You are on page 1of 16

‫محور العدد‪ :‬األركيولوجيا‪ ،‬السياسة واأليديولوجيا في إسرائيل‬

‫*‬
‫نظمي الجعبة‬

‫الحفريات األثرية في القدس منذ العام ‪1967‬‬


‫من مصنع الرواية التوراتية إلى مصنع االستيطان‬

‫أميركية معتبرة من ق سم أو معهد تخصص بهذه اآلثار‪ ،‬وأصبحت‬ ‫مقدمة‬


‫آثار فل سطني «التوراتية» تنافس في اإلثارة حقول اآلثار الكبيرة‬ ‫لم ينفصل حقل اآلثار في فل سطني عن البعدين األيديولوجي‬
‫والعظيمة مثل اآلثار الفرعونية وآثار بالد ما بني النهرين‪.‬‬ ‫وال سياسي‪ ،‬فقد طور على أرض فل سطني خدمة لهذين الغرضني‪،‬‬
‫حتولت أرض فل سطني إلى ساحة تنافس واسعة بني الباحثني‬ ‫وجاء في كل مراحله خادما أمينا لهما‪ .‬اعتمد حقل اآلثار على‬
‫الغربيني املتطلعني إلى إثبات صدقية الرواية التوراتية وحمل أي‬ ‫منهجية واضحة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫قطعة أثرية (مقدسة!) إلى بالدهم تظهر من قريب أو من بعيد‬ ‫وقد يكون قبل ذلك‪ ،‬تتمثل بإثبات األحداث التي جرت على أرض‬
‫العالقة بالعهد القدمي‪ .‬ولم يتم الترفع في كثير من احلاالت عن‬ ‫فل سطني الواردة في العهد القدمي‪ ،‬منطلقا من فرضية تاريخية‬
‫لي ذراع املكتشفات األثرية لتقص رواية وضعت بشكل م سبق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هذه األحداث‪ ،‬فتثبيت هذه الروايات على أرض الواقع كان جزءا‬
‫وكان ال َه ّم األساس هو إطباقها على أرض الواقع‪ ،‬وفي احلقيقة‬ ‫ال يتجزأ من «املهمة املقدسة»‪ ،‬وبهذا مت إنتاج خرائط وم سميات‬
‫أنه في كثير من احلاالت وضعت نتائج احلفرية قبل البدء بإزالة‬ ‫للمواقع ومصطلحات تتواءم كلها مع العهد القدمي‪ُ .‬س مي هذا‬
‫أي طبقة أثرية من املوقع‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تخل جامعة أوروبية أو‬ ‫احلقل بـ»اآلثار التوراتية»‪ ،‬بحيث لم‬
‫‪52‬‬
‫(�‪Amihai Ma‬‬ ‫يقول عالم اآلثار اإلسرائيلي عميحاي مازا ر‬
‫‪ ،)zar‬الذي يعبر عن مرحلة بني احملافظني واملنفتحني ويحاول‬ ‫* أستاذ التاريخ‪ ،‬جامعة بريزيت‪.‬‬

‫عدد ‪73‬‬
‫ينسحب ما يمثله مازار في النص المذكور أعاله على غالبية األثريين والمؤرخين‬
‫اإلسرائيليين‪ ،‬فبعد انتهاء المدرسة المهيمنة‪ ،‬لم يعد باإلمكان التمسك بالرواية‬
‫التقليدية بحذافيرها‪ ،‬كما لم يكن بإمكان غالبيتهم التخلص منها تماما‪ ،‬فاختاروا منزلة‬
‫ُ‬
‫بين منزلتين‪ ،‬حيث تالحظ روح نقدية في جنبات نصوصهم‪ ،‬لكنها تفتقد إلى الوضوح‪،‬‬
‫وأعتقد أن األمر لديهم مرتبط بوظيفة كتابة التاريخ‪ ،‬حيث أن الصراع على أرض فلسطين‬
‫لم ينته ال بكامب ديفيد وال بأوسلو‪.‬‬

‫القدس في الحفريات اإلسرائيلية‬ ‫التوفيق بني املنهجني‪« ،‬كان علم اآلثار في فل سطني‪ ،‬وإلى حد‬
‫كتب الكثير حول احلفريات األثرية اإلسرائيلية في القدس‬ ‫بعيد حتى اليوم‪ ،‬مدفوعا بدوافع االهتمام بالعهد القدمي‪ .‬وكان‬
‫وبلغات مختلفة‪ ،‬وقد ساهمت نادية أبو احلاج بنقاش مركزي‬ ‫غالبية اآلثاريني العاملني في فل سطني يتشكلون من الباحثني‬
‫ومهم حول اآلثار وال سياسة في إسرائيل بشكل عام‪ ،‬واضعة‬ ‫واملتخصصني بالعهد القدمي‪ ،‬وبالتالي كانوا يفهمون اآلثار‬
‫ذلك ضمن إطار نظري مثير استقطب ردة فعل غاضبة حتى من‬ ‫والتاريخ من خالل النصوص التوراتية‪ ،‬وكان هذا الفهم ي سيطر‬
‫جانب اللوبي الصهيوني في الواليات املتحدة األميركية‪ ،‬ألنه يثبت‬ ‫على حتليلهم للمكتشفات األثرية ‪ ...‬وعلى هذه اخللفية‪ ،‬مت‬
‫بشكل واضح كيفية ت سخير التاريخ واآلثار كأدوات سياسية في‬ ‫ارتكاب أخطاء ج سيمة في االكتشافات األثرية في فل سطني مثل‬
‫كتابة التاريخ في إسرائيل‪ ،‬وبالتأكيد حظيت القدس مب ساحة‬ ‫تشخيص «مناجم امللك سليمان» في متناع ‪ ...‬فهم بئر وارن‬
‫وافرة في نقاشاتها‪ 4.‬وفي احلقيقة أنه على املستوى األكادميي‬
‫‪1‬‬
‫(‪ )Warren Shaft‬في القدس‪.»...‬‬
‫الع املي أصبح كل كتاب أو حتى مقالة حول آثار القدس ال تخلو‬ ‫وفي احلقيقة فإن ما ميثله مازار في النص املذكور أعاله ينسحب‬
‫من مراجعة نقدية ملا مت في حقل اآلثار في القدس وت سخيره‬ ‫على غالبية األثريني واملؤرخني اإلسرائيليني‪ ،‬فبعد انتهاء املدرسة‬
‫‪5‬‬
‫كأدوات سياسية وأيديولوجية‪.‬‬ ‫املهيمنة‪ ،‬لم يعد باإلمكان التمسك بالرواية التقليدية بحذافيرها‪ ،‬كما‬
‫إذا القضية ال تتعلق فقط بالرواية التاريخية ومدى صدقيتها‪،‬‬ ‫لم يكن بإمكان غالبيتهم التخلص منها متاما‪ ،‬فاختاروا منزلة بني‬
‫على الرغم من األهمية اخلاصة لذلك‪ ،‬خاصة في م سألة تتعلق‬ ‫منزلتني‪ ،‬حيث تُالحظ روح نقدية في جنبات نصوصهم‪ ،‬لكنها تفتقد‬
‫بتاريخ الديانات ال سماوية من جهة وبتاريخ البحث العلمي من‬ ‫إلى الوضوح‪ ،‬وأعتقد أن األمر لديهم مرتبط بوظيفة كتابة التاريخ‪ ،‬حيث‬
‫جهة ثانية‪ ،‬بل تتعلق باألساس بالبحث عن مصوغات تاريخية‬ ‫أن الصراع على أرض فلسطني لم ينته ال بكامب ديفيد وال بأوسلو‪،‬‬
‫وتناس مقصود‬
‫ٍ‬ ‫ترتبط بشرعية امتالك التاريخ من قبل جهة معينة‬ ‫وبالتالي يتطلب اخلروج من البوتقة التقليدية (الرواية الصهيونية)‬
‫لتواريخ أخرى متزامنة ومكملة‪ 6،‬وبتاريخ فاعلني آخرين مركزيني‬ ‫ظروفا موضوعية غير تلك التي سادت حتى اليوم‪.‬‬
‫في صياغة هذا التاريخ وبلورة الهوية احلضارية لوحدة جغرافية‬ ‫ويبدو أننا قد دخلنا في مرحلة كان من املقرر لها أن تؤكد على‬
‫غير منعزلة عن بيئة حضارية واسعة‪.‬‬ ‫صحة النص اليقني املقدس من خالل املكتشفات األثرية‪ ،‬ولكن‬
‫وقبل اإلسرائيليني‪ ،‬عملت مجموعات أجنبية محافظة‪ ،‬على‬ ‫بعض النزاهة العلمية عند بعض األثريني اإلسرائيليني ستؤدي‬
‫بناء إطار تاريخي ملدينة القدس مطابق للرواية الواردة في العهد‬ ‫إلى نتائج مغايرة متاما ملا خطط لها أصال؛ أي انقالب ال سحر‬
‫القدمي وبحذافيرها وتفاصيلها اململة بعد أن ثبتتها كـ«حقيقة‬ ‫على ال ساحر‪ ،‬أو لنقتبس ما كتبه الناقد الفل سفي اإلسرائيلي‬
‫تاريخية» بل «حقيقة إلهية» ال تقبل الشك‪ ،‬وبهذا بدأت عملية‬ ‫غبريئيل بيتربيرغ «‪ ...‬مع ذلك‪ ،‬فإن نتائج هذه البحوث (األثرية)‬
‫استكشاف مدينة القدس بدء ًا ب امل سوحات الطوبوغرافية‪ ،‬وإسقاط‬ ‫كانت هدامة‪ ،‬بل وغبية إلى حد ما‪ .‬فاإلخالص للصدق العلمي‬
‫‪53‬‬
‫املعالم احلضارية األساسية داخل البلدة القدمية أو القريبة منها‬ ‫من قبل األثريني من جيل عالم اآلثار يوسيف هيرت سوغ‪ 2‬أدى‬
‫على خرائط تفصيلية‪ ،‬وإجراء العديد من احلفريات «األثرية» التي‬ ‫‪3‬‬
‫إلى دحض ما كان من املفترض أن يثبت ويتأكد»‪.‬‬
‫عدد ‪73‬‬
‫تبلورت نتيجة ألعمال الغرب والحقا إسرائيل صورة تاريخية لمدينة القدس على‬
‫أساس ارتباطها بتاريخ النظم السياسية التي حكمت بشكل مباشر أو تلك التي‬
‫كانت وكيلة لقوى عظمى‪ ،‬وليس على أساس تاريخها االجتماعي واالقتصادي‬
‫وتحديدا تاريخ المجموعات اإلنسانية التي صنعت ماضي المدينة‪ .‬وهذا بالتحديد‬
‫ما حصل بعد السيطرة اإلسرائيلية المباشرة على القسم الباقي من مدينة القدس‬
‫إثر حرب ‪1967‬م (خاصة البلدة القديمة)‪.‬‬

‫وميكن وصف املدرسة اإلسرائيلية في اآلثار بأنها أداة مركزية‬ ‫حاولت الكشف عن السياقات التاريخية للمدينة‪ ،‬خاصة التي‬
‫في عملية تشكيل باالعتماد على العهد القدمي‪ ،‬طبعا إلى جانب‬ ‫تتقاطع مع فترة العهد القدمي‪ ،‬وأصبحت «اجلغرافيا املقدسة»‬
‫اجليش‪ .‬كما ساهمت هذه املدرسة في حتويل فل سطني (األرض‬ ‫و»املشهد املقدس» (‪The Holy Landscape and the Holy Land‬‬
‫احملتلة عام ‪ )1948‬إلى نقطة حدث أركيولوجية ع املية‪ ،‬بحيث‬ ‫‪ 7)Geography‬حقيقة واقعة ال تقبل التأويل‪ ،‬فقد جرى تعيني‬
‫تشكلت البعثات املشتركة للتنقيب عن اآلثار وكتابة التاريخ ما‬ ‫غالبية املواقع وتثبيتها وشحنها مبا تيسر من النصوص‬
‫بني الباحثني الغربيني واإلسرائيليني‪ ،‬وأخذت هذه البقعة الصغيرة‬ ‫املقدسة‪ ،‬وبغض النظر عن مدى انطباقها على الواقع‪ ،‬وعلى‬
‫ن سبيا حتتل مكانة كبيرة في االهتمام واإلثارة‪ ،‬وظهرت تبعا لذلك‬ ‫األجيال القادمة أن تتعامل معها وتبني دراساتها على أساسها‬
‫مئات الكتب وآالف املقاالت بكل لغات العالم‪ .‬تبلورت نتيجة ألعمال‬ ‫وعلى أساس أنها «حقائق» ثبتت متاما‪ .‬وميكن القول إن ما‬
‫الغرب والحقا إسرائيل صورة تاريخية ملدينة القدس على أساس‬ ‫يعانيه تاريخ القدس اآلن‪ ،‬وطبعا تاريخ فل سطني ككل‪ ،‬قد أسس‬
‫ارتباطها بتاريخ النظم ال سياسية التي حكمت بشكل مباشر أو‬ ‫له خالل هذه الفترة التاريخية‪.‬‬
‫تلك التي كانت وكيلة لقوى عظمى‪ ،‬وليس على أساس تاريخها‬ ‫في هذه املرحلة أيضا‪ ،‬أي التي نشط فيها علماء اآلثار‬
‫االجتماعي واالقتصادي وحتديدا تاريخ املجموعات اإلن سانية التي‬ ‫القادمون من الغرب‪ ،‬وضعت أسس العديد من مؤس سات البحث‬
‫صنعت ماضي املدينة‪ .‬وهذا بالتحديد ما حصل بعد ال سيطرة‬ ‫التي ما زالت عاملة في القدس حتى اليوم‪ .‬وفي احلقيقة فقد‬
‫اإلسرائيلية املباشرة على الق سم الباقي من مدينة القدس إثر‬ ‫تفاوتت نسبيا املناهج تبعا للتجربة القومية ألصحاب املدرسة‪،‬‬
‫حرب ‪1967‬م (خاصة البلدة القدمية)‪ ،‬حيث بدأت دائرة اآلثار‬ ‫لكنها توافقت جميعها على منهج اآلثار والتاريخ التوراتي‪ ،‬ليس‬
‫اإلسرائيلية بالتعاون مع اجلامعات اإلسرائيلية بإطالق سل سلة‬ ‫فقط كمنهج أكادميي‪ ،‬بل أيضا كهدف واضح املعالم‪ .‬وبالتأكيد‪،‬‬
‫من مشاريع امل سوحات واحلفريات في املدينة‪ ،‬خاصة في البلدة‬ ‫يجب القول إننا ال نبغي وراء ذلك ذم ورفض كل عمل هذه‬
‫القدمية منها‪ ،‬بهدف البحث عن بقايا التاريخ التوراتي‪ .‬واملثال‬ ‫جتن ال نريد الوصول إليه‪ ،‬فالكثير من األعمال‬
‫املؤس سات‪ ،‬فهذا ٍ‬
‫األبرز على هذه املشاريع هو مشروع التنقيب في حارة املغاربة‬ ‫التي قاموا بها كانت على درجة عالية من األهمية‪ ،‬وتركوا تراثا‬
‫واملناطق احمليطة بها وحارة اليهود‪ ،‬وطبعا سلوان وتلة الضهور‬ ‫توثيقيا ال ميكن االستغناء عنه‪ ،‬لكن من جهة أخرى فإن فهم‬
‫(أوفل)‪ ،‬وسلسلة التنقيبات في األنفاق املائية حتت مسطح‬ ‫تاريخ هذه املؤسسات سيساعد على حتقيق القراءة النقدية‬
‫امل سجد األقصى وفي املنطقة احمليطة به نزوال إلى وادي حلوة‬ ‫ألعمالهم‪ ،‬كما أنه قد يثير االهتمام في تتبع خطاهم ومراجعة‬
‫في سلوان‪ ،‬والذي استمر منذ عام ‪ 1967‬حتى اليوم‪.‬‬ ‫ما كتبوه ونقده‪ .‬أما التحذير الثاني الضروري وهو عدم تعميم‬
‫وبالرغم من االرتباط املباشر لعلم اآلثار باحلركة الصهيونية‪،‬‬ ‫بعض األفكار على اجلميع‪ ،‬فقد كان هناك من انفلت من عقد‬
‫إال أنه يجب عدم املبالغة في عدد األثريني اليهود وال مبشروعاتهم‬ ‫املؤس سة التي عمل باسمها أو لصاحلها وغرد خارج ال سرب‪ ،‬بل‬
‫احملدودة قبل العام ‪ ،1948‬وذلك على الرغم من تأسيس دائرة اآلثار‬ ‫وصل بعضهم إلى م ستوى متقدم من نقد ورفض أفكار مؤس سته‪،‬‬ ‫‪54‬‬

‫في اجلامعة العبرية منذ بدايتها‪ ،‬وبالتالي ال ميكن مقارنتهم وال‬ ‫وقدم بدائل مهمة في إعادة فهم اآلثار في فل سطني‪.‬‬
‫عدد ‪73‬‬
‫وبعد حزيران عام ‪ ،1967‬انطلقت الحفريات اإلسرائيلية في المنطقة المحيطة‬
‫بالمسجد األقصى‪ ،‬وانكب علماء اآلثار اإلسرائيليون على هذه «الغنيمة» بشراهة‬
‫أفقدتهم توازنهم العلمي واألخالقي‪ ،‬ولم يتوانوا عن استعمال الجرافات في‬
‫الحفريات‪ ،‬واختلط السياسي بالعلمي بالديني‪ ،‬فقد أضحت الفرصة سانحة لكسب‬
‫مدو يرتبط باكتشاف له عالقة بالهيكل‪ ،‬وذلك تحت تأثير نشوة‬ ‫سبق علمي ٍ‬
‫االنتصار المدوي في الحرب‪.‬‬

‫يعتبر يغئال يادين‪ 8‬األب الروحي لآلثار في إسرائيل ما بعد‬ ‫بأي شكل من األشكال‪ ،‬سواء من جهة العدد أو حجم احلفريات‪،‬‬
‫عام ‪ ،1948‬فعدا عن أعماله الكثيرة‪ ،‬إال أنه أكثر اإلسرائيليني‬ ‫ب املدارس والبعثات األجنبية‪ ،‬وبالتأكيد ال ميكن مقارنتهم باألثريني‬
‫جناحا في الربط بني إسرائيل واملاضي‪ ،‬وهو الذي قام بتشكيل‬ ‫اإلسرائيليني الذين نشطوا بعد اإلعالن عن إقامة دولة إسرائيل‬
‫بعض الرموز الوطنية ومن ضمنها «أسطورة مت سادا»‪ 9،‬كما أنه‬ ‫بعد العام ‪ .1948‬على أي حال‪ ،‬نذكر الناشطني املهمني في‬
‫قاد أوسع حملة حفر للمنطقة احمليطة ب امل سجد األقصى‪ .‬بدأ‬ ‫حقل اآلثار من اليهود قبل العام ‪ :1948‬يغئال يادين (‪Yigael‬‬
‫حياته في اجليش اإلسرائيلي وأصبح رئي سا ألركانه سنة ‪،1949‬‬ ‫‪ ،)Yadin‬بنيامني مازار سوكنيك (‪)Benjamin Mazar-Sukenik‬‬
‫وبعد انتهاء فترته البالغة ثالث سنوات‪ ،‬استقال من اجليش‬ ‫وآفي يونه (‪ ،)Avi-Yunah‬ولكل قصته وتأثيره على حقل اآلثار‪.‬‬
‫سنة ‪ ،1952‬وحصل عام ‪ 1956‬على درجة الدكتوراه في اآلثار‬ ‫وكان هؤالء ك لّ هم مرتبطني برباط وثيق باحلركة الصهيونية قبل‬
‫عن ترجمته لبعض مخطوطات قمران‪ ،‬وقاد حفريات في كل‬ ‫انخراطهم بالعمل األثري‪ ،‬واستمروا بذلك حتى اليوم األخير من‬
‫من مت سادا‪ ،‬وقمران‪ ،‬وتل مجدو‪ .‬واجهت يادين حملة انتقادات‬ ‫حياتهم‪ ،‬كما كان يجمعهم أنهم درسوا وتدربوا على علم اآلثار‬
‫كبيرة ب سبب قيامه بتحريف تاريخ قلعة مت سادا وحتويل اخلرافة‬ ‫في أوروبا موطنهم األصلي‪ ،‬وبالتالي حملوا معهم مفاهيم هذا‬
‫التاريخية إلى «حقيقة» وحتويل من انتحروا‪ ،‬إن مت ذلك أصال‪،‬‬ ‫العلم وأدواته في حينه‪ ،‬عالوة على فكرهم الصهيوني‪ ،‬فاندمجت‬
‫إلى أبطال قوميني ومنوذج للمحارب اليهودي الذي يرفض‬ ‫الفكرة القومية املشتعلة في أوروبا بني احلربني الع امليتني بفكرتهم‬
‫االست سالم ويفضل املوت بحرية‪ 10.‬قضى يادين حياته بحثا عن‬ ‫الصهيونية املندمجة أيضا بقومية يهودية‪ ،‬وبالتأكيد لم يكن هؤالء‬
‫داود وسليمان‪ ،‬وتعرضت الحقا أبحاثه وحفرياته‪ ،‬وخاصة تأريخه‬ ‫مندفعني بالفكرة الدينية‪ ،‬مثل الكثير من زمالئهم من األوروبيني‪،‬‬
‫لآلثار‪ ،‬إلى الكثير من التشريح والرفض‪ ،‬وكان واضحا اندفاعه‬ ‫لكن بتحويل فكرة الدين إلى دولة‪ ،‬وبالتالي لم يكن يشغلهم‬
‫الع سكري في حقل اآلثار وكأنه يخوض حرب وجود‪ ،‬وكان يشعر‬ ‫إثبات وجود القصص الديني‪ ،‬بقدر ما كان يشغلهم إثبات وجود‬
‫دائما بأن وجود إسرائيل ال ميكن أن ي ستمر بدون «إثبات» حقيقة‬ ‫شعب إسرائيل في تاريخ فل سطني‪ ،‬وربط هذا الوجود باحلركة‬
‫وجودها في التاريخ‪ ،‬وبذلك خلط ما بني العلم والتمنيات‪ ،‬بحيث‬ ‫الصهيونية املطالبة بـ»استرداد» فل سطني‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫لم يعد هو نف سه يفرق بينهما‪.‬‬ ‫وبعد حزيران عام ‪ ،1967‬انطلقت احلفريات اإلسرائيلية‬
‫ومن أهم إنتاجات يادين حول القدس كتاب موسع قام بكتابته‬ ‫في املنطقة احمليطة باملسجد األقصى‪ ،‬وانكب علماء اآلثار‬
‫مع مجموعة من املؤرخني واألثريني‪ ،‬حاول من خالله تقدمي الرواية‬ ‫اإلسرائيليون على هذه «الغنيمة» بشراهة أفقدتهم توازنهم العلمي‬
‫الرسمية اإلسرائيلية حول تاريخ القدس‪ 12.‬وفي عام ‪ 1976‬شكل‬ ‫واألخالقي‪ ،‬ولم يتوانوا عن استعمال اجلرافات في احلفريات‪،‬‬
‫يادين حزبا سياسيا سماه احلركة الدميقراطية للتغيير (داش)‬ ‫واختلط السياسي بالعلمي بالديني‪ ،‬فقد أضحت الفرصة سانحة‬
‫وحصل احلزب في أول اشتراك له في االنتخابات عام ‪ 1976‬على‬ ‫مدو يرتبط باكتشاف له عالقة بالهيكل‪ ،‬وذلك‬‫لك سب سبق علمي ٍ‬
‫‪55‬‬ ‫‪ 15‬مقعدا في الكني ست اإلسرائيلية‪ ،‬وذلك من أصل ‪ 120‬مقعدا‪،‬‬ ‫حتت تأثير نشوة االنتصار املدوي في احلرب‪ .‬وميكن النظر إلى‬
‫وبهذا أصبح نائبا لرئيس الوزراء‪ .‬ويدلل منوذج يادين على مدى‬ ‫يغئال يادين ال سياسي واآلثاري البارز كنموذج لهذا اخللط‪.‬‬
‫عدد ‪73‬‬
‫بحثا عن داود وسليمان‪ ،‬وتعرضت الحقا أبحاثه وحفرياته‪ ،‬وخاصة تأريخه لآلثار‪ ،‬إلى‬
‫الكثير من التشريح والرفض‪ ،‬وكان واضحا اندفاعه العسكري في حقل اآلثار وكأنه‬
‫يخوض حرب وجود‪ ،‬وكان يشعر دائما بأن وجود إسرائيل ال يمكن أن يستمر بدون‬
‫«إثبات» حقيقة وجودها في التاريخ‪ ،‬وبذلك خلط ما بين العلم والتمنيات‪ ،‬بحيث لم‬
‫يعد هو نفسه يفرق بينهما‪.‬‬

‫االستثمار اإلسرائيلي بحقل اآلثار كمصدر للشرعية‪ ،‬حيث حتظى‬


‫إسرائيل حتى اليوم بأعلى نسبة من املتخصصني باآلثار في‬
‫العالم نسبة لعدد ال سكان‪.‬‬
‫أما النموذج اآلخر لهذه املدرسة فهو بنيامني مازار‬
‫(‪13)Maisler‬الذي أعتبر من أكبر املؤرخني واألثريني اإلسرائيليني‪،‬‬
‫وهو عالم أيضا بنصوص العهد القدمي واجلغرافية التاريخية‬
‫لفل سطني‪ .‬اشتهر بنيامني مازار في دمجه بني اآلثار واجلغرافية‬
‫وآثار الشرق القدمي باالعتماد على النصوص املقدسة‪ .‬شغل‬
‫العديد من املناصب‪ ،‬باإلضافة إلى خدمته الع سكرية الطويلة‪،‬‬
‫فقد وصل إلى منصب رئيس اجلامعة العبرية في القدس سنة‬
‫‪ 1953‬واستمر في هذا املنصب حتى العام ‪ .1961‬اشتهر عمله‬
‫األثري باحلفريات الضخمة التي قادها عقب حرب حزيران عام‬
‫الحرم القديس يف املهداف اآلثاري لالحتالل‪.‬‬ ‫‪ 1967‬على امتداد اجلدار الغربي واجلدار اجلنوبي للمسجد‬
‫األقصى (وما حتته أحيانا)‪ ،‬وذلك بحثا عن آثار الهيكل‪ .‬اعتبر‬
‫‪14‬‬
‫وجودها‪ ،‬حتى لو تضاءل دور التاريخ واآلثار في مبرر الوجود‪.‬‬ ‫مازار اآلثار جزء ًا من هويته الوطنية‪ ،‬والبحث األثري خدمة وطنية‬
‫أما املنهج الثاني‪ ،‬غير الرسمي وما زال بشكل عام هامشيا‪ ،‬فقد‬ ‫متاثل اخلدمة الع سكرية في أهميتها‪.‬‬
‫ابتعد بعلم اآلثار عن التجاذبات ال سياسية والدينية واأليديولوجية‪.‬‬
‫لي‬
‫هناك منهجان في حقل اآلثار في إسرائيل‪ ،‬يحاول األول ّ‬
‫وحتقيقا لألهداف التي وضعت لعلم اآلثار‪ ،‬ميكن القول إن‬ ‫ذراع التاريخ ورواياته وأحداثه‪ ،‬واستعماله مصوغا للوجود كدولة‬
‫احلفريات اإلسرائيلية في القدس القدمية ومحيطها قد ركزت‬ ‫لها عاصمة ونشيد وطني‪ ،‬نافيا ال سبب األساس من وراء تأسيس‬
‫على عدة محاور تكشف متاما الغرض من ورائها‪ ،‬وميكن‬ ‫دولة إسرائيل من قبل قوى ومنظمات كولونيالية هدفت من وراء‬
‫إجمالها مبا يلي‪:‬‬ ‫ذلك السيطرة على مقدرات منطقة استراتيجية مهمة مبوقعها‬
‫ومواردها‪ ،‬وكم ساهمة مركزية في تفتيت أوصال هذه املنطقة‪،‬‬
‫أ‪ .‬المسجد األقصى والمنطقة المحيطة به‬ ‫مانعة انبعاثها من جديد كقوة‪ .‬وبعد عقود على هذا التأسيس‪،‬‬
‫تركزت احلفريات اإلسرائيلية في كل اجلهات احمليطة‬ ‫ومأسسة الدولة املخترعة‪ ،‬لعب التاريخ بعلومه املختلفة دورا‬
‫بامل سجد األقصى‪ ،‬وقد جرت فيها عشرات احلفريات‪ ،‬خاصة‬ ‫مركزيا في ضمان استمرار شرعيتها‪ ،‬وفي احلقيقة فإن دور هذه‬
‫‪56‬‬
‫في اجلهتني اجلنوبية والغربية‪ ،‬منها ما هو ظاهر ومنها ما‬ ‫«الدولة» لم ينته بعد‪ ،‬وقد ينتهي في املستقبل‪ ،‬لكن يجب عدم‬
‫هو خفي حتت املباني املنتشرة على امتداد اجلدار الغربي‬ ‫التقليل أبدا من اآلليات التي ميكن أن تطورها لضمان استمرار‬
‫عدد ‪73‬‬
‫ويذكر بأن أهم ما كشفت عنه حفريات هذه المنطقة‪ ،‬خاصة في المنطقة التي‬
‫تقع بالقرب من الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد‪ ،‬هو دار اإلمارة األموية والتي‬
‫تتشكل من ثمانية أبنية ضخمة‪ ،‬واكتشاف هذه لها قصة يطول شرحها‪ .‬إن أخطر‬
‫الحفريات التي تتم في هذا المحور تقع على امتداد الجدار الغربي للمسجد والتي‬
‫ً‬
‫ال نعرف عنها شيئا‪ ،‬حيث تم الحفاظ على سريتها‪ ،‬ويمكن االستدالل عليها من‬
‫خالل أصوات الحفر فقط‪.‬‬

‫ب‪« .‬حارة اليهود»‬ ‫للم سجد‪ ،‬وحتى حتته في بعض األحيان‪ .‬وشملت هذه احلفريات‬
‫كما هو معلوم‪ ،‬أقدمت إسرائيل على حتديد م ساحة تصل‬ ‫طبعا ال ساحة الواسعة التي مت تشكيلها نتيجة تدمير حارة‬
‫إلى حوالي ‪ %12‬من م ساحة البلدة القدمية‪ ،‬وأعلنتها حارة لليهود‪،‬‬ ‫املغاربة في حزيران عام ‪ .1967‬لم يكن هدف هذه احلفريات‬
‫وذلك بغض النظر عن امللكيات فيها‪ ،‬حيث تبلغ امللكيات اإلسالمية‬ ‫كتابة تاريخ القدس وال الكشف عن اآلثار املثيرة التي قد تظهر‬
‫في هذه املنطقة حوالي ‪ %87‬من مجموع العقارات‪ 16.‬وقد أقدمت‬ ‫فيها‪ ،‬بل كان وما زال الهدف املعلن هو الكشف عن بقايا الهيكل‬
‫بعدها على إجراء حفريات واسعة ضمن مشروع «إعادة بناء حارة‬ ‫األول والثاني‪ ،‬وبالتالي لم يكن أي شيء يثير احلفار في هذه‬
‫اليهود»‪ ،‬مدمرة بذلك ن سيجها التاريخي ومعيدة بناء غالبية املباني‬ ‫املنطقة ليس له عالقة بالهيكل‪ ،‬وكان التجريف في الفترات‬
‫من جديد‪ ،‬بشكل لم تشهده بلدة قدمية في العالم من قبل‪ ،‬وال‬ ‫األولى‪ ،‬خاصة منذ عام ‪ 1967‬وحتى منتصف الثمانينيات هو‬
‫س ّي ما بلدة مبكانة القدس‪ .‬ورافق ذلك حفريات أثرية تهدف إلى‬ ‫سيد املوقف الذي ال ينازع‪ .‬ويذكر بأن أهم ما كشفت عنه‬
‫ربط احلارة بالفترات التاريخية القدمية‪ ،‬خاصة فترة هيرودوس‪،‬‬ ‫حفريات هذه املنطقة‪ ،‬خاصة في املنطقة التي تقع بالقرب من‬
‫إال أن هذه احلفريات أيضا لم تضف إلى االدعاءات التاريخية‬ ‫الزاوية اجلنوبية الغربية للم سجد‪ ،‬هو دار اإلمارة األموية والتي‬
‫أي ذخيرة تذكر‪ ،‬لكنها زينت احلارة بالكثير من املواقع األثرية‬ ‫تتشكل من ثمانية أبنية ضخمة‪ ،‬واكتشاف هذه لها قصة‬
‫وأعطتها عمقا تاريخيا مثل الكشف عن جزء من الشارع الروماني‬ ‫يطول شرحها‪ .‬إن أخطر احلفريات التي تتم في هذا احملور‬
‫املعمد‪ ،‬والكشف عن كني سة أملانية تعود إلى القرن الثاني عشر‪،‬‬ ‫تقع على امتداد اجلدار الغربي للم سجد والتي ال نعرف عنها‬
‫والكشف عن سور يعتقد بأنه يعود إلى نهاية الفترة اإلغريقية‬ ‫شي ًئ ا‪ ،‬حيث مت احلفاظ على سريتها‪ ،‬وميكن االستدالل عليها‬
‫سموه سور ح سمونيا‪ ،‬واليوم هناك إعادة دراسة لتأريخه‪ ،‬وإظهار‬ ‫من خالل أصوات احلفر فقط‪.‬‬
‫بيت محروق مت إحراقه أثناء التدمير الروماني للمدينة عام ‪70‬م‪،‬‬ ‫لقد مت حتويل املنطقة املذكورة إلى حديقة لآلثار «سميت حديقة‬
‫مدعني بأنه بيت لرجل دين يهودي‪.‬‬ ‫دافيدسون» التي تعرض عبر الصوت والصورة قصة الهيكلني‬
‫كما جرى التركيز على الكنس اليهودية التي تقع في احلارة‬ ‫األول والثاني وتثبت بشكل ال لبس فيه‪ ،‬ليس فقط املصطلحات‬
‫املوسعة‪ ،‬حيث جرى إعادة ترميم لها‪ ،‬ويذكر بأن غالبيتها تعود‬ ‫التي أسقطتها على تاريخ املدينة‪ ،‬بل أن ال أحد قد سكن املدينة‬
‫إلى القرن التاسع عشر‪ ،‬وأن أحدها فقط له جذور تعود إلى‬ ‫غير اليهود‪ ،‬وال حق ألحد غيرهم فيها‪ .‬كل ذلك ممزوج‪ ،‬طبعا‪،‬‬
‫الفترة اململوكية‪ .‬وفي اآلونة األخيرة‪ ،‬جرت إعادة بناء لكنيس‬ ‫بنصوص مختارة من العهد القدمي لزيادة القدسية‪ .‬وتقوم جمعية‬
‫(كنيس اخلربا) بقبة عالية جدا ضمن صراع على أفق املدينة‬ ‫إلعاد االستيطانية‪ 15‬بإدارة املوقع‪ ،‬وهو أمر يثير علماء اآلثار‬
‫القدمية‪ ،‬فال يجوز من وجهة نظرهم بقاء املدينة القدمية بقبتني‬ ‫حتى من اإلسرائيليني الذين يدركون حساسية املوقع من جهة‬
‫ضخمتني‪ :‬قبة الصخرة وقبة القيامة‪ ،‬بدون إضافة قبة يهودية‪.‬‬ ‫وطبيعة الرواية املتطرفة التي تقدم للزائرين‪ ،‬تلك الرواية التي‬
‫‪57‬‬
‫على أي حال لم تثبت‪ ،‬من خالل اآلثار‪ ،‬أي عالقة يهودية مبوقع‬ ‫انهارت غالبية مكوناتها في األوساط العلمية‪ ،‬وذلك باالعتماد‬
‫احلارة قبل الفترة اململوكية‪ ،‬وإن كانت هناك جاليات يهودية في‬ ‫على املكتشفات األثرية‪.‬‬
‫عدد ‪73‬‬
‫على أي حال لم تثبت‪ ،‬من خالل اآلثار‪ ،‬أي عالقة يهودية بموقع الحارة قبل الفترة‬
‫المملوكية‪ ،‬وإن كانت هناك جاليات يهودية في المدينة قبل ذلك‪ ،‬فقد كانت‬
‫جاليات هامشية لم تترك ما يشير إليها من ناحية معمارية‪ ،‬سوى بعض الروايات‬
‫من خالل أدب الرحالت والتي تتحدث عن وجود رمزي وغير مؤثر لليهود خالل‬
‫العهود اإلسالمية المختلفة‪.‬‬

‫األموية بالقرب من ساحة البراق‪ ،‬وبالتالي حتويل ساحة البراق‬ ‫املدينة قبل ذلك‪ ،‬فقد كانت جاليات هامشية لم تترك ما يشير‬
‫إلى مركز اللتقاء األنفاق‪.‬‬ ‫إليها من ناحية معمارية‪ ،‬سوى بعض الروايات من خالل أدب‬
‫ال تشكل هذه األنفاق مكانا لعرض الطبقات ال سفلى من‬ ‫الرحالت والتي تتحدث عن وجود رمزي وغير مؤثر لليهود خالل‬
‫الفترات التاريخية التي مرت على القدس‪ ،‬بل مكان يتم التحكم‬ ‫العهود اإلسالمية املختلفة‪.‬‬
‫من خالله بالرواية‪ ،‬دون أن تتشوه هذه الرواية مبنظر امل ساجد‬
‫والكنائس والفلسطينيني الذين يديرون حوانيتهم ومدارسهم‬ ‫ت‪ .‬األنفاق‬
‫ومؤس ساتهم في البلدة القدمية‪ ،‬ألن البلدة القدمية مبظهرها‬
‫بدأ الهوس اإلسرائيلي بالبحث عن مخلفات الهيكل في فترة‬
‫احلالي وبعد أكثر من نصف قرن من كل محاوالت األس رلة ما‬
‫مبكرة واستكماال جلهود البعثات الغربية‪ ،‬لكن األمر ازداد ضراوة‬
‫زالت فل سطينية‪ ،‬وبالتالي تقود األنفاق الزائر إلى عالم آخر‪،‬‬
‫بعد هدم حارة املغاربة عام ‪ 1967‬وانكشاف بعض املمرات التي‬
‫يختفي فيه الفل سطيني ورموزه‪ ،‬ويغوص في أنفاق تروي كلها‬
‫تقود إلى حتت املباني‪ ،‬خاصة التي تعود إلى الفترة اململوكية‪،‬‬
‫قصة عظمة إسرائيل وارتباطها بالتاريخ القدمي‪.‬‬
‫واملنشأة على اجلدار الغربي للم سجد األقصى‪ ،‬ومت االنتهاء من‬
‫حفر النفق الرئيس عام ‪ 1996‬وافتتحه بنيامني نتنياهو‪ ،‬ما قاد‬
‫ث‪ .‬محور سلوان‬ ‫إلى هبة النفق‪ .‬سمى اإلسرائيليون هذا النفق بالنفق احلشموني‪،‬‬
‫تعتبر قرية سلوان الواقعة على بعد بضعة أمتار إلى جنوب‬ ‫نسبة لعائلة يهودية حكمت القدس وكيلة للدولة اإلغريقية‪ ،‬بالرغم‬
‫وجنوب شرق البلدة القدمية محورا رئيسيا إضافيا للحفريات‬ ‫من أن غالبية مكوناته تعود إلى الفترات الرومانية والبيزنطية‬
‫املكثفة‪ ،‬وقد متت ت سمية هذا اجلزء من املدينة بـ «مدينة داود»‬ ‫واإلسالمية املختلفة باإلضافة إلى الفترة الصليبية‪ .‬حتولت‬
‫وهي عبارة عن التلة األقدم في املدينة وامل سماة فل سطينيا بتلة‬ ‫الكثير من القاعات املشكلة للنفق إلى قاعات صالة لليهود‪ ،‬كما‬
‫الضهور أو تل سلوان‪ .‬ويذكر بأن احلفريات في املوقع بدأت عبر‬ ‫استطاعت ال سلطات االسرائيلية عبر حفريات النفق ال سيطرة‬
‫اإلرساليات الغربية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫على كل اجلدار الغربي للمسجد األقصى‪ ،‬بطول يصل إلى‬
‫ولم تتوقف احلفريات حتى اليوم‪ .‬لقد مت حتويل املوقع بعد العام‬ ‫حوالي ‪ 400‬م‪ .‬ومن هذا النفق انطلقت أنفاق أخرى باجتاه الغرب‬
‫‪ 1967‬بعد أن أشبع حفرا وتنقيبا إلى متنزه وطني يهودي من‬ ‫والشرق‪ ،‬بعضها معروف ومعلن عنه وبعضه اآلخر غير معروف‪.‬‬
‫الطراز األول‪ .‬وعلى الرغم من ضحالة االكتشافات وعدم وضوحها‬ ‫ومن األنفاق املخطط حفرها‪ ،‬نفق ال يعرف إلى أي مدى مت حفره‬
‫ووجود اختالفات هائلة حول تف سيرها‪ ،‬إال أنه قد جرى تضخيمها‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬يبدأ مبغارة الكتان (إلى الشرق من باب العمود)‬
‫بشكل ال مثيل له‪ ،‬وسخرت كل علوم الصوت والضوء والصورة‬ ‫والتي ي سميها اإلسرائيليون «مغارة سليمان»‪ ،‬وميتد أسفل حارة‬
‫لرواية قصة ال أثر لها في املوقع‪.‬‬ ‫ال سعدية وصوال إلى طريق الواد ليلتقي بالنفق الرئيس‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫ومن املثير معرفته بأن هذا التل يقع فوق عني املاء الوحيدة‬ ‫ثم جاءت املرحلة الثانية من حفر األنفاق واملتمثلة بربط بركة‬
‫في القدس‪ ،‬عني سلوان‪ ،‬التي تتصل بالكثير من القنوات التحت‬ ‫سلوان عبر وادي حلوة إلى احلديقة األثرية التي تقع عند القصور‬
‫عدد ‪73‬‬
‫ويمكن إدراك ما يجري بالتحديد في هذه المنطقة عبر مراقبة حمالت هدم المنازل‬
‫المكثفة في سلوان بشكل عام‪ ،‬وفي حي البستان بشكل خاص‪ ،‬كما وتصاعدت‬
‫وتيرة االستيطان في وادي حلوة‪ 35،‬جنبا إلى جنب مع ازدياد عدد الحفريات وحجمها‬
‫وموقعها في المنطقة نفسها‪ ،‬وينطبق األمر ذاته على منطقة الشيخ جراح‪ ،‬حيث‬
‫يجري إخالء حي كامل والتخطيط لزرع المستوطنين في الموقع نفسه‪.‬‬

‫بناء املستوطنات والشوارع االلتفافية والترام‪ ،‬فقد انكشفت الكثير‬ ‫أرضية‪ ،‬مما فتح للخيال أبوابا ال نهاية لها‪ .‬لقد أصبح الوضع‬
‫من املواقع واملعالم األثرية في أماكن متفرقة من املدينة‪ ،‬ما زاد‬ ‫في هذا املوقع مضحكا‪ ،‬فيتم احلديث عن قصر داود العظيم‬
‫من وتيرة النهم في احلفر‪ ،‬بحيث لم تبق أي بقعة في املدينة دون‬ ‫وحدائقه الغناء ومراكز إدارته ململكة مترامية األطراف‪ ،‬وما يتم‬
‫أن يتم حفرها‪ ،‬وأصبح من الصحيح االدعاء بأنه لم يتبق فيها‬ ‫مشاهدته على أرض الواقع ليس له أي عالقة ب املوضوع‪ ،‬وأقصى‬
‫ما يحفر‪ .‬واآلن جتري احلفريات داخل مباني البلدة القدمية‪ ،‬فكل‬ ‫ما يشاهد هو قرية صغيرة متخلفة نسبيا‪ .‬ومحور سلوان يتم‬
‫مبنى بحاجة إلى ترميم‪ ،‬ال تصدر رخصة الترميم إال بعد إجراء‬ ‫توسيعه يوميا لعله يتم اكتشاف أي شيء جديد‪.‬‬
‫حفريات أثرية من قبل سلطة اآلثار اإلسرائيلية‪ ،‬وفي هذا اإلطار‬ ‫يجري في املوقع سرد قصة داود وسليمان‪ ،‬اللذين يتحوالن إلى‬
‫جترى عدة حفريات في العام‪ .‬وغني عن القول إن محيط أسوار‬ ‫شخصيتني مرئيتني ميكن مشاهدتهما يقتحمان يبوس الكنعانية‪،‬‬
‫املدينة قد شهد عشرات احلفريات‪.‬‬ ‫وميكن مشاهدتهما وهما يصوالن ويجوالن في املنطقة‪ ،‬بل نشاهد‬
‫لن تعالج هذه املراجعة م سألة في غاية األهمية تتعلق بالوضع‬ ‫سليمان يبني الهيكل ويتنزه في حدائق سلوان الغناء (حي البستان)‬
‫القانوني للحفريات في القدس بشكل خاص وفي األراضي احملتلة‬ ‫يصل عني املاء ليرتوي ويتطهر ‪ ...‬إلخ‪ ،‬وال تذكر هذه املرويات‬
‫بشكل عام‪ ،‬لكن يكفي أن نقول إن كل أنواع احلفر ونقل العاديات‬ ‫الكاريكاتيرية واملبكية في اآلن نف سه بأن القدس في الفترة املذكورة‬
‫‪18‬‬
‫من أراض محتلة إلى خارجها يعتبر مخالفا للقانون الدولي‪.‬‬ ‫(العصر احلديدي‪ /‬القرن العاشر قبل امليالدي) لم تكن سوى قرية‬
‫تصاعدت في اآلونة األخيرة حمالت نهب اآلثارِ واألرض وما‬ ‫صغيرة ال يتعدى عدد سكانها ‪ 400‬ن سمة‪ ،‬لكنها بقوة الرواية‪ ،‬وليس‬
‫حتتها باسم «احلفريات األثرية»‪ .‬وفي احلقيقة‪ ،‬فإن ما ي سمى‬ ‫باالعتماد على نتائج احلفريات األثرية‪ ،‬حتولت إلى عاصمة إلمبراطورية‬
‫«االستكشاف األثري» الذي يدور اآلن ما هو إال جزء ال يتجزأ من‬ ‫عظيمة مترامية األطراف‪ .‬ما يتم تقدميه من رواية صاغها علماء اآلثار‬
‫احملافظني من الغربيني واإلسرائيليني وأعادت كتابتها جمعية إلعاد‬
‫حملة سياسية واسعة النطاق جتتاح منطقة القدس ضمن مخطط‬
‫االستيطانية‪ ،‬تشعر الزائر املفعم مبشاعره الدينية اليهودية وامل سيحية‬
‫وضع م سبقا‪ ،‬ومن أعلى امل ستويات‪ ،‬وبشكل معلن‪ ،‬حيث تتركز‬
‫على حد سواء بأنه يعيش التاريخ التوراتي بحذافيره‪ ،‬كيف ال وهو‬
‫النشاطات «األثرية» في املنطقة التي ت سمى «احلوض املقدس»‬
‫يشاهد األفالم التي صورت في املوقع األثري نف سه ويشاهد حجارة‬
‫أو «احلوض التاريخي»‪ 19،‬وهي املنطقة التي تضم البلدة القدمية‬
‫‪17‬‬
‫املوقع وقد أعيد تركيبها بشكل ال يقبل الشك أو اجلدل‪.‬‬
‫ومحيطها‪ ،‬وتضم أيضا ال سفوح الغربية جلبل الزيتون‪ ،‬وسلوان‪،‬‬
‫ووادي حلوة‪ ،‬وحي الب ستان‪ ،‬ووادي الربابة‪ ،‬ومتتد إلى الشيخ جراح‬
‫شماال‪ .‬وقد طالبت إسرائيل مرارا بال سيطرة الكاملة واحلصرية‬ ‫ج‪ .‬أماكن متفرقة في القدس‬
‫على هذه املنطقة ضمن مفاوضات احلل النهائي‪.‬‬ ‫لم يتم التواني عن حفر أي قطعة أرض في منطقة القدس‪،‬‬
‫وتترافق حملة «اآلثار» هذه مع حملة واسعة لالستيطان‬ ‫بحيث أصبحت القدس أكثر املناطق في العالم التي جرى حفرها‪،‬‬
‫‪59‬‬
‫الصهيوني من جهة‪ ،‬وعملية الطرد ال سكاني للفل سطينيني من‬ ‫كما جاءت احلفريات ب سبب أعمال البنية التحتية املتكررة بحق‬
‫جهة ثانية‪ .‬وميكن إدراك ما يجري بالتحديد في هذه املنطقة عبر‬ ‫أو بدون حق والتي نفذت في شرقي القدس‪ ،‬خاصة في سبيل‬
‫عدد ‪73‬‬
‫يمكن القول إن كتابة تاريخ القدس ما بعد العام ‪ ،1967‬وبشكل مواز مع الكتابات‬
‫األثرية‪ ،‬قد اتسمت بروح عنفوان وغطرسة انتصار حزيران عام ‪ ،1967‬والكتابات‬
‫كانت أخالط ما بين إثبات تواصل التاريخ اليهودي من جهة وتقليل أدوار وعالقات‬
‫«األغيار» بالمدينة من جهة ثانية‪.‬‬

‫مراقبة حمالت هدم املنازل املكثفة في سلوان بشكل عام‪ ،‬وفي‬


‫حي الب ستان بشكل خاص‪ ،‬كما وتصاعدت وتيرة االستيطان‬
‫في وادي حلوة‪ 20،‬جنبا إلى جنب مع ازدياد عدد احلفريات‬
‫وحجمها وموقعها في املنطقة نف سها‪ ،‬وينطبق األمر ذاته على‬
‫منطقة الشيخ جراح‪ ،‬حيث يجري إخالء حي كامل والتخطيط لزرع‬
‫امل ستوطنني في املوقع نف سه‪.‬‬
‫وفي البلدة القدمية‪ ،‬وعلى الرغم من صعوبة التمدد‬
‫االستيطاني‪ ،‬ب سبب الوعي املتزايد لدى ال سكان‪ ،‬ومأس سة الدفاع‬
‫القانوني عن العقارات‪ ،‬وتنامي حمالت التصدي للم ستوطنني‪،‬‬
‫وأعمال ترميم املباني ال سكنية وتأهيلها لتح سني شروط سكن‬
‫حي سلوان املستهدف‪.‬‬ ‫الفل سطينيني‪ ،‬هذا عدا عن احلاجة املاسة واملتزايدة للم ساكن‪ ،‬ما‬
‫أدى إلى رفع قيمة العقارات املادية واملعنوية‪ ،‬وزاد من شدة مت سك‬
‫درجة أقل في كل من باب حطة وحارة ال سعدية‪ 22.‬ولم تعد حارة‬ ‫ال سكان الفل سطينيني بأمالكهم‪ ،‬إال أن محاوالت امل ستوطنني ما‬
‫النصارى مبنأى عن هذه التوجهات بعد أن أحجمت احلركات‬ ‫زالت تشكل خطرا حقيقيا على أجزاء واسعة من البلدة القدمية‪.‬‬
‫االستيطانية لفترة طويلة عن دخولها‪ ،‬لكنها ك سرت هذا التوجه‬
‫وفي هذا اإلطار ميكن فهم محاوالت ال سيطرة الواسعة على‬
‫بنزل سان جون الكائن في سوق أفتيموس‪ ،‬وأتبعوه مبحاوالت‬
‫العقارات في البلدة القدمية باستخدام كل الطرق امللتوية‪ ،‬وأخطر‬
‫ال سيطرة على منطقة باب اخلليل‪.‬‬
‫احملاوالت تدور عند باب اخلليل (ميدان عمر بن اخلطاب) املتمثلة‬
‫مبحاولة ال سيطرة على فندق االمبريال وفندق البتراء‪ ،‬وكالهما من‬
‫كتابة تاريخ القدس‬ ‫أمالك بطريركية الروم األرثوذكس‪ 21،‬كما أنه من املفيد التذكير‬
‫رافقت أعمال األثريني اإلسرائيليني في القدس عملية‬ ‫باستمرار سيطرة املستوطنني على نزل سان جون (يوحنا)‬
‫هدفت إلى إعادة كتابة تاريخ للقدس بهدف تعزيز العالقة بني‬ ‫القريب من كني سة القيامة‪ ،‬والذي تعود ملكيته أيضا لبطريركية‬
‫اليهود‪ ،‬واإلسرائيليني بشكل خاص‪ ،‬واملدينة‪ ،‬فبعد أن كانت‬ ‫الروم األرثوذكس‪ ،‬والذي متت ال سيطرة عليه بطرق ملتوية تشبه‬
‫احلركة الصهيونية ال حتلم بتحويل القدس (خاصة البلدة‬ ‫بعض الشيء الطرق التي استخدمت في ال سيطرة على فندقي‬
‫القدمية) عاصمة لها‪ ،‬حانت الفرصة التاريخية لذلك باحتالل‬ ‫باب اخلليل‪ .‬هذا إلى جانب احملاوالت امل ستميتة لل سيطرة على‬
‫كل القدس عام ‪ ،1967‬فلم تتردد ولو حلظة عن إعالن «القدس‬ ‫املزيد من العقارات في املنطقة احمليطة ب امل سجد األقصى‪ ،‬وفي‬
‫‪60‬‬
‫املوحدة عاصمة لدولة إسرائيل» أضيف لها الحقا «أبدية» وكان‬ ‫األحياء التالية‪ :‬عقبة اخلالدية‪ ،‬وعقبة القرمي‪ ،‬وعقبة التكية‪،‬‬
‫على املؤرخني اإلسرائيليني التقاط هذا املوضوع والتوسع في‬ ‫وطريق باب احلديد‪ ،‬وطريق الواد‪ ،‬وطريق باب ال سل سلة‪ ،‬وعلى‬
‫عدد ‪73‬‬
‫وحتى ال ُيبالغ بأهمية الحراك الذي يطال علم اآلثار‪ ،‬والذي قد ينفي كل أساس‬
‫التاريخ التوراتي‪ ،‬إال أن ذلك لن يغير الواقع بشكل ثوري‪ ،‬وقد ال ينتقل هذا الحراك‬
‫إلى أبعد من نقاشات أكاديمية بين حفنة من المختصين سواء على هذه الضفة من‬
‫النقاش أو تلك‪ ،‬فقد تعززت الرواية التوراتية وأصبحت مكونا أساسيا في المجتمع‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬ولن يضيرها أي اكتشاف في حقل اآلثار‪ .‬وقد عبر حتى منتقدو الرواية‬
‫التوراتية عن عدم الحاجة لهذه الرواية الستخدامها في تبرير وجود إسرائيل‪.‬‬

‫أنهم من قلب املجتمع اإلسرائيلي وخريجي مدارسه وجامعاته‬ ‫إثبات تاريخيته‪ ،‬وتاريخ الوجود اليهود في املدينة باعتماد‬
‫ومعتمدين باألساس على الوثائق اإلسرائيلية في معاجلاتهم‪.‬‬ ‫اإلحصائيات ال سكانية للمدينة في النصف الثاني من القرن‬
‫لم تنتقل ظاهرة املؤرخني اجلدد إلى «األثريني اجلدد» بالصخب‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬إلثبات وجود أغلبية سكانية يهودية في املدينة‬
‫اإلعالمي نف سه‪ ،‬فتأثيراتها على العموم أقل صدى‪ ،‬وفهمها أصعب‬ ‫على مدار أكثر من قرن‪ ،‬وقد حظي هذا املوضوع باهتمام‬
‫بكثير‪ ،‬فاألولى تثير الكثير من معاصري األحداث‪ :‬الالجئني‬ ‫خاص بني املؤرخني اإلسرائيليني‪.‬‬
‫الفلسطينيني واحلركة الوطنية الفلسطينية من جهة‪ ،‬وقادة‬ ‫وميكن القول إن كتابة تاريخ القدس ما بعد العام ‪،1967‬‬
‫إسرائيل والكثير من جنودها ومؤس ساتها وأحزابها من جهة‬ ‫وبشكل مواز مع الكتابات األثرية‪ ،‬قد ات سمت بروح عنفوان‬
‫ثانية‪ ،‬في حني أن حقل اآلثار يقتصر على أعداد محدودة من‬ ‫وغطرسة انتصار حزيران عام ‪ ،1967‬والكتابات كانت أخالط‬
‫املتخصصني‪ ،‬وليس في املوضوع إثارات شعبية عارمة‪ ،‬حيث أن‬ ‫ما بني إثبات تواصل التاريخ اليهودي من جهة وتقليل أدوار‬
‫فهم العموم ملعنى هذه التحوالت يبقى صعبا‪ .‬لكن بالتأكيد ظهرت‬ ‫وعالقات «األغيار» باملدينة من جهة ثانية‪ .‬لقد شكل «االنتصار»‬
‫أصوات إسرائيلية نقدية تطالب بإعادة دراسة اآلثار بطرق نقدية‪،‬‬ ‫دافعا لم يكن باإلمكان جلمه أو كبح جماحه‪ ،‬واستخدمت همم‬
‫وعدم ت سخير هذا احلقل في خدمة املؤس سة ال سياسية احلاكمة‪،‬‬ ‫اجلنود وفرحتهم الالمتناهية بعظم االنتصار‪ ،‬ووثقت اللحظات‬
‫وأصبحت تنظر إلى العهد القدمي بوصفه مجموعة من احلكايات‬ ‫«العاطفية» اللتقاء اجلنود وقادتهم على أنقاض حارة املغاربة‬
‫الشعبية التراثية املجمعة من مختلف دول الشرق وثقافاته ورفض‬ ‫املدمرة برقصات هستيرية تشارك فيها اجلنود واحلاخامات‪،‬‬
‫استعماله األعمى كمصدر تاريخي‪ .‬صحيح جدا أن هذه املدرسة‬ ‫ولم يكن غبار تدمير حارة املغاربة قد تالشى من األفق بعد‪،‬‬
‫ظهرت منذ فترة طويلة خارج إطار املنطقة‪ ،‬لكن ليس بعيدا عن‬ ‫ولم تكن جنازير اجلرافات قد هدأت بعد هدم ما تبقى من‬
‫فكرة الصراع الدائر‪ ،‬إال أن تأثيراتها بني علماء اآلثار اإلسرائيليني‬ ‫بيوت املغاربة على أطراف احلارة‪ .‬فجاء املؤرخون بهذه اللحظات‬
‫قد بدأت تظهر حاليا بشكل ملموس‪ ،‬وذلك بخصوص كل تاريخ‬ ‫وجعلوها منطلقا لكثير من أعمالهم التاريخية‪ ،‬وذلك جنبا إلى‬
‫فل سطني بشكل عام وتاريخ القدس بشكل خاص‪.‬‬ ‫جنب األعمال األدبية والفنية املختلفة‪.‬‬
‫ويعتبر حقل اآلثار من أهم احلقول التي تعاجلها الكتابات‬ ‫لكن من املثير مشاهدة أصوات إسرائيلية نقدية قد بدأت‬
‫اإلسرائيلية حول القدس‪ ،‬وقد اعتمدت هذه الكتابات على محاولة‬ ‫بالظهور‪ ،‬منذ نهاية ثمانينيات القرن املاضي‪ ،‬سميت في حينه‬
‫حثيثة إلثبات نصوص العهد القدمي من خالل اآلثار‪ ،‬تواجه هذه‬ ‫بظاهرة «املؤرخني اجلدد»‪ ،‬وهي ظاهرة مهمشة ومثيرة للجدل‬
‫احملاولة مشاكل صعبة في الوصول إلى املقاربة بني اآلثار‬ ‫داخل إسرائيل‪ ،‬ولكن محتفل بها في أوساط مختلفة في العالم‪،‬‬
‫والنصوص‪ ،‬فالنصوص غنية جدا لكن اآلثار ضعيفة ولم يتم حتى‬ ‫وخاصة في العالم العربي‪ ،‬وقد اقتصرت معاجلات هذه املجموعة‬
‫اآلن اكتشاف نقاط ارتكاز واضحة تثبت العالقة بني املكونني‪ ،‬وال‬ ‫على ال سنوات األخيرة من فترة االنتداب البريطاني على فل سطني‪،‬‬
‫‪61‬‬
‫ميكن بناء عليها‪ ،‬ضمن ما جتمع من معلومات هائلة بعد آالف‬ ‫وركزت على النكبة وم سألة تهجير الفل سطينيني من ديارهم‪.‬‬
‫احلفريات‪ ،‬تشكيل صورة ولو شكلية‪.‬‬ ‫وبالتأكيد تأتي اإلثارة في موضوع املؤرخني اجلدد على اعتبار‬
‫عدد ‪73‬‬
‫واآلن سيتم تتبع املكونات األساسية لتاريخ القدس وباختصار‬ ‫وفي ظل التراجع النسبي لدور اآلثار في «إضفاء الشرعية»‪،‬‬
‫شديد‪ ،‬كما يظهر في الكتابات التاريخية واألثرية اإلسرائيلية‪:‬‬ ‫على أساس أن هذا الدور قد استهلك ن سبيا وفعل فعله‪ ،‬أصبح‬
‫لآلثار أدوار أخرى في القدس‪ ،‬حيث عزز ارتباطه وحركة االستيطان‬
‫‪ .1‬المكون األول‪ :‬داود وسليمان‪ ،‬عاصمة وهيكل وقصر‬ ‫في املدينة‪ ،‬بحيث أن غالبية احلفريات األثرية املنفذة اآلن ممولة‬
‫من احلركات االستيطانية وبدوافع االستيطان وتعزيزه في القدس‬
‫احتل امللك داود‪ ،‬ح سب الرواية التوراتية‪ ،‬القدس بعد أن‬ ‫‪23‬‬
‫القدمية ومحيطها‪.‬‬
‫حكم سبع سنني ونصف في اخلليل‪ ،‬وتدريجيا حتول االسم‬
‫وحتى ال يبالغ بأهمية احلراك الذي يطال علم اآلثار‪ ،‬والذي قد‬
‫الكنعاني ‪ -‬اليبوسي «أورسالم» إلى «أورشليم»‪ ،‬وهي الت سمية‬
‫ينفي كل أساس التاريخ التوراتي‪ ،‬إال أن ذلك لن يغير الواقع بشكل‬
‫التي ت ستعملها إسرائيل اليوم متجاهلة الت سميات األخرى التي‬
‫ثوري‪ ،‬وقد ال ينتقل هذا احلراك إلى أبعد من نقاشات أكادميية‬
‫جاءت في العصور الالحقة‪ ،‬وهذا جزء من االنتقائية التي متت‪.‬‬
‫بني حفنة من املختصني سواء على هذه الضفة من النقاش أو‬
‫صحيح جدا أن تسمية «أورشليم» قد سبقت الكتابات العبرية‬
‫تلك‪ ،‬فقد تعززت الرواية التوراتية وأصبحت مكونا أساسيا في‬
‫وأصولها على ما يعتقد تعود إلى اللغة الكنعانية‪ ،‬إال أنه جرى‬
‫املجتمع اإلسرائيلي‪ ،‬ولن يضيرها أي اكتشاف في حقل اآلثار‪.‬‬
‫تسيس هذه التسمية وكأنها التسمية العبرية اليهودية للقدس‪.‬‬
‫وقد عبر حتى منتقدو الرواية التوراتية عن عدم احلاجة لهذه‬
‫ومن منطلق الرواية التوراتية املرتبطة بداود‪ ،‬تنصب إسرائيل‬
‫الرواية الستخدامها في تبرير وجود إسرائيل‪ .‬يتمنى هيرت سوغ‬
‫اليوم ج سرا بينها وبني القدس وشرعية وجودها‪ ،‬حيث نراها قبل‬
‫«أال يقرن موقفه بفرضية أن تقويض تاريخية القصص التوراتية‬
‫عقد من الزمن قد مدت اجل سر إلى يومنا هذا باالحتفال مبرور‬
‫يعني تقويض حقنا التاريخي في أرض إسرائيل»‪ .‬وبالتأكيد‪ ،‬إن‬
‫‪ 3000‬عام على تاريخ القدس‪ ،‬متجاهلة بذلك كل التاريخ الذي‬
‫أحد أسباب رفض هيرت سوغ لتلك الفرضية هو أنه ميكن التوصل‬
‫سبق ذلك‪ ،‬كما أن ت سمية «مدينة داود» قد انتعشت من جديد‬ ‫إلى استنتاجات سياسية‪ ،‬تؤكد على العكس من ذلك أهالنية‬
‫منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع هجمة اآلثار‬ ‫اإلسرائيليني‪ ،‬الذين لم يأتوا إليها كغزاة‪ .‬فاإلح ساس باالنتماء‬
‫التي اجتاحت القدس‪ ،‬وأصبح الحقا املوقع األثري خلرائب القدس‬ ‫للبالد‪ ،‬ال سائد بني اجليل الشاب‪ ،‬ال تعيقه احلاجة لتبرير وجود‬
‫العتيقة هو «مدينة داود»‪ ،‬وهو أمر ي ستحيل نقاشه اآلن ب سبب‬ ‫‪24‬‬
‫دولة إسرائيل استنادا إلى وعود ربانية‪.‬‬
‫هذا التراكم الهائل من الكتابات الغربية واإلسرائيلية‪.‬‬
‫كان االنزعاج اإلسرائيلي الرسمي واألكادميي كبيرا من‬
‫تشكل «مدينة داود» محور ًا أساسي ًا في التربية «الوطنية‬ ‫اكتشاف دار اإلمارة األموية نظرا ملا متثله من إلغاء لنظرياتهم‬
‫اإلسرائيلية»‪ ،‬حيث تقاد إليه كل مكونات املجتمع اإلسرائيلي‪:‬‬ ‫‪25‬‬
‫التاريخية القائلة بأن القدس لم تكن عاصمة إال لليهود‪،‬‬
‫طالب مدارس وجامعات وجنود ومتقاعدون نساء ورجال‪ ،‬ويشكل‬ ‫وبالتالي تفاوتت املواقف منها من خطأ بالتأريخ أوال‪ ،‬واعتبارها‬
‫املوقع بعد حفره عبر عشرات احلفريات نقطة ارتكاز في بناء‬ ‫قالعا رومانية‪ ،‬وحني فشلت هذه احملاولة حاول بعضهم جتريفها‬
‫الرواية التوراتية‪ .‬وأكثر األمور إثارة هي أن الزائر ال يرى شيئا ذا‬ ‫وإزالتها وعدم اإلعالن عن اكتشافها أصال‪ ،‬ففي الوقت الذي‬
‫بال ميكن أن يؤكد أي رواية‪ ،‬لكن يتم إعادة تركيب الرواية التوراتية‬ ‫فشلت فيه جهود قرن ونصف من الكشف عن آثار الهيكل‪،‬‬
‫وكأن «احلقائق» واضحة وملموسة‪ :‬هنا سار داود‪ ،‬وعبر هذا النفق‬ ‫يظهر «هيكل سياسي» (عدا عن قبة الصخرة) إسالمي بهذه‬
‫احتل داود املدينة‪ ،‬ومن هذا النبع شرب وجيشه‪ ،‬ومن على هذه‬ ‫الضخامة واألهمية‪ .‬وبعد فشل التدمير‪ ،‬أيضا لعوامل إسرائيلية‬
‫الصخرة تضرع إلى العلي القدير‪ ،‬وهنا كانت احلدائق الغناء التي‬ ‫داخلية‪ ،‬فقد جرى تهميش القصور أوال بعدم نشر ما يكفي من‬
‫أنشأها ‪...‬إلخ‪ .‬يتحول داود عبر هذه الرواية إلى شخصية تروي‬ ‫املعلومات حولها‪ ،‬وثانيا بهدمها التدريجي من ناحية فيزيائية‪،‬‬
‫التاريخ ومتثله بكل حذافيره‪ ،‬وإن كان هذا ال يكفي فيتم اللجوء‬ ‫وتفتيت مكوناتها املعمارية‪ ،‬خاصة احلجارة الضخمة‪ ،‬والذهاب‬
‫إلى تصوير أفالم وعرضها‪ ،‬بحيث ينطبع في ذهن الزائر قصة‬ ‫باجتاه اعتبار هذه احلجارة جزءا مما تبقى من حجارة مباني‬
‫‪26‬‬
‫ال يطولها الشك من قريب أو بعيد‪.‬‬ ‫الهيكل‪ ،‬وأن بني أمية قد أعادوا استخدامها في بناء قصورهم‪،‬‬
‫ليس في احلقيقة من آثار في املوقع ميكن أن حتكي أي قصة‪،‬‬ ‫إذ ًا ما تبقى من قصور هو ليس داللة على نشاط بني أمية املركزي‬
‫فالقدس في القرن العاشر قبل امليالد‪ ،‬وبناء على احلفريات األثرية‬ ‫في القدس وليس داللة على أهمية القدس‪ ،‬بل هذه القصور داللة‬ ‫‪62‬‬

‫التي استمرت أكثر من قرن ونصف (منذ منتصف القرن التاسع‬ ‫على الهيكل الثاني‪.‬‬
‫عدد ‪73‬‬
‫فإن اللهاث المبالغ به بحثا عن بقايا الهيكل الثاني في القدس بشكل عام وفي‬
‫محيط المسجد األقصى بشكل خاص‪ ،‬وإن كان سياسيا في كثير من أبعاده‪ ،‬إال‬
‫أنه ال يخلو من محاوالت تأكيد مسار التاريخ‪ ،‬والتأكيد على أن التاريخ اليهودي‬
‫في القدس ليس أسطوريا‪ ،‬وحين جاءت نتائج البحث األثري باهتة جدا‪ ،‬ال‬
‫تتوافق وأقل تقدير مع الصورة المضخمة للهيكل الثاني‪ ،‬تمت االستعاضة عن‬
‫ذلك بموقع قريب‪.‬‬

‫ال شيء من كل ما ذكر له ما يؤكده ولو من باب التقريب‬ ‫عشر) لم تكن سوى قرية صغيرة أو بلدة متواضعة وفق معايير‬
‫في اآلثار‪ ،‬فال القصر املنيف وال الهيكل العظيم قد بقي منهما‬ ‫العصر احلديدي‪ ،‬قد تكون احتوت على قلعة صغيرة حصينة‪،‬‬
‫ما يدل ليس على عظمتهما‪ ،‬بل حتى على وجودهما‪ .‬مت تأليف‬ ‫تصد عبرها هجمات األعداء احملليني‪ ،‬لكنها تقل أهمية بكثير من‬
‫املئات من الكتب واآلالف من املقاالت حول هيكل سليمان‪ ،‬وساهم‬ ‫املرات عن مواقع قريبة عاشت كمدن في الفترة نف سها‪ ،‬وإن كانت‬
‫في ذلك اإلسرائيليون واليهود في العالم‪ ،‬إلى جانب م ساهمات‬ ‫القدس مهمة في هذا القرن فلم تتعد أهميتها املنطقة احمليطة‪،‬‬
‫ضخمة من علماء اآلثار التوراتيني‪ .‬إن قراءة آخر ما مت التوصل‬ ‫فال شيء يدل على عاصمة دولة ال كبيرة وال صغيرة وال تتمتع‬
‫إليه‪ ،‬ال يعدوا محاوالت حثيثة لدراسة املعابد املعروفة في فل سطني‬ ‫بأي فخامة مزعومة‪ .‬إن كل الدالئل تشير إلى وهمية هذا التاريخ‬
‫واألردن ولبنان‪ ،‬وذلك في محاولة لتخيل شكل هيكل سليمان‪.‬‬ ‫وأنه قد جرى تصنيعه في مصنع األساطير واحلكايات الشرقية‪.‬‬
‫عبر هذه الدراسات أصبحنا منلك معلومات عن كل املعابد‪ ،‬إال‬ ‫وباالنتقال إلى املرحلة الثانية من كتابة التاريخ يلعب سليمان‬
‫‪28‬‬
‫عن معبد (هيكل) سليمان‪.‬‬ ‫بن داود دورا محوريا آخر‪ ،‬فهو باني الهيكل األول وهو الذي بنى‬
‫قصرا عظيما ووسع «مدينة داود» لتصبح عاصمة إلمبراطورية‬
‫‪ .2‬المكون الثاني‪ :‬الهيكل الثاني‬ ‫كبيرة‪ .‬إن اآلثار ال تختفي كليا‪ ،‬ولم يكن ألحد في املاضي مصلحة‬
‫يأتي الهيكل الثاني في سياق إثبات العالقة بني اليهود والقدس‬ ‫بإخفائها‪ .‬يتمتع داود وسليمان في اإلسالم بلقب األنبياء‪ ،‬وآثارهم‬
‫وتواصل هذه العالقة عبر العصور‪ ،‬وهو مبنى رائع الكمال‪ ،‬بناء‬ ‫مقدسة‪ ،‬كما يلعبان دورا مركزيا في التراث الديني امل سيحي‬
‫على الوصف املعتمد‪ ،‬يتجاوز في جماله وثرائه املعهود‪ ،‬وتتم‬ ‫فليس للمسيحيني وال للمسلمني مصلحة بطمس آثارهما‪ ،‬فأين‬
‫الزيادة في تأنقه وروعته عبر العصور‪ ،‬ويحمل في طياته‪ ،‬بغض‬ ‫ذهبت هذه اآلثار؟ لم يتم حتى اآلن اكتشاف قصر سليمان وال‬
‫النظر عن احلقيقة التاريخية‪ ،‬كل أشكال النوستاجليا واحلنني‪،‬‬ ‫هيكله‪ ،‬لكن ذلك ليس مهما أبدا‪ ،‬فكتبة التاريخ في إسرائيل‬
‫وتكتب حوله كل القصص‪ ،‬وتختلط املعلومات املتواضعة بأدب‬
‫‪27‬‬
‫ي سدون كل فراغ محتمل لتكتمل الرواية‪.‬‬
‫حنني ال ينضب‪ .‬يصبح الهيكل الثاني أيقونة يهودية يدخل‬ ‫وبهذا اخلصوص‪ ،‬يتم جتاهل تاريخ القدس قبل ما ي سمى‬
‫إلى مختلف العادات والتقاليد‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬فهو إجناز ال‬ ‫«فترة الهيكل األول»‪ ،‬فالعهد القدمي ي سكت متام ًا عن ذكر ما آل‬
‫يضاهى‪ ،‬ودماره تعبير عن عقاب الله ملن ضلوا الطريق‪.‬‬ ‫إليه سكان املدينة قبل احتاللها من قبل داود‪ ،‬والذين ي سميهم‬
‫حتول «الهيكل» و«جبل الهيكل» إلى رمز ال يضاهى‪ ،‬مبرر‬ ‫العهد القدمي باليبوسيني‪ ،‬كما ال يتضح مصير آلهتهم وطقوسهم‬
‫للوجود والتأصل‪ ،‬وسبب إحياء ذكرى إسرائيل على مر عصور‬ ‫الدينية (الكنعانية)‪ ،‬ومدى تأثير احلضارة اليبوسية على القبائل‬
‫الشتات منذ ال سنة ال سبعني بعد امليالد حني قام طيطس الروماني‬ ‫العبرية التي كانت مبعايير العهد القدمي أقل تطورا من احلضارة‬
‫بتدميره‪ ،‬وبالتأكيد لعب دورا في صياغة «املشترك» بني يهود‬ ‫املقيمة‪ .‬ويخبرنا العهد القدمي أن سليمان لم يجد من بني أبناء‬
‫‪63‬‬
‫العالم‪ ،‬خاصة بعد تالشي الكثير من «املشترك» مثل اللغة العبرية‬ ‫جلدته من ي ستطيع امل ساهمة من ناحية معمارية أو فنية في أعمال‬
‫واجلغرافيا‪ ،‬وبسبب االنخراط في املجتمعات املختلفة‪ ،‬وبهذا كان‬ ‫بناء الهيكل‪ ،‬في ستورد تبعا لذلك العمال املهرة من مدينة صور‪.‬‬
‫عدد ‪73‬‬
‫إلدارته وتقدمي روايتها للموقع‪ 32.‬ويترافق وهذه الرواية التوسع‬ ‫يتم استحضار الهيكل الثاني‪ ،‬وبالتالي «القدس»‪ ،‬ليعيد اللحمة‬
‫االستيطاني في حي سلوان‪ ،‬وت سعى العاد إلى توسيع منطقة‬ ‫بني اليهود ولي ساهم في التصدي امل ستميت لعملية اندماج اليهود‬
‫سيطرتها لتضم حي الب ستان‪ ،‬حيث تقرر بأن داود امللك كان‬ ‫في مجتمعاتهم املختلفة‪ .‬قام األغيار (الرومان) بتدمير الهيكل‬
‫ميتلك في هذا احلي حدائق‪ .‬يهدف املخطط هذا إلى إخالء حوالي‬ ‫الثاني وطرد اليهود من القدس ومنعهم من ال سكن فيها لقرون‬
‫‪ 90‬مبنى فلسطينيا من سكانها وتشريدهم وإحالل حدائق‬ ‫طويلة‪ ،‬وذلك خوفا أن يقوم اليهود بتحقيق ذاتهم‪ ،‬لذلك فالتم سك‬
‫وروايات توراتية وم ستوطنني مكانهم‪ ،‬وهكذا وظفت اآلثار والروايات‬ ‫بقصة الهيكل ومركزيته هو مت سك بالهدف اليهودي ملنع االندماج‬
‫التاريخية والدينية‪ ،‬بغض النظر عن تاريخيتها وصدقيتها‪ ،‬في‬ ‫وللبحث عن بقعة جغرافية حتقق عليها الذات اليهودية املختلفة‬
‫سبيل ال سيطرة على األرض وطرد ال سكان‪.‬‬ ‫عن محيطها بإرادة وقرار م سبق‪.‬‬
‫أول ما يشاهده الزائر في احلديقة األثرية هي أشكال‬ ‫لذلك كله‪ ،‬فإن اللهاث املبالغ به بحثا عن بقايا الهيكل الثاني‬
‫مختلفة لكيفية متثل الهيكل الثاني بتعبيرات فنية ومعمارية‬ ‫في القدس بشكل عام وفي محيط املسجد األقصى بشكل‬
‫عبر العصور‪ ،‬كما تقدم املخططات التفصيلية للهيكل ومسطرة‬ ‫خاص‪ ،‬وإن كان سياسيا في كثير من أبعاده‪ ،‬إال أنه ال يخلو‬
‫تاريخية للقدس‪ .‬إن الدخول إلى هذه احلديقة يعتبر دخوال‬ ‫من محاوالت تأكيد م سار التاريخ‪ ،‬والتأكيد على أن التاريخ‬
‫لبوابات الهيكل‪ ،‬وبهذا ال ميتلك املشاهد سوى القدرة على‬ ‫اليهودي في القدس ليس أسطوريا‪ ،‬وحني جاءت نتائج البحث‬
‫التدقيق في تفاصيل الهيكل وينسى أي نظرة نقدية اجتاه‬ ‫األثري باهتة جدا‪ ،‬ال تتوافق وأقل تقدير مع الصورة املضخمة‬
‫التاريخ‪ ،‬بحيث تأخذه التفاصيل من قطع فخارية إلى نقود‬ ‫للهيكل الثاني‪ ،‬متت االستعاضة عن ذلك مبوقع قريب‪ 29‬بحيث‬
‫إلى أشكال وتفاصيل إلى ثورة باركوخبا إلى تفاصيل مالبس‬ ‫يتم عرض الهيكل الثاني بطريقة مختلفة تعتمد على التخيل‬
‫‪33‬‬
‫كهنة الهيكل وأدواته املقدسة‪.‬‬ ‫وتقنيات الضوء والصوت وإقناع الزائر بأن الهيكل حتى في‬
‫أما األعمدة األخرى لكتابة تاريخ القدس‪ ،‬فتقع خارج هذه‬ ‫أدق تفاصيله الزخرفية هو حقيقة مطلقة‪ .‬لقد مت ت سخير‬
‫املراجعة‪ ،‬حيث يتم فيها القفز عن «فترة الهيكل الثاني» إلى‬ ‫جهاز حاسوب تفوق قدرته ‪ 300,000‬قدرة احلاسوب الشخصي‪،‬‬
‫العام ‪ 1882‬الستحضار الهجرة اليهودية األولى لفل سطني (علياه‬ ‫واستخدمت تقنيات مت استيرادها من أميركيا وهي التقنيات‬
‫رشوناه) ثم إعالن قيام دولة إسرائيل عام ‪ ،1948‬وختاما االنتصار‬ ‫التي ي ستعملها سالح اجلو األميركي حملاكاة الطيران‪ ،‬أو‬
‫في حرب حزيران عام ‪.1967‬‬ ‫الطيران االفتراضي‪ .‬لقد استحضر هذا البرنامج القدس‬
‫في العهد الروماني باألبعاد الثالثية‪ ،‬ومت تخيل القدس بكل‬
‫تفاصيلها لدرجة تُصور تفاصيل مالبس السكان‪ ،‬لكن هناك‬
‫ختاما‬
‫تركيزا واضحا حول الهيكل الثاني‪ .‬تتحول القدس الرومانية‬
‫تلعب القدس دورا مركزيا ليس فقط في كتابة تاريخ إسرائيل‪،‬‬ ‫عبر هذه احلديقة التاريخية إلى مدينة حرم للهيكل‪ ،‬وليس إلى‬
‫بل في كتابة تاريخ اليهود عبر التاريخ‪ .‬ليس بالضرورة أن تلعب‬ ‫مدينة رومانية وثنية‪ ،‬كما كانت عليه‪ 30.‬ويقوم الزائر مبشاهدة‬
‫«احلقيقة التاريخية» أي دور في ذلك‪ ،‬املهم أن ي ساهم التاريخ‬ ‫فيلم وثائقي حتت عنوان «من هنا بدأ ‪ ...‬ومازال م ستمرا»‬
‫واألسطورة الدينية في بلورة الهوية‪ .‬تواجه إسرائيل مشكلة كبيرة‬ ‫(‪ )Where it all began … and still continues‬رابطا بني داود‬
‫في ظل الدراسات النقدية املتتالية التي تنفي الكثير من مكونات‬ ‫امللك وإسرائيل‪ ،‬وكأن ‪ 3000‬عام لم متر ولم يكن بينها فترات‬
‫التاريخ املتخيل لليهود‪ ،‬وهي م سألة دفعت إسرائيل بنف سها إلى‬ ‫تاريخية وحضارات مختلفة مرت على القدس‪ ،‬وكأن مستوطني‬
‫داخلها‪ ،‬كونها ربطت وجودها‪ ،‬ولو بشكل شكلي‪ ،‬بحقوق تاريخية‪،‬‬ ‫إلعاد هم ال سكان الذين وطنهم داود في القدس اليبوسية‪.‬‬
‫دافعة عن نف سها كونها مشروعا استعماريا غربيا‪.‬‬ ‫وتعزز الرواية بعشرات األعالم اإلسرائيلية التي ترفرف على‬
‫ويبدو أن إسرائيل لم ت ست سلم بعد لنتائج الدراسات التاريخية‬ ‫املوقع وعلى بيوت امل ستوطنني‪ .‬لقد مت حتويل ما استطاعوا‬
‫األخيرة‪ ،‬ومن ضمنها ما قام به بعض اإلسرائيليني‪ ،‬فقد رأينا‬ ‫‪31‬‬
‫ال سيطرة عليه من سلوان إلى حي توراتي جديد‪.‬‬
‫أن رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامني نتنياهو يشد االهتمام‬ ‫مت حتويل كل مكونات املوقع املكون من تلة أوفل العتيقة‪،‬‬
‫اإلسرائيلي من جديد بإعالن قائمة التراث اليهودي في فل سطني‬ ‫وموقع دار اإلمارة األموية إلى حديقة أثرية خدمة لألهداف ال سابقة‪،‬‬ ‫‪64‬‬
‫ومن ضمنها الضفة الغربية والقدس‪ ،‬والتي سيتم استثمار‬ ‫ومت إعطاء املوقع كله حلركة استيطانية متطرفة (ت سمى إلعاد)‬
‫عدد ‪73‬‬
‫احلركة والولوج إليها من جهة‪ ،‬وتقدمي شكل مغاير ملظهرها‬ ‫ماليني الدوالرات في ترميمها وتنظيم العالقة بني «اليهود وتراثهم»‪.‬‬
‫يقلل‪ ،‬على أقل تقدير‪ ،‬من أبعاده العربية من جهة ثانية‪ ،‬كما‬ ‫ميكن بالتأكيد وصف الصراع على القدس بأنه صراع على‬
‫سيعزز احلركات االستيطانية‪ ،‬ويجعل من الزيارة اإلسرائيلية‬ ‫األرض وال سيادة عليها‪ ،‬لكنه أيضا صراع على الرموز والشكل‬
‫إلى القدس القدمية تتم دون مشاهدة الفلسطينيني ومعاملهم‬ ‫واملظهر والعلم الذي يرفع على مبانيها وأسوارها‪ ،‬كذلك هو صراع‬
‫قدر اإلمكان‪ .‬وهذا طبعا يتوازى أيضا مع تقدمي رواية‬ ‫على الرواية (‪ .)narrative‬وتزايد الصراع‪ ،‬بل فرض احلقائق من‬
‫إسرائيلية توراتية لتاريخ القدس تعتمد على إظهار كل ما‬ ‫جانب واحد في اآلونة األخيرة‪ ،‬وذلك في كل اجلوانب املذكورة‪،‬‬
‫هو ممكن أن يكون ذا صلة باليهودية وتاريخها‪ ،‬حتى لو‬ ‫بحيث ميكن القول إن الوضع العام يشهد خوامت األمور‪ ،‬ويتج سد‬
‫تطلب األمر هدم أجزاء وبناء أجزاء أخرى من القدس لتتوافق‬ ‫ذلك بنشاط محموم فوق األرض في محيط البلدة القدمية وداخلها‬
‫وهذه الرواية وتخدمها‪ ،‬وإن كانت اآلثار ال تخدم ذلك‪ ،‬وهي في‬ ‫يهدف إلى ح سم الصراع على شكل املدينة املقدسة ومشهدها‬
‫أغلب األحيان ال تفعل‪ ،‬فيمكن االعتماد على التقنيات احلديثة‬ ‫الثقافي‪ ،‬فقد مرت أكثر من خم سة عقود على احتاللها وما‬
‫املدعمة بالصوت والضوء واملجسمات التخيلية لالستعاضة‬ ‫زال مظهرها (هويتها) األساس عربية‪ ،‬مما سرع املشروعات‬
‫عن اآلثار امللموسة‪ ،‬حتى يهيئ للمشاهد أنه أصبح يالمس‬ ‫اإلسرائيلية املختلفة لتغيير مشهد املدينة وإك سابه هوية مغايرة‪،‬‬
‫التاريخ بحقائقه املطلقة‪ ،‬خاصة إذا دعمت الرواية باقتباسات‬ ‫إن لم تكن يهودية إسرائيلية‪ ،‬فعربية أقل‪.‬‬
‫من العهد القدمي ومن مؤرخي إمبراطورية روما‪ ،‬ومن مؤرخي‬ ‫ويتوازى هذا النشاط مع احلفريات اإلسرائيلية‪ 34‬املكثفة‬
‫أوروبا في القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫التي جتري في أماكن مختلفة حتت املدينة إلعادة تركيب‬

‫‪65‬‬

‫عدد ‪73‬‬
‫‪12 Yegal Yadin, Jerusalem Revealed: Archaeology in the‬‬ ‫الهوامش‬
‫‪Holy City 1968-1974, (Yale University Press, 1976).‬‬
‫‪ 13‬ولد يف روسيا عام ‪ ،1906‬حصل عىل الدكتوراه من جامعة جيسن‬ ‫‪1 Amihai Mazar, Archaeology of the Land of the Bible.‬‬
‫األملانية عام ‪ 1929‬وهاجر مبارشة إىل فلسطني حيث أصبح سكرتريا‬ ‫‪10,000-586 B.C.E. ( New York, 1992), p. 31.‬‬
‫لجمعية استكشاف فلسطني (‪)Palestine Exploration Society‬‬ ‫‪ 2‬أستاذ يف قسم آثار وحضارة الرشق القديم يف جامعة تل أبيب كان قد‬
‫وأصبح يف العام ‪ 1959‬رئيسا للجمعية نفسها التي أصبح اسمها‬ ‫رصّح «إن الحفريات األثرية املكتشفة يف أرض إرسائيل خالل القرن‬
‫جمعية استكشاف إرسائيل (‪.)Israel Exploration Society‬‬ ‫العرشين‪ ،‬قد أوصلتنا إىل نتائج محبطة‪ ،‬كل يشء مختلق‪ ،‬نحن لم‬
‫‪ 14‬ملزيد من اإلسهاب حول ذلك‪ ،‬أنظر‪:‬‬ ‫نعثر عىل يشء يتفق مع الرواية التوراتية»‪.‬‬
‫ ‬ ‫‪Nur Masalha The Bible and Zionism: Invented Traditions,‬‬ ‫‪ 3‬غربيئيل بيرتبرغ‪ ،‬املفاهيم الصهيونية للعودة‪ :‬أساطري وسياسات‬
‫‪Archaeology and Post-Colonialism in Palestine-Israel,‬‬ ‫ودراسات إرسائيلية‪ ،‬ترجمة سالفة حجاوي‪) ،‬رام اهلل‪ ،‬منشورات‬
‫‪(London: Zed, 2007); P L Kohl, M. Kozelsky, and‬‬ ‫مدار‪ ،(2009 ،‬ص ‪ .292‬صدر الكتاب أوال باإلنجليزية تحت عنوان‪:‬‬
‫‪N. Ben-Yehuda, (eds.) Selective Remembrances:‬‬
‫‪Archaeology in the Construction, Commemoration, and‬‬ ‫ ‬ ‫‪The Returns of Zionism: Myth, Politics and Scholarship in‬‬
‫‪Israel, (London and New York, 2008).‬‬
‫‪Consecration of National Pasts, (Chicago: University of‬‬
‫‪Chicago Press, 2007).‬‬ ‫‪4 Nadia Abu El-Haj, Facts on the Ground: Archaeological‬‬
‫‪Practice and Territorial Self-Fashioning in Israeli Society,‬‬
‫‪ 15‬العاد هي حركة استيطانية عنرصية متطرفة تأسست سنة ‪1986‬‬
‫)‪(Chicago: University of Chicago Press, 2001‬‬
‫بهدف إعادة توطني اليهود يف القدس بشكل عام ويف سلوان بشكل‬
‫خاص‪ .‬وتعتمد هذه الحركة عىل تربعات يهود العالم‪ ،‬خاصة يهود‬ ‫‪ 5‬أنظر عىل سبيل املثال‬
‫الواليات املتحدة‪ .‬استطاعت الحركة وبطرق ملتوية ومصادرات‬ ‫ ‬ ‫‪Klaus Bieberstein, A Brief History of Jerusalem from the‬‬
‫السيطرة عىل عدد من البيوت العربية يف حي وادي حلوة‪ ،‬وقد بلغ‬ ‫‪Earliest Settlement to the Destruction of the City in AD 70,‬‬
‫عدد املستوطنني اليهود يف الحي اآلن حوايل ‪ 400‬مستوطن‪ .‬حول‬ ‫‪(Wiesbaden: Harrassowitz Verlag, 2017), pp. 8-18.‬‬
‫العاد وباقي الجمعيات والحركات االستيطانية وحركات الهيكل‪،‬‬ ‫‪ 6‬حول الشعوب األخرى التي كانت تسكن فلسطني خالل الفرتة التي‬
‫أنظر ‪Ir Amim, Dangerous Liaison: The Dynamics‬‬ ‫سميت «الفرتة التوراتية»‪ ،‬أنظر الكتاب املهم الذي ألفته كيت وايتالم‪،‬‬
‫‪of the Rise of the Temple Movements and their‬‬ ‫ ‬ ‫‪Keith Whitelam, The Invention of Ancient Israel: The‬‬
‫)‪.Implications,( Jerusalem 2013‬‬ ‫‪Silencing the Palestinian History, (Routledge, 1996).‬‬
‫‪ 16‬أنظر منري فخر الدين وسليم تماري‪ ،‬األوقاف وامللكيات املقدسية‪:‬‬ ‫‪ 7‬انترشت فكرة تأليف الكتب حول جغرافية فلسطني يف القرن التاسع‬
‫دراسة لعقارات البلدة القديمة يف القرن العرشين‪(،‬بريوت‪ :‬مؤسسة‬ ‫عرش‪ ،‬ويمكن حرص عدد كبري منها‪ ،‬نذكر منها عىل سبيل املثال‪:‬‬
‫الدراسات الفلسطينية‪ ،)2018 ،‬ص ‪.24‬‬ ‫ ‬ ‫‪J.C. Wigram, The Geography of the Holy Land, London‬‬
‫‪ 17‬حول الحفريات يف سلوان‪ ،‬أنظر ‪Raphael Greenberg,‬‬ ‫‪1832; George Adam Smith, The Historical Geography of‬‬
‫‪"Archaeology in Jerusalem 1967-2008: Towards an‬‬ ‫‪the Holy Land, (London 1894).‬‬
‫‪Exclusive Archaeology in Jerusalem: The Case of‬‬
‫‪ 8‬ولد عام ‪ 1917‬يف القدس‪ ،‬كان والده عالم آثار شهريا يحمل اسم‬
‫‪Silwan/the City of David". Public Archaeology, Vol. 8,‬‬
‫اليعازر سوكينيك (‪ ،)Eleazer Sukenik‬غري يغئال اسم عائلته إىل‬
‫‪.No. 1, pp. 35-50‬‬
‫يادين‪ ،‬انضم إىل عصابات الهغناه وهو يف الخامسة عرشة من عمره‪.‬‬
‫‪ 18‬تعترب القدس برشقها وغربها أرضا محتلة بموجب القانون الدويل‪،‬‬
‫’‪9 Yegael Yadin, Masada: Herod’s Fortress and the Zealots‬‬
‫حيث أن القرار الدويل الوحيد الذي ينطبق عىل املكانة القانونية‬
‫‪Last Stand. (New York: Random House 1966)..‬‬
‫للقدس هو قرار التقسيم لعام ‪ ،1947‬والذي تحتل فيه القدس‬
‫مكانة خاصة تحت إدارة دولية‪ .‬ويذكر بأن كافة القرارات الدولية‬ ‫ويمكن إلقاء نظرة عىل دوره يف خلق األسطورة الصهيونية عرب‬ ‫ ‬
‫الالحقة لم تغري هذه املكانة‪ ،‬كما لم تغريها االتفاقات الفلسطينية‬ ‫الدراسة املوسعة التي قام بها‪:‬‬
‫اإلرسائيلية منذ العام ‪ ،1993‬ومما يؤكد ذلك وضع القدس (وليس‬ ‫ ‬ ‫‪Neil A. Silberman, A Prophet from Amongst You: The‬‬
‫الرشقية فقط) عىل قائمة موضوعات الحل النهائي‪ ،‬وذلك يف اتفاقيات‬ ‫‪Life of Yigael Yadin, Soldier, Scholar, and Mythmaker of‬‬
‫‪Modern Israel, (Boston: Addison Wesley 1994).‬‬
‫أوسلو‪ .‬وحتى لو افرتضنا جدال أن القدس الرشقية فقط هي املحتلة‬
‫بناء عىل القانون الدويل‪ ،‬فهذا يعني بأن كل الحفريات التي جرت بعد‬ ‫‪ 10‬كتب الكثري حول متسادا بني داعم ليادين ومعارض بشدة له ألنه‬
‫العام ‪ 1967‬يف البلدة القديمة ومحيطها غري رشعية وتعترب انتهاكا‬ ‫استعمل أدوات علمية إلثبات «تاريخية» أسطورة‪ ،‬ولوى بذلك ذراع‬
‫للقانون الدويل‪.‬‬ ‫علم اآلثار‪ ،‬وألجل إثبات األسطورة ضحى بالعلم وأدواته‪ ،‬أنظر عىل‬
‫‪ 19‬اصطالح أطلقه اإلرسائيليون رسميا يف مفاوضات الحل النهائي‬ ‫سبيل املثال الكتابني املهمني حول املوضوع‪:‬‬
‫يف كامب ديفيد عام ‪ ،2000‬أما يف املفاوضات التحضريية وغري‬ ‫‪ Nachman Ben-Yahuda, The Masada Myth. Collective‬‬
‫الرسمية فقد ظهر هذا االصطالح منذ منتصف تسعينيات‬ ‫‪Memory and Mythmaking in Israel. (Madison: University of‬‬
‫‪Wisconsin Press 1995); Nachman Ben-Yehuda, Sacrificing‬‬
‫القرن املايض‪ ،‬ويقصد به املنطقة الجغرافية املذكورة أعاله‪،‬‬
‫‪Truth. Ar- chaeology and the Myth of Masada, (Amherst,‬‬
‫وقد يتسع أو يضيق مداها تبعا للتطورات‪ .‬وبالرغم من‬
‫‪New York: Prometheus/Humanity Books 2002).‬‬
‫املوافقة اإلرسائيلية املبدئية عىل معايري الرئيس األمريكي األسبق‬
‫‪11 See, N. Silberman. "Archaeology, Ideology, and the‬‬
‫كلينتون‪ ،‬والتي تقيض بتقسيم القدس تبعا للسكان‪ ،‬بحيث‬
‫‪Search for David and Solomon", in eds. A. Vaughn‬‬
‫تصبح األحياء الفلسطينية تابعة للسلطة الفلسطينية‪ ،‬وكذلك‬
‫‪and A. Killbrew, Jerusalem in Bible and Archaeology:‬‬ ‫‪66‬‬
‫بالنسبة لألحياء اإلرسائيلية‪ ،‬إال أن املفاوض اإلرسائييل أرص عىل‬ ‫‪The First Temple Period, (Atlanta, Society of Biblical‬‬
‫خصوصية هذه املنطقة‪.‬‬ ‫‪Literature 2002), p. 395-404.‬‬

‫عدد ‪73‬‬
‫وملراجعة وجهة النظر املعارضة لهذا الفهم‪ ،‬أنظر ‪Israel‬‬ ‫ ‬ ‫‪ 20‬استطاع املستوطنون السيطرة عىل أكثر من خمسة عرش عقارا‬
‫‪Finkelstein and Neil Asher, David and Solomon: In‬‬ ‫يف وادي حلوة‪ ،‬كما قامت بلدية القدس وسلطة اآلثار اإلرسائيلية‬
‫‪Search of Bible’s Sacred Kings and the Roots of Western‬‬ ‫بالسيطرة عىل غالبية املساحات املفتوحة‪ ،‬وقد قدر حجم االستحواذات‬
‫‪Tradition, (New York: Free Press, 2006), pp. 270.‬‬
‫هذه بأكثر من ثلث مساحة وادي حلوة‪ .‬ويذكر بأن االستيطان يف‬
‫‪ 28‬كنماذج لهذه الدراسات‪ ،‬أنظر‪Y. Aharoni, «The Solomonic :‬‬ ‫وادي حلوة هو مجرد حلقة يف سلسلة من املخطط االستيطاني‬
‫‪Temple, the Tabernacle and the Arad Sanctuary», in:‬‬ ‫القايض بعزل غالبية أجزاء البلدة القديمة عن التواصل السكاني مع‬
‫‪H.A.Hoffner Jr. (ed.), Orient and Accidence, (Kevelaer,‬‬
‫‪1973), pp.1-8.‬‬
‫الفلسطينيني الذي يعيشون يف محيط البلدة القديمة‪ ،‬ويتم ذلك مرة‬
‫باسم الحزام األخرض الذي سيغلف البلدة القديمة‪ ،‬ومرة أخرى باسم‬
‫‪ 29‬يقع املوقع إىل الجنوب من املسجد األقىص فيما يسمى بالحديقة‬ ‫اآلثار وإنشاء املحميات الثقافية والحدائق الوطنية والتوراتية‪.‬‬
‫األثرية‪ ،‬ويسمى مجمع دافيدسون‪ ،‬نسبة للثري اليهودي الذي تربع‬
‫بماليني الدوالرات إلنشائه‪.‬‬ ‫‪ 21‬سيطرت إرسائيل عىل قلعة القدس الواقعة يف امليدان نفسه عام ‪1967‬‬
‫وذلك بحجة أنها أمالك دولة‪ ،‬وقامت بإجراء الحفريات فيها‪ ،‬وحني‬
‫‪ 30‬حول الحديقة األثرية ورسالتها ودور حركة العاد االستيطانية انظر‪:‬‬ ‫لم تنطق هذه الحفريات بتاريخ يهودي ذي مغزى أو أهمية‪ ،‬حولت‬
‫ ‬ ‫‪Wendy Pullan and Maximilian Gwiazda. «City of‬‬ ‫املباني القائمة‪ ،‬وغالبيتها الساحقة مبان تعود إىل الفرتات األيوبية‬
‫‪David: Urban Design and Frontier Heritage», Jerusalem‬‬
‫واململوكية والعثمانية‪ ،‬إىل متحف لتاريخ القدس‪ ،‬يرسد تاريخا‬
‫‪Quarterly File, (Autumn 39, 2009), pp 2938-; Yusef Said‬‬
‫‪al-Natsheh. «The Digital Temple», Jerusalem Quarterly‬‬
‫متحيزا ويعرب عن الرؤية والرواية الرسمية اإلرسائيلية لتاريخ املدينة‪.‬‬
‫‪File, (October 19, 2003), pp. 5358-.‬‬ ‫وليس بعيدا عن القلعة‪ ،‬صادرت الرشطة اإلرسائيلية مبنى القشلة‬
‫(القشالق)‪ ،‬تحت املربر نفسه‪ .‬ويذكر بأن مبنى القشلة قد شيده‬
‫‪ 31‬حول ذلك أنظر‪:‬‬
‫إبراهيم باشا ابن محمد عيل الكبري أثناء السيطرة املرصية عىل القدس‬
‫ ‬ ‫‪Raphael Greenberg, «Towards an Inclusive Archaeology‬‬ ‫(‪ .)1840-1831‬ويستخدم القشالق اآلن مقرا للرشطة اإلرسائيلية‬
‫‪in Jerusalem: The Case of Silwan/the City of David»,‬‬
‫وسجنا‪ ،‬وفيه مركز مراقبة البلدة القديمة عرب الكامريات املنترشة يف‬
‫‪in Public Archaeology, , 8.1 (2009), p. 35–50; Yas, J.‬‬
‫كل بقعة من البلدة القديمة‪ .‬إن استكمل املرشوع االستيطاني يف هذه‬
‫‪«(Re)designing the City of David: Landscape, Narrative‬‬
‫‪and Archaeology in Silwan», Jerusalem Quarterly File‬‬ ‫املنطقة الحيوية‪ ،‬فإن مساحة ضخمة من البلدة القديمة (منطقة‬
‫‪(Winter 2000), p. 17-23; J. M. Cahill and D. Tarler,‬‬ ‫باب الخليل) ستتحول إىل بوابة إرسائيلية يهودية للقدس‪ ،‬وهي بوابة‬
‫‪«Excavations Directed by Yigal Shiloh at the City of‬‬ ‫مركزية جدا‪ .‬وقد حاولت إرسائيل مرارا يف كل املفاوضات الرسمية‬
‫‪David, 1978–1985», in H. Geva (ed.). Ancient Jerusalem‬‬ ‫وغري الرسمية ضمان السيطرة اإلرسائيلية عىل باب الخليل وصوال إىل‬
‫‪Revealed. Biblical (Archaeology Society, 1994) p. 31–45‬‬ ‫حارة اليهود عرب حارة األرمن‪.‬‬
‫‪ 32‬تقع كل املواقع األثرية املفتوحة للزيارة يف إرسائيل تحت سلطة‬ ‫‪ 22‬تجاوز عدد النقاط االستيطانية ‪ 85‬نقطة يف البلدة القديمة‪ ،‬وذلك‬
‫حماية الطبيعة والحدائق العامة‪ ،‬وكان موقع تلة أوفل يقع تحت‬ ‫خارج ما يسمى بحارة اليهود‪ .‬وتدور الكثري من املشاريع االستيطانية‬
‫سيطرة السلطة املذكورة‪ ،‬اال أنها قدمته يف تسعينيات القرن العرشين‬ ‫سواء فوق األرض أو تحتها حول ربط هذه النقاط بعضها ببعض‪،‬‬
‫لحركة العاد االستيطانية إلدارته‪ ،‬ومنذ ذلك الحني تقوم هذه الحركة‬ ‫وربطها مجتمعة بحارة اليهود وساحة حائط الرباق‪ ،‬وهنا يتضح‬
‫ليس فقط بإدارة املوقع وتقديم روايتها املتطرفة والعنرصية حول‬ ‫الدور املركزي الذي تتمتع به سلطة اآلثار اإلرسائيلية باستخدام‬
‫التاريخ‪ ،‬بل تعيد تشكيل كل املنطقة املحيطة باملوقع خدمة لخططها‬ ‫حجج دراسة تاريخ القدس والكشف عن آثار املدينة وتشجيع‬
‫االستيطانية‪ ،‬كما قامت بملء املنطقة بالحراس املسلحني لتحويل‬ ‫السياحة‪ ،‬وذلك يف سبيل تنفيذ هذا املخطط‪.‬‬
‫حياة الفلسطينيني يف سلوان إىل جحيم عىل طريق ترحيلهم‪ ،‬أنظر‬ ‫‪ 23‬ملزيد من التفاصيل حول ارتباط الحفريات األثرية بالحركات‬
‫‪ Meron Rapoport. 2006. «The Republic of Elad»,‬‬ ‫االستيطانية‪ ،‬أنظر نظمي الجعبة‪" ،‬القدس بني االستيطان‬
‫‪Ha’aretz, 23 April 2006.‬‬ ‫والحفريات"‪ ،‬مجلة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬مج ‪ ،20‬عدد ‪) ،79‬صيف‬
‫‪33 Yusef Said al-Natsheh. «The Digital Temple», Jerusalem‬‬ ‫‪ ،(2009‬ص ‪ 39‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪Quarterly File, (October 19, 2003), pp. 53-58.‬‬
‫‪ 24‬أنظر‪ ،‬بيرتبريغ‪ ،‬املفاهيم الصهيونية‪ ،...‬ص ‪.308‬‬
‫‪ 34‬كنا قد عالجنا موضوع الحفريات يف مقالة سابقة‪ ،‬أنظر نظمي‬
‫‪ 25‬كانت أيضا عاصمة ململكة بيت املقدس الصليبية‪ ،‬وقبل ذلك عاصمة‬
‫الجعبة‪« ،‬القدس بني االستيطان والحفريات»‪ ،‬مجلة الدراسات‬
‫األمر الواقع لبني أمية‪.‬‬
‫الفلسطينية‪ ،‬مجلد ‪ ،20‬عدد ‪( 79‬صيف ‪ ،)2009‬ص ‪39‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 26‬ملزيد من التفاصيل يمكن زيارة الصفحة االلكرتونية ملدينة داود‪:‬‬
‫‪ 35‬استطاع املستوطنون السيطرة عىل أكثر من خمسة عرش عقارا‬
‫‪http://www.cityof‬‬ ‫_‪david.org.il/IrDavidFoundation‬‬ ‫ ‬
‫يف وادي حلوة‪ ،‬كما قامت بلدية القدس وسلطة اآلثار اإلرسائيلية‬ ‫‪Eng.asp‬‬
‫بالسيطرة عىل غالبية املساحات املفتوحة‪ ،‬وقد قدر حجم‬
‫االستحواذات هذه بأكثر من ثلث مساحة وادي حلوة‪ .‬ويذكر‬ ‫‪ 27‬قامت عاملة اآلثار اإلرسائيلية ايالت مازار عام ‪ 2005‬بإجراء حفرية‬
‫بأن االستيطان يف وادي حلوة هو مجرد حلقة يف سلسلة من‬ ‫إىل الجنوب من املسجد األقىص‪ ،‬واكتشفت بضع صفوف من الحجارة‬
‫املخطط االستيطاني القايض بعزل غالبية أجزاء البلدة القديمة‬ ‫املهذبة وأعلنت أنها اكتشفت قرص داود‪ ،‬صحيح أن الكثري من‬
‫عن التواصل السكاني مع الفلسطينيني الذي يعيشون يف محيط‬ ‫الجادين يف حقل اآلثار ومنهم إرسائيليون قد أشبعوها نقدا‪ ،‬لكن‬
‫البلدة القديمة‪ ،‬ويتم ذلك مرة باسم الحزام األخرض الذي سيغلف‬ ‫ذلك لم يؤثر يف الرواية الرسمية التي تشري اآلن إىل قرص داود‪ .‬حول‬
‫البلدة القديمة‪ ،‬ومرة أخرى باسم اآلثار وإنشاء املحميات الثقافية‬ ‫اكتشافات مازار‪ ،‬أنظر‬
‫والحدائق الوطنية والتوراتية‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪Eilat Mazar, "Did I Find David’s Palace?" Biblical‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪Archaeological Review, January/February 2006.‬‬

‫عدد ‪73‬‬

You might also like