You are on page 1of 328

‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬

‫بن ماحمد آل الشيخ‬


‫شرح الرأبعين النووية‬

‫لمعالي الشيخ‪/‬صالح بن عبد‬


‫العزيز آل الشيخ‬
‫وزير الشؤون السإلماية و الوقاف و‬
‫الدعوة و الرأشاد‬

‫‪0‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫المقدمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله الذي أرأسإل رأسإوله بالهدى و كفى بالله شهيدا ‪ ،‬و أشهد أل إله إل‬
‫الله إقرارأا ً به و توحيدا ‪ ،‬و أشهد أن ماحمد عبده و رأسإوله صلى الله عليه و‬
‫على آله و صحبه و سإّلم تسليما ً مازيدا‪.‬‬
‫أماا بعد‪:‬‬
‫فقد شرح شيخنا العلماة‪/‬صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ‪ -‬حفظه الله ‪ -‬ماتن‬
‫الرأبعين النووية و ذلك ضمن أحد الدورأات العلمية التي تقام بجاماع شيخ‬
‫للسإلم ابن تيمّية ‪ -‬رأحمه الله ‪ -‬و قد فرغ المسؤولون عن هذه الدورأة هذه‬
‫الدرأوس ووضعوها في ماوقع الجاماع ‪ http://www.taimiah.com‬و جعلوا كل‬
‫حديث في مالف ماستقل‪.‬‬
‫ن الله علي بأن جمعت ماا فّرغّوه في مالف واحد و أعدت تنسيق بعض‬‫و قد ما ّ‬
‫ماا لزم تنسيقه و جعلت له فهرسإا ً في نهاته‪.‬‬
‫و أسإأل الله أن يتقبل عملي هذا و أن يثيب شيخنا العلماة صالحا ً خير الجزاء‬
‫و أن يثيب المسؤولين على جاماع شيخ السإلم ابن تيمّية على إقاماة هذه‬
‫الدورأة و على قياماهم بتفريغ الدرأوس‪.‬‬
‫و صلى الله على نبينا ماحمد و على آله و صحبه أجمعين‪.‬‬
‫أبو عبد الله أحمد الثأري‬

‫مقدمة الشارح‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الحمد لله حق حمده‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحححده ل شححريك لححه‪،‬‬


‫ما لمجده‪ ،‬وأشهد أن ماحمدا عبد الله ورأسإوله‪ ،‬صلى الله عليححه‪،‬‬ ‫تعظي ً‬
‫ما كثيًرا إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وعلى آله وصحبه وسإلم تسلي ً‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فأسإأل الله الكريم بأسإححمائه الحسححنى‪ ،‬وصححفاته العل‪ ،‬أن يجعلنححي‬


‫وإياكم مامن يتحرك لله‪ ،‬ويعمل لله‪ ،‬ويطلب العلم لله‪ ،‬ويتكلم ويعمل‬
‫لله ‪-‬جل جلله‪ -‬فح ‪ ‬إنما العمال بالنيححات‪ ،‬وإنمححا لكححل اماححرئ ماححا‬
‫نوى ‪ ‬وماا مان شك أن ‪ ‬طلب العلم فريضة على كل ماسححلم‬
‫‪ ‬كما ثأبت ذلك عن المصطفى‪ -‬صلى الله عليه وسإلم‪.-‬‬
‫وطلب العلم له أصوله‪ ،‬ولححه رأتبححه‪ ،‬فمححن فححاته طلححب العلححم‬
‫على رأتبه وأصوله‪ ،‬فإنه يحرم الوصول‪ ،‬وهذه ماسححألة كححثيًرا ماححا‬
‫نكررأها رأغّبة في أن تقر في قلوب طلبة العلم وماحححبي العلححم‪،‬‬
‫أل وهي أن يطلب العلم شيًئا فشيًئا علححى ماححر اليححام والليححالي‪،‬‬
‫كما قال ذلك ابححن شححهاب الزهححري ‪-‬الماححام المعححروف‪ -‬إذ قححال‪:‬‬
‫"مان رأام العلم جملة ذهب عنه جملة‪ ،‬وإنما يطلب العلم علححى‬
‫مار اليام والليالي"‪.‬‬
‫وهححذا كمححا تححدرأس صححغيًرا أصححول الكتابححة‪ ،‬أو أصححول نطححق‬
‫الكلمات‪ ،‬فإنه ل بد أن يأخذه شيًئا فشيًئا‪ ،‬ثأم إذا اسإححتمر علححى‬
‫ذلك أحكم الكتابة‪ ،‬وأحكم النطق حتى تمكن مان ذلححك‪ ،‬والعلححم‬
‫كذلك‪ ،‬فالعلم مانه صغارأ‪ ،‬ومانه كبارأ باعتبارأ الفهم كبارأ العمل‪.‬‬
‫وباعتبارأ كون العلم مان الله ‪-‬جل جلله‪ -‬وعن رأسإححوله ‪ ‬فححإنه‬
‫ليس في العلم شيء سإهل‪ ،‬كما قال ماالك ‪-‬رأحمه الله تعححالى‪-‬‬
‫إذ قيل له‪ :‬هذا مان العلم السهل‪ ،‬قال‪ :‬ليححس فححي علححم القححرآن‬
‫‪‬‬ ‫والسنة شيء سإهل‪ ،‬وإنمححا كمححا قححال اللححه ‪-‬جححل وعل‪ :-‬‬
‫‪. (1)     ‬‬
‫فالعلم مان أخذه على أنه ثأقيل صعب أدرأكه‪ ،‬وأماححا ماححن أخححذ‬
‫المسائل على أنها سإهلة‪ ،‬وهححذه سإححهلة‪ ،‬وهححذه ماتصححورأة‪ ،‬وهححذه‬
‫مافهوماة‪ ،‬ويمر عليها مارورأ السريع‪ ،‬فإن هذا يفوته شيء كثير‪.‬‬
‫فإًذا ل بد لنا في طلب العل م ماحن تحدرأج فيحه علحى أصحوله‪،‬‬
‫وعلى مانهجية واضحة ‪،‬ول بد لنا أن نأخذ العلم على أنححه ليححس‬
‫فيه شيء سإهل؛ بححل كلححه ثأقيححل ماححن حيححث فهمححه‪ ،‬وماححن حيححث‬
‫تثبيته‪ ،‬ومان حيث اسإتمرارأه ماع طالب العلم‪ ،‬فهو ثأقيل ل بد له‬
‫مان ماواصلة وماتابعة‪ ،‬فالعلم ينسى إذا تححرك‪ ،‬وإذا تواصححل ماعححه‬
‫‪ - 1‬سإورأة المزمال آية ‪.5 :‬‬

‫‪2‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫طالب العلم فإنه يبقى‪ ،‬وهذا يعظححم التبعححة علححى طححالب العلححم‬
‫في أل يتساهل في طلبه للعلم‪.‬‬
‫فل يقححولن قائححل ماثل‪ :‬هححذا الكتححاب سإححهل‪ ،‬وهححذا المتححن لححم‬
‫يشرح؛ لنه سإهل واضح‪ ،‬أحاديث ماعروفة‪ ،‬فححإن هححذا يححؤتى ماححن‬
‫هححذه الجهححة‪ ،‬حيححث اسإتسححهل الصححول وعقححد العلححم‪ ،‬وقححد قححال‬
‫طائفة مان أهل العلححم‪" :‬العلححم عقححد ومالححح‪ ،‬فمححن أحكححم العقححد‬
‫سإهل عليه العلم‪ ،‬ومان فاته حل العقححد فححاته العلححم" وهححذا إنمححا‬
‫يكون بإحكام أصول العلوم‪.‬‬
‫وإذا ضبط طالب العلم المتون المعروفة في الحححديث‪ ،‬وفححي‬
‫العلوم المختلفة‪ ،‬فإنه يكون ماهيئ ًححا للنتقححال إلححى درأجححات أعلححى‬
‫بفهم وتأسإيس لمححا سإححبق؛ فلهححذا أحححض جميححع الخححوة‪ ،‬وجميححع‬
‫طلب العلم مامن يسمعون كلماي هذا أحضهم علححى أن يأخححذوا‬
‫العلم بحزم‪ ،‬وأل يأخذوه على أن هذه المسألة مافهوماححة‪ ،‬وهححذه‬
‫حا‪،‬‬
‫سإححهلة‪ ،‬وهححذه واضحححة؛ بححل إنححه يكححررأ الواضححح ليححزداد وضححو ً‬
‫ويكررأ المعلوم ليزداد به علما وهكذا‪.‬‬
‫ونسأل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن يجعل هذا الشرح الذي نبتدئه هذه‬
‫ماححا ماكمًل‪ ،‬وأن ينفححع‬
‫حا تا ّ‬
‫الليلة‪ ،‬أسإأله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن يجعله شر ً‬
‫به الملقي والسححاماع‪ ،‬وأن يجعلنححا فيححه ماححن المبتصححرين‪ ،‬والححذين‬
‫يقولون بعلم ل برأي أو هوى‪.‬‬
‫ثــم إن هــذا الكتــاب الــذي ســنعاني شــرحه هــو‬
‫الحاديث المختارة المعروفة بـالربعين النووية جمعها‬
‫ضححا‪،‬‬
‫العلمة يحيى بن شــرف النــووي‪ ،‬ويقححال‪ :‬النححواوي أي ً‬
‫وهححو ماححن علمححاء الشححافعية البححارأزين‪ ،‬ومامححن شححرح كتب ًححا فححي‬
‫ضا في لغة الفقهاء‪ ،‬وغّير ذلك مان‬ ‫الحديث‪ ،‬وكتًبا في الفقه‪ ،‬وأي ً‬
‫العلوم‪.‬‬
‫وأصل كتابه "الرأبعون النوويححة" أن ابححن الصححلح ‪-‬رأحمححه اللححه‬
‫تعالى‪ -‬جمع فحي ماجلححس ماححن ماجححالس تدرأيسحه للحححديث‪ ،‬جمححع‬
‫الحاديث الكلية التي يححدورأ عليهححا علححم الشححريعة‪ ،‬فجعلهححا سإححتة‬
‫وعشرين حديًثا‪ ،‬فنظر فيها العلماة النووي ‪-‬رأحمححه اللححه‪ -‬فزادهححا‬

‫‪3‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫سإتة عشر حديًثا‪ ،‬فصارأت الحاديث التي اختارأهححا النححووي ثأنححتين‬


‫أو اثأنين وأرأبعين حديًثا‪ ،‬فسميت بالرأبعين النووية تجوًزا‪.‬‬
‫ثأم زاد عليها الحافظ الماام عبد الرحمن بن أحمد بن رأجححب‬
‫ضححا‪ ،‬وعليهححا ماححدارأ فهححم بعححض‬
‫الحنبلححي ثأمانيححة أحححاديث كليححة أي ً‬
‫الشريعة‪ ،‬فصارأت خمسين حديًثا‪ ،‬وهي التي شححرحها فححي كتححابه‬
‫المسمى "جاماع العلوم والحكم فححي شححرح خمسححين حححديًثا ماححن‬
‫جواماع الكلم"‪.‬‬
‫وأصل هذه الحاديث في اختيارها على أنها جوامــع‬
‫كلم تدور عليها أمور الدين‪ ،‬فمنهححا ماححا يتصححل بححالخلصا‪،‬‬
‫ومانها ماا هو في بيان السإلم وأرأكانه‪ ،‬واليمان وأرأكححانه‪ ،‬ومانهححا‬
‫ماا هو في بيان الحلل والحرام‪ ،‬ومانها ماا هححو فححي بيححان الداب‬
‫العاماة‪ ،‬ومانها ماا هححو فححي بيححان بعححض صححفات اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫وهكذا في ماوضوعات الشريعة جميًعا‪.‬‬
‫ضححا‪ ،‬فيهحا علحم‬
‫فهذه الحححاديث الرأبعحون‪ ،‬وماحا يزيححد عليهحا أي ً‬
‫الدين كله‪ ،‬فما مان ماسألة مان ماسائل الدين إل وهححي ماوجححودة‬
‫في هذه الحاديث مان العقيدة‪ ،‬أو مان الفقه‪ ،‬وهححذا يتححبين لمححن‬
‫طححالع "الشححرح العجححاب" شححرح ابححن رأجححب ‪-‬رأحمححه اللححه‪ -‬علححى‬
‫الرأبعين النووية‪ ،‬وعلى الحاديث التي زادها ثأم شرحها‪.‬‬
‫فالعناية بها ماهمة؛ لن في فهمها فهم أصول الشريعة بعاماة‪،‬‬
‫وقواعد الدين‪ ،‬فإن مانها الحاديث التي تدورأ عليها الحكام كمححا‬
‫سإيأتي بيانه ‪-‬إن شاء الله تعالى‪ -‬مافصًل‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الول‬
‫إنما العمال بالنيات‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد لله رأب العالمين‪ ،‬والصلة والسححلم‬
‫علححى أشححرف النبيححاء والمرسإححلين‪ ،‬نبينححا ماحمححد‪ ،‬وعلححى آلححه وصحححبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫قال المصنف ‪-‬رأحمه الله تعالى‪ :-‬وعن أماير المؤمانين أبححي حفححص‬
‫عمححر بححن الخطححاب ‪ ‬قححال‪ :‬سإححمعت رأسإححول اللححه ‪ ‬يقححول‪  :‬إنم ا‬
‫العمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امارئ ماا نححوى‪ ،‬فمححن كححانت هجرتححه‬
‫إلى الله ورأسإوله فهجرته إلى الله ورأسإوله‪ ،‬ومان كانت هجرتححه‬
‫لدنيا يصيبها أو امارأة ينكحها فهجرته إلى ماا هاجر إليه ‪. ‬‬
‫رأواه إمااماا المحدثأين أبو عبححد اللححه ماحمححد بححن إسإححماعيل بححن‬
‫إبراهيم بن المغيرة بن بردذبه البخارأي‪ ،‬وأبو الحسين ماسلم بن‬
‫الحجاج بن ماسلم القشيري النيسححابورأي فححي صحححيحيهما الححذين‬
‫هما أصح الكتب المصنفة‪.‬‬
‫هذا هو الحديث الول؛ حديث عمر ‪ ‬أنه سإمع النبي ‪ ‬يقول‪:‬‬
‫‪ ‬إنم ا العمححال بالنيححات‪ ،‬وإنمححا لكححل اماححرئ ماححا نححوى ‪ ‬وهححذا‬
‫الحديث حديث عظيم حتى قال طائفة مان السلف‪ ،‬ومان علماء‬
‫الملة‪ :‬ينبغي أن يكون هذا الحديث في أول كل كتاب مان كتححب‬
‫العلم؛ ولهذا بدأ به البخارأي ‪-‬رأحمححه اللححه‪ -‬صحححيحه‪ ،‬فجعلححه أول‬
‫حديث فيه حديث ‪ ‬إنما العمال بالنيححات وإنمححا لكححل اماححرئ ماححا‬
‫نوى ‪ ‬بحسب اللفظ الذي أورأده في أوله‪.‬‬
‫وهذا الحــديث أصــل مــن أصــول الــدين‪ ،‬وقــد قــال‬
‫المام أحمد‪ :‬ثلثة أحاديث يدور عليها السلم‪:‬‬
‫حديث عمر‪  :‬إنما العمال بالنيات ‪. ‬‬
‫وحديث عائشة‪  :‬مان أحدث في أمارنحا هحذا ماحا ليحس مانحه‬
‫فهو رأد ‪. ‬‬

‫‪5‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وحديث النعمان بن بشير‪  :‬الحلل بيححن والحححرام بيححن ‪‬‬


‫‪.‬‬
‫وهذا الكلم ماححن إماححام أهححل السححنة ماححتين للغايححة؛ ولححذلك أن‬
‫عمل المكلف دائر على اماتثال المار‪ ،‬واجتنححاب النهححي‪ ،‬واماتثححال‬
‫الماححر‪ ،‬واجتنححاب النهححي هححذا هححو الحلل والحححرام‪ ،‬وهنححاك بيححن‬
‫الحلل والحرام ماشبهات‪ ،‬وهو القسم الثالث‪.‬‬
‫وهذه الثلث هي التي ورأدت في حديث النعمان بححن بشححير ‪‬‬
‫‪ ‬الحلل بيححن والحححرام بيححن وبينهمححا أماححورأ ماشححتبهات ‪ ‬وفححي‬
‫رأواية‪" :‬ماشححبهات" والعمححل لمححن أرأاد أن يعمححل‪ ،‬أو فعححل الماححر‬
‫حا‪.‬‬
‫واجتناب النهي ل بد أن يكون بنية حتى يكون صال ً‬
‫فرجع تصحيح ذلك العمححل‪ ،‬وهححو التيححان بمححا فححرض اللححه‪ ،‬أو‬
‫النتهاء عما حرم الله إلى وجود النيححة الححتي تجعححل هححذا العمححل‬
‫حا ماقبوًل‪ ،‬ثأم إن ماا فرض الله ‪-‬جل وعل‪ -‬مان الواجبات‪ ،‬أو‬ ‫صال ً‬
‫مان المستحبات‪ ،‬وماا فرض الله ‪-‬جل وعل‪ -‬مان الواجبات‪ ،‬أو ماا‬
‫شرع مان المستحبات‪ ،‬ل بد فيه مان مايحزان ظحاهر ححتى يصحلح‬
‫العمل‪ ،‬وهذا يحكمه حديث ‪ ‬مان عمححل عمل ليححس عليححه أمارنححا‬
‫فهو رأد ‪ ‬كما في رأواية ماسلم للحديث‪.‬‬
‫فإًذا هذا الحديث؛ حححديث العمححال ‪ ‬إنمححا العمححال بالنيححات ‪‬‬
‫يحتاج إليه في كل شيء؛ يحتاج إليه في اماتثححال الواماححر‪ ،‬وفححي‬
‫اجتناب النواهي‪ ،‬وفي ترك المشتبهات‪ ،‬وبهححذا يعظححم وقححع هححذا‬
‫الحديث؛ لن المرء المكلف في أي حال ة يكحون عليهحا ماحا بيحن‬
‫أمار يأتيه؛ إماا أمار إيجححاب‪ ،‬أو اسإححتحباب‪ ،‬وماححا بيححن نهححي ينتهححي‬
‫عنححه؛ نهححي تحريححم‪ ،‬أو نهححي كراهححة‪ ،‬أو يكححون الماححر ماشححتبًها‪،‬‬
‫حا إل بححإرأادة وجححه اللححه ‪-‬جححل‬
‫فيتركه‪ ،‬وكححل ذلححك ل يكححون صححال ً‬
‫وعل‪ -‬به وهي النية‪.‬‬
‫قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬إنم ا العمححال بالنيححات ‪ ‬رأوي‬
‫ضا‪ ،‬في الصحيح ‪ ‬إنما العمل بالنية ‪ ‬ورأوي ‪ ‬إنمححا العمححال‬ ‫أي ً‬
‫بالنية ‪ ‬بألفاظ ماختلفة والمعنى واحد‪ ،‬فإنه إذا أفرد العمححل أو‬
‫النية أرأيد بها الجنس‪ ،‬فتتفق رأواية الفراد ماع رأواية الجمع‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وقوله ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪  :-‬إنم ا العمححال بالنيححات وإنمححا‬


‫لكل اماححرئ ماححا نححوى ‪ ‬هحذا فيحه حصححر؛ لن لفحظ "إنمححا" ماحن‬
‫ألفاظ الحصر عند علمححاء المعححاني‪ ،‬والحصححر يقتضححي أن تكححون‬
‫العمال ماحصورأة في النيات‪ ،‬ولهذا نظححر العلمححاء ماححا المقصححود‬
‫بقوله‪  :‬إنما العمال بالنيات ‪ ‬؟ لنححه حصححر العمححال بالنيححات‪،‬‬
‫فقال طائفة مان أهل العلم وهححو القححول الول‪ :‬إن قححوله ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪  :-‬إنما العمال بالنيات ‪ ‬يعنححي‪ :‬إنمححا العمححال‪،‬‬
‫وقوعها ماقبولة‪ ،‬أو صحيحة بالنية‪.‬‬
‫و ‪ ‬إنما لماححرئ ماححا نححوى ‪ ‬يعنححي‪ :‬وإنمححا يثححاب المححرء علححى‬
‫العمل الذي عمله بما نواه‪ ،‬فتكون الجملة الولى ماتعلقة بصحة‬
‫العمححل‪ ،‬والجملححة الثانيححة يححراد بهححا الثححواب علححى العمححل ‪ ‬إنمححا‬
‫العمال بالنيات ‪ ‬الباء هنا للسببية‪ ،‬يعني‪ :‬إنما العمححال تقبححل‪،‬‬
‫أو تقع صحيحة بسبب النية‪ ،‬فيكون تأصيًل لقاعدة عاماة‪.‬‬
‫قال‪  :‬وإنما لكل اماححرئ ماححا نححوى ‪ ‬اللم هححذه لم الملكيححة‪،‬‬
‫يعني‪ :‬ماثل التي جاءت في قوله ‪-‬تعالى‪     :-‬‬
‫‪    (1) ‬وإنما لكل امارئ ماا نوى ‪ ‬يعني‪ :‬مان ثأواب عمله‬
‫ماا نواه‪ ،‬هذا قول طائفة مان أهل العلم‪.‬‬
‫والقول الثــاني‪ :‬أن قححوله ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬إنم ا‬
‫ضححا‪،‬‬
‫العمححال بالنيححات ‪ ‬هححذا رأاجححع إلححى أن البححاء سإححببية أي ً‬
‫والمقصود بها سإبب العمل ل سإبب قبوله‪ ،‬قالوا‪ :‬لننححا ل نحتححاج‬
‫ماع هذا إلى تقدير‪ ،‬فقوله‪  :‬إنما العمال بالنيات ‪ ‬يعنححي‪ :‬إنمححا‬
‫العمال بسبب النيات‪ ،‬فما مان عمل يعملححه أحححد إل ولححه إرأادة‬
‫وقصد فيه وهي النية‪.‬‬
‫فمنشأ العمال؛ سإواء كانت صالحة أو فاسإدة‪ ،‬طاعة أو غّيححر‬
‫طاعة‪ ،‬إنما مانشؤها إرأادة القلب لهححذا العمححل‪ ،‬وإذا أرأاد القلححب‬
‫عمًل‪ ،‬وكانت القدرأة على إنفاذه تاماة‪ ،‬فإن العمححل يقححع فيكححون‬
‫قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬على هذا‪  :‬إنم ا العمححال بالنيححات ‪‬‬
‫يعني‪ :‬إنما العمال صدورأها وحصولها بسححبب نيححة ماححن أصححدرأها‪،‬‬
‫بسبب إرأادة قلبه وقصده لهذا العمل‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة النجم آية ‪.39 :‬‬

‫‪7‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪ ‬وإنما لكل امارئ ماا نوى ‪ ‬هذا فيه أن ماا يحصححل للمححرء‬
‫مان عمله ماا نححواه نيححة صحححيحة‪ ،‬يعنححي‪ :‬إذا كححانت النيححة صححالحة‬
‫حا‪ ،‬فصارأ له ذلك العمل‪.‬‬ ‫صارأ ذلك العمل صال ً‬
‫والقول الول أصح؛ وذلححك لن تقريححب مابعححث العمححال‪،‬‬
‫وأنها رأاجعة لعمل القلب‪ ،‬هذا ليححس هححو المححراد بالحححديث‪ ،‬كمححا‬
‫هو ظاهر مان سإياقه‪ ،‬وإنما المححراد اشححتراط النيححة للعمححل‪ ،‬وأن‬
‫النية هي المصححة للعمل‪ ،‬وهذا فيححه وضححوح؛ لن قححوله ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪  -‬إنما العمال بالنيات وإنما لكل امارئ ماا نححوى‬
‫‪ ‬بيان لما تطلبه الشريعة‪ ،‬ل لما هو ماوجود في الواقع‪.‬‬
‫فلهذا نقول‪ :‬الراجح مان التفسيرين أن قوله ‪-‬عليه الصححلة‬
‫والسلم‪  -‬إنم ا العمححال بالنيححات ‪ ‬يعنححي‪ :‬إنمححا العمححال صحححة‬
‫وقبوًل أو فساًدا بسححبب النيححات‪ ،‬وإنمححا لماححرئ ماححن عملححه ثأواب ًححا‬
‫وأجًرا ماا نواه‪.‬‬
‫إذا تقرر هذا فالعمال ما هي؟‬
‫العمال جمع عمل‪ ،‬والمقصود به هنا ماا يصدرأ عن المكلححف‪،‬‬
‫ويدخل فيه القوال فليس المقصود بالعمل قسيم القول‪ ،‬القول‬
‫والعمل والعتقاد قسيم القول والعتقاد‪ ،‬وإنما العمال هنا كححل‬
‫ماا يصدرأ عن المكلف مان أقوال وأعمال‪ ،‬قححول القلححب‪ ،‬وعمححل‬
‫القلب‪ ،‬وقول اللسان‪ ،‬وعمل الجوارأح‪.‬‬
‫فيدخل في قححوله‪  :‬إنم ا العمححال بالنيححات ‪ ‬كححل ماححا يتعلححق‬
‫باليمان؛ لن اليمان قول وعمل‪ ،‬قححول اللسححان‪ ،‬وقححول القلححب‬
‫وعمل القلب وعمل الجوارأح‪ ،‬فقححوله‪  :‬إنم ا العمححال بالنيححات ‪‬‬
‫يدخل فيها جميع أنواع ماا يصدرأ مان المكلف‪.‬‬
‫طبًعا هذا العموم عموم ماراد به إلى الخصححوصا؛ لن العمححوم‬
‫عند الصوليين على ثألثأة أقسام‪ :‬عام باق علححى عمححوماه‪ ،‬وعححام‬
‫دخله التخصيص‪ ،‬وعام ماراد به إلى الخصوصا‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن يكححون‬
‫ماا‪ ،‬ويراد به بعض الفراد‪.‬‬
‫اللفظ عا ً‬
‫وهنا ل يدخل في العمال في قوله‪  :‬إنما العمال بالنيححات ‪‬‬
‫ل يححدخل فيهححا العمححال الححتي ل تشححترط لهححا النيححة ماثححل أنححواع‬
‫‪8‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫التروك‪ ،‬وإرأجاع المظالم‪ ،‬وأشباه ذلك‪ ،‬تطهير النجاسإححة‪ ،‬وأماثححال‬


‫ذلك‪ ،‬يعني‪ :‬ماما ل يشترط لححه النيححة؛ لنححه تححرك ونحححوه‪ ،‬والنيححة‬
‫التي عليها مادارأ هذا الحديث‪ ،‬النية‪ :‬قصد القلب وإرأادته‪.‬‬
‫وإذا قلنا‪ :‬النية قصد القلب وإرأادته علقناها بالقلب‪ ،‬فالنية إًذا‬
‫ليس ماحلها اللسان ول الجوارأح‪ ،‬وإنما ماحلها القلب نوى يعنححي‪:‬‬
‫قصد بقلبه وأرأاد بقلبه هذا الشيء‪.‬‬
‫فالعمال ماشروطة بإرأادة القلب وقصححده‪ ،‬فححأي إرأادة وقصححد‬
‫هذه المقصود بها إرأادة وجه الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬بححذلك؛ ولهححذا فححي‬
‫القرآن يأتي ماعنى النية بلفظ الرأادة والبتغاء وأشباه ذلك‪ ،‬كما‬
‫في قوله‪ (1)       :‬وكما في قوله‪  :‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬
‫‪ (3)     ‬ونحو ذلححك ‪   ‬‬
‫‪ (4)        ‬يريد يعني‪ :‬ينوي‬
‫يطلحححب ويقصحححد‪ ،‬هحححذه هحححي النيحححة ‪   ‬‬
‫‪ (5)    ‬هذه النية‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫أو لفظ البتغاء كقوله ‪-‬جل وعل‪:-‬‬
‫‪      ‬‬ ‫‪ (6) ‬وكما في قوله ‪-‬جل وعل‪:-‬‬ ‫‪‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫فإًذا في النصححوصا يكححثر ورأود النيححة بلفححظ أوًل‪ :‬الرأادة إرأادة‬


‫القلححب‪ ،‬ثأاني ًححا‪ :‬بلفححظ البتغححاء‪ ،‬أو بلفححظ السإححلم؛ إسإححلم القلححب‬
‫والوجه لله ‪-‬جل وعل‪ -‬والنية فححي كلم اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬أو فححي‬
‫الشريعة بعاماة يراد بها أحد ماعنييححن‪ :‬المعنححى الول‪ :‬نيححة ماتجهححة‬
‫للعبادة‪ ،‬والمعنى الثانى‪ :‬نية ماتجهة للمعبود‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الروم آية ‪.38 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النعام آية ‪.52 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة الكهف آية ‪.28 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة الشورأى آية ‪.20 :‬‬

‫‪ - 5‬سإورأة السإراء آية ‪.19 :‬‬

‫‪ - 6‬سإورأة الليل آية ‪.20 :‬‬

‫‪ - 7‬سإورأة النساء آية ‪.114 :‬‬

‫‪9‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فالنية قسمان‪:‬‬
‫نية ماتعلقححة بالعبححادة‪ ،‬ونيححة ماتعلقححة بححالمعبود‪ ،‬فأماححا المتعلقححة‬
‫بالعبادة فهي التي يسححتعملها الفقهححاء فححي الحكححام حيححن يححأتون‬
‫إلى الشروط‪ ،‬الشرط الول‪ :‬النية‪ ،‬يقصدون بذلك النية المتوجه‬
‫للعبادة‪ ،‬وهي تمييز العبادات بعضها عن بعض‪.‬‬
‫تمييز الصلة عن الصيام‪ ،‬تمييز الصلة المفروضة عن النفل‪،‬‬
‫يعني‪ :‬أن يميز القلححب فيمححا يححأتي ماححا بيححن عبححادة وعبححادة‪ ،‬أتححى‬
‫المسجد وأرأاد أن يركع رأكعتين‪ ،‬مايز قلبه هححاتين الركعححتين هححل‬
‫هي رأكعتا تحية المسجد‪ ،‬أو هي رأكعتا رأاتبة؟ أو هل هي رأكعتححا‬
‫اسإتخارأة؟ إلى آخره‪ ...‬فتمييز القلب ماا بين عبادة وعبححادة هححذه‬
‫هي النية التي يتكلم عنها الفقهاء في الكتب الفقهية وهي النية‬
‫المتوجه للعبادة‪.‬‬
‫القسم الثـانى‪ :‬النيححة المتححوجه للمعبححود‪ ،‬وهححذه هححي الححتي‬
‫يتحدث عنها باسإم الخلصا‪ :‬إخلصا القلب‪ ،‬إخلصا النية‪ ،‬إخلصا‬
‫العمل للححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬وهححي الححتي تسححتعمل كححثيًرا بلفححظ النيححة‬
‫والخلصا والقصد‪.‬‬
‫فححإًذا هححذا الحححديث شححمل نححوعي النيححة‪ :‬النيححة الححتي تححوجهت‬
‫للمعبود‪ ،‬والنية التي توجهت للعبادة‪ ،‬فح ‪ ‬إنما العمححال بالنيححات‬
‫‪ ‬يعني‪ :‬إنما العبححادات تقححع صحححيحة‪ ،‬أو ماقبولححة بسححبب النيححة‪،‬‬
‫يعني‪ :‬النية التي تميز العبادة بعضها عن بعض أول‪.‬‬
‫والنية التي هي إخلصا العبادة للمعبود‪ ،‬وهو الله ‪-‬جل جلله‪-‬‬
‫فلهححذا ل يصححلح أن نقححول‪ :‬النيححة هنححا هححي النيححة الححتي بمعنححى‬
‫الخلصا‪ ،‬ونقححول‪ :‬إن كلم الفقهححاء فححي النيححات لححم يححدخل فيححه‬
‫الخلصا‪ ،‬ول القسم الثاني‪ ،‬فححإن تحقيححق المقححام انقسححام النيححة‬
‫إلى هذين النوعين ‪-‬كما أوضحت لكم‪.-‬‬
‫نححوى ‪‬‬ ‫قال ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪  :-‬وإنم ا لكححل اماححرئ ماححا‬
‫وأجححًرا‬ ‫ضا‪ ،‬وإنما لكل امارئ ماححن عملححه ثأواب ًححا‬
‫يعني‪ :‬هذا حصر أي ً‬
‫يعنححي‪:‬‬ ‫لما نواه بعمله‪ ،‬فإن كان نوى بعمله الله والدارأ الخححرة‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أخلص لله ‪-‬جل وعل‪ -‬ماريدا وجه الله ‪-‬جل وعل‪ -‬فعملححه صححالح‪،‬‬
‫وإن كان عمله للدنيا فعمله فاسإد؛ لنه للدنيا‪.‬‬
‫‪‬‬‫وهذا كما جاء في آيات كثيرة إخلصا الدين لله ‪-‬جححل عل‪:-‬‬
‫‪ (1)         ‬يعني‪:‬‬
‫الدين يقع على نية الخلصا‪ ،‬كما في قوله ‪-‬جل وعل‪   :-‬‬
‫‪. (2)    ‬‬
‫وقد جاء فححي أحححاديث كححثيرة بيححان إخلصا العمححل للححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬كقححوله ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬فححي الحححديث الححذي رأواه‬
‫ماسلم في الصحيح‪  :‬أنا أغّنى الشركاء عن الشححرك‪ ،‬ماححن عمححل‬
‫عمًل أشرك فيه ماعي غّيري تركته وشححركه ‪ ‬وفححي لفححظ آخححر‬
‫قال ‪-‬عليه الصحلة والسحلم‪ -‬فحي هحذا الححديث القدسإحي‪  :‬فه و‬
‫للذي أشرك‪ ،‬وأنا مانه بريء ‪. ‬‬
‫صححا للححه ‪-‬جححل‬
‫وهذا يدل على أن العمححل ل بححد أن يكححون خال ً‬
‫وعل‪ -‬حتى يكون ماقبوًل‪ ،‬ويؤجر عليه العبد‪ ،‬إذا وصحلنا إلحى هحذا‬
‫فمعناه أن مان عمل عمًل‪ ،‬ودخل في ذلك العمل نية غّيححر اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬بذلك العمل‪ ،‬فححإن العمححل باطححل لقححوله‪  :‬ما ن عمححل‬
‫عمًل أشححرك فيححه ماعححي غّيححري تركتححه وشححركه ‪  ‬فهححو للححذي‬
‫أشرك ‪  ‬إنما العمال بالنيات وإنما لكل امارئ ماا نوى ‪. ‬‬
‫ل الذي يكحون‬ ‫ل العم َ‬
‫وهذه يحتمل أن يكون المراد بذلك العم ِ‬
‫في أصل العبادة‪ ،‬أو في أثأناء العبادة‪ ،‬أو غّّير نيته بعححد العبححادة‪،‬‬
‫يحتمل هذا‪ ،‬أو تكون العبادة أيضا في بعضها للححه‪ ،‬وفححي بعضححها‬
‫لغير الله‪ ،‬فما المراد؟‬
‫قال العلماء‪ :‬تحقيق هذا المقام أن العمل إذا خححالتطه نيححة‬
‫فاسإدة‪ ،‬يعني‪ :‬رأياء نوى للخلق‪ ،‬أو سإمعة‪ ،‬فإنه إن أنشأ العبححادة‬
‫للخلححق فهححي باطلححة‪ ،‬يعنححي‪ :‬صححلى دخححل فححي الصححلة‪ ،‬ل لرأادة‬
‫الصلة؛ ولكن يريد أن يراه فلن‪ ،‬فهذه الصلة باطلة‪.‬‬
‫وهو ماشرك كما جاء فححي الحححديث‪  :‬ما ن صححلى يرائححي فقححد‬
‫أشرك‪ ،‬ومان صام يرائي فقد أشرك‪ ،‬وماححن تصححدق يرائححي فقححد‬
‫‪ - 1‬سإورأة البينة آية ‪.5 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الزمار آية ‪.3 :‬‬

‫‪11‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أشرك ‪ ‬يعني‪ :‬حين أنشأ الصححلة الواحححدة أنشححأها يرائححي‪ ،‬وإل‬


‫فإن إنشاء المسلم عباداته جميًعا على الرياء هذا غّيححر ماتصححورأ‪،‬‬
‫وإنما يقع الرياء رأبما في بعض عبادات المسلم؛ إماا فحي أوله ا‪،‬‬
‫وإماا في أثأنائها‪.‬‬
‫وأماا الرياء التام في جميع العمححال فححإن هححذا ل يتصححورأ ماححن‬
‫ماسلم‪ ،‬وإنما يكون مان الكفارأ والمنافقين‪ ،‬كما قال ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫في وصفهم‪         :‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وقوله في وصححف الكفححارأ‪ (2)     :‬يعن ي‪ :‬به ذا أن‬


‫القسم الول نية ابتدأ بها العبادة لغير الله‪ ،‬فهذه العبادة تكححون‬
‫باطلة‪ :‬صلته باطلة‪ ،‬صياماه باطل‪ ،‬وصدقته باطلة‪ ،‬نوى بالعمححل‬
‫غّير وجه الله ‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬أن يحححدث تغييححر النيححة فححي أثأنححاء العبححادة‪،‬‬
‫وهذا له حالن ‪ :‬الحال الولى‪ :‬أن يبطل نيته الصلية‪ ،‬ويجعل‬
‫العبححادة لهححذا المخلححوق‪ ،‬فهححذا حكمححه كححالول ماححن أن العبححادة‬
‫فسدت؛ لنححه أبطححل نيتهححا‪ ،‬وجعلهححا للمخلححوق‪ ،‬فنححوى فححي أثأنححاء‬
‫الصلة أن الصلة هذه لفلن‪ ،‬فتبطل الصلة‪.‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬ماححن هححذا القسححم أن يزيححد فححي الصححلة ماححن‬
‫لجل رأؤية أحد الناس‪ ،‬يعنححي‪ :‬يححراه أحححد طلبححة العلححم‪ ،‬أو يححراه‬
‫والده‪ ،‬أو يراه كححبير القححوم‪ ،‬أو يححراه إماححام المسححجد‪ ،‬فبححدل أن‬
‫يسبح ثألث تسححبيحات أطححال فححي الركححوع‪ ،‬والركححوع عبححادة للححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬فأطال على خلف عادته لجل رأؤية هذا الرائي‪.‬‬
‫فهذا العمل الزائد الذي نوى به المخلوق يبطل؛ لن نيته فيه‬
‫لغير الله‪ ،‬و ‪ ‬إنما العمال بالنيات ‪ ‬لكن أصل العمحل صحالح؛‬
‫لن هذه النية ماا عرضت لصححل العمححل‪ ،‬وإنمححا عرضححت لزيححادة‬
‫فحي بعضحه أطححال الصحلة‪ ،‬أو إماححام أطححال القحراءة؛ لن حسحن‬
‫صوته لرؤية إلى الخلححق‪ ،‬أو لن ورأاءه فلن‪ ،‬أو نحححو ذلححك ماححن‬
‫العمال‪ ،‬فل يبطل أصل العمل‪ ،‬وإنما ماا زاد فيححه لجححل الخلححق‬
‫يكون فيه ماشر ً‬
‫كا الشرك الصححغر‪ ،‬وهححو الريححاء ‪-‬والعيححاذ بححالله‪،-‬‬
‫هذه الحالة الثانية مان القسم الثاني‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.142 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.264 :‬‬

‫‪12‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والحالة الثالثة‪ :‬أن يعرض له حب الثناء‪ ،‬وحب الححذكر بعححد‬


‫تمام العبادة‪ ،‬عمل العبادة لله‪ ،‬صححلى للححه‪ ،‬حفححظ القححرآن للححه‪،‬‬
‫صا‪ ،‬وبعححد ذلححك رأأى‬
‫وصام لله‪ ،‬صام النوافل لله ‪-‬جل وعل‪ -‬ماخل ً‬
‫مان يثني عليه‪ ،‬فسره ذلك‪ ،‬ورأغّب في المزيد في داخله‪ ،‬فهححذا‬
‫ل يخرم أصل العمل؛ لنه نواه لله‪ ،‬ولم يكن في أثأنححائه فيكححون‬
‫شركا‪ ،‬إنما وقع بعد تماماه‪ ،‬فهذا كما جححاء فححي الحححديث ‪ ‬تلححك‬
‫عاجل بشرى المؤمان أن يسمع ثأناء الناس عليه لعبادته وهو لم‬
‫يقصد في العمل الذي عمله أن يثني عليه الناس ‪ ‬هذه ثألثأححة‬
‫أحوال‪.‬‬
‫وإذا تقررأ هذا فالعمال التي يتعلق بها نية ماع نيتها لله ‪-‬جل‬
‫وعل‪ -‬على قسمين أيضا‪ ،‬الول‪ :‬أعمححال يجححب أل يريححد بهححا‪ ،‬وأل‬
‫يعرض لقلبه فيها ثأواب الدنيا أصل‪ ،‬وهذه أكثر العبححادات‪ ،‬وأكححثر‬
‫العمال الشرعية‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬عبادات حححض عليهححا الشححارأع بححذكر ثأوابهححا‬
‫في الدنيا‪ ،‬ماثححل صحلة الرحححم حححض عليهحا الشحارأع بححذكر ثأححواب‬
‫الدنيا‪ ،‬فقال ‪-‬عليه الصلة والسحلم‪  :-‬ما ن سإحره أن يبسحط لحه‬
‫في رأزقه‪ ،‬وينسأ له فححي أثأححره‪ ،‬فليصححل رأحمححه ‪ ‬فحححض علححى‬
‫صلة الرحم بذكر ثأححواب الححدنيا‪ :‬النسححأ فححي الثأححر‪ ،‬والبسححط فححي‬
‫الرزق‪.‬‬
‫أو كقوله في الجهاد‪  :‬مان قتل قتيل فله سإححلبه ‪ ‬يعنححي‪ :‬ماححا‬
‫عليه مان السلح‪ ،‬وماا ماعححه ماححن المححال أو كححذا‪ ،‬يسححلبه ويكححون‬
‫لهذا القاتل‪ ،‬فهذا حض على القتل بذكر ثأواب دنيوي‪ ،‬فمن أرأاد‬
‫الثواب الدنيوي هنا ‪-‬في هذا القسم‪ -‬ماستحضرا ماا حض الشارأع‬
‫مان العمل‪ ،‬يعني‪ :‬مان هذه العبححادة‪ ،‬وذكحر فيححه الثحواب الحدنيوي‬
‫فإنه جائز له ذلك؛ لن الشارأع ماا حض بذكر الدنيا إل إذن مانححه‬
‫بأن يكون ذلك ماطلوبا‪.‬‬
‫فإًذا مان وصل الرحم يريد وجه اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ولكححن يريححد‬
‫أيضا أن يثاب في الدنيا بكثرة الرأزاق‪ ،‬وبالنسأ في الثأر‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫طول العمر‪ ،‬فهذا له ذلك‪ ،‬ولجل أن الشارأع حض على ذلك‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫جاهد في سإبيل الله يريد أيضا ماغنما‪ ،‬ونيته خالصة لله ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬لتكون كلمة الله هي العليا؛ ولكن يريد شححيئا حححض عليححه‪،‬‬
‫أو ذكره الشارأع في ذلك‪ ،‬هححذا قصححده ليححس ماححن الشححرك فححي‬
‫النية؛ لن الشارأع هو الذي ذكر الثواب الدنيوي في ذلك‪.‬‬
‫فإًذا تنقسم العمال إلى عبادات ذكر الشارأع الثواب الدنيوي‬
‫عليها‪ ،‬وإلى عبححادات لححم يححذكر الشححارأع الثححواب الححدنيوي عليهححا‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫وهححذا كمححا جححاء فححي قححول اللححه ‪-‬جححل وعل‪   :-‬‬
‫‪        ‬‬
‫الية‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪  ‬‬

‫فهذه المسألة ماهمة‪ ،‬فإذا تقررأ أنححه ل يكححون ماشححر ً‬


‫كا بححذلك‪،‬‬
‫فهل مان نوى الدنيا بصلة الرحم ماثل ماع نيتححه للححه ماسححاوٍ لمححن‬
‫لم ينو الدنيا‪ ،‬وإنما جعلها خالصة للححه ل يختلححف الجححر؛ لكححن ل‬
‫يكون مارائًيا‪ ،‬ول ماشر ً‬
‫كا بذلك‪.‬‬
‫فمن كانت نيته خالصة لله ‪-‬جل وعل‪ -‬فأجره أعظم‪ ،‬لهذا لما‬
‫سإئل عدد مان الئمة مان السلف والماححام أحمححد وجماعححة عمححن‬
‫جاهد للمغنم ونيته خالصة لله؟ قال‪ :‬أجره علححى قححدرأ نيتححه‪ ،‬لححم‬
‫يبطل عمله أصًل‪ ،‬لم يبطل السلف العمححل أصححًل‪ ،‬وإنمححا جعلححوا‬
‫التفاوت بقدرأ النيات‪.‬‬
‫فكلما عظمت النية لله في العمححال الححتي فيهححا ذكححر الححدنيا‪،‬‬
‫وذكر الشارأع عليه ثأواب الدنيا فإنه كلما عظمت النية الخالصححة‬
‫كلماعظم أجره‪ ،‬وكلما نوى الدنيا ماع صحة أصل نيته قل أجححره‬
‫يعني‪ :‬عن غّيره‪.‬‬
‫هنا قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬فمن كانت هجرته إلى الله‬
‫ورأسإوله‪ ،‬فهجرته إلى اللححه ورأسإححوله ‪ ‬طبعًححا الحححديث تفاصححيل‬
‫الكلم في النية‪ ،‬ودخول النية في أبححواب كححثيرة ماححن العبححادات‪،‬‬
‫دا‪ ،‬وصنفت ماصنفات في هذا‪ ،‬وشروح‬ ‫هذا يطول عليه الكلم ج ّ‬
‫كتب الحاديث أطالت في شرح هذا الحححديث‪ ،‬وإنمححا نححذكر فححي‬
‫شرحنا لهذه الرأبعيححن النوويحة قواعححد وتأصححيلت ماتعلقححة بشححرح‬

‫‪ - 1‬سإورأة هود آية ‪.15 :‬‬

‫‪14‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث‪ ،‬كما هي العادة في ماثل هذه الشروح المختصرة لهححذه‬


‫الكتب المهمة‪.‬‬
‫قححال‪  :‬فم ن كححانت هجرتححه ‪ ‬الفححاء هححذه تفصححيلية‪ ،‬تفصححيل‬
‫لمثال مان العمال التي تكون لله وتكون لغير اللححه‪ ،‬ذكححر ماثححال‬
‫للهجرة قال‪  :‬مان كانت هجرته إلى الله ورأسإوله‪ ،‬فهجرتحه إلححى‬
‫الله ورأسإوله‪ ،‬ومان كانت هجرته لدنيا يصححيبها أو اماححرأة ينكحهححا‪،‬‬
‫فهجرته إلى ماا هاجر إليه ‪. ‬‬
‫الهجرة ماعناها‪ :‬الترك‪ ،‬هجر يعني‪ :‬ترك‪ ،‬وأصل الهجرة هجححرة‬
‫إلى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وإلى رأسإوله ‪ ‬هجرة إلححى اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫بالخلصا‪ ،‬وابتغاء ماا عنده‪ ،‬والهجرة إلى النحبي ‪ ‬باتبحاعه ‪-‬عليحه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬والرغّبة فيما جاء به ‪-‬عليه الصلة والسلم‪.-‬‬
‫وماححن آثأححارأ ذلححك‪ ،‬الهجححرة إلححى الخاصححة الححتي هححي تححرك بلححد‬
‫الشرك إلى بلد السإلم‪ ،‬فقال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬فم ن‬
‫كانت هجرتححه ‪ ‬يعنححي‪ :‬ماححن كححان تركححه لبلححد الشححرك إلححى بلححد‬
‫السإححلم للححه ورأسإححوله إلححى اللححه ورأسإححوله‪ ،‬فهجرتححه إلححى اللححه‬
‫ورأسإوله‪ ،‬هذا فيه تكريححر للجملححة‪ .‬ماححن كححانت هجرتححه إلححى اللححه‬
‫ورأسإوله فهجرته لله ورأسإوله‪.‬‬
‫والمتقررأ في علوم العربية أن الجمل إذا تكررأت فححي ترتححب‬
‫الفعل والجزاء فححإن شححرط الفعححل يختلححف عححن شححرط الجححزاء؛‬
‫فلهذا نقول‪ :‬فمن كانت هجرتححه إلححى اللححه ورأسإححوله نيححة وقصححدا‬
‫فهجرته إلى الله ورأسإوله ثأواًبا وأجًرا‪ ،‬فمححا تعلححق بالفعححل النيححة‬
‫والقصد‪ ،‬وماا تعلق بالجواب الجر والثواب‪.‬‬
‫وهذا فيه نوع مان أنواع البلغّة‪ ،‬وهو أن عملححه جليححل عظيححم‬
‫بحيث يستغنى لبيان جللته وعظمه يستغنى عن ذكره؛ لنه مان‬
‫الوضوح والبيان بحيث ل يحتاج إلى ذكره‪ ،‬فقححال ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪  :-‬فمن كانت هجرته إلححى اللححه ورأسإححوله فهجرتححه إلححى‬
‫الله ورأسإوله ‪ ‬هذا تعظيم‪ ،‬ورأفع لهححذا العمححل‪ ،‬وهححو أن تكححون‬
‫دا وتعظيمححا للثححواب‬ ‫الهجرة إلى الله ورأسإححوله‪ ،‬يعنححي‪ :‬نيححة وقصحح ً‬
‫والجر بقوله‪  :‬فهجرته إلى الله ورأسإوله ‪ ‬ثأواًبا وأجححًرا‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫حدث عن ثأوابه وعظم ذلك‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ثأم بين الصنف الثاني فقال‪  :‬ومان كانت هجرته لدنيا يصيبها‪،‬‬
‫أو امارأة يتزوجها ‪  ‬لحدنيا يصحيبها ‪ ‬هحذا ححال التححاجر الححذي‬
‫هاجر لكي يكسب مااًل‪ ،‬أو هاجر ليكسب زوجة أو اماححرأة‪ ،‬فهححذا‬
‫هجرته إلى ماا هاجر إليه‪.‬‬
‫وقوله ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪  :-‬فم ن كححانت هجرتححه لححدنيا ‪‬‬
‫هذه النية يعني‪ :‬هاجر العمل الظاهر يشارأك فيه‪ ،‬مان هاجر إلى‬
‫الله ورأسإوله؛ لكن نيته أنه في هجرته يريد التجارأة‪ ،‬أو يريد أن‬
‫يتزوج امارأة فنيته فاسإدة‪ ،‬قال‪  :‬فهجرته إلى ماححا هححاجر إليححه ‪‬‬
‫يعني‪ :‬مان حيث أنه ل ثأواب له فيها ول أجححر‪ ،‬وقححد يكححون عليححه‬
‫فيها وزرأ‪.‬‬
‫والهجرة هي ترك ‪-‬كما ذكرت لك ترك‪ -‬بلد الشرك إلححى بلححد‬
‫السإلم‪ ،‬أو ترك بلد تظهر فيححه البدعححة إلححى بلححد ل تظهححر فيححه‬
‫البدعة‪ ،‬وإنمححا تظهححر فيححه السححنة‪ ،‬أو القسححم الثححالث‪ :‬تححرك بلححد‬
‫تظهر فيه الفححواحش والمنكححرات إلححى بلححد تقححل فيححه الفححواحش‬
‫والمنكرات ظهوًرأا‪ ،‬وهذه كل واحدة مانها لها أحكام ماذكورأة في‬
‫كتب الفقه بالتفصيل‪.‬‬

‫الحديث الثاني‬
‫مجيء جبريل ليعلم المسلمين أمر دينهم‬
‫وعن عمر ‪ ‬أيضا قال‪  :‬بينما نحن جلوس عند رأسإححول اللححه ‪‬‬
‫ذات يوم‪ ،‬إذ طلع علينا رأجل شديد بياض الثيححاب‪ ،‬شححديد سإححواد‬
‫الشعر‪ ،‬ل يرى عليه أثأر السفر‪ ،‬ول يعرفه مانا أحد حححتى جلححس‬
‫إلى النبي ‪ ‬فأسإند رأكبتيه إلى رأكبتيه‪ ،‬ووضع كفيه على فخذيه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فقال‪ :‬يا ماحمد أخبرني عن السإلم‪ ،‬قححال‪ :‬السإححلم أن تشححهد‬


‫أن ل إله إل الله وأن ماحمدا رأسإول الله‪ ،‬وتقيم الصلة‪ ،‬وتححؤتي‬
‫الزكاة‪ ،‬وتصوم رأماضان‪ ،‬وتحج الححبيت إن اسإححتطعت إليححه سإححبيل‪.‬‬
‫قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فعجبنا له يسأله ويصدقه!‬
‫فقال‪ :‬فأخبرني عن اليمان‪ ،‬قححال‪ :‬أن تححؤمان بححالله‪ ،‬ومالئكتححه‪،‬‬
‫وكتبه‪ ،‬ورأسإله‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬وتؤمان بالقدرأ خيححره وشححره‪ .‬قححال‪:‬‬
‫صدقت‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأخبرني عن الحسان‪ ،‬قحال‪ :‬أن تعبحد الل ه كأنحك تحراه‪،‬‬
‫فإن لم تكن تراه فإنه يراك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأخبرني عن الساعة‪ ،‬قال‪ :‬ماا المسئول عنها بأعلم ماححن‬
‫السائل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأخبرني عن أماارأاتها‪ ،‬قال‪ :‬أن تلد الماة رأبتها‪ ،‬وأن ترى‬
‫الحفاة العراة العالة رأعاء الشاة يتطاولون في البنيان‪.‬‬
‫ثأم انطلق فلبثت مالّيا‪ ،‬ثأم قال‪ :‬يا عمر أتححدرأي ماححن السححائل؟‬
‫قلت‪ :‬الله ورأسإوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ‪‬‬
‫رأواه ماسلم‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬سإححماه بعححض أهححل العلححم أم‬
‫هذا الحديث حديث عظيم أي ً‬
‫السنة‪ ،‬سإمى هذا الحديث أم السنة‪ ،‬يعني‪ :‬كما فححي القححرآن أم‬
‫القرآن‪ ،‬فهذا الحديث أم السنة؛ لن جميع السنة تعود إلى هححذا‬
‫الحديث‪.‬‬
‫فإن الحديث فيه بيان العقيححدة‪ ،‬والعقيححدة مابنيححة علححى أرأكححان‬
‫اليمان الستة‪ ،‬وفيه بيان الشريعة‪ ،‬وذلححك بححذكر أرأكححان السإححلم‬
‫الخمسة‪ ،‬وفيه ذكر الغيبيات والماارأات؛ بل قبل ذلححك فيححه ذكححر‬
‫آداب السلوك‪ ،‬والعبادة‪ ،‬وصلح توجيه القلب‪ ،‬والوجه إلححى اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬بذكر الحسان‪ ،‬وفيه ذكر الساعة وأماارأتها‪ ،‬وهذا نحوع‬
‫مان ذكر الماورأ الغيبية ودللت ذلك‪.‬‬
‫فهذا الحديث يعود إليه جل السحنة‪ ،‬كمحا أن قحول اللحه ‪-‬جحل‬
‫‪‬‬ ‫وعل‪ -‬فححي آيححة النحححل‪      :‬‬

‫‪17‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪        ‬‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪   ‬‬

‫قال طائفة مان مافسري السلف‪ :‬دخل فححي هححذه اليححة جميححع‬
‫أحكام الدين‪ ،‬جميع الدين في هذه الية‪ ،‬وجميع أصول الحاديث‬
‫النبوية في هذا الحديث‪ ،‬وهذا الحديث ماعروف بحححديث جبريححل‪،‬‬
‫ضا‪ ،‬ماقطًعا ببعححض‬ ‫ورأوايته على هذا الطول عن عمر ‪ ‬ورأوي أي ً‬
‫الختصارأ في الصحيحين مان حديث أبي هريرة ‪. ‬‬
‫وهذا الحديث فيه ذكر السإلم واليمححان والحسححان‪ ،‬وفيححه أن‬
‫هححذه الثلثأححة هححي الححدين؛ لنححه فححي آخرهححا قححال ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪  :-‬أتاكم يعلمكم دينكم ‪ ‬فإًذا الدين الذي هو السإححلم‬
‫مانقسم إلى ثألث ماراتب‪ :‬السإلم‪ ،‬واليمان‪ ،‬والحسان‪.‬‬
‫وهذا نخلص مانه إلى قاعدة ماهمة وهي أن السإم العححام قححد‬
‫يندرأج عنه‪ ،‬قد يندرأج فيه أنواع مانها السإم العححام؛ لن السإححلم‬
‫هححو الححدين فجمححع هححذه الثلثأححة‪ :‬السإححلم واليمححان والحسححان؛‬
‫فالسإلم مانه السإلم‪ ،‬وهذا ماهم في فهم الشححريعة بعاماححة؛ لن‬
‫مان اللفاظ ماا يكون القسم هو اللفظ ذاته‪ ،‬يعني‪ :‬أحد القسام‬
‫هو اللفظ ذاتححه‪ ،‬ولححه نظححائر إذا وجححد هححذا‪ ،‬فالسإححم العححام غّيححر‬
‫السإم الخاصا‪.‬‬
‫ولهذا نقول‪ :‬السإم العام للسإلم يشمل السإححلم واليمححان‬
‫والحسان‪ ،‬وليس هو السإححم الخححاصا إذا جححاء ماححع اليمححان وماححع‬
‫الحسان؛ لهححذا لححم يلحححظ هححذا الماححر طائفححة ماححن أهححل العلححم‪،‬‬
‫فجعلححوا السإححلم واليمححان واحححدا‪ ،‬ولححم يفرقححوا بيححن السإححلم‬
‫واليمان حتى عزا بعضححهم هححذا القححول لجمهححورأ السححلف‪ ،‬وهححذا‬
‫ليس بصحيح‪ ،‬فإن السلف فرقوا ماححا بيححن السإححلم واليمححان إذا‬
‫كان هذا في ماورأد وهذا فححي ماححورأد‪ ،‬إذا كححان السإححلم واليمححان‬
‫في ماورأد واحد‪.‬‬
‫وأماا إذا كان السإلم في ماورأد واليمان في ماورأد‪ ،‬يعني‪ :‬هذا‬
‫في سإياق وهذا في سإياق‪ ،‬هذا فححي حححديث وهححذا فححي حححديث‪،‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.90 :‬‬

‫‪18‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فالسإلم يشمل الدين جميًعا‪ ،‬واليمان يشمل الدين جميًعا‪ ،‬فإًذا‬


‫هذا الحديث فيه بيان السإلم بمراتبه الثلث‪.‬‬
‫‪ ‬إذ طلع علينا رأجل شديد بياض الثياب شديد سإواد الشححعر‬
‫‪ ‬في هذا مادح لهذه الصفة وإحداهما ماكتسبة والخرى جبليححة‪،‬‬
‫أماا شدة سإححواد الشححعر‪ ،‬فهححذه جبليححة ل تكتسححب‪ ،‬ول يجححوز أن‬
‫يصبغ بالسواد لمن ليس بذي سإواد‪ ،‬وأماححا شححدة بيححاض الثيححاب‪،‬‬
‫فسياق هذا الحديث يقتضي مادح ماححن كححان علححى هححذه الصححفة‪،‬‬
‫ولهذا كححان النححبي ‪ ‬يحححب الثيححاب الححبيض‪ ،‬وكححان يلبسححها‪ ،‬وأماححر‬
‫بتكفين الموتى فيها ‪-‬عليه الصلة والسلم‪.-‬‬
‫قال‪  :‬ول يرى عليه أثأر السفر ‪ ‬يعني‪ :‬أنه ل يعرفونه فححي‬
‫المدينة‪ ،‬وأتى بهذه الصفة الجميلححة شححدة سإححواد الشححعر "ليححس‬
‫عليه" يعني‪ :‬فيه أثأر غّبححارأ أو تححراب‪ ،‬وعححادة المسححافر أن يكححون‬
‫كذلك‪ ،‬وأيضا ‪ ‬شديد بياض الثياب ‪ ‬كأنه خححرج ماححن بيتححه فححي‬
‫نظافة أهله الساعة‪ ،‬فكيف يكون ذلك؟‬
‫ذا في قوله‪  :‬ول يرى عليه أثأر السححفر ‪ ‬إشححعارأ بححأنه‬ ‫فإ ً‬
‫ماستغرب أن يكححون علححى هححذه الصححفة؛ لهححذا قححال بعححدها‪  :‬ول‬
‫يعرفه مانا أحد ‪ ‬وقد جاء في بعض الروايات أن جبريل ‪-‬عليه‬
‫السلم‪ -‬كان رأبما أتاهم على صورأة دحية الكلبي أحححد الصحححابة‪،‬‬
‫فيسأل النبي ‪ ‬فيجيب‪ ،‬وهذا غّير ماراد هنا؛ لنححه ل يتوافححق ماححع‬
‫قوله‪  :‬ول يعرفه مانا أحد ‪ ‬خلًفا لمن قال غّير ذلك‪.‬‬
‫مححا‬
‫وهذا فيححه التعليححم‪ ،‬فححإن جبريححل ‪-‬عليححه السححلم‪ -‬أتححى ماتعل ً‬
‫مححا حيححث‬ ‫ما مان جهة الهيئة والسححؤال والدب‪ ،‬وماعل ً‬ ‫ما‪ ،‬ماتعل ً‬
‫وماعل ً‬
‫سإأل لجل أن يستفيد الصحابة ‪-‬رأضححوان اللححه عليهححم‪ -‬وتسححتفيد‬
‫الماة مان بعدهم‪.‬‬
‫قال‪  :‬فأسإند رأكبتيه إلى رأكبتيه‪ ،‬ووضع كفيه علححى فخححذيه ‪‬‬
‫‪ ‬أسإند رأكبتيه إلى رأكبتيه ‪ ‬الضححمير الول يرجححع إلححى جبريححل‪،‬‬
‫والثاني إلى النبي ‪ ‬وهذا فيه القححرب ماححن العححالم‪ ،‬القححرب ماححن‬
‫المسئول حتى يكون أبلغ في أداء السؤال بححدون رأعونححة صححوت‬
‫ول إيذاء‪ ،‬وأفهم للجواب‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪‬‬ ‫‪ ‬ووضع كفيه علححى فخححذيه ‪ ‬هححذه قيححل‪ :‬فيهححا تفسححيران‪:‬‬


‫ووضع كفيه ‪ ‬يعني‪ :‬جبريححل علححى فخححذيه‪ ،‬يعنححي‪ :‬علححى فخححذي‬
‫النبي ‪ ‬قالوا ذلك لجل أن تكون الضمائر رأاجعة على نحححو ماححا‬
‫رأجعححت عليححه الجملححة الولححى ؛ لن توافححق الرجححوع أولححى ماححن‬
‫تعارأضه بل قرينة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ل‪ ،‬وضع كفيه على فخذيه هذه على فخححذي‬
‫ضا‪ ،‬يعني‪ :‬وضع كفي نفسه علححى فخححذي نفسححه‪ ،‬وهححذا‬ ‫جبريل أي ً‬
‫أدب مانه أماام ماقام النبي ‪. ‬‬
‫في هذا أن طالب العلححم ينبغححي لححه أن يكححون ماهيئححا نفسححه‪،‬‬
‫وماهيئا المسئول للجابة على سإؤاله فححي حسححن الجلسححة‪ ،‬وفححي‬
‫حسن وضع الجوارأح‪ ،‬وفححي القححرب مانححه‪ ،‬وهححذا نححوع ماححن الدب‬
‫المهححم‪ ،‬فححإن سإححؤال طححالب العلححم للعححالم‪ ،‬أو سإححؤال المتعلححم‬
‫لطالب العلم له أثأر فححي قبححول العححالم للسححؤال‪ ،‬وفححي انفتححاحه‬
‫للجواب‪.‬‬
‫قد ذكر في آداب طلححب العلححم‪ ،‬وفححي الكلم عليححه أن بعححض‬
‫العلمححاء ماححن علمححاء السححلف كححانوا ينشححطون لبعححض تلمايححذهم‬
‫فيعطونه‪ ،‬وبعضهم ل ينشطون لحه فيعطححونه بعحض الكلم الححذي‬
‫ماا‪ ،‬أو ل يكون ماكتمًل مان كل جهاته‪ ،‬وذلك رأاجححع إلححى‬‫يكون عا ّ‬
‫حسن أدب طالب العلم أو المتعلم‪.‬‬
‫فإنه كلما كان المتعلم أكثر أدًبا في جلسته‪ ،‬وأكححثر أدب ًححا فححي‬
‫لفظه‪ ،‬وفي سإححؤاله كححان أوقححع فححي نفححس المسححئول؛ فيحححرصا‬
‫رم‪ ،‬وماححن أقبححل أقبححل‬ ‫حت ُحح ِ‬
‫حت َححَرم ا ْ‬
‫ماححن ا ْ‬
‫ويتهيأ نفسّيا لجوابه؛ لنه َ‬
‫عليه فهذا فيه أن نتأدب جميًعا بهذا الدب‪.‬‬
‫فمثًل‪ :‬ألحظ على بعض طلب العلم‪ ،‬أو بعض المتعلميححن أنححه‬
‫إذا أتى يسأل العالم يسأله ب ِن ِد ّيححة ل يسححأله علححى أنححه يسححتفيد‪،‬‬
‫فيجلس جلسة العالم نفسه‪ ،‬أو يجلس جلسة المستغني‪ ،‬ويححداه‬
‫في وضححع ليححس فححي وضححع أدب‪ ،‬واحححدة هنححا‪ ،‬والخححرى هنححاك‪،‬‬
‫ضحا يعنحي‪ :‬فحي اسإحترخاء تحام‪ ،‬ليحس فيحه السإحتجماع‬ ‫وجسمه أي ً‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬ماما يدل على أنه غّير ماتأدب ماع العححالم‪ ،‬أو طححالب‬
‫العلم الذي سإيستفيد مانه‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وهذه الداب لها أثأر علححى نفسححية العححالم أو المجيححب‪ ،‬فإنححك‬


‫تريد أن تأخذ مانه العلم‪ ،‬وكلما كنت أذل على الححوجه الشححرعي‬
‫في أخذ العلم كلما كان العالم أكثر إقباًل عليك؛ ولهذا تجححد أن‬
‫مان‪ ...‬بل أكثر أهل العلم لهححم خححواصا‪ ،‬هححذا ماححن خاصححته‪ ،‬هححذه‬
‫الخصوصية رأاجعة إلى إيححه؟ رأاجعححة إلححى أن هححذا المتعلححم كححان‬
‫ماتأدًبا في لفظه‪ ،‬وفححي تعححاماله‪ ،‬وفححي كلماححه‪ ،‬وفححي حركتححه ماححع‬
‫شيخه ماما جعل شيخه يثق فيه‪ ،‬ويقبل عليه في العلم‪ ،‬ويعطيه‬
‫مان العلم ماا ل يعطيه غّيره‪ ،‬ويعطيححه ماححن تجححارأبه فححي الحيححاة‪،‬‬
‫وتجارأبه ماع العلم وماع العلماء‪ ،‬وفي الماورأ‪ ،‬وفي الواقححع بمححا ل‬
‫يفيده غّير المتأدب ماعه‪.‬‬
‫فهذه نأخذها مان حديث جبريل ‪-‬عليححه السححلم‪ -‬هححذا‪ ،‬ونأخححذها‬
‫ضا‪ ،‬مان قصة إلى الخضر ماع ماوسإى في سإورأة الكهف‪ ،‬وهي‬ ‫أي ً‬
‫حرية بالتأمال في آداب طلب العلم‪.‬‬
‫قال‪  :‬ي ا ماحمححد‪ ،‬أخححبرني عححن السإححلم ‪  ‬أخححبرني عححن‬
‫السإلم ‪ ‬هذا سإؤال عن نوع مان أنواع الدين أل وهو السإححلم‬
‫المتعلق بالعمال الظاهرة‪ ،‬فسأل عححن السإححلم‪ ،‬ثأححم سإححأل عححن‬
‫اليمان‪ ،‬ثأم سإأل عن الحسان‪ ...‬إلى آخره‪.‬‬
‫فقــال‪  :‬ي ا ماحمححد‪ ،‬أخححبرني عححن السإححلم ‪ ‬وفححي قححوله‪:‬‬
‫ضا‬
‫"أخبرني" فيه دللة على أن النبي ‪ ‬ماخبر‪ ،‬يعني‪ :‬أنه ينقل أي ً‬
‫الخبر عن السإلم‪ ،‬وهذا ماوافق لما هو ماتواتر في الشححريعة أن‬
‫النبي ‪ ‬إنما هو مابلغ للدين عن الله ‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬أخبرني ‪ ‬يعنححي‪ :‬اجعححل كلماححك لححي خححبرا‪ ،‬فححأخبرني‬
‫ضا ماخبر عن رأبححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬فححي ذلححك‪ ،‬كمححا‬
‫بذلك‪ ،‬والنبي ‪ ‬أي ً‬
‫جححاء فححي بعححض الحححاديث القدسإححية‪ ،‬قححد قححال ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬فيما يخبر به عن رأبه ‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬السإلم أن تشهد أن ل إله إل الله وأن ماحمدا رأسإول‬
‫الله ‪ ‬إلى آخره‪ ،‬هذا التفسير للسإلم تفسير للرأكان الخمسة‬
‫المعروفة التي سإيأتي ‪-‬إن شاء الله‪ -‬بعض بيانها في حديث ابن‬
‫عمر الثالث الذي نشرحه غّدا ‪-‬إن شاء الله‪ -‬فح ‪ ‬قححال‪ :‬السإححلم‬

‫‪21‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أن تشهد أن ل إلححه إل اللححه وأن ماحمححدا رأسإححول اللححه ‪ ‬وهححذا‬


‫رأكن واحد ‪ ‬وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصححوم رأماضححان وتحححج‬
‫البيت إن اسإتطعت إليه سإبيل‪ .‬فقال‪ :‬صدقت ‪. ‬‬
‫السإلم هنا فسره النبي ‪ ‬بالعمال الظاهرة‪ ،‬ولم يجعل فيححه‬
‫العمححال الباطنححة‪ ،‬أو بعححض العمححال الباطنححة‪ ،‬وماعنححى هححذا أن‬
‫السإححلم اسإتسححلم ظححاهر‪ ،‬وهححذا السإتسححلم الظححاهر يخححبر عنححه‬
‫بالشححهادتين‪ ،‬وبإقاماححة الرأكححان العمليححة الرأبعححة‪ ،‬والشححهادة فححي‬
‫نفسها لفظ فيه العتقاد‪ ،‬والتحدث‪ ،‬والخبارأ الذي هو العلم‪.‬‬
‫وعلى هححذا فسححر السححلف كلمححة شححهد‪ ،‬فقححوله ‪-‬جححل وعل‪ :-‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪ (1)    ‬شهد الله ماا ماعناه هل الله يشهد بمعنى‬
‫أي شيء؟ يشهد بمعنى يعلم ويخبر‪.‬‬
‫فإًذا شهادة المسلم بأن ل إله إل الله ل تستقيم ماححع كتمححانه‬
‫هذه الشهادة‪ ،‬فمن شهد ذلك بقلبححه ولححم يظهححر هححذه الشححهادة‬
‫دون عذرأ شرعي فإنه ل شهادة له؛ بل ل بد في الشهادة ماححن‬
‫ضححا ماححن حيححث الححدليل‬
‫حيث اللفظ الححذي دلححت عليححه اللغححة‪ ،‬وأي ً‬
‫الشرعي ل بد فيها مان الظهارأ‪ ،‬وهحو الموافححق لمعنحى السإحلم‬
‫الذي هو العمال الظاهرة‪.‬‬
‫فإًذا دخول الشهادتين في السإلم الذي هو العمال الظححاهرة‬
‫رأاجع لمعنى الشهادة‪ ،‬وهحو أن ماعنحى الشحهادة الظهحارأ‪ ،‬يعنحي‪:‬‬
‫بعد العتقاد الظهارأ والعلم والخبارأ‪ ،‬وهنا يأتي العتقاد؛ اعتقاد‬
‫الشهادتين يرجع إليه؛ لنه فححي ماعنححى شححهد‪ ،‬يرجححع إليححه أرأكححان‬
‫اليمان جميًعا‪.‬‬
‫ولهذا نقول‪ :‬السإححلم هححو العمححال الظححاهرة‪ ،‬ول يصححح إل‬
‫بقحدرأ ماصححح لحه ماححن اليمحان‪ ،‬وهحو اليمحان الحواجب بالرأكححان‬
‫الستة؛ فاليمان الواجب يعني‪ :‬أقل قدرأ ماححن اليمححان بححه يصححبح‬
‫ما‪ ،‬هذا ماشمول في قححوله‪  :‬أن تشححهد أن ل إلححه إل‬ ‫المرء ماسل ً‬
‫الله ‪ ‬لن الشهادة ماعناها العتقححاد والنطححق والخبححارأ والعلم‪،‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة آل عمران آية ‪.18 :‬‬

‫‪22‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فتشمل هذه الماورأ الثلثأة‪ ،‬فالعتقاد يرجححع إليححه أرأكححان اليمححان‬


‫الستة‪.‬‬
‫فنخلص مان هذا إلى أن السإلم‪ ،‬وإن قال أهححل العلححم فيححه‪:‬‬
‫إن المراد به هنححا العمححال الظححاهرة‪ ،‬فححإنه ل يصححح السإححلم إل‬
‫بقدرأ مان اليمان ماصحح له‪ ،‬وهذا القدرأ مان اليمححان دلنححا علححى‬
‫اشتراطه لفظ أن تشهد؛ لن لفظ الشهادة في اللغححة والشححرع‬
‫ماتعلق بالباطن والظاهر‪.‬‬
‫والعتقاد في الشهادتين بأن ل إله إل الله‪ ،‬هححذا هححو اليمححان‬
‫دا رأسإول الله‪ ،‬يرجع إليه اليمان بالنبي ‪ ‬وبمححا‬
‫بالله‪ ،‬وبأن ماحم ً‬
‫أخبر به ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬مان اليمححان بالملئكححة‪ ،‬والكتححب‪،‬‬
‫والرسإل‪ ،‬واليمان باليوم الخر‪ ،‬والقدرأ خيره وشره‪.‬‬
‫اليمححان فسححره النححبي ‪ ‬لجبريححل بالعتقححادات الباطنححة‪ ،‬وهححذا‬
‫الفرق بين المقاماين لجل ورأدوهما في حديث واحححد‪ ،‬فالسإححلم‬
‫إذا اقترن ماع اليمان رأجع السإلم إلى العمال الظححاهرة ومانهححا‬
‫الشححهادتان‪ ،‬ورأجححع اليمححان إلححى العمححال الباطنححة‪ ،‬وإذا أفححرد‬
‫السإلم فإنه يراد به الدين كله‪ ،‬وهو الححذي مانححه قسححم السإححلم‬
‫هذا‪ ،‬وإذا أفرد اليمان فإنه يراد به الدين كله بما فيه العمال‪.‬‬
‫ولهحذا أجمحع السحلف والئمحة علححى أن اليمححان قححول وعمحل‬
‫واعتقححاد‪ ،‬وعلححى أن اليمححان قححول وعمححل يعنححي‪ :‬قححول وعمححل‬
‫واعتقاد‪ ،‬يعني‪ :‬إذا أفرد‪ ،‬وهذا هو الذي عليححه عاماححة أهححل العلححم‬
‫مان أهححل السححنة والجماعححة فححي أن السإححلم غّيححر اليمححان‪ ،‬وأن‬
‫اليمان إذا جاء ماستقًل عن السإلم فإنه يعنححى بححه الححدين كلححه؛‬
‫يعنححى بححه السإححلم واليمححان والحسححان‪ ،‬وإذا أتححى السإححلم فححي‬
‫سإياق ماستقل عن اليمححان يعنححى بححه الححدين كلححه‪ ،‬وأن السإححلم‬
‫واليمان إذا اجتمعححا افترقححا ماححن حيححث الدللححة‪ ،‬فجعححل السإححلم‬
‫للعمال الظاهرة‪ ،‬وجعل اليمان للعتقادات الباطنة‪.‬‬
‫ضححا‪ ،‬ماححن رأأى أن السإححلم‬ ‫ماححن أهححل العلححم ماححن السححلف أي ً‬
‫ضححا‬
‫واليمان واحد‪ ،‬وهذا ‪-‬كما ذكرت لك‪ -‬غّيححر صحححيح‪ ،‬ومانهححم أي ً‬
‫ضححا‪ ،‬ولكححن‬ ‫رأأى أن السإححلم واليمححان يختلفححان‪ ،‬ولححو تفرقححا أي ً‬
‫الصحيح أن السإلم إذا اجتمححع ماححع اليمححان صححارأ السإححلم ‪-‬كمححا‬
‫‪23‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ذكرت لكم‪ -‬للعمال الظاهرة واليمان للعتقادات الباطنححة‪ ،‬كمححا‬


‫دل عليه حديث جبريل هذا‪.‬‬
‫نقول‪ :‬اليمان عند أهل السححنة والجماعححة يزيححد وينقححص ماححع‬
‫أنه ماتعلق بالعتقادات‪ ،‬والسإلم عنححد أهححل السححنة والجماعححة ل‬
‫يطلقون العبارأة أنه يزيد وينقص ماع أنه ماتعلق بالعمل الظححاهر‪،‬‬
‫فكيف يكون هذا؟ وضح الشكال؟‬
‫اليمان يعلقونه بالعتقادات الباطنة‪ ،‬ويقولححون‪ :‬يزيححد وينقححص‪،‬‬
‫والسإححلم فححي العمححال الظححاهرة ول يقولححون فيححه‪ :‬إنححه يزيححد‬
‫وينقص‪.‬‬
‫والجواب عند هذا الشكال أن اليمان إذا أرأيد به عاماة أماورأ‬
‫الدين‪ ،‬كما جاء في حححديث ‪-‬ماثل‪ -‬وفححد عبححد القيححس حيححث قححال‬
‫لهححم ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬آمارك م باليمححان بححالله وحححده‪،‬‬
‫أتدرأون ماا اليمان بالله وحده؟ ‪ ‬ثأم ذكر أماورأ اليمان‪ ،‬وقححال‪:‬‬
‫مس مان المغنم ‪ ‬وهذا نوع مان العمال‪.‬‬ ‫خ ُ‬
‫‪ ‬أن تؤدوا ال ُ‬
‫فإًذا العمال باتفاق السححلف داخلححة ‪-‬يعنححي‪ :‬ماححن أهححل السححنة‬
‫داخلة‪ -‬في ماسمى اليمان‪ ،‬وإذا كان كذلك‪ ،‬فححإذا قححالوا‪ :‬اليمححان‬
‫يزيد وينقص‪ ،‬فإنه يرجع في هذه الزيادة إلححى العتقححاد‪ ،‬ويرجححع‬
‫إلى العمال الظاهرة‪ ،‬وهذا يعني‪ :‬أن السإلم يزيد وينقححص؛ لن‬
‫اليمان الذي يزيد وينقص إيمان القلب وإيمان الجوارأح‪.‬‬
‫وإيمححان القلححب اعتقححاده بقححوة إيمانححك بححالله ومالئكتححه وكتبححه‬
‫ورأسإله‪ ،‬هذا الناس ليسوا فيححه سإححواء بححل يختلفححون‪ :‬مانهححم ماححن‬
‫إيمانه كأماثال الجبال‪ ،‬ومانهم مان هو أقل ماححن ذلححك‪ ،‬وهححو يزيححد‬
‫بالطاعة وينقححص بالمعصححية‪ ،‬والعمححال الظححاهرة الححتي هححي ماححن‬
‫ضا وتنقص‪ ،‬فكلما زادت زاد إيمححان العبححد‪ ،‬وكلمحا‬ ‫اليمان تزيد أي ً‬
‫ضا‪ ،‬ويزيححد‬‫نقصت نقص إيمان العبد‪ ،‬وينقص اليمان بالمعصية أي ً‬
‫بترك المعصية‪.‬‬
‫ضا يزيد وينقص‪ ،‬علححى‬ ‫بعض أهل العلم أيضا يقول‪ :‬السإلم أي ً‬
‫اعتبارأ أن السإلم هو اليمان في دللته على العتقححاد والعمححل‪،‬‬
‫أو في دللتححه علححى العمححال الظححاهرة‪ ،‬فححإن العمححال الظححاهرة‬

‫‪24‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ضا‪ ،‬يزيد ماعها السإلم ويزيد ماعهححا اليمححان‪ ،‬كيححف يزيححد ماعهححا‬
‫أي ً‬
‫السإلم؟ لن السإلم اسإتسلم‪.‬‬
‫ماا السإلم؟ السإلم هو السإتسلم لله بالتوحيد‪ ،‬والنقيححاد لححه‬
‫بالطاعة‪ ،‬والبراءة مان الشرك وأهله‪ ،‬فالسإلم فيه اسإتسلم لله‬
‫بالتوحيد‪ ،‬وهذا داخل في الشهادتين‪ ،‬أو تححدخل فيححه الشححهادتان‪،‬‬
‫فهححذا إًذا يزيححد النححاس فيححه وينقححص اسإتسححلماهم للححه بالتوحيححد‬
‫ضا يتفاوتون فيه‪.‬‬ ‫ماختلف يتفاوتون فيه‪ ،‬والنقياد بالطاعة أي ً‬
‫إًذا مان أطلق هذا القول فل يغلححط‪ ،‬وقححد أطلقححه ماححرة شححيخ‬
‫السإححلم ابححن تيميححة؛ ولكححن القححول المعتمححد عنححد السححلف أنهححم‬
‫يعبرون في الزيادة والنقصان عن اليمان دون السإلم؛ لن في‬
‫ذلك ماخالفة للمرجئة الذين يجعلححون اليمححان النححاس فححي أصححله‬
‫سإواء‪ ،‬يعني‪ :‬في اعتقاده القلححب‪ ،‬وإنمححا يتفححاوت النححاس عنححدهم‬
‫في العمال الظاهرة‪.‬‬
‫فتقيححد السححلف بلفححظ اليمححان يزيححد وينقححص‪ ،‬خلفًححا للمرجئححة‬
‫الذين جعلوا الزيادة والنقصان في العمال الظاهرة دون اعتقاد‬
‫القلب‪ ،‬وعندهم اعتقاد القلحب النحاس فيحه سإحواء‪ ،‬كمحا يعحبرون‬
‫عنه بقولهم وأهله في أصله سإواء‪.‬‬
‫فيعبرون عن اليمان بأنه هو الذي يزيد وينقص دون السإلم‪،‬‬
‫لهححذا فتأخححذ بتعححبيرهم‪ ،‬ول تطلححق العبححارأة الخححرى؛ لنهححا غّيححر‬
‫ماستعملة عندهم ماححع أنهححا إن أطلقحت فهححي صحححيحة إن احتيححج‬
‫إليها‪.‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬صدقت ‪ ‬يعني‪ :‬في جوابه عن ماسألة السإلم‪ ،‬وهذا‬
‫فيه عجححب أن يسححأل ويصححدق‪ ،‬وهححذا فيححه لفححت النتبححاه؛ انتبححاه‬
‫الصحابة إلى هذه المسائل‪ ،‬كيف يسححأل ويصححدق؟ فححالمتعلم إذا‬
‫أتى بأسإلوب في السؤال يلفت النظر ليستفيد البقيححة ماححع علححم‬
‫المسئول فإن هححذا حسححن ليسححتفيد مانححه الخححرون؛ لن النححبي ‪‬‬
‫يعرف أن هذا جبريل‪ ،‬وتصديقه له دال على هذا بوضوح‪.‬‬
‫ففي هذا أن المتعلم يأتي للعالم بمعرفته بمححا يسححأل لفححادة‬
‫غّيره‪ ،‬وأن هذا أسإحلوب حسححن ماحن أسإحاليب التعليححم الشحرعية‪،‬‬

‫‪25‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قال‪  :‬فعجبنا له يسححأله ويصححدقه! قححال‪ :‬فححأخبرني عححن اليمححان‪،‬‬


‫قال‪ :‬أن تؤمان بالله ومالئكتححه وكتبححه ورأسإححله واليححوم الخححر وأن‬
‫تؤمان بالقدرأ خيره وشره ‪ ‬ذكر أرأكان اليمان الستة‪.‬‬
‫ضححا‪ ،‬مانهححا خمسححة ماتتابعححة‬ ‫وهذه الرأكان جاءت في القرآن أي ً‬
‫‪‬‬ ‫جاءت في قححول اللححه ‪-‬جححل وعل‪    -‬‬
‫‪         ‬‬
‫هذه أرأبعة‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وقححوله‪:‬‬


‫‪ (2)    ‬وكما في قوله‪  :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ (3)  ‬وفي القدرأ جاء قححوله ‪-‬جححل وعل‪:-‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ (4)   ‬يعني‪ :‬أن أصححول هححذه الرأكححان هححذه جححاءت‬
‫ضا في القرآن‪.‬‬ ‫أي ً‬
‫وهذه الرأكححان السححتة هححي الححتي عححبر عنهححا بأرأكححان اليمححان‪،‬‬
‫والخمسة التي قبلها بأرأكان السإححلم‪ ،‬أرأكححان اليمححان ماححا ماعنححى‬
‫كونها أرأكانا؟‪.‬‬
‫نلحظ ماسألة ماهمة ينبغي لكم أن تنتبهوا لها أن لفظ أرأكححان‬
‫السإلم‪ ،‬ولفظ أرأكان اليمان لم يرد في شححيء ماححن النصححوصا‪،‬‬
‫لححم يححرد أن لليمححان أرأكانححا‪ ،‬ول أن للسإححلم أرأكانححا‪ ،‬وإنمححا عححبر‬
‫العلماء بلفظ الركن اجتهاًدا مان عندهم‪ ،‬وإذا كان كذلك فينبغححي‬
‫أن تفهم النصوصا على ضوء هذا الصححل‪ ،‬وهححو أن التعححبير عححن‬
‫هذه بالرأكان إنما هو فهم لهل العلم في أن هذه هي الرأكان‪،‬‬
‫وفهمهم صحيح بل شك؛ لن الركححن هححو ماححا تقححوم عليححه مااهيححة‬
‫الشيء‪.‬‬
‫فالشيء ل يتصورأ قياماه إل بوجود أرأكححانه‪ ،‬فمعنححى ذلححك أنححه‬
‫إذا تخلف رأكن مان الرأكان ماا قام البنححاء‪ ،‬فححإذا اختلححف اليمححان‬
‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.285 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.177 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة النساء آية ‪.136 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة القمر آية ‪.49 :‬‬

‫‪26‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫بالقدرأ ماا قام بناء اليمان أصًل‪ ،‬إذا تخلف رأكححن اليمححان بححاليوم‬
‫الخر ماا قام البناء؛ لن الركن في التعريف الصطلحي هو ماححا‬
‫تقوم عليه مااهية الشيء‪ ،‬فإذا تخلف رأكن لم يقم الشيء أصًل‪،‬‬
‫يعني‪ :‬لححم يقححم الشححيء وجححودا شححرعّيا؛ لن قيححاماه مابنححي علححى‬
‫تكامال أرأكانه‪.‬‬
‫وهذا يورأد علينا إشكال وهو أنه في السإححلم قيححل‪ :‬هححذه هححي‬
‫أرأكان السإلم الخمسة‪ ،‬والعلماء لم يتفقححوا علححى أن ماححن تححرك‬
‫الحححج والصححيام جميعًححا ماححن أرأكححان السإححلم أنححه ليححس بمسححلم‪،‬‬
‫واتفقوا على أنه مان ترك رأكًنا ماححن أرأكححان اليمححان فححإنه ليححس‬
‫بمؤمان أصًل‪ ،‬وهذا يرجع إلى أن اصطلح الركن اصطلح حاجز‪.‬‬
‫فينبغححي أن تفهححم ‪-‬خاصححة فححي ماسححائل اليمححان والسإححلم‬
‫والتكفير وماا يتعلق به‪ ،‬وماا يتعلق بهححا‪ -‬أن العلمححاء أتححوا بألفححاظ‬
‫للفهام‪ ،‬فهذه اللفححاظ الححتي للفهححام ل تحكححم علححى النصححوصا‪،‬‬
‫وإنمححا النصححوصا الححتي تحكححم علححى ماححا أتححى العلمححاء بححه ماححن‬
‫اصطلحات‪ ،‬يعني‪ :‬أن نفهم الصحطلحات علححى ضحوء النصحوصا‪،‬‬
‫وأن نفهم النصوصا على ضوء الصطلحات‪.‬‬
‫حا مان جهة الححدليل الشححرعي رأجعنححا‬ ‫فإذا صارأ الصطلح صحي ً‬
‫في فهم الدليل الشرعي للصححطلح ففهمنححا ذلححك‪ ،‬وهححذا يتضححح‬
‫ببيان أرأكان السإلم‪ ،‬فإنه لو تخلف رأكنان ماححن أرأكححان السإححلم‪،‬‬
‫تخلف الحج ‪-‬ماثل‪ -‬والصيام‪ ،‬فإن أهل السنة والجماعة ماا اتفقححوا‬
‫على أن مان لم يححأت بالحححج والصححيام فححإنه ليححس بمسححلم؛ بححل‬
‫دا رأسإول‬‫قالوا‪ :‬هو ماسلم؛ لنه شهد أن ل إله إل الله وأن ماحم ً‬
‫اللححه؛ ولنححه أقححام الصححلة ‪-‬ماثل‪ -‬واختلفححوا فيمححا عححدا ذلححك ماححن‬
‫الرأكان فيما إذا تركها‪ ،‬يعني‪ :‬ولم يأت بها دون جهد لها ماع أن ه‬
‫تخلف عنه رأكن أو أكثر‪.‬‬
‫وهذا يعني‪ :‬أنه في فهم أرأكان السإححلم‪ ،‬نجعححل هححذه الرأكححان‬
‫تختلف في تعريف الركن عن فهم أرأكححان اليمححان‪ ،‬فنقححول فححي‬
‫أرأكان السإلم‪ :‬يكتفى فحي السإحلم بوجحود الشحهادتين والصحلة‪،‬‬
‫وفي غّيرهما خلف‪ ،‬وأماا في أرأكححان اليمححان فمححن تخلححف مانححه‬
‫رأكن مان هذه الرأكان فإنه ليس بمؤمان هذا مان حيث التأصيل‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ما ولو تخلححف عنححه بعححض‬ ‫ذا نقول‪ :‬يمكن أن يسمى ماسل ً‬ ‫فإ ً‬
‫أرأكان السإلم‪ ،‬ول يصح أن يسمى ماؤماًنحا إن تخلحف عنحه رأكحن‬
‫مان أرأكان اليمان‪ ،‬إذا تقررأ هذا فأرأكان اليمان الستة هذه فيها‬
‫قدرأ واجب ل يصح إسإلم بدونه‪ ،‬قدرأ واجححب علحى كححل ماكلحف‪،‬‬
‫مان لم يأت به فليس بمؤمان‪ ،‬وهناك قدرأ زائححد علححى هححذا تبعححا‬
‫للعلم‪ ،‬أو تبعا لما يصله مان الدليل‪.‬‬
‫فما هو القدرأ المجزئ وهو الذي مان لم يأت به صارأ كافًرا؟‬
‫فهححذا هنححاك قححدرأ ماجححزئ فححي اليمححان بححالله‪ ،‬قححدرأ ماجححزئ فححي‬
‫اليمان بالرسإل‪ ،‬قدرأ ماجزئ في اليمان بححالكتب‪ ،‬وقححدرأ ماجححزئ‬
‫في اليمان باليوم الخر والقدرأ‪ ...‬إلى آخره‪.‬‬
‫أما اليمان بالله فهو ثلثة أقســام‪ :‬إيمححان بححالله بححأنه‬
‫واحد في رأبوبيته‪ ،‬وإيمان بالله بأنه واحد في ألوهيته‪ ،‬يعني‪ :‬في‬
‫اسإتحقاقه العبادة‪ ،‬وإيمان بححالله يعنححي‪ :‬بححأنه واحححد فححي أسإححمائه‬
‫وصفاته ل ماثيل له ‪-‬سإبحانه وتعالى‪      -‬‬
‫‪. (1)   ‬‬
‫القدرأ المجزئ مان الول أن يعتقحد أن اللحه ‪-‬جحل جللحه‪ -‬هححو‬
‫رأب هذا الوجححود‪ ،‬يعنححي‪ :‬أنححه هححو إلححى الخححالق لححه‪ ،‬المححدبر لححه‪،‬‬
‫المتصرف فيه‪ ،‬خالق له‪ ،‬مادبر له‪ ،‬وماتصححرف فيححه كيححف يشححاء‪،‬‬
‫هذه الربوبية‪ ،‬باللهية بأنه ل أحد يستحق العبححادة‪ ،‬أو شححيئا ماححن‬
‫أنواع العبادة‪ ،‬ل أحد يستحق شيئا مان أنواع العبادة مان الخلق؛‬
‫بل الذي يستحق هو الله ‪-‬جل جلله‪ -‬وحده‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يؤمان بأن الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬لححه السإححماء الحسححنى‬
‫والصفات العل دون تمثيل لها بصفات المخلوقين‪ ،‬ودون تعطيل‬
‫له عن أسإححمائه وصححفاته بالكليححة‪ ،‬أو جحححد لشححيء ماححن أسإححمائه‬
‫وصفاته بعد وضححوح الحجححة فيهححا لححه‪ ،‬هححذا القححدرأ المجححزئ ماححن‬
‫اليمان بالله‪.‬‬
‫اليمان بالملئكة القدرأ المجزئ أن يؤمان بأن الله ‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫له خلق مان خلقحه اسإححمهم الملئكححة‪ ،‬عبححاد يححأتمرون بححأمار اللححه‬

‫‪ - 1‬سإورأة الشورأى آية ‪.11 :‬‬

‫‪28‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪-‬جححل وعل‪ -‬ماربوبححون ل يسححتحقون شححيًئا‪ ،‬وأن مانهححم ماححن يححأت‬


‫بالوحي للنبياء‪ ،‬هذا القدرأ هو الواجب‪.‬‬
‫فإذا قال‪ :‬ل أنا أنكر وجود مالئكة ‪-‬ماا شفت أحد‪ -‬فهذا انتفى‬
‫عنه أصل‪ ،‬انتفى عنه هذا الركن وهو اليمان بالملئكة؛ لكن لححو‬
‫قال‪ :‬أنا ماا أعلم مايكال هذا‪ ،‬فإنه ل يقدح في إيمانه بالملئكححة؛‬
‫لنه يقول‪ :‬أنا ماؤمان بوجود هذا الخلق مان خلق الله ‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫مالئكة؛ لكن مايكال ماا أعرف هذا مايكال‪ ،‬فيبلغ بالحجة فيه في‬
‫آيححة البقححرة ‪ (1)      ‬الي ة الححتي فيهححا ذكححر‬
‫مايكال‪ ،‬ويبلغ بما جاء فيه‪ ،‬فإن علم أنها آية ثأم لم يححؤمان كححان‬
‫دا لهذا الركن مان الرأكان‪.‬‬ ‫جاح ً‬

‫ل" وي ُب َل ّغُ‬ ‫ماي َ‬


‫كا َ‬ ‫‪ … (2)      ‬الية التي فيها ذكر " ِ‬
‫بما جاء فيه‪ ،‬فإن علم أنها آية ثأم لم يحؤمان‪ ،‬كحان جاححدا ً لهححذا‬
‫الركن مان الرأكان‪.‬‬
‫فإًذا فيه قدرأ ماجزئ‪ :‬وهو الذي يجححب علححى كححل أحححد‪ ،‬وقححدرأ‬
‫يتفاضل فيه الناس واجب ‪-‬أيضًا‪ -‬ماع العلم‪.‬‬
‫فكلما علم شيئا ً مان ذلك وجب عليه اليمان به ‪ ...‬إلخ‪ ،‬وهذا‬
‫واسإع وكلما علم شيئا ً واجب مان ذلك زاد أجره وثأوابه وإيمححانه‬
‫ويقينه ‪.‬‬
‫اليمان بالكتب‪ :‬القدرأ المجزئ مانها أن يعلححم … أن يعتقححد‬
‫العتقاد الجازم الذي ل شك فيه بأن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أنزل على‬
‫مان شاء مان رأسإله كتبا ً هي كلماه ‪-‬جل وعل‪ -‬وأن مانها القححرآن‬
‫الذي هو كلماه ‪-‬جل وعل‪ -‬وهذا هو القدرأ المجزئ مان ذلك‪.‬‬
‫وماححا بعححد ذلححك أن يححؤمان بححالتورأاة‪ ،‬قححد يقححول‪ :‬أنححا ل أعححرف‬
‫التورأاة‪ ،‬فإذا ع ُّرف وجب عليه‪ ،‬وهكذا في تفاصيل ذلك‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.98 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.98 :‬‬

‫‪29‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فمن عِلم شيئا بدليله‪ ،‬بنصه وجب عليححه أن يححؤمان بححه‪ ،‬لكححن‬
‫أول ماححا يححدخل فححي الححدين يجححب عليححه أن يححؤمان بهححذا القححدرأ‬
‫المجزئ‪ ،‬وهو الذي يصح ماعه إيمان المسلم‪.‬‬
‫وكتبه ورسله اليمان ‪ :‬وهو العتقاد الجازم الذي ل رأيب‬
‫فيححه‪ ،‬ول تححردد بححأن اللحه ‪-‬جححل وعل‪ -‬أرأسإححل رأسإححل ً لخلقححه‪ ،‬وأن‬
‫هؤلء الرسإل ماوحى إليهححم ماححن اللححه ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬وأن خححاتمهم‬
‫ماحمد ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬فيؤمان به ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪-‬‬
‫ويتبعه‪ ،‬فهذا هو القدرأ المجزئ‪ ،‬وماا بعد ذلك ‪-‬أيضا‪ -‬يكون واجبا‬
‫بقدرأ ماححا يصححله ماححن العلححم‪ ،‬وفيهححا أشححياء ‪-‬أيضححًا‪ -‬ماسححتحبة فححي‬
‫تفاصيله ‪.‬‬
‫طبعا ً هذا الحديث قد ُندخل فيه العقيدة كلها‪ ،‬ويطول الكلم‪،‬‬
‫لكن ننبهك على أصول في فهم هذه الحاديث ‪.‬‬
‫واليوم الخر ‪ :‬القدرأ المجزئ مانه‪ ،‬الححذي يتحقححق بححه قيححام‬
‫الركن ‪-‬أن يؤمان بأن الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬جعححل يوماححا ً يحاسإححب فيححه‬
‫الناس‪ ،‬يعودون إليه ويبعثهم مان قبورأهم ويلقون رأبهححم ويجححازي‬
‫المحسن بإحسانه والمسيء بإسإاءته‪ ،‬وأن المحسن يدخل الجنة‬
‫وأن المسححيء‪ -‬يعنححي‪ :‬الكفححارأ‪ -‬يححدخل النححارأ‪ ،‬وأن المسححلم يححدخل‬
‫الجنة‪ ،‬هذا القدرأ واجب‪ ،‬رأكن‪ ،‬وماا بعد ذلك يكون بحسب العلم‬
‫‪.‬‬
‫در‪ :‬يؤمن بالقدر‪ :‬خيره وشره مان اللححه ‪-‬تعححالى‪ -‬بححأن‬ ‫وال َ‬
‫ق َ‬
‫درأ المجزئ‪ ،‬بححأنه ماححا ماححن شححيء يكححون إل‬
‫يؤمان … هذا هو الق ْ‬
‫درأه الله ‪-‬جل وعل‪.‬‬ ‫وقد ق ّ‬
‫عل ْ ُ‬
‫محه‬ ‫بمعنى‪ :‬أنه ‪-‬سإبحانه‪ -‬عل ِححم هححذا الشححيء قبححل وقححوعه‪ ،‬و ِ‬
‫بذلك أّول‪ ،‬وأنه كتب ذلك عنده ‪-‬سإبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫درأ‬
‫ويغني عن اعتقاده الكتابة قبل العلم بدليلها أن يؤمان بالقحح َ‬
‫درأ سإابق‪ ،‬فيشمل ذلك … يشمل اعتقححاده‬ ‫السابق‪ ،‬يعني‪ :‬أن الق َ‬
‫أن القححدرأ سإححابق العلححم‪ :‬علححم اللححه ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬والكتابححة؛ لن‬
‫القسام التية ماقاَرأنة أو لحقة‪ ،‬وليست سإابقة ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ويؤمان ‪-‬أيضًا‪ -‬بأن ماا شاء الله ‪-‬جل وعل‪ -‬كححان وماححا لححم يشححأ‬
‫لم يكن‪ ،‬وأنه ماا مان شيء إل والله ‪-‬جل وعل‪ -‬هو الذي يخلقححه‬
‫‪-‬سإبحانه‪ -‬فيخلق ‪-‬جل وعل‪ -‬جميع الشياء كما قال‪   :‬‬
‫‪. (1)   ‬‬
‫درأ السحابق وبمشحيئة اللحه‬ ‫فإًذا اليمان بالقحدرأ … إيمحا ٌ‬
‫ن بالقح َ‬
‫درأ السابق‪.‬‬‫وقدرأته وخلقه؛ لنفاذ الق َ‬
‫هذا قدرأ واجب ل يصح اليمححان بححدونه‪ ،‬وهححو الركححن فيححه أن‬
‫يؤمان بسبق القدرأ‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالمقدورأ الواقع‪ ،‬يعني‪ :‬بالقضاء الواقع‪ ،‬يعتقد أنه‬
‫بمشيئة اللححه وخلقححه لهححذا الفعححل يعلححم ماراتححب القححدرأ الرأبعححة‪،‬‬
‫وتفاصيل ذلك‪ ،‬هذا بحسب ماا يصل إليه مان العلم فمنه واجب‪،‬‬
‫ومانه ماستحب‪.‬‬
‫إذا تقررأ هذا فاليمان الشرعي المراد به في هححذا المححوطن‪:‬‬
‫الذي يكون قرينا ً للسإلم ‪-‬كما فسرت لححك‪ ،-‬يححراد بححه‪ :‬العتقححاد‬
‫الباطن‪.‬‬
‫فإذا قرن بين السإلم واليمححان انصححرف السإححلم إلححى عمححل‬
‫اللسان وعمل الجوارأح‪ ،‬واليمان إلى العتقادات الباطنة؛ فلهححذا‬
‫نقححول إًذا‪ :‬ل ُيتصححورأ أن يوجححد إسإححلم بل إيمححان‪ ،‬ول أن يوجححد‬
‫إيمان بل إسإلم‪.‬‬
‫فكل ماسلم ل بد أن يكون ماعه مان اليمححان قححدٌرأ هححو الححذي‬
‫سإححمي‬
‫حح به إسإلماه‪ ،‬ولو لم يكن عنده ذلك القدرأ ماا ُ‬ ‫ذكرنا ص ّ‬
‫ماسلما ً أصلً‪ ،‬فل ُيتصورأ ماسلم بل إيمان‪ ،‬فكل ماسلم عنده قدرأ‬
‫مان اليمان‪ ،‬وهذا القدرأ هو القدرأ المجزئ الذي ذكرت لك‪.‬‬
‫حح ليمححانه‪ ،‬فححإنه ل‬
‫وكل ماؤمان عنده قدرأ ماححن السإححلم ماصحح ّ‬
‫ُيقبل مان أحد إيمان بل إسإلم‪ ،‬كما أنه ل يقبل مان أححد إسإححلم‬
‫بل إيمان‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الرعد آية ‪.16 :‬‬

‫‪31‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فإذا قلنا‪ :‬هذا ماسلم‪ ،‬فمعنححاه‪ :‬أنححه وجححد إسإححلماه الظححاهر ماححع‬
‫أصل اليمان الباطن‪ ،‬وهو القدرأ المجزئ‪.‬‬
‫إذا تقرر هذا فنقول‪ :‬اليمان يتفاوت أهله فيحه‪ ،‬ولتفحاوت‬
‫أهله فيه صارأ اليمان أعلى مارتبة مان السإححلم‪ ،‬وصححارأ المححؤمان‬
‫أعلى مارتبة ماححن المسححلم؛ لن اليمححان فححي المرتبححة الححتي هححي‬
‫أعلى مان مارتبة السإلم قد حقق فيها السإححلم‪ ،‬وماححا ماعححه ماححن‬
‫القدرأ المجزئ ماحن اليمححان‪ ،‬وزاد علححى ذلحك فيكحون إًذا إيمححانه‬
‫أرأفع رأتبة مان إسإلماه؛ لنه اشتمل على السإلم وزيادة‪.‬‬
‫ولهححذا قححال العلمححاء‪ :‬كححل ماححؤمان ماسححلم‪ ،‬وليححس كححل ماسححلم‬
‫ماؤمانا؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي ‪ ‬قال لححه أحححد‬
‫ط فلنا فإنه ‪-‬يا رأسإول اللححه‪ -‬ماححؤمان‪ ،‬فقححال ‪-‬عليححه‬
‫الصحابة‪  :‬أع ِ‬
‫الصلة والسلم‪ :-‬أو ماسلم‪ ،‬فأعادها عليه الصحابي‪ ،‬فقال ‪-‬عليححة‬
‫الصلة والسلم‪ :-‬أو ماسلم ‪. ‬‬
‫فهذا قوله‪" :‬أو ماسلم" فيها دليل على تفريق ماا بين المسلم‬
‫والمؤمان‪ ،‬فإن مارتبة المححؤمان أعلححى ماححن مارتبححة المسححلم‪ ،‬كمححا‬
‫‪‬‬ ‫دلت عليها آية الحجححرات‪       :‬‬
‫‪          ‬‬
‫)‪ (1‬فدل على أنهم لم يبلغوا مارتبة اليمان الذي هي أعلححى ماححن‬
‫مارتبة السإلم ‪.‬‬
‫فإًذا نخلص مان هذا إلححى أن اليمححان الححذي هححو تحقيحق هححذه‬
‫الرأكان الستة بالقدرأ المجزئ مانه‪ ،‬ليس هو المححراد بححذكر هححذه‬
‫المراتب؛ لنه داخل في قوله‪ :‬أن تشهد أن ل إلححه إل اللححه وأن‬
‫ماحمدا رأسإول الله‪.‬‬
‫فتحقيق مارتبة اليمان يكون بالقدرأ المجححزئ‪ ،‬وماححا هححو أعلححى‬
‫مان ذلك؛ لن اليمان أعلى رأتبة ماححن السإححلم‪ ،‬والمححؤمان أعلححى‬
‫رأتبة مان المسلم ‪.‬‬
‫ف تنوعت عبارأاتهم في اليمان وأنححواعه‪ ،‬فقححالت طائفححة‬
‫سل ُ‬
‫ال ّ‬
‫مانهم‪ :‬اليمان قول وعمل‪ ،‬وقالت طائفححة‪ :‬اليمححان قححول وعمححل‬
‫واعتقاد‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬اليمان قول وعمل ون ِّية ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة الحجرات آية ‪.14 :‬‬

‫‪32‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫صير مانهم إلى شيء واحد وهو أن اليمان إذا ُأطلححق‪،‬‬ ‫ما ِ‬
‫وهذا َ‬
‫أو جاء على صفة المدح لهله في النصوصا أو فححي السإححتعمال‬
‫فإنه يراد به اليمان الذي يشمل السإلم ‪.‬‬
‫ظ هذا! إذا ُأطلق … قلنا‪ :‬اليمان ولححم نححذكر السإححلم‪ ،‬أو‬ ‫ح ْ‬
‫ال ْ َ‬
‫جاء في ماورأد فيه المدح له‪ ،‬ولو كان ماع السإلم؛ فإنه يشححمل‬
‫السإلم ‪-‬أيضًا‪ -‬لدخول العمل فيه‪ ،‬فنقول‪ :‬هنا تنححوعت عبححارأاتهم‪،‬‬
‫فقال بعضهم‪ :‬اليمححان قححول وعمححل‪ ،‬ماححن قححال هححذا فححإنه يعنححي‬
‫بالقول‪ :‬قول القلب وقول اللسان‪ ،‬والعمل عمل القلححب وعمححل‬
‫الجوارأح‪.‬‬
‫وقول القلب‪ :‬هو اعتقاده‪ ،‬وعمل القلب وعمل الجححوارأح‪ :‬هححذا‬
‫هو العمل‪ ،‬وقول اللسان‪ :‬هو القول رأجع إلى أنححه قححول وعمححل‬
‫واعتقاد؛ لن العتقاد داخححل فححي قححول ماححن قححال‪ :‬قححول وعمححل‪،‬‬
‫فالعتقاد داخل في القول؛ لن المححراد بحه قححول القلححب‪ ،‬وقحول‬
‫اللسان‪ ،‬وقول القلب‪ :‬هو اعتقاده ‪.‬‬
‫مان قال ‪-‬وهححم كححثير‪ -‬ماححن السححلف‪ :‬قححول وعمححل ونيححة‪ ،‬يريححد‬
‫بالنية‪ :‬ماا يصح به اليمان‪ ،‬فزاد هححذا القيححد تنبيهححا علححى أهميتححه‪،‬‬
‫لقول الله ‪-‬جل وعل‪         :-‬‬
‫مل وهو ماؤمان صارأ القول والعمححل ماححع النيححة‪،‬‬ ‫ن ع ِ‬
‫ما ْ‬
‫َ‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ ‬‬
‫يعني‪ :‬النية في القول والعمل‪ ،‬وهذا رأاجححع أيضححا ً إلححى العتقححاد؛‬
‫لن النية هي توجه القلب وإرأادة القلب وقصد القلب‪.‬‬
‫فإًذا إذا اختلفححت العبححارأات فححالمعنى واحححد‪ ،‬واليمححان عنححدهم‬
‫‪-‬كما ذكرت لك‪ -‬يزيححد وينقححص؛ يزيححد بالطاعححة وينقححص بشححيئين؛‬
‫بنقص الطاعات الواجبة أو ارأتكاب المحرماات ‪.‬‬
‫قوله هنا‪" :‬بالقد َرأِ خيره وشّره"‪ ،‬الشر هنا مان بححاب إضححافة‬
‫القدرأ إلى العامال‪ ،‬أماا فعل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬فليس فيه شر كمححا‬
‫جاء في الحديث‪  :‬والشر ليس إليك ‪. ‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن الحسان‪ .‬قال‪ :‬أن تعبد الله‬
‫كأنك تراه‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك ‪. ‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.97 :‬‬

‫‪33‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قال العلماء‪ :‬الحسححان هنححا رأكححن واحححد‪ ،‬والحسححان جححاء فححي‬


‫‪‬‬ ‫ضححا‪ ،‬ماقرون ًححا بححالتقوى‪   :‬‬
‫القرآن ماقرون ًححا بأشححياء أي ً‬
‫‪ (1)      ‬وماقرونا ‪-‬أيضًا‪ -‬بالعمحل‬
‫الصالح‪ ،‬وماقرونا بأشياء ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وأيضا ً أتى الحسان ماستقل ً كقوله ‪-‬جححل وعل‪:-‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ (2)    ‬ويراد بالحسان‪ :‬إحسان العمل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وقوله هنا في بيان رأكنه‪  :‬أن تعبد الله كأنك تراه‪ ،‬فححإن لححم‬
‫تكححن تححراه فححإنه يححراك ‪ ‬هححذا رأكححن بحه يحصححل الحسححان؛ لن‬
‫مان أحسن العمل إذا جعله حسًنا‪.‬‬ ‫الحسان ِ‬
‫وإحسان العمل يتفاوت فيه الناس‪ ،‬ومانححه قححدرأ ماجححزئ يصححح‬
‫ماعححه أن يكححون العمححل حسححًنا‪ ،‬وأن يكححون فححاعله حسححًنا‪ ،‬فكححل‬
‫ماسلم عنده قدرأ ‪-‬أيضًا‪ -‬مان الحسان ل يصحح عملحه بحدونه‪ ،‬ثأحم‬
‫هناك القححدرأ الححواجب أو المسححتحب الخححر ليتفححاوت النححاس فيححه‬
‫بحسب الحال الذي يتحقق به هذه المرتبة‪.‬‬
‫فأماا القدرأ المجزئ فأن يكون العمل حسًنا‪ ،‬بمعنى‪ :‬أن يكون‬
‫خالصا ً ثأوابه‪ ،‬يعني‪ :‬أن تكون النية فيه صحيحة‪ ،‬وأن يكون على‬
‫وفق السنة‪ ،‬وأماا القدرأ المستحب فأن يكون قائمححا ً فححي عملححه‬
‫على ماقام المراقبة‪ ،‬أو ماقام المشاهدة‪.‬‬
‫فمقححام المراقبححة هححذا أقححل‪ ،‬وماقححام المشححاهدة هححذا أعظححم‬
‫المراتب التي يصير إليهححا العبححد المححؤمان‪ ،‬وهححو أن يكححون عنححده‬
‫الشياء حق اليقين ‪.‬‬
‫فأماا المرتبة الولى مارتبة المراقبة‪ :‬فهي في قول النححبي ‪ ‬‬
‫أن تعبد الله كأنك تراه‪ ،‬فإن لم تكن تححراه فححإنه يححراك ‪ ‬ذكححر‬
‫ماقام المراقبة في قوله‪  :‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك ‪ ‬وهي‬
‫ماقام أكثر الناس‪ ،‬فإنهم إذا وصلوا لهذه المرتبة فححإنهم يعبححدونه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬على ماقام المراقبة‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.128 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة يونس آية ‪.26 :‬‬

‫‪34‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فإذا رأاقب الله دخل في الصلة بمراقبته لله‪ ،‬يعلححم أن اللححه‬


‫طلع عليه‪ ،‬وأنه بين يدي الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬كمححا قححال‬ ‫‪-‬جل وعل‪ -‬ما ّ‬
‫‪-‬سإبحانه‪ -‬في سإورأة يونس‪        :‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪  ‬‬

‫ل صلة‬ ‫فهذا ماقام الحسان بمراقبة الله ‪-‬جل وعل‪ -‬للعبد‪ ،‬ص ّ‬
‫دع لتعلم أن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ماراقبك‪ ،‬وأنه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ماطلححع‬ ‫ماوَ ّ‬
‫ُ‬
‫عليك‪ ،‬وماا تفيض في شيء إل وهو يعلمه ‪-‬سإححبحانه‪ -‬يعلححم ذلححك‬
‫ويراه ويبصره مانك ‪-‬سإبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫فهذا ماقام المراقبة‪ ،‬وكلما عظمت هذه رأجعت إلححى إحسححان‬
‫العمححل‪ .‬فححإذا ‪-‬ماثلً‪ -‬المححرء تحححرك فححي صححلته فاسإتحضححر ماقححام‬
‫ماراقبة الله ‪-‬جل وعل‪ -‬له واطلعه عليه فإنه ماباشححرة سإيخشححع‬
‫لسإتحضارأه هذا المقام‪.‬‬
‫ماقام المراقبة أعلى مانه لهل العلححم ماقححام المشححاهدة‪ ،‬وهححو‬
‫الذي أخبر به النبي ‪ ‬بقوله‪  :‬أن تعبد الله كأنك تراه ‪ ‬وهححذه‬
‫المشاهدة المقصحود بهحا ماشحاهدة الصحفات ل ماشحاهدة الحذات؛‬
‫ضلل هححم الححذين جعلححوا ذلححك ماححدخل لمشححاهدة‬ ‫لن الصوفية وال ّ‬
‫الذات كما يزعمون‪ ،‬وهححذا ماححن أعظححم الباطححل والبهتححان‪ ،‬وإنمححا‬
‫يمكن ماشاهدة الصفات‪ ،‬وي ُعَْنى بهححا ماشححاهدة آثأححارأ صححفات اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬في خلقه‪.‬‬
‫علمه وعظم يقينه بصفات الله‬ ‫فإن العبد المؤمان كلما عظم ِ‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬وبأسإمائه أرأجعَ كل شححيء يحصححل فححي مالكححوت اللححه‬
‫إلى اسإم مان أسإماء الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أو إلى صفة مان صفاته‪.‬‬
‫فإذا رأأى حسًنا أمااماه أرأجعه إلى صفة مان صفات الله وإلححى‬
‫أثأر مان آثأارأ أسإمائه الحسنى في مالكوته‪ ،‬وإذا رأأى سإيًئا أرأجعححه‬
‫إلى صفة مان صفات الله‪ ،‬وإذا رأأى خلقا فيه كححذا أرأجعححه إلححى‬
‫صفة مان صفات الله‪ ،‬وإذا رأأى طاعححة أرأجعهححا إلححى صححفة‪ ،‬وإذا‬
‫رأأى ماعصحية‪ ،‬وإذا رأأى ماصحيبة‪ ،‬وإذا رأأى حرًبحا‪ ،‬وإذا رأأى قتحال‪،‬‬
‫ما‪ ،‬أي حالة مان الحالت يراها في السححماء أو فححي‬ ‫وإذا رأأى عل ً‬
‫‪ - 1‬سإورأة يونس آية ‪.61 :‬‬

‫‪35‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الرأض فإن ماقام ماشاهدته لصفات الله تقتضحي أن ه يرجحع كحل‬


‫شيء يراه إلى آثأارأ أسإماء الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وصفاته في خلقه‪.‬‬
‫وبهذا يحصل هححذا المقححام لمححن عظححم علمححه بأسإححماء اللححه ‪‬‬
‫وبصفاته وبأثأرها فححي مالكححوته‪ ،‬فيححأتي لعظححم علمححه بححذلك حححتى‬
‫يشهد صفة إحاطة الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بالعبححد‪ ،‬وأن اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫رأقيب عليه وأنه ماحيط به‪ ،‬وأنه شاهد عليححه فيعظححم ذلححك فححي‬
‫نفسه حتى يستحيي أن يكشف عورأته في خلوة ل يراه إل هححو‬
‫كما جاء في الحديث‪ ،‬قال في كشف العورأة‪  :‬إن الله أحق أن‬
‫يستحيى مانه ‪ ‬؛ هذا لجل ماقام المشاهدة العظيم‪.‬‬
‫فإًذا أهل السنة الذين يتكلمون في الزهد وفى إصلح أعمال‬
‫القلوب على مانهج أهل السنة يجعلون هذا على ماقححاماين‪ :‬ماقححام‬
‫المشاهدة والمراقبة‪.‬‬
‫والمشاهدة ‪-‬كما ذكرت لك‪ -‬في وصفها‪ ،‬وكل هذا رأاجححع إلححى‬
‫الحسان‪ ،‬إحسان العمل‪       :‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وكلما عظم ماقام المشاهدة أو المراقبة زاد إحسان العمل ‪.‬‬


‫قال‪  :‬فأخبرني عن الساعة‪ .‬قححال‪ :‬ماححا المسححئول عنهححا بححأعلم‬
‫ماححن السححائل ‪ ‬؛ لن علححم السححاعة عنححد اللححه ‪-‬جححل وعل‪ :-‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪           ‬‬
‫كما في آية العراف‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪    ‬‬

‫قال‪  :‬فأخبرني عححن أماارأاتهححا ‪ ‬السححاعة لهححا أماححارأات‪ ،‬وهححي‬


‫الدلئل والعلماات‪ ،‬والماارأات يعني‪ :‬الشراط كمححا جححاء فححي آيححة‬
‫سإورأة ماحمد قال ‪-‬جل وعل‪ (3)       :-‬يعني‪:‬‬
‫أشراط الساعة‪ ،‬وهي علمااتها‪ ،‬جمع شرط وهححو العلماححة البي ّنححة‬
‫الواضحة التي تدل على الشيء‬
‫قال‪  :‬فأخبرني عن أماارأاتها ‪. ‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة هود آية ‪.7 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة العراف آية ‪.187 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة ماحمد آية ‪.18 :‬‬

‫‪36‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أماارأات الساعة قسمها العلماء إلى قسمين‪ :‬أشراط وأماارأات‬


‫صححغرى‪ ،‬وأشححراط وأماححارأات كححبرى‪ ،‬وهححذا المححذكورأ هنححا هححي‬
‫ة رأّبتها ‪. ‬‬
‫ما ُ‬
‫الماارأات الصغرى‪ ،‬ذكر مانها‪  :‬أن تلد ال َ‬
‫والمقصود بالشراط الصغرى أو الماارأات الصغرى‪ :‬هي الححتي‬
‫تحصل قبل خروج المسيح الدجال‪ ،‬فما كان قبل خروج المسيح‬
‫الدجال ماما أخبر النبي ‪ ‬أنه مان علماات الساعة‪ ،‬فإن هذا مان‬
‫الشراط الصغرى‪.‬‬
‫ثأم ماا بعد ذلححك ماححن الشححراط الكححبرى‪ ،‬وهححي عشححر تحصححل‬
‫تباعا في ذلك فمثل قوله‪  :‬ل تقوم الساعة حتى تقححاتلون قوماحا‬
‫كححذا ‪ ‬هححذا ماححن الشححراط الصححغرى‪  ،‬ل تقححوم السححاعة حححتى‬
‫تخرج نارأ مان المدينة تضيء لهحا أعنحاق البححل بالبصححرة ‪ ‬هحذا‬
‫ماححن الماححارأات الصححغرى‪  ،‬ل تقححوم السححاعة حححتى يفتححح بيححت‬
‫سإححّتا كمححا فححي حححديث عححون بححن ماالححك‬ ‫المقححدس ‪ ‬أو اع ْححد ُد ْ ِ‬
‫ح بيححت‬‫سإححّتا بيححن يححدي السححاعة‪ :‬ماححوتي‪ ،‬وفتحح ُ‬
‫المعححروف‪  :‬اع ْ د ُد ْ ِ‬
‫صا الغنححم‪ ،‬ثأححم اسإتفاضححة‬
‫قعَححا ِ‬
‫ن يخرج فيكححم ك ُ‬ ‫ماوَتا ٌ‬‫المقدس‪ ،‬ثأم ُ‬
‫المال ‪ … ‬إلخ‪ ،‬هذه جميعا ً أشراط صغرى‪.‬‬
‫وهذه الشراط الصغرى ذ ِك ُْرها ل يدل على مادح أو على ذم‪،‬‬
‫فقد يذكر الشيء على أنه علماححة ماحن علماحات السححاعة وليححس‬
‫هذا دليل ً على أنه ماحمود أو ماححذماوم‪ ،‬أو علححى أنححه مانهححي عنححه‬
‫في الشريعة‪.‬‬
‫فقد يكون الشيء مان الشحراط وهحو ماحن الماحورأ المحمحودة‬
‫في الشريعة‪ ،‬كما قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬في الحديث الذي‬
‫ت لك حديث عوف بححن ماالححك قححال‪  :‬اع دد سإححتا بيححن يححدي‬ ‫ذكر ُ‬
‫السححاعة‪ :‬ماححوتي‪ ،‬ثأححم فتححح بيححت المقححدس ‪ ‬وهححو ماححن الماححورأ‬
‫المحمودة‪ ،‬وقد يكون مان الماورأ المذماوماة‪.‬‬
‫فححإًذا وصححف الشححيء بححأنه ماححن أشححراط السححاعة الصححغرى أو‬
‫الكبرى ل يدل بنفسه‪ ،‬يعني‪ :‬بكونه شرطا ً ل يححدل علححى ماححدحه‬
‫أو ذماه بل هذا له اعتبارأ آخر‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قال هنا‪  :‬فأخبرني عن أماارأاتها ‪ ‬يعني‪ :‬الماححارأات الصححغرى‪،‬‬


‫قححال‪  :‬أن تلححد الماححة رأبتهححا ‪ ‬رأبتهححا يعنححي‪ :‬سإححيدتها‪ ،‬فالماححة إذا‬
‫وَلدت فإن ماولودها الذكر أو النثى هو سإيد كمالك ال َ‬
‫ماة‪.‬‬
‫دة له فهو‬ ‫سو َ‬ ‫فإًذا الماة هذه التي َولدت هذا الولد أصبحت َ‬
‫ما ُ‬
‫ماة باعتبححارأ أن الب سإححيد؛‬ ‫َ‬
‫ماه‪ ،‬والبنت سإيدة على ال َ‬
‫سإّيد على أ ّ‬
‫لهذا تعتق أم الولد بعد ماححوت السححيد؛ ول تعتححق بمجححرد ولدتهححا‬
‫مانه بل بعد ماوته لجل الولدة؛ فلذلك قال هنا‪  :‬أن تلححد الماححة‬
‫رأبتها ‪. ‬‬
‫الربة هنا بمعنححى‪ :‬السححيدة تلححد سإححيدتها؛ لن البنححت المولححودة‬
‫حرة وسإيدة‪ ،‬وقال أهل العلم في هذا‪ :‬هذا كناية أو إخبححارأ عححن‬
‫كثرة الرقيححق حيححث يكححثر هححذا‪ ،‬وإل فححإنه ماوجححود فححي العصححورأ‬
‫الولى‪ ،‬في عهد السإلم الول‪ ،‬ماوجححود فيمححا قبلححه وُلححود الماححة‬
‫لسيدها أو لسيدتها‪ ،‬وهذا غّير المقصود به هذا الخححبر بححأنه ماححن‬
‫أماارأات الساعة‪.‬‬
‫لكن المقصود به‪ :‬أن يكثر ذلك بحيححث يكححون ظححاهرا ً فيكححون‬
‫علماة‪ ،‬وقححد حصححل هححذا‪ ،‬فقححد حصححل لمححا كححثرت الفتححوح صححارأ‬
‫الرجل يأخذ إمااء كثيرة ويصير له عشر أو عشرون ماححن الماححاء‪،‬‬
‫فيطأ هذه ويطأ هذه‪ ،‬فكل واحححدة تنجحب فيصحبح الولد أسإحيادا‬
‫على الماهات لكثرة الرقيق ‪.‬‬
‫عحاَء الشحاة يتطححاولون‬
‫فاة الُعراة العالحة رأِ َ‬
‫ح َ‬
‫قال‪  :‬وأن ترى ال ُ‬
‫في البنيان ‪ ‬يعني‪ :‬أن ترى الفقراء الذين ليسوا بأهححل للغنححى‪،‬‬
‫مان رأعي‬ ‫وليسوا بأهل للتطاول ِلما جعلهم الله ‪-‬جل وعل‪ -‬عليه ِ‬
‫جمال أو نحو ذلك‪ ،‬جعلهم الله ‪-‬جل وعل‪ -‬علححى‬ ‫للشاة أو تتبع لل ِ‬
‫هذا‪ ،‬فمن العلماات أنهم يتركون هذا الححذي هححو لهححم‪ ،‬ويتجهححون‬
‫للتطاول في البنيان‪.‬‬
‫ماححه أحححاديث كححثيرة ماعروفححة‪،‬‬
‫والتطاول في البنيان جاء في ذ ّ‬
‫فقد كان الصحابة ‪-‬رأضوان الله عليهم‪ -‬ل يتطاولون في البنيححان‪،‬‬
‫م‬
‫بل كانت مانازلهم قصححيرة ‪-‬رأضححوان اللححه عليهححم‪ -‬ففححي هححذا ذ ّ‬
‫للذين يتطاولون في البنيان‪ ،‬وهم ليسوا أصل ً بأهل لذلك‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وهذا فيه تغيححر النححاس وكححثرة المحال‪ ،‬وأن يكحون المحال فحي‬
‫مان ليس له بأهل ‪.‬‬ ‫أيدي َ‬
‫قححال‪  :‬ثأ م انطلححق‪ ،‬فلبثححت مالّيححا ‪ ‬انطلححق يعنححي‪ :‬جبريححل‪،‬‬
‫ت"‪ :‬ذلك عمر ‪ ‬مالّيا‪ :‬جاءت في بعض الروايححات أنهححا ثألثأححة‬ ‫"فلبث ُ‬
‫أيام‪ ،‬ثأم قال النبي ‪  ‬يا عمُر أتدرأي مان السححائل؟ قلححت‪ :‬اللححه‬
‫ورأسإوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ‪. ‬‬
‫أخبره ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بححذلك ماححع علمححه ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬به‪ ،‬أخبره حتى يعظم وقع هذه السإئلة‪ ،‬وجححواب هححذه‬
‫السإئلة ‪.‬‬
‫ضححا‪ -‬يطححول الكلم عليححه‪ ،‬وطححال بنححا الححوقت‬
‫هححذا الحححديث ‪-‬أي ً‬
‫ضا‪ ،‬فعذًرأا لجل طول هححذا الحححديث والكلم علححى تفححارأيعه …‬ ‫أي ً‬
‫تفارأيع اليمان بالله ومالئكته وكتبه ورأسإله يطول أيضا‪ ،‬وتفححارأيع‬
‫الكلم عن الحسان‪ ،‬وإخلصا العمل‪ ،‬وكيف يكححون ذلححك يطححول‬
‫الكلم عليه‪.‬‬
‫وإنما نقصد مان هذا الشرح إلى ذكر أصول عاماححة فححي فهححم‬
‫هذه الحاديث ينبني عليها‪ ،‬أي‪ :‬على تلك الصول فهم العلم في‬
‫فروعححه‪ ،‬فهححم الحححديث والسححنة والفقححه والعقيححدة فيمححا نرجححو‪،‬‬
‫ونسححأل اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬أن ييسححره لححي ولكححم‪ ،‬وأسإححتغفر اللححه‬
‫العظيم‪ ،‬وصلى الله وسإلم وبارأك على نبينا ماحمد ‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رأب العالمين‪ ،‬والصلة والسححلم علححى نبينححا ماحمححد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬أماا بعد‪:‬‬
‫فأسإأل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬لي ولكم العلم النافع والعمل الصححالح‬
‫والقلب الخاشع والدعاء المسموع‪ ،‬رأبنا ل تكلنححا لنفسححنا طرفححة‬
‫عين‪ ،‬وخذ بأيدينا إلى ماا تحب وترضى‪.‬‬
‫ثأم إننا ‪-‬إن شاء الله تعالى‪ -‬سإننتهي مان هححذا الححدرأس تقريبححا ً‬
‫في كل ليلة حوالي السححاعة العاشححرة قححد تزيححد دقححائق أو نحححو‬
‫ذلك‪ ،‬ونروم ‪-‬إن شاء الله‪ -‬أن ننهي هحذا الجمحع ماحن الححاديث‪،‬‬
‫‪39‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يعني‪ :‬هذا المتحن المبحارأك أن ننهيحه ‪-‬إن ش اء الل ه تعحالى‪ -‬فحي‬


‫هذه الدورأة‪.‬‬
‫ول شك أن إنهاءه في هذه المدة الوجيزة يتطلححب أن يكححون‬
‫العرض ماختصرًا‪ ،‬وأن يكون البحث في الحاديث وذكر ماححا فيهححا‬
‫مان الفوائد والشرع والحكام علححى وجححه القتضححاب والتنححبيه‪ ،‬ل‬
‫على وجه السإتيعاب ‪.‬‬
‫رح شححروحا ً‬ ‫وماعلوم أن هذا الكتاب وهو "الرأبعون النووية" ُ‬
‫ش ِ‬
‫كثيرة‪ ،‬فننبه في شرح هذه الحاديث إلى أصححول المعححاني‪ ،‬وماححا‬
‫يمكن أن يكون‪ :‬كالضوابط والقواعد في فهم تلك الحاديث وماا‬
‫دلت عليه ‪.‬‬
‫ونسأل الله العانة والسلماة في القول والعمل ‪.‬‬
‫الحديث الثالث‬
‫بني السلم على خمس‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رأب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف المرسإححلين‬
‫نبينا ماحمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪-‬رأحمه الله تعالى‪ :-‬وعن أبي عبد الرحمن عبححد اللححه‬
‫بن عمر بن الخطاب ‪-‬رأضي الله عنهما‪ ،-‬قال‪ :‬سإمعت رأسإححول اللححه ‪‬‬
‫يقول‪  :‬بني السإلم على خمس‪ :‬شهادة أن ل إلححه إل اللححه وأن‬
‫ماحمدا ً رأسإول الله‪ ،‬وإقام الصححلة‪ ،‬وإيتححاء الزكححاة‪ ،‬وحححج الححبيت‪،‬‬
‫وصوم رأماضان ‪ ‬رأواه البخارأي وماسلم‪.‬‬
‫هذا الحديث فيه ذكر دعححائم السإححلم ومابححانيه العظححام‪ ،‬وهححي‬
‫الخمس المعروفة‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله وأن ماحمدا ً رأسإححول‬
‫الله‪ ،‬وهذه واحدة باعتبححارأ أن كل ماححن شححقيها شححهادة‪ ،‬والثححاني‪:‬‬
‫إقام الصلة‪ ،‬والثححالث‪ :‬إيتححاء الزكححاة‪ ،‬والرابححع‪ :‬الحححج‪ ،‬والخححاماس‪:‬‬
‫صوم رأماضان ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وهذا الحديث مان الحاديث التي اسإتدل بهححا علححى أن أرأكححان‬


‫السإلم خمسة‪ ،‬وهذا السإتدلل صحيح؛ لن قول النبي ‪  ‬بنححي‬
‫السإلم على خمححس ‪ ‬يححدل علححى أن البنححاء يقححوم علححى هححذه‬
‫الخمس‪ ،‬وغّير هذه الخمححس ماكملت للبنححاء‪ ،‬وماعلححوم أن البنححاء‬
‫يحسن السكنى فيه‪ ،‬ويكون جيححدا‪ ،‬وفيححه العبححد سإححعيدا ً إذا كححان‬
‫تاماا ً ‪.‬‬
‫وكلما كان أتم كان العبد فيه أسإعد‪ ،‬والسإححلم إذا أتححى العبححد‬
‫بمبانيه الخمس هذه فقد حقق السإلم‪ ،‬وكان له عهد عند اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬أن يدخله الجنة ‪.‬‬
‫قال في أولححه ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬بن ي السإححلم علححى‬
‫خمس ‪ ‬ولفظ "ب ُنححي" يقتضححي أن هنححاك ماححن بنححاه علححى هححذه‬
‫الخمس‪ ،‬فلم يذكر الباني على هذه الخمس‪ ،‬والمقصود بالباني‪:‬‬
‫شّرع ‪.‬‬ ‫م َ‬
‫الشرع أو ال ُ‬
‫فالذي بنى السإلم على هذه الخمس هححو اللححه ‪-‬جححل جللححه‪-‬‬
‫وهو الشارأع ‪-‬جل وعل‪ -‬والنبي ‪ ‬مابلغ عن رأبه ‪-‬جل وعل‪ -‬وليس‬
‫هححو شححارأعا ً علححى جهححة السإححتقلل‪ ،‬وإنمححا هححو ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬مابلغ أو ماشّرع على جهة التبليغ ‪.‬‬
‫على الصحيح مان أقوال أهل العلححم فححي هححذه المسححألة فححإن‬
‫النححبي ‪ ‬ذكححر لنححا هنححا أن السإححلم بنححي علححى هححذه الخمححس‪،‬‬
‫والمقصود بالسإلم هنا‪ :‬الدين؛ لن الدين هو السإححلم كمححا قححال‬
‫‪-‬جل وعل‪ (1)         :-‬والسإلم في‬
‫قححوله‪  :‬بن ي السإححلم علححى خمححس ‪ ‬المقصححود مانححه‪ :‬السإححلم‬
‫الخاصا الذي بعث به ماحمد بن عبد الله ‪-‬عليه الصلة والسححلم‬
‫‪.‬‬
‫والسلم في القرآن وفي السنة له إطلقان‪:‬‬
‫الطلق الول‪ :‬السإلم العام الححذي ل يخححرج عنححه شححيء ماححن‬
‫ماخلوقات الله ‪-‬جل وعل‪ -‬إماا اختيارأا‪ ،‬وإماا اضطرارأا‪ ،‬قححال ‪-‬جححل‬

‫‪ - 1‬سإورأة آل عمران آية ‪.19 :‬‬

‫‪41‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫)‪(1‬‬
‫‪‬‬ ‫وعل‪:-‬‬
‫‪        ‬‬
‫إلخ‬ ‫وقال ‪-‬جل وعل‪        :-‬‬
‫)‪(2‬‬

‫الية ‪ ،‬وقال ‪-‬جل وعل‪       :-‬‬
‫‪ (3)        ‬وقال ‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫‪‬‬ ‫عحن إبراهيحم ‪-‬علي ه السحلم‪     :-‬‬
‫‪ (4)      ‬وقال ‪-‬جل وعل‪  :-‬‬
‫‪. (5)       ‬‬
‫فالمقصود‪ :‬أن لفظ السلم هححذا هححو الححذي يقبلححه اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬مان العباد المكلفين دينًا‪ ،‬فححآدم عليححه السححلم ماسححلم‬
‫وكل النبياء وأتباع النبيححاء والرسإححل جميعححا ً علححى ديححن السإححلم‬
‫الذي هو السإلم العام‪ ،‬وهذا السإلم العام هو الذي يفسر بأنه‪:‬‬
‫السإتسححلم للححه بالتوحيححد‪ ،‬والنقيححاد لححه بالطاعححة‪ ،‬والححبراءة ماححن‬
‫ن بححه جميححع‬ ‫الشرك وأهله‪ ،‬فهذا هو مالة إبراهيححم وهححو الححذي دا َ‬
‫مان تبعهم ‪.‬‬‫النبياء والمرسإلين و َ‬
‫أما السلم الخاص فيــراد بــه‪ :‬السإححلم الححذي بعححث بححه‬
‫ماحمد بن عبد الله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬وهو الححذي إذا أطلححق‬
‫السإلم لم يعن بحه إل هححذا علححى وجححه الخصححوصا؛ لن الخححاصا‬
‫ماقدم على العام في الدللة؛ ولن هذا السإححم خصححت بححه هححذه‬
‫الماححة‪ ،‬وخححص بححه النححبي ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬فجعححل ديححن‬
‫المصطفى ‪ ‬السإلم‪.‬‬
‫ذا المقصود هنا بقوله‪  :‬بني السإلم ‪ ‬يعني‪ :‬السإلم‬ ‫فإ ً‬
‫الذي جاء به نبينا ماحمد بن عبد الله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪. -‬‬
‫أماا السإلم الذي كان عليه النبياء والمرسإلون فهو مان حيث‬
‫التوحيد والعقيدة كالسإححلم الححذي بعححث بححه النححبي ‪ ‬ماحمححد فححي‬
‫أصوله وأكثر فروع العتقاد والتوحيد‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة آل عمران آية ‪.83 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة آل عمران آية ‪.83 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة آل عمران آية ‪.85 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة آل عمران آية ‪.67 :‬‬

‫‪ - 5‬سإورأة الحج آية ‪.78 :‬‬

‫‪42‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وأماا مان حيث الشريعة فإنه يختلف؛ فإن شريعة السإلم غّير‬
‫شريعة اليهود غّير شححريعة عيسححى ‪-‬عليححه السححلم‪ -‬غّيححر شححريعة‬
‫ماوسإى … إلى آخر الشرائع ‪.‬‬
‫وقد جاء في الصحيح أن النبي ‪ ‬قححال‪  :‬النبي اء أخححوة لعلت‬
‫الححدين واحححد والشححرائع شححتى ‪ ‬فقححوله هنححا ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪  :-‬بني السإححلم ‪ ‬يعنححي‪ :‬الححذي جححاء بححه ماحمححد ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬فل يتصورأ مان هذا أنه يعم ماا كان عليه النبياء‬
‫مان قبل‪ -‬فالنبياء ليس عنححدهم هححذه الشححريعة ماححن جهححة إقاماححة‬
‫الصلة على هذا النحو‪ ،‬أو إيتاء الزكاة على هذا النحو أو صححيام‬
‫رأماضان ‪ ...‬إلخ‪ ،‬فهذا بقيوده ماما اختصت به هذه الماة ‪.‬‬
‫قال‪  :‬على خمس‪ :‬شهادةِ أن ل إلححه إل اللححه ‪ ‬ويجححوز فححي‬
‫شهادةِ ونظائرها أن تكون ماجححرورأة ً علححى أنهححا بححدل بعححض ماححن‬
‫شححمول‪ ،‬وشححهادة‬ ‫ة‪ ،‬فخمس ُ‬ ‫س شهاد ِ‬ ‫كل‪ ،‬يعني‪ :‬تقول‪ :‬على خم ٍ‬
‫بعض هذا الشمول‪ ،‬فتكون بدل بعض مان كل‪.‬‬
‫س‪ :‬شححهادة ُ أن‬‫ويجوز أن تستأنفها‪ ،‬فتقول‪ :‬على خمــ ٍ‬
‫ل إله إل الله على القطع كما قال ‪-‬جل وعل ‪   : -‬‬
‫دهما‪ ،‬وهحذا ش ائع‬ ‫‪ (1)     ‬رأجلي ن أحح ُ‬
‫كححثير‪ ،‬وإذا ذكححرت نظائرهححا فيجححوز فيهححا الوجهححان‪ :‬الجححّر علححى‬
‫البدلية‪ ،‬والرفع على القطع والسإتئناف‪.‬‬
‫‪ ‬شححهادة أن ل إلححه إل اللححه وأن ماحمححدا ً رأسإححول اللححه ‪‬‬
‫الشهادة ماأخوذة مان شهد يشهد شهوًدا وشححهادة إذا علححم ذلححك‬
‫بقلبه فأخبر به بلسانه وأعلم به غّيححره‪ ،‬ول تكححون شححهادة حححتى‬
‫يجتمع فيها هذه الثلث‪ :‬أن يعتقد‪ ،‬ويعلححم بقلبححه‪ ،‬وأن يتلفححظ …‬
‫يقححول بلسححانه ماعلمححا بهححا الغيححر‪ ،‬طبعححا ً إذا لححم يكححن ثأمححة عححذرأ‬
‫شرعي عن العلم ‪-‬إعلم الغير‪ -‬كالكراه أو اختفاء أو ماا أشححبه‬
‫قّية ‪.‬‬‫ذلك ماما تجوز فيه الت ّ ِ‬
‫ذا قوله‪  :‬شهادة أن ل إله إل الله ‪ ‬يعني‪ :‬العلم بأن ل‬ ‫فإ ً‬
‫إله إل الله وأن ماحمدا ً رأسإول الله‪ ،‬والنطق بذلك والعلم به‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.76 :‬‬

‫‪43‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وكححل شححهادة هححي بهححذا المعنححى‪ ،‬والشححاهد عنححد القاضححي ل‬


‫ُيسمى شاهدا ً حتى يكون عِلم ثأم نطحق … تكلحم بححذلك فحأعل َ َ‬
‫م‬
‫به القاضي؛ سإمي شاهدا ً لجل ذل ك ‪ .‬وقحد يتوسإحع فيقحال فحي‬
‫المعاني‪ :‬إنها شواهد لجححل تنزيلهححا فححي النهايححة مانزلححة الشححهادة‬
‫الصلية ‪.‬‬
‫ن ل‬ ‫‪ ‬شهادة أن ل إله إل الله وأن ماحمدا ً رأسإول اللححه ‪ ‬أ ْ‬
‫ن" هذه هي التفسححيرية‪ ،‬وضححابطها أنهححا تححأتي بعححد‬
‫إله إل الله "أ ْ‬
‫كلمححة فيهححا ماعنححى القححول دون حححروف القححول ‪ .‬وقححد يجححوز أن‬
‫تكون ماخففة مان الثقيلة أيضا‪ ،‬يعني‪ :‬شهادة أنه ل إله إل الله ‪.‬‬
‫"ل إله إل الله"‪ :‬هححي كلمححة التوحيححد‪ ،‬و"ل إلححه"‪ :‬نفححي ‪ ،‬و"إل‬
‫اللححه"‪ :‬إثأبححات‪ ،‬والمنفححي اسإححتحقاق أحححد العبححادة؛ لن اللححه هححو‬
‫المححألوه … هححو المعبححود‪ ،‬وإل اللححه‪ :‬هححذا إثأبححات‪ ،‬يعنححي‪ :‬إثأبححات‬
‫اسإححتحقاق العبححادة للححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬دونمححا سإححواه‪ ،‬ونفححي هححذا‬
‫السإتحقاق عما سإواه‪.‬‬
‫فإذا قلنا‪ :‬كلمة التوحيد نفي وإثأبححات‪ ،‬فهححذا ماعنححاه أنهححا تنفححي‬
‫اسإتحقاق العبادة عما سإوى الله‪ ،‬وتثبححت اسإححتحقاق العبححادة للححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬وحده‬
‫فمن شهد أن ل إله إل الله يكون اعتقد وأخححبر بححأنه ل أحححد‬
‫يستحق شيئا مان أنواع العبادة إل الله وحده ل شريك له‪.‬‬
‫مان توجه بالعبادة إلى غّيححره فهححو ظححالم‬
‫وفى ضمن ذلك أن َ‬
‫ماتعد ّ باٍغ على حق الله ‪-‬جل جلله‪.‬‬
‫‪ ‬وأن ماحمدا ً رأسإول الله ‪ ‬يعنححي‪ :‬أن يعتقححد ويخححبر ويعلححن‬
‫بأن ماحمدا ً هو ماحمد بن عبد الله القرشي المكححي أنححه رأسإححول‬
‫مان عند الله حقا‪ ،‬وأنه نَزل عليه الوحي؛ فأخبره بما تكلم اللححه‬
‫‪ ‬به‪ ،‬وأنه إنما يبلغ عن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وهذا واضححح ماححن كلمححة‬
‫رأسإول فإن الرسإول مابلغ ‪.‬‬
‫والرسإل البشححريون مابلغححون … ماححن لفححظ الرسإححالة‪ ،‬كمححا أن‬
‫الملئكة رأسإل مان لفظ الملئكة‪ ،‬فالرسإول يأخذ مان اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬ويبلغ الناس ماا أخذه عن الله ‪-‬جل وعل‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ماعلوم أن الرسإححل ماححن البشححر لححم يجعححل اللححه لهححم ‪-‬عليهححم‬


‫الصلة والسلم‪ -‬لم يجعل اللححه لهححم خاصححية أن يأخححذوا الححوحي‬
‫مانه ماباشرة ‪ ،‬وأن يسمعوا الكلم مانه‪ ،‬يعني‪ :‬في عاماة الوحي‪،‬‬
‫ن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬لهم في بعض الرسإل ‪.‬‬ ‫وقد يسمعون بما أذ ِ َ‬
‫مَلك رأسإول فيلقي الخبر على هذا الرسإححول‪ ،‬فاعتقححادا ً أن‬ ‫فال َ‬
‫غ‪ ،‬هو رأسإححول ماححن اللححه‬ ‫ماب َل ّ ٌ‬
‫ماب َل ّغٌ و ُ‬
‫ماحمدا رأسإول الله اعتقاد أنه ُ‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬لم يلكمه الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بكل الوحي ماباشرة‪ ،‬وإنمححا‬
‫أوحى إليه عن طريق جبريل ‪-‬عليه السلم‪ -‬واعتقححاد ‪-‬أيضححًا‪ -‬أنححه‬
‫خاتم المرسإلين‪ ،‬وأن ماحمدا رأسإول الله أنه خاتم الرسإل ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم ‪.‬‬
‫حى إليه مان الله‪ ،‬وأنه‬
‫وهذا ماعنى الشهادة مان اعتقاد أنه ماو َ‬
‫رأسإول حق وأنه خاتم الرسإل‪ ،‬تمت له هذه الشهادة‪.‬‬
‫وهذه الشححهادة بححأن ماحمححد رأسإححول اللححه لهححا ماقتضححى‪ ،‬وهححذا‬
‫المقتضى‪ :‬هو طاعته ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬فيما أمار‪ ،‬وتصححديقه‬
‫فيما أخبر‪ ،‬واجتناب ماا عنه نهححي وزجححر‪ ،‬وأل يعبححد اللححه إل بمححا‬
‫شرعه رأسإوله ‪-‬صلى الله عليه وسإلم ‪.‬‬
‫قححال‪  :‬وإق ام الصححلة ‪ ‬التعححبير عححن الصححلة بلفححظ "إقححام‬
‫‪‬‬ ‫الصلة" هذا لجل ماجيئهححا فححي القححرآن هكححذا‪  :‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫… ونحو ذلك مان‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪ ‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬
‫اليات‪.‬‬
‫ففي القرآن أن الصلة ت ُقححام‪ ،‬وماعنححى كونهححا تقححام يعنححي‪ :‬أن‬
‫تكون على صفة … تكون قائمة بإيمان العبد‪ ،‬وهححذا هححو ماعنححى‬
‫قول الله ‪-‬جل وعل‪        : -‬‬
‫‪. (4)    ‬‬
‫منكر ‪.‬‬
‫ه الصلة عن الفحشاء وال ُ‬
‫فمن لم يقم الصلة لم ت َن ْهَ ُ‬
‫‪ - 1‬سإورأة السإراء آية ‪.78 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.43 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة المائدة آية ‪.55 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة العنكبوت آية ‪.45 :‬‬

‫‪45‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪ ‬وإيتاء الزكاة ‪ ‬أيضا ً لفظ اليتاء المقصود بححه … أو قيححل‬


‫فيه‪ :‬إيتاء؛ لجل ماجيئه في القرآن‪.‬‬
‫‪ ‬وحج البيت ‪ ‬كذلك "وصوم رأماضان" كذلك‪ ،‬يعني‪ :‬اختيرت‬
‫هذه اللفاظ بّلغها النبي ‪ ‬هكذا لموافقتها لما جححاء فححي القححرآن‬
‫فيها‪ ،‬فلو قيل في الزكاة‪ :‬إعطححاء الزكححاة لجححاز‪ ،‬ولححو قيححل فححي‬
‫الصلة‪ :‬تأ ْد َِية الصلة لجاز ذلك ولكن إتباع ماححا جححاء فححي القححرآن‬
‫أولى في هذا المار‪ .‬هذا مان جهة ألفاظ الحديث‪.‬‬
‫ن‪ ،‬وقد ذكرت لك‬ ‫س أرأكا ٌ‬
‫هذا الحديث دل على أن هذه الخم َ‬
‫البارأحة أن التعبير عن هذه الخمس بالرأكان إنمححا هححو ماصححطلح‬
‫حادث عند الفقهححاء؛ لنهححم عّرفححوا الركححن بححأنه‪ :‬ماححا تقححوم عليححه‬
‫مااهية الشيء‪ ،‬وأن الشيء ل ُيتصورأ أن يقوم بل رأكنه‪.‬‬
‫فمثل ً يقولون‪ :‬البيع أرأكانه … ماا تقوم عليه مااهية البيع … ل‬
‫يمكن أن تتصورأ بيعا ً ماوجودا ً إل أن يكون هناك‪ :‬بائع‪ ،‬وماشتري‪،‬‬
‫وهناك سإلعة ُتباع وُتشترى‪ ،‬يعني‪ :‬سإلعة يقوم عليها ذلك‪ ،‬وهناك‬
‫ت‪ ،‬والثححاني يقححول‪:‬‬
‫صيغة … يعني‪ :‬واحد يقول‪ :‬خذ وهات‪ ،‬أو ب ِعْ ُ‬
‫ت‪ ،‬أو ماا أشبه ذلك‪.‬‬
‫اشتري ُ‬
‫فإًذا الرأكان كيف نستنتجها؟ ماا تقوم عليها حقيقة الشيء …‬
‫م وجوده هي الرأكان ‪.‬‬‫تتصورأ شيئا … كيف يوجد؟ دعائ ُ‬
‫النكاح ‪-‬ماثلً‪ -‬أرأكان النكاح ماا هي؟ ماا يقوم عليها النكححاح‪ ،‬ماححا‬
‫ُيتصورأ أن يوجد نكاح إل بزوجيححن‪ ،‬أليححس كححذلك؟ وبصححيغة‪ .‬زوج‬
‫يعني‪ :‬رأجل وامارأة‪ ،‬وصيغة‪ .‬هذا حقيقته ‪-‬يعني مان حيث هو‪.‬‬
‫يأتي هناك أشياء شرعية لتصحيح هذه الرأكان‪ ،‬يقال‪ :‬يشترط‬
‫في الزوج المواصفات كذا وكذا‪ ،‬يشححترط فححي المححرأة أن يعقححد‬
‫لها وليها‪ ،‬يشترط في الصيغة أن تكون كذا وكذا … إلى آخره‪،‬‬
‫فغيُرها تكون شروطا ً ‪.‬‬
‫ذا الركن عندهم‪ :‬ماا تقوم عليه مااهية الشيء أو حقيقة‬ ‫فإ ً‬
‫الشححيء‪ ،‬فهححذه الخمححس سإححميت أرأكانححا‪ ،‬أو قيححل عنهححا‪ :‬أرأكححان‬
‫السإلم‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وهذه التسحمية يشحكل عليهحا … أو هحذا الطلق أنهحا أرأكحان‬


‫سححنة قححالوا‪ :‬إن ماححن شححهد أن ل‬ ‫السإلم يشكل عليها أن أهل ال ّ‬
‫إله إل اللححه وأن ماحمححدا رأسإححول اللححه‪ ،‬وأدى الصححلة المفروضححة‬
‫وترك بقية الرأكان تهاونا ً وكسل ً فإنه يطلق عليه لفظ المسلم‪،‬‬
‫ول يسلب عنه اسإم السإلم بتركه ثألثأة أرأكان تهاونا ً وكسلً‪.‬‬
‫وهذا مّتفق مــع قــولهم فــي اليمــان ‪ :‬اليمححان قححول‬
‫وعمل واعتقاد‪ ،‬ويعنون بالعمل جنس العمل‪ ،‬ويمثله فححي أرأكححان‬
‫السإلم الصلة ‪.‬‬
‫فإًذا نقول‪ :‬مارادهم بهذا ماا دلت عليه الدلة الشرعية‪ ،‬ودلححت‬
‫عليه قواعد أهل السنة مان أن هذه الرأكان ليححس ماعنححى كونهححا‬
‫أرأكانا ً أنه إن فقد مانها رأكن لم تقم حقيقة السإلم‪ ،‬كما أنه إذا‬
‫فقد مان البيع رأكن لم تقم حقيقة البيع‪ ،‬ل يتصورأ أن هناك بيححع‬
‫بل بائع‪ ،‬أليس كذلك؟ ول نكاح بل زوج؟‬
‫أماا السإلم فيتصورأ أن يوجححد السإححلم شححرعا ً بل أداء للحححج‪،‬‬
‫يعني‪ :‬لو ُترك الحج تهاونًا؛ فإنه يقال عنه‪ :‬ماسلم‪ ،‬أو ترك تأديححة‬
‫دا؛ فإنه يقال عنه‪ :‬ماسلم ‪ ،‬وهكذا في صيام‬ ‫الزكاة تهاونا ً ل جح ً‬
‫رأماضان‪.‬‬
‫الصلة اختلفوا فيها‪ .‬اختلف فيهــا أهــل الســنة‪ :‬هححل‬
‫ك الصححلة تهاونححا ً وكسححل ً يسححلب عنححه اسإححم السإححلم أو ل؟‬ ‫تححْر ُ‬
‫ك الصلة تهاونححا ً وكسححل ً ل‬ ‫ن ت َْر َ‬
‫فقالت طائفة مان أهل السنة‪ :‬إ ّ‬
‫يسلب عن المسلم الححذي شححهد أن ل إلحه إل اللححه وأن ماحمححدا ً‬
‫رأسإول الله … ل يسلب عنه اسإححم السإححلم‪ ،‬وإنمححا يكححون علححى‬
‫كبيرة‪ ،‬وهو في كفر أصغر‪ ،‬وهذا قول طائفة قليلححة ماححن علمححاء‬
‫أهل السنة‪.‬‬
‫ك الصلة تهاونححا ً وكسححل ً‬‫ن ت َْر َ‬
‫وقال جمهور أهل السنة‪ :‬إ ّ‬
‫مان تَر َ‬
‫ك الصححلة فليححس لححه إسإححلم‪ ،‬يعنححي‪ :‬ولححو أتححى‬ ‫كُ ْ‬
‫فٌر‪ ،‬وأنه َ‬
‫بتأدية الزكاة وصيام رأماضححان والحححج‪ ،‬وهححذا هححو الصحححيح لدللححة‬
‫الكتاب والسنة والجماع على ذلك‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والصحابة أجمعوا على أن العمال جميعا ً المأماورأ بهححا تر ُ‬


‫كهححا‬
‫ليس بكفر إل الصلة‪ ،‬كما قال شقيق بن عبححد اللححه فيمححا رأواه‬
‫الترماذي وغّيره‪  :‬كانوا ‪-‬أي الصحابة‪ -‬ل يرون مان العمال شححيئا‬
‫كفر ‪. ‬‬‫كه ُ‬
‫تر ُ‬

‫كها كفر‪ ،‬وهو الذي دل عليححه قححول‬ ‫والصلة ُيجمع على أن تر َ‬


‫‪‬‬ ‫الله ‪-‬جل وعل‪         :-‬‬
‫‪ (1)  ‬إل خ اليححات وكححذلك قححول النححبي ‪ ‬فححي صحححيح‬
‫ماسلم‪  :‬بين الرجل وبين الشرك ‪-‬أو قال‪ :‬الكفر‪ -‬ترك الصححلة ‪‬‬
‫مسَند وفي غّيرها بإسإناد صحيح ماححن‬ ‫وفى السنن الرأبعة وفى ال ُ‬
‫حديث بريده ‪ ‬مارفوعا‪  :‬العهد الذي بيننححا وبينهححم الصححلة فمححن‬
‫تركها فقد كفر ‪ ‬وقوله ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪  :-‬بي ن الرجححل‬
‫وبين الشرك ‪-‬أو قال‪ :‬الكفر‪ -‬ترك الصلة ‪ ‬دلنا على أن تححرك‬
‫الصلة كفٌر أكبر‪.‬‬
‫وذلك أن القاعدة أن لفظ الكفر إذا جاء في النصححوصا فححإنه‬
‫يأتي على وجهين‪:‬‬
‫ماعّرفًححا‪ ،‬والححوجه الثححاني يححأتي مانكححرا ً بل‬
‫الححوجه الول ‪ :‬يححأتي ُ‬
‫تعريف‪ ،‬فإذا أتى مانكرا ً فححإنه يكححون ماعنححاه الكفححر الصححغر‪ ،‬وإذا‬
‫أتى ماعرفا فتكححون )ال( فيححه إماححا للعهححد‪ :‬عهححد الكفححر الكححبر …‬
‫العهد الشححرعي فححي ذلححك ‪ ،‬وإماححا أن تكححون للسإححتغراق‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫اسإتغراق أنواع الكفر ‪.‬‬
‫كر قححال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬ثأنت ان‬ ‫ماثلً‪ -‬في الكفر المن ّ‬
‫فٌر‪ :‬الطعححن فححي النسححاب‪ ،‬والنياحححة علححى‬ ‫في الناس هما بهم ك ُ ْ‬
‫الميت ‪  ‬ثأنتان فححي أماححتي ماححن أماححر الجاهليححة ل يححتركونهن ‪‬‬
‫هذا حديث آخر ‪.‬‬
‫قال أيضا ً ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬ل ترجعححوا بعححدي كفححارأا ً‬
‫ماحن ذكحر كلمحة‬ ‫يضحرب بعضحكم أعنحاق بع ض ‪ ‬وأشحباه ذل ك ِ‬
‫مان َك َّرة )كفر( ‪.‬‬
‫الكفر ُ‬

‫‪ - 1‬سإورأة المدثأر آية ‪.43 -42 :‬‬

‫‪48‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فإذا قيل في الكفر‪ :‬كفر‪ ،‬فهذا الصحل فيحه أنحه كفحر أص غر؛‬
‫لن الشححارأع جعلححه مانكححرا ً فححي الثأبححات‪ ،‬وإذا كححان مانكححرا فححي‬
‫الثأبات فإنه ل يعم‪ ،‬كما هو ماعلوم في قواعد الصححول‪ ،‬أماححا إذا‬
‫أتى ماعّرفا ً فإن المقصود به الكفر الكبر‪.‬‬
‫فإًذا نقول‪ :‬الصحيح أن ترك الصلة تهاونا ً وكسحل ً كفحر أكحبر‪،‬‬
‫لكن كفره بححاطن وليححس كفححره ظححاهرا‪ ،‬وليححس ببححاطن وظححاهر‬
‫جميعا ً حتى يثبت عند القاضححي؛ لنححه قححد يكححون لححه شححبهة ماححن‬
‫خلف أو فهم أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ولهذا ل يحكححم بححردة ماححن تححرك الصححلة بمجححرد تركححه‪ ،‬وإنمححا‬
‫مان ترك الصلة فهو كافر الكفر الكححبر‪،‬‬ ‫يطلق على الجنس أن َ‬
‫وأماا المعّين فإن الحكم عليه بالكفر وتنزيل أحكححام الكفححر كلهححا‬
‫ض يحدرأأ عنحه الشححبهة ويسححتتيبه‬
‫عليه هذا ل بد فيه مان حكم قا ٍ‬
‫حتى يؤدي ذلك‪.‬‬
‫وهذا هو المعتمد عند جمهورأ أهل السححنة ‪-‬كمححا ذكححرت لححك‪،-‬‬
‫وغّير الصلة المار على عكس ماا ذكرت ‪.‬‬
‫مان ترك الزكاة تهاونا ً وكسححل ً أو‬ ‫جمهورأ أهل السنة على أن َ‬
‫مان ترك الصيام أو مان ترك الحج فححإنه ل يكفححر بتركهححا تهاونححا ً‬
‫وكسلً؛ لنه ماا دل الدليل على ذلك‬
‫وقالت طائفة مان أهل العلم ماححن الصحححابة وماححن بعححدهم‪ :‬إن‬
‫مان ترك بعض هذه أنه كافر على خلف بينهم في ذلك‪.‬‬
‫فعمر ‪ ‬ظاهر قوله‪ :‬أن ترك الحححج ماحع القحدرأة عليحه ووجححود‬
‫السإححتطاعة الماليححة والبدنيححة أنححه كفححر‪ ،‬حيححث قححال لعمححاله فححي‬
‫ماححن وجححد سإححعة ماححن المسححلمين ثأححم لححم‬
‫الماصارأ‪ :‬أن يكتبوا لححه َ‬
‫يحجوا أن تضرب عليهم الجزية‪ ،‬قال‪ :‬ماححا هححم بمسححلمين … ماححا‬
‫هم بمسلمين‪.‬‬

‫فر ‪-‬أيضًا‪ -‬بعحض الصححابة كحابن ماسحعود َ‬


‫ماححن تححرك الزكحاة‬ ‫وك َ ّ‬
‫تهاونا ً وكسلً‪ ،‬وهذا خلف ماا عليححه الجمهححورأ ‪-‬جمهححورأ الصحححابة‪-‬‬
‫ومان بعدهم في أن مان تركها بل اماتنححاع وإنمححا تححرك الزكححاة أو‬

‫‪49‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ترك الصيام أو ترك الحج تهاونا ً مانه أنححه ل يكفححر‪ ،‬ومانهححم ماححن‬
‫قال بكفره يعني‪ :‬على عكس ماسألة الصلة ‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬إًذا ماسألة الصلة الجمهورأ ‪-‬جمهورأ أهل السححنة‪ -‬علححى‬
‫تكفير مان تركها تهاونا ً وكسل ً ‪.‬‬
‫فر مان تركها تهاونححا ً وكسححل ً‬
‫وهناك مان أهل السنة مان لم يك ّ‬
‫‪ ،‬وبقية الثلثأة الرأكان العملية جمهورأ أهححل السححنة علححى أنححه ل‬
‫فره‪.‬‬
‫يكفر وهناك مان ك ّ‬
‫هذه الرأكان مانقسمة إلى ثألثأة أقسام‪ ،‬وخصت بالذكر لعظم‬
‫ماقاماها في هذه الشريعة وعظم أثأرها على العبد‪.‬‬
‫فالشححهادتان نصححيب القلححب واليمححان‪ ،‬فبهمححا يتحقححق اليمححان‬
‫الذي هو أصل العتقاد والعمححل‪ ،‬والصححلة عبححادة بدنيححة ماحضححة‪،‬‬
‫والزكاة عبادة ماالية ماحضة‪ ،‬والحج ماركححب ماححن العبححادة الماليححة‬
‫والعبادة البدنية‪ ،‬وصوم رأماضان عبادة بدنية ماحضة‪.‬‬
‫لهذا قال طائفة من المحققين من أهل العلم‪ :‬إنححه‬
‫جاء في هذه الرواية تقححديم الحححج علححى الصححوم فقححال‪  :‬وإيت اء‬
‫الزكاة وحج البيت وصوم رأماضان ‪ ‬وصححوم رأماضححان فححي بقيححة‬
‫الروايات قدم على الحج فقال‪  :‬وإيت اء الزكححاة وصححوم رأماضححان‬
‫وحج البيت مان اسإتطاع إليه سإبيل ً ‪. ‬‬
‫وسبب تقديم الحــج علــى الصــيام‪ :‬أن الماححر علححى ماححا‬
‫ل فححي‬ ‫مث ّحح ٌ‬
‫ما َ‬
‫ذكرت لك مان أن الصححوم ماححن حيححث جنححس دللتححه ُ‬
‫الصلة‪ ،‬فالصلة حق البدن المحض يعني‪ :‬عبادة وجبت وتعلقححت‬
‫بالبححدن ماحضححة‪ ،‬والزكححاة عبححادة تعلقححت بالمححال ماحضححة‪ ،‬والحححج‬
‫عبادة تركبت مان المال والبححدن فصححارأت قسححما ً ثأالثححا ً ماسححتقلً‪،‬‬
‫وأماا الصوم فهو مان حيث هذا العتبارأ ماكررأ للصلة‪ ،‬وعلى هذا‬
‫الفهم بنى البخححارأي ‪-‬رأحمححه اللححه تعححالى‪ -‬صحححيحه فجعححل كتححاب‬
‫الحج ماقدماا على كتاب الصوم؛ لجل أن الحج عبادة ماركبة مان‬
‫المال والبدن؛ فهي جنس مان حيث هذا العتبارأ جديد‪ ،‬والصححيام‬
‫جنس سإبق ماثله وهو إقام الصلة ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الرابع‬
‫إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ً نطفة‬
‫وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن ماسعود ‪ ‬قححال حححدثأنا رأسإححول‬
‫الله ‪ ‬وهو الصادق المصدوق‪  :‬إن أحدكم ُيجمع خلقه في بطن‬
‫أماه أرأبعين يوماا ً نطفة‪ ،‬ثأححم يكححون علقححة ماثححل ذلحك‪ ،‬ثأححم يكححون‬
‫ماضغة ماثل ذلك‪ ،‬ثأم يرسإل إليه الملك فينفخ فيه الروح‪ ،‬ويؤمار‬
‫ب رأزقحه‪ ،‬وأجلحه‪ ،‬وعملحه‪ ،‬وشححقي أو سإحعيد‪،‬‬ ‫بحأرأبع كلمحات‪ :‬بكت ْحح ِ‬
‫فوالله الذي ل إله إل غّيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهححل الجنححة‬
‫حتى ماا يكون بينه وبينها إل ذرأاع فيسبق عليححه الكتححاب فيعمححل‬
‫بعمل أهل النارأ فيحدخلها‪ ،‬وإن أححدكم ليعمحل بعمحل أهحل النحارأ‬
‫حتى ماا يكون بينه وبينها إل ذرأاع فيسبق عليححه الكتححاب فيعمححل‬
‫بعمل أهل الجنة فيدخلها ‪ ‬رأواه البخارأي وماسلم‬
‫هذا الحححديث هححو الرابححع ماححن هححذه الحححاديث المبارأكححة‪ ،‬وهححو‬
‫حديث ابن ماسعود ‪ ‬فيه ذكر القدرأ وذكر جمع الخلق في رأحم‬
‫الم‪.‬‬
‫وهذا الحديث أصل في بححاب القححدرأ والعنايححة بححذلك‪ ،‬والخححوف‬
‫مان السوابق والخوف مان الخححواتيم‪ ،‬وكمححا قيححل‪ :‬قلححوب البححرارأ‬
‫ماعلقة بالخواتيم‪ ،‬يقولون‪ :‬ماححاذا يختححم لنححا‪ ،‬وقلححوب السححابقين أو‬
‫المقربين ماعلقة بالسوابق يقولون‪ :‬مااذا سإبق لنا‪.‬‬
‫وهححذا وهححو اليمححان بالقححدرأ والخححوف ماححن الكتححاب السححابق‬
‫والخوف مان الخاتمة‪ ،‬هذا مان آثأارأ اليمان بالقدرأ خيححره وشححره‪،‬‬
‫فإن هذا الحديث دل على أن هناك تقديًرا عمرًيا لكححل إنسححان‪،‬‬
‫ملك بأمار الله ‪-‬جل وعل‪ -‬كما جححاء‬ ‫وهذا التقدير العمري يكتبه ال َ‬
‫في هذا الحديث ‪.‬‬
‫سوقٌ لبيححان التقححدير العمححري لكححل إنسححان؛‬ ‫إًذا هذا الحديث َ‬
‫ما ُ‬
‫وليخاف المرء السوابق والخحواتيم؛ وليحؤمان بحأن ماححا أصحابه لحم‬
‫يكن ليخطئه وماا أخطأه لم يكن ليصححيبه‪ ،‬والسححوابق فححي عمححل‬
‫العبد والخواتيم ماتصلة كما قيل‪ :‬الخواتيم مايراث السوابق‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فالخاتمة ترثأهححا لجححل السححوابق‪ ،‬فمححا ماححن خاتمححة إل وسإححببها‬


‫بلطف الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ورأحمته أو بعدله وحكمته‪ .‬سإححوابق المححرء‬
‫في عمله وهي جميعا ً ماتعلقة بسوابق القدرأ‪.‬‬
‫هذا الحديث قال فيه ابن ماسعود ‪" ‬حدثأنا رأسإول الله ‪ ‬وهو‬
‫الصادق المصدوق"‪ :‬قوله‪ :‬حدثأنا رأسإححول اللححه ‪-‬صححلى اللححه عليححه‬
‫وسإلم هذا فيه اسإتعمال لفظ التحديث مان ابن ماسححعود ‪ ‬وهححو‬
‫مححل المعروفححة عنححد المحححدثأين؛ ولهححذا اسإححتعملها‬
‫ح ّ‬
‫أحد ألفاظ الت ّ َ‬
‫العلماء كثيرا ً في صيغ التحديث‪ ،‬واسإتعملوا ‪-‬أيضًا‪ -‬لفححظ أخبرنححا‪،‬‬
‫وقد رأواه الصحابة عن رأسإول الله ‪-‬صلى الله عليه وسإلم‪.‬‬
‫فالمحدثأون اختارأوا مان ألفاظ التحمححل "حححدثأنا" وهححي أعلهححا؛‬
‫لجل قول الصحححابة حححدثأنا رأسإححول اللححه ‪ ‬وهححذا الحححديث ماثححال‬
‫لذلك‪ ،‬واختارأوا "أخبرنا" ‪-‬أيضًا‪ -‬لقول الصحابة أخبرنا رأسإول الل ه‬
‫‪ ‬أو أخححبرني النححبي ‪ ‬بكححذا وزادوا عليهححا ألفاظححا ً ماححن ألفححاظ‬
‫التحمل ‪.‬‬
‫قوله‪" :‬وهو الصادق المصدوق"‪ :‬هو الصادق‪ :‬يعني الححذي يححأتي‬
‫بالصدق والصدق‪ ،‬حقيقته الخبارأ بما هو ماوافق للواقع‪ ،‬والكذب‬
‫دق‬
‫ضده وهو الخبارأ بما يخححالف الواقححع‪ ،‬والمصححدوق‪ :‬هححو المصحح ّ‬
‫يعني الذي ل يقول شيئا ً إل ُ‬
‫صد َّقه‪.‬‬
‫وقول ابن ماسعود هنا "وهو الصادق المصدوق" هذه تهيئة …‬
‫هذه فيها أدب للمعلم أن يهيئ العلم لمححن يعلمححه وماححن يخححبره‬
‫بالعلم؛ لن هذا الحديث فيه شيء غّيبي ل يدرأك ل بححالحس ول‬
‫بالتجربة‪ ،‬وإنما ُيدرأك بالتسليم والعلم بالخبر لصححدق المخب ِححر بححه‬
‫مل‪.‬‬
‫ح ْ‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ففيه ذكر تنوع ال َ‬
‫وماعلوم أن الصحابة في ذلك الوقت لم يكونوا يعلمححون ذلححك‬
‫الزماان لم يكونوا يعلمون تطورأ هذه المراحل بعلححم تجريححبي أو‬
‫برؤية أو بنحححو ذلححك‪ ،‬وإنمححا هححو الخححبر الححذي يصححدقونه‪ ،‬فكححانوا‬
‫علماء ل بالتجريب وإنما بخبر الوحي على النححبي ‪-‬صححلوات اللححه‬
‫عليه وسإلماه ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قال‪" :‬وهححو الصححادق المصححدوق" يعنححي‪ :‬الححذي ل يخححبر بشححيء‬


‫دقه ماهما كحان‪،‬‬ ‫ص ّ‬
‫على خلف الواقع‪ ،‬وهو الذي إذا أخبر بشيء ُ‬
‫وهذا مان جراء التسليم له ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بالرسإالة‪.‬‬
‫قال‪  :‬إن أحححدكم يجمححع خلقححه فححي بطححن أماححه أرأبعيححن يوماححا ً‬
‫جمع نطفححة‪،‬‬ ‫نطفة ‪ ‬لفظ "ُيجمع" كأنه كان قبل ذلك ماتفرقا ً ف ُ‬
‫والنطفة ماعروفة‪ ،‬وهي‪ :‬مااء الرجححل وماححاء المححرأة‪ ،‬أو ماححا شححابه‬
‫ذلك قبل أن يتحول إلى دم‪ ،‬والعلقححة قطعححة الححدم الححتي تعلححق‬
‫بالشيء وهي تعلق بالرحم‪ ،‬والمضغة هي قطعة اللحم‪.‬‬
‫قال ابن ماسعود ‪ ‬هنا أن النبي ‪ ‬حدثأهم‪  :‬إن أحححدكم يجمححع‬
‫خلقه في بطن أماه أرأبعين يوماا ً نطفة ‪ ‬يعني‪ :‬أنحه يكحون ماحاء‬
‫لمدة أرأبعين يوماا ً ل يتحول إلى دم هذا المدة ‪-‬يعني‪ -‬مان حيححث‬
‫مان بداية وضع النطفة في الرحم تستمر أرأبعين يوماا ً على هذا‬
‫النحو‪.‬‬
‫وهل يعنححي اسإححتمرارأها هححذه المححدة أنهححا فححي هححذه المححدة ل‬
‫يكون فيها أي نوع مان التصوير أو الخلق أو نحو ذلححك؟ ل يححدل‬
‫هذا الحديث على ذلك وإنمححا يححدل علححى أن هححذه المححدة تكححون‬
‫نطفة‪ ،‬أماا ماسألة التصوير‪ ،‬وماتى تكون فهذه لم يعرض لها في‬
‫هذا الحديث‪ ،‬وإنما في أحاديث أخرى‪.‬‬
‫قال‪  :‬ثأم يكون علقة ماثل ذلك ‪ ‬يعني‪ :‬يكون دماححا ً ماتجمححدا ً‬
‫في رأحم الم أرأبعين يوماا ً أخرى‪.‬‬
‫قال‪  :‬ثأم يكون ماضغة ماثل ذلك ‪ ‬يعني‪ :‬يتحول إلى ماضغة‪،‬‬
‫ول ماححن‬ ‫وهي قطعة اللحم ‪-‬أيضًا‪ -‬أرأبعين يوماا ً أخرى‪ ،‬وهذه ‪-‬تححح ّ‬
‫الدم إلى اللحم … إلى آخره‪ -‬قال فيها ‪-‬عليه الصلة والسلم‪:-‬‬
‫"ثأم يكون" وكلمة "ثأم" هذه تفيححد الححتراخي والححتراخي ‪-‬كمححا هححو‬
‫ماعلوم ‪-‬في كل شيء بحسبه‪ ،‬والتصححوير يكححون فححي أثأنححاء هححذه‬
‫المدة‪.‬‬
‫وقد جاء في صحيح ماسلم مان حديث حذيفة بن أسإححيل ‪ ‬أن‬
‫النبي ‪ ‬قال‪  :‬إذا بلغت النطفة ِثأنتين وأرأبعين ليلة أرأسإححل إليهححا‬
‫الملك فيححأماره اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬بتصححويرها‪ ،‬ثأححم يقححول‪ :‬أي رأبححي‪،‬‬
‫‪53‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أذكر أم أنثى؟ فيأمار الله ماا شاء ويكتب المَلحك‪ ،‬ثأحم يقحول‪ :‬أي‬
‫رأبي‪ ،‬شقي أم سإعيد؟ فيقول اللححه أو يححأمار اللححه بمححا شححاء ثأححم‬
‫مَلك ‪ ،‬ثأم يقول‪ :‬أي رأبي‪ ،‬رأزقه؟ فيقول الله ماا شاء ثأم‬ ‫يكتب ال َ‬
‫يكتب الملك ‪. ‬‬
‫فهذا يدل علححى أن التصححوير سإححابق لتمححام هححذه المححدة‪ ،‬وأن‬
‫التصوير يكون بعد ثأنتين وأرأبعين ليلة‪ ،‬وقححد قححال ‪-‬جححل وعل‪ : -‬‬
‫‪ (1)       ‬وهذا التصوير ماعناه التخطيط‪،‬‬
‫فإن هناك ثألثأة ألفاظ ‪ ،‬ألفاظ التكححوين‪ :‬تكححوين المخلححوق وهححي‬
‫رء‪       :‬‬
‫التصوير‪ ،‬والخلق‪ ،‬والب َ ْ‬
‫‪. (2) ‬‬
‫فالمصححورأ ماعنححاه‪ :‬الححذي يجعححل الشححيء علححى هيئححة صححورأة‬
‫ماخططة‪ ،‬الخالق أو خلق الشيء … خلق الجنين‪ :‬أن يجعل لهححا‬
‫ماقاديرها ماححن الطححراف والعضححاء ونحححو ذلححك‪ ،‬والححبرء‪ :‬أن تتححم‬
‫وتكون تاماة‪ ،‬يعني‪ :‬أن يبرأ ماا سإححبق وهححذا فححي الجنيححن واضححح‪،‬‬
‫فإن الجنين يصورأ ‪-‬أولً‪ -‬قبل أن تخلق له العضاء‪.‬‬
‫فلو ُرأئي الجنين … بعض الجنة إذا سإقط في تسححعين يوماححا ً‬
‫أو في أكثر مان ثأمانين يوماا ً وُنظر إليه إذا أسإححقطته الم ونظححر‬
‫ما‬‫إليه ُوجد أنه كلوحة عليها خطوط‪ ،‬يعني‪ :‬العين مارسإوماة رأسإحح ً‬
‫‪. (3)      ‬‬
‫وتجححد أنححه كححالتخطيط فححي شححيء شححفاف‪ ،‬وهححذا لححم تتكححون‬
‫العضاء‪ ،‬وإنما هذا التصوير‪ ،‬وهذا كما جححاء فححي حححديث حذيفححة‬
‫يفعله الملك بأمار الله ‪-‬جل جلله‪.‬‬
‫والملئكة ماوكلون بما يريحد الل ه ‪-‬جحل وعل‪ -‬مانهحم كمحا قحال‬
‫‪-‬سإبحانه‪          :-‬‬
‫)‪(4‬‬

‫فالملئكة ماوكلححون بمححا شححاء اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬أن يفعلححوه ‪ ‬‬
‫‪. (5)        ‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة النفطارأ آية ‪.8 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الحشر آية ‪.24 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة المؤمانون آية ‪.14 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة السجدة آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 5‬سإورأة التحريم آية ‪.6 :‬‬

‫‪54‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫نستفيد ‪-‬أيضًا‪ -‬مان هذا أن في هذه المدة يكتب‪ :‬هل هو ذكر‬


‫أم أنثى؟ كما جاء في حديث حذيفة الذي ذكرت لك في ماسلم‬
‫أنه بعد الثنتين والرأبعين ليلة يسححأل المل َححك فيقححول‪  :‬أي رأبححي‪،‬‬
‫ذكر أم أنثى؟ فيقول الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬أو يححأمار اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫بما شاء فيكتب الملك ‪. ‬‬
‫قال طائفة مان المحققين مان أهل العلم‪ :‬إنه بذلك يعني بعد‬
‫الثنتين والرأبعين يخرج علم نوع الجنين مان كونه ذكرا أو أنححثى‬
‫عن اختصاصا اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬بححه؛ لن اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬اختححص‬
‫بخمسة مان علم الغيب اختص بخمسة ل يعلمها إل الله‪ ،‬ومانها‪:‬‬
‫أنه ‪-‬جل وعل‪. (1)        -‬‬
‫ماححن فححي‬
‫وماا في الرأحام كثيرة … ماا فححي الرأحححام يشححمل‪َ :‬‬
‫الرحم‪ ،‬ويشمل ماا فححي الرحححم ‪     ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ (2)   ‬وهذا العلم الشمولي بتطورأ الجنين فححي‬
‫بطن أماه لحظة بلحظة ل أحد يعلمها إل الله ‪-‬جل جلله‪.-‬‬
‫أماا العلم بكون الجنين ذكرا أو أنثى فهذا مان اختصاصا علححم‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬قبل الثنححتين والرأبعيححن ليلححة‪ ،‬فححإذا أع ْل َححم المل َححك‬
‫بذلك دل الحديث على خروجه عن العلم الذي ل يعلمه إل الله‬
‫‪-‬جل وعل‪.‬‬
‫ولهذا في بعض العصر المتقدماحة كحان بع ض أهحل التجريحب‬
‫كما ذكر ذلك ابن العربي فححي تفسححيره "أحكححام القححرآن" بعححض‬
‫أهل التجريب كان ينظر إلى رأحم المرأة … ينظر إلححى المححرأة‬
‫الحامال‪ ،‬ويقول‪ :‬في بطنها ذكر أم أنثى‪ ،‬يعني‪ :‬إذا عظم بطنها‪.‬‬
‫وذكححر العلمححاء‪ :‬أن هححذا ليححس فيححه ادعححاء علححم الغيححب؛ لن‬
‫الختصاصا فيما قبل ذلك‪ ،‬مانهم مان يقي ّححد الختصححاصا بمححا قبححل‬
‫نفخ الروح‪ ،‬فيهححم وهححو الصحححيح أن يقيححد الختصححاصا بمححا قبححل‬
‫الثنتين وأرأبعين ليلة كما دل عليه الحديث الصحيح الذي ذكححرت‬
‫لك ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة لقمان آية ‪.34 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الرعد آية ‪.8 :‬‬

‫‪55‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وفى الزمان هذا يعرف ‪-‬أيضًا‪ -‬هل هو ذكر أم أنثى بالوسإححائل‬


‫الحديثة وليححس فححي هححذا ادعححاء علححم الغيححب؛ لنهححم ل يعلمححون‬
‫قطعا ً ول يستطيعون أن يعلموه إل بعد هذه المدة التي ذكرنححا‪،‬‬
‫وأماا قبلها فإنها مان اختصاصا علم الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬ماححع أنهححم ل‬
‫يعلمونها إل بعد أن تنفصل أو تتميز آلة الذكر مان النثى‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫فرج الذكر مان فرج النثى وهذا يكون بعد مادة ‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هنا‪  :‬يك ون علقححة ماثححل ذلححك ثأححم‬
‫يكون ماضغة ماثحل ذلحك ‪ ‬وهحذه ماائحة وعشحرون يوماحًا‪ ،‬يعنحي‪:‬‬
‫أرأبعة أشهر‪.‬‬
‫قال‪  :‬ثأم يرسإل إليه الملححك ‪ ‬هححذا مالححك آخححر مال َححك ماوك ّححل‬
‫بنفخ الروح أو هو الملك الول ولكن هححذا إرأسإححال آخححر‪ ،‬قححال‪ :‬‬
‫فينفححخ فيححه الححروح ويححأمار بححأرأبع كلمححات‪ :‬بكتححب رأزقححه‪ ،‬وأجلححه‪،‬‬
‫وعمله‪ ،‬وشقي أو سإعيد ‪. ‬‬
‫هنا نظر العلماء في ذلك فقالوا‪ :‬هذا الحححديث يححدل علححى أن‬
‫نفخ الروح ل يكون إل بعد أرأبعة أشهر‪ ،‬وعلى هححذا بنححى الماححام‬
‫أحمححد وجماعححة ماححن أهححل العلححم قححولهم‪ :‬إن الجنيححن إذا سإححقط‬
‫سل وصلي عليه؛ لنه قد نفخ فيححه الححروح بدللححة‬ ‫لرأبعة أشهر غّ ُ ّ‬
‫خر دلت على أنه يكتب رأزقه وأجله كمححا‬ ‫هذا الحديث وأحاديث أ ُ َ‬
‫ذكرنا وشقي أو سإعيد قبل ذلك ‪.‬‬
‫فكيف نوفق بين الحاديث التي فيها ذكححر الكتابححة قبححل هححذه‬
‫المدة‪ ،‬وذكر الكتابححة بعححد تمححام المائححة وعشححرين يوماححا ً أي بعححد‬
‫تمام الرأبعة أشهر ‪.‬‬
‫للعلماء أقول في ذلك وأفضلها‪ :‬أن هذا الححذي جححاء فححي هححذا‬
‫الحديث على وجه التقديم والتأخير‪ ،‬وذلك أن إدخال الكتابة في‬
‫أثأناء ذكر تدرأج الحمل هذا ماححن حيححث اللغححة غّيححر ماناسإححب‪ ،‬بححل‬
‫المراد أول ً أن يذكر التدرأج ثأم بعد ذلك ذكر نفخ الروح؛ لتعلقه‬
‫بما قبله‪ ،‬وأماححا الكتابححة فإنهححا وإن كححانت فححي أثأنححاء تلححك المائححة‬
‫وعشرين يوماا ً فأخرت لجل أنه ل يناسإب إدخالها لححترتيب تلححك‬
‫الطوارأ بعضها على بعض ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يعني‪ :‬أن اللغة يقتضي حسنها أن ل تدخل الكتابححة بيححن هححذه‬


‫الطوارأ فالمقصود هنححا ذكححر هححذه الطححوارأ الثلثأححة‪ :‬النطفححة‪ ،‬ثأححم‬
‫ذكر الكتابة في أثأنائها يقطع الوصل‪ ،‬وهذا‬ ‫العلقة‪ ،‬ثأم المضغة‪ ،‬ف ِ‬
‫له نظححائر فححي اللغححة‪ ،‬ومانححه قححول اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬فححي سإححورأة‬
‫السجدة‪           :‬‬
‫‪… (1)             ‬‬
‫إلخ الية ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫فهنا كان الترتيب‪:‬‬
‫‪       ‬ماع أن النسل هذا ليححس‬
‫)‪(2‬‬

‫بححأول هنححا‪ ،‬يعنححي‪ :‬نفححخ الححروح سإححبق وجححود النسححل‪ ،‬بححدأ خلححق‬
‫جعححل النسححل ماححن ماححاء‬
‫النسان مان طين ثأم نفخت الححروح ثأححم ُ‬
‫ماهين‪.‬‬
‫خر نفخ الروح ماع أنه بينهما؛ لجل أن يتناسإححب الطيححن‬ ‫فهنا أ ّ‬
‫ماع الماء‪ ،‬قال‪          :‬‬
‫‪. (3)      ‬‬
‫وبهححذا تتفححق الحححاديث ول يحسححن فححي ماثححل هححذه المجححالس‬
‫المختصرة أن نعرض اختلف الرواية في هذا وكثرة العتراضات‬
‫أو الشكالت فيها لكن هذا هو أولى القوال في هذه المسححألة‬
‫وأقربها مان حيث اللغة ومان حيث جمع الحاديث‪.‬‬
‫إذا تقررأ هذا فنفخ الروح هل هو ماتعلق بالكتابححة أو هححو بعححد‬
‫المائة والعشرين يوماا ً ؟ اختلف العلماء ‪-‬أيضا ً ‪-‬في ذلك فقححالت‬
‫طائفة مان أهل العلم‪ :‬ل يكون نفخ الروح إل بعد الرأبعة أشهر؛‬
‫لنه قال هنا‪" :‬ثأم يرسإل إليه الملححك فينفححخ فيححه الححروح" و"ثأححم"‬
‫تقتضي التراخي الزماني؛ ولهذا قال طائفة مان الصحابة واختارأه‬
‫الماام أحمد وجماعة‪ :‬أنه ينفخ فيه الروح في العشرة أيام التي‬
‫تلي الرأبعة أشهر‪.‬‬
‫وقال آخرون مان أهل العلم‪ :‬إنه ينفخ فيححه الححروح بعححد تمححام‬
‫أرأبعة أشهر وعشرة الروايات رأويت عن الصحابة في ذلك ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة السجدة آية ‪.9 -7 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة السجدة آية ‪.8-7 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة السجدة آية ‪.8 -7 :‬‬

‫‪57‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وقال آخرون‪ :‬أن نفححخ الححروح هنححا ع ُل ّححق أو جعححل ماقترنححا بححه‬
‫الكتابة‪ ،‬فقال ‪-‬عليه الصحلة والسحلم‪  :-‬ثأ م يرسإحل إليحه الملحك‬
‫فينفخ فيححه الححروح ويححؤمار بححأرأبع كلمححات ‪ ‬فجعححل الماححر بححأرأبع‬
‫خححر أن الكتابححة‬‫كلمات تابعا ماع نفخ الروح‪ ،‬ونعلححم بالحححاديث ال ُ َ‬
‫‪-‬كتابححة هححذه الكلمححات‪ -‬كححانت قبححل ذلححك‪ ،‬وأحححاديث النححبي ‪ ‬ل‬
‫تتعححارأض بححل تتفححق؛ لن الحححق ل يعححارأض الحححق وكلهححا يصححدق‬
‫بعضها بعضًا؛ فلهذا قالوا‪ :‬هذا بناء على الغّلب‪.‬‬
‫وقد تنفخ الروح وتوجد الحركة قبل ذلك؛ لنه هنا قححرن نفححخ‬
‫الروح بالكتابة‪ ،‬والكتابة دلت أحاديث على سإبقها‪ ،‬فمعنى ذلححك‪:‬‬
‫أنه يمكن أن يكون نفخ الروح في أثأناء المائة وعشرين يوماححا ً ‪.‬‬
‫هل تكون الكتابة بعد نفخ الروح ؟ ‪.‬‬
‫هذا الحديث ليس فيححه دللححة وإنمححا فيححه ترتححب الكتابححة علححى‬
‫الححروح بححالواو فقححال‪  :‬ثأ م يرسإححل إليححه الملححك … ويححؤمار بححأرأبع‬
‫كلمات ‪ ‬والواو ل تقتضي ترتيبًا‪ ،‬وإنما تقتضي اشتراكًا‪ ،‬فمعنى‬
‫ذلك أنه قد تتقدم الكتابة‪ ،‬وقد يتقدم نفخ الروح والظهر تقححدم‬
‫الكتابة على نفخ الروح كما دلت عليه أحاديث كثيرة‪.‬‬
‫فإًذا نخلص مان هذا … فيه خلف طويححل لهححل العلححم‪ ،‬لكححن‬
‫ذكرت لكم لبه‪ ،‬وخلصته أن الغالب أن يكون نفححخ الححروح كمححا‬
‫جاء فحي هحذا الححديث بعحد ماائحة وعشحرين يوماحًا‪ ،‬وقحد يتححرك‬
‫الجنين وينفخ قبححل ذلححك‪ ،‬وهححذا ماشححاهد؛ فححإنه كححثير ماححا تحصححل‬
‫الحركة والحساس بالجنين مان قَِبل الم وتنقله في رأحمها قبل‬
‫تمام الرأبعة أشهر‪.‬‬
‫‪ ‬‬ ‫والنحححححححبي ‪       ‬‬
‫دق بعضها بعضا ‪.‬‬ ‫‪ (1)   ‬وكلماته وأحاديثه يص ّ‬
‫قال هنا‪  :‬ويؤمار بأرأبع كلمات ‪ ‬قال‪  :‬فينف خ فيححه الححروح ‪‬‬
‫قبل ذلك فينفخ فيه الروح‪ :‬الححروح ماخلححوق ماححن ماخلوقححات اللححه‬
‫‪-‬جححل وعل‪ -‬ل نعلححم كيفيححة هححذا النفححخ‪ ،‬ول كيححف تتلبححس الححروح‬
‫بالبدن‪ ،‬والروح أضيفت إلى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬تشريفا ً لها وتعظيما ً‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة النجم آية ‪.4-3 :‬‬

‫‪58‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ت إلححى اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬تشححريفا لهححا وتعظيمححا‬ ‫ُ‬


‫ف ْ‬
‫ضححي َ‬
‫والححروح أ ِ‬
‫لشأنها‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪‬‬ ‫قال ‪-‬جل وعل‪: -‬‬
‫‪      ‬‬
‫الضافة هنا إضافة خلق‪ ،‬وإضافة تشريف‪ ،‬ليست هي صفة للححه‬
‫‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫ببححدن‬ ‫والروح هي سإر الحياة ‪-‬كما هو ماعلوم‪ ،-‬وتعّلق الححروح‬
‫شيئا‪،‬‬ ‫الجنين في رأحم الم تعلق ضعيف؛ لن الروح لم تكتسب‬
‫تقححدم‬ ‫و‪ ،‬فتبححدأ الححروح بححالقوة فححي تعلقهححا بالبححدن كلمححا‬
‫ولم تقحح َ‬
‫تعلقححا‬ ‫بالجنين الزمان في رأحم الم‪ ،‬حتى إذا خرج صححارأ التعلححق‬
‫آخر‪.‬‬
‫يقول العلماء‪ :‬إن تعلق الروح بالبدن أربعة أنــواع ‪:‬‬
‫‪-‬‬
‫تعلق في رحم الم ‪ :‬هذا النوع الول‪ ،‬وهو تعلق ضعيف‪،‬‬
‫الحياة فيه للبدن‪ ،‬والروح تعلقها بالبدن ضعيف‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬في الحياة الدنيا‪ ،‬والحياة فيها للبدن‪ ،‬والححروح تبححع‪،‬‬
‫وتعلقها بالبدن تعل ّقٌ ماناسإب لبقاء البدن في الدنيا ‪.‬‬
‫النوع الثالث من التعلق‪ :‬بعد الموت‪ ،‬والحياة فيه للروح‪،‬‬
‫والبدن تبع‪.‬‬
‫والنوع الرابع‪ :‬تعلق الروح بالبححدن بعححد قيححام النححاس لححرب‬
‫العححالمين يححوم القياماححة‪ ،‬وهححذا التعلححق أكمححل التعلقححات‪ ،‬فتكححون‬
‫الحياة للبدن وللروح جميعا هي أعظم أنواع التعلق‪.‬‬
‫قححال ‪  :‬وي ؤمار بححأرأبع كلمححات‪ :‬بكتححب رأزقححه‪ ،‬وأجلححه‪ ،‬وعملححه‪،‬‬
‫وشقي أم سإعيد ‪. ‬‬
‫مى القححدرأ العمححري أو التقححدير العمححري‪،‬‬ ‫هححذه الكتابححة ُتسحح ّ‬
‫والتقديرات أنواع‪ :‬مانها القدرأ اليوماي‪ ،‬ومانها القدرأ السنوي‪ ،‬أرأفع‬
‫مانححه‪ ،‬ومانهححا القححدرأ والتقححدير العمححري‪ ،‬ومانهححا التقححدير أو القححدرأ‬
‫السابق الذي في اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة الحجر آية ‪.29 :‬‬

‫‪59‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والقدرأ السابق الححذي فححي اللححوح المحفححوظ‪ ،‬هححذا الححذي يعححم‬


‫الخلئق جميعا‪ ،‬كما جاء ذلك في قول الله ‪-‬جل وعل‪  :-‬‬
‫‪             ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪     ‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪      ‬‬

‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬قَد َّرأ الله ماقادير الخلئححق قبححل‬
‫أن يخلق السماوات والرأض بخمسين ألف سإححنة‪ ،‬وكححان عرشححه‬
‫على الماء ‪. ‬‬
‫درأ ماقادير الخلئق ‪ ‬يعنححي‪ :‬كتبهححا‪ ،‬أماححا العلححم فححإنه أول‬
‫‪ ‬ق ّ‬
‫ليححس ماقصححورأا بقبححل خلححق السححماوات والرأض بخمسححين ألححف‬
‫سإنة‪.‬‬
‫صل مان هذا أن هذا التقدير اسإمه التقدير العمححري‪ ،‬وهححو‬ ‫فتح ّ‬
‫بعض القححدرأ السححابق‪ ،‬يعنححي‪ :‬أنححك إذا تصححورأت التقححدير العمححري‬
‫للنححاس جميعححا‪ ،‬فححإن هححذا يوافححق التقححدير الححذي فححي اللححوح‬
‫المحفوظ‪ ،‬كل أحد بحسبه‪.‬‬
‫فالتقدير الذي في اللوح المحفححوظ عححام وخححاصا أيضححا‪ ،‬وأماححا‬
‫هذا التقدير فهو تقدير عمري يخص كل إنسان‪.‬‬
‫وهذا القدرأ ليس ماعناه أنه إجبارأ؛ يعنححي‪ :‬يححؤمار الملححك بكتححب‬
‫أرأبع كلمات‪ ،‬يؤمار بكتب رأزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله‪ ،‬وشقي أو سإعيد‪.‬‬
‫هذه الرأبع كلمحات ليسحت إجبححارأا‪ ،‬يعنححي‪ :‬ل يكححون العبححد بهححا‬
‫ن يكتححب ماححا كتبححه اللححه ‪-‬جححل‬
‫ماجبرا؛ وإنما هي إخبححارأ للملححك بححأ ْ‬
‫وعل‪ -‬ليظهر ماوافقة علححم اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬فححي العبححاد ‪ ،‬ليظهححر‬
‫علححم اللححه فيهححم ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬وهححذا التقححدير ل يمكححن لحححد أن‬
‫يخالفه‪.‬‬
‫ب عليه أنه شقي فإنه سإححيكون شححقيا؛ لن علححم اللححه‬ ‫مان ك ُت ِ َ‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬نافححذ‪ ،‬بمعنححى أن اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬يعلححم ماححا سإححيكون‬

‫‪ - 1‬سإورأة الحج آية ‪.70 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة القمر آية ‪.49 :‬‬

‫‪60‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫عليه العباد‪ ،‬وسإيكون عليه ماا خلق إلى قيام الساعة‪ ،‬وماححا بعححد‬
‫ذلك أيضا‪.‬‬
‫فهذا التقدير العمري كتابة‪ ،‬فتكححون بيححد الملححك‪ ،‬وهححو يختلححف‬
‫عن التقدير الذي في اللححوح المحفححوظ بشححيء‪ ،‬وهححو أنححه يقبححل‬
‫التغيير‪ ،‬وأماا الذي فححي اللححوح المحفححوظ فححإنه ل يقبححل التغييححر‪،‬‬
‫حو‬
‫م ْ‬
‫بمعنى‪ :‬أن ماا كتبه الله ‪-‬جل وعل‪ -‬في أم الكتب ل يقبل ال َ‬
‫ول التغييححر‪ ،‬وغّيححره ماححن أنححواع التقححديرات ‪-‬يعنححي‪ :‬السححنوية أو‬
‫العمرية‪ -‬فإنها تقبل التغيير‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫قال ‪-‬جل وعل‪: -‬‬
‫‪. (1) ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ (2) ‬يعني‪:‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫قال ابن عباس‪:‬‬
‫عنده اللوح‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫فيما في صحف الملئكة‪  .‬‬
‫المحفوظ‪ ،‬ل يتغير ول يتبدل‪.‬‬
‫ولهذا كان عمر ‪ ‬يقول فححي دعححائه‪" :‬اللهححم إن كنححت كتبتنححي‬
‫شقيا فاكتبني سإعيدا"‪.‬‬
‫وهذا يعني به الكتابة في صحف الملئكة‪ ،‬ل الذي في اللححوح‬
‫المحفوظ؛ فإن الذي فححي اللححوح المحفححوظ ل يتغيححر ول يتبححدل‪،‬‬
‫وهذا له حكمة بالغة‪ ،‬وهححو أن ينشححط العبححد فيمححا فيححه صححلحه‪،‬‬
‫وأن يعظم الرغّححب إلححى اللححه ‪-‬جححل وعل‪ ، -‬وأن اللححه ‪-‬سإححبحانه‪-‬‬
‫يعلم ماا العباد عامالون‪ ،‬وماما يعلم دعاؤهم ورأجاؤهم بالله ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬ووسإائلهم إليه ‪-‬سإبحانه‪ -‬في تحقيححق ماححا بححه صححلحهم فححي‬
‫الخرة‪.‬‬
‫‪ ‬بكتب رأزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله‪ ،‬وشقي أو سإعيد ‪ ‬كما ذكرت‬
‫خّير‪،‬‬
‫ما َ‬
‫لك هذه ليس فيها إجبارأ‪ ،‬والعبد عندنا ‪-‬أهل السنة‪ -‬العبد ُ‬
‫وفي اختيارأه ل يخرج عن قدرأ الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬السححابق‪ ،‬وليححس‬
‫بمجبر على ماا يفعل‪ ،‬وليس ‪-‬أيضا‪ -‬خالقا لفعل نفسه؛ بححل اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬هو الذي يخلق فعل العبد ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة الرعد آية ‪.39 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الرعد آية ‪.39 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة الرعد آية ‪.39 :‬‬

‫‪61‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫جححة‬
‫ماد َْرأ َ‬
‫هنا قال ‪  :‬فوالله الذي ل إله غّيره ‪ ‬هححذه الكلمححة ُ‬
‫مان كلمات ابن ماسعود ‪ ‬كتعليق على ماا سإبق مان كلم النححبي‬
‫‪ ‬قال ‪  :‬فوالله الذي ل إله غّيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهححل‬
‫الجنة حتى ماا يكون بينححه وبينهححا إل ذرأاع فيسححبق عليححه الكتححاب‬
‫فيعمل بعمل أهل النارأ فيدخلها ‪ ‬؛‬
‫لن الكتاب فيما ذكر الخاتمة‪ ،‬شقي أو سإححعيد‪ ،‬وهححذا باعتبححارأ‬
‫الخاتمة‪ ،‬سإارأ طول عمره في طاعة‪ ،‬ثأم بعد ذك اختارأ الشقاء‪،‬‬
‫فوافق ماا كتبه الملك أنه شقي‪ ،‬وليس ماعنححى ذلححك أنححه ماجححبر‪،‬‬
‫ولكن وافق ذلك‪.‬‬
‫وكما قلت لك‪ :‬قال جماعة ماححن السححلف ‪" :‬الخححواتيم مايححراث‬
‫السوابق"‪ .‬فلهذا يبعححث هححذا الحححديث ‪-‬وكلم ابححن ماسححعود هححذا‪-‬‬
‫يبعث على الخوف الشديد مان الخاتمة؛ لن العبد ل يححدرأي بمححا‬
‫خَتم له‪ ،‬والسوابق هي التي تكون وسإائل للخواتيم‪ ،‬والعبد بين‬ ‫يُ ْ‬
‫خوف عظيم في أمار خاتمته‪ ،‬وماا بين رأجحاء عظيحم‪ ،‬وإذا جاهحد‬
‫جححى لححه أن‬ ‫في الله حق الجهاد‪ ،‬واسإتقام على الطاعة‪ ،‬فإنه ي ُْر َ‬
‫خَتم له بخاتمة السعادة ‪.‬‬‫يُ ْ‬
‫قال ‪  :‬إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ماا يكون بينه‬
‫وبينها إل ذرأاع ‪. ‬‬
‫يعني‪ :‬عن القرب‪ ،‬أن الجل قريب‪ ،‬لكن يسبق عليه الكتححاب‪،‬‬
‫فيكون أماره في آخر أماره على الردة ‪-‬والعياذ بالله‪.-‬‬
‫وعمله بعمل أهل الجنة‪ ،‬هذا فيما يظهححر للنححاس‪ ،‬وفححي قلبححه‬
‫الله أعلم به‪ ،‬ماا ندرأي مااذا كان في قلوب الحذين زاغّحوا فحأزاغ‬
‫حك َحح ٌ‬
‫م‬ ‫الله قلوبهم‪ ،‬لكن نعلم ‪-‬على اليقيححن‪ -‬أن اللححه ‪-‬جححل وعل‪َ -‬‬
‫دل‪ ،‬ل يظلم الناس شيئا‪ ،‬ولكن الناس أنفسهم يظلمون‪.‬‬ ‫عَ ْ‬
‫قال ‪  :‬وإن أحدكم ليعمل بعمل أهححل النححارأ‪ ،‬حححتى ماححا يكححون‬
‫بينه وبينهححا إل ذرأاع‪ ،‬فيسححبق عليححه الكتححاب فيعمححل بعمححل أهححل‬
‫الجنة فيدخلها ‪ ‬رأواه البخارأي وماسلم ‪.‬‬
‫وهذا مان فضل الله العظيم علحى بع ض عبحاده أن يختحم ل ه‬
‫بخاتمححة السححعادة‪ ،‬هححذا الحححديث ‪-‬كمححا ذكححرت لححك‪ ،‬وكلم ابححن‬
‫‪62‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ماسعود في آخححره‪ -‬يبعححث علححى الخححوف الشححديد ماححن الخححواتيم‪،‬‬


‫ويبدأ المرء يفكر فيما سإبق له‪ ،‬وإن المرء ‪-‬أحيانححا‪ -‬لينظححر إلححى‬
‫السوابق‪ ،‬فل يدرأي مااذا كتب له فيبكي‪.‬‬
‫كما قال بعض السلف مان الئمة‪ ،‬قال ‪" :‬ماا أب َ‬
‫كى العيون ماا‬
‫أبكاها الكتاب السابق"‪.‬‬
‫فالمرء ينظر ويتأمال‪ ،‬ويود أنه لو اطلع على ماا كتبحه الملحك‪،‬‬
‫هل الملك كتبه شقيا أم كتبه سإححعيدا ؟ فححإن كححان كتبححه سإححعيدا‬
‫فهي سإعادة له وطمأنينححة‪ ،‬وإن كححان كتبححه شححقيا فيعمححل بعمححل‬
‫أهححل الجنححة حححتى ي ُك ْت َححب ماححن التقيححاء‪ ،‬ولكححن اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫ب هذا عن العبححاد ليبقححى الجححد فححي العمححل‪ ،‬ولتبقححى‬ ‫بحكمته غّ َي ّ َ‬
‫حكمة التكليف‪ ،‬وأن يكون الناس ماتفاضلين فححي الححبر والتقححوى‪،‬‬
‫فليسا سإواء حازم وماضيع‪ ،‬ليسا سإححواء ماححن هححو ماجاهححد يجاهححد‬
‫نفسه ويجاهد عدوه إبليس‪ ،‬ومان هو ماضيع ويتبع نفسه هواها‪.‬‬
‫كى العيون ماا أب َ‬
‫كاها الكتاب السابق"‪.‬‬ ‫قال‪" :‬ماا أب َ‬
‫وقال بعضهم‪ :‬قلوب البرارأ ماعلقة بالخواتيم‪ ،‬يقولححون ‪ :‬بمححاذا‬
‫ُيختم لنا‪ ،‬وقلوب السابقين ‪-‬أو قال المقربين‪ -‬ماعلقححة بالسححوابق‬
‫يقولون‪ :‬مااذا سإبق لنا"‪.‬‬
‫وهححذا ماثححال للخححوف الشححديد الححذي يكححون فححي قلححوب أهححل‬
‫اليمان‪ ،‬وإذا كان هححذا الخححوف فححإنه ل يعنححي أن يكححون ماححترددا‬
‫ليس على طاعة‪ ،‬ولكنه يبعثه هذا الخوف علححى الخححذ بححالحزم‪،‬‬
‫وأن يعد العدة للقاء الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬فاليمان بالقدرأ له ثأمراتححه‬
‫العظيمة في العمل واليقين‪ ،‬وصلح قلوب العباد‪.‬‬
‫فالتقيححاء هححم الححذين آمانححوا بالقححدرأ‪ ،‬والمضححيعون هححم الححذين‬
‫ل درأجحات عنحد اللحه ‪-‬جحل وعل‪ -‬ماحن‬ ‫اعترضوا على القحدرأ‪ ،‬ولكح ّ‬
‫الفضححل والنعمححة‪ ،‬يعنححي‪ :‬ماححن المقربيححن والسححابقين‪ ،‬وأصحححاب‬
‫اليمين إلى آخره ‪ ،‬ولهل الشقاء درأكات في النححارأ‪ ،‬نعححوذ بححالله‬
‫مان الخذلن ‪.‬‬
‫نكتفححي بهححذا القححدرأ‪ ،‬وأول الحححاديث‪- ،‬يعنححي‪ -‬إلححى ثأمححاني أو‬
‫عشرة أححاديث‪ ،‬هحذه جواماحع تحتحاج إلحى طحول‪ ،‬ثأحم بعحد ذل ك‬
‫‪63‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫نمشي ‪-‬إن شاء الله‪ -‬لن ماا بعدها يكون قد سإبق فيما قبل أو‬
‫يكون الكلم عليه قليل ‪.‬‬
‫بارأك الله فيكم ‪ ،‬ونفعني ‪-‬وإياكم‪ ،-‬وثأبتنا ‪-‬وإياكم‪ -‬على الحق‬
‫والعلم والهدى ‪ ،‬وصلى الله وسإلم على نبينا ماحمد ‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمححد للححه حححق الحمححد وأوفححاه‪ ،‬وأشححهد أن ل إلححه إل اللححه‪،‬‬
‫وأشهد أن ماحمدا عبححده ورأسإححوله وماصححطفاه‪ ،‬صححلى اللححه عليححه‬
‫وعلى آله وصحبه وسإلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أماا بعد‪ ،‬فإن الهتمام بشرح الحاديث يثري طلب العلم في‬
‫ماادته‪ ،‬وفي فهمه للشريعة عاماححة‪ ،‬والحححاديث مانهححا ماححا يشححتمل‬
‫على أصول وقواعد‪ ،‬فهمها يريح طالب العلم في فهححم ماسححائل‬
‫كححثيرة إذا اشححتبهت عليححه رأدهححا إلححى هححذه الصححول الواضحححات‪،‬‬
‫فاتضح له علم ماا رأبما أشكل أو خفي في بعض المواضع‪.‬‬
‫فعلم الحديث وفهححم كلم العلمححاء علححى الحححاديث ينبغححي أن‬
‫يكون ماتسلسل بحسب أهمية تلك الحاديث‪ ،‬فكمححا ذكححرت لكححم‬
‫سإالفا أن هححذه الرأبعيححن النوويححة ماهمححة؛ لن فححي شححرحها بيححان‬
‫كثير مان الصول الشرعية‪ ،‬التي إذا اسإتوعبها طححالب العلححم َرأد ّ‬
‫إليها ماا أشكل عليه‪.‬‬
‫تجد ‪-‬ماثل‪ -‬أن العالم أو طالب العلححم إذا ورأدت عليححه ماسححألة‬
‫ماشححكلة‪ ،‬رأبمححا لححم يطلححع فيهححا علححى كلم لهححل العلححم‪ ،‬وهححي‬
‫ماشكلة‪ ،‬فيرد ذلك المشكل إلى ماا يعلمه مان الصول الشرعية‬
‫التي دلت عليها أدلة الكتاب أو أدلة السنة‪ ،‬فيتضح له الشكال؛‬
‫لن ماما يميز أهل العلم أنهم يردون المتشابه إلى المحكم‪.‬‬
‫فحإذا ضححبط طحالب العلحم المحكمححات ماحن الدلحة الواضححات‬
‫البينححات‪ ،‬وتب َّيححن لححه كلم أهححل العلححم الراسإححخين عليهححا‪ ،‬فححإنه‬
‫يستطيع ‪-‬بفضل الله ونعمتححه ورأحمتححه‪ -‬أن يححرد ماححا يشححكل فيمححا‬
‫يقرأ‪ ،‬أو فيما يسمع‪ ،‬أو رأبما فيما ُيورأد عليه مان سإؤال‪ ،‬أو في‬
‫كل إلى ماا اتضح له‬ ‫ماجلس مان حديث‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬يرد ماا أ َ ْ‬
‫ش َ‬
‫أو يتوقف فيه ‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫صححل وطححالب العلححم‬ ‫مؤ َ ّ‬ ‫وهذا هو الفرق ماا بين طالب العلم ال ُ‬
‫الححذي يقححرأ فقححط؛ فطححالب العلححم المؤصححل يكححون عنححده بنححاء‬
‫المحكمات شيئا فشيئا في العقيححدة والحححديث والفقححه‪ ،‬فل تجححد‬
‫أنه يضطرب عند إيراد المشكلت‪ ،‬أو أنححه يغيححر رأأيححه تححارأة هنححا‬
‫وتارأة هناك‪ ،‬كما قال الماام ماالك ‪-‬رأحمه الله‪" :-‬مان جعل دينححه‬
‫عرضة للخصوماات أكثر التنقل"‪ .‬لنه ل يكون عند كل أحححد ماححن‬
‫العلم بالشريعة وفهم أصولها وفروعها والمحكمات ماا يمكنه أن‬
‫م ماحن أدل ة هحذه‬ ‫ُ‬
‫كح َ‬
‫ح ِ‬‫يحرد الشحبه‪ ،‬أو يحرد الشحكالت إلحى ماحا أ ْ‬
‫الشريعة العظيمة‪.‬‬
‫م شححروح‬ ‫فهَحح َ‬
‫لهذا ل بد مان أن يؤخذ العلم شيئا فشيئا‪ ،‬وأن ت ُ ْ‬
‫أهل العلم علححى الحححاديث علححى ماححر اليححام والليححالي‪ ،‬فيتحصححل‬
‫طالب العلم على حصيلة علمية ماتينة يكون ماعها ‪-‬إن شاء الله‬
‫تعالى‪ -‬وضوح الشريعة‪ ،‬وفهم الدلة‪ ،‬وهكذا كان يسححير العلمححاء‪،‬‬
‫فيحرصون على فهم الولويات‪ ،‬فهم الشياء‪ ،‬أو الحححاديث الححتي‬
‫هي ماختصرة أو جواماع أو كليات‪ ،‬ثأححم ينتقلححون إلححى المطححولت‬
‫بحسب الحاجة ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الخامس‬
‫من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد‬

‫بسححم اللححه الرحمححن الرحيححم‪ ،‬الحمححد للححه رأب العححالمين‪ ،‬والصححلة‬


‫والسححلم علححى أشححرف النبيححاء والمرسإححلين‪ ،‬نبينححا ماحمححد وعلححى آلححه‬
‫وصحبه أجمعين‬
‫قال المصنف ‪-‬رأحمه الله تعالى‪ :-‬وعححن أم المححؤمانين أم عبححد اللححه‬
‫عائشة ‪-‬رأضي الله عنها‪ -‬قالت ‪ :‬قال رأسإول الله ‪  ‬مان أحدث في‬
‫أمارنا هذا ماا ليس مانه فهو رأد ‪ ‬رأواه البخارأي وماسلم‪.‬‬
‫وفي رأواية لمسلم ‪  :‬مان عمل عمل ليححس عليححه أمارنححا فهححو‬
‫رأد ‪‬‬

‫هذا الحديث حديث عظيم جدا‪ ،‬وع َظ ّ َ‬


‫مه العلمححاء‪ ،‬وقححالوا‪ :‬إنححه‬
‫أصل في رأد كل المحدثأات والبدع والوضاع المخالفة للشريعة‪.‬‬
‫فهححو أصححل فححي رأد البححدع فححي العبححادات‪ ،‬وفححي رأد العقححود‬
‫المحرماة‪ ،‬وفي رأد الوصاع المحدثأححة علححى خلف الشححريعة فححي‬
‫المعامالت‪ ،‬وفي عقود النكاح‪ ،‬وماا أشبه ذلك‪.‬‬
‫ولهذا جعل كثير مان أهل العلم هذا الحححديث ماستمسححكا فححي‬
‫رأد كل ماحدثأة‪ ،‬كل بدعححة ماححن البححدع الححتي أحححدثأت فححي الححدين‪،‬‬
‫ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يحرصا على هححذا الحححديث حرصححا‬
‫عظيما‪ ،‬وأن يحتج بححه فححي كححل ماححورأد يحتححاج إليححه فيححه فححي رأد‬
‫البدع والمحدثأات‪ ،‬في القوال والعمال والعتقادات؛ فإنه أصححل‬
‫في هذا كله‪.‬‬
‫قححال ‪-‬رأحمححه اللححه تعححالى‪" : -‬عححن أم المححؤمانين أم عبححد اللححه‬
‫عائشة ‪-‬رأضي الله عنها‪ -‬قالت ‪ :‬قال رأسإول الله ‪  ‬مان أحدث‬
‫في أمارنا هذا ماا ليس مانه فهو رأد ‪. ‬‬
‫‪‬‬ ‫وفي رأواية لمسلم ‪-‬وقد علقها البخارأي في الصحيح أيضححا‪:-‬‬
‫مان عمل عمل ليس عليه أمارنا فهو رأد ‪. ‬‬
‫‪66‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬مان أحححدث فححي أمارنححا هححذا ماححا‬
‫ليس مانه فهو رأد ‪. ‬‬
‫قال‪  :‬مان أحدث ‪ ‬ولفححظ "ماححن" هححذا للشححتراك‪ ،‬وجححوابه ‪‬‬
‫فهو رأد ‪ ‬والحدث في قوله‪  :‬أحدث ‪ ‬هححو كححل ماححا لححم يكححن‬
‫على وصف الشريعة‪ ،‬على وصف ماا جاء به المصححطفى ‪ ‬لهححذا‬
‫قال فيه‪  :‬مان أحدث في أمارنا ‪. ‬‬
‫والمار هنا هو الدين‪ ،‬كقوله ‪-‬جل وعل‪   : -‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫فمن أحدث في الدين ماا ليس مانه فهو ماردود عليححه‪ ،‬وقححوله‬
‫دث شيئا باعتبارأ الناس‪ ،‬ولكنححه‬ ‫ح ِ‬
‫هنا‪  :‬ماا ليس مانه ‪ ‬لنه قد ي ُ ْ‬
‫ن سإححنة ماححن الححدين‪،‬‬
‫سإحح ّ‬
‫سإنة ماهجورأة‪ ،‬هجرها النححاس‪ ،‬فهححو قححد َ‬
‫وذ َك ّححر بهححا النححاس‪ ،‬كمححا جححاء فححي الحححديث أنححه ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫ن في السإلم سإنة حسححنة فلححه أجرهححا‬ ‫سإ ّ‬
‫والسلم‪ -‬قال ‪  :‬ومان َ‬
‫وأجر مان عمل بها إلى يوم القياماة ‪. ‬‬
‫فححإذن قححوله أول ‪  :‬ما ن أحححدث ‪ ‬هححذا فيححه المحححدثأات فححي‬
‫الدين‪ ،‬ودل عليها قوله‪  :‬في أمارنا هذا ‪ ‬يعني‪ :‬في ديننا هححذا‪،‬‬
‫وماا عليه أمار النبي ‪ ‬وهو شريعته‪.‬‬
‫قال‪  :‬ما ا ليححس مانححه ‪ ‬وهححذه هححي الروايححة المشححتهرة فححي‬
‫الصحيحين وفي غّيرهمححا‪ ،‬ورأوي فححي بعححض كتححب الحححديث‪  :‬ما ا‬
‫ليس فيه فهو رأد ‪ ‬يعني‪ :‬ماا ليس في أمارنا‪ ،‬فهذا يححدل يعنححي‬
‫فححى‬ ‫هذه الرواية تدل على اشتراط العمل بذلك الشيء‪ ،‬ول ي ُك ْت َ َ‬
‫فيه بالكليات في الدللة ‪.‬‬
‫قال ‪  :‬فهو رأد ‪ ‬يعني‪ :‬فهو ماححردود عليححه كمححا قححال علمححاء‬
‫اللغة‪ :‬رأد هنا بمعنى ماردود‪ ،‬كسد بمعنححى ماسححدود‪ ،‬ففعححل تححأتي‬
‫بمعنى مافعول‪ ،‬يعني‪ :‬مان أتى بشيء ماحدث في الدين لم يكححن‬
‫عليه النبي ‪ ‬فهححو ماححردود عليححه كائنححا ماححن كححان‪ ،‬وهححذا فسححرته‬
‫الرواية الخرى ‪  :‬مان عمل عمل ليس عليه أمارنا فهو رأد ‪. ‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة النورأ آية ‪.63 :‬‬

‫‪67‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فأرأجعه إلححى العمححال‪ ،‬والعمححل هنححا المححراد بححه الححدين أيضححا‪،‬‬


‫يعنححي‪ :‬ماححن عمل عمل يتححدين بححه ماححن القححوال أو العمححال أو‬
‫العتقادات ليس عليه أمارنا فهو رأد‪ ،‬يعني‪ :‬ماردودا عليه‪.‬‬
‫وهذا فيه إبطال كل المحدثأات‪ ،‬وإبطال كل البدع‪ ،‬وذم ذلحك‪،‬‬
‫وأنها ماردودة على أصحابها‪ ،‬وهذا الحديث ‪-‬كما ذكرت لك‪ -‬أص ٌ‬
‫ل‬
‫في رأد البدع في الدين‪ ،‬والعمال التي في الححدين ‪-‬يعنححي أماححورأ‬
‫الدين‪ -‬مانقسمة إلى عبادات وإلححى ماعححامالت‪ ،‬والمحححدثأات تكححون‬
‫في العبادات وتكون في المعامالت‪.‬‬
‫ل على إبطحال المححدثأات وإبطحال البححدع؛ لن‬ ‫فهذا الحديث د َ ّ‬
‫كل ماحدثأة بدعة‪ ،‬يعني‪ :‬كل ماحدثأححة فححي الححدين بدعححة‪ ،‬والعلمححاء‬
‫والعلماء تكلموا كثيًرا عن البدع والمحدثأات‪ ،‬وجعلوا هذا الحديث‬
‫دليل على رأد المحدثأات والبدع‪.‬‬
‫فالبححدع ماذماوماححة فححي الححدين‪ ،‬وهححي شححر ماححن كبححائر الححذنوب‬
‫العملية؛ لن صاحبها يستحسنها‪ ،‬ويستقيم عليها تقربححا إلححى اللحه‬
‫‪-‬جل وعل‪.‬‬
‫إذا تححبين هححذا الشححرح العححام للحححديث‪ ،‬فمححا المححراد بالبححدع‬
‫والمحدثأات ؟‬
‫هذه ماما اختلححف العلمححاء فححي تفسححيرها‪ ،‬والمحححدثأات والبححدع‬
‫مانقسمة إلى‪ :‬ماحدثأات وبححدع لغويححة‪ ،‬وإلححى ماحححدثأات وبححدع فححي‬
‫الشرع‪.‬‬
‫ث‪ ،‬سإححواء أكححان‬
‫حححد ِ َ‬ ‫ُ‬
‫أماا المحدث في اللغة‪ :‬فهو كل ماا كححان أ ْ‬
‫في الدين‪ ،‬أو لم يكن في الدين‪ ،‬وإذا لم يكن في الححدين فححإن‬
‫هذا ماعناه أنه ل يدخل في هذا الحديث ‪ ،‬وكذلك البدع‪.‬‬
‫ولهذا قسم بعض أهل العلم المحدثأات إلى قسمين‪ :‬ماححدثأات‬
‫ليست في الححدين‪ ،‬وهححذه ل ُتح َ‬
‫ذم‪ ،‬وماحححدثأات فححي الحدين‪ ،‬وهحذه‬
‫تذم‪.‬‬
‫ماثل المحدثأات التي ليست ماححن الححدين‪ :‬ماثححل ماححا حصححل ماححن‬
‫تغير في طرقات المدينة‪ ،‬وتوسإعة عمر الطرقححات‪ ،‬أو تجصححيص‬

‫‪68‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫البيوت‪ ،‬أو اسإتخدام أنواع مان البسط فيها‪ ،‬واتخاذ القصورأ فححي‬
‫المزارأع‪ ،‬وماا أشبه ذلك ماما كان في زمان الصحابة وماححا بعححده‪،‬‬
‫أو اتخاذ الدواوين‪ ،‬أو ماححا أشححبه ذلححك‪ ،‬فهححذه أحححدثأت فححي حيححاة‬
‫الناس فهي ماحدثأححة‪ ،‬ولكنهححا ليسححت بمذماوماححة؛ لنهححا لححم تتعلححق‬
‫بالدين‪.‬‬
‫كححذلك البححدع‪ ،‬مانهححا بححدع فححي اللغححة يصححح أن تسححمى بدعححة‪،‬‬
‫باعتبارأ أنها ليس لها ماثال سإححابق عليهححا فححي حححال ماححن وصححفها‬
‫بالبدعة‪ ،‬وبححدع فحي الححدين‪ ،‬وهححذه البححدع الحتي فححي الحدين كحان‬
‫ُ‬
‫حد ِثأ َ ْ‬
‫ت‪.‬‬ ‫الحال على خلفها‪ ،‬ثأم أ ْ‬
‫ماثاله‪ :‬قول عمر ‪ ‬لما جمع الناس علححى إماححام واحححد‪ ،‬وكححانوا‬
‫يصلون أشتاتا في رأماضان‪ ،‬جمعهم في التراويح على إماام واحد‬
‫قال‪  :‬نعمت البدعة هذه ‪. ‬‬
‫فسماها بدعة باعتبارأ اللغة؛ لنها في عهده بدعححة‪ ،‬يعنححي‪ :‬لححم‬
‫يكن لها ماثال سإححابق فححي عهححد عمححر‪ ،‬فتعلقححت باللغححة أول‪ ،‬ثأححم‬
‫بالمتكلم ثأانيا ‪.‬‬
‫إذا تبين هذا فالمقصود بهحذا الححديث المححدثأات والبحدع فحي‬
‫ل الحححديث علححى رأدهححا‪ ،‬ودل علححى‬ ‫الدين‪ ،‬والبدعة فححي الححدين د َ ّ‬
‫‪‬‬ ‫ذلك آيات كثيرة وأحاديث كثيرة‪ ،‬كمححا قححال ‪-‬جححل وعل‪ : -‬‬
‫‪.             ‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ت بححه‬
‫فسماهم شركاء؛ لنهم شرعوا مان الححدين شححيئا لححم يححأ ِ‬
‫ماحمد ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬لم يأذن الله به شرعا‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫وقد قال ‪-‬جل وعل‪: -‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪       ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫وقححال ‪-‬جححل وعل‪: -‬‬
‫‪. (3)  ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الشورأى آية ‪.21 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة المائدة آية ‪.3 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة آل عمران آية ‪.31 :‬‬

‫‪69‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫واليات في هذا المعنى كثيرة‪ ،‬ويصححلح أن يكححون مانهححا قححوله‬


‫‪‬‬ ‫‪-‬جل وعل‪       : -‬‬
‫‪. (4)   ‬‬
‫وقد جاء ‪-‬أيضا‪ -‬في الحاديث ذم البدع والمحدثأات‪ ،‬كمححا كححان‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬يقول في الجمعححة وفححي غّيرهححا ‪  :‬أل إن‬
‫كل ماحدثأة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة‪ ،‬وكل ضللة في النارأ ‪. ‬‬
‫وقد جاء ‪-‬أيضا‪ -‬في السنن مان حديث العرباض بححن سإححارأية ‪‬‬
‫ت‬‫جل َ ْ‬
‫أنه قال ‪  :‬وعظنا رأسإول الله ‪ ‬ذات يوم ماوعظة بليغة‪ ،‬وَ ِ‬
‫مانها القلوب‪ ،‬وذرأفت مانها العيون‪ ،‬فقلنا‪ :‬يححا رأسإححول اللححه‪ ،‬كأنهححا‬
‫ماوعظة ماودع ‪  ...‬الحديث‪.‬‬
‫ش مانكححم‬
‫وفيه قححال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  : -‬إن ه ماححن ي َعِحح ْ‬
‫فسيرى اختلفا كثيرا‪ ،‬فعليكم بسححنتي وسإححنة الخلفححاء الراشححدين‬
‫المهديين مان بعدي‪ ،‬تمسكوا بها‪ ،‬وعضوا عليهححا بالنواجححذ ؛ فححإن‬
‫كل ماحدثأة بدعة ‪. ‬‬
‫والعلماء ‪-‬علمححاء السححلف‪ -‬أجمعححوا علححى إبطححال البححدع‪ ،‬فكححل‬
‫معَ على إبطالها إذا صارأت بدعة في الححدين‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ج ِ‬
‫بدعة في الدين أ ْ‬
‫دخل العلماء في تعريف البدعة‪ ،‬ماا هي التي يحكم عليهححا بأنهححا‬
‫َرأد ّ ؟ لن هذا الحديث دل على أن كل ماحدثأة رأد ‪ ‬مان أحححدث‬
‫في أمارنا ماا ليس مانه فهو رأد ‪. ‬‬

‫فالبدعة في الدين ع ُّرفَ ْ‬


‫ت بعدة تعريفات‪ ،‬يهمنا مانها تعريفححان‬
‫لضيق المقام ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬التعريف المشهورأ الذي ذكره الشاطبي في العتصام‪،‬‬
‫وهححذا التعريححف جيححد؛ لنححه جعححل البدعححة طريقححة مالتزماححة‪ ،‬وأن‬
‫المقصود مان السلوك عليها ماضاهاة الطريقة الشححرعية‪ ،‬وشححرح‬
‫التعريف والكلم عليه يطول‪ ،‬فتراجعونه في ماكانه‪.‬‬
‫لكن يهمنا من التعريف هذا شيئين‪:‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة الحشر آية ‪.7 :‬‬

‫‪70‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الول ‪ :‬أن البدعة مالتزم بها؛ لنه قححال طريححق فححي الححدين‪،‬‬
‫والطريقة هي الملتزم بها‪ ،‬يعني‪ :‬أصبحت طريقححة يطرقهححا الول‬
‫زم به مان‬ ‫والثاني والثالث‪ ،‬أو تتكررأ‪ ،‬فهذه الطريقة يعني ماا الت ُ ِ‬
‫هذا المار ‪.‬‬
‫خت ََرعة‪ ،‬يعني‪ :‬أنها لم تكححن علححى عهححد النححبي‬
‫ما ْ‬
‫والثاني‪ :‬أنها ُ‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسإلم‪.‬‬
‫هى الطريقححة الشححرعية ماححن‬ ‫ضححا َ‬
‫والثالث‪ :‬أن هذه الطريقححة ت ُ َ‬
‫حيث إن الطريقة الشححرعية لهحا وصححف ولهححا أثأححر‪ ،‬أماححا الوصححف‬
‫فمن جهة الزماان والمكان والعدد‪ ،‬وأماا الثأحر فهحو طلحب الجحر‬
‫مان الله ‪-‬جل وعل‪.‬‬
‫فتحصل لنا أن خلصححة ماححا يتصححل بتعريححف الشححاطبي للبدعححة‬
‫يتعلق بثلثأة أشياء‪:‬‬
‫أن البدعة ي ُل ْت ََزم بها ‪ ،‬الثححاني‪ :‬أنهححا ماخترعححة‪ ،‬لححم يكححن عليهححا‬
‫عمل سإابق‪ ،‬وهذه توافق الرواية الثانية ‪  :‬مان عمل عمل ليس‬
‫هى بهححا الطريقححة‬ ‫ضححا َ‬
‫عليححه أمارنححا فهححو رأد ‪ ‬والثححالث ‪ :‬أنححه ت ُ َ‬
‫الشرعية‪ ،‬ماححن حيححث الزماححان والمكححان والوصححف والثأححر‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫العدد الذي هو الوصف ماع الزماان والمكحان‪ ،‬والثأحر وهحو طلحب‬
‫الجر مان الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بذلك العمل ‪.‬‬
‫وعّرَفه غّيره بتعريف أوضح‪ ،‬وهو تعريف السمني‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫قى عن رأسإول اللححه‬ ‫مت َل َ ّ‬ ‫ُ‬
‫ث على خلف الحق ال ُ‬ ‫حد ِ َ‬
‫إن البدعة ماا أ ْ‬
‫ل ذلك دينححا قويمححا وصححراطا‬ ‫جع ِ َ‬
‫‪ ‬مان قول أو عمل أو اعتقاد‪ ،‬و ُ‬
‫ماستقيما‪.‬‬
‫وهححذا التعريححف ‪-‬أيضححا‪ -‬صحححيح‪ ،‬ويتضححح لنححا مانححه أن البدعححة‬
‫أحدثأت على خلف الحق‪ ،‬فهي باطل‪ ،‬وأنها تكون فححي القححوال‪،‬‬
‫م بها؛ لنححه قححال فححي‬ ‫مال ْت ََز ٌ‬
‫وفي العمال‪ ،‬وفي العتقادات‪ ،‬وأنها ُ‬
‫آخره‪ :‬جعل ذلك دينا قويما وصراطا ماستقيما‪.‬‬
‫إذا تقررأ ذلك فمن المهمححات فححي ماعرفححة البدعححة أن البدعححة‬
‫تكون في القول والعمححال والعتقححادات‪ ،‬إذا كححان القححول علححى‬
‫ل للقول طريقة مان حيث الزماان‬ ‫جع ِ َ‬
‫غّير وصف الشريعة‪ ،‬يعني‪ُ :‬‬
‫‪71‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والمكان‪ ،‬أو مان حيث العدد‪ ،‬ت ُعُب ّد َ بقول ليس وصححف الشححريعة‪،‬‬
‫ب‬‫ل له وصف مان حيث الزماان أو المكححان أو العححدد‪ ،‬وط ُل ِحح َ‬ ‫جع ِ َ‬
‫و ُ‬
‫به الجر مان الله ‪-‬جل وعل‪.‬‬
‫ث أعمححال يتقححرب بهححا إلححى اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬ ‫حد ِ ُ‬
‫أو العمال‪ ،‬ي ُ ْ‬
‫هى بهححا الصححفة الشححرعية علححى نحححو ماححا‬ ‫ضححا َ‬
‫ويجعل لهححا صححفة ت ُ َ‬
‫قى عن رأسإول‬ ‫مت َل َ ّ‬
‫ذكرنا‪ ،‬أو يعتقد اعتقادات على خلف الحق ال ُ‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسإلم‪.‬‬
‫فهذه كلهححا ماححن أحححدثأها ‪-‬بمعنححى‪ :‬ماححن أنشححأها‪ -‬فهححي ماححردودة‬
‫عليه‪ ،‬ومان تبعه على ذلك فهو ‪-‬أيضا‪ -‬عملححه ماححردود عليححه‪ ،‬ولححو‬
‫كان تابعا؛ لن التابع ‪-‬أيضا‪ -‬ماحححدث بالنسححبة لهححل زماححانه‪ ،‬وذاك‬
‫ماحدث بالنسبة لهل زماانه‪ ،‬فكل مان عمل ببدعححة فهححو ماحححدث‬
‫لها‪.‬‬
‫مال ْت َححَز ٌ‬
‫م بهححا‪ ،‬فححي‬ ‫لهححذا يتقححررأ ماححن هححذا التأصححيل أن البدعححة ُ‬
‫القوال أو العمال أو العتقادات‪ ،‬فل يقال إنه ماححن أخطححأ ماحرة‬
‫في اعتقاد ولم يلتزم به أنه مابتدع‪ ،‬ول يدخل فيمححن فعححل فعل‬
‫على خلف السنة إنه مابتدع‪ ،‬إذا فعله ماححرة‪ ،‬أو مارتيححن أو نحححو‬
‫ذلك‪ ،‬ولم يلتزماه‪.‬‬
‫فوصف اللتزام ضابط ماهم كما ذكر شيخ السإلم ابن تيميححة‬
‫في بعض كلماه أن ضابط اللتزام ماهم في الفرق بيححن البدعححة‬
‫وماخالفة السنة‪ ،‬فنقول‪ :‬خالف السنة فححي عملححه‪ ،‬ول نقححول إنححه‬
‫مابتدع‪ ،‬إل إذا إلتزم ماخالفة السنة‪ ،‬وجعل ذلك دينا يلتزماه‪.‬‬
‫فإذن مان أخطأ في عمل مان العمال في العبادات‪ ،‬وخححالف‬
‫السنة فيه‪ ،‬فإنه ‪-‬إن كان يتقرب به إلححى اللححه‪ -‬فنقححول لححه‪ :‬هححذا‬
‫الفعل مانك ماخالف للسنة‪.‬‬
‫فإن التزماه بعد البيان‪ ،‬أو كان مالتزماححا لححه‪ ،‬دائمححا يفعححل هححذا‬
‫الشيء‪ ،‬فهذا يدخل في حيز البدع‪ ،‬وهذا ضابط ماهم في الفرق‬
‫بين البدعة وماخالفة السنة ‪.‬‬
‫مامحححا يتصحححل ‪-‬أيضحححا‪ -‬بهحححذا الححححديث‪ ،‬والكلم علحححى البحححدع‬
‫والمحدثأات يطول‪ ،‬لكن ننبه علححى أصحول فيهحا‪ ،‬مامحا يتصحل بحه‬
‫‪72‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫دث‪ ،‬أن هنححاك ماحححدثأات لححم يجعلهححا‬ ‫ح َ‬


‫ما ْ‬
‫دث و ُ‬ ‫ح َ‬
‫ما ْ‬
‫مان الفرق بين ُ‬
‫الصحابة ‪-‬رأضوان الله عليهم‪ -‬ماحن البححدع؛ بححل أقروهححا‪ ،‬وجعلوهححا‬
‫ل بها‪ ،‬وهذه هي الححتي سإححماها العلمححاء ‪-‬فيمححا بعححد‪-‬‬ ‫م َ‬
‫سإائغة‪ ،‬وع ُ ِ‬
‫المصالح المرسإلة‪ ،‬والمصالح المرسإلة للعلماء فيها وجهححان ماححن‬
‫حيث التفسير‪ ،‬وماعنى المصالح المرسإلة أن هححذا العمححل أرأسإححل‬
‫الشارأع حكمه باعتبارأ المصححلحة‪ ،‬فححإذا رأأى أهححل العلححم أن فيححه‬
‫ماصلحة فإن لهم أن يححأذنوا بححه لجححل أن الشححارأع ماححا ع َل ّححق بححه‬
‫حكما‪ ،‬وهذا يأتي بيان صفاته ‪.‬‬
‫قال العلماء ‪ :‬المصححالح المرسإححلة تكححون فححي أماححورأ الححدنيا‪ ،‬ل‬
‫قححقُ‬
‫ح ّ‬
‫أماورأ العبادات‪ ،‬وفي أماورأ الدنيا‪ ،‬في الوسإائل مانها الححتي ي ُ َ‬
‫بها أحد الضححرورأيات الخمححس‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن الشححريعة قححامات علححى‬
‫حفظ ضرورأيات خمس ماعلوماة لديكم‪ :‬الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والمححال‪،‬‬
‫والنسل‪ ،‬والعقل‪.‬‬
‫هذه الخمس وسإححائل حفظهححا ‪-‬هححذه ماححن المصححالح المرسإححلة‪-‬‬
‫ث فيهححا ماححا‬
‫حححد ِ َ‬
‫وسإائل حفححظ الححدين ماصححلحة مارسإححلة‪ ،‬لححك أن ت ُ ْ‬
‫يحفظ دين الناس‪ ،‬ماثل تأليف الكتب ‪ ،‬تححأليف الكتححب لححم يكححن‬
‫ث تححأليف الكتححب‪ ،‬تححأليف الححردود‪ ،‬جمححع‬ ‫ُ‬
‫حححد ِ َ‬
‫على عهد النبي ‪ ‬فأ ْ‬
‫الحديث ماا كان‪ ،‬نهى النبي ‪ ‬أن ي ُك َْتب حححديثه‪ ،‬ونهححى عمححر أن‬
‫ي ُك َْتب حديث النبي ‪ ‬ثأم ك ُِتب‪.‬‬
‫ضي لها في هذا الححوقت قائمححا‪ ،‬ثأححم‬
‫قت َ ِ‬
‫م ْ‬
‫هذا وسإيلة لم يكن ال ُ‬
‫قام المقتضي لها‪ ،‬فصارأت وسإيلة لحفظ الدين‪ ،‬صارأت ماصححلحة‬
‫مارسإلة‪ ،‬وليست بدعة‪.‬‬
‫فّرق ماححا بيححن البدعححة‪،‬‬
‫فإذن مان المهمات في هذا الباب أن ت ُ َ‬
‫وماا بين المصححلحة المرسإحلة؛ فالبدعححة فححي الححدين‪ ،‬ماتجهححة إلححى‬
‫الغاية‪ ،‬وأماا المصلحة المرسإلة فهي ماتجهة إلى وسإححائل تحقيححق‬
‫الغايات‪ ،‬هذا واحد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن البدعة قام المقتضي لفعلها في زمان المصطفى ‪‬‬
‫سإَلة لححم يقحح ْ‬
‫م المقتضححي لفعلهححا فححي‬ ‫مْر َ‬
‫فَعل‪ ،‬والمصلحة ال ُ‬
‫ولم ت ُ ْ‬
‫زمان النبي ‪-‬صلى الله عليه وسإلم‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫مححعَ‬
‫ج ِ‬
‫مححعُ القححرآن ُ‬
‫ج ْ‬
‫فإذن إذا نظرنا ‪-‬ماثل‪ -‬إلى جمححع القححرآن‪َ ،‬‬
‫بعححد النححبي ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ ،-‬فححي عهححده ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫مع‪ ،‬فهل نقول جمع القرآن بدعة؟‬ ‫ج َ‬
‫والسلم‪ -‬لم ي ُ ْ‬
‫العلماء أجمعوا ‪-‬مان الصحابة وماححن بعححدهم‪ -‬أن جمححع القححرآن‬
‫مان الواجبات العظيمة التي يجب أن تقوم بهححا الماححة‪ ،‬هنححا فححي‬
‫عهد النبي ‪ ‬ماا قام المقتضححي للفعححل؛ لن الححوحي يتنححزل‪ ،‬فلححو‬
‫خ القرآن كامال لكان هنححاك إدخححال لليححات فححي الهححواماش أو‬‫س َ‬
‫نُ ِ‬
‫بين السطورأ‪ ،‬وهذا عرضة لشياء غّير ماحمودة‪.‬‬
‫فكان مان حكمة الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أنه ماا أمار نبيه بجمع القرآن‬
‫في كتاب واحد في حياته ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬؛ وإنمححا لمححا‬
‫انتهى الوحي بوفاة المصطفى ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬جمعه أبححو‬
‫معَ بعد ذلك ‪.‬‬
‫ج ِ‬
‫بكر‪ ،‬ثأم ُ‬
‫وفي أشياء شتى ماححن إنشححاء دواويححن الجنححد‪ ،‬وماححن اسإححتخدام‬
‫اللت‪ ،‬وماححن تحححديث العلححوم‪ ،‬وماححن الهتمححام بعلححوم ماختلفححة‪،‬‬
‫وأشباه ذلك مان فتححح الطرقححات‪ ،‬وتكححوين البلححديات والححوزارأات‪،‬‬
‫وأشباه هذا في عهد عمر ‪ ‬وفي عهد أماراء المؤمانين فيما بعد‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫حد َثأ َححة‪ ،‬ولكححن‬
‫ما ْ‬
‫إذن فالحاصل مان هذا أن المصلحة المرسإححلة ُ‬
‫ل ينطبق عليها هذا الحديث‪  :‬مان أحدث في أمارنا هذا ماا ليس‬
‫مانه فهو رأد ‪ ‬لن هذه ليست في المار؛ وإنما هي في وسإيلة‬
‫تحديث المار‪ ،‬فخرجت عن شمول هذا الحديث مان هذه الجهة‪.‬‬
‫ومان جهة ثأانية أنها إحداث ليس فححي الححدين؛ وإنمححا هححو فححي‬
‫الدنيا لمصلحة شرعية تعلقت بهذا العمل‪.‬‬

‫جعِل َحح ْ‬
‫ت ماطلوبححة ماححن بححاب‬ ‫ماها العلمححاء ماصححالح مارسإححلة‪ ،‬و ُ‬
‫سإ ّ‬
‫تحقيق الوسإائل؛ لن الوسإائل لها أحكححام الغايححات‪ ،‬فهححي واجبححة‬
‫ول بد مان عملها؛ لن لها حكم الغايات‪.‬‬
‫العبادات قسم مان الشريعة‪ ،‬والمعامالت قسم مان الشححريعة‪،‬‬
‫فالعبادات إحداث أمار في عبادة على خلف سإححنة المصححطفى ‪‬‬
‫ماحدث وبدعة في الدين‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وكذلك في المعامالت‪ ،‬إحححداث أوضححاع فححي المعححامالت علححى‬


‫ث فححي‬‫حححد َ ٌ‬
‫ما ْ‬
‫خلف ماا أمار به النححبي ‪ ‬فهححو أيضححا ماححردود؛ لنححه ُ‬
‫الدين‪.‬‬
‫ل ‪-‬ماثل‪ -‬عقد الربا مان كونه عقححدا ماحرماححا إلححى‬‫حو ّ َ‬
‫ماثاله‪ :‬أن ي ُ َ‬
‫حّرماححه‬
‫عقد جائز‪ ،‬فهذا تبححديل للحكححم‪ ،‬أو إحححداث لتحليححل عقححد َ‬
‫ل عليهححا‬‫الشارأع‪ ،‬أو يبطل شرطا مان الشروط الشرعية الححتي د َ ّ‬
‫ث أيضا‪ ،‬فيعود عليه بالرد‪.‬‬‫حد َ ٌ‬
‫ما ْ‬
‫الدليل‪ ،‬فإبطاله لهذا الشرط ُ‬
‫صححن‪ ،‬أو‬
‫ح َ‬
‫م ْ‬ ‫حو ّ َ‬
‫ل ‪-‬ماثل‪ -‬عقوبة الزنا مان كونها رأجمححا لل ُ‬ ‫أو أن ي ُ َ‬
‫الجلد والتغريب لغير المحصن‪ ،‬إلى عقوبة ماالية‪ ،‬فهذا رأد علححى‬
‫صاحبه‪ ،‬ولو كانت في المعحامالت؛ لنهححا إححداث فححي الحدين ماحا‬
‫ليس مانه‪ ،‬وهذا يختلف عن القاعححدة المعروفححة أن‪ :‬الصححل فححي‬
‫العبححادات التوقيححف‪ ،‬والصححل فححي المعححامالت الباحححة وعححدم‬
‫التوقيف‪.‬‬
‫هذا ‪-‬يعني‪ -‬فيما يكون في ماعامالت الناس‪ ،‬أماا إذا كان هناك‬
‫شححرط شححرعي أو عقححد‪ ،‬شححرط شححرعه الشححارأع‪ ،‬وأماححر بححه‬
‫واشترطه‪ ،‬أو عقد أبطله الشارأع‪ ،‬فل يدخل فيححه جححواز التغييححر؛‬
‫وإنما جواز التغيير‪ ،‬أو التجديد في المعامالت‪ ،‬وأنها مابنيححة علححى‬
‫الباحة والسعة‪ ،‬هححذا فيمححا لححم يححدل الححدليل علححى شححرطيته‪ ،‬أو‬
‫على عقده‪ ،‬أو على إبطال ذلك العقد‪ ،‬وماا شابه ذلك‪.‬‬
‫وعلى هححذا قححال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬فححي حححديث بريححرة‬
‫المشهورأ ‪  :‬كل شرط ليححس فححي كتححاب اللححه فهححو باطححل‪ ،‬وإن‬
‫كان ماائة شرط ‪. ‬‬
‫فهذا الحديث يأتي في جميع أبواب الدين‪ ،‬يأتي في الطهارأة‪،‬‬
‫وفححي الصححلة‪ ،‬وفححي الزكححاة‪ ،‬والصححيام‪ ،‬والحححج‪ ،‬وفححي الححبيوع‬
‫والشركات‪ ،‬والقححرض‪ ،‬والصححرف‪ ،‬والجححارأة إلححى آخححره ‪ ،‬النكححاح‬
‫والطلق‪ ،‬وجميع أبواب الشريعة‪ ،‬كما هو ماعروف فححي ماواضححعه‬
‫مان تفصيل الكلم عليه‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث السادس‬
‫إن الحلل بين وإن الحرام بين‬
‫وعن أبي عبد الله النعمان بن البشير ‪ ‬قال‪ :‬سإمعت رأسإول الله‬
‫‪ ‬يقححول ‪  :‬إن الحلل ب َّيححن وإن الحححرام ب َّيححن‪ ،‬وبينهمححا أماححورأ‬
‫ماشتبهات‪ ،‬ل يعلمهن كثير مان الناس‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقححد‬
‫اسإتبرأ لدينه وعرضه‪ ،‬ومان وقع في الشبهات وقع في الحححرام‪،‬‬
‫كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتححع فيححه‪ ،‬أل وإن لكححل‬
‫مالححك حمححى‪ ،‬أل وإن حمححى اللححه ماحححارأماه‪ ،‬أل وإن فححي الجسححد‬
‫ماضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسححدت فسححد الجسححد‬
‫كله‪ ،‬أل وهي القلب ‪ ‬رأواه البخارأي وماسلم‪.‬‬
‫ده العلمححاء ثألححث‬
‫هذا الحديث ‪-‬حديث النعمان بححن بشححير ‪ ‬ع َحح ّ‬
‫الدين أو رأبع الدين ؛ فححإن الماححام أحمححد قححال‪ :‬أحححاديث السإححلم‬
‫تدورأ على ثألثأة أحاديث‪ :‬حححديث عمححر‪  :‬إنم ا العمححال بالنيححات ‪‬‬
‫وحديث عائشة السابق‪  :‬مان أحدث في أمارنا هذا ماا ليس مانه‬
‫فهو رأد ‪ ‬وحديث النعمان بن بشير‪.‬‬
‫وذلك أن حديث النعمان د َ ّ‬
‫ل علححى أن الشححياء مانقسححمة إلححى‬
‫حلل ب َّين‪ ،‬وإلى حرام ب َّين ‪ ،‬وإلى ماشتبه‪.‬‬
‫فالحلل الب َّين والحححرام الب َي ّححن واضححح الحكححم‪ ،‬والمشححتبه جححاء‬
‫حكمه في هذا الحديث‪ ،‬والحلل يحتاج إلححى نيححة‪ ،‬وإلححى ماتابعححة‪،‬‬
‫وعححدم إحححداث فيححه ماححن أماححورأ العبححادات والمعححامالت ‪ ،‬وكححذلك‬
‫الحرام يحتاج إلى نية في تركه حتى يؤجر عليه‪ ،‬إلى آخر ذلححك‬
‫‪.‬‬
‫فصارأ هذا الحديث ثألث السإلم‪.‬‬
‫وأبو داود صاحب السححنن جعححل الحححاديث أرأبعححة‪ ،‬وزاد عليهححا‬
‫حديث‪  :‬الدين النصيحة ‪ ‬الحديث الححذي سإححيأتي بعححد هححذا ‪-‬إن‬
‫شاء الله تعالى‪.‬‬
‫هذا يدل على أن هذا الحديث ماوضعه عظيححم فححي الشححريعة؛‬
‫فهو ثألث الدين لمن فهمححه‪ ،‬ففيححه أن الحكححام ثألثأححة‪ :‬حلل ب َي ّححن‬
‫‪76‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫واضح ل اشتباه فيه‪ ،‬وحرام ب َي ّححن واضححح ل اشححتباه فيححه‪ ،‬وثأححالث‬


‫ماشتبه ل يعلمه كثير مان الناس‪ ،‬ولكن يعلمه بعضهم‪.‬‬
‫فالحلل الب َّين الواضح مان أتاه فهذا علححى بينححة‪ ،‬بيححن للنححاس‪،‬‬
‫والحرام البين الواضح أيضححا ب َي ّححن للنححاس‪ ،‬ل اشححتباه فيححه‪ ،‬فمححن‬
‫انتهى عنه فهو ماأجورأ‪ ،‬ومان وقع فيه فهو ماأزورأ‪.‬‬
‫وهنححاك ماححا هححو ماشححتبه‪ ،‬وماححن أجححل هححذا المشححتبه جححاء هححذا‬
‫الحديث مان الرءوف الرحيم ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪ ،-‬فقححال ‪ :‬‬
‫ن‪ ،‬وبينهما أماورأ ماشتبهات ‪. ‬‬ ‫ن‪ ،‬والحرام ب َي ّ ٌ‬
‫الحلل ب َي ّ ٌ‬
‫الحلل الححبين ماثححاله أنححواع المححأكولت المباحححة‪ ،‬تأكححل اللحححم‬
‫والخححبز‪ ،‬وتشححرب المححاء إلححى آخححره ‪ ،‬أنححواع العلقححات الماليححة‬
‫المباحة‪ ،‬البيع الواضح‪ ،‬الصرف الواضح إلى آخره‪ ،‬أنواع الجارأة‬
‫الواضحححة ‪ ،‬الححزواج الواضححح‪ ،‬وأشححباه ذلححك مامححا اكتملححت فيححه‬
‫الشححروط ول شححبهة فيححه‪ ،‬فهححذا بيححن يعلمححه النححاس‪ ،‬وأيضححا هححو‬
‫درأجات‪.‬‬
‫والحرام بين ‪-‬أيضا‪ -‬واضح ماثل حرماة الخمر‪ ،‬وحرماة السرقة‪،‬‬
‫وحرماة الزنا‪ ،‬وحرماة قذف الغافلت المؤمانات‪ ،‬وحرماة الرشوة‪،‬‬
‫وأشباه ذلك ماما الكلم فيها واضح ل اشتباه فيه ‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬قال‪  :‬وبينهما أماححورأ ماشححتبهات ‪ ‬قححال ‪-‬عليححه‬
‫الصححلة والسححلم‪" :-‬وبينهمححا" فجعححل هححذا القسححم بيححن الحلل‬
‫والحرام؛ وذلك لنه يجتحذبه الحلل تحارأة‪ ،‬ويجتحذبه الححرام تححارأة‬
‫عند مان اشتبه عليه‪ ،‬فالذي اشتبه عليه هذا الماححر يكححون عنححده‬
‫بين الحلل والحححرام‪ ،‬ل يححدرأي هححل هححو ححرام أو هححو حلل‪ ،‬إن‬
‫نظر فيه مان جهة قال هو حلل‪ ،‬وإن نظر فيه مان جهححة جعلححه‬
‫حراماا‪ ،‬وهذا عند كثير مان النححاس‪ ،‬وأماححا الراسإححخون فححي العلححم‬
‫فيعلمونه‪ ،‬يعلمون حكمه‪ ،‬هل هو حلل أو حرام؟‪.‬‬
‫فقححال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬وبينهم ا أماححورأ ماشححتبهات ل‬
‫يعلمهن كثير مان الناس ‪ ‬فدل قوله‪  :‬ل يعلمهن كثير ‪ ‬على‬
‫أن هناك كثيرا مان الناس يعلمون الحكم‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫هححذه المشححتبهات اختلححف العلمححاء فححي تفسححيرها‪ ،‬ماححا هححي‬


‫ت فيهححا ماصححنفات‪،‬‬‫ف ْ‬
‫صححن ّ َ‬
‫المشححبهات؟ فححي أقححوال كححثيرة جححدا‪ ،‬و ُ‬
‫وشححروح هححذا الحححديث فححي الكتححب المطولححة طويححل أيضححا فححي‬
‫تفسير المشتبهات‪ ،‬ووضوحها ينبنححي علححى فهححم ماعنححى المشححتبه‬
‫في اللغة وفي القرآن أيضا‪.‬‬
‫أماا في اللغححة‪ ،‬فاشححتبه الشححيء‪ :‬بمعنححى اختلححط‪ ،‬يعنححي‪ :‬صححارأ‬
‫يتنححازعه أشححياء ماتعححددة جعلتححه ماختلطححا علححى النححاظر أو علححى‬
‫الساماع‪ ،‬اشتبهت الشياء عند عينححه‪ ،‬بمعنححى اختلطححت‪ ،‬ماححا يميححز‬
‫هذا مان هذا‪ ،‬اشتبهت الصوات عليه‪ ،‬يعني‪ :‬تداخلت‪ ،‬فلححم يميححز‬
‫هذا مان هذا‪.‬‬
‫فالمشتبهات فححي اللغححة ل يتضححح مانهححا الماححر عنححد كححثير ماححن‬
‫الناس لضعف قوته‪ ،‬كما أن الناظر ‪-‬لضعف بصره‪ -‬اشتبه عليححه‪،‬‬
‫والساماع ‪-‬لضححعف سإححمعه‪ -‬اشححتبه عليححه‪ ،‬فكححذلك المسححائل الححتي‬
‫ت ُد َْرأك بالقلب تدرأك بالبصيرة‪ ،‬تشتبه ماححن جهححة ضححعف البصححيرة‬
‫ضعف العلم‪.‬‬
‫أماححا فححي القححرآن فجعححل اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬المشححتبهات أو‬
‫المتشابهات فيما يقابل المحكمات‪ ،‬في آية سإورأة "آل عمران"‪،‬‬
‫وهي قوله ‪-‬جل وعل‪       :-‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪         ‬‬

‫فدلت الية على أن المحكم ماا كححان واضحححا ب َي ّن ًححا‪ ،‬والمشححتبه‬


‫ماا يشتبه علمه على الناظر فيه ‪.‬‬
‫وماا في الحديث غّير ماا في الية‪ ،‬مان جهة أن ماا فححي اليححة‬
‫‪‬‬ ‫مان جهة المعاني ‪-‬ماعاني اليات‪ -‬لنه قححال‪   :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة آل عمران آية ‪.7 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة آل عمران آية ‪.7 :‬‬

‫‪78‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فمعنى اليححة يشححتبه‪ ،‬والحححديث ماححن جهححة العمححل‪ ،‬ماححن جهححة‬


‫الحكم‪ ،‬هل هذه مان الحلل‪ ،‬أو هي مان الحرام ؟‬
‫فإذن مان جهة الشتباه المار واحححد‪ ،‬أن المشححتبه فيمححا دلححت‬
‫عليه آية "آل عمران" هو غّير الواضح‪ ،‬وهذا نستمسححك بححه فححي‬
‫تفسير المشتبه في هذا الحديث؛ لن الكلمة إذا اشححتبه ماعناهححا‪،‬‬
‫ف الشارأع‪ ،‬فححي‬ ‫أو اختلف العلماء في ماعناها‪ ،‬فإرأجاعها إلى ع ُْر ِ‬
‫كلماه‪ ،‬يعني إلى ماا كان عليححه اسإححتعمال الشححارأع فححي القححرآن‪،‬‬
‫فهذا يريحنا مان إشححكال تفسححير الكلمححة‪ ،‬فححإذا نظرنححا فححي هححذه‬
‫الكلمة ماشتبهات‪ ،‬فجعلها بعض العلماء اختلط المال المباح ماححع‬
‫المال الحرام‪ ،‬جعلها بعضهم فيما اختلف فيه العلماء في أقوال‬
‫رأبما يأتي بعضها‪.‬‬
‫فتفسيرها الصحيح أن نجعلها ماثل آية "آل عمران"‪ ،‬يعني‪ :‬ماا‬
‫اتضح ماا لم يتضح للمرء‪ ،‬ماا لم يتضح حكمه فهحو ماشحتبه‪ ،‬وماحا‬
‫اتضح حكمه مان الحلل فهو حلل‪ ،‬وماا اتضح حكمه مان الحرام‬
‫فهو حرام‪ ،‬وهححذه ماحكمححات‪ ،‬وماححا اشححتبه حكمححه فهححو ماححن غّيححر‬
‫الواضح‪ ،‬مان المتشابهات‪ ،‬أو المشتبهات‪ ،‬أو المشبهات كما هححي‬
‫رأوايات في هذا الحديث ‪.‬‬
‫الماام أحمد ‪-‬رأحمه اللحه‪ -‬وإسإحححاق وجماعححة ماحن أهحل العلحم‬
‫فسروا المشتبهات بمححا اختلححف الصحححابة فححي حلححه وحرماتححه‪ ،‬أو‬
‫اختلححف العلمححاء فححي حلححه وحرماتححه‪ ،‬فقححالوا ‪-‬ماثل‪ -‬أكححل الضححب‬
‫اختلفوا فيححه‪ ،‬فيكححون ماححن قبيححل المشححتبه‪ ،‬وقححالوا‪ :‬إن أكححل ذي‬
‫النححاب ماححن السححباع اختلححف فيححه العلمححاء‪ ،‬فيكححون ماححن قبيححل‬
‫المشتبه‪ ،‬أو لبس بعض الملبس اختلفوا فيها‪ ،‬فيكون مان قبيححل‬
‫المشححتبه‪ ،‬وجعلححوا اختلف المححال حلل وحححرام‪ ،‬هححذا ماححن قبيححل‬
‫المشتبه في أشياء‪ ،‬وشرب ماا يسكر كثيره مان قبيل المشححتبه‪،‬‬
‫مان جهة الناظر فيه‪ ،‬وهذا ‪-‬في الحقيقة‪ -‬ليس واضحا‪ ،‬وهذه إذا‬
‫ت مان المشتبهات فهذا مان جهة التأويل‪ ،‬ل مان جهة كونهححا‬ ‫جعِل َ ْ‬
‫ُ‬
‫ماشتبهات بينة‪.‬‬
‫فالماام أحمد وإسإحاق وجماعحة إذا قححالوا عحن هحذه الشحياء‪:‬‬
‫إنها ماشتبهات‪ ،‬فيعنون أنه ينبغي لمن ذهب إلححى القححول المبيححح‬
‫كر ل بححد لححه‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬
‫أن يستبرئ‪ ،‬مان ذهب إلى القول المبيح في ال ُ‬
‫‪79‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أن يستبرئ لدينه ويحذهب إلحى القحول الخحر‪ ،‬فحي أكحل الض ب‬
‫السنة فيححه واضحححة‪ ،‬فينبغححي أن يححترك رأأيححه إلححى السححنة للماححر‬
‫الواضح‪ ،‬يعني‪ :‬قالوا إنها مان المشححتبهات باعتبححارأ الخلف‪ ،‬وهححذا‬
‫ليححس هححو المقصححود بالحححديث؛ وإنمححا هححم نظححروا فححي اختلف‬
‫العلماء في ذلك‪.‬‬
‫والحذي ينبغححي حمححل الححاديث عليحه ماححا ذكححرت لحك ماححن أن‬
‫المشبهات‪ ،‬أو المشتبهات‪ ،‬أو المتشابهات هي ماا اشححتبه علمححه‪،‬‬
‫ماا اشتبه حكمه على مان يحتاج إليه‪ ،‬فإذا اشتبه عليه حكم هذا‬
‫البيع فاسإتبراؤه له حماية لعلمه‪ ،‬حماية لدينه ‪ ،‬إذا اشححتبه عليححه‬
‫حكم هذه المرأة‪ ،‬هل هي ماباحة له أم غّير ماباحة؟ فالسإححتبراء‬
‫أن يتوقف حتى يأتيه إماا أن تكون حلل بينا أو حراماا بينا ‪.‬‬
‫إذا تقرر ذلك فإنه‪ ،‬إن المشتبهات هذه لها حالن‪:‬‬
‫الحال الولى‪ :‬ماا يتوقف فيه العلماء‪ ،‬فيتوقححف العححالم فححي‬
‫حكم المسألة‪ ،‬يقول‪ :‬أنا ماتوقف فيها‪ .‬والعلماء توقفوا في شيء‬
‫ماثل بعض المسائل الحادثأة الن‪ ،‬تأتي ماسألة ‪-‬ماثل‪ -‬مان ماسححائل‬
‫البيوعات أو ماسائل المال الجديدة التي يحدثأها الناس‪ ،‬والعلماء‬
‫حتى ينظروا فيها ل بد أن يتوقفوا‪.‬‬
‫فححي بعححض المسححائل الطبيححة ‪-‬ماثل‪ -‬توقححف العلمححاء‪ ،‬والعلمححاء‬
‫توقفهم ليس عن عجز‪ ،‬ولكن حماية لدينهم هم؛ لنهم سإححيفتون‬
‫الماححة‪ ،‬وإذا أفتححوا الماححة فححالحلل الححذي صححارأ فححي الماححة حلل‬
‫مانسوب إليهم‪ ،‬وهم وقعوا عن رأب العححالمين ‪-‬جححل وعل‪ -‬يعنححي‪:‬‬
‫أفتوا عن الله ‪-‬سإبحانه‪ ، -‬فينبغي أن يتوقفححوا حححتى تتححبين لهححم‪،‬‬
‫فإذا توقف العلماء في ماسألة فإذن هي ماححن المشححتبهات حححتى‬
‫يتبين حكمها للعالم‪ ،‬هذا النوع الول‪.‬‬
‫والنوع الثــاني مــن المشــتبهات‪ :‬ماححا تشححتبه علححى غّيححر‬
‫العالم‪ ،‬فينبغي أن ل يواقعهححا حححتى يردهححا إلححى العححالم‪ ،‬ينبغححي‪:‬‬
‫يعني وجوبا؛ لنه ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪ -‬قححال‪" :‬وبينهمححا" يعنححي‪:‬‬
‫بين الحلل والحرام‪  .‬أماورأ ماشتبهات ل يعلمهن كثير مان الناس‬
‫‪. ‬‬

‫‪80‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫في قححوله‪  :‬ل يعلمهححن كححثير ماححن النححاس ‪ ‬إرأشححاد إلححى أن‬
‫هناك مان يعلم‪ ،‬فتسأل مان يعلم عن حكم هذه المسألة‪.‬‬
‫قال‪  :‬فمن اتقى الشبهات ‪ ‬يعني‪ :‬قبل أن يصل إليه العلم‪،‬‬
‫أو في المسألة التي توقف فيها أهل العلم‪.‬‬
‫‪ ‬فمححن اتقحى الشحبهات فقحد اسإحتبرأ لححدينه وعرضححه ‪ ‬أماحا‬
‫اسإححتبراء الححدين فهححو ماححن جهححة اللحه ‪-‬جححل وعل‪-‬؛ حيححث إنححه إذا‬
‫اسإتبرأ فقد أتى ماا يجب عليه‪ ،‬ماتوقف فيها فأنا ل أقدم عليهححا؛‬
‫ماك َّلف‪ ،‬فينبغي عليححه وجوبححا أل‬ ‫لنها رأبما كانت حراماا‪ ،‬والمؤمان ُ‬
‫دم علححى شححيء‪،‬‬ ‫قحح ِ‬
‫يأتي شيئا وهو يعلم أنه حلل‪ ،‬وإذا أرأاد أن ي ُ ْ‬
‫يقدم على شيء يعلم أنه غّير حرام‪.‬‬
‫فمن توقف عن الحلل المشتبه أو عن الحرام المشتبه فقححد‬
‫اسإتبرأ للدين؛ لنه رأبما واقع‪ ،‬فصارأ حراماا‪ ،‬وهو ل يدرأي‪.‬‬
‫هل يقال هنا‪ :‬هو ل يدرأي ماعذورأ ؟ ل‪ ،‬غّير ماعذورأ؛ لنه يجب‬
‫عليه أن يتوقف حتى يتبين له حكم هححذه المسححألة‪ ،‬يأتيهححا علححى‬
‫أي أسإ اس؟ هحو ماكلحف‪ ،‬ل يعمحل عمحل إل بحأمار ماحن الشحرع‪،‬‬
‫فلهذا قال‪  :‬فقد اسإتبرأ لدينه ‪. ‬‬
‫قال‪" :‬وعرضه" وعرضه لنه ‪-‬في أهل اليمان‪ -‬مان أقدم على‬
‫الماورأ المشتبهات فإنه قد ُيوَقع فيه‪ ،‬قد ي ُت َك َل ّححم فيححه بححأنه قليححل‬
‫الديانة؛ لنه لم يستبرئ لدينه‪ ،‬فإنه إذا ترك ماواقعة المشتبهات‬
‫اسإتبرأ لعرضه‪ ،‬وفي هذا حث على أن المرء ل يحأتي ماحا ُيعحاب‬
‫عليه في عرضه‪ ،‬فالمؤمان يرعى حال إخوانه المؤمانين‪ ،‬ونظححرة‬
‫إخوانه المؤمانين إليه‪ ،‬ول يأتي بشيء يقححول‪ :‬أنححا ل أهتححم بقححول‬
‫أهل اليمححان‪ ،‬ل أهتححم بقححول أهححل العلححم‪ ،‬ل أهتححم بقححول طلبححة‬
‫العلم؛ فإن اسإتبراء العرض حتى ل يوقع فيه هذا أمار ماطلوب‪.‬‬
‫وقد جاء في الثأر‪" :‬إياك وماا يشارأ إليه بالصابع"‪ .‬يعنححي‪ :‬ماححن‬
‫أهل اليمان‪ ،‬حيث ينتقدون على العامال عمله فيمححا لححم يوافححق‬
‫فيه الشريعة ‪.‬‬
‫قال‪  :‬ومان وقع في الشبهات وقع في الححرام ‪ ‬هنححا "وقحع‬
‫ت بتفسيرين‪ :‬الحرام الححذي هححو أحححد الجححانبين‬ ‫في الحرام" فُ ّ‬
‫سَر ْ‬
‫‪81‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الذي الشبهات فيما بينهما؛ لن جانب حلل‪ ،‬وجانب حرام‪ ،‬فمن‬


‫وقع فححي الشححبهات وقححع فححي الحححرام الححذي هححو أحححد الجهححتين‪،‬‬
‫حّرم؛ حيث لم يستبرئ لدينه‪،‬‬ ‫ما َ‬
‫سَر الحرام بأنه وقع في أمار ُ‬ ‫وفُ ّ‬
‫حيث وقع في شيء لم يعلم حكمححه‪ ،‬شححيء ماسححألة واقعتهححا بل‬
‫علم مانك أنه جائز‪ ،‬فل شك أن هذا إقدام على أمار دون حجة‪.‬‬
‫‪ ‬فمن وقححع فححي الشححبهات وقححع فححي الحححرام ‪ ‬وهححذا فححي‬
‫المسائل التي تتنازعها الماورأ بوضوح‪ ،‬هناك ماسححائل ماححن الححورأع‬
‫يستحب تركها‪ ،‬ليست هي المقصودة بهذه الكلمحة؛ لنححه قححال‪ :‬‬
‫ومان وقع في الشبهات وقع في الحرام ‪. ‬‬
‫ل ذلك ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بقححوله‪  :‬ك الراعي يرعححى‬ ‫ماث ّ َ‬
‫ثأم َ‬
‫حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ‪ ‬الراعححي يكححون ماعححه شححيء‬
‫مان الماشية‪ ،‬الماشية مان طبيعتها أنها ‪-‬في بعض الحيان‪ -‬تخرج‬
‫عن ماجموع الماشية وتذهب بعيححدا‪ ،‬فححإذا قححارأب حمححى ماحميححة‪،‬‬
‫ماثل‪ :‬أرأض ماحميححة للصححدقة‪ ،‬أو ماحميححة فححي مالححك فلن‪ ،‬أو ماححا‬
‫أشبه ذلك‪ ،‬فإن ماقارأبته بماشيته للحمى ل بححد أن يحصححل مانهححا‬
‫بعضها مانهم‪ ،‬ويأخذ مان حق غّيره‪.‬‬
‫مى اللححه ماحححارأماه ‪ ‬وماححا هححو‬
‫ح َ‬
‫وهذا تمثيل عظيم في أن ‪ِ ‬‬
‫داخل هذا الحمى هو الدين‪ ،‬وهذه المحارأم حمححى‪ ،‬فمححن قححارأب‬
‫فل بد أن يحصل مانه مارة أن يتوسإع‪ ،‬فيدخل في الحرام‪ ،‬حححتى‬
‫في الماورأ التي يكون عنده فيها بعض التردد‪ ،‬ل كل التردد‪.‬‬
‫ل ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بهذا المثال العظيم‪ ،‬فقححال‪:‬‬ ‫ماث ّ َ‬
‫فلهذا َ‬
‫‪ ‬ك الراعي يرعححى حححول الحمححى يوشححك أن يرتححع فيححه ‪ ‬لنححه‬
‫َقاَرأب‪.‬‬
‫قال‪  :‬أل وإن لكل مالك حمى‪ ،‬أل وإن حمى اللححه ماحححارأماه ‪‬‬
‫وى دين المرء‪.‬‬
‫فحمى الله ماحارأماه‪ ،‬بها يق َ‬
‫فهذا الحديث واضح الدللة في أن مان قححارأب الحمححى ‪ ،‬ماححن‬
‫قارأب المحارأم ‪ ،‬مان قارأب الحرماات فححإنه يوشححك أن يقححع فححي‬
‫المحرم مان جّراء تساهله ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫نفهم مان هذا الحديث أن الحلل الب َّين واضح‪ ،‬والحرام الححبين‬
‫واضحححح‪ ،‬والمشحححبهات المشحححتبهات عرفنحححا تعريفهحححا‪ ،‬وحكمهحححا‪،‬‬
‫وتقسيمات الكلم عليها‪ ،‬وأنه يجب علححى صححاحب الححدين‪ ،‬يجححب‬
‫على المسلم أل يأتي شيئا إل وهححو يعلححم حكمححه‪ ،‬إذا لححم يعلححم‬
‫فليسأل‪ ،‬فتكححون إذن المسححألة ماشححتبهة عليححه‪ ،‬ويححزول الشححتباه‬
‫بسؤال أهل العلم‪ ،‬فإن بقيت ماشححتبهة علححى أهححل العلححم‪ ،‬فححإنه‬
‫‪-‬يعني حتى يحكموا فيها‪ -‬فإنه يتوقف ماعهم حتى يعمل ذلك‪.‬‬
‫هناك ماسائل ليست ماشتبهة ‪-‬يعني فححي الحكححام‪ -‬لكونهححا تبححع‬
‫الصححل جريححان القواعححد عليهححا‪ ،‬دخولهححا ضححمن الححدليل‪ ،‬فححإذن‬
‫المسائل التي اختلف العلماء فيها ل تدخل ضححمن هححذا الحححديث‬
‫مان جهة كونهححا ماشححتبهة؛ بححل نقححول‪ :‬هححذه ماسححألة اختلححف فيهححا‬
‫العلماء‪ ،‬فإذن يخرج مانها بتاتا على جهة أن مان وقع فيهححا وقححع‬
‫في الحرام‪ ،‬ل ؛ ولكن هذا على وجه السإتحباب‪.‬‬
‫وهذا هو الذي فهمححه العلمححاء ماححن الحححديث‪ :‬أن الخححروج ماححن‬
‫خلف العلمححاء ماسححتحب‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن العلمححاء إذا اختلفححوا فححي‬
‫ماسألة‪ ،‬فالخروج مان خلفهم إلى ماححتيقن‪ ،‬هححذا ماسححتحب‪ ،‬وهححذا‬
‫صحيح باعتبارأات‪ ،‬وفي بعض تطبيقاته قد ل يكححون صحححيحا فححي‬
‫تفاصيل ماعلوماة‪.‬‬
‫ماثاله ‪-‬ماثل‪ :-‬قصر الصلة في السفر‪ ،‬جمهححورأ العلمححاء ‪-‬يعنححي‬
‫دوا المححدة بنيححة‬ ‫ححح ّ‬
‫جمهورأ الئمة الرأبعة‪ -‬ماالك والشافعي وأحمد َ‬
‫وى إقاماحة أرأبعحة أيحام‬ ‫إقاماة أرأبعة أيام فصحاعدا‪ ،‬فحي أن ه إذا نح َ‬
‫ن للحنفيححة‬‫فصاعدا لم يترخص برخصة السححفر‪ ،‬وهنححاك قححول ثأححا ٍ‬
‫ماع إقاماححة أكححثر ماححن خمسححة عشححر‬ ‫بأن له أن يترخص ماا لم ي ُْز ِ‬
‫يوماا‪ ،‬وهناك قول ثأالث لشيخ السإححلم ابححن تيميححة وجماعححة ماححن‬
‫أهل العلم‪ :‬بأن له أن يترخص حتى يرجع إلى بلده‪.‬‬
‫ح‬
‫جحح َ‬
‫فهذه أقوال ثألثأة‪ :‬القول الول ‪-‬وهو كونهححا أرأبعححة أيححام‪ُ -‬رأ ّ‬
‫على غّيرها مان جهة أن المسألة مان حيث الدليل ماشتبهة‪ ،‬وإذا‬
‫كان كذلك فالخذ فيها باليقين اسإتبراء للدين؛ لن الصححلة رأكححن‬
‫ل عليححه‬ ‫خذ ُ اليقين في أمار الصلة هذا مامححا د َ ّ‬ ‫َ‬
‫السإلم الثاني‪ ،‬فأ ْ‬
‫هذا الحديث‪ ،‬لنه اسإتبراء للدين؛ لن الرأبعة أيام هححذه بالتفححاق‬

‫‪83‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أنه يترخص فيها‪ ،‬وأماا ماححا عححداها فهححو ماختلححف فيححه‪ ،‬فححإذا كححان‬
‫كذلك فالخروج مان الخلف هنا ماستحب‪ ،‬فنأخذ بالحوط‪.‬‬
‫ولهذا رأجح كثير مان المحققين هذا القححول باعتبححارأ السإححتبراء‪،‬‬
‫وأن في الخححذ بحه اليقيحن فحي أماححر الصحلة‪ ،‬الححتي هحي الركححن‬
‫الثاني مان أرأكان السإلم‪ ،‬وأعظم الرأكان العملية‪.‬‬
‫مان المسائل التي ‪-‬أيضا‪ -‬يتعرض لها العلماء في هذا الحديث‬
‫الكل مان ماال مان اختلط في مااله الحلل الحححرام‪ ،‬أعنححي رأجل‬
‫ماثل في مااله حرام‪ ،‬نعلم أنه يكتسب مان ماكاسإب ماحرماة؛ إماححا‬
‫أنححه يرتشححي‪ ،‬أو عنححده ماكاسإححب ماححن الربححا‪ ،‬أو ماححا أشححبه ذلححك‪،‬‬
‫وعنده ماكاسإب حلل‪ ،‬فما الحكم في شأنه؟‬
‫جعله بعض العلماء داخل في هذا الحديث‪ ،‬وأن الححورأع الححترك‬
‫على سإبيل السإتحباب؛ لنه اسإتبراء‪.‬‬
‫وطائفة مان أهل العلححم قححالوا‪ :‬بحسححب ماححا يغلححب‪ ،‬فححإن كححان‬
‫ست َب َْرأ‪ ،‬وإن كان الغححالب عليححه الحلل‬ ‫الغالب عليه الحرام فإنه ي ُ ْ‬
‫فإنه يجوز أن تأكل مانه‪ ،‬ماا لم تعلم أن ع َْين ماا قُححد ّ َ‬
‫م لححك ماححن‬
‫الحرام ‪.‬‬
‫وقال آخححرون ‪-‬مانهححم ابححن ماسححعود ‪ ‬لححك أن تأكححل‪ ،‬والحححرام‬
‫عليه‪ ،‬لت َغَّير الجهة‪ ،‬فهو اكتسبه مان حرام‪ ،‬وحين قدم لك قدماه‬
‫على أنه هدية‪ ،‬أو على أنه إضححافة أو هبححة‪ ،‬أو ماححا أشححبه ذلححك‪،‬‬
‫وت َغَّير الجهة يغير الحكم كما في حديث بريرة‪ :‬قالوا‪ :‬يححا رأسإححول‬
‫الله‪ ،‬في اللحم إنه تصدق بححه علححى بريححرة ‪ ،‬والنححبي ‪ ‬ل يأكححل‬
‫الصدقة ‪ ،‬فقال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬هو عليها صححدقة‪ ،‬ولنححا‬
‫هدية ‪. ‬‬
‫دى وهو اللحم‪ ،‬فقال جماعة‬ ‫مه ْ َ‬
‫لختلف الجهة‪ ،‬ماع أنه عين ال ُ‬
‫مان الصحابة ومان أهل العلم‪ :‬إنه يأكححل والحححرام علححى صححاحبه‪،‬‬
‫على مان قدماه‪ ،‬وأماا هذا فقدماه على أنه هدية‪ ،‬فل بأس بذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون في هذه المسألة‪ :‬إنه يأكل مانه ماا لم يعلححم أن‬
‫دم حرام‪ ،‬فححإذا علححم‬ ‫هذا المال بعينه حرام‪ ،‬يعني‪ :‬أن عين ماا قَ ّ‬
‫أن عين ماا قدم حرام فل يجححوز لححه أكححل هححذا المعيححن‪ ،‬ويجححوز‬
‫‪84‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أكل ماا سإواه‪ ،‬واسإتدلوا علححى ذلححك بححأن اليهححود كححانوا يقححدماون‬
‫الطعام للنبي ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ ، -‬وكححانوا يححأكلون الربححا ‪،‬‬
‫وكان ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬رأبما أكل مان طعاماهم‪.‬‬
‫فيه تفاصيل‪ ،‬المقصود مان هذا ‪-‬كمثال‪ -‬لختلف العلمححاء فححي‬
‫تنازٍع في هذه المسحألة‪ ،‬هحل تحدخل فححي هحذا الححديث أم ل ؟‬
‫وجملتهم على دخوله مان جهة الورأع‪ ،‬وليححس علححى دخححوله ماححن‬
‫جهة أنه مان أكل فقد أكل حراماا‪ ،‬ماع أن عححددا ماححن المحققيححن‬
‫جحوا قول ابن ماسعود‪ ،‬وهو ترجيح ظححاهر ماححن حيححث الححدليل‪،‬‬ ‫َرأ ّ‬
‫كححابن عبححد الححبر فححي "التمهيححد"‪ ،‬وكغيححره ماححن أهححل العلححم فححي‬
‫تفاصيل يطول الكلم عليها‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬أل وإن في الجسححد ماضححغة إذا‬
‫صلحت صلح الجسححد كلححه‪ ،‬وإذا فسححدت فسححد الجسححد كلححه؛ أل‬
‫وهي القلب ‪. ‬‬
‫فهذا فيه أن صلح القلب ‪-‬الذي هو ماعدن اليمان‪ -‬بححه يكححون‬
‫التورأع‪ ،‬به يكون التوقف عن الشبهات‪ ،‬به يكححون القححدام علححى‬
‫المحرماححات‪ ،‬هححذا رأاجححع إلححى القلححب‪ ،‬والقلححب إذا صححلح‪ ،‬صححلح‬
‫الجسد كله في تصرفاته‪ ،‬وإذا فسد فسد‪ ،‬الجسد كله‪.‬‬
‫تعليححق هححذا بححالقلب‪ ،‬قححال‪  :‬أل وإن فححي الجسححد ماضححغة ‪‬‬
‫والقلححب ‪-‬ماححن حيححث إدرأاك المعلوماححات‪ -‬هححو الححذي يححدرأك‪ ،‬فعنححد‬
‫المحققين ماححن أهححل العلححم‪ ،‬والححذي تححدل عليححه نصححوصا الكتححاب‬
‫والسنة أن هذا ماعلق بالقلب‪ ،‬يعني‪ :‬حصول الدرأاكات‪ ،‬وحصححول‬
‫العلححوم‪ ،‬والصححلح والفسححاد والنيححات ‪..‬إلححى آخححره‪ ،‬هححذا ماعلححق‬
‫بالقلب‪.‬‬
‫إذا كان كذلك‪ ،‬فما وظيفة الدمااغ أو المخ ؟‬
‫وظيفته الماداد ‪ ،‬هذا على قول المحققيححن ماححن أهححل العلححم‪،‬‬
‫فححاختلفوا فححي العقححل؛ هححل هححو فححي القلححب أم فححي الححرأس؟‬
‫والصحيح أنه في القلب‪ ،‬والعقل ليس جرماا؛ وإنما المقصود بححه‬
‫إدرأاك المعقولت‪ ،‬والححدمااغ وماححا فححي الححرأس هححذه وسإححيلة تمححد‬
‫القلب بالدرأاكات‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫القلب هل يدرأك مان جهة كونه ماضغة ؟‬


‫ل ‪ ،‬يدرأك مان جهة كونه بيت الروح ‪ ،‬واللححه أعلححم ‪ ،‬وصححلى‬
‫الله وسإلم على نبينا ماحمد ‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصححلة والسححلم علححى رأسإححول اللححه‪ ،‬وعلححى آلححه‬
‫وصحبه ومان اهتدى بهداه‪.‬‬
‫أماا بعد ‪ ..‬سإبق في الكلم على حديث النعمان بن بشير في‬
‫قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬ومان وقع في الشبهات وقع في‬
‫الحرام ‪ ‬ونزيد المسألة بيانا بأن قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪:-‬‬
‫‪ ‬مان وقع في الشبهات وقع في الحرام ‪ ‬أنححه لشححدة ماقححارأبته‬
‫صوَّرأ كأنه واقع فيه‪ ،‬فإن الذي يقع فححي الشححبهات‬ ‫للحرام‪ ،‬فإنه ُ‬
‫ل لححه ‪-‬عليححه الصححلة‬ ‫ماث ّحح َ‬
‫يؤدي به ذلك إلى ماواقعة الحرام‪ ،‬كمححا َ‬
‫والسلم‪ -‬بقوله‪  :‬كالراعي يرعى حححول الحمححى يوشححك أن يرتححع‬
‫فيه ‪. ‬‬
‫والقححول الثححاني‪ :‬أن الوقححوع فححي الحححرام‪ ،‬أنححه لشححتباه الماححر‬
‫عليه‪ ،‬وعدم دخوله فيه بحجة أنه رأبما وقع في الحححرام‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫في أن هذا المار حكمه الحرماة‪ ،‬فوقع فيه مان غّير علم‪ ،‬وكححان‬
‫وقوعه فيه نتيجة لعدم اسإتبرائه وبعده عن المشتبهات‪.‬‬
‫جه بهما جماعة مان ال ّ‬
‫شّراح‪ ،‬وقد ذكححرت لكححم‬ ‫وهذان توجيهان وَ ّ‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬بالماس توجيهان لهل العلم تدخل في هذين‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث السابع‬
‫الدين النصيحة‬
‫بسححم اللححه الرحمححن الرحيححم‪ ،‬الحمححد للححه رأب العححالمين‪ ،‬والصححلة‬
‫والسححلم علححى أشححرف النبيححاء والمرسإححلين‪ ،‬نبينححا ماحمححد وعلححى آلححه‬
‫وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪-‬رأحمه الله تعالى‪ :-‬وعن أبححي رأقيححة تميححم بححن أوس‬
‫الدارأي ‪ ‬قال‪ :‬إن رأسإول الله ‪ ‬قال‪  :‬الدين النصيحة‪ .‬قلنححا لمححن‬
‫؟ قال‪ :‬للححه‪ ،‬ولكتححابه‪ ،‬ولرسإححوله‪ ،‬ولئمححة المسححلمين وعححاماتهم ‪‬‬
‫رأواه ماسلم ‪.‬‬
‫هححذا الحححديث ‪-‬حححديث تميححم الححدارأي‪ -‬ماححن الحححاديث الكليححة‬
‫العظيمححة الححتي اشححتملت علححى الححدين كلححه‪ ،‬علححى حقححوق اللححه‪،‬‬
‫م أجمع في بيححان‬ ‫وحقوق رأسإوله ‪ ‬وعلى حقوق عباده‪ ،‬فليس ثأ َ ّ‬
‫تلك الحقوق مان لفظ النصيحة‪.‬‬
‫والنصيحة ‪-‬هــذه فعيلــة‪ -‬مــن النصــح‪ ،‬وأصــل النصــح‬
‫سَر بأحد تفسيرين‪:‬‬ ‫في لغة العرب ُ‬
‫ف ّ‬
‫الول ‪ :‬أن النصح بمعنى الخلوصا ماححن الشححوائب والشححركة‪،‬‬
‫ه شيء‪.‬‬ ‫فيقال‪ :‬عسل ناصح أو نصوح‪ ،‬إذا لم ي َ ُ‬
‫شب ْ ُ‬
‫ت النصححيحة بأنهححا التئححام شححيئين‬ ‫سَر ‪-‬وهو الثاني‪ -‬فُ ّ‬
‫سَر ْ‬ ‫و ُ‬
‫ف ّ‬
‫م تنافر بينهما‪ ،‬في ُعْط َححى هححذا الصححلة بهححذا حححتى‬‫بحيث ل يكون ثأ َ ّ‬
‫يكون التئام يوافق ماا بين هذا وهذا‪.‬‬
‫قححالوا‪ :‬ومانححه قيححل للخيححاط‪ :‬ناصححح؛ لنححه ينصححح الطرفيححن‪ ،‬إذ‬
‫يجمعهما بالخياطة‪.‬‬

‫والنصيحة ع ُّرفَ ْ‬
‫ت ‪-‬يعني‪ :‬في هححذا الحححديث‪ -‬بأنهححا‪ :‬إرأادة الخيححر‬
‫للمنصوح له‪ ،‬وهذا يتعلق بنصح أئمة المسلمين وعاماتهم‪.‬‬
‫أماا فححي الثلثأححة الول‪ ،‬فححإن النصححيحة ‪-‬كمححا ذكرنححا‪ -‬أن تكححون‬
‫الصلة بين الذاتين على التئام‪ ،‬بحيث يكون هذا قد أعطحى ححق‬
‫هذا‪ ،‬فلم يكن بينهما تنافر‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وماعلوم أن العبد في صلته بربه أن عليه حقوقا كثيرة واجبة‬


‫وماستحبة‪ ،‬وكذلك في حق القرآن‪ ،‬وكذلك في حححق المصححطفى‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫فقححال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬ال دين النصححيحة ‪ ‬وجعححل‬
‫ن كل ّححه النصححيحة؛ لنححه ‪-‬كمححا سإححيأتي تفصححيله‪ -‬لن النصححيحة‬
‫الححدي َ‬
‫تجمع الدين كله بواجباته وماستحباته‪ ،‬ففسرها بعد ذلك بقححوله‪ :‬‬
‫قلنا‪ :‬لمن يا رأسإول الله ؟ ‪ … ‬إلى آخر الحديث‪.‬‬
‫قال بعض العلماء‪  :‬الدين النصيحة ‪ ‬يعني‪ :‬أن ماعظم الدين‬
‫ج ّ‬
‫ل الدين النصيحة‪ ،‬وهذا على أخذ نظائره‪ ،‬كقوله‪  :‬الدعاء هو‬ ‫و ُ‬
‫العبادة ‪ ‬و ‪ ‬الحج عرفة ‪ ‬وأشباه ذلك‪.‬‬
‫لكن إذا تأمالت في كون هذه الشياء لها النصيحة رأأيت أنهححا‬
‫جمعت الدين كله‪ ،‬في العقائد‪ ،‬وفي العبادات والمعامالت‪ ،‬وفي‬
‫حقوق الخلق‪ ،‬وحقوق مان له الحق بجميع صورأه‪.‬‬
‫‪ ‬قالوا‪ :‬لمن يا رأسإول الله ؟ ‪ ‬واللم هنا في قولهم‪ :‬لمن‪،‬‬
‫يعني‪ :‬للسإتحقاق‪ ،‬النصححيحة للححه‪ ،‬يعنححي ماسححتحقة‪ ،‬قححالوا‪ :‬لمححن؟‬
‫يعني‪ :‬مان يستحقها في الدين؟‬
‫فأجححابهم النححبي ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬بقححوله ‪ ،‬قححال‪  :‬لل ه‬
‫ولكتابه ولرسإوله ولئمة المسلمين وعاماتهم ‪. ‬‬
‫فاشتملت على أشياء‪ ،‬على أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬النصيحة لله‪ :‬وهي كلمة جاماعة لداء حق الله ‪-‬جل‬
‫وعل‪ -‬الواجب والمستحب‪ ،‬فحححق اللححه الححواجب هححو اليمححان بححه‪،‬‬
‫بربححوبيته وإلهيتححه‪ ،‬وبأسإححمائه وصححفاته‪ ،‬إيمححان بححأنه هححو الححرب‬
‫المتصرف في هذا الملكوت وحححده‪ ،‬ل شححريك لحه فحي رأبححوبيته‪،‬‬
‫ول في تدبيره للمار‪ ،‬ماا شاء كان‪ ،‬وماا لم يشأ لم يكن‪ ،‬يحكححم‬
‫ماا يشاء‪ ،‬ويفعل ماا يريد سإبحانه وتعالى‪.‬‬
‫طحى الححق الحذي ل ه فحي‬ ‫والنصحيحة للحه فحي ألحوهيته أن ي ُعْ َ‬
‫جه‬
‫ألوهيته‪ ،‬وهو أن ي ُعَْبد وحده بجميححع أنححواع العبححادات‪ ،‬وأل ي ُت َححوَ ّ‬
‫لحد بشيء مان العبادات إل لححه ‪-‬سإححبحانه وتعححالى‪ ،-‬كححل عبححادة‬
‫‪88‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫جه بها إلى غّير الله ‪-‬جل وعل‪ -‬فهي خروج عن النصححيحة للححه‬
‫ت ُوُ ّ‬
‫‪-‬جل وعل‪ ،-‬يعني عن أداء الحق الذي له سإبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وفي السإماء والصفات النصيحة لله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن نؤمان بأنه‬
‫مي له‪،‬‬‫سإ ِ‬
‫‪-‬سإبحانه‪ -‬له السإماء الحسنى‪ ،‬والصفات العل‪ ،‬وأنه ل َ‬
‫ول ند له‪ ،‬ول كفوَ له‪ ،‬كما قال ‪-‬جل وعل‪    : -‬‬
‫‪. (1)  ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪      ‬‬ ‫وكما قال ‪-‬جل وعل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬‫وكما قال ‪-‬جل وعل‪:-‬‬
‫‪ (3) ‬إلى غّير ذلك مان اليات ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫فيعتقد المسلم أن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬لححه ماححا أثأبححت لنفسححه ماححن‬
‫السإماء الحسنى‪ ،‬ومان الصححفات العل‪ ،‬وأنححه فححي أسإححمائه وفححي‬
‫‪‬‬ ‫صفاته ليححس لححه ماثيححل‪ ،‬كمححا أخححبر عححن نفسححه بقححوله‪ :‬‬
‫‪. (4)       ‬‬
‫فححالغلو فححي الصححفات بالتجسححيم تححرك للنصححيحة الواجبححة‪،‬‬
‫والتفريححط فيهححا‪ ،‬والجفححاء بالتعطيححل تححرك للنصححيحة الواجبححة‪،‬‬
‫والنصيحة بالتئام ماا بينك وبين الله ‪-‬جل وعل‪ -‬في شأن أسإمائه‬
‫وصفاته أن تثبت له السإماء الحسنى‪ ،‬والصفات العل‪ ،‬ماححن غّيححر‬
‫تمثيححل ول تعطيححل‪ ،‬وماححن غّيححر تحريححف ول تأويححل يصححرفها عححن‬
‫حقائقها اللئقة بالله جل وعل ‪.‬‬
‫ب ‪-‬جححل وعل‪ ، -‬وأن‬‫ححح ّ‬
‫أيضا مان النصيحة لله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن ي ُ َ‬
‫ي ُت َّبع أماره‪ ،‬وأن تتبع شريعته ‪-‬جل وعل‪ ،-‬وأن يصدق خبره ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ ،-‬وأن يقبل عليه المرء بقلبه ماخلصا له الدين‪.‬‬
‫فالخلصا في القوال والعمال حق الله ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬والححذي‬
‫يقع في قلبه غّير الله في العمال ‪-‬مان جهة الرياء أو مان جهة‬
‫التسميع‪ -‬ماا أدى الذي لله ‪-‬جل وعل‪.-‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة ماريم آية ‪.65 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الخلصا آية ‪.4 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة الشورأى آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة الشورأى آية ‪.11 :‬‬

‫‪89‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وهنحاك ‪-‬أيضحا‪ -‬أشححياء ماسححتحبة للحه ‪-‬جحل وعل‪ -‬ماحن ماثحل أن‬
‫‪-‬يعني في حق الله ‪-‬جل وعل‪ -‬مان ماثل أل يقححوم بححالقلب غّيححره‬
‫‪-‬جل وعل‪ ،-‬في ُححْزد ََرأى الخلححق فححي جنححب اللححه ‪-‬جححل جللححه‪ ،-‬وأن‬
‫يراقب الله ‪-‬جل وعل‪ -‬دائما في السر والعلححن‪ ،‬فيمححا يححأتي وماححا‬
‫يذرأ مان الماورأ المستحبة‪ ،‬وأن يستحضر ماقححاماه بيححن يححدي اللححه‬
‫‪-‬جححل وعل‪ -‬دائمححا فححي الخححرة‪ ،‬ونحححو ذلححك مامححا يححدخل فححي‬
‫المستحبات؛ فإن النصحيحة فيحه لل ه ‪-‬جحل وعل‪ -‬ماسحتحبة‪ ،‬فهحي‬
‫مانقسمة إلى ماا أوجبه الشرع في حق الله‪ ،‬فيكون واجبا‪ ،‬وماححا‬
‫كان ماستحبا‪ ،‬فيكون مان النصيحة المستحبة‪.‬‬
‫قححال‪  :‬وكت ابه ‪ ‬يعنححي‪ :‬النصححيحة ماسححتحقة للكتححاب‪ ،‬وهححو‬
‫طى القرآن حقه‪ ،‬وهو أن ُيوقن بححأنه‬ ‫القرآن‪ ،‬وماعنى ذلك أن ي ُعْ َ‬
‫كلم الله ‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫قال ‪" :‬وكتابه" يعني‪ :‬النصيحة ماستحقة للكتاب‪ ،‬وهححو القححرآن‪،‬‬
‫وماعنى ذلك أن ي ُعْط َححى القححرآن حقححه‪ ،‬وهححو أن ي ُححوَقن بححأن كلم‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬تكلم به ‪-‬سإبحانه وتعالى‪ ،-‬وأنححه آيححة عظيمححة ‪،‬‬
‫وأعظم اليات التي أوتيها النبياء‪ ،‬وأنه الحجة البالغة إلححى قيححام‬
‫الساعة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وأن هذا القرآن فيه الهدى والنححورأ ‪  ‬‬
‫‪. (1)     ‬‬
‫وأن حكمه واجب النفاذ‪ ،‬ماا أمار الله بححه فححي القححرآن وجححب‬
‫إنفاذه‪ ،‬وماا نهى عنه وجب النتهاء عنه‪ ،‬وماا أخبر بححه ‪-‬سإححبحانه‪-‬‬
‫مححا‬
‫فيححه وجححب تصححديقه‪ ،‬وعححدم الححتردد فيححه‪ ،‬إلححى غّيححر ذلححك ما ّ‬
‫يستحقه القرآن‪.‬‬
‫وأيضا مان الحقوق المستحّبة والنصيحة المستحبة للقححرآن أن‬
‫ُيكثر مان تلوته‪ ،‬وأل يهجره في تلوته وتدبره‪ ،‬وفححي العلج بححه‪،‬‬
‫وأشباه ذلك ماما جاءت به السنة في حق القرآن‪.‬‬
‫فهذا مان التواصل ماا بين ذي النصيحة ‪-‬وهححو العبححد المكل ّححف‪-‬‬
‫وماا بين القرآن ؛ فإن النصيحة التحام واجتمححاع فيمححا بيححن هححذا‬
‫‪ - 1‬سإورأة السإراء آية ‪.9 :‬‬

‫‪90‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وهذا‪ ،‬ول يكون الهتمام إل بأداء الحق‪ ،‬وهذا الحق علححى العبححد‬
‫للقرآن على نحو المعنى الذي أسإلفت‪.‬‬
‫كححذلك النصححيحة للرسإححول ‪ ‬تكححون بطححاعته ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬فيما أمار‪ ،‬وتصديقه فيما أخبر‪ ،‬واجتنححاب ماححا عنححه ن َهَححى‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬وزجر‪ ،‬وأل ي ُعَْبد الله إل بما شرع رأسإوله‬
‫‪ ‬وأن يؤمان العبد بأنه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هححو خححاتم النبيححاء‬
‫والمرسإلين‪ ،‬وأن كل دعوة للرسإالة بعده ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬‬
‫كذب وزورأ وباطححل وطغيححان‪ ،‬وأنححه ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬هححو‬
‫الذي يطاع ‪      ‬‬
‫‪. (1)    ‬‬
‫حب ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬لمار الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬بححذلك‪،‬‬ ‫وأنه ي ُ َ‬
‫ولما يستحقه ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬ماححن المحبححة الواجبححة‪ ،‬وأن‬
‫ب العبد ‪ ،‬ونحو ذلححك ماححن النصححيحة الححتي‬
‫حا ّ‬
‫ما َ‬
‫حاّبه على َ‬ ‫ما َ‬
‫م َ‬‫قد ّ َ‬
‫تُ َ‬
‫هي ‪-‬أيضا‪ -‬مانقسمة إلى واجبة وماستحبة ‪.‬‬
‫قححال ‪  :‬ولئم ة المسححلمين وعححاماتهم ‪ ‬والنصححيحة لئمححة‬
‫طوا حقهم الذي أعطاهم الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬وبينه‬ ‫المسلمين أن ي ُعْ َ‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬في الكتاب‪ ،‬وبينه رأسإول الله ‪ ‬في السنة؛ مان طاعتهم‬
‫في المعروف‪ ،‬وعدم طاعتهم في المعصية ‪ ،‬وأن يجتمححع ماعهححم‬
‫على الحق والهدى‪ ،‬وعلى ماا لم نعلم فيححه ماعصححية‪ ،‬وأن تؤلححف‬
‫عى لهححم‪ ،‬وهححذا يشححمل‬‫جَتمع عليهم‪ ،‬وأن ي ُححد ْ َ‬
‫القلوب لهم‪ ،‬وأن ي ُ ْ‬
‫الحق الواجب والحق المستحب‪.‬‬
‫ل وعل‪-‬‬ ‫وأن ي ُت ْححَرك الخححروج عليهححم بالسححيف طاعححة للححه ‪-‬جحح ّ‬
‫وطاعححة لرسإححوله ‪ ‬وأن يبححايع ولححي الماححر المسححلم‪ ،‬وأل يمححوت‬
‫ل ماسلم‪ ،‬وليس في عنقه بيعة له‪ ،‬وأن يأتمر إذا‬ ‫م وا ٍ‬
‫المرء‪ ،‬وثأ ّ‬
‫أماره بما ليس بمعصية‪ ،‬وأن ينتهي إذا نهححاه عححن غّيححر الطاعححة‪،‬‬
‫يعني‪ :‬ماا كان مان قبيل الواجبححات‪ ،‬فححإن أماححره بخلفهححا ل ي ُطححاع‬
‫فيححه‪ ،‬وإذا أماححر بمعصححية ل ُيطححاع فيححه‪ ،‬وماححا كححان ماححن قبيححل‬
‫المستحبات والجتهادات ‪-‬يعنححي ماححا يححدخله الجتهححاد‪ -‬فححإنه ي ُت ْححَرك‬

‫‪ - 1‬سإورأة الحشر آية ‪.7 :‬‬

‫‪91‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الرأي لمححا يححراه الماححام المسححلم؛ لن فححي ذلححك ماصححالح العبححاد‬


‫والبلد‪ ،‬كما قررأه أهل العلم في هذا الموضع‪.‬‬
‫ضا مان النصيحة لهم أن تبححذل النصححح لهححم‪ ،‬بمعنححى النصححح‬ ‫أي ً‬
‫الذي يعلمححه النححاس‪ ،‬بححأن تنبههححم علححى ماححا يخطئححون فيححه‪ ،‬وماححا‬
‫يتجاوزون فيه الشرعية لمن وصل له‪ ،‬وهذه المرتبة ‪-‬كمححا قححال‬
‫ابن دقيق العيد في شرحه وغّيححره‪ :-‬هححذه فححرض كفايححة تسححقط‬
‫بفعل البعض مان أهل العلم ونحوهم‪.‬‬
‫صح‪ ،‬بمعنى أن ي ُؤ َْتى إليه‪ ،‬وأن‬ ‫فحق ولي المار المسلم أن ي ُن ْ َ‬
‫صر به‪ ،‬وأن يوضح له ماا أماححر اللححه ‪ ‬بححه‪،‬‬ ‫ي ُب َّين له الحق‪ ،‬وأن ي ُب َ ّ‬
‫وماا أمار به الرسإححول ‪ ‬وأن ي ُعححان علححى الطاعححة‪ ،‬ويسححدد فيهححا‪،‬‬
‫وي ُب َّين له ماا قد يقع فيه مان عصيان أو ماخالفة للمار‪.‬‬
‫وهذه النصيحة الخاصة لولة المار جاءت لها شروط وضوابط‬
‫ماعلوماة في شروح الحاديث‪ ،‬ومان أماثححل ماححن تكلححم عليهححا فححي‬
‫هذا الموضع ابن رأجب ‪-‬رأحمه الله‪ -‬في "جاماع العلوم والحكم"‪،‬‬
‫وسإاق عن ابن عباس وعن غّيره أنواعا ماححن الداب والشححروط‪،‬‬
‫التي ينبغي للناصح أن يتحلى بها إذا نصح ولي المار المسلم ‪.‬‬
‫ق‪ ،‬وسإهولة لفححظ؛ لن حححال‬ ‫فمن ذلك أن تكون النصيحة برف ٍ‬
‫ولي المار ‪-‬فححي الغححالب‪ -‬أنححه تعحّز عليحه النصححيحة‪ ،‬إل إذا كحانت‬
‫بلفححظ حسححن ‪ ،‬وهححذا رأبمححا كححان فححي غّححالب النححاس أنهححم ل‬
‫ينتصحون ‪-‬يعني‪ :‬ل يقبلون النصيحة‪ -‬إل إذا كححانت بلفححظ حسححن‪.‬‬
‫وقد قال ‪-‬جل وعل‪ -‬لموسإى وهارأون ‪     :‬‬
‫‪. (1)     ‬‬
‫فمححن الداب والشححروط فححي ذلححك أن تكححون النصححيحة بلفححظ‬
‫حسن؛ لنه رأبما كان اللفظ خشنا‪ ،‬فأداه ذلك إلى رأفض الحق‪،‬‬
‫وماعلوم أن الناصح يريد الخير للمنصوح له ‪.‬‬
‫كما قال أهل العلححم فححي تفسححير النصححيحة‪ :‬أنهححا إرأادة الخيححر‬
‫للمنصوح له‪ .‬فكلما كان السبيل لرأادة الخير للمنصوح لححه فححإنه‬
‫يؤتى‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة طه آية ‪.44 :‬‬

‫‪92‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ومان الشروط في ذلك أن تكون النصيحة لححولي الماححر سإححّرا‬


‫وليسححت بعلححن؛ لن الصححل فححي النصححيحة بعاماححة ‪-‬لححولي الماححر‬
‫ولغيره‪ -‬أن تكون سإرا‪ ،‬بخلف النكارأ كما سإيأتي عند شرح أبي‬
‫سإعيد الخححدرأي‪  :‬ما ن رأأى مانكححم مانكححرا فليغيححره بيححده ‪ ‬فححإن‬
‫الصل في النكححارأ أن يكححون علنححا‪ ،‬وأن الصححل فححي النصححح أن‬
‫يكون سإرا‪.‬‬
‫فالنصيحة لولي المار يجب ويشترط لكونها شرعية أن تكححون‬
‫سإححرا‪ ،‬بمعنححى‪ :‬أنححه ل يعلححم بهححا ماححن جهححة الناصححح إل هححو‪ ،‬وأل‬
‫يتحدث بها بأنه نصح وعمل وكذا؛ لنه رأبمححا أفسححد المححراد ماححن‬
‫النصيحة بذكره ‪ ،‬وصعب قبححول النصححيحة بعححد اشححتهارأ أن ولححي‬
‫صح‪ ،‬وأشباه ذلك‪.‬‬ ‫المار ن ُ ِ‬
‫ححه بعححض أهححل‬ ‫وعلى هذا جاء الحححديث المعححروف الححذي صحح ّ‬
‫العلم‪ ،‬وهو قوله ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬ما ن أرأاد أن ينصححح‬
‫ن مانححه‪ ،‬فححإن‬
‫ل به‪ ،‬وليححد ْ ُ‬ ‫خ ُ‬
‫لذي سإلطان فل يبده علنية‪ ،‬ولكن لي ْ‬
‫قبل مانه فذاك‪ ،‬وإل فقد أّدى الذي عليه ‪. ‬‬
‫كر على الماام‬ ‫ُ‬
‫وقد سإئل ابن عباس ‪-‬رأضي الله عنهما‪ -‬هل أن ْ ِ‬
‫علنا؟ فقال ‪ :‬ل ‪ ،‬بل َدارأِهِ بذلك سإرا ‪.‬‬
‫وفححي صحححيح البخححارأي ‪-‬أيضححا‪  :-‬أن أسإححاماة بححن زيححد جححاءه‬
‫جماعة‪ ،‬وقححالوا لححه‪ :‬أل تنصححح لعثمححان؟ أل تححرى ماححا نحححن فيححه؟‬
‫فقال‪ :‬أماا إني ل أكون فاتح باب فتنة وقد بذلته لححه سإححرا ‪ ‬أو‬
‫كما جاء عن أسإاماة بن زيد في صحيح البخارأي ‪.‬‬
‫فدل ذلك على اشتراط أن تكحون النصحيحة سإحرا‪ ،‬وهحذا ماحن‬
‫حقه‪ ،‬إلى غّير ذلك مان الشروط الححتي ذكرهححا أهححل العلححم فححي‬
‫هذا الموضع ‪.‬‬
‫والنصححيحة لعاماححة المسححلمين ‪ ‬لئمححة المسححلمين وعححاماتهم ‪‬‬
‫العاماة‪ :‬هم غّير الئمة‪ ،‬والئمة إذا أطلقت فإنه يراد بهححم الئمححة‬
‫في المار العام‪ ،‬وليس الئمة فححي العلححم؛ لن علححى هححذا جححرى‬
‫الصطلح ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أماا لفظ "ولي المار" فإنه في الصل أن ولي المار ي ُعَْنى بححه‬
‫الماححام العححام للمسححلمين؛ لن ولة الماححر فححي عهححد الخلفححاء‬
‫الراشدين‪ ،‬وفي عهد ماعاوية ‪ ،‬لن ولة الماححر فححي ذاك الزماححان‬
‫كانوا يجمعون بين فهم الدنيا وفهم الشريعة ‪.‬‬
‫وأماححا بعححد ذلححك فقححد قححال العلمححاء‪ :‬إن ولة الماححر كّل فيمححا‬
‫يخصه‪ ،‬هم العلماء والماراء؛ الماراء في المار العام الذي يتعلق‬
‫بأماورأ المسلمين العاماة‪ ،‬والعلمححاء فححي أماححر ديححن النححاس‪ ،‬فهححذا‬
‫حصل تفسير بحأن ولة الماحر ُيعن َححى بهححم هحذا وهحذا؛ لنححه صحارأ‬
‫مان ليس بعالم لمححا شححاع الملححك‬ ‫المار فيما بعد أنه تولى المار َ‬
‫في عهد بن أماية‪ ،‬ثأم في عهد بني العباس‪ ،‬فما بعد ذلك‪.‬‬
‫فالنصيحة الئمة المسلمين المقصود بهم في الحححديث الئمححة‬
‫الذين يلحون الماححر العححام ‪ ،‬أماححا أئمحة الححدين فححإنهم ‪-‬أيضحا‪ -‬لهحم‬
‫نصيحة‪ ،‬ولهم الحححق‪ ،‬والنصححيحة لهححم ‪-‬يعنححي العلمححاء‪ -‬أن تحبهححم‬
‫لجل ماا هم عليححه ماححن الححدين‪ ،‬وماححا يبححذلون للنححاس ماححن العلححم‬
‫صححروا فيمححا يقولححونه ماححن أماححر الشححريعة‪ ،‬وفيمححا‬ ‫والخيححر‪ ،‬وأن ُين َ‬
‫ب عنهم ‪ ،‬وعححن أعراضححهم‪،‬‬ ‫يبلغونه عن الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬وأن ي ُذ َ ّ‬
‫وأن يحبوا أكثر مان ماحبة غّيرهم مان المححؤمانين؛ لن اللححه ‪-‬جححل‬
‫‪‬‬ ‫وعل‪ -‬عقحححد الوليحححة بيحححن المحححؤمانين بقحححوله ‪ :‬‬
‫‪. (1)      ‬‬
‫يعني‪ :‬بعضهم يحححب بعضححا‪ ،‬وينصححر بعضححا‪ ،‬وماححن المعلححوم أن‬
‫أعلى المؤمان إيمانا هم الراسإخون في العلم‪ ،‬أو هم أهل العلم‬
‫العامالون به‪ ،‬كما قال ‪-‬جل وعل‪     : -‬‬
‫‪. (2)       ‬‬
‫حّبوا‪ ،‬وأن يذب عن أعراضهم‪ ،‬وأن‬ ‫فالنصيحة لهل العلم أن ي ُ َ‬
‫يؤخححذ ماححا ينقلححونه ماححن العلححم‪ ،‬وأن ينصححروا فيمححا نصححروا فيححه‬
‫فظ لهم ماكانتهم وسإابقتهم‪ ،‬ونشححرهم للعلححم‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫الشريعة ‪ ،‬وأن ت ُ ْ‬
‫ونشرهم للدين‪ ،‬وهححذه كلهححا حقححوق واجبححة لهححم؛ لن لهححم فححي‬
‫ذل لهححم‬‫ن في أهل العلم‪ ،‬أو لم ت ُب ْ َ‬‫الملة ماقاماا عظيما‪ ،‬وإذا ط ُعِ َ‬
‫النصححيحة الواجبححة بهححذا المعنححى‪ ،‬فححإن ذلححك يعنححي أن الشححريعة‬
‫‪ - 1‬سإورأة التوبة آية ‪.71 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة المجادلة آية ‪.11 :‬‬

‫‪94‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫تضعف في الهيبة في نفوس الناس؛ فإنه إذا ن ِيحح َ‬


‫ل ماححن العححالم‪،‬‬
‫حت َححرم فححإن الشححريعة تضححعف فححي نفححوس‬ ‫صححر‪ ،‬ولححم ي ُ ْ‬
‫أو لححم ي ُن ْ َ‬
‫الناس‪ ،‬فإنه إنما ينقلها أهل العلم‪.‬‬
‫وأماححا النصححيحة لعاماححة المسححلمين فهححي إرأشححادهم لمححا فيححه‬
‫صلحهم في الدنيا والخرة‪ ،‬لما فيه صلحهم فححي دنيححاهم وفححي‬
‫آخرتهم‪.‬‬
‫هححذا جمححاع النصححيحة للمححؤمانين‪ ،‬بححأن يحبححوا فححي اللححه‪ ،‬وأن‬
‫ينصروا في الحق‪ ،‬وأن يتعاون ماعهححم علححى الخيححر والهححدى‪ ،‬وأل‬
‫يتعححاون ماعهححم علححى الثأححم والعححدوان‪ ،‬وأن ُيححبّين لهححم الحححق‪،‬‬
‫وينصحححوا فيححه‪ ،‬ويرشححدوا إلححى ماححا فيححه صححلحهم فححي دنيححاهم‬
‫وآخرتهم‪ ،‬بأنواع النصح بالقول والعمل‪ ،‬وأن ينكر عليهم المنكححر‬
‫إذا واقعوه لحق الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وأنهححم إذا رأئححي أنهححم يحتححاجون‬
‫إلى عقاب شرعي أو تعزير ‪-‬يعني بحد أو تعزير‪ -‬فححإنه يرحمهححم‬
‫بذلك‪ ،‬فإن هذه الماورأ مابناها على الرحمة‪.‬‬
‫ذل وتحكم فيهم بشرع الله‪،‬‬ ‫فالنصيحة لعاماة المسلمين أن ت َب ْ ُ‬
‫وأن تعطيهم حقهم‪ ،‬وأن تلزماهم بأمار الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬إذا كححانوا‬
‫تحت يدك‪ ،‬وهذا على قدرأ السإتطاعة‪.‬‬
‫سَعى فيهم بمححا يصححلحهم‪،‬‬
‫ثأم إنه إذا حصل مانهم ضد ّ ذلك في ُ ْ‬
‫وماا فيه سإعادتهم وإرأشادهم بالبيان‪ ،‬أو باللزام بحسب الحححوال‬
‫‪.‬‬
‫وكل حق للمسلم على المسححلم يححدخل فححي النصححيحة لعاماححة‬
‫المسلمين‪ ،‬فكلمة النصيحة إذن ‪-‬كما ترى‪ -‬كلمححة جاماعححة دخلححت‬
‫فيها جميع الحقوق الشرعية للححه‪ ،‬وللكتححاب‪ ،‬ولرسإححوله ‪ ‬ولئمححة‬
‫المسححلمين ولعححاماتهم ‪ ،‬فهححي كلمححة عظيمححة جاماعححة‪ ،‬جمعححت‬
‫الحقوق جميعا لما فيه خير الدنيا والخرة للناصححح‪ ،‬يعنححي للححذي‬
‫قام بالنصيحة‪ ،‬فكل مافرط في أمار مان أمار الله فقد فرط في‬
‫شيء مان النصيحة الواجبة‪ .‬والله المستعان ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثامن‬
‫أمرت أن أقاتل الناس‬
‫وعن ابن عمر ‪-‬رأضي الله عنهما‪ -‬أن رأسإول اللححه ‪ ‬قححال‪ُ  :‬أما رت‬
‫دا‬
‫ن ماحمحح ً‬
‫أن أقاتل الناس حححتى يشححهدوا أن ل إلححه إل اللححه‪ ،‬وأ ّ‬
‫رأسإول اللححه‪ ،‬ويقيمححوا الصححلة ويؤتححوا الزكححاة‪ ،‬فححإذا فعلححوا ذلححك‬
‫عصموا ماني دمااءهم وأماوالهم إل بحق السإلم‪ ،‬وحسابهم علححى‬
‫الله ‪-‬تعالى‪  -‬رأواه البخارأي وماسلم‬
‫هذا الحديث ‪-‬حديث ابن عمر ‪-‬رأضي اللححه عنهمححا‪ -‬أن رأسإححول‬
‫الله ‪ ‬قال ‪ُ  :‬أمارت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل‬
‫دا رأسإول الله‪ ،‬ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة ‪. ‬‬‫ن ماحم ً‬
‫الله‪ ،‬وأ ّ‬
‫قححوله‪  :‬أما رت أن أقاتححل النححاس حححتى يشححهدوا ‪ ‬يعنححي‪ :‬أن‬
‫دا رأسإول الله‪ ،‬وماححا يلححزم عنهححا‬ ‫شهادة أل إله إل الله‪ ،‬وأن ماحم ً‬
‫مان إقام الصلة وإيتاء الزكاة‪ ،‬هذه ل بد مان ماطالبة الناس بهححا‬
‫ل إليهححم المصححطفى‬ ‫سإ َ‬ ‫ُ‬
‫جميعا‪ ،‬المؤمان والكافر‪ ،‬وللناس جميعا أْرأ ِ‬
‫ماَر أن يقاتلهم بقول الله ‪-‬جل وعل‪: -‬‬ ‫ُ‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬وأ ِ‬
‫‪ (1)         ‬وبقوله‬
‫‪‬‬ ‫‪         :‬‬
‫‪          ‬‬
‫… الية‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪        ‬‬

‫فأمار الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بالقتححال حححتى ت ُل ْت َححزم الشححريعة‪ ،‬وهححذا ل‬


‫يعني أنه ي ُب َْتدأ بالقتال؛ بل هذا يكون بعححد البيححان‪ ،‬وبعححد النححذارأ‪،‬‬
‫فقد كان ‪-‬عليه الصلة السلم‪ -‬ل يغزو قوماا حتى يؤذنهم‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫حتى يأتيهم البلغ بالححدين‪ ،‬فقححد أرأسإححل ‪-‬عليحه الصحلة والسححلم‪-‬‬
‫الرسإائل المعروفة إلى عظمححاء أهححل البلد فيمححا حححوله‪ ،‬يبلغهححم‬
‫دين الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬ويأمارهم بالسإلم‪ ،‬أو فالقتححال‪ ،‬وهححذا ذائححع‬
‫ماشهورأ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة التوبة آية ‪.36 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة التوبة آية ‪.29 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة التوبة آية ‪.29 :‬‬

‫‪96‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫إذن فقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬أما رت أن أقاتححل النححاس‬


‫حتى يشهدوا ‪ ‬يعني بعد البيححان والعححذارأ‪ ،‬فهححو يقححاتلهم حححتى‬
‫يلتزماوا بالدين‪ ،‬وهل هذا يعني أنه هو الخيارأ الوحيد؟‬
‫الجواب‪ :‬هذا في حق المشركين؛ ولهذا حمل طائفة مان أهل‬
‫قَبل مانهم الجزية‪،‬‬
‫العلم أن الناس هنا هم المشركون الذين ل ت ُ ْ‬
‫ول يقرون على الشرك‪.‬‬
‫أماا أهل الكتاب‪ ،‬أو مان له شبهة كتاب‪ ،‬فإنه ُيخّير‪ ،‬أهل تلححك‬
‫الملل ماا بين المقاتلة ‪-‬يعني‪ :‬بين القتال‪ -‬أو أن ُيع ُ‬
‫طححوا الجزيححة‪،‬‬
‫حتى يكونوا في حماية أهل السإححلم‪ ،‬يعنححي‪ :‬أنهححم تححدخل البلححد‪،‬‬
‫ويكون هؤلء رأعايا لدولة السإلم‪ ،‬وبذلك ل يقتلون‪.‬‬
‫وهذا في حق أهل الكتاب واضح؛ فإن أهل الكتححاب ماخي ّححرون‬
‫بين ثألثأة أشياء‪:‬‬
‫صم دمااؤهم وأماوالهم‪.‬‬
‫ماا أن يسلموا‪ ،‬فت ُعْ َ‬ ‫إ ّ‬
‫قات َُلوا حتى يظهر دين الله‪.‬‬ ‫وإماا أن ي ُ َ‬
‫وإماا أن يرضوا بدفع الجزية‪ ،‬وهي ضريبة على الرءوس‪ ،‬ماال‬
‫على كل رأأس‪ ،‬فيبقوا رأعايا في دولححة السإححلم‪ ،‬ويسححمون أهححل‬
‫الذماة‪.‬‬
‫قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬أمارت أن أقاتححل النححاس حححتى‬
‫يشهدوا أن ل إله إل الله ‪. ‬‬
‫المقصححود بالشححهادة هنححا شححهادة ل إلححه إل اللححه‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن‬
‫ف عححن قتححالهم بححأن‬ ‫يقولوا‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬فححأول الماححر أنححه ي ُك َحح ّ‬
‫يقولوا هذه الكلمة‪ ،‬وقد يكون قالها تعوذا‪ ،‬فتعصمه هذه الكلمة‬
‫حتى ي ُْنظر عملححه‪ ،‬وماعلححوم فححي الصحححيح قصححة أسإححاماة‪ ،‬وقصححة‬
‫خالد‪ ،‬حيث قتل ماححن قححال ل إلححه إل اللححه‪ ،‬فلمححا سإححأل النححبي ‪‬‬
‫القاتل‪ ،‬قال‪  :‬أقتلته بعدماا قال‪ :‬ل إله إل الله؟ قححال‪ :‬يححا رأسإححول‬
‫الله‪ ،‬إنما قالها تعوذا ‪-‬يعني‪ :‬مان القتل‪ -‬قال‪ :‬فكيف تفعل بها إذا‬
‫جاء يحاج بها يوم القياماة؟ ‪ ‬فنححدم‪ ،‬وود أنححه لححم يفعححل ذلححك‪،‬‬
‫فهذا ُيكتفى فيه بالقول‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فإذن قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ح تى يشححهدوا أن ل إلححه‬


‫دا رأسإول الله ‪ ‬المقصود به هنححا ‪-‬يعنححي فححي‬ ‫إل الله وأن ماحم ً‬
‫مابدأ المار‪ -‬أن يقححول الكححافر‪ :‬أشححهد أن ل إلححه إل اللححه ‪ ،‬أو أن‬
‫يقول‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬ماحمد رأسإول الله‪.‬‬
‫ومان هنا اختلف العلماء‪ :‬لم أضاف إقاماة الصلة وإيتاء الزكاة‬
‫بعدها؟‬
‫دا رأسإححول‬
‫قال ‪  :‬حتى يشهدوا أن ل إلححه إل اللححه‪ ،‬وأن ماحمحح ً‬
‫الله‪ ،‬ويقيموا الصلة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة ‪. ‬‬
‫ومان المعلوم أنه ل يشترط ‪-‬يعنححي بالجمححاع‪ -‬أنححه ل يشححترط‬
‫في الكف عن قتال الكافر أن يقيم الصححلة وأن يححؤتي الزكححاة‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬هذا باعتبارأ المآل‪ ،‬يعني‪ :‬قالت طائفة‪ :‬هذا باعتبارأ المآل‪،‬‬
‫فحى مانحه بالشحهادتين‪ ،‬فيكحف عنحى دماحه‪ ،‬ثأحم يطحالب‬ ‫يعنحي‪ :‬ي ُك ْت َ َ‬
‫بحقها‪ ،‬وأعظم حقوقهححا الظححاهرة إقاماححة الصححلة‪ ،‬وإيتححاء الزكحاة‪،‬‬
‫حتى يكون دخل في الدين بصدق‪ ،‬كما قال‪ -‬جل وعل‪  : -‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫فتبين بهذا أن قوله‪  :‬ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة ‪ ‬ليست‬


‫على ظاهرها‪ ،‬مان أنه ل ي ُك َ ّ‬
‫ف عنه حتى تجتمع الثلثأة‪ :‬الشححهادة‪،‬‬
‫والصلة‪ ،‬والزكاة‪.‬‬
‫ماعلوم أنه قد يشهد قبل حلول الصلة‪ ،‬ووقت الصلة رأبمححا ‪،‬‬
‫والصلة تحتاج إلى طهارأة‪ ،‬وإلى غّسل‪ ،‬إلى غّير ذلححك‪ ،‬والزكححاة‬
‫تحتاج إلى شروط‪ ،‬ماححن دورأان الحححول‪ ،‬وشححروط أ ُ َ‬
‫خححر ماعروفححة‬
‫لوجوبها‪.‬‬
‫قححال طائفححة ماححن أهححل العلححم ‪ :‬إن المقصححود هنححا ‪ ‬ويقيمححوا‬
‫الصلة ويؤتوا الزكاة ‪ ‬أي‪ :‬يلتزماوا بها‪ ،‬يعني‪ :‬أن يقححول‪ :‬ل إلححه‬
‫إل اللححه‪ ،‬ماحمححد رأسإححول اللححه ‪ ،‬ويلححتزم بجميححع شححعائر السإححلم‪،‬‬
‫وأعظمها حقّ البححدن ‪ ،‬وحححقّ اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬المتعلححق بالبححدن‪،‬‬
‫وهو الصلة‪ ،‬وحق الله ‪-‬جل وعل‪ -‬المتعلق بالمال وهو الزكاة ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة التوبة آية ‪.11 :‬‬

‫‪98‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وماعنى اللححتزام أن يقححول ‪ :‬أنححا ماخححاطب بهححذه‪ ،‬فمعناهححا أنححه‬


‫دخل في العقيدة‪ ،‬وفي الشريعة‪ ،‬فإنه قد يقول‪ :‬ل إله إل اللححه‪.‬‬
‫ول يؤدي بعححض الواجبححات‪ ،‬ل يححؤدي الصححلة‪ ،‬ول يححؤدي الزكححاة‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬أنا لم أدخل إل في التوحيد‪ ،‬ماا التزمات بهذه العمال ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬دل قححوله‪  :‬ويقيم وا الصححلة ويؤتححوا الزكححاة ‪ ‬علححى‬
‫وجوب اللححتزام بالعبححادات‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن يعتقححد أنححه ماخححاطب بكححل‬
‫حكم شرعي‪ ،‬وأنه ل يخححرج عححن الحكححام الشححرعية؛ لن هنححاك‬
‫خاطبوا بترك شرب الخمححر‪ ،‬أو‬ ‫مان العرب مان قبلوا بشرط أل ي ُ َ‬
‫أل يكونوا ماخاطبين بعدم نكاح المحارأم‪ ،‬وأشباه ذلك‪.‬‬
‫فححاللتزام بالشححريعة ماعنححاه‪ :‬أن يكححون ماعتقححدا دخححوله فححي‬
‫الخطاب بكل حكم مان أحكام الشريعة‪ ،‬وهذا ‪-‬كما هححو ماعلححوم‪-‬‬
‫ماقترن بالشهادتين‪.‬‬
‫لهذا قال العلماء ‪ُ :‬تقاَتل الطائفة الممتنعححة عححن أداء شححريعةٍ‬
‫مان شعائر الله ‪ ،‬قالوا ‪ :‬تقاتل الطائفة الممتنعة عن أداء التزام‬
‫شعيرة مان شعائر السإلم‪ ،‬واجبة أو ماستحبة ‪ ،‬وماعنى قولهم ‪:‬‬
‫"تقاتل الطائفة الممتنعة"‪ :‬أنه لو اجتمع أناس فقالوا‪ :‬نحن نلتزم‬
‫بأحكام السإلم‪ ،‬لكححن ل نلححتزم بححالذان‪ ،‬بمعنحى أن الذان ليحس‬
‫لنا‪ ،‬وإنما لطائفة مان الماة أخرى‪.‬‬
‫أو يقولون‪ :‬نلتزم إل أن بالزكاة‪ ،‬فالزكاة لسنا ماخححاطبين بححأن‬
‫نعطيهححا الماححام ‪ ،‬يعنححي‪ :‬أنهححم يعتقححدون أن شححيئا ماححن الشححريعة‬
‫ليسححوا داخليححن فيححه‪ ،‬هححذا الححذي يسححمى "الماتنححاع"‪ ،‬الطائفححة‬
‫الممتنعة يعني‪ :‬التي تقول هذا الحكححم ليححس لححي‪ ،‬وإنمححا لكححم ‪،‬‬
‫ماثل ماانعي الزكاة في عهد أبي بكر‪ ،‬يعني بعض ماانعي الزكححاة‬
‫الححذين ارأتححدوا‪ ،‬وماثححل الححذين يزعمححون سإححقوط التكححاليف عنهححم‪،‬‬
‫وأنهححم غّيححر ماخححاطبين بالصححلة والزكححاة‪ ،‬وأنهححم غّيححر ماخححاطبين‬
‫بتحريم الزنا وأشباه ذلك ‪.‬‬
‫فيه تفاصيل لهذا‪ ،‬المقصود أن قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪: -‬‬
‫‪ ‬أن أمارت أن أقاتححل النححاس حححتى يشححهدوا أن ل إلححه إل اللححه‪،‬‬
‫دا رأسإول الله‪ ،‬ويقيمححوا الصححلة‪ ،‬ويؤتححوا الزكححاة ‪ ‬أن‬
‫وأن ماحم ً‬

‫‪99‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫هذا لداء حقححوق كلمححة التوحيححد "ل إلححه إل اللححه ماحمححد رأسإححول‬
‫الله"‪.‬‬
‫اختلف العلماء في الفرد الذي يمتنع عن أداء الصلة ‪ ،‬يمتنححع‬
‫يعني يقول‪ :‬ل أؤديها‪ .‬أماا الذي ل يلتزم‪ ،‬بمعنححى يقححول‪ :‬أنححا غّيححر‬
‫ماخاطب‪ .‬فسواء كان فرد أو جماعة‪ ،‬فإنه كافر‪ ،‬ليس لححه حححق‪،‬‬
‫صم مااله ول دماه‪.‬‬‫ول ي ُعْ َ‬
‫لكن الذي يمتنع عن الداء‪ ،‬ماع التزاماه بححذلك‪ ،‬فححاختلفوا‪ :‬هححل‬
‫قَتل حتى يستتيبه إماام‬ ‫قَتل تارأك الصلة؟ والصحيح فيها أن ل ي ُ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫أو نائبه‪ ،‬ويتضايق وقت الثانية عنهححا‪ ،‬ويححؤمار بهححا ثألثأححا‪ ،‬ثأححم بعححد‬
‫ذلك يقتل مارتدا على الصحيح‪.‬‬
‫قت َححل ؟ علححى رأوايححتين‬
‫فاختلفوا أيضا في المانع للزكححاة هححل ي ُ ْ‬
‫عند الماام أحمد‪ ،‬وعلى قولين ‪-‬أيضا‪ -‬عنححد بقيححة العلمححاء‪ ،‬يعنححي‬
‫قوله‪ :‬أنه يقتل‪ ،‬والثاني ل يقتل في الفرد الذي يمتنححع عححن أداء‬
‫الزكاة ‪.‬‬
‫م خلف بيححن أهححل‬ ‫وهكذا في سإائر الحكام والصوم والحج‪ ،‬ثأ َ ّ‬
‫قَتل ؟ يعني‪ :‬وأصر على الححترك‪ ،‬ودعححاه‬ ‫العلم فيمن تركه‪ ،‬هل ي ُ ْ‬
‫الماام وقال‪ :‬افعل‪ ،‬هل يقتل أو ل يقتل؟ اختلفوا في هححذا كلححه‬
‫بما هو مابسوط في كتب الفروع‪ ،‬وماعروفة‪.‬‬
‫قححال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬بعححد ذلححك‪  :‬ف إذا فعلححوا ذلححك‬
‫عصموا ماني دمااءهم وأماوالهم ‪. ‬‬
‫ل على أن الكافر ماباح المال‪ ،‬وماباح الدم‪ ،‬وأن مااله ‪-‬وهححو‬ ‫دَ ّ‬
‫الحربي‪ -‬أن مااله ماباح ‪ ،‬يعني‪ :‬ل شيء في سإرقة ماال الحربي‪،‬‬
‫وهو مان بينك وبينه حرب‪ ،‬تحارأبه‪ ،‬فوجدت شيئا ماححن ماححاله‪ ،‬فل‬
‫ح دماححه‪ ،‬وأبيححح ماححاله بححالتبع‪ ،‬بخلف‬ ‫ُ‬
‫له ل يحرم مااله؛ لنه قد أِبي َ‬
‫المعاهد والمستأمان‪ ،‬أو مان خانك؛ فإنه ل يجوز أن تعتدي علححى‬
‫شيء مان أماوالهم‪ ،‬حتى ولو كان غّير ماسلم‪ ،‬إل إذا كان حربيا‪.‬‬
‫ذماي ‪-‬ولو خانوا فححي المححال‪-‬‬ ‫يعني‪ :‬أن المستأمان والمعاهد وال ّ‬
‫فإنه ل يجوز التعححدي علححى أماححوالهم‪ ،‬وإذا لححم يخونححوا ماححن بححاب‬
‫ح ماالهم‪ ،‬وقد جاء فححي الحححديث ‪  :‬أد ّ الماانححة‬‫أولى؛ لنهم لم ي ُب َ ْ‬
‫‪100‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫إلى مان ائتمنك‪ ،‬ول تخن مان خانك ‪ ‬لنك تعامالهم لحححق اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ ،-‬فل تستبيح ماالهم لجل ماا هم عليه؛ بل تؤدي فيهم‬
‫حق الله ‪-‬جل وعل‪.‬‬
‫مان ليس كذلك ‪-‬يعني المشححرك الححذي أب َححى أن يشححهد أل‬ ‫أماا َ‬
‫إله إل الله‪ ،‬وأن يقيم الصلة‪ ،‬وأن يؤتي الزكححاة‪ -‬فهححذا ل يحححرم‬
‫مااله ودماه؛ بل يباح مانححه الححدم‪ ،‬فيقتححل علححى الكفححر؛ لنححه أصححر‬
‫على ذلك‪ ،‬يعني بعححد إقاماححة الحجححة عليححه‪ ،‬أو بعححد العححذارأ؛ لن‬
‫هذه هو الصل ‪.‬‬
‫وجاء في صحححيح ماسححلم ماححا هححو بخلف الصححل‪ ،‬أن النححبي ‪‬‬
‫حديث ابن عباس المعروف‪  :‬أن النبي ‪ ‬غّزا قوماا وهم غّححاّرأون‬
‫‪ ‬يعني‪ :‬بدون أن يححؤذنهم ‪ .‬وهححذا كالسإححتثناء ماححن الصححل‪ ،‬ولححه‬
‫بعض أحكاماه ماما هو اسإححتثناء ماححن القاعححدة‪ ،‬فالصححل أن النححبي‬
‫‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬ل يقاتححل قوماححا حححتى يححؤذنهم ‪ ،‬حححتى‬
‫يبلغهم‪ ،‬ورأبما فعل غّير ذلك في قصة بني المصطلق المعروفححة‬
‫‪ ،‬أنه غّزاهم وهم غّاّرأون‪ ،‬في تفاصيل ذلك ‪.‬‬
‫قححال ‪  :‬عص موا مانححي دماححاءهم وأماححوالهم إل بحححق السإححلم‬
‫وحسابهم على الله جل وعل ‪. ‬‬
‫حق السإلم‪ :‬يعني ماا جاء في السإلم التشريع به‪ ،‬مان إباحة‬
‫الدم‪ ،‬أو إباحة المال‪ ،‬فإذا شححهدوا الشححهادتين‪ ،‬وأقححاماوا الصححلة‪،‬‬
‫وآتوا الزكاة ‪ ،‬فإنهم إخواننا‪ ،‬فتحرم دماححاؤهم وأماححوالهم إل بحححق‬
‫السإلم‪ ،‬يعني ‪ :‬إل بما أباح السإلم ‪ ،‬أو شرع اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫في هذه الشريعة أن دماهم ماباح ‪ ،‬ماثل الثيب الزاني ‪ ،‬والنفس‬
‫بالنفس‪ ،‬وماا أشبه ذلك ماما هححو ماعححروف‪ ،‬وسإححيأتي بعضححه فححي‬
‫الحديث‪  :‬ل يحل دم امارئ ماسلم إل بإحدى الثلث ‪. ‬‬
‫قال‪  :‬وحسابهم على الله ‪.  ‬‬
‫هذا لما تقدم مان أنه قد يشهد‪ ،‬ويقيم الصلة‪ ،‬ويؤتي الزكححاة‬
‫ل سإريرته إلى الله ‪-‬جل‬ ‫ظاهرا ‪ ،‬فنقول‪ :‬نقبل مانه الظاهر‪ ،‬ون َك ِ ُ‬
‫وعل‪ -‬كحال المنافقين ‪ ،‬المنافقون نعلم أنهم كفارأ‪ ،‬لكححن نعصححم‬
‫دماهم وماالهم بما أظهروه‪ ،‬وحسابهم على الله ‪-‬جل وعل‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫بهذا نقول‪ :‬الكفر كفران‪:‬‬


‫دة ‪ :‬تترتب عليه الحكام‪ ،‬مان إباحة المال والدم‪.‬‬ ‫ر ّ‬
‫كفر ِ‬
‫كم عليه بأنه كافر‪ ،‬لكححن ل‬‫ح َ‬
‫وكفر نفاق‪ :‬نعلم أنه كافر‪ ،‬وي ُ ْ‬
‫تترتب عليه أحكام الكفر؛ لنه مالحق بالمنافقين‪ ،‬وهححذا ماعححروف‬
‫في تفاصيله في كلم أهل العلم ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث التاسع‬
‫ما نهيتكم عنه فاجتنبوه‬
‫وعن أبي هريرة عبد الرحمن بححن صححخر ‪ ‬قححال‪ :‬سإححمعت رأسإححول‬
‫الله ‪ ‬يقول‪  :‬ماا نهيتكم عنححه فححاجتنبوه‪ ،‬وماححا أمارتكححم بححه فححأتوا‬
‫مانه ماا اسإتطعتم؛ فإنما أهلك الذين مان قبلكححم كححثرة ماسححائلهم‬
‫واختلفهم على أنبيائهم ‪ ‬رأواه البخارأي وماسلم ‪.‬‬
‫هذا الحديث هو الحديث التاسإححع ماححن هححذه الرأبعيححن النوويححة‪،‬‬
‫وهو حديث أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسإي أن النبي‬
‫‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬قححال ‪  :‬ما ا نهيتكححم عنححه فححاجتنبوه‪ ،‬وماححا‬
‫أمارتكم به فأتوا مانه ماا اسإتطعتم ‪. ‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ماا نهيتكم عنه فاجتنبوه ‪ ‬فما‬
‫نهى عنه فإنه ُيجت ََنب‪ ،‬وهذا عام في كححل مانهححي عنححه‪ ،‬والمنهححي‬
‫عنه قسمان‪ :‬مانهي عنه للتحريم‪ ،‬ومانهححي عنححه للفضححلية‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫يكون النهي فيه للكراهة ‪ ،‬وماا كان للتحريم يجب فيه الجتناب‪،‬‬
‫وماا كان للكراهية يستحب فيه الجتناب‪.‬‬
‫إذن قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬ماا نهيتكم عنه فاجتنبوه ‪‬‬
‫هذا كقول الله ‪-‬جل وعل‪      : -‬‬
‫‪. (1)     ‬‬
‫فالححذي نهححى عنححه ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬نحححن ماححأماورأون‬
‫بالنتهاء عنه‪ ،‬فإن كان ماحرماا فالمار بالنتهاء عنححه أماححر إيجححاب‪،‬‬
‫وإن كان ماكروها فالمار بالنتهاء عنه أمار اسإتحباب‪.‬‬
‫إذا تقررأ هححذا‪ ،‬فححالمنهي عنححه خلف الصححل؛ لن الصححل فححي‬
‫الشريعة ليس هو النهححي‪ ،‬وإنمححا الصححل فيهححا الماححر‪ ،‬والمنهيححات‬
‫ي عنه لجل أنه خلف الصححل لححم‬ ‫بالنسبة للوامار قليلة‪ ،‬وماا ن ُهِ َ‬
‫يجعل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬النفوس ماحتاجة إليه في حياتها؛ بححل هححي‬
‫ي عنه‪.‬‬
‫ماستغنية عما ن ُهِ َ‬

‫‪ - 1‬سإورأة الحشر آية ‪.7 :‬‬

‫‪103‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ل به لغير الله ليس‬ ‫فإذا نظرت في باب الطعمة فإن ماا أ ُه ِ ّ‬


‫ماحتاجا إليححه‪ ،‬الميتححة ليححس ماحتاجححا إليهححا ‪ ،‬والشححربة المسححكرة‬
‫ليس المرء ماحتاجا إليها‪ ،‬واللبسة المحرماة ليس المرء ماحتاجححا‬
‫إليها؛ وإنما فححي الحلل كححثير كححثير غّ ُن ْي َححة عححن هححذه المحرماححات‪،‬‬
‫فتكون هذه المحرماات في كل باب كالسإتثناء مان ذلححك البححاب‪،‬‬
‫ح وهو الكثرة فححي بححاب‬ ‫ُ‬
‫فالمحرماات مان الشربة اسإتثناء ماما أِبي َ‬
‫ح وهو الكححثرة‬ ‫ُ‬
‫الشربة‪ ،‬والمحرماات مان الطعمة اسإتثناء ماما أِبي َ‬
‫في باب الطعمة ‪.‬‬
‫وهكححذا فححي بححاب اللبسححة‪ ،‬وهكححذا فححي البيوعححات والعقححود‪،‬‬
‫وأشباه ذلك‪.‬‬
‫وهذا مان لطف الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬بالعبححاد؛ فححإنه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ماححا‬
‫جعل شيئا مانهّيا عنه فيه إقاماة الحياة‪ ،‬بححل كححل المنهيححات عنهححا‬
‫إنما ابتَلى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬العباد بها‪.‬‬
‫ماَر بححه فححإنه خيححر‪ ،‬سإححواء أ َفَعَل َححه‬ ‫ُ‬
‫ه عنه فإنه‪ ،‬أو ماا أ ِ‬ ‫وماا لم ي ُن ْ َ‬
‫المرء رأغّبة في الجر بإخلصا‪ ،‬أو فعله لغير مارضححاة اللححه‪ ،‬هححذا‬
‫التفصيل يذكره العلماء عنححد قححول اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬فححي سإححورأة‬
‫"النساء" ‪            :‬‬
‫‪. (1)        ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪           ‬‬ ‫فقال‪:‬‬
‫‪ (2)       ‬هذه المأماورأات فيها خير‪،‬‬
‫ولو فعلها بغير نية صالحة؛ لنها ماتعدية النفع‪ ،‬ماتعدية الثأر‪ ،‬وإن‬
‫فعلها بنية صالحة فإنه يؤجر ماع بقاء الخير‪ ،‬وإن فعلها بغير نية‬
‫فإنه ل يؤجر عليها ماع بقاء خيرية هححذه الفعححال‪ ،‬ولهححذا وصححفها‬
‫بالخيرية‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫وبعد ذاك قال‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.114 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النساء آية ‪.114 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة النساء آية ‪.114 :‬‬

‫‪104‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فمن أمار بصدقة أو ماعروف‪ ،‬أو إصححلح بيححن النححاس بل نيححة‪،‬‬


‫فقد أتى خيرا‪ ،‬ولو كححانت نيتححه غّيححر صححالحة؛ لن هححذه الفعححال‬
‫ماتعدية‪ ،‬وإذا أتاها بنية صالحة فإنه يؤجر عليها‪.‬‬
‫حّرم ون ُهححي عنححه فححإنه يجححب اجتنححابه‪،‬‬
‫بخلف المحرماات؛ فما ُ‬
‫فل خيححر فيححه ألبتححة‪ ،‬يعنححي ماححن حيححث تعححدي الخيححر أو تعححدي‬
‫المصلحة‪ ،‬وقد يكون فيه مانفعة دنيوية‪ ،‬لكنها ماقابلححة بالمضححرة‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫كما قال ‪-‬جل وعل‪ -‬فححي الخمححر والميسححر ‪   :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪     ‬‬

‫معَّين‪ ،‬لكن باعتبارأ الضررأ فيها إثأححم كححبير‪،‬‬


‫ففيها نفع باعتبارأ ال ُ‬
‫وهذا بخلف الوامار التي فيها خير‪.‬‬
‫إذا تقررأ هذا فنقول‪ :‬قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ماا نهيتكم‬
‫م فححي كححل مانهححي‪ ،‬وجححواب الشححرط‬
‫عنححه فححاجتنبوه ‪ ‬هححذا عححا ّ‬
‫"فاجتنبوه" ‪.‬‬
‫والمنهي عنه إماا أن يكححون ماحرماححا‪ ،‬وإماححا أن يكححون ماكروهححا‬
‫كما ذكرت لكم‪ ،‬والصل فححي المنهيححات ‪-‬يعنححي فيمححا نهححى عنححه‬
‫عليه الصلة والسلم‪ -‬إذا كان في أماورأ العبححادات أنححه للتحريححم‪،‬‬
‫وإذا كان في أماورأ الداب أنححه للكراهيححة‪ ،‬يعنححي‪ :‬إذا جححاء النهححي‬
‫في أمار مان العبادات فهححو للتحريححم؛ لن الصححل فححي العبححادات‬
‫التوقيف‪ ،‬وإذا جاء النهي في أدب مان الداب‪ ،‬فالصححل فيححه أن‬
‫يكون للكراهة‪.‬‬
‫بهذا أجمع العلماء علحى أن النهحي الحوارأد فحي بعحض الداب‪،‬‬
‫والمار الححوارأد فححي بعححض الداب‪ ،‬أنححه للسإححتحباب فححي الواماححر‪،‬‬
‫وللكراهة فححي النححواهي‪ ،‬ومانححه أخححذ طائفححة ماححن أهححل العلحم أن‬
‫النهي فححي الداب للكراهححة ‪-‬يعنححي الصححل فيححه للكراهححة‪ -‬إل إذا‬
‫جاءت قرينة تدل على أن الصل فيه للتحريم‪.‬‬
‫ماثل‪ :‬قححال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ ، -‬أو جححاء فححي ‪-‬ماثل‪ -‬فححي‬
‫الحديث ‪ ،‬الحديث الذي رأواه البخارأي‪  :‬وأل أكف ثأوبا ول شعرا‬
‫في الصلة ‪ ‬هل هذا ماتصل في العبادة ؟‬
‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.219 :‬‬

‫‪105‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يعنى‪ :‬هو عبادة‪ ،‬أو هو أدب لشرط مان شرائط العبادة وهححو‬
‫اللباس؟‬
‫هو أدب‪ ،‬أل يكف ثأوبا ‪ ،‬أل يكف شعرا هذا أدب‪ ،‬ولهذا ذهب‬
‫عاماححة أهححل العلححم ‪-‬إل عححدد قليححل‪ -‬ذهبححوا إلححى أن النهححي هنححا‬
‫ف ثأححوبه‪ ،‬أو وهححو عححاقص شححعره‪،‬‬ ‫للكراهة‪ ،‬فلححو صححّلى وهححو كححا ّ‬
‫فالصلة صحيحة‪ ،‬ول إثأم عليه‪ ،‬ولو كان النهي للتحريم لصححارأت‬
‫الصلة فاسإدة كنظائرها‪.‬‬
‫ل بيمينك‪ ،‬وك ُ ْ‬
‫ل ماما يليك ‪. ‬‬ ‫م الله‪ ،‬وك ُ ْ‬
‫سإ ّ‬
‫ماثل الوامار‪َ  :‬‬
‫‪ ‬كل بيمينححك ‪ ‬عاماحة أهححل العلحم علحى أن الكحل بححاليمين‬
‫ماستحب‪ ،‬والكل بالشحمال ماكحروه‪ ،‬وهنحاك ماحن قحال بحالتحريم‪،‬‬
‫وفي كل المسائل هححذه خلف بتعححارأض الصححل فيمححا بيححن أهححل‬
‫العلم‪.‬‬
‫لكن الجمهورأ هنا قالوا‪ :‬هذا أدب‪ ،‬كل بيمينك‪ ،‬فلما كان أدب‬
‫صارأ الصل فيه أنه للسإتحباب‪ ،‬و"كل ماما يليك" الصل فيه أنه‬
‫للسإتحباب‪.‬‬
‫ولهذا ترى في كثير مان كتب أهححل العلححم يقححول‪ :‬النهححي هححذا‬
‫للكراهة؛ لنه مان الداب‪ ،‬والماححر للسإححتحباب؛ لنححه ماححن الداب‪،‬‬
‫فيجعلون مان الصوارأف كون الشيء مان الداب‪ ،‬وهذا ماهم‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هنا ‪  :‬ماا نهيتكم عنححه فححاجتنبوه ‪‬‬
‫ولم يقيد بالسإتطاعة‪ ،‬بل أوجب الجتناب‪ ،‬بححل قيححد ‪-‬كمححا قلنححا‪-‬‬
‫لن النتهاء مان المنهيات ليححس فيححه تحميححل فححوق الطاقححة؛ بححل‬
‫المنهيات ل حاجة للعبد بهححا‪ ،‬يعنححي‪ :‬ل تقححوم حيححاته بهححا‪ ،‬بححل إذا‬
‫اسإتغنى عنها تقوم حياته‪ ،‬فليس ماحتاجا ول ماضطرا إليها‪ ،‬وأماححا‬
‫إذا احتححاج لبعححض المنهيححات فهنححا الحاجححة يكححون لهححا ترخيححص‬
‫بحسبها‪.‬‬
‫قال‪  :‬وماا أمارتكم به فأتوا مانه ماا اسإتطعتم ‪. ‬‬

‫‪106‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ماا أمارتكم بحه فححأتوا مانحه ماحا اسإحتطعتم؛ لن الواماحر كححثيرة‪،‬‬


‫ليست ماثل المنهيات‪ ،‬ومانهححا ماححا قححد ل يسححتطيعه العبححد‪ ،‬ولهححذا‬
‫جاءت القواعد ‪-‬بناء على هذا الحديث‪" :-‬ل واجب ماع العجز"‪.‬‬
‫يعني‪ :‬أن المرء إذا عجز عن الشيء فل يجب عليه‪ ،‬كما جاء‬
‫في حديث عمران‪  :‬ص ّ‬
‫ل قائما‪ ،‬فإن لححم تسححتطع فقاعححدا‪ ،‬فححإن‬
‫لم تستطع فعلى جنب ‪. ‬‬
‫فهنا يأتي ماا اسإتطاع ‪ ،‬وقد قال ‪-‬جل وعل‪    : -‬‬
‫‪            ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪     ‬‬ ‫وقال ‪-‬جل وعل‪:-‬‬
‫‪‬‬ ‫وقال ‪-‬جل وعل‪: -‬‬
‫‪        ‬‬
‫)‪ (3‬إلى آخر الدلة على تعليق الوجوب بالقدرأة والسإتطاعة‪.‬‬
‫إذن دلنا قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬وماا أمارتكم به فححأتوا‬
‫مانه ماا اسإتطعتم ‪ ‬أن الوامار كححثيرة ‪ ،‬وأنححه ل واجححب إل ماححع‬
‫القدرأة ‪ ،‬تجب إذا قدرأت عليها‪ ،‬وإذا كنت عاجزا وغّير ماسححتطيع‬
‫فل يجب عليك ذلك بنص النبي عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫هنا اختلف العلماء في ماسألة يطول الكلم عليها‪ :‬هل مانزلححة‬
‫النهي أعظم‪ ،‬أو مانزلة المار؟ يعني‪ :‬هل النتهححاء عححن المنهيححات‬
‫أفضل‪ ،‬أم فعل الوامار والتيان بها الفضل؟‬
‫تنازع العلماء في هذا على قولين ‪-:‬‬
‫القول الول ‪ :‬أن النتهاء عن المنهيححات أفضححل ماححن فعححل‬
‫الواماححر‪ ،‬واسإححتدلوا عليححه بأدلححة مانهححا هححذا الحححديث ‪ ،‬بححأنه أماححر‬
‫بالنتهاء ماطلقا ‪ ،‬وقالوا‪ :‬النتهححاء فيححه كلفحة؛ لنهحا أشححياء تتعلححق‬

‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.286 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة التغابن آية ‪.16 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة الحج آية ‪.78 :‬‬

‫‪107‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ت الجنة بالمكارأه‪ ،‬وحفت النارأ بالشهوات‬


‫ف ْ‬
‫ح ّ‬
‫بشهوة المرء‪ ،‬و ‪ُ ‬‬
‫‪ ‬فالنتهاء عن المنهيات أفضل ‪.‬‬
‫وقال جماعة‪ :‬بل المار أفضل‪ ،‬يعنححي‪ :‬اماتثححال الماححر أفضححل‬
‫وأعظححم مانزلححة‪ ،‬واسإححتدلوا عليححه بأدلححة مانهححا ‪ :‬أن آدم ‪-‬عليححه‬
‫ت الملئكة بالسجود له‪ ،‬فلم يسححجد إبليححس‪ ،‬يعنححي‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ماَر ْ‬
‫السلم‪ -‬أ ِ‬
‫لم يمتثل المار‪ ،‬فخسر الدنيا والخححرة‪ ،‬فصححارأ مالعونححا إلححى يححوم‬
‫يبعثون‪ ،‬وثأم هو في النارأ أبد البدين‪ ،‬وهذا لعظم المار‪.‬‬
‫فَر له بذلك‬ ‫قالوا ‪ :‬وآدم أكل مان الشجرة التي نهي عنها‪ ،‬فغُ ِ‬
‫‪ ،‬فهذا أمار بالمار فلم يمتثل فخسر‪ ،‬ذاك فعل المنهي عنححه ثأححم‬
‫أعقبته توبة‪.‬‬
‫وهذا القول الثاني هو الرأجح والظهححر فححي أن فعححل الواماححر‬
‫أعظم درأجة‪ ،‬وأماا المنهيات ارأتكابها فإنه على رأجححاء الغفححران ‪،‬‬
‫أماا التفريط فححي الواماححر ‪-‬يعنححي الواجبححات الشححرعية‪ ،‬الفرائححض‬
‫والرأكان ونحو ذلك‪ -‬فهححذا أعظححم وأعظححم مامححا نهححى اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬عنه ‪ ،‬ماع ارأتباط عظيم بين هذا وهذا‪.‬‬
‫وهذا يفيدنا في تعظيم ماسححألة الماححر‪ ،‬وأن الماححر فحي تعليحق‬
‫العبححاد بححه أعظححم ماححن تعليقهححم بححترك المنهححي‪ ،‬خلف ماححا عليححه‬
‫كثيرون ‪-‬ماثل‪ -‬مان الدعاة وغّيرهم والوعاظ‪ ،‬فححي أنهححم يعظمححون‬
‫جانب المنهي عنه في النفوس الناس‪ ،‬وينهونهم عنه‪ ،‬ويفصححلون‬
‫في ذلك‪ ،‬ول يفصلون لهم في المأماورأات‪ ،‬ول يحضححونهم عليهححا‬
‫‪ ،‬وهذا ليس بجيد؛ بل أمار الناس بمحا أماححر اللحه ‪-‬جححل وعل‪ -‬بحه‬
‫وحضهم على ذلك هذا أولى ‪-‬يعني أرأفع درأجة‪ -‬ماححع وجححوب كحح ّ‬
‫ل‬
‫مان المارين في البيان على الكفاية‪.‬‬
‫مان قبلكم كثرة ماسائلهم واختلفهم علححى‬
‫قال ‪  :‬فإنما أهلك َ‬
‫أنبيائهم ‪. ‬‬
‫ماححن كححان قبلكححم ‪ ‬أو الححذين ماححن قبلكححم ‪ ‬كححثرة‬ ‫‪ ‬أهلححك َ‬
‫ماسححائلهم واختلفهححم علححى أنبيححائهم ‪ ‬هححذا لن السححؤال عححن‬
‫ة‪ ،‬أو لتنطححع‪ ،‬أو ماححا أشححبه ذلحك‪،‬‬ ‫الشياء لم تحرم لزيححادة ماعرفحح ٍ‬
‫هذا ماحرم‪ ،‬فما أمار به النححبي ‪ ‬نححأتي مانححه ماححا اسإححتطعنا‪ ،‬وفححي‬

‫‪108‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ي الصحححابة أن يسححألوا‬
‫وقت التشريع‪ ،‬في وقت نزول الوحي ن ُهِ َ‬
‫م عليهم بسبب المسألة‪.‬‬ ‫حّر َ‬
‫النبي ‪ ‬عن ماسائل؛ لنه رأبما ُ‬
‫قد جاء في الحديث ‪  :‬إن الله فححرض فرائححض فل تضححيعوها‪،‬‬
‫حد ّ حححدودا فل تعتححدوها‪ ،‬وسإححكت عححن أشححياء رأحمححة بكححم غّيححر‬
‫و َ‬
‫نسيان فل تسألوا عنها ‪. ‬‬
‫جاء ‪-‬أيضا‪ -‬في صحيح ماسلم أنه ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬قححال‬
‫‪  :‬إن أعظم المسلمين في المسححلمين جرماححا رأجححل سإححأل عححن‬
‫م لجل ماسألته ‪. ‬‬ ‫حّرم فَ ُ‬
‫حّر َ‬ ‫شيء لم ي ُ َ‬
‫فكثرة المسححألة ل تجححوز ‪ ،‬قححد كححان الصحححابة ‪-‬رأضححوان اللححه‬
‫عليهححم‪ -‬ل يسححألون النححبي ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ ، -‬وكححانت‬
‫ماسألتهم قليلة كلها في الفرائض‪ ،‬وكانوا يفرحون بالرجححل يححأتي‬
‫مان البادية ليسأل وليستفيدوا‪.‬‬
‫وهذا مان الدب المهم الذي ي ُل ْت َححَزم بححه؛ فححإن كححثرة المسححائل‬
‫ليست دالة على ِدين‪ ،‬ول على ورأع‪ ،‬ول على طلب علم؛ وإنما‬
‫دين والخيححر أن ُيقحح ّ‬
‫ل‬ ‫ينبغححي علححى طححالب الحححق‪ ،‬وصححاحب الحح ّ‬
‫‪‬‬ ‫المسائل ماا اسإتطاع‪ ،‬وقد قال ‪-‬جححل وعل‪  : -‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪          ‬‬

‫ت فيها تنزيل هحذا ليحس ماحن فعحل‬ ‫فالسؤال عن أشياء لم يأ ِ‬


‫ما جاء به التنزيل؛ لن الله ‪-‬جححل وعل‪-‬‬ ‫أهل التباع‪ ،‬بل ُيسأل ع ّ‬
‫في هذه الية قال‪         :‬‬
‫‪. (2)         ‬‬
‫ل على أن السؤال ‪-‬إذا كان ماتعلقا بفهححم القححرآن‪ ،‬ويتبعححه‬‫فد ّ‬
‫فهم السنة‪ -‬فإن هذا ل بححأس بحه ‪ ،‬أماححا أن تكححثر المسححائل فححي‬
‫أماورأ ليس ورأاءها طائل‪ ،‬فهذا ماما ينبغي تركه واجتنابه‪.‬‬
‫وقد قال هنا ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬فإنما أهلك الذين ماححن‬
‫قبلكم كثرة ُ ماسائلهم‪ ،‬واختلفهم على أنبيائهم ‪. ‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة المائدة آية ‪.101 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة المائدة آية ‪.101 :‬‬

‫‪109‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وأنت تلحظ هذا‪ ،‬الذين يكثرون السؤال يكثر عندهم الخلف‪،‬‬


‫ولو أخذوا بما عليه العمححل‪ ،‬وماححا تعلمححوه وعملححوا بححه ‪ ،‬وازدادوا‬
‫علما بفقححه الكتححاب والسححنة لحصححلوا خيححرا عظيمححا ‪ ،‬أماححا كححثرة‬
‫السإئلة تؤدي إلى كثرة الخلف‪.‬‬
‫كت عنححه ينبغححي أن يظححل ماسححكوتا عنححه‪ ،‬وأل‬ ‫سحح َ‬
‫فلهححذا ماححا ي ُ ْ‬
‫حّرك‪ ،‬إل فيمححا كححان فيححه نححص‪ ،‬أو تتعلححق بححه ماصححلحة عظيمححة‬ ‫يُ َ‬
‫حححّر َ‬
‫ك‬ ‫حححّرك عححن شححيء؛ لنححه رأبمححا لححو ُ‬
‫كت ل ي ُ َ‬‫س َ‬‫للمسلمين‪ ،‬في ُ ْ‬
‫بالسؤال لختلف الناس ووقعت ماصيبة الختلف والفتراق‪ ،‬وهذا‬
‫ظححاهر لكححم فححي بعححض الحححوال والوقححائع‪ ،‬فححي التارأيححخ القححديم‬
‫والحديث ‪.‬‬
‫نقف عند هذا‪ ،‬وأسإأل اللححه الكريححم لححي ولكححم العلححم النححافع‪،‬‬
‫ل أو ن ُححَزل‪ ،‬أو نضححل أو نضححل‪،‬‬ ‫والعمل الصالح‪ ،‬نعوذ بالله أن ن َزِ ّ‬
‫جهل علينا‪ ،‬وصححلى اللححه وسإححلم وبححارأك علححى نبينححا‬ ‫أو نجهل أو ي ُ ْ‬
‫ماحمد ‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصححلة والسححلم علححى رأسإححول اللححه‪ ،‬وعلححى آلححه‬
‫وصحبه ومان اهتدى بهداه ‪ ،‬أماا بعد‪:‬‬
‫فنتححم شححرحنا لحححاديث الرأبعيححن النوويححة‪ ،‬وهححذا هححو السإححبوع‬
‫الثاني مان هذه الدورأة المبارأكة ‪-‬إن شاء الله تعالى‪ -‬علححى ماححن‬
‫عا ‪.‬‬
‫شارأك فيها إلقاًء وسإما ً‬

‫‪110‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث العاشر‬
‫إن الله تعالى طيب ل يقبل إل طيبا‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رأب العححالمين‪ ،‬والصححلة والسححلم علححى أشححرف النبيححاء‬
‫والمرسإلين‪ ،‬نبينا ماحمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪-‬رأحمه الله تعالى‪ :-‬وعن أبي هريححرة ‪ ‬قححال ‪ :‬قححال‬
‫رأسإول الله ‪  ‬إن الله ‪-‬تعالى‪ -‬طيب ل يقبل إل طيبا‪ ،‬وإن الله‬
‫‪‬‬ ‫أمار المؤمانين بما أمار به المرسإلين‪ ،‬فقال تعححالى ‪ :‬‬
‫‪. (1)        ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫‪. (2) ‬‬ ‫‪‬‬

‫ثأم ذكر الرجل يطيححل السححفر‪ ،‬أشححعث أغّححبر‪ ،‬يمححد يححديه إلححى‬
‫السماء‪ :‬يا رأب‪ ،‬يا رأب‪ .‬وماطعمه وماشربه حرام‪ ،‬ومالبسه حرام‪،‬‬
‫غّذيَ بالحرام‪ ،‬فأّنى يستجاب له ‪ ‬رأواه ماسلم ‪.‬‬ ‫و ُ‬

‫هذا الحديث ‪-‬أيضا‪ -‬مان الحاديث الححتي قيححل فيهححا‪ :‬إنهححا أصححل‬
‫مان أصول الدين‪ ،‬يعني‪ :‬أن كثيرا مان الحكام تدورأ عليها‪.‬‬
‫وهححذا الحححديث فيححه الماححر بالكححل ماححن الطيححب‪ ،‬وأنححه سإححمة‬
‫المرسإلين‪ ،‬وسإمة المؤمانين بالمرسإلين‪ ،‬وأثأر ذلك الكل الطيححب‬
‫مان الحلل على عبادة المرء‪ ،‬وعلححى دعححائه‪ ،‬وعلححى قبححول اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬لعمله‪ ،‬فقال ‪-‬رأحمه الله تعالى‪ -‬وعححن أبححي هريححرة ‪‬‬
‫قال ‪ :‬قال رأسإول الله ‪  ‬إن الله طيب ل يقبل إل طيبا ‪. ‬‬
‫وقوله‪  :‬إن اللححه طيححب ‪ ‬يعنححي‪ :‬أنححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬مانححّزه عححن‬
‫النقائص والعيوب‪ ،‬وأنه ‪-‬جل وعل‪ -‬له أنواع الكمالت في القححول‬
‫والفعل‪ ،‬فكلماححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬أطيححب الكلم‪ ،‬وأفعححاله ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫كلها أفعال خير وحكمة‪ ،‬والشر ليس إلى الله جل وعل ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة المؤمانون آية ‪.51 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.172 :‬‬

‫‪111‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فالله ‪-‬سإبحانه‪ -‬طيب بما يرجع إلى ذاته‪ ،‬وإلى أسإمائه‪ ،‬وإلححى‬
‫صححفاته ‪-‬جححل وعل‪ -‬وماححن أوجححه كححونه طيبححا أنححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬هححو‬
‫ن يسححلم‬‫المستحق للعبادة وحده دونما سإواه‪ ،‬وهو المسححتحق ل ْ‬
‫المرء وجهه وقلبه إليه ‪-‬سإبحانه‪ -‬دونما سإواه‪.‬‬
‫ولكونه ‪-‬جل وعل‪ -‬طيبا ل يقبل إل طيب‪ ،‬فقال ‪-‬عليه الصححلة‬
‫والسلم‪  :-‬إن الله طيب ل يقبل إل طيبا ‪. ‬‬
‫وماعنححى قححوله‪  :‬ل يقبححل ‪ ‬يعنححي‪ :‬ل يرضححى‪ ،‬ول يحححب إل‬
‫الطيب‪ ،‬وأيضا يعنححي‪ :‬ل يححثيب‪ ،‬ول يححأجر إل علححى الطيححب؛ فححإن‬
‫كلمة "ل يقبل" هذه ‪-‬في نظائرها ماما جاء في السنة‪ -‬قد تتوجه‬
‫إلى إبطال العمل‪ ،‬وقد تتوجه إلحى إبطحال الثححواب‪ ،‬وقححد تتححوجه‬
‫زم فححي الغححالب لبطححال‬ ‫إلى إبطال الرضححا بالعمححل‪ ،‬وهححو ماسححتل ِ‬
‫الثواب والجر‪.‬‬
‫جزًئا ول يكون ماقبول‪ ،‬كما جاء في‬
‫ما ْ‬
‫يعني‪ :‬أن العمل قد يقع ُ‬
‫الحديث‪  :‬ل يقبل الله صلة عبد إذا أبق حتى يرجع ‪. ‬‬
‫و ‪ ‬مان أتى كاهنا أو عرافا لم تقبل له صلة أرأبعيححن ليلححة ‪‬‬
‫وأشباه ذلك ‪.‬‬
‫فتقررأ أن كلمة "ل يقبل" هذه تتجه إلححى نفححي أصححل العمححل‪،‬‬
‫يعني‪ :‬إلى إبطاله ‪ ،‬كما في قوله‪  :‬ل يقبل الله صلة حائض إل‬
‫بالخمارأ ‪. ‬‬
‫ل يقبل الله صلة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ‪. ‬‬ ‫‪‬‬

‫هذه فيه إبطال العمل إل بهذا الشرط‪ ،‬وقد تتجه إلى إبطال‬
‫الرضا به‪ ،‬أو الثواب عليه‪ ،‬فهذه ثألثأة أقسام‪.‬‬
‫هنححا ‪ ‬إن اللححه طيححب ل يقبححل إل طيبححا ‪ ‬تحتمححل بحسححب‬
‫العمل‪ ،‬أن يكححون المنفححي الجححزاء‪ ،‬أو أن يكححون المنفححي الجححر‬
‫والثواب‪ ،‬أو أن يكون المنفي الرضا به والمحبة له‪ ،‬يعنححي‪ :‬لهححذا‬
‫العبد حين عمل هذا العمل‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فقال ‪  :‬ل يقبل إل طيبا ‪ ‬يعني الذي يوصف بححأنه ماجححزئ‪،‬‬


‫وأنه مارضي عنه عند الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وأنه يثاب عليححه العبححد هححو‬
‫الطيب‪ ،‬وأماا غّير الطيب فليس كذلك‪ ،‬فقد يكون غّيححر مارضححي‪،‬‬
‫أو غّير ماثاب عليه‪ ،‬وقد يكون غّير ماجزئ أصل‪ ،‬بحسب تفاصيل‬
‫ذلك في الفروع الفقهية‪.‬‬
‫إذا تقررأ هذا فقوله ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬هنححا‪  :‬ل يقبححل إل‬
‫طيبا ‪ ‬هذا فيححه أن اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬إنمححا يقبححل الطيححب علححى‬
‫الحصر‪.‬‬
‫و"الطيححب" جححاءت النصححوصا ببيححان أن الطيححب يرجححع إلححى‬
‫القوال‪ ،‬وإلى العمال‪ ،‬وإلى العتقادات‪.‬‬
‫فحصل أن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬مان آثأارأ أنه طيب أنه ل يقبل مان‬
‫القوال إل الطيب‪ ،‬ول يقبل مان العمححال إل الطيححب‪ ،‬ول يقبححل‬
‫مان العتقادات إل الطيب‪.‬‬
‫ماا هو القول الطيب‪ ،‬والعمل الطيب‪ ،‬والعتقاد الطيب؟‬
‫فسرنا الطيب ‪-‬أول‪ -‬بأنه هو المححبرأ ماححن النقححائص والعيححوب ‪،‬‬
‫وكذلك القول والعمل والعتقاد هو المبرأ ماححن النقححص والعيححب‪،‬‬
‫يعني‪ :‬الذي صارأ بريئا مان خلف الشريعة‪.‬‬
‫فالطيب هو الذي ُووفِححق فيححه الشححرع‪ ،‬فححالقول والطيححب هححو‬
‫الذي كان على مانهاج الشريعة‪ ،‬والعمل الطيحب هححو الحذي كحان‬
‫على مانهاج المصطفى ‪ ‬والعتقاد الطيب ماا كححان عليححه الححدليل‬
‫مان الكتاب ومان السنة‪.‬‬
‫فهذا هو الطيب مان القوال والعمال والعتقادات‪.‬‬
‫وإذا صارأ قول المرء طيبححا فححإنه ل يكححون خبيثححا‪ ،‬والخححبيث ل‬
‫يستوي والطيب‪ ،‬كما في آية "المائدة"‪     :‬‬
‫‪. (1)       ‬‬
‫وكذلك في العمال والعتقادات‪ ،‬فنتج مان ذلك أن العبد ‪-‬إذا‬
‫ب في قوله وعمله واعتقاده‪ -‬صححارأ طيبححا فححي ذاتححه‪،‬‬
‫طي ِ‬
‫تحقق بال ِ‬
‫‪ - 1‬سإورأة المائدة آية ‪.100 :‬‬

‫‪113‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫والطيححب لححه دارأ الطيححبين ‪ ،‬كمححا قححال ‪-‬جححل وعل‪: -‬‬
‫‪. (1)     ‬‬
‫ومان صارأ عنده خبث في بدنه ورأوحه‪ ،‬نتيجة لخبث قححوله‪ ،‬أو‬
‫خبث عمله‪ ،‬أو خبث اعتقاد‪ ،‬ولم يغفر الله ‪-‬جل وعل‪ -‬له‪ ،‬فححإنه‬
‫ي ُط َّهر بالنارأ حتى يدخل الجنة طيبا؛ لن الجنة طيبة ل يصلح لها‬
‫إل الطيب‪.‬‬
‫وهذا ‪-‬في الحقيقة‪ -‬فيه تحذير شديد‪ ،‬ووعيد وتخويف مان كل‬
‫قححول أو عمححل أو اعتقححاد خححبيث‪ ،‬يعنححي‪ :‬لححم يكححن علححى وفححق‬
‫الشريعة‪ ،‬فالطيب هو المبرأ ماححن النقححص‪ ،‬وأعظححم النقححص فححي‬
‫العمل‪ ،‬أو مان أعظم ماا ينقص العمححل أن يتححوجه بححه إلححى غّيححر‬
‫صد به الدنيا‪.‬‬
‫ق َ‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬وأن ت ُ ْ‬
‫صل هنححا أن قححوله ‪  :‬إن اللححه طيححب ل يقبححل إل طيبححا ‪‬‬‫ح ّ‬
‫فت َ َ‬
‫يعني‪ :‬ل يقبل مان العمل والقول والعتقاد إل ماا كان على وفق‬
‫الشريعة‪ ،‬وأ ُِرأيد َ به وجهه ‪-‬جل وعل‪ ،-‬هذا حاصل تعريف الطيب؛‬
‫لن العلماء نظروا في كلمة "طيب" في وصف الله ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫وفيما ماا يقابلها‪ ،‬وتنوعت أقوالهم‪ ،‬والذي يحقق المقححام هححو ماححا‬
‫ذكرته لك‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬وإن الله أمار المؤمانين بما أمار‬
‫به المرسإلين ‪. ‬‬
‫ماححُروا وأتبححاع المرسإححلين ‪-‬الححذين هححم المؤمانححون‪-‬‬‫ُ‬
‫المرسإححلون أ ِ‬
‫ُأماروا ‪-‬أيضا‪ -‬بما ُأمار به المرسإلون‪ ،‬فقال ‪-‬جل وعل‪ -‬فححي قححوله‬
‫في‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪:‬‬
‫‪        ‬‬
‫آية "المؤمانون"‪.‬‬
‫وقال ‪-‬جل وعل‪ -‬في وصف المؤمانين‪ ،‬أو في أماره للمححؤمانين‬
‫في آية "البقرة" ‪        :‬‬
‫‪. (3)  ‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.32 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة المؤمانون آية ‪.51 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة البقرة آية ‪.172 :‬‬

‫‪114‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فأمار المؤمانين بأن يأكلوا مان الطيبات‪ ،‬وأمار المرسإححلين بححأن‬


‫يأكلوا مان الطيبات‪ ،‬وأمار الجميع بأن يعملوا صالحا‪ ،‬وهححذا يححدل‬
‫على أثأر أكححل الطيبححات فححي العمححل الصححالح؛ لن القححتران فححي‬
‫قوله ‪          :‬‬
‫)‪ (1‬لن القتران يدل على أن بينهما صلة‪ ،‬والصلة ماححا بيححن أكححل‬
‫الطيححب والعمححل الصححالح هححي تححأثأير الكححل الطيححب فححي العمححل‬
‫الصالح‪.‬‬
‫كثير مان أهل العلححم ‪ :‬إن العمححل ل يكححون صححالحا‬ ‫ولهذا قال‬
‫ماححن ماححال طيححب‪ .‬فالصححلة ل تكححون صححلة صححالحة‬ ‫حححتى يكححون‬
‫يكون فيها الطيب مان القوال‪ ،‬ويكون لباس المرء‬ ‫ماقبولة حتى‬
‫تخلص ماححن الخححبيث ماححن النجاسإححات وغّيرهححا‪ ،‬إلححى‬ ‫طيبا‪ ،‬ويكون‬
‫آخر ذلك ‪.‬‬
‫والزكاة ل تكون ماقبولة حححتى تكححون طيبححة‪ ،‬بححأن تكححون عححن‬
‫نفس طيبة‪ ،‬وأل يراد بها رأياء ول سإمعة إلى آخر ذلك‪.‬‬
‫قب َححل حجححه؛ لن‬
‫والحج كذلك؛ فمن حج مان ماححال حححرام لححم ي ُ ْ‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ل يقبل إل الطيب‪.‬‬
‫ثأم ذكر ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬ماثححال ماححن أماثلححة تححأثأير الكححل‬
‫الطيب في بعض العمال الصالحة‪ ،‬وأثأر أكل الحرام فحي بعحض‬
‫العمال الصالحة‪ ،‬فقال أبو هريرة ‪ ‬ثأم ذكر ‪-‬يعني النححبي عليححه‬
‫الصلة والسلم‪  : -‬الرجل يطيل السفر أشعث أغّبر‪ ،‬يمححد يححديه‬
‫ب‪ ،‬أو يححا رأب يححا رأب‪ .‬وماطعمححه حححرام‪،‬‬ ‫ب يا رأ ِ‬
‫إلى السماء‪ :‬يا رأ ِ‬
‫وماشربه حرام‪ ،‬وماأكله حححرام‪ ،‬وغّ ُححذ ِيَ بححالحرام‪ ،‬فححأّنى يسححتجاب‬
‫لذلك ‪. ‬‬
‫قال‪  :‬ثأم ذكر الرجل يطيل السفر‪ ،‬أشححعث أغّححبر‪ ،‬يمححد يححديه‬
‫إلى السماء ‪. ‬‬
‫ذكر هذه الصفات؛ لن هذه الصفات ماظنة الجابححة؛ فالسححفر‬
‫مان أسإباب إجابة الدعاء ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة المؤمانون آية ‪.51 :‬‬

‫‪115‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قد جاء في الحديث الحسن أن النبي ‪ ‬قال‪  :‬ثألث يستجاب‬


‫لهم ‪ ‬وذكر مانهم المسافر‪.‬‬
‫فالسفر ماححن أسإححباب الجابححة‪ ،‬وهححذا قححد تعححّرض لسححبب ماححن‬
‫أسإباب الجابة وهو السفر‪.‬‬
‫ووصفه بقوله‪  :‬يطيل السفر ‪ ‬وإطالة السفر تعطححي كححثيرا‬
‫مان الغّتراب‪ ،‬وفيه انكسححارأ النفححس‪ ،‬وحاجححة النفححس إلححى اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬إذا كان السفر للحاجة‪ ،‬قد يطيل السفر ‪-‬يعنححي ماححن‬
‫حاجته‪ -‬يحتاج إلى السفر في ماعيشته ‪ ،‬يحتاج إلححى السححفر فححي‬
‫أماورأه‪ ،‬وإل فإن المرء ل يختارأ إطالة السفر إل لحاجة‪.‬‬
‫قال ‪  :‬يطيل السفر أشعث أغّبر ‪ ‬وهاتححان الصححفتان تححدلن‬
‫على ذلته‪ ،‬وعلى اسإتكانته‪ ،‬وهذه يحبها اللححه ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬وكححان‬
‫بعض السلف إذا أرأاد أن يححدعو لبححس شححيئا خلقححا‪ ،‬ولححم يححتزين‪،‬‬
‫وإنما صارأ أشعث‪ ،‬ثأم توجه فححي خلححوة‪ ،‬ودعححا اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫وقال‪ :‬إنه أقرب للجابة؛ لما في هذه الصفة ماححن انتفححاء الكححبر‪،‬‬
‫وقرب التذلل والسإتكانة‪ ،‬وهذه يكون ماعها الضححطرارأ والرغّححب‪،‬‬
‫وعدم السإتغناء ‪.‬‬
‫فذكر ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪ -‬هححذه الصححفة‪ ،‬فقححال ‪  :‬أش عث‬
‫أغّبر يمد ّ يديه إلى السماء ‪ ‬وهذه صفة ‪-‬أيضا‪ -‬ثأالثة‪ ،‬فححي أنححه‬
‫ب ماعححه‬
‫جححا ُ‬
‫يمد يديه إلى السماء في رأغّب أن يكون أتححى بمححا ي ُ َ‬
‫دعاء‪ ،‬ورأفع اليحدين فححي الحدعاء سإحنة‪ ،‬كمحا سإححيأتي بيحان بعحض‬
‫ذلك‪.‬‬
‫يقول‪  :‬يمد يديه إلى السماء‪ :‬يا رأب‪ ،‬يححا رأب ‪ ‬وذكححره هنححا‬
‫ب على حذف الياء‪ ،‬أو يا‬ ‫"يا رأب" ماكررأة‪ ،‬ويجوز أن تقول‪ :‬يا رأ ِ‬
‫ب على القطع‪ ،‬في تكريرها ذكر لصححفة الربوبيححة‪ ،‬وماعلححوم أن‬ ‫رأ ُ‬
‫إجابة الدعاء مان آثأارأ رأبوبية الله ‪-‬جل وعل‪ -‬على خلقه‪.‬‬
‫ولهذا لم تكن إجابححة الححدعاء للمححؤمان دون الكححافر ‪ ،‬بححل قححد‬
‫يجاب للكافر‪ ،‬ويجاب للمححارأد ‪ ،‬وقححد أجيححب لبليححس؛ وذلححك لن‬
‫إجابة الدعاء مان آثأارأ الربوبيححة‪ ،‬كححرزق اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬لعبححاده‪،‬‬

‫‪116‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وكإعطاءه لهححم‪ ،‬وكإصحححاحه إيححاهم‪ ،‬وإماححدادهم بححالمطر‪ ،‬وأشححباه‬


‫ذلك ماما قد يحتاجون إليه‪.‬‬
‫فقححد يححدعو النصححراني ويسححتجاب لححه‪ ،‬وقححد يححدعو المشححرك‬
‫ويستجاب له‪ ،‬إلى آخر ذلك‪.‬‬
‫وتكون هنا السإتجابة ل لنه ماتأهل لها؛ ولكن لنه قححام بقلبحه‬
‫الضطرارأ والحتياج لربححه ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬والربوبيححة عاماححة للمححؤمان‬
‫وللكافر‪.‬‬
‫ذكر هنا‪" :‬يا رأب‪ ،‬يا رأب" وهذا ماححن آداب الححدعاء العححام كمححا‬
‫سإيأتي‪ ،‬وذكر هذا بلفظ الربوبية ‪-‬أيضا‪ -‬مان أسإباب إجابة الدعاء‬
‫‪.‬‬
‫قال في وصف حاله ‪-‬ماع أنه تعرض لهذه النواع مامححا يجححاب‬
‫ماعه الدعاء‪ -‬قال في وصححف حححاله‪  :‬وماطعم ه حححرام‪ ،‬وماشححربه‬
‫ذي ‪- ‬ب التخفيف‪ ،‬فغلححط ماححن يقولهححا‬ ‫حرام‪ ،‬ومالبسه حرام‪ ،‬وغّ ُ ِ‬
‫ي‪ ،‬ل‪ ،‬هي غّ ُذ ِيَ مان الغذاء‪  ،‬غّذي بححالحرام‪ ،‬فححأنى‬
‫بالتشديد غّ ُذ ّ َ‬
‫يستجاب لذلك ‪. ‬‬
‫يعني‪ :‬فبعيد ويتعجب أن يستجاب لذلك وهو على هذه الحال‪.‬‬
‫فمن كححان ذا ماطعححم حححرام‪ ،‬وذا ماشححرب حححرام‪ ،‬وذا مالبححس‬
‫حرام‪ ،‬وغّذي بالحرام‪ ،‬فهذه يستبعد أن يستجاب له‪.‬‬
‫وقد جاء في ماعجححم الطححبرانى بإسإححناد ضححعيف‪  :‬أن النححبي ‪‬‬
‫قال له سإعد بن أبي وقاصا‪ :‬يححا رأسإححول اللححه‪ ،‬ادع اللححه لححى أن‬
‫ب ماطعمك تكن ماستجاب‬ ‫َ‬
‫أكون ماجاب الدعاء‪ .‬قال‪ :‬يا سإعد‪ ،‬أط ِ ْ‬
‫الدعوة ‪. ‬‬
‫وهذا في ماعنى هذا الحديث‪ ،‬فإن إطابة المطعم مان أسإححباب‬
‫الجابة ‪ ،‬فهذا تعرض لنواع كثيرة مان أسإباب الجابة‪ ،‬ولكنه لم‬
‫رب أن يجححاب‬ ‫من ِححعَ الجابححة‪ ،‬واسإححت ُغْ ِ‬
‫يأكل طيبا؛ بل أكل حراماا‪ ،‬ف ُ‬
‫له‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وقد جححاء ‪-‬أيضححا‪ -‬فححي بعححض الثأححارأ اللهيححة أن ماوسإححى ‪-‬عليححه‬


‫السححلم‪ -‬طلححب ماححن رأبححه أن يجيححب لقححوماه دعححاءهم‪ ،‬فقححال‪ :‬يححا‬
‫ماوسإى‪ ،‬إنهم يرفعححون أيححديهم‪ ،‬وقححد سإححفكوا بهححا الححدم الحححرام‪،‬‬
‫وأكلوا بها الحرام‪ ،‬واسإتعملوها في حرام‪ ،‬فكيف يجابون؟‬
‫وهححذا ل شححك أنححه مامححا يخيححف المححؤمان؛ لن حححاجته للححدعاء‬
‫أعظححم حاجححة‪ ،‬فححدل هححذا علححى أن إطابحة المطعححم ماححن أعظححم‬
‫أسإباب إجابة الدعاء‪ ،‬وأنه إذا تخلححف هححذا السححبب ‪-‬ولححو وُجححدت‬
‫السإححباب الخححر‪ -‬فإنهححا ل تجححاب الححدعوة غّالبححا لقححوله ‪  :‬ف أنى‬
‫يستجاب لذلك ‪. ‬‬
‫هححذا الحححديث د َل ّن َححا فححي آخححره علححى آداب ماححن آداب الححدعاء‪،‬‬
‫فحذكر مانهحا السححفر ‪-‬يعنححي ماحن أسإحباب إجابحة الحدعاء‪ -‬فالسحفر‬
‫حّرى فيه الدعاء‪ ،‬والتيان للدعاء بتذلل واسإتكانة فححي الظححاهر‬ ‫ي ُت َ َ‬
‫والباطن‪ ،‬هذا ‪-‬أيضا‪ -‬مان أسإباب إجابة الدعاء‪ ،‬ورأفع اليدين إلححى‬
‫السماء في الدعاء‪ ،‬هذا أيضا ماححن أسإححباب إجابححة الححدعاء‪ ،‬ورأفححع‬
‫اليدين إلى السماء له ثألث صفات في ثألثأة أحوال دلححت عليهححا‬
‫السنة‪:‬‬
‫أما الول ‪ :‬فهو بالنسبة للخطيب القائم‪ ،‬فإنه إذا دعا يشير‬
‫بإصبعه فقط‪ ،‬بإصبعه السبابة‪ ،‬وهححذا دليححل دعححائه وتوحيححده‪ ،‬ول‬
‫شرع له أن يرفع يديه إذا خطححب قائمححا علححى المنححبر أو علححى‬ ‫يُ ْ‬
‫غّيححره‪ ،‬إل إذا اسإتسححقى‪ ،‬فححإنه يرفححع يححديه‪ ،‬ويرفححع النححاس ماعححه‬
‫أيديهم‪ ،‬كما جاء في حديث أنس وغّيره في البخححارأي والنسححائى‬
‫وغّيرهما ‪ ،‬هذه الحالة الولى‪ ،‬رأفع اليدين بالكتفاء برفع الصبع‪.‬‬
‫والثانى‪ :‬أن يرفع يديه إلى السماء رأفعا شديدا‪ ،‬بحيث ي ُححَرى‬
‫بياض البطين‪ ،‬يعنححي شححديد جححدا هكححذا‪ ،‬وهححذا إنمححا يكححون فححي‬
‫السإتسقاء‪ ،‬وفي المار الذي يصيب المرء ماعه كرب شديد‪ ،‬بمححا‬
‫فيه اسإتجارأة عظيمة‪ ،‬وكرب شديد‪ ،‬فهذا يرفع يديه إلى السماء‬
‫بشححدة‪ ،‬وهححذه لهححا صححفتان‪ :‬إماححا أن تكححون اليححدان بطنهمححا إلححى‬
‫السماء‪ ،‬وإماا أن تكون اليحدان ظهرهمحا إلحى السحماء‪ ،‬ورأد هحذا‬
‫عن النبي ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ ،-‬وورأد هححذا ‪ ،‬وتفاصححيل هححذا‬
‫‪-‬يعني‪ -‬تحتاج إلى وقت‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الثالث‪ :‬أن يرفع يديه مابسوطة الكفيححن إلححى الصححدرأ‪ ،‬يعنححي‪:‬‬


‫إلى ماوازاة ثأديي الرجل والمححرء‪ ،‬وهححذا هححو أغّلححب دعححاء النححبي‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬بل كان دعاؤه فححي عرفححه هكححذا‪ ،‬يرفححع‬
‫يديه إلى الثديين‪ ،‬ويمححدهما كهيئححة المسححتطعم‪ ،‬ل يجعلهمححا إلححى‬
‫الوجه هكذا‪ ،‬ول بعيدة عنحه بحيحث ماحا تكحون إلحى الثحديين‪ ،‬بحل‬
‫يبسطها كهيئة المستطعم المسكين‪ ،‬يعني‪ :‬كهيئة المسكين الذي‬
‫طى شيئا في يديه ‪.‬‬‫يريد أن ي ُعْ َ‬

‫وقد ثأبت بالسنن مان حديث سإححلمان الفارأسإححي ‪ ‬أن النححبي ‪‬‬
‫ي كريم‪ ،‬يستحيي مان عبده أن يمد إليه يديه‪،‬‬ ‫حي ّ‬
‫قال‪  :‬إن الله َ‬
‫يطلب فيها خيرا‪ ،‬فيردهما صفرا خائبتين ‪. ‬‬
‫وهذا مان أعظم الداب‪ ،‬فإذن نخلص مان ذلححك إلححى أن آداب‬
‫الدعاء كثيرة ‪ ،‬وهذا ماثل قاله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬يعني ماثل‬
‫أثأر الحلل الطيب في العبادة ذكر الدعاء ‪ ،‬كححذلك لححه أثأححر فححي‬
‫الصلة‪ ، ،‬له أثأر في العبادات‪ ،‬في الذكر‪ ،‬إلى آخره‪.‬‬
‫فالله ‪-‬جل وعل‪ -‬ل يقبل إل طيبا‪ ،‬فمن أكححل حراماححا فيتحححرك‬
‫بجسده في حرام‪ ،‬فقد تجزئه صلته‪ ،‬لكن ل يكون بتحركه فححي‬
‫بححدنه بحححرام مارضححيا عنححد اللححه ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬ولححو كححانت صححلته‬
‫خاشعة؛ بل أعظم ماا ي ُب َّر به البدن أن يكون البدن طيبا بالكل‪،‬‬
‫فل يأكل إل ماا يعلم أنه حلل‪ ،‬بما يعلم أنه طيب‪ ،‬فهذا له أثأححر‬
‫في رأضا اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬عححن العبححد‪ ،‬وقبححوله لصححلته وصححياماه‪،‬‬
‫وقبوله لعماله كلها‪.‬‬
‫قوله في آخححره ‪  :‬ف أنى يسححتجاب لححذلك ‪" ‬أن ى يسححتجاب‬
‫لذلك"‪ :‬يعني عجيب وبعيد أن يستجاب له‪ ،‬وقد يستجاب له‪ ،‬قد‬
‫يسححتجاب لححه لعححارأض آخححر‪ ، ،‬صححادفه اضححطرارأ‪ ،‬وشححدة إلحححاح‪،‬‬
‫طى ماعها حتى الكافر ‪  ‬‬ ‫وحاجة مااسإة‪ ،‬فهذه ي ُعْ َ‬
‫‪       ‬‬
‫‪. (1)       ‬‬
‫فالمشرك قد يستجاب له‪ ،‬وكذلك المؤمان العاصي الذي أكل‬
‫الحرام قد يستجاب له‪ ،‬لكن في حححالت قليلححة‪ ،‬وذلححك إذا كححان‬
‫‪ - 1‬سإورأة العنكبوت آية ‪.65 :‬‬

‫‪119‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ماجححاب الححدعوة‬
‫ماعها حالة اضطرارأ‪ ،‬أو شفع له غّيره‪ ،‬وكان ماع ُ‬
‫ن عليه‪ ،‬أو ماا شابه ذلك مان السإتثناءات الححتي ذكرهححا أهححل‬ ‫َ‬
‫ما َ‬
‫فأ ّ‬
‫العلم ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الحادي عشر‬


‫دع ما يريبك إلى ما ل يريبك‬
‫وعن أبي ماحمد الحسن بن علي بن أبي طالب سإبط رأسإول الله ‪‬‬
‫ورأيحانته ‪-‬رأضي الله عنهما‪ -‬قال‪ :‬حفظححت ماححن رأسإححول اللححه ‪ ‬‬
‫دع ماا يريبك إلى ماا ل يريبك ‪ ‬رأواه الترماذي والنسائي‪ ،‬وقال‬
‫الترماذي‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫هذا الحديث عظيم أيضا‪ ،‬وهو في المعنححى قريححب ماححن قححوله‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬في حديث النعمان بن بشير‪  :‬فمن ترك‬
‫الشبهات فقد اسإتبرأ لححدينه وعرضححه‪ ،‬وماححن وقححع فححي الشححبهات‬
‫وقع في الحرام ‪. ‬‬
‫فهذا الحديث قال فيه الحسن ‪ ‬حفظت مان رأسإول اللححه ‪ ‬‬
‫دع ماا َيريبك إلى ماا ل يريبك ‪. ‬‬
‫وهححذا أماححر‪ ،‬وقححوله ‪َ  :‬يريب ك ‪ ‬بفتححح اليححاء‪ ،‬ويجححوز ُيريبححك‬
‫بالضم‪ ،‬لكن الفتح أفصح وأشهر‪.‬‬
‫‪ ‬دع ماا يريبك ‪ ‬يعني‪ :‬ماا تشك فيه‪ ،‬ول تطمئن له‪ ،‬وتخاف‬
‫مانه؛ لن الّريب هو الشك وعدم الطمأنينة‪ ،‬وماا يخاف مانه ماححن‬
‫يأتيه فل يدرأي هل هو له أم عليه؟‪.‬‬
‫‪ ‬دع ماا يريبك ‪ ‬يعني‪ :‬إذا أتاك أمار فيه عدم طمأنينة لححك‪،‬‬
‫أو أنححت إذا أقبلححت عليححه‪ ،‬أو إذا أرأدت عملححه‪ ،‬اسإححتربت مانححه‪،‬‬
‫وصرت في خوف أن يكون حراماا‪ ،‬فدعه إلححى شححيء ل يريبححك؛‬
‫لن السإتبراء ماأماورأ به‪ ،‬فترك المشتبهات إلى اليقين هذا أصل‬
‫عام‪ ،‬وهذا الحديث دل على هححذه القاعححدة العظيمححة‪ :‬أن المححرء‬
‫يبحث عححن اليقيححن؛ لن فيححه الطمأنينححة‪ ،‬وإذا حصححل لححه اليقيححن‬
‫سإيدع ماا شك فيه‪.‬‬
‫فمثل‪ :‬إذا اشتبه عليه في أمار ماسألة ماححا‪ ،‬هححل هححي حلل أم‬
‫حرام؟ فإنه يتركها إلى اليقين‪ ،‬وهو أن يسححتبرئ لححدينه‪ ،‬فيححترك‬

‫‪121‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫المسألة‪ ،‬أو إلى ماا هو حلل بيقين عنده‪ ،‬أو ماال اشححتبه عليححه‪،‬‬
‫فيدع ماا يريبه مانه‪ ،‬ويأتي ماا ل يريبه ‪.‬‬
‫وكذلك في العبادات‪ ،‬وإذا قلنا‪ :‬العبادات‪ ،‬فنعني بها الشححعائر؛‬
‫لن العلماء إذا قالوا‪ :‬العبادة ‪-‬بالفراد‪ -‬أرأادوا مانها ماا يدخل فححي‬
‫تعريف العبادة‪" :‬اسإم جاماع لكل ماا يحبه الله ويرضححاه ‪ " ..‬إلححى‬
‫آخره‪.‬‬
‫وإذا قيل‪ :‬العبححادات ‪-‬بححالجمع‪ -‬فيريححدون بهححا الشححعائر‪ :‬الصححلة‪،‬‬
‫والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬والجهاد‪ ،‬وأشباه ذلك‪ .‬ففححرق ماححا بيححن‬
‫الفراد والجمححع‪ ،‬كمححا فرقححوا بيححن السححماء والسححماوات‪ ،‬ونظححائر‬
‫ذلك‪.‬‬
‫في العبادات ‪-‬أيضا‪ -‬يححأتي اليقيححن‪ ،‬وإذا طححرأ الشححك عليححه فل‬
‫يدع هذا اليقين لشك طرأ؛ لن اليقين ل يريبححه‪ ،‬وماححا وقححع فيححه‬
‫مان الشك هذا يريبه‪ ،‬ول يطمئن إليه‪.‬‬
‫فإذا اشتبه عليه ‪-‬ماثل‪ -‬في الصلة هل أحدث ‪ ،‬أم لم يحححدث‬
‫؟ هل خرج مان شيء‪ ،‬أم لم يخرج مانححه شححيء ؟ فيبنححي علححى‬
‫الصل‪ ،‬وهو ماا ل يريبححه‪ ،‬وهححو أنححه دخححل الصححلة علححى طهححارأة‪،‬‬
‫ماتيقن مانها‪ ،‬فيبني على الصل‪ ،‬ويدع ماا طرأ عليححه ماححن الشححك‬
‫ك هححل أحححدث أم ل؟ يبنححي علحى‬ ‫إلى اليقين‪ ،‬كان ماتطهحرا فشح ّ‬
‫الصل‪ ،‬ويدع الشك‪.‬‬
‫وهذا أصل عظيم ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬هذا الحححديث أصححل عظيححم ماححن‬
‫ماّر ماعنححا فححي حححديث النعمححان بححن البشححير‪،‬‬
‫أصول الشريعة كما َ‬
‫فيدخل فيه ترك جميع ماا يريب المسلم إلى شححيء يححتيقن ماححن‬
‫جوازه‪ ،‬وأل يلحقه به‪ ،‬وأنه ل يلحقه به إثأم‪ ،‬أو شيء فححي دينححه‬
‫أو عرضه‪.‬‬
‫لهذا جاء هذا المعنى في أحاديث كححثيرة‪ ،‬وقححال ابححن ماسححعود‬
‫‪-‬رأحمه اللححه‪" :-‬د َع ْ الواحححد الححذي يريبححك ‪-‬يعنححي‪ :‬الشححيء الواحححد‬
‫الذي يريبك‪ -‬إلى أرأبعة آلف ل تريبك"‪.‬‬
‫يعني ابن ماسعود ‪-‬رأحمه الله‪ -‬أن الذي يريب قليل‪ ،‬والذي ل‬
‫يريححب المححرء ‪-‬سإححواء فححي القححوال أو فححي العمححال أو فححي‬
‫‪122‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫العتقادات‪ -‬هذا كححثير وللححه الحمححد‪ ،‬فالححذي يريححب اتركححه‪ ،‬الححذي‬


‫يريبك ماححن العلححم‪ ،‬الححذي يريبححك ماححن القححول‪ ،‬الححذي يريبححك ماححن‬
‫العمال‪ ،‬الذي يريبك مان العلقات‪ ،‬الذي يريبك مان الظن‪.‬‬
‫كل ماا يريبك‪ ،‬تخاف مانه‪ ،‬ول تطمئن إليه‪ ،‬فدعه واتركه إلححى‬
‫أمار ل يريبك‪ ،‬وهو كثير ولله الحمد ‪.‬‬
‫فهذا فيه طلب براءة الذماة إلى الشياء المتيقنححة‪ ،‬وإذا تقححررأ‬
‫هذا فالحديث له تكملة‪ ،‬وهو قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬فإن‬
‫الخير طمأنينة‪ ،‬وإن الكذب رأيبة ‪. ‬‬
‫‪ ‬فإن الصححدق طمأنينححة‪ ،‬أو إن الخيححر طمأنينححة‪ ،‬وإن الكححذب‬
‫رأيبة ‪ ‬يعني‪ :‬في تكملة في بعض الروايات‪.‬‬
‫وهذا يدل على أن كل ماا فيه خير تطمئن له نفس المؤمان‪،‬‬
‫فأنت تأتي إلى ماا تتلفظ به مان أقوال‪ ،‬فتزنها بهذا الميزان‪ ،‬ماا‬
‫تححأتيه ماححن أعمححال فتزنهححا بهححذا الميححزان‪ ،‬والعجححب مامححن يتكلححم‬
‫بشححيء وهححو بححداخله غّيححر مارتححاح لححه‪ ،‬وماححع ذلححك يغشححاه‪ ،‬فهححذا‬
‫ماخالف لهذا المار العظيم‪.‬‬
‫كذلك أعمال ل يرتاح لها‪ ،‬أو صحبة ل يرتححاح لهححا‪ ،‬وماححع ذلححك‬
‫يأتيها وهو غّير ماطمئن لذلك‪ ،‬وهذا ‪-‬ل شححك‪ -‬أنححه ماخالفححة لهححذه‬
‫الوصية العظيمة‪  :‬دع ماا يريبك إلى ماا ل يريبك ‪ ‬وهذا توجيه‬
‫نبوي عظيم الفائدة عظيم العائدة ‪ ،‬وقد كان الصحابة ‪-‬رأضححوان‬
‫الله عليهم‪ -‬يستعملون هذا‪.‬‬
‫ل في الورأع ‪ ،‬أص ٌ‬
‫ل فححي تححرك المشححتبهات‪،‬‬ ‫وهذا الحديث أص ٌ‬
‫وف مان أي نوع مان الحرام‪.‬‬ ‫خ ّ‬
‫أصل في الت َ َ‬
‫والورأع سإهل‪ ،‬قد قال بعض السححلف ‪-‬أظنححه حسححان بححن أبححي‬
‫سإنان‪ -‬قال‪" :‬إذا أتاني أمار وفيه رأيبة تركتححه‪ ،‬وماححا أسإححهلها علححى‬
‫النفس"‪.‬‬
‫وهذا ‪-‬ول شك‪ -‬عند نفس المؤمان الذي أخبت لربه‪ ،‬فححإنه إذا‬
‫أتاه ماا يريبه يتركه‪ ،‬ويكححون فححي ذلححك رأاحححة النفححس وطمأنينححة‬
‫القلب‪ ،‬وهذا أمار واضح في الشريعة ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪124‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثاني عشر‬


‫ن إسلم المرء تركه ما ل َيعنيه‬
‫س ِ‬
‫ح ْ‬
‫من ُ‬
‫ِ‬
‫ن إسإلم المرء‬‫س ِ‬
‫ح ْ‬
‫مان ُ‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال ‪ِ  :‬‬
‫تركه ماا ل َيعنيه ‪ ‬حديث حسن ‪ ،‬رأواه الترماذي وغّيره هكذا‪.‬‬
‫هححذا الحححديث ‪-‬أيضححا‪ -‬ماححن الحححاديث الرأبعححة الححتي قححال فيهححا‬
‫طائفة مان أهل العلم ‪-‬مانهم ابححن أبححي زيححد القيروانححي المححالكي‬
‫المعروف‪ :-‬إنه أحد أحاديث أرأبعة هي أصول الدب فححي السححنة؛‬
‫فهذا الحديث أصل مان الصول في الداب‪ ،‬كما ذكرنا لكم فححي‬
‫أول هذه الدرأوس أن النووي ‪-‬رأحمه الله‪ -‬اختححارأ هححذه الحححاديث‬
‫كلية في أبواب ماختلفة‪ ،‬في كل باب أصل مان الصول فيه‪.‬‬
‫قال هنا‪ ،‬قال رأسإول الله ‪  ‬مان حسن إسإححلم المححرء تركححه‬
‫ماا ل يعنيه ‪. ‬‬
‫‪ ‬مان حسن إسإلم المرء ‪" ‬مان" هنا‪ :‬تبعيضية‪ ،‬يعنححي‪ :‬تححرك‬
‫ماا ل يعني‪ ،‬وبعض ماا يحصل به إحسان السإلم‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫‪ ‬مان حسن إسإلم المححرء ‪ ‬ماححن هنححا تبعيضححية ‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن‬
‫ترك ماححا ل يعنححي‪ :‬هححو بعححض ماححا يحصححل بححه إحسححان السإححلم ‪،‬‬
‫وحسن السإلم يعنححي ‪  :‬ما ن حسححن إسإححلم المححرء تركححه ماححا ل‬
‫سححن إسإححلم المححرء تححرك ماححا ل يعنححي ‪،‬‬
‫ح ْ‬
‫يعنيه ‪ ‬بعض ماا بححه ُ‬
‫وهذا ظاهر مان اللغة ‪.‬‬
‫وقوله ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬هنححا ‪  :‬حس ن إسإححلم المححرء ‪‬‬
‫حسن السإلم جاء هذا اللفححظ وماشححتقاته فححي أحححاديث ماتعححددة‬
‫مانهححا ‪-‬ماثل‪ -‬قححول النححبي ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  : -‬إذا أحسححن‬
‫أحدكم إسإلماه كان له بكل حسححنة يعملهححا عشححر حسححنات إلححى‬
‫سإبعمائة ضعف ‪ ،‬وإذا عمل بالسيئة كانت السيئة بمثلها ‪ ‬ولححه‬
‫خر ‪ ،‬فدل هذا وغّيححره علححى أن إحسححان السإححلم مارتبححة‬ ‫ألفاظ أ ُ َ‬
‫عظيمة ‪ ،‬وفيها فضل عظيم ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وإحسان السلم مما اختلف فيه أهل العلم ‪- :‬‬


‫فقالت طائفــة ‪ :‬إحسححان السإححلم ‪ :‬أن يححأتي بالواجبححات ‪،‬‬
‫وأن ينتهي عحن المحرماحات ‪ ،‬وهحي مارتبحة المقتصحدين ‪ ،‬يعنحي‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫الذين جححاءوا بقححول اللححه ‪-‬جححل وعل‪   : -‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ (1)        ‬فالمقتصد هو ‪:‬‬
‫الذي يأتي بالواجبات ‪ ،‬ويترك المحرماات ‪ ،‬ويجعل ماع الواجبححات‬
‫بعض النوافل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬المحسن لسإلماه هم أهل هححذه الصححفة‬
‫‪ ،‬يعنححي‪ :‬الححذين يححأتون بالواجبححات وبعححض النوافححل ‪ ،‬ويححدعون‬
‫المحرماات جميعا ‪ ،‬فمن كان كذلك فقد حسن إسإلماه ‪.‬‬
‫والقــول الثــاني ‪ :‬إن إحسححان السإححلم ماعنححاه ‪ :‬أن يكححون‬
‫على رأتبة الحسان في العبادة التي جححاءت فححي حححديث جبريححل‬
‫المعروف ‪ ‬قال ‪ :‬فأخبرني عححن الحسححان قححال ‪ :‬أن تعبححد اللححه‬
‫كأنك تراه ‪ ،‬فإن لححم تكححن تححراه فححإنه يححراك ‪ ‬فالححذي يحسححن‬
‫إسإلماه هو الذي وصل إلى مارتبة الحسان ‪ ،‬إماححا علححى درأجتهححا‬
‫الولى ‪ :‬درأجة المراقبة ‪ ،‬أو على كمالها وهو ‪ :‬درأجة المشاهدة‬
‫‪.‬‬
‫وهذا القول الثاني ظاهر فححي الكمححال ‪ ،‬ولكنححه ليححس ظححاهرا‬
‫في كل المراتب ؛ ولهذا قالت طائفة ‪-‬أيضا‪ -‬ماححن أهححل العلححم ‪:‬‬
‫إن إحسان السإلم ليس مارتبة واحدة بل الناس ماختلفون فيهححا‬
‫‪ ،‬فبقدرأ إحسان السإلم يكون له الفضل والثواب الححذي أعطيححه‬
‫مان أحسن إسإلماه ‪.‬‬
‫فمثل‪ :‬في قوله ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪  : -‬إذا أحسححن أحححدكم‬
‫إسإلماه كان له بكل حسنة يعملها عشر حسححنات إلححى سإححبعمائة‬
‫ضعف ‪ ‬قالوا هنا ‪ :‬عشر حسنات إلى سإبعمائة ضعف ‪ ،‬عشححر‬
‫حسنات لكل مان أحسن السإلم ‪ ،‬يعني‪ :‬لمن كان له السإلم ‪،‬‬
‫وحسن مانه فإنه يبدأ مان عشر أضعاف للحسنة يعني تكتب لححه‬
‫الحسنة بعشر أماثالها إلى سإبعمائة ضعف ‪ ،‬هذا بحسححب درأجتححه‬
‫في إحسان السإلم ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة فاطر آية ‪.32 :‬‬

‫‪126‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فححدل تنححوع الثححواب علححى تنححوع الحسححان ‪ ،‬يعنححي أن درأجححة‬


‫الحسان تختلف ‪ ،‬وأهل إحسان السإلم فيه ماتفححاوتون لتفححاوت‬
‫الفضل والمرتبة والجر على ذلك فقال ‪" :‬إلى سإبعمائة ضعف"‬
‫‪ ،‬فمن أسإباب مازيدها إلححى سإححبعمائة ضححعف أن يكححون إحسححانه‬
‫للسإلم عظيما ؛ ولهذا قال ابن عباس وغّيره مان المفسححرين ‪:‬‬
‫إن الحسنة بعشر أماثالها لكل أحد ‪ .‬يعني‪ :‬لكل ماسلم في قوله‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬في آخر النعام ‪      :‬‬
‫‪ (1)   ‬قال ‪ :‬هذا لكل أحد ‪ ،‬أماححا ماححن أحسححن إسإححلماه‬
‫فإنه في قول الله ‪-‬جل وعل‪      : -‬‬
‫‪ (2)     ‬وهذا تقرير صحيح ‪ ،‬فإن الناس في‬
‫إحسان السإلم ماراتب ‪.‬‬
‫وهذه المسححألة ماشححكلة ‪ ،‬يعنححي‪ :‬لححو رأاجعححت فححي الشححروح ‪،‬‬
‫وكلم أهل العلم ماشكلة ‪ ،‬لكن كلم أهل التحقيق الذين قححررأوا‬
‫هذه المسألة بينوا أن إحسان السإلم له ماراتب ‪ ،‬يعنححي‪ :‬ليححس‬
‫مارتبة واحدة ‪ ،‬وأن أهححل المعصححية ‪ ،‬يعنححي‪ :‬ماححن ظلححم نفسححه ‪،‬‬
‫ليس مان أهل إحسان السإلم فقال ‪  :‬مان حسن إسإلم المححرء‬
‫‪ ‬يعني‪ :‬هذا الفعل ‪ ،‬وهو ترك ماا ل يعني مان حسن إسإلماه ‪،‬‬
‫وهذا ظاهر في المرتبتين جميعححا‪ ،‬فححإن الححذي يححأتي الطاعححات ‪،‬‬
‫ويبتعد عن المحرماات فإنه مانشغل بطاعة رأبححه عححن أن يتكلححف‬
‫ماا ل يعنيه‪.‬‬
‫وأماا أهل الحسان في ماقام المراقبة ‪ ،‬أو ماا هو أعظم مانها‬
‫‪ ،‬وهو ماشاهدة آثأححارأ العصححمة والصححفات فححي خليقححة اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬فهؤلء مانشغلون بإحسان العمل الظاهر والبححاطن عححن أن‬
‫يكون لهم هم فيما ل يعنيهم ‪.‬‬
‫إذا تقررأ هذا فمححا ماعنححى قححوله ‪  :‬ما ا ل يعنيححه ‪ ‬؟ ماححا هححو‬
‫الذي يعني والذي ل يعني ؟ العناية في اللغححة ‪ :‬شححدة الهتمححام‬
‫بالشححيء ‪ ،‬أو الشححيء المهححم الححذي ي ُهْت َححم بححه ‪ ،‬والححذي ل يعنححي‬
‫وليس لي به عناية هو الشيء الذي ل ينفع المعتني به ‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫ل ينفع المتوجه إليه ‪ ،‬وليس له به ماصلحة ‪ ،‬وماعلححوم أن أماححورأ‬
‫‪ - 1‬سإورأة النعام آية ‪.160 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النساء آية ‪.40 :‬‬

‫‪127‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الشرع المسلم له بها عناية ‪ ،‬وأن فقه الكتححاب والسححنة لححه بححه‬
‫لكل ماسلم به عناية ‪ ،‬يعني‪ :‬فيشتد اهتماماه بها ‪.‬‬
‫فإذا ً الهتمام بما فيه فقه للنصوصا هذا ماما يدل على حسن‬
‫إسإلم المرء ‪ ،‬قال ‪  :‬مان حسن إسإلم المرء تركه ماا ل يعنيححه‬
‫‪ ‬بالمفهوم أن مان حسن إسإلم المرء الهتمام بما يعنيه ‪ ،‬ماححا‬
‫ل يعني المرء المسلم مان القوال التي ليس لهححا نفححع لححه فححي‬
‫دينه ‪ ،‬ول في دنياه أو في آخرته أو في أوله ‪ ،‬فإن تركها مان‬
‫حسن إسإلم المرء ‪ ،‬وهذا عام يشمل ماا يتصل بفضول العلححوم‬
‫التي ل تنفعه ‪ ،‬وبفضول المعامالت ‪ ،‬وبفضول العلقات ‪ ،‬ونحححو‬
‫ذلك فتركه ماا ل يعنيه في دينه فإنه هذا دليل حسن إسإلماه‪.‬‬
‫يعني‪ :‬دليل رأغّبتححه فححي الخيححر؛ لن التوسإححع ‪ ،‬أو إتيححان ماححا ل‬
‫يعني في العلقات ‪ ،‬أو في القوال أو في السمع … إلححخ هححذا‬
‫زرأيعححة لن يرتكححب شححيئا ماحرماححا ‪ ،‬أو أن يفححرط فححي واجححب ‪،‬‬
‫تفوته رأتبة المقتصدين التي هي أقل رأتب أهل حسن السإلم‪.‬‬
‫أدخل الشراح أيضا وهذا واضح وب َي ّححن ‪ ،‬وقححد جححاء فحي بعحض‬
‫الحاديث أن ماما ل يعني المرء الكلم أو السماع ‪ ،‬الكلم نطقا‬
‫أو سإماع الكلم ‪ ،‬يعني‪ :‬أن مان حسن إسإلم المرء تححرك ماححا ل‬
‫يعنيححه ماححن الكلم ‪ ،‬سإححماعا أو نطقححا ‪ ،‬وهححذا ظححاهر بيححن ؛ لن‬
‫اللسححان هححو ماححورأد الزلححل ‪ ،‬والذن أيضححا هححي ماححورأد الزلححل ‪،‬‬
‫فاللسححان نطقححا ماحاسإححب عليححه العبححد ‪    ‬‬
‫‪ (1)     ‬وهذه الية عاماة ‪ ،‬فححإن الملححك‬
‫يكتب كل شيء حتى الشياء التي ل تؤاخذ بها ‪.‬‬
‫قال بعض السلف‪ :‬يكتب حتى أنين المريض ‪ ،‬يعني‪ :‬حتى ماححا‬
‫ل يؤاخذ به فإنه يكتبه ‪ ،‬وهذا هححو الراجححح فححي أنححه يكتححب كححل‬
‫شححيء ‪ ،‬ول تختححص كتححابته بمححا فيححه الثححواب والعقححاب ‪ ،‬وذلححك‬
‫لدليلين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن قوله‪" :‬مان قول" هذه نكرة فححي سإححياق النفححي ‪،‬‬
‫وسإبقتها مان ‪ ،‬وهذا يدل علححى التنصححيص الصححريح فححي العمححوم‬

‫‪ - 1‬سإورأة ق آية ‪.18 :‬‬

‫‪128‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪‬‬ ‫يعنححي‪ :‬الححذي ل يتخلححف ماعححه شححيء ماححن أفححراده ألبتححه ‪‬‬
‫‪ (1)    ‬فأي قول لفظ فإنه يكتب ‪.‬‬
‫الدليل الثاني ‪ :‬أن تقسيم ماا يكتبه الملك إلححى أنححه يكتححب‬
‫ماا فيه الثواب والعقاب ‪ ،‬هحذا ُيحتحاج لحه ‪ ،‬أن ُيثبحت أن الملحك‬
‫الذي يكتب عنده التمييز في العمال ماا بين ماححا فيححه الثححواب ‪،‬‬
‫وماا ل ثأواب فيه ‪ ،‬والتمييز في النيات وأعمال القلححب والقححوال‬
‫التي تصدرأ عن أعمال القلوب ‪ ...‬وإلخ ‪.‬‬
‫قال شيخ السإلم ابن تيمية في كتاب اليمان ‪ :‬وهذا ل دليل‬
‫عليه ‪ ،‬يعني‪ :‬أن الملك يعلم ماا يثاب عليه مان القوال ‪ ،‬وماا ل‬
‫‪‬‬ ‫يثاب عليه ‪ ،‬وإنما الملك كاتب ‪ ،‬كما قححال ‪-‬جححل وعل‪ : -‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪ (3)   (2)    ‬إلخ ‪ .‬دل هذا على أن ترك ماا‬
‫ل يعني في القوال فححي القححول لفظححا أو سإححماعا أن هححذا مامححا‬
‫تعظم به درأجة العبد ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪           ‬‬
‫‪ (4)       ‬فلهذا يظهر مان الحديث عند‬
‫كثيرين أن المراد به ‪-‬كمحا ذكحرت‪ -‬القحول أو السحماع ‪ ،‬فيحدخل‬
‫فيه إذن البحث عن أحوال ل تخصك ‪ ،‬أو ل تعنيك فححي دينححك ‪،‬‬
‫أو الحرصا على ماعرفححة الخبححارأ ‪ ،‬أخبححارأ فلن ‪ ،‬وأيححش عمححل ‪،‬‬
‫وى وقال وفعل ‪ ،‬وخبره ماع فلن ‪ ،‬وأيش عنححدك ماححن‬ ‫وأيش سإ ّ‬
‫الخبارأ ‪ ،‬وأيش قال فلن ‪ ،‬والناس أيش عملوا ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫فالهتمام بهذه الشياء بما ل يعني هذا ماخالف لما يدل عليه‬
‫حسن السإلم ‪ ،‬فمن أدلة حسن السإلم ترك ماححا ل يعنححي ماححن‬
‫فضول القوال ‪ ،‬وفضول ماا يسمع ‪.‬‬
‫هحذا الححديث ماحن أححاديث الداب العظيمحة فينبغحي لنحا‬ ‫فإذا ً‬
‫أن نحرصا على حسن السإححلم ؛ لن فيححه ماححن الفضححل‬ ‫‪-‬وجوبا‪-‬‬
‫ماا فيه ‪ ،‬ومان حسن السإلم أن نترك ماححا ل يعنححي ماححن‬ ‫العظيم‬
‫‪ - 1‬سإورأة ق آية ‪.18 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الزخرف آية ‪.80 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة النفطارأ آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة النساء آية ‪.114 :‬‬

‫‪129‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الكلم أو السماع ‪ ،‬الكلم ‪ ،‬السإئلة التي ليس لهححا داع ‪ ،‬يححأتي‬


‫يستفصححل وتححارأة ماححع ماححن هححو أكححبر مانححه ‪ ،‬أو ماححن قححد يحححرج‬
‫باسإتفصاله ‪ ،‬وتدقيق في السإئلة ‪ ،‬تجميع الخبارأ عححن النححاس ‪،‬‬
‫وهذا فعل ‪ ،‬وهذا ترك ‪ ،‬وهذا ذهب ‪ ،‬وهذا جاء ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫والتحدث بها ‪ ،‬وتوسإيع ذلك هذا كلححه ماححذماوم ‪ ،‬ويسححلب عححن‬
‫العبد حسححن السإححلم إذا غّلحب عليححه ‪ ،‬ولهححذا نقححول ‪ :‬فححي هححذا‬
‫الحديث وصية عظيمة فححي هححذا الدب العظيححم ماححن المصححطفى‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬فإن مان حسن إسإلم المرء أن يترك ماححا‬
‫ل يعنيه ‪ ،‬ماا ل يعنيه في دينه ‪ ،‬ماا ل يعنيه في أمار دنياه ‪ ،‬ماححا‬
‫ل يعنيه مان القوال ‪ ،‬ومامححا يسححمع أو مامححا ل يسححمع ‪ ،‬وأشححباه‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫فإن في هذا الثأر الصالح له في صلح قلبه ‪ ،‬وصححلح عملححه‬
‫‪ ،‬والناس يؤتون مان كثرة ماا يسمعون أو يتكلمون ‪ ،‬ولهذا قححال‬
‫بعض السلف فححي أنححاس يكححثرون الكلم والحححديث ماححع بعضححهم‬
‫قال ‪ :‬هؤلء خف عليهم العمل ‪ ،‬فأكثروا الكلم ‪ ،‬وهححذا ماححذماوم‬
‫أن نكححثر الكلم بل عمححل ‪ ،‬نجلححس ماجححالس طويلححة سإححاعة ‪،‬‬
‫سإاعتين ‪ ،‬ثألث في كلم ماكررأ ‪ ،‬وضححارأ ل نفححع فيححه والواجبححات‬
‫لو تأمالها كثيرة ‪ ،‬تجد أنه يتوسإع فححي مابححاح ‪ ،‬ورأبمححا كححان ماعححه‬
‫بعض الحرام في القوال والعمال ويترك واجبات كثيرة ‪ ،‬وهذا‬
‫ليس مان صفة طلب العلم ‪ ،‬فطححالب العلححم يتحححرى أن يكححون‬
‫عمله دائما فيما فيه نفع له ‪ ،‬يعني فيما يعنيه ماما أمار به فححي‬
‫حححث عليححه ‪ ،‬وأن يححترك ماححا ل يعنيححه ماححن القححوال‬
‫الشححريعة أو ُ‬
‫والعمال الظاهرة والباطنة ‪.‬‬
‫هذا الحديث قال عنه النووي في آخره ‪ :‬حححديث حسححن رأواه‬
‫الترماذي وغّيره هكذا ‪ ،‬وتحسينه ماححن جهححة كححثرة طرقححه ‪ ،‬ماححن‬
‫كثرة شواهده ‪.‬‬
‫والراجححح عنححد علمححاء العلححل أنححه مارسإححل ‪ ،‬فقححد قححال أحمححد‬
‫ويحيى بن ماعين وجماعة ‪ :‬إن الصواب فيه أنه مارسإححل ‪ ،‬ولكححن‬
‫له شواهد كثيرة قريبة مان لفظه ؛ ولهذا حسنه النووي ‪-‬رأحمححه‬
‫اللححه‪ -‬وقححال ‪ :‬حححديث حسححن ‪ ،‬رأواه الترماححذي وغّيححره هكححذا ‪،‬‬
‫فالصواب أنه حسن لغيره لشواهده‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪131‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثالث عشر‬


‫ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحبه لنفسه‬
‫وعن أبي حمزة أنس بن ماالك ‪ ‬خادم رأسإول الله ‪ ‬عححن النححبي‬
‫‪ ‬أنه قال ‪  :‬ل يؤمان أحدكم حتى يحب لخيه ماا يحبه لنفسه ‪‬‬
‫رأواه البخارأي وماسلم‪.‬‬
‫هححذا حححديث أنححس ‪ ‬وهححو الحححديث الثححالث عشححر ماححن هححذه‬
‫الحاديث النووية ‪ .‬قال ‪ :‬عن أبي حمزة أنس بن ماالك ‪ ‬خححادم‬
‫رأسإول الله ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قححال ‪  :‬ل يححؤمان أحححدكم حححتى يحححب‬
‫لخيه ماا يحب لنفسه ‪. ‬‬
‫"ل يؤمان أحدكم" ‪ :‬هذه الكلمة تدل على أن ماا بعدها ماأماورأ‬
‫به فححي الشححريعة ‪ ،‬إماححا أماححر إيجححاب أو أماححر اسإححتحباب ‪ ،‬ونفححي‬
‫اليمان هنا قال فيه شيخ السإلم ابن تيمية فححي كتححاب اليمححان‬
‫‪-‬كما أحضرنيه بعض الخوة‪  : -‬ل يؤمان أحدكم ‪ ‬إن هححذا نفححي‬
‫في اليمان بفعل دل على وجوبه‬ ‫لكمال اليمان الواجب ‪ ،‬فإذا ن ُ ِ‬
‫‪ ،‬يعني‪ :‬على وجوب ماا نفي اليمان لجله‪.‬‬
‫‪ ‬ل يؤمان أحدكم حتى يحب لخيححه ماححا يحححب لنفسححه ‪ ‬دل‬
‫على أن ماحبة المرء لخيه ماا يحب لنفسححه واجبححة ‪ ،‬قححال ‪ :‬لن‬
‫نفي اليمان ل يكون لنفي شيء ماستحب ‪ ،‬فمن ترك ماسححتحبا‬
‫ل ينفي عنه اليمححان ‪ ،‬فنفححي اليمححان دال علححى أن هححذا الماححر‬
‫واجب ‪ ،‬فيكون إذا ً نفي اليمححان نفححي لكمححاله الححواجب ‪ ،‬فيححدل‬
‫على أن المار المذكورأ ‪ ،‬والمعلق به النفي يدل على أنه واجب‬
‫‪.‬‬
‫إذا تقررأ هححذا فقححوله هنححا ‪  :‬ل يححؤمان أحححدكم حححتى ‪  ...‬ل ه‬
‫نظائر كثيرة في الشريعة يعني‪ :‬في السححنة ‪  :‬ل يححؤمان أحححدكم‬
‫حتى أكون أحب إليه مان والده وولده والنححاس أجمعيححن ‪  ‬ل‬
‫يؤمان أحدكم حتى يحب لخيححه ماححا يحححب لنفسححه ‪  ‬ل يححؤمان‬
‫مان ل يححأمان جححارأه بححوائقه ‪ ‬وهكححذا إذا تقححررأ ذلححك فححإن نفححي‬

‫‪132‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫اليمان فيها علححى بححاب واحححد ‪ ،‬وهححو أنححه ينفححي كمححال اليمححان‬
‫الواجب ‪.‬‬
‫ثأم قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬حتى يحب لخيه ماححا يحححب‬
‫لنفسه ‪ ‬هذا يشمل العتقاد والقححول والعمححل ‪ ،‬يعنححي‪ :‬يشححمل‬
‫جميححع العمححال الصححالحة ماححن القححوال والعتقححادات والفعححال ‪،‬‬
‫فقوله ‪  :‬حتى يحب لخيه ماا يحب لنفسححه ‪ ‬يشححمل أن يحححب‬
‫لخيححه أن يعتقححد العتقححاد الحسححن كاعتقححاده ‪ ،‬وهححذا واجححب ‪،‬‬
‫ويشمل أن يحب لخيه أن يكون ماصليا كفعله ‪.‬‬
‫فلححو أحححب لخيححه أن يكححون علححى غّيححر الهدايححة فححإنه ارأتكححب‬
‫ماحرماا فانتفى عنه كمال اليمان الواجب ‪ ،‬لححو أحححب أن يكححون‬
‫فلن مان الناس على غّيححر العتقححاد الصحححيح الموافححق للسححنة ‪،‬‬
‫يعني‪ :‬على اعتقاد بدعي فححإنه كححذلك ينفححي عنححه كمححال اليمححان‬
‫الواجب ‪ ،‬وهكذا في سإائر العبادات ‪ ،‬وفي سإائر أنححواع اجتنححاب‬
‫المحرماات ‪ ،‬فإذا أحب لنفسه أن يترك الرشوة ‪ ،‬وأحححب لخيححه‬
‫أن يقع في الرشوة حتى يبرز هو كان مانفيا عنه كمال اليمححان‬
‫الواجب ‪ ،‬وهكذا في نظائرهما ‪.‬‬
‫وقد جاء في النسائي ‪-‬يعني‪ :‬في سإنن النسححائي‪ -‬وفححي غّيححره‬
‫تقييد ماا يحب هنا بمححا هححو ماعلححوم ‪ ،‬وهححو قححوله ‪  :‬ح تى يحححب‬
‫لخيه ماا يحب لنفسه مان الخير ‪ ‬وهذا ظاهر غّير بين ‪ ،‬ولكن‬
‫التنصيص عليه واضح ‪.‬‬
‫أماا أماورأ الدنيا فإن ماحبة الخير لخيه كما يحححب لنفسححه هححذا‬
‫ماسحتحب ؛ لن اليثحارأ بهحا ماسححتحب ‪ ،‬وليححس بححواجب ‪ ،‬فيححب‬
‫لخيه أن يكون ذا ماال ماثححل ماححا يحححب لنفسححه هححذا ماسححتحب ‪،‬‬
‫يحب لخيه أن يكون ذا وجاهة ماثل ماا له هذا ماستحب ‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫لو فرط فيه لم يكن مانفيا عنه ‪ ،‬لم يكن كمال اليمان الواجب‬
‫مانفيا عنه ؛ لن هذه الفعال ماستحبة ‪ ،‬فححإذا صححارأ المقححام هنححا‬
‫على درأجتين ‪ ،‬إذا كان ماا يحبه لنفسه ماتعلقا بأماورأ الدين فهذا‬
‫واجب أن يحب لخوانه ماا يحب لنفسه ‪ ،‬وهذا هو الذي تسححلط‬
‫نفي اليمان عليه ‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪ ‬ل يؤمان أحدكم حتى يحب لخيه ماا يحب لنفسه ‪ ‬يعني‪:‬‬
‫مان أماورأ الدين أو مان الماورأ التي يرغّب فيها الشارأع وأمار بها‬
‫أمار إيجححاب أو أماححر اسإححتحباب وكححذلك ماححا نهححى عنححه الشححارأع ‪،‬‬
‫فيحب لخيه أن ينتهححي عححن المحرماححات ويحححب لخيححه أن يححأتي‬
‫الواجبات ‪ ،‬هذا لو لم يحب لنتفى عنه كمال اليمان الححواجب ‪،‬‬
‫أماا أماورأ الدنيا ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬فإنها على السإتحباب يحب لخيه أن‬
‫يكون ذا سإعة في الرزق فهذا ماستحب ‪ ،‬يحب أن يكون لخيححه‬
‫ماثل ماا له مان الجاه ماثل أو مان المال أو ماححن حسححن الححترتيب‬
‫أو مان الكتب أو… إلخ فهذا كله رأاجع إلى السإتحباب‪.‬‬
‫ويتفرع عن هذا ماسألة اليثارأ ‪ ،‬واليثارأ مانقسم إلححى قسححمين‬
‫‪ :‬إيثارأ بالقرب ‪ ،‬وإيثارأ بأماورأ الدنيا ‪ ،...‬أماا اليثححارأ بححالقرب فححإنه‬
‫ماكروه لنه يخححالف ماححا أمارنححا بححه ماححن المسححابقة فححي الخيححرات‬
‫والمسارأعة فححي أبححواب الطاعححات ‪   ‬‬
‫‪ (2)    (1)     ‬فالمسارأعة والمسابقة‬
‫تقتضححي أن كححل بححاب ماححن أبححواب الخيححر يسححارأع إليححه المسححلم‬
‫ويسحححححححححبق أخحححححححححاه إليححححححححه ‪   ‬‬
‫‪. (3)  ‬‬
‫والقسم الثاني اليثارأ في أماورأ الدنيا يعني‪ :‬فححي الطعححام فححي‬
‫الملبس في المركب في التصدرأ في ماجلس أو ماححا أشححبه ذلححك‬
‫فهذا ماستحب أن يؤثأر أخاه في أماورأ الدنيا كما قال ‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫في وصف خاصة المؤمانين ‪      :‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪          ‬‬
‫فدلت الية على أن اليثارأ بححأماورأ الححدنيا ماححن صححفات المححؤمانين‬
‫وهذا يدل على اسإتحبابه ‪،‬‬
‫صلة هذا بالحديث ‪ ،‬قال ‪  :‬ل يؤمان أحدكم حتى يحب لخيححه‬
‫ماا يحب لنفسه ‪ ‬يحب للخأ ماا يحب للنفس ‪ ،‬قد يقتضي هذا‬
‫أن يقدماه ‪ ،‬فهل إذا كان في أماورأ الدنيا يقدماه على ماححا ذكرنححا‬
‫؟‬
‫‪ - 1‬سإورأة الحديد آية ‪.21 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة آل عمران آية ‪.133 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة المطففين آية ‪.26 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة الحشر آية ‪.9 :‬‬

‫‪134‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫إن اليثارأ بالقرب ماكروه ‪ ،‬اليثارأ فححي أماححورأ الححدنيا ماسححتحب‬


‫فحبه لخيه ماا يحب لنفسه مان أماورأ الدنيا ماستحب هنا أيضححا ‪،‬‬
‫يستحب أن يقدم أخاه على نفسه في أماورأ الدنيا ‪.‬‬
‫هذا خلصة ماا في الحديث مان البحث ‪ ،‬وبهححذا يظهححر ضححابط‬
‫قوله ‪  :‬ل يؤمان أحدكم ‪ ‬وماحا يتصحل بهحا ماحن الفعحل ‪ ‬ححتى‬
‫يحححب لخيححه ‪  ‬حححتى أكححون أحححب إليححه ماححن ولححده ‪ ،‬ووالححده‬
‫والناس أجمعين ‪ ‬إن هذا أمار ماطلوب شرعا ‪  ،‬مان ل يححأمان‬
‫جارأه بوائقه ‪ ‬إلخ ‪.‬‬
‫نكتفي بهذا القدرأ ‪.‬‬
‫وصلى الله وسإلم وبارأك على نبينا ماحمد ‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله ‪ ،‬والصلة والسلم على رأسإول اللححه ‪ ،‬وعلححى آلححه‬
‫وصحبه ومان اهتدى بهداه‪.‬‬
‫أماا بعد‪:‬‬
‫قَرب" ‪،‬‬
‫فكثر السؤال بعد درأس البارأحة عن ماعنى "اليثارأ بححال ُ‬
‫وأنا ظننت أنها واضحة عند الجميع فنقررأها لمن لم تتضح له ‪.‬‬
‫اليثارأ بالقرب ماعناه ‪ :‬أن المسألة إذا كححانت قربححة إلححى اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬فإن اليثارأ ‪-‬إيثارأ أخيك‪ -‬بها ماكروه ؛ لن هححذا ينححافي‬
‫المسححابقة الححتي ذكرنححا لكححم أدلتهححا والمسححارأعة فححي الخيححرات‬
‫والمنافسة ‪.‬‬
‫فمثل‪ :‬أن يكححون هنححاك فرجححة فححي الصححف الول ‪ ،‬أو ماكححان‬
‫ماتقدم خلف الماححام فتقححف أنححت وأخححوك المسححلم فتقححول لححه ‪:‬‬
‫تقدم ‪ ،‬تفضل ‪ ،‬فيقول لك ‪ :‬ل ‪ ،‬تقدم فتقححول ‪ :‬تقححدم ‪ ،‬فمثححل‬
‫هذا ل ينبغي ؛ لنه ماكححروه بححل ينبغححي المسححارأعة فححي تحصححيل‬
‫هذه القربة ‪ ،‬وهي فضيلة الصف الول ‪.‬‬
‫ماثل‪ :‬أتحى رأجحل ماحتحاج إلحى مابلحغ ماحن المحال يسحد عحوزه ‪،‬‬
‫خمسين ‪ ،‬ماائة رأيال ‪ ،‬أكثر ‪ ،‬فأنت ماقتدرأ وأخوك أيضا المسلم‬
‫‪135‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ماقتدرأ فتقول له ‪ :‬سإاعده أنا ماعطيك الفرصة ‪ ،‬تفضححل سإححاعده‬


‫‪ ،‬وهذا يقول ‪ :‬ل أنت تفضل مان بححاب المحبححة ‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن كححل‬
‫واحد يقدم أخاه ‪ ،‬فمثل هذا ‪-‬أيضا‪ -‬ماكروه ل ينبغححي ؛ لن فححي‬
‫هذا الباب المسارأعة والمسابقة في الخيرات ‪.‬‬
‫كذلك مان جهة القراءة ‪ ،‬قراءة العلم علححى الشححياخأ ‪ ،‬وأخححذ‬
‫الفححرصا لنيححل الطاعححات ‪ ،‬والجهححاد وأشححباه هححذا ‪ ،‬فمثححل هححذه‬
‫المسححائل تسححمى قَُربححا يعنححي طاعححات ‪ ،‬فاليثححارأ فححي الطاعححات‬
‫يعني‪ :‬بالقرب ل ينبغي ‪ ،‬ماكروه ؛ لنه كمححا ذكرنححا ينححافي الماححر‬
‫بالمسارأعة والمسابقة ‪ ،‬والتنافس في الخير ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الرابع عشر‬


‫ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى ثلث‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رأب العالمين ‪ ،‬والصححلة والسححلم علححى أشححرف النبيححاء‬
‫والمرسإلين‪ ،‬نبينا ماحمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪-‬رأحمه اللحه‪ -‬تعححالى‪ : -‬وعححن ابححن ماسححعود ‪ ‬قححال ‪:‬‬
‫قال رأسإول الله ‪  ‬ل يحل دم امارئ ماسححلم إل بإحححدى ثألث ‪:‬‬
‫الححثيب الزانححي ‪ ،‬والنفححس بححالنفس ‪ ،‬والتححارأك لححدينه المفححارأق‬
‫للجماعة ‪ ‬رأواه البخارأي وماسلم ‪.‬‬
‫هذا الحديث حديث ابن ماسعود ‪ ‬فيححه ذكححر ماححا بححه يحححل دم‬
‫المرء المسلم ‪ ،‬فإنه تقدم لنا قول النححبي ‪  ‬أماححرت أن أقاتحل‬
‫الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأن ماحمدا رأسإول اللححه‬
‫‪ ،‬ويقيموا الصلة ‪ ،‬ويؤتوا الزكاة ‪ ،‬فإن فعلوا ذلك فقد عصححموا‬
‫ماني دمااءهم وأماوالهم إل بحق السإلم ‪ ،‬وحسابهم على اللححه ‪‬‬
‫‪. ‬‬
‫فهذا الحديث فيه أن دم المسلم ماعصوم ‪ ،‬وأنححه إذا شححهد ل‬
‫إله إل اللححه ‪ ،‬وأقححام الصححلة وآتححى الزكححاة ‪ ،‬يعنححي‪ :‬أدى حقححوق‬
‫التوحيد فإنه ماعصوم الدم ‪ ،‬وحرام المال ‪ ،‬هذا الحديث حححديث‬
‫ابن ماسعود فيه الحوال الححتي يبححاح بهححا دم المسححلم الموحححد ‪،‬‬
‫الذي شهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأن ماحمدا رأسإححول اللححه ‪ ،‬وأتححى‬
‫بحقوق ذلك ‪ ،‬فقال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬ل يحل دم اماححرئ‬
‫ماسلم ‪  ...‬وق وله ‪" :‬ل يحححل" يعنححي‪ :‬يحححرم ‪ ،‬وهححو كححبيرة ماححن‬
‫الكبائر أن يباح دم ماسحلم بغيححر حححق ؛ ولهححذا ثأبححت عنححه ‪-‬عليحه‬
‫الصححلة والسححلم‪ -‬أنححه قححال ‪  :‬ل ترجعححوا بعححدي كفححارأا يضححرب‬
‫بعضكم أعناق بعض ‪ ‬فجعل ضححرب المسححلم أخححاه المسححلم ‪،‬‬
‫وقتله بغير حق مان خصال أهل الكفر ‪.‬‬
‫وثأبت عنه أيضا ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أنه قححال ‪  :‬إذا التقححى‬
‫المسلمان بسححيفيهما فالقاتححل والمقتححول فحي النححارأ ‪ ،‬قحالوا ‪ :‬يححا‬

‫‪137‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫رأسإول الله ! هذا القاتححل فمححا بححال المقتححول ؟ قححال ‪ :‬إنحه كححان‬
‫حريصا على قتل صاحبه ‪ ‬وهذا يدل على أن ماححن سإححعى فححي‬
‫قتل المسلم ‪ ،‬وأتى بالسإباب التي بها يقتل المسحلم فحإنه فحي‬
‫النارأ ‪ ،‬قال ‪  :‬فالقات ل والمقتححول فححي النححارأ ‪ ‬وهححذا ل ينححافي‬
‫عدم المؤاخذة ‪ ،‬ماؤاخذة المسلم بهمه ‪.‬‬
‫وماا جحاء فحي الححديث ‪ ‬إذا هحم عبحدي بالسحيئة فل تكتبوهحا‬
‫عليه ‪ ‬والحححديث الخححر ‪-‬أيضححا‪ -‬الححذي فححي الصحححيح ‪ ‬إن اللححه‬
‫تجاوز لماتي ماا حدثأت به أنفسها ‪ ،‬ماا لم تعمححل أو تتكلححم ‪ ‬؛‬
‫لن هححذا الحححديث الححذي هححو ‪ ‬القاتححل والمقتححول فححي النححارأ ‪‬‬
‫المقتحول وإن ل م يفعحل فهحو فحي النحارأ ؛ لنحه قحد سإحعى فحي‬
‫السإباب ‪ ،‬وعدم الحصول لم يكن لرأادته عدم الحصول ‪ ،‬وإنما‬
‫لتخلف ذلك عنه بأمار قحدرأي ‪ ،‬فيحدل هحذا علحى أن ماححن سإحعى‬
‫في أسإباب القتل ‪ ،‬أو في أسإباب المحرم ‪ ،‬وتمكححن مانهححا لكححن‬
‫تخلفت عنه لسبب ليس إليه فإنه يعتبر كفاعلها مان جهححة الثأححم‬
‫‪ ،‬بل إن الذي يرضى بالذنب كالذي فعله يعني‪ :‬مان جهححة الثأححم‬
‫وهذا ظاهر مان الدلة ‪.‬‬
‫فقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هنا ‪  :‬ل يحل دم امارئ ماسححلم‬
‫إل بإحدى ثألث ‪ ‬يدل على تعظيم حرماة دم المرء المسححلم ‪،‬‬
‫وقححوله ‪  :‬دم اماححرئ ماسححلم ‪ ‬هنححا قححال ‪ :‬ماسححلم ‪ ،‬والمقصححود‬
‫بالمسلم هو ‪ :‬الذي حقق السإححلم ‪ ،‬يعنححي‪ :‬أصححبح ماسححلما علححى‬
‫الحقيقة ‪ ،‬ل على الدعوة ‪ ،‬يعني‪ :‬مان شهد أن ل إله إل اللححه ‪،‬‬
‫وأن ماحمدا رأسإول الله ‪ ،‬وأتى بالتوحيد ‪.‬‬
‫أماححا المشححرك ‪-‬الشححرك الكححبر‪ -‬والمبتححدع ‪-‬البدعححة المكفححرة‬
‫المخرجة مان الدين‪ -‬وأشباه ذلك فل يدخلوا في وصححف السإححلم‬
‫في هذا الحديث ‪ ،‬ول في غّيححره ؛ لن المسححلم هححو ماححن حقححق‬
‫السإلم بتحقيق التوحيد يعني‪ :‬بإتيانه بالشهادتين وماقتضى ذلك ‪،‬‬
‫وكونه لم يرتكب ماكفرا ‪ ،‬ول شححركا أكححبر ‪ ..‬قححال ‪  :‬إل بإحححدى‬
‫ثألث ‪ ‬وهذا اسإتثناء أو يسمى حصرا ؛ لنه اسإتثناء بعد النفححي‬
‫‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والسإتثناء بعد النفي يدل على الحصر ‪ ،‬وقوله ‪-‬عليه الصححلة‬


‫والسلم‪ -‬في أولها ‪" :‬ل يحل" أتى على النفي ‪ ،‬وماجيححء النفححي‬
‫يدل على النهي ‪ ،‬بححل ماجيححء النفححي أبلححغ ماححن ماجححرد النهححي ‪،‬‬
‫يعني‪ :‬كأنه صارأ حقيقة مااضية ‪ ،‬أنه ل يحححل ‪ ،‬بحيححث إن النهححي‬
‫عنه قد تقررأ ‪ ،‬وإنمححا ينفححي وجححوده فححي الشححريعة أصححل ‪ ،‬ولححه‬
‫نظائر كقوله ‪ (1)       :‬وأشباه ذلك ماما‬
‫يعدل فيه مان النهححي إلححى النفححي للمبالغححة فححي النهححي ‪ ،‬وهححذه‬
‫قاعدة ماعروفة في اللغة وفي أصول الفقه ‪.‬‬
‫قال ‪  :‬إل بإحدى ثألث ‪ ‬هححذه الثلث أصححول ‪ ،‬قححال فيهححا ‪:‬‬
‫الثيب الزاني ‪ ،‬والزاني له حالت ‪ :‬إماححا أن يكححون ثأيبححا ‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫أنه قد ذاق العسيلة مان قبل ‪ ،‬يعني‪ :‬أنححه سإححبق لححه أن أحصححن‬
‫‪-‬أن تزوج‪ -‬بعقد شرعي صحيح ‪ ،‬فهذا يقال له ‪ :‬ثأيب ‪ ،‬إذا كححان‬
‫كذلك فإنه ل يكون ثأيبا بزنا ‪ ،‬ول يكون ثأيبا بعقد فاسإد باطل ‪،‬‬
‫ول يكون ثأيبا بعقد ماتعة ‪ ،‬ماتعححة زواج وأشححباه ذلححك ‪ ،‬ل يكححون‬
‫ماحصححنا ثأيبححا فححي الشححريعة إل إذا تححزوج ‪ ،‬نكححح نكاحححا صحححيحا‬
‫ماستوفيا للشروط ‪.‬‬
‫فالثيب إذا زنى فإنه يحل دماه ‪ ،‬وقد كان فيمححا أنححزل ونسححخ‬
‫لفظه وبقى حكمه قوله ‪-‬جل وعل‪" : -‬والشيخ والشيخة إذا زنيححا‬
‫فارأجموهما ألبتة نكال مان الله والله عزيز حكيححم"‪ ،‬وفيمححا بقححي‬
‫‪‬‬ ‫لفظححا وحكمححا قححول اللححه ‪-‬جححل وعل‪  : -‬‬
‫‪ (2)        ‬فدلت الية على‬
‫عموم أن الزانحي يجلحد ماائحة ‪ ،‬ودل ت اليحة الحتي نسحخ لفظهحا‬
‫وبقي حكمها أنه يرجم ‪.‬‬
‫وكذلك السنة دلت على الرجم ‪ ،‬ودلت أيضا على الجمع بين‬
‫الجلد والرجم ؛ ولهححذا اختلححف العلمححاء فححي الزانححي الححثيب هححل‬
‫يجمع له بين الجلد والرجم ؟ يعني‪ :‬هل يجلححد أول ثأححم يرجححم ؟‬
‫أم يكتفى فيه بالرجم ؟ والنبي ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬رأجححم أو‬
‫أمار برجم ماحاعز والغاماديحة ‪ ،‬وأماحر برجحم اليهحودي واليهوديحة ‪،‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الواقعة آية ‪.79 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النورأ آية ‪.2 :‬‬

‫‪139‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وأشباه ذلك في حوادث تدل على أن الرجم فعل مان غّير جلد‬
‫‪.‬‬
‫وقد قال بعض أهل العلم مان الصحابة فمن بعححدهم كعلححي ‪‬‬
‫إنه يجلد ثأم يرجم‪ ،‬كما ثأبت في صحيح البخارأي ‪-‬رأحمححه اللححه‪ -‬‬
‫أن عليحا جلححد زانيححا ثأيبحا ثأحم رأجمححه فقحال ‪ :‬جلححدته بكتحاب اللحه‬
‫ورأجمته بسنة رأسإول الله ‪  ‬يريححد ‪ ‬أنححه جلححده بعمححوم قححوله‬
‫‪-‬جل وعل‪ (1)          : -‬لن‬
‫الية ليس فيها تفصيل هل هو ماحصححن أم غّيححر ماحصححن ؟ هححل‬
‫هو ثأيب أم بكر ؟‬
‫والسنة فيها الرجم ‪ ،‬فدل هذا عنده ‪ ‬على الجمع بين الجلد‬
‫والرجم ‪ ،‬وهو رأواية عن الماام أحمد ‪ ،‬وكححثير ماححن أهححل العلححم‬
‫على الكتفاء بالرجم ؛ لن النبي ‪ ‬اكتفى بححالرجم فححي حححوادث‬
‫كثيرة ‪ ،‬أو في حوادث ماتعددة ‪ ،‬حيث رأجم ماححاعزا والغاماديححة ‪،‬‬
‫واليهودي واليهودية دون جلد ‪-‬كما هو ماعروف‪. -‬‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬الجمع بيححن الجلححد والرجححم رأاجححع إلححى الماححام‬
‫فيما يراه مان جهة كثرة النكال ‪ ،‬والمبالغة فيه ‪.‬‬
‫المقصحود ماحن هحذا ‪ :‬أن الحثيب إذا زنحى ‪ ،‬وتحققححت شحروط‬
‫الزنا كامالة ‪ ،‬بما هو ماعروف بشهادة أرأبعة ‪ ،‬أو بححاعترافه علححى‬
‫نفسه اعترافا ماحققححا ‪ ،‬ل يرجححع فيححه أنححه يرجححم ‪ ،‬وذلححك حححتى‬
‫يموت ‪ ،‬قال هنا ‪  :‬الثيب الزاني ‪ ‬يعني‪ :‬يحل دماه ‪ ،‬يحححل دم‬
‫الثيب إذا زنححى ‪ ،‬قححال ‪  :‬والنف س بححالنفس ‪ ‬النفححس بححالنفس‬
‫هذه كما قال ‪-‬جل وعل‪ -‬في القرآن ‪    :‬‬
‫‪ (2)    ‬وقال ‪-‬جل وعل‪ -‬أيضا ‪   :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ (3)   ‬الية فدل ذلك على أن النفس تقتححل بححالنفس ‪،‬‬
‫فححإذا اعتححدى أحححد علححى نفححس ماعصححوماة فححإنه يقتححل ‪ ،‬إذا كححان‬
‫اعتداؤه بالقتل عمدا ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النورأ آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة المائدة آية ‪.45 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة البقرة آية ‪.178 :‬‬

‫‪140‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ثأم نظر أهل العلم في قوله ‪  :‬النفس بححالنفس ‪ ‬هححل هححذا‬


‫عام ل تخصيص فيه ؟ أو هو عام ماخصوصا ؟ أو هو ماقيد فححي‬
‫أقوال لهم ؟‬
‫والذي عليه جهورأ أهل العلححم أن قححوله ‪  :‬النف س بححالنفس ‪‬‬
‫هذا يقيد بأن النفس تكون ماكافئححة للنفححس بدللححة السححنة علححى‬
‫ذلك ‪ ،‬كما قال ‪-‬جل وعل‪     : -‬‬
‫‪. (1)    ‬‬
‫والسححنة دلححت علححى أن المسححلم ل يقتححل بكححافر ‪ ،‬وعلححى أن‬
‫الحر ل يقتل بعبد ‪ ،‬حتى في القصاصا في الطراف بيححن الحححر‬
‫والعبد ل توجد المكافأة وهكذا ‪.‬‬
‫فإذن ل بد مان وجود المكافأة مان جهححة الححدين ‪ ،‬وماححن جهححة‬
‫الحرية فقوله ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬هنححا ‪" :‬النفححس بححالنفس"‬
‫يعني فيما دلت عليه الية ‪-‬آية البقرة‪ -‬ودلت عليه ماواضعها مان‬
‫السنة أن النفس المكافئة للنفس ‪.‬‬
‫أماا قتل كل نفس بكل نفس فهذا خلف السنة ‪ ،‬وذهب أبححو‬
‫حنيفة الماام المعروف ‪-‬رأحمه اللححه‪ -‬وأصحححابه إلححى أن المسححلم‬
‫يقتححل بالكححافر لعمححوم اليححة ‪    ‬‬
‫‪ (2)   ‬ولعموم الحديث ‪ ،‬وعلى أن الحر يقتل‬
‫بالعبد ‪ ،‬والجمهورأ على إعمال الححاديث ال ُ َ‬
‫خححر فحي هححذا البححاب‬
‫مان أن النفس بالنفس تقيد بما جاء في الحاديث ‪ ،‬فيكون هذا‬
‫مان العام المخصوصا ‪.‬‬
‫قال ‪  :‬والتارأك لدينه المفارأق للجماعة ‪. ‬‬
‫"التارك لدينه" فسرت بتفسيرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬التارأك لححدينه يعنححي ‪ :‬المرتححد الححذي تححرك دينححه كلححه‬
‫فارأتد عن الدين ‪ ،‬فيباح دماه ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.178 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة المائدة آية ‪.45 :‬‬

‫‪141‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والتفسير الثاني ‪ :‬أن التارأك للدين هو ‪ :‬ماححن تححرك بعححض‬


‫الدين ‪ ،‬ماما فيه مافارأقة للجماعة ‪ ،‬يعني‪ :‬ترك بعض أمار الححدين‬
‫‪ ،‬ماما فيه المفارأقة للجماعة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ولهححذا عطححف ‪ ‬المفححارأق‬
‫للجماعححة ‪ ‬علححى ‪ ‬التححارأك لححدينه ‪ ‬فقححال ‪  :‬والت ارأك لححدينه‬
‫المفارأق للجماعة ‪ ‬فجعل مافارأقة الجماعة عطفححا لبيححان تححرك‬
‫الدين ‪ ،‬فدل هذا على أن إباحححة الححدم فححي تححرك الححدين يكححون‬
‫بترك الجماعة ‪ ،‬وتححرك الجماعححة يححراد بهححا تححرك الجماعححة الححتي‬
‫اجتمعت على الدين الحق بمفارأقته للححدين ‪ ،‬وتركححه للححدين بمححا‬
‫يكفره ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬يعني‪ :‬مافارأق للجماعة ‪ ،‬جماعة الدين أو الجتماع‬
‫في الدين‪ ،‬والثاني ‪ :‬أن المفارأقة للجماعة يعنححي بححالخروج علححى‬
‫الماححام ‪ ،‬أو البغححي ‪ ،‬فيكححون المفارأقححة للجماعححة المقصححود بهححا‬
‫الجتماع بالبدان ‪.‬‬
‫وهنا تكلم العلماء في كثير ماححن المسححائل الححتي تححدخل تحححت‬
‫ترك الدين ‪ ،‬فجعلوا باب الردة فيه ‪ ،‬أو باب حكم المرتححد فيححه‬
‫ماسائل كثيرة ‪ ،‬فيهححا يخححرج المححرء ماححن الححدين ‪ ،‬ويكححون مارتححدا‬
‫بذلك ‪ ،‬فكل ماسألة حكم العلمححاء فيهححا علححى أنهححا ماححن أسإححباب‬
‫الححردة ‪ ،‬أو بهححا يرتححد المسححلم ‪ ،‬فححإنه بعححد اكتمححال الشححروط ‪،‬‬
‫وانتفححاء الموانححع يحححل دماححه ‪ ،‬يعنححي‪ :‬يحححل دم المرتححد ‪ ،‬وكححذلك‬
‫المفححارأق للجماعححة بالبححدان يحححل دماححه لقححوله ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪  : -‬مان أتاكم وأماركم جميع علحى رأجحل واححد يريحد أن‬
‫يشق عصاكم فاقتلوه كائنا مان كان ‪. ‬‬
‫فدل هذا على أن ترك الجماعة ‪ ،‬ومافارأقححة الجماعححة يحصححل‬
‫بترك الدين ‪ ،‬بالردة عن الدين ‪ ،‬وبمفارأقة الجتماع على الماام‬
‫‪ ،‬وهذا ظاهر بيححن فححي تعليححة تححرك الححدين بمفارأقححة الجماعححة ‪،‬‬
‫ولهذا جعل أهل العلم في ترك الدين هححذا كححل المسححائل الححتي‬
‫يقتل بها ‪.‬‬
‫إذا تقررأ هذا فإن إحلل الدم هذا ماتححوجه إلححى الماححام ‪-‬إماححام‬
‫المسلمين‪ -‬فإنه ل يجوز لحد أن يسححتبيح دم أحححد ؛ لنححه عنححده‬
‫قد أتى بشيء مان هذه الثلث ‪ .‬فإذا قال ‪ :‬أنا رأأيت هححذا يزنححي‬

‫‪142‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫رأأيته بعيني فاسإتبحت دماه لذلك فإنه يقتل ‪ ،‬ول يجوز له ؛ لن‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬جعل ثأبوت الزنا مانوطا بشهادة أرأبع ‪.‬‬
‫ولو شهد ثألثأة مان أعظم المسلمين صلحا على حصول الزنا‬
‫‪ ،‬وأنهححم رأأوا ذلححك بححأعينهم ل َححد ُرأِئَ الحححد ّ ‪ ،‬ولقيححم علححى هححؤلء‬
‫الص لحاء ححد القحذف ؛ لنهحم قحذفوه ‪ ،‬ول م يكمحل أرأبعحة ماحن‬
‫الشهداء ‪ ،‬كما هو بين لكم في أوائل سإورأة النورأ ‪.‬‬
‫كذلك مان قال ‪ :‬هححذا ارأتححد عححن دينححه فأنححا أقيححم عليححه الحححد‬
‫وأقتله ‪ ،‬وأبيح دماه لجل هذا الحديث فححإن هححذا افتئححات وتعححد ‪،‬‬
‫ول يباح له أن يفعل ذلك ‪ ،‬ودماه ل يحل لكل أحد ‪.‬‬
‫فإذن قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬ل يحل دم امارئ ماسلم‬
‫إل بإحدى ثألث ‪ ‬إحلله لولي المار أو لنوابه مامن جعححل اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬إليهم إنفاذ الحدود وقتل مان يستحق القتل ‪ ،‬أماا لححو‬
‫جعل هذا لكل أحد لصارأ في ذلك اسإتباحة عظيمححة للححدمااء ؛ إذ‬
‫المختلفون كثيرا ماا يكفر أحدهم الخر إذا لم يكونححوا ماححن أهححل‬
‫السنة والعتدال ‪ ،‬فإذا قيل بظاهره ‪-‬ول قائل به‪ -‬فإنه يعني أن‬
‫مان حكم على الخر بأنه كافر فإنه ينفذ ذلك ‪.‬‬
‫ثأم ها هنا ماسألة ماتعلقححة بححذلك ‪ :‬إذا كححان فححي بلححد ل يوجححد‬
‫إماام أو ولي أمار ينفذ الحكححام ‪ ،‬فهححل للمسححلم إذا ثأبححت عنححده‬
‫شيء مان ذلك أن ينفذ الحكام ؟ والجواب ‪ :‬ل ‪ ،‬كما هو قححول‬
‫عاماة أهل العلم ‪ ،‬إذ يشترط لنفاذ الحكام التي فيهححا اسإححتباحة‬
‫للدم أو المال أو العراض ‪ ،‬أو ماا أشبه ذلك ‪ ،‬هذا إنمححا يكححون‬
‫للماام ‪ ،‬فإذا لم يوجد لم يجز لحد أن ينفذ هححذا إل فححي حالححة‬
‫واحدة وهي ‪ :‬أن يأتي أحد إلى مان يرى فيححه العلححم أو الصححلح‬
‫ويقول ‪ :‬أنا ارأتكبت حدا ‪-‬فيما دون القتححل‪ -‬يعنححي ارأتكبححت زنححا ‪،‬‬
‫وكححان غّيححر ماحصححن أو قححال ‪ :‬شححربت الخمححر أو قححذفت فلنححا‬
‫فطهرني بالجلد يعني‪ :‬بما دون القتل فهذا ل بأس به عند كححثير‬
‫مان أهل العلم ؛ لن إرأادة التطهير له ‪ ،‬وإذا جلد فإن هذا له ‪،‬‬
‫وليس فيه اسإتباحة الدم ‪.‬‬
‫أماححا اسإححتباحة الححدم ‪ ،‬أو تطححبيق الحححدود فححي غّيححر حححال ماححن‬
‫يرضى بتطبيقها عليححه فححإنه ل يجححوز بقححول عاماححة أهححل العلححم ‪،‬‬
‫‪143‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فتلخص مان هذا أن إقاماة هذه الشياء رأاجعة إلححى الماححام ولححي‬
‫المار المسلم ‪ ،‬أو مان ينيبه ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنه في بلد ل يوجححد فيهححا ماححن ينفححذ أحكححام اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬فل يجوز إنفاذ أحكام القتل ؛ لن هذه ماعلقححة بححولي‬
‫المار المسلم ‪ ،‬والنبي ‪ ‬في ماكة ‪ ،‬والصحححابة فححي بعححض البلد‬
‫التي ل يقام لم يقيموا فيها ذلححك ‪ ،‬وكححذلك العلمححاء فححي بعححض‬
‫البلد كما كان في الدولة العبيدية ‪ ،‬وأشححباه ذلححك فححإن العلمححاء‬
‫لم يقيموا الحدود بالقتل ‪ ،‬وأشباه ذلك ‪.‬‬
‫الحالة الثالثة ‪ :‬فيما دون القتل ‪ ،‬يعنححي فيمححا فيححه تطهيححر‬
‫بجلد ونحوه ‪:‬‬
‫إذا اختارأ المسلم عالما وقال ‪ :‬طهرني بالجلد مان ذلححك فححإن‬
‫ذلك جائز ؛ لن هذا فيححه حححق لححه ‪ ،‬ويريححد التطهيححر ول يتعححدى‬
‫ضررأه ‪ ،‬وهذا عند بعض أهل العلم ‪.‬‬
‫وآخرون يشترطون في الجميححع إذن الماححام ‪ ،‬أو وجححود ولححي‬
‫المار المسلم ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الخامس عشر‬


‫من كان يؤمن بالله واليوم الخر فليقل خيرا أو ليصمت‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قححال ‪ :‬قححال رأسإححول اللححه ‪  ‬ماححن كححان يححؤمان‬
‫بالله واليوم الخر فليقححل خيححرا أو ليصححمت ‪ ،‬وماححن كححان يححؤمان‬
‫بالله واليوم الخر فليكرم جارأه ‪ ،‬ومان كان يؤمان بححالله واليححوم‬
‫الخر فليكرم ضيفه ‪ ‬رأواه البخارأي وماسلم ‪.‬‬
‫‪‬‬‫هذا الحديث أدب مان الداب العظيمة ‪ ،‬وهو صححنو حححديث ‪:‬‬
‫مان حسن إسإلم المرء تركه ماا ل يعنيه ‪ ‬مان جهة أنححه أصححل‬
‫فححي الداب العاماححة ‪ ،‬وهححذا الحححديث دل علححى أن ماححن صححفات‬
‫المؤمان بالله وباليوم الخر ‪ ،‬الذي يخاف الله ويتقيححه ‪ ،‬ويخححاف‬
‫ماا يحصل له في اليوم الخر ‪ ،‬ويرجو أن يكون ناجيا في اليوم‬
‫الخر ‪ ،‬أن مان صفاته أنه يقول الخير أو يصمت ‪.‬‬
‫ومان صفاته أنه يكرم الجارأ ‪.‬‬
‫ومان صفاته أنه يكرم الضيف ‪.‬‬
‫وماححن صححفاته أنححه يكححرم الجححارأ ‪ ،‬هححذا بعمححوم ماححا دل عليححه‬
‫الحديث ‪ ،‬الحديث دل على أن الحقوق مانقسححمة إلححى ‪ :‬حقححوق‬
‫لله ‪ ،‬وحقوق للعباد‪.‬‬
‫وحقوق الله ‪-‬جل وعل‪ -‬مادارأها على ماراقبته ‪ ،‬وماراقبة الحق‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬أعسر شيء أن تكون في اللسان ‪ ،‬ولهذا نبه بقححوله‬
‫‪  :‬مان كان يؤمان بالله واليوم الخر فليقححل خيححرا أو ليصححمت ‪‬‬
‫على حقحوق اللحه ‪-‬جحل وعل‪ ، -‬والحتي ماححن أعسححرها ماحن حيحث‬
‫العمل والتطبيق ‪ :‬حفظ اللسان ‪ ،‬وهنا أماره بأن يقول خيححرا أو‬
‫أن يصمت ‪ ،‬فدل على أن الصمت ماتراخأ في المرتبة عن قول‬
‫الخير ؛ لنححه ابتححدأ الماححر بقححول الخيححر فقححال ‪  :‬فليق ل خيححرا ‪‬‬
‫فهذا هو الختيارأ ‪ ،‬هو المقدم أن يسعى في أن يقول الخير ‪.‬‬
‫والمرتبححة الثانيححة ‪ :‬أنححه إذا لححم يجححد خيححرا يقححوله أن يختححارأ‬
‫الصمت ؛ وهذا لن النسان ماحاسإب على ماا يتكلححم بححه ‪ ،‬وقححد‬

‫‪145‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫قال ‪-‬جل وعل‪: -‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪        ‬‬

‫فهذا الحديث فيه ‪  :‬فليقل خيرا ‪ ‬وعلق هذا باليمان بححالله‬


‫واليوم الخر ‪ ،‬وقول الخير ماتعلق بالثلثأة التي فحي آي ة النسحاء‬
‫قال ‪             :‬‬
‫)‪ (2‬فالصدقة واضحة والصلح أيضححا واضححح ‪ ،‬والمعححروف هححو ماححا‬
‫عححرف حسححنه فححي الشححريعة ‪ ،‬ويححدخل فححي ذلححك جميححع الماححر‬
‫بالواجبحححات والمسحححتحبات ‪ ،‬وجميحححع النهحححي عحححن المحرماحححات‬
‫والمكروهحات ‪ ،‬وتعليحم العلحم والماحر بحالمعروف ‪ ،‬والنهحي عحن‬
‫المنكر ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫فإذن قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬فليقل خيححرا ‪ ‬يعنححي ‪:‬‬
‫فليقل أمارا بالصدقة ‪ ،‬فليقل أمارا بالمعروف ‪ ،‬فليقححل بمححا فيححه‬
‫إصلح بين الناس ‪ ،‬وغّير هذه ليس فيهححا خيححر ‪ ،‬ماححا خححرج عححن‬
‫هذه فإنه ليس فيها خير ‪ ،‬وقد تكون مان المباحة ‪ ،‬وقححد تكححون‬
‫مان المكروهة ‪ ،‬وإذا كان كذلك فالختيححارأ أن يصححمت ‪ ،‬وخاصححة‬
‫إذا كان في ذلك إحداث لصلح ذات البين ‪ ،‬يعني أن يكون ماحا‬
‫بينه وبيححن النححاس صححالحا علححى جهححة السإححتقاماة بيححن المححؤمانين‬
‫الخوة ‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هنا ‪  :‬مان كان يؤمان بالله واليوم‬
‫الخر فليقل خيححرا أو ليصححمت ‪ ‬يعنححي أن حفححظ اللسححان ماححن‬
‫الفضول بقول الخير ‪ ،‬أو بالصمت إن لم تجد خيرا أن هذا مان‬
‫علماححات اليمححان بححالله واليححوم الخححر ؛ لن أشححد شححيء علححى‬
‫النسان أن يحفظه لسانه ‪ ،‬لهذا جاء في حديث ماعاذ المعروف‬
‫أنه سإأل النبي ‪ ‬لما قال لححه ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  : -‬وك ف‬
‫عليك هححذا ‪ ‬فاسإححتعجب ماعححاذ ‪ ‬فقححال ‪ :‬يححا رأسإححول اللححه أوإنححا‬
‫ماؤاخذون بما نقول ؟ فقححال‪ :‬ثأكلتححك أماححك يححا ماعححاذ وهححل يكححب‬
‫الناس فححي النححارأ علححى مانححاخرهم ‪-‬أو قححال ‪ :‬علححى وجححوههم‪ -‬إل‬
‫حصائد ألسنتهم ‪ ‬فدل على أن اللسان خطير تحركه ‪ ،‬إذا لم‬
‫يكن تحركه في خير فإنه عليك ل لك ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.114 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النساء آية ‪.114 :‬‬

‫‪146‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والتوسإع في الكلم المبححاح قححد يححؤدي إلححى السإححتئناس بكلم‬


‫ماكروه أو كلم ماحرم كما هو ماجرب فححي الوقححع ‪ ،‬فححإن الححذين‬
‫توسإعوا في الكلم ‪ ،‬وأكثروا مانه في غّير الثلثأة المححذكورأة فححي‬
‫الية جرهم ذلك إلى أن يدخلوا في أماورأ ماحرماححة ماححن غّيبححة أو‬
‫نميمة أو بهتان أو ماداهنة ‪ ،‬أو ماا أشبه ذلك ماما ل يحل ‪.‬‬
‫فإذن اليمان بالله واليوم الخر يحض علححى حفححظ اللسححان ‪،‬‬
‫وفي حفظ اللسان الشارأة لحفححظ جميححع الجححوارأح ال ُخححر ؛ لن‬
‫حفظ اللسان أشد ذلححك ‪ ،‬وقححد جححاء فححي الحححديث الصحححيح أن‬
‫النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬قال ‪  :‬مان ضمن لي ماا بين َلحي َي ْهِ‬
‫وماا بين فخذيه ضمنت له الجنة ‪. ‬‬
‫ثأم قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  -‬ومان كان يؤمان بالله واليححوم‬
‫الخر فليكرم جارأه ‪ ‬وإكرام الجارأ يعني ‪ :‬أن يكون ماعه علححى‬
‫صفة الكرم ‪ ،‬والكححرم هححو ‪ :‬اشححتمال الصححفات المحمححودة الححتي‬
‫يحسن اجتماعها في الشيء فيقال ‪ :‬هذا كريم ؛ لنه ذو صفات‬
‫ماحمودة ‪ ،‬وفي أسإماء اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬الكريححم ‪ ،‬والكريححم فححي‬
‫أسإححماء اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬هححو ‪ :‬الححذي تفححرد بصححفات الكمححال ‪،‬‬
‫والسإماء الحسنى فاجتمع لححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬الحسححن العظححم فححي‬
‫السإماء ‪ ،‬والعلو في الصفات ‪ ،‬والحكمة في الفعال ‪.‬‬
‫فالكريم ‪ :‬مان فاق ‪-‬يعنححي فححي اللغححة‪ -‬ماححن فححاق جنسححه فححي‬
‫صححفات الكمححال‪ .‬فححالكرام هححو ‪ :‬أن تسححعى فححي تحقححق صححفات‬
‫الكمال ‪ ،‬أو في تحقيقها ‪ ،‬فإكرام الجارأ ‪ :‬أن تسعى في تحقيق‬
‫صفات الكمال التي تتطلبها المجاورأة ‪.‬‬
‫وإكرام الضيف ‪ :‬أن تسعى في تحقيق صححفات الكمححال الححتي‬
‫تتطلبها الضيافة‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬فليكرم جارأه" على هححذا ‪ ،‬يححدخل فيححه إكححرام الجححارأ‬
‫باللفاظ الحسنة ‪ ،‬إكرام الجارأ بحفظ الجححارأ فححي أهلححه ‪ ،‬حفححظ‬
‫الجارأ في عرضه ‪ ،‬في الطلع على ماسكنه ‪.‬‬
‫ويدخل في هذا حفظ الجارأ في أداء الحقوق العاماة له ‪ ،‬في‬
‫الجدارأ الذي بينهما ‪ ،‬أو النوافذ التي تطل على الجححارأ ‪ ،‬أو فححي‬

‫‪147‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ماوقف السيارأات ‪-‬ماثل‪ -‬أو في غّذاء الطفال ‪ ،‬أو ماا أشبه ذلححك‬
‫‪ ،‬فيدخل هذا جميعا في إكححرام الجححارأ ‪ ،‬ويححدخل فيححه ‪-‬أيضححا‪ -‬أن‬
‫يكرم الجارأ في المطعم والملبس ‪ ،‬وأشباه ذلححك يعنححي أنححه إذا‬
‫كان عنده طعام فإنه يطعم جارأه مانه ‪.‬‬
‫وقد كان ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪ -‬رأبمححا طهححا فححي بيتححه بعححض‬
‫اللحم فقال ‪  :‬أرأسإلوا لجارأنا اليهودي ماححن مارقححة هححذا اللحححم ‪‬‬
‫وهذا في حق الجارأ الكافر ‪ ،‬ولهذا رأأى طائفة ماححن أهححل العلححم‬
‫كأحمد في رأواية ‪ ،‬وكغيححره أن إكححرام الجححارأ فححي هححذا الحححديث‬
‫عام يدخل فيه إكرام الجارأ المسلم ‪ ،‬وإكرام الجارأ الكافر ‪.‬‬
‫وإكرام الجححارأ المسحلم لححه حقححان ‪ :‬لسإححلماه ولجححوارأه ‪ ،‬فححإذا‬
‫إكرام الجارأ كلمة عاماة يدخل فيهححا أداء ماححا لححه ماححن الحقححوق ‪،‬‬
‫وكف الذى عنه ‪ ،‬وبسط اليد له بالطعححام وماححا يحتححاجه ‪ ،‬وهححذا‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬أيضححا‪ -‬ماححع قححول اللححه ‪-‬جححل وعل‪    : -‬‬
‫‪ (1)   ‬والماعون هو ‪ :‬ماا يحتاج إليه في العارأة‬
‫‪.‬‬
‫‪ (2)    ‬يعني ‪ :‬يمنعححون ماححا يحتححاج إليححه‬
‫المسلمون في العارأة ‪ ،‬فإذا احتاج جارأك إلححى أن تعيححره شححيئا‬
‫مان أدوات الطهي أو شيئا مان أدوات المنزل ‪ ،‬أو مان الثأححاث ‪،‬‬
‫أو ماا أشبه ذلك فإن مان إكراماه أن تعطيه ذلك ‪.‬‬
‫أماا إذا كان يتعدى على أشيائك ‪ ،‬ويتلف المال فهذا ل يكون‬
‫له الحق في إكراماه بذلك ؛ لنه ماظنة التعدي ‪.‬‬
‫الجارأ هنا قسمان ‪ :‬جارأ قريب ‪ ،‬وجارأ بعيد ‪ ،‬وفححي القسححمين‬
‫‪‬‬ ‫جاء قول الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬فححي سإححورأة النسححاء ‪  :‬‬
‫‪ (3)      ‬فق وله ‪ :‬‬
‫‪ (4)    ‬فسرت بتفسيرين ‪:‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الماعون آية ‪.7-6 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الماعون آية ‪.7 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة النساء آية ‪.36 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة النساء آية ‪.36 :‬‬

‫‪148‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الول ‪ :‬أن الجارأ ذي القربى هو مان له جوارأ وقرابححة فقححدماه‬


‫على الجارأ الجنب يعني الذي ليس له قرابة ‪ ،‬التفسير الثاني ‪:‬‬
‫أن الجارأ ذا القربى في قوله ‪ (5)      :‬أنه‬
‫الجارأ القريب والجارأ الجنب أنه الجارأ البعيد ؛ لن كلمة "جنب"‬
‫في اللغة تعني ‪ :‬البعيد ‪ ،‬ومانه سإميت "الجنابححة" جنابححة ‪ ،‬وفلن‬
‫جنب لنه مان البعد ‪ ،‬فدل هذا على أن إكرام الجارأ يدخل فيححه‬
‫الجارأ القريب والجارأ البعيد ‪.‬‬
‫ماا حد الجارأ البعيد ؟ بعضهم حده بسبعة يعني سإبعة بيوت ‪،‬‬
‫وبعضهم حده بأرأبعين بيتا مان يميححن وشححمال ‪ ،‬وأماححام وخلححف ‪،‬‬
‫وهذه كلها تقديرات لم يصح فيها شيء عححن المصححطفى ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪ ، -‬وهذا ماحكوم بححالعرف فمححا كححان فيححه العححرف‬
‫أنه قريب فهححو قريححب ‪ ،‬وماححا كححان فيححه العححرف أنححه جححارأ بعيححد‬
‫فيححدخل فححي ذلححك ‪ ،‬وهححذا يتنححوع بتنححوع البلد والعححراف ‪ ،‬فيححه‬
‫تفاصيل ُأخر تقرءونها في المطولت ‪-‬إن شاء الله‪. -‬‬
‫قال ‪  :‬ومان كان يؤمان بالله واليححوم الخححر فليكححرم ضححيفه ‪‬‬
‫إكرام الضيف أن تبذل للضيف ماححن الصححفات المحمححودة ماححا بححه‬
‫يحصل له الحق ‪ ،‬والصححفات المحمححودة الححتي تعطححى للضححيف ‪،‬‬
‫وبشاشة الوجه ‪ ،‬وانطلق السإارأير ‪ ،‬والكرم باللسححان يعنححي أن‬
‫يضاف بألفاظ حسنة ‪ ،‬ومانها أيضا مان إكرام الضيف أن تطعمه‬
‫‪ ،‬وهو المقصود ؛ لن الضياف يحتاجون لذلك ‪ ،‬وقححوله هنححا ‪ :‬‬
‫فليكححرم جححارأه ‪  ‬فليكححرم ضححيفه ‪  ‬فليقححل خيححرا ‪ ‬كلهححا‬
‫أوامار ‪ ،‬وهي على الوجوب ‪.‬‬
‫وإكرام الضيف واجب كما دل عليه الحديث بإطعححاماه ‪ ،‬وهححذا‬
‫فيه تفصححيل وهححو أنححه يجححب أن يضححاف الضححيف بالطعححام يوماححا‬
‫وليلة ‪ ،‬كما جاء في الحححديث أنهححا جححائزة الضححيف يححوم وليلححة ‪،‬‬
‫وتمام الضيافة ثألثأة أيام بلياليها‪ ،‬يعني يوماين بعد اليححوم والليلححة‬
‫الولى ‪ ،‬فيجب أن تكرم الضيف يوماا وليلة ‪ ،‬يعني بححأن تعطيححه‬
‫ماا يحتاجه ‪.‬‬
‫قال العلماء ‪ :‬هذا في حق أهل القرى الذين ليس ثأم ماكححان‬
‫يمكن الضيف أن يستأجر له ‪ ،‬أماا في المدن الكبارأ الذي يوجد‬
‫‪ - 5‬سإورأة النساء آية ‪.36 :‬‬

‫‪149‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فيها الخان ‪ ،‬ويوجد فيها الدورأ التي تؤجر فإنه ل تجب الضيافة‬
‫؛ لنه ل يضيف ماع ذلك إل إذا كان ماحتاجا لها ‪ ،‬ول ماكححان لححه‬
‫يؤويه فإنه يجب علححى الكفايححة أن يعطيححه كفححايته ‪ ،‬وأن يضححيفه‬
‫يوماا وليلة ‪ ،‬وتمام الثلثأة ماستحب ‪ ،‬يعنححي فححي ماكححان ل يوجححد‬
‫فيه دارأ يمكنه أن يستأجرها ‪.‬‬
‫أماا ماثل الن فححي ماححدننا الكبححارأ هححذه فإنهححا ل تجححب ‪ ،‬وإنمححا‬
‫تستحب ‪ ،‬في القرى في الطراف ‪ ،‬وأهل الخيام ‪ ،‬ونحححو ذلححك‬
‫إذا نزل بهم الضياف فإنه يجب عليه أن يقريهححم يوماححا وليلححة ‪،‬‬
‫وتمام الضيافة ثألثأة أيام بلياليها ‪.‬‬
‫إذا تقررأ هححذا فمححا الحذي يقحدماه ؟ الححذي يقححدماه للضحيف ماحا‬
‫تيسححر لححه ‪ ،‬يعنححي ماححا يطعمححه هححو وأهلححه ‪ ،‬ول يجححب عليححه أن‬
‫يتكلف له في ذبح ‪ ،‬أو تكلف طعام كثير ‪ ،‬أو ماا أشححبه ذلححك ‪،‬‬
‫فالذي يجب ماا يطعمه به ‪ ،‬ويسد عححوزة هححذا الضححيف ‪ ،‬أو ماححا‬
‫يسد جوعه يعني مان الطعام المعتاد الذي يأكله ‪.‬‬
‫وقد جاء في الثأر ‪ :‬أن قوماا مان أهل الكتاب أرأسإلوا لعمر ‪‬‬
‫عمر بن الخطاب فقالوا له ‪ :‬إن المسلمين إذا ماروا بنححا كلفونححا‬
‫ذبح الدجاج لهم ‪ ،‬وإن هذا ل نطيقه ‪ ،‬فأرأسإل إليهححم عمححر بمححا‬
‫حاصله أن أطعموهم ماما تأكلون ول تتكلفوا لهم ‪.‬‬
‫وهذا ظاهر مان حيث الصول في أن الكرام ل يعني التكلف‬
‫‪ ،‬وهذا الوجوب في حححق ماححن عنححده فضححل فححي ماححاله ‪ ،‬يفيححض‬
‫ويزيد عن حاجته الضرورأية ‪ ،‬وحاجة ماححن يعححوله ‪ ،‬أماححا إذا كححان‬
‫ماحتاجا هو ومان يعوله ماحتححاج لهححذا الطعححام ‪ ،‬فححإن ماححن يعححوله‬
‫أولى مان الضيف في الشرع ‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث السادس عشر‬


‫ل تغضب‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال ‪  :‬إن رأجل قال للنبي ‪ ‬أوصني‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ل تغضب‪ .‬فردد مارارأا قال ‪ :‬ل تغضب ‪ ‬رأواه البخارأي ‪.‬‬
‫هذا أيضححا ماححن أحححاديث الداب العظيمححة حيححث قححال النححبي ‪‬‬
‫لرجل سإححأله ‪ ‬أوصححني‪ .‬قححال ‪ :‬ل تغضححب ‪ ‬والسححؤال بالوصححية‬
‫حصل مارارأا مان عدد مان الصحابة ‪-‬رأضوان الله عليهم‪ -‬يسحألون‬
‫المصطفى ‪ ‬فيقولون له ‪ :‬أوصنا ‪ ،‬أوصني واختلف جوابه ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬فمرة قال ماثل ماححا هنححا ‪  :‬ل تغضححب ‪ ‬وقححال‬
‫لرجل ‪ ‬قال له ‪ :‬أوصني ‪ .‬قال ‪ :‬ل يزال لسانك رأطبا مان ذكححر‬
‫الله ‪ ‬وقال له رأجل ‪ :‬أوصحني‪ .‬فقحال ل ه كحذا ‪ ،‬وتكحررأ هحذا ‪،‬‬
‫واختلفت الجابة ‪.‬‬
‫قال العلماء ‪ :‬اختلف الجابة يحمل على أحد تفسيرين الول‬
‫وع الجابة بحسححب ماححا يعلمححه عححن‬
‫‪ :‬أنه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ن ّ‬
‫السائل ‪ ،‬فالسائل الذي يحتاج إلى الذكر أرأشده للذكر ‪ ،‬والذي‬
‫يحتاج إلى أن ل يغضب أرأشده إلى عدم الغضب‪.‬‬
‫وع الجابححة لتتنححوع خصححال الخيححر فححي‬
‫والقول الثححاني ‪ :‬أنححه نحح ّ‬
‫الوصايا للماة ‪ .‬لن كل واحد سإينقل ماا أوصى بححه النححبي ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬فتتنوع الجابة ‪ ،‬وكل مان قححال‪ :‬أوصححني ماحتححاج‬
‫لكل جواب‪.‬‬
‫لكن لم يكثر النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬الوصايا بأن ‪ ‬قححال‬
‫‪ :‬ل تغضب ‪  ‬ول يزال لسانك رأطبا بذكر الله ‪ ‬وكححذا وكححذا‬
‫حتى ل تكثر عليه المسائل ‪.‬‬
‫فإفححادة ماححن طلححب الوصححية بشححيء واحححد أدعححى للهتمححام ‪،‬‬
‫ولتطبيقه لتلك الوصية ‪ ،‬قال هنا ‪" :‬أوصني" ‪ ،‬والوصية ‪ :‬الدللة‬
‫على الخير ‪ ،‬يعنححي‪ :‬دلنححي علححى كلم تخصححني بححه ماححن الخيححر ‪،‬‬
‫الذي هو خير لي في عاجل أماححري وآجلححه‪  .‬ق ال ‪ :‬ل تغضححب ‪‬‬
‫وقوله هنا ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪  : -‬ل تغضححب ‪ ‬دل علححى أن‬
‫‪151‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫مان طلب مانه الوصية أن يجتهد فححي الوصححية الجاماعححة ‪ ،‬وفيمححا‬


‫يحتاجه الموصى ‪ ،‬وأل يتخلف عححن الجححواب ‪ ،‬وهححذا يناسإححب أن‬
‫يكون المعلم أو المربي أن يكون ماستحضرا لوصايا النبي ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬ولوصايا أهل العلم حتى يعطيها ماتى ماا سإنحت‬
‫الحاجة في طلب الوصية ‪ ،‬وأشباه ذلك ‪.‬‬
‫وقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬ل تغضب ‪ ‬هححذا ‪-‬أيضححا‪ -‬لححه‬
‫مارتبتان ‪ :‬المرتبححة الولححى ‪ :‬ل تغضححب إذا أتححت دواعححي الغضححب‬
‫فاكظم غّضبك ‪ ،‬واكظم غّيظك ‪ ،‬وهذا جاءت فيه آيات ‪ ،‬ومانهححا‬
‫‪‬‬ ‫قححول اللححه ‪-‬جححل وعل‪    : -‬‬
‫‪ (1)   ‬وكظ م الغيححظ ماححن صححفات عبححاد اللححه المححؤمانين‬
‫المحسنين ‪ ،‬الذين يكظمون الغضب عند ثأورأته ‪.‬‬
‫وجاء ‪-‬أيضححا‪ -‬فححي الحححديث الصحححيح أن النححبي ‪ ‬قححال ‪  :‬ما ن‬
‫كظم غّيظا ‪ ،‬وهو يقدرأ على إنفححاذه ‪ ،‬دعححي يححوم القياماححة علحى‬
‫رأءوس الخلئححق إلححى الجنححة ‪ ‬أو كمححا قححال ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬والحديث في السنن ‪ ،‬وهو حديث صحيح ‪.‬‬
‫سك الغضب هذا هو الحالة الولى الححتي دل‬ ‫ما ْ‬
‫فكظم الغيظ و َ‬
‫عليها قححوله ‪  :‬ل تغضححب ‪ ‬وكظححم الغيححظ ‪ ،‬وإماسححاك الغضححب‬
‫هذا مان الصفات المحمودة ‪ ،‬ويححأتي تفصححيل الكلم علححى كححونه‬
‫مان الصفات المحمودة ‪.‬‬
‫سعَ فيما يغضبك ؛ لنه ماححن‬ ‫الثاني ‪-‬التفسير الثاني‪ :-‬ل ت َ ْ‬
‫المتقررأ أن الوسإائل تححؤدي إلحى الغايحات ‪ ،‬فحإذا كنححت تعلححم أن‬
‫سعَ إلححى وسإححائلها ‪،‬‬
‫هذا الشيء يؤدي بك إلى غّاية تغضبك فل ت َ ْ‬
‫ولهذا كححان كححثير ماححن السححلف يمححدحون التغافححل ‪ ،‬وقححال رأجححل‬
‫للماححام أحمححد ‪ :‬كححان وكيححع يقححول ‪ ،‬أو أحححد الئمححة غّيححر وكيححع‬
‫‪-‬النسيان ماني‪ :-‬الخير تسعة أعشارأه في التغافل ‪.‬‬
‫وقال الماام أحمد ‪ :‬أخطأ ‪ ،‬الخير كله في التغافححل يعنححي‪ :‬أن‬
‫إحقاق الماورأ إلى آخرها في كل شححيء هححذا غّيححر مامكححن ؛ لن‬
‫النفححوس ماطبوعححة علححى التسححاهل وماطبوعححة علححى التوسإححع ‪،‬‬
‫وعنحدها ماححا عنححدها ‪ ،‬فتغافحل المحرء عمححا يحححدث لحه الغضححب ‪،‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة آل عمران آية ‪.134 :‬‬

‫‪152‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ويحدث له ماا ل يرضححيه ‪ ،‬تغححافله عححن ذلححك ماححن أبححواب الخيححر‬


‫العظيمححة ‪ ،‬بححل قححال ‪ :‬الخيححر كلححه فححي التغافححل ‪ ،‬التغافححل عححن‬
‫السإاءة ‪ ،‬التغافل عن الكلم فيما ل يحمد ‪.‬‬
‫التغافل ‪-‬أيضا‪ -‬عن بعححض التصححرفات بعححدم ماتابعتهححا ولحوقهححا‬
‫إلى آخرها إلى آخر ذلك فالتغافل أمار ماحمود وهذا مابنححي أيضححا‬
‫على النهححي عححن التحسححس والتجسححس ‪ ،‬قححوله أيضححا هنححا ‪  :‬ل‬
‫تغضب ‪ ‬بمعنى‪ :‬ل تدخل فححي وسإححائل الغضححب فححي أنواعهححا ‪،‬‬
‫فكل وسإيلة مان الوسإائل التي تؤدي إلححى الغضححب فمنهححي عححن‬
‫اتباعها ‪ ،‬فإذا رأأيت الشيء ‪ ،‬وأنت تعلم مان نفسححك أنححه يححؤدي‬
‫بك إلى الغضب ‪ ،‬فالحديث دل على أن تنتهي عنه ماححن أولححه ‪،‬‬
‫ول تتبع نفسك هذا الشيء ‪ ،‬وتتمارأى فيه أو تتمادى فيححه حححتى‬
‫يغضبك ثأم بعد ذلك قد ل تستطيع أن تكظم الغضححب أو الغيححظ‬
‫‪.‬‬
‫إذا تقححررأ هححذا ‪ ،‬وأن الحححديث لححه ماعنيححان ‪ ،‬وأن النهححي عححن‬
‫الغضححب يشححمل النهححي عححن إنفححاذ الغضححب بكتمححان الغضححب ‪،‬‬
‫ويشمل ‪-‬أيضا‪ -‬النهي عن غّشيان وسإائل الغضب ‪ ،‬إذا تقررأ هذا‬
‫فإن الغضب مان الصفات المذماوماة التي هي مان وسإائل إبليس‬
‫‪ ،‬فالغضب دائما يكون ماعه الشر ‪.‬‬
‫فكثير مان حوادث القتل والعتداءات كانت مان نتائج الغضححب‬
‫‪ ،‬كثير مان الكلم السيئ الذي رأبما لححو أرأاد النسححان أن يرجححع‬
‫فيه لرجع ‪ ،‬لكنه أنفذه مان جراء الغضب ‪.‬‬
‫كثير مان العلقات السيئة بين الرجححل وبيححن أهلححه ‪ ،‬وحححوادث‬
‫الطلق ‪ ،‬وأشباه ذلك كان مانشحأها الغضحب ‪ ،‬وكحثير ماححن قطحع‬
‫صلة الرحم ‪ ،‬وتقطيع الواصر التي أمار الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بوصححلها‬
‫ب ‪ ،‬وماجححارأاة الكلم ‪ ،‬وتبححادل الكلم‬
‫ب القطيعححةِ الغضحح ُ‬
‫كان سإب َ‬
‫والغضب إلى أن يخرجه عما يعقل ‪ ،‬ثأم بعححد ذلححك "لت سإححاعة‬
‫إصلح" ‪.‬‬
‫وهكححذا فححي أشححياء كححثيرة ‪ ،‬فالغضححب ماححذماوم ‪ ،‬وهححو ماححن‬
‫الشيطان ‪ ،‬ومان وسإائل الشيطان لحداث الفرقة بين المؤمانين‬
‫‪ ،‬وإشاعة الفحشاء والمحرماات فيما بينهم ‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫علجا الغضب ‪:‬‬


‫جاء في السنة أحــاديث كــثيرة فــي علجا الغضــب ‪،‬‬
‫نجملها في التي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن الغضب يعالج بالوضوء ؛ لنه فيه ثأورأة ‪ ،‬والوضححوء‬
‫فيه تبريد ؛ ولن الغضب مان الشيطان ‪ ،‬والوضوء فيه اسإححتكانة‬
‫كن الغضححب ‪ ،‬فمححن غّضححب‬ ‫لله ‪-‬جل وعل‪ -‬وتعبد لله ‪ ،‬فهححو ي ُسحح ّ‬
‫فيشرع له الوضوء ‪.‬‬
‫كذلك مما جاء في السنة ‪ :‬أنححه إذا غّضححب وكححان قائمححا‬
‫أن يقعد ‪ ،‬وهذا مان علج آثأححارأ الغضححب ؛ لنححه يسححكن نفسححه ‪،‬‬
‫ومان ‪-‬أيضا‪ -‬علج الغضب أن يسححعى فححي كححونه وإبححداله بححالكلم‬
‫الحسن ‪ ،‬لمن قدرأ على ذلك ‪.‬‬
‫ومان المعلوم أن النسان يبتلى ‪ ،‬وابتلؤه يكححون ماححع درأجححاته‬
‫وأجره وثأوابه ‪ ،‬فإذا ابتلى بما يغضبه فكظم ذلك ‪ ،‬واماتثل أماححر‬
‫‪‬‬ ‫النبي ‪ ‬وماا حث الل ه ‪-‬جحل وعل‪ -‬علي ه بقحوله ‪ :‬‬
‫‪ (1)  ‬وكظم غّيظه ‪ ،‬وهو يقدرأ على إنفححاذه ‪ ،‬كححان حريححا‬
‫بكل فضل مامححا جححاء فححي الحححاديث ‪ ،‬بححأن يححدعى علححى رأءوس‬
‫الخلئق إلى الجنة ‪ ،‬وأشباه ذلك ‪.‬‬
‫فهذا الحديث دل علححى هححذا الدب العظيححم ‪ ،‬فحححرى بطححالب‬
‫العلم ‪ ،‬وبكل ماستقيم على أمار الله أن يوطن نفسه على ترك‬
‫الغضححب ‪ ،‬وتححرك الغضححب ل بححد لححه ماححن صححفة تحمححل عليححه ‪،‬‬
‫والصفة التي تحمل عليه ‪ :‬الحلم والناة ‪ ،‬وماححن اتصححف بححالحلم‬
‫والناة كان حكيمححا؛ ولهححذا الغضححوب ل يصححلح أن يكححون ماعالجححا‬
‫للماورأ ‪ ،‬بل يحتاج إلى أن يهدأ حتى يكون حكيما ‪.‬‬
‫وكان للغضب بعض الثأارأ السيئة في قصص ماتنوعححة ‪ ،‬ولهححذا‬
‫نقول ‪ :‬قوله ‪-‬عليه الصحلة والسححلم‪  : -‬ل تغضححب ‪ ‬ينبغحي أن‬
‫يكون بين أعيننا دائما في علقاتنا ماع إخواننا ‪ ،‬وماع أهلينححا وماححع‬
‫الصغارأ ‪ ،‬وماع الكبارأ فكلما كان المرء أحلم وأحكححم فححي لفظححه‬

‫‪ - 1‬سإورأة آل عمران آية ‪.134 :‬‬

‫‪154‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وفعله كلما كان أقرب إلى الله ‪-‬جل وعل‪ ، -‬وهححذا ماححن صححفات‬
‫خاصة عباد الله ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث السابع عشر‬


‫إن الله كتب الحسان على كل شيء‬
‫وعن أبي يعلى شداد بن أوس ‪ ‬أن رأسإول الله ‪ ‬قال ‪  :‬إن اللححه‬
‫كتب الحسان على كل شححيء ‪ ،‬فححإذا قتلتححم فأحسححنوا القتلححة ‪،‬‬
‫وإذا ذبحتم فأحسححنوا الذبحححة ‪ ،‬وليحححد أحححدكم شححفرته ‪ ،‬وليححرح‬
‫ذبيحته ‪ ‬رأواه ماسلم ‪.‬‬
‫هذا الحديث في باب آخر ‪ ،‬وهو باب الحسححان ‪ ،‬فقححال فيححه‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬إن الله كتب الحسان على كل شححيء‬
‫‪ ‬فلفظ كتب يدلنا على أن الحسان واجب ؛ لن لفظ ‪ :‬كتححب‬
‫‪-‬عند الصوليين‪ -‬مان اللفححاظ الححتي يسححتفاد بهححا الوجححوب ‪ ،‬وماححا‬
‫تصرف مانها ‪ ،‬يعني‪ :‬ماححا تصححرف ماححن الكتابححة ‪ ،‬قححال اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬ماثل‪         :‬‬
‫)‪(1‬‬

‫فدل على وجوبها أشياء مانها ‪ :‬أنه وصفها بأنها كتاب فقال ‪-‬جل‬
‫وعل‪ (2)      : -‬وقال ‪-‬جل وعل‪  : -‬‬
‫‪ (3)      ‬وقال ‪-‬جل وعل‪  : -‬‬
‫‪ (4)    ‬وقال ‪-‬جل وعل‪     : -‬‬
‫‪ (5)   ‬في آيات كثيرة فيها لفظ الكتاب ‪.‬‬
‫فلفظ "كتب" وماا تصرف مانه يححدل علححى أنححه واجححب ‪ ،‬يعنححي‬
‫يدل على أن المكتوب واجب ‪ ،‬ومانه الحسان ‪  ،‬إن الله كتب‬
‫الحسان على كل شيء ‪ ‬وقوله هنححا ‪  :‬كت ب الحسححان علححى‬
‫كل شيء ‪ ‬كلمححة "علححى" هنححا فيهححا احتمححال أن تكححون كتححابته‬
‫الحسان على كل شيء كتابة قدرأية ‪ ،‬يعني أنه كتبها قدرأا بححأن‬
‫الشححياء تمشححي علححى الحسححان ‪ ،‬وأن اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ألهححم‬
‫ماخلوقاته الحسان ‪.‬‬
‫‪‬‬‫ويحتمل أن تكون الكتابة هنا شرعية ‪ ،‬فيكون ماعنى قوله ‪:‬‬
‫كتب الحسان على كل شيء ‪ ‬أن تكححون "علححى" هنححا بمعنححى‬
‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.103 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.183 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة البقرة آية ‪.180 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة النساء آية ‪.24 :‬‬

‫‪ - 5‬سإورأة المائدة آية ‪.45 :‬‬

‫‪156‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫"في" ‪ ،‬يعني ‪:‬كتب الحسان في كل شيء ‪ ،‬يعني‪ :‬لكححل شححيء‬


‫‪ ،‬وهذا يتجه إذا كانت الكتابة شرعية يتجه الخطاب للمكلفيححن ‪،‬‬
‫فلهذا ماثل بمثال يتعلق بالمكلفين ‪ ،‬وهذا الثححاني أظهححر ‪ ،‬يعنححي‬
‫‪:‬أن تكون الكتابة شرعية ‪ ،‬وأن يكححون ماعنححى ‪ ‬كتححب الحسححان‬
‫علححى كححل شححيء ‪ ‬يعنححي‪ :‬فححي كححل شححيء ‪ ،‬أو لكححل شححيء ‪،‬‬
‫فح"على" هنا بمعنى "في" كقححوله ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬حيححث‬
‫سإئل ‪  :‬أي العمال أحب إلى الله ؟ فقال ‪ :‬الصلة على وقتها‬
‫‪ ‬يعني ‪ :‬في وقتها ‪ ،‬فيما هو ماعلوم في ماجيء "على" بمعنى‬
‫"في" في ماواضع ‪ ،‬وماجيء "في" بمعنى "على" في ماواضع ‪.‬‬
‫فقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬حيث سإئل ‪ ‬أي العمححال أحححب‬
‫إلى الله ؟ فقال ‪ :‬الصلة على وقتها ‪ ‬يعني‪ :‬في وقتها ‪ ،‬فيما‬
‫هو ماعلوم في ماجيء "على" بمعنى "في" في ماواضع ‪ ،‬وماجيء‬
‫"في" بمعنى "على" ‪-‬أيضا‪ -‬في ماواضع ‪.‬‬
‫إذا تقررأ هذا فالحسان الذي كتب على المكلف بكل شيء ‪،‬‬
‫ماا هو الحسان ؟ ماصدرأ أحسن الشححيء يحسححنه إحسححانا ‪ ،‬وإذا‬
‫كان كذلك فالحسان يختلف باختلف الشيء ‪ ،‬فإذا كان الشيء‬
‫هذا عبادة صارأ الحسان فيها ‪ ،‬يعني‪ :‬الحسان الححواجب بتكميححل‬
‫ماا به يكححون أجزاؤهححا ‪ ،‬وصحححتها وحصححول الثححواب بهححا ‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫تكميححل الرأكححان والواجبححات والشححرائط ‪ ،‬فيخححرج عححن ذلححك‬
‫المستحبات ؛ لنها ماما لم يكتب ‪ ،‬ماع أنه يكون بها الحسححان ‪،‬‬
‫لكن الحسان المستحب ‪.‬‬
‫فالشيء هنا ‪ ‬كتب الحسان على كححل شححيء ‪ ‬يعنححي‪ :‬فححي‬
‫كل شيء ‪ ،‬الشيء هنا أخذنا مانه العبادات ‪ ،‬وعرفنا الكلم فيها‬
‫‪ ،‬هنا كتب الحسان فححي كححل شححيء ‪ ،‬يعنححي‪ :‬فيمححا تزاولححه ماححن‬
‫أمارك في حياتك ‪ ،‬وهذا الحسان ماطلوب مانك دائمححا ‪ ،‬هححو أن‬
‫تحسن فححي تعامالححك ماححع نفسححك ؛ بححأن تمتثححل الواجبححات ‪ ،‬وأن‬
‫تنتهي عن المحرماات؛ لن ماححن لححم يحسححن هححذا الحسححان كححان‬
‫ظالما لنفسه والظالم لنفسه ماححن ارأتكححب بعححض المنهيححات ‪ ،‬أو‬
‫فرط في بعض الواجبات ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫لهذا أمار الله ‪-‬جل وعل‪ -‬فححي سإححورأة النحححل بالحسححان فقححال‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬جل وعل‪        -‬‬
‫‪ (1)  ‬هذا يشمل جميع الشريعة‪.‬‬
‫الحسان في التعامال ماع الخلق ‪ ،‬وهذا يكححون بححأداء الحقححوق‬
‫الححتي لهححم ‪ ،‬وعححدم ظلمهححم فيمححا لهححم ‪ ،‬والخلححق ماتنوعححون ‪،‬‬
‫أصناف شتى فكححل أحححد ماححن الخلححق لححه حححق ‪ ،‬فححأعلى الخلححق‬
‫ماقاماححا مامححا لححه حححق النححبي ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬فالحسححان‬
‫المتعلححق بالمصححطفى ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬أن تحسححن فححي‬
‫الشهادة له بالرسإالة ‪ ،‬بأن تصدقه ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬فيمححا‬
‫أخبر ‪ ،‬وأن تعبد الله على ماا جححاء بححه المصححطفى ‪ ‬وأن تقححدم‬
‫ماراده ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬في الححدين علححى ماححا تشححتهيه أنححت‬
‫مان الهواء والبدع ‪ ،‬فهذا إحسان في حق المصطفى ‪. ‬‬
‫إحسان في حق الوالدين ‪ ،‬أمار الله ‪-‬جل وعل‪ -‬به فححي قححوله‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪:‬‬
‫فهذا إحسان في حق الوالدين‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪    ‬‬
‫بإعطاء الوالدين الحقوق الواجبة التي لهححم ‪ ،‬إحسححان فححي حححق‬
‫المؤمانين بعاماة ‪ ،‬إحسان في ححق العصحاة ‪ ،‬إحس ان فحي ححق‬
‫العلماء ‪ ،‬إحسان في حق ولة المار ‪ ،‬إحسان في حححق الكححافر‬
‫‪-‬أيضا‪. -‬‬
‫وهكذا فكل نوع مان أنواع الخلححق يتعلححق بحه نححوع ماححن أنححواع‬
‫الحسان ‪ ،‬جاءت الشريعة بتفصيله ‪ ،‬حتى الحيححوان ماححن الخلححق‬
‫تعلق الحسان به ‪ ،‬بما ماثل به المصطفى ‪ ‬بقوله ‪ ‬فإذا قتلتم‬
‫فأحسنوا القتلة ‪ ‬هذا تمثيل لنوع مان أنححواع الحسححان ‪ ،‬تعلححق‬
‫بنححوع ماححن أنححواع المخلوقححات ‪ ،‬فححذكرنا أن الحسححان علححى كححل‬
‫المخلوقات يعني‪ :‬في كل المخلوقات التي تعاشرها ‪ ،‬ومان هذه‬
‫المخلوقات الحيوانات ‪ ،‬فالحيوان كيف تحسن ؟‬
‫ل المصطفى ‪ ‬بالحيوان تمثيل وتنبيها للحسان في غّيره ‪،‬‬ ‫ماث ّ َ‬
‫فقال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  -‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتلححة ‪ ،‬وإذا‬
‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.90 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.83 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة السإراء آية ‪.23 :‬‬

‫‪158‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ذبحتم فأحسنوا الذبحة ‪ ،‬وليحد أحدكم شححفرته وليححرح ذبيحتححه ‪‬‬


‫يعنححي‪ :‬أن تسححعى فححي القتححل بأحسححن الطرائححق ‪ ،‬وفححي الذبححح‬
‫بأحسن الطرائق ‪ ،‬وقوله ‪  :‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتلححة ‪ ‬هححذا‬
‫يشمل قتل مان يستحق القتل مان بني آدم ‪ ،‬أو مان الحيوانححات‬
‫‪ ،‬والظاهر مان السياق أن المقصود به الحيوان ‪ ،‬وحتى النسان‬
‫ماأماورأ بأن تحسن قتلته ‪ ،‬فيضرب بالسيف ضححربة واحححدة علححى‬
‫رأأسإه ‪ ،‬يعني‪ :‬بما يكون ‪ ،‬يعنحي‪ :‬علححى رأقبتحه بمححا يكحون أسإحرع‬
‫في إزهاق رأوحه ‪.‬‬
‫حتى الكفارأ أمار النبي ‪ ‬أل يمثل بهم ‪ ‬ل تمثلوا بهم ‪ ‬وأل‬
‫يقتل شيخ ‪ ،‬وأل يقتل امارأة ‪ ،‬ول طفل إلى آخر ماححا جححاء فححي‬
‫السنة في ذلك ‪.‬‬
‫قال ‪  :‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ‪ ‬أحسححنوا يعنححي‪ :‬ابحثححوا‬
‫عن أحسن طريححق للذبححح فححاذبحوا ‪  ،‬وليحححد أححدكم شحفرته ‪‬‬
‫يعني‪ :‬بحيث ل يتألم المذبوح حين الذبح ‪ ،‬ليحد أحدكم شفرته ؛‬
‫بحيث يكون إمارارأها ماسرعا في إزهاق الححروح ؛ بحيححث ل يححأتي‬
‫يحاول ويحاول فيكون ماع ذلك إتعاب الحيوان في إزهاق رأوحححه‬
‫‪ ،‬وهذا يدل على اسإتخدام اللت الجيدة في إزهاق الححروح فححي‬
‫الحيوان ‪ ،‬فيخالف الحسححان ماححا قححد يفعلححه بعضححهم ماححن أنححه ل‬
‫يحسن الذبح ‪ ،‬ويذهب يتعلم كيححف يذبححح ‪ ،‬يححذهب يتعلححم فيححأتي‬
‫عشر دقائق أو خمس دقائق ‪ ،‬وهو يعالج هذه الذبيحة ‪ ،‬ورأبمححا‬
‫فرت مانه أو يعني‪ :‬جمححزت ماححن يححديه ‪ ،‬وقححامات والححدم يتنححاثأر ‪،‬‬
‫ونحو ذلك ماما قد يجرب بعضححهم الذبححح ‪ ،‬وهححذا ماخححالف للماححر‬
‫بالحسان ‪.‬‬
‫المار بالحسان ؛ إحسان القتلة ‪ ،‬وإحسان الذبحححة أن يكححون‬
‫ماسرعا في إزهاق الححروح فححي الحيححوان بإحححداد الشححفرة ‪ ،‬وأن‬
‫تكون يده ‪-‬أيضا‪ -‬ماحسححنة لسإححتعمال الشححفرة فححي ذلحك ‪ ،‬وهحذا‬
‫مان الحسان الذي أمارنا به ‪.‬‬
‫حتى جاء مان الحسان الححذي أمارنححا بححه أل تذبححح بهيمححة عنححد‬
‫بهيمة ؛ حتى ل تتأذى برؤية دم أختهححا وهححي تذبححح ‪ ،‬فهححذا أماححر‬
‫عام بالحسان في كل شححيء ‪ ،‬إحسححان فححي العبححادة ‪ ،‬إحسححان‬

‫‪159‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫في التعامال ماع نفسه ‪ ،‬وماع الخلق ‪ ،‬وماع الحيوان ‪ ،‬حححتى ماححع‬
‫النبات فيه إحسان ‪ ،‬حتى ماع الجن ‪ ،‬حتى ماححع الملئكححة ‪ ،‬إلححى‬
‫آخر ذلححك ‪ ،‬حححتى ماححع ماخلوقححات اللححه فححي كححل شححيء إحسححان‬
‫بحسبه ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وهذا ماقام عظيم أمار الله ‪-‬جل وعل‪ -‬به ‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ (1)   ‬فعل ى طلب العلححم أن يحسححنوا فححي‬
‫أقوالهم ‪ ،‬وفي أعمالهم ‪ ،‬وفي تعامالهم ماححع رأبهححم ‪-‬جححل وعل‪، -‬‬
‫وفي تعححامالهم ماححع الخلححق بححأنواعه المكلفيححن وغّيححر المكلفيححن ‪،‬‬
‫الجبال والنبات والشجر والدواب ‪ ،‬إلى آخر ذلك ‪.‬‬
‫فالله ‪-‬جل وعل‪ -‬كتب الحسان على كل شيء ‪.‬‬
‫وبهذا القدرأ الكفايحة ‪ ،‬وص لى الل ه وسإحلم وبحارأك علحى نبينحا‬
‫ماحمد ‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫الحمد لله ‪ ،‬والصلة والسلم على رأسإول اللححه ‪ ،‬وعلححى آلححه‬
‫وصحبه ومان اهتدى بهداه ‪.‬‬
‫أماا بعد ‪ ،‬فنكمل شرح الحاديث النووية الرأبعين ‪ ،‬وقد وقفنا‬
‫على الحديث الثامان عشر ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.90 :‬‬

‫‪160‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثامن عشر‬


‫اتق الله حيثما كنت‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫الحمد لله رأب العالمين ‪ ،‬والصححلة والسححلم علححى أشححرف النبيححاء‬
‫والمرسإلين نبينا ماحمد ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪-‬رأحمه الله تعالى‪ : -‬وعن أبي ذرأ جندب بححن جنححادة ‪،‬‬
‫وأبي عبد الرحمن ماعاذ بن جبل ‪-‬رأضي الله عنهما‪ -‬أن رأسإححول اللححه ‪‬‬
‫قال ‪  :‬اتق الله حيثمححا كنححت ‪ ،‬وأتبححع السححيئة الحسححنة تمحهححا ‪،‬‬
‫وخالق الناس بخلححق حسححن ‪ ‬رأواه الترماححذي ‪ ،‬وقححال ‪ :‬حححديث‬
‫حسن ‪ ،‬وفي بعض النسخ حسن صحيح‬
‫هذا الحديث حححديث أبححي ذرأ ‪ ،‬وماعححاذ بححن جبححل ‪-‬رأضححي اللححه‬
‫عنهما‪ -‬عن رأسإول الله ‪ ‬قال ‪  :‬اتق اللححه حيثمححا كنححت ‪ ،‬وأتبححع‬
‫السيئة الحسنة تمحها ‪ ،‬وخالق الناس بخلق حسن ‪. ‬‬
‫قوله ‪  :‬اتق الله حيثما كنت ‪ ‬هححذا أماححر بححالتقوى ‪ ،‬وحيثمححا‬
‫هذه ماتعلقة بالزمانة والماكنة ‪ ،‬يعني‪ :‬في أي زماان كنت ‪ ،‬وفي‬
‫أي ماكان كنت؛ لن كلمة "حيث" قد تتوجه إلحى الماكنحة ‪ ،‬وقحد‬
‫تتوجه إلى الزمانة ‪ ،‬يعني‪ :‬قد تكون ظرف ماكححان ‪ ،‬وقححد تكححون‬
‫ظرف زماان ‪ ،‬وهي هنا ماحتملة للمارين ‪ ‬اتق الله حيثما كنححت‬
‫‪ ‬يعني‪ :‬اتق الله في أي ماكان أو في أي زماان كنت ‪.‬‬
‫والمار بتقوى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬هنا علححى الوجححوب؛ لن التقححوى‬
‫أصل عظيم مان أصول الدين ‪ ،‬وقد أمار الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬نححبيه ‪‬‬
‫بأن يتقي الله ‪ ،‬فقال ‪-‬جل وعل‪      : -‬‬
‫)‪ (1‬وأمار المؤمانين بأن يتقوا الله حق تقاته ‪   :‬‬
‫‪ (2)      ‬وأمارهم بتقوى الله بعاماة ‪ :‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪        ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الحزاب آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة آل عمران آية ‪.102 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة الحزاب آية ‪.70 :‬‬

‫‪161‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪           ‬‬
‫وأشباه ذلك ‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫وتقوى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬جاءت في القرآن في ماواضع كثيرة ‪،‬‬


‫وأتت التقوى في ماواضع أ ُخححر بتقححوى عححذاب اللحه ‪-‬جححل وعل‪، -‬‬
‫وبأن يتقي النارأ ‪ ،‬وأن يتقي يوم القياماة كما قال ‪-‬جل وعل‪ : -‬‬
‫‪ (2)        ‬وقال ‪-‬جل وعل‪ : -‬‬
‫‪ (3)   ‬وهكذا في آيات ُأخر ‪.‬‬
‫فهذان إذن نوعححان ‪ ،‬فححإذا تححوجهت التقححوى ‪ ،‬وصححاَرأ مافعول ُهححا‬
‫ظ الجللةِ ‪ (4)        :‬فمعنى‬‫لف َ‬
‫تقوى الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬هنححا ‪ :‬أن تجعححل بينححك وبيححن عححذاب اللححه‬
‫وسإخطه وأليم عقابه في الدنيا وفي الخرة وقاية تقيححك مانححه ‪،‬‬
‫وهذه الوقاية بالتوحيد ‪ ،‬ونبذ الشرك ‪ ،‬وهذه هححي التقححوى الححتي‬
‫ُأمار النححاس جميعححا بهححا؛ لن تقححوى اللححه ‪-‬كمححا ذكححرت لححك ماححن‬
‫ماعناها‪ -‬رأاجعححة إلححى المعنححى اللغححوي ‪ ،‬وهححي أن التقححوى أصححلها‬
‫وى" فالتاء فيها مانقلبة عن واو ‪ ،‬وهي ماححن الوقايححة ‪ ،‬وقححاه‬ ‫"وَقْ َ‬
‫يقيه وقاية ‪.‬‬
‫فالمتقي هو ‪ :‬مان جعل بينه وبين ماا يكره وقاية ‪ ،‬بينه وبيححن‬
‫سإخط الله وعذابه وأليم عقابه وقايححة ‪ ،‬وهححي فححي القححرآن أي‪:‬‬
‫في المار بتقوى الله على ثألث ماراتب ‪-:‬‬
‫الولى ‪ :‬تقوى أمار بها النححاس جميعححا ‪   ،‬‬
‫‪ (5)   ‬ف ي آيححات ‪ ،‬وهححذا ماعنححاه أن يسححلموا أن‬
‫يحققوا التوحيد ‪ ،‬ويتبرءوا ماححن الشححرك ‪ ،‬فمححن أتححى بالتوحيححد ‪،‬‬
‫وسإححلم ماححن الشححرك فقححد اتقححى اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬أعظححم أنححواع‬
‫التقوى ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫ولهذا قال جماعححة ماححن المفسححرين فححي قححوله ‪-‬جححل وعل‪: -‬‬
‫‪ (6)     ‬يعني‪ :‬مان الموحدين ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة الحشر آية ‪.18 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.281 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة آل عمران آية ‪.131 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة البقرة آية ‪.278 :‬‬

‫‪ - 5‬سإورأة النساء آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 6‬سإورأة المائدة آية ‪.27 :‬‬

‫‪162‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والمرتبة الثانية ‪ ،‬أو النوع الثاني ‪ :‬تقححوى أماححر بهححا المححؤمانين‬


‫فقال ‪-‬جل وعل‪ (1)        -‬وهذه‬
‫التقوى للمؤمان تكون بعد تحصيله ‪-‬كما هو ماعلوم‪ -‬بعد تحصححيله‬
‫التوحيححد ‪ ،‬وتححرك الشححرك فيكححون التقححوى فححي حقححه أن يعمححل‬
‫بطاعة الله على نورأ مان الله ‪ ،‬وأن يترك ماعصية الله على نورأ‬
‫مان الله ‪-‬جل وعل‪ ، -‬وأن يترك المحرماات ‪ ،‬ويمتثل الواجبات ‪،‬‬
‫وأن يبتعد عما فيه سإخط الله ‪-‬جل وعل‪ ، -‬والتعرض لعذابه ‪.‬‬
‫وهذه التقوى للمؤمانين ‪-‬أيضا‪ -‬على ماراتب أعلها أن يدع ماححا‬
‫ل بأس به حذرأا ماما به بأس ‪ ،‬حححتى قححال بعححض السححلف ‪ :‬ماححا‬
‫سإموا ماتقين إل لتركهم ماححا ل بححأس بححه حححذرأا مامححا بححه بححأس ‪،‬‬
‫ُ‬
‫وهذا في أعلحى ماراتحب التقحوى ؛ لنحه اتقحى ماحا ل ينفعحه فحي‬
‫الخرة ‪ ،‬وهذه مارتبة أهل الزهد والورأع والصلح ‪.‬‬
‫والنوع الثالث مان التقوى ‪-‬في القرآن‪ : -‬تقححوى أ ُماححر بهححا ماححن‬
‫‪‬‬ ‫هو آت بها ‪ ،‬وذلك قححول اللححه ‪-‬جححل وعل‪: -‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ (2)   ‬ومان ُأمار بشيء هو ماحصله ‪ ،‬فإن ماعنى المار أن‬
‫يثبت عليه ‪ ،‬وعلى دواعيححه ‪ ،‬فمعنححى قححول اللححه ‪-‬جححل وعل‪ : -‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪‬‬ ‫ت علححححى ماقتضححححيات التقححححوى ‪  ،‬‬ ‫يعنححححي‪ : :‬اثأ ُْبحححح ْ‬
‫‪ (4)    ‬وذلك قححوله ‪-‬جححل وعل‪ : -‬‬
‫‪ (5)      ‬الية في سإورأة النساء‬
‫‪ ،‬فناداهم باسإم اليمان ‪ ،‬ثأم أمارهم باليمان ‪ ،‬وهذا ماعنحاه ‪ :‬أن‬
‫يثبتححوا علححى كمححال اليمححان ‪ ،‬أو أن يكملححوا ماقاماححات اليمححان‬
‫)‪(6‬‬
‫بحسب الحححال؛ لن لفححظ ‪    ‬‬
‫اليمان له درأجات ‪.‬‬
‫فقول النبي ‪ ‬هنحا ‪  :‬ات ق اللحه حيثمحا كنحت ‪ ‬هحذا خطحاب‬
‫ماوجه لهل اليمان ‪ ،‬يعني‪ :‬لهل النوع الثاني ‪ ،‬فالمقصححود مانححه‬
‫أن يأتي بتقوى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬في أي ماكان ‪ ،‬أو زماححان كححان ‪،‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.278 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الحزاب آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة الحزاب آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة الحزاب آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 5‬سإورأة النساء آية ‪.136 :‬‬

‫‪ - 6‬سإورأة البقرة آية ‪.104 :‬‬

‫‪163‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فهو أن يعمل بالطاعححات ‪ ،‬وأن يجتنححب المحرماححات ‪ ،‬كمححا قححال‬


‫طلق بن حبيب ‪-‬رأحمه الله‪" : -‬تقوى الله‪ :‬أن تعمل بطاعة اللححه‬
‫على نورأ مان اللحه ترجححو ثأححواب اللحه ‪ ،‬وأن تححترك ماعصححية اللحه‬
‫على نورأ مان الله تخشى عقاب الله"‪.‬‬
‫قال ابن ماسعود وغّيره في رأجل سإأله عححن التقححوى فقححال ‪ :‬ألححم‬
‫تمش على طريق فيه شوك ؟ فقال بلى ‪ .‬قال فمححا صححنعت ؟ قححال‬
‫شمرت واتقيت ‪ ،‬قال فتلك التقوى" ‪ ،‬وهي ماروية ‪-‬أيضا‪ -‬عن عمححر‬
‫‪ ‬ونظمها ابن المعتز الشاعر المعروف بقوله ‪:‬‬

‫وكبيرهــا ذاك التقـى‬ ‫خــل الذنـوب صغيرهـا‬


‫ض الشوك يحذر ما‬
‫ِ‬ ‫ش فوق أر‬
‫واصنـع كمـا ٍ‬
‫يرى‬
‫إن الجبـال مـن الحصى‬ ‫ل تحـــقرن صغـــيرة‬

‫وهذا بعاماة يخاطب به أهل اليمان ‪ ،‬فإذن تقححوى اللححه ‪-‬جححل‬


‫وعل‪ -‬أن تخاف مان أثأر ماعصية الله ‪-‬جل وعل‪ ، -‬أن تخاف ماححن‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬فيما تأتي ‪ ،‬وفيمححا تححذرأ ‪ ،‬وهححي فححي كححل ماقححام‬
‫بحسبه ‪.‬‬
‫التقوى في كل ماقام بحسبه ‪ ،‬ففي وقت الصلة هنا تخاطب‬
‫بالتقوى ‪ ،‬وفي وقت الزكاة تخاطب بالتقوى ‪ ،‬في هححذا المقححام‬
‫‪ ،‬وفححي وقححت التيححان بسححنة تخححاطب بححالتقوى ‪ ،‬وفححي وقححت‬
‫المخاطبة بواجب تخاطب بالتقوى ‪ ،‬وفي وقت أن يعرض عليك‬
‫ماحّرم مان النساء أو المال ‪ ،‬أو الخمورأ ‪ ،‬أو ماا أشبه ذلك ماححن‬ ‫ُ‬
‫النواع ‪ ،‬أو ماحرماات اللسححان ‪ ،‬أو أفعححال القلححوب ماححن العجححب‬
‫والكبر ‪ ،‬أو الزدرأاء وسإوء الظن ‪ ،‬إلى آخححره ‪ ،‬فحي كححل ماقحام‬
‫يأتيك هناك تقوى تخصه ‪.‬‬
‫فإذن تتعلححق التقححوى بالزمانححة وبالماكنححة ؛ ولهححذا قححال ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪  : -‬اتق الله حيثما كنت ‪ ‬؛ لنه ماا مان ماكححان‬

‫‪164‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫تكون فيه أو زماان تكون فيه إل وثأم أمار أو نهي مان الله ‪-‬جل‬
‫وعل‪ -‬يتوجه للعبد‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫والوصية بححالتقوى هححي أعظححم الوصححايا ‪  ،‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ (1)    ‬وكان الصحابة ‪-‬رأضححوان اللححه عليهححم‪ -‬كححثيرا‬
‫ماا يوصي بعضهم بعضا بتقوى الله ‪ ،‬فهححم يعلمححون ماعنححى هححذه‬
‫الوصية العظيمة ‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬وأتبع السيئة الحسححنة تمحهححا ‪‬‬
‫‪.‬‬
‫أتبع الفاعححل أنححت ‪ ،‬والسححيئة هححي المتبوعححة ‪ ،‬والحسححنة هححي‬
‫التابعة ‪ ،‬يعنححي‪ :‬اجعححل الحسححنة ورأاء السححيئة ‪-‬بعححد السححيئة‪ ،-‬إذا‬
‫عملت سإيئة فأتبعها بحسنة ؛ فإن الحسححنات يححذهبن السححيئات ‪،‬‬
‫كما قال ‪-‬جل وعل‪       : -‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫وفي الصحيح ‪ ،‬صحيح البخارأي ‪-‬رأحمه الله‪ -‬وغّيححره ‪ ‬أن رأجل‬


‫مان الصحابة نال مان امارأة ُقبلة فححأتي النححبي ‪ ‬وأخححبره بححالخبر‬
‫ماستعظما لما فعل ‪ ،‬فيسأله عن كفارأة ذلك ‪ ،‬فنزل قول اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪         : -‬‬
‫‪ (3)         ‬فقال‬
‫له ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هل صححليت ماعنححا فححي هححذا المسححجد؟‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬فهي كفارأة ماا أتيت ‪. ‬‬
‫وهححذا يححدل علححى أن المححؤمان يجححب عليححه أن يسححتغفر ماححن‬
‫السيئات ‪ ،‬وأن يسعى في زوالها ‪ ،‬وذلك بأن يأتي بالحسححنات ‪،‬‬
‫فالتيان بالحسنات يمحو الله ‪-‬جل وعل‪ -‬به أنواع السيئات ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.131 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة هود آية ‪.114 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة هود آية ‪.114 :‬‬

‫‪165‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وكححل سإححيئة لهححا ماححا يقابلهححا ‪ ،‬فليححس كححل سإححيئة تمحوهححا أي‬
‫حسححنة فححإذا عظمححت السححيئة وكححبرت فل يمحوهححا إل الحسححنات‬
‫العظام؛ لن كل سإيئة لها ماا يقابلها مان الحسنات ‪.‬‬
‫ولهذا جاء أن الرجل إذا غّلط أو جححرى علححى لسححانه كلمححة ‪:‬‬
‫والكعبة أو أقسم بغير الله فإن كفارأة ذلحك ماحن الحلححف بالبحاء‬
‫وأشباه ذلك أن يقول ل إله إل اللححه؛ لن ذاك شححرك ‪ ،‬وكفححارأة‬
‫الشححرك أن يححأتي بالتوحيححد ‪ ،‬وكلمححة ل إلححه إل اللححه هححي ماححن‬
‫الحسنات العظام ‪ ،‬كلمة التوحيد مان الحسنات العظام ‪.‬‬
‫إذن فالسيئات لها حسنات يمحو الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بها السححيئات‬
‫‪ ،‬وهذا يدل على أن السيئة تمحى ‪ ،‬ول تححدخل فححي الموازنححة ‪،‬‬
‫وظاهر الحديث ‪ :‬أن هذا فيمن أتبعها يعني‪ :‬أنححه إذا أتححى بسححيئة‬
‫أتبعها بحسنة بقصد أن يمحححو اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬مانححه السححيئات ؛‬
‫لنه قال ‪ ‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها ‪ ‬فإذا فعل سإيئة سإعى‬
‫في حسنة لكي تمحى عنه تلك السيئة ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫والحديث الذي ذكرنا ‪ ،‬وعموم الية ‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪          ‬‬
‫يدل على عدم القصد ‪ ،‬فالحديث هذا دل على القصححد ‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫أن يتبعهححا قاصححدا ‪ ،‬واليححة والحححديث ؛ آيححة هححود وحححديث ابححن‬
‫ماسعود الذي في البخارأي تدل على عدم اعتبارأ القصححد ‪ ،‬فهححل‬
‫هذا في كل العمال؟ أم أنه يحتاج إلى أن يتبع السيئة الحسنة‬
‫حتى يمحوها الله ‪-‬جل وعل‪ -‬عنه بقصد التباع ؟‬
‫هذا ظاهر في أثأره ‪ ،‬فححأعظم ماححا يمحححو اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬بححه‬
‫السيئات أن يأتي بالحسنة بقصد التكفير ‪ ،‬فهذا يمحو الله ‪-‬جل‬
‫وعل‪ -‬به الخطيئة ؛ لنه جمححع بيححن الفعححل والنيححة ‪ ،‬والنيححة فيهححا‬
‫التوبة والندم على تلك السيئة ‪ ،‬والرغّبححة إلححى اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫في أن يمحوها الله ‪-‬جل وعل‪ -‬عنه ‪.‬‬
‫إذن فهي مرتبتان ‪-:‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة هود آية ‪.114 :‬‬

‫‪166‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫المرتبة الولى ‪ :‬أن يقصد ‪-‬وهي العليححا‪ -‬أن يقصححد إذهححاب‬


‫السيئة بالحسنة التي يعملها ‪ ،‬وهححذا ماعححه أن القلححب يتححبرأ ماححن‬
‫هذا الذنب ‪ ،‬ويرغّب في ذهابه ‪ ،‬ويتقرب إلححى اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫بالحسنات حتى يرضى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬عنححه ففححي القلححب أنححواع‬
‫مان العبوديات سإاقته إلى أن يعمل بالحسنة ؛ ليمحو الله ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬عنه بفعله الحسنة ماا فعله مان السيئات ‪.‬‬
‫والمرتبة الثانيــة ‪ :‬أن يعمححل بححالخير ماطلقححا ‪ ،‬والحسححنات‬
‫يذهبن السيئات بعاماححة ‪ ،‬كححل حسححنة بمححا يقابلهححا ماححن السححيئة ‪،‬‬
‫فالله ‪-‬جل وعل‪ -‬ذو الفضل العظيم ‪.‬‬
‫إذا تقررأ ذلك فالحسنة ‪ :‬المقصود بها الحسنة فححي الشححرع ‪،‬‬
‫والسيئة هي ‪ :‬السيئة في الشرع ‪ ،‬والحسححنة فححي الشححرع ‪ :‬ماححا‬
‫يثاب عليه ‪ ،‬والسيئة في الشححرع ‪ :‬ماححا ورأد الححدليل بححأنه يعححاقب‬
‫عليه ‪.‬‬
‫إذن فالسحححيئات هحححي المحرماحححات ماحححن الصحححغائر والكبحححائر ‪،‬‬
‫والحسنات هي الطاعات مان النوافل والواجبات ‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بعد ذلك ‪  :‬وخ الق النححاس بخلححق‬
‫خلححق‬
‫حسن ‪ ‬والنححاس هنححا يححراد بهححم المؤمانححون فححي جمححاع ال ُ‬
‫الحسن بأن يحسن إليهم ‪ ،‬ويراد بهم ‪-‬أيضا‪ -‬غّير المححؤمانين فححي‬
‫خلق الحسن يشمل ‪ :‬ماا يجب على المرء‬ ‫ماعامالتهم بالعدل ‪ ،‬وال ُ‬
‫مان أنواع التعامال بالعدل لهل العدل ‪ ،‬والحسان لمن لححه حححق‬
‫الحسان ‪ ،‬قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هنا ‪  :‬خالق الناس بخلق‬
‫حسن ‪. ‬‬
‫والخلق الحسن فسر بتفسيرات مانها أنه ‪ :‬بذل النححدى وكححف‬
‫الذى ‪ ،‬يعني‪ :‬أن تبذل الخير للناس ‪ ،‬وأن تكف أذاك عنهم ‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬إن الخلق الحسن ‪ :‬أن يحسححن للنححاس بححأنواع‬
‫الحسان ‪ ،‬ولو أسإححاءوا إليحه ‪ ،‬كمححا جححاء الماححر بمخالقححة النححاس‬
‫بالخلق الحسن ‪ ،‬والحث على ذلك ‪ ،‬وبيان فضيلته في أحححاديث‬
‫كثيرة ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪‬‬‫وماما جاء في بيان فضيلته قححوله ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪: -‬‬


‫إن أدناكم ماني ماجلسا يوم القياماة أحاسإنكم أخلقا ‪ ،‬الموطئون‬
‫أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ‪. ‬‬
‫وثأبت عنه ‪-‬أيضا عليه الصلة والسلم‪ -‬أنه قال ‪  :‬إن الرجححل‬
‫ليبلححغ بحسححن خلقححه درأجححة الصححائم القححائم ‪ ‬يعنححي‪ : :‬المتنفححل‬
‫بالصححيام ‪ ،‬والمتنفححل بالقيححام فحسححن الخلححق الححذي يبححذله دائمححا‬
‫طاعة ماححن طاعححات اللححه ‪-‬جححل وعل‪ ، -‬فححإذا كححان دائححم إحسححان‬
‫الخلق على النحو الذي وصفت ‪ ،‬فإنه يكون في عبححادة دائمححة‬
‫‪ ،‬إذا فعل ذلك طاعة لله ‪-‬جل وعل‪. -‬‬
‫وحسن الخلق تارأة يكون "طبعا" ‪ ،‬وتارأة يكون "حمل" يعنححي‪:‬‬
‫طاعة لله ‪-‬جل وعل‪ -‬ل طبعا في المرء ‪ ،‬وماا كححان ماححن حسححن‬
‫الخلق على اماتثال الطاعة ‪ ،‬وإلححزام النفححس بححذلك فهححو أعظححم‬
‫أجرا مامن يفعله على وفق الطبيعة ‪ ،‬يعني‪ :‬ل يتكلف فيححه؛ لن‬
‫القاعدة المقررأة عند العلماء أن ‪ :‬المار إذا أمار به فححي الشححرع‬
‫‪ ،‬يعني‪ :‬أن المسألة إذا أمار بها في الشرع ‪ ،‬فإذا اماتثلهححا اثأنححان‬
‫فإن مان كان أكلف في اماتثال ماا أمار به كان أعظم أجححرا فححي‬
‫التيان بالواجبات ‪.‬‬
‫كمحا ثأبحت فححي الصححيحين أنحه ‪-‬عليحه الصححلة والسحلم‪ -‬قحال‬
‫صِبك ‪ ‬وهذا محمــول علــى‬ ‫ك على قدرأ ن َ َ‬
‫لعائشة ‪ ‬إن أجر ِ‬
‫شيئين ‪ ،‬يعني‪ :‬مشروط بشرطين ‪-:‬‬
‫الول ‪ :‬أن يكون مان الواجبات ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن يكون ماما توجه المار للعبد بححه فيكححون أجححره‬
‫على قدرأ ماشقته في اماتثال المار ‪.‬‬
‫أماححا النوافححل فل لحححديث الححذي يقححرأ القححرآن فيححه تفاصححيل‬
‫القاعدة المعروفة عند أهل العلم‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث التاسع عشر‬


‫يا غلم إني أعلمك كلمات‬
‫وعن أبي العباس عبد الله بححن عبححاس ‪-‬رأضححي اللححه عنهمححا‪ -‬قححال ‪‬‬
‫كنت خلف النبي ‪ ‬يوماا فقححال ‪ :‬يححا غّلم إنححي أعلمححك كلمححات ‪:‬‬
‫احفححظ اللححه يحفظححك ‪ ،‬احفححظ اللححه تجححده تجاهححك ‪ ،‬إذا سإححألت‬
‫فاسإأل الله ‪ ،‬وإذا اسإتعنت فاسإتعن بالله ‪ ،‬واعلم أن الماححة لححو‬
‫اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبححه‬
‫الله لك ‪ ،‬وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لححم يضححروك إل‬
‫بشيء قد كتبه الله عليك ‪ ،‬رأفعححت القلم ‪ ،‬وجفححت الصحححف ‪‬‬
‫رأواه الترماذي ‪ ،‬وقال حديث حسححن صحححيح ‪ ،‬وفححي رأوايححة غّيححر‬
‫الترماححذي ‪ ‬احفححظ اللححه تجححده أمااماححك ‪ ،‬تعححّرف إلححى اللححه فححي‬
‫الرخححاء يعرفححك فححي الشححدة ‪ ،‬واعلححم أن ماححا أخطححأك لححم يكححن‬
‫ليصيبك ‪ ،‬وماا أصابك لم يكن ليخطئححك ‪ ،‬واعلححم أن النصححر ماححع‬
‫الصبر ‪ ،‬وأن الفرج ماع الكرب ‪ ،‬وأن ماع العسر يسرا ‪‬‬
‫هذا حديث عظيم جدا ماححن وصححايا المصححطفى ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬خص بها ابن عمححه عبححد اللححه بححن عبححاس ‪-‬رأضححي اللححه‬
‫عنهما‪ -‬وهذه الوصححية جمعححت خيححري الححدنيا والخححرة ؛ فححالنبي ‪‬‬
‫أوصى عبد الله بن عباس ‪ ،‬وأماره بقوله ‪ ‬يا غّلم إني أعلمححك‬
‫كلمححات ‪ ‬وهححذا اللفححظ فيححه تححودد المعلححم والب والكححبير إلححى‬
‫الصححغارأ ‪ ،‬وإلححى ماححن يريححد أن يححوجه باللفححاظ الحسححنة ‪ ،‬فهححو‬
‫اسإتعمل ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬لفححظ التعليححم ‪  :‬إن ي أعلمححك‬
‫كلمات ‪ ‬وهي أوامار ‪ ،‬فلم يقل لححه ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪: -‬‬
‫إني آمارك بكذا وكذا‪ ،‬وإنما ذكر لفظ التعليم ؛ لنه مان المعلوم‬
‫أن العاقل يحب أن يستفيد علما ‪.‬‬
‫النبي ‪ ‬قال له ‪  :‬يا غّلم إني أعلمك كلمات ‪ ‬والكلمات ‪:‬‬
‫جمع كلمة والمقصود بها هنا ‪ :‬الجمل؛ لن الكلمححة فححي الكتححاب‬
‫والسنة غّير الكلمة عند النحاة ‪ ،‬الكلمححة عنححد النحححاة ‪ :‬اسإححم أو‬
‫فعل أو حرف ‪ ،‬أماا في الكتاب والسنة فالكلمة ‪ :‬هي الجملة ‪،‬‬

‫‪169‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يريد‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫كما قال ‪-‬جل وعل‪: -‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪   ‬‬ ‫بها ماا جاء في الية قبلها ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫وثأبت ‪-‬أيضا‪ -‬في ماسلم أنححه ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬قححال ‪:‬‬
‫أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد ‪:‬‬

‫ل ‪ ‬قال ‪  :‬أصدق كلمة‬ ‫أل كل شيء ما خل الله باط ُ‬


‫‪ ‬فححإذن الكلمححة ُيعنححى بهححا ‪ :‬الجمححل ‪ ،‬فقححوله ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسححلم‪  : -‬إن ي أعلمححك كلمححات ‪ ‬يعنححي‪ :‬إنححي أعلمححك جمل‬
‫ووصايا ‪ ،‬فأرأعها سإمعك ‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬بعححدها ‪  :‬احف ظ اللححه يحفظححك ‪،‬‬
‫احفظ الله تجده تجاهك ‪. ‬‬
‫هذه هي الوصية الولى ‪  :‬احفظ الله يحفظك ‪ ‬فهنا أماححره‬
‫بححأن يحفححظ اللححه ‪ ،‬ورأتححب عليححه أن اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬يحفظححه ‪،‬‬
‫وحفظ العبد رأبه ‪-‬جل وعل‪ -‬المراد مانه ‪ :‬أن يحفظه في حقوقه‬
‫‪-‬جل وعل‪. -‬‬
‫وحقوق الله ‪-‬جل جلله‪ -‬نوعان ‪:‬‬
‫حقوق واجبة ‪ ،‬وحقوق ماستحبة ‪ ،‬فحفظ العبد رأبه يعنححي‪ :‬أن‬
‫يمتثل ‪ ‬احفححظ اللححه ‪ ‬أن يححأتي بححالحقوق الواجبححة ‪ ،‬والحقححوق‬
‫المسححتحبة ‪ ،‬ونعححبر بححالحقوق تجححوزا بالمقابلححة ‪ ،‬يعنححي‪ :‬الحقححوق‬
‫الواجبححة والمسححتحبة ‪ ،‬فمححن أتححى بالواجبححات والمسححتحبات فقححد‬
‫حفظ الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬؛ لنححه يكححون ماححن السححابقين بححالخيرات ‪،‬‬
‫والمقتصححد ‪-‬أيضححا‪ -‬قححد حفححظ اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬إذ اماتثححل الماححر‬
‫حّرم ‪.‬‬
‫م َ‬
‫الواجب ‪ ،‬وانتهى عن ال ُ‬
‫فأدنى درأجات حفظ الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن يحفظ اللححه ‪-‬سإححبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬بعححد إتيححانه بالتوحيححد باماتثححال الماححر ‪ ،‬واجتنححاب النهححي ‪،‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة المؤمانون آية ‪.100 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة المؤمانون آية ‪.99 :‬‬

‫‪170‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والدرأجححة الححتي بعححدها المسححتحبات ‪ ،‬هححذه يتنححوع فيهححا النححاس ‪،‬‬


‫وتتفاوت درأجاتهم ‪.‬‬
‫قال ‪  :‬احفظ الله يحفظك ‪. ‬‬
‫وحفظ الله ‪-‬جل وعل‪ -‬للعبد على درأجتين ‪-‬أيضا‪-: -‬‬
‫أماححا الولححى ‪ :‬فهححو أن يحفظححه فححي دنيححاه ‪ ،‬أن يحفححظ لححه‬
‫ماصالحه في بدنه بأن يصحه ‪ ،‬وفي رأزقه بححأن يعطيححه حححاجته ‪،‬‬
‫أو أن يوسإع عليه في رأزقه ‪ ،‬وفحي أهل ه بحأن يحفحظ لحه أهلحه‬
‫وولده ‪ ،‬وأنواع الحفظ لمصالح العبد في الدنيا ‪ ،‬فكل ماا للعبححد‬
‫فيه ماصلحة في الدنيا فإنه ماوعود بأن تحفظ له إذا حفظ اللححه‬
‫‪-‬جححل وعل‪ -‬بححأداء حقححوق اللححه ‪-‬جححل جللححه‪ -‬والجتنححاب عححن‬
‫المحرماات ‪.‬‬
‫والدرأجة الثانية مان حفظ الله ‪-‬جل وعل‪ -‬للعبد ‪ ،‬وهي أعظم‬
‫الدرأجتين وأرأفعهما وأبلغهما عند أهل اليمان ‪ ،‬وفي قلوب أهل‬
‫العرفان ‪ ،‬هي ‪ :‬أن يحفظ الله ‪-‬جل وعل‪ -‬العبد في دينه ‪ ،‬بححأن‬
‫يسلم له دينه بححإخلء القلححب ماححن تححأثأير الشححبهات فيححه ‪ ،‬وإخلء‬
‫الجححوارأح ماححن تححأثأير الشححهوات فيهححا ‪ ،‬وأن يكححون القلححب ماعلقححا‬
‫بالرب ‪-‬جل وعل‪ ، -‬وأن يكون ُأنسه بححالله ‪ ،‬ورأغّبححه فححي اللححه ‪،‬‬
‫وإنابته إليه ‪ ،‬وخلوته المحبوبة بالله ‪-‬جل جلله‪.-‬‬
‫كما جاء في حديث "الححولي" المعححروف‪ ،‬الححذي رأواه البخححارأي‬
‫في الصحيح وغّيره ‪-‬أيضا‪ -‬قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ : -‬قال الله‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬في جمل ابتدأ بها الحديث ‪ ،‬ثأم قال ‪  :‬ول يزال عبححدي‬
‫يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ‪ ،‬فإذا أحببته كنت سإححمعه الححذي‬
‫يسمع به ‪ ،‬وبصره الذي يبصححر بححه ‪ ،‬ويححده الححتي يبطححش بهححا ‪،‬‬
‫ورأجله التي يمشي بها ‪ ،‬ولئن سإألني لعطينه ‪ ،‬ولئن اسإتعاذني‬
‫لعيذنه ‪ ،‬وماا ترددت فححي شححيء أنححا فححاعله تححرددي فححي قبححض‬
‫نفس عبدي المؤمان ‪ ،‬يكره الموت وأكره ماساءته ‪ ،‬ول بححد لححه‬
‫مان ذلك ‪. ‬‬
‫فحفظ الله ‪-‬جل وعل‪ -‬العبد في الدين هذا أعظم المطالب ‪،‬‬
‫ف َ‬
‫ظ مان‬ ‫ولهذا كان ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬يدعو الله كثيرا أن ُيح َ‬

‫‪171‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الفتححن وأن يحفظححه اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ماححن تقليححب القلححب ‪  ،‬يححا‬
‫ماقلب القلوب ثأبت قلبي على طاعتك ‪  ‬يا ماصححرف القلححوب‬
‫صرف قلوبنا إلى طاعتك ‪ ‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وكان كثيرا ماا يقسم ‪ ‬ل وماقلححب القلححوب ‪ ‬فالعبححد أعظححم‬
‫المطالب التي يحححرصا عليهححا أن يسححلم لححه دينححه ‪ ،‬واللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬قححد يبتلححي العبححد بخلححل فححي دينححه ‪ ،‬وشححبهات تطححرأ عليححه‬
‫ه ‪-‬جححل وعل‪ -‬فيححه ؛‬ ‫لتفريطه في بعض ماححا يجححب أن ُيحفححظ اللحح ُ‬
‫فلهذا العبد إذا حصل له إخلل في الدين ‪ ،‬فإنه قد أخل بحفظ‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ ، -‬وقححد يعححاقب بححأن ُيجعححل غّححافل ‪ ،‬وقححد ي ُعححاقب‬
‫بحرماانه البصيرة في العلم ‪ ،‬وقد ُيعاقب بححأن تححأتيه الشححبهة ول‬
‫يحسن كيف يتعامال ماعها ‪ ،‬ول كيف يردها ‪.‬‬
‫وقد ُيعاقب بأنه تأتيه الشبهة فتتمكححن مانححه ‪ ،‬كمحا قححال ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ (1)         : -‬وكما قال ‪ :‬‬
‫‪ (2)     ‬وكما قال ‪-‬جل وعل‪    -‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫وكما قال ‪-‬جل وعل‪-‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪   ‬‬
‫الية‬ ‫)‪(4‬‬
‫‪           ‬‬
‫في العراف ‪.‬‬
‫وهكذا في آيات أخر دلت على أن العبد قد يخذل ‪ ،‬وخححذلنه‬
‫فححي أماححر الححدين هححو أعظححم الخححذلن ‪ ،‬ولهححذا ينبغححي للعبححد أن‬
‫يحرصا تمام الحرصا على أن يحفظ الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬فححي أماححره‬
‫سإبحانه ‪ ،‬وإن فاته الماتثال فل يفته السإتغفارأ ‪ ،‬والنابة واعتقاد‬
‫الحق ‪ ،‬وعدم التردد والسرعة باتباع السيئة بالحسححنة لعلهححا أن‬
‫ُتمحى ‪.‬‬
‫لهذا فإن حفظ الله ‪-‬جل وعل‪ -‬للعبد بأن يكححون الحفححظ فححي‬
‫الدين أعظم مان أن يحفظ في أمار دنياه ‪ ،‬ولهذا في قول الله‬
‫‪-‬جححل وعل‪ -‬فححي سإححورأة المائححدة ‪   ‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الصف آية ‪.5 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة التوبة آية ‪.67 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة آل عمران آية ‪.7 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة العراف آية ‪.155 :‬‬

‫‪172‬‬
‫ صالح بن عبد العزيز‬/‫لمعالي الشيخ العلماة‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

     


        
        
        
      
      
     
       
         : -‫جل وعل‬- ‫( قال‬1) 
          
          
        
 ِ  : ‫( قوله‬2)      
‫ ترك وا نصححيبا مامححا‬:‫( يعن ي‬3)      
‫ فلما علموه تركوه عححن‬، ‫ تركوه عن عمد وعن علم‬، ‫ُأماروا به‬
    ، ‫بصيرة فعوقبوا بالفرقححة‬
. (4)      
‫ بها العباد‬-‫جل وعل‬- ‫وهذا مان أنواع العقوبات التي يبتلي الله‬
‫ ويعاقب بها المؤمانين ؛ حيث يعححاقبهم بالفرقححة ؛ لنهححم تركححوا‬،
‫ وهححذا نححوع‬، ‫ عليهم مان ماقتضى العلم‬-‫جل وعل‬- ‫ماا أوجب الله‬
‫ فالعبححد بحاجححة أن‬، ‫ للعبححد‬-‫جححل وعل‬- ‫مان أنواع ترك حفظ الله‬
‫ وتسديده‬، ‫ وماعيته له‬، ‫ بتوفيقه له‬-‫سإبحانه وتعالى‬- ‫يحفظه الله‬
. ‫إياه‬
-‫أيضححا‬- ‫ أو في الححدنيا‬، ‫ للعبد في الدين‬-‫جل وعل‬- ‫حفظ الله‬
‫ المعيححة‬: ‫ والمححراد بهححا‬-‫سإححبحانه وتعححالى‬- ‫رأاجححع إلححى ماعيححة اللححه‬
‫ التوفيححق واللهححام والتسححديد والنصححر‬: ‫الخاصححة الححتي ماقتضححاها‬
. ‫والعانة‬

.14 -13 : ‫ سإورأة المائدة آية‬- 1

.14-13 : ‫ سإورأة المائدة آية‬- 2

.13 : ‫ سإورأة المائدة آية‬- 3

.14 : ‫ سإورأة المائدة آية‬- 4

173
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قال ‪  :‬احفظ الله تجده تجاهك ‪ ‬يعني‪ : :‬احفححظ اللحه علحى‬


‫نحو ماا وصفنا تجده دائما على ماححا طلبححت ‪ ،‬تجححده دائمححا قريبححا‬
‫مانك ‪ ،‬يعطيك ماا سإألت ‪ ،‬كما ذكرت لك في حديث "الححولي" ‪‬‬
‫ولئن سإألني لعطينه ‪ ،‬ولئن اسإتعاذني لعيذنه ‪. ‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بعححد ذلححك ‪  ،‬إذا سإححألت فاسإححأل‬
‫الله ‪ ،‬وإذا اسإتعنت فاسإتعن بالله ‪ ‬هذا ماأخوذ مان قححول اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ (1)       -‬وفيه إفراد الله‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬بالسإتعانة وبالسؤال ‪ ،‬وهذه على مارتبتين‪-:‬‬
‫الولى ‪ :‬واجبححة ‪ ،‬وهححي التوحيححد بححأن يسححتعين بححالله ‪-‬جححل‬
‫جلله‪ -‬وحححده دون ماححا سإححواه فيمححا ل يقححدرأ عليححه إل اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ ، -‬فهذا واجب أن ُيفرد الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بالسإتعانة ‪ ،‬وكححذلك‬
‫أن يسأل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وحده فيما ل يقدرأ عليه إل الله ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ ، -‬هذا هو المعروف عندكم فححي التوحيححد فيمححا يكححون ماححن‬
‫الدعاء صرفه لغير الله ‪-‬جل وعل‪ -‬شرك ‪ ،‬وكذلك في السإتعانة‬
‫التي يكون صرفها لغير الله ‪-‬جل وعل‪ -‬شركا ‪.‬‬
‫المرتبة الثانية ‪ :‬المستحبة ‪ ،‬وهو أنححه إذا أماكنححه أن يقححوم‬
‫بالعمل ‪ ،‬فإنه ل يسأل أحدا مان الناس شيئا ‪ ،‬والنبي ‪ ‬قد أخذ‬
‫العهد علححى عححدد ماححن الصحححابة أل يسححألوا النححاس شححيئا ‪ ،‬قححال‬
‫الراوي ‪  :‬فكان أحدهم يسقط سإوطه فل يسأل أحدا أن يناوله‬
‫إياه ‪ ‬وهذا مان المراتب التي يتفاوت فيها الناس ‪.‬‬
‫فإذا أماكنك أن تقوم بالشيء بنفسك فالفضل والمستحب أل‬
‫تسأل أحدا مان الخلق في ذلححك ‪ ،‬إذا أماكنححك يعنححي‪ :‬بل كلفححة ‪،‬‬
‫ول ماشقة ‪ ،‬وماححن كححانت عححادته دائمححا أن يطلححب الشححياء فهححذا‬
‫ماكروه‪ ،‬وينبغي للعبد أن يوطن نفسححه ‪ ،‬وأن يعمححل بنفسححه ماححا‬
‫يحتاجه كثيرا‪ ،‬وإذا سإأل في أثأناء ذلك ‪ ،‬فإنه ل يقدح حتى فححي‬
‫الدرأجة المستحبة ؛ لنه ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪ -‬رأبمححا أماححر ماححن‬
‫يأتيه بالشيء ‪ ،‬ورأبما طلب مان يفعل له الشححيء ‪ ،‬وهححذا علححى‬
‫بعض الحوال ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الفاتحة آية ‪.5 :‬‬

‫‪174‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قال ‪  :‬إذا سإألت فاسإأل الله ‪ ،‬وإذا اسإتعنت فاسإتعن بالله ‪‬‬
‫ظححاهر فححي الوجححوب ‪ ‬إذا سإححألت فاسإححأل اللححه ‪ ،‬وإذا اسإححتعنت‬
‫فاسإتعن بحالله ‪ ‬علححى القيحد الححذي ذكرنححا لكحم ؛ ماحن أن هحذا‬
‫يتنححاول المرتبححة الولححى علححى الوجححوب ‪ ،‬والمرتبححة الثانيححة علححى‬
‫السإتحباب‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بعد ذلححك ‪  :‬واعل م أن الماححة لححو‬
‫اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبححه‬
‫الله لك ‪ ،‬وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لححم يضححروك إل‬
‫بشيء قد كتبه الله عليك ‪ ،‬رأفعححت القلم ‪ ،‬وجفححت الصحححف ‪‬‬
‫‪.‬‬
‫هذا فيه بيان القدرأ الثابت ‪ ،‬وأن العباد لححن يغيحروا ماحن قحدرأ‬
‫مان عظم توكله بالله ‪-‬جححل‬ ‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬الماضي شيئا ‪ ،‬وأماا َ‬
‫وعل‪ ، -‬فإنه لن يضره الخلق ‪ ،‬ولححو اجتمعححوا عليححه ‪ ،‬كمححا قححال‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬جل وعل‪ -‬لنححبيه ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪   :-‬‬
‫‪. (1)   ‬‬
‫وجاء في عدد مان الحاديث بيان هذا الفضل ‪ ،‬في أن العبححد‬
‫إذا أحسن توكله على الله ‪-‬جل وعل‪ ، -‬وطاعته لله ‪ ،‬فإن اللححه‬
‫يجعل له ماخرجا ‪ ،‬ولححو كححاده ماححن فححي السححماوات ‪ ،‬وماححن فححي‬
‫الرأض لجعل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬له مان بينهن ماخرجا ‪.‬‬
‫والتوكل على الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ظاهر مان هذه الوصححية ؛ حيححث‬
‫قال ‪  :‬واعلم أن الماة لو اجتمعت على أن ينفعوك ‪ ‬ثأم قال‬
‫‪  :‬واعلم أن الماة لو اجتمعت على أن يضروك ‪  ...‬إل ى آخححر‬
‫الجملتين ‪ ،‬وهذا فيه إعظام التوكل على الله ‪-‬جل وعل‪. -‬‬
‫والتوكل على الله ‪-‬سإحبحانه وتعحالى‪ -‬ماحن أعظحم المقاماحات ؛‬
‫ماقاماات اليمان ‪ ،‬بل هو ماقام النبيححاء والمرسإححلين فححي تحقيححق‬
‫عبوديتهم العظيمة للرب ‪-‬جل وعل‪. -‬‬
‫والتوكل على الله ماعناه ‪ :‬أن يفعل السححبب الححذي أ ُماححر بححه ‪،‬‬
‫ثأم يفوض أماره إلححى اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬فححي النتفححاع بالسإححباب ‪،‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة المائدة آية ‪.67 :‬‬

‫‪175‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وإذا كان ماا لديه ماححن الماححر ل يملححك أن يفعححل لححه سإححببا فححإنه‬
‫يفوض أماره إلحى اللحه ‪-‬جحل وعل‪ -‬كمحا قحال سإحبحانه فحي ذكحر‬
‫ماؤمان آل فرعون ‪         :‬‬
‫‪ (1)  ‬وهذا التفويض إلى الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬عمححل القلححب‬
‫خاصة ‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن يلتجحئ بقلبحه ‪ ،‬وأن يعتمحد بقلبحه علححى اللحه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬في تحصيل ماححراده ‪ ،‬أو دفححع الشححر الححذي يخشححاه ‪،‬‬
‫والعباد إذا تعامال ماعهم فإنما يتعامال ماعهم على أنهم أسإححباب ‪،‬‬
‫والسبب قد ينفع ‪ ،‬وقد ل ينفع ‪ ،‬فإذا تعلق القلب بالخلق أوتي‬
‫مان هذه الجهة ‪ ،‬ولم يكن كامال في توكله ‪.‬‬
‫فتعلق القلب بالخلق ماذماوم ‪ ،‬والذي ينبغي ‪ :‬أن يتوكل على‬
‫الله ‪ ،‬وأن يعلق قلبححه بححالله ‪-‬جححل وعل‪ ، -‬وأل يتعلححق بححالخلق ‪،‬‬
‫حتى ولو كانوا أسإبابا ‪ ،‬فينظر إليهم على أنهم أسإباب ‪ ،‬والنافع‬
‫والذي يجعل السبب سإببا ‪ ،‬وينفع به هو الله ‪-‬جل وعل‪. -‬‬
‫إذا قام هذا في القلب فإن العبد يكون ماع رأبه ‪-‬جححل وعل‪، -‬‬
‫ويعلم أنه لن يكون له إل ماا قححدرأه اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬لححه ‪ ،‬ولححن‬
‫يمضي عليه إل ماا كتبه الله ‪-‬جل وعل‪ -‬عليه ‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  -‬رأفعت القلم ‪ ،‬وجفت الصحححف‬
‫‪ ‬يعني‪ :‬أن المار ماضححى وانتهححى ‪ ،‬وهححذا ل يححدل ‪ ،‬كمححا ذكرتححه‬
‫لكم فيما سإبق ‪ ،‬ل يدل على أن الماححر علححى الجبححارأ ‪ ،‬بححل إن‬
‫القدرأ مااض ‪ ،‬والعبد يمضي فيما قدرأه اللحه ‪-‬جححل وعل‪ -‬؛ لجحل‬
‫التوكل عليه ‪ ،‬وحسن الظححن بححه ‪ ،‬وتفححويض الماححر إليححه ‪ ،‬وهححو‬
‫إخلء القلب مان رأؤية الخلق ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وفي رأواية غّير الترماذي ‪  :‬احفظ الله تجححده أمااماححك ‪،‬‬
‫تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فححي الشححدة ‪ ،‬واعلححم أن ماححا‬
‫أخطأك لم يكن ليصيبك ‪ ،‬وماا أصابك لم يكن ليخطئك ‪. ‬‬
‫قوله ‪  :‬تعرف إلححى اللححه فححي الرخححاء يعرفححك فححي الشححدة ‪‬‬
‫تعّرف العبد إلى رأبححه هححو ‪ :‬علمححه بمححا يسححتحقه ‪-‬جححل وعل‪ ، -‬‬
‫تعرف إلى الله في الرخاء ‪ ‬يعنححي‪ : :‬تعلححم ماححا يسححتحقه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬عليك ‪ ،‬ماا يستحقه ‪-‬جل وعل‪ -‬مانك ؛ توحيده فححي رأبححوبيته‬
‫‪ - 1‬سإورأة غّافر آية ‪.44 :‬‬

‫‪176‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪ ،‬وإلهيته ‪ ،‬وفي أسإمائه وصفاته ‪ ،‬ماحا يسحتحقه ‪-‬جحل وعل‪ -‬ماحن‬


‫طاعته في أواماره ‪ ،‬وطاعته فيما نهى عنه باجتناب المنهيححات ‪،‬‬
‫وماا يستحقه ‪-‬جل وعل‪ -‬مان إقبال القلححب عليححه ‪ ،‬وإنابححة القلححب‬
‫إليه ‪ ،‬والتوكل عليه ‪ ،‬والرغّب فيما عنححده ‪ ،‬وإخلء القلححب ماححن‬
‫الغّيارأ ‪ ،‬يعني‪ :‬مان غّيره ‪-‬جل وعل‪ ، -‬واتبححاع ماححا يحححب ويرضححى‬
‫مان أعمال القلوب ‪.‬‬
‫‪ ‬تعرف إلى الله في الرخاء ‪ ‬يعني‪ : :‬إذا كنححت فححي رأخححاء‬
‫مان أمارك ‪ ،‬بحيث قد يححأتي لبعححض النفححوس أنهححا غّيححر ماحتاجححة‬
‫لحد ‪ ،‬هنا ‪ ‬تعرف إلى الله في الرخاء ‪ ‬واطلب ماححا عنححده ‪،‬‬
‫وتعلم ماا يستحقه ‪-‬جل وعل‪ ، -‬واتبع ذلك بالماتثححال ‪ ،‬فححإن هححذا‬
‫مان أفضل العمال الصالحة ‪ ،‬بل هو لب الدين وعماده ‪ ،‬العلم‬
‫بمححا يسححتحقه ‪-‬جححل وعل‪ ، -‬ثأححم العمححل بححذلك ‪ ،‬إذا حصححل مانححك‬
‫التعرف إلى الله ‪ ،‬والتعرف على اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬عرفححك اللححه‬
‫في الشدة ‪ ،‬قال ‪  :‬يعرفك فححي الشححدة ‪ ‬وكلمححة ‪" :‬يعرفححك"‬
‫هذه جاءت على جهححة الفعححل ‪ ،‬وماعلححوم فححي بححاب الصححفات أن‬
‫باب الفعال أوسإع مان باب السإماء ‪ ،‬وباب الخبححارأ أوسإححع ماححن‬
‫باب الصفات ‪.‬‬
‫فهذا إذن ل يقتضي أن يكون مان صفاته ‪-‬جل وعل‪ -‬المعرفححة‬
‫‪ ،‬فإنه ل يوصف الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بأنه ذو ماعرفة ‪ ،‬بل يقيححد هححذا‬
‫على جهة المقابلة ‪ ،‬كما قال النححبي ‪ ‬هنححا ‪  :‬تع رف إلححى اللححه‬
‫فححي الرخححاء يعرفححك فححي الشححدة ‪ ‬فيجححوز أن تسححتعمل لفححظ‬
‫ظ يعرف آخر ‪ ،‬كما فححي‬ ‫"يعرف" على الفعلية ‪ ،‬وفي ماقابلةِ لف ِ‬
‫نظائره كقوله ‪-‬عليه الصحلة والسحلم‪  : -‬إن اللحه ل يمحل ححتى‬
‫‪‬‬ ‫تملوا ‪ ‬وكما في قول الله ‪-‬جححل وعل‪  : -‬‬
‫‪ (1)   ‬وفي قوله ‪       (2)  :‬‬
‫‪ (3)     ‬وأشباه ذلك مان اللفححاظ الححتي‬
‫جاءت بصيغة الفعل ‪ ،‬وماجيئها بلفظ الفعل ل يدل على إطلقها‬
‫صفة ؛ لنها جاءت على لفظ المقابلة ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النفال آية ‪.30 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.15 -14 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة النساء آية ‪.142 :‬‬

‫‪177‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وماجيء بعض الصفات ‪ ،‬يعنحي‪ :‬علححى جهححة الفعححال بالمقابلحة‬


‫هذا يدل على الكمال ‪ ،‬وماعلوم أن المعرفة غّير العلم ‪ ،‬العلححم‬
‫كمال ‪ ،‬وأماا المعرفة فإنها قد تشوبها شائبة النقححص؛ لن لفححظ‬
‫المعرفة ‪ ،‬وصفة المعرفة هذه قد يسبقها جهححل ‪ ،‬يعنححي‪ :‬عححرف‬
‫الشححيء يعنححي‪ : :‬تعححرف إليححه بصححفاته ‪ ،‬وهححذا يقتضححي أنححه كححان‬
‫‪-‬رأبما‪ -‬جاهل به غّير عالم به ‪.‬‬
‫أماا العلم فهو صححفة ل تقتضححي ‪ ،‬ول يلححزم مانهححا سإححبق عححدم‬
‫علم ‪ ،‬أو سإبق جهل ‪ ،‬وأشباه ذلك ‪ ،‬ولهذا كان مان أسإماء الله‬
‫الحسنى ‪" :‬العليم" ‪ ،‬ولم يكن مان أسإمائه ‪-‬جل وعل‪ -‬العححارأف ‪،‬‬
‫وأشباه ذلك‪.‬‬
‫إذا تقررأ هذا فلفظ المعرفة جاء في القرآن على جهة الححذم‬
‫قال ‪-‬جل وعل‪ (1)        :-‬وقال‬
‫‪-‬جل وعل‪       : -‬‬
‫‪ (2)         ‬والية‬
‫الخرى ‪-‬أيضا‪ -‬في النعام ‪ ،‬والية الخرى ‪-‬أيضا‪ -‬في البقرة في‬
‫هذا ‪.‬‬
‫فلفظ المعرفة جاء على جهة الذم فححي غّححالب ماححا جححاء فححي‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬وقد يكون يأتي على ماعنححى العلححم ‪ ،‬كمححا فححي‬
‫هذا الحديث ‪.‬‬
‫فإذن قوله ‪  :‬تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشححدة‬
‫‪ ‬مان جهة الصفات هذا بحثه ماا ماعناه ماعرفة اللححه للعبححد فححي‬
‫الشدة ‪ ،‬قال العلماء ‪ :‬هذه ماعناها المعية ‪ ،‬وماعرفححة اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬للعبححد فححي الشححدة يعنححي‪ : :‬أن يكححون ماعححه بمعيححة النصححر‬
‫والتأييد والتوفيق ‪ :‬وأشباه ذلك ‪.‬‬
‫ماا أخطأك لم يكن ليصححيبك ‪ ،‬وماححا أصححابك‬ ‫قال ‪  :‬واعلم أن‬
‫وهذا في القدرأ وماححن قححرأ بحثححه ‪ ،‬قححال ‪ :‬‬ ‫لم يكن ليخطئك ‪‬‬
‫الصبر ‪ ،‬وأن الفرج ماححع الكححرب ‪ ،‬وأن ماححع‬ ‫واعلم أن النصر ماع‬
‫فيه الماححر بالصححبر ‪ ،‬وأن ماححع الكححرب يححأتي‬ ‫العسر يسرا ‪ ‬هذا‬
‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.83 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النعام آية ‪.20 :‬‬

‫‪178‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪‬‬ ‫الفرج ‪ ،‬وأن ماع العسر يأتي اليسححر ‪ ،‬كمححا قححال ‪-‬جححل وعل‪: -‬‬
‫‪. (1)          ‬‬
‫وهذا مان فضل الله‬ ‫وثأبت عنه ‪ ‬أنه قال ‪  :‬لن يغلب عسر يسرين ‪‬‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬قد قال الشاعر‪:‬‬

‫قد آذن ليلك بالبلج‬ ‫اشـتدي أزمة تنفرجي‬

‫في القصححيدة المسححماة بححح"المنفرجححة" ‪ ،‬وهححذا يححدل علححى أن‬


‫العبد إذا اشحتد عليحه الماحر ‪ ،‬وأحسحن الصحبر ‪ ،‬وأحسحن الظحن‬
‫بالله ‪-‬جل وعل‪ -‬فإنه يؤذن له بأن ينفرج كرب ه ‪ ،‬وأن ييسحر ل ه‬
‫عسره ‪ ،‬والصبر أمار به هنا في قوله ‪  :‬واعل م أن النصححر ماححع‬
‫الصححبر ‪ ‬والنصححر ماطلححوب ‪ ،‬فصححارأ الصححبر ماطلوبححا ‪ ،‬والصححبر‬
‫مارتبححة واجبححة ‪ ،‬وإذا حصححل كححرب وماصححيبة ‪ ،‬كمححا قححال ‪  :‬ما ا‬
‫أخطأك لم يكن ليصيبك ‪ ،‬وماا أصابك لححم يكححن ليخطئححك ‪ ‬إذا‬
‫حصلت ماصيبة فإن الصبر واجححب يعنححي‪ :‬الصححبر أماححر اللححه بححه ‪،‬‬
‫وهو واجب على كل أحد ‪ ،‬وماعنى الصححبر الححواجب ‪ :‬أن يحبححس‬
‫اللسان عن الشكوى ‪ ،‬ويحبس القلب عححن التسححخط ‪ ،‬ويحبححس‬
‫الجوارأح عن التصرف بما ل يجوز مان شق أو نياحححة أو لطححم ‪،‬‬
‫وأشباه ذلك مان الفعال في غّير ماصيبة الموت ‪.‬‬
‫فإذن الصبر فيه حبس اللسان عن التشكي ‪ ،‬كما هو تعريف‬
‫الصبر‪ ،‬قيل للماام أحمد ‪-‬رأحمه اللححه تعححالى‪ :-‬هححذا رأجححل ظلمححه‬
‫السلطان فأخذ يدعو عليه ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬هذا خلف الصبر الذي‬
‫أمار به النبي ‪ ‬ماع السلطان ‪ ،‬ل يدعى عليه ‪.‬‬
‫وهذا له ماأخذ آخر مان جهة أن الكرب الححذي رأبمححا أتححى ماححن‬
‫السلطان إذا تشكى المؤمان مانه فإنه يخالف حبس اللسان عن‬
‫التشكي ‪ ،‬ولهذا لما جاء أحد الصحابة إلى النبي ‪ ‬وذكر له ماححا‬
‫يلقى ماححن المشححركين ماححن الشححدة غّضححب النححبي ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬لجل أنهم لحم يصحبروا ‪ ،‬وقحال ‪  :‬إن ه كحان ماحن كحان‬
‫قبلكححم يححؤتى بالرجححل فينشححر بالمنشححارأ نصححفين ماححا بيححن جلححده‬
‫وعظمه ل يرده ذلك عن دينه ‪ ،‬فوالله ليتمن الله هذا المار ‪...‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة الشرح آية ‪.6-5 :‬‬

‫‪179‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث ‪ ،‬فدل هذا على أن الصبر واجب في جميححع الحححالت‬ ‫‪‬‬


‫‪.‬‬
‫والصححبر حبححس للسححان عححن التشححكي ‪ ،‬وحبححس للقلححب عححن‬
‫التسخط ‪ ،‬وحبس للجوارأح عن التصرف في غّير ماا يرضي الله‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬؛ ولهذا أمار الله نبيه أن يصبر كما صبر أولوا العححزم‬
‫ماححن الرسإححل ‪       ،‬‬
‫‪ (1)  ‬وكل ماخالفة لهذا الواجب يأتي لهححا أضححدادها فححي‬
‫حياة العبد ‪ ،‬إماا الخاصة أو العاماة ‪.‬‬
‫المرتبة الثانية المستحبة هي ‪ :‬الرضا‪.‬‬
‫الرضا بما قدرأ الله ‪-‬جل وعل‪ ، -‬فالصبر واجب ‪ ،‬وأماا الرضححا‬
‫فمستحب ‪ ،‬الرضا بالمصيبة ماستحب ‪ ،‬وماعنى الرضححا بالمصححيبة‬
‫‪ :‬أن يستأنس لها ‪ ،‬ويعلم أنها خير له ‪ ،‬فيقول‪ :‬هي خيححر لححي ‪،‬‬
‫ويرضى بها في داخله ‪ ،‬ويسلم لها ‪ ،‬ول يجد في قلبه تسححخطا‬
‫عليها ‪ ،‬أو ل يجد في قلبه رأغّبة فححي أن ل تكححون جححاءته ‪ ،‬بححل‬
‫يقول ‪ :‬الخير في هذه ‪ ،‬وهذه مارتبة خاصة ‪.‬‬
‫وهناك فرق ماا بين الرضا الواجب ‪ ،‬والرضححا المسححتحب فححي‬
‫المصيبة ‪ ،‬فإن المصيبة إذا وقعت تعلق بها نوعان مان الرضححا ‪:‬‬
‫رأضا واجب ورأضا ماستحب ‪ ،‬والرضا الواجب هو ‪ :‬الرضححا بفعححل‬
‫اللححه ‪-‬جححل وعل‪ ، -‬والرضححا المسححتحب هححو ‪ :‬الرضححا بالمصححيبة ‪،‬‬
‫يعنححي‪ :‬الرضححا بفعححل اللححه هححذا واجححب ؛ لنححه ل يجححوز للعبححد أل‬
‫يرضى بتصرف اللحه ‪-‬جححل وعل‪ -‬فححي مالكحوته ‪ ،‬بححل يرضححى بمححا‬
‫فعل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬في مالكوته ‪ ،‬ول يكون في نفسه ماعارأضة‬
‫لله ‪-‬جل وعل‪ -‬في تصرفه في مالكوته ‪ ،‬هذا القدرأ واجب ‪.‬‬
‫وأماا المستحب فهو الرضا بالمصيبة يعني‪ :‬الرضا بالمقضححي ‪،‬‬
‫فهناك فرق ماا بين الرضا بالقضاء ‪ ،‬والرضا بالمقضي ‪ ،‬فالرضا‬
‫بالقضاء الذي هححو فعححل اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬هححذا واجححب ‪ ،‬والرضححا‬
‫بالمقضي هذا ماستحب ‪ ،‬ونقف عند هذا ‪ ،‬وأنبححه إلححى أنححي لححن‬
‫أتمكححن ماححن الحضححورأ للححدرأس ماححن يححوم غّححد إلححى ليلححة الحححد ‪،‬‬
‫وألتقي بكححم ‪-‬إن شححاء اللححه‪ -‬ليلححة الثأنيححن بححإذنه تعححالى ‪ ،‬وذلححك‬
‫‪ - 1‬سإورأة الحقاف آية ‪.35 :‬‬

‫‪180‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫لطارأئ طرأ ‪ ،‬وسإنكمل ‪-‬إن شاء الله‪ -‬هذا الشرح ‪ ،‬ولححو أخححذنا‬
‫وقتا بعد الفجر أو بعد العصر ‪-‬إن شححاء اللححه‪ -‬نعححدكم بإكمححاله ‪،‬‬
‫إكمال شرح هذه الرأبعين ‪.‬‬
‫أسإأل الله لي ولكم العون والتوفيق والسداد‬
‫أماا بعد فهذه صله لمححا تقححدم ماححن شححرح الحححاديث الرأبعيححن‬
‫النووية ‪ ،‬وقد وقفنا عند الحديث العشرين ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث العشرون‬
‫إذا لم تستح فاصنع ما شئت‬
‫بسم اللححه الرحمححن الرحيححم ‪ ،‬الحمححد للححه رأب العححالمين ‪ ،‬والصححلة‬
‫والسلم علححى أشححرف النبيححاء والمرسإححلين ‪ ،‬نبينححا ماحمححد وعلححى آلححه‬
‫وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪-‬رأحمه الله‪ -‬تعالى وعن أبي ماسعود عقبة بن عححامار‬
‫النصححارأي البححدرأي ‪ ‬قححال‪ :‬قححال رأسإححول اللححه ‪  ‬إن مامححا أدرأك‬
‫الناس مان كلم النبوة الولى إذا لم تسححتح فاصححنع ماححا شححئت ‪‬‬
‫رأواه البخارأي‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيححم ‪ ،‬الحمححد للححه والصححلة ‪ ،‬والسححلم‬
‫على رأسإول الله ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومان اهتدى بهداه‪.‬‬
‫هذا الحديث فيححه الكلم علححى شححعبة ماححن شححعب اليمححان أل‬
‫وهي الحياء ‪ ،‬فقد أ ُسإححند الكلم هنححا إلححى ماححا بقححي للنححاس ماححن‬
‫النبوة الولى فقد قال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬هنححا ‪  :‬إن مامححا‬
‫أدرأك الناس ماححن كلم النبححوة الولححى إذا لححم تسححتح فاصححنع ماححا‬
‫شئت ‪. ‬‬
‫فقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هنا ‪  :‬إن ماما أدرأك الناس مان‬
‫كلم النبوة الولى ‪ ‬يقتضي أن هناك كلماا أدرأكححه النححاس ماححن‬
‫كلم النبياء ‪ ،‬وماعنى الدرأاك ‪ :‬أنه فشا فححي النححاس ‪ ،‬وتنححاقلوه‬
‫عن النبياء ‪.‬‬
‫وقوله ‪  :‬ماما أدرأك الناس ‪ ‬مان هنححا تبعيضححيه فيكححون هححذا‬
‫القول وهو ‪  :‬إذا لم تستح فاصنع ماا شئت ‪ ‬يكون بعححض ماححا‬
‫أدرأك مان كلم النبوة الولى ‪ ،‬فقال ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪ : -‬‬
‫ُ‬
‫إن ماما أدرأك الناس مان كلم النبوة الولححى ‪ ‬والنبححوة الولححى‬
‫المقصود بها ‪ :‬النبوات المتقدماة ‪ ،‬يعني‪ :‬أوائححل الرسإححل والنبيححاء‬
‫كنوح ‪-‬عليه السلم‪ ، -‬وإبراهيم ‪-‬عليه السلم‪ -‬وهكذا ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فإن نوحا ‪-‬عليه السلم‪ -‬له كلم فشا في أتباعه فيما بعححده ‪،‬‬
‫وإبراهيم ‪-‬عليه السلم‪ -‬كذلك في كلم له ‪ ،‬وكذلك ماما أعطححاه‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وأوحاه إليه فيما في صحفه ‪.‬‬
‫فالنبوة الولى المقصود بهححا ‪ :‬النبححوات السححابقة البعيححدة عححن‬
‫إرأث النححاس لححذلك الكلم ‪ ،‬فيكححون ماقتضححى النبححوة الولححى أن‬
‫هناك نبححوات ماتححأخرة ‪ ،‬وهححذا صحححيح ؛ لنححه إذا ُأطلححق النبححوات‬
‫الولى فإنما ُيعَنى به الرسإل والنبياء المتقححدماون ‪ ،‬أماححا ماوسإححى‬
‫‪-‬عليححه السححلم‪ ، -‬وعيسححى ‪-‬عليححه السححلم‪ ، -‬وهكححذا أنبيححاء بنححي‬
‫إسإرائيل‪ ،‬داود وغّيره هؤلء مان النبححوات المتحأخرة ‪ ،‬يعنححي‪ :‬ماحن‬
‫النبياء والرسإل المتأخرين‪.‬‬
‫وقوله ‪-‬عليه الصلة والسحلم‪  : -‬مام ا أدرأك النححاس ماحن كلم‬
‫النبححوة الولححى ‪ ‬هححذا يعنححي‪ :‬أن هححذا الكلم كلم أنبيححاء ‪ ،‬ولححه‬
‫تشريعه ‪ ،‬ولححه فائححدته العظيمححة ‪ ،‬فهححذا فيححه لفححت النظححر إلححى‬
‫الهتمام بهذا الكلم ‪.‬‬
‫قال ‪  :‬إذا لم تستح فاصنع ماا شئت ‪ ‬تستحي يعني‪ :‬الحححاء‬
‫هنا؛ لن الفعل اسإتحى يستحي فهنا تستحي فجزم لم أثأ ّححَر فححي‬
‫الفعل بحذف الياء؛ لن هناك يائين ‪ ،‬وتظهر هذه في قول اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ (1)        : -‬فثم ياءان ‪ ،‬هنا لما أتت‬
‫لم حذفت اليححاء الححتي هححي ماححن الفعححل ‪ ،‬وبقيححت اليححاء الخححرى‬
‫ح على كسر الحاء إشارأة إلى حذف‬ ‫الداخلة ‪ ،‬وإذا قيل لم تست ِ‬
‫الياء فل بأس في نظائرها المعروفة في النحو ‪.‬‬
‫قوله هنا ‪  :‬لم تستح فاصنع ماا شئت ‪ ‬هذا فيه ذكر الحياء‬
‫‪ ،‬والحياء كما جاء في الحديث الخر شعبة ماححن اليمححان ‪ ،‬وهححو‬
‫مالكة باطنة ‪ ،‬والحياء هذا يأتي تححارأة بالجبلححة والخلححق المطبححوع‬
‫عليه النسان ‪ ،‬وتارأة يأتي بالكتساب ‪ ،‬أماا بالجبلة والطبع فهذا‬
‫يكون بعض الناس حييا ‪.‬‬
‫كما جاء في الصحيح ‪ ‬أن رأجل مان النصارأ كححان يعححظ أخححاه‬
‫في الحياء ‪-‬يعني‪ :‬يقححول لحه ‪ :‬لمححاذا تسححتحي ؟ لمححاذا أنححت كححذا‬
‫وكذا فقال له النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ : -‬دعه فإن الحيححاء ل‬
‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.26 :‬‬

‫‪183‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يأتي إل بخير ‪ ‬فالحياء شححعبة باطنححة ‪ ،‬ويكححون جبليححا طبعيححا ‪،‬‬


‫ويكون ماكتسبا ‪ ،‬والمكتسب ماأماورأ به ‪ ،‬وهو أن يكون ماسححتحيا‬
‫مان اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬وأن يكححون مابتعححدا عححن المحرماححات ‪ ،‬وماححا‬
‫يشينه عند رأبه ‪-‬جل وعل‪ ، -‬مامتثل للوامار ماقبل عليها؛ لن الله‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬يحب ذلك ويرضاه ‪ ،‬فالحياء المكتسب ماا يكون فححي‬
‫خلق الذي يجعلححه آنفححا أن يغشححى الحححرام ‪ ،‬أو أن‬ ‫القلب مان ال ُ‬
‫يترك الواجب ‪ ،‬وهذا يكون بملزماححة اليمححان ‪ ،‬وبححالعلم والعمححل‬
‫الصالح حتى يكون ذلك مالكة ‪.‬‬
‫وقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬إذا لم تستح فاصنع ماا شئت‬
‫‪ ‬فسر بتفسيرين ‪ ،‬يعني‪ :‬العلماء اختلفححوا فيححه علححى قححولين ‪:‬‬
‫وماجمل هذين القولين ‪ :‬أن هححذا إماححا أماححر ‪ ،‬وإماححا ليححس بححأمار ‪،‬‬
‫ومان قال ‪ :‬إنه أمار قال ‪ :‬ماعنححى الحححديث إذا كححان الماححر الححذي‬
‫تريد إتيانه ماما ل يستحيا مانه فاصنع ماا شئت ماححن تلححك الماححورأ‬
‫التي ل يستحيا مانها عند المؤمانين ‪.‬‬
‫يعني‪ :‬إذا كان المار ليس حراماا ‪ ،‬وليححس مامححا يخححرم ماكححارأم‬
‫الخلق والمروءات ‪ ،‬ولم يكن فيه تفريححط بححواجب ‪ ،‬ولححم يكححن‬
‫ماما يستحي مانه في الشرع فاصنعه ول تبال؛ لن هذا دليل أنه‬
‫ل بأس به ‪ ،‬وهذا قول جماعة مان أهل العلححم ‪ ،‬مانهححم إسإحححاق‬
‫وأحمد ‪ ،‬وجماعة كثيرون ‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أنه ليس بأمار ‪ ،‬وأهل العلم في هححذا ‪-‬أيضححا‪-‬‬
‫لهم توجيهان ‪-:‬‬
‫الول ‪ :‬قالوا‪ :‬إنححه خححرج عححن ماعنححى الماححر الححذي هححو اللححزام‬
‫بالفعل إلى التهديد فمعنى ‪ ‬إذا لححم تسححتح فاصححنع ماححا شححئت ‪‬‬
‫يعني‪ :‬إذا لم يكن لك حياء يمنعك مان ماقارأفة الحرام والمنكر ‪،‬‬
‫والتفريط في الواجبات فاصنع ماا شئت ‪ ،‬فإن مان ل حياء له ل‬
‫خير فيه ‪ ،‬وهذا يكحون خحرج للتهديحد ؛ لن صحيغة "افعحل" عنحد‬
‫الصوليين ‪ ،‬وعند أهل اللغة تأتي ويراد بهححا التهديححد ‪ ،‬كمححا فححي‬
‫قوله ‪-‬جل وعل‪ (1)       : -‬في سإورأة فصلت ‪‬‬
‫‪ (2)     ‬وه ذا ماخححاطب بححه المشححركون ‪،‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة فصلت آية ‪.40 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة فصلت آية ‪.40 :‬‬

‫‪184‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يعني‪ :‬اعملوا ماا شئتم مان العمال ‪ ،‬وليححس هححذا تخييححرا لهححم ‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ولكنحححه تهديحححد ‪       ،‬‬
‫هذا توبيخ ليس فيه المار الذي هو يوجب الماتثال ‪ ،‬ولكححن هححذا‬
‫مان باب التهكم والتوبيخ والتخويف وهكذا ‪.‬‬
‫فإذن صيغة "افعل" تخرج عن مارادها مان أنححه إلححزام بالفعححل‬
‫إلى صيغ أخرى بلغّية مانها ‪ :‬التهديححد والتوبيححخ ‪ ،‬وأشححباه ذلححك ‪،‬‬
‫فهنا في قوله ‪  :‬فاصنع ماا شئت ‪ ‬هححذا علححى جهححة التهديححد ‪،‬‬
‫إذا لم يكن لك ماانع مان الحياء يمنعك عن ماقارأفة المنكر فححإنه‬
‫افعل ماا شئت ‪ ،‬وسإتلقى الحسححاب وسإححتلقى سإححوء هححذا الفعححل‬
‫الذي لم يمنعك عنه الحياء ‪.‬‬
‫والوجه الثاني لهذا القول ‪ :‬أن طائفة مان أهححل العلححم قححالوا‪:‬‬
‫هذا خرج ماخرج الخبر ‪ ،‬يعني‪ :‬أن ماا ل يستحيا مانه فإن النححاس‬
‫يصححنعونه ‪ ،‬وهححذا خححبر عححن النححاس ‪ ،‬وعمححا يفعلححونه ‪ ،‬وهححو أن‬
‫الماورأ التي ل يستحيون مانها يصنعونها ‪ ،‬إذا لم تستح مان ذلححك‬
‫الفعل فلك صنعه ‪ ،‬أو فالناس يفعلونه ‪ ،‬فهو أماححر فححي ظححاهرة‬
‫خبر في باطنه‪.‬‬
‫وهذان القولن ظاهران ‪ ،‬فححي الول ‪ ،‬وفححي الثححاني ‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫أنه أمار أو أنه ليس بأمار خرج على التهديححد ‪ ،‬أو علححى الخححبر ‪،‬‬
‫كل هذا قريب ‪ ،‬والحديث يحتمل القول الول ‪ ،‬ويحتمل القححول‬
‫الثاني ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الدخان آية ‪.49 :‬‬

‫‪185‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الحادي والعشرون‬


‫قل ‪ :‬آمنت بالله ثم استقم‬
‫‪‬‬‫وعن أبي عمرو ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أبي عمرة سإفيان بن عبد الله ‪ ‬قححال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رأسإول الله قل لححي فححي السإححلم قححول ل أسإححال عنححه‬
‫أحدا غّيرك ؟ قال ‪ :‬قل ‪ :‬آمانت بالله ثأم اسإتقم ‪ ‬رأواه ماسححلم‬
‫‪.‬‬
‫هذا الحديث ‪-‬أيضا‪ -‬مان أحاديث الوصايا‪ ،‬وهو الحححديث الواحححد‬
‫والعشرون ‪ ،‬حديث سإفيان بن عبد الله ‪ ‬أنه قال ‪  :‬قلت ‪ :‬يححا‬
‫رأسإول الله قل لي في السإلم قول ل أسإال عنه أحدا غّيرك ؟‬
‫قال ‪ :‬قل ‪ :‬آمانت بالله ثأم اسإتقم ‪ ‬هذا طلححب وصححية ‪ ،‬طلححب‬
‫مان الرسإول ‪ ‬أن يوصيه ‪.‬‬
‫وقوله ‪  :‬قل لي في السإلم ‪ ‬يعنححي‪ :‬قححل لححي وصححية فححي‬
‫شأن السإلم ‪  ،‬قل لي في السإلم قول ‪ ‬يعني‪ :‬أوصني في‬
‫أمار في السإلم ‪ ،‬في دين السإححلم ل يحححوجني ماعحه أن أسإحأل‬
‫أحدا عحن أماحر آخححر ‪ ،‬فقححال ‪-‬عليحه الصحلة والسححلم‪ -‬وهححو ماححن‬
‫جواماع كلمه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬قال ‪  :‬قل ‪ :‬آمانت بالله ثأححم‬
‫اسإتقم ‪ ‬وهذا ماأخوذ مان قول الله ‪-‬جل وعل‪   :-‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪‬‬‫‪ (1)    ‬الية ‪ ،‬فقوله في الية ‪-‬جححل وعل‪: -‬‬
‫‪ (2)        ‬هو كقوله ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬هنا ‪  :‬قل ‪ :‬آمانت بالله ثأم اسإتقم ‪. ‬‬
‫وفي رأواية ‪ ‬قل آمانت بالله فاسإححتقم ‪ ‬وهححذا الحححديث فححي‬
‫ماعنى الية ‪ ،‬وماعنى اليمححان بححالله هححو ماعنححى أن تقححول ‪ :‬رأبححي‬
‫الله؛ لن قول العبد ‪ :‬رأبي اللححه ماعناهححا ماعبححودي اللححه وحححده ل‬
‫شححريك لححه ‪ ،‬؛ لن البتلء فححي القححبر يكححون بمسححألة العبوديححة‬
‫التوحيد الذي هو توحيد اللهية ويأتي بصيغة الربوبيححة؛ لن العبحد‬
‫ُيسأل في قبره مان رأبك ؟ مان نبيك ؟ ماححا دينححك ؟ فمححن رأبححك‬
‫يعني‪ :‬مان ماعبودك ؟ الرب يطلق ويراد به المعبود؛ لن المعبود‬
‫‪ - 1‬سإورأة فصلت آية ‪.30 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة فصلت آية ‪.30 :‬‬

‫‪186‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يعني‪ :‬توحيد المعبود لزم عن توحيد الرب ‪ ،‬فتوحيد اللهية لزم‬


‫لتوحيد الربوبية‪ ،‬فمن أيقن بتوحيد الربوبيححة لححزم عنححه أن يوحححد‬
‫الله في اللهية ‪ ،‬وفي أسإمائه وصفاته ‪.‬‬
‫بهذا كان الحتجححاج فححي القححرآن علححى المشححركين كححثيرا فححي‬
‫توحيد الربوبيححة ‪ ،‬الحتجححاج عليهححم بتوحيححد الربوبيححة فححي توحيححد‬
‫‪‬‬ ‫اللهيححة ‪ ،‬كمححا فححي قححوله ‪-‬جححل وعل‪    : -‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪            ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪    ‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫وكقوله ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫وكقوله ‪ :‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪   ‬‬

‫واليات فححي هححذا كححثيرة ‪ ،‬فطريقححة القححرآن أنححه يحتححج علححى‬


‫المشركين بما يقرون به ‪ ،‬وهو توحيد الربوبية على ماا ينكرونححه‬
‫وهو توحيد اللهية ‪.‬‬
‫إذن فقوله ‪  :‬آمانت بححالله ‪ ‬قححول قائححل ‪ :‬آمانححت بححالله ‪ ،‬أو‬
‫قوله‪ :‬رأبي الله هو التوحيد الذي يشمل توحيد الربوبيححة واللهيححة‬
‫والسإماء والصفات؛ لن أحد هذه الشياء يلزم مانححه البقيححة ‪ ،‬أو‬
‫أن بعضها يتضمن البعض الخر ‪.‬‬
‫قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هنححا ‪  :‬ق ل آمانححت بححالله ‪ ‬كمححا‬
‫تقدم ماعنا أن اليمان قول وعمل واعتقححاد ‪ ،‬فححإذا قححال ‪ :‬آمانححت‬
‫بالله ‪ ،‬يعني‪ :‬أنه اعتقد العتقاد الصحيح ‪ ،‬وعمل العمل الصحيح‬
‫سححنة ‪ ،‬وكححان ماخلصححا فيححه للححه ‪-‬جححل‬
‫الصالح الذي وافق فيححه ال ُ‬
‫وعل‪ -‬و‪-‬أيضا‪ -‬تكلم وتلفظ بما يحب الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ويرضى ‪.‬‬
‫فححإذن قححوله ‪  :‬ق ل ‪ :‬آمانححت بححالله ‪ ‬هححذا يشححمل القححوال‬
‫والعمال والعتقادات ‪ ،‬فححدخل فححي هححذه الوصححية الححدين كلححه ؛‬

‫‪ - 1‬سإورأة يونس آية ‪.32-31 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الزخرف آية ‪.87 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة الزخرف آية ‪.9 :‬‬

‫‪187‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫لنه قال ‪  :‬قل لي في السإلم قول ل أسإأل عنه أحدا غّيرك ‪‬‬
‫وفي لفظ ‪ ‬ل أسإأل عنه أحدا بعححدك ‪ ‬فقححال ‪  :‬ق ل ‪ :‬آمانححت‬
‫بالله ‪ ‬وقوله ‪  :‬آمانت بالله ‪ ‬المقصود به اليمان الشرعي ؛‬
‫لنححه هححو الححذي يتعححدى بالبححاء ‪ ،‬فاليمححان إذا تعححدى بالبححاء فححي‬
‫نصوصا الكتاب والسنة فيعنى به اليمححان الشححرعي ‪ ،‬الححذي هححو‬
‫قول وعمل واعتقاد‪.‬‬
‫وكما ذكرنا لكم سإلفا فححي شححرح حححديث جبريححل أن اليمححان‬
‫ماشتق مان المان ‪ ،‬وأصله أن ماححن آماححن بشححيء أماححن الغائلححة ‪،‬‬
‫يعني‪ :‬مان صدق بححه تصححديقا جازماححا ‪ ،‬وعمححل بمححا يقتضححيه ذلححك‬
‫التصديق فإنه يأمان غّائلة التكذيب؛ لن تكذيب المخبر له غّائلححة‬
‫ذب لم يأمان فاليمان‬ ‫ذب ‪ ،‬فمن ك َ‬ ‫يعني‪ :‬له أثأر سإيئ على المك ِ‬
‫والمان ماتلزماان مان حيث الثأر ‪.‬‬
‫واليمان ماشتق مان المان ‪ ،‬يعني‪ :‬مان جهة الشتقاق اللغححوي‬
‫البعيد ‪ ،‬واليمان ماعناه ‪ :‬التصديق الجازم الححذي ل رأيححب ماعححه ‪،‬‬
‫ول تردد فيه ‪.‬‬
‫‪ ‬ثأم اسإتقم ‪ ‬ثأم هذه لتراخي الجمل ‪ ،‬وإل فإن السإتقاماة‬
‫مان اليمان ‪ ،‬فل يفصل بين السإتقاماة واليمححان ‪ ،‬كمححا تقححول ‪:‬‬
‫آمان بالله ثأم اعمل مان الصالحات فهذا تراخي جملة عن جملة‬
‫‪ ،‬وتراخي الجمل بح "ثأم" له فائدة مان جهححة علححم المعححاني فححي‬
‫البلغّة ماحل الكلم عليها هناك ‪.‬‬
‫وقوله ‪  :‬ثأم اسإححتقم ‪ ‬فيححه الماححر بالسإححتقاماة ‪ ،‬والسإححتقاماة‬
‫لفظها اسإتفعل ‪ ،‬اسإتقام فيها ماعنى الطلب ‪ ،‬ولكححن هححذا ليححس‬
‫بظاهر؛ لن الفعل اسإتفعل أو هذه الصيغة اسإتفعل تححأتي ويححراد‬
‫بها الطلب ‪ ،‬وتأتي ويراد بها لزوم الشيء ‪ ،‬وكثرة التصاف بححه‬
‫‪.‬‬
‫فمن الول ؛ وهو أن اسإتفعل تأتي ويراد بها الطلححب كقولححك‬
‫‪ :‬اسإتسقى فلن يعني‪ :‬طلب السقيا ‪ ،‬واسإتغاث طلب الغّاثأححة ‪،‬‬
‫واسإتعان طلب العانة ‪ ،‬وهكذا في أشباهها ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ومان الثاني ؛ وهو أن اسإتفعل تأتي ويراد مانها لزوم الوصف‬


‫‪ ،‬وكثرة التصاف به ‪ ،‬وعظم التصاف به كقوله ‪-‬جل وعل‪ -‬ماثل‬
‫‪ (1)      :‬في سإورأة التغابن ‪   ،‬‬
‫‪ (2)  ‬يعني‪ :‬غّني اسإححتغنى ليححس ماعناهححا طلححب الغنححى ‪ ،‬ولكنححه‬
‫غّني بغنى لزم لذاته ‪ ،‬وكثر وعظم جدا ‪.‬‬
‫فإذن "اسإححتفعل" هححذه إذا تغيححرت ‪ ،‬أو إذا لححم تسححتعمل فححي‬
‫الطلححب فيعنححى بهححا لححزوم الصححفة للححذات ‪ ،‬وكححثرة التصححاف ‪،‬‬
‫وعظم التصاف بها بحسب ماححا يناسإححب الححذات ‪ ،‬فححإذن اسإححتقام‬
‫يعني‪         (3)   :‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬
‫وهكذا ‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫‪‬‬

‫اسإتقيموا ليس ماعناها طلححب الشححيء ‪ ،‬ولكححن ماعنححاه القاماححة‬


‫على هذا الدين ‪ ،‬القاماة علححى اليمححان ‪ ،‬وأن تعظححم الوصححاف‬
‫أن يعظم وصف اللتزام به ‪ ،‬وأن يعظم وصف القاماححة عليححه ‪،‬‬
‫ولهذا كلمة "السإححتقاماة" تشححمل كمححا فسححرها طائفححة ماححن أهححل‬
‫العلم الثبحات علحى الحدين ‪ ،‬اسإحتقام يعنحي‪ :‬ثأبحت علحى الحدين ‪،‬‬
‫واسإتقام قالوا ‪ :‬بمعنى عمححل الطاعححات ‪ ،‬وابتعححد عححن ماسححاخط‬
‫الله ‪ ،‬وعن المحرماات ‪ ،‬وهذا ماعناه ‪ :‬الخذ بوسإائل الثبات ‪.‬‬
‫السإححتقاماة بالجهححاد بححأنواعه ‪ ،‬وهححذا وسإححيلة ماححن الوسإححائل ‪،‬‬
‫السإتقاماة بلزوم السنة ‪ ،‬والخلصا للححه ‪-‬جححل وعل‪ ، -‬وهححذا هححو‬
‫حقيقة الدين ‪.‬‬
‫إذن فلفظ "اسإتقام" يعني‪ :‬صارأ له وصف القاماة مابالغححا فيححه‬
‫‪ ،‬يعني‪ :‬كثيرا ‪ ،‬بحيث إنه لزماه ‪ ،‬ولم يتغيححر عنححه ‪ ،‬ولححم يتبححدل‬
‫عنه ‪ ،‬وهذا هو المقصود هنا ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة التغابن آية ‪.6 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة التغابن آية ‪.6 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة فصلت آية ‪.30 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة هود آية ‪.112 :‬‬

‫‪ - 5‬سإورأة فصلت آية ‪.6 :‬‬

‫‪189‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫إذن قححوله ‪-‬عليحه الصححلة والسحلم‪  : -‬ق ل ‪ :‬آمانحت بحالله ثأححم‬


‫اسإححتقم ‪ ‬يعنححي‪ :‬لتكححن إقاماتححك بعححد اليمححان بححالله علححى هححذا‬
‫اليمان عظيمة بحيث يكون وصف القاماة لك مالزماا‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رأسإول الله‪.‬‬
‫إذن قححوله ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬ق ل‪ :‬آمان ت بححالله‪ ،‬ثأححم‬
‫اسإححتقم ‪ ‬يعنححي‪ :‬لتكححن إقاماتححك بعححد اليمححان بححالله علححى هححذا‬
‫اليمان عظيمة‪ ،‬بحيث يكحون وصحف القاماحة لحك مالزماحا‪ ،‬وهحذا‬
‫تعظم ماعه هذه الوصية؛ لهذا أثأنى الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬علححى عبححاده‬
‫المستقيمين بقوله ‪-‬جل وعل‪       :-‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪     ‬‬

‫فححإذن هححذا الحححديث شححمل أماححورأ العتقححاد وأماححورأ الظححاهر‬


‫والباطن‪ ،‬أعمال الجوارأح وأعمال القلححوب‪ ،‬وشححمل الحححث علححى‬
‫الثبات علححى هححذه الطاعححات‪ ،‬فهححذه الوصححية صححارأت إذن وصححية‬
‫جاماعة‪ ،‬وماا أعظمها مان وصية‪  :‬قل آمانححت بححالله ثأححم اسإححتقم ‪‬‬
‫يعني‪ :‬على اليمان بتعظيم أمار القاماة عليه‪ ،‬والزدياد مان خلل‬
‫اليمان‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة فصلت آية ‪.30 :‬‬

‫‪190‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثاني والعشرون‬


‫أرأيت إذا صليت المكتوبات وصمت رمضان‬
‫وعن أبي عبد الله جابر بن عبد اللححه ‪-‬رأضححي اللححه عنهمححا‪  :-‬أن رأجل‬
‫سإأل رأسإول الله ‪ ‬فقال‪ :‬أرأأيت إذا صليت المكتوبححات‪ ،‬وصححمت‬
‫رأماضان‪ ،‬وأحللت الحلل‪ ،‬وحرمات الحححرام‪ ،‬ولححم أزد علححى ذلححك‬
‫شيئا‪ ،‬أأدخل الجنة؟ قال‪ :‬نعم ‪ ‬رأواه ماسلم ‪.‬‬
‫حديث جابر بن عبد اللححه ‪ ‬وهححو الحححديث الثححاني والعشححرون‬
‫مان هذه الحاديث النووية‪ ،‬قال ‪  ‬أن رأجل سإئل رأسإول الله ‪‬‬
‫فقال‪ :‬أرأأيححت إذا صححليت المكتوبححات‪ ،‬وصححمت رأماضححان‪ ،‬وأحللححت‬
‫الحلل‪ ،‬وحرمات الحرام‪ ،‬ولم أزد على ذلك شيئا‪ ،‬أأدخل الجنة؟‬
‫قال‪ :‬نعم ‪. ‬‬
‫في هححذا الحححديث ذكححر بعححض العبححادات وهححي‪ :‬عبححادة الصححلة‬
‫والصيام‪ ،‬وإحلل الحلل وتحريم الحرام‪ .‬وقححد جححاء فححي رأوايححات‬
‫أخر قد تكون هي أصححل هححذا الحححديث‪  :‬أن رأجل ماححن العححراب‬
‫جاء إلى النبي ‪ ‬فسأله عن أماورأ السإلم‪ ،‬فقححال الرجححل للنححبي‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ :-‬أتانا رأسإولك يزعححم أنححك تزعححم أن اللححه‬
‫أرأسإلك‪ ،‬آلله أرأسإلك؟ قال النبي ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ :-‬نعححم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أتانا رأسإولك يزعم أنك تزعم أن الله افترض علينا خمس‬
‫صلوات… ‪ ‬إلى آخره‪.‬‬
‫في آخره‪  :‬قال الرجل للنبي ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ :-‬والححذي‬
‫بعثك بالحق ل أزيد على هذا شححيئا‪ .‬فقححال النححبي ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ :-‬دخل الجنة إن صدق ‪ ‬وفححي رأوايححة‪  :‬ما ن سإححره أن‬
‫ينظر إلححى رأجححل ماححن أهححل الجنححة فلينظححر إلححى هححذا ‪ ‬وهنححاك‬
‫رأوايات أخححر فححي ماجيححء أعرابححي للنححبي ‪ ‬فححي ذكححر الفرائححض‪:‬‬
‫الصلة والصيام والزكاة والحج‪.‬‬
‫وهذه الحاديث تدل على أن مان فعل هححذه الواجبححات مامتثل‬
‫ماتقربا بها إلى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬فصلى الصلوات المكتوبة ماطيعححا‬
‫لله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬وصام وزكى ماطيعا لله‪ ،‬وحج ماطيعا لله‪ ،‬وأحل‬
‫الحلل ماطيعا لله‪ ،‬وحرم الحرام ماطيعا لله‪ ،‬أنه مان أهل الجنة‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والحاديث ماتعددة في ذلك‪ :‬بعضححها يرتححب ثأححواب الجنححة علححى‬


‫كلمة التوحيد‪ ،‬وبعضها يرتب ثأواب الجنة علححى الصححلة‪ ،‬وبعضححها‬
‫يرتب ثأواب الجنححة علححى الصححيام‪ ،‬فححي ألفححاظ ماختلفححة ورأوايحات‬
‫ماتعددة‪.‬‬
‫الحاصل‪ :‬أن هذه الروايات التي فيها ترتيب دخول الجنة على‬
‫بعض العمال الصالحة ‪-‬المقصود بها أنها إذا فعلت ماححع اجتمححاع‬
‫الشروط‪ ،‬وانتفاء الموانع‪ ،‬أو إذا فعلت هذه الفعال ماححع التيححان‬
‫بالتوحيد‪ .‬فهذان احتمالن ‪-‬كما ذكرت لك‪ -‬الول‪ :‬أنها ماع اجتمححاع‬
‫الشروط وانتفاء الموانع‪ ،‬والثاني‪ :‬أنه ماححع التيححان بالتوحيححد؛ لنححه‬
‫به تصح الصلة‪ ،‬وتقبل الزكاة‪ ،‬ويصح الصيام… إلى آخره‪.‬‬
‫وهذا ماعناه‪ :‬أن قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪" :-‬نعم" أو ‪ ‬دخل‬
‫الجنة إن صدق ‪ ‬أن دخول الجنة ماتنححوع‪ ،‬وهححذا الظححاهر دلححت‬
‫عليه الدلة الخرى‪ ،‬فما جاءت النصوصا في ترتب دخول الجنححة‬
‫علححى بعححض العمححال فهححو حححق علححى ظححاهره‪ ،‬وأن ماححن أتححى‬
‫بالتوحيححد وعمححل بالعمححال الصححالحة ‪-‬بححأي عمححل‪ -‬فححإنه ماوعححود‬
‫بالجنة‪ ،‬والله ‪-‬جل وعل‪ -‬وعده‪. (1)        :‬‬
‫ودخول الجنة فححي النصححوصا‪ :‬تححارأة يححراد بححه الححدخول الوّلححي‪،‬‬
‫وتارأة يراد به الدخول المآلي‪ ،‬وهذا في الثأبات‪ ،‬يعنححي‪ :‬إذا قيححل‬
‫دخل الجنحة فقححد يححراد بححالنص أنحه يححدخلها أول ‪-‬يعنحي‪ :‬ماححع ماحن‬
‫يدخلها أول‪ -‬ول يكون عليه عذاب قبل ذل ك فيغفحر ل ه إن كحان‬
‫مان أهل الوعيد‪ ،‬أو يكفر اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬عنححه خطايححاه… إلححى‬
‫آخر ذلك‪.‬‬
‫أو يكون المقصود بح "دخل الجنة" أن الدخول ماآلي‪ ،‬بمعنححى‪:‬‬
‫أنه سإيئول إلى دخول الجنة كقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬مان‬
‫قال‪ :‬ل إله إل الله دخل الجنة ‪  ‬مان كان آخححر كلماححه ل إلححه‬
‫إل الله دخل الجنة ‪  ‬مان صلى الصلوات المكتوبات كححان لححه‬
‫عنححد اللححه عهححد أن يححدخله الجنححة ‪  ‬يححدعى الصححائمون يححوم‬
‫القياماة مان باب الريان ‪. ‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.87 :‬‬

‫‪192‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وهكذا في أحاديث ‪-‬كما ذكرت لك‪ -‬ماتنوعححة؛ فححإذن الحححاديث‬


‫التي فيها دخول الجنة بالثأبات‪ :‬تارأة يراد مانهححا الححدخول الولححي‪،‬‬
‫وتارأة يراد مانها الدخول المآلي‪ ،‬ويترتب على هححذا النفححي‪ ،‬فححإذا‬
‫نفي دخول الجنة عن عمل مان العمال يحراد بحه نفحي الححدخول‬
‫الولي‪ ،‬أو نفي الدخول المآلي‪ ،‬والذي ينفى عنه الدخول الولي‬
‫هم أهل التوحيد الذين لهم ذنححوب يطهححرون مانهححا إن لححم يغفححر‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬لهم‪.‬‬
‫وأماا الذين ينفى عنهم الدخول المآلي ‪-‬يعني‪ :‬ل يدخلونها أول‬
‫ول ماآل‪ ،‬ل يؤولون إلى الجنة أصل‪ -‬فهؤلء هم أهححل الكفححر فححي‬
‫الول‪ :‬ماثل قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ل يدخل الجنة قتات ‪‬‬
‫‪ ‬ل يححدخل الجنححة قححاطع رأحححم ‪  ‬ل يححدخل الجنححة نمححام ‪‬‬
‫وأشباه ذلك‪.‬‬
‫فهذه فيها أنه ل يدخل الجنة‪ ،‬هل ماعناه أنحه ل يححدخلها أبححدا؟‬
‫ل‪ ،‬ل يححدخلها أول‪ ،‬وفححي بعححض النصححوصا نفححي دخححول الجنححة‬
‫الححدخول المححآلي‪ ،‬يعنححي‪ :‬أنهححم ل يئولححون إلححى الجنححة أصححل بححل‬
‫‪‬‬ ‫ماأواهم النارأ خالححدين فيهححا‪ ،‬كقححوله ‪-‬جححل وعل‪  :-‬‬
‫‪ (1)         ‬وكما في قوله‬
‫‪-‬جل وعل‪          :-‬‬
‫‪. (2)    ‬‬
‫إذن فتحصل لنا كقاعدة عاماححة ماححن قواعححد أهححل السححنة فححي‬
‫فهم آيات وأحححاديث الوعيححد‪ :‬أن اليححة أو الحححديث إذا كححان فيححه‬
‫إثأبات دخحول الجنحة علحى فعحل ماحن الفعحال فحإن هحذا الثأبحات‬
‫ينقسم إلى‪ :‬دخول أولي‪ ،‬بمعنى‪ :‬أنه يغفر له فل يؤاخححذ‪ ،‬أو أنححه‬
‫ليححس ماححن أهححل الحسححاب‪ ،‬أو أن اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬خفححف عنححه‬
‫فيدخلها أول‪ ،‬أو أنه ليس مان أهل الدخول المححآلي‪ ،‬أو أنححه ماححن‬
‫أهل الدخول المآلي‪.‬‬
‫وهكذا عكسها أنه ل يدخلها أول‪ ،‬أو ل يدخلها أول وماآل علححى‬
‫حد سإححواء‪ ،‬وهححذا ماححن القواعححد المهمححة عنححد أهححل السححنة الححتي‬
‫خالفوا بها الخوارأج والمعتزلة … إلى آخره‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة العراف آية ‪.40 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة المائدة آية ‪.72 :‬‬

‫‪193‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫إذا تقررأت هذه القاعدة فهذا الحديث فيه ذكر دخححول الجنححة‬
‫على أنه ل يزيد على هذه شيئا‪ ،‬ولم يذكر فححي ذلححك أنححه فعححل‬
‫الزكاة‪ ،‬ول أنححه أتححى بالحححج‪ ،‬وماححن تححرك الزكححاة فهححو ماححن أهححل‬
‫الوعيد‪ ،‬ومان ترك الحج فهو مان أهل الوعيد… وهكذا‪.‬‬
‫فححإذا تقححررأ هححذا فقححوله‪  :‬ول م أزد علححى ذلححك شححيئا‪ ،‬أأدخححل‬
‫الجنة؟ قال‪ :‬نعم ‪ ‬ماحمول على أحد توجيهين‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه في قوله‪  :‬لم أزد على ذلك شيئا ‪ ‬يعني‪ :‬أنححه‬
‫فعل الواجبات التي أوجب الله ‪-‬جل وعل‪ -‬فتدخل الواجبات فححي‬
‫قوله‪" :‬حرمات الحرام"؛ لن ترك الواجبات حرام‪ ،‬فهو إذا حححرم‬
‫ترك المحرماات‪ ،‬ماعناه‪ :‬أنه فعلها‪.‬‬
‫والتـوجيه الثـاني‪ :‬أن هححذا الحححديث يفهححم ماححع غّيححره ماححن‬
‫الحاديث كقاعدة أهل السنة في نصوصا الوعد والوعيد‪ ،‬وأننا ل‬
‫نفهم نصا مان نصوصا الوعد أو مان نصوصا الوعيد على حححدته‪،‬‬
‫بل نضمه إلى أشباهه فيتضح المقام‪ ،‬فيكون إذن دخححوله الجنححة‬
‫ماع وجود الشروط وانتفاء الموانع‪.‬‬
‫أو يقال‪ :‬دخول الجنة هنا ماححع القتصححارأ علححى ماححا ذكححر دخححول‬
‫ماآليا‪ ،‬وإذا أتم فإنه يدخل دخول أوليا‪ ،‬ول بد أنه إذا كححان علححى‬
‫ذلك النحو فإنه مان أهل الجنححة؛ لن اللحه ‪-‬جححل وعل‪ -‬هححو الححذي‬
‫وعده بححذلك وبلغححه رأسإححوله ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬قححوله‪  :‬إذا‬
‫صليت المكتوبات ‪ ‬تدل على تعلححق ذلححك بالصححلوات الخمححس‪،‬‬
‫وهذا يخرج النوافل‪.‬‬
‫كذلك قوله‪  :‬صمت رأماضان ‪ ‬تعلقه بالشهر الححواجب‪ ،‬وهححذا‬
‫يخححرج النوافححل‪ ،‬وقححوله‪  :‬وأحلل ت الحلل ‪ ‬هححذا اختلححف فيهححا‬
‫العلماء على قولين‪ :‬القحول الول‪ :‬هحو الحذي ذكحره النحووي فححي‬
‫آخر ذكححره للحححديث حيححث قححال‪" :‬وماعنححى أحللححت الحلل‪ :‬فعلتححه‬
‫ماعتقدا حله" فهذا وجه عند أهل العلم؛ لن ماعنى أحللت الحلل‬
‫أنه اعتقد وفعل‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬أنه اعتقد ولححم يفعححل‪ ،‬فمعنححى قححوله‪  :‬أحلل ت‬
‫الحلل ‪ ‬يعني‪ :‬اعتقدت حل كل ماا أحله الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وليس‬

‫‪194‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫في نفسي اعتراض على ماا أحححل اللححه ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬وهححذا أحححد‬
‫المعنيين‪.‬‬
‫والمعنى الول الذي ذكححره النححووي‪ :‬أن إحلل الحلل يقتضححي‬
‫أن تفعل‪ ،‬أو أن تعمل‪ ،‬أو أن تأتي الحلل الذي أحله الله ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬لك‪ ،‬وأل تستنكف عنه ‪-‬بمعنى‪ :‬أن ماححن حححرم علححى نفسححه‬
‫شيئا مان الحلل ماطلقا فإنه لم يحل الحلل فعل‪-‬؛ وهذا المعنى‬
‫ليس بجيد عندي؛ لن فعل كل حلل مامتنع قد ل يستطيعه كل‬
‫أحد؛ لن الحلل ‪-‬ولله الحمد‪ -‬كثير جدا والمباحات كثيرة‪ ،‬فإتيانه‬
‫فعله باعتقاد حله هذا صعب‪ ،‬وماثل هذا الرجل السائل ل يعلححق‬
‫بكل شيء‪ ،‬وهذا أيضا ماما يكون في غّير السإتطاعة‪.‬‬
‫والوجه الثححاني الححذي ذكرنححاه ماححن أن قححوله‪" :‬أحللححت الحلل"‬
‫‪-‬يعني‪ :‬اعتقدت حله‪ -‬فلم يأت في نفسي رأيب مان أن ماححا أحححل‬
‫الله جل وعل فهو حلل‪ ،‬فهذا ظححاهر طيححب ‪-‬يعنححي‪ :‬ظححاهر ماححن‬
‫الحديث حسن‪ -‬وهو أولى؛ لنه ل يلزم عنه لوازم غّير جيدة‪.‬‬
‫أماا قول الرجل‪  :‬حرما ت الحححرام ولححم أزد علححى ذلححك شححيئا‬
‫أأدخل الجنة ؟ فقال‪ :‬نعم ‪ ‬فتحريم الحرام يشححمل المرتبححتين‪:‬‬
‫يشححمل العتقححاد والححترك‪ :‬فتحريححم الحححرام أن تعتقححد حرماتححه‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬أن تفعل ماا اعتقدته مان ترك المحرماححات‪ .‬فمححن اعتقححد‬
‫حرماححة الحححرام وفعححل فهححو ماححن أهححل الوعيححد ‪-‬يعنححي‪ :‬ماححن أهححل‬
‫العصيان‪ ،-‬وأماا مان لم يعتقد حرماة الحرام فهو كافر ؛ لنححه ماححا‬
‫صدق الله ‪-‬جل وعل‪ -‬في خبره‪ ،‬أو لنه اعتقد غّير ماا أمار اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬باعتقاده‪.‬‬
‫فإن العتقاد بتحريم المحرماات فرض مان الفرائض‪ ،‬وعقيححدة‬
‫ل بححد مانهححا؛ لن ماعنححاه اللححتزام بححأمار اللححه ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬وأماححر‬
‫رأسإوله ‪ ‬والنهي نهي الله ونهي رأسإول الله ‪. ‬‬

‫‪195‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثالث والعشرون‬


‫الطهور شطر اليمان‬
‫وعن أبي ماالك الحارأث بن عاصم الشححعري ‪ ‬أن رأسإححول اللححه ‪‬‬
‫قال‪  :‬الطهورأ شطر اليمان‪ ،‬والحمد لله تمل الميزان‪ ،‬وسإبحان‬
‫اللححه والحمححد للححه تملن أو تمل ماححا بيححن السححماوات والرأض‪،‬‬
‫والصلة نورأ‪ ،‬والصدقة برهان‪ ،‬والصبر ضياء‪ ،‬والقرآن حجححة لححك‬
‫أو عليك‪ ،‬كل النححاس يغححدو‪ ،‬فبححائع نفسححه فمعتقهححا أو ماوبقهححا ‪‬‬
‫رأواه ماسلم‬
‫هذا الحديث ‪-‬وهو الحديث الثححالث والعشححرون‪ -‬حححديث عظيححم‬
‫جدا‪ ،‬وألفاظه جواماع كلم للمصطفى ‪ ‬وهو مان الحححاديث الححتي‬
‫تهز النفس‪ ،‬وتدخل القلب بل اسإتئذان ‪-‬يعني‪ :‬أن فيه ماا يرقححق‬
‫القلب‪ ،‬ويحمل على الطاعة بتححأثأيره علححى كححل نفححس‪ -‬وألفححاظه‬
‫تدل عليه‪.‬‬
‫فقد قححال ‪ ‬فيححه‪  :‬الطه ورأ شححطر اليمححان‪ ،‬والحمححد للححه تمل‬
‫الميزان‪ ،‬وسإبحان الله والحمححد للححه تملن أو قححال تمل ماححا بيححن‬
‫السماء والرأض‪ ،‬والصلة نورأ‪ ،‬والصححدقة برهححان‪ ،‬والصححبر ضححياء‪،‬‬
‫والقححرآن حجححة لححك أو عليححك‪ ،‬كححل النححاس يغححدو فبححائع نفسححه‬
‫فمعتقها أو ماوبقها ‪. ‬‬
‫وهذه ألفححاظ عظيمححة للغايححة‪ ،‬واشححتملت علححى أحكححام كححثيرة‬
‫ووصايا عظيمة دخلت في أبواب كثيرة مان أبواب الدين‪ ،‬فقوله‬
‫طه ورأ شححطر اليمححان ‪‬‬ ‫فححي أولححه ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬ال ُ‬
‫الطهححورأ المقصححود بححه الطهححارأة‪ ،‬التطهححر؛ فححإن صححيغة فعححول‬
‫المقصود مانها الفعل ‪-‬يعني‪ :‬ماا يفعل‪ -‬فالطهورأ هححو التطهححر كمححا‬
‫أن الفطححورأ هححو فعححل الفطححارأ‪ ،‬والسحححورأ هححو الفعححل نفسححه…‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫بخلف الط َهححورأ ‪-‬بالفتححح‪ :-‬فححإنه ماححا يتطهححر بححه ‪-‬يعنححي‪ :‬المححاء‬
‫سإحورأ ‪-‬بالفتححح‪ ، -‬والفطححورأ‬
‫يسمى طهورأ‪ ،-‬وأكلة السحر تسمى َ‬
‫يسمى َفطورأ ‪-‬بالفتح‪ -‬إذا كححان المححراد الححذي يؤكححل‪ ،‬أماححا الفعححل‬

‫‪196‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫نفسه فهو طهورأ للطهارأة‪ ،‬وسإحورأ للتسحر وهكذا‪ ،‬فقوله عليححه‬


‫الصلة والسلم هنا‪ :‬ال ُ‬
‫طهورأ يعني‪ :‬التطهر‪.‬‬
‫وهذا اختلف فيه العلماء على قولين‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن المححراد بححالطهورأ هنححا‪ :‬التطهححر ماححن النجاسإححات‬
‫المعنوية‪ ،‬أو ماما ينجس القلححب والححروح والجححوارأح ماححن الشححرك‬
‫والرياء‪ ،‬وفعل المحرماححات وتححرك الواجبححات وأشححباه ذلححك‪ .‬وهححذا‬
‫أخذوه مان قول الله ‪-‬جل وعل‪ (1)     :-‬على أحد‬
‫تفسيرين‪ ،‬فإن التطهير هنا فسر بأن المقصود به التطهيححر ماححن‬
‫الشرك والنجاسإات المعنوية‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪‬‬ ‫وفسر أيضا قوله ‪-‬جل وعل‪:-‬‬
‫‪   ‬‬
‫بالماتنححاع عححن فعححل الفاحشححة‪ ،‬وهححذا التفسححير لححه ماأخححذه ماححن‬
‫القرآن‪ ،‬وظاهر دليله مان أن الطهارأة هنا المقصود مانها‪ :‬طهارأة‬
‫القلب‪ ،‬وطهارأة الجوارأح واللسان مان المحرماححات‪ ،‬أو ماححن تححرك‬
‫الواجبات‪.‬‬
‫وكونها على هححذا المعنححى شححطر اليمححان؛ لن الطهححارأة تححرك‬
‫واليمان قسحمان‪ :‬فعحل وتحرك‪ ،‬فصحارأت الطهحارأة بحالمعنى هحذا‬
‫شطر اليمان ‪-‬يعني‪ :‬نصفه‪-‬؛ لنه إماححا أن تححترك أو تفعححل‪ ،‬فححإذا‬
‫طهرت نفسك وجوارأحك ‪-‬يعني‪ :‬جعلتها طححاهرة مامححا حححرم اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬في القلححب واللسححان والجححوارأح‪ -‬فقححد أتيححت بمححا هححو‬
‫نصف اليمان وهو الترك فيبقى المار‪.‬‬
‫وهنا نقول‪ :‬لماذا نبه على الترك ولم ينبححه علححى الفعححل وهححو‬
‫التيحححان بالواجبحححات؟ الجحححواب‪ :‬أن الحححترك أعظحححم؛ فحححإن تحححرك‬
‫المحرماات أعظم مان التيححان بالواجبححات لهححذا؛ تجححد أن كححثيرين‬
‫يأتون بالواجبات‪ ،‬ول يصبرون عن المحرماات ‪-‬نسأل الله العافية‬
‫والسلماة‪ ،-‬وماححن يححترك المحرماححات فححإنه يسححهل عليححه أن يححأتي‬
‫بالواجبات‪.‬‬
‫الوجه الثاني من كلم أهل العلــم ‪-‬يعنــي‪ :‬التفســير‬
‫الثاني‪ :-‬أن الطهورأ هنا المقصود به الطهارأة بالماء أو بما هححو‬
‫‪ - 1‬سإورأة المدثأر آية ‪.4 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة العراف آية ‪.82 :‬‬

‫‪197‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫بدل الماء‪ ،‬والطهارأة تكححون‪ :‬طهححارأة كححبرى ‪ ،‬أو صححغرى ‪-‬يعنححي‪:‬‬


‫غّسل الجنابة أو غّسل المرأة مان الحيض والنفاس‪ ،‬أو الطهحارأة‬
‫الصغرى بالتطهر للصلة‪ ،‬وهنححا جعلهححا شححطر اليمححان؛ لن اللححه‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬جل وعل‪ -‬جعل الصلة إيمانا فقال‪ :‬جححل وعل‪   :‬‬
‫‪ (1)    ‬يعني‪ :‬صلتكم ‪.‬‬
‫حين توجهوا إلى القبلة بعد بيت المقدس‪ ،‬فقال طائفححة ماححن‬
‫المسححلمين كيححف‪ :‬بححأمار الححذين صححلوا إلححى بيححت المقححدس‪ ،‬ولححم‬
‫يدرأكوا الصلة إلى الكعبة ؟ فأنزل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬قوله‪  :‬‬
‫‪ (2)      ‬يعني‪ :‬صلتكم‪ ،‬والصلة مافتاحها‬
‫التطهر؛ فإنهححا ل تصححح إل بالطهححارأة‪ ،‬فلهححا شححروط قبلهححا‪ ،‬ولهححا‬
‫واجبات وأرأكان فيها ‪-‬يعني‪ :‬في الصلة‪ -‬فمححا قبلهححا أعظمححه فححي‬
‫فعل العبد الطهارأة؛ فصارأت شطرا بهذا العتبارأ‪.‬‬
‫فيكون إذن قوله‪  :‬الطه ورأ شححطر اليمححان ‪ ‬يعنححي‪ :‬التطهححر‬
‫شطر اليمان الذي هو الصلة؛ لن الصلة رأأس أعمال اليمان‪.‬‬
‫وهناك تفسيرات أخححر لهححل العلححم ‪-‬يعنححي‪ :‬اختلفححوا فححي هححذا‬
‫اختلفا كثيرا‪ -‬لكن هذان قولن ماشهورأان في هذا المقام ‪ ،‬قال‬
‫‪-‬عليه الصلة والسححلم‪  :-‬والحم د للححه تمل الميححزان ‪" ‬الحم د‬
‫لله" الحمد هذه كلمححة فيهححا إثأبححات الكمححالت؛ لن حمححد بمعنححى‬
‫أثأنى على غّيره بما فيه مان صفات الكمال‪ ،‬فحمد لفلن صنيعه‬
‫يعني‪ :‬أثأنى عليه بصفات كمححل فيهححا بمححا يناسإححب البشححر؛ لجححل‬
‫صنيعه‪ ،‬ومانححه يححدخل فححي الحمححد بهححذا العتبححارأ أنححه يثنححي عليححه‬
‫شاكرا له‪ ،‬يعني‪ :‬باللسان‪.‬‬
‫فالحمد لله ماعناها الثناء على الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬بإثأبححات صححفات‬
‫الكمال له ‪-‬جل جلله‪ ،-‬فالحمد على هذا يدخل فيححه حمححد اللححه‬
‫وهو الثناء عليه‪ ،‬على ماا اتصف به مان صححفات الكمححال والجلل‬
‫والجمال‪ ،‬حمححد للححه علححى رأبححوبيته ‪-‬يعنححي‪ :‬علححى اسإححمه الححرب‪،-‬‬
‫وعلى وصف الربوبيححة لححه‪ ،‬وحمححد للححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬علححى إلهيتححه‪،‬‬
‫وعلى أنححه اللححه‪ ،‬وحمححد للححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬علححى أسإححمائه وصححفاته‬
‫ونعوت جلله وكماله‪ ،‬وحمد لله ‪-‬جححل وعل‪ -‬علححى القححرآن علححى‬
‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.143 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.143 :‬‬

‫‪198‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫كلماه‪ ،‬وحمد لله ‪-‬جل وعل‪ -‬على أماره الكوني والقدرأي وحكمحه‬
‫في بريته‪ ،‬وحمد لله ‪-‬جل وعل‪ -‬على أماره الشرعي‪.‬‬
‫فالحمححد فححي نصححوصا الكتححاب والسححنة تكتنفححه هححذه النححواع‬
‫الخمسة التي ذكرنحا؛ ولهحذا تجحد أن ه فحي القحرآن يحأتي الحمحد‬
‫ماتعلقا بأحدها ‪-‬بأحد هذه الخمسة ل غّير‪ -‬انظر ماثل‪  :‬‬
‫‪ (1)    ‬تعلق بالربوبية‪     :‬‬
‫‪ (2)       ‬فهذا أيضا في‬
‫الربوبيححححححححححححححة‪       ،‬‬
‫‪       (3)    ‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬
‫وهكذا في نصوصا كثيرة في الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫‪  ‬‬

‫فإذن الحمححد إثأبححات الكمححالت إثأبححات نعححوت الجلل والكمححال‪،‬‬


‫وهذا ماستغرق فيه جميع النواع لله ‪-‬جل وعل‪-‬؛ لن كلمة "ال"‬
‫هححذه الحمححد للححه "ال" الححتي تسححبق "حمححد" هححذه للسإححتغراق‪،‬‬
‫اسإتغراق جميع أنواع الحمد؛ لنها دخلت على ماصدرأ حمد يحمد‬
‫حمدا‪ ،‬فقوله ‪-‬جل وعل‪ (6)       :-‬يعني‪:‬‬
‫جميع أنواع المحاماد ماستحقة لله ‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫واللم هنححا فححي قححوله للححه‪ (7)     :‬يعن ي‪ :‬الحم د‬
‫المستحق لله ‪-‬جل وعل‪ -‬الذي ُأثأني به على الله ‪-‬جل وعل‪ -‬يمل‬
‫الميزان‪ ،‬فإذا قال العبد‪ :‬الحمد لله فإن هذه تمل الميححزان‪ ،‬كمححا‬
‫جاء في حديث أبي هريرة الذي رأواه البخارأي وغّيره‪ ،‬أنه ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬قال‪  :‬كلمتان خفيفتححان علححى اللسححان‪ ،‬ثأقيلتححان‬
‫في الميزان‪ ،‬حبيبتان إلى الرحمن‪ :‬سإبحان الله وبحمده‪ ،‬سإبحان‬
‫الله العظيم ‪. ‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الفاتحة آية ‪.2 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النعام آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة الكهف آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة فاطر آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 5‬سإورأة غّافر آية ‪.65 :‬‬

‫‪ - 6‬سإورأة غّافر آية ‪.65 :‬‬

‫‪ - 7‬سإورأة غّافر آية ‪.65 :‬‬

‫‪199‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فالحمد إثأبات‪ ،‬وكما سإيأتي في‪" :‬سإبحان الله والحمد لله" أن‬
‫الحمد والتسبيح ماتلزماان‪ ،‬وقوله هنا ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ :-‬‬
‫تمل الميزان ‪ ‬على قاعدتنا‪ :‬أن الملء هنا على ظاهره حسححي‬
‫وليس مالئا ماعنويا‪ ،‬كما قاله طائفة‪ ،‬وهذا نوع ماححن التأويححل؛ لن‬
‫الدخول في الماورأ الغيبية بما ل يوافق ظححاهر اللفححظ هححذا نححوع‬
‫مان التأويل المذماوم‪.‬‬
‫فإذن نقول‪  :‬الحمد لله تمل الميزان ‪ ‬علححى ظاهرهححا‪ ،‬وهححو‬
‫أن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬يأتي بهذه الكلمححة فيمل بهححا الميححزان‪ ،‬واللححه‬
‫‪-‬جححل وعل‪ -‬يححوم القياماححة يجعححل فححي الميححزان العمححال فيزنهححا‪،‬‬
‫فتكون العمال التي هي أقوال واعتقادات وحركات تكححون فححي‬
‫الميزان‪ ،‬فيثقل بها ويخف بها مايزان آخرين‪ ،‬فإذن على ظاهرها‬
‫أن "الحمد لله" هذه تمل الميزان‪.‬‬
‫لماذا‬ ‫وهنا نظر أهل العلم في قوله‪  :‬تمل الميزان ‪‬‬
‫صارأت تمل على تفسيرين‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن تمل نفهم مانه أنها ل توضع أول‪ ،‬يعنححي‪ :‬ل يححؤتى‬
‫بالحمد أول فتوضع في الميزان‪ ،‬وإنما الذي يؤتى العمال يؤتى‬
‫بالعمال فتوضع في الميزان‪ ،‬فيؤتى بالحمد فتمل الميزان‪ ،‬هححذا‬
‫تفسير‪.‬‬
‫والتفسير الثاني‪ :‬أن اليمان والدين نصححفان‪ ،‬نصححف تنزيححه‬
‫ونصححف إثأبححات الكمححالت‪ ،‬والتنزيححه فيححه التسححبيح‪ ،‬التنزيححه تنزيححه‬
‫الرب ‪-‬جل وعل‪ -‬عن النقص في رأبوبيته‪ ،‬أو في إلهيتححه‪ ،‬أو فححي‬
‫أسإمائه وصفاته‪ ...‬إلى آخره‪.‬‬
‫هذا فيه إبعاد عححن النقححائص‪ ،‬والحمححد إثأبححات للكمححالت‪ ،‬فححإذا‬
‫وضعت "سإبحان الله" أول ‪-‬فالحمد لله تأتي ثأانيا فتمل الميححزان‪،‬‬
‫ونفهم مان قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ثأقيلت ان فححي الميححزان‬
‫سإبحان الله وبحمده سإبحان اللححه العظيححم ‪ ‬أن التسححبيح أكححثر‬
‫مان جهة وضعه في الميزان؛ فيكون الحمد تتمة لذلك‪.‬‬
‫وقححد يتأيححد هححذا بشححيء‪ ،‬وهححو أن التسححبيح ‪-‬المعححاني يطححول‬
‫ذكرهححا‪ ،‬لكححن نححذكر بعححض فائححدة‪ -‬يختلححف عححن الحمححد‪ ،‬وهححو أن‬

‫‪200‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫التسبيح فيه تخلية‪ ،‬وماعلوم أن التخليححة بل شححيء يوضححع ماحلهححا‬


‫أنها ليست ماحمودة‪ ،‬بمعنى‪ :‬أنه إذا قحال أححد‪ :‬أنحا سإحأخلي هحذا‬
‫المسجد ماما فيه مان الشياء‪ ،‬والدواليب والفرش ونحو ذلك‪ .‬لم‬
‫يكن ماحمودا بفعله إل إذا قال وآتي بغيره ماما هو أحسححن مانححه‬
‫فأضعه فيه‪.‬‬
‫فالتسبيح تنزيه‪ ،‬والتنزيه قد يكون ناتجا عن قصورأ في إثأبححات‬
‫الكمالت لله ‪-‬جل وعل‪ -‬فيقحول‪ :‬إن اللحه ‪-‬جحل وعل‪ -‬مانحزه عحن‬
‫كذا‪ ،‬ومانزه عن كذا‪ ،‬ومانزه عحن كحذا‪ ،‬ثأحم ل يصحفه ‪-‬جحل وعل‪-‬‬
‫بشيء؛ فلهذا كان التسبيح والحمححد ماتكححامالن‪ ،‬فالتسححبيح تخليححة‪،‬‬
‫والحمد بالنسبة للقلب تحلية‪ ،‬والتخليححة تسححبق التحليححة كمححا هححو‬
‫ماقررأ في علوم البلغّة‪.‬‬
‫فإذن جاء التسبيح في نصوصا كثيرة ماضححافا إلححى اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬بمعنى‪ :‬سإلب النقائص ونفي النقائص عن الله ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫فححي رأبححوبيته وإلهيتححه‪ ،‬وأسإححمائه وصححفاته ‪ ،‬وفححي قححدرأه وأماححره‬
‫الكوني ‪ ،‬وفي شرعه وحكمه الديني ‪ ،‬في هذه الخمسة تقابححل‬
‫بها الخمسة التي فيها إثأبات الكمالت في الحمححد‪ ،‬فكححل واحححدة‬
‫مانها نزهت عن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬جاء الحمد بإثأبات الكمال اللئق‬
‫بالله ‪-‬جل وعل‪ -‬ماحلها‪.‬‬
‫وهذا لو فقهه العبد لكان‪  :‬سإبحان الله والحمححد للححه ‪ ‬فححي‬
‫لسانه أعظم مان أي شيء يشتغل به عنها ماححن غّيححر ذكححر اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬والقرآن العظيم‪ ،‬فإذن هذه الكلمة خفيفححة‪  :‬سإ بحان‬
‫الله والحمد لله ‪ ‬لكنها عظيمة؛ لن فيها العتقاد الصحيح في‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بجميع الجهات‪ :‬ففيها الربوبية واللهية‪ ،‬والسإححماء‬
‫والصححفات‪ ،‬وفيهححا إثأبححات تحليححل الحلل وتحريححم الحححرام‪ ،‬وفيهححا‬
‫العتقاد الحسن في القدرأ‪ ،‬وفيها العتقاد الحسن فيما يتصححرف‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬به في مالكوته‪ ...‬إلى آخر ذلك مان المعاني‪.‬‬
‫لهذا قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬والحمد للححه تمل الميححزان‬
‫‪ ‬يكون هنا الملء بعد التنزيححه وهححو التسححبيح‪ ،‬قححال‪  :‬وسإ بحان‬
‫اللححه والحمححد للححه تملن أو تمل ماححا بيححن السححماء والرأض ‪‬‬
‫سإححبحان اللححه يعنححي‪ :‬تنزيهححا للححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬عححن النقححائص فححي‬

‫‪201‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫رأبوبيته وإلهيته‪ ،‬وأسإححمائه وصححفاته‪ ،‬وشححرعه ودينححه‪ ،‬وعححن أماححره‬


‫الكوني وقدرأه‪ ،‬والحمد لله إثأبات الكمالت لله ‪-‬جل وعل‪ -‬فهمححا‬
‫ماتكامالن‪.‬‬
‫قال‪  :‬تمل أو قال تملن ماا بين السماء والرأض ‪ ‬إذا كححان‬
‫اللفححظ "تملن" فكححل واحححدة علححى اعتبححارأ‪ ،‬وإذا كححان اللفححظ‬
‫المحفوظ "تمل" وهححو الظهححر‪  :‬تمل ماححا بيححن السححماء والرأض ‪‬‬
‫فإن "سإبحان الله والحمد لله" كلمة واحدة؛ لن ماححدلولها واحححد‪،‬‬
‫وهو كما ذكرنا التنزيه والثأبات‪.‬‬
‫قوله‪  :‬تمل ماا بين السماء والرأض ‪ ‬ماححا المقصححود بححذلك ؟‬
‫إذا أطلححق لفححظ السححماء هنححا فالمقصححود بححه السححماء الححدنيا ‪،‬‬
‫والسماء تطلق في النصوصا ويراد بها العلو بعاماة‪   :‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ (1)   ‬يعن ي‪ :‬ف ي العلححو‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ (2) ‬يعني‪ :‬مان في العلو‪ ...‬وهكذا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫فإذا أطلق لفظ "السماء" وحده ‪-‬يعني‪ :‬بل السححماوات مافححرد‪-‬‬


‫فإنه قد يراد بحه العلحو‪ ،‬وقححد يححراد بحه واحححدة السححماوات وهحي‬
‫السماء الدنيا‪ ،‬وخاصة إذا جعل أو قوبل بححالرأض‪ ،‬فقححوله هنححا‪ :‬‬
‫تمل ماححا بيححن السححماء والرأض ‪ ‬يعنححي‪ :‬أنهححا تمل هححذا الفححراغ‬
‫الكححبير الححذي بيححن الرأض وماححا بيححن السححماء؛ لمححا لعظححم هححذه‬
‫الكلمة‪ ،‬ولمحبة الله ‪-‬جل وعل‪ -‬لها‪ ،‬ولحمححل الملئكححة لهححا تقربححا‬
‫إلى الله ‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫قال‪  :‬والصلة نورأ‪ ،‬والصدقة برهححان‪ ،‬والصححبر ضححياء ‪ ‬هححذه‬
‫الثلثأة‪ :‬الصبر‪ ،‬والصدقة‪ ،‬والصلة‪ ،‬اقترنت هنححا بثلثأححة أنححواع ماححن‬
‫أنواع النورأ والضياء والبرهان‪ ،‬فدرأجات النورأ ‪-‬يعني‪ :‬درأجححات ماححا‬
‫تحسححه العيححن ماححن النححوارأ‪ -‬ثألث‪ :‬نححورأ‪ ،‬وبرهححان‪ ،‬وضححياء‪ ،‬فأولهححا‬
‫النورأ‪ ،‬ويليها البرهان‪ ،‬والثالث الضياء‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة إبراهيم آية ‪.24 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الملك آية ‪.16 :‬‬

‫‪202‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫فالقمر نورأ‪:‬‬
‫فالقمر يوصف بححأنه نححورأ وهححو‪ :‬الححذي‬ ‫‪‬‬ ‫)‪(2) (1‬‬
‫‪  ‬‬
‫يعطحححي الضحححاءة بل إشحححعاع ‪-‬يعنحححي‪ :‬بل إشحححعاع ماحسحححوس‪،-‬‬
‫والبرهان‪ :‬أشعة بل حرارأة‪ ،‬أعظم درأجة مان النورأ‪ ،‬وأقححل درأجححة‬
‫مان الضياء‪ ،‬وأماا الضياء‪ :‬فهو النورأ الشححديد‪ ،‬نححورأ ماسححلط شححديد‬
‫يكون ماعه حرارأة‪.‬‬
‫فهححذه ثألث ماراتححب ماححن أنححواع الضححواء‪ ،‬وإذا نظححرت لححذلك‬
‫وجدت قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هنا‪  :‬والصلة نححورأ والصححدقة‬
‫برهححان والصححبر ضححياء ‪ ‬مارتححب علححى أجمححل ماححا يكححون ماححن‬
‫الترتيب‪ ،‬فإن الصلة سإبقت الصدقة؛ ولهذا سإبق النورأ البرهان‪،‬‬
‫والصبر ل بد مانه للصلة وللصدقة ولكل الطاعات‪ ،‬ولكن الصبر‬
‫ماحرق كشدة حرارأة الضياء‪ ،‬فالضياء نورأ قوي فيه حرارأة ونححوع‬
‫إحراق‪.‬‬
‫فلهذا جعل الصبر ضياء‪ ،‬ولم يجعل الصلة ضياء‪ ،‬لكن الصلة‬
‫نورأ؛ لنه فيها إعطححاء ماححا تحتححاجونه براحححة وطمأنينححة‪ ،‬والصححدقة‬
‫جعلها برهانا؛ لن البرهان وهو‪ :‬الضياء الححذي يكححون ماعححه أشححعة‬
‫تنعكس في العيححن‪ ،‬الصححدقة فيهححا إخححراج المححال‪ ،‬وهححو ماحبححوب‬
‫للنفس‪ ،‬وهذا يحتاج إلى شيء مان المعاناة‪ ،‬والصبر‪ :‬فهححو ضححياء‬
‫كما قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬؛ لن ماعه المعاناة‪.‬‬
‫وتذكرون في قول اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬فححي وصححف القححرآن بححأنه‬
‫نورأ‪ ،‬وصف الله ‪-‬جل وعل‪ -‬القرآن بأنه نورأ‪    :‬‬
‫‪ (3)     ‬فوصف القرآن أيضا في آيات أخر بأنه‬
‫نورأ‪ ،‬والتورأاة ماثل وصفها الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بأنها ضياء‪.‬‬
‫وتعلمون‪ ،‬الحق كلم المفسححرين علححى ذلححك حيححث قححالوا‪ :‬إن‬
‫التورأاة فيها آصارأ وأغّلل على بني إسإرائيل؛ ولهذا سإححماها اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬ضياء ماناسإبة ماا بين الضياء ووجود التكاليف العظححام‬
‫على بني إسإرائيل‪       :‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة نوح آية ‪.16 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة يونس آية ‪.5 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة المائدة آية ‪.15 :‬‬

‫‪203‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫اليات في‬ ‫)‪(4‬‬


‫‪        ‬‬
‫آخر سإورأة النساء ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫فقال ‪-‬جل وعل‪:-‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ (1)  ‬فجعل التورأاة ضياء؛ لن فيها هذه الشححدة‪ ،‬فالصححبر‬
‫ضححياء؛ لن ماححن تحمححل شححدة الصححبر فححإنه يقححوى ماعححه الضححياء‪،‬‬
‫فالصبر ماشبه بالضياء‪ ،‬وأيضا أثأره أنه يكون ماعك الضياء‪ ،‬وهذه‬
‫الثلثأة أنت ماحتاج إليها يحوم القياماحة أشحد الحاج ة‪ ،‬حيحن تكحون‬
‫الظلمة دون الجسر ويعححبر النححاس علححى الصححراط‪ ،‬حيححث اليححوم‬
‫العصيب والمار المخيف‪.‬‬
‫فمعك الصلة وهي نورأ‪ ،‬وماعك الصدقة وهححي برهححان‪ ،‬وماعححك‬
‫الصححبر وهححو ضححياء‪ ،‬تنقححل بححه إلححى رأؤيححة الماكنححة البعيححدة أو‬
‫المسححافات البعيححدة ‪-‬أعاننححا اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬علححى قربححانه يححوم‬
‫القياماة‪ -‬بهذا يظهر لك عظم قححول المصححطفى ‪ ‬وجواماححع كلمححه‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪.-‬‬
‫والصبر ‪-‬كما هو ماعلوم‪ -‬ثألثأة أنواع‪ :‬صبر على الطاعة‪ ،‬وصححبر‬
‫على المعصححية‪ ،‬وصححبر علححى أقححدارأ اللححه المؤلمححة‪ ،‬والصححبر‪ :‬هححو‬
‫الحبس ‪-‬يعني‪ :‬حبس الجوارأح والقلب علححى الطاعححات‪ ،‬وحبسححها‬
‫عححن المعاصححي‪ ،‬وحبسححها علححى الرضححا بأقححدارأ اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫المؤلمة‪.‬‬
‫والكلم في تفاصيل الصبر تأخذونه مان شرح "باب التوحيححد"‬
‫أو مان ماظانه‪ ،‬قد ذكرناه مارارأا؛ لن فيه تفاصيل يطول المقححام‬
‫ببسطها‪.‬‬
‫قال ‪  :‬والقرآن حجة لك أو حجة عليك ‪ ‬القرآن حجححة لححك‬
‫إذا تلوته ححق تلوتحه ‪-‬بمعنحى‪ :‬تلحوته فحآمانت بمتشحابهه وعملحت‬
‫بمحكمه‪ ،‬وأحللت حلله وحرمات حراماه‪ ،-‬أو عليك‪ :‬حيث يقححودك‬
‫القرآن يوم القياماة‪ ،‬فيزج بمن قرأه فخححالف ماححا دل عليححه ماححن‬
‫حق الله ‪-‬جل وعل‪ -‬إن لم يغفر الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ويصححفح‪ ،‬فيححزج‬
‫بصاحبه إلى النارأ‪.‬‬
‫‪ - 4‬سإورأة النساء آية ‪.160 :‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النبياء آية ‪.48 :‬‬

‫‪204‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫القرآن إماا لك أو عليك‪ ،‬فطوبى لمن كان القحرآن حجحة لحه‪،‬‬


‫وقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬حجة لك ‪ ‬أي‪ :‬يحاج لك‪ ،‬وهذا‬
‫جاء فححي أحححاديث أخححر كقححوله ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬ي ؤتى‬
‫بالقرآن يوم القياماححة تقححدماه سإححورأة البقححرة وآل عمححران كأنهمححا‬
‫غّماماتان ‪-‬أو قال‪ :‬غّيايتان أو فرقان ماححن طيححر صححواف‪ -‬تحاجححان‬
‫عن صاحبها ‪. ‬‬
‫فالقرآن حجة لححك أو عليححك؛ فلهححذا يعظححم القححرآن عنححد ماححن‬
‫عمل به‪ ،‬ويضعف القرآن عند مان تركه تلوة وعمل‪.‬‬
‫‪ ‬كححل النحاس يغححدو ‪ ‬الغحدو‪ :‬هحو السحير فحي أول الصحباح‪،‬‬
‫والرواح‪ :‬الرجوع في آخر النهارأ‪ ،‬قال‪  :‬كل الناس يغححدو ‪-‬يعنححي‪:‬‬
‫صباحا‪ -‬فبائع نفسه فمعتقها ‪ ‬بححائع نفسححه فمعتقهححا يعنححي‪ :‬للححه‬
‫‪-‬جححل وعل‪ -‬بححاع نفسححه فلححم يسححلط عليهححا الهححوى ولححم يعبححدها‬
‫للشيطان بححل جعلهححا علححى ماححا يحححب اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ويرضححى‪،‬‬
‫فأعتقها ذلك اليوم‪.‬‬
‫قال‪  :‬أو ماوبقها ‪ ‬بأنه غّدا فعمل بما لححم يححرض اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬فخسر ذلك‪.‬‬
‫نختم بهذا الحديث‪ ،‬وأسإأل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن يعلمني وإيححاكم‬
‫العلم النافع‪ ،‬وأن يمن علينا بالعمل الصالح‪ ،‬وأن يهيححئ لنححا ماححن‬
‫أمارنا رأشدا‪ ،‬وإن شاء الله تلتزماون ماعنححا لنكمححل هححذه الرأبعيححن‬
‫النووية‪ ،‬غّدا نطيل ‪-‬إن شاء الله‪ -‬قليل‪ ،‬يعني‪ :‬رأبع سإححاعة زيححادة‪،‬‬
‫أو شيء حتى ننهيها ‪-‬إن شاء الله‪.-‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصححلة والسححلم علححى رأسإححول اللححه‪ ،‬وعلححى آلححه‬
‫وصحبه ومان اهتدى بهداه‪ ،‬اللهم ل علم لنا إل ماا علمتنا‪ ،‬اللهم‬
‫علمنا ماا ينفعنا وانفعنا بما علمتنا‪ ،‬وزدنححا علمححا وعمل يححا أرأحححم‬
‫الراحمين‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الرابع والعشرون‬


‫يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رأب العححالمين‪ ،‬والصححلة والسححلم علححى أشححرف النبيححاء‬
‫والمرسإلين نبينا ماحمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫قال المصنف رأحمه الله تعالى‪:‬‬
‫وعن أبي ذرأ الغفارأي ‪ ‬قال عن رأسإول الله ‪ ‬فيما يرويححه عححن‬
‫رأبه ‪  ‬يا عبادي‪ ،‬إني حرمات الظلم على نفسي وجعلته بينكححم‬
‫ماحرماححا فل تظححالموا‪ ،‬يححا عبححادي‪ ،‬كلكححم ضححال إل ماححن هححديته‬
‫فاسإححتهدوني أهححدكم‪ ،‬يححا عبححادي‪ ،‬كلكححم جححائع إل ماححن أطعمتححه‬
‫فاسإتطعموني أطعمكحم‪ ،‬يحا عبحادي‪ ،‬كلكحم عحارأ إل ماحن كسحوته‬
‫فاسإتكسوني أكسكم‪ ،‬يححا عبحادي‪ ،‬إنكححم تخطئححون بالليحل والنهحارأ‬
‫وأنا أغّفر الذنوب جميعا فاسإتغفروني أغّفر لكم‪ ،‬يا عبادي‪ ،‬إنكم‬
‫لن تبلغوا ضري فتضروني‪ ،‬ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني‪.‬‬
‫يا عبادي‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم وإنسححكم وجنكححم كححانوا علححى‬
‫أتقى قلب رأجل واحد مانكم ماححا زاد ذلححك فححي مالكححي شححيئا‪ ،‬يححا‬
‫عبادي‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كححانوا علححى أفجححر‬
‫قلب رأجل واحد مانكم ماا نقص ذلك في مالكي شيئا‪ ،‬يا عبادي‪،‬‬
‫لو أن أولكم وآخركم وإنسححكم وجنكححم قححاماوا فححي صححعيد واحححد‬
‫فسألوني فأعطيت كل واحد ماسألته ماا نقص ذلححك مامححا عنححدي‬
‫شيئا إل كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر‪ ،‬يا عبادي‪ ،‬إنما هححي‬
‫أعمالكم أحصيها لكم ثأم أوفيكم إياها‪ ،‬فمن وجد خيححرا فليحمححد‬
‫الله‪ ،‬ومان وجد غّير ذلك فل يلومان إل نفسه ‪ ‬رأواه ماسلم‬
‫هذا الحديث هو الحديث الرابع والعشرون مان هذه الحححاديث‬
‫الرأبعين النووية‪ ،‬وهو عن أبححي ذرأ الغفححارأي ‪-‬رأضححي اللححه تعححالى‬
‫عنه‪ -‬عن النبي ‪ ‬فيما يرويه عن رأبه ‪ ‬أنه قال‪  :‬يا عبادي‪ ،‬إني‬
‫حرمات الظلم على نفسي وجعلته بينكححم ماحرماححا فل تظححالموا ‪‬‬
‫… الحديث هذا الحححديث حححديث عظيححم فححي بيححان حاجححة العبححد‬

‫‪206‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وافتقارأه إلى رأبه ‪-‬جل وعل‪ -‬وماا يحبه الله ‪-‬جل وعل‪ -‬مان العبحد‬
‫وماا يكرهه‪.‬‬
‫وهذا مان الحاديث القدسإية؛ لنه صدرأ بقوله فيما يرويه عححن‬
‫رأبه ‪ ‬والذي يروي عن الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬هححو المصححطفى ‪ ‬وهححذا‬
‫يعني أن الحديث القدسإي يرويححه النححبي ‪ ‬عححن رأبححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫بهذا اللفظ؛ لنها رأواية‪ ،‬والرواية تكون باللفظ لنححه هححو الصححل؛‬
‫ولهذا فالحديث القدسإي الذي ينمى إلى الححرب ‪-‬جححل وعل‪ -‬ماححن‬
‫الكلم وليس مان القرآن‪ ،‬يعنححي‪ :‬فيمححا يقححول فيححه المصححطفى ‪‬‬
‫قال الله ‪-‬تعالى‪ ،-‬قال رأبكم ‪ ... ‬وأشباه ذلك‪.‬‬
‫وليس مان القرآن فيسمى حديثا قدسإيا‪ ،‬وماعنى كونه قدسإححيا‬
‫يعني‪ :‬أنه جاء مان القدوس ‪-‬جل وعل‪ -‬يعني‪ :‬أنححه حححديث ماطهححر‬
‫عال على كلم الخلق‪ ،‬وهذا في ماعناه العام‪.‬‬
‫أماا الحديث القدسإي ماححن حيححث الصححطلح فقححد اختلححف فيححه‬
‫العلماء‪ ،‬وعبارأاتهم ماتنوعة‪ ،‬والذي يتفق ماع اعتقححاد أهححل السححنة‬
‫والجماعة أن الحديث القدسإي ماححن حيححث اللفححظ هححو ماححن اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ ،-‬وأن النبي ‪ ‬يرويه رأوايحة بلفظحه‪ ،‬وليحس لحه ‪-‬عليحه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬أن يغير ماعناه‪ ،‬وبعض أهل العلم‪ :‬ليححس لححه أن‬
‫يغير لفظه‪.‬‬
‫وبعض أهل العلم قالوا‪ :‬إن ماعناه مان الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ولفظححه‬
‫مان المصطفى ‪ ‬أبيح لححه أن يغيححر فححي لفظححه‪ ،‬وهححذا القححول ل‬
‫دليل عليه؛ لنه جاء ذلك بالنقل‪ :‬قال الله ‪-‬تعحالى‪ ،-‬قححال رأبكححم‪.‬‬
‫والصحابة يقولون‪ :‬فيما ينميه إلى رأبه‪ ،‬فيما يبلغه عن رأبه‪ ،‬فيما‬
‫يرويه عن رأبه‪.‬‬

‫وهذه كلها مان ألفاظ الداء في الرواية‪ ،‬وليححس ثأ َحح ّ‬


‫م ماححا يححدل‬
‫على أن المعنى مان الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وأن النححبي ‪ ‬يتصححرف فححي‬
‫اللفاظ بما يؤدي به المعنححى؛ إذ ل دليححل عليححه كمححا ذكرنححا‪ ،‬ول‬
‫حاجة له ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬في ذلك‪.‬‬
‫وأيضا هذا القححول ‪-‬وهححو‪ :‬أنححه ماححن حيححث اللفححظ ماححن النححبي ‪‬‬
‫والمعنى مان الله جل وعل‪ -‬يتفق ماع قول الشاعرة والماتريدية‬
‫‪207‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وأشباه هؤلء في أن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬كلماه كلم نفسي‪ ،‬بمعنى‪:‬‬


‫أنه يلقي في رأوع جبريل المعاني‪ ،‬أو يلقي في رأوع المصطفى‬
‫‪ ‬المعاني‪ ،‬ويعبر عنها جبريل بما يراه‪ ،‬ويعبر عنها المصححطفى ‪‬‬
‫بما يراه‪.‬‬
‫ولهذا عندهم القرآن عبارأة عن كلم اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬وليححس‬
‫هو بكلم الله ‪-‬جل وعل‪ -‬الذي خححرج مانححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬وبححدأ مانححه‬
‫‪-‬سإبحانه وتعالى‪ -‬بكلماته وحروفه وماعانيه‪ ،‬فإذن الذي يتفق ماححع‬
‫عقيححدة أهححل السححنة والجماعححة فححي كلم اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬أن‬
‫الحديث القدسإي لفظه وماعناه مان الله ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬ولححم يتعبححد‬
‫بتلوته‪،‬‬
‫فيصح أن نعرف الحديث القدسإي بأنه‪ :‬ماا رأواه المصححطفى ‪‬‬
‫عن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بلفظه وماعناه ولم يتعبد بتلوتححه‪ ،‬يعنححي‪ :‬لححم‬
‫يكن بين دفتي المصحف‪.‬‬
‫هححذا هححو الحححديث القدسإححي وغّيححره مامححا يجعححل اللفححظ ماححن‬
‫المصطفى ‪ ‬ل يتفق ماع عقائد أهل السنة والجماعة‪ ،‬قححال هنححا‬
‫أبو ذرأ فيما يرويه عن رأبه ‪ ‬أنه قال ‪-‬يعني الله جل وعل‪ -‬قححال‬
‫الله‪" :‬يا عبادي" فالمتكلم بهذا هو الرب ‪-‬جل جلله‪  -‬يا عبححادي‪،‬‬
‫إنححي حرماححت الظلححم علححى نفسححي وجعلتححه بينكححم ماحرماححا فل‬
‫تظححالموا ‪ ‬وهححذا النححداء بححح ‪ ‬يححا عبححادي ‪ ‬فيححه التححودد للعبححاد‬
‫ولفت النظر إلى هذا المار العظيم‪ ،‬وهذه الوصية العظيمة‪.‬‬
‫قال ‪-‬جل وعل‪  :-‬يا عبادي‪ ،‬إني حرمات الظلم على نفسي ‪‬‬
‫والتحريم عند أهل السنة والجماعة أن يحرم الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ماا‬
‫شاء على نفسه أو على خلقه‪ ،‬فالوجوب والتحريم والحق يصححح‬
‫عندهم أن يجعلها الله ‪-‬جل وعل‪ -‬على نفسه‪ ،‬فيحق حقححا علححى‬
‫نفسه‪ ،‬ويوجب واجبا علححى نفسححه‪ ،‬ويحححرم أشححياء علححى نفسححه‪،‬‬
‫وهذه كلها جاءت بها الدلة‪.‬‬
‫بعض الشياء‪ :‬حححق‬ ‫فالله ‪-‬جل وعل‪ -‬أحق حقا على نفسه في‬
‫بالله شيئا‪ ،‬وحححرم‬ ‫العباد على الله أل يعذب مان ماات ل يشرك‬
‫الحديث‪ ،‬وهححذا هححو‬ ‫أشياء على نفسه‪ ،‬ومانها الظلم كما في هذا‬
‫أماا غّيرهححم فححإنهم‬ ‫الذي يقررأ في ماذهب أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫‪208‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يجعلون الله ‪-‬جل وعل‪ -‬مانزها عن أن يحرم عليه شححيء‪ ،‬أو أن‬
‫يجب عليه شيء‪.‬‬
‫والذي حرم على اللححه هححو اللححه ‪-‬جححل وعل‪ ،-‬وهححو ‪-‬سإححبحانه‪-‬‬
‫يحق مان الحق على نفسححه ماححا شححاء‪ ،‬ويححوجب علححى نفسححه ماححا‬
‫شححاء‪ ،‬ويحححرم علححى نفسححه ماححا شححاء‪ ،‬وهححذا بمححا يوافححق صححفات‬
‫المولى ‪-‬جل وعل‪ -‬ويوافق حكمته‪ ،‬وماا يشاؤه في بريتححه‪ ،‬فححالله‬
‫‪-‬سإبحانه‪ -‬حرم الظلححم علححى نفسححه‪ ،‬وماعنححى كححونه حححرم الظلححم‬
‫على نفسه أي‪ :‬مانع نفسه ‪-‬جل وعل‪ -‬مان أن يظلم أحدا شيئا‪.‬‬
‫وفي القرآن نصوصا كثيرة فيها أن اللححه ‪-‬سإححبحانه وتعححالى‪ -‬ل‬
‫يظلم الناس شيئا‪ ،‬وأنه ‪-‬جححل وعل‪ -‬لححم يححرد الظلححم‪ ،‬ولححم يخححتر‬
‫‪‬‬ ‫الظلححم علححى العبححاد كمححا قححال ‪-‬سإححبحانه‪   :-‬‬
‫‪ (1)  ‬وقال ‪-‬جل وعل‪       :-‬‬
‫)‪ (2‬وقال ‪-‬سإبحانه‪ (3)        :-‬وقال‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬أيضا‪ (4)        :‬واليات في هذا‬
‫‪‬‬ ‫كثيرة ماتنوعة‪        :‬‬
‫‪ (5)   ‬وهكذا‪.‬‬
‫فالله ‪-‬جل وعل‪ -‬وصف نفسه بححأنه ل يظلححم أحححدا شححيئا‪ ،‬وأن‬
‫الظلم ليس إليه‪ ،‬وأنه ل يريد الظلم ‪-‬سإبحانه وتعالى‪ ،-‬والظلححم‬
‫المنفي عن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬هو الظلححم الححذي يفسححر بححأنه‪ :‬وضححع‬
‫الماححورأ فححي غّيححر ماواضححعها؛ لن الظلححم فححي اللغححة بححأن يوضححع‬
‫الشيء في غّير ماوضعه‪.‬‬
‫ولهذا قيل للحليب الذي خلط بلبن حتى يروب‪ ،‬فخلط قبل أن يبلغ ماا يصححلح بححه قيححل لحه‪ :‬ظليحم‪،‬‬
‫يعني‪ :‬أنه ظلم حيث وضع الخلط في غّير ماوضعه وقبل أوانه‪ ،‬ماثل ماا قال الشاعر‪:‬‬

‫وهل يخفى على العكب‬ ‫وقائلـة ظلمـت لكـم‬


‫الظليم‬ ‫سـقائي‬

‫‪ - 1‬سإورأة فصلت آية ‪.46 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة غّافر آية ‪.31 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة آل عمران آية ‪.108 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة طه آية ‪.112 :‬‬

‫‪ - 5‬سإورأة يونس آية ‪.44 :‬‬

‫‪209‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ومانه أيضا سإميت الرأض التي حفرت لسإتخراج مااء وليست بذات مااء قيل لها‪ :‬ماظلوماححة‪ ،‬كقححول‬
‫الشاعر وهو مان شواهد النحو المعروفة‪:‬‬

‫ض في‬
‫حو ِ‬ ‫والُنؤي كال َ‬ ‫لواري ل ًْيا ما‬
‫إلل ا َ‬
‫جلد‬
‫ة ال َ‬‫المظلوم ِ‬ ‫أ ُب َي ُّنها‬

‫المقصود‪ :‬أن هذه المادة في اللغة دائرة على وضححع الشححيء‬


‫في غّير ماوضعه اللئق به‪ ،‬وغّير هذا التفسححير كححثير‪ ،‬فالمعتزلححة‬
‫يفسرون الظلم بأنواع‪ ،‬والشاعرة يفسرون الظلم بأنواع‪ ،‬وعنححد‬
‫أهل السنة هذا هو تعريف الظلم‪ ،‬فقد قال بعضححهم‪ :‬إن الظلححم‬
‫هو التصرف في مالك الغير أو في اختصاصه بغير إذنه‪.‬‬
‫وهذا نححوع ماححن وضحع الشحيء فحي غّيححر ماوضحعه‪ ،‬وليحس هحو‬
‫بتعريف للظلم؛ ولهذا يورأد عليه أشياء فححي بحححث ماعححروف فححي‬
‫القدرأ في مابحث الظلم وفي اللغة‪.‬‬
‫المقصححود ماححن هححذا أن اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬قححال‪  :‬إن ي حرماححت‬
‫الظلم علحى نفسححي ‪ ‬يعنحي‪ :‬حرماححت أن أضحع شححيئا فححي غّيحر‬
‫ماوضعه اللئق به‪  ،‬علححى نفسححي ‪ ‬مانعححت نفسححي ماححن ذلححك‪.‬‬
‫وهذا يدل على أن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬لححو أرأاد إنفححاد وضححع الشححيء‬
‫في غّير ماوضعه لكان له ذلك ‪-‬سإبحانه‪ -‬وكححان قححادرأا عليححه؛ لن‬
‫الله قال‪ (1)       :‬فهو ‪-‬سإبحانه‪ -‬لم يرد ذلك‪.‬‬
‫وهذا الحديث أيضا دال على أنه قادرأ على أن يفعححل‪ ،‬ولكنححه‬
‫حرم ذلك على نفسه‪ ،‬ومانع نفسه ماححن ذلححك‪ ،‬وهححذا ماححن كرماححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬وإحسانه وفضححله وإنعححاماه ومازيححد مانتححه علححى عبححاده‪،‬‬
‫قال ‪-‬جل وعل‪ -‬هنا‪  :‬إن ي حرماحت الظلحم علحى نفسحي وجعلتحه‬
‫بينكم ماحرماا فل تظالموا ‪. ‬‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬حرم الظلم علححى نفسححه‪ ،‬وجعححل الظلححم بيححن‬
‫العباد ماحرماا؛ لنه سإححبحانه يحححب العححدل وقححد أقححام السححماوات‬
‫والرأض على العدل‪ ،‬كما قررأ أهل العلم أن السماوات والرأض‬
‫قامات بالعدل‪ ،‬ول يصلح لها إل العدل‪ ،‬والعدل هو ضححد الظلححم؛‬

‫‪ - 1‬سإورأة آل عمران آية ‪.108 :‬‬

‫‪210‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫لن العدل وضع الشيء في ماوضعه‪ ،‬والظلم وضع الشححيء فححي‬


‫غّير ماوضعه‪.‬‬
‫فالله ‪-‬سإبحانه‪ -‬أجرى مالكوته وأجرى خلقه على العححدل‪ ،‬وهححو‬
‫وضع الشياء في ماواضعها وعلححى الحكمححة وهححي‪ :‬وضححع الشححياء‬
‫فححي ماواضححعها اللئقححة بهححا‪ ،‬الموافقححة للغايححات المحمححودة مانهححا‪.‬‬
‫فتحصل مان هذا أن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬يحب العدل ويححأمار بححه كمححا‬
‫قال ‪-‬سإبحانه‪         :-‬‬
‫‪. (1)  ‬‬
‫والله ‪-‬سإبحانه‪ -‬حرم الظلم كما في هذا الحديث‪ ،‬وفححي آيححات‬
‫كثيرة مار ماعك بعضها‪ ،‬فإذا تبين ذلك فإن اللححه ‪-‬سإححبحانه‪ -‬جعححل‬
‫الظلم بين العباد ماحرماا فقال‪  :‬فل تظالموا ‪ ‬وهنا نظححر أهححل‬
‫العلم في سإبب قوله‪  :‬إني حرمات الظلم على نفسححي ‪ ‬لنححه‬
‫جعل بعدها‪  :‬وجعلت ه بينكححم ماحرماححا فل تظححالموا ‪ ‬وهححذا فيححه‬
‫بحث واسإع في أثأر أسإماء الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وصفاته الححتي اتصححف‬
‫بها ‪-‬سإبحانه‪ -‬على بريته‪.‬‬
‫فالسإححماء والصححفات لهححا آثأححارأ فححي الملكححوت‪ ،‬آثأححارأ فححي‬
‫الشريعة‪،‬آثأارأ في أفعال الله ‪-‬جل وعل‪ -‬في بريته‪ ،‬وهذا نوع مان‬
‫هذه الثأارأ وهو أنه ‪-‬سإبحانه‪ -‬لما أقام مالكه على العدل ‪ ،‬وحرم‬
‫الظلم على نفسه ‪-‬أمار عباده بالعدل ‪ ،‬وحرم الظلم فيما بينهم‬
‫‪ ،‬والعباد ماكلفون فإذا وقع مانهم ظلم كانوا غّير مامثليححن لمححراد‬
‫الله الشرعي ‪ ،‬وإن كانوا غّير خارأجين على ماراد الله الكوني ؛‬
‫فلهذا يكون الله ‪-‬جل وعل‪ -‬قد توعححدهم إذ ظلمححوا‪ ،‬وقححد نهححاهم‬
‫عن الظلم‪.‬‬
‫فإذن الظلم بأنواعه ماحرم‪ ،‬والظلم درأجات يجمعها مارتبتححان‪:‬‬
‫الولححى‪ :‬ظلححم النفححس‪ ،‬وظلححم النفححس قسححمان‪ :‬ظلححم النفححس‬
‫بالشرك‪ ،‬وهو ظلم في حق الله ‪-‬جل وعل‪-‬؛ لنه وضححع العبححادة‬
‫فححي غّيححر ماوضححعها‪ ،‬فححي غّيححر ماححن تصححلح لححه‪ ،‬المشححرك‪ ،‬فكححل‬
‫‪‬‬ ‫ماشرك ظالم لنفسه كمححا قححال ‪-‬جححل وعل‪  : -‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.90 :‬‬

‫‪211‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪         ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫والقسححم الثححاني‪ :‬ماححن ظلححم النفححس أن يظلححم النفححس‪ ،‬بححأن‬


‫يعرضها مان العححذاب والبلء بمححا ل يصححلح لهححا‪ ،‬وهححذا ظلححم ماححن‬
‫العبد لنفسه بأي شيء؟ بارأتكاب الحرام والتفريط فيمححا أوجححب‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وعدم أداء الحقححوق‪ ،‬فهححذا ظلححم للنفححس لمححا ؟‬
‫لن مان حق نفسك عليك أن تسعدها في الححدنيا والخححرة‪ ،‬فححإذا‬
‫عرضححتها للمعصححية فقححد ظلمتهححا؛ لنححك لححم تجعلهححا سإححعيدة بححل‬
‫جعلتها ماعرضة لعذاب الله ‪-‬جل جلله‪.-‬‬
‫والمرتبة الثانية‪ :‬ظلم العباد‪ ،‬وظلم العباد ماعنححاه التفريححط‪ ،‬أو‬
‫تضييع حقوقهم بعححدم أداء الحححق الححذي أوجبححه اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫لهم‪ ،‬فمن فرط في حق والديه فقد ظلمهححم‪ ،‬وماححن فححرط فححي‬
‫حححق أهلححه فقححد ظلمهححم ‪ ،‬يعنححي‪ :‬لححم يكححن ماعهححم علححى الماححر‬
‫الشرعي‪ ،‬بل ارأتكب ماحرماا أو فرط فححي واجححب فقححد ظلمهححم‪،‬‬
‫وماححن اعتححدى علححى أماححوال النححاس أو علححى أعراضححهم أو علححى‬
‫أنفسهم أو على ماا يختصون به فقد ظلمهم‪ ،‬وهذا كله ماحرم‪.‬‬
‫فإذن الظلم بأنواعه حرام‪ ،‬ول يجوز شيء مان الظلم ‪-‬يعني‪:‬‬
‫أن يظلم أحد ُ أحدا شيئا‪ -‬وإنما يأخذ الحق الذي لححه‪ ،‬قححال ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬بعد ذلك‪  :‬فل تظالموا ‪- ‬يعني‪ :‬ل يظلم بعضكم بعضا‪-‬‬
‫‪ ‬يا عبادي‪ ،‬كلكم ضال إل ماحن هحديته فاسإحتهدوني أهحدكم ‪‬‬
‫كلكم ضححال يعنححي‪ :‬أن الصححل فححي النسحان أنحه علححى الضححللة‪،‬‬
‫الصل في النسان مان حيث الجنس أنه ظلححوم وجهححول‪ ،‬وهمححا‬
‫‪‬‬ ‫سإححببا الضححلل‪ ،‬قححال ‪-‬جححل وعل‪    :-‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪       ‬‬

‫فالماانة هي أماانة التكليف‪ ،‬ولما كان النسححان ظلوماححا جهححول‬


‫كان الكثر فيه أن يكون ضال؛ ولهذا أكثر الناس ضححالون‪ ،‬وهححذا‬
‫جاء في القرآن في نصوصا كثيرة‪ ،‬قححوله هنححا‪  :‬كلك م ضححال إل‬
‫مان هديته ‪ ‬يدل على أن الماححر الغححالب فححي عبححاد اللححه أنهححم‬
‫‪ - 1‬سإورأة النعام آية ‪.82 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الحزاب آية ‪.72 :‬‬

‫‪212‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ضالون إل مان مان الله ‪-‬جل وعل‪ -‬عليه بالهداية‪ ،‬وهححذه الهدايححة‬
‫تطلب مان الله ‪-‬جل وعل‪ -‬قحال‪  :‬فاسإ تهدوني أهحدكم ‪ ‬يعنحي‪:‬‬
‫اطلبوا ماني الهداية أهدكم إليها‪.‬‬
‫وهذا يدل على رأغّبة ابن آدم في الهداية إن طلبها ماححن اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬فل بد مان ابن آدم أن يسححعى فححي أسإححباب الهدايححة‪،‬‬
‫فإذا رأغّحب فيهحا وفقحه اللحه ‪-‬جحل وعل‪ ،-‬وهحذا مارتبحط بمسحألة‬
‫عظيمة مان ماسائل القدرأ‪ ،‬وهي أن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬يعامال عباده‬
‫بالعدل‪ ،‬وخص طائفة مانهم بالتوفيق‪ ،‬وهو أنححه يعينهححم علححى ماححا‬
‫فيه رأضاه ‪-‬سإبحانه وتعالى‪  :-‬كلكم ضال ‪   ‬‬
‫‪ (1)  ‬يعني‪ :‬كان قبل البعثة ضال فهححداه إلححى الطريححق‪ :‬‬
‫كلكم ضال إل مان هححديته فاسإححتهدوني أهححدكم ‪ ‬يعنححي‪ :‬اطلبححوا‬
‫ماني الهداية أهدكم إليها‪.‬‬
‫الهداية يطلبها كححل أحححد‪ :‬الكاماححل ‪-‬يعنححي‪ :‬السححابق بححالخيرات‪،-‬‬
‫والمقتصد‪ ،‬والظالم لنفسه‪ ،‬كل ينبغي عليه بححل يجححب عليححه أن‬
‫يطلب الهداية مان الله ‪-‬جل وعل‪-‬؛ لهذا فرض اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫في الصلة سإورأة الفاتحة‪ ،‬ومان أعظم ماا فيها قوله يعنححي‪ :‬ماححن‬
‫الدعاء قوله ‪-‬جل وعل‪ (2)      :-‬فطلب‬
‫الهداية للصراط المستقيم‪.‬‬
‫هذا مان أعظم المسائل وأجلها‪ ،‬يعني‪ :‬أعظم ماححا تطلبححه ماححن‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن تطلب مانه الهداية إلححى الصححراط المسححتقيم‪،‬‬
‫والهدايححة مارتبتححان‪ :‬هدايححة إلححى الطريححق‪ ،‬بمعنححى الرأشححاد إليححه‬
‫والتوفيق له‪ ،‬والهداية بمعنححى الرأشححاد مانهححا شححيء قححد جححاء بححه‬
‫الرسإول عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫فهداية الدللة والرأشاد تمححت وقححامات‪ ،‬ومانهححا الهدايححة‪ :‬هدايححة‬
‫الدللة والرأشاد التي تسأل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن يعطيك إياها‪ ،‬أن‬
‫تكون مارشدا إليها؛ لن اللتفات إلى الرأشاد نوع ماححن الهتححداء‪،‬‬
‫فهداية النبي ‪ ‬والهداية التي في القرآن ماوجودة بيححن ظهرانححي‬
‫المسلمين لم يفقد مانها شيء ولله الحمد‪ ،‬لكن مان يوفق إلححى‬
‫أن يرشد إلى هذه الهداية؟‬
‫‪ - 1‬سإورأة الضحى آية ‪.7 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الفاتحة آية ‪.6 :‬‬

‫‪213‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فإذن المرتبة الولححى‪ :‬هدايححة الدللححة والرأشححاد‪ ،‬وليسححت هححي‬


‫الهداية الححتي بمعنححى أن تهححدي غّيححرك‪ ،‬هححذه الهدايححة الححتي هححي‬
‫طلب الهداية مارتبتان‪ :‬هداية الدللة والرأشححاد‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن تطلححب‬
‫مان الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن يدلك ويرشدك على أنحواع الهدايحة الحتي‬
‫جاء بها المصطفى ‪. ‬‬
‫ومانه أيضححا التوفيححق لهححا‪ ،‬فححإذا دللححت عليهححا فتسححأل اللححه أن‬
‫يوفقك لتباعها‪ ،‬هذه واحححدة‪ ،‬ويححدخل فححي ذلححك قصححد السإححلم‪،‬‬
‫ويدخل في ذلك الهداية إلى شيء ماعين مانه‪.‬‬
‫والنوع الثاني أو المرتبة الثانية‪ :‬الهداية إلححى تفاصححيل اليمححان‬
‫والسإححلم‪ ،‬وماححا يحححب اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ويرضححى؛ لن تفاصححيل‬
‫اليمان كثيرة‪ ،‬ولن تفاصححيل السإححلم كححثيرة؛ ولن تفاصححيل ماححا‬
‫يحب الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ويرضاه‪ ،‬وتفاصيل ماححا يسححخطه اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل ويأباه كثيرة ماتنوعة‪.‬‬
‫فكونك تسأل الرب ‪-‬جل وعل‪ -‬أن يهديك هذا خروج مان نححوع‬
‫مان أنواع الضللة؛ لن عدم المعرفة عدم العلم بما يحححب اللححه‬
‫وماا به الهداية هذا نوع ماححن البعححد عححن الصححراط‪ ،‬المقصححود أن‬
‫هذا النوع ماححن الهدايححة تطلححب اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬أن يهححديك إلححى‬
‫تفاصيل الصراط ‪ ،‬تفاصيل اليمححان‪ ،‬تفاصححيل السإححلم‪ ،‬تفاصححيل‬
‫العتقاد؛ حتى تعلمه فتعمل به فتكححون مارتبتححك عنححد اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬أعلى‪ ،‬قححال ‪-‬جححل وعل‪  :-‬ي ا عبححادي‪ ،‬كلكححم ضححال إل ماححن‬
‫هديته فاسإتهدوني أهدكم ‪ ‬وهذا ماححن أعظححم المطححالب‪ ،‬نسحأل‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن يهدينا سإواء السبيل‪.‬‬
‫قال‪  :‬يا عبادي‪ ،‬كلكححم جححائع إل ماححن أطعمتححه فاسإححتطعموني‬
‫أطعمكححم ‪ ‬الححرزاق هححو اللححه ‪-‬سإححبحانه وتعححالى‪ -‬والححرزق مانححه‪،‬‬
‫والرأزاق بيده يصرفها كيف يشاء‪ ،‬فهو الذي إذا فتححح رأحمححة فل‬
‫‪‬‬ ‫مامسك لها كما قال في فاتحة سإورأة فححاطر‪   :‬‬
‫‪            ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة فاطر آية ‪.2 :‬‬

‫‪214‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪‬‬ ‫ومان ذلك الرأزاق التي تسد بها الجوارأح‪ ،‬فقال ‪-‬جل وعل‪:-‬‬
‫كلكم جائع إل مان أطعمتححه فاسإححتطعموني أطعمكححم ‪ ‬وإطعححام‬
‫الجائع ورأزق الفقير وأشباه ذلك هذه مان سإأل الله ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫إياهححا فححإن اللححه ‪-‬سإححبحانه‪ -‬يعطيححه‪ ،‬سإححواء أكححان كححافرا أم كححان‬
‫ماسلما‪ ،‬أكان عاصيا أم كان صالحا؛ لن ذلك مان أنواع الربوبية‪،‬‬
‫مان آثأارأ الربوبية‪.‬‬
‫ورأبوبية الله ‪-‬جل وعل‪ -‬غّير خاصححة بالمسححلم دون الكححافر‪ ،‬أو‬
‫بالصالح دون الطالح‪ ،‬فالجميع سإواء فححي تعرضححهم لثأححارأ عطححاء‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بإفراد رأبوبيته‪ ،‬فيرزق ‪-‬سإححبحانه وتعححالى‪ -‬الجميححع‬
‫ويهب الولد للجميع‪ ،‬ويجيب دعوة المضطر مان الجميع‪ ،‬وهكححذا‬
‫في إفراد الربوية‪ ،‬فقوله ‪-‬سإبحانه‪  :-‬ي ا عبححادي‪ ،‬كلكححم جححائع إل‬
‫مان أطعمته فاسإتطعموني أطعمكم ‪ ‬مان اسإححتطعم اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬وسإححأله الطعحام ‪ ،‬سإحأله الحرزق فححإن اللحه ‪-‬جححل وعل‪ -‬قححد‬
‫يجيب دعاءه‪.‬‬
‫قححال‪  :‬ي ا عبححادي‪ ،‬كلكححم عححارأ إل ماححن كسححوته فاسإتكسححوني‬
‫أكسكم ‪ ‬وهذا على نحو ماا سإبق‪  ،‬يا عبادي‪ ،‬إنكححم تخطئححون‬
‫بالليل والنهارأ وأنا أغّفر الذنوب جميعا فاسإتغفروني أغّفر لكم ‪‬‬
‫إنكم تخطئون بالليل والنهارأ‪ ،‬الخطأ هنا بمعنى الثأم؛ لن الخطأ‬
‫الذي هو بمعنى الخطأ‪ ،‬أو عححدم التعمححد هححذا ماعفححو عنححه‪ ،‬وهنححا‬
‫قال‪  :‬إنكم تخطئون بالليل والنهارأ وأنا أغّفر الذنوب جميعا ‪. ‬‬
‫فالخطيئححة المقصححود بححح "تخطئححون" أي‪ :‬تعملححون بالخطايححا‪،‬‬
‫تعملححون الخطيئححة‪ ،‬وهححذا ماعنححاه العمححل بححالثأم‪ ،‬وهححذا يغفححر‬
‫بالسإتغفارأ والتوبة والنابة‪ ،‬فليس المراد طبعا الخطححأ؛ لن اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬عفا عن هذه الماة الخطححأ والنسححيان وماححا اسإححتكرهوا‬
‫‪‬‬ ‫عليه‪ ،‬كما قال ‪-‬سإححبحانه‪ -‬فححي آخححر سإححورأة البقححرة‪  :‬‬
‫‪. (1)       ‬‬
‫قال‪ :‬فاسإتغفروني وأنا أغّفر الذنوب جميعا‪ .‬هذا ماقيد بما هححو‬
‫غّير الشرك‪ ،‬أماا الشرك فإن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ل يغفححره إل لمححن‬

‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.286 :‬‬

‫‪215‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫تاب وأسإلم‪ ،‬أماا غّير الشرك ماما هو دونه فإن الله ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫يغفره ‪-‬سإبحانه وتعالى‪ -‬إذا شاء أو لمن تاب‪.‬‬
‫قال ‪-‬سإبحانه‪ -‬في آخر سإورأة الزمار‪     :‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪ (1)    ‬أجمع المفسرون مان الصحابة ومان بعدهم‬
‫أنها في التائبين‪ ،‬فح‪ (2)         :‬لمن‬
‫تاب ‪ ،‬وقوله في سإورأة النساء‪        :‬‬
‫‪" (3)        ‬ل يغفر أن يشرك به‬
‫الشححرك" غّيححر داخححل فححي المغفححرة‪     ،‬‬
‫‪ (4)   ‬يعني‪ :‬في حق غّير التائب‪.‬‬
‫فحصل لنا أن مان تاب تاب الله عليه‪ ،‬فيغفححر اللححه ذنبححه أيححا‬
‫كان الشرك أو ماا دونه‪ ،‬ومان لم يتححب فححإن كححان ماشححركا فححإن‬
‫الله ل يغفر الشرك‪ ،‬وإن كان ذنبه ماا دون الشرك فححإنه تحححت‬
‫المشيئة‪ ،‬إن شاء غّفر له وإن شاء عذبه بذنبه‪ ،‬فإذن قوله هنا‪:‬‬
‫‪ ‬وأنا أغّفر الذنوب جميعا ‪ ‬ماقيد بما ذكرت لك‪.‬‬
‫‪ ‬فاسإتغفروني أغّفر لكم ‪ ‬يعني‪ :‬اطلبوا ماني المغفرة فأنححا‬
‫أغّفر ذلك لكم‪ ،‬الحقيقة الحديث طويل‪ ،‬وكل كلمححة تحتححاج إلححى‬
‫بيان وإلى تفصيل‪ ،‬فلعلي أجمل فيما يأتي‪  :‬يا عبادي‪ ،‬إنكم لن‬
‫تبلغوا ضحري فتضحروني‪ ،‬ولحن تبلغحوا نفعحي فتنفعحوني ‪ ‬وهحذا‬
‫لجل كمححال الغنححى‪ ،‬كمححال غّنححى المححولى ‪-‬جححل وعل‪ -‬فححإن اللححه‬
‫‪-‬سإبحانه‪ -‬ذو الكمال في أسإمائه وصفاته‪ ،‬وماححن أسإححمائه الغنححي‪،‬‬
‫ومان صفاته الغنى‪ ،‬فهو ‪-‬سإبحانه‪ -‬غّنححي عححن العبححاد ولححن يبلغححوا‬
‫نفعه ولن يبلغوا ضره ‪-‬سإبحانه وتعالى‪ -‬بل هو الغني عن خلقححه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫وكما قال هنا‪  :‬إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعححوني‪ ،‬ولححن تبلغححوا‬
‫ضري فتضروني ‪ ‬بل هو ‪-‬سإبحانه‪ -‬أجل وأعظححم ماححن أن يححؤثأر‬

‫‪ - 1‬سإورأة الزمار آية ‪.53 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الزمار آية ‪.53 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة النساء آية ‪.48 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة النساء آية ‪.48 :‬‬

‫‪216‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫العباد فيه نفعا أو ضرا‪ ،‬بل هم المحتاجون إليه المفتقرون إليححه‬


‫مان جميع الجهات‪.‬‬
‫قال‪  :‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم‪ ،‬وإنسكم وجنكم‪ ،‬كححانوا‬
‫على أتقى قلب رأجل واحد مانكم ‪-‬ماا زاد ذلك في مالكححي شححيئا‬
‫‪ ‬يعني‪ :‬أن تقوى العباد ليس المنتفع مانها الرب ‪-‬جل وعل‪ -‬بل‬
‫هم المنتفعون‪ ،‬فهم المحتاجون أن يتقوا الله ‪-‬سإححبحانه وتعححالى‪-‬‬
‫وهم المحتاجون أن يطيعوا رأبهم ‪-‬سإبحانه‪ -‬وهححم المحتححاجون أن‬
‫يتقربوا إليه‪ ،‬وأن يتذللوا بين يديه‪ ،‬وأن ُيروا الله ‪-‬جل وعل‪ -‬مان‬
‫أنفسهم خيرا‪.‬‬
‫وأماا الله ‪-‬سإححبحانه وتعححالى‪ -‬فهححو الغنححي عححن عبححاده الححذي ل‬
‫يحتاج إليهم؛ إن الله ‪-‬سإبحانه وتعالى‪ -‬هححو الكاماححل فححي صححفاته‪،‬‬
‫الكامال في أسإمائه الذي ل يحتاج إلححى أحححد ماححن خلقححه‪ ،‬تعححالى‬
‫الله وتقدس عما يقول الظالمون علوا كبيرا‪.‬‬
‫قال‪  :‬يا عبادي‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم‪ ،‬كححانوا‬
‫على أفجر قلب رأجل واحححد مانكححم ‪-‬ماححا نقحص ذلححك ماححن مالكححي‬
‫شححيئا ‪ ‬الححذي يعصححي اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ل يضححر إل نفسححه‪ ،‬ول‬
‫يحتاج الله ‪-‬جل وعل‪ -‬إلى طاعته‪ ،‬ول يضره أن يعصيه ‪-‬سإبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬وهذا يعظم به العبد الرغّب فححي اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬؛ لنححه‬
‫‪-‬سإبحانه‪ -‬هو ذو الفضل والحسان‪ ،‬وذو المنة والكححرام‪ ،‬والعبححاد‬
‫هم المحتاجون إليه‪.‬‬
‫قال‪  :‬يا عبادي‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم‪ ،‬قاماوا‬
‫في صعيد واحد فسألوني‪ ،‬فأعطيت كل واحد مانهم ماسألته ‪-‬ماححا‬
‫نقص ذلك ماما عندي إل كما ينقص المخيححط إذا أدخححل البحححر ‪‬‬
‫المخيط المراد بححه‪ :‬البححرة السححميكة إذا أدخلححت فححي البحححر ثأححم‬
‫أخرجت فإنها ل تأخذ مان مااء البحر شيئا‪.‬‬
‫فلو أن أول العباد وآخرهم وإنسهم وجنهم سإححألوا اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬في صعيد واحد سإأل كل واحد ماسألته‪ ،‬فأعطى اللححه كححل‬
‫واحد ماا سإأل ‪-‬ماا نقص ذلك مان مالك الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬شححيئا إل‬
‫كما ينقص المخيط‪ ،‬كما تنقص البرة مان الحديد إذا أدخلت في‬
‫البحر‪ ،‬ثأم خرجت ‪-‬فإنها ل تنقص مان البحر شيئا يححذكر‪ ،‬وهكححذا؛‬
‫‪217‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫لن مالك الله ‪-‬جل وعل‪ -‬واسإححع‪ ،‬ولن مالكححوته عظيححم‪ ،‬وحاجححات‬
‫العباد ليست بشيء في جنب مالكوت الله ‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫فإنهم يعطون مامحا فحي الرأض ‪-‬يعنححي‪ :‬بعحض ماحا فحي الرأض‬
‫يكفي العباد أجمعين‪ -‬ومالك اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬واسإححع‪ ،‬وماححا الرأض‬
‫والسماوات السبع في كرسإي الرحمححن إل كححدرأاهم ألقيححت فححي‬
‫ترس ‪-‬يعني‪ :‬أنها صغيرة جدا‪ ،-‬فحاجححات العبححاد ماتعلقححة بححالرأض‬
‫وماا حولها ‪-‬يعني‪ :‬والسماء الححتي تقححرب مانهححم‪ -‬وهححذا إذا أعطححي‬
‫كل أحد ماا سإأل فإنه يعطى ماما في الرأض‪ ،‬وهذا شيء يسححير‬
‫جدا بالنسبة لما في الرأض‪ ،‬فكيححف بالنسححبة إلححى مالكححوت اللححه‬
‫جل وعل‪.‬‬
‫قححال ‪-‬جححل وعل‪ -‬بعححد ذلححك‪  :‬ي ا عبححادي‪ ،‬إنمححا هححي أعمححالكم‬
‫أحصيها لكم ثأم أوفيكم إياهححا ‪ ‬إنمححا هححي أعمححالكم ‪-‬يعنححي‪ :‬أن‬
‫المقصود مان إيجادكم البتلء والتكليف‪ -‬فإنمححا الماححر رأاجححع إلححى‬
‫أعمالكم‪ ،‬لم يخلق اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬الخلححق لنهححم سإححينفعوه‪ ،‬أو‬
‫لنححه يخشححى مانهححم أن يضححروه‪ ،‬أو لنححه ‪-‬سإححبحانه‪ -‬ماحتححاج أن‬
‫يعطيهم‪ ،‬بل إنما هو البتلء‪ ،‬ابتلؤهم بهححذا التكليححف بهححذا الماححر‬
‫العظيم‪ ،‬وهو عبادته سإبحانه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫كمححا قححال‪      :‬‬
‫‪         ‬‬
‫)‪ (1‬وكما قال ‪-‬جل وعل‪       :-‬‬
‫‪             ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪    ‬‬

‫فغنى الله ‪-‬سإبحانه وتعححالى‪ -‬عححن عبححاده أعظححم الغنححى‪ ،‬وهححم‬


‫ماحتححاجون إليححه‪ ،‬والبتلء حصححل بخلقهححم‪ ،‬فححابتلى اللححه العبححاد‬
‫بحياتهم‪ ،‬ونتيجححة هححذا البتلء أن أعمححالهم سإتحصححى‪  :‬إنم ا هححي‬
‫أعمالكم أحصيها لكم ‪ ‬وقححوله ‪-‬جححل وعل‪" :-‬أحصححيها" الحصححاء‬
‫بمعنى العد التفصيلي والحفظ؛ لن الحصححاء لححه ماراتححب‪ :‬فمنهححا‬
‫العد التفصيلي‪ ،‬ومانهححا الحفححظ وعححدم التضححييع‪ ،‬كمححا قححال ‪-‬جححل‬

‫‪ - 1‬سإورأة الحزاب آية ‪.72 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الذارأيات آية ‪.58 -56 :‬‬

‫‪218‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫وعل‪:-‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪  ‬‬

‫وكما قال ‪-‬جل وعل‪ (2)       :-‬والحصاء‬
‫يشمل ماعرفة التفاصيل وكتابة ذلك‪ ،‬ويشمل أيضا الحفظ وعدم‬
‫التضحييع‪  :‬فإنم ا هححي أعمحالكم أحصحيها ‪ ‬يعنحي تكتحب عليكحم‬
‫بتفاصيلها‪ ،‬وأعرفكم إياها بتفاصيلها‪ ،‬وأحفظها لكم فل تضيع‬
‫‪ ‬ثأم أوفيكححم إياهححا ‪ ‬الحسححنات بالحسححنات‪ ،‬والسححيئات بمححا‬
‫يحكم الله ‪-‬جل وعل‪ -‬فيه‪ ،‬فمن فعل السيئات فهحو علحى خطحر‬
‫عظيححم‪ ،‬وماححن فعححل الحسححنات فهححو علححى رأجححاء أن يكححون ماححن‬
‫الناجين‪.‬‬
‫قال‪  :‬فمن وجد خيرا فليحمد الله وماححن وجححد غّيححر ذلححك فل‬
‫‪‬‬ ‫يلومان إل نفسه ‪ ‬لن العبد هو الحسيب علححى نفسححه‪ :‬‬
‫‪ (3)     ‬كل نفس تعلم ماا تعمححل وصححوابها‬
‫وخطأها‪ ،‬ولو ألقت المعاذير‪      :‬‬
‫‪ (4)     ‬قال‪  :‬فمن وجد خيرا فليحمد الله‬
‫‪ ‬يعني‪ :‬فليثن على الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بذلك؛ لنه هو الذي أعانه‪.‬‬
‫ومان وجد غّير ذلك فل يلومان إل نفسه؛ لن العبد هححو الححذي‬
‫جنى على نفسححه‪ ،‬واللححه ‪-‬سإححبحانه‪ -‬أقححام الحجححة وبيححن المحجححة‪،‬‬
‫وسإلك بنا السبيل القوم‪ ،‬فالمار واضح والعباد هم الذين يجنون‬
‫على نفسهم‪.‬‬
‫‪ ‬اللهم‪ ،‬اهححدنا فيمححن هححديت‪ ،‬وعافنححا فيمححن عححافيت‪ ،‬وتولنححا‬
‫فيمن توليت ‪. ‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة ماريم آية ‪.95 -94 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الجن آية ‪.28 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة المدثأر آية ‪.38 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة القياماة آية ‪.15 -14 :‬‬

‫‪219‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪220‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الخامس والعشرون‬


‫ذهب أهل الدثور بالجور‬
‫عن أبي ذرأ ‪-‬رأضي الله عنه أيضا‪  :-‬أن ناسإححا ماححن أصحححاب رأسإححول‬
‫الله ‪ ‬قالوا‪ :‬يا رأسإول الله‪ ،‬ذهب أهححل الححدثأورأ بححالجورأ‪ :‬يصححلون‬
‫كما نصلي‪ ،‬ويصوماون كما نصوم‪ ،‬ويتصححدقون بفضححول أماححوالهم‪.‬‬
‫قال رأسإول الله ‪ ‬أوليس قد جعححل اللحه لكححم ماححا تصححدقون‪ :‬إن‬
‫بكل تسبيحة صدقة‪ ،‬وكل تكبيرة صححدقة‪ ،‬وكححل تحميححدة صححدقة‪،‬‬
‫وكححل تهليلححة صححدقة‪ ،‬وأماححر بمعححروف صححدقة‪ ،‬ونهححي عححن مانكححر‬
‫صدقة‪ ،‬وفي بضع أحدكم صدقة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يححا رأسإححول اللححه‪ ،‬أيححأتي‬
‫أحدنا شهوته‪ ،‬ويكون له فيها أجر؟! قال‪ :‬أرأأيتم لححو وضححعها فححي‬
‫حرام‪ ،‬أكان عليه وزرأ؟ كذلك لو وضعها في الحلل كان له أجر‬
‫‪ ‬رأواه ماسلم ‪.‬‬
‫وهذا الحديث عن أبي ذرأ أيضا‪  :‬أن ناسإا مان أصحاب رأسإول‬
‫الله ‪ ‬قالوا للنبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ :-‬يا رأسإول اللححه‪ ،‬ذهححب‬
‫أهل الدثأورأ بالجورأ ‪ ‬ذهب أهل الححدثأورأ يعنححي‪ :‬أن أهححل الغنححى‬
‫ذهبوا بالجر عند الله ‪-‬جل وعل‪-‬؛ لن لهم أماوال يتصدقون بهححا‪،‬‬
‫والصدقة أمارها عظيم‪.‬‬
‫‪ ‬قححالوا ذهححب أهححل الححدثأورأ بححالجورأ‪ :‬يصححلون كمححا نصححلي‪،‬‬
‫ويصوماون كما نصوم‪ ،‬ويتصدقون بفضول أماححوالهم ‪ ‬يعنححي‪ :‬أن‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬مايزهححم بححأنهم يتصححدقون‪ ،‬فيصححلون كمححا نصححلي‪،‬‬
‫ويصوماون كما نصوم‪ ،‬لكححن تميححزوا عنححا بالصححدقة‪ ،‬فححذهب أهححل‬
‫الدثأورأ بأجورأ الصدقة‪.‬‬
‫فححالنبي ‪ ‬بيححن لهححم أن ماعنححى الصححدقة واسإححع‪ ،‬فقححال ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪  :-‬أوليس قد جعل الله لكم ماححا تصححدقون بححه ‪‬‬
‫وهذا فيه الحث على سإماع ماا جعححل اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬للفقححراء‪،‬‬
‫بححل ولعاماححة المسححلمين الغّنيححاء والفقححراء جميعححا ماححن أنححواع‬
‫الصدقات التي ل تدخل في الصدقات المالية‪.‬‬
‫وهذا مابني على ماعنى الصححدقة فححي الشححريعة؛ فححإن الصححدقة‬
‫في الشريعة ليست هي الصدقة بالمال‪ ،‬والصححدقة بالمححال نححوع‬
‫‪221‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ماححن أنححواع الصححدقة‪ ،‬فالصححدقة إيصححال الخيححر‪ ،‬تعريححف الصححدقة‪:‬‬


‫إيصال الخير والنفع للغيححر؛ ولهححذا يوصححف اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬بححأنه‬
‫ماتصدق على عباده‪.‬‬
‫كما ثأبت في صحيح ماسلم بن الحجاج ‪-‬رأحمه الله‪ -‬أن النححبي‬
‫‪ ‬لما سإألوه عن ماسألة القصر فحي السحفر قحال‪  :‬ص دقة ماححن‬
‫الله ‪  ‬قالوا‪ :‬يا رأسإول الله‪ ،‬هانحن قد أمانا‪ ،‬والله ‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫يقول في سإورأة النساء‪       :‬‬
‫‪ (1)         ‬وقد أمانا‪.‬‬
‫فقال ‪-‬عليه الصلة والسحلم‪ :-‬صحدقة ماحن اللحه عليكحم‪ ،‬فحاقبلوا‬
‫صدقته ‪. ‬‬
‫فالله ‪-‬جل وعل‪ -‬يتصدق على عباده‪ ،‬بمعنى‪ :‬يوصل الخير وماا‬
‫ينفعهححم لهححم‪ ،‬فالصححدقة‪ :‬إيصححال الخيححر للغيححر‪ ،‬وقححد يكححون هححذا‬
‫اليصال ماتعديا‪ ،‬وقد يكون لزماا‪ ،‬يعني‪ :‬قححد يكححون العبححد يوصححل‬
‫الخيححر لنفسححه فيكححون ماتصححدقا‪ ،‬ويوصححل الخيححر لغيححره فيكححون‬
‫ماتصدقا على غّيره‪.‬‬
‫فالصدقة ماعناها فححي الشححريعة عححام‪ ،‬ومانهححا الصححدقة بالمححال؛‬
‫فإنها إيصال الخير والنفع للغير‪ ،‬قال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ :-‬‬
‫أوليس قد جعل الله لكححم ماححا تصححدقون ‪ ‬لن ماعنححى الصححدقة‬
‫عام‪  :‬إن بكل تسبيحة صدقة‪ ،‬وكل تكبيرة صدقة‪ ،‬وكل تحميدة‬
‫صدقة‪ ،‬وكل تهليلة صدقة ‪. ‬‬
‫ماثل ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بهذه الرأبع لمارين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنها مان أنواع الححذكر اللسححاني‪ ،‬فمثححل بهححا علححى أنححواع‬
‫الذكر الخرى؛ لن هذه أفضل الذكر‪ ،‬كما ثأبت في الصحيح أنححه‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬قال‪  :‬أحب الكلم إلى الله أرأبع‪ :‬سإححبحان‬
‫الله‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬ول إله إل الله‪ ،‬والله أكبر ‪. ‬‬
‫فهذه الرأبع هي أحب الكلم إلى الله‪ ،‬فهي أعظم ماا تتقرب‬
‫به إلى الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬ماححن الححذكر‪ ،‬وتتصححدق بححه علححى نفسحك‪،‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.101 :‬‬

‫‪222‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فقححال‪  :‬إن بكححل تسححبيحة صححدقة ‪ ‬لن فيهححا الجححر العظيححم‪،‬‬


‫فتصل بالتسبيحة نفسك بأنواع الخير والجر‪.‬‬
‫كححذلك التحميححد والتهليححل والتكححبير‪ ،‬ثأححم انتقححل ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬إلى نححوع ماححن الصححدقة ماتعححد‪ ،‬فقححال‪  :‬وأما ر بمعححروف‬
‫صدقة‪ ،‬ونهي عن مانكر صدقة ‪ ‬هححذا تمثيححل لنححواع الصححدقات‬
‫التي فيها التعدي النفع‪ ،‬فذكر المار بحالمعروف‪ ،‬والمعحروف‪ :‬هحو‬
‫ماا علم حسنه‪ ،‬والمار به في الشريعة‪ ،‬فما عرف في الشحريعة‬
‫حسنه‪ ،‬فهو ماعروف‪.‬‬
‫والمنكر ‪-‬ضده‪ :-‬ماا عرف في الشريعة سإوءه ونكححارأته‪ ،‬فمححن‬
‫أمار بما عرف في الشريعة حسنه فقحد أماحر بحالمعروف‪ ،‬وأعله‬
‫التوحيد‪ ،‬ومان نهححى عححن المنكححر ‪-‬وهححو ماححا أنكححر فححي الشححريعة‪-‬‬
‫وأعله الشرك بالله ‪-‬جل وعل‪ -‬فقد نهى عن المنكر‪ ،‬فإذن كححل‬
‫أمار بمعروف صدقة لك‪ ،‬وكل نهي عن المنكر صدقة‪.‬‬
‫وتعليم العلم يدخل في ذلك‪ ،‬فهو مان أنواع الصححدقات‪ ،‬فمححن‬
‫لزم العلم تعلما وتعليما فإنه يتصدق في كل لحظححة تمححر عليححه‬
‫على نفسه‪ ،‬وكذلك على غّيره؛ ولهذا أهل العلححم أعظححم النححاس‬
‫أجورأا إن صلحت نياتهم‪.‬‬
‫قال‪  :‬وفي بضع أحدكم صدقة ‪ ‬البضع المراد به في اللغححة‬
‫بعض الشيء؛ لن البضع والبعض فيهححا قلححب "ب ض ع"‪ ،‬و"ب‬
‫ع ض" يعني‪ :‬البعض‪ ،‬والبضع ماقلوبة هذه عححن الخححرى‪ ،‬فمعنححى‬
‫البضع البعض‪ ،‬ولكنهم كنوا به عن بعض ابححن آدم‪ ،‬وهححو فرجححه‪،‬‬
‫وهذا مان شريف الكلم؛ حيث يححذكر ماححا يسححتحيا عححن ذكححره ول‬
‫يحسن ذكره في كلمات تدل عليححه‪ ،‬ول يكححون لهححا وقححع ينححافي‬
‫الدب في السمع‪.‬‬
‫قحال ‪-‬عليحه الصحلة والسححلم‪  :-‬وف ي بضححع أححدكم صحدقة ‪‬‬
‫يعنححي‪ :‬فيمححا يححأتيه المححرء بفرجححه ‪-‬وهححو ذكححر الرجححل‪ -‬صححدقة‪،‬‬
‫فاسإتغربوا؛ قالوا‪  :‬يا رأسإول الله أيأتي أحدنا شهوته‪ ،‬ويكون لححه‬
‫فيها أجر؟! ‪. ‬‬

‫‪223‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫المراد بالشححهوة هنححا المححاء‪ ،‬يعنححي‪ :‬ماححاء الرجححل الححذي ينزلححه‪،‬‬


‫يعني‪ :‬المراد تمام الشححهوة‪  ،‬ويكححون لححه فيهححا أجححر؟! ‪ ‬يعن ي‪:‬‬
‫المرء يأتي شهوته‪ ،‬وينزل مااءه‪ ،‬ويكون لححه بححذلك أجححر؟! فقححال‬
‫‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬أرأأيت م لححو وضححعها ‪-‬يعنححي‪ :‬لححو وضححع‬
‫الشهوة‪ -‬في حرام ‪. ‬‬
‫والذي يوضع هو مااء؛ لهذا فسححرت الشححهوة هنححا بأنهححا المححاء‪،‬‬
‫قال‪  :‬أرأأيت م لححو وضححعها فححي حححرام ‪ ‬وهححذا يسححمى اسإححتدلل‬
‫العكس‪ ،‬أو قياس العكس‪.‬‬
‫‪ ‬لو وضعها في حرام أكان عليه وزرأ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬فكذلك إذا‬
‫وضعها فححي حلل كححان لححه أجححر ‪ ‬وهححذا ‪-‬يعنححي‪ :‬أن ماححا يفعلححه‬
‫المرء مان هذه الفعال التي هي ماححن قبيححل الشححهوات‪ -‬إذا أتححى‬
‫بها الحلل‪ ،‬وابتلى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬العبد بهححذه الشححهوة‪ ،‬فجعلهححا‬
‫في الحلل‪ ،‬وباعد نفسه عن وضعها في الحرام ‪-‬أنه يؤجر على‬
‫ذلك‪ ،‬وهذا هو الظاهر‪.‬‬
‫واختلف أهل العلم في هذه المسألة‪ :‬هل يؤجر بإتيانه الحلل‬
‫بل نيححة‪ ،‬أم يححؤجر بإتيححانه الحلل بنيححة؟ فقححالت طائفححة‪ :‬هححذه‬
‫الشهوات التي ابتلى الله بها العبححد إذا جعلهححا فححي الحلل فححإنه‬
‫يححؤجر عليهححا بل نيححة‪ ،‬علححى ظححاهر هححذا الحححديث‪ ،‬وتنفعححه النيححة‬
‫العاماة‪ ،‬وهي نية الطاعة نية السإلم‪ ،‬فإنه بالسإححلم يحصححل لححه‬
‫نية الطاعة لله ‪-‬جل وعل‪ -‬فيما يأتي‪ ،‬وفيمححا يححذرأ النيححة العاماححة‪،‬‬
‫وهذا قول طائفة مان أهل العلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هذا الحديث ماحمول على غّيره ماححن الحححاديث‪،‬‬
‫وهو أنه يؤجر إذا صحرف نفسحه عححن الحححرام إلحى الحلل بنيححة‪،‬‬
‫فإذا صرف نفسه عححن ماواقعححة الزنححا إلححى ماواقعححة الحلل بنيححة‬
‫‪-‬فإنه يؤجر علححى ذلحك؛ لن الحححاديث الخححر‪ ،‬والقواعححد العاماححة‪،‬‬
‫وكذلك بعض اليات ‪-‬تدل على أنه إنما يؤجر على ماا يبتغى بححه‬
‫وجه الله ‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫قد ثأبت في الصحيح أن النبي ‪ ‬قال‪  :‬إن ك لححن تنفححق نفقححة‬
‫تبتغى بها وجه الله إل أجرت عليهححا ‪ ‬وأيضححا فححي أيححة النسححاء‬
‫قال ‪-‬جل وعل‪           :-‬‬
‫‪224‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪          ‬‬
‫‪ (1)        ‬فدل في الية‬
‫على إشتراط ابتغاء مارضاة الله‪ ،‬ودل فححي الحححديث أيضححا علححى‬
‫أن النفقة إذا ابتغي بها وجه الله ‪-‬فإنه يؤجر عليها في العبد‪.‬‬
‫فحمل أكثر أهل العلم هذا الظاهر ماححن الحححديث علححى غّيححره‬
‫مان النصححوصا مامححا يكححون العبححد بححه مانصححرفا عححن الحححرام إلححى‬
‫الحلل بنية‪ ،‬فإذا قام في قلبه أنه لحن يححأتي الححرام‪ ،‬بححأن اللحه‬
‫أباح لححه الحلل ليقتصححر علححى الحلل دون الحححرام ‪-‬فححإنه يححؤجر‬
‫على ماا يأتي مان الحلل‪ ،‬ويؤجر علححي شححهوته فححي هححذه النيححة‪،‬‬
‫وإنما العمال بالنيات‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.114 :‬‬

‫‪225‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪226‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث السادس والعشرون‬


‫كل سلمى من الناس عليه صدقة‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قحال‪  :‬ك ل سإحلماى ماحن النحاس‬
‫عليه صححدقة‪ ،‬وكححل يححوم تطلححع فيححه الشححمس تعححدل بيححن اثأنيححن‬
‫صدقة‪ ،‬وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها‪ ،‬أو ترفع له ماتاعه‬
‫عليها صدقة‪ ،‬والكلمة الطيبة صدقة‪ ،‬وبكل خطححوة تمشححيها إلححى‬
‫الصححلة صححدقة‪ ،‬وتميححط الذى عححن الطريححق صححدقة ‪ ‬رأواه‬
‫البخارأي وماسلم‪.‬‬
‫هذا الحديث مان حيث تفاصيل الصدقات يكفححي عنححه ماححا ماححر‬
‫ماعنا فححي الحححديث السححابق؛ لن هححذه الححتي ذكححرت بعضححها ماححن‬
‫الصدقات الذاتية‪ ،‬وبعضها ماححن الصححدقات المتعديححة‪ ،‬لكححن الححذي‬
‫يظن مانه قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬كل سإلماى مان النححاس‬
‫عليه صدقة ‪ ‬سإلماى هذه المقصود مانها العظام أو المفاصل‪.‬‬
‫مان أهل العلم مان قححال‪ :‬العظحام‪ ،‬ومانهحم ماحن قحال‪ :‬مافاصحل‬
‫العظام‪ ،‬يعني‪ :‬الصلت بين العظم والعظم‪ ،‬أو العظححام أنفسححها‪،‬‬
‫فعظام النسان كثيرة‪ ،‬والله ‪-‬جل وعل‪ -‬مان عليه بهذه‪ ،‬فخلقححك‬
‫في أحسن تقويم‪ ،‬وجعلك في تصرفك في عظاماك‪ ،‬وماححا ابتلك‬
‫به في شكر هذه النعمة‪ ،‬جعلك في ماحط البتلء‪ ،‬فهححل تشححكر‬
‫أم ل تشكر؟‪.‬‬
‫فقال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬كل ‪-‬هنا‪ -‬سإلماى مان النححاس ‪‬‬
‫يعني‪ :‬كل عظم مان أعظم ابن آدم‪ ،‬أو كل عظم أو كل مافصل‬
‫مان مافاصل جسد ابن آدم عليه صدقة‪ ،‬فقوله‪" :‬عليه" نعلم ماححن‬
‫الصول أنهححا ماححن ألفححاظ الوجححوب‪ ،‬فيححدل علححى أن شححكر هححذه‬
‫النعمححة واجححب‪ :‬فشححكر نعمححة البححدن‪ ،‬نعمححة العظححام‪ ،‬نعمححة‬
‫المفاصل‪ ...‬واجب‪.‬‬
‫دل علححى الوجححوب قححوله‪" :‬عليححه صححدقة"‪  :‬ك ل سإححلماى ماححن‬
‫الناس عليه صدقة ‪ ‬يعنححي‪ :‬يجححب عليححه علححى كححل مافصححل أن‬
‫يتصدق بصدقة تقابل تلك النعمة‪ ،‬وتكون شكرا لهححا‪ ،‬هححذه الححتي‬
‫ذكرت أماثال لبعض الصدقات‪ ،‬والصدقة الواجبة التي بها يخلححص‬
‫‪227‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫المرء مان الثأم في عدم شكر نعمححة البححدن ‪-‬أل يسححتعمل هححذه‬
‫المفاصل في ماعصية الله جل وعل‪.‬‬
‫فإذا كان يوم مان اليام سإلم في ذلك اليوم ماححن المحرماححات‬
‫التي فعلها بهححذه المفاصححل‪ ،‬أو سإححلم ماححن تححرك أداء الواجبححات‪،‬‬
‫واسإتعمل المفاصل في أداء الواجبات‪ ،‬فقد أدى الشكر الواجب‬
‫في ذلك اليوم‪ ،‬فكل ماقتصد ‪-‬يعني‪ :‬فاعل للواجب تارأك المحرم‬
‫في يوم قححد أدى شححكر ذلححك اليححوم الححواجب الححذى يجححب عليححه‬
‫لنعمة البدن‪.‬‬
‫ثأححم هنححاك شححكر ماسححتحب‪ ،‬وهححو أن يححأتي بححأنواع الصححدقات‬
‫المستحبة‪ :‬القولية‪ ،‬والعملية‪ ،‬والمالية‪ ،‬وأن يأتي بنوافل العبادات‬
‫المتنوعة‪ ،‬فإذن الصححدقات نوعححان‪ :‬واجبححة‪ ،‬وماسححتحبة‪ ،‬فالواجبححة‪:‬‬
‫هي أن تستعمل اللت في الطاعة‪ ،‬وأن تبتعد بها عن الحححرام‪،‬‬
‫فإذا فعلت ذلك فقد أديت شكر تلك اللت‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪  :-‬ك ل يححوم تطلححع فيححه الشححمس‬
‫تعححدل بيححن اثأنيححن صححدقة ‪  ‬كححل يححوم تطلححع فيححه الشححمس ‪‬‬
‫كلمة "يوم" قد تأتي في النصحوصا وفححي اللغحة ويححراد بهححا أكححثر‬
‫مان يوم‪ ،‬فيكون عدة أيام إذا كان يجمعها شيء واحد‪ ،‬كما أنححه‬
‫يقححال‪ :‬سإححاعة‪ ،‬وقححد تكححون سإححاعات كححثيرة‪ ،‬وهححذا لححه فوائححده‬
‫المعروفة في اللغة‪ ،‬والبلغّة‪.‬‬
‫المقصود‪ :‬قال هنححا‪  :‬ك ل يححوم تطلححع فيححه الشححمس ‪ ‬فلمححا‬
‫قيده بح ‪ ‬تطلع فيه الشمس ‪ ‬علمنا أن الوجوب يوماا‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫كل يوم مان طلوع الشمس إلى طلوعها المرة الخححرى‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫كما نقول في كل أرأبع وعشرين سإاعة يجب عليححك تجححاه هححذه‬
‫النعمة‪ ،‬وهححي نعمححة البححدن‪ :‬المفاصححل‪ ،‬العظححام ‪-‬أن تشححكر اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬عليها ‪.‬‬
‫فمثل ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بقوله‪  :‬تعدل بين اثأنين صدقة ‪‬‬
‫"تعدل" يدخل في العدل الحكم بينهما بالعدل‪ ،‬يححدخل فححي ذلححك‬
‫الصلح فيما يصلح به كما قال‪       :‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وأشباه ذلك مان العمال الخيرة‪.‬‬


‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.114 :‬‬

‫‪228‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قال‪  :‬وتعين الرجححل فححي دابتححه فتحملححه عليهححا‪ ،‬أو ترفححع لححه‬
‫عليها ماتاعه صدقة ‪ ‬العانة في كل ماححا يحتححاج إليححه هححذا ماححن‬
‫أنواع الصدقات‪ :‬تعينه في سإيارأته‪ ،‬تعينه في إصلح شححيء فيهححا‪،‬‬
‫تعينه في الرأكاب‪ ،‬تساعد كبير السن أو المحتححاج‪ ...‬إلححى آخححره‪،‬‬
‫كل هذا مان أنواع الصدقات التي يحصححل بهححا شححيء ماححن شححكر‬
‫نعمة المفاصل والعظام‪.‬‬
‫قححال‪  :‬والكلم ة الطيبححة صححدقة‪ ،‬وبكححل خطححوة تمشححيها إلححى‬
‫الصلة صدقة ‪ ‬وهذا واضح ‪ ‬وتميط الذى عن الطريق صدقة‬
‫‪ ‬هذه أماثلة ماتنوعحة للصحدقات اللزماححة والمتعديحة‪ ،‬وجححاء فححي‬
‫رأواية‪ ،‬ويجزئ مان ذلك في الصحيح‪  :‬ويجزئ مان ذلححك رأكعتححان‬
‫يركعهما المرء مان الضحى ‪‬‬
‫فححإذا اسإححتعملت هححذه المفاصححل فححي رأكعححتين تركعهمححا ماححن‬
‫الضحى ‪-‬فقد أديت الشكر المستحب لهذه المفاصل‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث السابع والعشرون‬


‫البر حسن الخلق‬
‫وعن النواس بن سإمعان ‪ ‬قال‪ :‬قال رأسإول اللححه ‪  ‬الححبر حسححن‬
‫الخلححق‪ ،‬والثأححم ماححا حححاك فححي نفسححك‪ ،‬وكرهححت أن يطلححع عليححه‬
‫الناس ‪ ‬رأواه ماسلم‬
‫وعن‪ ،‬وابصة بححن ماعبححد ‪ ‬قححال‪  :‬أتي ت النححبي ‪ ‬فقححال‪ :‬جئححت‬
‫تسأل عن البر‪ .‬قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬اسإتفت قلبك‪ ،‬البر‪ :‬ماححا اطمئنححت‬
‫إليه النفس‪ ،‬واطمئن إليه القلب‪ ،‬والثأم ماححا حححاك فححي النفححس‪،‬‬
‫وتردد في الصدرأ‪ ،‬وإن أفتاك الناس وأفتححوك ‪ ‬حححديث حسححن‪،‬‬
‫رأويناه في ماسندي المااماين‪ :‬أحمد بن حنبححل‪ ،‬والححدارأماي بإسإححناد‬
‫حسن‪.‬‬
‫هححذا الحححديث ماححن الحححاديث الجواماححع‪ ،‬وهححو حححديث النححواس‬
‫‪-‬رأضي الله تعالى عنه‪ ،-‬عن النبي ‪ ‬قال‪  :‬البر حسن الخلححق ‪‬‬
‫"البر حسن الخلق" البر أنواع‪ :‬فيكون البر فيما بين العبححد وبيححن‬
‫رأبه ‪-‬جل وعل‪ ،-‬ويكون البر فيما بين العبد وبين الناس‪.‬‬
‫فالبر الذي بين العبد وبين رأبه ‪-‬جل وعل‪ -‬هو باليمان‪ ،‬وإتيان‬
‫أوامار الله ‪-‬جل وعل‪ -‬المختلفة‪ ،‬واماتثححال الماححر‪ ،‬واجتنححاب النهححي‬
‫كما قال ‪-‬جل وعل‪ -‬في سإورأة البقرة‪     :‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪        ‬‬
‫الية‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫فذكر البر الذي يجب على العبد لله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬فهححذا النححوع‬
‫مان البر يأتي في القرآن كثيرا‪ ،‬والله ‪-‬جل وعل‪ -‬هو الذي جعححل‬
‫هذا برا‪ ،‬فالعبد مان أهل البر إذا قام بمححا جحاء فححي هحذه اليحة‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬هذا مان البرارأ إذا اماتثل ماا في هذه اليححة‪ ،‬وابتعححد عمححا‬
‫يكرهه الله جل وعل‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.177 :‬‬

‫‪230‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والقسم الثاني مان البر‪ :‬البر ماع الخلق‪ ،‬وهححذا جمححاعه حسححن‬
‫الخلق؛ ولهذا قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬البر حسن الخلححق ‪‬‬
‫فجمع البر في عبارأة وجيححزة وهححي‪  :‬حس ن الخلححق ‪ ‬وحسححن‬
‫الخلق ‪-‬كما ذكرنا لك‪ -‬يجمعه أنه بذل النححدى‪ ،‬وكححف الذى‪ ،‬وأن‬
‫تحسححن إلححى الخلححق‪ ،‬وأن تجححزي بالسححيئة الحسححنة‪ ،‬وأن تعاماححل‬
‫النححاس بمححا فيححه عفححو عححن المسححيء‪ ،‬وكظححم للغيححظ‪ ،‬وإحسححان‬
‫للخلق‪.‬‬
‫فمن كان باذل للندى‪ ،‬غّير مانتصر لنفسه‪ ،‬كافا الذى‪ ،‬ماقححدماا‬
‫المعروف للخلق ‪-‬فهو مان ذوي حسن الخلق فيمحا بيحن النحاس‪،‬‬
‫فإن جمع إليك ماا يستحب مان ذلك‪ ،‬وماا يجب مان حقوق العباد‬
‫‪-‬كان حسن الخلق عنده شرعيا‪.‬‬
‫فإذا حسن الخلق الذي يكون فيه اماتثال لما جاء في الشرع‬
‫مان صفات عباد الله المؤدين لحقوقه وحقوق عباده‪ ،‬هذا يكححون‬
‫ماعه البر‪ ،‬فالبر إذن درأجات؛ لن اليمان بالله والملئكة واليححوم‬
‫الخر… إلى آخره‪ ،‬وإقام الصلة وإيتاء الزكاة… إلى آخره‪ ،‬هححذا‬
‫درأجات‪ ،‬وماعامالة الخلق درأجات‪.‬‬
‫فتحصححل ماححن هححذا أن قححوله ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬ال بر‬
‫حسن الخلق ‪ ‬أن درأجة الححبر تختلححف بححإختلف حسححن الخلححق‪،‬‬
‫والبر إذا أرأدته فهو حسن الخلق؛ لنه بذلك تؤدي حقوق الخلق‬
‫الواجبة والمستحبة‪.‬‬
‫قال‪  :‬والثأ م ماححا حححاك فححي نفسححك وكرهححت أن يطلححع عليححه‬
‫الناس ‪ ‬عرف الثأم ‪-‬وهو ماا يقابل البر‪ -‬بشيئين‪ :‬شيء ظححاهر‪،‬‬
‫وشيء باطن‪ .‬وهذا مان الميزان الذي يمكن تطبيقه‪ ،‬وهو ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬مامن‪ ،...‬بل هو ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬الححرؤوف‬
‫الرحيم بهذه الماة‪ ،‬فقال لك‪  :‬الثأم ماا حاك في نفسك ‪ ‬هذا‬
‫أماححر بححاطن‪  ،‬وكرهححت أن يطلححع عليححه النححاس ‪ ‬وهححو الماححر‬
‫الظاهر‪.‬‬
‫فإذا أتيت إلى شيء ماشتبه عليك فحاك في نفسك‪ ،‬هل هذا‬
‫مان الثأم أم مان الححبر‪ ،‬وتححرددت فيححه ولححم تعلححم أنححه ماححن الححبر‪،‬‬

‫‪231‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وانضم إلى ذلك الظاهر أنحك لحو فعلتحه كرهحت أن يطلحع عليحه‬
‫الناس ‪-‬فهذا هو الثأم‪.‬‬
‫فالثأم يجمعه شيئان‪ :‬شححيء بححاطن ماتعلحق بحالقلب‪ ،‬وهحو أنحه‬
‫يحوك في النفس‪ ،‬وتتردد في فعله النفس‪ ،‬وفي الظحاهر يكحره‬
‫أنه لو عمله أن يطلع عليححه النححاس‪ ،‬فهححذا يححدل علححى أنححه إثأححم‪،‬‬
‫وهححذا وصححف عظيححم مانححه ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬للححبر والثأححم‪،‬‬
‫فححالبر‪ :‬حسححن الخلححق ببححذل النححدى‪ ،‬وكححف الذى‪ ،‬والعفححو عححن‬
‫المسيء‪ ،‬والصفح عن المخطئ في حقه‪.‬‬
‫والثأم‪ :‬ماا حححاك فححي نفسححك وجهححه‪ ،‬وكرهححت أن يطلححع عليححه‬
‫الناس فيما لو فعلته ظاهرا‪.‬‬
‫في الرواية الخرى‪ :‬وعن وابصة بن ماعبد قال‪  :‬أتيت رأسإححول‬
‫الله ‪ ‬فقال‪ :‬جئت تسححأل عححن الححبر‪ .‬فقلححت‪ :‬نعححم‪ .‬قححال‪ :‬اسإححتفت‬
‫قلبححك‪ ،‬الححبر‪ :‬ماححا اطمئنححت إليححه النفححس‪ ،‬واطمئححن إليححه القلححب‪،‬‬
‫والثأم‪ :‬ماا حاك في النفس‪ ،‬وتردد في الصدرأ ‪. ‬‬
‫ذكرت لكم أن البر نوعان‪ :‬بر ماتعلق بحق اللححه‪ ،‬وبححر ماتعلححق‬
‫بحق العباد‪ .‬فالحديث الول ذكر فيه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬الححبر‬
‫المتعلق بحق الناس فقال‪  :‬البر حسن الخلق ‪ ‬وهنا ذكر البر‬
‫بعاماة ‪ ‬فقال‪ :‬اسإتفت قلبك ‪ ‬يعني‪ :‬عن البر‪ ،‬هل هححذا الشححئ‬
‫مان البر أم ليس مان البر‪ ،‬هل هححو ماححن الطاعححة أم ليححس ماححن‬
‫الطاعة ؟‬
‫‪ ‬اسإتفت قلبك‪ ،‬البر‪ :‬ماا اطمئنت إليه النفس‪ ،‬واطمئححن إليححه‬
‫القلب ‪ ‬يعني‪ :‬أنه لم يصر فححي القلححب تححردد ماححن هححذا الشححئ‬
‫المعين‪ ،‬ول يكره أن يطلع عليه الناس‪ ،‬وهذا يعححم جميححع أنححواع‬
‫الطاعات‪ ،‬وقابله بالثأم حيث قال‪  :‬والثأم ماا حاك في النفححس‪،‬‬
‫وتردد في الصدرأ‪ ،‬وإن أفتاك الناس وأفتوك ‪. ‬‬
‫فعرف الثأم أو جعل ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬علماة للثأم بححأنه‪:‬‬
‫‪ ‬ماا حاك في النفس‪ ،‬وتردد في الصدرأ ‪ ‬على نحو ماا ذكرنححا‪،‬‬
‫‪ ‬وإن أفتححاك النححاس وأفتححوك ‪ ‬ولهححذا يححدخل فححي ذلححك جميححع‬

‫‪232‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫النواع المشتبهة التي تدخل في المتشابهات التي ذكرناهححا فححي‬


‫حديث النعمان بن بشير‪.‬‬
‫فالثأم تفرغ مانه إذا كان الشئ يحوك في الصدرأ‪ ،‬ول تطمئن‬
‫إليه النفس؛ لن المسححلم بإيمححانه ودينححه وتقححواه تطمئححن نفسححه‬
‫إلى ماا فيه الطاعة‪ ،‬وأماا ماا فيه شبهة أو ماححا فيححه حححرام فيجححد‬
‫أنححه خححائف مانححه‪ ،‬أو أنححه ماححتردد فيححه‪ ،‬ول يسححتأنس بشححئ فيححه‬
‫تعريض لمحرم أو اشتباه؛ لنه قد يقع في الحرام‪.‬‬
‫فقال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬والثأ م ماححا حححاك فححي النفحس‪،‬‬
‫وتردد في الصدرأ‪ ،‬وإن أفتاك الناس وأفتوك ‪ ‬هنححا قححال‪  :‬وإن‬
‫ت تستفتيه في شححأنك‪،‬‬ ‫أفتاك الناس ‪ ‬يعني‪ :‬قد تذهب إلى ماف ٍ‬
‫ويفتيك بأن هذا ل بأس به‪ ،‬ولكن يبقى في صدرأك التردد‪.‬‬
‫والمفتي إنما يتكلم بحسب الظاهر ‪-‬يفحتي بحسحب ماحا يظهحر‬
‫له مان السؤال‪ -‬وقد يكون عنححد السححائل أشححياء فححي نفسححه لححم‬
‫يبدها‪ ،‬أو لم يستطع أن يبديها بوضوح فيبقححى هححو الحكححم علححى‬
‫نفسححه‪ ،‬والتكليححف ماعلححق بححه‪ ،‬وإمااطححة الثححواب والعقححاب ماعلقححة‬
‫بعمله هو‪ ،‬فإذا بقي في نفسححه تححردد ولححم تطمئححن نفسححه إلححى‬
‫إباحة ماححن أبححاح لححه الفعححل ‪-‬فعليححه أن يأخححذ بمححا بمححا جححاء فححي‬
‫نفسه‪ ،‬مان جهة أنححه يمتنححع عححن المشححتبهات أو عمححا تححردد فححي‬
‫الصدرأ‪.‬‬
‫وهنا يبحث العلماء بحثححا ماعلوماححا يطححول‪ ،‬وهححو بحححث أصححولي‬
‫وكذلك فقهي‪ ،‬فححي أن ماححا يححتردد فححي الصححدرأ ويحيححك فيححه‪ ،‬ول‬
‫يطمئن إليه القلب‪ ،‬هححل هححو إثأححم بححإطلق‪ ،‬أم أن بعححض أنححواعه‬
‫إثأم؟ والتحقيق في هذا أن المسألة فيها تفصيل‪.‬‬
‫فإذا كان يعني الحالة الولى ‪ :‬أن يكححون الححتردد الححذي‬
‫في النفس واقعا عن جهل مان صاحبه في الحكححم الشححرعي أو‬
‫بالسنة‪ ،‬فهذا لو تردد في شيء جاء النص بحسنه أو بإبحاحته أو‬
‫بالمار به ‪-‬فإنه يكون عاصيا لو لم يفعل‪ ،‬أو يكون مالوماا لو لححم‬
‫يمتثل للسنة‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وقد جاء في الحديث الصحيح "صحححيح ماسححلم"‪  :‬أن النححبي ‪‬‬


‫أمار ناسإا بالفطارأ في السححفر‪ ،‬فبقححي مانهححم بقيححة لححم يفطححروا‪،‬‬
‫فقيل للنبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ :-‬إن أناسإا لم يفطروا‪ .‬فقححال‪:‬‬
‫أولئك العصاة أولئك العصاة ‪. ‬‬
‫كححان ماححن السححنة بوضححوح‪ ،‬فححإن تركححه‬ ‫فهذا يدل أن المار إذا‬
‫مان الشيطان‪ ،‬فل اعتبححارأ لهححذا النححوع‪:‬‬ ‫لتردد في الصدرأ أن هذا‬
‫لن أقصر‪ ،‬في نفسححي شححيء ماححن أن‬ ‫يكون في سإفر يقول‪ :‬أنا‬
‫بما دلت عليه السنة بوضوح‪ ،‬فإن هذا‬ ‫أقصر ماع توافر الشروط‬
‫تردد ل وجه له‪.‬‬
‫كححذلك شححيء دل القححرآن الكريححم‪ ،‬أو دلححت السححنة علححى‬
‫ماشروعيته‪ ،‬ثأم هو يبقى في نفسه تردد‪ ،‬فهححذا لححم يستسححلم أو‬
‫لم يعلم حكم الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬فل قيمة لهذا النوع‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يقححع الححتردد ماححن جهححة اختلف المفححتين‪،‬‬
‫اختلف المجتهدين في ماسألة‪ ،‬فححاختلف المجتهححدون فححي تنزيححل‬
‫واقعة هذا المسححتفتي علححى النصححوصا‪ :‬فمنهححم ماححن أفتححاه بكححذا‪،‬‬
‫ومانهم مان أفتاه بكذا‪ ،‬فهذا ليس الثأم فححي حقححه أن يبقححى ماححع‬
‫تردد نفسه‪ ،‬ليس الثأم في حقه أن يزيل تردد نفسه‪.‬‬
‫وليس البر في حقه أن يعمل بما اطمئنت إليه نفسه خارأجححا‬
‫عن القولين‪ ،‬بل البر في حقه ماا اطمئنت إليه نفسه ماححن أحححد‬
‫القولين؛ لنه ل يجوز للعاماي أن يأخححذ بقححول نفسححه ماححع وجححود‬
‫عالم يستفتيه‪ ،‬بل إذا اسإتفتى عالمححا‪ ،‬وأوضححح لححه أماححره وأفتححاه‬
‫‪-‬فإن عليه أن يفعل ماا أفتاه العححالم بححه‪ ،‬فححإذا اختلححف المفتححون‬
‫فإنه يأخذ بفتوى العلم الفقه بحاله‪.‬‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬وهي التي ينزل عليها هذا الحديث‪ ،‬وهي أنه‬
‫يفتي الناس‪ ،‬وهي أنه يستفتي المفتي فيفححتى بشححئ ل تطمئححن‬
‫نفسه لصوابه فيما يتعلق بحالته‪ ،‬فيبقى ماترددا يخشححى أنححه لححم‬
‫يفهححم‪ ،‬يقححول‪ :‬هححذا أفتححاني لكححن المسححألة فيهححا أشححياء أخححر لححم‬
‫يستبنها‪ ،‬يقول‪ :‬المفتي لم يستفصل مانححي‪ ،‬يقححول‪ :‬حالححة المفححتي‬
‫أنه ماا اسإتوعب المسألة مان جهاتها‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فإفتاء المفتي للمكلف ل يرفع التكليف عنححه فححي ماثححل هححذه‬


‫الحالححة‪ ،‬وإنمححا ينجححو بححالفتوى إذا أوضححح ماححراده بححدون التبححاس‬
‫فوفي‪ ،‬فإنه يكون قد أدى الذي عليه بسؤال أهل العلححم اماتثححال‬
‫‪‬‬ ‫لقححول اللحه ‪-‬جححل وعل‪      :-‬‬
‫‪. (1)  ‬‬
‫وأماا إذا لم يفصل أو لم يستفصل المسححئول المفححتي‪ ،‬أو لحم‬
‫يحسححن فهححم المسححألة فاسإححتجعل وأفححتى‪ ،‬وبقححي فححي قلححب‬
‫المسححتفتي شححيء ماححن الريححب ماححن جهححة أن المفححتي لححم يفهححم‬
‫كلماه‪ ،‬أو لم يفهم حاله أو أن هناك مان حححاله ماححا ل يصححلح أن‬
‫يبين‪ ،‬أو ماا لم يستطع بيانه ‪-‬فإن هذا يدخل فححي هححذا الحححديث‬
‫بوضوح‪  :‬فالثأم ماا حاك فححي النفححس‪ ،‬وتححردد فححي الصححدرأ‪ ،‬وإن‬
‫أفتاك الناس وأفتوك ‪. ‬‬
‫فإذن الحوال كما قال أهل العلم ثألثأة‪ :‬اثأنححان مانهححا ل تححدخل‬
‫في ذلك‪ ،‬وهي الولى نعيدها باختصارأ‪ ،‬الولى‪ :‬ماا ورأد النص به؛‬
‫فإنه ل يجوز أن يبقى فححي النفححس تححردد ماححع ورأود النححص‪ :‬ماححن‬
‫الكتاب‪ ،‬أو السنة‪ ،‬أو إجماع أهل العلم في المسححألة‪ ،‬أو إجمححاع‬
‫أهل السنة في المسألة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يختلف المفتححون‪ ،‬وقححد أوضححح لهححم حححاله‪ ،‬فححإن‬
‫عليه أن يأخذ بفتوى العلم الفقه مانهم‪ ،‬أو مان تطمئححن نفسححه‬
‫لفتواه‪.‬‬
‫والحالــة الثالثــة‪ :‬أنححه لححم يحسححن إبححداء المسححألة‪ ،‬أو لححم‬
‫يستفصل المفتي‪ ،‬فرجع المار فيما بينه وبين المفتي إلى عححدم‬
‫وضوح في ماوافقة حكم اللححه فححي المسححألة‪ ،‬فححإنه يححترك الماححر‬
‫ويخلو مان الخلف اسإتبراء لدينه‪ ،‬ورأغّبة في دوام تعرضه للثأم‪.‬‬
‫ونكتفححي بهححذا القححدرأ‪ ،‬وصححلى اللححه وسإححلم وبححارأك علححى نبينححا‬
‫ماحمد‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.43 :‬‬

‫‪235‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحمد لله حق الحمد وأوفاه‪ ،‬وأشهد أن ل إلححه إل اللححه‪ ،‬وأن‬


‫ماحمدا عبده‪ ،‬ورأسإوله وماصححطفاه‪ ،‬صححلى اللححه عليححه وعلححى آلححه‬
‫وصحبه‪ ،‬وسإلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين‪:‬‬
‫ماعنا الحديث الثامان والعشرون حديث أبي نجيح العرباض بن‬
‫سإارأية ‪. ‬‬

‫‪236‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثامن والعشرون‬


‫أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رأب العححالمين‪ ،‬والصححلة والسححلم علححى أشححرف النبيححاء‬
‫والمرسإلين‪ ،‬نبينا ماحمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫قال المصنف ‪-‬رأحمه الله تعححالى‪ :-‬وعححن أبححي نجيححح العربححاض بححن‬
‫سإححارأية ‪ ‬قححال‪  :‬وعظن ا رأسإححول اللححه ‪ ‬ماوعظححة‪ ،‬وجلححت مانهححا‬
‫القلححوب‪ ،‬وزرأفححت مانهححا العيححون‪ ،‬فقلنححا‪ :‬يححا رأسإححول اللححه‪ ،‬كأنهححا‬
‫ماوعظححة ماححودع‪ ،‬فأوصححنا‪ .‬قححال‪ :‬أوصححيكم بتقححوى اللححه‪ ،‬والسححمع‬
‫والطاعة‪ ،‬وإن تأمار عليكم عبد‪ ،‬فإنه ماححن يعححش مانكححم فسححيرى‬
‫اختلفا كثيرا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسإنة الخلفاء الراشححدين المهححديين‬
‫عضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم وماححدثأات الماحورأ‪ ،‬فحإن كحل بدعحة‬
‫ضللة ‪ ‬رأواه أبو داود والترماذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫هذا الحديث أصل في بابه في بيان السإتمساك بتقححوى اللححه‬
‫‪-‬جححل وعل‪ -‬والوصححية بححذلك‪ ،‬والسإتمسححاك بالسححمع والطاعححة‪،‬‬
‫وبالسنة وبطريقة الخلفححاء الراشححدين المهححديين ماححن بعححد النححبي‬
‫عليه الصلة والسلم‬
‫قال العرباض بن سإححارأية ‪  ‬وعظنححا رأسإححول اللححه ‪ ‬ماوعظححة‬
‫وجلت مانها القلوب‪ ،‬وزرأفت مانها العيون ‪" ‬وعظنا رأسإول الله‬
‫‪ ‬ماوعظة" الوعظ هو التذكير بالمار والنهي‪ ،‬وبحقوق الله ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬في المار والنهي ‪-‬يعني‪ :‬فيمحا أماحر ب ه ونهحى عنحه‪ ،-‬وهحذا‬
‫يكون ماعه غّالبا التخويف‪.‬‬
‫فالموعظة قد تكون بححترغّيب‪ ،‬وقححد تكححون بححترهيب‪ ،‬والغححالب‬
‫عليها أن يكون ماعها التخويف مان عدم اماتثال المار أو بإرأتكاب‬
‫النهححي‪ ،‬قححد جححاء ذكححر الموعظححة فححي القححرآن فححي عححدد ماححن‬
‫المواضع‪ ،‬والمفسرون فسروها بإتبححاع الماححر‪ ،‬أو بالتححذكير بإتبححاع‬
‫المار‪ ،‬والتذكير بإجتناب النهي‪ ،‬قححالوا‪ :‬إن لفححظ "وعححظ" بمعنححى‪:‬‬
‫جعل غّيره في عظة‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والعظة‪ :‬نوع ماما يحصل به العتبارأ‪ ،‬وذلك مان آثأارأ السإححتجابة‬


‫للتخويف أو التهديد أو النذارأ أو العلم وماا شححابه ذلححك؛ فلهححذا‬
‫فسرت الموعظة فيما جححاء فححي القححرآن بأنهححا كمححا ذكححرت لححك‬
‫اماتثححال الواماححر‪ ،‬واجتنححاب النححواهي‪ ،‬وإلقححاء ذلححك بشححيء ماححن‬
‫التخويححف مانهمححا‪ ،‬وعمححم الموعظححة أماححورأ الححترغّيب والححترهيب‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬هذه ماوعظة إذا ذكر بالله وبححالخرة‪ ،‬وبححأمار اللححه ونهيححه‪،‬‬
‫وبعقوبحة المنتهححي عححن الماححر‪ ،‬أو المرتكححب للمنهححي حيححن يححذكر‬
‫بعقوبته في الخرة أو في الدنيا صارأ واعظا‪.‬‬
‫المقصححود ماححن هححذا أن قححوله هنححا‪  :‬وعظن ا رأسإححول اللححه ‪‬‬
‫ماوعظححة وجلححت مانهححا القلححوب‪ ،‬وزرأفححت مانهححا العيححون ‪ ‬سإححبب‬
‫الوجل‪ ،‬وجل القلوب‪ ،‬وسإححبب أن العيححون زرأفححت أنهححا اشححتملت‬
‫علححى أشححياء مانهححا‪ :‬التخويححف والوعيححد‪ ،‬ومانهححا أنححه نبههححم أنححه‬
‫سإيفارأقهم‪.‬‬
‫فجمع ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬لهم ماححا بيححن الشححعارأ بمفححارأقته‬
‫لهم‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪ -‬وماححا بيححن تححذكيرهم بححأمار اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ ،-‬وبحدوده وأواماره‪ ،‬والتخويف مان ماخالفة ذلك‪ ،‬فقححال ‪ ‬‬
‫وجلت مانها القلوب‪ ،‬وزرأفت مانها العيون ‪. ‬‬
‫والوجل ‪-‬وجل القلوب‪ -‬أعظم مان خوفهححا؛ لن الوجححل خححوف‬
‫وزيادة ‪ ،‬وهو الخوف الذي ماعه ‪+‬اغّترارأ وتردد في هححذا الماححر‪-‬‬
‫يعني‪ :‬أنه خاف مانه ماع كون القلب رأاغّبا رأاهبا في هححذا الماححر‪-‬‬
‫فهناك درأجات فيه‪ :‬الرهبة‪ ،‬والخوف‪ ،‬والوجل‪ ،‬فكلها داخلححة فححي‬
‫ماعنى الخوف‪ ،‬لكن كل واحدة لها مارتبتها‪.‬‬
‫قال‪  :‬فقلنا‪ :‬يا رأسإول الله‪ ،‬كأنها ماوعظة ماودع ‪ ‬يعني لمححا‬
‫اشتملت عليه مان الشارأات‪ ،‬ولما كانت عليححه ماححن أنهححا جاماعححة‬
‫فاسإتشفوا أنها ماوعظة ماودع لهم‪ ،‬فكأنه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬‬
‫جمع لهم ماا يحتاجون‪ ،‬وأرأشدهم بذلك بأنه رأبما فححارأقهم ؛ لنححه‬
‫جمع أشياء كثيرة في ماكان واحد‪.‬‬
‫قال‪" :‬فأوصنا" ومار ماعنححا ماعنححى الوصححية‪ ،‬قححال ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪  :-‬أوصيكم بتقوى اللحه ‪  ‬والتقحوى‪ :‬هحي وصحية الل ه‬
‫للولين والخرين‪ ،‬وقد ذكرنححا لكححم أن ماعنححى التقححوى أن تجعححل‬
‫‪238‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫بينك وبين عذاب الله وسإخطه وعقابه في الدنيا الخححرة وقايححة‪،‬‬


‫وهذه الوقايححة باماتثححال أواماححره واجتنححاب مانححاهيه‪ ،‬والعمححل بسححنة‬
‫المصطفى ‪ ‬والتقوى في كل ماقام بحسبه‪.‬‬
‫فقححد فسححرت التقححوى بعححدة تفسححيرات ذكرناهححا لكححم‪ ،‬وماححن‬
‫أحسنها قول طلق بن حبيب ‪-‬رأحمه الله تعالى‪ -‬أن التقوى‪ :‬هححي‬
‫أن تعمل بطاعة الله على نورأ مان الله ترجححو ثأححواب اللححه‪ ،‬وأن‬
‫تترك ماعصية الله على نورأ مان الله تخشى عقاب الله‪.‬‬
‫فجمع في هذا التعريف بين الححترك والعلححم والنيححة‪ ،‬وهححذا هححو‬
‫حقيقة التقوى في الوامار والنواهي‪ ،‬قال‪  :‬أوصيكم بتقوى اللححه‬
‫‪ ‬والسمع والطاعة‪ ،‬وإن تأمار عليكم عبد فإنه مان يعححش مانكححم‬
‫فسيرى اختلفححا كححثيرا ‪ ‬قححال‪  :‬والس مع والطاعححة ‪ ‬والسححمع‬
‫والطاعة حقان للماام أو للماير‪ ،‬وهمححا ماححن ثأمححرات البيعححة؛ لن‬
‫البيعة عقححد وعهححد علححى السححمع والطاعححة‪ ،‬فتحصححل بالمباشححرة‬
‫وتحصل بالنابة‪.‬‬
‫فالسمع والطاعة مان ثأمرات البيعة‪ ،‬فالماام المسلم إذا بايعه‬
‫طائفة مان أهل العلم‪ ،‬ومان يسارأ إليهم في الحل والعقد ‪ -‬فإن‬
‫في بيعتهم له على السححمع والطاعحة‪ ،‬وعهححدهم لححه أن يسححمعوا‬
‫ويطيعوا ‪-‬في ذلك مابايعة بقية المسلمين‪ ،‬وعلى هذا جرت سإنة‬
‫المصطفى ‪ ‬وسإنة الخلفاء الراشدين ‪.‬‬
‫فالسمع والطاعة ‪-‬كما ذكرت لك‪ -‬ل فرق بينححه وبيححن البيعححة‪،‬‬
‫ومان فرق بين البيعة وبين السمع والطاعححة فححي الحقححوق الححتي‬
‫للماححام المسححلم أو للمايححر المسححلم‪ ،‬فل دليححل لححه ماححن سإححنة‬
‫المصطفى ‪ ‬ول مان عمل الصحابة والتابعين‪ ،‬ول مان قول أهل‬
‫السنة والجماعة‪ ،‬وأتباع السلف الصالح مان عقائدهم‪.‬‬
‫فالسمع والطاعة للماير المسلم حق مان حقوقه؛ لقححول اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪          :-‬‬
‫)‪ (1‬لكن السمع والطاعة له ل تجب له حقححا لححه اسإححتقلل‪ ،‬وإنمححا‬
‫هي على وجه التبع ‪-‬يعني أنها تبع لطاعة الله وطاعححة رأسإححوله؛‬

‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.59 :‬‬

‫‪239‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ولهححذا جححاء فححي الحححاديث بيححان أن ‪ ‬الطاعححة إنمححا هححي فححي‬


‫المعروف ‪. ‬‬
‫والمعروف هو ماا ليس بمعصية ‪-‬يعني‪ :‬ماا عرف فححي الشححرع‬
‫حسنه‪ -‬وهو ماا ليس بمعصية؛ ولهذا جاء في أحححاديث أخححر بيححان‬
‫أن الطاعة تكححون فححي غّيححر المعصححية‪ ،‬وعلححى هححذا اعتقححاد أهححل‬
‫السنة والجماعة في اماتثالهم لهذه الوصية العظيمة مانححه ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪  :-‬أوصيكم بتقوى الله ‪ ‬والسمع والطاعة ‪. ‬‬
‫السمع والطاعة ‪-‬كما ذكرت لك‪ -‬يعني في غّير المعصية‪ ،‬فإذا‬
‫كان في الواجبات فالسمع والطاعة لمار الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬ولحق‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ل لحق الماير‪ ،‬وإذا كان فححي المبيحححات أو فيمححا‬
‫يكون فيه الجتهاد‪ ،‬فهنا يتوجه السمع والطاعححة لحححق الماححام أو‬
‫لحق الماير‪.‬‬
‫يعني أن المسـائل ثلث‪ :‬ماححا وجححب بأصححل الشححرع فححإنه‬
‫يطاع فيه الماير لمار الله ‪-‬جل وعل‪ -‬لذلك‪ ،‬وليست الطاعة هنا‬
‫في الواجب مان حقوقه‪ ،‬بل هو يطاع لحق الله ‪-‬جل وعل‪ -‬فححي‬
‫طاعته فيما أوجب جل وعل‪.‬‬
‫والحالة الثانية‪ :‬أن يأمار أو ينهححى عححن مابححاح‪ ،‬أو فيمحا فيحه‬
‫اجتهاد‪ ،‬أو عن ماكروه أو ماا أشبه ذلححك‪ ،‬فححإنه يطححاع هنححا لحقححه‬
‫هو؛ لن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬جعل له السمع والطاعة‪.‬‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬أن يكون أماره بمعصية أو نهيه عححن واجححب‪،‬‬
‫فهنا ل طاعة له؛ لن طاعححة اللحه ‪-‬جححل وعل‪ -‬حححق ماقحدم علحى‬
‫طاعححة غّيححره مامححن جعححل اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬لححه الحححق‪ ،‬فمثل‪:‬‬
‫الوالدان‪ ،‬والمرأة لزوجها‪ ،‬والماام‪ ،‬وأشباه ذلك مامن جعل اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬لهم حقا في السححمع والطاعححة‪ ،‬فححإنهم يطححاعون فححي‬
‫غّير المعصية‪ ،‬يعني‪ :‬فيما جاء في الشريعة أنه غّير ماحرم‪.‬‬
‫قال‪  :‬وإن تأمار عليكم عبد ‪" ‬وإن تححأمار عليكححم عبححد" فححي‬
‫قوله‪" :‬تأمار" ماعنى تغلب‪  ،‬وإن تأمار عليكم عبد ‪ ‬يعني‪ :‬غّلب‬
‫عبد على الماارأة‪ ،‬فدعا لمبياعته أو دعا لن يسححمع لححه ويطححاع‪،‬‬

‫‪240‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فهنا يجب أن يسححمع لححه ويطححاع؛ فلهححذا قححال العلمححاء‪ :‬الوليححات‬


‫الشرعية العاماة تكون بإحدى طريقين‪:‬‬
‫الطريق الول‪ :‬طريق الختيارأ‪ :‬أن يختححارأ الماححام العححام‪ ،‬أو أن‬
‫يختارأ المايححر‪ ،‬والختيححارأ‪ ،‬وليححة الختيححارأ لهححا شححروطها إذا كححانت‬
‫لهل الحل والعقد‪ ،‬فإنهم يختارأون ماححن اجتمعححت فيححه الشححروط‬
‫الشححرعية الححتى جححاءت فححي الحححاديث‪ ،‬ومانهححا‪ :‬أن يكححون الماححام‬
‫قرشيا‪ ،‬ومانها أن يكون عالما‪ ،‬ومانهححا أن يكححون يحسححن سإياسإححة‬
‫الماورأ‪ ،‬وأشباه ذلك ماما اشترطه أهل العلم في ولية الختيارأ‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬ولية التغلب‪ :‬وهو أن يغلب الماام‪ ،‬أن يغلححب‬
‫أحححد أمايححٌر أو غّيححره مامححن ل تتححوفر فيححه الشححروط‪ ،‬أو بعححض‬
‫الشروط‪ ،‬أو تكون تتوفر فيه لكنه غّلححب إمااماححا آخححر قبلححه فححإنه‬
‫هنا إذا غّلبه فيبايع‪ ،‬ويسمع له‪ ،‬ويطاع؛ لن البيعححة هنححا أصححبحت‬
‫بيعة تغلب‪ ،‬والولية ولية غّلبة وسإيف‪.‬‬
‫فهذا كما أوصى هنا ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أن يسححمع ويطححاع‬
‫لمن لم تتوفر فيه الشروط التي تكون في ولية الختيارأ؛ حيث‬
‫قال هنا ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬وإن تأمار ‪ ‬ونفهم مان التأمار‬
‫أنه لم يكن ثأححم اختيححارأ‪ ،‬فهححذه وليححة التغلححب‪ ،‬وقححال‪  :‬إن تححأمار‬
‫عليكم عبد ‪ ‬وماعلوم أن العبد ل يختارأ بيدي أماورأ المسلمين‪.‬‬
‫فدل هذا على أن ولية الغلبة يجب لمن غّلب فتححولى‪ ،‬يجححب‬
‫له السمع والطاعححة‪ ،‬كمححا تجححب للماححام الححذى يختححارأ اختيححارأا‪ ،‬ل‬
‫فرق بينهما فحي حقحوق البيعحة والسحمع والطاعحة؛ وذلحك لجحل‬
‫المصلحة العاماة مان المسلمين‪.‬‬
‫وإذا نظحرت فحإن الختيحارأ وقحع فحي تارأيحخ هحذه الماحة علحى‬
‫الخلفاء الراشدين الرأبعة‪ ،‬وعلى ماعاوية بن أبي سإفيان ‪ ‬وماححن‬
‫بعد ماعاوية مان عهححد يزيححد إلححى زمااننححا هححذا‪ ،‬فالوليححات وليححات‬
‫تغلب؛ لنها تكونت الدويلت‪ ،‬وهذا يعارأض هذا إلى آخره‪ ،‬فكلها‬
‫لم تنشأ كتواتر أو كتتابع لصل الخلفة الراشححدة‪ ،‬وإنمححا صححارأت‬
‫ولية تغلب‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وهذا هو الذى جاء فححي الحححديث الصحححيح أنححه ‪-‬عليححه الصححلة‬


‫والسلم‪ -‬قحال‪  :‬تك ون خلفحة النبحوة ثألثأيححن عاماحا ‪ ‬أو قحال‪ :‬‬
‫ثألثأون عاماا خلفة النبوة ‪ ‬ثأم يكون مالكا عاضا وهكذا‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫أن الخلفة التي على مانهاج النبوة تكون في هححذه الماححة فقححط‬
‫لمدة ثألثأين عاماا بعده ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬وهي التي انتهت‬
‫بمقتل علي ‪. ‬‬
‫وولية ماعاوية ‪-‬كما هو ماعلوم‪ -‬ولية اختيححارأ؛ لن الحسححن بححن‬
‫علي تنازل له عن الخلفة‪ ،‬فاجتمع عليححه النححاس‪ ،‬وسإححمي ذلححك‬
‫العام عام الجماعة؛ لجتماعهم على ماعاوية ‪ ‬وماا بعده أصبحت‬
‫ولية تغلب‪.‬‬
‫وأهل السنة والجماعة أجمعوا لما صنفوا عقائدهم مان القرن‬
‫الثاني إلى زمااننا هذا ‪-‬على أن البيعة مانعقدة لمن تغلب‪ ،‬ودعححا‬
‫الناس إلى إمااماته‪ ،‬ماع أن الذى يشترط للماام غّير ماتححوفر فيححه‬
‫أو هو ماتوفر فيه‪ ،‬فالمار سإيان مان جهة حقوقه‪ ،‬حقوق الطاعة‬
‫والسمع والبيعة‪ ،‬وماا يترتب على ذلك مان الجهاد ماعه والتجميححع‬
‫عليه‪ ،‬وعدم التنفير عنه‪ ،‬وسإائر الحقوق التي جاءت في الئمححة‬
‫والماراء‪.‬‬
‫قال هنححا ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  :-‬وإن تححأمار عليكححم عبححد ‪‬‬
‫فإن الفاء هذه تعليلية ‪ ‬فإنه مان يعححش مانكححم فسححيرى اختلفححا‬
‫كححثيرا ‪ ‬يعنححي‪ :‬سإححيرى اختلفححا علححى الماححراء‪ ،‬فوصححيته ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬له أنه مان عاش فرأى الختلف‪ ،‬فعليه بالسمع‬
‫والطاعة وإن تأمار عليه عبد‪.‬‬
‫وجاء في أحاديث أخر بيان بعض هححذا الختلف‪ ،‬وماححا يحصححل‬
‫ماححن الفرقححة وأشححباه ذلححك يجمعهححا أن الختلف اختلف علححى‬
‫الدين‪ ،‬أو اختلف على المايححر‪ ،‬فمححن رأأى الختلف الكححثير فححإن‬
‫عليه أن يلزم التقوى‪ ،‬وعليه أن يلححزم السححمع والطاعححة‪ ،‬فهححذه‬
‫وصيته ‪-‬عليه الصلة والسحلم‪ -‬إذ قحال‪  :‬ف إنه ماحن يعحش مانكحم‬
‫فسيرى اختلفا كثيرا ‪. ‬‬
‫والختلف الكثير يعني‪ :‬عما ك انت عليحه سإحنته ‪-‬عليحه الصحلة‬
‫والسحححلم‪ -‬فأوصحححى فقحححال‪  :‬فعليك م بسحححنتي وسإحححنة الخلفحححاء‬
‫‪242‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الراشدين المهديين ‪ ‬عليكم بسنتي يعني‪ :‬الزماوا سإنتي‪ ،‬ابحثوا‬


‫عنها والزماوها‪ ،‬فما أوصيت فيه في سإححنتي فححالزماوه‪ ،‬وهححذا هححو‬
‫الواجب على العباد حين الختلف‪.‬‬
‫إذا اختلفوا في العقائد فعليهم أن يبحثوا في سإنة المصطفى‬
‫‪ ‬إذا اختلفوا في الشرائع وفي الحكام فعليهححم أن يبحثححوا فححي‬
‫سإححنة المصححطفى ‪ ‬إذا كححثر الختلف بينهححم فححي أماححورأ الفتححن‬
‫والرأاء إلححى آخححره فعليهححم أن يرجعححوا إلححى سإححنة المصححطفى ‪‬‬
‫وسإنة الخلفاء الراشدين؛ فإن فيها النجاة‪.‬‬
‫ولم نر ماسألة مان المسائل الححتي ماححن أجلهححا اختلححف النححاس‬
‫في تارأيخ السإلم كله‪ ،‬مان أوله إلى يومانا هذا إل وفححي السححنة‬
‫بيانها‪ ،‬لكن يؤتى الناس مان جهة أنهم ل يرغّبون في السححنة‪ ،‬ل‬
‫يرغّبون في اماتثال وصية المصطفى ‪ ‬وأماره ونهيه وبيانه ‪-‬عليه‬
‫الصححلة والسححلم‪-‬؛ لهححذا أوصححى ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬هححذه‬
‫الوصية العظيمة‪ ،‬فقال‪  :‬فعليكم بسنتي ‪. ‬‬
‫والسنة المقصود هنا بهححا الهححدي والطريقححة الححتي كححان عليهححا‬
‫‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪ ،-‬والسححنة بيححان للقححرآن‪ ،‬فمححا كححان ماححن‬
‫كلماه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬وماححا كححان ماححن أفعححاله ‪-‬فححإن فححي‬
‫ذلك السنة‪ ،‬وهي الطريقة والهدي الذي كان عليه ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪.-‬‬
‫وهذا فيه بيان واضح لمعنى القرآن‪ ،‬حيث قال ‪-‬جححل وعل‪ :-‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ (1)  ‬ف ي سإححورأة النحححل‪ ،‬فقححوله‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ (2)  ‬ال ذكر هنححا هححو سإححنة المصححطفى ‪ ‬قححال‪  :‬وسإ نة‬
‫الخلفححاء الراشححدين المهححديين ‪ ‬الخلفححاء‪ :‬هححم الححذين خلفححوا‬
‫المصطفى ‪ ‬في ولية المار على طريقته عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫والخلفاء الراشدون مان بعده ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬أرأبعححة‪:‬‬
‫أبححو بكححر‪ ،‬ثأححم عمححر‪ ،‬ثأححم عثمححان‪ ،‬ثأححم علححي ‪-‬رأضححي اللححه عنهححم‬
‫أجمعين‪ ،-‬ووصفوا بأنهم رأاشدون؛ لنهم قاماوا بالرشد‪ ،‬والرشد‪:‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.44 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النحل آية ‪.44 :‬‬

‫‪243‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫هو العلم بالحق والعمل به‪ .‬فسموا رأاشدين؛ لنهم كححانوا علمححاء‬
‫في الحق عملوا به‪ ،‬وليست هذه الصفة إل لهؤلء الرأبعة‪.‬‬
‫وفي عمر بن عبد العزيز ‪-‬رأحمححه اللححه‪ -‬خلف‪ ،‬هححل يعححد ماححن‬
‫الخلفاء الراشدين أم ل يعد مان الخلفاء الراشدين؟ والذي عليه‬
‫نححص كححثير ماححن أهححل العلححم كأحمححد وغّيححره أنححه ماححن الخلفححاء‬
‫الراشدين؛ لنه علم الحق فعمل به‪ ،‬وعاماة الححولة ليسححوا علححى‬
‫ذلك بل مانهم مان ل يعلم الحق أصل‪ ،‬ومانهححم ماححن يعلححم الحححق‬
‫فيخالفه لهواء وشهوات‪ ،‬ونوازع ماختلفة‪.‬‬
‫فالححذين وصححفوا بححأنهم خلفححاء رأاشححدون هححؤلء هححم الرأبعححة‬
‫أصحاب ماحمد بن عبد الله ‪ -‬عليه الصلة والسححلم‪ ،-‬وعمححر بححن‬
‫عبد العزيز كذلك خليفة رأاشد‪ ،‬وهنا تنبيه على ماقالة رأبمححا تححرد‬
‫على ألسنة بعض الكتححاب‪ ،‬وهححي غّيححر سإححليمة ماححن جهححة ماكانححة‬
‫الصحابة ‪-‬رأضوان الله عليهححم‪ ،-‬غّيححر ماتفقححة بالجملححة ماححع عقائححد‬
‫أهل السنة والجماعة فيما نفهم مان عقائدهم‪ ،‬وهي قولهم عححن‬
‫عمر بن عبد العزيز ‪-‬رأحمه الله‪ :-‬إنه خاماس الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫وهذا ليس بسديد؛ لن ماعاوية ‪ ‬أعظم مانزلححة ماححن عمححر بححن‬
‫عبد العزيز ‪-‬رأحمه اللححه تعححالى‪ ،-‬وإذا كححان ثأححم خححاماس للخلفححاء‬
‫الراشدين فهو ماعاوية؛ لنه أحق بهذا الوصف مان عمر بن عبححد‬
‫العزيز‪ ،‬لكن عمححر وصححفه جماعححة ماححن أهححل العلححم بححأنه خليفححة‬
‫رأاشد‪ ،‬وماعاوية بحسححب العتبححارأ أنححه اجتمححع عليححه؛ فححإنه خليفححة‬
‫رأاشد‪.‬‬
‫لكن لما جعل المار مالكا في بنيه ‪-‬مالكا في يزيد‪ -‬كححان أهححل‬
‫العلم يعبرون عنه بأنه مالك رأاشد‪ ،‬وخير مالوك المسلمين علححى‬
‫الطلق‪ ،‬وهححو خليفححة؛ لنححه خلححف ماححا بعححده بححالحق‪ ،‬وليححس ثأححم‬
‫خححاماس للرأبعححة الخلفححاء‪ ،‬فححإذا قيححل‪ :‬إن عمححر بححن عبححد العزيححز‬
‫‪-‬رأحمه الله‪ -‬خليفة رأاشد هذا حححق‪ ،‬ولكححن ل يقححال‪ :‬هححو خححاماس‬
‫الخلفاء الراشدين؛ لن ماعاوية أحق مانه بهذا الوصححف‪ ،‬لححو كححان‬
‫هذا الوصف سإائغا‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أماا الخلفاء فهم أرأبعة؛ لقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ثألثأون‬


‫سإنة خلفة نبوة ‪ ‬فما بعد ذلك إنما هو وصف لجححل التحححبيب‬
‫في خلل الماراء وأوصاف الولة‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪" :-‬المهديين" يعني‪ :‬الذين ماححن اللحه‬
‫عليهم فهداهم للحق فعملوا به‪ ،‬قال‪  :‬عض وا عليهححا بالنواجححذ ‪‬‬
‫"بالنواخذ" وهي الضراس‪ ،‬وأشد ماا يكححون السإتمسححاك إذا أرأاد‬
‫المرء أن يستمسك بشححيء بأسإححنانه أن يعححض عليححه بأضراسإححه؛‬
‫لنها أشد السإنان‪.‬‬
‫فقال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬عضوا عليها بالنواجذ ‪ ‬يعني‪:‬‬
‫كونوا ماستمسكين بها على أشححد ماححا يكححون السإتمسححاك بسححنته‬
‫عند الختلف‪ ،‬وسإنة الخلفاء الراشححدين عنححد الختلف‪ ،‬والتقححوى‬
‫والسمع والطاعة؛ فإن في هذا النجاة‪ ،‬وهذا ماجرب في كل ماححا‬
‫مار في تارأيخ السإلم ماححن تقلبححات وفتححن‪ ،‬فححإن ماححن أخححذ بهححذه‬
‫الوصية نجا في دينه ودنياه‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬وإي اكم وماحححدثأات الماححورأ؛ فححإن‬
‫كل بدعة ضللة ‪" ‬إياكم" هذا تحذير ونهي‪ ،‬وماححن الصححيغ الححتي‬
‫يفهم مانها النهي أو يعبر بها عن النهي صححيغة إيححاك‪ ،‬وكححذا كمححا‬
‫قررأه علماء الصول‪ ،‬فقوله‪  :‬وإي اكم وماحححدثأات الماححورأ ‪ ‬هححذا‬
‫في ماعنى قوله‪ :‬ل تقربوا أو ل تأتوا ماحدثأات الماححورأ‪ ،‬فهححو نهحي‬
‫عن ماحدثأات الماورأ‪.‬‬
‫والمحدثأات جمحع ماحدثأححة‪ ،‬وهحي‪ :‬كححل ماحا أححدث بعححده ‪-‬عليحه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬على غّير ماثال سإابق له‪ ،‬وهذه المحدثأات الحتي‬
‫أحدثأت على قسمين‪ :‬مانها ماحدثأات مان قبيل المصالح المرسإححلة‬
‫التي أوضحنا لكم ماعناها وضوابطها في أوائل هذا الشرح‪ ،‬فهذه‬
‫ل تححدخل فححي المحححدثأات المذماوماححة؛ لنهححا ماحدثأححة لغححة‪ ،‬ولكنهححا‬
‫ليست بمحدثأة شرعا؛ لن لها الدليل في الشرع الذي دل على‬
‫اعتبارأها‪ ،‬وهو كونها مان المصالح المرسإححلة‪ ،‬وأشححباه ذلححك علححى‬
‫الضوابط التي ذكرنها في ذلك المقام‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬المحدثأات التي هي في الدين بما أححدث ماححع‬
‫قيام المقتضي لفعله في عهده ‪ ‬وتححرك‪ ،‬فمححا تححرك فححي عهححده‬
‫‪245‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫مان العبادات أو ماما يتقرب بححه إلححى اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ماححع قيححام‬
‫المقتضي بفعله ولم يفعل‪ ،‬فهو ماحدثأة في الدين‪ ،‬فهو بدعة‪.‬‬
‫وهذا القسم هو الذي يتوجه إليه قوله ‪  ‬وإيححاكم وماحححدثأات‬
‫الماورأ؛ فإن كل بدعة ضححللة ‪ ‬وهححذا يعنححي أن نعكححس الماححر‪،‬‬
‫فيكون المنهي عنه هي الضحللت ماحن البحدع‪ ،‬وهححي البحدع فححي‬
‫الشريعة البدع في الدين‪.‬‬
‫وأماا البدع مان حيث هي في اللغة فإنها قد تكحون‪ ،‬ول ينهحى‬
‫عنها في الشرع كما قال عمر حين جمع الناس‪ ،‬أو حيححن جمححع‬
‫الناس على إماام واحد‪ ،‬فقال‪" :‬نعمت البدعة هذه" فجعلها بدعة‬
‫‪-‬يعني‪ :‬في اللغة‪ -‬فليست كل بدعة في اللغة بدعة في الشححرع؛‬
‫لنها قد تكون بدعة لغحة‪ ،‬ول تكححون بدعححة شححرعا لححدخولها فححي‬
‫تعريف المصالح المرسإلة‪ ،‬أو في العفو العام أو ماا أشبه ذلك‪.‬‬
‫أماا ماا يتقرب إلى الله به مان العبادات‪ ،‬وقححد قححام المقتضححى‬
‫بفعله في عهده ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬ولححم يفعححل ‪-‬فححإنه ماححن‬
‫البدع المحدثأات‪ ،‬وماححن البححدع الضححللة‪ ،‬فقححال‪  :‬ف إن كححل بدعححة‬
‫ضللة ‪ ‬وهذه الكلية مان صيغ العموم‪ ،‬وهذا يدل علححى إبطححال‬
‫قول مان قال‪ :‬إن مان البدع في الدين ماا ليس بضللة‪.‬‬
‫وهو ماا أحدثأه العز بححن عبححد السححلم فححي الماححة ماححن تقسححيم‬
‫البدعة إلى خمسة أقسام‪ :‬واجبة‪ ،‬وماستحبة‪ ،‬وماباحة‪ ،‬وماكروهححة‪،‬‬
‫وماحرماة‪ .‬فتبعه النححاس علححى ذلححك‪ ،‬وانتشححرت البححدع علححى هححذا‬
‫التعريف أو هذا التقسيم بقححوله‪ :‬إن ماححن البححدع ماححا هححو واجححب‪،‬‬
‫ومان البدع ماا هححو ماسححتحب‪ ،‬وأشححباه ذلححك‪ ،‬وهححذا ماصححادم لهححذا‬
‫النححص‪ ،‬وقححولهم بححالرأي‪ ،‬والقححول بححالرأي ماححذماوم إذا كححان فححي‬
‫ماقابلة النص وماصادماته‪.‬‬
‫فالنبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬قال لنا‪  :‬فإن كل بدعة ضححللة‬
‫‪ ‬فهذه الكلية‪ ،‬فمن قال‪" :‬إن ثأم مان البدع ماا ليححس بضححللة"‬
‫فهو ماخالف لقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬إن كل بدعة ضححللة‬
‫‪ ‬فما مان بدعححة فححي الححدين إل وهححي ضححللة‪ ،‬كمححا قححال عليححه‬
‫الصلة والسلم‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫على تعريف البدعة الححذي ذكرنححاه يخححرج ماححن ذلححك المصححالح‬


‫المرسإلة؛ لنها ل تدخل في البدع‪ ،‬كما هو ماعروف ماححن تعريححف‬
‫البدع‪ ،‬وتعريف المصلحة المرسإلة؛ حيث ذكرنا لك ذلححك مافصححل‬
‫في ماوضعه‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث التاسع والعشرون‬


‫تعبد الله ول تشرك به شيئا‬
‫وعن ماعاذ بن جبل ‪ ‬قال‪  :‬قلت‪ :‬ي ا رأسإححول اللحه‪ ،‬أخحبرني بعمححل‬
‫يدخلني الجنة‪ ،‬ويباعدني عن النارأ‪ .‬قال‪ :‬لقد سإألت عححن عظيححم‪،‬‬
‫وإنه ليسير على ماححن يسححره اللححه ‪-‬تعححالى‪ -‬عليححه‪ :‬تعبححد اللححه ول‬
‫تشرك به شيئا‪ ،‬وتقيم الصلة‪ ،‬وتؤتي الزكححاة‪ ،‬وتصححوم رأماضححان‪،‬‬
‫وتحج البيت‪.‬‬
‫ثأم قال رأسإول اللححه ‪ ‬أل أدلححك علححى أبححواب الخيححر؟ الصححوم‬
‫جنة‪ ،‬والصدقة تطفئ الخطيئة كمححا يطفححئ المححاء النححارأ‪ ،‬وصححلة‬
‫م‬
‫جن ُححوب ُهُ ْ‬‫ج اَفى ُ‬ ‫الرجل في جوف الليل‪ ،‬ثأم تل قوله ‪-‬تعححالى‪  :-‬ت َت َ َ‬
‫ن‬‫قححو َ‬ ‫ف ُ‬
‫م ي ُن ْ ِ‬ ‫ما َرأَزقَْنححاهُ ْ‬ ‫ما ّ‬ ‫مًعا وَ ِ‬ ‫خوًْفا وَط َ َ‬‫م َ‬ ‫ن َرأب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬
‫جِع ي َد ْ ُ‬
‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مححا ك َححاُنوا‬ ‫جححَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن قُحح )ّر‪(2‬ةِ أع ْي ُحح ٍ‬
‫ماحح ْ‬
‫م ِ‬‫ي ل َهُحح ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ِ‬
‫ماا أ ْ‬
‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬‫فََل ت َعْل َ ُ‬
‫ن َ ‪ (1) ‬حتى بلغ‪.    :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫ثأم قال‪ :‬أل أخبرك برأس المار وعموده وذرأوة سإناماه؟ قلت‪:‬‬
‫بلى يا رأسإول الله‪ .‬قال‪ :‬رأأس الماححر السإححلم‪ ،‬وعمححوده الصححلة‪،‬‬
‫وذرأوة سإناماه الجهاد في سإبيل الله‪ ،‬ثأم قححال‪ :‬أل أخححبرك بملك‬
‫ذلك كله؟ قلت‪ :‬بلى يا رأسإول الله‪.‬‬
‫فأخذ بلسانه وقال‪ :‬كف عليك هححذا‪ .‬قلححت‪ :‬يححا نححبي اللححه‪ ،‬وإنححا‬
‫لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال‪ :‬ثأكلتك أماك يححا ماعححاذ‪ ،‬وهححل يكححب‬
‫النححاس فححي النححارأ علححى وجححوههم‪ ،‬أو قححال‪ :‬علححى مانححاخرهم إل‬
‫حصائد ألسنتهم ‪ ‬رأواه الترماذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫هححذا الحححديث فيححه ذكححر أشححياء ماححن أبححواب الخيححر‪ ،‬وهححو ماححن‬
‫الحاديث العظيمة التي في كل جملة مانهححا شححاهد‪ ،‬لكححل جملححة‬
‫مانه شواهد كحثيرة؛ ولهحذا هحو ححديث حسحن بمجمحوع شحواهده‬
‫لجمله المختلفة‪.‬‬
‫قال ماعاذ بن جبل ‪  ‬قلححت‪ :‬يححا رأسإححول اللححه أخححبرني بعمححل‬
‫يدخلني الجنة‪ ،‬ويباعدني عن النارأ ‪ ‬هذا فيه ماا ينبغححي التححأدب‬
‫‪ - 1‬سإورأة السجدة آية ‪.17 -16 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.96 :‬‬

‫‪248‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫به على ماا ينبغي التححأدب بححه لهححل العلححم؛ لن ماعححاذ بححن جبححل‬
‫‪-‬رأضي الله عنه‪ ،‬ورأحمه‪ -‬مان أعلم هذه الماة بححالحلل والحححرام‪،‬‬
‫بل هو أعلم الماة بالحلل والحرام‪.‬‬
‫فهو مان أهل العلم‪ ،‬وهذا يدل علححى أن طححالب العلحم ينبغححي‬
‫عليه أن يكون حريصا على ماا يقربححه ماحن الجنحة‪ ،‬ويباعححده عححن‬
‫النارأ‪ ،‬قال ماعاذ‪  :‬يا رأسإول الله‪ ،‬أخبرني بعمححل يححدخلني الجنححة‪،‬‬
‫ويباعدني عن النححارأ ‪ ‬وهححذا مامححا ينبغححي لكححل طححالب علححم أن‬
‫يحرصا عليه‪ :‬ماا يقربه إلى الجنة‪ ،‬وماا يباعده مان النارأ‪.‬‬
‫لن العلم له شهوة‪ ،‬والعلم له عنفوان‪ ،‬وقد يصححرف صححاحبه‬
‫عن السعي في الغاية مان العلم‪ ،‬وهو ماا يقرب مان الجنة‪ ،‬وماحا‬
‫يباعد عن النارأ‪ ،‬وقححد قححال عبححد اللححه بححن المبححارأك ‪-‬رأحمححه اللححه‬
‫تعالى‪ :-‬إن للعلم طغيانا كطغيححان المححاء‪ ،‬فححالعلم يطغححي إذا لححم‬
‫يكن صاحبه يسعى فيما يقربه إلى الجنة‪ ،‬ويباعده عن النارأ‪.‬‬
‫فححالعلم لححه ماقتضححيات كححثيرة‪ ،‬وأصحححاب العلححم وأهححل العلححم‬
‫وطلبة العلم ينبغي لهم أن يكونوا ألين الناس في غّير تفريححط‪،‬‬
‫وأن يكونححوا أبصححر النححاس‪ ،‬وأحححق النححاس بالحكمححة والخححذ بمححا‬
‫يقربهم إلى الله ‪-‬جححل وعل‪-‬؛ فهححم القححدوة‪ ،‬وهححم البصححراء فححي‬
‫العلم والعمل‪.‬‬
‫لهذا سإئل ماعححاذ هححذا السححؤال‪ ،‬وذلححك ماححن حكمححة اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬أن يسأل ليبصر أهل العلححم جميعححا بمححا ينبغححي أن يكونححوا‬
‫عليه‪ ،‬قال‪  :‬أخبرني بعمل يدخلني الجنححة‪ ،‬ويباعححدني عححن النححارأ‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ :-‬لقد سإألت عن عظيم‪ ،‬وإنححه ليسححير‬
‫على مان يسره الله ‪-‬تعالى‪ -‬عليه ‪. ‬‬
‫هذا السؤال العظيم ماا يقرب إلححى الجنححة‪ ،‬ويبعححد عححن النححارأ‪،‬‬
‫سإؤال عظيم‪ ،‬وهو شاق مان حيححث الماتثححال‪ ،‬لكنححه يسححير علححى‬
‫مان يسره الله عليه‪ ،‬فإذن نفهم مان هذا أن ثأححم كلفححة فححي أن‬
‫يمتثل المرء بمقتضى العلم‪ ،‬ولكنه يسير على ماححن يسححره اللححه‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والله ‪-‬جل وعل‪ -‬إذا أقبل العبححد يسححر عليححه الماححر‪ ،‬كمححا قححال‬
‫‪-‬جل وعل‪         :-‬‬
‫‪ (1)   ‬فتيس ير الل ه ‪-‬جحل وعل‪ -‬أماحورأ الخيحر‬
‫للعبد هذا يكون بشيء يبذله العبد‪      :‬‬
‫‪. (2)      ‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬هنا‪  :‬وإنه ليسير على مان يسححره‬
‫الله تعالى عليه ‪ ‬ثأححم فصححل فقححال‪  :‬تعب د اللححه ل تشححرك بححه‬
‫شيئا ‪" ‬تعبد الله" يعني‪ :‬أن تتوجه بجميع أنححواع العبححادات إلححى‬
‫اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬وحححده‪ ،‬فححإذا دعححوت دعححوت اللححه‪ ،‬وإذا سإححألت‬
‫سإألت الله‪ ،‬وإذا صليت صليت لله‪ ،‬وإذا اسإتغثت اسإتغثت بالله‪،‬‬
‫وإذا أعظمت الرجاء أعظمته بالله‪.‬‬
‫وكححل العبححادات القلبيححة‪ ،‬واللسححانية‪ ،‬والعمليححة بححالجوارأح كلهححا‬
‫تكون لله ‪-‬جل وعل‪ -‬وحده‪ ،‬ول يكون لمخلوق فيها نصيب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪ ‬تعبد الله ل تشرك بححه شححيئا ‪ ‬يعنححي‪ :‬كححبير الشححرك وصححغيره‬
‫وخفيه؛ لن كلمة شيئا نكرة جاءت في سإياق النفي فتعححم كححل‬
‫ماا كان في ماعناها‪.‬‬
‫فل يشرك بأي شيء‪ :‬ل يشرك بححالهوى‪ ،‬ل يشححرك بححالمخلوق‬
‫البشر‪ ،‬ل يشرك بالملئكة‪ ،‬ل يشرك بعظيححم‪ ،‬ل يشححرك بصححالح‪،‬‬
‫ل يشرك بجني‪ ،‬بإنسي‪ ،‬بشجر‪ ،‬بحجر‪ ،‬بأي نوع ماما خلححق اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ ،-‬وهححذا ل شححك أنححه عظيححم‪ ،‬ولكنححه يسححير علححى ماححن‬
‫يسره الله عليه‪.‬‬
‫فعبادة الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وحده دون ماا سإواه هذه غّاية إرأسإححال‬
‫المرسإلين‪ ،‬ونفي الشرك ونبذه والتخلص مانه‪ ،‬أيضا ماما جاء بححه‬
‫المرسإلون وأقاماوا رأسإالتهم عليحه‪ ،‬وهحذا يتنحوع‪ ،‬فمحا كحان ماحن‬
‫قبيل الشرك الكبر فظاهر وجوب اجتنابه‪ ،‬وأن ماححن فعلححه فهححو‬
‫ماشرك كافر تارأك للدين ماع اجتماع الشروط وانتفاع الموانع‪.‬‬
‫وماا هو أقل مان ذلك الشحرك الصحغر والخفحي‪ ،‬ينبغحي علحى‬
‫العبد أن يسعى في تجنبه ‪-‬يعني‪ :‬ينبغححي وجوبححا‪ -‬يجححب عليححه أن‬
‫‪ - 1‬سإورأة الليل آية ‪.7-5 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الليل آية ‪.7-5 :‬‬

‫‪250‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يسعى في تجنبه‪ ،‬وأن يجاهد نفسه‪ ،‬والشرك الصغر يدخل فيه‬


‫الرياء ‪-‬يسير الرياء‪ ،-‬والشرك الخفي أيضححا يححدخل فيهححا أشححياء‪،‬‬
‫والشهوة الخفية‪ ،‬والتسحميع والمقاصحد‪ ،‬وأن يكحون قصحد المحرء‬
‫الدنيا فيما يأتي ويذرأ‪ ،‬وفي الماورأ الدينية وطلب العلححم وأشححباه‬
‫ذلك ماما يراد لله‪.‬‬
‫فإذن عبادة الله وحده ل شريك له‪ ،‬هذا حاصححل ‪-‬إن شححاء اللححه‪ -‬عنححد الموحححد‪ ،‬لكححن يخححاف علححى‬
‫الموحد مان أنواع الشرك الصغر والخفي‪ ،‬ماما يكون مان يسير الريححاء والتححوجه لغيححر اللححه فححي ذلححك‪،‬‬
‫فهذه عظيمة‪:‬‬

‫وإنــــي ل أخــــالك‬ ‫ج من‬‫ج منها تن ُ‬


‫فإن تن ُ‬
‫ناجيـــا‬ ‫ذي عظيمة‬

‫يعني‪ :‬أن هححذا الماححر شححديد‪ ،‬ويجححب أن تححوطن نفسححك علححى‬


‫إخراج المخلوق مان قلبك‪ ،‬وأن يكون القلب خالصا للححه ماتوجهححا‬
‫لله‪ :‬في تحركه‪ ،‬في سإكناته‪ ،‬في أماره‪ ،‬في نهيه‪ ،‬فححي تصححرفك‬
‫ماع أهلك‪ ،‬ماع أقارأبك‪ ،‬ماع الماورأ العاماة‪ ،‬ماع الماورأ الخاصححة‪ ،‬إذا‬
‫كان كل شيء لله تم الخلصا‪.‬‬
‫قال‪  :‬وتقيم الصلة‪ ،‬وتححؤتي الزكححاة‪ ،‬وتصححوم رأماضححان‪ ،‬وتحححج‬
‫البيت ‪ ‬وهذه الرأبعة مار بيانها‪.‬‬
‫ثأم قال‪  :‬أل أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنححة‪ ،‬والصححدقة‬
‫تطفئ الخطيئة ‪ ‬الصوم يريد به صوم النفل؛ لنه قححدم صححيام‬
‫رأماضان‪ ،‬ثأم قال‪  :‬أل أدلك علححى أبححواب الخيححر؟ الصححوم جنححة ‪‬‬
‫جنة يعني‪ :‬وقاية يقي العبد مامححا يسححخطه اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬؛ لن‬
‫الصيام فيه تذكير بحقوق اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬وحقححوق عبححاده‪ ،‬فهححو‬
‫جنة مان نفوذ الشيطان إلى العبد‪.‬‬
‫وكما جاء في الحديث أنه ‪-‬عليحه الصححلة والسحلم‪ -‬قحال‪  :‬إذا‬
‫دخل رأماضححان ‪-‬أو قححال إذا جححاء رأماضححان‪ -‬فتحححت أبححواب الجنححة‪،‬‬
‫وغّلقت أبواب النارأ‪ ،‬وصفدت الشياطين ‪ ‬وقال ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬في حق مان لم يجد طول للنكححاح‪  :‬وما ن لححم يسححتطع‬
‫فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ‪. ‬‬

‫‪251‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فالصيام جنة ‪-‬يعني‪ :‬يكون بححه الجتنححان؛ لن الجنححة والجتنححان‬


‫هو‪ :‬الحاجز الذي يقي‪ .‬فالغطاء هححو الجنححة‪ ،‬ومانححه قيححل للجنيححن‪:‬‬
‫جنين؛ لنه في غّطاء فححي اسإححتتارأ‪ ،‬وللمجححن ماجححن لححذلك‪ ...‬إلححى‬
‫آخره‪.‬‬
‫قححال‪  :‬والص دقة تطفححئ الخطيئححة كمححا يطفححئ المححاء النححارأ ‪‬‬
‫الصححدقة بأنواعهححا تطفححئ الخطايححا؛ الصححدقة بححالقول وبالعمححل‪،‬‬
‫الواجبة والمستحبة‪ ،‬والصدقة بالمال‪ ،‬كل هححذه تطفححئ الخطايححا؛‬
‫‪‬‬ ‫لنها حسنات‪ ،‬واللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬قححال‪   :‬‬
‫‪. (1)   ‬‬
‫وقد مار ماعنا قوله ‪-‬عليه الصلة والسحلم‪  :-‬ات ق اللحه حيثمححا‬
‫كنت‪ ،‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها‪ ،‬وخالق الناس بخلق حسححن ‪‬‬
‫فإذا فهمت ماعنى الصدقة العام الشامال الذي ذكرنححاه لححك فححي‬
‫درأس ماضححى‪ ،‬فححإنه كلمححا حصححلت مانححك خطيححة فعليححك بكححثرة‬
‫الصدقات‪ ،‬والخطايا ل تحصى؛ لنه ماا ماححن حححال تكححون فيححه إل‬
‫ولله ‪-‬جححل وعل‪ -‬أماححر ونهححي فححي ذلححك‪ ،‬وقححل ماححن يكححون مامتثل‬
‫للمار والنهي في كل حالة‪.‬‬
‫فإذن ل بد ماححن الكثححارأ ماححن الصححدقات؛ فهححي أبححواب الخيححر‪،‬‬
‫قال‪  :‬تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النارأ ‪ ‬النححارأ إذا شححبت‬
‫ل يطفئهححا إل المححاء‪ ،‬فإنححك تححأتي بالمححاء فتنطفححئ‪ ،‬وهححذا ماثححال‬
‫الحسنات بعد السيئات‪.‬‬
‫قال‪  :‬وصلة الرجل فححي جححوف الليححل ‪ ‬صححلة الرجححل فححي‬
‫جوف الليل‪ ،‬يعني‪ :‬أن يقوم الليل القيام المستحب‪ ،‬وقيام الليل‬
‫على درأجحات‪ ،‬وأعله أن يكحون كقيحام المصحطفى ‪ ‬الحذي جحاء‬
‫في آخر سإورأة المزمال‪         :‬‬
‫‪. (2)          ‬‬
‫فأفضله ماا كان بعد نصف الليل إلى الفجر‪ ،‬وبعححده ماححن أول‬
‫ثألث الليل الخر إلى الفجر‪ ،‬ثأم هكذا ماراتب بمححا يتيسححر للعبححد‪،‬‬
‫فصلة الرجل في جوف الليححل هححذه ماححن أعظححم أبححواب الخيححر‪،‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة هود آية ‪.114 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة المزمال آية ‪.20 :‬‬

‫‪252‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وبها يحصل للمرء مان النورأ في قلبه‪ ،‬وحسن تعححاماله ماححع رأبححه‪،‬‬
‫وخشيته له‪ ،‬والتنقب عن دارأ الدنيا‪ ،‬والرغّب فححي الخححرة ماححا ل‬
‫يدخل تحت وصف‪.‬‬
‫أعاننا الله وإياكم على ذلك‪ ،‬فإن صحلة الرجحل والمحرأة فحي‬
‫جوف الليل هذه يكون ماعها التدبر للقرآن‪ ،‬وحسن مانجاة اللححه‪،‬‬
‫والدماعة التي تسيل مان خشية الله ‪-‬جححل وعل‪ -‬إذ يكححون المححرء‬
‫في ذلك على يقين ماححن أنححه إنمححا قححام للححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬وحححده‪،‬‬
‫فتعظم الصلة‪ ،‬ويعظم التعلححق‪ ،‬ويعظححم إخبححات القلححب‪ ،‬ويعظححم‬
‫الرجححاء‪ ،‬وتعظححم الرهبححة‪ ،‬ويعظححم الخححوف‪ ،‬ويححؤثأر القححرآن فححي‬
‫القلوب تأثأيرا عظيما‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫فأصحاب الليل هم أهل التقوى‪ ،‬قال ‪-‬جل وعل‪:-‬‬
‫‪ (1)    ‬يعن ي‪ :‬ف ي وصححف عبححاده المخبححتين‬
‫‪‬‬ ‫المنيححبين فححي سإححورأة الححم السححجدة‪   :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪           ‬‬
‫وهذا مان فضل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬عليهم‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪ ‬‬

‫قححال‪  :‬ثأ م قححال‪ :‬أل أخححبرك بححرأس الماححر وعمححوده وذرأوة‬


‫سإناماه؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬يا رأسإول اللححه‪ .‬قححال‪ :‬رأأس الماححر السإححلم ‪‬‬
‫لن المار الذي هو الدين رأأسإه السإلم‪ ،‬فححإذا صححدع الححرأس فل‬
‫حياة‪ ،‬فإذا ذهب السإححلم فل حيححاة للمححرء فححي الححدين‪ ،‬فقححال‪ :‬‬
‫رأأس المار السإلم ‪ ‬وهو السإتسلم للححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬بالتوحيححد‬
‫والنقياد له بالطاعة‪ ،‬والبراءة مان الشرك وأهله‪.‬‬
‫قال‪  :‬وعموده الصلة ‪ ‬العمححود هححو ماححا يقححوم عليححه البنححاء‪،‬‬
‫فإذا كان ثأم أشياء يقوم عليها البناء فإن بالصححلة يقححوم البنححاء؛‬
‫بهذا قال‪  :‬وعموده الصلة ‪ ‬فعمود المار عمود الدين الصلة‪،‬‬
‫وقال‪" :‬عموده"؛ لن الصلة هي الركن العملي الذي به يحصححل‬
‫الماتثال لمقتضيات اليمان العمليححة‪ ،‬يعنححي‪ :‬بركححن اليمححان الححذي‬
‫هو العملي‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة السجدة آية ‪.16 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة السجدة آية ‪.17 -16 :‬‬

‫‪253‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فاليمان‪ :‬قول واعتقاد وعمل‪ ،‬والعمححل عمححوده الصححلة‪ ،‬فححإذا‬


‫ذهبت الصلة فل قيام في ذلك؛ لهذا قال عمر ‪" ‬ول حظ فححي‬
‫السإلم لمن ترك الصلة" وثأبت عنه ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬أنححه‬
‫قال‪  :‬العهد الذي بيننا وبينهم الصلة‪ ،‬فمن تركها فقد كفر ‪. ‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بعد ذلك‪  :‬وذرأوة سإناماه الجهاد ‪‬‬
‫‪ ‬ذرأوة سإححناماه ‪ ‬تشححبيه للماححر بالجمححل‪ ،‬والجمححل أعله ذرأوة‬
‫السنام‪ ،‬والجمل ماتحرك‪ ،‬والجهاد أيضا يبعث على النتشارأ؛ فهو‬
‫سإبب انتشارأ السإلم‪ ،‬واماتداد الدخول في الححدين‪ ،‬فمثلححه ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسححلم‪- -‬يعنححي‪ :‬ماثححل الححدين بالراحلححة بالجمححل‪ ،-‬وجعححل‬
‫الجهاد مان هذه الراحلة ذرأوة السنام؛ لنه بارأز بين ماتميز‪.‬‬
‫فالسإلم تميز مان بين الديححان كتميححز الجمححل بححذرأوة سإححناماه‬
‫بالجهاد‪ ،‬فالجمححل ماتميححز بححذرأوة السححنام ‪-‬يعنححي‪ :‬بالسححنام بعاماححة‬
‫وبحذرأوة السحنام‪ -‬وهحذا السإحلم تميحز بالجهحاد فحي سإحبيل اللحه‪،‬‬
‫والجهاد أنواع‪ ،‬والمراد به هنا ‪-‬الجهاد‪ -‬جهاد العححداء‪ ،‬وهححو ‪-‬كمححا‬
‫هو ماعلوم‪ -‬على مارتبتين‪ :‬واجبة‪ ،‬وماستحبة‪ ،‬والواجب أيضححا علححى‬
‫قسمين‪ :‬واجب عيني‪ ،‬وواجب كفائي‪ ،‬كما هو ماعلوم في ماكححانه‬
‫مان الفقه‪.‬‬
‫قال‪  :‬ثأم قححال‪ :‬أل أخححبرك بملك ذلححك كلححه؟ قلححت‪ :‬بلححى‪ ،‬يححا‬
‫رأسإول الله‪ .‬فأخذ بلسانه وقال‪ :‬كف عليك هذا ‪ ‬فاللسححان هححو‬
‫أعظححم العضححاء جرماححا؛ لنححه سإححهل الحركححة‪ ،‬كححثير الخطايححا‪،‬‬
‫فباللسان يحصل العتقاد الزائف باللسان يقول المرء الكلمححة ل‬
‫يلقي لها بال تهوي به في النارأ سإبعين خريفا‪ ،‬باللسححان تحصححل‬
‫العداوات‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫باللسان تحصححل العححداوات ‪ ،‬وقححد قححال ‪-‬جححل وعل ‪ :-‬‬
‫‪           ‬‬
‫)‪ (1‬وباللسان يحصل الوقوع في المؤمانين واليذاء بغير حححق‪ ،‬قححد‬
‫قال ‪-‬جل وعل ‪      -‬‬
‫‪ (2)        ‬واليذاء‬
‫أعظم أنواعه ماا كان باللسان‪ ،‬وقد أوذيت عائشححة ‪-‬رأضححى اللححه‬
‫‪ - 1‬سإورأة السإراء آية ‪.53 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الحزاب آية ‪.58 :‬‬

‫‪254‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫عنها وأرأضاها‪ -‬باللسان بمححا بلححغ بهححا المبلححغ الححذي تعلمححون فححي‬
‫قصة الفك‪ ،‬باللسان يحصل نشر الخير وباللسححان يحصححل نشححر‬
‫الشر‪.‬‬
‫فإذا حاسإب المرء نفسه علححى لسححانه‪ ،‬حصححل لححه مالك هححذا‬
‫المار‪ ،‬وهو أنه مالك عليه دينه‪ ،‬وأماا إذا أطلححق لسححانه فححي كححل‬
‫شيء‪ ،‬فإنه يضر نفسه ضررأا بالغا ول يملك علححى نفسححه دينححه‪،‬‬
‫واللسان قد جاءت الحاديث الكثيرة في بيان شححأنه‪ ،‬وماححر ماعنححا‬
‫في حديث ماضى بعض ذلك فقال‪  :‬ك ف عليححك هححذا ‪ ‬يعنححي‪:‬‬
‫أماسك‪ ،‬فالكلمة إذا لم تعلم أنها مان الحححق الححذي تححؤجر عليححه‪،‬‬
‫فاتركها؛ لنها عليك‪ ،‬وليست لك‪ ،‬قال ‪  :‬قلت‪ :‬يا نبي اللححه وإنححا‬
‫لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال‪ :‬ثأكلتححك أماححك ‪ ‬؛ لنححه ل يتوقححع‬
‫مان ماعاذ‪ ،‬وهو العححالم بححالحلل والحححرام الفقيححه أن يسححأل هححذا‬
‫السححؤال‪ ،‬فقححال ‪  :‬ثأكلت ك أماححك ‪ ‬يعنححي‪ :‬اسإححتغراب ماححن هححذا‬
‫السؤال الذي لم يتوقع مان ماعاذ أن يسأله فقال‪  :‬ثأكلتك أماححك‪،‬‬
‫وهل يكب الناس في النارأ على وجوههم‪ ،‬أو قححال مانححاخرهم إل‬
‫حصائد ألسنتهم ‪. ‬‬
‫يستنكف كححثير ماححن النححاس‪ ،‬يعنححي‪ :‬ماححن المسححلمين أن يعمححل‬
‫عمل ماحرماا مان الكبائر بجححوارأحه‪ ،‬تجححد أنححه يسححتنكف أن يأكححل‬
‫الربححا‪ ،‬ويسححتنكف أن يشححرب الخمححر‪ ،‬يسححتنكف أن يححأتي كححبيرة‬
‫الزنا‪ ،‬يستنكف أن يأتي كبيرة السحر‪ ،‬يستنكف أن يححأتي كححبيرة‬
‫قححذف المحصححنات الغححافلت‪ ،‬يسححتنكف أن يححأتي كححذا وكححذا ماححن‬
‫الكبائر‪ ،‬ولكنه في كبائر اللسان يقع فيهححا بل مابححالة‪ ،‬فيقححع فححي‬
‫النميمة مان دون أن يشعر‪ ،‬فينقل كلماا‪ ،‬وبه يفحرق بيحن المحرء‬
‫وبين أخيححه‪ ،‬يقححول‪ :‬فلن سإححمعته يقححول فيححك كححذا وكححذا‪ ،‬وهححذه‬
‫نميمة أن تنقل كلماا يوقححع الضححغينة والشححر فححي نفححس ماسححلم‬
‫علحى أخيحه المسحلم‪ ،‬وهحي كحبيرة ماحن الكبحائر‪ ،‬وهحي الحالقحة‪،‬‬
‫ويغتاب‪ ،‬والغيبة ماحرماة‪ ،‬وهي عند كثير مان أهححل العلححم كححبيرة‪،‬‬
‫ومادارأها على اللسان‪ ،‬وقد قال ‪-‬جل وعل ‪    :-‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة الحجرات آية ‪.12 :‬‬

‫‪255‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قال طائفة مان أهل العلم‪ :‬لما شبه الغيبة بأكل لحححم الميححت‬
‫دل على أنها مان الكبائر؛ لن المشبه به كبيرة‪ ،‬فيأخححذ المشححبه‬
‫حكم المشبه به‪ ،‬فدل على أنها مان الكبائر‪.‬‬
‫وهكذا في أصناف شتى‪ ،‬فما وجححدت العححداوات والبغضححاء إل‬
‫باللسان‪ ،‬وماا تفرقت الماة إل باللسان قبححل العمححال‪ ،‬فاللسححان‬
‫هو مادارأ المار؛ ولهذا قال ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪  : -‬أل أخححبرك‬
‫بملك ذلك كله ؟ ‪ ‬يعني‪ :‬برأس المار وعموده وذرأوة سإححناماه‪،‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬يححا رأسإححول اللححه‪ ،‬قححال ‪ :‬كححف عليححك هححذا ‪ ‬فهححذه‬
‫وصية عظيمة‪ ،‬وسإبب التعذيب‪ ،‬تعذيب كثيرين فححي النححارأ‪ ،‬أنهححم‬
‫لححم يكفححوا ألسححنتهم عمححا ل يحححل لهححم؛ فلهححذا علينححا أن نحححذرأ‬
‫اللسان أعظم الحححذرأ‪ ،‬فنوصححي بهححذه الوصححية الححتي أوصححى بهححا‬
‫المصطفى ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بقوله‪  :‬كف عليك هذا ‪. ‬‬
‫فأوصي نفسي وإياكم بأن نكف ألسنتنا‪ ،‬إل عن شيء علمنححا‬
‫حسححنه‪ ،‬فححإذا خاطبنححا إخواننححا‪ ،‬فلنخححاطبهم بححالتي هححي أحسححن ‪‬‬
‫‪ (1)        ‬أحسن ماححا‬
‫تجد مان اللفظ قله لوالدك‪ ،‬لوالدتك‪ ،‬لخوانك‪ ،‬لخواتك‪ ،‬لهلححك‪،‬‬
‫لخوانك المؤمانين؛ لنه بهذا تبعد مادخل الشيطان فححي التفريححق‬
‫ماا بين أهل اليمان‪.‬‬
‫وماا حصل‪ ،‬ماا حصل في تارأيخ السإلم‪ ،‬وفي زمااننا هذا ماححن‬
‫أماححورأ مانكححرة إل بسححبب إطلق اللسححان فيمححا ل يعلححم أنححه ماححن‬
‫الحق‪ ،‬وكل يتكلم بما شاء‪ ،‬فحصححل ماححا لححم يحمححد‪ ،‬نسححأل اللححه‬
‫‪-‬جل وعل ‪-‬أن يلهمني وإياكم ماا فيه صلحنا في قلوبنا وألسنتنا‬
‫وجوارأحنا‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة السإراء آية ‪.53 :‬‬

‫‪256‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثلثون‬
‫إن الله فرض فرائض فل تضيعوها‬
‫وعن أبي ثأعلبة الخشني ‪-‬جرثأوم بن ناشر‪ ،‬رأضى اللحه عنححه‪ -‬قححال ‪:‬‬
‫قال رأسإول الله ‪  ‬إن اللححه فححرض فرائححض‪ ،‬فل تضححيعوها‪ ،‬وحححد‬
‫حححدودا فل تعتححدوها‪ ،‬وحححرم أشححياء‪ ،‬فل تنتهكوهححا‪ ،‬وسإححكت عححن‬
‫أشياء لكم غّير نسيان‪ ،‬فل تبحثوا عنهححا ‪ ‬حححديث حسححن‪ ،‬رأواه‬
‫الدارأقطني وغّيره ‪.‬‬
‫هذا الحديث ‪-‬أيضا‪ -‬مان الحاديث الصول العظيمة‪.‬‬
‫عن أبي ثأعلبة الخشني ‪-‬جرثأوم بن ناشححر‪ -‬جرثأححوم‪ ،‬وجرثأوماححة‬
‫ماعناها الصل الذي يرجع إليه‪ ،‬هذه بالمناسإححبة‪ ،‬فجرثأححوم‪ ،‬يعنححي‪:‬‬
‫كلمة‪ ،‬اسإم له دللته القوية في اللغة‪ ،‬يعنححي‪ :‬هححو أصححل لغيححره‪،‬‬
‫والجرثأوماة هي الصل‪ ،‬وليسحت هحي كلمحة ذم‪ ،‬وإنمحا هحي فحي‬
‫اللغة ماا يدل على أنه أصل لغيره‪ ،‬قال جرثأوم بن ناشر ‪-‬رأضى‬
‫الله عنه‪ : -‬قال رأسإول الله ‪  ‬إن الله ‪-‬تعححالى‪ -‬فححرض فرائححض‬
‫فل تضيعوها‪ ،‬وحد حدودا فل تعتدوها ‪ ‬الحديث ‪.‬‬
‫قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم ‪  -‬إن الله تعالى فححرض فرائححض‪،‬‬
‫فل تضيعوها ‪ ‬يعني‪ :‬هنا بالفرائض ماا جاء إيجابه فححي القححرآن‪،‬‬
‫قال ‪  :‬إن الله فرض فرائض فل تضيعوها ‪. ‬‬
‫"فرض" ‪ :‬يعني‪ :‬أوجب واجبات فل تضيعوها‪ ،‬ومان المعلوم أن‬
‫كلمة "فححرض" فححي القححرآن قليلححة‪ ،‬والفححرض قليححل فححي الكتححاب‬
‫والسنة؛ ولهذا ماا دل القرآن علححى وجححوبه‪ ،‬فهححو فححرض‪ ،‬فقححوله‬
‫‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬هنححا ‪  :‬إن اللححه فححرض فرائححض فل‬
‫تضيعوها ‪ ‬يعني‪ :‬ماححا أوجبححه اللححه ‪-‬جل وعل‪ -‬فححي القححران‪ ،‬فمححا‬
‫ثأبت في القححرآن وجححوبه‪ ،‬فيسححمى فححرض بهححذا الحححديث؛ ولهححذا‬
‫ذهب جماعة مان أهل العلم‪ ،‬مانهم الماام أحمد على أن الفرض‬
‫أعظم مان الواجب مان جهة أن ماا أوجب الله ‪-‬جل وعل ‪-‬يقححال‬
‫له فرض‪ ،‬وماا دلت السنة على وجححوبه يقححال لححه‪ :‬واجححب إل إذا‬
‫أتى بصيغة الفرض‪ ،‬ففرق أحمد وجماعححة ماححن أهححل العلححم بيححن‬
‫الفرض والواجب مان جهة الدليل‪ ،‬ل مان جهة المرتبة‪.‬‬
‫‪257‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فهمححا ماححن حيححث الحكححم التكليفححي واحححد‪ ،‬حكمهمححا الوجححوب‪،‬‬


‫الفرض واجب‪ ،‬والواجب فرض‪ ،‬لكن ماا كححان ماححن جهححة الححدليل‬
‫مان القرآن سإمي فرضا‪ ،‬وماا كان مان جهححة الححدليل ماححن السححنة‬
‫سإمي واجبا‪ ،‬وقال بعض أهل العلم ‪:‬إن الفرض أرأفع درأجة مان‬
‫الواجب‪ ،‬وهو المعروف مان ماذهب أبي حنيفة ‪-‬رأحمه الله‪ -‬فححإن‬
‫الفرض عنده ماا ثأبت بدليل قطعي‪ ،‬والواجب ماا ثأبت بدليل غّير‬
‫قطعي‪ ،‬فحصل عنده أنه فرق بين الفحرض والحواجب ماحن جهحة‬
‫الححدليل عليححه‪ ،‬وماححن جهححة مارتبتححه‪ ،‬فححالفرض عنححده أرأفححع ماححن‬
‫الواجب‪ ،‬والقول الول‪ :‬ل‪ ،‬الفححرض الححواجب ماححن حيححث المرتبححة‬
‫واحد‪ ،‬لكن مان حيث الثبوت ماختلف‪.‬‬
‫وقححالت طائفححة ماححن أهححل العلححم ‪-‬وهححو قححول الجمهححورأ‪ : -‬إن‬
‫الفرض والواجب واحححد ماححن حيححث الححدليل عليهمححا‪ ،‬وماححن حيححث‬
‫المرتبة‪ ،‬فيقال ‪ :‬الصلوات الخمس فرائض‪ ،‬ويقال ‪ :‬هي واجبححة‪،‬‬
‫ويقال صوم رأماضان واجب‪ ،‬ويقال ‪ :‬فححرض‪ ،‬يقححال الحححج واجححب‬
‫وفرض‪ ،‬يقال ‪ :‬بر الوالدين واجب وفححرض‪ ،‬وهكححذا علححى القححول‬
‫الثالث‪ ،‬وهو القول المعروف المشهورأ؛ لن الفرائض والواجبححات‬
‫ماعناهما واحد‪ ،‬فالفرض ماعنححاه الححواجب؛ ولهححذا نقححول‪ :‬إن قححوله‬
‫‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪  : -‬إن اللححه تعححالى فححرض فرائححض‪ ،‬فل‬
‫تضححيعوها ‪ ‬يعنححي ماححا أوجبححه اللححه ‪-‬جححل وعل ‪-‬فححي القححرآن فل‬
‫نضيعه‪ ،‬نهى ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬عححن تضححييعه‪ ،‬وماححا أماححر بححه‬
‫المصطفى ‪ ‬فهو مان حيث اللزوم واللزام بعدم تضييعه بححدليل‬
‫خارأج عن هذا الدليل‪ ،‬وهو بدليل قول الله ‪-‬جل وعل ‪  :-‬‬
‫‪ (1)         ‬وبقوله‬
‫‪-‬جححل وعل ‪      - :‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪‬‬
‫واليات كثيرة في هذا الباب‪ ،‬وبقوله ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪ :-‬‬
‫أل وإني أوتيت الكتاب‪ ،‬وماثله ماعه ‪ ‬إلى أن قال‪  :‬أل وإن ماا‬
‫حرم رأسإول الله ‪ ‬ماثل ماا حرم الله ‪ ‬في الحديث المعروف‪،‬‬
‫حديث تحريم الخمر في خيبر إلى آخره ‪.‬‬
‫المقصود أن قوله‪  :‬فل تضيعوها ‪ ‬يعني‪ :‬اماتثلححوا وأدوا هححذه‬
‫الفرائض‪ ،‬ول تضيعوها بعدم الماتثححال‪ ،‬فححإن اللححه ماححا فرضححها إل‬
‫‪ - 1‬سإورأة الحشر آية ‪.7 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة آل عمران آية ‪.132 :‬‬

‫‪258‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ليمتثححل‪ ،‬وهححذا دليححل علححى أن ماححن ضححيع أثأححم؛ لنححه نهححى عححن‬
‫التضييع‪ ،‬وهذا داخل ضمن القاعدة أن ترك الواجب ماحرم‪.‬‬
‫قال ‪  :‬وحد حدودا فل تعتححدوها ‪ ‬هححذا اللفححظ ‪ ‬حححد حححدودا‬
‫فل تعتدوها ‪ ‬يدخل فيه البحث مان جهات كثيرة‪ ،‬لكححن ألخححص‬
‫لك ذلك بتقرير قاعدة عاماة في فهم نصححوصا الكتححاب والسححنة‪،‬‬
‫التي جاء فيها لفظ الحد والحدود‪ ،‬وهي أنها جححاءت علححى ثألثأححة‬
‫أنواع مان السإتعمال‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يؤتى بلفظ الحدود بإطلق‪ ،‬يعنححي‪ :‬بل أماححر أو نهححي‬
‫بعدها‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪ -‬في سإورأة النساء ‪      :‬‬
‫‪ (1)    ‬أو تأتي‪ ،‬ويكون بعدها النهي عن العتداء‪،‬‬
‫كقوله ‪-‬جل وعل ‪          :-‬‬
‫‪ (2)    ‬وكقوله‪. (3)         :‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يكون بعد ذكر الحححدود النهححي عححن المقارأبححة‪ ،‬فل‬
‫تقربوها فححي آيححة البقححرة الححتي فيهححا ذكححر الصححيام والعتكححاف ‪‬‬
‫‪ (4)       ‬فهذه ثألثأة أنححواع فححي‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫وفي السنة أتى الحد ‪-‬أيضا‪ -‬ويراد بححه العقوبححات المقححدرأة‪ ،‬أو‬
‫يراد به الذنوب التي عليها عقوبات‪ ،‬يعني‪ :‬المحرماات التي يجب‬
‫في حق مان اقتحمها أن يعاقب‪.‬‬
‫إذا تقررأ ذلك‪ ،‬فنرجع إلى تأصيل هححذا فححي أن الحححدود لفححظ‬
‫اسإححتعمل فححي الكتححاب والسححنة‪ ،‬واسإححتعمل فححي كلم الفقهححاء‪،‬‬
‫وكلماححي ‪-‬السححالف‪ -‬فححي التقسححيم إلححى النححواع‪ ،‬هححذا إنمححا هححو‬
‫لنصوصا الكتاب والسنة‪ ،‬وأماححا التعححبير بالحححدود فححي كتححب أهححل‬
‫العلم وأهل الفقه‪ ،‬فهذا اسإتعمال اصطلحي‪ ،‬ليس هو اسإتعمال‬
‫الحدود في نصوصا الكتاب والسنة‪ .‬إذا تبين هذا‪ ،‬فالنوع الول ‪-‬‬
‫ذكرنا لكم ثألثأة أنواع‪ -‬النوع الول‪ :‬كقوله‪      :‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.13 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الطلق آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة البقرة آية ‪.229 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة البقرة آية ‪.187 :‬‬

‫‪259‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫أو كقوله‪:‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫‪   ‬‬
‫فإذا‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪ (2)   ‬وكقوله‪        :‬‬
‫ذكر الحدود بل كلمة بعححدها‪ ،‬يعنححي‪ :‬نهححي عححن العتححداء‪ ،‬أو ذكححر‬
‫بعدها النهي عححن العتححداء‪ ،‬فححإن المححراد بالحححدود هنححا الفرائححض‬
‫يعني‪ :‬ماا أذن به‪ ،‬الفرائض‪ ،‬أو ماححا أذن بححه‪ ،‬فمححا أذن بححه فرضححا‬
‫كان‪ ،‬أو ماستحبا‪ ،‬أو ماباحا‪ ،‬فالحدود هنا المراد بها هذه الشياء؛‬
‫ولهحذا جحاء بعححدها ‪ (4)     ‬فال ذي يخححرج ماحن‬
‫دائرة المأذون به إلى خارأج عن المأذون به‪ ،‬فقححد تعححدى الحححد‪،‬‬
‫وقد خرج عنه‪ ،‬وهذا الحد‪ ،‬هو حد المأذون به‪ ،‬فهذا نوع‪.‬‬
‫‪ (5)     ‬جاءت بعد بيان ماا فرض الله ‪-‬جل وعل‬
‫‪-‬فححي التركححات ‪ (6)       ‬الي ات‬
‫في سإورأة النساء‪ ،‬لما أتمها في آيتين قال ‪     :‬‬
‫‪ (7)     ‬يعني‪ :‬هذا ماا أمار الله ‪-‬جل وعل ‪-‬به‬
‫وشححرعه‪ ،‬وهححذا ماعنححاه أن هححذه حححدود المححأماورأ؛ ولهححذا عقبهححا‬
‫بالطاعة‪ ،‬قال ‪      (8)      :‬‬
‫‪ (9)         ‬هذه الحدود هي ماا‬
‫أذن به‪ ،‬وأمار به‪ ،‬هذا هو النوع الول‪ ،‬فالحدود هنا ليسححت هححي‬
‫المحرماححات‪ ،‬الحححدود هححي ماححا أذن بححه‪ ،‬يححدخل فيهححا الواجبححات‬
‫والمستحبات والمباحات‪.‬‬
‫الحدود بالمعنى الثاني إذا جعلت للمحرماات فلها ضابطان‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون بعححدها ‪ (10)     ‬وأن يكححون‬
‫بعدها‪ ،‬أو ماعها ذكر العقوبححة‪ ،‬وهححذا يعنححي‪ :‬أن الحححدود هنححا هححي‬
‫المحرماححات؛ لهححذا ناسإححب أن يكححون ماعهححا النهححي عححن القربححان‪،‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.13 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الطلق آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة البقرة آية ‪.229 :‬‬

‫‪ - 4‬سإورأة البقرة آية ‪.229 :‬‬

‫‪ - 5‬سإورأة البقرة آية ‪.187 :‬‬

‫‪ - 6‬سإورأة النساء آية ‪.11 :‬‬

‫‪ - 7‬سإورأة النساء آية ‪.13 :‬‬

‫‪ - 8‬سإورأة النساء آية ‪.13 :‬‬

‫‪ - 9‬سإورأة الطلق آية ‪.1 :‬‬

‫‪ - 10‬سإورأة البقرة آية ‪.187 :‬‬

‫‪260‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫النهححي عححن القححتراب ‪       ‬‬


‫)‪ (11‬يعن ي‪ :‬المحرما ات ل تقححرب‪ ،‬ول يقححترب مانهححا‪ ،‬فهححذا نححوع؛‬
‫ولجل هذا النوع قيل في العقوبات الححتي شححرعت لمححن انتهححك‪،‬‬
‫تطهيرا لمن انتهك المحرماات‪ ،‬قيل لها حححدود‪ ،‬ماححن قبيححل رأؤيححة‬
‫هذا النوع دون غّيره‪ ،‬وهذا شائع كثير في اللغة وفي الشححريعة‪،‬‬
‫فإذن العقوبات الححتي شححرعت لمححن ارأتكححب ماحرماححا فقححارأب‪ ،‬أو‬
‫انتهك حدود الله قيل للعقوبة حد؛ لنححه دخححل فححي الحححد‪ ،‬وقيححل‬
‫لها‪ :‬حدود؛ لنه اقتحم الحدود‪.‬‬
‫وأماححا النححوع الثححالث‪ ،‬وهححو العقوبححات الححتي جححاءت فححي بعححض‬
‫الحاديث‪ ،‬فهذه المححراد مانهححا ماححا جعححل فححي الشححرع لححه عقححاب‬
‫بعينه‪ ،‬فيقال‪ :‬حد السرقة‪ ،‬حد الخمححر … إلححى آخححره‪ ،‬كمححا قححال‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬ل يجلد فححوق عشححرة أسإححواط إل فححي‬
‫حد مان حدود الله ‪ ‬فححي حححد ماححن حححدود اللححه‪ ،‬يعنححي‪ :‬إل فححي‬
‫ماعصية جاءت الشريعة بالعقوبة فيها‪ ،‬ويححدخل فححي هححذا الحححدود‬
‫عنححد الفقهححاء والتعزيححرات عنححد الفقهححاء‪ ،‬وقححوله ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬في هذا القسم الثالث ‪  :‬ل يجلد فوق عشرة أسإححواط‬
‫‪ ‬يعني‪ :‬تأديبا‪.‬‬
‫فل يحححل لحححد أن يححؤدب ماححن أبيححح لححه تححأديبه فححوق عشححرة‬
‫أسإواط‪ ،‬إل في حد مان حدود اللححه‪ ،‬يعنححي‪ :‬إل فححي عقوبححة جححاء‬
‫الشرع بهححا‪ ،‬إماححا أن تكححون حححدا علححى اصححطلح الفقهححاء‪ ،‬أو أن‬
‫تكون تعزيححرا‪ ،‬وهححذا بحححث طويححل فححي كتححاب الحححدود‪ ،‬وماعرفححة‬
‫الحدود والتعزيرات في الفقه‪ ،‬لكن ضبطت لك هححذا علححى نحححو‬
‫ماححا ذكححرت لححك ماححن التبسححيط؛ ليجتمححع لححك شححمل ماححا أرأاد بححه‬
‫الفقهاء اصطلحهم الحدود‪ ،‬وماا جاءت النصوصا بكلمة الحدود ‪.‬‬
‫إذا تقررأت هذه القاعدة‪ ،‬وهذا التحقيق في فهم هذه الكلمححة‬
‫التي أشكلت على كثير مان العلمححاء؛ ولعححدم فهمهححا ذهبححوا إلححى‬
‫ماذاهب شتى‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪" -‬نقححول هنححا"‪  :‬وح د حححدودا فل‬
‫تعتدوها ‪ ‬هنا الحدود على ماا ذكرنا‪ :‬هي ماا أذن به‪ ،‬الواجبححات‬
‫‪ - 11‬سإورأة البقرة آية ‪.187 :‬‬

‫‪261‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫والمستحبات وماا أشبه ذلك؛ لهذا قال‪  :‬حد حححدودا فل تعتححدوها‬


‫‪ ‬يعنحححي‪ :‬ل تعتحححد ماحححا أذن لححك‪ ،‬فكحححن فحححي دائحححرة الحححواجب‬
‫والمستحب والمباح‪ ،‬ول تنتقل مانه إلححى غّيححره‪ ،‬فححالول‪  :‬ف رض‬
‫فرائححض فل تضححيعوها ‪ ‬يعنححي‪ :‬اماتثححل الفرائححض‪ ،‬أد الواجبححات‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬كن في دائرة المستحب والمباح‪ ،‬ول تتعده إلى غّيره‪.‬‬
‫ثأم قححال‪  :‬وح رم أشححياء فل تنتهكوهححا ‪ ‬وهححذا ماححن العطححف‬
‫المغاير؛ لن التحريم غّير تعححدي الحححدود ‪-‬كمححا ذكرنححا لححك‪ ،-‬ماححن‬
‫بيان فهم نصوصا الكتاب والسنة في هذه المسألة المهمة‪ ،‬فما‬
‫حرم الله ‪-‬جححل وعل ‪-‬نهانححا ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪ -‬أن تنتهكححه‪،‬‬
‫والتعبير بالنتهاك ‪-‬أيضا‪ -‬يفيد العتداء وعدم المبالة مامن انتهححك‬
‫المحرماات‪ ،‬قال ‪  :‬وحرم أشححياء فل تنتهكوهححا ‪ ‬وقححوله ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسلم‪  :-‬حرم أشياء ‪ ‬يفيد أن هذه الشياء المحرماة‬
‫قليلة؛ ولهذا تجححد أن أصححول المحرماححات فححي الطعمححة قليلححة ‪‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪ … (1)      ‬إل ى آخححر اليححة‪ ،‬أو‬
‫المحرماححات بعاماححة ‪       ‬‬
‫‪ (2)        ‬اليات المعروفححة‬
‫في الوصايا العشر فححي آخححر سإححورأة النعححام‪ ،‬أو ماحرماححات فححي‬
‫اللبححاس‪ ،‬فهححي ماحححدودة بالنسححبة للرجححال وبالنسححبة للنسححاء‪ ،‬أو‬
‫ماحرماات في الشحربة فهححي ‪-‬أيضحا‪ -‬ماحححدودة‪ ،‬أو ماحرماحات فحي‬
‫المنازل‪ ،‬فهي ماحدودة‪ ،‬وماحرماات في المراكب‪ ،‬فهي ماحدودة‪.‬‬
‫لهذا المحرماححات أشححياء قليلححة بالنسححبة لغيححر المحرماححات؛ لن‬
‫دائرة المباح ‪-‬ولله الحمد‪ -‬أوسإححع؛ لهححذا قححال ‪  :‬وح رم أشححياء ‪‬‬
‫وهذه الشياء قليلة‪ ،‬فعجيب أن تنتهك‪ ،‬فقححال ‪  :‬فل تنتهكوهححا ‪‬‬
‫فيكون هذا المنتهححك لهححذه المحرماححات شححيء فححي نفسححه جعلححه‬
‫ينتهك هذا القليل‪ ،‬ويغرى بهذا القليل؛ ولهححذا لححم يحححرم الشححرع‬
‫شححيئا فيححه لبححن آدم مانفعححة‪ ،‬فححي حيححاته حاجيححة أو تحسححينية أو‬
‫ضرورأية‪ ،‬بل كل المحرماات يمكنه السإتغناء عنها‪ ،‬ول تؤثأر عليه‬
‫في حياته‪.‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة النعام آية ‪.145 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النعام آية ‪.151 :‬‬

‫‪262‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فما حرم الله ‪-‬جل وعل ‪-‬أو حرماه رأسإوله ‪ ‬مان أشياء‪ ،‬فححإنه‬
‫ل حاجححة لبححن آدم إليححه فححي إقاماححة حيححاته‪ ،‬أو التلححذذ بحيححاته‪،‬‬
‫فالمباحات والمستحبات يمكنه أن يتلذذ فيها بأشياء كثيرة تغنيححه‬
‫عن الحرام‪.‬‬
‫قال ‪  :‬وسإكت عن أشياء رأحمة لكم غّيححر نسححيان فل تبحثححوا‬
‫عنها ‪. ‬‬
‫"سإكت عححن أشححياء"‪ :‬يعنححي‪ :‬أن اللححه سإححكت‪ ،‬وهححذا السححكوت‬
‫الذي وصححف اللححه ‪-‬جححل وعل ‪-‬بححه ليححس هححو السححكوت المقابححل‬
‫للكلم‪ ،‬يقال‪ :‬تكلم وسإكت‪ ،‬وإنما هذا سإححكوت يقابححل بححه إظهححارأ‬
‫الحكم‪ ،‬فالله ‪-‬جل وعل ‪-‬سإكت عن التحريم‪ ،‬بمعنى لححم يحححرم‪،‬‬
‫لم يظهر لنا أن هذا حححرام‪ ،‬فالسححكوت هنححا ماححن قبيححل الحكححم‪،‬‬
‫سإكوت عن الحكم‪ ،‬ليس سإححكوتا عححن الكلم‪ ،‬فغلححط علححى هححذا‬
‫مان قال‪ :‬إن هذه الكلمة يستدل بها على إثأبات صححفة السححكوت‬
‫لله ‪-‬جل وعل ‪ ،-‬وهذا ماما لححم يححأت فححي نصححوصا السححلف فححي‬
‫الصفات‪ ،‬وهذا الحديث وأماثاله ل يدل على أن السححكوت صححفة؛‬
‫لن السكوت قسمان‪ :‬سإكوت عن الكلم‪ ،‬وهححذا ل يوصححف اللححه‬
‫‪-‬جل وعل ‪-‬به‪ ،‬بل يوصححف اللححه ‪-‬سإححبحانه وتعححالى‪ -‬بححأنه ماتكلححم‪،‬‬
‫ويتكلم كيف شاء‪ ،‬وإذا شاء‪ ،‬ماتى شاء‪ ،‬وأماا صفة السكوت عن‬
‫الكلم‪ ،‬فهذه لم تأت في الكتاب ول في السنة‪ ،‬فنقف على ماا‬
‫وقفنا عليه‪ ،‬يعني‪ :‬على ماا أوقفنا الشارأع عليه‪ ،‬فل نتعدى ذلك‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬مان السكوت‪ ،‬السكوت عن إظهارأ الحكم‪ ،‬أو‬
‫عن إظهارأ الخبر وأشباه ذلك‪ ،‬فلو فححرض ‪-‬ماثل‪ -‬أن أنححا أماححاماكم‬
‫الن‪ ،‬وأتكلم باسإترسإال‪ ،‬سإكت عن أشياء‪ ،‬وأنححا ماسترسإححل فححي‬
‫الكلم‪ ،‬بمعنى أني لم أظهر لكم أشياء أعلمها‪ ،‬تتعلق بالحاديث‬
‫التي نشرحها‪ ،‬وسإكوتي في أثأناء الشرح عن أشياء لم أظهرهححا‬
‫لكم‪ ،‬أوصف فيه بالسكوت؟‬
‫فتقول ‪-‬ماثل‪ :-‬فلن سإكت في شرحه عححن أشححياء كححثيرة‪ ،‬لححم‬
‫يبدها لجل أن المقححام ل يتسححع لهححا‪ ،‬ماححع أنححي ماتواصححل الكلم‪،‬‬
‫فإذا ً ل يدل السكوت‪ ،‬يعني‪ :‬في هذا‪ ،‬يعني‪ :‬السكوت عن إظهارأ‬

‫‪263‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحكم عن السكوت الذي هو صفة‪ ،‬والله ‪-‬جل وعل ‪-‬له المثححل‬


‫العلى‪ ،‬فنصفه بما وصف به نفسه‪ ،‬أو وصفه به رأسإوله ‪. ‬‬
‫ل نتجحححاوز القحححرآن والححححديث‪ ،‬فنصحححفه بحححالكلم‪ ،‬ول نصحححفه‬
‫بالسكوت الذي هو يقابل بححه الكلم‪ ،‬وإنمححا يجححوز أن تقححول‪ :‬إن‬
‫الله ‪-‬جل وعل ‪-‬سإكت عن أشياء‪ ،‬بمعنى لم يظهححر لنححا حكمهححا‪،‬‬
‫إذا تقررأ هذا مان جهة البحث العقدي‪ ،‬فنرجع إلى قوله‪  :‬سإكت‬
‫عن أشياء ‪ ‬بما يدل على أن هذه الشياء قليلة‪.‬‬
‫‪ ‬رأحمة بكم‪ ،‬أو رأحمة لكم غّيححر نسححيان ‪ ‬السححكوت بعححدم‬
‫إظهارأ بعض أحكام القضايا‪ ،‬رأحمححة ل نسححيان‪ ،‬واللححه ‪-‬جححل وعل‬
‫ي‪ ،‬كما قال ‪-‬سإبحانه‪      (1)  : -‬‬
‫‪-‬ليس بنس ّ‬
‫‪ (2)         ‬فالله ‪-‬سإبحانه‪ -‬ليس بذي‬
‫نسيان‪ ،‬بحل هحو الحفيحظ العليحم الكاماحل فحي صحفاته وأسإحمائه‪،‬‬
‫سإبحانه وتعالى‪ ،‬وجل وتقدس رأبنا‪.‬‬
‫فإذا هناك أشياء لم يبين لنا حكمهححا‪ ،‬فالسححكوت عنهححا رأحمححة‬
‫غّير نسيان‪ ،‬أمارنا ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أل نبحث عنها فقححال‪ :‬‬
‫فل تبحثوا عنها ‪. ‬‬
‫إذا تقرر هذا‪ ،‬فالشياء المسكوت عنها أنواع‪:‬‬
‫النوع الول ‪ :‬ماححا لححم يححأت التنصححيص عليححه ماححن المسححائل‪،‬‬
‫لكنهححا داخلححة فححي عمححوم نصححوصا الكتححاب والسححنة‪ ،‬داخلححة فححي‬
‫العموم‪ ،‬داخلة فححي الطلق‪ ،‬وداخلححة فححي مافهححوم الموافقححة‪ ،‬أو‬
‫مافهوم المخالفة‪ ،‬أو في المنطوق‪ ،‬أو أشباه ذلك‪ ،‬ماما هححو ماححن‬
‫ماقتضيات علم أصول الفقه‪.‬‬
‫فهذا النوع‪ ،‬ماما دلت عليه النصوصا بنوع مان أنواع الححدللت‬
‫المعروفة في أصول الفقه‪ ،‬هذا ل يقال عنه‪ :‬إنه ماسكوت عنححه؛‬
‫لن الشريعة جاءت ببيان الحكام ماححن أدلتهححا بالكتححاب والسححنة‪،‬‬
‫بأنواع الدللت‪ ،‬فهذا النوع ل يصح أن يقال‪ :‬إنه ماسححكوت عنححه؛‬
‫ولهححذا العلمححاء أدخلححوا أشححياء حححدثأت فححي عموماححات النصححوصا‪،‬‬
‫ففهموا مانها الحكححم‪ ،‬أو فححي الطلق‪ ،‬أو فححي المفهححوم وأشححباه‬
‫‪ - 1‬سإورأة ماريم آية ‪.64 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة طه آية ‪.52 :‬‬

‫‪264‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ذلك‪ ،‬وإذا أرأدنا أن نسرد الماثلة‪ ،‬فهي كثيرة يضيق المقام عنها‬
‫تراجعونها في المطولت‪.‬‬
‫النــوع الثــاني‪ :‬أشححياء ماسححكوت عنهححا‪ ،‬لكححن داخلححة ضححمن‬
‫القيسة‪ ،‬يعني‪ :‬يمكن أن يقاس المسكوت عنه على المنصححوصا‬
‫عليه‪ ،‬وقد ذهب جمهورأ علمححاء الماححة إلححى القححول بالقيححاس‪ ،‬إذا‬
‫كانت العلة واضحة‪ ،‬اجتمعت فيهححا الشححروط‪ ،‬ومانصوصححا عليهححا‪،‬‬
‫فإذا كان القياس صحيحا‪ ،‬فإن المسألة ل تعد ماسكوتا عنها‪.‬‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬أن تكون المسألة ماسكوتا عنها‪ ،‬بمعنححى أنححه‬
‫ل يظهر إدخالها ضمن دليححل‪ ،‬فكححانت فححي عهححده ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬هذا نوع‪ ،‬ولححم ينححص علححى حكمهححا‪ ،‬ولححم تححدخل ضححمن‬
‫دليححل عححام‪ ،‬فسححكت عنهححا‪ ،‬فهححذا يححدل أنهححا علححى الباحححة؛ لن‬
‫اليجاب أو التحريم نقل عن الصل‪ ،‬فالصححل أن ل تكليححف‪ ،‬ثأححم‬
‫جاء التكليف بنقل أشياء عن الصل‪ ،‬فل بد للوجوب مان دليححل‪،‬‬
‫ول بد للتحريم مان دليل‪ ،‬فما سإكت عنه‪ ،‬فل نعلم له دليل ماححن‬
‫النص‪ ،‬مان الكتاب والسنة‪ ،‬ول يدخل في العموماات‪ ،‬وليححس لححه‬
‫قياس‪ ،‬فهذا يدل على أنه ليس بواجب‪ ،‬ول يجححوز البحححث عنححه‪،‬‬
‫ولهذا أنكر النبي ‪-‬عليه الصلة والسححلم ‪ -‬علححى ماححن سإححأله عححن‬
‫الحج فقال الرجل ‪  :‬يا رأسإول الله‪ ،‬أفححي كححل عححام ؟ ‪ ‬هححذه‬
‫ماسألة ماسكوت عنها‪ ،‬وتحوجه الخطحاب للرجحل بحأل يبححث عحن‬
‫هذا‪ ،‬فسكت عن وجوب الحج‪ ،‬هل يتكررأ أم ل يتكررأ؟ والصححل‬
‫أنه يحصل الماتثال بفعله مارة واحدة‪ ،‬فقال النبي ‪-‬عليه الصححلة‬
‫والسلم‪: -‬‬
‫‪ ‬لو قلت‪ :‬نعم؛ لوجبت‪ .‬زرأوني ماا تركتكم ‪ ‬يعني‪ :‬إذا تركت‬
‫البيان‪ ،‬فاسإكتوا عن ذلك‪ ،‬قد ثأبت في صحيح ماسلم أنححه ‪-‬عليححه‬
‫الصلة والسححلم‪ -‬قححال ‪  :‬إن أشححد المسححلمين ‪-‬فححي المسححلمين‪-‬‬
‫جرماا رأجل سإأل عن شيء‪ ،‬فحرم لجل ماسألته ‪. ‬‬
‫قد قال ‪-‬جل وعل ‪       :-‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪ (1)        ‬فإذا هذا النحوع مامحا‬
‫سإححكت عنححه‪ ،‬فل يسححوغ لنححا أن نبحححث‪ ،‬ونتكلححف الححدليل عليهححا‪،‬‬
‫‪ - 1‬سإورأة المائدة آية ‪.101 :‬‬

‫‪265‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫تلحظ ‪-‬أحيانا‪ -‬مان بعض الدلة التي يقيمها بعض أهححل العلححم أن‬
‫فيها تكلفا للسإتدلل لحكم المسألة‪ ،‬فإذا كححان الححدليل ل يححدخل‬
‫فيها بوضوح‪ ،‬فإنها تبقى علي الصل‪.‬‬
‫‪ ‬وسإكت عن أشياء رأحمة بكم غّير نسيان‪ ،‬فل تبحثوا عنها ‪‬‬
‫وهذا مان رأحمة الله ‪-‬جل وعل ‪-‬بعباده‪.‬‬
‫أسإححأل اللححه الكريححم بأسإححمائه الحسححنى وصححفاته العليححا‪ ،‬أن‬
‫يلهمني وإياكم الرشد والسداد‪ ،‬وأن يعلمنا ماا ينفعنا‪ ،‬وأن يثبححت‬
‫العلم في قلوبنا‪ ،‬ويرزقنا زكاته والعمل به‪ ،‬وتعليمححه‪ ،‬والحسححان‬
‫في ذلك كله‪.‬‬
‫بقي عندنا اثأنا عشححر حححديثا‪ ،‬وبقحي عنححدنا جلسححتان غّححدا بعححد‬
‫العشاء‪ ،‬ويوم الخميس عصرا نكمل ‪-‬إن شاء الله تعالى‪ -‬البقية؛‬
‫لن الحاديث الباقية قصحيرة‪ ،‬وليسحت بطويلحة‪ ،‬وأححاديث اليحوم‬
‫وماا قبل كانت طويلة فححي ألفاظهححا‪ ،‬وإلححى لقححاء ‪-‬إن شححاء اللححه‬
‫تعالى‪ -‬وأثأابكم الله‪.‬‬
‫نعم ‪...‬‬
‫بسم الله الرحمححن الرحيححم‪ ،‬الحمححد للحه ححق الحمحد وأوفحاه‪،‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬وأن ماحمدا عبده ورأسإوله وماصححطفاه‪،‬‬
‫صلى الله عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسإلم تسليما كثيرا إلى يححوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫أماا بعد‪:‬‬
‫فهذه صلة للشرح‪ ،‬ووقفنا عند الحديث الحادي والثلثأين ماححن‬
‫الرأبعين النووية‪.‬‬
‫اقرأ ‪...‬‬

‫‪266‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الحادي والثلثون‬


‫ازهد في الدنيا يحبك الله‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد لله رأب العالمين‪ ،‬والصلة والسححلم‬
‫علححى أشححرف النبيححاء والمرسإححلين نبينححا ماحمححد وعلححى آلححه وصحححبه‬
‫أجمعين‪ .‬قححال المؤلححف ‪-‬رأحمححه اللححه تعححالى‪ :-‬وعححن سإححهل بححن سإححعد‬
‫الساعدي ‪-‬رأضى الله عنه‪ -‬قال ‪  :‬جاء رأجل إلى النبي ‪ ‬فقال يححا‬
‫رأسإول الله ‪ :‬دلني على عمل إذا عملتححه‪ ،‬أحبنححي اللححه‪ ،‬وأحبنححي‬
‫الناس‪ ،‬قال‪ :‬ازهد في الدنيا يحبك الله‪ ،‬وازهد فيما عنححد النححاس‬
‫يحبك الناس ‪ ‬حديث حسن‪ ،‬رأواه ابححن ماححاجه‪ ،‬وغّيححره بأسإححانيد‬
‫حسنة‬
‫هذا الحديث فيه ذكر الزهد‪ ،‬الزهد فححي الححدنيا‪ ،‬والزهححد فيمححا‬
‫في أيدي الناس‪ ،‬وهو حديث أصل في بيان كيححف يكححون المححرء‬
‫ماحبوبا عند الله ‪-‬جل وعل ‪-‬وعند الناس‪.‬‬
‫وهححو ‪-‬أيضححا‪ -‬ماححن أحححاديث الوصححايا؛ لن النححبي ‪ ‬أجححاب عححن‬
‫سإؤال ماضمونه طلب الوصية‪ ،‬قال سإهل بن سإححعد ‪-‬رأضححى اللححه‬
‫عنه‪  : -‬جاء رأجل إلى النبي ‪ ‬فقال يا رأسإول اللححه‪ :‬دلنححي علححى‬
‫عمل إذا عملته أحبنححي اللححه‪ ،‬وأحبنححي النححاس ‪ ‬وهححذا السححؤال‬
‫يدل على علو الهمة؛ لن ماحبة الله ‪-‬جل وعل ‪-‬غّايححة المطححالب‬
‫وماحبة الناس للمرء‪ ،‬أو للعبد ماعناها أداء حقوقهم‪ ،‬والدين قائم‬
‫على أداء حقوق الله وأداء حقححوق العبححاد‪ ،‬فمححن أدى حححق اللححه‬
‫‪-‬جل وعل ‪-‬أحبه الله‪ ،‬ومان أدى حقوق العبححاد وعححامالهم بالعححدل‬
‫والحسان‪ ،‬فإنه يثوب بمحبة الناس له‪ ،‬وهححذا الححذي يجمححع بيححن‬
‫الطرفين هو الصالح مان عباد الله؛ لن الصالح هححو الححذي يقححوم‬
‫بحق الله وحق العباد‪ ،‬والصلح هو القيام بحقححوق اللححه وحقححوق‬
‫الناس‪.‬‬
‫فهذا الحديث فيه ماا يحصل به ماحبة الرب ‪-‬جل وعل ‪-‬للعبححد‬
‫فقال ‪  :‬دلني على عمححل إذا عملتحه أحبنححي اللحه ‪ ‬وهححذا فيححه‬
‫تنبيه إلى أصل‪ ،‬وهو أن همة المححرء ينبغححي أن تكححون ماصححروفة‬
‫لما به يحب الله العبد‪ ،‬وليححس أن تكححون ماصححروفه لمحبتححه هححو‬

‫‪267‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫لله ‪-‬جل وعل ‪ ،-‬فالعبححاد كححثيرون مانهححم ماححن يحبححون اللحه ‪-‬جححل‬
‫وعل ‪ ،-‬بححل كححل ماتححدين بالباطححل أو بححالحق‪ ،‬فححإنه ماححا تححدين إل‬
‫لمحبة الله ‪-‬جل وعل ‪ ،-‬وليس هذا هو الذي يميز الناس‪ ،‬وإنمححا‬
‫الذي يميز الناس عند الله ‪-‬جل وعل ‪-‬هو مان الذي يحبححه اللححه‪،‬‬
‫‪-‬جل وعل ‪.-‬‬
‫وقد قال بعض أئمة السلف ‪-‬رأحمهم اللححه‪ :-‬ليححس الشححأن أن‬
‫حححب‪ ،‬يريححد أن ماحبححة العبححد‬ ‫حب‪ ،‬ولكن الشأن كل الشأن أن ت ُ َ‬ ‫ت ِ‬
‫لربه ‪-‬جل وعل ‪-‬هذه تحصل إماا بموافقة ماراد الله‪ ،‬أو بمخالفححة‬
‫ماراد اللححه‪ ،‬فالنصححارأى يحبححون اللححه‪ ،‬وعبححاد اليهححود يحبححون اللححه‪،‬‬
‫وعباد الملل يحبون اللحه‪ ،‬وعبحاد جهلحة المسحلمين يحبحون اللحه‪،‬‬
‫ولكن ليس هؤلء بمحبوبين لله ‪-‬جل وعل ‪-‬إل إذا كانوا على ماححا‬
‫يحبه الله ‪-‬جل وعل ‪-‬ويرضاه مان القوال والعمال‪.‬‬
‫إذا ً فحصل مان ذلك أن السعي في ماحبة الله للعبد هذا هححو‬
‫المطلب‪ ،‬وهذا إنما بالرغّب فححي العلححم وماعرفححة ماححا يحبححه اللححه‬
‫‪-‬جل وعل ‪-‬ويرضاه‪ ،‬فإذا عرفت كيححف يحححب اللححه العبححد‪ ،‬أو إذا‬
‫عرفت بما يحب الله ‪-‬جل وعل ‪-‬العبد‪ ،‬حصل لححك السححعي فححي‬
‫ماحبة الله ‪-‬جل وعل ‪.-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫وقححد قححال ‪-‬تعححالى‪: -‬‬
‫فصرفهم عن الدعوة‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪      ‬‬
‫إلى البرهان‪ ،‬قال هنا ‪  :‬دلني على عمل إذا عملته أحبني اللححه‬
‫‪ ‬وفي قوله‪  :‬دلني على عمل ‪ ‬ماا يشعر أن الصحابي فقححه‬
‫أن ماحبة الله ‪-‬جل وعل ‪-‬للعبححد تكححون بالعمححل‪ ،‬وهححذا خلف ماححا‬
‫يححدعيه بعضححهم أنححه يكتفححي بمححا يقححوم فححي القلححب‪ ،‬وإن كححانت‬
‫العمال ماخالفة لححذلك ‪ ،‬بححل إنمححا يحصححل حححب اللححه ‪-‬جححل وعل‬
‫‪-‬للعبد بعمل قلبي وعمل بدني مان العباد ‪ ،‬وقد قال ‪-‬جححل وعل‬
‫‪‬‬ ‫‪        :-‬‬
‫‪… (2)         ‬‬
‫الية‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة آل عمران آية ‪.31 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة المائدة آية ‪.54 :‬‬

‫‪268‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قال ‪  :‬دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني النححاس‬
‫‪ ‬فقال ‪  :‬ازهد في الدنيا يحبك الله ‪ ‬يحححب هححذه ماجزوماححة‪،‬‬
‫ولكن لجل التقاء الساكنين صارأت مافتوحة‪ ،‬ول تقرؤها بالضم ؛‬
‫لن المعنى يتغير‪ ،‬كما تقول لم يحب فلن كححذا؛ لنهححا إذا كححان‬
‫الحرف ماشددا‪ ،‬فإنه إذا دخل عليه جازم يصححبح مافتوحححا؛ لجححل‬
‫التقاء الساكنين‪ ،‬وكمححا هححو ماعلححوم فححي النحححو‪ ،‬ويحبححك ماجححزوم‬
‫جواب الطلب‪ ،‬أو جواب المار‪ ،‬قححال ‪  :‬ازه د فححي الححدنيا يحبححك‬
‫الله‪ ،‬وازهد فيما عنححد النححاس يحبححك النححاس ‪ ‬الوصححية جمعححت‬
‫الزهد‪.‬‬
‫والزهد في اللغة‪ :‬هو المار القليل الححذي ل يححؤبه لححه‪ ،‬وكححذلك‬
‫زهد في الشيء يعني‪ :‬إذا جعلحه شحيئا قليل ل يحؤبه ل ه‪ ،‬وسإحعر‬
‫زهيد‪ ،‬إذا كان قليل ليس ماثله ماما يلتفت إليه‪ ،‬وهكححذا‪ ،‬فالزهححد‬
‫في الدنيا أن تكون الدنيا في القلححب غّيححر مارفححوع بهححا الححرأس‪،‬‬
‫يعني‪ :‬أل تكون الدنيا في القلب‪ ،‬واختلفت عبارأات العلماء كثيرا‬
‫في تفسير الزهد‪ ،‬ففسره طائفة بأن الزهد هو أن تكححون فيمححا‬
‫في يدي الله ‪-‬جل وعل ‪-‬وبعطاء الله أوثأق ماما في يدك‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫أن يصح اليقين بأن ماححا عنححد اللححه ‪-‬جححل وعل ‪-‬أو ثأححق مامححا فححي‬
‫يححديك‪ ،‬وهححذا تفسححير رأوي عححن بعححض الصحححابة‪ ،‬ورأوي مارفوعححا‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬إلى النبي ‪ ‬لكن الصحيح أنه عن بعض الصحابة‪ ،‬هو عن‬
‫أبي صبيح الخولني قال فيه ‪:‬‬
‫"إن الزهد أن تكون فيما في يدي الله أوثأق ماما في يححدك"‪،‬‬
‫وهذا يعني أن ماا عند الله ‪-‬جل وعل ‪-‬في الححدنيا مامححا وعححد بححه‬
‫عباده‪ ،‬وماا عنده في الخرة‪ ،‬تكون الثقة به أعظم ماما تمارأسإه‬
‫في الدنيا‪ ،‬وهذا ينشححأ عححن قلححب عظححم يقينححه بربححه ‪-‬جححل وعل‬
‫‪-‬وعظم يقينه وتصديقه بوعده ووعيده‪ ،‬وعظم توكله علححى اللححه‬
‫‪-‬جل وعل ‪-‬وهذا حقيقه الزهد‪ ،‬وأيضا فسر الزهد بأنه العححراض‬
‫عن الحرام‪ ،‬والكتفاء بالحلل‪ ،‬وهححذا طريقححة ماححن قححال‪ :‬إن كححل‬
‫ماقتصد مان عباد الله زاهد‪.‬‬
‫يعني‪ :‬كل مان ابتعد عن الحرام‪ ،‬وأقبل على الحلل‪ ،‬فاقتصححر‬
‫عليه‪ ،‬فإنه زاهد‪ ،‬وهذا عندهم زهد في المحرم‪ ،‬فيصححح الوصححف‬
‫بأنه زاهد إذا زهد في المحرم‪ ،‬وهذا النححوع ماححن الزهححد‪ ،‬وليححس‬
‫‪269‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫هو الزهد في نصوصا الشريعة‪ ،‬ومانهم ماححن فسححر الزهححد بعاماححة‬


‫بأن الزهد ترك الدنيا والقبال على الخرة‪ ،‬ترك الححدنيا بفضححول‬
‫ماباحاتها‪ ،‬والقبال على الخرة والتعبد‪.‬‬
‫فالزاهححد‪ :‬هححو الححذي تححرك الححدنيا‪ ،‬وأقبححل علححى الخححرة‪ ،‬وهححذا‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬مان التعارأيف المعروفة‪ ،‬لكنه ليس بصحيح؛ لن الصحححابة‬
‫‪-‬رأضوان الله عليهم‪ -‬هم سإادة الزهاد‪ ،‬ولححم يححتركوا الححدنيا‪ ،‬فلححم‬
‫يستعملوا المباحات‪ ،‬بل عملوا بما يحب الله ‪-‬جل وعل ‪-‬ويرضاه‬
‫وأخذوا نصيبهم مان الدنيا‪ ،‬كما قال ‪-‬جل وعل ‪   :-‬‬
‫‪ (1)            ‬وأيضا‬
‫فسر الزهد بتفسححيرات كححثيرة ماتعححددة نصححل إلححى آخرهححا‪ ،‬وهححو‬
‫قول شيخ السإلم ابن تيمية ‪-‬رأحمه اللححه تعححالى‪ -‬وهححو أصححح ماححا‬
‫قيل فححي الزهححد؛ لصحححة اجتمححاعه ماححع ماححا جححاء فححي الحححاديث‪،‬‬
‫وكذلك ماا دلت اليات‪ ،‬وكذلك ماا كان عليه حال الصحابة وحال‬
‫السلف الصالح ‪-‬رأضوان الله عليهم‪ -‬قال‪:‬‬
‫الزهد‪ :‬هو ترك ماا ل ينفع في الخرة‪ ،‬فمن كان بقلبه الرغّبة‬
‫فححي الخححرة‪ ،‬وأنححه ل يعمححل العمححل إل إذا كححان نافعححا لححه فححي‬
‫الخرة‪ ،‬وإذا لم يكن نافعا له في الخرة‪ ،‬فإنه يتركه‪ ،‬فهححذا هححو‬
‫الزاهد‪ ،‬فعلى هذا يكون الزاهد غّنيححا‪ ،‬وعلححى هححذا يكححون الزاهححد‬
‫ماشتغل ببعض المباحات‪ ،‬إذا كحان اشحتغاله بهححا مامحا ينفعحه فححي‬
‫الخرة؛ ولهذا قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  : -‬رأوحوا عن القلححوب‬
‫سإاعة بعد سإاعة ‪ ‬فمن اسإتعان بشيء مان اللهو المباح علححى‬
‫قوته في الحححق‪ ،‬فهححذا ل يخححرج عححن وصححف الزهححادة؛ لنححه لححم‬
‫يفعل ماححا ل ينفعححه فححي الخححرة‪ ،‬وهححذا حاصححله أن إقبححاله علححى‬
‫الخرة فقط‪ ،‬فل يتأثأر بمدح الناس‪ ،‬ول يتأثأر بذماهم‪ ،‬ول بثنائهم‬
‫ول بترك الثناء‪ ،‬وإنما هو يعمل ماا ينفعه في الخرة‪.‬‬
‫ويترك الشتغال بكل المباحات‪ ،‬لن الشتغال بكححل المباحححات‬
‫ل يستقيم ماع ترك الرغّبة في الدنيا‪ ،‬وكل المباحات ل تنفع في‬
‫الخرة ‪ ،‬وإنما الذي ينفع بعض المباحات؛ ولهذا ذهب قائل هححذا‬
‫القول وهو الشيخ تقي الدين ابن تيمية ‪-‬رأحمححه اللححه‪ : -‬إلححى أن‬
‫الشتغال بفضول بالمباحات والكثحارأ مانهحا ل يجحوز ‪ ،‬يعنحي‪ :‬أنحه‬
‫‪ - 1‬سإورأة القصص آية ‪.77 :‬‬

‫‪270‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫كلما أقبل عليه ماباح غّشيه دون ماوارأبححة‪ ،‬فقححال ‪ :‬هححذا ل يجححوز‬
‫وهو مان اختيارأات الشيخ ابن تيمية‪ ،‬رأحمه الله تعالى‪.‬‬
‫واسإتدل بقوله ‪-‬تعالى‪       :-‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ (1)     ‬والسإتدلل ظاهر‪ ،‬حيث نهي ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬والنهي لماته علححى وجححه التبححع‪ ،‬أن يمححد المححرء‬
‫عينيه إلى ماا ماتع به الخلق مان زهححرة الحيححاة الححدنيا‪ ،‬وماححن ماححد‬
‫عينيه إلى ماا ماتع به الخلق مان زهرة الحياة الدنيا‪ ،‬فححإنه يفححوته‬
‫الزهد في الدنيا؛ لنه ل بد وأن يحصل بالقلب نوع تعلق بالدنيا‪،‬‬
‫وهذا خلف الزهادة‪ ،‬فتحصححل ماحن ذلحك أن الزهحد ليحس ماعنحاه‬
‫الفقر‪ ،‬وليس ماعناه ترك المال‪ ،‬وإنما الزهد حقيقة فححي القلححب‬
‫بتعلقه بالخرة‪ ،‬وتجانبه وابتعاده عححن الححدنيا‪ ،‬ماححن حيححث التعلححق‪،‬‬
‫فيتعامال بححأماورأ الححدنيا علححى أنهححا فححي يححده‪ ،‬وليسححت فححي قلبححه‪،‬‬
‫فتخلص قصده‪ ،‬ونيته في كل عمل يعملححه فححي أن يكححون نافعححا‬
‫له في الخرة‪.‬‬
‫فإذا عامال ‪-‬ماثل‪ -‬بالبيع والشراء‪ ،‬فإنه يستعين به على الحححق‪،‬‬
‫وعلى ماا ينفعه في الخرة‪ ،‬وقد قال رأجل للماام أحمححد ‪-‬رأحمححه‬
‫الله تعالى‪ :-‬هل يكون الغنى زاهححدا ؟ قححال‪ :‬نعححم‪ ،‬إذا لححم يححأس‬
‫على ماا فاته مان الدنيا‪ ،‬ولم يفرح بما كثر عنده مانها‪.‬‬
‫قد يكون الرجل عنده ماححال وفيححر جححدا‪ ،‬ولكنححه إن نقححص ماححا‬
‫تححأثأر‪ ،‬وإن زاد ماححا فححرح بححه‪ ،‬فهححذا عنححده وجححوده يعنححي‪ :‬زيححادته‪،‬‬
‫ونقصححه واحححد لقبححاله علححى الخححرة‪ ،‬وإنمححا حصححل هححذا بيححده‪،‬‬
‫فيستعمله فيما ينفعه في الخرة‪ ،‬وهذا مان المار العظيححم الححذي‬
‫فات إدرأاكه على كثير ماححن النححاس فححي هححذه الماححة‪ ،‬فظنححوا أن‬
‫الزهادة العراض عن المال‪ ،‬والعراض عمححا يحصححل للمححرء بححه‬
‫نفع في الخرة‪ ،‬وسإححئل الحسححن فقيححل لححه‪- :‬الحسححن‪ ،‬أو غّيححره‪-‬‬
‫فقيل له‪ :‬مان الزاهححد ؟ فقححال‪ :‬الزاهححد هححو الححذي إذا رأأى غّيححره‬
‫ظن أنه خير مانه‪.‬‬
‫وهذا مان عظيم المعاني‪ ،‬التي اخترعها الحسن ‪-‬رأحمححه اللححه‪-‬‬
‫حيث قال‪ :‬إن الزاهد هو الذي يفضل غّيره عليه‪ ،‬يعنححي‪ :‬إذا رأأى‬
‫‪ - 1‬سإورأة طه آية ‪.131 :‬‬

‫‪271‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أحدا مان المسلمين ظن أنه خير مانه‪ ،‬يعني‪ :‬عند الله ‪-‬جل وعل‬
‫‪.-‬‬
‫وهذا يعني‪ :‬أنه غّير ماتعلق بالدنيا مازدرأ نفسه في جنححب اللححه‬
‫‪-‬جل وعل ‪-‬غّير ماترفع على الخلق‪ ،‬وهذا إنما يحصححل لمححن ماححن‬
‫الله عليه‪ ،‬فعمر قلبه بالرغّبة في الخححرة‪ ،‬وبالبعححد عححن التعلححق‬
‫بالدنيا‪ ،‬والكلم على تارأيخ الزهد كثير‪.‬‬
‫إذا تقررأ هذا‪ ،‬فنرجع إلى قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ازهد‬
‫في الدنيا يحبك الله ‪. ‬‬
‫والزهد في الدنيا ماعنححاه‪ :‬أن تكححون الححدنيا قليلححة حقيححرة فححي‬
‫قلبك فل ترفحع‪ ،‬فل ترفحع بهحا رأأسإحك‪ ،‬يعنحي أنحه إذا تصحرف ل‬
‫يتصرف للدنيا‪ ،‬إذا فعل ل يفعحل للحدنيا‪ ،‬وإنمحا يكحون لل ه ‪-‬جحل‬
‫وعل ‪ ،-‬فينقلححب حاماححده وذاماححه ماححن النححاس سإححواء‪ ،‬رأضححي عنححه‬
‫الناس‪ ،‬أو لم يرضوا عنه‪ ،‬فإنه يعامال رأبه ‪-‬جححل وعل ‪-‬بمححا أماححر‬
‫الله ‪-‬جل وعل ‪-‬به مان التصححرفات والعمححال‪ ،‬فححإذا‪  :‬ازه د فححي‬
‫الدنيا يحبك الله ‪ ‬يعني‪ :‬ليكححن تعلقححك بححالخرة‪ ،‬وأخححرج الححدنيا‬
‫مان قلبك‪ ،‬أو قللها مان قلبك؛ لن "ازهد" ماعناه‪ :‬قلل‪ ،‬وإذا كححان‬
‫كذلك حصلت لك ماحبة الله؛ لنه إذا اجتمع فححي القلححب الرغّبححة‬
‫في الخرة‪ ،‬فإنه يكون ماع القبال على الله ‪-‬جل وعل ‪-‬والبتعاد‬
‫عن دارأ الغرورأ‪.‬‬
‫قال‪  :‬يحبك الله ‪ ‬وحب الله ‪-‬جل وعل ‪-‬صفة ماححن صححفاته‪،‬‬
‫التي يتبعها أهل السححنة والجماعححة لححه علححى الححوجه الححذي يليححق‬
‫بجلل الله ‪-‬جل وعل ‪-‬وعظمته ‪ ،‬وقححد جححاء إثأباتهححا فححي القححرآن‬
‫في آيات كثيرة‪ ،‬وكذلك في السنة‪ ،‬فهو ‪-‬جححل وعل ‪-‬يحححب كمححا‬
‫يليق بجلله وعظمتححه‪ ،‬يحححب ل حاجححة لمحبححوبه‪ ،‬أو لضححعفه ماححع‬
‫ماحبوبه‪ ،‬وإنما يحححب ‪-‬جحل وعل ‪-‬لخيحر يسححوقه إلحى ماححن يحححب‪،‬‬
‫فحبه ‪-‬جل وعل ‪-‬كمال ل لحاجة‪ ،‬بل هو عن كمال غّنححي‪ ،‬وعححن‬
‫كمال اقتدارأ فيحب عبده؛ لتقحرب العبحد مانحه‪ ،‬وححب ‪-‬جحل وعل‬
‫‪-‬للعبد مان ثأمراته أن يكون ماع العبد المعية الخاصة‪ ،‬قال ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪  : -‬وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ‪. ‬‬

‫‪272‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪ ‬ازهد فيما عند الناس ‪ ‬يعني‪ :‬ل يكن قلبححك ماتعلقححا فيمححا‬
‫في أيدي الناس‪ ،‬فإذا فعلت ذلك‪ ،‬فأخرجت ماا في أيدي الناس‬
‫مان التعلق ومان الهتمححام‪ ،‬وكححان ماححا عنححد النححاس فححي قلبححك ل‬
‫قيمة له‪ ،‬سإححواء أعظححم أم قححل‪ ،‬فححإنه بححذلك يحبححك النححاس؛ لن‬
‫الناس يرون فيه أنك غّير ماتعلق بما في أيححديهم‪ ،‬ل تنظححر إلححى‬
‫ماا أنعم الله به عليهم نظر رأغّبة‪ ،‬ول نظر طلححب‪ ،‬وإنمححا تسححأل‬
‫الله ‪-‬جل وعل ‪-‬لهم التخفيف ماححن الحسححاب‪ ،‬وتحمححد اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل ‪-‬على ماا أعطاك‪ ،‬وماا أنت فيه‪ ،‬فهذا إخراج ماا فححي أيححدي‬
‫الناس مان القلب‪ ،‬هذه حقيقححة الزهححادة فيمححا عنححد النححاس‪ ،‬وإذا‬
‫فعل ذلك المرء أحبححه النححاس؛ لن النححاس جبلححوا علححى أنهححم ل‬
‫يحبون مان نازعهم ماا يختصون ب ه‪ ،‬مامحا يملكحون‪ ،‬أو ماحا يكحون‬
‫في أيديهم حتى إذا دخلت بيت أحد‪ ،‬ورأأيت شيئا يعجبك‪ ،‬وظهر‬
‫عند ذلك أنك أعجبت بكححذا‪ ،‬فححإنه يكححون فححي نفححس ذاك الخححر‬
‫بعض الشيء‪ .‬وهذا يعكر صفو المحبة‪ ،‬فوطن نفسك أن ماا عند‬
‫الناس في قلبحك شحيء قليحل ل قيمحة ل ه‪ ،‬حقيحر ل قيمحة ل ه‪،‬‬
‫حقير قيمة له ماهما بلغ‪ ،‬وهذا فححي الحقيقححة ل يكححون إل لقلححب‬
‫زاهد ماتعلق بالخرة ‪ ،‬ل ينظحر إلحى الححدنيا أماححا ماححن ينظححر إلححى‬
‫الدنيا‪ ،‬فإنه يكون ماتعلقا بما في أيدي الناس‪.‬‬
‫فإذا نظر إلى مالك هذا تعلححق بححه‪ ،‬وإذا نظححر إلححى مالححك هححذا‬
‫تعلق به‪ ،‬ول يزال يسححأل‪ ،‬أو ينظححر إليححه‪ ،‬أو يتمتححع بححه حححتى ل‬
‫يكون ماحبوبا عند الناس‪ ،‬فإذن هححذه الوصححية جمعححت ماححا يكححون‬
‫فيه أداء حق الله ‪-‬جل وعل ‪-‬والتخلص مان حقوق الناس‪ ،‬فحححق‬
‫الله ‪-‬جل وعل ‪-‬عظيم وطريقه أن تزهد فيمححا ابتلححي بححه الخلححق‬
‫مان الدنيا‪ ،‬أن تقلل الدنيا في قلبك وكححذلك أن تقلححل شححأن ماححا‬
‫في أيدي الناس‪ ،‬فتكون ماعلقا بالخرة ‪.‬‬
‫فهذه هي حقيقة هذه الوصية العظيمة‪ ،‬ول شححك أننححا بحاجححة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬خاصة في هذا الزمان الذي صارأ أكثر الخلححق ماعلقيححن‬
‫بالدنيا في قلوبهم‪ ،‬وينظرون إذا نظروا على جهة المحبة للدنيا‪،‬‬
‫وهذا ماما يضعف قلب المححرء فححي تعلقححه بححالخرة‪ ،‬وتعلقححه بمححا‬
‫يحب الله ‪-‬جل وعل ‪-‬ويرضى‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فعظموا الخرة وقللوا مان شأن الححدنيا‪ ،‬فبححذلك يكححون الزهححد‬


‫الحقيقي‪ ،‬والقبال على الخرة‪ ،‬والتجانف عن دارأ الغرورأ‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثاني والثلثون‬


‫ل ضرر ول ضرار‬
‫وعن أبي سإعيد الخدرأي ‪-‬رأضي اللححه عنححه‪ -‬أن النححبي ‪ ‬قححال ‪  :‬ل‬
‫ضررأ ول ضرارأ ‪ ‬حديث حسححن رأواه ابححن مااجححة‪ ،‬والححدارأقطني‬
‫ماسندا‪ ،‬ورأواه ماالك في الموطأ مارسإل‪ ،‬عححن عمححرو بححن يحيححى‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن النبي ‪ ‬فأسإقط أبا سإعيد‪ ،‬وله طرق يقوي بعضها‬
‫بعضا‬
‫هحذا الححديث‪ ،‬وهحو الحححديث الثححاني والثلثأحون ماححن الححاديث‬
‫الجاماعححة‪ ،‬ماححن الحححاديث الجاماعححة الححتي جمعححت أحكاماححا كححثيرة‪،‬‬
‫وقاعدة مان قواعد الدين عظيمة‪ ،‬ومان جهة ثأبوته تنازع العلمححاء‬
‫فيه‪ ،‬هل الصواب فيه الوصل أم الرأسإال ؟ وقححد أشححارأ ‪-‬رأحمححه‬
‫الله ‪-‬إلى بعض هذا الختلف‪ .‬والصواب أنه حححديث حسححن‪ ،‬كمححا‬
‫قال النووي ‪-‬رأحمه الله تعالى‪ -‬لكثرة شواهده‪ ،‬والرأسإال فيححه ل‬
‫يعل الوصل؛ لن لكل مانهما جهححة كمححا هححو ماعححروف فححي علححل‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫وليححس ماححن شححرط هححذا الشححرح التعححرض لتحقيححق ماثححل هححذه‬
‫المسائل‪ ،‬قال أبو سإعيد الخدرأي ‪-‬رأضي الله عنه‪ -‬قال رأسإححول اللححه‬
‫‪  ‬ل ضررأ ول ضرارأ ‪ ‬وقوله‪  :‬ل ضررأ ‪ ‬ل هن ا نافي ة للجن س‪،‬‬
‫ومان المعلوم أن النفي ل بححد أن يكحون ماتسححلطا علحى شححيء‪ ،‬وقحد‬
‫تسلط هنا على الضررأ والضرارأ‪ ،‬لكن أين الخبر ؟ ل النافية للجنححس‬
‫تطلب خبرا كما هو ماعلوم‪ ،‬وقد يحذف خبرها‪ ،‬وشاع ذلك كثيرا‪ ،‬إذا‬
‫كان خبرها ماعلوماا‪ ،‬يعني‪ :‬إذا كان يدرأك‪ ،‬فل يححذكر اختصححارأا للكلم‪،‬‬
‫كما في قول النبي ‪ ‬في ع دة أح اديث كق وله ‪-‬ماثل ‪  :-‬ل ع دوى‪،‬‬
‫ول طيرة‪ ،‬ول هاماة‪ ،‬ول صفر‪ ،‬ول نوء‪ ،‬ول غّول ‪ ‬ك ل ه ذه أي ن أخبارأه ا ؟‬
‫الخبر غّير ماذكورأ‪ ،‬ل إله إل الله‪ ،‬خبر ل النافية للجنححس غّيححر ماححذكورأ‪ ،‬وهححذا ماعححروف فححي اللغححة شححاع‬
‫إسإقاط الخبر‪ ،‬كما قال ابن ماالك في اللفية‪ ،‬في آخر باب ل النافية للجنس‪.‬‬

‫إذا المــراد مـع‬ ‫وشاع في ذا الباب‬


‫سـقوطه ظهـر‬ ‫إسقاط الخبر‬
‫فهنا يشحيع إسإحقاط خحبر ل النافيحة للجنحس‪ ،‬إذا كحان المححراد‬
‫ماعلوماا‪ ،‬إذا تقررأ هذا فما المراد هنا ؟ المراد أنه ل ضححررأ فححي‬
‫‪275‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الشرع‪ ،‬ل ضررأ كائن في الشححريعة‪ ،‬وهححذا النفححي مانصححب علححى‬


‫جهتين‪ :‬جهة العبححادات‪ ،‬وجهححة المعححامالت وماححا بعححدها‪ ،‬أماححا جهححة‬
‫العبادات‪ ،‬فإن الشريعة لم يأت فيهححا عبححادة يحصححل بهححا للمححرء‬
‫ضررأ‪.‬‬
‫ف شححرعا فيمححا‬ ‫فإذا ل ضررأ في الشرع يعني‪ :‬أن الضررأ مانتحح ٍ‬
‫شرع في هذه الشريعة‪ ،‬ففي العبادات لم يشرع لنا شيء فيححه‬
‫ضححررأ علححى العبححد‪ ،‬ول ماضححارأة علححى العبححد‪ ،‬فمثل إذا نظححرت‪:‬‬
‫المريض يصلي قائما‪ ،‬فححإن تضححررأ بالقيححام صححلى قاعححدا‪ .‬يتطهححر‬
‫بالماء‪ ،‬فإن كان الماء يضره‪ ،‬ينتقل مانه إلى التراب‪ ،‬وهكذا في‬
‫ف شححرعا‪،‬‬ ‫أشياء ماتنوعة‪ ،‬فإذن هذا القسم الول أن الضررأ مانتحح ٍ‬
‫وانتقاؤه في العبادات بأنه لم تشرع عبادة‪ ،‬فيها ضررأ بالعبد بل‬
‫إذا وجد الضررأ جاء التخفيف‪.‬‬
‫والقسححم الثححاني‪ :‬نفححى الضححررأ شححرعا فححي أماححورأ المعححامالت‬
‫والماورأ الجتماعية‪ ،‬يعني‪ :‬مان النكاح‪ ،‬وتوابعه إلى آخححره‪ ،‬وهححذه‬
‫كلها ‪-‬أيضا‪ -‬في تشريعات السإلم نفى فيهححا الضححررأ‪ ،‬يعنححي ماححن‬
‫جهة التشريع‪ ،‬فقال ‪-‬جل وعل ‪-‬ماثل‪ ،‬في بيان العلقححة الزوجيححة‪،‬‬
‫قال ‪ (1)        :‬وقال في الرضاعة‬
‫‪ (2)            :‬وقال‬
‫‪-‬جل وعل ‪-‬في الوصية ‪      ‬‬
‫‪ (3)     ‬فإذن في أحكام الشريعة جاء نفي‬
‫الضررأ في نفس الحكام‪ ،‬وهذا مان جهة الشارأع‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ ،‬أو النوع الثاني مان القسم الثححاني‪ :‬يعنححي‪ :‬فححي‬
‫المعححامالت‪ ،‬أنححه طلححب بهححذا النححص نفححي الضححررأ والضححرارأ ماححن‬
‫العبححاد‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن العبححد ‪-‬أيضححا‪ -‬إذ نفححي وجححود الضححررأ والضححرارأ‬
‫شرعا‪ ،‬فهم ‪-‬أيضا‪ -‬ل يجوز لهم أن يسعوا فححي الضححررأ‪ ،‬ول فححي‬
‫الضرارأ؛ لن هذا مانفي؛ لن هذا مانفي شححرعا‪ ،‬فتحصححل لنححا أن‬
‫دخول هذا النفي ‪ ‬ل ضححررأ ول ضححرارأ ‪ ‬فححي المعححامالت رأجححع‬
‫إلى جهتين‪ ،‬الجهة الولححى‪ :‬جهححة التشححريع‪ ،‬والجهححة الثانيححة جهححة‬
‫المكلف‪ ،‬فالمكلف ل يسعى في شيء فيه ضررأ ول ضرارأ؛ لن‬
‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.231 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.233 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة النساء آية ‪.12 :‬‬

‫‪276‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الله ‪-‬جل وعل ‪-‬نفى وجود الضررأ شرعا‪ ،‬بقححول المصححطفى ‪ ‬‬
‫ل ضررأ ول ضرارأ ‪ ‬إذا تبين هذا فما ماعنى الضررأ؟ وماا ماعنى‬
‫الضرارأ؟ اختلفت عبارأات العلماء في ذلك‪ ،‬وفي الفرق ماححا بيححن‬
‫الضررأ والضرارأ‪ ،‬فمنهم مان قال‪:‬‬
‫إن الضررأ والضرارأ واحد‪ ،‬لكن كررأ للتأكيد‪ ،‬فالضررأ والضححرارأ‬
‫بمعنى واحد‪ ،‬وهو إيصال الذى للغير‪.‬‬
‫وقححال آخححرون ماححن أهححل العلححم‪ :‬الضححررأ والضححرارأ ماختلفححان‪،‬‬
‫فالضررأ هو السإم‪ ،‬والضرارأ هو الفعل يعني‪ :‬نفي وجود الضححررأ‪،‬‬
‫ونفي فعل الضررأ‪ ،‬فيكون علححى هححذا القححول‪ ،‬الول‪ :‬ماتجححه إلححى‬
‫الشرع بعض الضررأ في الشريعة‪ ،‬والثاني‪ :‬ماتجححه إلححى المكلححف‪،‬‬
‫فل فعل للضررأ والضرارأ ماأذون به شرعا‪ ،‬ويؤيد هذا بححأنه جححاء‬
‫في بعض الروايات ‪ ‬ل ضررأ ول إضرارأ ‪ ‬يعني‪ :‬بححالغير‪ ،‬وقححال‬
‫آخححرون ماححن أهححل العلححم ‪-‬وهححو القححول الثححالث‪ :-‬إن الضححررأ هححو‬
‫إيصال الذى للغير‪ ،‬بما فيححه مانفعححة للموصححل‪ ،‬والضححرارأ إيصححال‬
‫الذى للغير بما ليس لموصل الذى نفع فيححه‪ ،‬يعنححي‪ :‬أن الضححررأ‬
‫على هذا القول‪ ،‬هو أن تضر بأحد لكي تنتفع‪ ،‬فإذا وصله ضررأ‪:‬‬
‫أذى ماعين‪ ،‬انتفعت أنت بذلك إماا في الماورأ المالية‪ ،‬أو غّيرها‪،‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬الذي هو الضرارأ أن توصل الذى ‪ -‬نسححأل اللححه‬
‫العافيححة ‪ -‬دون فائححدة لححك ول ماصححلحة‪ ،‬وهححذا قححول عححدد ماححن‬
‫المحققيححن مانهححم العلماححة ابححن الصححلح‪ ،‬وقبلححه ابححن عبححد الححبر‬
‫وجماعة مان أهل العلم‪ ،‬وهذا التعريف أولى وأظهر لعدة أماورأ‪:‬‬
‫مانها‪ :‬أن فيه تفريقا بين الضررأ والضرارأ‪ ،‬والصححل فححي الكلم‬
‫التأسإيس ل التأكيد‪ ،‬والثاني‪ :‬أن لفظ الضححررأ يختلححف عححن لفححظ‬
‫الضححرارأ‪ ،‬فححي أن الضححررأ ظححاهر مانححه أن الموصححل لهححذا الضححررأ‬
‫مانتفع ب ه‪ ،‬وأماحا المضحارأ بالشحيء‪ ،‬فحإنه غّيحر مانتفحع ب ه لمعنحى‬
‫المفاعلة في ذلك‪ ،‬وهذا ‪-‬أيضا‪ -‬يعني‪ :‬مان جهة اللغة بين‪ ،‬ومانهححا‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬يعني‪ :‬ماما يترجح به هذا المعنححى أن الفعححال ماختلفححة‪ ،‬ل‬
‫ضررأ ول ضرارأ إذا انتفى في الشرع‪ ،‬يعني‪ :‬أنه لن يصححل الذى‬
‫إلى المكلف‪ ،‬أو نفي إيصال الذى للمكلف هذا يشمل الحححالت‬

‫‪277‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫التي ذكرنا جميعا‪ ،‬وهذا يتضح ماع تقسيم يأتي‪ ،‬وكما ذكرنا لكححم‬
‫في أول الكلم‪:‬‬
‫أن نفي الضررأ رأاجع إلى جهححة الشححرع فححي العبححادات‪ ،‬وإلححى‬
‫الشرع والمكلححف فححي المعححامالت وماححا بعححدها‪ ،‬وإذا قلنححا‪ :‬إنححه ل‬
‫ضررأ يعني‪ :‬في الشريعة‪ ،‬ففي الشريعة ل يصل أذى لحد لنفي‬
‫انتفاع المؤذي‪ ،‬فإن الله ‪-‬جل وعل ‪-‬ل ينتفع بأذى عباده‪ ،‬بل هو‬
‫‪-‬سإبحانه‪ -‬يبتليهم لحكمة يعلمها ‪-‬جل وعل ‪ ،-‬فالضررأ مانفي فححي‬
‫التشريع‪ ،‬وكذلك الضححرارأ مانفححي ‪-‬أيضححا‪ -‬فححي التشححريع إذا تقححررأ‬
‫هذا‪ ،‬فإن الضررأ والضرارأ يعني‪ :‬فححي عححدم اعتبححارأه فيمححا يححدخل‬
‫في فعل المكلف على قسمين‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن المكلف يدخل الضررأ على غّيححره‪ ،‬وهححو ل ينتفححع‬
‫بهححذا الدخححال‪ ،‬يعنححي‪ :‬يكححون ماضححارأا علححى التعريححف هححذا‪ ،‬وهححذا‬
‫بإجماع أهل العلم‪ ،‬إنه ل يجوز وماحرم يعني‪ :‬أن يضر غّيره بمححا‬
‫ل نفع له فيه‪ ،‬وهو المضارأة على تعريفنا‪ ،‬وهو الضرارأ‪ ،‬هذا لححه‬
‫أماثلة كثيرة في الفقه ماعلوماة‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يدخل الضررأ على ماكلف آخر على وجححه ينتفححع‬
‫هو مانه‪ ،‬وهذا اختلف فيه العلماء‪ ،‬هل يسوغ ماثححل هححذا ؟ أم ل‬
‫يسوغ ؟ فمنهم مان قال‪ :‬إن الحديث دل على أنححه ل ضححرارأ ول‬
‫ضررأ‪ ،‬فل يجوز الضررأ‪ ،‬فإذا أدخل على غّيره ضححررأا علححى وجححه‬
‫ينتفع هو مانه‪ ،‬فإنه دل الحديث على انتقائه‪ ،‬فيعني أن هذا غّير‬
‫ماعتبر‪ ،‬وهذا ماذهب جماعححة ماححن أهححل العلححم‪ ،‬مانهححم أبححو حنيفححة‬
‫‪-‬رأحمه الله‪ -‬والشافعي ‪-‬رأحمه الله‪ -‬قالوا ‪:‬‬
‫إن إدخال الضررأ على أي ماسلم‪ ،‬ولو لححك فيححه انتفححاع‪ ،‬فححإنه‬
‫هذا ل يجوز‪ ،‬ويجب إزالة الضررأ‪ ،‬ووجود الضمان لححو حصححل ماححا‬
‫يوجبه‪ ،‬ماثاله ‪ :‬ماثل أن يحتاج إلى فتح نوافححذ لتهويححة بيتححه علححى‬
‫جهة بيت جارأه‪ ،‬والجارأ يتضررأ مان فتححح هححذه النوافححذ؛ لنححه بهححا‬
‫يطلع الجارأ على حرماات جارأه‪ ،‬فهذا عند أبي حنيفة والشححافعي‬
‫مامنوع؛ لنه ل ضررأ ‪ ،‬وقد دخل الضررأ على الغيححر‪ ،‬ماثل يحتححاج‬
‫إلى أن يعمل شيئا في بيته‪ ،‬يشححب نححارأا فححي بيتححه لغححرض ماححن‬
‫الغّراض‪ ،‬يتأذى بها جارأه‪ ،‬فهذا ضححررأ دخحل علححى الجحارأ‪ ،‬وصححل‬
‫ف‪ ،‬يجب‬ ‫إليه‪ ،‬وأذى‪ ،‬وهو مانتفع بذلك‪ ،‬عند هؤلء هذا الضررأ مانت ٍ‬
‫‪278‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫رأفعه وإذا اشتكوا‪ ،‬إذا اشتكى الجارأ جححارأه عنححد القاضححي‪ ،‬أماححره‬
‫بإزالة ماا يلحقه مان أذى‪.‬‬
‫والقول الثاني في هذا ‪ ،‬وهو قول الماام أحمد ووافقه ماالك‬
‫فححي بعححض المسححائل‪ ،‬أن إيصححال الضححررأ للغيححر ينقسححم إلححى‬
‫قسمين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون ماعتححادا‪ ،‬والمصححلحة فيححه ظححاهرة‪ ،‬والثححاني‪ :‬أل‬
‫يكون ماعتححادا‪ ،‬والمصححلحة فيححه غّيححر ظححاهرة‪ ،‬فححإن كححان ماعتححادا‪،‬‬
‫والمصلحة فيه ظاهرة‪ ،‬فيجوز أن يفعله؛ لن الناس ل يمكن أن‬
‫يفعلوا فيما بينهم أشياء إل وثأم أذى يصيب الخر مانححه‪ ،‬يبنححي ل‬
‫بد أنه يشب نارأا‪ ،‬ويعمل أشياء‪ ،‬يصححل لححو رأائحححة كريهححة إليححك‪،‬‬
‫لكن هذا شيء ماعتححاد ل بححد مانححه‪ ،‬يريححد أن يعمححر ‪-‬ماثل‪ -‬بجححانب‬
‫جارأه ل بححد ماححن الصححباح‪ ،‬وهححم يضححربون حححتى يتححأذى الجححارأ‪ ،‬ل‬
‫يستطيع الجارأ أن يلوماه‪ ،‬ماع أنه ل ينام صباحا مان جراء العمل‪،‬‬
‫فهذا عمل ماعتاد وماثل هذا‪ ،‬ولو وصل الضررأ عند الماام أحمححد‪،‬‬
‫فإن ماثل هذا غّير مانفححي؛ لنححه ل تصححلح أماححورأ النححاس إل بهححذا‪،‬‬
‫وأماا إذا كان إيصال الضررأ غّير ماعتاد في أماححر ل ماصححلحة فيححه‪،‬‬
‫وغّير ماعتاد‪ ،‬فإنه يجب إزالته‪ ،‬في أشياء كثيرة‪ ،‬مان الماثلة‪:‬‬
‫يعني‪ :‬ماثل المثححال الحذي ذكرنحا سإحالفا ماثححل أبحواب وشحبابيك‬
‫على الجارأ‪ ،‬عند الماححام أحمححد هححذا مامححا جححرت العححادة بححه؛ لن‬
‫الغرف تحتاج إلى تهوية إلى آخره‪ ،‬فل يمنع مانه‪ ،‬وهو المعمحول‬
‫به عندنا في ضوابط ماعلوماة‪ ،‬وأماححا إذا عمححل عمل يوصححل إليححه‬
‫الضررأ بشيء غّير ماعتاد‪ ،‬فإنه ل يقر عليه‪ ،‬ماثل أن يحفححر قليبححا‬
‫بجنب قليب صححاحبه فسحححبت المححاء عليححه‪ ،‬والمححاء لمححن سإححبق؛‬
‫فلهذا يؤمار المتأخر بأن يزيل هذا الضححررأ؛ لنححه غّيححر ماعتححاد‪ ،‬ول‬
‫ماصلحة فيه ظاهرة له؛ لن ماصلحة الول ماتقدماة عليه‪.‬‬
‫ماثال آخر‪ :‬لو أرأاد أن يحفر فححي بيتححه‪ ،‬أو يبنححي‪ ،‬يححذهب يححأتي‬
‫بححدينامايت ‪-‬ماثل‪ -‬ول بأشححياء‪ ،‬يتضححررأ ماعهححا بيححت المجححاورأ بتهححدم‬
‫بعضه‪ ،‬أو بخلل في أرأكانه‪ ،‬أو في أسإسه‪ ،‬أو أشبه ذلححك‪ ،‬فهححذا‬
‫ماما ل يكون ماعتادا‪ ،‬فيمنع مانه‪ ،‬وهذا القول قححول الماححام أحمححد‬
‫هو التحقيق‪ ،‬وهو الصواب؛ لن العمل جرى عليه؛ ولن ماصلحة‬
‫الناس ل تتم إل بهذا‪ ،‬فإذا سإيحصل لنا ماححن هححذا ‪-‬والبحححث فححي‬
‫‪279‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫هذا الحديث يطول؛ لنه قاعدة عظيمححة‪ ،‬يححدخل فيهححا كححثير ماححن‬
‫أبواب المعامالت والماححورأ الجتماعيححة‪ :‬النكححاح والوصححية والطلق‬
‫وإلى آخره‪ -‬تحصل لنا مان هذا أن الضررأ والضرارأ ماختلفان وأن‬
‫هححذا لححه ماعنححى‪ ،‬وهححذا لحه ماعنححى‪ ،‬وأنحه مانتححف الضححررأ والضححرارأ‬
‫شرعا‪ ،‬يعني‪ :‬في التشريع‪.‬‬
‫وكححذلك يجححب علححى العبححاد أن ل يضححر بعضححهم بعضححا‪ ،‬وأن‬
‫الضررأ مانه ماححا هححو للعبححد فيححه ماصححلحة‪ ،‬فهححذا ل يجححوز باتفححاق‪،‬‬
‫والضرارأ الذي ل ماصلحة للعبد فيه‪ ،‬ولم تجر العادة فهححذا أيضححا‬
‫مانفي‪ ،‬وأماا ماا يحصل به نوع أذى ماع بقححاء المصححلحة‪ ،‬وجريححان‬
‫العادة في ذلك‪ ،‬فإنه ل ينفى شرعا‪ ،‬ول يجب به إزالة الضرارأ‪،‬‬
‫هذا مالخص ماا في هذا الحديث مان ماباحث‪.‬‬
‫وهو يسححتدعي أطححول ماححن هححذا بكححثير ماححن جهححة التقسححيمات‬
‫والماثلة؛ لنه داخل ‪-‬أيضححا‪ -‬ضححمن قاعححدة فقيهححة‪ ،‬وهححي‪ :‬الضححررأ‬
‫يزال‪ ،‬ولها تفريعات كثيرة‪ ،‬رأبما مار ماعكم بعضها‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثالث والثلثون‬


‫البينة على المدعي واليمين على من أنكر‬

‫وعن ابن عباس ‪-‬رأضي الله عنهما‪ -‬أن النبي ‪ ‬قال ‪  :‬لو يعطححى‬
‫الناس بدعواهم‪ ،‬لدعى رأجال أماوال قوم ودمااءهم‪ ،‬ولكن البينة‬
‫علحى المحدعي واليميحن علحى ماحن أنكحر ‪ ‬ححديث حسحن رأواه‬
‫البيهقي وغّيره‪ ،‬هكذا وبعضه في الصحيحين‪.‬‬
‫هذا الحديث أصححل فححي بححاب القضححاء والبينححات والخصححوماات‪،‬‬
‫قال‪ :‬عن ابن عباس ‪-‬رأضى الله عنهما‪ -‬أن رأسإول الله ‪ ‬قححال ‪:‬‬
‫‪ ‬لو يعطى الناس بدعواهم‪ ،‬لدعى رأجال أماوال قححوم ودماححاءهم‬
‫‪. ‬‬
‫‪ ‬لو يعطى الناس بدعواهم ‪ ‬يعني أنه لححو كححانت المسححألة‬
‫في الحكم مابنية على ماجرد الدعوى‪ ،‬فإنه سإيأتي لجل البغضاء‬
‫والشحناء بين الناس‪ ،‬يأتي مان يدعي ماححال غّيححره‪ ،‬بححل‪ ،‬ويححدعي‬
‫دماه‪ ،‬إذا ماات بأي طريقة‪ ،‬ادعي أن فلنا هو القاتل‪ .‬لو أعطححي‬
‫الناس ‪-‬بمجرد الحدعوى‪ ،‬بل بينحة‪ -‬لحصحل خلحل كحثير فحي الماحة‬
‫وفححي النححاس؛ لن نفححوس النححاس مابنيححة علححى المشححاحة وعلححى‬
‫البغضاء وعلححى الكراهححة‪ ،‬فقححد ينتححج ماححن ذلححك أن يححدعي أنححاس‬
‫أماوال قوم ودمااءهم‪ ،‬فقال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ل و يعطححى‬
‫الناس بدعواهم ‪ ‬يعني‪ :‬بل بينة على ماا ادعححوا‪ ،‬لدعححى رأجححال‬
‫أماوال قوم ودمااءهم ‪.‬‬
‫وهذا الادعاء بل بينة مارفوض؛ ولهذا كان لزاماا على المححدعي‬
‫أن يأتي بالبينة‪ ،‬وعقب عليه كتفسير لذلك فقال ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪ -‬ولكن البينة علححى المححدعي‪ ،‬واليميححن علححى ماححن أنكححر‪،‬‬
‫قوله‪  :‬البينة على المدعي ‪ ‬البينة اسإم لكل ماححا يححبين الحححق‪،‬‬
‫ويظهره على الصحيح المختارأ‪ ،‬فالبينات إذا كثيرة‪ ،‬فالشهود مان‬
‫البينات‪ ،‬والقرارأ مان البينات‪ ،‬والقرائن الدالة على المسألة ماححن‬
‫البينات‪ ،‬وفهم القاضي باختبارأ ‪-‬أيضا‪ -‬مان البينات‪ ،‬فهححم القاضححي‬

‫‪281‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫للمسألة باختبارأ‪ ،‬يختبر به الخصمين‪ ،‬فيظهر بحه لحه وجحه الححق‬


‫هذا مان البينات‪.‬‬
‫فإذا البينات علححى الصحححيح ليسححت مانحصححرة فححي أوجححه ماححن‬
‫أوجه الثبوت‪ ،‬بل هي عاماة في كححل ماححا يححبين الحححق‪ ،‬ويظهححره‪،‬‬
‫وهذه تستجد ماع الزماححان‪ ،‬وكححل زماححن لححه بينححات تختلححف أيضححا‪،‬‬
‫وتزيد عن الزمان الذي قبله‪ ،‬أو تختلف‪ ،‬فل بححد إذا فححي البينححات‬
‫مان رأعاية الحال ورأعاية البلد ورأعاية أعراف الناس إلى آخححره‪،‬‬
‫فإذا تقررأ هححذا‪ ،‬فالبينححة فححي اللغحة‪ :‬اسإححم للبيححان‪ ،‬وماححا يححبين بحه‬
‫الشيء‪ ،‬يقال له‪ :‬بينة‪ ،‬وأرأفع مانها البرهان‪ ،‬وأرأفحع ماحن البرهحان‬
‫‪‬‬ ‫الية ‪ ،‬وقد قححال ‪-‬جححل وعل ‪     -‬‬
‫‪. (1)     ‬‬
‫يعني‪ :‬ماا جئتنا بشيء يبين أنك صادق فححي ذلححك‪ ،‬يعنححي‪ :‬فححي‬
‫دعوى النبححوة‪ ،‬ودعححوى الرسإححالة‪ ،‬وماححا نحححن بتححارأكي آلهتنححا عححن‬
‫قولك‪ ،‬وقال ‪-‬جل وعل ‪       :-‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ (2)      ‬فجعل البينة هي الرسإول‪ ،‬وفي‬
‫الية الولى البينححة يؤتاهححا الرسإححول‪ ،‬فتنححوعت البينححة؛ لن البينححة‬
‫اسإم لما يظهر الحق‪ ،‬ويدل عليه؛ فلهذا قيل للرسإول إنه بينححة‪،‬‬
‫وللكتاب إنه بينة‪ ،‬وللشاهد إنه بينة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫فالبينة إذن على التحقيق أنها اسإم عام جاماع لكححل ماححا يححبين‬
‫الحق‪ ،‬ويظهره‪ ،‬قال ‪ :‬ولكن البينة على المدعي‪ ،‬واليميححن علححى‬
‫مان أنكر‪ ،‬والعلماء يعبرون عن ذلك بقولهم‪ :‬البينة على المدعي‬
‫واليمين على المدعى عليه‪ ،‬وهذا مان باب التصرف في العبارأة‪،‬‬
‫وذكر ‪-‬أيضا‪ -‬ورأوي ‪-‬أيضا‪ -‬في بعض رأوايات هذا الحديث‪ ،‬وأجمححع‬
‫أهل العلم على ماا دل عليه هححذا الحححديث‪ :‬ماححن أن البينححة علححى‬
‫المدعي‪ ،‬وأن المدعي ل تؤخذ دعواه‪ ،‬ول يلتفت لها ماححن حيححث‬
‫ماطالبته بشيء‪ ،‬حتى يأتي ببينة تثبت له هذا الحق‪.‬‬
‫عى عليه اختلفت فيهمححا عبححارأات أهححل العلححم‪،‬‬ ‫عي والمد َ‬‫والمد ِ‬
‫عي ماححن إذا سإححكت‬ ‫لكححن التحقيححق فيهمححا‪ ،‬أو الصححواب أن المححد ِ‬
‫‪ - 1‬سإورأة هود آية ‪.53 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البينة آية ‪.2-1 :‬‬

‫‪282‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ترك‪ ،‬والمدعى عليه مان إذا سإكت لم يترك‪ ،‬ويعبر طائفححة ماححن‬
‫أهل العلم في كتب الفقه‪ ،‬في القضاء في آخره‪ ،‬عن المححدعي‬
‫والمدعى عليه بالداخل والخارأج‪ ،‬المقصود أن المدعي في قوله‬
‫‪  :‬ولكن البينة على المدعي ‪ ‬أن المدعي‪ ،‬هو مان إذا سإححكت‬
‫عن القضية ترك؛ لنه هو صاحبها‪ ،‬فيدعي على غّيره شيئا‪ ،‬فلو‬
‫قال‪ :‬سإكت عن هذه الدعوى‪ ،‬ترك إذ ل ماطالب له بشيء‪.‬‬
‫وقد ينقلب المدعي مادعى عليححه إذا كححان الخصححم ل يسححكت‬
‫عنه‪ ،‬فإذا سإكت أحد الخصححمين‪ ،‬وبسححكوته يححترك‪ ،‬صححارأ ماححدعيا‪،‬‬
‫وإذا سإكت وبسكوته لم يححترك صححارأ ماححدعى عليححه‪ ،‬وقححد ينقلححب‬
‫‪-‬كما ذكرت لك‪ -‬المدعي إلى مادعى عليه في بعض الحالت‪.‬‬
‫قال ‪  :‬البينة على المدعي ‪ ‬يعني‪ :‬إذا أتححى أحححد وقححال‪ :‬أنححا‬
‫أدعي على فلن بأنه أخذ أرأضي‪ ،‬أو أخذ سإححيارأتي‪ ،‬أو أنححه أخححذ‬
‫مان ماالي كذا وكذا‪ ،‬أو أنححي أقرضححته كححذا وكححذا‪ ،‬وأطححالبه بححرده‬
‫فيقال‪ :‬أين البينة التي تثبت ذلك ؟ هل عندك شهود ؟ هذا نوع‬
‫مان البينات‪ ،‬هل عنححدك ورأقححة ماشححهود عليهححا ؟ أو أشححباه ذلححك‬
‫تثبت ذلك‪ ،‬ماا دليلك‪ ،‬أو ماا بينتك على هذا ؟‬
‫فيأتي بالبينة‪ ،‬فل ينظر إلى دعواه ماجححردة حححتى يححأتي ببينححة‪،‬‬
‫هناك بعض الحححالت ل يكححون ثأ َحح ّ‬
‫م بينححة للمححدعي‪ ،‬فيتححوجه فيهححا‪،‬‬
‫وهي الماورأ الماليححة‪ ،‬يتححوجه فيهححا اليميححن علححى المححدعى عليححه‪،‬‬
‫يعني‪ :‬أنه يقول‪ :‬هذا خصمي‪ ،‬فيأتي فيقول‪ :‬هذا ليس لححه عنححدي‬
‫شيء‪ ،‬فهنا ينكر المدعى عليه أحقية المححدعي بشححيء‪ ،‬ول بينححة‬
‫للمدعي على ذلك‪ ،‬فيرى القاضي أن تتوجه اليمين إلى المنكر‪،‬‬
‫يعني‪ :‬إلى المدعى عليه الذي يقول‪ :‬ليس له عندي شيء‪.‬‬
‫وهذا ماعنححى قححوله ‪  :‬واليمي ن علححى ماححن أنكححر ‪ ‬أو اليميححن‬
‫على المدعى عليه‪ ،‬يعنححي‪ :‬ماححن أنكححر حقححا طححولب بححه‪ ،‬ول بينححة‬
‫ثأابتة تدل عليه بينة واضحححة‪ ،‬وإنمححا هنححاك نححوع بينححة ولكنهححا لححم‬
‫تكمل‪ ،‬أو ماا يرى القاضي فيححه‪ ،‬أن فيححه حاجححة لطلححب اليميححن‪،‬‬
‫فإنه تتوجه اليمين للمدعى عليه؛ لنه مانكر‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫نفهم مان هذا أن المدعي ل يطالب باليمين؛ لنه هو صححاحب‬


‫الدعوى‪ ،‬فإنما عليه البينة‪ ،‬كذلك المدعى عليححه إذا أنكححر‪ ،‬فإنمححا‬
‫عليه اليمين‪ ،‬ويبرأ طبعا‪.‬‬
‫إذا كان المدعى عليه عنده بينات أخرى فيححدلي بهححا‪ ،‬وتكححون‬
‫بينة أقوى مان بينة خصمه‪.‬‬
‫المقصود مان هححذا الحححديث أن الشححريعة جححاءت فححي القضححاء‬
‫بإقاماححة العححدل‪ ،‬وإقاماححة الحححق‪ ،‬وأن هححذا إنمححا يكححون باجتمححاع‬
‫القرائن والدلئل والبينات على ثأبوت الحق لحد الخصمين‪ ،‬وأن‬
‫الحاكم ل يحكم بمجرد رأأيه ول يعلمه‪.‬‬
‫فل يجوز للحاكم يعني‪ :‬للقاضي أن يحكم بعلمه‪ ،‬وإنما يحكححم‬
‫بمححا دلححت عليححه الححدلئل‪ ،‬فلححو أتححاه رأجححل ماححن أصححدق النححاس‬
‫وأصلحهم وقال أنا عندي‪ ،‬أنا لي على فلن كذا وكححذا ول بينححة‪،‬‬
‫فإنه ل يحكم بعلمه في ذلك‪ ،‬ولو كان هو يعلححم بعححض ماححا فححي‬
‫المسألة مان الماورأ‪ ،‬فل بد مان البينة مان المدعي ‪ ،‬ول بد ماححن‬
‫إثأبحات ذلحك فيحكحم ل ه‪ ،‬أو اليميحن علحى ماحن أنكحر فحي بعحض‬
‫المسائل ‪.‬‬
‫وقد ثأبت في الصحيح أن النبي ‪ ‬قال ‪-‬فححي الخصححوماة وإدلء‬
‫كل بحجة ‪  -‬فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجتححه ماححن خصححمه‪،‬‬
‫فأقضي له ‪ ،‬فإنما أقضي على نحو ماا أسإمع‪ ،‬فمن قضححيت لححه‬
‫مان حق أخيه بشيء‪ ،‬فإنما هو قطعة مان النارأ‪ ،‬فليأخذ أو ليححدع‬
‫‪ ‬فحكم القاضي ل يجعل لمن ليس له الحق‪ ،‬يجعححل المسححألة‬
‫حقا له‪ ،‬وهذا عند بعض العاماة‪.‬‬
‫والناس يظنون أن القاضححي إذا حكححم‪ ،‬فمعنححاه أن ماححن حكححم‬
‫له‪ ،‬فله الحق ماطلقا‪ ،‬ولححو كححان مابطل فححي نفححس الماححر‪ ،‬وهححذا‬
‫باطل؛ لنه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬قال هنححا ‪  :‬فم ن قضحيت لحه‬
‫مان حق أخيه‪ ،‬فإنما هو قطعححة ماححن النححارأ‪ ،‬فليأخححذ‪ ،‬أو فليححدع ‪‬‬
‫وهذا يعني‪ :‬أن المرء ل يحصل له الحق بمجححرد حكححم القاضححي‪،‬‬
‫بل ل بد أن يعلم هو أن هذا حححق فححي نفسححه‪ ،‬أو أن المسححألة‬
‫ماترددة يحتاج فيها إلى حكححم القاضححي‪ ،‬أماححا إذا كححان مابطل‪ ،‬فل‬

‫‪284‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يجوز له أن يستحل المار بحكم القاضي‪ ،‬فإنما هي قطعححة ماححن‬


‫النارأ يأخذها‪ ،‬وماا أعظم ذلك ! ‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الرابع والثلثون‬


‫من رأى منكم منكرا فليغيره بيده‬
‫وعن أبي سإعيد الخدرأي ‪-‬رأضي الله عنه‪ -‬قال ‪ :‬سإمعت رأسإول اللححه ‪‬‬
‫يقول ‪  :‬مان رأأى مانكم مانكرا‪ ،‬فليغيره بيححده‪ ،‬فححإن لححم يسححتطع‬
‫فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضححعف اليمححان ‪ ‬رأواه‬
‫ماسلم ‪.‬‬
‫هححذا الحححديث حححديث عظيححم ‪-‬أيضححا‪ -‬فححي بيححان وجححوب الماححر‬
‫بححالمعروف والنهححي عححن المنكححر‪ ،‬وهححو حححديث ماعلححوم لححديكم‬
‫بتفاصيل الكلم عليه؛ لنه كثر بيانه‪ ،‬وبيان ماا فيه‪ ،‬لكن نختصححر‬
‫المقام‪ ،‬عن أبي سإعيد الخدرأي ‪-‬رأضي اللححه عنححه‪ -‬قححال‪ :‬سإححمعت‬
‫رأسإول الله ‪ ‬يقول ‪  :‬ما ن رأأى مانكححم مانكححرا‪ ،‬فليغيححره بيححده ‪‬‬
‫المنكر ‪ :‬اسإم لما عححرف فححي الشححريعة قبحححه والنهححي عنححه‪ ،‬فل‬
‫يكون مانكرا حتى يكون ماحرماا في الشححريعة‪ ،‬وهنححا قححال‪  :‬ما ن‬
‫رأأى مانكححم مانكححرا‪ ،‬فليغيححره بيححده ‪ ‬فهنححا شححرط‪ ،‬أماححا جححواب‬
‫الشرط‪ ،‬فهو المار بالتغيير باليد‪ ،‬وهذا المار علححى الوجححوب ماححع‬
‫القدرأة‪ ،‬وأماا فعل الشرط فهو قوله ‪  :‬مان رأأى مانكم مانكححرا ‪‬‬
‫والفعل رأأى هو الذي تعلق به الحكم‪ ،‬وهو وجوب النكارأ‪ ،‬ورأأى‬
‫هنا بصرية؛ لنها تعدت إلى مافعول واحد‪ ،‬فحصححل لنححا بححذلك أن‬
‫ماعنى الحديث مان رأأى مانكم مانكرا بعينه‪ ،‬فليغيححره بيححده‪ ،‬وهححذا‬
‫تقييد لوجوب النكارأ بمحا إذا رأؤي بحالعين‪ ،‬وأماحا العلحم بحالمنكر‪،‬‬
‫فل يكتفححى بححه فححي وجححوب النكححارأ‪ ،‬كمححا دل عليححه ظححاهر هححذا‬
‫الحديث‪.‬‬
‫قال العلم اء ‪ :‬ظحاهر الححديث علحى أنحه ل يجحب ححتى يحرى‬
‫بالعين‪ ،‬وينزل السمع المحقق مانزلة الححرأي بححالعين‪ ،‬فححإذا سإححمع‬
‫مانكححرا سإححماعا ماحققححا‪ ،‬سإححمع صححوت رأجححل واماححرأة فححي خلححوة‬
‫ماحرماحة سإحماعا ماحققحا‪ ،‬يعحرف بيقيحن أن هحذا ماححرم‪ ،‬وأنحه ل‬
‫يفعل…‪ .‬أن هذا في كلماه إنما هو ماع أجنبية وأشبه ذلك‪ ،‬فححإنه‬
‫يجب عليه النكارأ؛ لتنزيل السماع المحقق مانزلة النظر‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ه‪ ،‬أو أشححباه‬‫كذلك إذا سإمع أصححوات ماعححازف‪ ،‬أو أصححوات مال ٍ‬
‫ذلك بسماع ماحقق‪ ،‬فإنه يجب عليه هنا النكارأ‪ ،‬وأماا غّيححر ذلحك‪،‬‬
‫فل يدخل في الحديث‪ ،‬فإذا علم بمنكر‪ ،‬فإنه هنححا ل يححدخل فححي‬
‫النكارأ‪ ،‬وإنما يدخل في النصيحة؛ لن النكارأ علححق بالرؤيححة فححي‬
‫هذا الحديث‪ ،‬وينزل ‪-‬كما قال العلماء‪ -‬السماع المحقححق ‪-‬فقححط‪-‬‬
‫مانزلححة الرؤيححة قححال ‪  :‬ما ن رأأى مانكححم مانكححرا ‪ ‬وفححي قححوله‪:‬‬
‫"مانكرا" يظهر تعليق الماححر بححالمنكر‪ ،‬دون الواقححع فيححه‪ ،‬فححالحكم‬
‫بححالمار بححالتغيير باليححد هححذا رأاجححع إلححى المنكححر‪ ،‬أماححا الواقححع فححي‬
‫المنكر‪ ،‬فهذا له بحث آخر‪.‬‬
‫قال‪" :‬فليغيره" يعني‪ :‬فليغير المنكححر‪ ،‬فل يححدخل فححي الحححديث‬
‫عقاب فاعل المنكر؛ لن فاعل المنكر تكتنفه أبحاث‪ ،‬أو أحححوال‬
‫ماتعددة‪ ،‬فقد يكون الواجب ماعه الدعوة بالتي هي أحسن‪ ،‬وقححد‬
‫يكون التنبيه‪ ،‬وقد يكححون الحيلولححة بينححه وبيححن المنكححر والكتفححاء‬
‫بزجره بكلم‪ ،‬ونحوه ‪ ،‬وقد يكون بححالتعزير ‪ ،‬وقححد يكححون ‪ ..‬إلححى‬
‫آخر أحوال ذلك المعروفة‪ ،‬في كل ماقام بحسححب ذلححك المقححام‪،‬‬
‫وماا جاء فيه مان الحكام‪.‬‬
‫المقصود‪ :‬أن الحديث دل بظاهره على تعليق وجوب النكححارأ‪،‬‬
‫ووجوب التغيير باليد بالرؤية‪ ،‬وماا يقوم ماقاماها‪.‬‬
‫والثححاني‪ :‬بححالمنكر نفسححه‪ ،‬فتغييححر المنكححر‪ ،‬يعنححي ‪-‬ماثل‪ :-‬رأجححل‬
‫أمااماه زجاجححة خمححر‪ ،‬أو أماححاماه شححيء ماححن الملهيححات المحرماححة‪،‬‬
‫فإنكارأ المنكر ليس هو التعنيححف للفاعححل‪ ،‬وإنمححا هححو تغييححر هححذا‬
‫المنكر ماححن الخمححر‪ ،‬أو ماححن الملهححي المحرماححة‪ ،‬أو ماححن الصححورأ‬
‫المحرماة‪ ،‬أو أشباه ذلك بتغييره باليد ماع القدرأة ‪.‬‬
‫تغييره باليد ماع القدرأة ‪ ،‬وأماا الفاعل له فهذا له حكم آخر‪.‬‬
‫قال‪  :‬فليغيره بيده ‪ ‬والتغيير هنا أوجب التغيير باليد‪ ،‬وهححذا‬
‫ماقيد بما إذا كان التغيير باليد ماقدورأا عليه‪ ،‬وأماححا إذا كححان غّيححر‬
‫ماقدورأ عليه‪ ،‬فإنه ل يجب‪ ،‬ومان أماثلححة كححونه ماقححدورأا عليححه‪ :‬أن‬
‫يكون في بيتك الذي لك الولية عليه يعني‪ :‬في زوجححك وأبنائححك‬
‫وأشباه ذلك‪ ،‬أو في أيتام لك الولية عليهم‪ ،‬أو في ماكححان أنححت‬
‫ماسئول عنه‪ ،‬وأنت الولي عليححه‪ ،‬هححذا نححوع ماححن أنححواع القتححدارأ‪،‬‬
‫‪287‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فيجب عليك هنا أن تزيله‪ ،‬وإذا لم تغيححره بيححدك فتححأثأم‪ ،‬أماححا إذا‬
‫كان فحي ولي ة غّيحرك‪ ،‬فحإنه ل تحدخل القحدرأة هنحا‪ ،‬أو ل توجحد‬
‫القدرأة عليه؛ لن المقتدرأ‪ :‬هو مان لححه الوليححة فيكححون هنححا بححاب‬
‫النصححيحة لمححن هححذا تحححت وليتححه‪،‬ليغيححره ماححن هححو تحححت وليتححه‬
‫والتغيير في الشرع ليس بمعنى الزالة‪.‬‬
‫التغيير‪ :‬اسإم يشمل الزالة‪ ،‬ويشمل النكارأ باللسان بل إزالة‪،‬‬
‫يعني أن يقال‪ :‬هذا حرام‪ ،‬وهذا ل يجوز‪ ،‬ويشمل ‪-‬أيضا‪ -‬العتقاد‬
‫أن هذا مانكر و ماحرم؛ ولهذا جاء فححي هححذا الحححديث بيححان هححذه‬
‫المعاني الثلث‪ ،‬فقال عليه ‪-‬الصلة والسلم‪  -:‬فإن لححم يسححتطع‬
‫‪ -‬التغيير بيده ‪ -‬فبلسانه ‪ ‬يعني‪ :‬فليغيره بلسانه‪ ،‬ومان المعلححوم‬
‫أن اللسان ل يزيل المنكححر دائمححا‪ ،‬بححل قححد يححزول ماعححه بحسححب‬
‫اختيارأ الفاعححل للمنكححر‪ ،‬وقححد ل يححزول ماعححه المنكححر‪ ،‬تقححول ماثل‬
‫لفلن‪ :‬هذا حرام‪ ،‬وهححذا مانكححر ل يجححوز لححك‪ ،‬قححد ينتهححي وقححد ل‬
‫ينتهي‪ ،‬فإذا أخبرت الخلق‪ ،‬أو المكلف الواقع فححي هححذا المنكححر‪،‬‬
‫إذا أخبرته بأنه مانكر وحرام فقد غّيرت‪ ،‬وإذا سإححكت‪ ،‬فإنححك لححم‬
‫تغير‪.‬‬
‫وإن كنت ل تستطيع باللسان‪ ،‬فتغيره بالقلب تغييرا لزماا لك‬
‫ل ينفك عنححك‪ ،‬ول تعححذرأ بححالتخلف عنححه‪ ،‬وهححو اعتقححاد أنححه مانكححر‬
‫وماحرم ‪ ،‬والبراءة مان الفعل يعني‪ :‬بعدم الرضححا بححه؛ لهححذا جححاء‬
‫في سإنن أبي داود أنه عليه ‪-‬الصلة والسلم‪ -‬قححال‪  :‬إذا عملححت‬
‫الخطيئة كان مان غّححاب عنهححا ورأضححيها كمححن عملهححا‪ ،‬وكححان ماححن‬
‫غّاب عنها وكان مامن شهدها‪ ،‬فلم يفعلها كمححن فعلهححا ‪ ‬وهححذا‬
‫يعني‪ :‬أن الراضي بالشيء كفاعله؛ لن المنكر ل يجوز أن يقححر‪،‬‬
‫يعني‪ :‬أن يقره المرء‪ ،‬ولححو ماححن جهححة الرضححا‪ ،‬وهححذا ظححاهر فححي‬
‫‪‬‬ ‫قوله ‪-‬جل وعل‪       :-‬‬
‫‪ (1)       ‬وفي الية الخرى ‪  :‬‬
‫‪. (2)       ‬‬
‫فمن جلس في ماكان يستهزأ فيه بآيات الله‪ ،‬وهححو جححالس ل‬
‫يفارأق هذا المكان‪ ،‬فهو في حكم الفاعل مان جهة رأضاه بححذلك؛‬
‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.140 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النعام آية ‪.68 :‬‬

‫‪288‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫لن الراضي بالذنب كفاعله كما قال العلماء‪ ،‬إذا تبين ذلك‪ ،‬فها‬
‫هنا ماسائل تتعلق بهذا الحديث‪ ،‬وهي أن النكارأ ‪ -‬وجوب النكارأ‬
‫‪ -‬ماتعلق بالقدرأة بالجماع‪ ،‬وماتعلق بظن النتفاع عنححد كححثير ماححن‬
‫أهل العلم‪.‬‬
‫قال طائفة مان العلماء‪ :‬إنما يجب النكارأ إذا غّلب على ظنححه‬
‫أن ينتفع المنكر‪ ،‬يعني‪ :‬باللسان‪ ،‬بما ل يدخل تحححت وليتححه‪ ،‬أماححا‬
‫إذا غّلب على ظنححه أنححه ل ينتفححع‪ ،‬فححإنه ل يجححب النكححارأ؛ وذلححك‬
‫لظاهر قول الله ‪-‬جل وعل‪      -:‬‬
‫)‪(1‬‬

‫فأوجب التذكير بشرط النتفاع‪ ،‬وهذا ذهب إليه جماعة مان أهل‬
‫العلم مانهم شيخ السإلم ابن تيمية وغّيره‪ ،‬ودل عليه عمل عدد‬
‫ماححن الصحححابة ‪-‬رأضححوان اللححه عليهححم‪ -‬كححابن عمححر وابححن عبححاس‬
‫وغّيرهما‪ ،‬لما دخلوا على الححولة وأماححراء المححؤمانين فححي بيححوتهم‪،‬‬
‫وكان عندهم بعض المنكرات في ماجالسهم‪ ،‬فلم ينكروها؛ وذلك‬
‫لغلبة الظن أنهم ل ينتفعون بذلك؛ لنها مان الماورأ التي أقروهححا‬
‫وصارأت فيما بينهم‪ ،‬وهذا خلف قول الجمهورأ‪.‬‬
‫والجمهورأ على أنه يجب ماطلقا‪ ،‬سإواء غّلحب علحى الظحن‪ ،‬أو‬
‫لم يغلب الظن؛ لن إيجاب النكارأ لحق الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وهححذا ل‬
‫يدخل فيه غّلبة الظن‪ ،‬والقول الثاني‪ ،‬وهححو قححول شححيخ السإححلم‬
‫ابن تيمية ‪-‬كما ذكرت لكححم‪ -‬وجماعححة‪ ،‬ماححن أنححه يجححب ماححع غّلبححة‬
‫الظن هذا أوجه مان جهة نصوصا الشريعة؛ لن أعمال المكلفين‬
‫مابنية على ماا يغلب على ظنهم‪ ،‬والنبي ‪ ‬قال‪  :‬مان رأأى مانكم‬
‫مانكرا فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فححإن لححم يسححتطع‬
‫فبقلبه ‪ ‬وعدم السإححتطاعة هححذه تشححمل عححدة أحححوال‪ ،‬ويححدخل‬
‫فيها غّلبة الظن أل ينتفع الخصم‪ ،‬ماثل‪ :‬إذا قححابلت حليقححا للحيححة‪،‬‬
‫أو قابلت امارأة سإفرت وجهها‪ ،‬ونحححو ذلححك‪ ،‬فححي بعححض الماكنححة‬
‫نجد حرجا هل ننكر أم ل ننكر؟‬
‫يغلب على ظننا في بعض الحوال‪ ،‬أننا لححو أنكرنحا لمححا انتفحع‬
‫أولئك بذلك؛ لعلمهم بهذه المسألة‪ ،‬فيكتفى هنا بالنكارأ بححالقلب‬
‫مان جهة الوجوب‪ ،‬ويبقى السإتحباب في أنه يسححتحب أن تبقححى‬
‫هذه الشعيرة‪ ،‬وأن يفعلها مان أرأاد فعل المستحب‪ ،‬وكما ذكرت‬
‫‪ - 1‬سإورأة العلى آية ‪.9 :‬‬

‫‪289‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫لك هذا خلف قول الجمهورأ‪ ،‬لكنه يتأيد بمعرفححة حححال الصحححابة‬
‫‪-‬رأضوان الله عليهم‪ -‬مان أنهم إنما أنكروا ماا غّلححب علححى ظنهححم‬
‫النتفاع به‪ ،‬وإل للزم مانه أن يأثأموا في ترك كثير مان الواجبات‬
‫في أحوال كثيرة وماعلوماة‪.‬‬
‫قال في آخره‪  :‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اليمان‬
‫‪  ‬فححإن لححم يسححتطع فبقلبححه ‪ ‬يعنححي‪ :‬ينكححر بقلبححه‪ ،‬والنكححارأ‬
‫بالقلب‪ ،‬يعني‪ :‬بغححض المنكححر‪ ،‬وكراهتححه واعتقححاد أنححه مانكححر وأنححه‬
‫ماحححرم ‪ ‬وذلححك أضححعف اليمححان ‪ ‬يعنححي‪ :‬هححذا أقححل درأجححات‬
‫اليمان؛ لنه هو الذي يجب على كل أحد‪ ،‬كل أحححد يجححب عليححه‬
‫هذا ‪ ‬وليس ورأاء ذلك مان اليمححان حبححة خححردل ‪ ‬لن المنكححر‬
‫المجمححع عليححه إذا لححم يعتقححد حرماتححه‪ ،‬ولححم يبغضححه ماححع اعتقححاد‬
‫حرماته‪ ،‬فإنه على خطر عظيم في إيمانه‪.‬‬
‫هذا الحديث يدخل في بحثه النكارأ على الولة‪ ،‬والنكارأ على‬
‫عاماة الناس‪ ،‬ويدخل ‪-‬أيضا‪ -‬ماراتب النكارأ‪ ،‬والقواعد التي تحكححم‬
‫ذلك‪ ،‬وهي كثيرة‪ ،‬يعني‪ :‬مابححاحثه‪ ،‬أعنححي‪ :‬مابححاحثه وفروعححه كححثيرة‬
‫يطول المقام بذكرها‪ ،‬لكن أنبه على ماسألة ماهمة ذكرتهححا عححدة‬
‫ماححرات‪ ،‬وهححي أن هنححاك فرقححا ماححا بيححن النصححيحة والنكححارأ فححي‬
‫الشريعة‪ ،‬وذلك أن النكارأ أضيق مان النصححيحة‪ ،‬فالنصححيحة اسإححم‬
‫عام يشححمل أشححياء كححثيرة‪ ،‬كمححا ماححر ماعنححا فححي حححديث ‪ ‬الححدين‬
‫النصيحة ‪ ‬ومانها النكححارأ‪ ،‬فالنكححارأ حححال ماححن أحححوال النصححيحة؛‬
‫ولهذا كان ماقيدا بقيود وله ضوابطه‪ ،‬فمن ضححوابطه‪ :‬أن النكححارأ‬
‫الصل فيه أن يكون علنا؛ لقوله‪  :‬مان رأأى مانكم فليغيره بيححده‪،‬‬
‫فإن لم يستطع فبلسانه ‪ ‬وهذا بشرط رأؤية المنكر‪.‬‬
‫وهنا ندخل في بحث ماسألة بحثناهححا ماححرارأا‪ ،‬وهححي أن الححولة‬
‫ينكر عليهم إذا فعلححوا المنكححر بأنفسححهم‪ ،‬ورأآه ماححن فعححل أماححاماه‬
‫ذلك الشيء‪ ،‬وعلى هذا يحمل هدي السلف في ذلك‪.‬‬
‫وكل الحاديث التي جاءت‪ ،‬وهي كثيرة‪ ،‬أكثر ماححن عشححرة‪ ،‬أو‬
‫اثأني عشر حديثا في هذا الباب‪ ،‬فيها إنكارأ طائفححة ماححن السححلف‬
‫على الماير‪ ،‬أو على الوالي‪ ،‬كلها على هذا الضححابط‪ ،‬وهححو أنهححم‬
‫أنكروا شيئا رأأوه مان الماير أمااماهم‪ ،‬ولم يكن هدي السححلف أن‬

‫‪290‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ينكروا على الوالي شيئا أجراه في وليته؛ ولهذا لما حصل ماححن‬
‫عثمان ‪ ‬بعض الجتهادات وقيحل لسإححاماة بحن زيححد ‪ -‬رأضححي اللحه‬
‫عنهما‪ : -‬أل تنصح لعثمان؟ أل ترى إلى ماا فعل؟ قال‪ :‬أماححا إنححي‬
‫بذلته له سإرا‪ ،‬ل أكون فاتح باب فتنة‪.‬‬
‫ففرق السححلف فححي المنكححر الححذي يفعححل أماححام النححاس كححال‬
‫الماير الذي قدم خطبتي العيد على الصلة‪ ،‬وكالذي أتى للنححاس‬
‫وقد لبس ثأوبين‪ ،‬وأحوال كثيرة في هذا‪ ،‬فرقوا ماا بيححن حصححول‬
‫المنكر مانه أماام الناس علنححا‪ ،‬وماححا بيححن ماححا يجريححه فححي وليتححه‪،‬‬
‫فجعلوا ماا يجريه في وليته بابا مان أبواب النصيحة‪ ،‬وماححا يفعلححه‬
‫علنا يأتي هذا الحديث‪  :‬مان رأأى مانكححم مانكححرا فليغيححره بيححده ‪‬‬
‫ماع الحكمة في ذلك؛ ولهذا قال رأجل لبن عباس ‪ -‬رأضححي اللححه‬
‫عنهما ‪ :-‬أل آتي الماير‪ ،‬فآماره وأنهاه ؟ قال‪ :‬ل تفعل‪ ،‬فإن كححان‬
‫ففيما بينك وبينه‪ .‬قال‪ :‬أرأأيت إن أمارني بمعصححية؟ قححال‪ :‬أماححا إن‬
‫كان ذاك فعليك إذن‪.‬‬
‫فدل هذا على أن المار والنهححي المتعلححق بححالولي إنمححا يكححون‬
‫فيما بين المرء وبينه‪ ،‬فيما يكون في وليته‪ ،‬وأماا إذا كان يفعل‬
‫الشيء أماام الناس‪ ،‬فإن هححذا يجححب أن ينكححر ماححن رأآه بحسححب‬
‫القدرأة وبحسب القواعد التي تحكححم ذلححك‪ ،‬إذا تكححررأ هححذا‪ ،‬فثححم‬
‫ماسألة ماتصلة بهذه‪ ،‬وهي‪ :‬أن قاعدة النكارأ مابنيححة علححى قاعححدة‬
‫أخرى ذكرها شيخ السإلم ابن تيميححة وابححن القيححم‪ ،‬وهححي أنححه ل‬
‫يجوز إنكارأ مانكر حتى تتيقن أنححه لححن ينتقححل المنكححر عليححه إلححى‬
‫مانكر أشد مانه‪ ،‬قال شيخ السإلم‪:‬‬
‫ومان أنكر ظانا أنه ينتقل‪ ،‬فإنه يحأثأم‪ ،‬حححتى يححتيقن أن إنكحارأه‬
‫سإينقل المنكر عليه إلى ماا هو أفضل‪.‬‬
‫وقد قال بعض أهل العلم‪ :‬إن هححذا ماجمححع عليححه‪ ،‬وماثححل لهححذا‬
‫ابن القيم بمسائل كثيرة في كتابه "إعلم الموقعين" فقال ماثل‪:‬‬
‫لححو أتيححت إلححى أنححاس يلعبححون لعبححا ماحرماححا‪ ،‬أو يشححتغلون بكتححب‬
‫ماجون‪ ،‬فإن أنكرت عليهم ذلححك‪ ،‬فححإنه يكتنفححه أحححوال‪ :‬الول‪ :‬أن‬
‫ينتقلححوا ماححن هححذا المنكححر إلححى ماححا هححو أنكححر مانححه‪ ،‬فهححذا حححرام‬
‫بالجماع يعني‪ :‬يخححرج ماححن لهححوه بححالكتب إلححى التصححال بالنسححاء‬
‫ماباشرة‪ ،‬أو إلى رأؤية النساء ماباشرة‪ ،‬أو ماححا أشححبه ذلححك‪ ،‬فهححذا‬
‫‪291‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫مانكر أشد مانه‪ ،‬فبقاؤه على الول أقل خطرا في الشريعة ماححن‬
‫انتقاله إلى المنكر الثاني‪.‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬أن ينتقل إلى ماا هححو خيححر وديححن‪ ،‬فهححذا هححو‬
‫الذي يجب ماعه النكارأ‪.‬‬
‫والثــالث‪ :‬أن ينتقححل مانححه إلححى مانكححر يسححاويه‪ ،‬فهححذا ماحححل‬
‫اجتهاد‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أن ينتقل مانه إلى مانكر آخر‪.‬‬
‫ذكر أربعة‪ :‬مانكر أشححد مانححه‪ ،‬ومانكححر آخححر‪ ،‬ومانكححر ماسححاويه‪،‬‬
‫وإلى خير‪ ،‬هذه أرأبعة أقسام‪ ،‬وإلى مانكححر آخححر‪ ،‬فهححذا ‪-‬أيضححا‪ -‬ل‬
‫يجوز‪ ،‬وإذا كان إلى مانكر ماساويه‪ ،‬فهذا ماحل اجتهاد‪ ،‬وإلى خير‬
‫فهذا واجب‪ ،‬وإلى مانكر أشد مانححه فهححذا ل يجححوز‪ ،‬فتحصححل مانححه‬
‫أن ثأم حالتين يحرم فيهمححا النكححارأ‪ ،‬وهححي‪ :‬إذا انتقححل ماححن مانكححر‬
‫إلى مانكر آخر غّير ماساٍو‪ ،‬وإلى مانكر ‪ -‬يعني‪ :‬إنك ماا تدرأي إنححه‬
‫ماساوٍ ‪ -‬وإلى مانكر أشد مانه بيقينك‪ ،‬فهذه حرام بالجماع‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن ينتقل إلى مانكر ماساوٍ فهذا فيه ماحل اجتهاد‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أن ينتقل إلى خير‪ ،‬فهذا يجححب ماعححه النكححارأ‪ ،‬وذكححر‬
‫قصة لشيخ السإلم ابن تيمية أنه مار وطائفة مان أصحابه علححى‬
‫قوم مان التتر يلعبون بالشطرنج‪ ،‬ويشححربون الخمححر فححي شححارأع‬
‫مان شوارأع دماشق علنا‪ ،‬فقال أحد أصحححاب شححيخ السإححلم ابححن‬
‫تيمية ‪ -‬رأحمه الله ‪ :-‬أل ننكر على هؤلء ؟ فقال شيخ السإححلم‪:‬‬
‫دعهم‪ ،‬فإن انشغالهم بذلك أهون مان أن يعيثوا في المسححلمين‪،‬‬
‫أو أن يعتدوا عليهم‪ ،‬وهححذا ماححن الفقححه العظيححم؛ لن هححذا مانكححر‬
‫وماحرم لكنه قاصر‪ ،‬ولنكارأه عليهححم قححد يكححون ماعححه أن ينتقلححوا‬
‫إلححى مانكححر ماتعححد ٍ علححى بعححض المسححلمين‪ ،‬وماعلححوم أن المنكححر‬
‫القاصر أهون مان المنكر المتعدي‪.‬‬
‫هذه بعض المباحث التي يحسن ذكرها عند هذا الحديث‪.‬‬
‫نعم‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫نقف عند هذا ‪ ،‬بقي عندنا سإبعة أحاديث ننهيها غّدا ‪-‬إن شاء‬
‫الله‪.-‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصححلة والسححلم علححى رأسإححول اللححه‪ ،‬وعلححى آلححه‬
‫وصحبه ومان اهتدى بهداه‪ ،‬ماعنا الحديث الخاماس والثلثأححون ماححن‬
‫الرأبعين النووية‪.‬‬
‫اقرأ‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الخامس والثلثون‬


‫ل تحاسدوا ول تناجشوا ول تباغضوا‬
‫بسححم اللححه الرحمححن الرحيححم‪ ،‬الحمححد للححه رأب العححالمين‪ ،‬والصححلة‬
‫والسححلم علححى أشححرف النبيححاء والمرسإححلين نبينححا ماحمححد وعلححى آلححه‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬قال المصنف رأحمه الله تعالى‪ :‬وعححن أبححي هريححرة ‪‬‬
‫قال‪ :‬رأسإول الله ‪  ‬ل تحاسإدوا‪ ،‬ول تناجشوا ‪ ،‬ول تباغّضوا‪ ،‬ول‬
‫تححدابروا ‪ ،‬ول يبححع بعضححكم علححى بيححع بعححض‪ ،‬وكونححوا عبححاد اللححه‬
‫إخوانا‪ ،‬المسلم أخو المسحلم‪ ،‬ل يظلمحه‪ ،‬ول يخحذله‪ ،‬ول يكحذبه‪،‬‬
‫ول يحقححره‪ ،‬التقححوى هححا هنححا‪ ،‬ويشححير إلححى صححدرأه ثألث ماححرات‪،‬‬
‫بحسب امارئ مان الشر أن يحقححر أخححاه المسححلم‪ ،‬كححل المسححلم‬
‫على المسلم حرام دماه ومااله وعرضه ‪ ‬رأواه ماسلم‬
‫هذا الحديث أصححل فححي حححق المسححلم علححى المسححلم‪ ،‬وفيمححا‬
‫ينبغي أن يكون بيححن المسححلمين ماححن أنححواع التعاماححل‪ ،‬قححال فيححه‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ل تحاسإدوا‪ ،‬ول تناجشوا‪ ،‬ول تباغّضححوا‪،‬‬
‫ول تدابروا ‪. ‬‬
‫الحديث‪.‬‬
‫قوله‪  :‬ل تحاسإدوا‪ ،‬ول تناجشححوا ‪… ‬إلححى آخححره هححذا نهححي‪،‬‬
‫وكما هو ماعلوم أن النهي يفيد التحريححم فححي ماثححل هححذا‪ ،‬فقححوله‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ل تحاسإدوا ‪ ‬يعني‪ :‬أن الحسد ماحرم‪،‬‬
‫وقد جاءت أحاديث كثيرة فيها بيان تحريححم الحسححد‪ ،‬وأنححه يأكححل‬
‫الحسنات كما تأكل النارأ الحطب‪ ،‬وكذلك التناجش ماحححرم‪ ،‬وقححد‬
‫نهى النبي ‪ ‬عن النجش في غّيححر ماححا حححديث‪ ،‬وكححذلك التبححاغّض‬
‫والتححدابر وأشححباه هححذا مامححا يزيححل المحبححة‪ ،‬أو يزيححل اللفححة بيححن‬
‫المسلمين‪ ،‬فإنه مامنوع مانع تحريم‪.‬‬
‫قوله ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪  :-‬ل تحاسإححدوا ‪ ‬الحسححد‪ :‬فسححر‬
‫بعدة تفسيرات‪ ،‬ومانها‪ :‬أن الحسد‪ :‬تمني زوال النعمة عن الغيحر‪،‬‬
‫وأيضا مان الحسد أن يعتقد أن هذا الذي أنعم اللححه عليححه ليححس‬
‫بأهححل لهححذه النعمححة‪ ،‬ول يسححتحق فضححل اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ولهححذا‬
‫فحقيقة الحسد اعتراض على قضاء الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وعلى قدرأه‬
‫‪294‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ونعمته؛ فلهحذا ك ان ‪ ‬الحسحد يأكحل الحسحنات كمحا تأكحل النحارأ‬


‫الحطب ‪ ‬فليححس الحسححد ماقتصححرا علححى أنححه يححأثأم بححه صححاحبه‬
‫فقط‪ ،‬بل يذهب بعض حسنات صاحبه؛ لنه ينطوي على اعتقححاد‬
‫خبيث وعلى ظن سإوء بالله ‪-‬جل وعل‪ -‬حيث قام فححي قلبححه أن‬
‫هذا ليس بأهل لفضححل اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ونعمتححه‪ ،‬ونحححو هححذا ماححا‬
‫يستعمله بعض العاماة حيث يقول بعضهم‪ :‬هذا حححرام أن يعطححى‬
‫كذا وكذا‪ ،‬هذا حرام أن تكون عنده هذه النعمة‪ ،‬هححذا حححرام أن‬
‫يكون عنده المال‪ ،‬وأشباه ذلك ماما فيه ظححن سإححوء بححالله ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬واعتراض على قدرأ الله‪ ،‬وعلى نعمته‪ ،‬وعلى رأزقححه الححذي‬
‫يصرفه كيف يشاء‪.‬‬
‫لخيه المسلم بما أنعححم‬ ‫فالواجب إذن على المسلم أن يفرح‬
‫‪ ‬ل يححؤمان أحححدكم حححتى‬ ‫الله عليه‪ ،‬وقد مار ماعنححا فححي الحححديث‪:‬‬
‫بضد ذلك‪ ،‬فإن الحاسإححد‬ ‫يحب لخيه ماا يحب لنفسه ‪ ‬والحسد‬
‫أن يتمنححى زوال النعمححة‬ ‫ل يحب لخيه ماا يحب لنفسه‪ ،‬بححل إماححا‬
‫ليس بأهححل لمححا أعطححاه‬ ‫عن أخيه‪ ،‬أو أنه يعتقد‪ ،‬ويظن أن أخاه‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫قال‪  :‬ول تناجشوا ‪ ‬وهذا ‪-‬أيضا‪ -‬يدل على تحريححم النجححش‪،‬‬
‫وقد تقررأ في الصول أن النهي إذا تسلط على المضارأع‪ ،‬فححإنه‬
‫يعححم أنححواع المصححدرأ؛ لن المضححارأع عبححارأة عححن حححدث وزماححن‪،‬‬
‫فتسلط النفي على الحدث تسلط النفي أو النهي على الحدث‪،‬‬
‫والحدث نكرة فعم أنواعا‪.‬‬
‫إذن نقول هنا‪ :‬فححي قحوله‪  :‬ل تحاسإحدوا ‪ ‬يعحم جميححع أنححواع‬
‫الحسححد‪ ،‬وقححوله‪  :‬ل تناجشححوا ‪ ‬يعححم جميححع أنححواع النجححش‬
‫بالسكون‪ ،‬أو النجش بالتحريك‪ ،‬والنجش‪ ،‬أو النجش فسر بعححدة‬
‫تفسيرات‪ ،‬وأعمها التفسير اللغوي‪ ،‬وهو أن النجححش‪ :‬أن يسححعى‬
‫في إبطال الشيء بمكر واحتيال وخديعة‪ ،‬أو هو السعي بححالمكر‬
‫والخداع والحيلححة‪ ،‬وهححذا عححام يشححمل جميححع أنححواع التعاماححل ماححع‬
‫المسلمين‪ ،‬فإذن قوله‪  :‬ول تناجشححوا ‪ ‬أي‪ :‬ل يسححعى بعضححكم‬
‫ماع بعض بالخداع والحيلة والموارأبة وأشححباه ذلححك ماححن الصححفات‬
‫المذماوماة‪ ،‬ويدخل في هذا النجش الخاصا‪ ،‬وهو المستعمل فححي‬
‫البيع بأن يزيد في السلعة مان ل يرغّححب فححي شححرائها؛ لن هححذا‬
‫‪295‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫سإعي في ازدياد السعر بمكر وحيلححة وخححداع‪ ،‬فهححو سإححمى ذلححك‬


‫بالنجش‪ ،‬أو النجش؛ لنه فيه المكر والخداع والحيلة‪ ،‬فيمنع‪.‬‬
‫ويحححرم أن يسححعى المسححلم ماححع إخححوانه المسححلمين بالحيلححة‬
‫والخداع والمكر بأي نوع‪ ،‬بل المسلم ماع إخوانه يسير على نية‬
‫طيبة‪ ،‬وعلى أن يحب لهم ماححا يحححب لنفسححه‪ ،‬وأل يخححدعهم‪ ،‬ول‬
‫يغررأ بهم‪ ،‬بل يكون ماعهم كما ينبغي‪ ،‬أو كمححا يحححب أن يكونححوا‬
‫ماعه‪ ،‬وزيادة المرء في السعر‪ ،‬وهو ل يريد الشراء حين السوم‬
‫على السلعة هذا مان أنواع الحيلححة والخححداع؛ ولهححذا فهححو مانهححي‬
‫عنه وماحرم يأثأم به صاحبه إثأم المحرماات‪.‬‬
‫قال‪  :‬ول تباغّضوا ‪ ‬والتباغّض هنا ‪-‬أيضا‪ -‬عححام فححي كححل ماححا‬
‫يكون سإببا لحدوث البغضاء ماححن القححوال والعمححال‪ ،‬فكححل قححول‬
‫يححؤدي إلححى البغححض‪ ،‬فححأنت مانهححي عنححه‪ ،‬وكححل فعححل يححؤدي إلححى‬
‫التباغّض‪ ،‬فأنت مانهي عنه‪ ،‬فالمؤمان ماأماورأ بأن يسعى بمححا فيححه‬
‫المحبة بين إخوانه المؤمانين‪ ،‬وأماححا ماححا فيححه ماححن التبححاغّض‪ ،‬فهححو‬
‫حرام أن يسعى فيه بقححوله‪ ،‬أو قلمححه‪ ،‬أو كلماححه ‪ ،‬أو عملححه‪ ،‬أو‬
‫تصرفاته‪ ،‬أو إشارأاته‪ ،‬أو لحظه حتى إن الرجل ل ينبغححي لححه أن‬
‫يبغض‪ ،‬بل ل يسوغ له أن يبغض أي ماسلم كان؛ لنه قححد أحبححه‬
‫لما ماعه مان السإححلم والتوحيححد‪ ،‬وهححذا يجححبر غّيححره‪ ،‬وإن أبغضححه‬
‫بغضا دينيا فهذا ل حرج‪ ،‬لكن البغض الدنيوي هو الذي نهى عنه‬
‫هنا‪.‬‬
‫فسبب البغض إذا كان دينيا ماشروعا‪ ،‬فهذا ماطلوب‪ ،‬ول بأس‬
‫به‪ ،‬لكن بالنسبة للمسلم فإنه ل يبغض بالجملة‪ ،‬بل يجتمع فححي‬
‫حق المؤمان‪ ،‬أو في حق المسلم ماا يكون ماعه الحب له‪ ،‬وهححو‬
‫ماا ماعه مان اليمان والتوحيد والطاعة‪ ،‬وماححا يكححون ماعححه البغححض‬
‫له‪ ،‬وهو ماا قد يكون يقترفه مان الثأم والعصيان ‪.‬‬
‫فإذن في المؤمان والمسلم يجتمع الموجبان في الدين الحب‬
‫والبغض‪ ،‬والنبي ‪ ‬هنا قال‪  :‬ل تباغّضوا ‪ ‬قال العلماء‪ :‬هذا في‬
‫السعي فيما فيححه التبححاغّض فححي أماححر الححدنيا‪ ،‬أماححا إذا كححان لماححر‬
‫شرعي وديني‪ ،‬فححإن هححذا ماطلححوب‪ ،‬ول يححدخل فححي هححذا النهححي‪،‬‬
‫والسعي في البغضاء بأنواع كثيرة‪ ،‬وحتى الرجل ماع أهله ينبغي‬
‫له أن يسعى فيما فيه المودة والمحبة وأل يبغض‪ ،‬وإذا حصححلت‬
‫‪296‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫البغضاء‪ ،‬فإنه ينظر كما قال النبي ‪  ‬ل يفححرك ماححؤمان ماؤمانححة‪،‬‬
‫إن سإخط مانها خلقا رأضي مانهححا خلقححا آخححر ‪ ‬يعنححي‪ :‬ل يبغححض‬
‫ماؤمان ماؤمانة‪.‬‬
‫وهكذا قاعدة عاماة أن المؤمان ل يسوغ له أن يبغض ماؤمانححا‪،‬‬
‫يعني‪ :‬بعاماة‪ ،‬بل ينظر إليه إن حصل فححي قلبححه بغضححاء‪ ،‬فينظححر‬
‫إلى أخيه المؤمان‪ ،‬وينظر ماا ماعه مان الخير واليمححان والطاعححة‪،‬‬
‫فيعظححم جححانب طححاعته للححه علححى نصححيب نفسححه‪ ،‬وحححظ نفسححه‪،‬‬
‫فتنقلب البغضاء عنده هونا ماا‪ ،‬ول يكون بغيضححا لححه بغضححا تاماححا‪،‬‬
‫أو ماا يوجب المقاطعة‪ ،‬أو المدابرة‪.‬‬
‫قال بعدها ‪-‬عليه الصححلة والسححلم‪  :-‬ول تححدابروا ‪ ‬يعنححي‪ :‬ل‬
‫تسعوا في قول‪ ،‬أو عمل تكونوا ماعه ماتقاطعين؛ لن التدابر أن‬
‫يفححترق النححاس كححل يححولي الخححر دبححره‪ ،‬وهححذا يعنححي‪ :‬القطيعححة‬
‫والهجران‪ ،‬وهجر المسحلم وقطعحه ححرام إذا ك ان لماحر دنيحوي‪،‬‬
‫فالهجر ينقسم إلى قسمين‪ :‬هجر لمار الدين‪ ،‬وهححذا لححه أحكححاماه‬
‫المختصة‪ ،‬وضابطها‪ :‬أنه يجوز هجر المسلم لجل الدين إذا كححان‬
‫فيه ماصححلحة لححذلك الهجححر‪ ،‬وهححذا كمححا هجححر النححبي ‪ ‬المخلفيححن‬
‫الثلثأة في غّزوة تبوك وأماثال ذلك‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬الهجر لغرض دنيححوي أن يهجححر المسححلم أخححاه‬
‫لغرض له للدنيا؛ ليذاء… أذاه‪ ،‬أو لشيء وقححع فححي قلبححه عليححه‪،‬‬
‫فالهجر إذا كان للدنيا فللمسلم أن يهجر أخاه للححدنيا إلححى ثألثأححة‬
‫أيام وماا بعدها‪ ،‬فحرام عليحه أن يهجححره‪ ،‬وقحد ثأبحت عنححه ‪-‬عليحه‬
‫الصححلة والسححلم‪ -‬أنححه قححال‪  :‬ل يهجححر ماسححلم أخححاه فححوق ثألث‪،‬‬
‫يلتقيان فيعرض هذا‪ ،‬ويعرض هذا‪ ،‬وخيرهما الذي يبدأ بالسلم ‪‬‬
‫‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬الهجران إلححى ثألث ماححأذون بححه فححي أماححر الححدنيا‪،‬‬
‫يعني‪ :‬إذا كان لك هذا لحظ نفسححك ‪ ،‬أماححا… هححذا لحححظ نفسححك‬
‫إلى ثألثأة أيام وماا بعدها‪ ،‬فحرام أن تهجححر أخححاك فوقهححا‪ ،‬وخيححر‬
‫الرجليححن الححذي يبححدأ بالسححلم‪ ،‬أماححا أماححورأ الححدين فهححذه بحسححب‬
‫المصلحة ‪-‬كما ذكرنا في القسم الول‪ ،-‬قد يكححون هجرانححا إلححى‬

‫‪297‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أسإبوع‪ ،‬أو إلححى شححهر‪ ،‬أو يححوم بحسححب ماححا تقضححي بححه ماصححلحة‬
‫المهجورأ‪.‬‬
‫قححال ‪  :‬ول يبححع بعضححكم علححى بيححع بعححض ‪ ‬وهححو ‪-‬ماثل‪ -‬أن‬
‫يقول… لمن أرأاد أن يشححتري سإححلعة بعشححرة أن يعطيححك ماثلهححا‬
‫بتسححعة‪ ،‬أو لمححن أرأاد أن يححبيع سإححلعة بعشححرة‪ :‬أنححا آخححذها مانححك‬
‫بإحدى عشر‪ ،‬وأشححباه ذلححك يعنححي‪ :‬أنححه يغريححه بححأل يشححتري ماححن‬
‫أخيه‪ ،‬أو أن يبيع عليه‪ ،‬ففي هححاتين الصححورأتين حصححل بيححع علححى‬
‫بيع المسلم‪ ،‬وهنا حححرم النححبي ‪ ‬ذلححك بقححوله‪  :‬ول يبححع بعضححكم‬
‫على بيع بعض ‪ ‬وهذا ماشروط بأن الذي يعححرض الشححراء ماححن‬
‫هذا الذي يريد أن يبيع شيئا‪ ،‬أو يعرض البيع لهذا الذي يريححد أن‬
‫يشتري شيئا بأكثر في الول‪ ،‬وأقل فححي الثححاني‪ ،‬هححذا ماشححروط‬
‫بأنه حصل بين الول‪ ،‬ومان يريححد أن يححبيعه‪ ،‬أو أن يشححتري مانححه‬
‫انفصال وتراض‪.‬‬
‫ماثل‪ :‬يأتي إلى صاحب دكان ويقول‪ :‬أنا أرأيد أن أشتري هححذه‪،‬‬
‫فيتفاصححلن علححى أنححه سإيشححتريها بكححذا‪ ،‬وهححذا رأاض‪ ،‬سإيشححتريها‬
‫فيأتي أحد ويقول‪ :‬تعال‪ ،‬أنا أعطيك ماثلها بكذا وكححذا بححأنقص‪ ،‬أو‬
‫أشباه ذلك‪ ،‬فإذا كان هناك رأضا ماححن البححائع للسححلعة علححى ماححن‬
‫يبيع عليه‪ ،‬أو رأضا مامن يشححتري‪ ،‬وتفاصححل بينححه وبيححن ماححن أرأاد‬
‫الشححراء مانححه‪ ،‬أو الححبيع عليححه‪ ،‬فححإنه هنححا يحححرم أن يححدخل أحححد‪،‬‬
‫فيتدخل في هذا المححبيع إذا تفاصححل وتراضححيا‪ ،‬وهنححا يعنححي‪ :‬تمححت‬
‫ماقدماات العقد بالتفاق على الثمن‪ ،‬والعزم على الشححراء‪ ،‬فححإنه‬
‫ل يجوز لحد أن يدخل‪ ،‬ونفهم مان هذا أنححه لححو تححدخل قبححل أن‬
‫يعقد هذا‪ ،‬وهذا يعني‪ :‬ماا دام أنه بفترة النظر انتقحل ماححن دكحان‬
‫إلى دكان وأشباه ذلك‪ ،‬فهذا ل بأس به‪.‬‬
‫فيشترط لتحريم البيع علححى بيححع أخيححه بمححا كححان فيححه تفححارأق‬
‫بالقول‪ ،‬أو انفصال في القححول بححالعزم علححى الشححراء‪ ،‬أو العححزم‬
‫على البيع إذا حصل العزم وأجابه البححائع‪ ،‬أو المشححتري‪ ،‬فححإنه ل‬
‫يجوز التدخل في ذلححك‪ ،‬فححي أماثالهححا‪ ،‬ماثححل‪  :‬ل يخطححب أحححدكم‬
‫على خطبة أخيه ‪ ‬فإن المرء إذا تقدم إلى أحد خاطبا‪ ،‬وسإمع‬
‫بححه فلن ماححن النححاس‪ ،‬سإححمع أن فلنححا خطححب‪ ،‬فححإن رأدوا عليححه‬
‫بالرضا‪ ،‬فإنه ل يجوز لحد أن يأتي ويقول‪ :‬أنا أرأيد ابنتكم‪ ،‬مامن‬
‫‪298‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫علم أنهم أجابوه ورأضوا به‪ ،‬لكن قبل أن يجيبوه بالرضا لححه أن‬
‫يدخل كخاطب مان الخطاب‪ ،‬وهكذا في هذه المسألة في قححوله‬
‫‪  :‬ل يبع بعضكم على بيع بعض ‪. ‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بعدها‪  :‬وكونوا عباد الله إخوانححا ‪‬‬
‫‪‬‬ ‫حققححوا أخححوة الححدين‪ ،‬إذ قححال ‪-‬جححل وعل‪ : -‬‬
‫‪ (1)      ‬وق ال ‪-‬جححل وعل‪ :-‬‬
‫‪     (2) ‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول‬
‫يخذله ول يكذبه ول يحقره ‪. ‬‬
‫‪ ‬ل يظلمححه ‪ ‬يعنححي‪ :‬ل يظلمححه فححي ماححاله‪ ،‬ول يظلمححه فححي‬
‫عرضه‪ ،‬ول يظلمه في أهله‪ ،‬ول يظلمه في أي أمار اختححص بححه‪،‬‬
‫بل يعدل ماعه‪ ،‬ويكون خليفته فححي ماححاله وأهلححه وعرضححه؛ ولهححذا‬
‫جاءت الشححريعة‪ ،‬وهححذا ماححن ماحاسإححنها العظيمححة فححي أن يتحلححل‬
‫المرء إخوانه فيما وقع مانه عليهم مان المظالم‪.‬‬
‫وقد ثأبت فححي الصحححيح‪ ،‬صحححيح أبححي عبححد اللححه البخححارأي أنححه‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬قال‪  :‬ما ن كحانت عنحده لخيححه ماظلمحة ‪-‬‬
‫بكسر اللم ‪ -‬في ماال‪ ،‬أو عرض‪ ،‬فليتحلل ه مانحه اليحوم قبحل أن‬
‫يكون يوم ل درأهم فيه ول دينارأ ‪ ‬يعنححي‪ :‬ماححن اغّتححاب‪ ،‬أو ماححن‬
‫وقع في عرض إخوانه‪ ،‬أو مان اعتححدى علححى بعححض… فعليححه أن‬
‫يرد هذه المظالم‪ ،‬فححإن كححان فححي رأدهححا ماشححقة عليححه‪ ،‬فيوسإححط‬
‫أحدا …إلى آخره‪.‬‬
‫المقصححود أنححه يجححب أن يححرد المظححالم‪ ،‬وفححي الغيبححة تفصححيل‬
‫للعلماء مان أنه إذا ذكر لمن اغّتابه‪ ،‬أنه قد اغّتححابه‪ ،‬وهححذا يححؤدي‬
‫إلححى حصححول مانازعححة وماشححاقة فححي إخبححارأه بغيبتححه إيححاه وطلبححه‬
‫تحليلحه‪ ،‬فححإنه يححترك هححذا الخبححارأ‪ ،‬ويكتفححي مانححه بالسإححتغفارأ لححه‪،‬‬
‫وكثرة الدعاء له‪ ،‬لعلها أن تشفع في تكفير غّيبته أو النيل مانه‪.‬‬
‫وهذا مان السنن التي ينبغححي لنححا أن نتعاهححدها فححي أن يحلححل‬
‫بعضنا بعضا‪ ،‬وإذا سإححأل أحححد أخححاه أن يحللححه‪ ،‬فيسححتحب لححه أن‬
‫يقول‪ :‬حللك الله‪ ،‬وأنت في حل ماني‪ ،‬وأشباه ذلححك دون سإححؤال‬
‫‪ - 1‬سإورأة التوبة آية ‪.71 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة الحجرات آية ‪.10 :‬‬

‫‪299‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫له مااذا قلت؟ ومااذا فعلت؟ وبأي شيء اعتديت علححي؟ وأشححباه‬
‫ذلك كما قررأ العلماء‪.‬‬
‫قال‪  :‬ول يخذله ‪ ‬ل يخذله‪ ،‬الخذلن‪ :‬ترك العانة والنصححرة‪،‬‬
‫والمسلم ولي المسلم‪ ،‬يعني‪ :‬ماحب له‪ ،‬يعني‪ :‬أن المسلم ماحب‬
‫للمسلم‪ ،‬ناصر له‪ ،‬وخذل المسلم للمسلم… وخذلنه لححه ينححافي‬
‫عقد المولة الذي بينهما؛ ولهذا تضمن عقد المولة في قححوله‪ :‬‬
‫‪ (1)       ‬أن خذل‬
‫المسلم للمسلم ل يجوز‪ ،‬إذا كححان فححي ماقححدرأته أن يعينححه‪ ،‬وأن‬
‫ينصره ولو بالدعاء‪.‬‬
‫قححال‪  :‬ول يكححذبه ‪ ‬يعنححي‪ :‬ل يقححول لححه‪ :‬أنححت كححاذب‪ ،‬وكلمححا‬
‫أخححبره بخححبر قححال‪ :‬هححذا كححاذب‪ ،‬وأنححت كححاذب؛ لن الصححل فححي‬
‫المسلم أنه ل يكذب‪ ،‬وقد ثأبت عنه ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ -‬أنححه‬
‫قيل له‪  :‬أيزني المؤمان؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قيحل ل ه‪ :‬أيسحرق المحؤمان؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال له‪ :‬أيكذب المؤمان؟ قال‪ :‬ل ‪ ‬لن الكذب خصلة‬
‫تستحكم مان صححاحبها‪ ،‬وتسححتمر ماعححه‪ ،‬فيكححون ماعححه خصححلة ماححن‬
‫خصححال النفححاق‪ ،‬وأماححا ماححا يقححع ماححن زنححا الشححهوة‪ ،‬وماححن سإححرقة‬
‫الشهوة وأشباه ذلك‪ ،‬فإنها عارأض يعرض‪ ،‬ويزول‪ ،‬ويرتفححع ماعححه‬
‫اليمان حتى يكون فوق صاحبه كالظلة‪ ،‬ثأحم إذا فحارأق المعصحية‬
‫عاد إليه‪ ،‬وأماا الكذب‪ ،‬فإنه إذا اسإتمر بصاحبه‪ ،‬فإنه يدل ويهدي‬
‫إلى الفجورأ‪ ،‬والفجورأ يهدي إلى النارأ‪ ،‬فقوله هنححا ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪  : -‬ول يكذبه ‪ ‬يدخل فيه أن يكذب في الحديث ‪.‬‬
‫قال‪  :‬ول يحقره ‪ ‬يعنححي‪ :‬ل يحتقححر المسححلم أخححاه المسححلم‬
‫بأن يعتقد‪ ،‬أو أن يأتي في خاطره أن هذا وضيع‪ ،‬وأن هذا أقححل‬
‫قدرأا مانه‪ ،‬وأن هذا مارذول ‪ ،‬إماا لجل نسب‪ ،‬أو لجححل صححناعة‪،‬‬
‫أو لجل بلد‪ ،‬أو لجححل ماعنححى ماححن المعححاني‪ ، ،‬بححل السإححلم هححو‬
‫الذي رأفع المسلم‪ ،‬وجعله ماكرماا ماخصوصا مان بين المخلوقات؛‬
‫ولهذا فإن المسححلم عنححد اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬كريححم عزيححز‪ ،‬وتحقيححر‬
‫المسحلم يخححالف أصححل اححترام المسحلم لمححا ماعحه ماححن التوحيححد‬
‫واليمان‪ ،‬فهذا البدن الذي أمااماك ‪-‬بدن المسححلم‪ -‬يحمححل عقيححدة‬
‫التوحيد‪ ،‬وحسن ظن بالله‪ ،‬وماعرفة بالله وعلم بالله بحسب ماححا‬
‫‪ - 1‬سإورأة التوبة آية ‪.71 :‬‬

‫‪300‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫عنده مان السإلم واليمان والعلم‪ ،‬وهذا ينبغححي ماعححه أل يحتقححر‪،‬‬


‫بل يحترم لما ماعه مان اليمان والصلح‪.‬‬
‫وهذه يتفاوت الناس فيها كلما كان اليمان والصلح والسإححلم‬
‫والتوحيد والطاعة‪ ،‬والسنة أعظم في المرء المسلم‪ ،‬كان أولححى‬
‫بأن يكرم‪ ،‬ويعز وأن يبتعد عن احتقارأه‪ ،‬ويقابله المشححرك‪ ،‬فححإنه‬
‫ماهما كان مان ذوي المال‪ ،‬أو ذوي الجاه‪ ،‬أو ذوي الرفعة‪ ،‬فححإن‬
‫جسده فيه رأوح خبيثححة حملححت الشححرك بححالله‪ ،‬والسإححتهزاء بححالله‬
‫وماسبة الله جل وعل‪.‬‬
‫والمحححب للححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬يكححره‪ ،‬ويحتقححر هححذا الححذي ماعححه‬
‫السإتهزاء بالله والنيل مان الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وادعاء الشريك ماعححه‪،‬‬
‫فإذا يعظم المسلم أخاه المسلم‪ ،‬ويحترماه‪ ،‬ول يحتقره بما ماعه‬
‫مان اليمان والتوحيد‪.‬‬
‫قححال‪  :‬التق وى هححا هنححا‪ ،‬ويشححير إلححى صححدرأه ثألث ماححرات ‪‬‬
‫التقوى ماحلها القلب‪ ،‬وهححذا ماعنححى إشححارأة النححبي ‪ ‬إلححى صححدرأه‬
‫ثألث مارات‪.‬‬
‫ونختصر بالكلم؛ لن الوقت يمضي سإريعا‪.‬‬
‫قال‪  :‬بحسب امارئ مان الشر أن يحقححر أخححاه المسححلم‪ ،‬كححل‬
‫المسلم على المسلم حرام دماه ومااله وعرضححه ‪ ‬دم المسححلم‬
‫حرام أن يسفك بغير حححق‪ ،‬وكححذلك ماححاله حححرام أن يؤخححذ بغيححر‬
‫حق‪ ،‬وكذلك عرضه حرام أن ينال مانححه بغيححر حححق‪ ،‬فالنيححل ماححن‬
‫العراض بالغيبة والنميمة‪ ،‬أو أن ينال مان أهححل الرجححل‪ ،‬أو ماححن‬
‫أسإرته‪ ،‬أو أن يتصرف في مااله بغير إذنه‪ ،‬أو أن يأخذ ماححاله‪ ،‬أو‬
‫أن يعتدي على شئ مان أمالكه‪ ،‬وكححذلك أن يعتححدي علححى دماححه‪،‬‬
‫وهذا أعظمه‪ ،‬هذا كله حرام‪.‬‬
‫والشريعة جاءت بتحقيق هذا المار فيما بين المسلمين‪ ،‬وفي‬
‫ماجتمححع السإححلم بححأن تكححون الححدمااء حراماححا‪ ،‬والماححوال حراماححا‪،‬‬
‫والعراض حراماا‪ ،‬وقد ثأبت في الصحيح مان حديث أبي بكححرة ‪‬‬
‫أنه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬قال في خطبتححه يححوم عرفححة‪  :‬أل إن‬

‫‪301‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫دمااءكم وأماوالكم وأعراضكم عليكم حرام‪ ،‬كحرماة يححوماكم هححذا‪،‬‬


‫في بلدكم هذا‪ ،‬في شهركم هذا ‪. ‬‬

‫‪302‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث السادس والثلثون‬


‫من نفس عن مؤمن كربة‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رأسإححول اللححه ‪  ‬ماححن نفححس عححن‬
‫ماؤمان كربة مان كرب الدنيا‪ ،‬نفس الله عنه كربة مان كرب يوم‬
‫القياماة‪ ،‬وماححن يسححر علححى ماعسححر‪ ،‬يسححر اللححه عليححه فححي الححدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬ومان سإتر ماؤمانا سإتره الله في الدين والخححرة‪ ،‬واللححه‬
‫في عون العبد ماا كان العبد في عون أخيه‪ ،‬ومان سإلك طريقححا‬
‫يلتمس فيه علما‪ ،‬سإهل الله له به طريقا إلى الجنة‪ ،‬وماا اجتمع‬
‫قوم في بيت مان بيوت الله يتلون كتاب الله‪ ،‬ويتدارأسإونه بينهم‬
‫إل نزلت عليهم السكينة‪ ،‬وغّشيتهم الرحمححة‪ ،‬وحفتهححم الملئكححة‪،‬‬
‫وذكرهم الله فيمن عنده‪ ،‬وماححن بطححئ بححه عملحه لححم يسححرع بححه‬
‫نسبه ‪ ‬رأواه ماسلم‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬مان نفس عن ماؤمان كربة ماححن‬
‫كرب الححدنيا‪ ،‬نفححس اللححه عنححه كربححة ماححن كححرب يححوم القياماححة ‪‬‬
‫الكربة‪ :‬ماا يكون ماعححه الضححيق والضححنك والشححدة علححى المسححلم؛‬
‫ولهذا ناسإب ماعها تنفيس؛ لنها تستحكم مان جميع الجوانب مان‬
‫جهة نفس المؤمان‪ ،‬وقلبه وماا يجول فيه‪ ،‬ومان جهححة يححده وماححن‬
‫جهة ماا حوله‪ ،‬فتستحكم عليه حتى تضححيق بححه الرأض الواسإححعة؛‬
‫فهنا إذا نفس عنه فبقدرأ ذلك التنفيس يكون الثواب‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬مان نفححس عححن ماححؤمان كربححة ‪‬‬
‫وهذا فيه إطلق‪ ،‬يعني‪ :‬أي كربة مان كححرب الححدنيا‪ ،‬فيححدخل فححي‬
‫ذلك الكرب النفسية والكرب العمليححة‪ ،‬وماححا يححدخل فححي تنفيسححه‬
‫في الكلمة الطيبة‪ ،‬وماا يححدخل تنفيسححه فححي المححال‪ ،‬وماححا يححدخل‬
‫تنفيسه في بذل الجاه‪ ،‬فتنفيس الكربة عام إلى آخره‪.‬‬
‫والكرب هنا ‪-‬أيضا‪ -‬عاماة ‪ ،‬فمن نفس عن ماححؤمان كربححة بححأن‬
‫يسر له السبيل إلى التخلححص مانهححا‪ ،‬أو خفححف عليححه ماححن وطححأة‬
‫الكربة والشدة والضيق الذي أصابه‪ ،‬كان جزاؤه عند اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬مان جنس عمله لكن في يوم هو أحوج إلى هذا التنفيححس‬

‫‪303‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫مان الدنيا؛ ولهذا كان الثواب فححي الخححرة‪ ،‬فقححال ‪-‬عليححه الصححلة‬
‫والسلم‪  :-‬نفس الله عنه كربة مان كرب يوم القياماة ‪. ‬‬
‫قال‪  :‬وما ن يسححر علححى ماعسححر يسححر اللححه عليححه فححي الححدنيا‬
‫والخرة ‪ ‬المعسر هو الذى عليه حق لغيره ل يسححتطيع أداؤه‪،‬‬
‫والتيسير على المعسر يكون بأشياء مانها أن يعطيه ماححال؛ ليفححك‬
‫به إعسارأه‪ ،‬أو أن يكون الحق له فيضعه عن المعسر‪ ،‬فيخفححف‬
‫عنه‪ ،‬وقد قححال ‪-‬جححل وعل‪  :-‬وإن كححان ذو عسححرة فنظححرة إلححى‬
‫مايسرة ‪ ‬فالتيسير على المعسر ماحن الماححورأ المسحتحبة‪ ،‬وماحن‬
‫فضائل العمال‪ ،‬ومان الصدقات العظيمة‪ ،‬قال هنا ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪  : -‬ومان يسر على ماعسححر ‪ ‬يعنححي‪ :‬خفححف عنححه شححأن‬
‫إعسارأه بإعطائه ماال ‪ ،‬أو بإسإقاط بعض المححال الححذي عليححه‪ ،‬أو‬
‫بإسإقاط المال كله‪+ ،‬أو في التخلص مان العسارأ‪  ،‬يسر اللححه‬
‫عليه ‪ ‬جزاء وفاقا على ماا يسححر‪ ،‬يسحر اللحه عليححه فحي الححدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫وهذا مان الثواب الذي جعل في الدنيا والخرة‪ ،‬فل بأس ماححن‬
‫أن يقصده المسلم في أن ييسر على إخححوانه رأغّبححة فيمححا عنححد‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ورأغّبة في أن ييسححر عليححه فححي الححدنيا والخححرة؛‬
‫لن هذا كما ذكرنا في شرح حديث‪  :‬إنما العمال بالنيات ‪. ‬‬
‫ل ينححافي الخلصا‪ ،‬فححإن العمححل إذا رأتححب عليححه الثححواب فححي‬
‫الدنيا‪ ،‬أو في الدنيا والخرة‪ ،‬وجاءت الشريعة بذلك‪ ،‬فإن قصده‬
‫ماع ابتغاء وجه الله ‪-‬جل وعل‪ -‬والخلصا له ل حرج فيه‪ ،‬قححال‪ :‬‬
‫ومان سإتر ماسلما‪ ،‬سإتره الله في الدنيا والخرة ‪  ‬ماححن سإححتر‬
‫ماسلما ‪ ‬ماسلم ‪ :‬هنا ‪-‬أيضا‪ -‬تعم جميع المسلمين سإواء أكححانوا‬
‫ماطيعين صالحين‪ ،‬أم كانوا فسقة‪ ،‬فإن الستر على المسلم مان‬
‫فضائل العمال‪ ،‬بل جعله طائفححة ماححن أهححل العلححم واجبححا‪ ،‬فححإن‬
‫المسلم الذي ليس له ولية في الماححر بححالمعروف والنهححي عححن‬
‫المنكر‪ ،‬يجب عليه أن يستر أخاه المسححلم ‪ ،‬أو يتأكححد عليححه أن‬
‫يستر‪ ،‬فإذا علم مانه ماعصية كتمها‪ ،‬وإذا علم مانححه قبيحححا كتمححه‪،‬‬
‫وسإعى في ماناصحته وتخليصه مانه‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وأماا أهل الحسبة‪ ،‬أهل المار بالمعروف والنهي عححن المنكححر‪،‬‬


‫فإنهم يجوز لهم أن يعلموا هذا فيما بينهححم‪ ،‬لكححن ل يجححوز لهححم‬
‫أن يتحدثأوا بما قد يقترفه بعض المسلمين ماححن الححذنوب والثأححام‬
‫والقاذورأات والمعاصي؛ لن هذا ‪-‬أيضا‪ -‬داخل في عموم الستر ‪‬‬
‫مان سإتر ماسلما‪ ،‬سإتره الله في الدنيا والخرة ‪ ‬لكححن الحاجححة‬
‫إلى تأديبه قائمة‪ ،‬فهؤلء لهم أن يتداولوا أماححره بحسححب الحاجححة‬
‫الشرعية‪ ،‬وهذا ينبغي التنححبيه عليححه كححثيرا لمححن يلححي ماثححل هححذه‬
‫الماورأ‪ ،‬في أنهم قد يتوسإعون في الحديث عححن أهححل العصححيان‪،‬‬
‫وعمن يقبضححون عليححه مامححن يرتكححب جرماححا‪ ،‬أو يرتكححب ذنبححا‪ ،‬أو‬
‫ماعصححية فححي تححأديبه‪ ،‬رأحمححة بححه‪ ،+‬فمثححل هححؤلء ينبغححي لهححم أن‬
‫يكتموا القضايا التي يتداولونها فيما بينهم‪ ،‬وأل يذكروا شيئا مانها‬
‫إل لمحتاج إلى ذلك لحاجة الشرع‪.‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬والله في عححون العبححد ماححا كححان‬
‫العبد في عون أخيه ‪ ‬هذا فيه حث على أن يعين المرء أخححاه‬
‫بأعظم حث‪ ،‬حيث جعل أن العبد إذا أعان أخاه‪ ،‬فإن اللححه فححي‬
‫عونه‪ ،‬فإذا كنت فحي حاجحة أخيحك كحان اللحه فحي حاجتحك‪ ،‬وإذا‬
‫أعنت إخوانك المسلمين‪ ،‬واحتجت إلى العانة‪ ،‬فإن الله يعينححك‪،‬‬
‫وهذا مان أعظم الفضل والثواب‪.‬‬
‫قال‪  :‬ومان سإلك طريقا يلتمس فيه علما‪ ،‬سإهل الله لححه بححه‬
‫طريقا إلى الجنححة ‪ ‬وهححذا فيححه الحححث والححترغّيب علححى سإححلوك‬
‫طريق العلم‪ ،‬والرغّبة فيه‪ ،‬فأي طريق مان طرق العلم سإححلكته‪،‬‬
‫فإن الله ‪-‬جل وعل‪ -‬يسهل لك به طريقا إلى الجنة‪ ،‬ماححع شححرط‬
‫إخلصك فححي طلححب العلححم؛ لن العلححم بححاب ماححن أبححواب الجنححة‪،‬‬
‫والجنة ل تصلح إل لمن علم حق الله‪ ،‬جل وعل‪.‬‬
‫فمن طلب العلم‪ ،‬ورأغّب فيححه ماخلصححا للححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬سإححهل‬
‫الله له به طريقا إلى الجنة‪ ،‬قال‪  :‬وما ا اجتمححع قححوم فححي بيححت‬
‫مان بيححوت اللححه يتلححون كتححاب اللححه‪ ،‬ويتدارأسإححونه فيمححا بينهححم إل‬
‫نزلت عليهم السكينة… ‪ ‬الحديث‪ ،‬قححوله‪  :‬وما ا اجتمححع قححوم ‪‬‬
‫اسإتدل به على أن هذا ل يخص به قوم ماححن قححوم‪ ،‬فيصححلح أن‬
‫يكون هؤلء المجتمعون مان العلماء‪ ،‬أو مان طلبة العلم‪ ،‬أو ماححن‬
‫العاماة‪ ،‬أو مان العباد‪ ،‬أو مان غّيرهم‪ ،‬فالمساجد تصححلح للجتمححاع‬
‫‪305‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫فيها لتلوة كتاب الله‪ ،‬ولتدارأسإه‪ ،‬فإذا اجتمححع أي قححوم‪ ،‬أي فئححة‬
‫لجل تلوة كتاب الله وتدارأسإححه‪ ،‬فححإنهم يتعرضححون لهححذا الفضححل‬
‫العظيمز‬
‫قال‪  :‬وماا اجتمع قوم في بيححت ماححن بيححوت اللححه ‪ ‬والمححراد‬
‫بذلك المسجد‪ ،‬والمسجد بيححت اللححه‪ ،‬إضححافة تشححريف للمسححجد؛‬
‫لنه بيت يطلب فيه رأضا الله ‪ ،‬جل جلله‪.‬‬
‫قال‪  :‬يتلون كتاب الله ‪ ‬هذا حال أولئك الذين يتلون كتححاب‬
‫الله‪ ،‬والمقصود بذلك أن يتلو واحد مانهم‪ ،‬والبقية يسمعون كمححا‬
‫كان عليه هدي السلف‪ ،‬أماا التلوة الجماعية‪ ،‬فهححي ماحدثأححة‪ ،‬ول‬
‫تقر‪ ،‬وإنما الححذي كححان عليححه عمححل الصحححابة‪ ،‬وماححا بعححدهم أنهححم‬
‫يجعلون قارأئححا يقححرأ القححرآن‪ ،‬ثأححم يسححتمع البقيححة‪ ،‬وقححد يتنححاوبون‬
‫القراءة فيما بينهم‪ ،‬ويتدارأسإون كلم الله‪ ،‬جل وعل‪.‬‬
‫قححال‪  :‬إل نزلححت عليهححم السححكينة ‪ ‬السححكينة‪ :‬هححذه هححي‬
‫الطمأنينة‪ ،‬والروح والرحمة الححتي تكححون ماححن اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬‬
‫نزلت عليهم السكينة ‪ ‬نفهم مان ذلك أنها مان عند اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ -‬لنه قال‪" :‬نزلت عليهم " وهذا فيه تعظيم لها‪.‬‬
‫قال‪  :‬وغّشيتهم الرحمة ‪ ‬وقوله‪  :‬غّشيتهم الرحمححة ‪ ‬هححذا‬
‫فيه أن الرحمة صارأت لهم غّشاء‪ ،‬يعني‪ :‬أنها اكتنفت هؤلء ماححن‬
‫جميع جهاتهم‪ ،‬فل يتسلط عليهم شيطان‪ ،‬يعني‪ :‬وهم علححى تلححك‬
‫الحال‪ ،‬بل الرحمة اكتنفتهم مان جميع الجهححات‪ ،‬فصححارأت عليهححم‬
‫كالغشاء‪ ،‬وهذا ماححن فضححل اللححه العظيححم عليهححم‪ ،‬حيححث تعرضححوا‬
‫للرحمة‪ ،‬فصارأت غّشاء عليهم‪ ،‬ل ينفذ إليهم غّيرها‪.‬‬
‫قال‪  :‬وحفتهم الملئكة ‪ ‬وأيضححا كلمححة ‪ ‬حفتهححم الملئكححة ‪‬‬
‫يعني‪ :‬أحدقت بهم بتراصا‪ ،‬حيث ل ينفذ إليهم مان الخارأج‪ ،‬وهححذا‬
‫‪‬‬ ‫كمححا قححال ‪-‬جححل وعل‪     :-‬‬
‫‪ (1)      ‬فحف الملئكحة بالشحيء‪،‬‬
‫يعني‪ :‬بالعرش‪ ،‬أو بهؤلء الذين يتلون‪ ،‬يعنححي‪ :‬أنهححم أحححدقوا بهححم‬
‫مان جميع الجهات ‪ ،‬وتراصوا بحيث كانوا حافين بهم‪ ،‬وهذا يححدل‬

‫‪ - 1‬سإورأة الزمار آية ‪.75 :‬‬

‫‪306‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫على أن هؤلء تعرضوا لفضل عظيم‪ ،‬ل يتسلط عليهم ‪ -‬وهم إذ‬
‫ذاك‪ -‬شيطان إل ماا كان مان هوى أنفسهم‪.‬‬
‫والقرينححة‪ ،‬قححال‪  :‬وذكره م اللححه فيمححن عنححده ‪ ‬والححذكر هنححا‬
‫ماعناه الثناء‪ ،‬يعني‪ :‬أثأنى الله عليهححم فيمححن عنححده‪ ،‬وماححن عنححده؟‬
‫‪‬‬ ‫هحم الملئكحة المقربحون‪ ،‬كم ا قحال ‪-‬جحل وعل‪  :-‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪‬‬ ‫فالملئكة المقربون هم الذين عند الله ‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ (2)       ‬وقال بعده‪  :‬ومان‬
‫بطأ به عمله‪ ،‬لم يسرع به نسبه ‪ ‬فيه أن التفححاخر بالنسححاب‪،‬‬
‫والظن أنه لجحل النسحب يكحون المحرء ماحبوبحا عنحد اللحه ‪-‬جحل‬
‫وعل‪ -‬هذا جاءت الشريعة بإبطاله‪ ،‬والمار على التقوى والعمل ‪‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ (3)   ‬فالتقوى هي ماححدارأ التفضححيل‪ ،‬وماححدارأ التفاضححل‬
‫بين الناس‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.172 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة النبياء آية ‪.19 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة الحجرات آية ‪.13 :‬‬

‫‪307‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث السابع والثلثون‬


‫إن الله كتب الحسنات والسيئات‬
‫وعن ابن عباس ‪-‬رأضي الله عنهمحا‪ -‬عحن رأسإحول اللحه ‪ ‬فيمحا يرويحه‬
‫عححن رأبححه تبححارأك وتعححالى قححال‪  :‬إن اللححه ‪ ‬كتححب الحسححنات‬
‫والسيئات‪ ،‬ثأم بين ذلك‪ ،‬فمن هم بحسنة‪ ،‬فلم يعملها كتبها الله‬
‫عنده حسنة كامالة‪ ،‬وإن هم بها‪ ،‬فعملها كتبها اللححه عنححده عشححر‬
‫حسححنات إلححى سإححبعمائة ضححعف إلححى أضححعاف كححثيرة‪ ،‬وإن هححم‬
‫بسيئة‪ ،‬فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كامالححة‪ ،‬وإن هححم بهححا‪،‬‬
‫فعملها كتبها الله سإححيئة واحححدة ‪ ‬رأواه البخححارأي وماسححلم بهححذه‬
‫الحروف‪.‬‬
‫قوله هنا‪" :‬فيما يرويه عن رأبه تبارأك وتعححالى" يعنححي‪ :‬أن هححذا‬
‫حديث قدسإي قال‪  :‬إن الله كتب الحسنات والسيئات‪ ،‬ثأححم بيححن‬
‫ذلك ‪ ‬يعني‪ :‬كتبها عنده‪ ،‬فبينها في القرآن‪ ،‬بين ماححا تكححون بححه‬
‫الحسنة‪ ،‬وبين ماا تكون به السيئة‪ ،‬يعني‪ :‬بين العمل الذي يكتب‬
‫للمرء به حسنة‪ ،‬وبين العمل الذي يكتب للمرء به سإيئة‪ ،‬قال‪ :‬‬
‫فمن هم بحسنة فلم يعملها ‪ ‬إلى آخححره اسإحتدل بحه علحى أن‬
‫الملكيححن اللححذين يكتبححان ماححا يصححدرأ عححن العبححد‪ ،‬دل علححى أنهمححا‬
‫يعلمان ماا يجول في قلبه‪ ،‬الهم ماعلوم للملك‪ ،‬وهذا بإقدارأ الله‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬لهم إطلعه إياهم وإذنه بذلك‪.‬‬
‫قد كان بعض النبياء يعلم ماا في نفس الذي أماححاماه‪ ،‬والنححبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه‪ -‬وسإلم أخبر رأجل بما في نفسه‪ ،‬وهكححذا حصححل‬
‫مان عدد مان النبياء‪ ،‬فهححذا ماححن أنححواع الغيححب الححذي يطلححع اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬إياه مان شاء مان عباده‪ ،‬فالملئكة أطلعهم الله ‪-‬جل‬
‫وعل‪ -‬على ذلك كما قال سإبحانه‪      :‬‬
‫‪. (1)         ‬‬
‫والرسإول هنا يدخل فيه الرسإول الملكي‪ ،‬والرسإول البشري‪،‬‬
‫قال‪  :‬فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كامالة‬

‫‪ - 1‬سإورأة الجن آية ‪.27 -26 :‬‬

‫‪308‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪ ‬لن الهم نوع ماححن الرأادة‪ ،‬وإرأادتححه للحسححنة طاعححة‪ ،‬فيكتبهححا‬


‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬له مان رأحمته ومانه وكرماه‪ ،‬يكتبها له حسنة‪.‬‬
‫قال‪  :‬فإن هم بها‪ ،‬فعملهححا كتبهححا اللححه عنححده عشححر حسححنات‬
‫إلى سإبعمائة ضعف ‪ ‬يعني‪ :‬أنه إن هم بالحسنة فعملها‪ ،‬فأقل‬
‫ماا يكتب له عشر حسنات‪ ،‬وقد يصل ذلك إلى سإبعمائة ضححعف‬
‫بحسب الحال‪ ،‬وقححد ذكرنححا لكححم تفاصححيل ذلححك فححي أوائححل هححذا‬
‫الشرح‪ ،‬فإن المسلمين يتفاوتون في ثأواب الحسححنة‪ ،‬مانهححم ماححن‬
‫إذا عملها كتبت له عشر أضعاف‪ ،‬ومانهححم ماححن إذا عملهححا كتبححت‬
‫له سإبعمائة ضعف‪ ،‬ومانهم ماائتححا ضححعف‪ ،‬ومانهححم ماححن تكتححب لححه‬
‫أكثر مان ذلك إلى سإبعمائة ضعف‪ ،‬بل إلى أضعاف كثيرة‪ ،‬وهذا‬
‫يختلف كما ذكرنا باختلف العلم وتوقير الله ‪-‬جل وعل‪ -‬والرغّححب‬
‫في الخرة؛ ولهذا كان الصحابة ‪ -‬رأضححوان اللححه عليهححم ‪ -‬أعظححم‬
‫هذه الماة أجورأا‪ ،‬وكانوا أعظم هذه الماة مانزلة‪.‬‬
‫وقد ثأبت عنه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أنه قال‪  :‬والذي نفسححي‬
‫بيده لو أنفححق أحححدكم ماثححل أحححد ذهبححا ماححا بلححغ ماححد أحححدهم‪ ،‬ول‬
‫نصيفه ‪ ‬يعني‪ :‬أنهححم ماححع قلححة ماححا ينفقححون وماححا عملححوا‪ ،‬فححإنهم‬
‫أعظحم مامححا لححو أنفحق أححدكم‪ ،‬وهحؤلء فححي ماتحأخري السإحلم ‪،‬‬
‫فكيف بمححن بعححدهم؟ لححو أنفقححوا ماثححل أحححد ذهبححا‪ ،‬وهححذا يختلححف‬
‫باختلف حسن السإلم وحسن اليقين إلى آخره‪.‬‬
‫قال‪  :‬وإن هم بسححيئة‪ ،‬ولحم يعملهحا كتبهححا اللحه عنححده حسححنة‬
‫كامالة ‪" ‬إن هم بسيئة" يعنححي‪ :‬أرأاد سإححيئة‪ ،‬فلححم يعملهححا‪ ،‬فهححذا‬
‫فيه تفصيل‪ :‬إن تركها مان جراء الله ‪-‬جل وعل‪ -‬يعني‪ :‬خشية لله‬
‫ورأغّبححا فيمححا عنححده‪ ،‬فححإنه تكتححب لححه حسححنة كمححا ذكححر فححي هححذا‬
‫الحديث‪ ،‬وقد جاء في حديث آخححر أنححه ‪-‬عليححه الصححلة والسححلم‪-‬‬
‫قال‪  :‬فإنما تركها مان جرائي ‪ ‬فإذا ترك السيئة التي هم بها‪،‬‬
‫فتركها‪ :‬يعني فلم ينفححذها عمل للححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬فهححذا تكتححب لححه‬
‫حسنة؛ لن إخلصه قلب تلك الرأادة السححيئة إلحى إرأادة حسحنة‪،‬‬
‫والرأادة الحسنة والهم بالحسن يكتب له به حسنة‪.‬‬
‫والحال الثانية‪ :‬أن يهم بالسيئة فل يعملها؛ لجل عححدم تمكنححه‬
‫مانها‪ ،‬والنفححس باقيححة فحي رأغّبتهححا بعمححل السحيئة‪ ،‬فهححذا وإن لحم‬

‫‪309‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يعمل‪ ،‬فإنه ل تكتححب لححه حسححنة فححي ذلححك‪ ،‬بححل إن سإححعى فححي‬
‫أسإباب المعصية‪ ،‬فإنه تكتب عليه سإيئة‪ ،‬كما جاء في الحديث‪ :‬‬
‫إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النارأ‪ ،‬قالوا‬
‫يا رأسإول الله‪ :‬هذا القاتحل فمححا بحال المقتحول ؟ قحال‪ :‬إنحه كحان‬
‫حريصا على قتل صاحبه ‪. ‬‬
‫قال العلماء‪ :‬إذا تمكن المرء ماححن أسإححباب المعصححية‪ ،‬وصححرفه‬
‫صارأف عنها‪ ،‬خارأج عن إرأادته‪ ،‬فإنه يجححزى علححى همححه بالسححيئة‬
‫سإيئة‪ ،‬ويكون ماؤاخذا بها بدللة حححديث‪  :‬القات ل والمقتححول فححي‬
‫النارأ ‪. ‬‬
‫قال‪  :‬وإن هم بها‪ ،‬فعملها كتبها اللححه سإححيئة واحححدة ‪ ‬وهححذا‬
‫ماححن عظيححم رأحمححة اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬بعبححاده المححؤمانين أنهححم إذا‬
‫عملوا سإيئة ل تضاعف عليهم‪ ،‬بل إنمححا يكتبهححا اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫عليهم سإيئة واحدة‪ ،‬وأماححا الحسححنات فتضححاعف عليهححم؛ ولهححذا ل‬
‫يهلك على الله يوم القياماة إل هالك‪ ،‬ل ترجح سإيئات أحد على‬
‫حسناته إل هالك؛ لن الحسنات تضاعف بأضعاف كححثيرة‪ ،‬وحححتى‬
‫الهم بالسيئة إذا تركه تقلب له حسححنة‪ ،‬والسححيئة تكتححب بمثلهححا‪،‬‬
‫فل يظهححر بححذلك أن يزيححد مايححزان السححيئات لعبححد علححى مايححزان‬
‫الحسنات إل‪ ،‬وهو خاسإر‪ ،‬وقد سإححعى فححي كححثير ماححن السححيئات‪،‬‬
‫وابتعد عن الحسنات‪.‬‬
‫بهححذا نشححكر اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬ونحمححدك رأبححي علححى إحسححانك‬
‫وفضلك ونعمتك على هذا الكرم‪ ،‬وعلى هححذه النعمححة العظيمححة‪،‬‬
‫اللهم ل تؤاخذنا بما فعل السفهاء مانا‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثامن والثلثون‬


‫من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رأسإول الله‪  :‬إن الله تعالى قححال‪:‬‬
‫مان عاد لي وليحا‪ ،‬فقحد آذنتحه بحالحرب‪ ،‬وماحا تقحرب إلحى عبحدي‬
‫بشيء أحب إلي ماما افترضته عليه‪ ،‬ول يزال عبدي يتقرب إلي‬
‫بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته‪ ،‬كنححت سإححمعه الححذي يسححمع بححه‪،‬‬
‫وبصره الححذي يبصححر بححه‪ ،‬ويححده الححتي يبطححش بهححا‪ ،‬ورأجلححه الححتي‬
‫يمشي بهححا‪ ،‬ولئححن سإححألني لعطينححه‪ ،‬ولئححن اسإححتعاذني لعيححذنه ‪‬‬
‫رأواه البخارأي‪.‬‬
‫هذا حديث ‪-‬أيضا‪ -‬عظيم قال فيه ‪-‬عليه الصلة والسححلم‪ :-‬إن‬
‫الله تعالى قال ‪ -‬وهو حديث قدسإححي‪  -‬ما ن عححاد لححي وليححا فقححد‬
‫آذنته بالحرب ‪ ‬عادى‪ :‬يعني‪ :‬اتخذ الولي عدوا‪ ،‬وهذا ماعناه أنححه‬
‫أبغضه‪ ،‬قال العلماء‪ :‬إن أبغض الولي؛ لما هو علححي ماححن الححدين‪،‬‬
‫فهذا ظاهر دخححوله فححي الحححديث‪ ،‬وأماححا إن عححاداه لجححل الححدنيا‪،‬‬
‫وحصل بينه وبينه خصوماات؛ لجل الدنيا فهححذا فيححه تفصححيل‪ ،‬إن‬
‫صارأ ماعه خصوماات بغضاء وكره‪ ،‬فححإن يخشححى عليححه أن يححدخل‬
‫في هذا الحديث‪ ،‬وأماا إن كانت الخصوماات بححدون بغضححاء‪ ،‬فححإنه‬
‫ل يدخل في هذا الحديث‪ ،‬يعني‪ :‬ل يكون ماؤذنا بححالحرب‪ ،‬وذلححك‬
‫لن سإادات الولياء مان هذه الماة قد وقعححت بينهححم خصححوماات‪،‬‬
‫فتخاصم عمر وأبو بكر في عدة ماجالس‪ ،‬وتخاصم ابححن عبححاس‪،‬‬
‫بل العباس وعلي وحصل بينهم خصوماة‪ ،‬وتراجعا إلححى القاضححي‪،‬‬
‫وهكذا في عدد مان الحوال‪.‬‬
‫فوقوع الخصوماة بل بغضاء لولي مان أوليححاء اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫فهذا ل يدخل في ا هذا الحديث‪ ،‬وأماا إذا أبغض وليا ماححن أوليححا‬
‫الله ‪-‬جل وعل‪ -‬فإنه ماؤذن بحالحرب‪ ،‬يعنحي‪ :‬قحد أذنحه اللحه ‪-‬جحل‬
‫وعل‪ -‬بحرب مان عنده‪ ،‬وإيذانه بالحرب ماعناه‪ :‬أنححه أعلححم وأنظححر‬
‫بححأنه سإححيعاقب ماححن اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬إذ حححرب اللححه ‪-‬جححل وعل‪-‬‬
‫إيصال عذابه ونكاله لعباده‪ ،‬قال‪  :‬مان عاد لححي وليححا ‪ ‬والححولي‬
‫عند أهل السنة والجماعة عرف بأنه‪ :‬يعني عرفه بعححض العلمححاء‬
‫بأنه‪ :‬كل ماؤمان تقي ليس بنبي‪ ،‬هذا الولي فححي الصححطلح عنححد‬

‫‪311‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫أهل السحنة والجماعححة‪ ،‬يعنحي‪ :‬أن الحولي كحل ماححن عنححده إيمححان‬
‫وتقوى‪.‬‬
‫واليمان والتقوى يتفاضححل‪ ،‬فتكححون الوليححة‪ ،‬يعنححي ماحبححة اللححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬لعبححده ونصححرته لعبححده تكححون تلححك الوليححة ماتفاضححلة‪،‬‬
‫وإنما يقصد بالولي مان كمل بحسب اسإتطاعته اليمان والتقوى‪،‬‬
‫وغّلب عليه في أ حواله اليمان والتقوى‪ ،‬وذلك لقول الله ‪-‬جحل‬
‫وعل‪            :-‬‬
‫‪ (1)     ‬فجعل الولياء هم المؤمانين‬
‫المتقين‪ ،‬إذن فمن عاد ماؤمانا ماتقيا قد سإعى في تكميل إيمححانه‬
‫وتقواه بحسب قدرأته‪ ،‬ولم يعرف عنه ماا يخدش كمححال إيمححانه‪،‬‬
‫وكمال تقواه‪ ،‬فإنه ماؤذن بحرب مان اللححه‪ ،‬يعنححي‪ :‬ماعلححم وماهححدد‬
‫بإيصال عقوبة الله ‪-‬جل وعل‪ -‬له؛ لن هححذا الححولي ماحبححوب للححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬مانصورأ مان الله ‪-‬جل وعل‪ -‬والواجب أن تحب المححرء‬
‫لمحبة الله ‪-‬جل وعل‪-‬ا له‪.‬‬
‫قال‪  :‬وماا تقرب إلي عبدي بشيء أحححب إلحي مامححا افترضححته‬
‫عليه ‪ ‬يعني‪ :‬أن أحب القربات إلى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬أن يتقححرب‬
‫إليه بها العبد أن يتقحرب العبحد بحالفرائض‪ ،‬هحذه أححب القربحات‬
‫إلى اللححه ‪-‬جححل وعل‪ :-‬الصححلوات الخمححس‪ ،‬حيححث تصححلى وتقححام‪،‬‬
‫والزكححاة المفروضححة‪ ،‬والصححيام المفححروض‪ ،‬والحححج المفححروض ‪،‬‬
‫والماححورأ الواجبححة‪ ،‬وكححل أماححر افترضححه اللححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬عليححه‬
‫فالتقرب إليه به‪.‬‬
‫وأحب الشححياء إليححه ‪-‬جححل وعل‪ -‬وهححذا خلف ماححا يححأتي لبعححض‬
‫النفوس‪ ،‬في أنهم يحصل عندهم خشوع و تذلل في النوافل ماا‬
‫ل يحصححل فححي الفرائححض‪ ،‬بححل ويرجححون بالنوافححل ماححا ل يرجححون‬
‫بالفرائض‪ ،‬وهذا خلف العلم‪ ،‬واللححه ‪-‬جححل جللححه‪ -‬كمححا جححاء فححي‬
‫هذا الحديث القدسإي ‪ :‬إنما يحب بل أحححب ماححا يتقححرب إليححه بححه‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬ماا افترضه سإبحانه‪.‬‬
‫فافترض الله ‪-‬جل وعل‪ -‬الفرائض؛ لنه يحب أن يتعبد بها‬

‫‪ - 1‬سإورأة يونس آية ‪.63 -62 :‬‬

‫‪312‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫قححال‪  :‬ول يححزال عبححدي يتقححرب إلححي بالنوافححل حححتى أحبححه ‪‬‬
‫يعني‪ :‬ل يزال يتقرب بالنوافححل‪ :‬نوافححل العبححادات بعححد الفرائححض؛‬
‫حتى يحبه الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وهذا يعني‪ :‬أنه صارأ له كثرة النوافححل‬
‫وصفا‪ ،‬بحيث كثر مانه إتيانه بنوافل العبادات ماححن صححلة وصححيام‬
‫وصدقات وحج وعمرة وأشباه ذلك‪.‬‬
‫قال‪  :‬حتى أحبه ‪ ‬وهذا يدل على أن ماحبة الله ‪-‬جححل وعل‬
‫‪-‬تجلب بالسعي في طاعته بأداء النوافل‪ ،‬والسعي فيها بعد أداء‬
‫الفرائض‪ ،‬والتقرب إلى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬بها‪.‬‬
‫قال‪  :‬فإذا أحببته ‪ ‬لمحبة الله ‪-‬جل وعل ‪ -‬لعبده أثأححر‪ ،‬فمححا‬
‫هححذا الثأححر؟ قححال‪  :‬ف إذا أحببتححه كنححت سإححمعه الححذي يسححمع بححه‪،‬‬
‫وبصححره الححذي يبصححر بححه… ‪ ‬إلححى آخححره ‪ ،‬هححذا فسححره علمححاء‬
‫الحديث وعلماء السنة بقوله‪  :‬كن ت سإححمعه الححذي يسححمع بححه ‪‬‬
‫يعني‪ :‬أوفقه وأسإدده في سإححمعه وفححي بصححره‪ ،‬وفححي ماححا يعمححل‬
‫بيده‪ ،‬وفيما يمشي إليه برجلححه‪ ،‬فمعنححى قححوله‪  :‬كن ت سإححمعه ‪‬‬
‫يعني‪ :‬أوفقه في سإححمعه‪ ،‬وهححذا ليححس ماححن التأويححل؛ لن القححاطع‬
‫الشرعي النصي أن الله ‪-‬جل وعل ‪ -‬ل يكححون بححذاته سإححمعا‪ ،‬ول‬
‫يكون بذاته بصرا‪ ،‬ول يكون بذاته يدا‪ ،‬ول يكون بذاته رأجل ‪-‬جل‬
‫وعل ‪ -‬وتقدس وتعاظم رأبنا‪ ،‬فدل علححى القححاطع الشححرعي علححى‬
‫أن قوله‪  :‬كنت سإمعه الذي يسمع به ‪ ‬يعني‪ :‬أنححه يوفححق فححي‬
‫سإححمعه‪ ،‬ويسححدد فل يسححمع إل ماححا يحححب اللححه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬أن‬
‫يسححمع‪ ،‬ول يبصححر إل ماححا يحححب اللحه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬أن يبصحر‪ ،‬ول‬
‫يعمل بيده ول يبطش بيححده إل بمححا يحححب اللححه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬أن‬
‫يعمل باليد‪ ،‬أو يبطش بها‪ ،‬وكذلك في الرجل التي يمشححي بهححا‪،‬‬
‫وغّلة الصوفية اسإتدلوا بهذا على ماسألة الحلول‪ ،‬وهنححاك رأوايححة‬
‫ماوضححوعة زادوهححا فححي هححذا الحححديث بعححد قححوله‪  :‬ورأجل ه الححتي‬
‫يمشي بها ‪ ‬قال‪ " :‬وحتى يقول للشححيء كححن فيكححون "‪ ،‬وهححذا‬
‫مان جراء عقيدة الحلححول‪ ،‬وهححذه مارويححة لكنهححا بأسإححانيد مانكححرة‪،‬‬
‫وحكم عليها طائفة مان أهل العلم بالوضع‪.‬‬
‫قححال‪  :‬ولئ ن سإححألني لعطينححه‪ ،‬ولئححن اسإححتعاذني لعيححذنه ‪‬‬
‫يعني‪ :‬والله لئن سإححألني لعطينححه؛ لن اللم فححي قححوله " لئححن "‬
‫هذه واقعة في جواب القسم‪ ،‬ويكون قبلها قسم‪  ،‬لئن سإألني‬
‫‪313‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫لعطينه ‪ ‬يعني‪ :‬والله لئن سإألني لعطينه‪ ،‬ماا سإححأل يعنححي‪ :‬أن‬
‫يكون ماجاب الدعوة ‪ ‬ولئن اسإتعاذني لعيذنه ‪ ‬وهذا فرع مان‬
‫الجملة قبلها‪ ،‬جعلني الله وإياكم مان خاصة عباده وأوليائه‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث التاسع والثلثون‬


‫إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان‬
‫وعن ابن عباس ‪ -‬رأضي الله عنهما ‪ -‬قححال‪ :‬قححال رأسإححول اللححه ‪  ‬إن‬
‫الله تجاوز لي عن أماتي الخطأ والنسيان‪ ،‬وماا اسإتكرهوا عليه ‪‬‬
‫حديث حسن‪ ،‬رأواه ابن مااجه والبيهقي وغّيرهما‪.‬‬
‫هذا الحديث ‪-‬أيضا‪ -‬فيه بيان فضل اللححه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬ورأحمتححه‬
‫بالمؤمانين‪ ،‬قال فيه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬إن الله تجاوز لححي‬
‫عن أماتي الخطأ والنسيان‪ ،‬وماا اسإتكرهوا عليه ‪ ‬ففي قححوله‪ :‬‬
‫إن الله تجاوز لي ‪ ‬ماا يفهم أن هذا مان خصائص هححذه الماححة‪،‬‬
‫فغيرنا مان المام إذا هم بالعبد بحسنة لم تكتب له حسححنة‪ ،‬وإذا‬
‫هم بسيئة فتركهحا لحم تكتحب لحه حسحنة‪ ،‬وكحذلك فحي خصحائص‬
‫كثيرة ومانها‪ :‬التجاوز عن الخطأ والنسيان‪ ،‬فرحم الله ‪-‬جل وعل‬
‫‪ -‬هذه الماة بنبيها ‪ ‬وتجاوز لها عن الخطأ والنسيان‪.‬‬
‫ولما نزل قححول اللححه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬فححي آخححر سإححورأة البقححرة‪ :‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪ (1)       ‬شق ذلك على الصحابة ‪-‬‬
‫رأضوان الله عليهم ‪ -‬جدا حتى نزلت الية الخححرى‪ ،‬وهححي قححوله‬
‫‪-‬جل وعل ‪           :-‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪ (2) ‬فدعا بها الصحححابة ‪ -‬رأضححوان اللححه عليهححم ‪ -‬قححال اللححه ‪-‬جححل‬
‫وعل‪ :-‬قد فعلت‪ ،‬فقوله ‪-‬تعالى‪      :-‬‬
‫‪ (3)    ‬وقوله ‪-‬جل وعل ‪ :-‬قد فعلت‪ ،‬في ماعنى هذا‬
‫الحديث‪ ،‬بل هذا الحديث في ماعنححى اليححة‪ ،‬فححدل ذلححك علححى أن‬
‫مان أخطأ‪ ،‬فإنه ل إثأم عليه‪ ،‬ومان نسي فل إثأم عليه‪ ،‬لكن هححذا‬
‫ماختص بالحكم التكليفي‪.‬‬
‫أماا الحكم الوضعي‪ ،‬فإنه يؤاخححذ بخطئححه وبنسححيانه‪ ،‬يعنححي‪ :‬ماححا‬
‫يتعلق بالضمانات‪ ،‬فحإذا أخطححأ‪ ،‬فقتحل ماؤمانححا خطحأ‪ ،‬فححإنه يؤاخححذ‬

‫‪ - 1‬سإورأة البقرة آية ‪.284 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة البقرة آية ‪.286 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة البقرة آية ‪.286 :‬‬

‫‪315‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫بالحكم الوضعي عليه بالدية‪ ،‬وماا يتبع ذلك‪ ،‬وأماححا الثأححم‪ ،‬فححإنه ل‬
‫إثأم عليه؛ لنه أخطأ‪ ،‬وكذلك إذا أخطأ‪ ،‬فاعتححدى علححى أحححد فححي‬
‫مااله‪ ،‬أو في جسمه‪ ،‬أو في أشباه ذلك‪ ،‬فإنه ل إثأححم عليححه ماححن‬
‫جهة حق الله ‪-‬جل وعل ‪ ،-‬أماا حق العباد في الحكححم الوضححعي‪،‬‬
‫فإنهم ماؤاخذون به‪ ،‬يعني أن اليححة‪ ،‬والحححديث دل علححى التجححاوز‬
‫فيما كان في حق الله؛ لن الله هو الذي تجاوز‪ ،‬وتجاوزه ‪-‬جححل‬
‫وعل ‪ -‬عححن حقححه ‪-‬سإححبحانه وتعححالى‪ -‬وهححذا هححو المتعلححق بححالحكم‬
‫التكليفي‪ ،‬كما هو ماعروف فححي بحثححه فححي ماوضححوعه‪ ،‬فححي علححم‬
‫أصول الفقه‪ ،‬والخطححأ غّيححر النسححيان‪ ،‬وكححذلك الكححراه ماححا يكححره‬
‫عليه ‪-‬أيضا‪ -‬يختلف عنهما‪ ،‬فالخطأ إرأادة الشيء وحصححول غّيححره‬
‫مان غّير قصد لذلك‪ ،‬والنسيان الذهول عن الشيء‪ ،‬والكراه‪ ،‬أو‬
‫قوله‪  :‬ماا اسإحتكرهوا عليححه ‪ ‬يعنحي‪ :‬ماححا أكرهححوا عليححه‪ ،‬فعملححوا‬
‫شيئا على جهة الكراه‪ ،‬والله ‪-‬جل وعل ‪ -‬قال‪    :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ (1)    ‬الية في سإورأة النحل‪ ،‬وهذا فيححه ماححن حيححث‬
‫التفريعات الفقهية ماباحث كثيرة نطويها؛ طلبا للختصارأ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النحل آية ‪.106 :‬‬

‫‪316‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الربعون‬
‫كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل‬
‫وعن ابن عمر ‪ -‬رأضححي اللححه عنهمححا‪ -‬قححال‪  :‬أخ ذ رأسإححول اللححه ‪‬‬
‫بمنكبي فقال‪ :‬كن في الدنيا كأنك غّريب‪ ،‬أو عححابر سإححبيل وكححان‬
‫ابححن عمححر ‪ -‬رأضححي اللححه عنهمححا ‪ -‬يقححول‪ :‬إذا أماسححيت فل تنتظححر‬
‫الصححباح‪ ،‬وإذا أصححبحت فل تنتظححر المسححاء‪ ،‬وخححذ ماححن صحححتك‬
‫لمرضك‪ ،‬ومان حياتك لموتك‪  .‬رأواه البخارأي‪.‬‬
‫هذا الحديث‪ ،‬حديث ابن عمر ‪ ‬ووصية النححبي ‪ ‬لححه بححه حيححاة‬
‫القلوب؛ لن به البتعاد عن الغّترارأ بهذه الححدنيا بشححباب المححرء‪،‬‬
‫أو بصحته‪ ،‬أو بعمره‪ ،‬أو بما حوله‪.‬‬
‫قال ابن عمححر ‪ -‬رأضححي اللححه عنهمححا ‪  : -‬أخ ذ رأسإححول اللححه ‪‬‬
‫بمنكبي ‪ ‬وهذا يححدل علححى الهتمححام بححابن عمححر‪ ،‬وكححان إذ ذاك‬
‫شابا صغيرا في العشر الثانيححة ماححن عمححره‪ ،‬قححال‪ :‬أخححذ بمنكححبي‪،‬‬
‫فقال‪  :‬كن في الدنيا كأنك غّريب‪ ،‬أو عابر سإبيل ‪ ‬وهذه ماححن‬
‫أعظم الوصية المطابقة للواقع لححو عقححل النححاس‪ ،‬فححإن النسححان‬
‫ابتدأ حياته في الجنححة ونححزل إلححى هححذه الرأض ابتلء‪ ،‬فهححو فيهححا‬
‫غّريب ‪ ،‬أو عابر سإبيل‪ ،‬فزيارأته للدنيا ‪ -‬زيارأة الجنس البشري ‪-‬‬
‫بأجمعه للدنيا هذه زيارأة غّريب‪ ،‬وإل فإن ماكححان آدم وماححن تبعححه‬
‫علححى إيمححانه وتقححواه وتوحيححد اللححه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬والخلصا لححه‪،‬‬
‫فالمنزل هو الجنة‪ ،‬وإنما أخرج آدم مان الجنة ابتلء وجزاء على‬
‫ماعصيته‪ ،‬وهذا إذا تححأمالته وجححدت أن المححرء المسححلم حقيححق أن‬
‫يوطن نفسه‪ ،‬وأن يربيها على أن مانزله الجنة‪ ،‬وليس هي هححذه‬
‫الدنيا‪ ،‬وهو في هذه الدنيا فححي دارأ ابتلء‪ ،‬وإنمححا هححو غّريححب‪ ،‬أو‬
‫عابر سإبيل كما قال المصطفى‪.  ،‬‬
‫وماا أحسن اسإتشهاد ابن القيم ‪ -‬رأحمه الله تعححالى ‪ -‬إذا ذكححر أن حنيححن المسححلم للجنححة‪ ،‬وأن حبححه‬
‫للجنة ورأغّبه فيها هو بسبب أنها ماوطنه الول‪ ،‬وأنه هو الن سإبي للعححدو‪ ،‬ورأحححل عححن أوطححانه بسححبب‬
‫سإبي إبليس لبينا آدم‪ ،‬وهل ترى أن يرجع إلى دارأه الولى أم ل؛ ولهذا ماا أحسن قول الشاعر‪:‬‬

‫مـا الحـب إل للحبيب‬ ‫نقل فؤادك حيث شئت‬


‫الول‬ ‫من الهوى‬

‫‪317‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وهو الله ‪-‬جل جلله‪:-‬‬

‫وحنينـــه أبــدا لول‬ ‫كم منزل في الرض‬


‫مــنزل‬ ‫يألفه الفتى‬

‫وهي الجنة‪.‬‬
‫وهذا إنمححا يخلححص لححه قلححب المنيححبين إلححى اللححه ‪-‬جححل وعل ‪-‬‬
‫دائما‪ ،‬المخبتين له‪ ،‬الذين تعلقت قلوبهم بالله حبا ورأغّبححا ورأهبححا‬
‫وطاعححة‪ ،‬وتعلقححت قلححوبهم بححدارأ الكراماححة بالجنححة‪ ،‬ويعملححون لهححا‬
‫وكأنها بين أعينهم‪ ،‬فهم في الدنيا كأنهم غّرباء‪ ،‬أو كأنهم عححابرو‬
‫سإبيل‪ ،‬ومان كان على هذه الحال غّريب‪ ،‬أو عابر سإبيل‪ ،‬فإنه ل‬
‫يأنس بمقاماه؛ لن الغريب ل يأنس إل بين أهله‪ ،‬وعابر السححبيل‬
‫دائما على عجل مان أماره‪ ،‬وهذه حقيقة الححدنيا‪ ،‬فححإنه لححو عححاش‬
‫ابن آدم ماا عاش‪ ،‬عاش نوح ألف سإنة مانها تسعمائة وخمسون‬
‫سإنة في قوماه‪ (1)          :‬ثأم‬
‫ماضححت وانتهححت‪ ،‬وعححاش أقححوام مائححات السححنين وماضححوا وانتهححوا‪،‬‬
‫وعاش قوم ماائة سإنة وثأمانين‪ ،‬وأرأبعين وخمسين‪.‬‬
‫فالحقيقة أنهم غّرباء وعابرو سإبيل‪ ،‬ماروا بهذه الدنيا وذهبححوا‪،‬‬
‫والموت يصبح المرء ويمسيه‪ ،‬فيجب على المححرء أن ينتبححه إلححى‬
‫نفسه‪ ،‬وأعظم ماا يصاب به العبد أن يصححاب بالغفلححة عححن هححذه‬
‫الحقيقة ‪ ،‬الغفلة عن حقيقة الدنيا ماا هي‪ ،‬فإذا مان اللححه عليححك‬
‫بمعرفححة حقيقححة الححدنيا‪ ،‬وأنهححا دارأ غّربححة‪ ،‬وأنهححا دارأ ابتلء‪ ،‬دارأ‬
‫اختبارأ‪ ،‬دارأ مامر وليست دارأ ماقححر‪ ،‬فححإنه يصحححو قلبححه‪ ،‬وأماححا إذا‬
‫غّفل عن هذه الحقيقة‪ ،‬فححإنه يصححاب قلبححه ماححن ماقححاتله‪ ،‬أيقظنححا‬
‫الله وإياكم مان أنواع الغفلت‪.‬‬
‫ابن عمر ‪ ‬كان يوصي بمقتضى الوصية‪ ،‬فيقول‪  :‬إذا أماسيت‬
‫فل تنتظر الصباح‪ ،‬وإذا أصبحت فل تنتظر المساء ‪ ‬يعني‪ :‬كححن‬
‫على حذرأ دائما ماححن المححوت أن يفاجححأك‪ ،‬فكححن علححى اسإححتعداد‪،‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة العنكبوت آية ‪.14 :‬‬

‫‪318‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫وقد قيل في عدد مان علماء السلف علماء الحححديث‪ :‬كححان فلن‬
‫لو قيل له‪ :‬إنك تموت الليلة لما اسإتطاع أن يزيد في عمله‪.‬‬
‫لو قيححل لححه ‪ :‬إنححك تمححوت الليلححة لمححا اسإححتطاع أن يزيححد فححي‬
‫عمله‪ ،‬وهذا يكون باسإتحضارأ حق اللححه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬دائمححا‪ ،‬وأنححه‬
‫إذا تعبد‪ ،‬فإنه يستحضر ذلك‪ ،‬ويخلص فيه لربه‪ ،‬وإذا خالف أهله‬
‫يكححون علححى الخلصا واماتثححال الشححريعة ‪ ،‬وإذا بححاع‪ ،‬أو اشححترى‬
‫يكححون علححى الخلصا‪ ،‬ويكححون علححى الرغّححب فححي إتيححان الحلل‪،‬‬
‫وهكذا في كل أمار يأتيه‪ ،‬فإنه يكون على علم‪ ،‬وهذا فضل أهل‬
‫العلححم أنهححم إذا تحركححوا وعملححوا‪ ،‬ففححي كححل حححال يكونححون فيححه‬
‫يستحضرون الحكححم الشححرعي فيححه‪ ،‬فيمتثلححون‪ ،‬أو يفعلححون‪ ،‬وإن‬
‫غّلطححوا‪ ،‬أو إن أذنبححوا فسححرعان ماححا يسححتغفرون‪ ،‬فيكونححون بعححد‬
‫السإتغفارأ أماثل ماما هم قبله‪ ،‬وهذه ماقاماات؛ ولهذا قححال‪  :‬وخ ذ‬
‫مان صحتك لمرضك‪ ،‬ومان حياتك لموتك ‪ ‬رأواه البخارأي‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الحادي والربعون‬


‫ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به‬
‫وعن أبي ماحمد عبد الله بن عمححرو بححن العححاصا ‪-‬رأضححي اللححه عنهمححا ‪-‬‬
‫قال‪ :‬قال رأسإول الله ‪  ‬ل يؤمان أحدكم حححتى يكححون هححواه تبعححا‬
‫لما جئت به ‪ ‬حديث صحيح‪ ،‬رأويناه فححي كتححاب الحجححة بإسإححناد‬
‫صحيح‪.‬‬
‫هذا الحديث حديث ماشهورأ؛ وذلك لكونه فححي كتححاب التوحيححد‪،‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪  :-‬ل يؤمان أحدكم‪ ،‬حتى يكون هححواه‬
‫تبعا لما جئت به ‪ ‬وهذا حديث حسن‪ ،‬كما حسنه هنا النححووي‪،‬‬
‫بل قال‪ :‬حديث حسن صحححيح‪ ،‬وسإححبب تحسححينه أنححه فححي ماعنححى‬
‫‪‬‬ ‫الية‪ ،‬وهي قححوله ‪-‬جححل وعل ‪     :-‬‬
‫‪          ‬‬
‫وتحسين الحديث‪ ،‬بمجيء آية فيها‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪   ‬‬
‫ماعناه‪.‬‬
‫ماححذهب كححثير ماححن المتقححدماين ماححن أهححل العلححم كححابن جريححر‬
‫الطبري ‪ ،‬وجماعة مان حذاق الئمة والمحدثأين‪.‬‬
‫وقوله هنا‪  :‬ل يؤمان أحدكم حتى يكون هواه تبعححا لمححا جئححت‬
‫به ‪ ‬يعني‪ :‬اليمان الكامال ل يكححون‪ ،‬حححتى يكححون هححوى المححرء‬
‫ورأغّبة المرء تبعا لما جاء به المصطفى ‪ ‬يعني‪ :‬أن يجعل ماححراد‬
‫الرسإول ‪ ‬ماقدماا على ماراده‪ ،‬وأن يكون شححرع النححبي ‪ ‬ماقححدماا‬
‫على هواه ‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فإذا تعارأض رأغّبه وماححا جححاء بححه‪ ،‬جححاءت بححه‬
‫السنة‪ ،‬فإنه يقدم ماا جاءت به السنة‪ ،‬وهذا جاء بيانه في آيححات‬
‫كثيرة‪ ،‬وفي أحاديث كثيرة ‪ ،‬كقول الله ‪-‬جل وعل ‪   :-‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ … (2)    ‬الي ة إلححى أن قححال‪ :‬‬
‫‪         ‬‬
‫فالواجب أن يكون الله ورأسإححوله أحححب إليححه‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ - 1‬سإورأة النساء آية ‪.65 :‬‬

‫‪ - 2‬سإورأة التوبة آية ‪.24 :‬‬

‫‪ - 3‬سإورأة التوبة آية ‪.24 :‬‬

‫‪320‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫ماما سإواهما‪ ،‬وإذا كان كذلك فسيكون هوى المرء تبعا لما جححاء‬
‫به المصطفى ‪. ‬‬
‫إذا ً فححي قححوله‪  :‬ل يححؤمان أحححدكم ‪ ‬هححذا فيححه نفححي لكمححال‬
‫اليمان الواجب‪ ،‬وهذا ظاهر مان القاعدة التي سإبق أن ذكرناهححا‬
‫لكم‪ ،‬وتتمة الكلم على شرح الحاديث فيما قدماناه مان شححرحنا‬
‫على كتاب التوحيد‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الحديث الثاني والربعون‬


‫يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني‬
‫وعححن أنححس بححن ماالححك ‪ ‬قححال‪ :‬قححال رأسإححول اللححه ‪  ‬قححال اللححه‬
‫‪-‬تعالى‪ : -‬يا ابن آدم إنك ماا دعوتني ورأجوتني‪ ،‬غّفرت لححك علححى‬
‫ماححا كححان مانححك ول أبححالي‪ ،‬يححا ابححن آدم لححو بلغححت ذنوبححك عنححان‬
‫السماء‪ ،‬ثأم اسإتغفرتني غّفرت لك‪ ،‬يا ابن آدم لو أتيتني بقححراب‬
‫الرأض خطايا‪ ،‬ثأححم لقيتنححي ل تشححرك بححي شححيئا‪ ،‬لتيتححك بقرابهححا‬
‫ماغفححرة ‪ ‬رأواه الترماححذي‪ ،‬وقححال‪ :‬حححديث حسححن‪ ،‬واللححه أعلححم‬
‫وصلى الله على ماحمد‬
‫عححن أنححس ‪ ‬قححال‪ :‬سإححمعت رأسإححول اللححه ‪ ‬يقححول‪ :‬قححال اللححه‬
‫‪-‬تعالى‪  :-‬يا ابن آدم إنك ماا دعوتني ورأجوتني غّفرت لححك علححى‬
‫ماا كان مانك ول أبالي ‪ ‬المقصود بابن آدم هنا المسححلم الححذي‬
‫اتبع رأسإالة الرسإول الذي أرأسإل إليه‪ ،‬فمن اتبع رأسإححالة ماوسإححى‬
‫‪-‬عليه السلم‪ -‬في زمانه كان مانادى بهذا النداء‪ ،‬مان اتبع رأسإححالة‬
‫عيسى في زمانه كان مانادى بهذا النداء‪.‬‬
‫وبعد بعثة ماحمد ‪ ‬ماححن يحظححى علحى هححذا الجحر وعلححى هحذا‬
‫الفضححل والثححواب هححو ماححن اتبححع المصححطفى ‪ ‬وأقححر لححه بختححم‬
‫الرسإالة‪ ،‬وشهد له بالنبوة والرسإالة‪ ،‬واتبعه على ماا جاء به‪.‬‬
‫قححال ‪-‬جل وعل‪  : -‬ي ا ابححن آدم إنححك ماححا دعححوتني ورأجححوتني‪،‬‬
‫غّفرت لك على ماا كححان مانححك ول أبححالي ‪ ‬وهححذه الجملححة فححي‬
‫ماعنى قول الله ‪-‬جل وعل ‪      :-‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪ (1)   ‬فالعبد إذا أذنب وسإارأع إلى التوبة‪ ،‬ودعا الله ‪-‬جل‬
‫وعل ‪ -‬أن يغفر له‪ ،‬ورأجى ماا عند اللححه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬فححإنه يغفححر‬
‫له على ماا كان مانه ماحن الحذنوب ماهمحا ك انت بالتوبحة ‪ ‬التوبحة‬
‫تجب ماا قبلها ‪. ‬‬
‫وقوله ‪-‬جل وعل ‪ -‬هنا‪  :‬إنك ماا دعوتني ورأجوتني ‪ ‬فيححه أن‬
‫الدعاء ماع الرجاء ماوجبان لمغفرة الله ‪-‬جححل وعل ‪ -‬وهنححاك ماححن‬
‫‪ - 1‬سإورأة الزمار آية ‪.53 :‬‬

‫‪322‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يدعو‪ ،‬وهو ضعيف الظن بربه‪ ،‬ل يحسن الظن بربحه‪ ،‬وقحد ثأبحت‬
‫عنه ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬أنه قححال‪ :‬قححال اللححه ‪-‬تعححالى‪  :-‬أن ا‬
‫عند ظن عبدي بي‪ ،‬فليظن بي ماا شاء ‪ ‬والعبد إذا دعححا اللححه‬
‫‪-‬جل وعل ‪ -‬ماستغفرا لذنبه يدعو ماستغفرا وماستحضرا أن فضل‬
‫الله عظيم‪ ،‬وأنه يرجو الله أن يغفر‪ ،‬وأن الله سإيغفر له‪.‬‬
‫فإذا عظم الرجاء بالله‪ ،‬وأيقححن أن اللححه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬سإححيغفر‬
‫له‪ ،‬وعظم ذلححك فححي قلبححه‪ ،‬حصححل لححه ماطلححوبه؛ لن فححي ذلححك‬
‫إحسان الظن بححالله‪ ،‬وإعظححام الرغّبححة بححالله ‪-‬جححل وعل ‪ -‬وهنححاك‬
‫عبححادات قلبيححة كححثيرة تجتمححع علححى العبححد المححذنب حيححن طلبححه‬
‫السإححتغفارأ وقبححول التوبححة‪ ،‬حيححن طلبححه المغفححرة وقبححول التوبححة‪،‬‬
‫تجتمع عليه عبادات قلبية كثيرة توجب ماغفرة الذنوب فضل مان‬
‫الله ‪-‬جل وعل ‪ -‬وتكرماا‪.‬‬
‫قال‪  :‬غّفرت لك ‪ ‬والمغفرة‪ :‬سإتر الذنب وسإتر أثأححر الححذنب‬
‫في الدنيا والخححرة‪ ،‬والمغفححرة غّيححر التوبححة؛ لن المغفححرة سإححتر‪،‬‬
‫غّفر الشيء بمعنى سإتره‪ ،‬والمقصود مان سإتر الذنب أن يسححتر‬
‫الله ‪-‬جل وعل ‪ -‬أثأره في الدنيا والخرة‪ ،‬وأثأر الذنب فححي الححدنيا‬
‫العقوبححة عليححه‪ ،‬وأثأححر الححذنب فححي الخححرة العقوبححة عليححه‪ ،‬فمححن‬
‫اسإتغفر الله ‪-‬جل وعل ‪ -‬غّفر الله له يعني‪ :‬مان طلب سإتر اللححه‬
‫عليه في أثأر ذنبه في الدنيا والخرة؛ سإححتر اللححه عليححه‪ ،‬ماحححا أو‬
‫سإححتر أثأححر الححذنب بحجححب أثأححر الححذنب ماححن العقوبححة فححي الححدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫قال‪  :‬يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ‪ ‬يعني‪ :‬ماححن‬
‫كثرتهححا بلغححت عنححان السححماء‪ :‬السحححاب العححالي‪ ،‬ماححن كثرتهححا‬
‫وتراكمها‪.‬‬
‫قال‪  :‬ثأم اسإتغفرتني غّفرت لححك ‪ ‬وهححذا مامححا يجعححل العبححد‬
‫المنيب يحب رأبححه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬أعظححم ماحبححة؛ لن اللححه العظيححم‬
‫الححذي لححه صححفات الجلل والجمححال والكمححال‪ ،‬والححذي لححه هححذا‬
‫الملكوت كله‪ ،‬وهو الذي على كل شيء قدير‪ ،‬وعلى كححل شححئ‬
‫وكيل‪ ،‬وهو الذي مان صفاته كذا وكذا‪ ،‬مان عظيم صفاته وجليل‬
‫النعوت والسإماء‪ ،‬يتودد إلى عبده بهححذا التححودد ل شححك أن هححذا‬

‫‪323‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫يجعل القلححب ماحبححا لربححه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬ماتححذلل بيححن يححديه‪ ،‬ماححؤثأرا‬
‫مارضاة الله على مارضاة غّيره ‪-‬سإبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫قال اللححه ‪-‬جححل وعل ‪  -‬ي ا ابححن آدم لححو بلغححت ذنوبححك عنححان‬
‫السماء‪ ،‬ثأم اسإححتغفرتني غّفححرت لححك ‪ ‬وهححذا فيححه الحححث علححى‬
‫طلب المغفرة‪ ،‬فإنححك إذا أذنبححت فاسإححتغفر‪ ،‬فححإنه ماححا أصححر ماححن‬
‫اسإتغفر‪ ،‬ولو عاد في اليوم سإبعين مارة كما جاء في الثأر‪ ،‬فمع‬
‫السإتغفارأ والندم يمحو الله ‪-‬جل وعل ‪ -‬الخطايا‪.‬‬
‫قال‪  :‬يا ابن آدم لو آتيتني بقراب الرأض خطايا‪ ،‬ثأححم لقيتنححي‬
‫ل تشرك بي شيئا لتيتك بقرابها ماغفرة ‪ ‬يعنححي‪ :‬لححو جححاء ابححن‬
‫آدم بملء الرأض خطايا‪ ،‬ثأم لقححي اللحه ‪-‬جححل وعل ‪ -‬ماخلصححا لحه‬
‫الدين ل يشرك به شيئا‪ ،‬ل جليل الشرك ول صحغيره ول خفيححه‪،‬‬
‫بل قلبه ماخلص لله ‪-‬جل وعل ‪ -‬ليس فيه سإوى الله ‪-‬جححل وعل‬
‫‪ -‬وليس فيه رأغّب إل إلى الله ‪-‬جل وعل ‪ -‬وليس فيححه رأجححاء إل‬
‫رأجاء الله ‪-‬جل وعل ‪ -‬ل يشرك بححه شححيئا‪ ،‬بححأي نححوع ماححن أنححواع‬
‫الشرك ‪ ،‬فإن الله ‪-‬جل وعل ‪ -‬يغفر الذنوب جميعا‪.‬‬
‫قال ‪-‬سإبحانه‪  : -‬ثأم لقيتني ل تشرك بي شيئا لتيتك بقرابهححا‬
‫ماغفرة ‪ ‬يعني‪ :‬بملء الرأض ماغفححرة‪ ،‬وهحذا ماحن عظيحم رأحمحة‬
‫الله ‪-‬جل جلله‪ -‬بعباده‪ ،‬وإحسانه لهم‪.‬‬
‫اللهم لك الحمححد علححى أسإححمائك وصححفاتك‪ ،‬اللهححم لححك الحمححد‬
‫على ماا أنعمت به علينا مان شريعة السإحلم‪ ،‬اللهحم لحك الحمححد‬
‫على ماا أنعمححت بحه علينحا ماحن بعثحة نبيححك ماحمححد عليحه الصححلة‬
‫والسلم‪ ،‬اللهم لك الحمد على ماا ماننححت بححه علينححا ماححن سإححلوك‬
‫طريق سإلفنا الصالح‪ ،‬اللهم لك الحمد على ماا ماننححت بححه علينححا‬
‫مان ماغفرة للذنوب‪ ،‬ومان كسب للحسنات ومان ماحححو للسححيئات‪،‬‬
‫اللهم لك الحمد على آلئك العظيمححة‪ ،‬اللهححم لححك الحمححد‪ ،‬وأنححت‬
‫للحمد أهل‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪325‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫الفهححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححرس‬
‫‪..............................................................................1‬المقدماحححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححححة‬
‫‪.......................................................................................................................................1‬ماقدماة الشارأح‬
‫‪.........................................................................................................................................5‬الحديث الول‬
‫‪......................................................................................................................................16‬الحديث الثاني‬
‫‪.....................................................................................................................................40‬الحديث الثالث‬
‫‪......................................................................................................................................51‬الحديث الرابع‬
‫‪..................................................................................................................................66‬الحديث الخاماس‬
‫‪.................................................................................................................................76‬الحديث السادس‬
‫‪.....................................................................................................................................87‬الحديث السابع‬
‫‪.....................................................................................................................................96‬الحديث الثامان‬
‫‪...................................................................................................................................103‬الحديث التاسإع‬
‫‪..................................................................................................................................111‬الحديث العاشر‬
‫‪.........................................................................................................................121‬الحديث الحادي عشر‬
‫‪...........................................................................................................................125‬الحديث الثاني عشر‬
‫‪..........................................................................................................................132‬الحديث الثالث عشر‬
‫‪...........................................................................................................................137‬الحديث الرابع عشر‬
‫‪.......................................................................................................................145‬الحديث الخاماس عشر‬
‫‪......................................................................................................................151‬الحديث السادس عشر‬
‫‪..........................................................................................................................156‬الحديث السابع عشر‬
‫‪..........................................................................................................................161‬الحديث الثامان عشر‬
‫‪..........................................................................................................................169‬الحديث التاسإع عشر‬
‫‪..............................................................................................................................182‬الحديث العشرون‬
‫‪................................................................................................................186‬الحديث الحادي والعشرون‬
‫‪..................................................................................................................191‬الحديث الثاني والعشرون‬
‫‪.................................................................................................................196‬الحديث الثالث والعشرون‬
‫‪..................................................................................................................206‬الحديث الرابع والعشرون‬
‫‪..............................................................................................................221‬الحديث الخاماس والعشرون‬
‫‪.............................................................................................................227‬الحديث السادس والعشرون‬
‫‪.................................................................................................................230‬الحديث السابع والعشرون‬
‫‪.................................................................................................................237‬الحديث الثامان والعشرون‬
‫‪.................................................................................................................248‬الحديث التاسإع والعشرون‬
‫‪.................................................................................................................................257‬الحديث الثلثأون‬
‫‪...................................................................................................................267‬الحديث الحادي والثلثأون‬
‫‪.....................................................................................................................275‬الحديث الثاني والثلثأون‬
‫‪....................................................................................................................281‬الحديث الثالث والثلثأون‬
‫‪.....................................................................................................................286‬الحديث الرابع والثلثأون‬
‫‪.................................................................................................................294‬الحديث الخاماس والثلثأون‬
‫‪................................................................................................................303‬الحديث السادس والثلثأون‬
‫‪....................................................................................................................308‬الحديث السابع والثلثأون‬
‫‪....................................................................................................................311‬الحديث الثامان والثلثأون‬
‫‪....................................................................................................................315‬الحديث التاسإع والثلثأون‬
‫‪................................................................................................................................317‬الحديث الرأبعون‬
‫‪..................................................................................................................320‬الحديث الحادي والرأبعون‬
‫‪....................................................................................................................322‬الحديث الثاني والرأبعون‬

‫‪326‬‬
‫لمعالي الشيخ العلماة‪ /‬صالح بن عبد العزيز‬
‫بن ماحمد آل الشيخ‬
‫شرح الرأبعين النووية‬

‫‪327‬‬

You might also like