You are on page 1of 22

‫‪‬‬

‫منهج التفكير في الواقع‬


‫أو‬
‫كيف يفكر المسلم في الواقع‬
‫للشيخ‬
‫صالح بن عبد العزيز آل الشيخ‬
‫‪-‬حفظه هللا تعالى‪-‬‬
‫جامع الملك عبد العزيز بأم الحمام بالرياض‬
‫‪11/11/1424‬هـ‬

‫[شريط مفرغ]‪‬‬

‫‪‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪2‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫‪ ...‬كما هو معل وم ف إن ه دي األنبي اء عليهم الس الم وه دي الص حابة واخللف اء‬
‫الراشدين ومن شاهبهم ومن سلك سبيلهم يف العلم والعمل‪ ،‬هذا اهلدي يشتمل على‬
‫حض اهلل‬
‫العلم والعمل والعب ادة‪ ،‬ويش تمل أيضا على طريقة التفكري يف األم ور‪ ،‬وهلذا ّ‬
‫جل وعال يف الق رآن أهل اإلميان على التفكر والت دبر يف امللك وت وفيما ح وهلم ويف‬
‫النفس‪ ،‬واختتمت كثري من اآلي ات ب أن فيها آية أو آي ات لق وم يتفك رون‪ ،‬ولق وم‬
‫يعقلون‪.‬‬
‫فالعقل والفكر مهم ج دا‪ ،‬بل إن حجج اهلل جل وعال وإن بيّناته واآلي ات‬
‫وال رباهني اليت أوتيها األنبي اء عليهم الس الم ما ثبتت إال مبا أَعمل به أهل العق ول‬
‫عقوهلم؛ فعرفوا أهنا آية وبره ان من اهلل جل وعال‪ ،‬كما قال أبو بكر الص ديق َر ِض َي‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم ومعراجه إىل الس ماء مث‬
‫اهللُ عْن هُ حينما قيل له يف إس راء النيب َ‬
‫رجوعه يف ليلة فقيل‪ :‬كيف تص ّدق ذلك؟ قال‪ :‬إين ألصدقه فيما هو أبعد من ذلك‪،‬‬
‫يأتيه ال وحي من الس ماء وحنن عن ده‪ .‬وه ذا ألجل ص حة املنهج يف التفكري والنظر يف‬
‫الأمور؛ ألنه إذا صح املنهج فإ ّن الشبهات تويّل وال تأيت‪..‬‬
‫وكما هو معل وم فإنه ما من ش يء يف احلي اة الي وم إال وله منهج به تُعلم الطريقة‬
‫الص حيحة يف الوص ول به إىل النت ائج‪ ،‬س واءٌ أك ان يف املس ائل العلمية أو املس ائل‬
‫العملية‪.‬‬
‫فنق ول مثال منهج االعتق اد ك ذا‪ ،‬املنهج يف العقي دة؛ مبا تثبت العقي دة‪ ،‬وكيف‬
‫نعلمها‪ ،‬وكيف نتلقى النصوص‪ ،‬وكيف نفهم ذلك‪.‬‬
‫املنهج يف الفقه‪ ،‬جعل له العلماء أصول الفقه‪.‬‬
‫املنهج يف احلديث‪ ،‬جعل العلماء له مصطلح احلديث‪.‬‬
‫املنهج يف السرية جعل له العلماء أصول السرية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬
‫يف التاريخ جعلوا مصطلح التأريخ‪.‬‬
‫ويف اللغة العربية جعلوا النحو‪.‬‬
‫ويف البيان واملعاين جعلوا البالغة‪.‬‬
‫وهكذا يف التفسري جعلوا علوم القرآن‪ .‬وهكذا يف أمور كثرية‪.‬‬
‫كذلك يف السلوك والتعبد هناك منهج وطريقة رمسها السلف حىت يتبنّي احلق من‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ ،‬وس ألوا‬
‫الباطل يف مس ائل السلوك‪ ،‬وملا أتى ثالثة نفر إىل النيب َ‬
‫عن عبادته فأخربوا هبا فكأهنم تقالّوها‪ ،‬فقال‪ :‬أحدهم أما أنا فأصلي وال أنام‪ .‬وقال‪:‬‬
‫ص لَّى‬
‫اآلخر فال أصوم وال أفطر‪ .‬وقال الثالث‪ :‬أما أنا فال أتزوج النساء‪ .‬ف أُخرب النيب َ‬
‫اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم ف بني هلم اهلدي والطريقة ومنهج التفكري يف ه ذه األم ور هو منهج‬
‫العمل فق ال «أما أنا ف إني أص لي وأن ام‪ ،‬وأص وم وأفط ر‪ ،‬وأت زوج النس اء‪ ،‬فمن‬
‫رغب عن سنتي فليس مني»‪.‬‬
‫ف املنهج يف العلم واملنهج يف العمل مهم ج دا لس لوك الص راط املس تقيم‪ ،‬وفائ دة‬
‫هذا املنهج أن املنهج يعصم من أن يكون للمرء املسلم يف كل يوم طريقة وحكم على‬
‫األش ياء‪ ،‬ف إذا ك ان املنهج مس تقيما والتفكري ص حيحا وفق الش رع ووفق الكت اب‬
‫والس نة وه دي الس لف وما نص عليه األئمة من أهل العلم ال ذين ش هدت األمة هلم‬
‫باإلمامة فإنه يُعصم املرء من اخلطأ‪.‬‬
‫عرف أهل العلم أصول الفقه وأصول احلديث وأصول التفسري والنحو‬ ‫فإذا كان ّ‬
‫وهك ذا ب أن جممل ه ذه األم ور اليت هي أم ور املنهج واألص ول أهنا قواعد ق وانني‬
‫وضوابط تعصم من اخلطأ يف العلم‪.‬‬
‫فك ذلك األم ور اليت تقع يف األمة وما حيصل يف احلي اة اليومية كيف يتعامل‬
‫املسلم مع هذا الواقع‪ ،‬هذا يف احلقيقة حيتاج إىل منهج وإىل طريقة‪ ،‬لذلك عنوان هذه‬
‫احملاضرة أُختري بأن يكون‪:‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪4‬‬
‫منهج التفكير في الواقع‬
‫أو‬
‫كيف يفكر المسلم في الواقع‬
‫وه ذه هي املعض لة الي وم‪ ،‬فنجد أن كث ريين من املس لمني ل ديهم نظر يف الواق ع؛‬
‫إما يف الواقع السياس ي‪ ،‬أو يف الواقع العلمي‪ ،‬أو يف الكالم على ال دول‪ ،‬أو يف الكالم‬
‫على العلم اء أو يف الكالم على ال دعوات أو احلرك ات اإلس المية أو على الش باب أو‬
‫على الكب ار أو على املؤسس ات اخلريي ة‪ ،‬أو يف الكالم على طريقة النج اة يف األم ة‪،‬‬
‫وكيف خترج األمة من ه ذا املأزق ال ذي تعيش ه‪ ،‬وكيف وكيف وكيف يف أش ياء‬
‫كثرية‪.‬‬
‫لكن جند أن كث ريين هلم يف كل ح ال موق ف‪ ،‬وهلم يف كل قض ية رأي‪ ،‬وه ذا‬
‫خالف األص ول‪ ،‬األص ول الش رعية تقضي ب أن يك ون املنهج مس ت ًقى يف التفكري من‬
‫الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصاحل ومستقى من املنهج العام الذي سلكه‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم «إنه من يعش‬
‫علم اء األمة وحكماؤه ا؛ ألنه كما ق ال النيب َ‬
‫منكم فسيرى اختالفا كثيرا فعليكم بالسنة وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من‬
‫بعدي»‪ ،‬وقال «وتمسكوا بعهد ابن أم عبد» وحنو ذلك‪.‬‬
‫فإذن ه ذه األمة حباجة إىل منهج يف التفكري يف الواق ع‪ ،‬مهما تغري الواق ع‪ ،‬ومهما‬
‫تغريت األحوال‪ ،‬قبل مائة سنة‪ ،‬قبل مخسمائة سنة‪ ،‬قبل ألف سنة‪ ،‬واليوم وغدا‪ ،‬البد‬
‫منهج يف التفكري‪.‬‬
‫من صناعة ٍ‬
‫ه ذه احملاض رة ال أدعي أين سأضع كل مع امل ه ذا املنهج؛ ألن ه ذا حيت اج إىل‬
‫تأص يل ه ذا العلم وتدوين ه‪ ،‬وإىل أن ين ربي له اجملموعة الكب رية من العلم اء وال دعاة‬
‫مؤص ال ل دينا يف تعليمنا ويف جامعاتنا‬
‫وطلبة العلم وأهل احلكمة والعق ل‪ ،‬حىت يك ون َّ‬
‫ويف التعليم الع ام ويف منهج دعاتنا ويف املس اجد ول دى الش باب ول دى الن اس إىل‬
‫‪5‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬
‫آخ ره‪ ،‬حىت يك ون املنهج مؤصال لطريقة يف التفكري س ليمة لكي يك ون املرء على‬
‫سالمة يف دينه‪.‬‬
‫ولذلك أهم ما يهتم به الواحد منا كيف ينجو؟‬
‫ليس العجب ممن هلك كيف هل ك؛ ولكن العجب ‪-‬كما ق ال الس لف‪ -‬ممن‬
‫جنا كيف جنا‪.‬‬
‫ملا استعرض بعض علماء السلف سبل اهلالك وسبل الغواية‪ ،‬قال‪ :‬ليس ممن هلك‬
‫كيف هلك؛ ألن سبل الشيطان كثرية‪ ،‬كثرية جدا‪ ،‬ولكن العجب ممن جنا كيف جنا‪.‬‬
‫ومعالم النجاة أولها وأعظمها توفيق اهلل جل وعال وإعانته وتسديده‪ ،‬هذا هو‬
‫العص مة‪ ،‬مث أن ي أيت املرء باألس باب‪ ،‬ومنها مالزمة الطريقة املثلى؛ طريقة الس لف‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم هلم بالس المة فيما هم علي ه‪ ،‬وأهنم خري ه ذه‬
‫ال ذين ش هد النيب َ‬
‫األمة «خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»‪ ،‬فإذن حنن حباجة إىل هذا‬
‫املنهج؛ ولكن هذه احملاضرة لبيان بعض املعامل املتعلقة هبذا املنهج‪.‬‬
‫وهي حتت اج إىل مزيد بسط وحترير وتفص يل ودراسة مين ومن املختصني يف‬
‫ذلك حىت يُوضع منهج للتفكري والنظر يف األمة يف هذه األحوال والوقائع وما شاهبها‪.‬‬
‫ما فائدة وضع المنهج؟‬
‫أوال املقص ود الس المة والنج اة وأن نزدلف إىل اجلنة ونبتعد من الن ار ﴿فَ َمن‬
‫ْجنَّةَ َف َق ْد فَ َاز﴾[آل عمران‪ ،]185:‬احلاجة للمنهج حىت نزدلف إىل‬ ‫ِ‬
‫ِح َع ِن النَّا ِر َوأُ ْدخ َل ال َ‬
‫ُز ْحز َ‬
‫مرضاة اهلل جل وعال‪.‬‬
‫ثانيا احلاجة للمنهج يف أن يك ون موقف املس لم غري مبين على ه وى‪ ،‬غري مبين‬
‫على تأثريات عاطفية وتأثريات غري شرعية‪ ،‬وإمنا هلم يف كل يوم رأي وموقف ونظر‪.‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪6‬‬
‫الث الث أن يك ون هن اك وح دة يف املواقف وال رأي والنظر يف األم ور‪ ،‬ف إذا ك ان‬
‫هن اك تغري يف املواقف مع كل ش يء جديد ومع كل ح دث‪ ،‬ف إن ه ذا يعين أنه ليس‬
‫ل دينا طريقة مس تقاة من ال دين نثبت عليه ا‪ ،‬والثب ات من مع امل النج اة‪ ،‬الثب ات على‬
‫النّهج الصحيح هذا من معامل النجاة‪ ،‬أما الذي له كل يوم منهج وله كل يوم طريقة‬
‫ويتقلب من األمور ومع األحوال كيفما تقلّبت‪ ،‬فإنه حينئذ ال يرجع إىل ركن وثيق‪،‬‬
‫ول ذلك أهل العلم من مساهتم أهنم جلؤوا ب العلم إىل ركن وثيق ف إهنم مهما تغ ريت‬
‫األمور فلديهم الركن الوثيق الذي يرجعون إليه‪.‬‬
‫من فوائد وج ود المنهج أن يك ون هن اك تق ييم لألم ور س ليم‪ ،‬الن اس دائما‬
‫يقيّمون األمور‪ :‬هذا جيد‪ ،‬هذا غري جيد‪ ،‬هذا باطل‪ ،‬هذا خبيث‪ ،‬هذا طيّب‪ ،‬فكل‬
‫ي وم هلم كالم‪ ،‬وهلم طريق ة‪ ،‬وكل أحد يعتقد أن ما ي أيت به هو الص واب‪ ،‬فوج ود‬
‫يقرب اآلراء‪ ،‬ويكون هناك تقييم لألمور صحيح‪.‬‬‫املنهج ّ‬
‫أيضا وج ود المنهج يعصم من التص ورات اخلاطئة يف األم ور‪ ،‬حىت ال يك ون‬
‫هناك زلل يف أن ينسب للشريعة ما ال ليس منها‪ ،‬ولذلك جند اليوم الكثري يقول هذا‬
‫هو اإلسالم‪ ،‬اإلسالم يقول كذا‪ ،‬اإلسالم يدعو إىل كذا‪ ،‬وهناك أقوال كثرية خمتلفة‪،‬‬
‫فهل هذا هو اإلسالم‪ ،‬وهذا هو اإلسالم‪ ،‬وهذا هو اإلسالم؟‬
‫فالبد إذن من طريقة يف التفكري تعصم املرء يف مثل هذه األوضاع املتغرية‪.‬‬
‫أيضا من فوائد وج ود المنهج التفريق بني احلقيقة والباط ل‪ ،‬وبني احلقيقة‬
‫وضدها‪ ،‬ألن هدف املسلم ما هو؟ احلق‪ ،‬هدفنا دائما هو احلق‪ ،‬وأن ندعوا إىل احلق‬
‫ونستمسك ب احلق‪ ،‬كيف يع رف ذل ك؟ له أس اليبه‪ ،‬ومنها أن يك ون منهج التفكري‬
‫صوابا صحيحا‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬

‫هناك معالم عامة تؤثر في التفكير الصحيح‬

‫إذا كان املنهج املقصود منه التفكري الصحيح‪ ،‬فإن املعامل اليت جتعل هذا التفكري‬
‫صحيحا متمثلة يف عدة أمور‪:‬‬
‫األمر األول هو الحذر من الفتن‪ ،‬فإن الفتنة يف القول أو يف العمل‪ ،‬هذه جيب‬
‫ِ‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم ّ‬
‫صح‬ ‫أن حنذرها سواء على أنفسنا أو يف جمتمعنا‪ ،‬ولذلك النيب َ‬
‫عنه كما يف البخ اري أنه ق ال «ما أنت مح دث قوما ح ديثا ال تبلغه عق ولهم إال‬
‫كان لبعضهم فتنة» والفتنة مأمور أن نبتعد عنها وعن أسباهبا‪.‬‬
‫فإذن من املؤثرات أن يكون من منهجنا أن نبتعد عن الفنت ونسعى يف السالمة‪،‬‬
‫فكل شيء يؤدي إىل فتنة واختالف يف القول والعمل وحدوث فتنة يف املسلمني فهذا‬
‫من األساسيات أن نبتعد عنه حىت نصل إىل التفكري الصحيح‪.‬‬
‫أما إذا أتى أحد وق ال‪ :‬ال يهم ين‪ ،‬املهم أين أصل إىل األمر س واء ح دث فتنة أو‬
‫ما حدث فتنة‪ ،‬الصحابة تقاتلوا وحصل ذبح وحصل قتال وحنو ذلك‪.‬‬
‫فهنا ب دأ اهلز يف التفك ري‪ ،‬وحينئذ ال تس تغرب أن يك ون بع دها نت ائج عن ده يف‬
‫التفكري أخرى‪.‬‬
‫ف إذن الوقاية من الفنت ه ذا منهج‪ ،‬ول ذلك ك ان من مسة الص حابة‪ ،‬حىت ملا وقع‬
‫االختالف أهنم ح ّذروا وابتعدوا عن الفنت وما يؤدي إليها‪.‬‬
‫ص لَّى اهللُ‬
‫األمر الث اني أن نحسن الظن باهلل جل وعال وأن نتف اءل ف إن النيب َ‬
‫َعلَْي ِه َو َس لَّ َم صح عنه أنه ق ال «ال يمت أح دكم إال وهو يحسن الظن بربه تع الى»‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم كان حيب الفأل‪.‬‬
‫والتفاؤل النيب َ‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪8‬‬
‫فإذن هناك معلم من معامل الوصول إىل التفكري الصحيح‪ ،‬أن ال تنظر إىل األمور‬
‫بي أس‪ ،‬بقن وت‪ ،‬بنظ رة ‪-‬كما يقول ون‪ -‬س لبية س وداوية‪ ،‬إمنا تنظر بتف اؤل؛ ألن النيب‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم قال «إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى‬
‫َ‬
‫للغرب اء» ق ال العلم اء‪ :‬معىن قوله (ب دأ غريبا وس يعود غريبا) أنه كما أنه يف أول‬
‫البعثة يف أول الرس الة ب دأ غريبا مث ق وي وانتش ر‪ ،‬فك ذلك س يعود غريبا مث يق وى‬
‫وينتشر‪ ،‬وهذا يعطيك الفأل وحسن الظن‪ ،‬وهذا مصداقه يف قول اهلل جل وعال ﴿ ُه َو‬
‫ْح ِّق لِيُظْ ِه َرهُ َعلَى ال دِّي ِن ُكلِّ ِه َو َك َفى بِاللَّ ِه َش ِهي ًدا﴾[الفتح‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الَّذي أ َْر َس َل َر ُس ولَهُ بِال ُْه َدى َودي ِن ال َ‬
‫‪ ،]28‬من الذي شهد هبذه الشهادة؟ اهلل جل وعال‪.‬‬
‫ف إذن يك ون من مع امل تفك ريك فيما أنت فيه ويف املس تقبل أنك تك ون متف ائال‬
‫حمس نا الظن باهلل جل وعال كما وعد اهلل جل وعال أنه سينشر ه ذا ال دين‪ ،‬وقد صح‬ ‫ّ‬
‫والس الَ ُم أنه قال «ال تقوم الساعة حتى ال يكون بيت من مدر وال وبر‬ ‫الص الَةُ َّ‬ ‫ِ‬
‫عنه َعلَْي ه َّ‬
‫إال أدخله اهلل في هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل‪ ،‬عزا يعز اهلل به اإلسالم وأهله»‪ ،‬وهذا‬
‫يعطينا انش راح الص در والتف اؤل‪ ،‬فحينئذ يك ون التعامل يف احلي اة ال دنيا والعمل‬
‫ط ِمن‬ ‫وال دعوة واملواقف مبنية على الف أل ال على القن وت وال على الي أس ﴿ َو َمن َي ْقنَ ُ‬
‫َّر ْح َم ِة َربِِّه إِالَّ الضَّآلُّو َن﴾[احلجر‪.]56:‬‬
‫ف إذن من مع امل الض الل والبعد االهت داء للطريق الص حيح أن يك ون هن اك ي أس‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫وقن وط؛ بل ال بد أن نك ون كما أمر اهلل جل وعال وكما ق ال النيب َ‬
‫َو َس لَّ َم أن نك ون متف ائلني‪ ،‬حنسن الظن باهلل جل وعال‪ ،‬ونعلم أن وعد اهلل ح ق‪،‬‬
‫وحينئذ تكون موقفنا وتفكرياتنا فيها اإلجيابية وفيها العمل للمستقبل بالعمل الصحيح‬
‫املؤثر‪.‬‬
‫من مع الم التفك ير الص حيح أ ّن املس لمني فيهم حس نات وفيهم س يئات‪ ،‬س واء‬
‫خاص ة‪ ،‬سواء أكانوا والة أم علماء أم طلبة علم أم دعاة أم من عامة‬
‫أكانوا عامة أم ّ‬
‫‪9‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬
‫كل فيه حسنة وفيه سيئة‪ ،‬البد من موجود هذا وهذا‪ ،‬فهل أحد يسلم من‬ ‫املسلمني‪ّ ،‬‬
‫السيئات؟ ال‪ ،‬وهل هناك مسلم ال يكون عنده حسنات؟ ليس كذلك‪.‬‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم «من ق ال‬
‫ف إذن من منهجنا يف التفكري أن منتثل ق ول النيب َ‬
‫أفس ُدهم»‪( ،‬من ق ال فسد الن اس)‬ ‫أفس َدهم» ويف ض بط «فهو َ‬ ‫فسد الن اس فهو َ‬
‫ه ؤالء الن اس س يئني ال يهمون ك‪ ،‬يق ول هو ال ذي أفس َدهم ملاذا؟ ألنه مبين على‬
‫القاعدة اليت سأذكرها لك‪.‬‬
‫إذن إذا ك ان هن اك وجود للحس نات وجود للس يئات‪ ،‬كيف نفك ر؟ نفكر ب أن‬
‫احلسنات ننشرها ونضخمها؛ ألن الناس يقتدون ويتأثرون بذلك‪ ،‬والسيئات نكتمها‬
‫وال نظهرها‪.‬‬
‫اآلن من مسة الن اس أو من مسة بعض الن اس أهنم إذا مسعوا ب أي خرب س يء إما‬
‫معص ية أو قص ور مقصر أخ ذوا يتح دثون ب ه‪ ،‬ه ذا له أثر س ليب كبري ج دا حىت على‬
‫الطاع ة؛ ألن ه ذا ي ؤدي إىل أن الن اس يتس اهلون يف املعص ية‪ ،‬ويقل عن دهم الرغبة يف‬
‫(‪)1‬‬
‫اخلري‪ ،‬ويتصورون أن الشر كثري‪ ،‬وهذا ليس بصحيح‪.‬‬
‫فإذا مثال جاء أحد وقال‪ :‬واهلل انتشر الفساد وصار فيه كذا وكذا‪ .‬وجاء النظر‬
‫فيه وفق التق ييم الص حيح وج دت أنه ال يتع دى مخس يف املائ ة‪ ،‬عشر يف املائ ة‪ ،‬مخسة‬
‫عشر يف املائة‪ ،‬يف جمتمعنا مثال‪ ،‬لكن هل هذا صار هو الغالب؟ ال‪.‬‬
‫لكن إذا ك ان املنهج غري ص حيح‪ ،‬فإنه حينئذ تنظر الس لبيات‪ ،‬وتض خم‬
‫ضعف‪ ،‬وبالتايل يكثر الفساد شيئا فشيئا‪.‬‬ ‫وللحسنات فتُ ْ‬
‫والواجب أن يكون منهجنا يف التفكري قائما على إبراز احلسنات‪ ،‬وعلى ِذكرها‪،‬‬
‫وأن حنذر من فسد الناس‪ ،‬أو األمور صارت فاسدة‪ ،‬أو البالء يف كذا‪ ،‬العلماء فيهم‪،‬‬

‫‪ )(1‬كما قال األول‪:‬‬


‫وإن يجدوا صالحا فله كتموا‬ ‫فإذا رأوا ُسبَّة طاروا بها فرحا‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪10‬‬
‫والدولة فيها‪ ،‬الناس فيهم‪ ،‬فسد‪ ،‬بيت فالن فيه كذا‪ ،‬وهؤالء عملوا كذا‪ ،‬هذا ينشر‬
‫الفساد شيئا فشيئا‪.‬‬
‫تعاونت على الرب والتقوى‪ ،‬فأكثرت من احلسنات وجعلت السيئات تقل‬ ‫َ‬ ‫أما إذا‬
‫حىت ِّ‬
‫بالذكر‪ ،‬فإنه حينئذ يزيد اخلري‪.‬‬
‫واحلظ هنا أن من مظاهر زيادة السوء والفساد يف الناس التحدث به‪ ،‬يتح ّدث‬
‫ب ه‪ ،‬رمبا يتح دث املرء عند أوالده‪ ،‬فالنة فيها ك ذا وه ذه عملت ك ذا‪ ،‬وه ذا فالن‬
‫عمل كذا‪ ،‬يغريهم ويسهل عليهم كثريا من األمور‪.‬‬
‫ف إذن من منهجنا يف التفكري الص حيح أن نُظهر احلس نات‪ ،‬ونربزه ا‪ ،‬ونك ثر من‬
‫احلديث عنها ألهنا تشرح النفس وترغب وجتعل الناس يسريون فيها‪ ،‬وخنفي السيئات‬
‫وخُن في آثاره ا؛ لكن ه ذا ال يعين أن ال نتعامل مع الس وء وفق القواعد الش رعية‪ ،‬إذا‬
‫ك ان مقتضى النص يحة فننص ح‪ ،‬مقتضى األمر ب املعروف والنهي عن املنكر ن أمر‬
‫باملعروف وننهى عن املنكر وفق الشريعة‪ ،‬مقتضى عمل ما نعمل به‪.‬‬
‫إذن فهناك نظر صحيح بالنظر إىل احلسنات وإىل السيئات‪.‬‬
‫الرابع عدم المبالغات‪.‬‬
‫جربت‬ ‫حىت نفكر تفكري صحيح يف األمور حنذر من شيء أال وهو املبالغة‪ ،‬وأنا ّ‬
‫ميكن الكثري منكم ج ّرب‪ ،‬أح اديث الن اس كثري منها مبالغ ات‪ :‬إما مبالغ ات يف املدح‬
‫أو مبالغات يف الذم‪.‬‬
‫يأتوا إذا أعجبوا بإنسان ويعلوه يف السماء وإذا ما أعجبهم وضع فالن حطوا فيه‬
‫إىل أن يك ون يف األرض‪ ،‬وه ذا خالف الع دل ال واجب‪ ،‬ال واجب أن نك ون معت دلني‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم وا ال َْو ْز َن بالْق ْس ط﴾[الرمحن‪َ ﴿ ،]9:‬وأَق ُ‬
‫يم وا ال َْو ْز َن‬ ‫أهل عدل‪ ،‬اهلل جل وعال يقول ﴿ َوأَق ُ‬
‫بِال ِْق ْس ِط﴾‪ ،‬أن نقيم ال وزن بالقسط بالع دل‪ ،‬ما جنعل هن اك مبالغة ال يف م دح وال يف‬
‫ذم‪ ،‬ول ذلك [القسط القس ط] تبلغ وا‪ ،‬الوس طية االعت داء جتعلنا نبتعد عن ط رف الغلو‬
‫‪11‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬
‫وط رف اجلف اء‪ ،‬وه ذا هو ال ذي ينتج ن وع من التفكري س ليم به تتعامل مع القض ايا‬
‫بقوة‪.‬‬
‫أنت تنظر اآلن املبالغ ات كث رية مبالغ ات يف القن وات الفض ائية‪ ،‬مبالغ ات يف‬
‫الصحف‪ ،‬مبالغات يف أخبار الناس‪ ،‬فالن فعل كذا وفالن فعل كذا‪ ،‬حىت يف احلضور‬
‫ن أيت مثال كم حضر عند فالن؟ ميكن حضر عش رين ألف وما هو إال ألفني‪ ،‬املس جد‬
‫أصال ما يسع إال ألفني ش خص‪ ،‬كيف ص اروا عش رين أل ف‪ ،‬فالن ما حض روا له إال‬
‫مخس ة‪ ،‬وال ذي حضر مخسني أو س تني‪ ،‬فهن اك نظ رة مبالغة يف األم ور يف ه ذا اجلانب‬
‫أو يف هذا اجلانب توقع يف اخلطأ‪.‬‬
‫ك ذلك اآلن املبالغة من اجله ات اإلعالمي ة‪ ،‬القن وات الفض ائية تعطيك مبالغ ات‬
‫تؤثر عليك يف منهج التفكري‪ ،‬إما مبالغات باألخبار أو مبالغات بالصورة‪ ،‬أو مبالغات‬
‫بالتأثريات الصوتية واملرئية‪ ،‬تعطيك إحساسا بأن الشيء كبري جدا‪ ،‬ما يسلم من هذا‬
‫اإلحساس أحد؛ ولكن العاقل جيب أن يفكر كيف يتعامل مع هذه املبالغات‪ ،‬املبالغة‬
‫ال يسوغ االستسالم هلا؛ ألهنا تضل يف جانب التفكري‪ ،‬فإذا كان اإلنسان يذهب يف‬
‫ِ‬
‫األمور كلها يف املبالغات فمعىن ذلك أنه ما أخذ بقول اهلل جل وعال ﴿ َوأَق ُ‬
‫يموا ال َْو ْز َن‬
‫ط﴾[الرمحن‪ ،]9:‬وقول اهلل جل وعال ﴿ َوإِذَا ُقلْتُ ْم فَا ْع ِدلُواْ َول َْو َكا َن ذَا ُق ْربَى﴾[األنعام‪:‬‬ ‫بِال ِْقس ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ب‬‫‪ ،]152‬وال بقوله جل وعال ﴿ َوالَ يَ ْج ِر َمنَّ ُك ْم َش نَآ ُن َق ْوم َعلَى أَالَّ َت ْع دلُواْ ا ْع دلُواْ ُه َو أَ ْق َر ُ‬
‫لِ َّلت ْق َوى﴾[املائدة‪.]9:‬‬
‫ف إذن احلذر من املبالغ ات‪ ،‬والنظر الس ليم يف املعلومة الص حيحة‪ ،‬يأتيك ش يء ال‬
‫حتدث ب ه‪ ،‬هلذا ثبت يف مقدمة ص حيح مس لم رمحه اهلل تع اىل أنه ق ال «من‬
‫تص ّدقُه ال ْ‬
‫ح ّدث بكل ما س مع فهو أحد الك اذبِين»‪( ،‬من ح دث بكل ما س مع) حتدث بكل‬
‫ما مسعت فأنت أحد الكاذبِني‪ ،‬ملاذا؟ ألنه البد من مبالغات يف حديث الناس‪ ،‬والبد‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪12‬‬
‫فيها صدق وفيها كذب‪ ،‬فإذا حدثت بكل شيء فأنت أحد الذين شاركوا يف نشر‬
‫هذه األمور‪.‬‬
‫الخامس من معالم التفكير الصحيح ومنهج التفكري السليم الشرعي السلفي‪،‬‬
‫الذي أصله علماء السلف وأئمتهم يف جممل كالمهم‪ ،‬أن يكون المسلم محبا للخير‬
‫للمسلمين وكارها للشر لهم‪.‬‬
‫ووالية يف اهلل ق ال جل وعال﴿إِنَّ َما‬ ‫املؤمن ون واملس لمون بينهم حمبة يف اهلل َ‬
‫ض﴾‬ ‫ض ُه ْم أ َْولِيَ اء َب ْع ٍ‬ ‫ال ُْم ْؤِمنُ و َن إِ ْخ َوةٌ﴾[احلج رات‪ ،]10:‬وق ال ﴿ َوال ُْم ْؤِمنُ و َن َوال ُْم ْؤِمنَ ُ‬
‫ات َب ْع ُ‬
‫[التوبة‪ ،]71:‬يعين بعضهم حيب بعضا وبعضهم ينصر بعضا‪.‬‬
‫أن حتب اخلري للمس لمني ه ذا يعطيك ه دوء وتفكري ص حيح يف االجتاه ويف‬
‫معاجلة القضايا‪.‬‬
‫بعض الناس يأيت ويقول‪ :‬هؤالء ما يأيت منهم إال الشر وهؤالء فيهم البالء عملوا‬
‫كذا‪ .‬لكن األصل حمبة اخلري للمسلمني‪ ،‬فمن كان منهم مهتديا على الطريق الصحيح‬
‫س ليما فإنك تعض ده وتعين ه؛ ألنه ميشي على وفق املنهج الص حيح‪ ،‬منهج الس لف‬
‫الصاحل‪ ،‬منهج العلماء الربانيني الراسخني يف العلم‪ ،‬ومن كان له غلط فيناصح يبني له‬
‫خطؤه‪ ،‬ال يتربأ منه؛ ألن احملبة بقدر ما فيه من اإلميان‪.‬‬
‫وهك ذا فك ّل م ؤمن له حمبة وله نص رة بق در ما في ه‪ ،‬حىت الظ امل من املس لمني‬
‫فتنص ره حببسه عن الظلم «أنصر أخ اك ظالما أو مظلوما» ق ال‪ :‬كيف أنص ره ظاملا؟‬
‫ق ال «أن تحج زه عن الظلم» إذا رفضت بق وة ووقفته عند ح ده ‪-‬مثل ما يقول ون‪-‬‬
‫هل هذا حمبة الشر له أو حمبة اخلري له؟ حمبة اخلري له‪ ،‬لذلك جاء يف احلديث «عجبت‬
‫لقوم يقادون إلى الجنة بالسالسل» يقاد للجنة بإيش؟ حببسه‪ ،‬يقاد إىل اجلنة بسجنه‬
‫ألنه حيصل له من اخلري ما ال حيصل له خبالف ذل ك‪ ،‬ف إذن حمبة اخلري للمس لمني‬
‫‪13‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬
‫تعطيك انش راح يف النفس وتعطيك عاطفة ص حيحة؛ ولكن بانض باط ألن ه ذه احملبة‬
‫وفق النقاط اليت ذكرنا‪.‬‬
‫الس ادس من المع الم العامة للم ؤثرات الص حيحة يف التفك ري‪ :‬أن يك ون هن اك‬
‫غيرة لدى المسلم منضبطة بضوابط الشرع‪.‬‬
‫املس لم حيت اج إىل ثب ات على احلق‪ ،‬ثب ات على اهلدى‪ ،‬وحيت اج إىل أن يك ون يف‬
‫نفسه حب ملناصرة احلق والدعوة إليه‪ ،‬هذه ال تكون إال بوجود الغرية على اإلسالم‪،‬‬
‫الغ رية على املس لمني‪ ،‬الغ رية على حرم ات اهلل‪ ،‬ه ذه الغ رية جتعلك تفكر ب التفكري‬
‫الص حيح حبيث إنه ال حيملك ال ذي ذكرن اه يف ع دم االهتم ام ب األمور وع دم النظر‬
‫وحتس س لواقع‬
‫يك ون كل ش يء دع األم ور وال هتتم بش يء؛ بل يك ون هن اك غ رية ّ‬
‫املس لمني ملا عليه األمة ملا فيه املس لمون ملن أح وال‪ ،‬يكون عن دك غ رية على حرم ات‬
‫اهلل‪ ،‬غرية على املسلمني يف تعليمهم أو يف نصرهتم أو يف تقويتهم‪.‬‬
‫لكن هذه الغرية تكون منضبطة بضوابط الشرع؛ ألن الغرية حتمل على الثبات‬
‫وتعني على سبوك الطريق املستقيم وعدم التأثر بالشيطان‪ ،‬وكما قال اين القيم رمحه‬
‫اهلل يف بعض كتبه أظن م دارج الس الكني يق ول‪ :‬إن من أعظم أس باب رد كيد‬
‫الش يطان الغ رية يف اهلل‪ .‬اهلل جل وعال يغ ار‪ ،‬وحنن نغ ار أيض ا‪ ،‬كما ج اء يف احلديث‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم هو الق درة‬
‫«إن اهلل يغار» واملؤمن يغار على حرمات اهلل النيب َ‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫لكن ه ذه الغ رية قد حتمل على أن يكون االجتاه إىل أم ور منك رة‪ ،‬إما إىل جه اد‬
‫بطريقة غري صحيحة‪ ،‬أو إىل هني عن منكر بطريقة غري شرعية‪ ،‬أو إىل سفك للدماء‪،‬‬
‫أو إىل إتالف لألموال أو إىل تناول ‪ ...‬أو أن تكون الغرية مسلوبة حبيث ال يهمه ال‬
‫يعرف معروفا وينكر منكرا‪.‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪14‬‬
‫ف إذا ك انت منض بطة بض وابط الش رع على أس اس العلم والص رب‪ ،‬فإنه ال بد من‬
‫علم باألحكام الشرعية حىت تعرف أن غريتك حممودة‪ ،‬مث البد من الصرب الذي حيمل‬
‫على عدم اخلروج عن مقتضى الغرية الشرعية الصحيحة‪.‬‬
‫نوح عليه السالم كم مكث يف قومه؟ ألف سنة إال مخسني عاما قال جل وعال‬
‫ِ‬ ‫ث فِي ِهم أَل َ ٍ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ْف َس نَة إِاَّل َخ ْمس َ‬
‫ين َع ًاما‬ ‫وحا إِلَى َق ْوم ه َفلَب َ ْ‬ ‫يف سورة العنكبوت ﴿ َولََق ْد أ َْر َس لْنَا نُ ً‬
‫ِ‬
‫ين﴾‬ ‫ِ‬ ‫الس ِفينَ ِة َو َج َعلْنَ َ‬
‫اها آيَةً لِّل َْع الَم َ‬ ‫اب َّ‬
‫َص َح َ‬ ‫َخ َذ ُه ُم الطُّوفَ ا ُن َو ُه ْم ظَ ال ُمو َن (‪ )14‬فَأ َ‬
‫َنج ْينَ اهُ َوأ ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫[العنكبوت‪.]15-14:‬‬
‫هنا س ؤال‪ :‬ملاذا ج اءت قصة ن وح يف آي تني يف قصة العنكب وت ليش؟ قصص‬
‫األنبي اء ال ت رد يف س ورة إال وهلا ه دف‪ ،‬جتد يف بعض الس ور قصة نيب من األنبي اء‬
‫تأخذ أربعني آي ة‪ ،‬مخسني آي ة‪ ،‬س تني آي ة‪ ،‬أو أك ثر؛ بل هن اك س ورة خاصة ليوسف‬
‫عليه السالم‪ ،‬سورة نوح‪ ،‬سورة هود وإن كان فيها قصص من الرسل؛ لكن سورة‬
‫كاملة لقصة يوسف‪ ،‬سورة كاملة بقصة نوح‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫فلم اذا أحيانا ت أيت خمتصرة وأحيانا ت أيت مطول ة؟ ه ذه فائ دة عرض ية يف احملاض رة‬
‫ألجل مناسبة ذكر قصة نوح عليه السالم‪.‬‬
‫جاءت يف سورة العنكبوت يف آيتني؛ ألن املقصود من ذكرها يف هاتني اآليتني‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ث فِي ِه ْم أَلْ َ‬
‫هو ذكر ال زمن فقط ﴿ َفلَبِ َ‬
‫ف َس نَة إِاَّل َخ ْمس َ‬
‫ين َع ًاما﴾ مث ذكر النتيجة‬
‫﴿فَأَ َخ َذ ُه ُم الطُّوفَ ا ُن َو ُه ْم ظَ الِ ُمو َن﴾‪ ،‬القصة بتفاص يلها ال هتم يف ه ذا املوضع ملاذا؟ ألن‬
‫س ورة العنكب وت اهلدف منها واملقصد هو التح ذير من الفتن ة‪ ،‬ل ذلك يف أوهلا ﴿الم (‬
‫ين ِمن َق ْبلِ ِه ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫آمنَّا َو ُه ْم اَل ُي ْفَتنُ و َن (‪َ )2‬ولََق ْد َفَتنَّا الذ َ‬
‫َّاس أَن ُي ْت َر ُك وا أَن َي ُقولُوا َ‬
‫ب الن ُ‬ ‫َحس َ‬
‫‪ )1‬أ ِ‬
‫َ‬
‫ين ِمن‬ ‫َّ ِ‬
‫ين﴾[العنكب وت‪َ ﴿ ،]3-1:‬ولََق ْد َفَتنَّا الذ َ‬
‫ِِ‬
‫ص َدقُوا َولََي ْعلَ َم َّن الْ َك اذب َ‬
‫َّ ِ‬
‫َفلََي ْعلَ َم َّن اللَّهُ الذ َ‬
‫ين َ‬
‫َق ْبلِ ِه ْم﴾ سورة يف كل ما فيها يتحدث عن الفتنة اآلية اآلن قصة نوح عليه السالم يف‬
‫آي تني ما الفتن ة؟ أين املخ رج من الفتنة ال ذي دلت عليه ه ذه اآلي ة؟ فتنة ب الزمن‪ ،‬ما‬
‫‪15‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬
‫ص ار ش يء‪ ،‬عشر س نني ما ص ار ش يء‪ ،‬عش رين س نة ما ص ار ش يء‪ ،‬ثالثني س نة ما‬
‫ص ار ش يء‪ ،‬ما نفعت ال دعوة‪ ،‬وال نفع ك ذا‪ ،‬البد من اجله اد املس لح‪ ،‬ن وح عليه‬
‫الس الم كم مكث؟ ألف س نة إال مخسني عام ا‪ ،‬ما النتيج ة؟ النتيجة أنه دعا اهلل جل‬
‫وعال ف أنزل النصر علي ه‪ ،‬لكن كم املدة؟ فه ذا يعطيك احلذر من االفتت ان ب الزمن وأن‬
‫تق ول عملنا وعملنا ما نف ع‪ ،‬ه ؤالء عمل وا البد من ك ذا وك ذا‪ ،‬دون طريقة ش رعية‬
‫صحيحة‪.‬‬
‫فإذن من نظر إىل األمور بدون نظر علم وصرب فإنه خالف منهج أويل العزم من‬
‫ص َب َر أ ُْولُوا ال َْع ْزِم ِم َن ُّ‬
‫الر ُس ِل َواَل تَ ْس َت ْع ِجل لَّ ُه ْم﴾[األحقاف‪ ،]35:‬وقال‬ ‫اص بِ ْر َك َما َ‬
‫الرسل ﴿فَ ْ‬
‫ين اَل يُوقِنُو َن﴾[الروم‪.]60:‬‬ ‫يف اآلية األخرى ﴿فَاصبِر إِ َّن و ْع َد اللَّ ِه ح ٌّق واَل يستَ ِخ َّفن َ َّ ِ‬
‫َّك الذ َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ْْ َ‬
‫المؤثرات السلبية في التفكير السليم‬
‫أوال مما ي ؤثر س لبا على التفكري الص حيح وي ؤدي إىل التفكري اخلاطئ‪ :‬أن يح رم‬
‫العبد التوفيق من اهلل جل وعال وأن يبتلى بالخ ذالن‪ .‬وما حنن لو مل يأخذ اهلل جل‬
‫َـك َّن اللّهَ َي ْه ِدي‬
‫اهم ول ِ‬
‫ك ُه َد ُ ْ َ‬
‫س َعلَْي َ‬ ‫َّ‬
‫وعال بأيدينا‪ ،‬هل حنن الذين هدينا أنفسنا؟ ال‪﴿ ،‬ل ْي َ‬
‫ين﴾‬ ‫ان إِن ُكنتُم ِ ِ‬ ‫من ي َش اء﴾[البق رة‪﴿ ،]272:‬ب ِل اللَّهُ يم ُّن َعلَْي ُكم أَ ْن َه َدا ُكم لِإْلِ يم ِ‬
‫ص ادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫[احلج رات‪ ،]17:‬ما هي املنّ ة؟ املنة اإلعطاء من دون م وجب استحقاق‪ ،‬أعطيتك شيء‬
‫وأنت ما فيه شيء بيين وبينك ما تستحقه هذا من كما قالت بثينة‪:‬‬
‫‪.......................‬‬‫ما ضرك لو مننت وربما‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم تطلب منه يعفو عن أخيها‪:‬‬
‫لنيب َ‬
‫من الفتى وهو المغيض المحنق‬
‫ّ‬ ‫ضرك لو مننت وربما‬ ‫ما ّ‬
‫مين علينا‪.‬‬
‫يعين أعطى وعفا من دون استحقاق‪ ،‬اهلل جل وعال ّ‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪16‬‬
‫ف إذن من مع امل اخللل الكبري يف التفكري أن خيذلك اهلل جل وعال والعي اذ باهلل‬
‫وحيرمك التوفيق‪.‬‬
‫التوفيق ما هو؟ إعانة اهلل جل وعال يف أموره‪.‬‬
‫اخلذالن أن خيذل اهلل جل وعال هذه اإلعانة يف أمورك وأن ترتك ونفسك‪.‬‬
‫ف إذا تُ ركت ونفسك وقع الزل ل‪ ،‬ل ذلك يف احلديث «اللهم ال تكل ني لنفسي‬
‫طرفة عين» (ال تكلين) ألنك لو ُوكلت لنفسك طرفة عني زلت القدم والعياذ باهلل‪.‬‬
‫إذا كان كذلك فإن حرم العبد التوفيق وخذل‪ ،‬ال حيرم العبد التوفيق وخيذل إال‬
‫ك ِمن َس يِّئَ ٍة فَ ِمن َّن ْف ِس َ‬
‫ك﴾[النس اء‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بأسباب منه ﴿ َّما أَص اب َ ِ‬
‫ك م ْن َح َس نَة فَ ِم َن اللّه َو َما أ َ‬
‫َص ابَ َ‬ ‫ََ‬
‫‪ ،]79‬ومن السيئات أن ختذل ومنه ضعف العبادة ضعف واإلقبال على اهلل جل وعال‪،‬‬
‫ض عف االستمس اك بالس نة‪ ،‬ض عف االستمس اك ب العلم‪ ،‬ض عف االستمس اك هبدي‬
‫السلف الصاحل أن يكون الدين عرضة للخصومات وعرضة للقيل والقال قال اإلمام‬
‫مالك رمحه اهلل تعاىل‪ :‬من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل‪.‬‬
‫واهلل الناس يشوفون الذين يف القنوات الفضائية وهذا مع هذا‪ ،‬وهذا يطاق هذا‪،‬‬
‫وه ذا ي رمي ه ذا يس تمع بإنص ات حيصل عن ده تنقل وتقلب‪ ،‬ملاذا؟ ألنك ليس عن دك‬
‫علم حتمي نفسك فيه وه ؤالء ي أتون بش به قيل وق ال فالبد أن يق ع‪ ،‬من جعل دينه‬
‫عرضة للخصومات أكثر التنقل‪.‬‬
‫هنا البد من االستمس اك كما ذك رت لك هبذه الطريق ة‪ ،‬واحلذر من أس باب‬
‫خ ذالن اهلل جل وعال للعبد اإلنابة إىل اهلل جل وعال ك ثرة ال دعاء‪ ،‬اإلقب ال على اهلل‬
‫جل وعال‪ ،‬البعد عن الفنت‪ ،‬طلب السالمة‪.‬‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم دلك على‬ ‫األمور تش تبه عليك إذا اش تبه عليك األمر النيب َ‬
‫املخرج «ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه» ما أدري‪ ،‬واهلل أنا ما أعرف هذا‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬
‫ال حتت ار‪ ،‬أت رك املوض وع كله برمت ه‪ ،‬مث احبث عن الص واب؛ لكن هن اك من يع رف‬
‫الصواب ويعرف الغلط؛ لكن أنت اشتبه عليك فاترك‪ ،‬هذا هو طريق النجاة‪.‬‬
‫ف إذن البد من اإلقب ال على اهلل جل وعال حىت يك ون التفكري س ليما وأن حنذر‬
‫من اخلذالن؛ ألن هذا له أثر كبري يف التفكري اخلاطئ‪.‬‬
‫من المؤثرات السلبية على التفكري السليم أو أشياء جتعل منهج التفكري‪ :‬خاطئا‬
‫تصديق الشائعات‪.‬‬
‫الن اس مغرم ون بالش ائعات ف إذا مسعوا خري ما أحد نش ره؛ لكن إذا مسعوا ش يء‬
‫فيه ما فيه نش روه‪ ،‬الش ائعات ه ذه كث رية االنتش ار وأك ثر الش ائعات ال ص حة هلا‪،‬‬
‫والصحيح منها مبالغ فيه كما ذكرنا‪.‬‬
‫الش ائعة ما حكمها حماض رات كث رية هن اك كتب ورس ائل يف الش ائعات معروفة‬
‫الس لبية على التفكري الص حيح تص ديق‬ ‫ميكن أن ترجع وا إليه ا؛ لكن من الت أثريات َّ‬
‫اءه ْم أ َْم ٌر ِّم َن األ َْم ِن أَ ِو الْ َخ ْو ِف أَ َذاعُ واْ بِ ِه﴾‬
‫الشائعات‪ ،‬كما قال اهلل جل وعال ﴿ َوإِ َذا َج ُ‬
‫[النس اء‪ ]82:‬يعين ش ائعة‪ ،‬ينشر الش ائعات وه ذا ال يص ح‪« ،‬من ح ّدث بكل ما س مع‬
‫فهو أحد الك اذبِين» تنشر الش ائعات ه ذا ي ؤثر على تفك ريك‪ ،‬مث بعد ذلك أنت‬
‫تنشرها تصدقها‪ ،‬يعين مثل ما قال بعضهم يكذب الكذبة مث إذا انتشرت رجعت إليه‬
‫قال ميكن أن تكون صحيحة وهو أصال الذي كذهبا‪.‬‬
‫يقول أحدهم أظنه هتلر يف أملانيا يقول لوزير إعالمه يقول‪ :‬اكذب الكذبة عشر‬
‫م رات‪ ،‬ردده ا‪ ،‬اك ذب الكذبة إعالمية عشر م رات فإهنا ستص بح حقيق ة‪ ،‬حىت أنا‬
‫سأصدقها‪ .‬وهذا صحيح يف طبع اإلنسان‪.‬‬
‫ويقول ون أش عب ق ال للن اس املك ان الفالين فيه دع وة ش افهم كلهم س ارعوا‬
‫وكلهم راح وا فيه عزمية وهو حيب أن يأكل جمان ا‪ ،‬راح ش اف الن اس يروح ون‬
‫يروحون وهو معلّم عشرة لكن جاءت الشائعة قال واهلل ميكن صحيحة أروح أنا‪.‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪18‬‬
‫ه ذا ت أثري الش ائعة حىت على النفس ول ذلك من اخللل يف التفكري أن تص دق‬
‫اس ٌق بِنَبَ ٍأ َفتََبَّينُ وا﴾[احلجرات‪]6:‬‬
‫الشائعات‪ ،‬شرعا ال جيوز والبد من التثبت ﴿إِن جاء ُكم فَ ِ‬
‫َ ْ‬
‫ويف الق راءة األخ رى ﴿ َفتَثَبَّتُ وا﴾‪ ،‬البي ان ﴿ َفتََبَّينُ وا﴾يعين أطلب البي ان أطلب احلجة‬
‫أطلب الدليل‪.‬‬
‫واآلن يلفق أشياء على الناس ال حصر هلا وكذب صراح‪.‬‬
‫من مع الم الغلط في التفك ير حتذر منه إذا أردت التفكري الص حيح‪ ،‬حتذر من‬
‫شيء‪ :‬وهو تأثير الشعارات واأللفاظ الرنانة الطنانة كما يقال‪.‬‬
‫يقول بعض الفالسفة‪ :‬كم نفذت أمور هي من اخلُ ْر ِق مبا كان‪ .‬يعين نفذت يف‬
‫الناس ومشت يف الناس وآمنوا هبا وصدقوها وعملوا هبا أو عمل هبا طائفة‪.‬‬
‫كم نف ذت أم ور هي من اخلرق مبا ك ان ‪-‬يعين س يئة‪ -‬يف ظل ألف اظ حس نة‬
‫االنتقاء‪.‬‬
‫ي أيت املفكر أو ص احب ال دعوة أو ص احب السياسة أو ص احب احلزب أو إىل‬
‫آخ ره فرييد الت أثري عن أش ياء‪ ،‬في أيت بلفظ مجيل حىت ينخ دعوا باللفظ وال ينتبه وا إىل‬
‫ما حتته‪.‬‬
‫ف إذن من أس باب التفكري اخلاطئ االخنداع بالش عارات‪ ،‬واملؤمن الع ربة عن ده‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم ماذا قال لنا يف آخر الزمان؟‬
‫حبقائق األمور ال بالشعارات‪ ،‬النيب َ‬
‫ق ال «يش ربون الخمر يس مونها بغ ير اس مها» هل ه ذا األمر للخمر فق ط؟ ظ اهر‬
‫خيص ون اخلمر بأنه يسموهنا بغري امسها‪ ،‬عندهم أشياء ثانية‬‫احلديث للخمر؛ لكن ملاذا ّ‬
‫مسوها بغري امسها حىت تكون حالال‪ ،‬كذلك سيسمون هذا وهذا وأشياء كثرية‪.‬‬
‫اليوم هناك أشياء كثرية املراد منها خالف الشعار؛ لكن الشعار يأيت حىت ميشي‬
‫وي روج‪ ،‬مثاهلا مثال‪ :‬اإلص الح‪ ،‬النه وض باألم ة‪ ،‬الوهابي ة‪ ،‬اجله اد‪ ،‬إص الح املن اهج‪،‬‬
‫قضايا كثرية‪ ،‬يقول ضبط أو املؤسسات اخلريية احلذر من متول اإلرهاب‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬
‫ألف اظ ظاهرها مجي ل‪ ،‬اإلص الح مطل وب‪ ،‬حماربة الفس اد س واء أك ان يف األم ور‬
‫السياس ية أويف األم ور الدعوية أو يف األم ور العلمية أو يف أي جمال من اجملاالت‪،‬‬
‫ت﴾[هود‪]88:‬؛ لكن ما داخل هذه‬ ‫اس تَطَ ْع ُ‬ ‫اإلصالح مطلوب ﴿إِ ْن أُ ِري ُد إِالَّ ا ِإل ْ‬
‫ص الَ َح َما ْ‬
‫الكلمة؟ ما حتتها؟ اإلصالح كيف؟ تصلحون ماذا؟ بأي شيء؟ لو أتى الربنامج‪ ،‬ماذا‬
‫تري دون؟ هنا ي بني الطريق من الطري ق‪ ،‬والن اس ينخ دعون باللفظ الع ام ويؤمن ون به‬
‫ويدافعون عنه والذي أورد هذه األلفاظ يريد منها أشياء غري ظاهرها‪.‬‬
‫إيش مثلن ا؟ يق ول لك إص الح املن اهج‪ ،‬إص الح املن اهج طيب‪ ،‬ك ون أنه من اهج‬
‫حتت اج إىل تع ديل‪ ،‬ه ذا أمر مطل وب‪ ،‬ما فيه شك أن املن اهج اليت ندرس ها الي وم أو‬
‫يدرس ها طالبنا س واء يف التعليم الع ام أو يف اجلامع ات غري اليت درست قبل ثالثني‬
‫سنة‪ ،‬هل معناه أن هذه أحسن من اليت قبل ثالثني سنة أو اليت يف ثالثني سنة أحسن‬
‫واليت قبل مائة سنة واليت قبل ألف سنة؟‬
‫مفهوم إصالح املناهج مفهوم طيب يف ظاهره‪ ،‬تعديلها؛ لكن ما داخله؟ هنا يأيت‬
‫الكالم‪.‬‬
‫هن اك دع وات من اهج املس لمني ت دعو إىل اإلره اب‪ ،‬من اهج التعليم يف اململكة‬
‫العربية الس عودية فيها ك ذا‪ ،‬ها دخلنا إىل يف أن ما حنن عليه من ال دين والص الح‬
‫واملن اهج الش رعية إىل آخ ره أنن فيها أش ياء ي راد أن تُض عف أو أن جتتنب أو أهنا‬
‫مبجملتها يكون فيها كذا وكذا‪ ،‬إذن يكون فيه حذر‪.‬‬
‫مثل اجلهاد‪ ،‬اجلهاد شرعي مطلوب ومأمور به وسنام اإلسالم اجلهاد؛ لكن‪:‬‬
‫دخل يف اجلهاد قتل النفس‪.‬‬
‫دخل يف اجلهاد قتل األطفال‪.‬‬
‫دخل يف اجلهاد قتل النساء‪.‬‬
‫دخل يف اجلهاد قتل املعصومني معصومي الدم‪.‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪20‬‬
‫دخل يف اجلهاد ما يضر باألمة بكل أنواعها‪.‬‬
‫رغب يف اجله اد‬‫إذن ه ذا مُس ي جه ادا وحقيقته ليس ك ذلك‪ ،‬ليش؟ حىت من ِ‬
‫يدخل فيه منخدعا به‪.‬‬
‫مثل املؤسس ات اخلريي ة‪ ،‬اهلجمة عليها ش ديدة‪ ،‬كيف نفك ر‪ ،‬ه ذه فيها دعم‬
‫لإلرهاب‪ ،‬طيب فيها خلل مايل‪ ،‬فيها كذا وكذا‪ ،‬طيب اخللل يصلح؛ لكن كم نسبة‬
‫اخللل فيها واحد يف املائة اث نني يف املائ ة‪ ،‬كم نس بة الغل ط‪ ،‬لكن كم نس بة الغل ط؟ ما‬
‫من عمل بشري إال وفيه نسبة من الغلط‪.‬‬
‫ف إذن اللفظ هنا ي أيت بعض الن اس أع وذ باهلل ه ؤالء يعمل ون ك ذا‪ ،‬واملؤسس ات‬
‫اخلريية فيه ا‪ ،‬ويطنطن وي أيت أيضا كالم يف الص حف وكالم يف وس ائل وك أن الشر‬
‫هنا‪ ،‬واحلقيقة أن هذه الشعارات؛ لكن حتتها أمور سيئة‪.‬‬
‫نعم املؤمن احلكمة ض الته أين وجها فهو أحق هبا‪ ،‬إذا ك ان فيه إص الح يف‬
‫املؤسس ات اخلريية مطل وب‪ ،‬إع ادة تنظيمها مطل وب‪ ،‬ض بطها ماليا وض بطها إداريا‬
‫وهيكلتها ه ذا مطل وب؛ لكن ليس معىن ذلك االهتام‪ ،‬ليس معىن ذلك أننا نص دق ما‬
‫يقال‪ ،‬فرق بني هذا وهذا‪.‬‬
‫فاملؤسسات تعمل عمال عظيما يف األمة‪ ،‬هذه األمثلة لذلك‪.‬‬
‫من الم ؤثرات الس لبية يف منهج التفك ري‪ :‬األخذ باألشد واألق وى من األق وال‬
‫واألعمال على أنه الصواب والحق‪.‬‬
‫بعض الن اس يفكر كيف أن األق وى دائما من األق وال ه ذا الق وي‪ ،‬ه ذا ال ذي‬
‫فعل‪ ،‬هذا الرجل‪ ،‬هذا الشجاع‪ ،‬أنه دائما هو الصواب‪ ،‬وليس كذلك‪.‬‬
‫القوة يف موضعها حممودة واحلكمة أو وضع األمور يف موضعها حممود بل تكون‬
‫احلكمة يف القوة واحلكمة أحيانا يف مترير األمور‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم يف صلح احلديبية‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬
‫ملا أتى عمر َرض َي اهللُ عْن هُ مع النيب َ‬
‫عم ر‪ :‬يا رس ول اهلل على ما نقبل الدنية يف ديننا ألس نا على احلق وهم على الباط ل؟‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم ص احلهم حىت إن يف الش روط فيها ‪-‬كما ق ال‬ ‫هنا الق وة‪ ،‬النيب َ‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم ألنه األدرى‬
‫عم ر‪ -‬دنية لكن املص لحة لألمة فيما أراده النيب َ‬
‫باملص احل حىت عمر على جاللة ق دره وهو ث اين رجل يف األمة أبو بكر مث عمر لكنه‬
‫هنا نظر نظرا أراد األقوى؛ لكن احلكمة كانت يف خالف ذلك‪.‬‬
‫ك ذلك ملا ج اءت ح رب املرت دين األمر انعكس‪ ،‬ملا ج اءت ح روب ال ردة ك ان‬
‫األقوى من أبو بكر الصديق َر ِض َي اهللُ عْن هُ‪ ،‬وكان الذي يريد اللني من؟ عمر َر ِض َي‬
‫اهللُ عْنهُ‪ ،‬عمر قال‪ :‬كيف تقاتلهم؟ فآل األمر إىل قول عمر َر ِض َي اهللُ عْن هُ فلما رأيت‬
‫أبا بكر انشر صدره للقتال علمت أنه احلق‪.‬‬
‫ف إذن اإلنس ان قد يعرتيه يف مواقف ق وة‪ ،‬هنا كيف تفك ر؟ ليس الص واب يف‬
‫املنهج يف التفكري أن القوة والشدة هي الصواب؛ بل يف كل موضع يقول‪ :‬هذا يعرف‬
‫العقالء احلكم اء‪ ،‬يعرفه أهل األمر أويل األمر العلم اء الراس خون‪ ،‬ال ذين م رت هبم‬
‫جتارب إىل آخره‪.‬‬
‫فإذن املسألة ال تأخذ دائما بالشد من الفتاوى من الفتاوى أهنا الصحيحة‪ ،‬أو أن‬
‫املوقف القوي على أنه هو الصحيح‪ ،‬قد يكون صحيحا وقد يكون احلكمة خبالفه أو‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم ما خري بني أم رين إال اخت ار‬
‫الص واب خبالف ه‪ ،‬يف الفت وى النيب َ‬
‫أيسرمها ما مل يكن إمثا‪.‬‬
‫ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم يف أنه إذا خرّي بني أم رين اخت ار‬‫ت بني هبذا ه دي النيب َ‬
‫أيس رمها ما مل يكن إمثا‪ ،‬إذا ك ان األمر واض حا أنه إمثا ه ذا يس تثىن‪ ،‬إذا ك ان األمر‬
‫واضح أنه إمث هذا يستثىن؛ لكن إذا اختار بني أمرين خيتار اليسر ألن هذا الدين يسر‪.‬‬
‫للشيخ صالح آل الشيخ‬ ‫‪22‬‬
‫ف إذن من املؤثرات على املنهج الص حيح يف التفكري أن يأخذ املس لم باألشد‬
‫واألق وى واألغلظ على أن ه ذا هو احلق‪ ،‬ليس ك ذلك‪ ،‬ال دين يسر «إن ه ذا ال دين‬
‫يسر ولن يشاد الدين أحد إال غلبه» قد تكون القوة يف املوقف مطلوبة كما ذكرنا‬
‫وقد يكون اللني مطلوبا وكل يف موضعه حيمد إذا تواله من حيسن األمر‪.‬‬
‫نكتفي هبذا الق در‪ ،‬وأس أل اهلل جل وعال أن ي ربم هلذه األمة أمر رشد يعز فيه‬
‫أهل الطاعة ويعاىف فيه أهل املعصية‪ ،‬ويؤمر فيه باملعروف وينهى فيه عن املنكر‪.‬‬
‫اللهم وفق والة أمورنا ملا فيه الرشد والس داد‪ ،‬واجعلنا معهم من املتع اونني على‬
‫الرب والتقوى‪.‬‬
‫اللهم وفق علماءنا إىل ما فيه رض اك‪ ،‬وكن هلم على ما فيه اخلري من الق ول‬
‫والعمل‪.‬‬
‫اللهم وفق كل من عمل لإلسالم إىل ما فيه عز اإلسالم وصالح املسلمني‪.‬‬
‫اللهم ه يئ لنا من أمرنا رش دا واغفر لنا ولوال دينا وملن له حق علينا وألم وات‬
‫املسلمني إنك جواد كرمي‪.‬‬
‫اللهم إن ذنوبنا كثرية وأنت الغفار الرحيم‪ ،‬اللهم فاغفر مجا‪ ،‬اللهم جتاوز عما‬
‫تعلم وال نعلم‪ ،‬وما عملن اه ف إن ص فتك العفو والغف ران وص فتك التقصري وال ذنب‬
‫والعصيان‪.‬‬
‫اللهم ارمحنا برمحتك اليت وس عت كل ش يء إنك ج واد ك رمي‪ ،‬ال تكلنا إىل‬
‫أنفسنا طرفة عني‪ ،‬طهرنا وأنت خري الغافرين‪.‬‬
‫وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممد‪.‬‬
‫‪‬‬
‫أع ّد هذه املادة‪ :‬سامل اجلزائري‬

You might also like