييل ‪ -‬دمشق‪ ،‬تاريخ النرش‪1491 :‬هـ‪.‬‬

‫ ‪41.‬الفتاوى احلديثية‪ :‬أمحد شهاب الدين بن حجر اهليتمي املكي‪ ،‬دار‬


‫الفكر‪.‬‬

‫ ‪42.‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ :‬أمحد بن عيل بن حجر العسقالين‪،‬‬


‫دار السالم ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪1421 :‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬

‫ ‪43.‬لطائف املعارف‪ :‬عبد الرمحن بن أمحد بن رجب احلنبيل‪ ،‬دار ابن حزم‪،‬‬
‫عام النرش‪1424 :‬هـ ‪2004 -‬م‪.‬‬

‫ ‪44.‬لغة القرآن مكانتها واألخطار التي هتددها‪ :‬د‪ .‬إبراهيم بن حممد‬


‫أبو عباه‪ ،‬دار الوطن ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪1413 :‬هـ‪.‬‬

‫ ‪45.‬جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ :‬عيل بن أيب بكر اهليثمي‪ ،‬بتحرير‬


‫احلافظني‪ :‬العراقي وابن حجر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1408 :‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬

‫ ‪46.‬جمموع الفتاوى‪ :‬أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪1426 :‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬

‫ ‪47.‬املدخل‪ :‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد العبدري املالكي الشهري بابن‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪106‬‬

‫احلاج‪ ،‬دار الرتاث‪.‬‬

‫ ‪48.‬املستدرك عىل الصحيحني‪ :‬أبو عبد اهلل احلاكم حممد بن عبد اهلل‬
‫النيسابوري‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1411 :‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬

‫ ‪49.‬مسند أمحد‪ :‬أمحد بن حنبل‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة‬


‫الرسالة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1420 :‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬

‫ ‪50.‬املسودة يف أصول الفقه‪ :‬عبد السالم ‪ +‬عبد احلليم‪ +‬أمحد بن عبد احلليم‬
‫آل تيمية‪ ،‬دار الكتاب العريب‪.‬‬

‫ ‪51.‬مقدمة يف أصول التفسري‪ :‬أمحد بن عبد احلليم بن تيمية‪ ،‬دار عمر بن‬
‫اخلطاب‪ ،‬مجهورية مرص العربية ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1428 :‬هـ‬
‫‪2007 -‬م‪.‬‬

‫ ‪52.‬من أرسار التنزيل‪ :‬فخر الدين حممد بن عمر بن احلسني الرازي‪،‬‬


‫حتقيق‪ :‬عبد القادر أمحد عطاء‪ ،‬دار املسلم ‪ -‬مجهورية مرص العربية‪.‬‬

‫ ‪53.‬مناهل العرفان يف علوم القرآن‪ :‬حممد عبد العظيم الزرقاين‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪.‬‬

‫ ‪54.‬منهج االستنباط من القرآن الكريم‪ :‬فهد بن مبارك بن عبد اهلل الوهبي‪،‬‬


‫‪107‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫اجلمعية اخلريية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة ‪ -‬مركز الدراسات‬


‫واملعلومات القرآنية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1428 :‬هـ ‪2007 -‬م‪.‬‬

‫ ‪55.‬املوافقات‪ :‬إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو عبيدة‬


‫مشهور بن حسن آل سلامن‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1417 :‬هـ‬
‫‪1997 -‬م‪.‬‬

‫ ‪56.‬مورد الصادي بمولد اهلادي‪ :‬شمس الدين أيب عبد اهلل حممد بن عبد اهلل‬
‫بن حممد الدمشقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عيل شكري‪ ،‬الطبعة األوىل‪:‬‬
‫‪1429‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬

‫ ‪57.‬نثر الورود عىل مراقي السعود‪ :‬حممد األمني بن املختار الشنقيطي‪ ،‬دار‬
‫املنارة للنرش والتوزيع‪ ،‬السعودية ‪ -‬جدة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1415 :‬هـ ‪-‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬









‫‪109‬‬ ‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬

‫الفهــــرس‬

‫املقدِّ مة ‪5..................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬عظمة القرآن العظيم ‪9...................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مظاهر عظمة القرآن العظيم‪10...............................‬‬
‫‪ .1‬تفضل اهلل تعاىل بإنزال القرآن العظيم‪10................................ :‬‬
‫‪ .2‬نزوله يف أفضل األزمنة‪12.............................................. :‬‬
‫‪ .3‬نزوله بأرقى اللغات وأمجعها‪13.........................................:‬‬
‫‪ .4‬عاملية القرآن العظيم‪14................................................. :‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬دالئل عظمة القرآن العظيم‪17............................... :‬‬
‫‪ )1‬كثرة العلوم املستنبطة من القرآن العظيم‪17..............................:‬‬
‫‪ )2‬خصوم القرآن العظيم وأعداؤه شهدوا بعظمته‪21.......................:‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬اإلمجاع عىل أنه ما من نازلة أو حادثة إال ويف كتاب اهلل‬
‫بيان حكمها‪ ،‬وأمثلته التطبيقية ‪26......................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلمجاع عىل أنه ما من حادثة إال ويف كتاب اهلل بيان حكمها‪26... :‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬األمثلة التطبيقية‪32...........................................‬‬
‫االحتفال باملولد النبوي يف ضوء آيات القرآن العظيم‬ ‫‪110‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬نصوص قرآنية تدل عىل جواز االحتفال باملولد النبوي‪35.....‬‬
‫املطلب األول‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬

‫ﮙ ﮚ ﱸ‪40......................................................... .‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﱹﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﱸ ‪46.....‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﱸ ‪55.................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﱹﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﱸ‪62.....‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ‪65....‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﱸ ‪80...............................‬‬
‫خامتة يف أدب االختالف ‪89.................................................‬‬
‫ثبت املصادر واملراجع ‪99...................................................‬‬
‫الفهــــرس ‪109.............................................................‬‬

You might also like