Professional Documents
Culture Documents
C 470998 Fdac 5 DF 31
C 470998 Fdac 5 DF 31
الدولة امليدية
( 754ق.م 445 --ق.م)
أول إمرباطورية يف تاريخ إيران القديم
د.عادل هاشم علي
املقــدمــة
تعد الدولة الميدية ( 550 – 807ق.م) اول دولة ظهرت في تاريخ ايران القديم تنتمي الى
العنصر اآلري وتحديدا في مناطق شمال وشمال غرب إيران الحالية ,في حين ان العيالميين حكموا
في مناطق جنوب شرق ايران ودولة العيالميين لم ترتق الى مصاف الدول الكبرى انذاك كما ان
العيالميين لم يكونوا ينتسبون الى الساللة االرية .
ظهر الميديون في الوقت الذي كانت فيه منطقة الشرق االدنى القديم تتصارع فيه الدول القوية مثل
االشوريين والحيثيين والمصريين ومملكة او اررتو ( ارمينيا ) وكان ظهورهم في بادئ االمر عبارة عن
قبائل متفرقة امتازت بالخشونة المصاحبة لحياة الرعي ,في الوقت الذي كانت فيه االمبراطوريات تعيش
حياة الترف وتسير نحو الشيخوخة ( كما يصنف ابن خلدون حياة الدول) ,فضالً عن تردي االحوال
االقتصادية لهذه االمبراطوريات نتيجة الحروب التي حدثت فيما بينها ؛ وقد جاء ذلك كله لمصلحة
القبائل االيرانية التي اخذت باالستقرار وانظوت تحت لواء القبيلة االكبـ ـر( الميدية ) في منطقة الهضبة
االيرانية ,ومن بعدها اخذوا بالتوسع نحو الغرب وكان قمة ما وصلوا اليه في توسعاتهم ان اسقطوا
االمبراطورية االشورية وورثوا االجزاء الشمالية والشرقية لالشوريين ,وكان ذلك بمساعدة البابليين
الكلدان؛ ومنها اخذت تعرف باإلمبراطورية الميدية
لعل ليس من باب المبالغة القول ان المكتبة العربية فقيرة لمؤلفات تتكلم عن الميديين بصورة مستقلة
,وان ماكتب عن الدولة الميدية انما جاء باوراق قليلة ضمن الحديث عن التاريخ االيراني العام ,وقد
سلط الضوء االكبر على االخمينيين والفرثيين والساسانيين في حين ان الميديين يأتي ذكرهم كمقدمة
لهذه االقوام .في حين نجد بعض الكتابات المترجمة الى العربية من الروسية للمؤرخ دياكانوف وزميله
94
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
محمد دانداماييف ,وبعض الكتابات العربية عن الميديين في مواقع متفرقة على االنترنت للباحث
الكردي د.احمد الخليل يتحدث عن الميديين باعتبارهم االصل العرقي لالكراد.
جاء البحث مقسما الى أربعة محاور شملت مراحل تاريخ الدولة الميدية قسمت كاآلتي
عصر النشوء:
عصر االزدهار:
عصر القوة والتوسع:
عصر السقوط والتبعية :
تاريخ الدولة امليدية:
ا
اوال:عصر النشوء:
تزامن ظهور الميديين على مسرح التاريخ مع توسع الحمالت العسكرية للدولة االشورية الحديثة نحو
الشرق وتحديدا في ما وراء جبال زاكروس .حيث تشير المصادر المسمارية االشورية الى ان الملك
االشوري شلمنصر الثالث ( 728 – 757ق.م) خالل حمالته العسكرية نحو الشرق انه واجه قبائل
؛ وقد ورد اسم الفرس ( بارسوا )Parsuaفي ايرانية مشتركة وكبيرة في الشمال الغربي من ايران
2
حيث كانوا يتمركزون في مناطق بحيرة اروميا ( رضائية ) .اما الميديون فقد حملة عام 788ق.م
3
,على ان ذكر الفرس قبل الميديين ال ورد ذكرهم في حملة عام 738ق.م باسم ( ماداي )Madai
يعني انهم سبقوهم بالظهور التاريخي وانما مناطق استيطان الفرس االولى كانت اقرب لالشوريين من
م ناطق الميديين ؛ لذلك كان االحتكاك العسكري مع هذه القبائل اسبق .ومع ذلك فان هذين
المصطلحين ( بارسوا ,ماداي ) كانا يمثالن اسما لالراضي التي سكنتها تلك القبائل الرعوية .حيث
ان اسم ماداي ورد في السجالت االشورية بالصيغة المسماريـة ( )kur-ma-da-aiو تعني ارض
الميديين وقد شملت هذه االرض في بادىء االمر اي قبل تكوينهم المبراطوريتهم االراضي الممتدة من
تخوم الصحراء المالحة جنوبا حتى حدود حافة جبل بكينـ ـي ( جبل دماوند في شرق طهران الحالية )
8
,حيث كانوا يتنقلون بين تلك االراضي على شكل جماعات بدوية تمتهن الرعي وقليل من شؤون
5
,وان استقرارهم المتذبذب هذا افاد االشوريين كثي ار الزراعة في االودية الخصبة لجبال زاكروس
لوقوعهم على الطريق الذي يربط بين بالد اشور وبين الماطق التي يجلب منها االحجار الكريمة مثل
05
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
الالزورد .وقد اشير اليهم بانهم الميديون المنتشرون على الطريق , 8وهذا يدل على عدم استقرارهم في
منطقة معينة كما اشرنا الى ذلك .
تستمر النصوص االشورية الملكية بالحديث عن الحمالت الحربية للملوك االشوريين في جهة
( 7 0 – 723ق.م) انه استمر الشرق ,حيث تشير حوليات الملك االشوري شمشي أدد الخامس
في اكمال العمليات العسكرية التي ابتدأها اباه شلمنصر الثالث نحو الجهات الشرقية والصدامات
العسكرية مع القبائل االيرانية المنتشرة في الجهات الشمالية لبحيرة اروميا .8وتشير النصوص االشورية
( بارسواش )Parsuashوهي تقع الى ان المناطق التي حدثت فيها اغلب المعارك كانت تدعى
الى الجنوب من منطقة كرمنشاه الحالية . 7كما ذكر في احداث الملك شمشي ادد الخامس ان الجيوش
االشورية غزت 200مدينة ايرانية حتى انتهت الى هزيمة احد كبار القادة االيرانيين هناك .
يبدو ان هذا العدد المبالغ فيه يشير الى كثرة القرى والمخيمات االيرانية المنتشرة والمتنقلة خالل
سير الحمالت الحربية االشورية ,خصوصا وان صفة هؤالء االيرانيون هي البداوة والتنقل والترحال ؛
كما انهم كانوا يحاربون تحت امرة كبيرة العشيرة او زعيم القبيلة الزراعية ,اذا ما كان البعض منهم
مزارعين .اضف الى ذلك ان االشوريين كانوا يسمون القرى مدنًا .لهذا يمكن ان نعزو سبب المبالغة
هذه في اعداد المدن االيرانية التي انتصر عليها شمشي ادد الخامس .وعند مجيء الملك أدد نراري
الثالث ( 872 – 70ق.م) وهو ابن شمشي ادد الخامس من زوجته شمورامات( سميراميس) ,فقد
واصل الحمالت العسكرية وقاد الجيوش الى المناطق نفسها التي بدأ بها اباه تجاه االقوام االيرانية
0
والمحصورة بين همدان الحالية وقزوين وبحيرة اروميا
ان هذه الغزوات المتكررة من قبل الجيوش االشورية نحو الميديين وابناء عمومتهم من االقوام
االيرانية االخرى كانت من االسباب المباشرة التي دعت الى توحيد القبائل االيرانية تحت زعامة الميديين
وهم اكبرالقبائل االيرانية انذاك ؛ اضف اى ذلك ادراك القبائل اهمية مدنهم وقراهم المنتشرة على جانب
الطريق التجاري لبالد اشور مع جهات الشرق ,لذا فقد كان الزعماؤ الميديين مستعدون للتخلي عن
حياة البداوة والتنقل واالتجاه نجو االستقرار واستغالل هذه المدن لما تدر عليهم من مردود اقتصادي
جعلهم يزدهرون ماديا اكثر من حياة الرعي .وكان من اهم هذه المدن مدينة اكبتانا او هكمتانا
Hagmatanaوالتي اتخذها الميديون فيما بعد عاصمة لهم ( كما سيمر ذكرها ) .باالضافة الى
مدن اخرى كان لها دو ار في حركة االقتصاد التجاري االشوري مع المناطق الشرقية والتي تعرف اليوم
03
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
باسم حسن لو hasanluومدينة زوية ziwiyaوهي من المناطق التي تقع اليوم ضمن شرق اذربيجان
. الحالية
اما السبب القوي والمباشر في ظهور الميديين ووضوح مالمح الحكم عندهم فقد تمثل بالصراع بين
2
حيث كانت اراضي الميديين مسرحا لالحداث االشوريين ومملكة أو اررتو ( ارمينيا القديمة )
والحمالت االشورية العسكرية تجاه تلك االقاليم السيما في عهد الملك االشوري تجالتبليزر الثالث (
828 – 888ق.م) حيث جاء في اخباره خالل السنة االولى من حكمه انه اخضع مملكة او اررتو
3
,بعد ان نقل ميدان المعركة الى قلب مملكة او اررتو وقهر ملكها ساردور الثاني ( ) Sardus ll
8
.وقد استطاع الملك االشوري ان وحاصر عاصمتها (يريفان) الواقعة على شواطئ بحيرة فان Van
يربح كل المعارك في المناطق الغربية من همدان الحالية ,وهي مستوطنات الميديين المتنقلين فيها ,
5
,وقد دفعت احدى المدن التي كما تمكنت الجيوش االشورية من الوصول الى الصحراء الملح الكبرى
8
.وكان جبل بكين ـي ( دماوند ) اخر نقطة سقطت بيد تجالتبليزر عشرة اطنان من حجر الالزورد
وصلت اليها لجيوش االشورية .
ومن االخبار التي وردت عن الملك االشور تجالتبليزر الثالث انه جلب 85,000اس ار من الميديين
8
,كما اسقط عدداً واسكنهم في منطقة ديالى الحالية وهي المناطق الحدودية الجنوبية لبالد اشور
كبي ار من المدن في المستوطنات الميدية جاء ذكر البعض منها مثل شيركاري( )shirkariوارض
7
. نيشاي ( )naesianوهي المنطقة التي جنوب همدان الكبير وتشتهر بتربية قطعان الخيـول
ويبـ دو ان العدد المذكور عن المدن التي استولى عليها الملك االشوري تجالتبليزر قد شمل القرى
والمستوطنات الزراعية الصغيرة ,فذكرت على اساس كونها مدنا خصوصا وان االشوريـين -كما مر بنا
. -يسمون القرى بتسمية واحدة مع المدن والضواحي والمقاطعات وهي لفظة ( اورو ))uru(2
وتستمر االخبار االشورية بذكر التنظيم الذي احدثه الملك االشوري للمدن وكيف انه اعاد بناء
المدن التي حاصرها ودمرها اثناء المعارك ,فقد عثر على قصر اشوري محصن على قمة احد الجبال
20
.وهذا من االمور الطبيعية سيما وان تجالتبليزر عرف بتنظيماته االدارية في بالد اشور والمدن
التي استولى عليها في سوريا القديمة الى جانب التنظيمات العسكرية المحكمة .
ان استمرار الصراع العسكري والحمالت المتبادلة بين االشوريين ومملكة او اررتو كانت مدعاة لنشوء
تكتالت جديدة وحاجزة بين القوتين المتصارعتين ,فبعد ان استلم الحكم االو اررتي الملك روساس االول
05
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
استأنفت المعارك بين الطرفين ,واستطاع روساس اخضاع القبائل االيرانية لسيطرته ويجعلها حليفا له
ضد االشوريين .وكان من بين هذه القبائل والممالك الصغيرة مملكة ماناي التي تقع الى الجنوب
الشرقي لبحيرة ارومية فضال عن الحليف االهم واالقوى وهو اتحاد القبائل االيرانية الذي تزعمه زعيم
قبيلة ( ماداي ) والمدعو دياكو ( )daiakuوتسميته باالفيستا ,كتاب الزرادشتيين الديني, )kavi ( ,
2
؛ وقد قبلت القبائل االيرانية بزعامته المركزية عليها وهذه اماهيرودوتس فيسميه (ديوسيس )Dioces
القبائل كانت قبيلة ( بوساي (, )busaeبارتسيناي (, ) partseniستراجيتيس ( , )strachates
اريزانتاي ( , )arizantaiماجاي )Magiوربما ان القبيلة االخيرة قد اختصت بالشؤون الدينية ومنها
اخذت الديانة االيرانية القديمة ( المجوسية ) .وقد اخذت جميع هذه القبائل تعرف باسم الميديين ومن
بعد بالدولة الميدية .
ويروي هيرودوتس عن بداية نشوء الميديين واستقرارهم وتركهم لحياة الرعي والزراعة المتنقلة في
السهوب ,ثم كيف ان دياكو (ديوسيس) الذي اشتهر بكونه زعيما كبي ار يقصده الناس للقضاء بينهم
22
وبالتالي استقرار رأي القبائل على تنصيبه ملكاً عليهم وتكوينهم حكومة مركزية ألول مرة في تاريخهم
ان طموح دياكو في تحقيق وحدة القبائل االيرانية قد تعدى لتكوين دولة قوية خاصة بهم وهذا االمر
اوررتو واآلشوريين ) لذا
غير ممكناً الن الميديين كانوا يتوسطون بين القوتين الكبيرتين في المنطقة ( ا
تحتم عليه ان يركن الى احد االطراف بغيــة انتصار احدهم وتحقيقه االستقالل فيما بعد ,ويبدو ان
دياكو تحالف مجب ار مع االو اررتيين في زمن ملكهم القوي روساس االول .
في الواقع لم تصل – لحد االن – اخبار كثيرة عن الملك دياكو او عن بدايات الميديين في انشاء
مملكتهم وذلك يرجع الى عدم تأسيسهم لطريقة خاصة بهم للتدوين التاريخي ربما بسبب حداثتهم بالحياة
المدنية وبعدهم عن مراكز الحضارة آنذاك .ومع ذلك فان بعض الدراسات تشير الى فترة حكم دياكو
والتي بلغت 53سنة وربما ان هذا الرقم يشير الى الفترة التي قضاها دياكو قبل ان ينصب ملكاً مركزيا
.اال ان االراء تتضارب في بداية حكمه فمنهم من يذكر سنة 885ق.م واخرى سنة 877ق.م .ومن
جانبنا نرجح سنة 885ق .م بداية للحكم باالعتماد على ما جاء في النصوص االشورية بانه وقع اسي ارً
بيد سرجون االشوري سنة 8 5ق.م ( كما سيمر بنا ) وان الملك سرجون كان قد حكم في الفترة (
805 – 8 2ق.م )
01
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
من جانب اخر فان المصادر يتفق معظمها على ان دياكو هو الجد االعلى للملوك الميديين الذين
تلوه فيادة القبائل االيرانية المتحدة ,وفي عهده استمر وقوف الميديين الى جانب مملكة اوراتو التي
حققت بفضل دياكو انتصارات واسعة ال سيما على ممكلة ماناي واستولت على 22قلعة من هذه
المملكة في زمن ملكهم اولوسولو .23
لقد وقف دياكو زعيم الميديين حاج از بين الدولة االشورية والدولة االو اررتية ,وكانت هذه غاية
روساس االو اررتي ,لكن هذا الوقوف الميدي بين الدولتين مع االنحياز الى ممكلة او اررتو جعل
االشوريين بقيادة ملكهم سرجون االشوري ( 805 -822ق.م) يقومون بحمالت عسكرية ضد هؤالء
الميديون ,لذلك فقد نالهم شيئا كثير من هذه الحمالت وقد ادى هذا الوضع الى قيام القبائل الميدية
28
ببعض المحاوالت التي كانت ترمي الى التوحد السياسي والعسكري
من جهة اخرى فان تواصل الحمالت االشورية وباالخص حملة الملك سرجون الثاني ضد ممكلة
25
, او اررتو كان من شأنها اضعاف قوة هذه المملكة ,اذ لم تعد قادرة على مواجهة دولة اشور
28
,التي هدمت اركان مملكة او اررتو واصبحت اشور في وخصوصا بعد حملة سرجون الثامنة
المواجهة مع االقوام االخرى بالمنطقة .
هذه العوامل بتجمعها اخذت على عاتقها تدريجيا بناء كيان مستقل للميديين وتوحيد قوتهم السياسية
وتوحيد القبائل االيرانية االخرى ,وقد قام بهذا الدور التاسيسي الزعيم الميدي دياكو الموالي لالو اررتيين
والمعادي لدولة اشور .وقد ايقن اال شوريون ان القبائل الميدية بعد توحيدها مع القبائل االيرانية االخرى
واصبحوا قوة ال يستهان بها في المناطق الشرقية لبالد اشور .وقد اطلقت االخبار االشورية على
عاصمة الميديين الجديدة ( اكبتانا = ملتقى الطرق او مكان التجمع ) لقب بيت دياكو وذلك لما وصف
به هذا الملك من القوة التي اثرت في االشوريين . 28
ان عمل دياكو على تكوين دولة مستقلة للميديين اخذ بالتنامي تدريجيا حتى بلغ االمر ان قام الملك
االشوري سرجون الثاني باستهدافهم ضمن خطته بالقضاء على الخارجين على السلطان االشوري في
منطقة الشمال والشمال الغربي ,27لذلك نراه يجتاح المدن الميدية ويحطم الحلف الذي قام بين مملكة
او ارراتو والميديين ويلقي القبض غلى الزعيم دياكو ونفيه مع اسرته الى ( حماة ) في سوريا عام 8 5
ق.م . 2
09
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
وعلى الرغم من حمال ت وحروب الملك االشوري سرجون الكثيرة اال ان بالد ميديا كانت تمثل
الميدان االكثر عرضا لهذه الحمالت الحربية وذلك الن تمردات عديدة قد حصلت في تلك المناطق .
وخالل او بعد عهد دياكو بقليل نقل الملك سرجون االشوري سكان من مدينة السامرة في فلسطين
ووزعهم في ارجاء المدن الميدية ضمن سياسة التهجير االشورية للبلدان والمناطقة الثائرة ,وان سقوط
المدن الميدية بيد سرجون قد تزامـن مع مع قضائه على مملكـة أسرائيل واسقاط عاصمتهـا السامـرة سنة
82ق.م . 30
ثانيا ا :عصر االزدهار
ان نهاية الملك دياكو لم تجعل من الميديين والقبائل االيرانية االخرى متفرقين مرة اخرى ,اذ يبدو
انهم قد ألِفوا حكم عائلة دياكو لذا فقد اعقبة بالحكم ابنه خشاتريتا kas- ta – ri – taاو فراورتيس
3
.واقدم ذكر لهذا الملك نجده في كتابات الملك االخميني دا ار Phraortsكما يسميه هيردوتس
32
.وقد ابتدأ هذا الملك اعماله بالسير على انهج اباه في توحيد القبائل االول في مدينة بهستون
الميدية وخلق جبهة قوية لصد الهجمات االشورية .اما من جهة الشرق فليس هناك مايذكر عن تحرك
33
الميديون تجاه الشرق سيما وان السجالت االشورية لم تذكر اقوما اخرى غير الميديين في جهة الشرق
لقد بلغ هذا الملك من القوة مبلغاً جعله يوحد تحت حكمه معظم القبائل الميدية فضال عن حلفائهم
38
؛ وقد ساعده على ذلك خمول الحمالت العسكرية االشورية على هذه من الكيمريين واالسكيثيين
المناطق وتراخي الضغط االشوري على بالد ايران عموما ,فضال عن فقدان سلطة القانون االشوري
على المناطق الشرقية خصوصا في عهد الملك االشوري سنحاريب ( 87 – 808ق .م) الـذي
كان منشغال عسكريـا عـن هـذه المنـاطق بسبب التحركات المعارضة لالشوريين التي اثارتها كل وبالد
عيالم وحتى اجزاء من سـوريـا القديمة . 35
استمر تعاظم النفوذ الميدي واالقوام المتحالفة معهم في المناطق الشرقية لبالد اشور ,سيما وان قوة
38
نتيجة ممكلة او اررتو قد ضعفت كثي ار خصوصا في زمن ملكها روساس االول( 8 8 833ق.م)
للحمالت العسكرية المتواصلة في زمن سرجون االشوري .لذا فان خشاتريتا استفاد من االوضاع عموما
واخذ يضم اليه المدن الواحدة تلو االخرى ,وكانت اجراءاته هذه تنال دعما من القبائل االيرانية االخرى
وباالخص الفرس الذيـن استقروا في نهاية القرن الثامن ق .م في الجهات الجنوبية الشرقية من بالد
ايران . 38
00
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
بالمقابل فقد احست الدولة االشورية بخطر هذه االقوام المتنامية وادركت عدم قدرتها في ذلك
الوقت على مواجهتها عسكريا ,السيما وان االشوريين كانوا منشغلين بالحروب والفتن التي اخذت تمزق
جسد االمبراطورية االشورية في الغرب والجنوب منها ؛ ونتيجة لذلك فقد تم نوع من االتفاق والتحالف
بين الدولة االشورية وبعض االمراء الميديين كما جاء ذلك في المعاهدة السياسية التي ابرمها الملك
88ق .م ) قبل وفاته بثالث سنـوات وهـذه المعـاهدة وقعت مع االميـر الميدي أسرحدون ( – 870
رماتايـا Ramatayaحاكـم اقليم اوركازابانو Urkazabanuالتابع للدولة الميدية وقد حضر هذا االمير
اولياء للعهد لعرش الدولة االشورية وهما ( اشوربانيبال ,شمش
ً الميدي مراسيم تنصيب اوالد اسرحدون
شم أوكن ) . 37
تم ابرام هذه المعاهدة في فترة اشراف ( نابو بيل اوصر) محافظ مدينة دور شروكيـ ـن ( خرسباد
3
. الحالية) والمشرف على احتفالت رأس السنة في بالد اشور وقد وافق ذلك مايس سنة 882ق.م
ومما جاء في نص المعاهدة ( الصورة االصلية للمعاهدة في الملحق ) :
" عندما يموت اسرحدون ملك بالد اشور جلسون اشور بانيبال ولي العهد على العرش الملكي
وسيمارس الملكية والسيادة عليكم وستقدمون له الحماية في الريف والمدينة وتقاتلون من اجله حتى
الموت ...وال تكونوا اعداء له وال تنصبون ايا من اخوته االكبر او االصغر مكانه ...واذا مات
اسرحدون ملك بالد ا شور واوالده قاصرون فساعدوا اشور بانيبال ولي العهد على اخذ العرش وساعدوا
.كما 80
ِ
المساو له شمش شم اوكن ولي العهد على بالد بابل ,على عرش بابـ ـل " في تنصيب اخاه
ضمت المعاهدة اضافة اللعنات الدينية االشورية في حال عدم التزام االمير الميدي او كل من اعترف
بنص المعاهدة ,وهذه اللعنات كانت تنصب من االله ننورتا إله الحرب في الديانة العراقية القديمة
8
,ويبدو ان هذا راجع الى امتهان االشوريين والذي وصف في نص المعاهدة بانه زعيم االلهه
للحروب وتفوقهم بفن الحرب على باقي الشعوب آنذاك
لقد طغى الغرور على الملك الميدي خشاتريتا حتى جعله يج أر على اتخاذه ق ار اًر بالهجوم على نينوى
82
مستغالً االوضاع المتردية للدولة االشورية ,وقد كان هذا عمالً فاشال ومتسرعًا (كما سنـ ـرى الحقا)
الن الملك اسرحدون والدولة االشورية بصورة عامة قادرة على التعامل مع مثل هذه الظروف بما تمكله
83
.وتدريجيا اخذت العالقات االشورية الميدية تسوء , من خبرة عسكرية في ميادين القتال والحروب
وقد اشارت الى هذا الوضع بعض االستفسارات التي اطلقها منجمو وكهنة االله شمش ( الشمس )
05
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
بتوجيه من اسرحدون ,الذي حاول ان يستفهم من خالل شمش عن امكانية قيام الدول الخاضعة له
88
ويحدد الملك وهم الميديون والكميريون والمانيون بالهجوم على بالد اشور وتحديداً العاصمة نينوى
اسرحدون سؤاله الم رفوع الى شمش عن احتمال قيام الملك الميدي خشاتريتا وزعيم آخر دعي(
85
؛ ثم ماميتروشو ) Mamitirushuبارسالهم الرسل وجمع الحشود وتنظيم حرب ضد االشوريين
يسال الملك اسرحدون شمش مرة أخرى حول ارساله للجيش االشوري لمالقاة الحشود الميدية الكميرية
88
,وهل ان الجيش االشوري سيصمد اما اعدائه أم انه سينهزم لمجرد رؤيته وباقي القبائل االيرانية
88
.ويبدو ان استفسارات اسرحدون هذه تدل على مدى تعاظم قلقه وتشير الجيوش البربرية المتحالفة
87
. الى ان االمبراطورية االشورية كانت على حافة التدهور واالنحالل
قام الملك اسرحدون بالتحالف مع االقوام االسكيثية التي كانت سابقـا تتحالف مع الميديين ويبدو ان
اسرحدون قد مناها ببعض االمتيازات في المناطق الشمالية والشرقية ,لذلك فقـد تكـون تحالف آشوري –
8
. أسكيثي وبني على المصلحـة المتبادلة التـي تقـع للجـانبين
استغل االسكيثيون الهجوم الميدي الفاشل على نينوى والذي كان سببا في ارباك االوضاع الداخلية
للميديين االمر الذي جعل هؤالء االسكيثيون يهجمون على بالد مادي واحتاللها وبقيت تحت سيطرتهم
وسلطة حكمهم خال الفنرة ( 825 – 853ق.م) ,بعدها توجه االسكيثيون الى الغرب فعاثوا في
االقاليم التابعة لبالد اشور ونشر فيها الدمار وكان ذلك بمساعدة اقوام بربرية اخرى وهم الكميريين . 50
ان الحركة الخاطئة التي قام بها الملك الميدي خشاتريتا بمحاولته لغزو نينوى ادت الى خضوعه
تحت الحكم االسكيثي حتى وفاته ,وكان من شانها ايضا تدمير بالد مادي وتفكك االقوام االيرانية
5
.هذه التي كانت تتحالف معهم وتوحدها مع بعضها ضد الميديين ولصالح االشوريين احياناً
التجمعات الخالية من الميدية استطاعت ان تحتل مدن اسيا الصغرى وبعض اجزاء من شمال سوريا
القديمة . 52
ا
ثالثا :عصر القوة والتوسع :
بقي الميديون تحت وطأة الحكم االسكيثي مدة 27عام وكان الملك خشاتريتا قد اخلف ابنه هوفاك
شت ار Hovak satraحسب ما ذكر بالمصادر االيرانية القديمة ,أو أوماكيشتا Ummak ishta
بالمصادر البابلية ,اال ان التسمية االكثر شيوعا هي ما ذكره المؤرخ هيرودوتس(كي أخسار )kyaxars
واعتقد ان االسم االخير هو لقب للملوك االيرانيين قديما أخذ يعرف في العصور الساسانية باسم كسرى.
05
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
اخذ كي اخسار على عاتقه التخلص من التبعية االسكيثية وقام بتحويل نوع العالقة بينهما فبدال من
53
,ويروي هيرودوتس عن كي كونه خاضعا اصبح حليفا للملك االسكيثي بروتوثياس Protothyas
اخسار كيف انه دعا زعماء القبائل االسكيثية وحلفائهم من الكميريون وبقية الزعماء االيرانيون الى
وليمة في قصره في العاصمة الميدية أكبتانا ولما احتمعوا عنده واكثروا في الشراب ,أمر بقتلهم جميعا
فتشتت بذلك جموعهم وزال خطرهم ,ورجع الميديون بزعامة ملكهم الجديد كي اخسار اسياد البالد
الشرقية واالقوام االيرانية مرة اخرى . 58
عمل كي اخسار على اعادة تنظيم الجيش الميدي وادخل فنون جديدة على صنوفه مثل رماة السهام
وفرق المشاة المنتظمة فضال عن تشكيل فرق جديدة شملت سالح الفرسان وفرق الرماح وادخال
العربات التي ركب في عجالتها المناجل ,بحيث اصبحت هذه العجالت جزءاً من الموروث الشعبي
55
في ايران القديمة ومادة مهمة في الحكايات البطولية في االساطير االيرانية لمدة مائة عام فيما بعد
وي بدو ان كي اخسار في هذا التغيير قد اخذ الكثير من االسكيثيين الذين تمتعوا باساليب حربية متطورة
في ذلك الوفت بالمقارنة مع القبائل االيرانية االخرى .ويبدو ان هذا هو احد االسباب التي مكنت
للميديين من اسقاط الدولة االشورية بعد تحالفها مع الكلديين كما سنرى الحقا وبعد ان نظم كي اخسار
احوال الدولة الميدية من الداخل ,أخذ يوجه انظاره الى التوسع الخارجي وباالخص نحو بالد آشور ؛
وفي هذا الوقت كانت مملكة او اررتو قد اضمحلت بسبب الحروب التي انهكتها مع بالد آشور ,ذال فان
الميديين قد ورثوا اراضيها واخذوا يتوسعون منها نحو بالد اشور .ويذكر المؤرخ ديودورس الصقلي ان
58
الزعيم الكلدي البابلي ( بيلينيس = نبوبوالصر ) هو الذي شجع كي أخسار بالهجوم على بالد آشور
,وهذا امر واقع الن الزعيم البابلي نبوبوالصر قد توجه من جنوب بالد بابل (الى مدينة نفــَر ( نيبور )
وأخرج الحامية االشورية منها عام 828ق.م اي في نهاية حكم الملك اشور بانيبال االشوري ومجيء
الملك اشور اطل ايالني . 58
في سنة 8 8ق .م تحرك الميديون باتجاه قلب بالد اشور وفي طريقهم استطاعوا ان يسقطوا مدينة
57
,والتي تعد مرك ازً ادارياً مهمًا في الشمال .بعدها توجه الملك الميدي كي اخسار الى تربيصو
مدينة آشور ,العاصمة القديمة لالشوريين ,اال انه لم يتمكن منها في بادئ االمر بسبب وقوف
5
.لكنه في عام 8 5ق .م استأنف الهجـوم على مدينة اشور مرة اخرى االسكيثيين بوجهه
وحاصـرها وهدم اسوارهـا وقتل الكثيرين منها وحمل االسرى الى بالد مادي . 80
05
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
( – 828 ويـالحظ مـن النصوص الملكيـة للمـلك نبوبوالصر ,المـلك الكلدي االول
805ق.م ) ان هذا الملك لم يشترك بالهجوم على بـالد اشور اال انـه اسرع لاللتحاق بالملك الميدي
المرتبط معه بتحالف خرج بموجبه نبو بوالصر من تبعية االشوريين ,ومع ذلك فان الملك البابلي نبو
بوالصر وصل متأخ اًر آلشور وعقد اتفاق جديد تم بموجبه ايضا تزويج نبوخذنصر ابن نبوبوالصر من
حفيدة الملك الم ـ ــيدي ( أميتس .8 )Amytas
وفي الواقع ان الملك الميدي كي اخسار اراد ان يكون فتح مدينة اشور وما ينجم عنه لصالح
الميديين فقط ,اال ان الطرفين الميدي البابلي دخال في حلف سياسي بمصالح متبادلة ,فكان اول
82
وهي هجوم مشترك وناجح بين الكلدانيين والبابليين موجه نحو مدينة دور شروكين ( خرسباد )
المدينة المقدسة عند االشوريين .
في السنة الرابعة عشر من حكم نبوبوالصر اي في عام 8 2ق.م امر هذا الملك بالتقدم الى مكان
83
,اال ان المكان يحتمل ان يكون نينوى حيث عقد يصعب معرفته بالنسبة للنص بسبب التلف
الطرفان البابلي نيو يوالصر والميدي كي أخسار معاهدة ثانية وكووا حلفاً .وقد اشارت الوثيقة البابلية
الى الملك الميدي ب ـ ( ملك االومان ماندا ) وهذه الكلمة تعني باللغة االكدية الجموع الغفيرة ,ويرى
بعض الباحثين ان هذا اللقب كان المقصود منه الزعماء االسكيثيين وبقية القبائل االيرانية وحتى
88
؛ اال ان المعلومات االكثر دقة تشير الى ان الفارسيـة ( المتنامية) التـي شاكت بالهجوم على نينوى
الهجوم على نينوى اقتصر على عنصرين متحالفين هما الميديون والبابليون وباالستناد الى اسس لغوية
يكاد يتفق معظم الباحثين على تطابق لقب االومان ماندا ألسم الملك الميـ ـدي كي اخسار . 85
عبر التحالف الميدي البابلي نهر دجلة سوية حيث تقع مدينة نينوى وعسكرت الجيوش امامها مدة
ثالثة اشهر ,وبعد ان دافع االشوريون عن مدينتهم عمد المهاجمون الى فتح نهر الخوصر وهو احد
روافد دجلة وصب فيضانه نحو المدينة ,وكان لذلك اثر بالغ في فتح الثغرات التي ساعدت الجيوش
الميدية البابلية على الدخول الى العاصمة نينوى مقتل ملكها سين شار اوشكن ونهب المدينة في شهر
آب سنة . 88 8 2
بعد ذلك انسحب الملك الميدي كي اخسار وجيوشه وكان ذلك في الثاني عشر من أيلول للسنة
نفسها ؛ اما نبوبوالصر فقد تعقب فلول الجيش االشوري المنهزم الذي تزعمه أمير اشوري يدعى
آشورأوبلط في مدينة حران االشورية ,وقد طلب االخير مساعدة الفرعون المصـ ـري نيخو( – 8 2
04
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
5 5ق.م) ,اال ان ذلك لم ينجح امام الدبلوماسية البابلية التي حركت مملكة يهوذا لصد الجيش
88
ال عن مساندة جيوش االوامن ماندا للجيش البابلي والتي استطاعت ان تنهي
؛ فض ً المصري المساند
التحالف االشوري المصري في معركة قرقميش سنة 8 0ق.م وانهاء الوجود االشوري السياسي
لالشوريين في منطقة الشرق االدنى القديم بشكل نهائي . 87
ان انتهاء مهمة كي اخسار في اسقاط الدولة االشورية جعله يتوجه في طموحه وتوسعاته الى تخوم
اسيا الصغرى ,ومن المرجح تاريخيا ان ممكلة او اررتو قد سقطت وتفككت في وقت مقارب لسقوط
االشوريين ,لذا فقد استغل كي اخسار الفراغ السياسي في جهة الشمال الغربي وتوجه نحو مملكة (
8
.فدخل ليديا ) التي كانت من اهم الدول التي تمتعت بمركز تجاري وموقع إستراتيجي مهم
الميديون والليديون في صراع عسكري عنيف وبقي الليديون بقيادة ملكهم ( إلياتس )Alyaates
ينازعون الميديين االقوياء بقيادة ملكهم كي اخسار ,وقد استمرت الحروب بينهم مدة خمس سنوات ولم
يحقق أي من الطرفين نتيجة حاسمة . 80
8
,حيث حدث في هذ المعركة وفي سنة 575ق.م حدثت معركة سميت بمعركة الخسوف
خسوف للقمر فزع منه الجيشان المتحاربان واعتقدا بانه نذير شؤم لهما من السماء ؛ فوقعا معاهدة
للصلح أبرمت بعد ان ِ
شرب كل من الملكين جرعة من دم اآلخر .82وكان من بنود هذه المعاهدة ان
83
.وقد وطدت هذه جعلوا نهر الخاليس Halysحداً فاصال بين حدود المملكتين الميدية والليدية
المعاهدة بزواج ابن الملك الميدي المدعو( استياجز )Astyagesمن ( أرينيس )Arenesابنة ملك
88
.وبذلك غدت الدولة الميدية واحدة من االمبراطوريات االربعة التي تقاسمت فيما بينها بالد ليديا
زعامة الشرق االدنى القديم وهي الدولة البابلية والدولة المصرية والدولة الميدية والدولة الليدية ( ينظر
ملحق الخرائط) .
ا
رابعا :عصر السقوط والتبعية
بعد وفاة الملك الميدي كي اخسار ورث حكم االمبراطورية الميدية ابنه الملك استياجز Astyages
كما يذكره هيرودتس ,وهي لفظة مشتقة من الكلمة اليونانية ( آزيداك ) Azihidhakوهو لقب ملكي
يوناني بمعنى التنين ؛ اما باللغة االكدية ( اللهجة االشورية ) فيدعى أشتوميكو Istumegoوتعني
الرامي ( رام يالرمح ) .85وهو يعد اخر ملك حكم الدولة الميدية وبنهايته انتقلت السيادة بالد مادي ال
الحكم الفارسي االخميني .
55
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
وقبل الحديث عن سقوط الدولة الميدية في عهد الملك استياجز نذكر شي شيئاً عن حياته قبل
توليه العرش الميدي ؛ ففي جياة ابيه كان قد شارك بالحروب الميدية الليدية التي استمرت خمس سنوات
,واكن هو احد االطراف التي قطفت ثمار المعاهدة التي ابرمت بين الطرفين وذلك بعد ان تزوج من
االميرة الليدية ( ارينيس ) كما مربنا سابقا .لكن هناك بعض االشارات التاريخية حول هذه المصاهرة
السياسية ,حيث ان االميرة الليدية ارينيس لم تكن الزوجة االولى للملك الميدي استياجز ,الن االخير
كانت له بنت تدعى ( مانداني )Mandaneوكانت متزوجة من احد امراء قبيلة فارس وهو
(قمبيزاالول) قبل عام 588ق.م ومن هذا الزواج( قمبيز +مانداني ) ولد الملك الفارسي الشهير كورش
الكبير( )Cyrusالذي أسقط الدولة الميدية والدولة البابلية فيما بعد . 88ان سقوط الدولة الميدية
وانحاللها في عهد استياجز راجع الى عدة اسباب ,يذكرها الباحثون بشكل متفرق ,اال انه يمكن ان
نجمع هذه االسباب في اطارٍ واحد يمكن من خالله معرفة سبب انهيار الدولة الميدية ويمكن عرض
هذه االسباب بحسب االهمية والتاثير .
فعلى الصعيد االجتماعي تروي االخبار ان الملك الميدي استياجز قد أسرف بالتبذير وحياة الترف
والبذخ وتبعه بذلك بقية النبالء الميديين ,فأخذ استياجز يستمتع بما ورث من ابيه .قد نسيت االمة
الميد ية وباالخص النبالء منهم اخالقهم الخشنة واساليبهم الصارمة واصبحت الطبقات العليا اسيرة
االنماط الحديثة واصبحوا يتنقلون من وليمة الى اخرى ؛ فكان انحطاطهم اسرع من نهض ـتهم . 88
اما من الناحية الساسية فقد واصلت العالقات بين الميديين والبابليين شكلها الطبيعي ,فكما ذكر
مسبقاً ,ان الطرفين قد تقاسما مناطق غرب اسيا باستثناء مملكة ليديا ,فاصبحت معظم المناطق
الشرقية للميديين ,بينما كانت بابل وسوريا وفلسطين وعيالم للبابليين الكلديين .ولكن الدولة الكلدية
تحذرت من الميديين ,لذا فقد قام نبوخذ نصر ابن نبوبوالصر ببناء التحصينات الدفاعية في الحدود
الميدية ,ويبدو ان هذه االجنراءات الدفاعية قد اعطت مفعولها نسبياً حيث هاجم الميديون مدينة حران
في عهد الملك البابلي نبونائيد ( 53 -558ق.م) اخر ملوك الدولة البابلية الكلدانية و وخربوا معبد
القمر فيها ( سين ) ,االمر الذي جعل نبونائيد يتحالف مع الفرس الذين مثلوا القوة الجديدة المناوئة
للميديين , 87ال سيما وان حران كانت تعد من اهم المدن لنبونائيد وذلك لوجود عبادة القمر فيها الذي
. حظى بقدسية من قبل نبونائيد وامه التي كانت كاهنة عليا لمعبد القمر (سين )
من جانب اخر نجد هناك ن ازع حصل بين الملك استياجز واحد قادته المقربين المدعو هرباكوس (
)Herpakosوهذا النزاع يذكره المؤرخ هيرودتس بقصة ذات حبكة اسطورية شرقية ,مفادها ان الملك
استياجز الميدي حلم ذات ليلة بان ابنته مانداي وزوجها الفارسي قمبيز سيرزقان بولد تكون له الكلمة
والسيادة العليا على بالد ميديا وفارس ,وقد اعتبر هذا الحلم نذير شؤم عليه ,لذا فقد امر استياجز
53
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
قائده هرباكوس ان يأخذ الطفل ويقتله .اال ان القائد رق قلبه الى هذا الصغير واعطاه الى احد
رعاةالماشية وزوجته ليربيانه س ارً ؛ وبعد عشرة سنوات كبر هذا الطفل ( كورش )cyrusوبدأ يشك
الملك استياجز فيه فسأل قائده هرباكوس عن مصير الطفل الذي اعطاه اياه فأجابه انه لم يقتله ,
فاستشاظ غضبا واجبره على أكل ابنه ( ابن هرباكوس) .اما كورش فقد ذهب الى ابويـ ـه في فارس . 8
في الواقع ان هذه القصة فيها شي من الدراما التأليفية ,اذ ان هناك شبه كبير بين هذه الرواية
وبين مسرحية الكاتب االغريقي سوفوكليس 808 – 8 5 ( sophoclesق.م ) التي تحمل عنوان
(أوديب ملكا ) ,وربما ان هيرودوتس اراد ان يجعل هناك سبباً داخليا من اسباب ضعف الدولة
الميدية .بالمقابل اضفاء نوع من االسطورة القصصية على شخصية الملك الفارسي كورش الذي اصبح
فيما بعد سيد منطقة الشرق االدنى القديم .عموماً فان هرباكوس انضم بوالئه الى كورش الثاني (
الكبير) الذي كان حاكما لوالي ـة ( أنشان )Anzanالفارسية ذات االصول والعادات العيالمية القديمة
70
والتابعة للميديين في عهد قوتهم وتوسعهم آنذاك
اج تمعت االسباب فيما بينها وعقد كورش الثاني تحالفا مع الملك البابلي نبونائيد (- 558
53ق.م) الذي كان يرغب في ايجاد قوة مضادة للخطر الميدي المهدد لبالد بابل باستمرار ,وكان هذا
التحالف موجهًا ضد استياجز . 7ولما سمع االخير بهذا التحالف قرر استدعاء كورش للوقوف على
حقيقة االمر اال انه رفض الحضور فارسل له استياجز جيشاً ميدياً بقيادة هرباكوس لمهاجمته , 72
وما ان التقى الجيشان حتى انظم القائد الميدي هرباكوس الى صفوف الجيش الفارسي وتوجهوا
مجتمعين نحو العاصمة الميدية أكبتانا . 73فجمع استياجز جيشاً آخر قاده بنفسه لمالقاة قوات كورش
الفارسي وهرباكوس الخارج عن سلطته ودارت معركة بين الجانبين كان النصر فيها حليفا للجييش
الفارسي بقيادة كورش الكبير 78؛ اذ لم تستطع جموع الميدين المترفه من الصمود امام خشونة الفالحين
الفرس والمتطلعين نحو السيطرة على امالك الدولة الميدية .وبالفعل فقد دخل الفرس االخمينيون العاصمة
الميدية اكبتانا وأسقطوها ووقع الملك استياجز اسي ارً بيد كورش الثاني الكبيرالذي اتخذ من مدينة اكبتانا
عاصمة لدولته الجديدة ,75وكان ذلك في عام 550ق.م .وقد ورد ذكر بعض احداث هذا الصراع في وثيقة
78
.واصبحت الدولة االخمينية الفارسية بقيادة ملكها االخبار البابلية الخاصة بعصر الملك البابلي نبونائيد
كورش الكبير سيدة بالد ميديا ,ومنطقة الشرق االدنى القديم فيما بعد. 78
55
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
اهلوامش
-هاري ساكز :قوة اشور .ترجمة عامر سليمان .المجمع العلمي ( .بغداد – ) 111ص1
-طه باقر واخرون :تاريخ ايران القديم ( .بغداد , ) 191ص . 73
- 7م.ن .والصفحة .
Jona Lendering: Ancient Persia , MEDIA.1. Article in www.livius.org
-سامي سعيد االحمد ,رضا جواد الهاشمي :تاريخ الشرق االدنى القديم ( ايران واالناضول) .بغداد – ب ت .ص97
. -هاري ساكز :قوة اشور ,ص
- 3طه باقر واخرون :المصدر السابق ,ص 79
- 9حول هذه النصوص ينظر – D.D.Luckenbill :Ancient records of Assyria and Babylonia ,Chicago
1926 . VOL.2.
-1طه باقر واخرون :المصدر السابق ,ص . 79
,ص. 711 ,) 1 - 1طه باقر :مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة (,بغداد –
Jone lendering : media . 1. -
-للتفصيل عن مملكة اورارتو ينظر Vahan M. Kurkjian: A History of Armenia. Armenian General ,
Benevolent Union of America
1958. P.37
D. D. lucknbill: ancient records. V.2, P.84. - 7
Ibid,p.84 -
Ibid, p. 85.
R.Chirshman: Iran from the earliest time to the Islamic conquest. Translates frome French .
by Margard Mumrankin ,( London – 1977 ) p. 94 .
3طه واخرون :المصدر السابق ص. 79
D.D. lucenbi : op.cit. p.85 . 9
Halloran , Joan. a : Sumerian lexicon. Letter ( u). www.sumerian.org . 1
. 1احمد امين سليم :دراسات في تاريخ الشرق االدنى .دار النهضة العربية( بيروت – , ) 191ص . 1
Herodotus : the history of Herodotus . translated by Harry Carter ( London – 1962) book .
1. Chapter 10.1.
Ibid . 1. 96 – 101.
31 – 3ق.م ز رسالة ماجستير غير منشورة .جامعة بغداد كلية االداب . 7علي قاسم محمد :سرجون االشوري
. 197ص . 97
.سامي سعيداالحمد ,رضا جواد الهاشمي :المصدر السابق ,ص. 91
51
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
59
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
50
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
55
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
ملحق الخرائط
المصدرhttp://commons.wikimedia.org/wiki/Atlas_of_Iran /
55
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
55
مجلة دراسات ايرانية العدد()31
54