Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الخامسة
مدخل :لعل ما يميز القانون البحري ويجعله يستأثر بذاتية خاصة به بين مختلف القوانين
األخرى ،األخطار التي تتربص بالمالحة البحرية ،وهذا جعل من القانون البحري ذا خاصية
ينفرد بها بل كونه ذا طبيعة خاصة ،ومرد هذه األخطار قد يكون مؤداها تأثيرات الطقس
وحالة الجو غير القارة واألخطأ البشرية ،وهذه األمور جعلت من السفينة عرضة للتهديد من
.األخطار الجمة في الكثير من األحيان
ومن بين المخاطر البحرية العديدة التي تنطوي عليها المالحة البحرية .التصادم البحري في
مقدمة تلك األخطار أو األحداث بل أخطرها على اإلطالق ،وهو ال يقتصر شيوعه على
البحار فقط بل كذلك في السواحل وخاصة عند المناطق الضيقة وال سيما عند دخول السفينة
هذه المنطقة ،وغالبا ما تنتج عنه أضرار جسيمة تلحق بالسفن والبضائع المنقولة وتصل درجة
الخطورة وجسامتها إلى األفراد واألشخاص من طواقم وغيرهم الذين هم على متن السفينة
واألثار قد تصل إلى البيئة البحرية وما ينعكس عليها من ضرر وخاصة عند التلوث من وراء
التسرب البترولي أو المواد المشابهة لها وهذا ما يتأكد عند تصادم سفينتين بحريتين في
عرض البحر أو عند الساحل .
ولما لتصادم البحري من أهمية بالغة تكمن في كونه ذو خطورة بالغة على كل ما يحيط
بالبيئة البحرية والسفينة وحمولتها وأطقمها ،وهذه الخطورة البحرية سببا في وجود العديد من
االتفاقيات والمعاهدات الدولية والتشريعية الوطنية التي تناولت الموضوع من جوانبه القانونية
والنظم القانونية التي تطرق إليها القانون البحري الجزائري ،حيث تطرق إليه من حيث
تعريفه ،وقواعده العامة ،وبيان صور المسؤولية وأحكامها ،ودراسة مسألة االختصاص
بتنويعها المدني والجزائي .
أوال :القواعد العامة للتصادم البحري General rules for marine collision
يعد التصادم البحري من أهم المشاكل التي تعترض المالحة البحرية وهذا ما جعل من هذا
التصادم موضوع من أهم الموضوعات التي أثارت إشكاالت قانونية مما نتج عن ذلك العديد
من التشريعات والمعاهدات واالتفاقيات الدولية ،فأحكام التصادم البحري ال تطبق إال إذا وقع
اصطدام بين منشأتين بحريتين وكانت السفينة بالمعنى القانوني طرفا في الحادث البحري .
التصادم البحري يخضع لمفهوم محدد وال سيما تصادم السفن التي عالجها الفقه والقانون
الجزائري البحري وكذلك تطرقت إليها العديد من االتفاقيات الدولية ،لكن هناك من يركز
على اإلطار المفاهيمي على المياه التي يقع فيها التصادم بغض النظر عن المنشآت البحرية
المتصادمة ،والبعض األخر يذهب إلى التركيز على المنشاة البحرية التي كانت طرفا في
التصادم .
هناك من يرى في التصادم البحري واقعة مادية وهناك من يعتبره إرتطام وغيره ،لكن يجب
أن نتطرق إلى تعريف التصادم البحري ما جاء به الفقه الدولي وما ذكرته االتفاقيات ثم نركز
على التشريعات الجزائري وخاصة القانون البحري الوطني .
لقد نصت في مادتها األولى التصادم البحري " التصادم الذي يحصل بين سفينتين بحريتين أو
بين سفن بحرية ومركب مالحة داخلية أيا كانت نوعية المياه التي حدث فيها التصادم "
1_1اتفاقية Bruxellesالموقعة في برو كسل في 23سبتمبر من سنة 1910الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالمصادمات
البحرية ،وكانت هذه االتفاقية بمثابة البادرة التي فتحت الطريق لتنظيم أحكام التصادمات البحرية .
_أنظر :عايض بن مقبول حمود القرني :الحوادث البحرية والخسارات المشتركة (العوار البحري )في الفقه اإلسالمي -مكتبة
القانون واالقتصاد الرياض السعودية 2012ص . 90
ما يترأى من هذه المعاهدة أنها تشترط أن يقع التصادم في أجزاء محدد من البحر فمعيار
المياه التي يقع فيها التصادم ال يغير من وصفه ،كما أن االتفاقية اعتبرت وجود السفينة واحدة
في التصادم كاف العتباره تصادما بحري ،فيكفي األمر أن يتعلق بسفينة حتى تنجذب المسألة
نحو القانون البحري وبالتالي أحكام التصادم البحري .2
وبهذا التعريف تكون السفينة أحد أطراف التصادم البحري هذا ال يعني أن يكون الطرف
األخر شيأ راسيا غير متحرك كالرصيف أو شيئ ثابت كالصخور ،بل يتعين أن يكون
الطرف األخر مركب مالحة داخلية على األقل .
نفس التعريف أخذت به معظم التشريعات وهذا ما نجده في التشريع الفرنسي والسيما في
المادة األولى من القانون 545الملغى والصادر في 7جويلية من سنة 1967والمنظم
لحوادث البحر Sea accidentsفكان يتبنى نفس التعريف االتفاقية سابقة الذكر ،وهذا التبني
نجده مجسد في قانون النقل الفرنسي الحالي وال سيما ما جاء في المادة 5131في القسم
المتعلق بالحوادث البحرية ،ونفس الشيئ نجده في التشريع اللبناني والذي إهتدى لنفس
التعريف الذي جاءت به االتفاقية سابقة الذكر ،نفس الشيء نجده في التشريع المصري من
خالل نص المادة 292من القانون التجاري الصادر والمعدل سنة .3 1990
نظم المشرع الجزائري أحكام التصادم البحري في القانون البحري ضمن القسم األول تحت
عنوان (تصادم السفن في البحار ) من الفصل الرابع المتضمن للحوادث البحرية من الباب
األول ،المواد 273إلى 298بحيث تقضي المادة 273ق ب ج على أنه " يعد تصادم سفن
في البحار أو اصطدام بين السفن في البحر أو بين السفن وبواخر المالحة الداخلية ،دون
األخذ في االعتبار للمياه التي وقع فيها التصادم "
لو نستقريء المادة يتضح أن المشرع الجزائري من الوهلة األولى قد أعتنق ما جاءت به
اتفاقية Bruxellesفي مادتها األولى ،من منطلق أنه نظر للتصادم كحادث بحري وفقا
لصفات المنشآت المعنية بتصادم دون إعطاء أهمية للمياه التي يقع فيها التصادم ،سواء كانت
.جمال محي الدين :القانون الدولي للبحار ،دار الخلدونية للنشر ،الطبعة األولى ،الجزائر ،سنة ، 2009ص _ 55
2
3
.محمد نعيم علوة ،موسوعة القانون الدولي العام ،القانون" البحري" ،الجزء الخامس ،مكتبة زين الحقوقية ،لبنان ،ص _ 28
ميه بحر أو مياه داخلية ،لكن يبقى حسم الجدل هو حول التصادم نفسه من خالل المكان
والمفهوم لهذا التصادم ،واستجالء للداللة المفاهمية أكد على االصطدام واالرتطام بين السفن
في البحر أو بين السفن وبواخر المالحة البحرية الداخلية ،لكن هناك شيء يجب توضيحه في
هذا المنحى ماهو الفرق بين االصطدام واالرتطام وما يراه المشرع الجزائري أن االصطدام
يكون بين سفينتين أو بين سفينة ومركب مالحة داخلية يكونان في حركة أي أثناء قيامهما
بالمالحة البحرية سواء كانت مالحة داخلية أو في أعالي البحار والمشرع الجزائري ال يعتد
بمياه التصادم ،واالرتطام باللغة الفرنسية هو Collisionوباللغة االنجليزية Hittingوهو
االحتكاك والتالمس بين سفينة ومنشأة بحرية ثابتة أوشيء ثابت وهذا هو الذي دفع المشرع
الجزائري في المادة 273على التفريق والتصادم وهو ما ورد في المادة 2 / 274من
القانون البحري بحيث أعتبر من قبيل التصادم االرتطام المادي الذي يحصل بين السفينة
ومنشأة ثابتة أوشيء ثابت في نقطة معينة وواقعة في األمالك العمومية البحرية حسبما ورد
في نص المادة السابعة من القانون البحري الجزائري .4
ولقد توسع المشرع الجزائري في مفهوم التصادم البحري ليشمل حاالت أخرى لم يقع فيها
تصادم أو ارتطام مادي ،وهو ما تلحقه سفينة من خسائر إما لسفينة أخرى أو ألشخاص
موجدين على متنها نتيجة تنفيذ أو إهمال مناورة حتى وإ ن لم يحصل تصادم أو ارتطام مادي
بينهما وبصفة مباشرة ،وهنا يتضح أن المشرع الجزائري قد أحسن في إضافة هذه الصورة
الجديدة للتصادم البحري ،مواكبا للظروف الجديدة في تطور صناعة السفن ،فالتطور التقني
لها وقوتها الحركية أثناء المناورات داخل الموانئ قذ يؤذي السفن الصغيرة ومراكب المالحة
الداخلية .5
من خالل ما تقدم يمكن وضع تعريف شامل ومقبول للتصادم البحري من الناحية القانونية "،
على أنه كل حادث تصادم يقع بين منشأتين عائمتين أو أكثر إحداهما على األقل سفينة ،أو
ارتطام مادي بين سفينة وأي منشأة بحرية ثابتة أو شيء ثابت ،األصل فيه أن يقع االصطدام
أو االرتطام المادي بين جسمين مباشرة ومع ذلك يستوي في ذلك أن ال يحصل بشكل مباشر
بينهما ،أي أن الضرر الذي تسببه سفينة لمنشأة بحرية أخرى _ عائمة أو ثابتة _ أو
4
.أنظر المواد 2/ 274، 273و المادة السابعة من القانون البحري الجزائري _
_55أنظر المادة 4، 3/ 274ق ب ج وتقابلها المادة 13من إتفاقية Bruxelles
األشخاص أو األشياء الموجودة على متنها وذلك نتيجة عدم إحترام القواعد البحرية أو الخطأ
القيام بالمناورات يعد تصادما بحريا ،وبالتالي نستنتج صورتان للتصادم البحري :
إذا كان التصادم البحري ،هو ذلك التصادم أو االرتطام الذي يحصل بصورة مباشرة أو غير
مباشرة بين منشأتين بحريتين أو أكثر يصدق على إحداها وصف السفينة ،وكل ضرر تسببه
سفينة لمنشأة بحرية أخرى ،والتي ربطها المشرع الجزائري بمخالفة قواعد المالحة البحرية
أو الخطأ في القيام بالمناورات ،بغض النظر عن المياه التي وقع فيها هذا التصادم ،فإنه
يقتضي لتطبيق هذا الوصف توفر شرطين :
أوال_ حصول فعل االصطدام أو االرتطام أو ضرر بإحدى المنشآت البحرية .
ثانيا _ وقوع االرتطام بين المنشأتين بحريتين أو أكثر إحداهما على االقل سفينة .
المشرع الجزائري أعطى للتصادم معنى قانوني أوسع من المعنى اللغوي الظاهر الذي يحصل
ويجعل من التصادم قاصرا على االرتطام المادي بحيث أصبح يغطي حتى األضرار التي
تسببها سفينة إما لسفينة أخرى 7أو إما ألشياء أو ألشخاص متواجدون على متن السفينة طالما
حدث هذا الضرر نتيجة ارتكاب إحدى السفينتين ألخطاء أو لعدم مراعاة لالحتياطات الالزمة
أثناء القيام بمناورات التي تلجأ إليها المنشأة البحرية من أجل تجنب االصطدام بسفينة أخرى
أو حتى عدم تنفيذيها ،أو عن عدم مراعاة لألحكام الوطنية والدولية سارية المفعول في
،ولقد استمد هذا الحكم المشرع الجزائري في 8
الجزائر بشأن تنظيم السير في البحر
المادة 274/3ق ب ح ج حيث ذكر ذلك بقوله "وتشبه بتصادم السفن في البحار كل خسارة
تسببها سفينة إما لسفينة أخرى وإ ما ألشياء أو أشخاص موجدين على متنها على إثر تنفيذ
أو إهمال مناورة في المالحة أو عدم مراعاة القواعد مع عدم حصول اصطدام Lأو ارتطام
.إيمان الجميل ،الحوادث البحرية ،المكتب Hالجامعي الحديث ،القاهرة ،سنة ، 2013ص _ 11
6
7
.محمد شحماط ،المختصر في القانون البحري الجزائري ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،عنابة الجزائر سنة ،2010ص _ 74
8
.مصطفى كامل طه ،القانون" البحري" ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندارية ،مصر ،سنة ، 2007ص _ 405
بصفة مباشرة " وهذا يؤكد ما سبق ذكره بأن المشرع الجزائري أعطى لالصطدام معنى
قانوني أكثر من المعني المادي.
ما يمكن مالحظته كذلك أن المفهوم التقليدي كان متشددا في معنى االصطدام البحري أصبح
اليوم متجاوزا عنه في التشريعات الحديثة ومن بينها التشريع الجزائري ،حيث أن هذا األخير
الذي جمع بين التصادم في صورته التقليدية وبين مفهومه الموسع , 9فال يشترط احتكاك مادي
مباشر بين المنشأتين البحريتين المتصادمتين العتبار الحادث تصادما بحريا ،بل يكفي أن
يترتب عن ذلك ضررا لسفينة بحرية أخرى بسبب مخالفة قواعد السير في البحار دون إن
ترتطم بها .
_ حالة االصطدام أو االرتطام بين منشأتين بحريتين أو أكثر إحداهما على األقل سفينة
ال يكفي أن يقع االصطدام أو االرتطام في مفهوم التصادم الوارد في المادة األولى من اتفاقية
Bruxelles 1910وغالبية التشريعات الوطنية استقت منها أحكام التصادم البحري ،
فالتصادم البحري يعتبر قائما طالما وجدت سفينة واحدة على األقل في الحادث ،فالشرط
األساسي المشترك بين جميع التشريعات هو أن تكون هناك سفينة متورطة على األقل سواء
كانت صادمة أو مصدومة .10
يجب أن يكون محل التصادم السفينة فهي المركز القانوني الذي تدور حوله جميع اإلجراءات
المتخذة في التصادم البحري ،والمحور الذي تدور حوله قواعد القانون البحري من كتابه
األول واألخير .
وقد نطلق عليها أي السفينة المنشأة البحرية وهذا المصطلح يأخذ في جانبه وصف السفينة من
الوقت الذي تصبح فيه صالحة للمالحة البحرية وهذه الصالحية تعتبر بمثابة بداية حياة السفينة
،ويخرج عن وصف السفينة المعرضة للتصادم ما هو مراكب خاصة بالمالحة البحرية .11
9
بن عصمان جمال :المسؤولية التقصيرية المترتبة عن التصادم البحري في القانون الدولي الخاص ،رسالة لنيل شهادة الدكتوراه _
.في القانون الدولي الخاص ،جامعة أبي بكر القايد ،تلمسان ،السنة الجامعية ، 2009- 2008ص 55
10
أخياظ محمد :التصادم البحري -دراسة مقارنة -رسالة لنيل شهادة الدكتوراه حقوق ،جامعة عين شمس ،القاهرة ،سنة _
، 1987ص 89
11
.محمد شحماط ،المرجع السابق ،ص _ 20
وفي المقابل تنتهي صالحية السفينة إذا تعرضت للتلف أو الغرق أو أصبحت حطاما طافيا أو
غارقا في البحر بحيث ال تستطيع القيام بالمالحة البحرية وبالتالي زوال صفة السفينة نهائيا
،وقد تتحول أنشطتها من أنشطة في المالحة البحرية إلى أنشطة مالحة نهارية .
يجب أن تكون المنشأة البحرية في مواجهة األخطار البحرية ،ومواجهة األخطار ال يكون إال
بواسطة سفينة ،وهناك عامل أخر ال يقل أهمية وهو شكل وبناء هذه المنشأة مما يجعلها في
مواجهة األخطار البحرية ،وهناك ما يحدد ذلك وهو اعتياد هذه المنشأة على المالحة
البحرية .
لما كان المقرر أن قواعد التصادم البحري ال تطبق إالّ على المسؤولية التقصيرية المترتبة عن
التصادم الواقع بين منشأتين عائمتين ،فيبدو من البديهي أن تفلت الحاالت التي ال تش ّكل
مسؤولية تقصيرية من هذه القواعد ،وما يقابل المسؤولية التقصيرية هي المسؤولية العقدية،
ومنه ال مجال لتطبيق قواعد التصادم البحري إذا كان هذا التصادم يندرج ضمن مجال
المسؤولية العقدية ،ويكون األمر كذلك إذا كانت هناك عالقة تعاقدية مسبقة تربط المنشأتين
المتصادمتين ،وهو ما يتحقق في حالة القطر ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فقد يحدث
تصادم بين سفينتين كانت إحداها تقوم بإرشاد األخرى ،ولقد قررت ج ّل التشريعات ومن بينها
القانون الجزائري وضع أحكاما خاصة بخصوص ما يترتب في هذه الحالة من مسؤولية وهو
ما يخرج التصادم الواقع بين سفينة اإلرشاد والسفينة محل اإلرشاد من نطاق قواعد التصادم
. 12
البحري
في وقت كانت فيه السفن الشراعية هي سيدة البحر ولم يكن اإلنسان قد عرف بعد قوة البخار
والدفع الميكانيكي ،كان طبيعيا أالّ تثار مسألة القطر ،هذه الحالة هي التي كانت سائدة عند
وضع القانون التجاري الفرنسي ومن ثم جاء هذا القانون خاليا من أحكام القطر .وتغير
12
.كمال حمدي ،أشخاص المالحة البحرية ،منشأة المعارف اإلسكندرية ،سنة ، 1993ص 126وما يليها _
الوضع بعد ظهور المحركات الميكانيكية حيث ظهر معها نوع جديد من السفن هي تلك المعدة
خصيصا لقطر سفن أخرى ،وقد تم تنظيم القطر في فرنسا بمقتضى قانون 08-69الصادر
بتاريخ 03/01/1969المتعلق بالتجهيز والبيوع البحرية حيث تضمن هذا القانون خمس (05
) مواد .
خاصة بالقطر 13 .وكذلك فعل المشرع المصري في قانون التجارة البحرية لسنة 1990حيث
ظم المشرع الجزائري أحكام
ظم أحكام القطر في المواد من 279إلى . 281وبدوره ن ّ
نّ
القطر ،وهي أحكام وردت 2في المواد من 860إلى 872من القانون البحري .ويتفق الجميع
على أن القطر عبارة عن عقد يلتزم بمقتضاه مجهز سفينة قطر جر سفينة أخرى لقاء أجر
860عن هذا المعنى بقوله " يلتزم يتقاضاه ،ولقد عبر المشرع الجزائري في المادة
المجهز بموجب عقد القطر ومقابل مكافأة بخدمات القطر بواسطة سفينة " .ولما كان القطر
عبارة عن عقد فإن أي تصادم يحدث بين سفينة القطر والسفينة المقطورة سيخرج من نطاق
Bruxelles أحكام التصادم البحري ليخضع لألحكام الواردة في العقد وبهذا أخذت معاهدة
الخاصة بالتصادم حين قضت المادة 10بعدم سريان أحكام المعاهدة على ما ينشأ من
فإنه يبدو ضروريا تحديد
التزامات نتيجة عقد نقل أو أية عقود أخرى ،ومادام األمر كذلك ّ
اللحظة التي يبدأ فيها تنفيذ عقد القطر واللحظة التي ينتهي فيها ،إذ ما يخضع
للمسؤولية العقدية هو التصادم الذي يكون أثناء تنفيذ عقد القطر ،أما خارج ذلك فهو
يخضع ألحكام التصادم المقررة في القانون البحري متى توفرت الشروط.
من األمور المستقر عليها في المالحة البحرية هو توجيه السفن عند دخولها الموانئ أو المياه
الداخلية أو خروجها منها وهذا ما يعرف باإلرشاد.14
ولقد نظّم المشرع الجزائري أحكام اإلرشاد من حيث التعريف وااللتزامات والمسؤولية في
المواد من 171إلى 188من القانون البحري ،بينما تناول المرسوم التنفيذي رقم 06-08تنظيم
13
_ Cf. R. RODIERE, E. DE PONTAVICE, op. cit, n° 454, p. 434 ; A. VIALARD, op. cit, n° 231, p. 201.
14
.محمد علي البارودي ،هاني محمد دويدار ،القانون البحري ،الدار الجامعية ،بدون سنة نشر ،رقم ص _ 96.
اإلرشاد والمؤهالت المهنية للمرشدين وقواعد ممارسة عملية اإلرشاد في الموانئ ،ولقد تم
تعريف اإلرشاد في
المادة 171ق .بح .حيث جاء فيها " :اإلرشاد هو المساعدة التي تُقدم إلى الربابنة من قبل
المرخص لها من قبل الدولة لقيادة السفن عند الدخول إلى الموانئ
ّ مستخدمي السلطة المينائية
والفرض والمياه الداخلية والخروج منها"
ويعتبر اإلرشاد إجباريا لك ّل السفن سواء كانت وطنية أو أجنبية وذلك ما قررته المادة 172
ق. .بح ،غير أن المادة 178من ذات القانون أعفت بعض السفن بسبب حمولتها أو بسبب ما
خصصت إليه من إجبارية اإلرشاد.15
والمشرع الجزائري له نفس االتجاه الذي تراه معظم التشريعات الدولية ؛ إذ تُقرر المادة
283ق. .بح مسؤولية مجهز السفينة أومالكها في حالة التصادم حتى ولو كان ذلك نتيجة خطأ
المرشد وحتى لو كان اإلرشاد إجباريا ،ونعتقد أن هذا النص يتماشى مع ما هو مقرر في
القانون المدني الجزائري بخصوص المسؤولية عن فعل الغير ،وبالضبط مسؤولية المتبوع عن
أعمال تابعه ،إذ وبعد أن قررت الفقرة األولى من المادة 136ق .م 16.مسؤولية المتبوع عن
أي ضرر يحدثه تابعه بفعله الضار متى وقع هذا الفعل حالة تأدية الوظيفة أو بسببها أو
بمناسبتها ،قررت الفقرة الثانية من ذات المادة أن عالقة التبعية تتحقق بمجرد عمل التابع
لحساب متبوعه بغض النظر عما إذا كان المتبوع حرا في اختيار تابعه أم ال ،وتطبيقا
أيضا للقواعد
فإنه
الخاصة بمسؤولية المتبوع التي تقضي بحق هذا األخير في الرجوع على تابعهّ ،
يبقى من حق المجهز الرجوع على المرشد وإ ن كان ذلك مشروطا طبقا لمقتضيات القانون
الجزائري أن يكون خطأ التابع جسيما (المادة 137ق م (17.
قبل بيان الحكم المقرر لهذا النوع من المسؤولية ،يجدر بنا بداءة تحديد المقصود
بالتصادم القهري .
التصادم القهري هو ما يرجع سببه لحالة القوة القاهرة ،ويتفق الجميع أن هذه الحالة ال تتحقق
إالّ إذا توفرت شروط معينة أولها أالّ يكون هناك أيدخل لإلرادة ،وثانيها عدم إمكانية التوقع،
وثالثها استحالة الدفع ،فإذا اجتمعت جميع هذه الشروط في حادث ما اعتبر سببه القوة القاهرة.
وفي مجال التصادم البحري غالبا ما تأخذ القوة القاهرة شكل العواصف واألعاصير
المفاجئة ،وكذلك الضباب الكثيف وهيجان البحر والظلمة الحالكة ،كما قد تتصل القوة القاهرة
بعوامل داخلية كالخلل المفاجئ في معدات السفينة ،كذلك يعتبر تصادما سببه القوة القاهرة ذلك
الذي يقع بين سفن بسبب ظروف مالحية خاصة فرضتها الدولة بسبب حالة الحرب كإلزام
السفن إطفاء األنوار في الموانئ أو السير في قوافل،على أن اعتبار التصادم قهريا في هذه
الحالة مشروط بعدم وجود خطأ في المالحة من قبل إحدى السفن ويعتبر من قبيل التصادم
بسبب القوة القاهرة أيضا ما يقع من تصادم Hبين سفينتين بسبب خطأ سفينة ثالثة ومثاله أن تحاول
سفينة تفادي سفينة أخرى أكثر ضخامة وقوة كانت تحتل مكانا ال ينبغي الوقوف فيه فتصطدم
بسفينة ثالثة ،ففي مثل هذه الحالة متى ثبت أن السفينة الصادمة لم تكن إطالقا تتوقع وجود
سفينة أخرى تعترض طريقها ولم يكن بإمكانها تجنب آثار ذلك ،اعتبر التصادم قهريا بين
18
السفينة الصادمة والسفينة المصدومة.
وبما أن التمسك بحالة القوة القاهرة يفترض عدم إمكانية التوقع واستحالة الدفع فإنه يخرج عن
نطاق هذه األخيرة األحداث التي كان باإلمكان توقعها كما لو وقع تصادم بسبب ظلمة عادية أو
بسبب .
المقرر طبقا للقواعد العامة في القانون المدني هو عدم إمكانية مساءلة شخص عن فعل سببه
القوة القاهرة ،هذه القاعدة كانت معروفة في القانون الروماني Nemo praestat casum
aut vim
Majoremوتم تطبيقها في مجال التصادم البحري ،إذ لم تكن تقبل الدعاوى التي يكون
موضوعها تصادم بين سفينتين سببه القوة القاهرة ،وعليه كانت ك ّل سفينة تتحمل ما أصابها
من ضرر.
غير أن هذه القاعدة تم الخروج عنها الحقا حيث جاء الحكم مختلفا في سجالت Oléron
والمجموعات األخرى التي تأثّرت بها ،فقد تقرر أن تتحمل ك ّل سفينة نصف األضرار مع أن
الحادث سببه القوة القاهرة ولقد وجد البعض 3في فكرة روح التضامن لدى المجهزين التي
سادت في القرون الوسطى تبريرا لمثل هذا الحكم حيث كان يشترك هؤالء حتّى في األخطار
التي يستحيل تجنبها.
التصادم إما أن يكون بخطأ وإ ما بدون خطأ ،سببه القوة القاهرة وهذا يعني منطقيا ّأنه ليس
هناك سوى نوعان من التصادم لكن بين القوة القاهرة والخطأ قد يكمن الشك ويغيب اليقين،
شك في أسباب الحادث قد يأخذ صورتين ،األولى عدم إمكانية التحقق من السبب هل مصدره
القوة القاهرة أم الخطأ ،والصورة الثانية يتأكد فيها عدم توفر حالة القوة القاهرة غير أن الشك
يثور حول الخطأ في حد ذاته حيث يصعب تحديد أي من قائدي السفينة كان مخطئا 1،وهذا
هو التصادم المشتبه في سببه أو ما يسميه البعض بالتصادم المختلط2.
وإ ذا كانت جل تشريعات العالم حاليا تتفق على حل موحد بخصوص التصادم المشتبه في
سببه فإن األمر لم يكن كذلك قبل معاهدة Bruxellesالخاصة بالتصادم ،حيث عرفت المسألة
اختالفا في الحلول في ظل التشريعات التي كانت سائدة وقتها ،والتي تأثرت غالبيتها بالحكم
المقرر في القانون الفرنسي .
الخطأ في التصادم:
الشك أن كل خطأ يقترن بسبب أدى إلى حدوثه ،ومما الشك فيه أيضا ّأنه وراء كل خطأ
شخص ساهم في ارتكابه ،على أن تعدد األشخاص الذين يرتبطون باستغالل السفينة يجعل من
حقنا أن نتساءل عن من هو الشخص الذي يمكن أن يرتكب خطأ أو ينسب إليه هذا الخطأ.
أسباب أو صور الخطأ:
الخطأ قد يكون سببه إما عدم احترام القواعد الخاصة بتجنب التصادم وإ ما أن يكون نتيجة
إهمال.
Règle de tribordمن أهم مظاهر التزام السفينة بخط السير الواجب اإلتباع وهي من أقدم
القواعد البحرية ويقابلها مبدأ األولوية في مجال تنظيم حركة مرور السيارات1.
-االلتزام بالسرعة اآلمنة ،إذ من األمور التي قد تساهم في التصادم عدم التزام السفن السير
بسرعة آمنة ومعقولة وليس هناك عدد معين من األميال يمكن من خاللها التعبير عن هذه
السرعة وإ ّنما يرجع ذلك للظروف السائدة وحالة الرؤية المحدودة السائدة وهذا ما جاء في
القاعدة 19فقرة (ب)
2COLREG،إذ تستخدم هذه األخيرة عبارة السرعة اآلمنة وتقرنها بالظروف وحالة الرؤية
وهذا
يعني أن السرعة اآلمنة ال تعني حتما سرعة متوسطة ،إذ قد تكون السرعة آمنة رغم كونها
عالية
وذلك عندما تكون السفينة مبحرة في ظروف جيدة وفي بحر مفتوح ،ويبقى العكس صحيحا
فإنها ال تعتبر سرعة
فقد تسير بسرعة قد ال تكون عالية جدا لكن وبالنظر للظروف المحيطة ّ
آمنة كما لو كان اإلبحار يتم في مناطق مزدحمة بالسفن أو في ضباب كثيف .إذن تقدير
السرعة اآلمنة يرتبط أساسا بعدة اعتبارات منها الرؤية المتاحة وحالة الطقس ومدى قدرة
السفينة على المناورة والمكان الذي يتم فيه اإلبحار ،وتبقى السرعة اآلمنة من خالل ك ّل هذا
هي تلك السرعة التي تسمح للسفينة بالتوقف فيك ّل لحظة تفاديا للتصادم3.
وإ ذا كان األصل أن السرعة الزائدة والمبالغ فيها تعتبر خطأ قد يؤدي إلى حدوث تصادم ،فإن
فإنه مع
السرعة البطيئة قد تش ّكل هي أيضا بدورها خطأ ،ومع أن أمرا مثل هذا نادرا ما يقع ّ
ذلك
نجد في حادث التصادم بين السفينة Whitehurstوالسفينة Hoyangerما يجسد هذه الحالة
حيث قضت المحكمة بتحميل السفينة األولى المسؤولية عن التصادم الذي حدث بعد أن فقدت
هذه األخيرة التحكم في حركتها بسبب إبحارها بسرعة بطيئة في مياه سرعة التيارات فيها
تصل إلى خمس عقد.