You are on page 1of 1

‫‪ 

‬يشير مصطلح الحداثة إلى مرحلة تاريخية طويلة نسبيا‪ ،‬بدأت في أوروبا الغربية منذ أواخر القرن‬
‫السادس عشر وتميزت في القرن السابع عشر بسلسلة من التغيّرات الكبيرة والعميقة الثقافية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬وشملت بشكل متداخل ومتفاعل عمليا مجاالت البحث والمعرفة العلميين‬
‫والتطبيق‪ C‬التكنولوجي‪ C‬وأشكال ومؤسسات‪ C‬الحكم السياسية والمدنية والتشريعية والقانون والمعامالت‬
‫التجارية‪ ،‬وذلك في إطار عمليات بناء الدول القومية وتزايد سلطاتها‪ C‬مع تزايد مساحات الحرية‬
‫أيإن الحداثة ليست ترفا فكريا‪ ،‬بل هي تطبيق منهجية عامة للتحليل وطريقة في‬ ‫والمسؤولية الفردية ّ‬
‫التفكير‪ ،‬وهي ال تحضر وتغيب بحسب أنواع األحداث أو عالقاتنا العاطفية‪ ‬بها‪ .‬وعصر األنوار يحيل‬
‫إلى هذه الظاهرة الفكرية‪ ،‬الواسعة االنتشار‪ ،‬التي عرفتها أوروبا‪ C‬في القرن الثامن عشر‪ ،‬حين تم التأكيد‬
‫على أولوية اإلنسان ودعم استقالله وإرادته‪ ،‬ورفعه إلى مستوى‪ C‬يكون فيه مرجع سلوكه‪ ،‬والقاعدة‬
‫المعيارية لممارسته‪ ‬االجتماعية‬
‫أن كثرة الحديث عن التحديث والحداثة في مجتمعاتنا العربية تؤدي إلى ضبابية مفهوم‬ ‫ويبدو ّ‬
‫التحديث نفسه‪ ،‬والخلط بين بعض مظاهره وجوهر العمليات الفاعلة المقترنة به‪ ،‬ولذلك فإنه بالقدر الذي‬
‫أن استكمال عمليات التحديث‬ ‫البد من تأكيد تالزم التحديث المادي مع الحداثة المعنوية‪ ،‬البد من تأكيد ّ‬
‫وتطويرها يعتمد على المبادئ‪ ‬التالية ‪:‬‬
‫إن عملية التحديث ال تتجسد إال في إرادة مشتركة تشمل كل فئات المجتمع ومجاالته‪ ،‬بال‬ ‫(‪ّ - )1‬‬
‫تمييز بين فئة‪ ‬وأخرى‪  .‬فال ينجح التحديث‪ ،‬أو يكتمل‪ ،‬إذا تحول إلى مهمة ينهض بها فريق‪ C‬على حساب‬
‫غيره‪ ،‬أو اقتصرت فوائده على شريحة اجتماعية قادرة على حرمان غيرها من الشرائح غير القادرة‪،‬‬
‫فالتحديث عملية البد أن يسهم فيها الجميع كي يعود نفعها على‪ ‬الجميع ‪.‬‬
‫إن شمول عمليات التحديث والحداثة في تعدد جوانبها‪ C‬المادية والمعنوية ينبغي أن يجعل‬ ‫(‪ّ - )2‬‬
‫منها عملية متفاعلة العناصر‪ C‬والمجاالت‪ ،‬التي تشمل التعليم والثقافة في موازاة االقتصاد‪ C‬والسياسة مع‬
‫العالقات االجتماعية وأدوات اإلنتاج‪ ‬المعرفي‪. C‬‬
‫إن خصوصية عالمنا العربي في عالقته بتاريخه الموغل في القدم وحاضره الذي ال يمكن‬ ‫(‪ّ - )3‬‬
‫إغالقه عن العالم المعاصر‪ C‬تجعل عمليات التحديث والحداثة في أقطارنا‪ C‬العربية عملية مركبة‪ ،‬تهدف‬
‫إلى تحقيق أهداف ثالثة في وقت‪ ‬واحد ‪ :‬أولها‪ ،‬إزاحة المعوّقات الموروثة عن سلبيات الماضي ‪.‬‬
‫وثانيها‪ ،‬المواجهة الجسورة لمشكالت الحاضر في كل‪ ‬المجاالت ‪ .‬وثالثها‪ ،‬تسريع إيقاع العمل لتدارك‬
‫الهوة التي تفصل بين عالمنا العربي وعالم المتقدم الذي أضحى يعيش أزمنة ما بعد‪ ‬الحداثة ‪.‬‬
‫إن بداية التحديث المادي هي الفكر الذي ينبغي أن يتجدد‬ ‫إن الخبرة التاريخية تقول‪ ‬لنا ‪ّ  :‬‬ ‫(‪ّ - )4‬‬
‫في كل مجال‪ ،‬سواء في التعليم كونه قاطرة المستقبل‪ ،‬أم في اإلطار السياسي الذي ينبغي أن يتجدد‬
‫ليستجيب إلى رغبة التطور عند المواطنين ويغذيها‪ C‬بما يجعل الدافع إلى التحديث دافعا وطنيا‪ C‬عاما‪ ،‬أم‬
‫في الوعي المدني الذي ينبغي أن يتحرر من الخرافات التي تعرقل تقدمه ‪.‬‬
‫(‪ - )5‬في عصر ثورة المعلومات‪ ،‬أصبحت التحوالت على الصعيد الثقافي حاسمة في إنجاز‬
‫التطور المنشود‪ ،‬فالمعرفة هي كلمة السر التي تفتح األبواب المغلقة في زماننا‪ ،‬والثقافة أصبحت‬
‫منتجا‪ ‬استراتيجيا‪ . C‬مما‪ ‬يتطلب ‪ :‬أوال‪ ،‬إطالق طاقات االبتكار واإلبداع‪ C‬الفكري والفني والعلمي لدى‬
‫اإلنسان العربي ‪ .‬وثانيا‪ ،‬الشفافية الكاملة في المجتمع‪ ،‬وحرية تداول المعلومات‪ ،‬والقضاء نهائيا على‬
‫أي شكل من أشكال الفساد أو العبث أو التساهل في حياة الناس‪ ‬و أرواحهـم‪ .‬وهنا تأتي مسؤولية الدولة‬
‫بالدرجة األولى‪ ،‬فعليها يقع عبء تطوير‪ C‬مرافق المعلومات‪ ،‬وتغيير البنية التشريعية بما يحقق‬
‫التدفق المرن واليسير‪ C‬للمعلومات‪ ،‬وتطهير أجهزة الدولة من كل ما يعوق عمليات تحديثها‪ ،‬أو يجعل‬
‫منها عمليات‪ ‬مظهرية ‪.‬‬
‫إن الحداثة أكثر من أن تكون نتاجا لمرحلة تاريخية منقضية‪ ،‬وإنما هي أقرب ألن تكون برنامجا‬ ‫ّ‬
‫لم يكتمل بعد وال يزال قادرا‪ C‬على أن يلعب دورا‪ C‬إيجابيا في المجتمعات المعاصرة‪ ،‬فالحداثة تتضمن‬
‫انفتاحا على مستقبل غير مغلق وبال نهاية‪ ،‬يتميز بإمكانية تحقيق التقدم المادي واالستقرار‪ C‬االجتماعي‬
‫والتحقق الذاتي‬
‫ا‪.‬‬

You might also like