You are on page 1of 14

‫الحوادث البحرية‬

‫المحاضرة الخامسة‬

‫مدخل ‪ :‬لعل ما يميز القانون البحري ويجعله يستأثر بذاتية خاصة به بين مختلف القوانين‬
‫األخرى ‪،‬األخطار التي تتربص بالمالحة البحرية ‪،‬وهذا جعل من القانون البحري ذا خاصية‬
‫ينفرد بها بل كونه ذا طبيعة خاصة ‪ ،‬ومرد هذه األخطار قد يكون مؤداها تأثيرات الطقس‬
‫وحالة الجو غير القارة واألخطأ البشرية ‪،‬وهذه األمور جعلت من السفينة عرضة للتهديد من‬
‫‪ .‬األخطار الجمة في الكثير من األحيان‬

‫ومن بين المخاطر البحرية العديدة التي تنطوي عليها المالحة البحرية ‪.‬التصادم البحري في‬
‫مقدمة تلك األخطار أو األحداث بل أخطرها على اإلطالق ‪ ،‬وهو ال يقتصر شيوعه على‬
‫البحار فقط بل كذلك في السواحل وخاصة عند المناطق الضيقة وال سيما عند دخول السفينة‬
‫هذه المنطقة ‪،‬وغالبا ما تنتج عنه أضرار جسيمة تلحق بالسفن والبضائع المنقولة وتصل درجة‬
‫الخطورة وجسامتها إلى األفراد واألشخاص من طواقم وغيرهم الذين هم على متن السفينة‬
‫واألثار قد تصل إلى البيئة البحرية وما ينعكس عليها من ضرر وخاصة عند التلوث من وراء‬
‫التسرب البترولي أو المواد المشابهة لها وهذا ما يتأكد عند تصادم سفينتين بحريتين في‬
‫عرض البحر أو عند الساحل ‪.‬‬

‫_ التصادم البحري ‪Marine collision‬‬

‫ولما لتصادم البحري من أهمية بالغة تكمن في كونه ذو خطورة بالغة على كل ما يحيط‬
‫بالبيئة البحرية والسفينة وحمولتها وأطقمها ‪،‬وهذه الخطورة البحرية سببا في وجود العديد من‬
‫االتفاقيات والمعاهدات الدولية والتشريعية الوطنية التي تناولت الموضوع من جوانبه القانونية‬
‫والنظم القانونية التي تطرق إليها القانون البحري الجزائري ‪ ،‬حيث تطرق إليه من حيث‬
‫تعريفه ‪،‬وقواعده العامة ‪،‬وبيان صور المسؤولية وأحكامها ‪،‬ودراسة مسألة االختصاص‬
‫بتنويعها المدني والجزائي ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬القواعد العامة للتصادم البحري ‪General rules for marine collision‬‬
‫يعد التصادم البحري من أهم المشاكل التي تعترض المالحة البحرية وهذا ما جعل من هذا‬
‫التصادم موضوع من أهم الموضوعات التي أثارت إشكاالت قانونية مما نتج عن ذلك العديد‬
‫من التشريعات والمعاهدات واالتفاقيات الدولية ‪ ،‬فأحكام التصادم البحري ال تطبق إال إذا وقع‬
‫اصطدام بين منشأتين بحريتين وكانت السفينة بالمعنى القانوني طرفا في الحادث البحري ‪.‬‬

‫ثم إن المسؤولية المدنية ‪ Civil responsibility‬المنظمة ألحكام التصادم هي مسؤولية‬


‫تقصيرية ‪ Liability is tort‬أساسها الخطأ التقصيري (‪ )On the basis of error‬وهنا‬
‫تستبعد المسؤولية العقدية في هذا المجال ‪.‬‬

‫‪ _1‬مفهوم التصادم البحري‬

‫التصادم البحري يخضع لمفهوم محدد وال سيما تصادم السفن التي عالجها الفقه والقانون‬
‫الجزائري البحري وكذلك تطرقت إليها العديد من االتفاقيات الدولية ‪ ،‬لكن هناك من يركز‬
‫على اإلطار المفاهيمي على المياه التي يقع فيها التصادم بغض النظر عن المنشآت البحرية‬
‫المتصادمة ‪،‬والبعض األخر يذهب إلى التركيز على المنشاة البحرية التي كانت طرفا في‬
‫التصادم ‪.‬‬

‫_ تعريف التصادم البحري‬

‫هناك من يرى في التصادم البحري واقعة مادية وهناك من يعتبره إرتطام وغيره ‪،‬لكن يجب‬
‫أن نتطرق إلى تعريف التصادم البحري ما جاء به الفقه الدولي وما ذكرته االتفاقيات ثم نركز‬
‫على التشريعات الجزائري وخاصة القانون البحري الوطني ‪.‬‬

‫*تعريف التصادم البحري وفق إتفاقية ‪ 1Bruxelles 1910‬وبعض التشريعات البحرية‬

‫لقد نصت في مادتها األولى التصادم البحري " التصادم الذي يحصل بين سفينتين بحريتين أو‬
‫بين سفن بحرية ومركب مالحة داخلية أيا كانت نوعية المياه التي حدث فيها التصادم "‬

‫‪1_1‬اتفاقية ‪ Bruxelles‬الموقعة في برو‪ ‬كسل في ‪ 23‬سبتمبر من سنة ‪ 1910‬الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالمصادمات‬
‫البحرية ‪ ،‬وكانت هذه االتفاقية بمثابة البادرة التي فتحت الطريق لتنظيم أحكام التصادمات البحرية ‪.‬‬
‫_أنظر ‪ :‬عايض بن مقبول حمود القرني ‪ :‬الحوادث البحرية والخسارات المشتركة (العوار البحري )في الفقه اإلسالمي ‪ -‬مكتبة‬
‫القانون واالقتصاد الرياض السعودية ‪ 2012‬ص ‪. 90‬‬
‫ما يترأى من هذه المعاهدة أنها تشترط أن يقع التصادم في أجزاء محدد من البحر فمعيار‬
‫المياه التي يقع فيها التصادم ال يغير من وصفه ‪ ،‬كما أن االتفاقية اعتبرت وجود السفينة واحدة‬
‫في التصادم كاف العتباره تصادما بحري ‪ ،‬فيكفي األمر أن يتعلق بسفينة حتى تنجذب المسألة‬
‫نحو القانون البحري وبالتالي أحكام التصادم البحري ‪.2‬‬

‫وبهذا التعريف تكون السفينة أحد أطراف التصادم البحري هذا ال يعني أن يكون الطرف‬
‫األخر شيأ راسيا غير متحرك كالرصيف أو شيئ ثابت كالصخور ‪ ،‬بل يتعين أن يكون‬
‫الطرف األخر مركب مالحة داخلية على األقل ‪.‬‬

‫نفس التعريف أخذت به معظم التشريعات وهذا ما نجده في التشريع الفرنسي والسيما في‬
‫المادة األولى من القانون ‪ 545‬الملغى والصادر في ‪ 7‬جويلية من سنة ‪ 1967‬والمنظم‬
‫لحوادث البحر ‪ Sea accidents‬فكان يتبنى نفس التعريف االتفاقية سابقة الذكر ‪ ،‬وهذا التبني‬
‫نجده مجسد في قانون النقل الفرنسي الحالي وال سيما ما جاء في المادة ‪ 5131‬في القسم‬
‫المتعلق بالحوادث البحرية ‪ ،‬ونفس الشيئ نجده في التشريع اللبناني والذي إهتدى لنفس‬
‫التعريف الذي جاءت به االتفاقية سابقة الذكر ‪ ،‬نفس الشيء نجده في التشريع المصري من‬
‫خالل نص المادة ‪ 292‬من القانون التجاري الصادر والمعدل سنة ‪.3 1990‬‬

‫_ تعريف التصادم البحري وفق القانون البحري الجزائري ‪:‬‬

‫نظم المشرع الجزائري أحكام التصادم البحري في القانون البحري ضمن القسم األول تحت‬
‫عنوان (تصادم السفن في البحار ) من الفصل الرابع المتضمن للحوادث البحرية من الباب‬
‫األول ‪ ،‬المواد ‪ 273‬إلى ‪ 298‬بحيث تقضي المادة ‪ 273‬ق ب ج على أنه " يعد تصادم سفن‬
‫في البحار أو اصطدام بين السفن في البحر أو بين السفن وبواخر المالحة الداخلية ‪ ،‬دون‬
‫األخذ في االعتبار للمياه التي وقع فيها التصادم "‬

‫لو نستقريء المادة يتضح أن المشرع الجزائري من الوهلة األولى قد أعتنق ما جاءت به‬
‫اتفاقية ‪ Bruxelles‬في مادتها األولى ‪،‬من منطلق أنه نظر للتصادم كحادث بحري وفقا‬
‫لصفات المنشآت المعنية بتصادم دون إعطاء أهمية للمياه التي يقع فيها التصادم ‪ ،‬سواء كانت‬

‫‪ .‬جمال محي الدين ‪ :‬القانون الدولي للبحار ‪ ،‬دار الخلدونية للنشر ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬سنة ‪ ، 2009‬ص ‪_ 55‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ .‬محمد نعيم علوة ‪،‬موسوعة القانون الدولي العام ‪ ،‬القانون" البحري" ‪ ،‬الجزء الخامس ‪ ،‬مكتبة زين الحقوقية ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ص ‪_ 28‬‬
‫ميه بحر أو مياه داخلية ‪،‬لكن يبقى حسم الجدل هو حول التصادم نفسه من خالل المكان‬
‫والمفهوم لهذا التصادم ‪،‬واستجالء للداللة المفاهمية أكد على االصطدام واالرتطام بين السفن‬
‫في البحر أو بين السفن وبواخر المالحة البحرية الداخلية ‪،‬لكن هناك شيء يجب توضيحه في‬
‫هذا المنحى ماهو الفرق بين االصطدام واالرتطام وما يراه المشرع الجزائري أن االصطدام‬
‫يكون بين سفينتين أو بين سفينة ومركب مالحة داخلية يكونان في حركة أي أثناء قيامهما‬
‫بالمالحة البحرية سواء كانت مالحة داخلية أو في أعالي البحار والمشرع الجزائري ال يعتد‬
‫بمياه التصادم ‪،‬واالرتطام باللغة الفرنسية هو ‪ Collision‬وباللغة االنجليزية ‪ Hitting‬وهو‬
‫االحتكاك والتالمس بين سفينة ومنشأة بحرية ثابتة أوشيء ثابت وهذا هو الذي دفع المشرع‬
‫الجزائري في المادة ‪ 273‬على التفريق والتصادم وهو ما ورد في المادة ‪ 2 / 274‬من‬
‫القانون البحري بحيث أعتبر من قبيل التصادم االرتطام المادي الذي يحصل بين السفينة‬
‫ومنشأة ثابتة أوشيء ثابت في نقطة معينة وواقعة في األمالك العمومية البحرية حسبما ورد‬
‫في نص المادة السابعة من القانون البحري الجزائري ‪.4‬‬

‫ولقد توسع المشرع الجزائري في مفهوم التصادم البحري ليشمل حاالت أخرى لم يقع فيها‬
‫تصادم أو ارتطام مادي ‪ ،‬وهو ما تلحقه سفينة من خسائر إما لسفينة أخرى أو ألشخاص‬
‫موجدين على متنها نتيجة تنفيذ أو إهمال مناورة حتى وإ ن لم يحصل تصادم أو ارتطام مادي‬
‫بينهما وبصفة مباشرة ‪ ،‬وهنا يتضح أن المشرع الجزائري قد أحسن في إضافة هذه الصورة‬
‫الجديدة للتصادم البحري ‪ ،‬مواكبا للظروف الجديدة في تطور صناعة السفن ‪،‬فالتطور التقني‬
‫لها وقوتها الحركية أثناء المناورات داخل الموانئ قذ يؤذي السفن الصغيرة ومراكب المالحة‬
‫الداخلية ‪.5‬‬

‫من خالل ما تقدم يمكن وضع تعريف شامل ومقبول للتصادم البحري من الناحية القانونية ‪"،‬‬
‫على أنه كل حادث تصادم يقع بين منشأتين عائمتين أو أكثر إحداهما على األقل سفينة ‪ ،‬أو‬
‫ارتطام مادي بين سفينة وأي منشأة بحرية ثابتة أو شيء ثابت ‪ ،‬األصل فيه أن يقع االصطدام‬
‫أو االرتطام المادي بين جسمين مباشرة ومع ذلك يستوي في ذلك أن ال يحصل بشكل مباشر‬
‫بينهما ‪ ،‬أي أن الضرر الذي تسببه سفينة لمنشأة بحرية أخرى _ عائمة أو ثابتة _ أو‬

‫‪4‬‬
‫‪ .‬أنظر المواد ‪ 2/ 274، 273‬و المادة السابعة من القانون البحري الجزائري _‬
‫‪ _55‬أنظر المادة ‪ 4، 3/ 274‬ق ب ج وتقابلها المادة ‪ 13‬من إتفاقية ‪Bruxelles‬‬
‫األشخاص أو األشياء الموجودة على متنها وذلك نتيجة عدم إحترام القواعد البحرية أو الخطأ‬
‫القيام بالمناورات يعد تصادما بحريا ‪ ،‬وبالتالي نستنتج صورتان للتصادم البحري ‪:‬‬

‫_ صورة تقليدية تتمثل في التصادم الفعلي المادي‬

‫_ صورة حديثة تتمثل في التصادم الحكمي ‪. 6‬‬

‫إذا كان التصادم البحري‪ ،‬هو ذلك التصادم أو االرتطام الذي يحصل بصورة مباشرة أو غير‬
‫مباشرة بين منشأتين بحريتين أو أكثر يصدق على إحداها وصف السفينة ‪ ،‬وكل ضرر تسببه‬
‫سفينة لمنشأة بحرية أخرى ‪ ،‬والتي ربطها المشرع الجزائري بمخالفة قواعد المالحة البحرية‬
‫أو الخطأ في القيام بالمناورات ‪ ،‬بغض النظر عن المياه التي وقع فيها هذا التصادم ‪ ،‬فإنه‬
‫يقتضي لتطبيق هذا الوصف توفر شرطين ‪:‬‬

‫أوال_ حصول فعل االصطدام أو االرتطام أو ضرر بإحدى المنشآت البحرية ‪.‬‬

‫ثانيا _ وقوع االرتطام بين المنشأتين بحريتين أو أكثر إحداهما على االقل سفينة ‪.‬‬

‫المشرع الجزائري أعطى للتصادم معنى قانوني أوسع من المعنى اللغوي الظاهر الذي يحصل‬
‫ويجعل من التصادم قاصرا على االرتطام المادي بحيث أصبح يغطي حتى األضرار التي‬
‫تسببها سفينة إما لسفينة أخرى ‪7‬أو إما ألشياء أو ألشخاص متواجدون على متن السفينة طالما‬
‫حدث هذا الضرر نتيجة ارتكاب إحدى السفينتين ألخطاء أو لعدم مراعاة لالحتياطات الالزمة‬
‫أثناء القيام بمناورات التي تلجأ إليها المنشأة البحرية من أجل تجنب االصطدام بسفينة أخرى‬
‫أو حتى عدم تنفيذيها ‪ ،‬أو عن عدم مراعاة لألحكام الوطنية والدولية سارية المفعول في‬
‫‪،‬ولقد استمد هذا الحكم المشرع الجزائري في‬ ‫‪8‬‬
‫الجزائر بشأن تنظيم السير في البحر‬
‫المادة ‪ 274/3‬ق ب ح ج حيث ذكر ذلك بقوله "وتشبه بتصادم السفن في البحار كل خسارة‬
‫تسببها سفينة إما لسفينة أخرى وإ ما ألشياء أو أشخاص موجدين على متنها على إثر تنفيذ‬
‫أو إهمال مناورة في المالحة أو عدم مراعاة القواعد مع عدم حصول اصطدام‪ L‬أو ارتطام‬

‫‪ .‬إيمان الجميل ‪ ،‬الحوادث البحرية ‪ ،‬المكتب‪ H‬الجامعي الحديث ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬سنة ‪ ، 2013‬ص ‪_ 11‬‬
‫‪6‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ .‬محمد شحماط ‪ ،‬المختصر في القانون البحري الجزائري ‪،‬دار العلوم للنشر والتوزيع ‪ ،‬عنابة الجزائر سنة ‪ ،2010‬ص ‪_ 74‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ .‬مصطفى كامل طه ‪،‬القانون" البحري" ‪ ،‬دار الفكر الجامعي ‪ ،‬اإلسكندارية ‪ ،‬مصر ‪ ،‬سنة ‪ ، 2007‬ص ‪_ 405‬‬
‫بصفة مباشرة " وهذا يؤكد ما سبق ذكره بأن المشرع الجزائري أعطى لالصطدام معنى‬
‫قانوني أكثر من المعني المادي‪.‬‬

‫ما يمكن مالحظته كذلك أن المفهوم التقليدي كان متشددا في معنى االصطدام البحري أصبح‬
‫اليوم متجاوزا عنه في التشريعات الحديثة ومن بينها التشريع الجزائري ‪ ،‬حيث أن هذا األخير‬
‫الذي جمع بين التصادم في صورته التقليدية وبين مفهومه الموسع ‪, 9‬فال يشترط احتكاك مادي‬
‫مباشر بين المنشأتين البحريتين المتصادمتين العتبار الحادث تصادما بحريا ‪ ،‬بل يكفي أن‬
‫يترتب عن ذلك ضررا لسفينة بحرية أخرى بسبب مخالفة قواعد السير في البحار دون إن‬
‫ترتطم بها ‪.‬‬

‫_ حالة االصطدام أو االرتطام بين منشأتين بحريتين أو أكثر إحداهما على األقل سفينة‬

‫ال يكفي أن يقع االصطدام أو االرتطام في مفهوم التصادم الوارد في المادة األولى من اتفاقية‬
‫‪ Bruxelles 1910‬وغالبية التشريعات الوطنية استقت منها أحكام التصادم البحري ‪،‬‬
‫فالتصادم البحري يعتبر قائما طالما وجدت سفينة واحدة على األقل في الحادث ‪ ،‬فالشرط‬
‫األساسي المشترك بين جميع التشريعات هو أن تكون هناك سفينة متورطة على األقل سواء‬
‫كانت صادمة أو مصدومة ‪.10‬‬

‫أ_ محل التصادم البحري (السفينة )‬

‫يجب أن يكون محل التصادم السفينة فهي المركز القانوني الذي تدور حوله جميع اإلجراءات‬
‫المتخذة في التصادم البحري ‪ ،‬والمحور الذي تدور حوله قواعد القانون البحري من كتابه‬
‫األول واألخير ‪.‬‬

‫وقد نطلق عليها أي السفينة المنشأة البحرية وهذا المصطلح يأخذ في جانبه وصف السفينة من‬
‫الوقت الذي تصبح فيه صالحة للمالحة البحرية وهذه الصالحية تعتبر بمثابة بداية حياة السفينة‬
‫‪ ،‬ويخرج عن وصف السفينة المعرضة للتصادم ما هو مراكب خاصة بالمالحة البحرية ‪.11‬‬

‫‪9‬‬
‫بن عصمان جمال ‪ :‬المسؤولية التقصيرية المترتبة عن التصادم البحري في القانون الدولي الخاص ‪،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه _‬
‫‪ .‬في القانون الدولي الخاص ‪ ،‬جامعة أبي بكر القايد ‪ ،‬تلمسان ‪ ،‬السنة الجامعية ‪، 2009- 2008‬ص ‪55‬‬
‫‪10‬‬
‫أخياظ محمد ‪:‬التصادم البحري ‪ -‬دراسة مقارنة ‪ -‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه حقوق ‪ ،‬جامعة عين شمس ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬سنة _‬
‫‪ ، 1987‬ص ‪89‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ .‬محمد شحماط ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪_ 20‬‬
‫وفي المقابل تنتهي صالحية السفينة إذا تعرضت للتلف أو الغرق أو أصبحت حطاما طافيا أو‬
‫غارقا في البحر بحيث ال تستطيع القيام بالمالحة البحرية وبالتالي زوال صفة السفينة نهائيا‬
‫‪،‬وقد تتحول أنشطتها من أنشطة في المالحة البحرية إلى أنشطة مالحة نهارية ‪.‬‬

‫_ معيار قدرة المنشأة البحرية مواجهة‪ L‬األخطار‬

‫يجب أن تكون المنشأة البحرية في مواجهة األخطار البحرية ‪ ،‬ومواجهة األخطار ال يكون إال‬
‫بواسطة سفينة ‪ ،‬وهناك عامل أخر ال يقل أهمية وهو شكل وبناء هذه المنشأة مما يجعلها في‬
‫مواجهة األخطار البحرية ‪ ،‬وهناك ما يحدد ذلك وهو اعتياد هذه المنشأة على المالحة‬
‫البحرية ‪.‬‬

‫_ نطاق تطبيق قواعد التصادم البحري‬

‫لما كان المقرر أن قواعد التصادم البحري ال تطبق إالّ على المسؤولية التقصيرية المترتبة عن‬
‫التصادم الواقع بين منشأتين عائمتين‪ ،‬فيبدو من البديهي أن تفلت الحاالت التي ال تش ّكل‬
‫مسؤولية تقصيرية من هذه القواعد‪ ،‬وما يقابل المسؤولية التقصيرية هي المسؤولية العقدية‪،‬‬
‫ومنه ال مجال لتطبيق قواعد التصادم البحري إذا كان هذا التصادم يندرج ضمن مجال‬
‫المسؤولية العقدية‪ ،‬ويكون األمر كذلك إذا كانت هناك عالقة تعاقدية مسبقة تربط المنشأتين‬
‫المتصادمتين‪ ،‬وهو ما يتحقق في حالة القطر‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فقد يحدث‬
‫تصادم بين سفينتين كانت إحداها تقوم بإرشاد األخرى ‪ ،‬ولقد قررت ج ّل التشريعات ومن بينها‬
‫القانون الجزائري وضع أحكاما خاصة بخصوص ما يترتب في هذه الحالة من مسؤولية وهو‬
‫ما يخرج التصادم الواقع بين سفينة اإلرشاد والسفينة محل اإلرشاد من نطاق قواعد التصادم‬
‫‪.‬‬ ‫‪12‬‬
‫البحري‬

‫_ التصادم الواقع بين سفينة القطر وسفينة المقطورة‬

‫في وقت كانت فيه السفن الشراعية هي سيدة البحر ولم يكن اإلنسان قد عرف بعد قوة البخار‬
‫والدفع الميكانيكي‪ ،‬كان طبيعيا أالّ تثار مسألة القطر‪ ،‬هذه الحالة هي التي كانت سائدة عند‬
‫وضع القانون التجاري الفرنسي ومن ثم جاء هذا القانون خاليا من أحكام القطر ‪ .‬وتغير‬

‫‪12‬‬
‫‪ .‬كمال حمدي ‪ ،‬أشخاص المالحة البحرية ‪ ،‬منشأة المعارف اإلسكندرية ‪ ،‬سنة ‪ ، 1993‬ص ‪ 126‬وما يليها _‬
‫الوضع بعد ظهور المحركات الميكانيكية حيث ظهر معها نوع جديد من السفن هي تلك المعدة‬
‫خصيصا لقطر سفن أخرى‪ ،‬وقد تم تنظيم القطر في فرنسا بمقتضى قانون ‪ 08-69‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 03/01/1969‬المتعلق بالتجهيز والبيوع البحرية حيث تضمن هذا القانون خمس (‪05‬‬
‫) مواد ‪.‬‬

‫خاصة بالقطر ‪13 .‬وكذلك فعل المشرع المصري في قانون التجارة البحرية لسنة ‪ 1990‬حيث‬
‫ظم المشرع الجزائري أحكام‬
‫ظم أحكام القطر في المواد من ‪ 279‬إلى ‪. 281‬وبدوره ن ّ‬
‫نّ‬
‫القطر‪ ،‬وهي أحكام وردت‪ 2‬في المواد من ‪ 860‬إلى ‪ 872‬من القانون البحري ‪ .‬ويتفق الجميع‬
‫على أن القطر عبارة عن عقد يلتزم بمقتضاه مجهز سفينة قطر جر سفينة أخرى لقاء أجر‬
‫‪ 860‬عن هذا المعنى بقوله " يلتزم‬ ‫يتقاضاه‪ ،‬ولقد عبر المشرع الجزائري في المادة‬
‫المجهز بموجب عقد القطر ومقابل مكافأة بخدمات القطر بواسطة سفينة " ‪ .‬ولما كان القطر‬
‫عبارة عن عقد فإن أي تصادم يحدث بين سفينة القطر والسفينة المقطورة سيخرج من نطاق‬
‫‪Bruxelles‬‬ ‫أحكام التصادم البحري ليخضع لألحكام الواردة في العقد وبهذا أخذت معاهدة‬
‫الخاصة بالتصادم حين قضت المادة ‪ 10‬بعدم سريان أحكام المعاهدة على ما ينشأ من‬
‫فإنه يبدو ضروريا تحديد‬
‫التزامات نتيجة عقد نقل أو أية عقود أخرى ‪ ،‬ومادام األمر كذلك ّ‬
‫اللحظة التي يبدأ فيها تنفيذ عقد القطر واللحظة التي ينتهي فيها‪ ،‬إذ ما يخضع‬
‫للمسؤولية العقدية هو التصادم الذي يكون أثناء تنفيذ عقد القطر‪ ،‬أما خارج ذلك فهو‬
‫يخضع ألحكام التصادم المقررة في القانون البحري متى توفرت الشروط‪.‬‬

‫_ التصادم بين سفينة اإلرشاد والسفينة المرشدة‬

‫من األمور المستقر عليها في المالحة البحرية هو توجيه السفن عند دخولها الموانئ أو المياه‬
‫الداخلية أو خروجها منها وهذا ما يعرف باإلرشاد‪.14‬‬

‫ولقد نظّم المشرع الجزائري أحكام اإلرشاد من حيث التعريف وااللتزامات والمسؤولية في‬
‫المواد من ‪171‬إلى ‪188‬من القانون البحري‪ ،‬بينما تناول المرسوم التنفيذي رقم ‪06-08‬تنظيم‬

‫‪13‬‬
‫‪_ Cf. R. RODIERE, E. DE PONTAVICE, op. cit, n° 454, p. 434 ; A. VIALARD, op. cit, n° 231, p. 201.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪.‬محمد علي البارودي‪ ،‬هاني محمد دويدار‪ ،‬القانون البحري ‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بدون سنة نشر‪ ،‬رقم ص ‪_ 96.‬‬
‫اإلرشاد والمؤهالت المهنية للمرشدين وقواعد ممارسة عملية اإلرشاد في الموانئ‪ ،‬ولقد تم‬
‫تعريف اإلرشاد في‬

‫المادة ‪171‬ق‪ .‬بح‪ .‬حيث جاء فيها‪ " :‬اإلرشاد هو المساعدة التي تُقدم إلى الربابنة من قبل‬
‫المرخص لها من قبل الدولة لقيادة السفن عند الدخول إلى الموانئ‬
‫ّ‬ ‫مستخدمي السلطة المينائية‬
‫والفرض والمياه الداخلية والخروج منها"‬

‫ويعتبر اإلرشاد إجباريا لك ّل السفن سواء كانت وطنية أو أجنبية وذلك ما قررته المادة ‪172‬‬
‫ق‪. .‬بح ‪ ،‬غير أن المادة ‪178‬من ذات القانون أعفت بعض السفن بسبب حمولتها أو بسبب ما‬
‫خصصت إليه من إجبارية اإلرشاد‪.15‬‬

‫والمشرع الجزائري له نفس االتجاه الذي تراه معظم التشريعات الدولية ؛ إذ تُقرر المادة‬
‫‪283‬ق‪. .‬بح مسؤولية مجهز السفينة أومالكها في حالة التصادم حتى ولو كان ذلك نتيجة خطأ‬
‫المرشد وحتى لو كان اإلرشاد إجباريا‪ ،‬ونعتقد أن هذا النص يتماشى مع ما هو مقرر في‬
‫القانون المدني الجزائري بخصوص المسؤولية عن فعل الغير‪ ،‬وبالضبط مسؤولية المتبوع عن‬
‫أعمال تابعه‪ ،‬إذ وبعد أن قررت الفقرة األولى من المادة ‪ 136‬ق ‪ .‬م‪ 16.‬مسؤولية المتبوع عن‬
‫أي ضرر يحدثه تابعه بفعله الضار متى وقع هذا الفعل حالة تأدية الوظيفة أو بسببها أو‬
‫بمناسبتها‪ ،‬قررت الفقرة الثانية من ذات المادة أن عالقة التبعية تتحقق بمجرد عمل التابع‬
‫لحساب متبوعه بغض النظر عما إذا كان المتبوع حرا في اختيار تابعه أم ال‪ ،‬وتطبيقا‬
‫أيضا للقواعد‬
‫فإنه‬
‫الخاصة بمسؤولية المتبوع التي تقضي بحق هذا األخير في الرجوع على تابعه‪ّ ،‬‬
‫يبقى من حق المجهز الرجوع على المرشد وإ ن كان ذلك مشروطا طبقا لمقتضيات القانون‬
‫الجزائري أن يكون خطأ التابع جسيما (المادة ‪137‬ق م ‪(17.‬‬

‫المسؤولية المترتبة عن التصادم البحري‪:‬‬


‫إن المسؤولية المترتبة عن التصادم هي مسؤولية تقصيرية غير ّأنها ال تخضع في أغلب‬
‫التشريعات وكذا في معاهدة ‪ Bruxelles‬للقواعد العامة المقررة في القانون المدني وإ ّنما‬
‫‪15‬‬
‫‪ .‬أنظر المادة ‪ 178‬من القانون البحري الجزائري _‬
‫‪16‬‬
‫‪ .‬أنظر المادة ‪ 136:‬من القانون المدني الجزائري _‬
‫‪17‬‬
‫‪ .‬أنظر المادة ‪ 137‬من القانون المدني الجزائري _‬
‫فإنه متى تقرر أن حادثا ما هو عبارة عن تصادم بحري كانت‬
‫تخضع لقواعد خاصة‪ ،‬ومنه ّ‬
‫هذه القواعد الخاصة هي الواجبة التطبيق‪ ،‬ومادام األمر كذلك فيبدو ضروريا تحديد محتوى‬
‫هذه القواعد‪ .‬في الحقيقة يتوقف األمر هنا على نوع التصادم‪ ،‬حيث يتم التمييز بين المسؤولية‬
‫الناتجة عن تصادم قع دون خطأ‪،‬ومسؤولية عن تصادم سببه الخطأ‬

‫المسؤولية المترتبة عن التصادم بدون خطأ‪:‬‬


‫يأخذ التصادم دون خطأ صورتان‪ ،‬األولى يكون فيها عدم وجود الخطأ أمرا يقينا الشك فيه‬
‫وهو ما يتحقق بطبيعة الحال في حالة القوة القاهرة أو الحادث الفجائي ‪1،‬ويسمى هذا التصادم‬
‫في هذه الحالة بالتصادم القهري أو الفجائي ‪Abordage fortuit،‬أما الصورة الثانية فتظهر في‬
‫الحالة التي ال يمكن فيها التيقن من سبب الحادث بحيث ال يمكن معرفة ما إذا كان السبب هو‬
‫القوة القاهرة أو خطأ إحدى السفن‪ ،‬وهذا هو التصادم المشتبه في سببه‪.‬‬

‫المسؤولية المترتبة عن التصادم القهري‪:‬‬

‫قبل بيان الحكم المقرر لهذا النوع من المسؤولية‪ ،‬يجدر بنا بداءة تحديد المقصود‬
‫بالتصادم القهري ‪.‬‬

‫المقصود بالتصادم القهري‪:‬‬

‫التصادم القهري هو ما يرجع سببه لحالة القوة القاهرة‪ ،‬ويتفق الجميع أن هذه الحالة ال تتحقق‬
‫إالّ إذا توفرت شروط معينة أولها أالّ يكون هناك أيدخل لإلرادة‪ ،‬وثانيها عدم إمكانية التوقع‪،‬‬
‫وثالثها استحالة الدفع‪ ،‬فإذا اجتمعت جميع هذه الشروط في حادث ما اعتبر سببه القوة القاهرة‪.‬‬
‫وفي مجال التصادم البحري غالبا ما تأخذ القوة القاهرة شكل العواصف واألعاصير‬
‫المفاجئة ‪،‬وكذلك الضباب الكثيف وهيجان البحر والظلمة الحالكة‪ ،‬كما قد تتصل القوة القاهرة‬
‫بعوامل داخلية كالخلل المفاجئ في معدات السفينة ‪،‬كذلك يعتبر تصادما سببه القوة القاهرة ذلك‬
‫الذي يقع بين سفن بسبب ظروف مالحية خاصة فرضتها الدولة بسبب حالة الحرب كإلزام‬
‫السفن إطفاء األنوار في الموانئ أو السير في قوافل‪،‬على أن اعتبار التصادم قهريا في هذه‬
‫الحالة مشروط بعدم وجود خطأ في المالحة من قبل إحدى السفن ويعتبر من قبيل التصادم‬
‫بسبب القوة القاهرة أيضا ما يقع من تصادم‪ H‬بين سفينتين بسبب خطأ سفينة ثالثة ومثاله أن تحاول‬
‫سفينة تفادي سفينة أخرى أكثر ضخامة وقوة كانت تحتل مكانا ال ينبغي الوقوف فيه فتصطدم‬
‫بسفينة ثالثة‪ ،‬ففي مثل هذه الحالة متى ثبت أن السفينة الصادمة لم تكن إطالقا تتوقع وجود‬
‫سفينة أخرى تعترض طريقها ولم يكن بإمكانها تجنب آثار ذلك‪ ،‬اعتبر التصادم قهريا بين‬
‫‪18‬‬
‫السفينة الصادمة والسفينة المصدومة‪.‬‬

‫وبما أن التمسك بحالة القوة القاهرة يفترض عدم إمكانية التوقع واستحالة الدفع فإنه يخرج عن‬
‫نطاق هذه األخيرة األحداث التي كان باإلمكان توقعها كما لو وقع تصادم بسبب ظلمة عادية أو‬
‫بسبب ‪.‬‬

‫حكم المسؤولية الناتجة عن التصادم القهري‪:‬‬

‫المقرر طبقا للقواعد العامة في القانون المدني هو عدم إمكانية مساءلة شخص عن فعل سببه‬
‫القوة القاهرة‪ ،‬هذه القاعدة كانت معروفة في القانون الروماني ‪Nemo praestat casum‬‬
‫‪aut vim‬‬
‫‪Majorem‬وتم تطبيقها في مجال التصادم البحري‪ ،‬إذ لم تكن تقبل الدعاوى التي يكون‬
‫موضوعها تصادم بين سفينتين سببه القوة القاهرة‪ ،‬وعليه كانت ك ّل سفينة تتحمل ما أصابها‬
‫من ضرر‪.‬‬

‫غير أن هذه القاعدة تم الخروج عنها الحقا حيث جاء الحكم مختلفا في سجالت ‪Oléron‬‬
‫والمجموعات األخرى التي تأثّرت بها‪ ،‬فقد تقرر أن تتحمل ك ّل سفينة نصف األضرار مع أن‬
‫الحادث سببه القوة القاهرة ولقد وجد البعض ‪3‬في فكرة روح التضامن لدى المجهزين التي‬
‫سادت في القرون الوسطى تبريرا لمثل هذا الحكم حيث كان يشترك هؤالء حتّى في األخطار‬
‫التي يستحيل تجنبها‪.‬‬

‫ما ورد في سجالت ‪Oléron‬بخصوص التصادم القهري تم اعتماده من جديد في األمر‬


‫الملكي الفرنسي لسنة ‪1681‬حيث قررت المادة ‪10‬قاعدة اقتسام الضرر بالتساوي بين‬
‫السفينتين غير أن ‪EMERIGON‬أقدم تفسيرا توصل من خالله إلى القول بأن هذه المادة ال‬
‫عالقة لها بالتصادم القهري وإ ّنما تحكم حالة تصادم ثار الشك حول أسبابه ومنه يبقى التصادم‬
‫القهري وأمام غياب نص ينظّمه خاضعا للقواعد العامة التي تقضي بأن يتحمل الك ّل الخسائر‪،‬‬
‫‪18‬‬
‫‪ .‬خياط محمد ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪_ 196‬‬
‫ويبدو أن واضعي القانون التجاري الفرنسي لسنة ‪1807‬قرروا إزالة ك ّل التباس حول‬
‫المسؤولية المترتبة عن التصادم القهري وقرروا في نفس الوقت الرجوع إلى األسس الحقيقية‬
‫فوضعوا المادة ‪407‬التي قضت فقرتها األولى صراحة بأن تتحمل ك ّل سفينة ما لحقها من‬
‫أضرار‪ ،‬وهي قاعدة تم إتباعها ووردت في جميع القوانين األوروبية‪.‬‬

‫المسؤولية المترتبة عن التصادم المشتبه في سببه‪:‬‬

‫التصادم إما أن يكون بخطأ وإ ما بدون خطأ‪ ،‬سببه القوة القاهرة وهذا يعني منطقيا ّأنه ليس‬
‫هناك سوى نوعان من التصادم لكن بين القوة القاهرة والخطأ قد يكمن الشك ويغيب اليقين‪،‬‬
‫شك في أسباب الحادث قد يأخذ صورتين‪ ،‬األولى عدم إمكانية التحقق من السبب هل مصدره‬
‫القوة القاهرة أم الخطأ‪ ،‬والصورة الثانية يتأكد فيها عدم توفر حالة القوة القاهرة غير أن الشك‬
‫يثور حول الخطأ في حد ذاته حيث يصعب تحديد أي من قائدي السفينة كان مخطئا ‪1،‬وهذا‬
‫هو التصادم المشتبه في سببه أو ما يسميه البعض بالتصادم المختلط‪2.‬‬

‫وإ ذا كانت جل تشريعات العالم حاليا تتفق على حل موحد بخصوص التصادم المشتبه في‬
‫سببه فإن األمر لم يكن كذلك قبل معاهدة ‪Bruxelles‬الخاصة بالتصادم‪ ،‬حيث عرفت المسألة‬
‫اختالفا في الحلول في ظل التشريعات التي كانت سائدة وقتها‪ ،‬والتي تأثرت غالبيتها بالحكم‬
‫المقرر في القانون الفرنسي ‪.‬‬

‫المسؤولية المترتبة عن التصادم الناتج عن خطأ‪:‬‬


‫للخطأ في مجال التصادم البحري عدة صور‪ ،‬كما أن المسؤولية تختلف باختالف نوع التصادم‬
‫هل هو نتيجة خطأ منفرد أم خطأ مشترك‪.‬‬

‫الخطأ في التصادم‪:‬‬
‫الشك أن كل خطأ يقترن بسبب أدى إلى حدوثه‪ ،‬ومما الشك فيه أيضا ّأنه وراء كل خطأ‬
‫شخص ساهم في ارتكابه‪ ،‬على أن تعدد األشخاص الذين يرتبطون باستغالل السفينة يجعل من‬
‫حقنا أن نتساءل عن من هو الشخص الذي يمكن أن يرتكب خطأ أو ينسب إليه هذا الخطأ‪.‬‬
‫أسباب أو صور الخطأ‪:‬‬
‫الخطأ قد يكون سببه إما عدم احترام القواعد الخاصة بتجنب التصادم وإ ما أن يكون نتيجة‬
‫إهمال‪.‬‬

‫عدم احترام قواعد تجنب التصادم‬


‫سبق وأن أشرنا من قبل ‪1‬إلى أن الجهود الدولية أثمرت في مجال التصادم البحري عن وضع‬
‫معاهدات تضمنت قواعد لتجنب التصادم في البحر كانت آخرها تلك التي أُبرمت في لندن سنة‬
‫هذه القواعد وكما يظهر من تسميتها تهدف‪ 1972 ،COLREG‬والتي تعرف اختصارا بـ‬
‫أساسا إلى محاولة تجنب التصادم بين السفن وذلك عن طريق تنظيمها لقواعد السير وبيانها‬
‫لألنوار واألشكال واإلشارات الصوتية والضوئية‪ ،‬وسعيا منها في أن تكون هذه القواعد فعالة‬
‫ومعتمدة لدى جميع الدول البحرية نصت هذه المعاهدة في قاعدتها األولى فقرة ب" " ج"و"‬
‫على وجوب أن تتطابق القواعد المحلية الخاصة التي تضعها الدول قدر اإلمكان مع القواعد‬
‫الدولية وتتمثل هذه القواعد إجماال والتي قد يكون عدم احترامها سببا في وقوع خطأ ينتج عنه‬
‫‪ :‬تصادم فيما يلي‬

‫أ _ قواعد السير والمناورات‬


‫قد تنشأ أخطاء يكون سببها مخالفة قواعد السير والمناورات وتتمثل هذه القواعد أساسا في‬
‫تحديد الطريق الواجب إتباعه أثناء السير حيث تلتزم ك ّل سفينة بالسير في الطريق الذي‬ ‫‪-‬‬
‫اختارته وال تنحرف عنه إالّ اضطرارا وتلتزم في هذه الحالة بإصدار إشارات صوتية متفق‬
‫عليها‪ ،‬وتعتبر قاعدة المالحة على اليمين‬

‫‪Règle de tribord‬من أهم مظاهر التزام السفينة بخط السير الواجب اإلتباع وهي من أقدم‬
‫القواعد البحرية ويقابلها مبدأ األولوية في مجال تنظيم حركة مرور السيارات‪1.‬‬

‫‪ -‬االلتزام بالسرعة اآلمنة‪ ،‬إذ من األمور التي قد تساهم في التصادم عدم التزام السفن السير‬
‫بسرعة آمنة ومعقولة وليس هناك عدد معين من األميال يمكن من خاللها التعبير عن هذه‬
‫السرعة وإ ّنما يرجع ذلك للظروف السائدة وحالة الرؤية المحدودة السائدة وهذا ما جاء في‬
‫القاعدة ‪19‬فقرة (ب)‬
‫‪2COLREG،‬إذ تستخدم هذه األخيرة عبارة السرعة اآلمنة وتقرنها بالظروف وحالة الرؤية‬
‫وهذا‬
‫يعني أن السرعة اآلمنة ال تعني حتما سرعة متوسطة‪ ،‬إذ قد تكون السرعة آمنة رغم كونها‬
‫عالية‬
‫وذلك عندما تكون السفينة مبحرة في ظروف جيدة وفي بحر مفتوح‪ ،‬ويبقى العكس صحيحا‬
‫فإنها ال تعتبر سرعة‬
‫فقد تسير بسرعة قد ال تكون عالية جدا لكن وبالنظر للظروف المحيطة ّ‬
‫آمنة كما لو كان اإلبحار يتم في مناطق مزدحمة بالسفن أو في ضباب كثيف‪ .‬إذن تقدير‬
‫السرعة اآلمنة يرتبط أساسا بعدة اعتبارات منها الرؤية المتاحة وحالة الطقس ومدى قدرة‬
‫السفينة على المناورة والمكان الذي يتم فيه اإلبحار‪ ،‬وتبقى السرعة اآلمنة من خالل ك ّل هذا‬
‫هي تلك السرعة التي تسمح للسفينة بالتوقف فيك ّل لحظة تفاديا للتصادم‪3.‬‬

‫وإ ذا كان األصل أن السرعة الزائدة والمبالغ فيها تعتبر خطأ قد يؤدي إلى حدوث تصادم‪ ،‬فإن‬
‫فإنه مع‬
‫السرعة البطيئة قد تش ّكل هي أيضا بدورها خطأ‪ ،‬ومع أن أمرا مثل هذا نادرا ما يقع ّ‬
‫ذلك‬

‫نجد في حادث التصادم بين السفينة ‪Whitehurst‬والسفينة ‪Hoyanger‬ما يجس‪‬د هذه الحالة‬
‫حيث قضت المحكمة بتحميل السفينة األولى المسؤولية عن التصادم الذي حدث بعد أن فقدت‬
‫هذه األخيرة التحكم في حركتها بسبب إبحارها بسرعة بطيئة في مياه سرعة التيارات فيها‬
‫تصل إلى خمس عقد‪.‬‬

You might also like