You are on page 1of 6

‫التحذير من صفات المنافقين‬

‫‪1‬‬

‫التحذير من صفات المنافقين‬

‫الحمد هلل حمدًا كثيرًا طيبًا مبار ًكا فيــه كمــا يحب ربنــا ويرضــى‪،‬‬

‫من منبر المسجد الحرام‬


‫أحمده سبحانه وأشكره على آالئه ونعمه‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده‬
‫ال شريك له‪ ،‬يحب المخلصين الصــادقين من عبــاده‪ ،‬ويكــره المنــافقين‬
‫المــرائين بأعمــالهم‪ ،‬وأشــهد أن ســيدنا محمــدًا عبــده ورســوله‪ ،‬ســيد‬
‫الصادقين‪ ،‬وإمام المتقين‪ ،‬اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمــد‬
‫وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فيا أيها الناس‪ ،‬اتقوا هللا حق تقاته‪ ،‬واعلموا أن هللا مطلــع‬
‫على السرائر والظواهر‪ ،‬ال تخفى عليــه خافيــة‪ ،‬يعلم مــا تســرون ومــا‬
‫تعلنون‪ ،‬وهو عليم بذات الصدور‪ ،‬يعلم السر وأخفى‪ ،‬يعلم الســر الــذي‬

‫‪1437/11/11‬هـ‬
‫ال يطلع عليه أحد من المخلوقين سوى صاحبه‪ ،‬ويعلم ما هو أخفى من‬
‫ذلك‪ ،‬وهو الشيء الذي لم يخطر لــك ببــال‪ ،‬يعلم ســبحانه أنــه ســيخطر‬
‫ببالك‪.‬‬
‫‪Mohammad Altemssahy‬‬
‫‪2‬‬
‫من منبر المسجد الحرام‬
‫وهذا والحمد هلل كل مؤمن يؤمن بذلك‪ ،‬ويعلم أن هللا يعلم مــا كــان‬
‫ومــا ســيكون‪ ،‬ولكن مــع األســف إن بعضــا من النــاس يخــادعون هللا‬
‫ويخادعون عباد هللا المؤمنين بأقوالهم المعسولة‪ ،‬وعبــاراتهم الخالبــة‪،‬‬
‫فترى البعض يلقاك بوجه طليق‪ ،‬ويظهر لك المحبة والمودة والصــدق‬
‫واإلخالص‪ ،‬ولكنه بخالف ما يظهــر‪ ،‬وعلى عكس مــا يُبــدي قــد امتأل‬
‫قلبه غيظًا‪ ،‬وحقدًا‪ ،‬ونفاقًــا‪ ،‬ومراوغــة‪ ،‬يُبــدي خالف مــا يكن‪ ،‬ويظهــر‬
‫خالف ما يبطن‪ ،‬يبيع دينه بعرض من الدنيا‪ ،‬ويهدر كرامته في ســبيل‬

‫من منبر المسجد الحرام‬


‫نيــل بعض غرضــه الشخصــي‪ ،‬أو حاجتــه الدنيويــة‪ ،‬اتخــذ صــفات‬
‫المنافقين له مركبا‪ ،‬وابتعد عن صفات المؤمنين الصادقين‪ .‬لما سقطت‬
‫نفسه عن درجة األخالق العالية‪ ،‬واســتحلت المهانــة والذلــة وسفســاف‬
‫األخالق‪ ،‬هبــط عن درجــة المؤمــنين‪ ،‬وهــوى في هــوة المنــافقين‪ ،‬إن‬
‫النفاق مرض خطير‪ ،‬وخزي كبير‪.‬‬
‫إنــه داء مهلــك مــا فشــا في أمــة من األمم إال كــان نــذير دمارهــا‪،‬‬
‫وخرابها‪ ،‬وسبيل شقائها وعذابها‪ ،‬وما حل في نفس إال كــان دليال على‬
‫مهانتها‪ ،‬وضياع عزتها‪ ،‬وفقدان شرفها‪ ،‬وشــهامتها‪ ،‬فالنفــاق عــار في‬
‫‪1437/11/11‬هـ‬
‫الــدنيا‪ ،‬ونــار في األخــرى‪ ،‬يقــول ســبحانه‪{:‬إِ َّن ْال ُمنَــافِقِينَ فِي الــ َّدرْ ِ‬
‫ك‬
‫َص ـيرًا}[النســاء‪ .]145:‬المنــافق شــخص‬ ‫اأْل َ ْس ـفَ ِل ِمنَ النَّ ِ‬
‫ار َولَ ْن ت َِجـ َد لَهُ ْم ن ِ‬
‫حارب هللا ورسوله‪ ،‬واتبع غير سبيل المؤمنين‪ .‬إن النفاق نوعان‪:‬‬
‫نفــاق في االعتقــاد‪ ،‬وصــاحبه مخلــد في النــار‪ ،‬وهــو من يظهــر‬
‫اإلســالم ويبطن الكفــر‪ ،‬يكــره اإلســالم ويحب الكفــر‪ ،‬يكــره خصــال‬
‫‪Mohammad Altemssahy‬‬

‫اإليمان ويحب خصال النفاق‪.‬‬


‫التحذير من صفات المنافقين‬
‫‪3‬‬
‫ونفاق عملي‪ ،‬وهو العمل بصفات المنــافقين من الكــذب والخيانــة‬
‫وخلف الوعد‪ ،‬وصاحبه على خطر عظيم نسأل هللا السالمة‪.‬‬
‫أيها المسلم‪ :‬إذا أردت معرفــة المنــافق‪ ،‬والتعــرف على صــفات‬
‫المنافقين‪ ،‬وعالماتهم لتحذر منهم وتبعـد عن هـذا الصـنف من النـاس‪،‬‬
‫وتبعد عن صــفاته‪ ،‬فــاعلم أن الكــذاب منــافق‪ ،‬وأن الكــذب من صــفات‬
‫أهـل النفـاق‪ ،‬فنجـد أحـدهم يحلـف في بيعـه وشـرائه‪ ،‬ويكـرر األيمـان‬

‫من منبر المسجد الحرام‬


‫المغلظة‪ ،‬وهو يعلم كذب نفسه‪ ،‬يخادع النــاس بهــذه األيمــان المغلظــة‪،‬‬
‫اتخذ الكذب مطية لــه في حديثــه‪ ،‬وفي مواعيــده‪ ،‬وفي معامالتــه‪ ،‬وفي‬
‫نقله وخبره‪ ،‬وفي هزله وجده يكذب ويعزز كذبه بيمينــه‪ ،‬حــتى يجــوز‬
‫كذبه على محدثه‪ ،‬ويطــاع فيمــا يقــول‪ ،‬وقــد نهى هللا عن طاعــة أمثــال‬
‫هؤالء‪ ،‬ووصفهم في محكم كتابه فقال ســبحانه‪َ { :‬واَل تُ ِطـ ْع ُكـ َّل َحاَّل ٍ‬
‫ف‬
‫يم}[القلم‪.]12-10:‬‬ ‫اع لِ ْلخَ ي ِْر ُم ْعتَ ٍد أَثِ ٍ‬
‫از َم َّشا ٍء بِنَ ِم ٍيم (‪َ )11‬منَّ ٍ‬
‫ين (‪ )10‬هَ َّم ٍ‬
‫َم ِه ٍ‬
‫إن خلف الوعد خلق ذميم‪ ،‬وهـو من صـفات المنـافقين‪ ،‬كمــا أن‬
‫الخيانــة من عالمــات النفــاق‪ ،‬الخيانــة في األمانــة‪ ،‬الخيانــة في األهــل‬

‫‪1437/11/11‬هـ‬
‫والمال‪ ،‬الخيانة في كشف األســرار وهتــك األعــراض‪ .‬إن من صــفات‬
‫المنافقين في القرآن الكريم ما ذكره هللا بقوله‪ { :‬إِ َّن ْال ُمنَافِقِينَ يُ َخا ِد ُعونَ‬
‫هَّللا َ َوهُ َو َخا ِد ُعهُ ْم َوإِ َذا قَا ُموا إِلَى َّ‬
‫الصـاَل ِة قَــا ُموا ُك َسـالَى يُـ َراءُونَ النَّ َ‬
‫اس‬
‫َواَل يَ ْذ ُكرُونَ هَّللا َ إِاَّل قَلِياًل }[النساء‪.]142:‬‬
‫‪Mohammad Altemssahy‬‬
‫‪4‬‬
‫من منبر المسجد الحرام‬
‫إن من صـــفات المنـــافقين التهكم بعبـــاد هللا المؤمـــنين‪ .‬وكـــثرة‬
‫االستهزاء بهم‪ ،‬وتنقصهم في دينهم‪ ،‬وتمسكهم بسنة نــبيهم‪َ { :‬وإِ َذا لَقُــوا‬
‫الَّ ِذينَ آ َمنُوا قَالُوا آ َمنَّا َوإِ َذا خَ لَوْ ا إِلَى َشيَا ِطينِ ِه ْم قَــالُوا إِنَّا َم َع ُك ْم إِنَّ َمــا نَحْ ُن‬
‫[البقرة‪:‬‬ ‫ُم ْستَه ِْزئُونَ (‪)14‬ـ هَّللا ُ يَ ْستَه ِْز ُ‬
‫ئ بِ ِه ْم َويَ ُم ُّدهُ ْم فِي طُ ْغيَانِ ِه ْم يَ ْع َمهُونَ }‬
‫‪.]15 -14‬‬
‫إن المنــافقين إن ســمعوا عن مــؤمن أن تصــدق بــالكثير من مالــه‬
‫لمزوه بأنــه مــراء‪ ،‬وإن تصــدق بالقليل على قــدر جهــده عــابوه بــإخراج‬

‫من منبر المسجد الحرام‬


‫القليل‪ ،‬وسخروا منه‪ ،‬وهم ال هذا أخرجــوا‪ ،‬وال ذاك أعطــوا‪ ،‬وقــد ذكــر‬
‫هللا ذلـــك من صـــفاتهم بقوله ســـبحانه‪{:‬الَّ ِذينَ يَ ْل ِمـــ ُزونَ ْال ُمطَّ ِّو ِعينَ ِمنَ‬
‫ت َوالَّ ِذينَ اَل يَ ِجـ ُدونَ إِاَّل ُج ْهـ َدهُ ْم فَيَ ْسـ َخرُونَ ِم ْنهُ ْم‬ ‫ْال ُم ْؤ ِمنِينَ فِي َّ‬
‫الصـ َدقَا ِ‬
‫َس ِخ َر هَّللا ُ ِم ْنهُ ْم َولَهُ ْم َع َذابٌ أَلِي ٌم}[التوبة‪.]79:‬‬
‫إن نبيكم الكريم ‪ ‬نصحكم غاية النصيحة‪ ،‬وحذركم من صفات‬
‫أهل النفاق وبين لكم شيئًا من عالماتهم لتحــذروهم‪ ،‬ولتجتنبــوا صــفاتهم‬
‫المذمومــة‪ ،‬فقــال ‪ « :‬آيــة المنــافق ثالث‪ :‬إذا حــدث كــذب‪ ،‬وإذا وعــد‬
‫أخلف‪ ،‬وإذا ائتمن خان »‪.‬‬
‫‪1437/11/11‬هـ‬
‫‪Mohammad Altemssahy‬‬
‫التحذير من صفات المنافقين‬
‫‪5‬‬
‫فهذه من أحوالهم الظــاهرة‪ ،‬وصــفاتهم الواضــحة‪ ،‬فاحــذروا أيهــا‬
‫المؤمنــون أن تتصــفوا بشــيء من صــفاتهم‪ ،‬فتشــاركوهم في عــذابهم‪،‬‬
‫وتشاطروهم اسم النفاق‪{:‬إِ َذا َجا َءكَ ْال ُمنَافِقُونَ قَــالُوا ن َْش ـهَ ُد إِنَّكَ لَ َر ُس ـو ُل‬
‫ك لَ َرسُولُهُ َوهَّللا ُ يَ ْشهَ ُد إِ َّن ْال ُمنَــافِقِينَ لَ َكــا ِذبُونَ (‪ )1‬اتَّ َخـ ُذوا‬
‫هَّللا ِ َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم إِنَّ َ‬
‫يَ ْع َملُونَ } [المنــافقون‪:‬‬ ‫يل هَّللا ِ إِنَّهُ ْم َسا َء َما َكانُوا‬ ‫أَ ْي َمانَهُ ْم ُجنَّةً فَ َ‬
‫ص ُّدوا ع َْن َسبِ ِ‬
‫‪.]2 -1‬‬

‫من منبر المسجد الحرام‬


‫نفعني هللا وإياكم بــالقرآن العظيم‪ ،‬وبهـ ْدي ســيد المرســلين‪ ،‬أقــول‬
‫قــولي هــذا‪ ،‬وأســتغفر هللا لي ولكم‪ ،‬ولســائر المســلمين من كــل ذنب‪،‬‬
‫فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫أول الخطبة الثانية‬

‫الحمـد هلل عـالم الغيب والشـهادة‪,‬أحمـده سـبحانه وأشـكره‪,‬وأسـأله‬


‫المزيد من فضله‪,‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك لــه‪,‬وأشــهد أن‬
‫ســيدنا محمــدا عبــده ورســوله‪,‬اللهم صــل وســلم على عبــدك ورســولك‬
‫محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬ ‫‪1437/11/11‬هـ‬
‫‪Mohammad Altemssahy‬‬
‫‪6‬‬
‫من منبر المسجد الحرام‬
‫أما بعد‪ :‬فاتقوا هللا عبــاد هللا‪,‬وأخلصــوا أعمــالكم هلل‪ ،‬واحــذروا من‬
‫صــفات أهــل النفــاق‪ ،‬ومجالســتهم‪ ،‬واإلقتــداء بهم‪ ،‬فــإن جليس الســوء‬
‫يكسبك من صفاته من غير أن تشعر بذلك‪ ،‬وقد بين لنا ‪ ‬صــفات أهــل‬
‫النفــاق ؛ لنبعــد عن أهلهــا فقــد روى البخــاري ومســلم عن عبــد اهلل بن‬
‫عمرو بن العاص رضي هللا عنهما أن النبي ‪ ‬قال‪ « :‬أربع من كن فيه‬
‫ّ‬
‫منهن كــانت فيــه خصــلة من‬ ‫كان منافقا خالصًا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة‬
‫نفاق حتى يدعها‪ :‬إذا اؤتمن خان‪ ،‬وإذا حدث كــذب‪ ،‬وإذا عاهــد غــدر‪,‬‬

‫من منبر المسجد الحرام‬


‫وإذا خاصم فجر »‪.‬‬
‫فاحــذروا عبــاد هللا من هــذه الخصــال الذميمــة‪ ،‬وعليكم بالصــدق‬
‫والبر؛ فإنه يهدي إلى الجنة كما جاء في الحــديث الــذي رواه البخــاري‬
‫ومسلم عن عبد هللا بن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رســول هللا ‪« :‬إن الصـدق‬
‫يهدي إلى البر‪ ،‬وإن البر يهدي إلى الجنــة‪ ،‬وإن الرجــل ليصــدق حــتى‬
‫يكتب عنــد هللا صــديقا‪ .‬وإن الكــذب يهــدي إلى الفجــور‪ ،‬وإن الفجــور‬
‫يهدي إلى النار‪ ،‬وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند هللا كذابا »‪.‬‬

‫‪1437/11/11‬هـ‬
‫‪Mohammad Altemssahy‬‬

You might also like