You are on page 1of 254

‫جامعة الزقازيق‬

‫كلية الحقوق‬

‫عـــــــــقـــــــد الــــبـــيــــــع‬
‫( مع اإلشارة إلى القانون رقم ‪ ٦٨١‬لسنة ‪ ٠٢٠٢‬بتعديل بعض‬
‫أحكام القانون رقم ‪ 111‬لسنة ‪ 1411‬بتنظيم الشهر العقاري)‬

‫دكـــتـــــور‬
‫أحـمـد عــلي حـسن‬
‫مــدرس الــقــانــون الـــمــدني‬
‫كــلــيـة الــحــقــوق – جــامــعــة الزقــازيــق‬

‫‪0‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫" الذين يأكلون الربا ال يقومون إال كما يقوم‬


‫الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا‬
‫إنما البيع مثل الربا وأحل اهلل البيع وحرم الربا فمن‬
‫جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره‬
‫إلى اهلل ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها‬
‫خالدون "‬

‫صدق اهلل العظيم‬


‫( سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪) 572‬‬

‫‪1‬‬
‫" مـا أصـــعــب أن يــخــتزل الـعـــالــم فـي شـخـــص‬
‫واحـــد ‪ ،‬يــغـنــيـنا وجــوده عــن هــذا الــعــالم ‪،‬‬
‫ويـأسرنــا غيــابه فــي عــالم الــوحــدة والــحــيرة‬
‫وال لــم"‪.‬‬
‫" رحــــمــك اهلل يـا جــدي الــعــزيز ‪ ،‬وجــعـــل‬
‫الــجنــة مــثــواك ‪ ،‬وجـــعــل اهلل مــا فــعــلته لجــلنــا‬
‫فــي مــيزان حــسنـاتك ‪ ،‬وأســكنــك اهلل الــفــردوس‬
‫العــلـى رفـقـة الـنـبـيـيـن والــصــديـقـين والــشــهداء‬
‫وحــسن أولــئك رفــيقا "‪.‬‬
‫" يا مــن تــقــ أر ‪ ،‬أطــلب مــنـك فــضالً ولــيس‬
‫أمــ ارً ‪ ،‬الــدعاء لــه بــالرحــمة والــمـغــفرة "‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة عامة‪:‬‬

‫ال شك أن أغلب المعامالت التي تتم بين األفراد في مجرى الحياة‬


‫اليومية ما هى إال أمور تتم في جوهرها إما في صورة بيع واما في صورة شراء‪،‬‬
‫وهي أمور ال غنى عنها في أي مجتمع؛ لكونها تشبع رغبات األفراد وتحقق‬
‫حاجاتهم‪ ،‬باإلضافة إلى اآلثار اإلقتصادية الهامة لحركتي البيع والشراء على‬
‫اقتصاد الدولة ككل‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس عنى المشرع بالتنظيم القانوني لهذه العمليات في إطار ما‬
‫ُيعرف بعقد البيع‪ .‬ويندرج هذا العقد ضمن طائفة العقود المسماة‪ ،‬التي تناولها‬
‫المشرع بالتنظيم الخاص وأفرد لها اسما معيناً يتالئم مع الدور الذي تقوم به هذه‬
‫العقود والمحال التي ترد عليها‪ ،‬ومن أمثلة هذه العقود‪ ،‬عقد البيع‪ ،‬وعقد اإليجار‪،‬‬
‫وعقد التأمين‪ ،‬وعقد الهبة‪ ،‬وعقد المقايضة‪ ،‬وعقد المقاولة‪.‬‬

‫ورغم تعدد العقود المدنية ذات الطابع المسمى‪ ،‬إال أن عقد البيع يعتبر أبرز‬
‫وأهم هذه العقود من الناحية التاريخية‪ 1‬والقانونية؛ نظ اًر لآلثار التي تترتب عليه‬
‫والدور الذي يقوم به‪ ،‬ناهيك عن شيوعه الواسع وانتشاره الكبير بين األفراد‪ ،‬األمر‬
‫الذي عكس ضرورة االهتمام بهذا العقد سواء على المستوى التشريعي أو الفقهي أو‬
‫القضائي‪.‬‬

‫ويخضع تنظيم عقد البيع من الناحية القانونية‪ ،‬لما ورد في نصوص القانون‬
‫المدني في المواد من ‪ .141 – 114‬غير أن هذا الخضوع ال يمنع من تطبيق‬
‫القواعد العامة الواردة في نظرية اإللتزامات‪ ،‬وذلك في حالة عدم وجود نص خاص‬
‫في التنظيم الذي وضعه المشرع‪.‬‬

‫‪ - 1‬د سهير منتصر‪ ،‬عقد البيع‪ ،‬سنة ‪ ،1122‬ص ‪.8‬‬


‫‪3‬‬
‫* تعريف عقد البيع وبيان خصائصه‪:‬‬

‫عرفت المادة ( ‪ ) 814‬من القانون المدني‪ ،‬عقد البيع بأنه ‪ ":‬عقد يلتزم به‬
‫البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي "‪ .‬ولقد‬
‫وفق المشرع في هذا التعريف لسببين‪ ،‬أولهما‪ :‬أنه وسع من نطاق أو محل عقد‬
‫البيع؛ حيث إنه يشمل باإلضافة إلى نقل الملكية‪ ،‬نقل أي حق مالي آخر‪ ،‬وذلك‬
‫على عكس ما كان وارداً في التقنين السابق‪ ،‬الذي كان يقصر محله على نقل‬
‫ملكية األشياء فقط‪ .‬وثانيهما‪ :‬أن ثمن الشيء المبيع والذي يلتزم بدفعه المشتري‬
‫البد وأن يكون من النقود‪ ،‬فإن كان بغيرها‪ ،‬كان العقد مقايضةً وليس بيعاً ‪.1‬‬

‫ويتميز عقد البيع بالخصائص اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬عقد البيع من العقود الرضائية‪ :‬أي أنه ينعقد بمجرد وجود إيجاب‬
‫وقبول صحيحين وتبادلهما‪ ،‬وال يلزم إلنعقاده أن ُيفرغ العقد في شكل معين‪ ،‬كما ال‬
‫يلزم تسليم الشيء المبيع حتى ينعقد العقد‪.‬‬

‫وقد يتبادر إلى ذهن البعض‪ ،‬أن اشتراط المشرع تسجيل عقد البيع‪ ،‬أمر‬
‫يترتب عليه تغيير طبيعة هذا العقد من الرضائية إلى الشكلية‪ ،‬غير أن هذا الفهم‬
‫خاطيء؛ ألن اشتراط التسجيل ينحصر أثره في نقل ملكية الشيء المبيع‪ ،‬بمعنى‬
‫أن نقل الملكية ال يتم إال بعد تسجيل عقد البيع‪ ،‬وال عالقة لهذا األمر بطبيعة عقد‬
‫البيع التي تظل مع اشتراط التسجيل‪ ،‬طبيعة رضائية‪.‬‬

‫ويجب مالحظة أن طبيعة عقد البيع الرضائية‪ ،‬مسألة غير متعلقة بالنظام‬
‫العام‪ ،‬أي أنه يجوز لألطراف االتفاق على أن هذا العقد ال ينعقد إال باتباع شكل‬

‫‪ -1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء الرابع " العقود التي تقع‬
‫على الملكية – البيع والمقايضة "‪ ،‬تنقيح المستشار‪ /‬أحمد مدحت المراغي‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫سنة ‪ ،5008‬ص ‪.51‬‬

‫‪4‬‬
‫معين يتفقا عليه‪ ،‬كتدوينه في ورقة رسمية أو عرفية‪ ،‬فهنا ال ينعقد العقد بمجرد‬
‫تراضي الطرفين‪ ،‬بل يجب استيفاء الشكل المتفق عليه ‪.1‬‬

‫وعلى الرغم من رضائية عقد البيع التي ال تتطلب شكالً خاصاً إلبرامه‪ ،‬إال‬
‫أن المشرع تطلب هذا الشكل في بعض البيوع على سبيل اإلستثناء‪ ،‬كحالة بيع‬
‫السفينة البحرية الذي يلزم أن يكون بسند رسمي واال كان البيع الغياً‪ .‬وكذلك في‬
‫الحالة التي يكون فيها ثمن المبيع إيبراداً مرتباً مدى الحياة‪ ،‬فيجب أن يكون العقد‬
‫في هذه الحالة مكتوباً ‪.2‬‬

‫‪ -5‬عقد البيع عقد ملزم للجانبين‪ :‬حيث إن هذا العقد ينشيء منذ البداية‬
‫التزامات متبادلة على عاتق كل من البائع والمشتري‪ ،‬وبمقتضى هذه االلتزامات‬
‫يصبح كل طرف دائن ومدين في نفس الوقت؛ حيث يلتزم البائع بنقل الملكية في‬
‫مقابل الثمن‪ ،‬في حين يلتزم المشتري بدفع الثمن مقابل الحصول على ملكية‬
‫الشيء المبيع ‪.3‬‬

‫ويترتب على هذا اإللزام المزدوج‪ ،‬وجود ارتباط بين االلتزامات لكال الطرفين‪،‬‬
‫بمعنى أنه يجوز لكل منهما التمسك بالحق في الحبس‪ ،‬وجواز طلب الفسخ إذا لم‬
‫ينفذ أحد األطراف التزامه‪ ،‬عالوة على أن تحمل تبعة الهالك في العقود الملزمة‬
‫للجانبين يتحملها المدين الذي استحال عليه تنفيذ التزامه ‪.4‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪54‬؛ د سليمان مرقس‪ ،‬الوافي في شرح‬
‫القانون المدني‪ ،‬في العقود المسماة " عقد البيع "‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬سنة ‪ ،2991‬تنقيح د‬
‫حبيب إبراهيم الخليلي‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي محمد‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬العقود المسماة‪ ،‬الجزء األول " عقد البيع‬
‫"‪ ،‬الكتاب الجامعي للعام الدراسي ‪ ،1121 /1122‬ص ‪.18‬‬
‫‪ - 3‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬عقد البيع والمقايضة‪ ،‬سنة ‪ ،2984‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 4‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬عقد البيع‪ ،‬الكتاب الجامعي للعام الدراسي ‪/1122‬‬
‫‪ ،1128‬ص ‪.8‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -3‬عقد البيع عقد معاوضة‪ :‬بمعني أن كل طرف يأخذ مقابالً نظير ما‬
‫يلتزم به تجاه الطرف اآلخر‪ .‬فالبائع يلتزم بنقل ملكية الشيء المبيع إلى المشتري‪،‬‬
‫في مقابل الحصول على ثمن هذا الشيء والذي يلتزم بدفعه المشتري‪ .‬وكذلك‬
‫حصول هذا األخير على ملكية الشيء متوقف على دفعه ثمن هذا الشيء ‪.1‬‬

‫‪ -8‬عقد البيع عقد محدد القيمة بحسب الصل‪ :‬وذلك ألن كل متعاقد‬
‫يستطيع أن يعلم مسبقاً منذ انعقاد العقد‪ ،‬قيمة ما يكسبه وما يلتزم به بسبب هذا‬
‫العقد‪ .‬غير أن عقد البيع أحياناً يكون عقد احتمالي‪ ،‬وذلك في الفرض الذي يربط‬
‫فيه أحد المتعاقدين بعض االلتزامات الناشئة عن العقد أو أحدها بحادث غير‬
‫محقق الوقوع‪ ،‬كما إذا جعال ثمن الشيء المبيع إيراداً مرتباً مدى الحياة‪ ،‬بمعنى أن‬
‫يلتزم المشتري بدفع ثمن الشيء المبيع في صورة إيراد مرتب طيلة مدة حياة‬
‫البائع‪.2‬‬

‫‪ -2‬عقد البيع عقد مسمى‪ :‬حيث إن المشرع قد تناول هذا العقد بالتنظيم‬
‫وبين أحكامه‪ ،‬وذلك عن طريق قواعد آمرة ال يحق للمتعاقدين االتفاق على ما‬
‫يخالفها‪ ،‬وقواعد مكملة يجوز االتفاق على مخالفتها ‪.3‬‬

‫‪ -6‬عقد البيع عقد ناقل للملكية أو منشيء اللتزام بنقلها‪ :‬وتختلف مسألة‬
‫نقل الملكية في عقد البيع بحسب محل االلتزام‪ .‬فإذا كان محل االلتزام شيئاً معيناً‬
‫بالذات يملكه الملتزم‪ ،‬ترتب على ذلك أن العقد ‪ -‬أي عقد البيع ‪ -‬ينقل الملكية‬
‫بمجرد نشوء هذا العقد‪ .‬واذا كان محل الملكية حق من الحقوق العينية الواردة على‬
‫منقول‪ ،‬فإنها تنقل بالعقد متى ورد على محل مملوك للمتصرف‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬الوجيز في عقد البيع‪ ،‬سنة ‪ ،2981‬مكتبة سعيد رأفت‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪6‬‬
‫عقار‪ ،‬فإن الملكية ال تنتقل سواء بين المتعاقدين أو‬
‫اً‬ ‫واذا كان محل الملكية‬
‫بالنسبة للغير إال بالتسجيل‪ ،‬أي أن العقد ال يترتب عليه نقل الملكية فور انعقاده‪،‬‬
‫غير أنه ينشيء في ذمة البائع التزاماً بنقل الملكية ‪.1‬‬

‫‪ -7‬عقد البيع عقد فوري‪ :‬حيث ال يعتبر الزمن عنص اًر جوهرياً وال ركناً في‬
‫هذا العقد‪ ،‬وال يغير من طبيعة عقد البيع الفورية‪ ،‬االتفاق على تأجيل دفع الثمن أو‬
‫تأخير تسليم الشيء المبيع‪ .‬ويتريب على هذه الفورية‪ ،‬أنه في حالة فسخ عقد‬
‫البيع‪ ،‬كان لهذا الفسخ أثر رجعي‪ .‬كما أن اإلعذار شرط ضروري إلستحقاق‬
‫التعويض في عقد البيع نظ اًر لطبيعته الفورية‪ ،‬وذلك بخالف عقود المدة ‪.2‬‬

‫وبعد التعرض لتعريف عقد البيع وبيان خصائصه‪ ،‬فإن هذا العقد له أركان‬
‫وجود ال يقوم إال بها‪ ،‬وشروط صحة يجب توافرها‪ .‬باإلضافة إلى أنه يرتب آثا اًر‬
‫هامة تتمثل في مجموعة من الحقوق وااللتزامات التي تقع على عاتق كل طرف‪.‬‬
‫عالوة على أنه توجد بعض البيوع التي تتميز بالطابع الخاص‪ ،‬والتي أفرد لها‬
‫المشرع أحكاما خاصة تختلف عن تلك المقررة للبيوع العادية‪.‬‬

‫وتأسيساً على ما تقدم سنتعرض لدراسة عقد البيع‪ ،‬من خالل أبواباً ثالثة‬
‫هي‪:‬‬

‫الباب األول‪ :‬انعقاد عقد البيع‪.‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬آثار عقد البيع‪.‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬بعض أنواع البيوع ( البيوع ذات األحكام الخاصة )‪.‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22 ،21‬‬


‫‪ - 2‬د ممدوح محمد خير هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪7‬‬
‫الباب الول‬

‫في‬

‫انعقاد عقد البيع‬

‫‪8‬‬
‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬

‫يعتبر عقد البيع مثله مثل سائر العقود المدنية التي تخضع في انعقادها‬
‫للقواعد العامة الورادة في نظرية االلتزامات‪ ،‬والتي تستلزم توافر ثالثة أركان لقيام‬
‫العقد والتي تتمثل في الرضا‪ ،‬والمحل‪ ،‬والسبب‪ .‬وما يميز عقد البيع عن غيره في‬
‫هذا الصدد‪ ،‬هواألحكام الخاصة بركني الرضا والمحل‪ ،‬أما ركن السبب فال يثير‬
‫أي تساؤالت تختلف عن تلك الورادة في القواعد العامة ألركان العقد‪ .‬لذلك سنقصر‬
‫دراستنا على ركن المحل وركن الرضا‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ركن الرضا في عقد البيع‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬ركن المحل في عقد البيع‪.‬‬

‫الفصل الول‬

‫ركن الرضا في عقد البيع‬

‫سنتعرض لدراسة األحكام الخاصة بركن الرضا في عقد البيع‪ ،‬عن طريق‬
‫بيان المسائل التي يختلف حكمها في هذا العقد‪ ،‬عن تلك الواردة في القواعد‬
‫العامة‪ .‬لذلك سنبدأ بعرض مسألة مضمون الرضا في عقد البيع ( مبحث أول )‪.‬‬
‫ثم األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع وحدودها ( مبحث ثان )‪ .‬وأخي ار الصور‬
‫الخاصة للرضا في عقد البيع ( مبحث ثالث )‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫المبحث الول‬

‫مضمون الرضا في عقد البيع‬

‫يعتبر عقد البيع من العقود الرضائية‪ ،‬التي تنعقد بمجرد تبادل اإليجاب‬
‫والقبول بين البائع والمشتري بصورة متطابقة بقصد إنشاء هذا العقد ‪ .‬ويتركز‬
‫مضمون الرضا الواجب توافره إلبرام عقد البيع‪ ،‬حول محاور ثالثة هي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬اإليجاب الموجه إلى الجمهور‪:‬‬

‫يوجه اإليجاب في العادة إلى شخص معين يعنيه مضمون هذا اإليجاب‪،‬‬
‫وينعقد العقد بقبول هذا الشخص لإليجاب‪ ،‬ولكن جرت عادة التجار أن يوجهوا‬
‫اإليجاب إلى الجمهور وليس لشخص معين‪ ،‬ويظهر ذلك في الحاالت اآلتية ‪:1‬‬

‫‪ -1‬اإليجاب بطريق عرض السلع في المتاجر‪ :‬يعتبر إيجاباً صريحاً‪،‬‬


‫عرض التاجر للسلع في واجهات المحالت التجارية مبيناً عليها أثمانها‪ .‬ويستمر‬
‫هذا اإليجاب قائماً طيلة مدة العرض وبقاء بطاقة الثمن‪ ،‬وينعقد عقد بيع هذه السلع‬
‫بمجرد اقتران هذا اإليجاب بقبول أي شخص‪ ،‬بشرط أال يعدل عنه البائع سواء‬
‫برفع الثمن المكتوب على هذه السلع أو سحب البضائع من الواجهة ‪ .2‬ويؤسس‬
‫هذا الحكم على اعتبار أن هذا العرض يوضح أن التاجر يتخذ موقفاً ال تدع‬
‫ظروف الحال شكاً في داللته على أنه يقصد بيع هذه البضائع بالثمن المكتوب‬
‫عليها ‪.3‬‬

‫‪ -5‬اإليجاب باإلعالن عن السلع في الصحف أو في نشرات خاصة‪ :‬يعد‬


‫اإلعالن عن السلع في الصحف أو في النشرات الخاصة التي يتم إرسالها إلى‬

‫‪ - 1‬د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬


‫‪ - 2‬د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ - 3‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪10‬‬
‫العمالء في منازلهم أو توزع على الجمهور‪ ،‬إيجاباً صحيحاً بشرط أن ُيبين بها ثمن‬
‫محدد للسلع المعلن عنها ‪.1‬‬

‫أما إذا جاء اإلعالن خالياً من الثمن المحدد‪ ،‬اُعتبر ذلك مجرد دعوة للتعاقد‬
‫أو مجرد إعالن عن السلع الغرض منه لفت أنظار الراغبين في الشراء ودعوتهم‬
‫إلى االتصال بالشخص الراغب في البيع أو الشراء للتفاهم حول شروط البيع‬
‫تمهيداً لتقديم إيجاب محدد أو بدعوته لتقديم إيجاب محدد لهم‪ ،‬ولكنه ال يعتبر‬
‫إيجاباً ‪.2‬‬

‫ثانياً‪ :‬موضوع التراضي‪:‬‬

‫ويقصد بموضوع التراضي‪ ،‬أن يتفق طرفي عقد البيع على جميع المسائل‬ ‫ُ‬
‫الجوهرية للعقد‪ ،‬وأال يحدث بينهما خالف بشأن المسائل الثانوية‪ .‬وذلك كاآلتي‪:‬‬

‫ويقصد بالمسائل الجوهرية‪ ،‬تلك‬ ‫‪ -1‬بالنسبة للمسائل الجوهرية في التعاقد‪ُ :‬‬


‫التي تمس صميم التعاقد بين األطراف وتمس أساسياته التي ال يقوم التعاقد بدونها‪.‬‬
‫وتتمثل في طبيعة العقد‪ ،‬بمعنى أن ينصب االتفاق على نقل ملكية شيء أو حق‬
‫مالي آخر مقابل ثمن نقدي‪ .‬وكذلك يجب االتفاق على الشيء المبيع‪ ،‬فال ينعقد‬
‫العقد بين الطرفين إذا كان أحدهما يقصد بيع شيئاً معيناً وكان اآلخر يقصد شيء‬
‫آخر‪.‬‬

‫وأخي اًر‪ ،‬يشترط االتفاق على الثمن‪ ،‬وال نقصد بذلك ضرورة تحديده وقت‬
‫التعاقد‪ ،‬بل يكفي أن يكون قابالً للتحديد في المستقبل بشرط أن تُحدد األسس التي‬
‫على أساسها يمكن تحديد الثمن‪ ،‬وأن يتم االتفاق بين الطرفين بشأنها ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬


‫‪ - 2‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ - 3‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪11‬‬
‫ويقصد بها تلك المسائل التفصيلية التي‬
‫‪ -5‬بالنسبة للمسائل الثانوية‪ُ :‬‬
‫تكون من مكمالت التعاقد بين األطراف أو من مستلزماته‪ ،‬دون أن تمس كيان‬
‫التعاقد األساسي والجوهري‪ .‬ومن أمثلتها‪ :‬زمان تسليم المبيع ومكانه‪ ،‬وزمان ومكان‬
‫الوفاء بالثمن‪ ،‬وطريقة هذا الوفاء‪.‬‬

‫واذا كان األصل أنه يجب أن يتطابق اإليجاب والقبول حول كافة المسائل‬
‫التي يتناولها اإليجاب‪ ،‬جوهرية كانت أو ثانوية‪ ،‬إال أن العقد يتم بين األطراف‬
‫بمجرد االتفاق على المسائل الجوهرية‪ ،‬حتى ولو لم يحدث اتفاق بشأن المسائل‬
‫الثانوية‪ ،‬حيث ُيفترض في هذه الحالة أن األطراف قد ارتضيا حكم القانون أو‬
‫العرف بشأن هذه المسائل ‪.1‬‬

‫غير أن هذا الحكم األخير يتعذر إعماله في الحالة التي تنصرف فيها نية‬
‫المتعاقدين إلى جعل المسائل الثانوية مسائل داخلة في البنيان الرئيسي للتعاقد‬
‫وضمن عناصر االتفاق الجوهرية‪ ،‬فهنا ال يكتمل التعاقد بمجرد االتفاق على‬
‫المسائل الجوهرية‪ ،‬بل يلزم باإلضافة إلى ذلك ضرورة االتفاق على هذه المسائل‬
‫الثانوية‪ .‬وفي حالة وجود اختالف بشأن ما إذا كان الطرفان قد جعال من تلك‬
‫المسائل الثانوية عناصر جوهرية أم ال‪ ،‬تولى قاضي الموضوع مهمة الفصل في‬
‫هذا األمر ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬


‫‪ 2‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪71‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.12‬‬
‫‪12‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الوعد بالبيع أو الشراء‪:‬‬

‫وهو عبارة عن اتفاق ُيبرم بين البائع والمشتري‪ ،‬بمقتضاه يعد كال المتعاقدين‬
‫أو أحدهما بإبرام عقد البيع في المستقبل‪ .‬ولهذا الوعد صور ثالث هي ‪:1‬‬

‫‪ -1‬الوعد بالبيع‪ :‬وفيه يلتزم الواعد بأن يبيع شيئاً للموعود له إذا أبدى هذا‬
‫األخير رغبته في الشراء خالل مدة معينة‪ .‬ويلتزم بهذا الوعد البائع فقط دون‬
‫المشتري‪ .‬أما هذا األخير فال يلتزم بالشراء إال إذا أبدى رغبته خالل المحدة‬
‫المحددة للوعد‪ ،‬واال سقط الوعد بالبيع‪ .‬وأحياناً يتمثل الوعد بالبيع في صورة وعد‬
‫بالتفضيل‪ ،‬بمعنى أن يلتزم الواعد بتفضيل شخص معين في التعاقد إذا ما انتوى‬
‫بيع مال معين خالل مدة محددة‪.‬‬

‫‪ -5‬الوعد بالشراء‪ :‬وفيه يعد شخص آخر بأن يشتري ماالً معيناً من هذا‬
‫األخير – أي الشخص اآلخر – إذا قرر البيع خالل مدة معينة‪ .‬والوعد هنا يكون‬
‫ملزماً فقط للواعد بالشراء‪ ،‬أما الشخص اآلخر فال يقع عليه أي التزام ويكون له‬
‫مطلق الحرية في بيع الشيء من عدمه‪.‬‬

‫‪ -3‬الوعد المتبادل بالبيع وبالشراء‪ :‬وفي هذه الحالة‪ ،‬يعد شخص غيره بأن‬
‫يبيع له مال محدد في حالة قبول هذا الشخص الشراء خالل مدة معينة‪ ،‬ويلتزم‬
‫الشخص اآلخر بأن يشتري هذا المال إذا قرر األول البيع خالل هذه المدة‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن الوعد بالبيع بصوره السابقة‪ ،‬ال يصح إال إذا توافرت جميع‬
‫شروط الوعد بالتعاقد وفقاً للقواعد العامة والتي تتمثل في ضرورة وجود االتفاق‬
‫على طبيعة العقد‪ ،‬ووجوب تعيين جميع المسائل الجوهرية للعقد‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 58‬وما بعدها؛ د محمد حسين منصور‪،‬‬
‫عقد البيع‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬سنة ‪ ،2999‬ص ‪ 51‬وما بعدها؛ د ممدوح محمد خيري‬
‫هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 24‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫تعيين المدة التي يجب إبرام عقد البيع خاللها‪ ،‬والشكل الواجب توافرة في الحاالت‬
‫استثناء على قاعدة رضائية‬
‫ً‬ ‫التي يتطلب فيها القانون شكالً معيناً إلبرام عقد البيع‬
‫هذا العقد‪.‬‬

‫وبالنسبة آلثار الوعد بالتعاقد‪ ،‬ففى الفترة السابقة على إبداء الموعود له‬
‫رغبته‪ ،‬فال يوجد ثمة التزام إال على عاتق الواعد فقط دون الموعود له‪ .‬وبعد‬
‫إعالن هذا األخير رغبته في إبرام العقد خالل مدة الوعد المحددة‪ ،‬فإن العقد ينعقد‬
‫دون أن يتوقف ذلك على رضاء جديد من الواعد‪ .‬واذا نكل الواعد عن وعده‪ ،‬كان‬
‫للموعود له الحق في مقاضاة الواعد مطالباً إياه بالتنفيذ متى توافرت الشروط‬
‫الالزمة إلبرام العقد ‪.1‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫الهلية الالزمة إلبرام عقد البيع وحدودها‬

‫سنتعرض في هذا المبحث لتحديد األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع والقيود‬
‫التي ترد عليها ( مطلب أول )‪ .‬ثم‪ ،‬لعيوب الرضا في عقد البيع ( مطلب ثان )‪.‬‬
‫وجدير بالذكر أن مسألة إبرام عقد البيع بطريق النيابة أياً كان نوعها‪ ،‬سواء نيابة‬
‫قانونية أو اتفاقية أو قضائية‪ ،‬تعد من المسائل الهامة التي تدخل ضمن حدود‬
‫األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع‪ ،‬غير أننا لن نتطرق إليها مكتفين بما ورد في هذا‬
‫الشأن في القواعد العامة للنيابة في التعاقد‪ .‬وعلى ذلك سنتعرض لدراسة هذا‬
‫المبحث من خالل المطلبين اآلتيين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نوع األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع وقيودها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬عيوب الرضا في عقد البيع‪.‬‬

‫‪ - 1‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪14‬‬
‫المطلب الول‬

‫نوع الهلية الالزمة إلبرام عقد البيع وقيودها‬

‫الفرع الول‪ :‬نوع الهلية الالزمة إلبرام عقد البيع‪:‬‬

‫يعتبر عقد البيع من عقود المعاوضة والتصرفات الدائرة بين النفع والضرر‬
‫بالنسبة للبائع وللمشتري‪ ،‬لذلك فال يصح إبرامه – وفقاً للقاعدة العامة – إال إذا‬
‫توافرت في البائع والمشتري على حد سواء‪ ،‬أهلية األداء‪ ،‬أي يلزم أن يكون كل‬
‫منهما بالغاً إحدى وعشرون سنة ميالدية‪ ،‬وغير محكوم على أيهما بإستمرار والية‬
‫أو توقيع حجر ألي سبب من األسباب‪.‬‬

‫فإذا كان أحد طرفي عقد البيع ناقص األهلية‪ ،‬كان العقد قابالً لإلبطال‬
‫لمصلحته‪ ،‬ويزول حق التمسك باإلبطال إذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن‬
‫الرشد‪ ،‬أو أجازه وليه أو أجازته المحكمة بحسب األحوال وفقاً للقانون‪ .‬ويسقط هذا‬
‫الحق إذا لم يتمسك به من تقرر لمصلحته خالل ثالث سنوات من وقت بلوغ سن‬
‫الرشد‪ .‬واذا كان أحد طرفي عقد البيع عديم األهلية‪ ،‬كان العقد باطالً بطالناً مطلقاً‬
‫وال تلحقه األجازة‪ .‬والعبرة في توافر األهلية‪ ،‬بوقت إبرام العقد ‪.1‬‬

‫ويجب مالحظة أن القانون أجاز إبرام عقد البيع قبل بلوغ سن الرشد‪ ،‬وذلك‬
‫في بعض الحاالت الواردة في قانون الوالية على المال والقانون المدني‪ ،‬وذلك في‬
‫إطار ضوابط معينة نظمها القانون وبين أحكامها‪ ،‬ولقد سبق دراسة هذه الحاالت‬
‫في السنة األولى في مادة المدخل لدراسة القانون‪ ،‬وال داعي لتكرارها مرة أخرى‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪15‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬القيود التي ترد على الهلية‪:‬‬

‫أورد المشرع حاالت معينة حظر فيها عملية الشراء‪ ،‬رغم توافر أهلية األداء‬
‫بصورة صحيحة‪ ،‬وذلك إلعتبارات معينة لضمان الحيدة والموضوعية‪ ،‬أو تحقيقاً‬
‫لمصالح معينة‪ .‬وتتمثل هذه الحاالت في اآلتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬منع القضاة وأعوانهم والمحامين من شراء الحقوق المتنازع عليها‪:‬‬

‫نصت على هذا المنع‪ ،‬المادة (‪ )171‬بقولها‪ ":‬ال يجوز للقضاة وال ألعضاء‬
‫النيابة وال للمحامين وال لكتبة المحاكم وال للمحضرين أن يشتروا ال بأسمائهم وال‬
‫باسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه إذا كان النظر في النزاع يدخل في‬
‫اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها واال كان البيع باطالً"‪.‬‬

‫وتتمثل الحكمة من هذا المنع‪ ،‬في ضمان حيدة عمل األشخاص المذكورين‬
‫في المادة السابقة‪ ،‬والبعد بينهم وبين ما قد ُيشاع عنهم من شائعات‪ ،‬حفاظاً على‬
‫كرامة القضاء ولضمان نزاهته‪ ،‬وحتى ال يضارب القاضي على نتيجة التقاضي ‪.1‬‬

‫ويلزم إلعمال الحكم الوارد في المادة المتقدمة‪ ،‬ضرورة توافر الشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون الشخص الذي يرغب في الشراء ممن شملتهم المادة ‪ :171‬أي‬
‫أن المنع من الشراء يشمل القضاة وأعضاء النيابة والمحامين وكتبة المحاكم‬
‫والمحضرين‪ .‬ويجب أن تثبت لعامل القضاء هذه الصفة وقت الشراء‪.‬‬

‫أما إذا كان هذا الشخص غير مما ُذكر في نص المادة السابقة‪ ،‬فال يسري‬
‫عليه الحظر‪ ،‬كالخبير الذي ُيعرض عليه إبداء رأيه الفني في مسألة تخص النزاع‬
‫المعروض على المحكمة‪ ،‬والفراشين ووكالء المحامين والحراس ورجال الشرطة؛‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪145‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.51‬‬
‫‪16‬‬
‫وذلك تأسيساً على أن الرأي الراجح في الفقه يرى أن التعداد الوارد في المادة ‪171‬‬
‫استثناء على ما‬
‫ً‬ ‫جاء على سبيل الحصر وليس المثال‪ ،‬وأن هذا الحظر قد جاء‬
‫تقضي به القواعد العامة من حرية اإلنسان في البيع والشراء‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫– أنه ال‬ ‫غير أننا من وجهة نظرنا نرى – مع جانب ال بأس به من الفقه‬
‫مانع من امتداد نطاق الحظر إلى فئات غير التي ذكرت في النص المذكور‪،‬‬
‫تأسيساً على االعتبارات العملية التي قد تحتم هذا المد ألشخاص لهم عالقة أو‬
‫تأثير على الحق المتنازع عليه رغم عدم ذكرهم في نص المادة ‪ .171‬فعلى سبيل‬
‫المثال نجد أن الخبير رغم عدم ذكره في النص‪ ،‬إال أن التقرير الذي يقدمه‬
‫بناء على هذا التقرير‪ ،‬فبأي منطق‬
‫للمحكمة قد يترتب عليه الفصل في النزاع ً‬
‫وعلى أي أساس يمكن القول بإستبعاد الخبير من نطاق الحظر!‬

‫‪ -2‬أن يكون الحق متنازعاً عليه‪ :‬ويكون كذلك إذا كان موضوعه قد ُرفعت‬
‫به دعوى‪ ،‬أو قام بشأنه نزاع جدي تقدره محكمة الموضوع‪ .‬يستوي في ذلك الشأن‬
‫الحق العيني والحق الشخصي‪ .‬ويلزم أن يكون النزاع في الحق المبيع قائماً بالفعل‬
‫وقت الشراء ومعروفاً للمشتري‪ ،‬سواء أكان مطروحاً على القضاء أم ال‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫ال يكفي للحكم ببطالن البيع أن يكون الحق المبيع قابالً للنزاع أو من المحتمل أن‬
‫تُرفع بشأنه دعوى‪ ،‬بل يجب أن تكون هناك منازعة في الحق المبيع وقت إبرام‬
‫البيع على نحو ينم عن علم المشتري بهذا النزاع ‪.2‬‬

‫‪ -3‬يجب أن يكون النزاع من اختصاص المحكمة التي يباشر فيها الفئات‬


‫السابقة أعمالهم‪ :‬وهنا يلزم األخذ في االعتبار االختصاص المحلي والنوعي‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪55‬؛ د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪17‬‬
‫الختصاص هذه الفئات‪ ،‬باستثناء محكمة النقض التي لها اختصاص شامل لكل‬
‫انحاء الجمهورية ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬منع المحامين من التعامل مع موكليهم في الحقوق المتنازع عليها‪:‬‬

‫نصت على هذا المنع المادة (‪ )172‬بقولها‪ ":‬ال يجوز للمحامين أن يتعاملوا‬
‫مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها إذا كانوا هم الذين يتولون الدفاع عنها سواء‬
‫أكان التعامل بأسمائهم أم باسم مستعار واال كان العقد باطالً"‪.‬‬

‫والحكمة من هذا المنع‪ ،‬هى ضمان عدم استغالل المحامي لموكله؛ بسبب‬
‫عدم العلم الكافي لهذا األخير بأحكام القانون‪ ،‬فيوهمه بضعف مركزه القانوني في‬
‫الدعوى بغية شراء الحق المتنازع عليه‪ ،‬أو يتفق معه على مباشرة الدعوى عنه‬
‫مقابل حصوله على جزء مما قد ُيحكم له به‪ .‬كل ذلك من أجل توفير أكبر قدر‬
‫من الثقة والطمأنينة بين المحامين وبين موكليهم‪ .‬واذا حدث تعامل من هذا القبيل‬
‫سواء باالسم الحقيقي أو المستعار للمحامي المحظور عليه التعامل‪ ،‬كان باطالً‪.‬‬
‫غير أن هذا البطالن ال يمنع المحامي من الحصول على اتعابه بصورة عادلة ‪.2‬‬

‫* جزاء مخالفة الحظر الوارد بالمادتين (‪:)875 ، 871‬‬

‫يعتبر جزاء مخالفة الحظر الوارد بالمادتين السابقتين‪ ،‬هو البطالن المطلق‬
‫المتعلق بالنظام العام‪ ،‬الذي يجوز ألي من الطرفين التمسك به‪ ،‬وكل ذي مصلحة‪،‬‬
‫كما يحق للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها‪.‬‬

‫‪ - 1‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪58‬؛ د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.172‬‬
‫‪18‬‬
‫* استرداد عامل القضاء ما عليه من حق متنازع فيه‪:‬‬

‫يجوز لعمال القضاة بصورة استثنائية على األحكام السابقة‪ ،‬أن يستردوا ما‬
‫عليهم من حقوق متنازع فيها‪ ،‬وذلك وفقاً للرأي الراجح‪ ،‬والذي يميل إليه المشرع‪،‬‬
‫والذي تتضح نيته في األخذ به عمالً بما جاء في المادة (‪ ،)114‬التي نصت على‬
‫أنه‪ ":‬إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل عنه صاحبه بمقابل إلى شخص آخر‪،‬‬
‫فللمتنازع ضده أن يتخلص من المطالبة إذا هو رد إلى المتنازل له الثمن الحقيقي‬
‫الذي دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع"‪.‬‬

‫فهذه المادة تجيز‪ ،‬للمدين بدين مدعى عليه به أن يسترد هذا الدين من‬
‫مشتريه إذا رد إليه ما دفعه من ثمن حقيقي مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت‬
‫الدفع‪ .‬والغرض الذي يسعى إليه المدين من و ارء ذلك هو إنهاء الخصومة القائمة‬
‫والمتعلقة بهذا الدين‪.1‬‬

‫ثالثاً‪ :‬حظر شراء أرض زراعية أو صحراوية تجاوز الحد القصى للملكية‪:‬‬

‫لقد وضع المشرع بمقتضى القانون رقم ‪ 05‬لسنة ‪ ،1414‬حداً أقصى لملكية‬
‫األرض الزراعية ال يجوز مخالفته‪ ،‬فحدد ملكية الفرد من األرض الزراعية بخمسون‬
‫فداناً‪ ،‬ومائة فدان لألسرة‪ .‬ومائتي فدان للفرد من األراضي الصحرواية‪ ،‬وثالثمائة‬
‫فدان لألسرة‪ ،‬وألف فدان للجمعية التعاونية بحد أقصى ثالثون فداناً للعضو‪،‬‬
‫وخمسة اآلف فداناً للشركات المساهمة التي يجب في جميع األحوال أال تقل ملكية‬
‫المصريين فيها عن ‪ %01‬وال تزيد ملكية الفرد عن ‪ %0‬من رأس المال‪.‬‬

‫كل ذلك إذا كانت األرض تعتمد في ريها على المياة الجوفية أو الطرق‬
‫الحديثة كالرش أو التنقيط ‪ ،‬أما إذا كانت األرض تُروى بطريقة الغمر‪ ،‬فإن الحد‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬


‫‪19‬‬
‫األقصى ينخفض إلى النصف في الحاالت السابقة‪ .‬واذا تم البيع بالمخالفة لألحكام‬
‫السابقة‪ ،‬كان مصيره البطالن المطلق ‪.1‬‬

‫رابعاً‪ :‬حظر شراء الجانب لأل راضي الزراعية والصحراوية‪:‬‬

‫لقد انتهى المشرع بعد الكثير من التعديالت التشريعية الخاصة باألراضي‬


‫الزراعية والصحراوية‪ ،‬إلى منع األجانب سواء كان أشخاصاً طبيعيين أو‬
‫اعتباريين‪ ،‬من تملك األراضي الزراعية وما في حكمها من األراضي القابلة للزراعة‬
‫واألراضي البور واألراضي الصحراوية في جمهورية مصر العربية‪ ،‬ويشمل المنع‬
‫‪2‬‬
‫كل من ملكية الرقبة وحق االنتفاع ‪ .‬وأي اتفاق يتم بخالف ذلك فهو باطالً بطالناً‬
‫مطلقاً‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬منع شراء النائب لنفسه الشيء المكلف ببيعه‪:‬‬

‫جاء هذا المنع في المواد (‪ ) 141 ، 145 ، 174‬من القانون المدني‪،‬‬


‫وبمقتضى هذه المواد فإنه ُيحظر على من ينوب عن غيره بمقتضى اتفاق كالوكالء‬
‫ويحظر كذلك على من‬ ‫بالبيع‪ ،‬أن يشتروا األموال التي ُيعهد إليهم في بيعها‪ُ .‬‬
‫ينوبون عن غيرهم بمقتضى القانون أو من السلطة المختصة كمن لهم الوالية على‬
‫أموال الغير والوصي والقيم‪ ،‬أن يشتروا ما نيط بهم بيعه بموجب هذه النيابة‪.‬‬
‫ويحظر أيضاً على السماسرة والخبراء أن يشتروا األموال المعهود إليهم في بيعها أو‬
‫ُ‬
‫في تقدير قيمتها‪ ،‬سواء أكان الشراء بأسمائهم أم باسم مستعار‪.‬‬

‫وتكمن العلة في منع الفئات السابقة من الشراء‪ ،‬في البعد بينهم وبين ما قد‬
‫يثور من شبهات بالنسبة لهم‪ ،‬ومنعاً لتعارض مصالحهم مع مصالح أصحاب‬

‫‪ - 1‬د محمد حسين منصور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪92‬؛ د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ - 2‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪20‬‬
‫المال‪ .‬غير أنه إذا انتفت هذه الشبهة‪ ،‬بأن حصل المشتري أو من قام بالتصرف‬
‫على إذن من القضاء‪ ،‬زال المنع ‪1‬؛ وذلك تأسيساً على أن رقابة القضاء في هذه‬
‫الحالة تضمن عدم وجود تعارض للمصالح ووجود حيادية وموضوعية في عملية‬
‫الشراء‪.‬‬

‫والجزاء المترتب على مخالفة المنع في هذه الحالة‪ ،‬هو البطالن النسبي‬
‫لمصلحة البائع‪ ،‬والذي ُيستفاد من نص المادة (‪ ،)141‬والتي ورد فيها عبارة ‪":‬‬
‫يصح العقد في األحوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين إذا أجازه من تم‬
‫البيع لحسابه "‪ .‬ومن المعلوم أن األجازة ال تلحق إال العقد القابل للبطالن وليس‬
‫العقد الباطل‪ .‬وهذا ما عبرت عنه المذكرة اإليضاحية بقولها ‪ " :‬أجاز المشرع‬
‫تصحيح البيع وهو باطل بطالناً نسبياً لمصلحة البائع‪ ،‬وقد قرر البطالن نص‬
‫خاص لعلة تعارض المصالح ‪.2 ".....‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإن غالبية الفقه المصري‪ ،‬تري أن الجزاء في هذه‬
‫الحالة ليس البطالن النسبي‪ ،‬ولكنه عدم نفاذ‪ ،‬بمعنى أن البيع يعتبر صحيحاً بين‬
‫طرفيه وال ينفذ في حق األصيل إال إذا أجازه‪ ،‬واألجازة الالحقة كاإلذن السابق‪.‬‬
‫وذلك ألن األصيل عندما أناب النائب في بيع ماله لم يدخل في حسابه أن يقوم‬
‫هذا النائب بشراء الشيء لنفسه واال لباع له مباشرة دون حاجة إلى إنابته في‬
‫البيع‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬


‫‪ - 2‬مجموعة األعمال التحضيرية‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪21‬‬
‫المطلب الثاني‬

‫عيوب الرضا في عقد البيع‬

‫عقد البيع مثله مثل سائر العقود األخري‪ ،‬والذي قد تكتنف إرادة طرفيه أو‬
‫أحدهما عيوب الرضا المعروفة في القانون المدني‪ ،‬والتي تتمثل في الغلط والتدليس‬
‫واإلكراه واإلستغالل‪ ،‬والتي تجعل العقد قابل لإلبطال لمصلحة من تعيبت إرادته‪.‬‬
‫وال جديد يذكر في هذا الشأن أو شيء يختلف عما هو موجود في القواعد العامة‬
‫التي تحكم هذه العيوب‪ ،‬لذلك سنحيل إليها منعاً للتكرار‪.‬‬

‫غير أن عيب الغلط يتميز بنوع من الخصوصية في عقد البيع‪ .‬حيث يجب‬
‫أن يكون المشتري على علم كاف بالمبيع‪ .‬واذا تخلف وجود هذا العلم الكافي ترتب‬
‫على ذلك‪ ،‬تعيب إرادة المشتري بعيب الغلط ‪ .‬لذلك سنكتفي بالتعرض لدراسة‬
‫أحكام العلم الكافي بالمبيع‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬المقصود بالعلم الكافي بالمبيع‪:‬‬

‫نصت المادة (‪ )114‬على وجوب توافر العلم الكافي بالمبيع للمشتري‪،‬‬


‫بقولها‪ -1 ":‬يجب أن يكون المشتري عالماً بالمبيع علماً كافياً‪ ،‬ويعتبر العلم كافياً‬
‫إذا اشتمل العقد على بيان المبيع وأوصافه األساسية بياناً يمكن من تعرفه‪-2 .‬‬
‫واذا ُذكر في عقد البيع أن المشتري عالم بالمبيع‪ ،‬سقط حقه في طلب إبطال البيع‬
‫بدعوى عدم علمه‪ ،‬إال إذا ثبت تدليس البائع"‪.‬‬

‫وعلى ذلك يلزم لصحة عقد البيع أن يكون المشتري على بينة وعلى بصر‬
‫وبصيرة من المبيع‪ ،‬بصورة تجلي له كافة بيانات المبيع وأوصافه الرئيسية‪ .‬وفي‬
‫هذا األمر يختلف عقد البيع عن القواعد العامة في نظرية العقد‪ ،‬حيث تكتفي هذه‬

‫‪22‬‬
‫األخيرة بأن يكون المبيع معيناً تعييناً نافياً للجهالة الفاحشة حتى ولو لم يكن‬
‫المشتري عالما به‪ ،‬في حين تطلب المشرع هذا العلم بصدد عقد البيع ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬كيف يتحقق علم المشتري الكافي بالمبيع‪:‬‬

‫يتحقق العلم الكافي للمبيع من قبل المشتري‪ ،‬بطرق ثالث هي‪:‬‬

‫‪ -1‬طريقة المعاينة‪ :‬ويكون ذلك عن طريق رؤية المشتري للشيء المبيع‬


‫ذاته‪ ،‬سواء في جميع أجزاء الشيء أو في جزء منه أو بعضه‪ ،‬ولكن بشرط أن‬
‫تكون رؤية بعض الشيء كافية إلدراك صالحية أو عدم صالحية الشيء المبيع‬
‫للغرض المقصود منه‪ .‬ويستوي أن يقوم بالرؤية المشتري نفسه أو أي شخص آخر‬
‫يوكله المشتري لهذا األمر‪ .‬ويمكن أن تكون الرؤية سابقة على إبرام العقد بشرط أن‬
‫يبقى المبيع دون تغيير في ذاته أو صفاته إلى حين إتمام العقد ‪.2‬‬

‫‪ -5‬طريقة التحديد‪ :‬وذلك عن طريق بيان المبيع وأوصافه األساسية‪ ،‬بياناً‬


‫يمكن من خالله التعرف على المبيع‪ .‬وتختلف هذه األوصاف التي يجب أن‬
‫يتضمنها عقد البيع بحسب الشيء المبيع‪ ،‬فوصف السيارة يختلف عن وصف‬
‫العقار ‪.3‬‬

‫‪ -3‬طريقة اإلقرار‪ :‬وفيها يقر المشتري بأنه على علم بالمبيع وبجميع‬
‫أوصافه وبياناته‪ .‬وهنا يقوم اإلقرار مقام المعاينة والتحديد‪ .‬وال يحق للمشتري مع‬
‫هذا اإلقرار أن يطالب بالبطالن بدعوى عدم علمه بالمبيع‪ .‬غير أنه ال يعتد بهذا‬
‫اإلقرار إذا كان نتيجة تدليس قام به البائع ‪.4‬‬

‫‪ - 1‬د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211 ،99‬‬
‫‪ - 4‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.218 ،212‬‬
‫‪23‬‬
‫ثالثاً‪ :‬جزاء عدم توافر العلم الكافي بالمبيع‪:‬‬

‫إذا لم يتحقق العلم الكافي بالمبيع وفقاً إلحدى الصور الثالث سالفة الذكر‪،‬‬
‫بأن لم ي عاين المشتري المبيع‪ ،‬أو لم يتضمن عقد البيع بيان المبيع وأوصافه‬
‫األساسية‪ ،‬وكذلك إذا لم يقر المشتري بأنه على علم بالمبيع‪ ،‬كان الجزاء هو‬
‫البطالن النسبي‪ ،‬وهذا الجزاء مقرر للمشتري‪.‬‬

‫واختلف الفقه في أساس هذا البطالن‪ .‬فيرى البعض أن أساسه يكمن في‬
‫توافر عيب الغلط الذي يخول للمشتري حق المطالبة باإلبطال‪ .‬غير أن الرأي‬
‫الراجح يرى أن أساس البطالن هنا‪ ،‬هو خيار الرؤية الذي تقرر بموجب نص‬
‫القانون في المادة (‪ )114‬مدني‪ ،‬والخيار إرادة ومشيئة‪ ،‬فالمشتري حر في قبول‬
‫العقد أو نقضه وليس عليه أن يثبت وقوعه في الغلط وال يثبت علم المتعاقد اآلخر‬
‫بهذا الغلط ‪ ،‬كماتقضي بذلك قواعد عيب الغلط ‪.1‬‬

‫رابعاً‪ :‬سقوط حق المشتري في طلب إبطال البيع لعدم العلم بالمبيع‪:‬‬

‫يسقط حق المشتري في طلب اإلبطال في الحاالت اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬الجازة‪ :‬وهي تعبير يصدر عن إرادة المتعاقد الذي تقررت القابلية‬


‫للبطالن لمصلحته‪ ،‬بغرض النزول عن الحق في طلب هذا اإلبطال‪ .‬وتصدر من‬
‫المشتري سواء بصورة صريحة أو ضمنية‪ .‬وال تصح األجازة إال بعد علم المشتري‬
‫بالشيء المبيع ‪.2‬‬

‫‪ -5‬التقادم‪ :‬وذلك بمضي ثالث سنوات من وقت العلم الكافي بالمبيع أو‬
‫بمضي خمس عشرة سنة من وقت إبرام العقد‪.‬‬

‫‪ - 1‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪51‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪24‬‬
‫‪ -3‬تصرف المشتري في المبيع قبل رؤيته‪ ،‬بشرط أن يكون التصرف الزماً‬
‫أي مرتباً حقاً للغير على المبيع‪ ،‬كحالة بيع هذا الشيء إلى آخر‪.‬‬

‫‪ -8‬تعيب الشيء المبيع في يد المشتري‪ ،‬وكذلك حالة تعذر رد بعض المبيع‬


‫بسبب هالك أو عيب أو تلف؛ ألن خيار الرؤية ال يثبت في بعض الشيء ‪.1‬‬

‫وفي هذا الصدد يثور تساؤل‪ ،‬مفاده‪ :‬هل يسقط حق المطالبة بإبطال البيع‬
‫لعدم العلم الكافي بسبب موت المشتري؟‬

‫ذهب رأي فقهي ‪ -‬نؤيده – إلى أن حق المطالبة بإبطال البيع لعدم توافر‬
‫العلم الكافي بالمبيع‪ ،‬ال يسقط بموت المشتري‪ ،‬بل ينتقل إلى الورثة ‪ .2‬وهذا الرأي‬
‫أخذت به محكمة النقض المصرية‪ .‬كما أنها قضت بأن الحق في الشفعة ُيورث‪،‬‬
‫فيمكن قياس الحالة محل التساؤل على حالة توريث الحق في الشفعة‪.‬‬

‫بيد أنه‪ ،‬يوجد رأي فقهي آخر‪ ،‬يرى أنه يترتب على موت المشتري سقوط‬
‫حقه في طلب اإلبطال‪ ،‬وأن هذا الحق ال ينتقل إلى ورثة المشتري من بعده؛‬
‫تأسيساً على أن أحكام خيار الرؤية في الشريعة اإلسالمية والتي تعتبر المصدر‬
‫التاريخي لشرط العلم بالمبيع‪،‬تقضي بأن الخيارات ال تورث ‪.3‬‬

‫وجدير بالذكر‪ ،‬أن شريعتنا الغراء عرفت خيار الرؤية‪ ،‬بدليل قول نبينا صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ":‬من اشترى شيئاً لم يره‪ ،‬فهو بالخيار إذا رآه "‪ .‬وجعلت هذا الخيار‬
‫للمشتري دون البائع‪ .‬ويثبت هذا الخيار للمشتري وقت رؤيتة المبيع فقط ‪.4‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.57 ،54‬‬


‫‪ - 2‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪ - 4‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪52‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪25‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫بعض الصور الخاصة للرضا في عقد البيع‬

‫تتعدد الصور القانونية التي يتخذ فيها الرضا في عقد البيع أحكاماً خاصة‪،‬‬
‫وتتمثل أهم هذه الصور في البيع بالعينة‪ ،‬والبيع بالتقدير والبيع الجزاف‪ ،‬والبيع‬
‫بشرط التجربة‪ ،‬والبيع بشرط المذاق‪ .‬وستناول شرح هذه الحاالت تباعاً على النحو‬
‫التالي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬البيع بالعينة‪:‬‬

‫‪ -1‬تعريف البيع بالعينة‪ :‬نصت على هذا النوع من البيوع‪ ،‬المادة (‪)125‬‬
‫من القانون المدني‪ ،‬بقولها‪ -1 ":‬إذا كان البيع بالعينة وجب أن يكون المبيع‬
‫مطابقاً لها‪ -2 .‬واذا تلفت العينة أو هلكت في يد أحد المتعاقدين ولو دون خطأ‪،‬‬
‫كان على المتعاقد بائعاً أو مشترياً أن يثبت أن الشيء مطابق للعينة أو غير‬
‫مطابق"‪.‬‬

‫ويتم البيع في هذه الحالة على أساس نموذج أو عينة يقوم البائع بتقديمها‬
‫إلى المشتري‪ ،‬بحيث إذا ما تم االتفاق بينهما على أساس هذه العينة‪ ،‬التزم البائع‬
‫بتسليم المبيع إلى المشتري بصورة مطابقة للعينة المتفق عليها‪ ،‬حتى ولو لم يوقع‬
‫– أي البائع – على العينة ‪.1‬‬

‫‪ -5‬وجوب مطابقة المبيع للعينة‪ :‬يجب أن يكون المبيع مطابقاً للعينة‬


‫مطابقة تامة‪ ،‬فالعينة ما هي إال قدر معين من المبيع يفصله البائع عن هذا المبيع‬
‫من أجل عرضه على المشتري على نحو يمكن هذا األخير من رؤية ومعاينة‬
‫المبيع على نحو يتحقق علم المشتري به‪.‬إذ أن العينة عبارة عن المبيع ذاته في‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬


‫‪26‬‬
‫صورة مصغرة‪ .‬والبيع بالعينة غالباً ما يحدث في البيوع المثلية كالحبوب واألجهزة‪.‬‬
‫وعرض العينة على المشتري يغني عن تعيين المبيع في عقد البيع‪ ،‬فبمجرد رؤية‬
‫المشتري للعينة‪ ،‬يعتبر وكأنه قد رأى المبيع ذاته ‪.1‬‬

‫‪ -3‬مصير العينة‪ :‬ال يخرج مصير العينة التي يقدمها البائع عن أحد‬
‫فرضين هما ‪:2‬‬

‫أ‪ -‬الفرض الول‪ :‬إذا سلم البائع المبيع بصورة مطابقة للعينة التي قدمها‬
‫للمشتري‪ :‬وهنا يلتزم المشتري بإبرام البيع‪ ،‬وال يجوز له رفض التعاقد‪ ،‬حتى ولو‬
‫رأى أن المبيع غير مالئم لحاجته أو العتبارات خاصة به؛ وذلك ألن البائع في‬
‫هذه الحالة قد أوفى بإلتزامه ‪.3‬‬

‫ب‪ -‬الفرض الثاني‪ :‬إذا سلم البائع المبيع بصورة غير مطابقة للعينة التي‬
‫قدمها للمشتري‪ :‬وفي هذه الحالة ال يجوز للمشتري طلب إبطال البيع؛ تأسيساً على‬
‫انتفاء العلم الكافي بالشيء المبيع‪ ،‬ولكن يحق له‪ :‬إما مطالبة البائع بالتنفيذ العيني‬
‫اللتزامه أي تسليمه شيئاً مطابقاً للعينة المتفق عليها‪ .‬وان لم يستطع البائع ذلك‪،‬‬
‫كان من حق المشتري المطالبة بفسخ العقد مع التعويض إن كان له محل‪ .‬وأخي اًر‪،‬‬
‫يجوز للمشتري قبول المبيع غير المطابق للعينة بشرط إنقاص الثمن إذا كانت قيمة‬
‫المبيع غير المطابق أقل من قيمة المبيع المطابق للعينة‪.‬‬

‫وعند وجود خالف بشأن مدى مطابقة العينة للمبيع من عدمه‪ ،‬وقع على‬
‫البائع عبء إثبات المطابقة‪ ،‬ويجوز في هذه الحالة االستعانة بخبير من أجل حسم‬
‫الخالف‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.59 ،58‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ - 3‬د رمضان أبو السعود‪ ،‬عقدي البيع والمقايضة‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬سنة ‪،1111‬‬
‫ص ‪.85‬‬
‫‪27‬‬
‫‪ -8‬إثبات العينة‪ :‬لتوضيح مسألة إثبات العينة‪ ،‬ينبغي التفرقة بين الفرضين‬
‫اآلتيين ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬الفرض الول‪ :‬وفيه يحدث الخالف بين المتعاقدين حول حقيقة أو ذاتية‬
‫العينة‪ :‬بأن يدعى أحد الطرفين عدم مطابقة العينة في الحالة التي تكون فيها‬
‫العينة في يد الطرف اآلخر – أي يد غير الطرف الذي يدعي عدم المطابقة ‪: -‬‬
‫وهنا نطبق القواعد العامة في اإلثبات التي تقضي بأن من بيده العينة يشهد له‬
‫الوضع الظاهر‪ ،‬ويقع على عاتق من يدعي عكس ذلك إثبات ما يدعيه‪ .‬أي أن‬
‫من يدعي خالف الظاهر‪ ،‬يتعين عليه أن يقيم الدليل على صحة ما يدعيه‪ ،‬بأن‬
‫يثبت أن العينة الموجودة لدى المتعاقد معه ليست هي العينة المتفق عليها‪ ،‬ويجوز‬
‫إثبات ذلك بكل طرق اإلثبات بما فيها البينة والقرائن‪.‬‬

‫ب‪ -‬الفرض الثاني‪ :‬وفيه تضيع أو تهلك أو تتلف العينة وهى في حيازة أحد‬
‫المتعاقدين‪ ،‬سواء بخطأ منه أو بدون خطأ‪ ،‬ويحدث الخالف بشأن مطابقة المبيع‬
‫للعينة‪ :‬وهنا يقع على عاتق من كانت لديه العينة إثبات هذه المطابقة وجوداً‬
‫وعدماً‪ ،‬وغالباً ما تكون العينة في يد المشتري وأحياناً في يد البائع ‪.2‬‬

‫‪ -2‬الطبيعة القانونية للبيع بالعينة‪ :‬يرى الرأي الراحج أن البيع بالعينة‪ ،‬بيعاً‬
‫باتاً من الوقت الذي يتفق فيه المتعاقدان على العينة أو النموذج الذي تم البيع على‬
‫أساسه؛ تأسيساً على أن العينة تقوم مقام تعيين محل البيع‪ .‬وان كان بعض الفقه‬
‫يرى أن هذا البيع هو بيع معلق على شرط واقف‪ .‬وآخرون يرون أنه بيعاً معلقاً‬
‫على شرط فاسخ ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪117 ،114‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.42 ،41‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ - 3‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪28‬‬
‫ثانياً‪ :‬البيع بالتقدير والبيع الجزاف‪:‬‬

‫‪ -1‬تعريف البيع بالتقدير‪ :‬هوذلك البيع الذي يكون في حالة المثليات التي‬
‫تعين بالوزن أو الكيل أو المقاس‪ .‬كأن يقول شخص آلخر بعتك ألف طن من‬
‫األسمنت‪ .‬أي أن البيع يكون بالتقدير إذا احتاج المبيع في تعيينه إلى وزن أو كيل‬
‫أو مقاس أو عدد‪ .‬ويجب أن يقع التقدير من البائع أو نائبه عند البيع أو عند‬
‫تسليم المبيع إلي المشتري‪ ،‬ويلزم أن يتم ذلك في حضور المشتري أو نائبه ‪.1‬‬

‫‪ -5‬تعريف البيع الجزاف‪ :‬نصت على هذا النوع من البيوع المادة (‪)124‬‬
‫مدني‪ ،‬بقولها‪ ":‬إذا كان البيع جزافاً‪ ،‬انتقلت الملكية إلى المشتري على النحو الذي‬
‫تنتقل به في الشيء المعين بالذات‪ ،‬ويكون البيع جزافاً ولو كان تحديد الثمن موقوفاً‬
‫على تقدير المبيع"‪.‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬فالبيع الجزاف هو البيع الذي يتم على مجمل أشياء توجد في‬
‫مكان معين بصرف النظر عن مقدارها‪ ،‬كما إذا باع الشخص ما في مخزنه من‬
‫بناء على ما‬
‫األرز أو القمح‪ ،‬فهنا يعتبر البيع جزافاً على أساس أن المبيع تحدد ً‬
‫في المخزن دون تعيين‪ .‬ويعتبر البيع جزافاً أيضاً‪ ،‬حتى ولو تم على أساس حدوث‬
‫عد أو وزن أو قياس‪ ،‬وهذا ما تعنيه العبارة الواردة بعجز المادة ‪ 124‬مدني‪ .‬فالبيع‬
‫يعد جزافاً ما دام المبيع ال يحتاج في تعيينه إلى تقدير‪ .‬كأن يبيع شخص ما في‬
‫مخزنه من صناديق الفاكهة بسعر كذا للصندوق الواحد؛ وذلك ألن العد أو الوزن‬
‫هنا ال يلزم لتعيين المبيع ولكن لتقدير جملة الثمن فقط ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪77‬؛ د رمضان أبو السعود‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 298‬وما بعدها؛ د توفيق حسن فرج‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪29‬‬
‫‪ -3‬أهمية التمييز بين البيع بالتقدير وبيع الجزاف‪ :‬يظهر هذا التمييز من‬
‫ناحيتين هما ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬من حيث انتقال الملكية‪ :‬تنتقل الملكية في البيع الجزاف بمجرد انعقاد‬
‫العقد‪ .‬بينما ال تنتقل في حالة البيع بالتقدير إال بإفراز المبيع‪ ،‬األمر الذي يترتب‬
‫عليه أن ثمار المبيع تكون من حق المشتري من وقت انعقاد العقد في حالة البيع‬
‫الجزاف‪ ،‬وتكون من نصيبه في حالة البيع بالتقدير من وقت اإلفراز‪.‬‬

‫ب‪ -‬من حيث تبعة الهالك‪ :‬إذا أعذر البائع المشتري ليتسلم المبيع ثم هلك‪،‬‬
‫فإن المشتري هو الذي يتحمل تبعة الهالك وذلك في حالة البيع الجزاف‪ .‬واذا أعذر‬
‫البائع المشتري في حالة البيع بالتقدير إلفراز المبيع‪ ،‬ولم يقبل المشتري‪ ،‬ثم هلك‬
‫المبيع‪ ،‬فإن البائع هو الذي يتحمل تبعة الهالك‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬البيع بشرط التجربة‪:‬‬

‫‪ -1‬تعريف البيع بشرط التجربة‪ :‬جاءت أحكام البيع بشرط التجربة في‬
‫المادة (‪ )125‬مدني‪ ،‬والتي نصت على أنه‪ -1 ":‬في البيع بشرط التجربة‪ ،‬يجوز‬
‫للمشتري أن يقبل المبيع أو يرفضه‪ ،‬وعلى البائع أن يمكنه من التجربة‪ .‬فإذا رفض‬
‫المشتري المبيع‪ ،‬وجب أن يعلن الرفض في المدة المتفق عليها‪ ،‬فإن لم يكن هناك‬
‫اتفاق على المدة‪ ،‬ففى مدة معقولة يعينها البائع‪ ،‬فإذا انقضت هذه المدة وسكت‬
‫‪ -2‬ويعتبر البيع‬ ‫المشتري مع تمكنه من تجربة المبيع‪ ،‬اُعتبر سكوته قبوالً‪.‬‬
‫بشرط التجربة معلقاً على شرط واقف هو قبول المبيع إال إذا تبين من االتفاق أو‬
‫الظروف أن البيع معلق على شرط فاسخ"‪.‬‬

‫وعلى ذلك فالبيع بشرط التجربة‪ُ ،‬يقصد به تمكين المشتري من تجربة المبيع‬
‫من أجل التأكد من صالحيته قبل أن يبرم العقد بصفة نهائية ‪ .1‬وال يغني عن‬

‫‪ - 1‬د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬


‫‪30‬‬
‫التجربة‪ ،‬العلم الكافي بالمبيع‪ ،‬بل البد من التجربة؛ ألن المشتري في الغالب يريد‬
‫معرفة مدى مالئمة المبيع لحاجته الشخصية أو للغرض الذي أُعد له‪ .‬لذلك يتم‬
‫عادة التعاقد بشرط التجربة في األشياء التي يصعب التأكد من صالحيتها للغرض‬
‫المقصود منها قبل التجربة‪ ،‬كالسيارات واألجهزة واآلالت الميكانيكية ‪.2‬‬

‫وتختلف طريقة االتفاق على شرط التجربة‪ ،‬فقد يكون صريحاً كحالة النص‬
‫عليه صراحة ضمن بنود العقد‪ ،‬أو ُذكر صراحة في االتفاق الشفوي بين البائع‬
‫والمشتري‪ .‬وقد يرد بصورة ضمنية ُيستفاد من ظروف المعاملة أو من عرف‬
‫التعامل ‪.3‬‬

‫‪ -5‬االلتزامات التي تقع على عاتق البائع والمشتري خالل فترة التجربة‪:‬‬

‫أ‪ -‬التزامات البائع‪ :‬يلتزم البائع بمقتضى شرط البيع بالتجربة‪ ،‬أن يمكن‬
‫المشتري من تجربة المبيع‪ ،‬واال كان مخالً بالتزامه ‪ .4‬والقاعدة أن المشتري يقوم‬
‫بتجربة المبيع بنفسه‪ ،‬وقد يستعين برأي شخص آخر كخبير مثالً‪ .‬ويجب أن تجري‬
‫التجرب ة في الميعاد المتفق عليه بين البائع والمشتري‪ ،‬وفي حالة عدم االتفاق على‬
‫مدة معينة للتجربة‪ ،‬فإن البائع يستطيع أن يحدد مدة معقولة تحت رقابة القضاء ‪.5‬‬

‫وبعد انتهاء التجربة وتمامها‪ ،‬سواء في المعياد المتفق عليه أو المدة التي‬
‫حددها البائع‪ ،‬وقبل المشتري المبيع‪ ،‬اُعتبر البيع بيعاً تاماً ونهائياً‪ ،‬وفي حالة‬
‫رفضه اُعتبر البيع كأن لم يكن‪ .‬واذا سكت المشتري ولم يتضح موقفه سواء بالقبول‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬


‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪222‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪21‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪279‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ - 4‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ - 5‬د مصطفى محمد الجمال‪ ،‬عقد البيع‪ ،‬الفتح للطباعة والنشر‪ ،‬سنة ‪ ،2998‬ص ‪21‬؛ د‬
‫حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪31‬‬
‫أو الرفض‪ ،‬حتى انقضت مدة التجربة مع تمكين البائع له من التجربة‪ ،‬كان هذا‬
‫السكوت بمثابة قبول للبيع ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬التزامات المشتري‪ :‬وتتحدد على ضوء الغرض من التجربة‪ .‬فإذا كان‬
‫هذا الغرض هو التأكد من صالحية المبيع في ذاته لألغراض المبتغاة منه‪ ،‬فال‬
‫يحق للمشتري العدول عن البيع إال إذا كان المبيع ال يصلح في ذاته ألداء‬
‫األغراض المنشودة منه‪ .‬وعند النزاع حول مدى صالحية المبيع ألداء هذه‬
‫األغراض‪ ،‬فالفيصل هنا هم أهل الخبرة وليس مجرد قول المشتري‪ .‬واذا كان‬
‫الغرض من التجربة هو التأكد من مالئمة المبيع وصالحيته لتلبية رغبات‬
‫واحتياجات المشتري الشخصية‪ ،‬فالمعيار في التأكد من هذه الصالحية‪ ،‬هو قول‬
‫المشتري دون معقب عليه في ذلك ‪.2‬‬

‫‪ -3‬الطبيعة القانونية للبيع بشرط التجربة‪ :‬يعتبر البيع في هذه الحالة‪ ،‬وفقاً‬
‫لصريح نص المادة (‪ )121‬مدني سالفة الذكر ولألصل العام‪ ،‬بيعاً معلقاً على‬
‫شرط واقف وهو قبول المبيع‪ ،‬وهنا يكون البيع نافذاً قبل تحقق الشرط – والشرط‬
‫هنا هو قبول المشتنري للمبيع بعد تجربته سواء خالل المدة المتفق عليها أو المدة‬
‫المعقولة التي حددها البائع ‪ .-‬فإذا انتهت التجربة وتحقق الشرط ‪ ،‬أصبح المشتري‬
‫مالكاً للمبيع بأثر رجعي من وقت إبرام العقد وليس من وقت القبول‪ .‬واذا تخلف‬
‫الشرط برفض المشتري للمبيع بعد التجربة‪ ،‬فيعتبر أن المشتري لم يكن مالكاً‬
‫للشيء المبيع في أي وقت ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪221‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.41‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 225‬وما بعدها؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.44 ،45‬‬
‫‪32‬‬
‫وخالفاً لألصل المتقدم‪ ،‬فقد ُيعلق البيع بشرط التجربة على شرط فاسخ‪ ،‬وذلك‬
‫في حالة اتفاق األطراف صراحة على ذلك أو اُستخلص ذلك ضمنياً من ظروف‬
‫ومالبسات العقد‪ .‬وهنا تعتبرملكية المشتري للمبيع معلقة على شرط فاسخ‪ ،‬وهو‬
‫عدم قبول المشتري للمبيع وابالغ ذلك للبائع في الوقت المحدد‪ .‬فإذا تحقق الشرط‬
‫وأعلن المشتري البائع برفض البيع‪ ،‬انفسخ البيع بأثر رجعي‪ .‬واذا تخلف الشرط‬
‫وقبل المشتري المبيع وأعلن ذلك للبائع في الميعاد المحدد أو سكت عن القبول أو‬
‫الرفض حتي انقضي الميعاد‪ ،‬فهنا يصبح البيع باتاً ويعتبر المشتري مالكاً للمبيع‬
‫من وقت البيع ‪.1‬‬

‫رابعاً‪ :‬البيع بشرط المذاق‪:‬‬

‫‪ -1‬تعريف البيع بشرط المذاق‪ :‬نصت على هذا النوع من البيوع المادة‬
‫(‪ )122‬مدني‪ ،‬بقولها ‪ ":‬إذا بيع الشيء بشرط المذاق‪ ،‬كان للمشتري أن يقبل البيع‬
‫إن شاء‪ ،‬ولكن عليه أن يعلن هذا القبول في المدة التي يعينها االتفاق أو العرف‪،‬‬
‫وال ينعقد البيع إال من الوقت الذي يتم فيه هذا اإلعالن"‪.‬‬

‫وعلى ذلك فالبيع بشرط المذاق‪ ،‬هو ذلك البيع الذي ينتشر في بعض‬
‫المبيعات التي ال يمكن الحكم على جودتها أو شرائها إال بعد تذوقها‪ ،‬كالزيوت‬
‫واألنبذة والخل والزيتون وبعض الفواكه وسائر المأكوالت األخرى‪.‬‬

‫ويتم االتفاق على شرط المذاق إما بصورة صريحة أو بصورة ضمنية في‬
‫بعض البيوع التي ال يمكن شراؤها إال بعد تذوقها كالفاكهة‪ .‬وأحياناً يستبعد‬
‫األطراف شرط المذاق‪ ،‬سواء بصورة صريحة أو ضمنية كما إذا كان المشتري‬
‫تاج اًر في مثل األشياء المبيعة ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.47‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪33‬‬
‫وفي حالة البيع بشرط المذاق‪ ،‬ال يلتزم المشتري بشيء تجاه البائع‪ ،‬بل يكون‬
‫له مطلق الحرية في قبول البيع أو رفضه‪ ،‬دون أية مسؤولية تقع على عاتقه؛ وذلك‬
‫ألن التذوق أمر شخصي يختلف من شخص آلخر‪ .‬وفي هذا يختلف البيع بشرط‬
‫المذاق عن البيع بشرط التجربة‪ ،‬ففي األول ال ينعقد البيع قبل مذاق الشيء‬
‫بواسطة المشتري وقبوله له‪ .‬أما في الثاني فقد يكون الغرض من التجربة التأكد من‬
‫صالحية الشيء المبيع في ذاته وهنا ال يكون للمشتري الحرية المطلقة في القبول‬
‫أو الرفض ‪.1‬‬

‫والذي يقوم بتذوق الشيء هو المشتري نفسه‪ ،‬وقد يستعين بشخص آخر للقيام‬
‫بعملية التذوق‪ ،‬وفي جميع األحوال تخضع عملية التذوق لرقابة القضاء‪ .‬وهنا يلتزم‬
‫البائع بتمكين المشتري من تذوق الشيء المراد بيعه خالل المدة المتفق عليها أو‬
‫المدة التي يقضي بها العرف ‪ .2‬واذا لم يقم المشتري بالمذاق في الميعاد المحدد‪،‬‬
‫فإن البائع ال ُيجبر على االنتظار‪ ،‬ويكون له أن يعذره مع منحه المهلة الكافية‬
‫للقيام بذلك‪ ،‬واذا استمر موقف المشتري‪ ،‬تحلل البائع من التزامه ‪.3‬‬

‫‪ -5‬الطبيعة القانونية للبيع بشرط المذاق‪ُ :‬يكيف هذا الشرط على أنه وعد‬
‫بالبيع ملزم لجانب واحد أي للمالك ‪ .4‬وفي هذا يختلف هذا البيع عن البيع بشرط‬
‫التجربة الذي يعتبر بيعاً معلقاً على شرط واقف أو فاسخ على حسب األحوال‪.‬‬
‫وعلى ذلك فالبيع في حالة المذاق ال يكون نهائياً إال بعد تذوق المشتري – باعتباره‬
‫موعود له – للشيء وقبوله به ويعتبر المشتري مالكاً لهذا الشيء من وقت القبول‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬


‫‪ - 2‬حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪48‬؛ د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ - 3‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪ - 4‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫‪34‬‬
‫وليس من وقت البيع‪ .‬وذلك بخالف البيع بشرط التجربة‪ ،‬والذي فيه ينعقد البيع منذ‬
‫وقت إبرام العقد متى تحقق الشرط‪.‬‬

‫وهذه المفارقة يترتب عليها أن تبعة هالك المبيع في بيع المذاق قبل قبول‬
‫المشتري تقع على عاتق البائع‪ ،‬بينما تكون على عاتق المشتري في بيع التجربة‬
‫إذا كان البيع معلقاً على شرط فاسخ أو على البائع إذا كانت التجربة معلقة على‬
‫شرط واقف ‪.1‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫ركن المحل في عقد البيع‬

‫محل االلتزام على وجه العموم‪ُ ،‬يقصد به األداء الذي يجب على المدين‬
‫القيام به لصالح الدائن‪ .‬لذلك نجد في عقد البيع أن كل طرف دائن ومدين لآلخر‬
‫في نفس الوقت‪ .‬فمحل التزام البائع هو نقل ملكية الشيء المبيع‪ ،‬ومحل التزام‬
‫المشتري هو الوفاء بثمن هذا الشيء‪ .‬وسنتعرض لهذين االلتزامين على الوجه‬
‫اآلتي‪:‬‬

‫المبحث الول‬

‫محل التزام البائع ( الشيء المبيع )‬

‫ال شك أنه يجب أن يتوافر في الشيء المبيع الشروط العامة الالزمة لصحة‬
‫محل العقد عموماً‪ ،‬والتي تتمثل في أن يكون هذا الشيء موجوداً أو قابالً للوجود‪،‬‬
‫ومعيناً أو قابالً للتعيين‪ ،‬ومشروعاً يصح التعامل فيه غير مخالف للنظام العام أو‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪49 ،48‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪29‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪35‬‬
‫اآلداب العامة‪ .‬وكل هذه الشروط سنحيل في دراستها إلى النظرية العامة للعقد وال‬
‫جدوى من تكرارها في الصدد مرة أخري‪.‬‬

‫غير أن هناك أم اًر يتضمن قد اًر كبي اًر من األهمية بمكان في هذا الشأن‪ ،‬وهو‬
‫وجوب أن يكون البائع مالكاً للشيء الذي يبيعه‪ ،‬وهذا األمر يثير مشكلة هامة‬
‫وخطيرة أال وهي مشكلة بيع ملك الغير‪ ،‬وهذه المشكلة سنتناولها بالتوضيح‬
‫المناسب على الوجه اآلتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف بيع ملك الغير‪:‬‬

‫تنص المادة ( ‪ )111‬مدني‪ ،‬على أنه‪ -1 ":‬إذا باع شخص شيئاً معيناً‬
‫بالذات وهو ال يملكه جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع‪ .‬ويكون األمر كذلك ولو‬
‫‪ -2‬وفي كل حال ال يسري هذا‬ ‫وقع البيع على عقار‪ ،‬سجل العقد أو لم يسجل‪.‬‬
‫البيع في حق المالك للعين المبيعة ولو أجاز المشتري العقد"‪.‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬فبيع ملك الغير ُيقصد به‪ ،‬أن يبيع شخص شيئاً معيناً بالذات ال‬
‫يملكه ‪ ،‬كأن يبيع الزوج ماالً مملوكاً لزوجته‪ ،‬أو يبيع أحد الورثة جميع أعيان‬
‫التركة‪ ،‬أو أن يبيع واضع اليد مال الغير الذي يضع يده عليه قبل أن يكتسب‬
‫ملكيته بالتقادم ودون وجود أي نيابة تخوله ذلك‪ .‬ويعتبر بيعاً لملك الغير‪ ،‬بيع‬
‫عقار مملوكاً للغير‪ ،‬وتسري على هذا البيع أحكام بيع ملك الغير؛ وذلك تأسيساً‬
‫على أن عقد البيع ينقل الملكية بطبيعته حتى مع تراخي هذا االنتقال لحين إتمام‬
‫إجراءات التسجيل ‪.1‬‬

‫وال يعتبر بيعاً لملك الغير‪ ،‬الحالة التي يكون فيها الشيء المبيع غير معين‬
‫بالذات أو شيئاً مستقبالً‪ ،‬وكذلك الوعد بالبيع الصادر من غير المالك‪ ،‬والبائع‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117 ،114‬‬


‫‪36‬‬
‫تحت شرط واقف أو المعلقة ملكيته على شرط فاسخ‪ ،‬وكذلك الحالة التي يتعهد‬
‫فيها شخص بالحصول على رضاء المالك بالبيع إلى الراغب في الشراء‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬شروط توافر حالة بيع ملك الغير‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون التصرف بيعاً‪ ،‬قصد به نقل ملكية المبيع إلى المشتري مقابل‬
‫ثمن نقدي‪ :‬فإذا كان التصرف الذي وقع على ملك الغير تصرفاً غير البيع‬
‫كاإليجار أو الرهن أو المقايضة‪ ،‬فال يعد ذلك بيعاً لملك الغير وال تنبطق أحكام‬
‫هذا األخير ‪.2‬‬

‫‪ -2‬أال يكون المبيع مملوكاً للبائع وال للمشتري‪ :‬حيث إن بيع ملك الغير يقوم‬
‫على أساس تصرف الشخص في شيء ليس له سلطة التصرف فيه نيابة عن‬
‫مالكه‪ .‬فإذا كان المتصرف يمتلك مثل هذه السلطة أو كان حقه معلقاً على شرطاً‬
‫واقفاً أو فاسخاً‪ ،‬لم نكن بصدد حالة بيع ملك الغير‪ ،‬بل أن الحق المتصرف فيه‬
‫ينتقل إلى المتصرف إليه بنفس الوصف أي بنفس الحالة المعلق عليها‪ .‬واذا كان‬
‫المبيع مملوكاً للمشتري‪ ،‬فإنه يستحيل على البائع نقل ملكية المبيع إلى المشتري‬
‫ألنه مملوكاً له من األساس ‪.3‬‬

‫‪ -3‬يجب أن ينصب البيع على شيء معين بالذات‪ :‬يلزم لكي نكون بصدد‬
‫حالة بيع ملك الغير‪ ،‬التي تخول للمشتري حق طلب إبطال العقد‪ ،‬أن يكون المبيع‬
‫شيئاً معيناً بالذات‪ .‬ويقصد باألشياء المعينة بالذات تلك التي ال تتشابه فيما ببينها‬
‫وليس لها نظائر مشابهة لها وال تقوم مقام بعضها عند الوفاء‪ ،‬وتنتقل ملكيتها في‬
‫الحال بمجرد العقد‪.‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 111‬وما بعدها؛ د محمد حسين منصور‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪219‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪212‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪37‬‬
‫أما إذا كان المبيع معيناً بالنوع‪ ،‬فال يقع بيع ملك الغير في هذه الحالة‪ ،‬وال‬
‫يكون قابالً لإلبطال لمصلحة المشتري؛ ألن الملكية في هذه األشياء ال تنتقل‬
‫بمجرد العقد بل البد من إفراز القدر المبيع وتجنيبه عما يختلط به؛ ألنها تتشابه‬
‫فيما بينها وتقوم مقام بعضها عند الوفاء‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬طبيعة بطالن بيع ملك الغير وأساسه‪:‬‬

‫لقد بين المشرع طبيعة بطالن بيع ملك الغير في المادتين ( ‪)117 ، 111‬‬
‫مدني‪ ،‬بأنه بطالناً نسبياً‪ .‬والدليل على ذلك العبارتين الواردتين في المادتين‬
‫المذكورتين‪ ،‬ونصهما‪ ... ":‬جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع ‪ ، "....‬وكذلك "‬
‫‪ ....‬إذا أقر المالك البيع ‪ ."...‬فال يجوز إال للمشتري وحده حق طلب البطالن‪،‬‬
‫كما أن هذا األخير يزول بأجازة المالك الحقيقي‪ ،‬وكل هذه األمور من خصائص‬
‫البطالن النسبي‪.‬‬

‫وعلى الرغم مما تقدم‪ ،‬فقد تعددت اآلراء بشأن أساس بطالن ملك الغير‪.‬‬
‫فالبعض يرى أنه ال يعتبر بطالناً بل فسخاً؛ تأسيساً على عدم قيام البائع بتنفيذ‬
‫التزامه بنقل الملكية‪ .‬والبعض اآلخر‪ ،‬أسسه على البطالن المطلق نتيجة لتخلف‬
‫ركني السبب والمحل‪.‬وهناك من يؤسس هذا البطالن على الغلط الذي يقع فيه‬
‫المشتري‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬أسسه جانب من الفقه الفرنسي على أنه بمثابة دعوى ضمان‬
‫االستحقاق والتي يبادر المشتري برفعها قبل أن تُرفع عليه من المالك الحقيقي ‪.1‬‬

‫ونرى من وجهة نظرنا ‪ -‬رغم الخالف السابق – أن البطالن محل البحث‪،‬‬


‫ال يعتبر بطالناً مطلقاً؛ ألن المشرع بصريح النص القانوني أجاز أجازته‪ ،‬كما أن‬
‫حاالت البطالن المطلق تتمثل في تخلف ركن من أركان العقد أو انعدام أهلية‬
‫الطرفين أو أحدهما‪ ،‬وليس من بين هذه الحاالت بيع ملك الغير‪ .‬كما ال يمكن‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 227‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪38‬‬
‫التسليم باعتباره بطالناً نسبياً؛ ألن حاالت هذا األخير تتمثل في نقص أهلية‬
‫المتعاقدين أو أحدهما أو إذا تعيبت إرادة أحد األطراف بأحد عيوب اإلرادة‪ ،‬وال‬
‫يوجد ضمن هذه الحاالت أيضاً بيع ملك الغير‪ .‬لذلك فالطبيعة القانونية األقرب‬
‫للصواب‪ ،‬أن بطالن بيع ملك الغير‪ ،‬بطالن من نوعاً خاصاً أنشأه المشرع بنص‬
‫صريح لعلة معقولة‪ ،‬أال وهى منع البيوع التي ترد على ملك الغير‪ ،‬والتأكيد على‬
‫وجوب ملكية البائع للشيء المبيع‪.‬‬

‫وبعيداً عن الخالف الفقهي السابق‪ ،‬وابدائنا لوجهة نظرنا‪ ،‬إال أن طبيعة‬


‫بطالن بيع ملك الغير‪ ،‬تتمثل في البطالن النسبي ألن صريح النص وظاهره‬
‫يقودان إلى هذه النتيجة‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬أحكام بيع ملك الغير‪:‬‬


‫رً‬

‫تتمركز أحكام بيع ملك الغير في محورين‪ :‬أولهما‪ ،‬آثار هذا البيع في العالقة‬
‫بين كل من البائع والمشتري‪ .‬وثانيهما‪ ،‬آثار البيع في مواجهة المالك الحقيقي‪.‬‬
‫وذلك على التوضيح اآلتي‪:‬‬

‫* المحور الول‪ :‬آثار بيع ملك الغير في العالقة بين البائع والمشتري‪:‬‬

‫الفرض هنا أن البائع يبيع شيئاً غير مملوك له‪ ،‬وهذا أمر أقر المشرع قابليته‬
‫للبطالن لمصلحة المشتري‪ ،‬وال شك أن هذا الحكم يهتم بمصلحة المشتري‬
‫ولضمان التأكد من ملكية البائع للمبيع‪ .‬ويتضح اهتمام المشرع بمصلحة المشتري‬
‫في حالة بيع ملك الغير‪ ،‬في األمور اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬حق المشتري في طلب إبطال البيع‪ :‬سبق الذكر أن المشرع جعل بيع‬
‫ملك الغير قابالً لإلبطال لمصلحة المشتري‪ ،‬الذي يجوز له اللجوء إلى القضاء‬
‫طالباً الحكم له بإبطال البيع عن طريق دعوى اإلبطال‪ .‬ويمكنه أيضاً التمسك‬

‫‪39‬‬
‫باإلبطال في صورة دفع في دعوى مرفوعة عليه من البائع غير المالك حال‬
‫مطالبته بالثمن ‪.1‬‬

‫ويحق للمشتري طلب البطالن بصرف النظر عن حسن أو سوء نية البائع‪،‬‬
‫أي أنه يستوي أن يكون البائع حسن النية يعتقد ملكيته للمبيع وقت البيع‪ ،‬أو سيء‬
‫النية بأن باع الشيء رغم علمه بأنه مملوك للغير‪ .‬وكذلك ال يشترط أن يكون‬
‫المشتري حسن النية‪ ،‬بل يحق له طلب اإلبطال حتى ولو كان سيء النية أي يعلم‬
‫وقت البيع أن البائع ليس مالكاً للشيء المبيع‪ .‬ويقع بيع ملك الغير قابالً لإلبطال‬
‫لمصلحة المشتري‪ ،‬سواء كان محل البيع منقول أو عقار‪ ،‬سجل العقد أم لم يسجل؛‬
‫ألن التسجيل ال يصحح عقداً باطالً أو قابالً للبطالن ‪.2‬‬

‫وجدير بالذكر‪ ،‬أن مكنة طلب اإلبطال تقررت للمشتري وحده دون البائع‪،‬‬
‫بمعنى أنه ال يجوز للبائع طلب إبطال البيع على أساس أنه باع ملك غيره‪ .‬غير‬
‫أنه يجوز له طلب اإلبطال على أساس وقوعه في غلط جوهري‪ ،‬وذلك بالضوابط‬
‫الواردة بالمادة (‪ )125‬والخاصة بعيب الغلط ‪.3‬‬

‫‪ -5‬حق المشتري في طلب فسخ البيع‪ :‬حيث يجوز للمشتري قبل طلب‬
‫إبطال البيع‪ ،‬أن يطالب البائع بتنفيذ التزاماته التي يلقاها على عاتقه عقد البيع‪،‬‬
‫كنقل ملكية المبيع وتسليمه وضمان التعرض‪ ،‬فإذا أخل البائع بأي من التزاماته‪،‬‬
‫كان للمشتري حق طلب فسخ العقد ‪.4‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق عبد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪152‬؛ د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪221‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪222‬؛ د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.221‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.127 ،124‬‬
‫‪ - 4‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪40‬‬
‫‪ -3‬حق المشتري في الــمطــالبة بالتــعويض‪ :‬وف ـق ـاً لما نـصت ع ـليه ال ـمادة‬
‫( ‪ )114‬مدني‪ ،‬فإنه يجوز للمشتري أن يطالب البائع بالتعويض إذا ما أُبطل‬
‫البيع‪ ،‬وذلك عن األضرار التي لحقته والمكاسب التي فاتته بسبب هذا اإلبطال‪.‬‬
‫غير أنه يشترط لصحة هذه المطالبة‪ ،‬أن يكون المشتري حسن النية‪ ،‬أي ال يعلم‬
‫بأن البائع يبيع ملك غيره‪ ،‬أما إذا كان سيء النية ويعلم ذلك‪ ،‬فيقتصر حقه على‬
‫المطالبة بالثمن دون التعويض‪ .‬وال يتأثر حق المشتري في بالمطالبة بالتعويض‪،‬‬
‫بحسن أو سوء نية البائع ‪.1‬‬

‫* الحاالت التي يسقط فيها حق المشتري في طلب اإلبطال‪ :‬يسقط هذا الحق في‬
‫الحاالت اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬الجازة‪ :‬حيث يسقط حق المشتري في المطالبة باإلبطال باألجازة‪ ،‬وال‬


‫تنتج هذه األخيرة أثرها إال إذا كانت صادرة من المشتري بعد علمه بسبب القابلية‬
‫للبطالن‪ .‬واألجازة قد تكون صريحة أو ضمنية‪ ،‬ومثال هذه األخيرة أن يقرر‬
‫المشتري حقوقاً للغير على المبيع بعد علمه بعدم ملكية من باعه له ‪.2‬‬

‫وال ترتب هذه األجازة أي أثر بالنسبة للمالك الحقيقي‪ ،‬بمعنى أن البيع ال‬
‫يسري في حقه بمقتضى هذه األجازة‪ .‬ولألجازة أثر رجعي‪ ،‬بمعنى أن أثرها فيما‬
‫بين المتعاقدين يستند إلى التاريخ الذي تم فيه العقد‪ ،‬فيعتبر صحيحاً منذ إبرامه‪.‬‬

‫‪ -5‬إقرار المالك الحقيقي للمبيع عقد البيع‪ :‬إذا أقر المالك الحقيقي للمبيع‬
‫عقد البيع الذي أبرمه البائع غير المالك مع المشتري‪ ،‬ترتب على ذلك سريان البيع‬

‫‪ -1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪142 ،141‬؛ د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪222‬؛ د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪41‬‬
‫في حقه‪ .‬وال يشترط أن يكون اإلقرار صريحاً‪ ،‬بل يجوز أن ضمنياً‪ ،‬كما لو وقع‬
‫المالك الحقيقي على البيع الصادر من غير المالك باعتباره ضامناً للبائع‪.1‬‬

‫ويجب مالحظة أن أثر إقرار المالك الحقيقي أوسع نطاقاً من أثر أجازة‬
‫المشتري‪ ،‬بمعنى أن األجازة ال يترتب عليها سوى سقوط حق المشتري في طلب‬
‫اإلبطال‪ ،‬ويظل العقد مع ذلك غير نافذ في مواجهة المالك الحقيقي‪ .‬أما اإلقرار‪،‬‬
‫فيترتب عليه األثرين معاً‪ ،‬فيسقط حق المشتري في المطالبة باإلبطال‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى نفاذ العقد في مواجهة المالك الحقيقي ‪.2‬‬

‫‪ -3‬التقادم‪ :‬يسقط حق المشتري في طلب إبطال البيع بمضي ثالث سنوات‬


‫من تاريخ علمه بعدم ملكية البائع للمبيع أو بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ‬
‫إبرام العقد‪ ،‬وذلك عمالً بقواعد تقادم المطالبة بالبطالن النسبي‪ .‬غير أن هذا‬
‫السقوط ال يؤثر على أحقية المالك الحقيقي للمبيع في استرداد هذا األخير من‬
‫تحت يد المشتري ‪.3‬‬

‫‪ -8‬أيلولة ملكية المبيع إلى البائع ‪ :‬وذلك في الحالة التي يتملك فيها البائع‬
‫الشيء المبيع بأي سبب من أسباب كسب الملكية‪ ،‬كأن يكون قد اشتراه من مالكه‬
‫أو تلقى ملكيته بالميراث أو الوصية ‪.4‬‬

‫بإقرار المالك‬ ‫ويشترط لكي يسقط حق المشتري في المطالبة بالبطالن‬


‫الحقيقي أو بتملك البائع للمبيع بعد العقد‪ ،‬أال يكون المشتري قد بادر برفع دعوى‬
‫اإلبطال قبل تحقق أي من هذين األمرين‪ .‬أما إذا كان المشتري قد رفع الدعوى‪،‬‬
‫ثم أقر المالك الحقيقي البيع أو تملك البائع الشيء المبيع بعد العقد‪ ،‬فال يترتب‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121 ،122‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ - 4‬د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪42‬‬
‫على ذلك حرمان المشتري من حقه في الحصول على حكم بالبطالن‪ ،‬وعلى‬
‫القاضي أن يحكم له بذلك إذا توافرت شروط الحكم البطالن ‪.1‬‬

‫‪ -2‬كسب المشتري ملكية المبيع بطريق الحيازة‪ :‬يسقط حق المشتري في‬


‫المطالبة بالبطالن‪ ،‬إذا كان المبيع منقوالً وتوافرت فيه شروط قاعدة الحيازة في‬
‫المنقول سند الملكية‪ .‬أو كان عقا اًر‪ ،‬واكتسب ملكيته بالتقادم المكسب قصير المدة‬
‫بعد مضي خمس سنوات من بدء الحيازة‪ ،‬وبشرط أن يكون العقد مسجالً‪ .‬وهنا‬
‫يرجع المالك الحقيقي على البائع بالتعويض‪ .‬وتأسيس ذلك أن الحيازة في هذه‬
‫الحالة تستند إلى العقد أو تقوم مقامه في إحداث األثر الذي تخلف عنه وهو نقل‬
‫الملكية إلى المشتري ‪.2‬‬

‫* المحور الثاني‪ :‬آثار بيع ملك الغير بالنسبة للمالك الحقيقي‪:‬‬

‫يقتضي بيان أثر بيع ملك الغير في مواجهة المالك الحقيقي للمبيع‪ ،‬التفرقة‬
‫بين حالة عدم إقرار هذا المالك للبيع‪ ،‬وبين حالة توافر هذا اإلقرار‪ ،‬كالتالي‪:‬‬

‫‪ -1‬بالنسبة لحالة عدم إقرار المالك الحقيقي للبيع‪ :‬وهنا يعد هذا المالك‬
‫من الغير بالنسبة للبيع وأجنبياً عنه‪ ،‬أي أنه ال يسري في حقه ولو أجازه المشتري‪.‬‬
‫ويستطيع المالك أن يرجع على المشتري بدعوى االستحقاق والتي يسترد بمقتضاها‬
‫المبيع من تحت يد هذا المشتري‪ .‬وأن لم يستطع أن يسترده ألي سبب من‬
‫األسباب‪ ،‬فله الحق في الرجوع على البائع بالتعويض ‪.3‬‬

‫‪ -5‬بالنسبة للحالة التي يقر فيها المالك الحقيقي البيع‪ :‬وهنا يسري أثر‬
‫ويحتج عليه بهذا البيع‪ ،‬ويسري البيع‬
‫البيع في مواجهة المالك الحقيقي بإق ارره له‪ُ ،‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.222 ،221‬‬
‫‪ - 3‬د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪43‬‬
‫في حق المالك من وقت اإلقرار‪ ،‬أي بدون أثر رجعي‪ ،‬وتنتقل الملكية إلى المشتري‬
‫بهذا اإلقرار‪ .‬فإذا كان محل البيع عقا اًر‪ ،‬فإن الملكية تنتقل إلى المشتري بتسجيل‬
‫اإلقرار‪ .‬وسبق الذكر أن اإلقرار قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً‪.‬‬

‫ومع هذا اإلقرار‪ ،‬يظل العقد مرتباً اللتزاماته بين البائع والمشتري‪ ،‬أي أنه ال‬
‫يترتب على اإلقرار حلول المالك الحقيقي محل البائع فيما كان يلتزم به هذا األخير‬
‫في مواجهة المشتري‪ .‬وباألحرى ال تنشأ عالقة مباشرة بين المالك المقر والمشتري‪،‬‬
‫كل ما في األمر أن العقد يسري أثره أو ُيحتج به على المالك الحقيقي فقط دون أن‬
‫يكون بمقتضاه دائناً أو مديناً‪ .‬كل ذلك ما لم يوجد اتفاق صريح على حلول المالك‬
‫محل البائع ‪.1‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫محل التزام المشتري ( الثمن )‬

‫الثمن هو عبارة عن مبلغ من النقود يلتزم المشتري بدفعه إلى البائع في‬
‫مقابل التزام البائع بنقل ملكية المبيع إليه‪ .‬وهو ركن في عقد البيع ال ينعقد العقد‬
‫بدونه ‪ .2‬والبد من توافر ثالثة شروط في الثمن وهي‪ :‬أن يكون نقدياً‪ ،‬وأن يكون‬
‫مقد اًر أو قابالً للتقدير‪ ،‬وأن يكون جدياً‪ .‬وسنتناول هذه الشروط في المطالب الثالثة‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪212 ،217‬؛ د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.227 ،224‬‬
‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.129 ،128‬‬
‫‪44‬‬
‫المطلب الول‬

‫وجوب نقدية الثمن‬

‫نصت على نقدية الثمن‪ ،‬المادة ( ‪ )114‬من القانون المدني عند تعريفها‬
‫لعقد البيع‪ .‬ويجوز أن يكون الثمن مقدا اًر من النقد األجنبي‪ .‬أما إذا كان الثمن‬
‫مقابل آخر غير النقود‪ ،‬فال يعتبر العقد هنا بيعاً بل مقايضة‪ ،‬كأن يتفق شخص‬
‫مع آخر أن ينقل له ملكية دار معينة‪ ،‬على أن يعطيه الثمن خمسة أفدنة‪ .‬وال‬
‫يعتبر ثمناً كذلك المقابل الذي يكون شيئاً مثلياً له سعر معروف في البورصة أو‬
‫األسواق كالحبوب واألسهم والسندات وكذلك سبائك الذهب واألوراق المالية واإليراد‬
‫المرتب ‪.1‬‬

‫وال يغير من نقدية الثمن‪ ،‬الحالة التي ُيذكرفيها الثمن النقدي في عقد البيع‪،‬‬
‫ويتفق األطراف على أن يتم الوفاء بهذا الثمن بإعطاء البائع ما يقابله من سلعة‬
‫معينة؛ وذلك ألن الوفاء بمقابل ال يتعلق بطبيعة االلتزام ذاته ولكن بطريقة تنفيذ‬
‫هذا االلتزام ‪ .2‬وال يشترط أن يكون الثمن النقدي معجالً أو مؤجالً‪ ،‬أو أن ُيدفع‬
‫دفعة واحدة أو على صورة أقساط ‪ ،‬أو أن يدفعه المشتري نفسه أو غيره لحسابه ‪.3‬‬

‫وأحياناً يتم االتفاق على أن يكون مقابل البيع‪ ،‬مبلغاً من النقود وماالً آخر‬
‫غير النقود‪ .‬والفيصل هنا هو مقارنة نسبة النقود بقيمة الشيء اآلخر‪ ،‬فإذا زادت‬
‫قيمة الشيء عن مقدار النقود‪ ،‬كان العقد مقايضةً‪ ،‬وان كان العكس فالعقد بيعاً ‪.4‬‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪111‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.72‬‬
‫‪ - 2‬د محمد حمدي عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ - 3‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪112‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.219‬‬
‫‪ - 4‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111 ،111‬‬
‫‪45‬‬
‫المطلب الثاني‬

‫وجوب تقدير الثمن أو قابليته للتقدير‬

‫يلزم أن يكون ثمن المبيع مقد اًر في عقد البيع أو قابالً للتقدير‪ ،‬وذلك عمالً‬
‫بالقواعد العامة التي تحكم محل العقد والذي يجب أن يكون معيناً أو قابالً للتعيين‪.‬‬
‫بناء على‬
‫ويتم هذا التعيين بواسطة المتعاقدين في المقام األول‪ ،‬واال فإنه ُيعين ً‬
‫مجموعة من األسس األخرى غير اتفاق المتعاقدين‪ .‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تعيين الثمن بواسطة المتعاقدين‪:‬‬

‫األصل أن البائع والمشتري باعتبارهما طرفي عقد البيع‪ ،‬هما اللذان يقدران‬
‫ثمن الشيء المبيع معاً بمطلق حريتهما‪ ،‬وال يحق لطرف أن يستقل بهذا التقدير‬
‫دون الطرف اآلخر‪ ،‬منعاً لتعارض المصالح؛ إذ لو انفرد البائع بتقديره لغالى فيه‬
‫وغبن المشتري‪ ،‬واذا انفرد المشتري بهذا التقدير لربما يبخس حق البائع في المبيع‪.‬‬
‫ُ‬

‫وتقير الثمن غالباً ما يتم صراحة في عقد البيع‪ .‬وأحياناً ُيقدر بصورة ضمنية‪،‬‬
‫كما لو استلم المشتري فاتورة البضاعة المبيعة مكتوباً عليها ثمنها ولم يعترض على‬
‫هذا الثمن ‪ .1‬أما إذا لم يتفق الطرفان على تقدير الثمن صراحة أو ضمناً ولم يبينا‬
‫أسس تقديره‪ ،‬كان البيع باطالً بطالناً مطلقاً؛ ألن الثمن كما ذكرنا ركن في عقد‬
‫البيع ‪.2‬‬

‫وعلى الرغم من حرية المتعاقدين في تقدير الثمن‪ ،‬إال أن هذه الحرية مقيدة‬
‫بعدة ضوابط ‪ ،‬تتمثل في وجوب أال يكون تقدير الثمن متوقفاً على محض إرادة‬
‫طرف دون آخر؛ ألن ذلك يترتب عليه في أغلب األحيان إما غبن المشتري أو‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪46‬‬
‫بخس المبيع‪ .‬ويلزم كذلك أال تكون األسس التي اُتفق عليها لتقدير الثمن‪ ،‬مفضية‬
‫إلى النزاع أو الغش‪ ،‬كحالة االتفاق على تقدير الثمن على أساس الثمن العادل‪.‬‬
‫وأخي اًر‪ ،‬يجب أال يعرض غير المشتري أساس تقدير الثمن؛ منعاً لحدوث الغش‪،‬‬
‫فكثي اًر ما نجد بعض األشخاص الذين يدسهم المشتري من أجل تقديم ثمن يقل أو‬
‫يزيد على الثمن الذي يقدمه المشتري ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬أسس تقدير ثمن المبيع‪:‬‬

‫يحدث أحياناً أال يحدد المتعاقدين الثمن النقدي في عقد البيع‪ ،‬ويكون العقد‬
‫خالياً من أي تحديد ‪ ،‬لذلك وضع المشرع مجموعة من األسس يمكن االستعانة بها‬
‫لتحديد هذا الثمن‪ ،‬والتي تتمثل في سعر السوق‪ ،‬والسعر المتداول في التجارة أو‬
‫العرف‪ ،‬والسعر الذي اشترى به البائع‪ ،‬وكذلك يمكن تحديده بواسطة أجنبي‪ ،‬وذلك‬
‫وفقاً لما جاء بالمادتين ( ‪ )121 ، 123‬مدني‪ .‬وسنتناول هذه األسس تباعاً على‬
‫البيان التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬تقدير الثمن على أساس سعر السوق‪ :‬نصت المادة (‪ )2/ 123‬مدني‪،‬‬
‫على هذا األساس من أسس تقدير الثمن‪ .‬وهنا يلتزم المتعاقدان معاً من حيث‬
‫المبدأ بتحديد السوق الذي سيتحدد الثمن على أساس السعر السائد فيه والوقت‬
‫الذي سيتم فيه التحديد‪ .‬واذا اُتفق على االعتماد على سعر السوق دون تحديد أي‬
‫فيؤخذ بسعر السوق في المكان والزمان الذين يجب فيهما تسليم المبيع إلى‬
‫سوق‪ُ ،‬‬
‫المشتري‪ .‬واذا كان هذا المكان ال يوجد فيه سوق‪ ،‬فيجب الرجوع إلى سعر السوق‬
‫في المكان الذي يقضي العرف بسريان أسعاره ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬


‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪114 ،115‬؛ د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪119‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪214‬؛ د رمضان أبو السعود‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪214‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪47‬‬
‫‪ -5‬تقدير الثمن على أساس السعر المتداول في التجارة أو الذي جرى‬
‫عليه التعامل بين المتبايعين‪ :‬جاء النص على هذا األساس في المادة (‪)121‬‬
‫مدني‪ ،‬وبمقتضاها يتحدد الثمن إما بالرجوع إلى السعر المتداول في التجارة‪،‬‬
‫ويقصد به سعر السلعة بين التجار‪ ،‬ويجب الرجوع إليه إذا تبين أن المتعاقدين قد‬‫ُ‬
‫قصدا ذلك‪ .‬واما بالرجوع إلى التعامل السابق بين المتعاقدين‪ ،‬فاالستمرار في هذا‬
‫التعامل دون تحديد ثمن المبيع أو بيان أسسه‪ ،‬يعني أنهما يرتضون البيع بالسعر‬
‫الذي جرى عليه تعاملهما السابق ‪.1‬‬

‫‪ -3‬تقدير الثمن على أساس الثمن الذي اشترى به البائع‪ :‬وفي هذه الحالة‬
‫يتفق المشتري مع البائع على أن يدفع له نفس الثمن الذي اشترى به البائع المبيع‬
‫أو ثمناً يزيد قليالً عن هذا الثمن أو يقل عنه‪ ،‬بحسب اتفاق الطرفين‪ .‬ويجب أن‬
‫يكون البائع أميناً فيما يدلي به من معلومات سواء بالنسبة للثمن ذاته أو بالنسبة‬
‫لمالبسات الشراء كتأجيل الثمن أو تقسيطه ‪.2‬‬

‫‪ -8‬تفويض الغير في تقدير الثمن‪ :‬وفي هذه الحالة ال يقوم المتعاقدان‬


‫بنفسهما بتحديد الثمن‪ ،‬بل يعهدوا بهذه المهمة لشخص أجنبي يسمى المفوض‪،‬‬
‫وغالباً ما يكون ذلك في حالة البيوع التي تحتاج نوعاً من الخبرة والتي ال تتوافر‬
‫لدى المتعاقدين‪ .‬وقد يعين المتاقدان هذا المفوض في عقد البيع ذاته‪ ،‬وقد يرجئان‬
‫االتفاق عليه إلى وقت الحق ‪.3‬‬

‫وعقد البيع الذي ُيترك فيه تقدير الثمن لشخص المفوض أو األجنبي‪ ،‬يعتبر‬
‫عقداً معلقاً على شرط واقف وهو قيام هذا المفوض بتقدير الثمن‪ .‬واذا قام المفوض‬
‫بمهمته وقدر الثمن‪ ،‬فيعني ذلك تحقق الشرط بأثر رجعي‪ ،‬أي يعتبر البيع قد تم‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪21‬؛ د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.217‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪48‬‬
‫بين المتعاقدين من تاريخ إبرام العقد بينهما وليس من وقت تقدير الثمن بواسطة‬
‫المفوض‪ .‬واذا تخلف الشرط ألي سبب من األسباب‪ ،‬كأن يموت المفوض قبل‬
‫التقدير‪ ،‬اُعتبر البيع كأن لم يكن ‪.1‬‬

‫ويلتزم البائع والمشتري بالثمن الذي يحدده المفوض وليس لهما أن يتضر ار‬
‫من تحديده‪ .‬غير أنه قد يحدث ضرر بسبب هذا التقدير ألحد األطراف في حالة‬
‫ما إذا تواطأ المتعاقد اآلخر مع المفوض في تحديد الثمن‪ .‬أو إذا ارتكب المفوض‬
‫خطأً جسيماً‪ ،‬كأن يكون الثمن الذي قرره ال يتناسب مطلقاً مع قيمة المبيع‪ .‬وأخي اًر‪،‬‬
‫إذا تجاوز المفوض حدود مهمته كأن يضع المفوض في اعتباره ما قد يط أر على‬
‫قيمة الحاصالت الزراعية من ارتفاع في الفرض الذي تكون فيه مهمته هي تحديد‬
‫قيمة هذه الحاصالت قبل جنيها فقط ‪.2‬‬

‫واذا لم يقم المفوض بتقدير الثمن‪ ،‬فال يجوز اجباره على ذلك بواسطة‬
‫القضاء‪ ،‬كما ال يملك القاضي أن يعين شخصاً بدالً منه لتقدير الثمن‪ ،‬وال أن يقوم‬
‫هو بتقديره سواء بنفسه أو عن طريق خبير يندبه لذلك؛ وذلك ألن القاضي ال‬
‫يستطيع أن يكمل عقد لم يستوف أحد عناصره الجوهرية‪ .‬وهنا يجب على‬
‫المتعاقدان أن يقد ار الثمن بنفسهما أو يعهدا بهذا األمر لمفوض آخر ‪.3‬‬

‫وبالنسبة لطبيعة عمل المفوض‪ ،‬فقد اختلف الفقه بشأنها‪ .‬فالبعض يرى أن‬
‫المفوض ما هو إال محكماً بين الطرفين في مسألة تقدير الثمن‪ .‬والبعض اآلخر‬
‫يعتبرونه خبي اًر يستعين به المتعاقدان لتقدير الثمن‪ .‬ويذهب الجانب الثالث من الفقه‬
‫إلى اعتبار العقد الذي بمقتضاه يتعهد المفوض بتقدير الثمن‪ ،‬عقداً غير مسمى إذا‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪118‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪21‬؛ د محمد على عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.218 ،212‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.212 ،217‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪49‬‬
‫كان المفوض ال يتقاضى مقابالً لما يقوم به‪ ،‬وعقد مقاولة إذا كان يتقاضي عوضاً‪.‬‬
‫غير أن الرأي الراحج يرى أن المفوض ما هو إال وكيالً عن طرفي البيع ‪.1‬‬

‫المطلب الثالث‬

‫وجوب جدية الثمن‬

‫يقصد بالثمن الجدي‪ ،‬ذلك الذي تكون إرادة الطرفين قد اتجهت إلى الزام‬
‫المشتري بدفعه بصورة فعلية‪ ،‬باعتباره مقابالً حقيقياً للمبيع وليس بصورة رمزية‪.2‬‬
‫ويتميز الثمن الجدي عن غيره من األثمان األخرى‪ ،‬كالثمن الصوري‪ ،‬والثمن‬
‫التافه‪ ،‬والثمن البخس‪ .‬ونتعرض لتعريف كل ثمن من هذه األثمان على الوجه‬
‫اآلتي ‪:3‬‬

‫‪ -1‬الثمن الصوري‪ :‬هو ثمن ُيذكر في العقد ولكن ال وجود له في الواقع‪.‬‬


‫أي أنه ثمن ُيتخذ ذريعة الخفاء عقد آخر‪ .‬كأن يكون الظاهر أنه عقد بيع ولكنه‬
‫في حقيقته عقد هبة‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فالثمن الصوري‪ ،‬ال يقصد البائع اقتضاءه وال‬
‫ينوي المشتري الوفاء به‪ ،‬غير أن ذكره في العقد يكون الخفاء العقد الحقيقي الذي‬
‫اتجهت إراداتهما إلبرامه وهو عقد الهبة‪.‬‬

‫والهبة التي يخفيها عقد البيع ذو الثمن الصوري‪ ،‬قد تكون هبة مكشوفة‪ ،‬أي‬
‫أن البائع يذكر في عقد البيع أنه وهب هذا الثمن للمشتري أو أبرأه منه‪ ،‬ويجب أن‬
‫تُعقد هذه الهبة في ورقة رسمية‪ .‬وأحياناً تكون هبة مستترة‪ ،‬وفيها يتتنازل البائع‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 112‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪534‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 112‬وما بعدها؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 25‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫للمشتري عن الثمن أو يهبه له أو يبرأه منه في اتفاق آخر الحق بينهما وليس في‬
‫عقد البيع ذاته‪ ،‬وهذه الهبة ال يشترط إلبرامها أي شكل رسمي‪.‬‬

‫‪ -5‬الثمن التافه‪ :‬وهو الثمن الذي ال يقوم دليل على أن المتعاقدين قصدا‬
‫أال يلتزم المشتري بدفعه‪ ،‬ولكنه يكون قليالً إلى الحد الذي ال يكون فيه أي تناسب‬
‫بين هذا الثمن وقيمة المبيع الحقيقية ‪.1‬‬

‫وحكم البيع بالثمن التافه كحكم البيع بالثمن الصوري‪ ،‬وهو أن عقد البيع ال‬
‫يصح بأي منهما؛ ألن الثمن هنا في حكم المنعدم وال يكون في حقيقته إال هبة‬
‫مكشوفة أو مستترة وليس بيعاً على االطالق‪.‬‬

‫‪ -3‬الثمن البخس‪ :‬وهو الثمن الذي يقل كثي اًر عن قيمة المبيع‪ ،‬ولكنه ال‬
‫ينزل إلى مرتبة الثمن التافه الذي ال ينعقد به العقد‪ .‬أي أنه يعتبر ثمناً جدياً‪ ،‬ينعقد‬
‫به عقد البيع رغم التفاوت بينه وبين قيمة المبيع الحقيقية‪.‬‬

‫والثمن البخس ينطوي في حقيقته على غبن‪ ،‬غير أنه ال يمكن مع هذا الغبن‬
‫طلب إبطال عقد البيع؛ وذلك ألن المشرع المصري لم يضع نظرية عامة مستقلة‬
‫للغبن على عكس المشرع الفرنسي‪ ،‬ولكنه – أي المشرع المصري – اشترط‬
‫للتمسك بعيب الغبن أن يكون هناك استغالالً للطرف المغبون‪ ،‬والذي يتمثل إما في‬
‫الطيش في البين أو الهوى الجامح‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فقد خرج المشرع المصري على الحكم المتقدم‪ ،‬خروجاً‬
‫صريحاً‪ ،‬عندما أجاز للبائع ناقص األهلية أن يطالب بتكملة الثمن‪ ،‬إذا كان في‬
‫البيع غبن يزيد على الخمس‪ ،‬ولم يعلق المشرع المطالبة هنا على توافر استغالل‬
‫للبائع من عدمه‪ .‬وسنتعرض لدراسة هذه الحالة بالتوضيح اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪151‬؛ د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪51‬‬
‫* الغبن في بيع عقار مملوك لغير كامل الهلية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬المقصود بالغبن في بيع العقارالمملوك لغير كامل الهلية‪:‬‬

‫ُيقصد بالغبن في البيع‪ ،‬عدم التعادل بين قيمة المال الذي يلتزم البائع بنقل‬
‫ملكيته إلى المشتري والثمن الذي يلتزم المشتري بدفعه في مقابل ذلك ‪.1‬‬

‫ولقد جاء النص على أحكام هذه الحالة القانونية في المواد من ( ‪– 120‬‬
‫‪ )127‬من القانون المدني‪ .‬وتوجد هذه الحالة في الفرض الذي يبيع فيه شخص‬
‫غير مكتملة أهليته‪ ،‬عقا اًر مملوكاً له وكان في البيع غبن يزيد على خمس قيمة‬
‫المبيع‪ ،‬األمر الذي يترتب عليه حق البائع في رفع دعوى يطلب فيها تكملة الثمن‬
‫إلى أربعة أخماس ثمن المثل‪ ،‬وتسمى هذه الدعوى بدعوى الغبن الفاحش‪.‬‬

‫وتُرفع دعوى الغبن الفاحش بصورة مستقلة‪ ،‬أي ال يشترط أن يكون هذا الغبن‬
‫مصحوباً باستغالل سواء في صورة هوى جامح أو طيش بين‪ .‬وهذه هي الصورة‬
‫الوحيدة التي أجاز فيها المشرع المصري رفع دعوى بسبب الغبن بصورة مستقلة‬
‫عن وجود استغالل للطرف المعبون‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬شروط رفع دعوى الغبن الفاحش‪ :‬تتثمثل هذه الشروط في اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون المبيع عقا ارً‪ :‬ويستوي في هذا الشأن‪ ،‬حق الملكية العقارية‬
‫ذاته أو أي حق عيني آخر يرد على هذا العقار‪ .‬أما إذا كان المبيع منقوالً‪ ،‬فال‬
‫يجوز الطعن هنا بدعوى الغبن الفاحش‪ ،‬ولكن يجوز الطعن طبقاً لنظرية‬
‫االستغالل‪ ،‬وال يختلف الحكم بحسب نوع المنقول‪ ،‬بل يسري على المنقوالت‬
‫بطبيعتها أو بحسب مآلها ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪52‬‬
‫وترجع التفرقة السابقة للتقاليد القديمة التي ُنقلت عن الرومان‪ ،‬والتي كانت‬
‫تنظر إلى العقارات بأنها ذات قيمة عالية على عكس المنقوالت‪ .‬غير أن هذه‬
‫التفرقة ال تتفق مع الواقع المعاصر‪ ،‬الذي احتلت فيه بعض المنقوالت ثروات طائلة‬
‫فاقت في قيمتها قيمة العقارات ‪.1‬‬

‫واذا كان المبيع يتضمن في نفس الوقت عقا اًر ومنقوالً‪ ،‬كمنزل ومفروشاته وتم‬
‫البيع صفقة واحدة بثمن واحد‪ .‬فإذا كان البيع يقبل التجزئة‪ ،‬قُسم الثمن على العقار‬
‫ويطعن بدعوى الغبن الفاحش في بيع العقار دون المنقول‪ .‬وان تعذر‬ ‫والمنقول‪ُ ،‬‬
‫إعمال التجزئة‪ ،‬جاز الطعن في البيع كله بالغبن‪ ،‬بشرط أال يدخل في حساب هذا‬
‫الغبن إال قيمة العقار وحده بما يمثله من نصيب في الثمن ‪.2‬‬

‫وبالنسبة للبيوع االحتمالية أو بيوع الغرر‪ ،‬فإنه ال يمكن الطعن عليها بدعوى‬
‫الغبن الفاحش؛ ويرجع ذلك لموضوعها الذي يحتمل المكسب والخسارة‪ ،‬كالبيع‬
‫الذي يتم مقابل إيراد مرتب لمدى حياة البائع‪ ،‬وبيع الحق في التركة في حالة عدم‬
‫معرفة نسبة ديون هذه التركة مقارنة بحقوقها‪ ،‬كل ذلك ما لم يكن العقد احتمالياً في‬
‫الظاهر فقط ‪ ،‬أي كان المشتري متأكداً من أنه سوف يكسب ما يزيد على خمس‬
‫قيمة العقار ‪.3‬‬

‫‪ -5‬أن يكون العقار المبيع مملوكاً لشخص ال تتوافر فيه الهلية‪ :‬يستوي‬
‫في ذلك عديم األهلية وناقصها‪ .‬والعبرة في ذلك بشخص صاحب العقار وليس‬
‫بمن يباشر البيع نيابة عنه‪ .‬فإذا كان من باشر عملية البيع هو غير مكتمل األهلية‬
‫بنفسه‪ ،‬فيحق له في هذه الحالة االختيار بين دعوى الغبن الفاحش وبين دعوى‬
‫بطالن العقد أو إبطاله بحسب ما إذا كان عديم األهلية أو ناقصها ‪ .4‬أما إذا كان‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.271‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ - 3‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ - 4‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪53‬‬
‫من قام بعملية البيع‪ ،‬الولي أو الوصي نيابة عن عديم األهلية أو ناقصها‪ ،‬فهنا ال‬
‫يكون أمام ناقص األهلية أو فاقدها إال أن يرفع دعوى الغبن الفاحش دون غيرها‪.‬‬

‫ويجب مالحظة أن الطعن في البيع للغبن الفاحش ال يكون إال في الفرض‬


‫الذي يبيع فيه غير مكتمل األهلية عقا اًر يملكه‪ ،‬دون أن يمتد نطاق رفع الدعوى‬
‫عقار لحسابه‪ .‬حيث يجوز له في‬
‫اً‬ ‫إلى الفرض الذي يقوم فيه نفس الشخص بشراء‬
‫الفرض األخير أن يطعن في العقد باالستغالل أو التدليس ‪.1‬‬

‫‪ -3‬أن يكون في البيع غبن يزيد على خمس قيمة العقار وقت إبرام العقد‪:‬‬
‫فإذ ا نقص الثمن بمقدار خمس قيمة المبيع أو أقل من الخمس وقت البيع‪ ،‬لم يكن‬
‫هناك غبن فاحش‪ .‬والعبرة بوقت البيع وليس بوقت رفع الدعوى أو الحكم فيها‪.‬‬

‫‪ -8‬أال يكون البيع قد تم بالمزاد العلني وفقاً للقانون‪ :‬وذلك ألن البيع الذي‬
‫بناء على نص القانون‪ ،‬تُتبع فيه اإلجراءات المنصوص عليها في‬
‫يتم بطريق المزاد ً‬
‫قانون المرافعات‪ ،‬والتي يؤدي إتباعها إلى حصول البائع على أعلى ثمن ‪.2‬‬
‫ويستوي في هذا الشأن المزاد القضائي واإلداري طالما أن هناك نص قانوني‬
‫يتطلب المزاد العلني في البيع ‪.3‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الشروط المترتبة على تحقق الغبن الفاحش ( دعوى تكملة الثمن )‪:‬‬

‫إذا توافر الغبن الفاحش بشروطه السابقة‪ ،‬كان للبائع حق طلب تكملة الثمن‬
‫إلى أربعة أخماس ثمن المثل‪ .‬غير أنه ال يحق له – أي للبائع – المطالبة‬
‫باإلبطال أو البطالن بسبب هذا الغبن إال إذا كان قد وقع في غلط أو ُدلس عليه‬
‫من المشتري أو الغير متى كان المشتري على علم بهذا التدليس أو كان‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪151‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪54‬‬
‫باستطاعته أن يعلم به ‪ .1‬أي أن توافر الغبن في هذه الحالة يقتصر أثره على‬
‫تكملة الثمن فقط للحد المشار إليه دون أن يستطيل هذا األثر إلى حد إبطال البيع؛‬
‫ألن هذا األخير ال يتم إال وفقاً للقواعد العامة‪.‬‬

‫وتُرفع دعوى تكملة الثمن لتوافر الغبن الفاحش‪ ،‬من صاحب العقار المبيع‬
‫نفسه بعد بلوغه سن الرشد أو ورثته بعد وفاته‪ .‬وفي حالة عدم بلوغ صاحب المبيع‬
‫سن الرشد‪ ،‬فإنه يجوز لنائبه القانوني أن يرفع هذه الدعوى نيابة عنه‪ .‬وتُرفع‬
‫الدعوى على المشتري أو ورثته أمام المحكمة التي يوجد بها موطن المدعى عليه؛‬
‫لكونها دعوى بحق شخصي ‪.2‬‬

‫واذا حكم القاضي بتكملة الثمن‪ ،‬فإما أن يحصل صاحب العقار المبيع على‬
‫حقه المكمل لثمن المبيع بعد رفع الغبن‪ ،‬وهنا ينفذ البيع في مواجهة البائع‪ .‬واذا لم‬
‫يحصل صاحب العقار على حقه‪ ،‬جاز له طلب فسخ عقد البيع طبقاً للقواعد‬
‫العامة‪ .‬وفي حالة الحكم بالفسخ فإن المتعاقدان يعودان إلى الحالة التي كانا عليها‬
‫قبل التعاقد‪ ،‬أي أن المشتري يرد للبائع العقار المبيع‪ ،‬ويرد البائع للمشتري الثمن‬
‫مع جواز المطالبة بالتعويض إن كان له محل ‪.3‬‬

‫غير أن المطالبة بالفسخ على النحو السابق‪ ،‬تكون مقيدة بعدم اإلضرار‬
‫بالغير حسن النية الذي اكتسب حقاً عينياً على العقار المبيع‪ .‬كأن يبيع المشتري‬
‫العقار أو يرهنه ويسجل الغير عقد البيع الصادر له من مشتري العقار أو يقيد‬
‫رهنه‪ ،‬قبل أن يسجل البائع المغبون صحيفة دعوى الفسخ أو التأشير بها على‬
‫ويقصد بحسن النية هنا‪ ،‬عدم علم‬
‫هامش تسجيل التصرف المطلوب فسخه‪ُ .‬‬
‫المشتري أو المرتهن بالبيع المغبون فيه‪.‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.257‬‬


‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪154 ،155‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪55‬‬
‫وهنا ال يستطيع البائع صاحب العقار أن يسترده في حالة البيع‪ ،‬أو أنه‬
‫يسترده محمالً بالرهن في حالة الرهن‪ .‬ويقتصر حق هذا البائع في هذه األحوال‬
‫على مطالبة المشتري الذي باع له‪ ،‬بالتعويض وفقاً للقواعد العامة ‪.1‬‬

‫رابعاً‪ :‬سقوط دعوى تكملة الثمن‪:‬‬

‫تختلف مدة سقوط دعوى تكملة الثمن‪ ،‬بحسب أهلية مالك العقار المبيع‪.‬‬
‫فقبل اكتمال أهليته‪ ،‬يجوز للنائب القانوني لمالك العقار أن يرفع هذه الدعوى في‬
‫أي وقت‪ ،‬طالما ظل المشمول بالوالية غير كامل األهلية‪ .‬وفي حالة اكتمال أهلية‬
‫هذا المالك‪ ،‬فإنه يجوز له أن يرفع الدعوى بنفسه خالل ثالث سنوات من تاريخ‬
‫اكتمال اهليته‪ ،‬فإذا مضت هذه المدة‪ ،‬سقط حقه في رفعها‪.‬‬

‫واذا مات مالك العقار‪ ،‬انتقل حقه في طلب تكملة الثمن إلى ورثته‪ .‬فإن مات‬
‫المالك قبل اكتمال أهليته‪ ،‬انتقل للورثة حق رفع الدعوى خالل ثالث سنوات من‬
‫تاريخ وفاة مورثهم‪ .‬واذا حدثت الوفاة بعد اكتمال أهليته‪ ،‬انتقل الحق في رفع‬
‫الدعوى للورثة في حدود المدة التي كانت مقررة لمورثهم‪ ،‬بمعنى أنه إذا مات‬
‫صاحب العقار بعد سنة من اكتمال أهليته‪ ،‬كان للورثة حق رفع دعوى تكملة الثمن‬
‫خالل سنتين فقط من تاريخ الوفاة‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪81‬؛ د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪112‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬ص ‪.258‬‬

‫‪56‬‬
‫الباب الثاني‬

‫في‬

‫آثار عقد البيع‬

‫‪57‬‬
‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬

‫تتمثل آثار عقد البيع في مجموعة االلتزامات التي يلقيها هذا العقد على‬
‫عاتق كل طرف من طرفيه‪ .‬وتعتبر التزامات كل طرف حقوقاً بالنسبة للطرف‬
‫اآلخر‪ .‬لذلك سنتعرض لدراسة التزامات البائع ( فصل أول)‪ ،‬ثم اللتزامات المشتري‬
‫( فصل ثان )‪ .‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫الفصل الول‬

‫التزامات البائع‬

‫تتمثل التزامات البائع في عقد البيع‪ ،‬بضرورة نقل الملكية ( مبحث أول)‪.‬‬
‫والتزامه بتسليم المبيع ( مبحث ثان )‪ .‬وكذلك التزامه بضمان التعرض واالستحقاق‬
‫( مبحث ثالث )‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬التزامه بضمان العيوب الخفية ( مبحث رابع )‪ .‬وسنتناول‬
‫هذا اآلثار بالتفصيل اآلتي‪:‬‬

‫المبحث الول‬

‫التزام البائع بنقل الملكية‬

‫جاء اإلقرار التشريعي اللتزام البائع بنقل ملكية المبيع‪ ،‬في المادة ( ‪)124‬‬
‫مدني‪ ،‬التي نصت على أنه‪ ":‬يلتزم البائع أن يقوم بما هو ضروري لنقل الحق‬
‫المبيع إلى المشتري‪ ،‬وأن يكف عن أي عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق‬
‫مستحيالً أو عسي اًر "‪.‬‬

‫ويستفاد من النص المتقدم‪ ،‬أن البائع يلتزم بإتيان األعمال اإليجابية التي‬
‫ُ‬
‫تساعد على نقل الملكية‪ ،‬كتقديم المستندات التي تثبت الملكية والتصديق بالتوقيع‬
‫على عقد البيع إذا كان المبيع عقا اًر‪ ،‬وافراز المبيع إذا كان منقوالً‪ .‬كما يلتزم البائع‬

‫‪58‬‬
‫بعدم إتيان أياً من األعمال السلبية التي قد تعوق عملية نقل الملكية‪ ،‬كالتصرف‬
‫في المبيع أو هدمه أو إتالفه ‪.1‬‬

‫واذا خالف البائع التزامه السابق سواء من الناحية اإليجابية أو السلبية‪ ،‬جاز‬
‫للمشتري أن يطلب التنفيذ العيني إن كان ممكناً‪ ،‬واال فله حق المطالبة بفسخ العقد‬
‫مع التعويض إن كان له محل‪ .‬واذا أصبح انتقال الملكية مستحيالً بسبب أجنبي ال‬
‫يد للبائع فيه‪ ،‬كما لو هلك المبيع بسبب فيضان أو زلزال مثالً‪ ،‬انقضى التزام البائع‬
‫بنقل الملكية ‪.2‬‬

‫ويختلف التزام البائع بنقل ملكية المبيع‪ ،‬بحسب محل هذا البيع‪ ،‬وما إذا كان‬
‫منقوالً أو عقا اًر‪ .‬لذلك سنتعرض لنقل ملكية المنقوالت ( مطلب أول )‪ ،‬ثم لنقل‬
‫ملكية العقارات ( مطلب ثان)‪ .‬وسنوالي بيان ذلك‪:‬‬

‫المطلب الول‬

‫نقل ملكية المنقوالت‬

‫ُيقصد بالمنقول على وجه العموم‪ ،‬كل ما يمكن نقله من مكانه دون تلف‪.‬‬
‫وتختلف طريقة نقل ملكية المنقول بحسب نوعه‪ ،‬وما إذا كان منقوالً معيناً بالذات‪،‬‬
‫أو معيناً بالنوع‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬نقل ملكية المنقوالت المعينة بالذات‪:‬‬

‫نظمت المادتين ( ‪ )251 ، 432‬من القانون المدني‪ ،‬أحكام نقل الملكية في‬
‫المنقوالت المعينة بالذات‪ .‬حيث نصت المادة ( ‪ )432‬على أنه‪ ":‬تنتقل الملكية‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪142 ،147‬؛ د ممدوح محمد خيري هاشم‬
‫المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.94 ،95‬‬
‫‪59‬‬
‫وغيرها من الحقوق العينية في المنقول والعقار بالعقد‪ ،‬متى ورد على محل مملوك‬
‫للمتصرف طبقاً للمادة ‪ ."..... 251‬ونصت المادة ( ‪ )251‬على أنه‪ ":‬االلتزام‬
‫بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر‪ ،‬ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق‪ ،‬إذا كان محل‬
‫االلتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم‪ ،‬وذلك دون إخالل بالقواعد المتعلقة‬
‫بالتسجيل "‪.‬‬

‫والمستفاد من المادتين السابقتين‪ ،‬أن الملكية في المنقوالت المعينة بالذات‪،‬‬


‫تنتقل في الحال وبمجرد إبرام العقد وبقوة القانون‪ ،‬دون أن يتوقف ذلك على أي‬
‫إجراءات أخرى‪ .‬غير أن ذلك األمر مقيد بالشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون المبيع شيئاً معيناً بالذات‪ :‬واألشياء المعينة بالذات‪ ،‬هي التي‬
‫تتحدد عن طريق بيان خصائصها وصفاتها‪ ،‬وتختلف آحادها وتتفاوت فيما بينها‪،‬‬
‫وال يقوم بعضها مقام بعض في الوفاء‪ .‬فإذا كان المبيع آلة‪ ،‬وُذكر في العقد كل‬
‫خصائصها وأوصافها التي تميزها عن غيرها ‪ ،‬فإن ملكيتها تنتقل بقوة القانون‬
‫بمجرد العقد‪ .‬وعلى ذلك إذا كان المبيع غير معين بذاته‪ ،‬فلن تنتقل الملكية بمجرد‬
‫العقد‪.‬‬

‫‪ -5‬أن يكون المبيع مملوكاً للبائع وموجوداً وقت العقد‪ :‬ويعني هذا الشرط‬
‫من ناحية أولى‪ ،‬أن يكون البائع مالكاً للمبيع‪ ،‬ففاقد الشيء ال يعطيه‪ ،‬واذا حدث‬
‫وباع الشخص شيئاً ال يملكه‪ ،‬كان ذلك بيعاً لملك الغير‪ ،‬وهذا األخير ال يترتب‬
‫عليه نقل ملكية المبيع إلى المشتري فور إبرام العقد ولو كان وارداً على شيئاً معيناً‬
‫بالذات ‪.1‬‬

‫ومن ناحية ثانية‪ ،‬يعني هذا الشرط ضرورة أن يكون المبيع موجوداً عند‬
‫التعاقد‪ ،‬فإذا كان شيئاً مستقبالً لم يكن البائع مالكاً له عند التعاقد‪ ،‬وال يستطيع نقل‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.244‬‬


‫‪60‬‬
‫ملكيتة إال عند وجوده‪ .‬فمن باع سلعة لم تُصنع بعد أو منزالً لم ُيستكمل بناؤه أو‬
‫محصوالً لم ينضج بعد‪ ،‬فإن الملكية في كل هذه األمثلة ال تنتقل إلى المشتري إال‬
‫بعد وجود المبيع‪ ،‬أي بعد تصنيع السلعة أو استكمال البناء أو نضج المحصول ‪.1‬‬

‫‪ -3‬أال يتفق المتعاقدان على إرجاء نقل الملكية إلى وقت معين‪ :‬تعتبر‬
‫قاعدة انتقال ملكية المنقوالت المعينة بالذات بمجرد إبرام العقد‪ ،‬قاعدة مكملة‬
‫وليست آمرة‪ ،‬بمعنى أنه يجوز للمتعاقدين االتفاق على ما يخالفها‪ .‬لذلك يجوز‬
‫االتفاق على تعليق انتقال الملكية على شرط أو إضافته ألجل‪ ،‬وهنا يتوقف انتقال‬
‫الملكية على تحقق الشرط أو انقضاء األجل ‪.2‬‬

‫ثانياً‪ :‬نقل ملكية المنقوالت المعينة بالنوع‪:‬‬

‫ن ـصت المادة ( ‪ )250‬مدني‪ ،‬على ضوابط نقل ملكية المنقوالت المعينة‬


‫بالنوع‪ .‬وجاء نصها كالتالي ‪ -1 ":‬إذا ورد االلتزام بنقل حق عيني على شيء لم‬
‫يعين إال بنوعه‪ ،‬فال ينتقل الحق إال بإفراز هذا الشيء‪ -2 .‬فإذا لم يقم المدين‬
‫بتنفيذ التزامه‪ ،‬جاز للدائن أن يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة المدين‬
‫بعد استئذان القاضي أو دون استئذانه في حالة االستعجال‪ ،‬كما يجوز له أن‬
‫يطالب بقيمة الشيء من غير إخالل في الحالتين بحقه في التعويض "‪.‬‬

‫ُيقصد باألشياء المعينة بالنوع‪ ،‬تلك التي يقوم بعضها مقام بعض في الوفاء‪،‬‬
‫والتي تقدر بالوزن أو بالكيل أو بالعدد أو بالمقاس‪ ،‬مثل القطن والغالل واألقمشة‪.3‬‬

‫وانتـ ـقال م ـلكية المبيع في حالة المنقوالت المعينة بالنوع‪ ،‬ال يكون إال‬
‫ويقصد‬
‫باإلفراز‪ ،‬كما نصت على ذلك المادة (‪ )250‬مدني وكذلك المادة ( ‪ُ .)433‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.92‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪.171 ،‬‬
‫‪ -3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪61‬‬
‫باإلفراز‪ ،‬تجنيب المبيع بحيث يصير متمي اًز عن غيره‪ ،‬سواء بوضعه في مكان‬
‫خاص به هو فقط ‪ ،‬أو بترقيمه بطريقة تسهل تحديده وتمييزه عن غيره‪.‬‬

‫وبعد تمام اإلفراز‪ ،‬تنتقل الملكية إلى المشتري من تاريخ حدوث هذا اإلفراز‪،‬‬
‫سواء تسلم المشتري المبيع أو لم يتسلمه‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فإذا تصرف البائع في المبيع‬
‫بعد ذلك‪ ،‬فإنه يتصرف فيما ال يملك وال ُيعتد بتصرفه في مواجهة المشتري‪ ،‬ما لم‬
‫يتمسك المتصرف إليه األخير أن يتمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز ما‬
‫دام كان حسن النية ‪.1‬‬

‫وفي مرحلة ما قبل اإلفراز‪ ،‬يقتصر أثر عقد البيع على مجرد انشاء التزامات‬
‫شخصية بين البائع والمشتري‪ ،‬حيث يلتزم البائع بالقيام بكل ما هو الزم النتقال‬
‫ملكية المبيع إلى المشتري‪ .‬والى أن يتم اإلفراز‪ ،‬ال يعتبر المشتري إال مجرد دائن‬
‫عادي في مواجهة البائع وال يصبح مالكاً إال بعد فرز المبيع وتجنيبه ‪.2‬‬

‫ويتم اإلفراز كقاعدة‪ ،‬في الوقت الذي يجب فيه التسليم وفي مكانه‪ ،‬ما لم يكن‬
‫هناك اتفاق يقضي بخالف ذلك‪ .‬ويجب أن يكون المشتري عالماً بمكان وزمان‬
‫اإلفراز‪ ،‬خاصة إذا لم ُيقترن اإلفراز بالتسليم ‪.3‬‬

‫واذا امتنع البائع عن اتخاذ ما يلزم لتمام عملية اإلفراز‪ ،‬كان من حق‬
‫المشتري أن يلزمه بذلك‪ .‬واذا لم يستجب – أي البائع – جاز للمشتري أن يحصل‬
‫على شيء من النوع ذاته على نفقة البائع بعد استئذان القضاء أو دون استئذانه‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.249‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ - 3‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪.295 ،‬‬
‫‪62‬‬
‫في حالة االستعجال‪ ،‬باإلضافه إلى حقه في طلب قيمة الشيء والتعويض إن كان‬
‫له محل ‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫نقل ملكية العقارات‬

‫نظمت المادة ( ‪ )431‬من القانون المدني‪ ،‬الضوابط القانونية الالزمة لنقل‬


‫ملكية العقارات‪ ،‬والتي نصت على أنه‪ -1 ":‬في المواد العقارية ال تنتقل الملكية وال‬
‫الحقوق العينية األخرى سواء أكان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان في حق الغير‪،‬‬
‫إال إذا روعيت األحكام المبينة في قانون تنظيم الشهر العقاري‪ -2 .‬ويبين قانون‬
‫الشهر المتقدم الذكر التصرفات واألحكام والسندات التي يجب شهرها‪ ،‬سواء أكانت‬
‫ناقلة للملكية أم غير ناقلة‪ ،‬ويقرر األحكام المتعلقة بهذا الشهر "‪.‬‬

‫بناء على النص المتقدم‪ ،‬فقد وضع المشرع قاعدة صريحة وقاطعة بشأن‬‫و ً‬
‫نقل ملكية العقارات‪ ،‬وهو أن هذه الملكية ال تنتقل إال بالتسجيل‪ ،‬سواء بين‬
‫المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير‪ .‬والهدف من التسجيل في هذا المقام‪ ،‬هو شهر‬
‫الحق العيني األصلي الوارد على العقار‪ ،‬من أجل اإلحتجاج به على الغير ‪.2‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬سنتعرض لدراسة أحكام التسجيل تفصيالً من خالل التعرض‬


‫لطرق الشهر ونظمه ( فرع أول)‪ .‬وآثار عقد البيع قبل تسجيله (فرع ثان )‪.‬‬
‫والتعديالت الواردة بالقانون رقم ‪ 141‬لسنة ‪ 2525‬والخاص بتعديل القانون رقم‬
‫‪ 111‬لسنة ‪ 1411‬والخاص بتنظيم الشهر العقاري ( فرع ثالث )‪ .‬وآثار عقد البيع‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪178‬؛ د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫‪.294‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪63‬‬
‫بعد تسجيله ( فرع رابع )‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬أثر التسجيل عند تزاحم المشترين لذات العقار‬
‫(فرع خامس )‪ .‬وذلك على التفصيل اآلتي‪:‬‬

‫الفرع الول‬

‫طرق الشهر ونظمه‬

‫باديء ذي بدء‪ُ ،‬يقصد بنظام الشهر عموماً‪ ،‬إجراء الغرض منه إعالم من‬
‫يريد التعامل في عقار معين‪ ،‬بالحقوق التي سبق ترتيبها عليه عن طريق اإلطالع‬
‫على البيانات المتعلقة به والمثبتة في سجالت رسمية‪ ،‬وأخذ شهادات من واقعها في‬
‫مقابل رسم معين ‪.1‬‬

‫ولقد نص المشرع المصري على ثالث وسائل لشهر التصرفات العقارية‪،‬‬


‫وهي التسجيل‪ ،‬والقيد‪ ،‬والتأشير الهامشي ‪:2‬‬

‫‪ -1‬التسجيل‪ :‬ذلك اإلجراء الذي ُيقصد به نقل صورة كاملة من العقد‬


‫المحرر بين الطرفين في حالة كون العقد رسمياً‪ ،‬أو بحفظ األصل ذاته الموقع من‬
‫الطرفين في حالة كون العقد عرفياً‪ .‬ويخضع إلجراء التسجيل‪ ،‬التصرفات المنشئة‬
‫والتصرفات المقررة لحقوق عينية أصلية على عقار‪ ،‬واألحكام القضائية المتعلقة‬
‫بذلك‪.‬‬

‫‪ -5‬القيد‪ :‬هو ذلك اإلجراء الذي تخضع له التصرفات المنشئة أو المقررة‬


‫حقوقاً عينية عقارية تبعية‪ ،‬كحقوق الرهن واالمتياز‪ .‬ويتم القيد عن طريق نقل‬
‫بناء على قائمة قيد‬
‫بعض البيانات الخاصة بهذه التصرفات في سجل خاص‪ً ،‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪.184 ،‬‬
‫‪64‬‬
‫يتقدم بها الدائن ويذكر فيها اسمه واسم المدين ومقدار الدين وفوائده ومصدره‬
‫وتاريخه وبيان العقار الوارد عليه الحق العيني المراد قيده‪.‬‬

‫‪ -3‬التأشير الهامشي‪ :‬ويفترض هذا اإلجراء وجود تسجيل أو قيد سابق‪،‬‬


‫بناء على تصرف جديد أو حكم‪.‬‬
‫ُيراد إجراء تعديل أو تصحيح فيه أو تكملة ً‬
‫فالحقوق العي نية يتم شطبها عن طريق التأشير بهذا الشطب في هامش قيدها‬
‫األصلي‪ ،‬وكذلك حوالتها من الدائن إلى غيره‪ .‬واألحكام التي تصدر في دعاوى‬
‫ُسجلت صحيفتها‪ ،‬يتم شهرها عن طريق التأشير بها في هامش ذلك التسجيل أو‬
‫في هامش تسجيل التصرف الذي صدر بشأنه الحكم‪.‬‬

‫وبالنسبة لنظم الشهر القانونية‪ ،‬فدول العالم تعرف نظامين للشهر وهما‪ ،‬نظام‬
‫السجل الشخصي‪ ،‬ونظام السجل العيني ‪:1‬‬

‫‪ -1‬نظام السجل الشخصي‪ :‬وفيه يتم تسجيل المحررات وفقاً ألسماء أطراف‬
‫التصرف المراد شهره‪ ،‬وعلى مسؤولية طالب التسجيل‪ ،‬أي بدون تحر عن صحة‬
‫أو جدية التصرف المقدم للتسجيل‪ .‬أي أن الغرض من هذا النظام هو العالنية فقط‬
‫‪ ،‬بقصد إعالم الغير بالتصرف الوارد على العقار وليس اضفاء الحجية على هذا‬
‫التصرف ‪.2‬‬

‫ويقوم السجل الشخصي على أساس‪ ،‬إثبات جميع البيانات الخاصة بالمحرر‬
‫المطلوب شهره في دفتر خاص بمكاتب الشهر العقاري‪ ،‬مع اثبات رقم التسجيل‬
‫وتاريخ وساعة إجرائه‪ ،‬واسم كل من طرفي التصرف‪ ،‬والعقار محل التصرف‪.‬‬
‫ويحفظ أصل المحرر المراد تسجيله بمكتب الشهر العقاري المختص إن كان‬ ‫ُ‬
‫ويعطى ذوي الشأن‬
‫محر اًر عرفياً‪ ،‬وتحفظ الصورة األولى منه إن كان محر اًر رسمياً‪ُ ،‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬


‫‪ - 2‬د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪65‬‬
‫صورة فوتوغرافية من المحرر المسجل ‪ .1‬وفي هذا النظام‪ ،‬يقوم بتسجيل المحررات‬
‫موظف إداري يخرج عن سلطته التحقق من صحة المحررات التي يقوم بشهرها‪،‬‬
‫على عكس السجل العيني كما سنرى‪.‬‬

‫و يعيب هذا النظام‪ ،‬أنه يقتضي البحث عن أسماء من صدرت منهم‬


‫التصرفات‪ ،‬وكذلك أسماء المتصرف منهم السابقين‪ ،‬وكثي اًر ما يؤدي مثل هذا‬
‫البحث نظ اًر لتشابه األسماء‪ ،‬إلى الوقوع في غلط ‪ ،‬وتعدد التصرفات القانونية‬
‫الواردة على نفس المحل‪ .‬باإلضافة إلى أن هذا النظام‪ ،‬يسمح بشهر المحررات‬
‫الصورية والمحررات الصادرة من غير مالك والمحررات الباطلة‪ .‬ولهذا السبب قيل‬
‫– وبحق ‪ -‬بأن التسجيل ال يصحح عقداً باطالً أو قابالً لإلبطال‪ ،‬بل يظل العقد‬
‫باطالً أو قابالً للبطالن على حسب األحوال رغم تسجيله ‪ .2‬وتأخذ بهذا النظام‬
‫الكثير من التشريعات‪ ،‬وعلى رأسهم المشرع المصري كأصل عام‪ ،‬والمشرع‬
‫الفرنسي‪.‬‬

‫‪ -5‬نظام السجل العيني ( الشهر العيني) ( السجل العقاري)‪ :‬ويقوم هذا‬


‫النظام على أساس تخصيص صفحة في دفتر التسجيبل لكل عقار‪ ،‬تدون فيه كافة‬
‫البيانات المتعلقة بهذا العقار من حيث حدوده ومساحته وأوصافه وكافة الحقوق‬
‫الواردة عليه ‪.3‬‬

‫ويتميز هذا النظام من نظم الشهر بأمرين هامين‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬فهو يتميز‬
‫بسهولة الوقوف على الوضع الحقيقي للعقار المراد التعامل فيه؛ لكون التعامل فيه‬
‫يقوم على أساس العقار ذاته وليس شخص المتصرف‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن‬

‫‪ -1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬


‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪125‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.271 ،271‬‬
‫‪ - 3‬د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪117‬؛ د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪218‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪66‬‬
‫التشريعات التي تأخذ به‪ ،‬غالباً ما تشترط تمام عملية التسجيل تحت إشراف قاضي‬
‫مختص‪ ،‬يقوم بفحص المحرر المطلوب اثباته والتحقق من وجود التصرف الوارد‬
‫به وصحته ونفاذه‪ ،‬كل ذلك يسبغ على التصرف المدون في هذا السجل حجية‬
‫مطلقة سواء بين المتعاقدين أو بين الغير ‪.1‬‬

‫ونظام الشهر بطريق السجل العيني‪ ،‬معموالً به في التشريع المصري على‬


‫استحياء‪ ،‬وذلك بمقتضى القانون رقم ‪ 112‬لسنة ‪ ،1411‬والئحته التنفيذية بقرار‬
‫من وزير العدل رقم ‪ 420‬لسنة ‪ .1470‬وعلى الرغم من هذا اإلقرار التشريعي‪ ،‬إال‬
‫أن نظام السجل العيني معموالً به في مناطق محدودة جداً‪ ،‬وهي المناطق التي‬
‫صدرت ق اررات من وزير العدل بتطبيقه عليها؛ ويرجع ذلك القصور في التطبيق‬
‫لعقبات مالية وادارية؛ ألن تعميمه يتطلب مسح جميع عقارات الدولة وتحديد‬
‫الحقوق الواردة عليها‪ ،‬وهذا أمر ال تسمح به الظروف االقتصادية المعاصرة ‪.2‬‬

‫* قانون الشهر العقاري الحالي ( القانون رقم ‪ 118‬لسنة ‪ )1186‬واجراءات‬


‫الشهر‪:‬‬

‫مر نظام الشهر في القانون المصري بالعديد من التطورات والتغييرات‬


‫التشريعية‪ .‬ففي بادئ األمر‪ ،‬وقبل صدور القانون المدني القديم ( المختلط سنة‬
‫‪ ، 1470‬واألهلي سنة ‪ ،)1443‬كانت أحكام الشريعة اإلسالمية هي المطبقة‬
‫آنذاك‪ .‬ففى ظل هذه األحكام‪ ،‬لم يكن بيع العقار ُيسجل‪ ،‬بل كانت الملكية تنتقل‬
‫بموجب العقد ذاته‪.‬‬

‫وفي مرحلة تشريعية الحقة‪ ،‬أقر المشرع المصري نظام الشهر في‬
‫القانون المدني القديم‪ ،‬وفيه تعددت جهات الشهر ما بين المحاكم الشرعية والمحاكم‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.214‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪67‬‬
‫األهلية والمحاكم المختلطة‪ .‬وكان المعمول به هو نظام السجل الشخصي وليس‬
‫العيني‪.‬‬

‫وفي مرحلة تشريعية ثالثة‪ ،‬صدر قانون التسجيل رقم ‪ 114‬لسنة ‪،1423‬‬
‫والذي اقتصر على تنظيم أحكام التسجيل تاركاً أحكام القيد للتنظيم الذي كان وراداً‬
‫في القانون المدني القديم‪.‬‬

‫وفي خطوة تشريعية أخيرة وحاسمة‪ ،‬صدر قانون تنظيم الشهر العقاري رقم‬
‫‪ 111‬لسنة ‪ ،1411‬من أجل تفادي العيوب التي اكتنفت التشريعات السابقة‪ .‬وكان‬
‫هذا القانون بداية إلدخال نظام السجل العيني‪ .‬ويتمثل أهم ما جاء به هذا القانون‬
‫في األمور اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬توحيد جهات الشهر‪ :‬وذلك بعد أن كان الشهر يتم أمام ثالث جهات‬
‫مختلفة سبق ذكرها‪ ،‬أصبح الشهر بمقتضى هذا القانون يتم أمام جهة واحدة‪.‬‬
‫ويتضح ذلك من المادتين التاليتين من هذا القانون‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫أ‪ -‬المادة األولى‪ :‬وتنص على أنه‪ ":‬ينشأ في المديريات والمحافظات مكاتب‬
‫للشهر العقاري تتولى شهر المحررات التي تقضي القوانين بتسجيلها أو بقيدها "‪.‬‬

‫ب‪ -‬المادة الثانية‪ :‬وتنص على أنه‪ ":‬ينشأ مكتب رئيسي مقره مدينة القاهرة‪،‬‬
‫يرأسه أمين عام ُيعين بمرسوم ويتولى هذا المكتب إدارة مكاتب الشهر العقاري‬
‫ومراقبتها وحفظ صور لجميع المحر ارت التي ُشهرت فيها وصور من الفهارس‬
‫الخاصة بها"‪.‬‬

‫‪ -5‬توسيع نطاق المحررات المراد شهرها‪ :‬نظم المشرع في هذا القانون‬


‫أحكام شهر المحررات التي تخضع لنظام القيد ( الحقوق العينية التبعية )‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫والمحررات التي تخضع لنظام التسجيل ( الحقوق العينية األصلية ) على حد‬
‫سواء‪.‬‬

‫فبالنسبة للمحررات التي تخضع لنظام القيد‪ ،‬فهي تشمل الحقوق العينية‬
‫العقارية التبعية‪ ،‬وجاء النص على ذلك في المادة (‪ )12‬من قانون الشهر العقاري‪،‬‬
‫التي نصت على أنه‪ ":‬جميع التصرفات المنشئة لحق من الحقوق العينية العقارية‬
‫التبعية أو المقررة لها‪ ،‬وكذلك األحكام المثبتة لشيء من ذلك يجب شهرها بطريق‬
‫القيد‪ .‬ويترتب على عدم القيد‪ ،‬أن هذه الحقوق ال تكون حجة على الغير"‪.‬‬

‫ويشمل نظام القيد أيضاً‪ ،‬حالة تغيير الدائن األصلي في الديون المضمونة‬
‫بتأمين عيني عقاري‪ ،‬وجاء ذلك في المادة (‪ )14‬التي نصت على أنه‪ ":‬ال يصح‬
‫التمسك قبل الغير بتحويل حق مضمون بقيد أو برهنه وال التمسك بالحق الناشيء‬
‫من حلول شخص محل الدائن بهذا الحق بحكم القانون أو االتفاق‪ ،‬وال التمسك‬
‫كذلك بمجرد القيد أو بالتنازل عن مرتبة القيد إال إذا حصل التأشير بذلك في‬
‫هامش القيد األصلي"‪.‬‬

‫وبالنسبة للمحررات التي تشهر بطريق التسجيل‪ ،‬فتتمثل في الحاالت‬


‫اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬يجب تسجيل جميع التصرفات التي يترتب عليها إنشاء حق من الحقوق‬
‫العينية العقارية األصلية أو نقله أو تغييره أو زواله‪ ،‬وكذلك األحكام النهائية المثبتة‬
‫لشيء من ذلك‪ ،‬وتتضمن هذه التصرفات الوقف والوصية‪ .‬ويترتب على عدم‬
‫التسجيل أن هذه الحقوق ال تنشأ وال تنتقل وال تتغير وال تزول ال بين ذوي الشأن‬
‫التزمات‬
‫وال بالنسبة لغيرهم‪ .‬وال يكون للتصرفات غير المسجلة بين أطرافها سوى ا‬
‫شخصية ليس إال‪ .‬كما أنها ال تكون حجة على الغير قبل التسجيل ‪.1‬‬

‫‪ - 1‬المواد ‪ 21 ، 9‬من قانون الشهر العقاري رقم ‪ 225‬لسنة ‪.2957‬‬


‫‪69‬‬
‫ب‪ -‬يجب تسجيل اإليجارات والسندات التي ترد على منفعة العقار‪ ،‬في حالة‬
‫ما إذا زادت مدتها على تسع سنوات‪ .‬وكذلك المخالصات والحواالت متى كانت‬
‫بأجرة ثالث سنوات مقدماً‪ ،‬وأيضاً األحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك‪ .‬ويترتب‬
‫على عدم التسجيل‪ ،‬عدم نفاذ التصرفات السابقة في حق الغير إال في حدود المدد‬
‫سالفة الذكر ‪.1‬‬

‫ج‪ -‬يجب شهر حق اإلرث بتسجيل إشهادات الوراثة الشرعية أو األحكام‬


‫النهائية أو غيرها من السندات المثبتة لحق اإلرث مع قوائم جرد التركة إذا اشتملت‬
‫على حقوق عينية عقارية‪ .‬ويجوز أن يقتصر شهر حق اإلرث على جزء من‬
‫عقارات التركة‪ ،‬وفي هذه الحالة يعتبر هذا الجزء وحده ينبني على أساسه تصرفات‬
‫الورثة ‪.2‬‬

‫د‪ -‬يجب التأشير بالمحررات المثبتة لدين من الديون العادية على المورث‬
‫في هامش تسجيل اإلشهادات أو األحكام أو السندات وقوائم الجرد المتعلقة بها‪.‬‬
‫ويحتج بهذا التأشير من تاريخ حصوله‪ ،‬ومع ذلك إذا تم التأشير خالل سنة من‬ ‫ُ‬
‫تاريخ التسجيل المشار إليه؛ فللدائن أن يحتج بحقه على كل من تلقى من الوارث‬
‫حقاً عقارياً وقام بشهره قبل هذا التاريخ ‪.3‬‬

‫هـ ‪ -‬أوجب هذا القانون شهر دعوى الطعن في التصرفات واجبة التسجيل‪،‬‬
‫كدعوى البطالن والفسخ واإللغاء والرجوع‪ ،‬ودعوى االستحقاق وصحة التعاقد‪،‬‬
‫وذلك على النحو الذي بينته المواد من (‪ ) 14 – 10‬من القانون رقم ‪ 111‬لسنة‬
‫‪.1411‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 22‬من قانون ‪ 225‬لسنة ‪.2957‬‬


‫‪ - 2‬المادة ‪ 21‬من قانون ‪ 225‬لسنة ‪.2957‬‬
‫‪ - 3‬المادة ‪ 25‬من قانون ‪ 225‬لسنة ‪.2957‬‬
‫‪70‬‬
‫وعلى الرغم من اإليجابيات واإلصالحات المهمة التي أدخلها قانون تنظيم‬
‫الشهر العقاري رقم ‪ 111‬لسنة ‪ 1411‬على نظام الشهر في مصر‪ ،‬إال أن هذا‬
‫األخير مازال قائماً على أساس الشهر الشخصي رغم عيوبه الخطيرة‪ .1‬وال ُيعمل‬
‫بالشهر العيني إال في أماكن محدودة جداً كما سبقت اإلشارة‪.‬‬

‫وان كنا نأمل – من وجهة نظرنا ‪ -‬من المشرع المصري ضرورة تعميم‬
‫تفعيل األخذ بنظام الشهر العيني أو على األقل محاولة تعميمه تدريجياً‪ ،‬حيث إن‬
‫التعميم الكلي له خطوة واحدة سيواجهه عقبات إدارية ومالية كبيرة‪ .‬ومرجع ذلك؛‬
‫أن األخذ بهذا النظام سيجنبنا عيوب نظام الشهر الشخصي‪ ،‬السيما وأنه – أي‬
‫الشهر العيني – يضع في اعتباره األعيان محل التعاقد وليس أشخاص التعاقد‪،‬‬
‫على نحو يبث روح الثقة والطمأنينة بين األفراد عند تعاملهم على العقارات‪ ،‬األمر‬
‫الذي ينعكس بدوره على إفادة االقتصاد القومي نتيجة لرواج وازدهار حركة البيع‬
‫العقاري بدون مخاوف أو على األقل لكي ال نبالغ في القول‪ ،‬العمل على قلة‬
‫المخاوف التي تحيط باألفراد عند تعاملهم في الثروة العقارية‪.‬‬

‫* إجراءات الشهر‪:‬‬

‫بناء على طلب ذوي الشأن أو من يقوم مقامهم‪ .‬وتقدم‬


‫تبدأ إجراءات الشهر‪ً ،‬‬
‫طلبات الشهر للمأمورية التي يقع العقار في دائرة اختصاصها‪ ،‬ويجب أن يكون‬
‫موقعاً على هذه الطلبات من المتصرف إليه في العقود واإلشهادات أو ممن يكون‬
‫المحرر لصالحه في غير ذلك من المحررات كأوراق اإلجراءات وصحف الدعاوى‬
‫واألحكام ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.225‬‬


‫‪ - 2‬المادة ‪ 12‬من قانون ‪ 225‬لسنة ‪.2957‬‬
‫‪71‬‬
‫ويجب أن تتضمن طلبات الشهر بيانات معينة‪ .‬كبيانات شخصية كل طرف‪،‬‬
‫كاسمه وجنسيته ومحل إقامته واسم أبيه وجده ألبيه‪ ،‬وبيان صفات من يقومون مقام‬
‫غيرهم ومدى سلطاتهم‪ .‬وكذلك البيانات الالزمة لتعيين العقار كبيان موقعه‬
‫ومساحته وحدوده‪ .‬وأيضاً موضوع المحرر المراد شهره وبيان المقابل أو الدين إن‬
‫وجد‪ ،‬والبيانات الخاصة بالتكليف إذا كان موضوع المحرر يقتضي تغيي اًر من دفاتر‬
‫التكليف‪.‬‬

‫ويلزم أيضاً ذكر البيانات الخاصة بأصل حق الملكية أو الحق العيني محل‬
‫التصرف‪ ،‬وذلك من العقود واإلشهادات وأحكام صحة التعاقد‪ ،‬وبيانات اسم المالك‬
‫السابق أو صاحب الحق العيني وطريق انتقال الملكية أو الحق العيني منه ورقم‬
‫وتاريخ شهر عقد التملك في حالة شهره‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬بيان الحقوق العينية المقررة على‬
‫العقار المتصرف فيه وعلى األخص ارتفاقات الري والصرف ‪.1‬‬

‫وتدون الطلبات التي تقدم للشهر على حسب تواريخ وساعات تقديمها بدفتر‬
‫مخصص لذلك بمأمورية الشهر ‪ .2‬ويجب على هذه المأمورية أن تعطي لطالب‬
‫الشهر نسخة من الطلب الذي قدمه مؤش اًر عليها برأيها في قبول إجراءات الشهر‬
‫أو ببيان ما يجب أن تستوفيه فيه‪ .‬واذا لم يتقدم الطالب لتسلم هذه النسخة في‬
‫خالل ثالثة أيام من تاريخ التأشير عليها‪ ،‬أُرسلت إليه في محل إقامته المبين في‬
‫الطلب بكتاب موصى عليه بعلم الوصول ‪.3‬‬

‫ولمأمورية الشهر أن تستوفي البيانات سواء بخصوص وصف العقار وأصل‬


‫بناء على‬
‫الملكية أو الحق العيني مما قُدم إليها من طلبات أو مستندات‪ ،‬وذلك ً‬
‫طلب صاحب الشأن أو من تلقاء نفس مأمورية الشهر ‪ .4‬وبعد قبول طلب الشهر‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 12‬من القانون المذكور‪.‬‬


‫‪ - 2‬المادة ‪ 14‬من القانون المذكور‪.‬‬
‫‪ - 3‬المادة ‪ 17‬من القانون المذكور‪.‬‬
‫‪ - 4‬المادة ‪ 12‬من القانون المذكور‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫بالتأشير عليه من مأمورية الشهر‪ ،‬فإن صاحب الشأن يقدم للمأمورية المختصة‬
‫مشروع المحرر المراد شهره ومعه الصورة المؤشر عليها من هذا الطلب‪ ،‬ثم ُيدون‬
‫في دفتر تدون فيه مشروعات المحررات على حسب تواريخ وساعات تقديمها ‪.1‬‬

‫وأخي اًر‪ ،‬تُقدم المحررات التي تم التأشير على مشروعاتها بصالحيتها للشهر‪،‬‬
‫لمكتب الشهر المختص‪ ،‬وذلك بعد توثيقها أو بعد التصديق على توقيعات ذوي‬
‫الشأن فيها إن كانت عرفية ‪.2‬‬

‫الفرع الثاني‬

‫آثار عقد البيع قبل تسجيله‬

‫جاء بالمادة ( ‪ )431‬من القانون المدني سالفة الذكر‪ ،‬أن الملكية في المواد‬
‫العقارية والحقوق العينية األخرى‪ ،‬ال تنتقل سواء بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير‬
‫إال إذا روعيت األحكام المبينة في قانون تنظيم الشهر العقاري‪ .‬وجاءت هذه‬
‫األحكام في المادة التاسعة من قانون تنظيم الشهر العقاري‪ ،‬والتي نصت على‬
‫أنه‪ .... ":‬ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها ال تنشأ وال تنتقل وال‬
‫تتغير وال تزول‪ ،‬ال بين ذوي الشأن وال بالنسبة إلى غيرهم‪ .‬وال يكون للتصرفات‬
‫غير المسجلة من األثر‪ ،‬سوى االلتزامات الشخصية بين ذوي الشأن "‪.‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬فقد حسم نص المادة التاسعة المذكور آنفاً‪ ،‬أثر عقد البيع غير‬
‫المسجل‪ ،‬والذي يتمثل فقط في ترتيب التزامات شخصية بين أطرافه‪ ،‬دون أن يصل‬
‫أثره إلى حد نقل الملكية‪ ،‬ألن هذه األخيرة ال تنتقل ال بين المتعاقدين وال بالنسبة‬
‫للغير إال بالتسجيل‪.‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 18‬من القانون المذكور‪.‬‬


‫‪ - 2‬المادة ‪ 19‬من القانون المذكور‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫غير أن ذلك ال يعني أن عقد البيع غير المسجل ال قيمة له‪ ،‬بل أنه يترتب‬
‫عليه مجموعة من النتائج القانونية الهامة‪ ،‬ومجموعة من االلتزامات على عاتق كل‬
‫من البائع والمشتري‪ .‬وذلك على التوضيح اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬النتائج القانونية المترتبة على عقد البيع غير المسجل‪ :‬وتتمثل هذه النتائج‬
‫فيما يلي ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬يظل البائع وورثته مالكاً للعقار المبيع بعقد غير مسجل‪ ،‬ولكن هذه‬
‫الملكية مقيدة بالتزامهم بعدم التعرض للمشتري‪ ،‬ومقيدة أيضاً بضمان تعرض الغير‬
‫المبني على سبب قانوني‪ .‬وعلى ذلك إذا أقام المشتري بناء على العقار المبيع‪،‬‬
‫تملكه البائع تأسيساً على قواعد االلتصاق ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬يجوز لدائني البائع التنفيذ على العقار المبيع بعقد غير مسجل؛ ألن‬
‫ملكية العقار ما زالت ثابتة له رغم وجود عقد البيع اإلبتدائي ( وهو العقد الذي‬
‫ُيحرر قبل التسجيل‪ ،‬وبعد التسجيل يتحول لعقد نهائي )‪ .‬وعلى النقيض‪ ،‬ال يجوز‬
‫لدائني المشتري التنفيذ على العقار المبيع بعقد غير مسجل؛ ألن الملكية لم تنتقل‬
‫بعد إلى مدينهم المشتري‪.‬‬

‫ج‪ -‬ال يجوز للمشتري بعقد غير مسجل أن يرفع دعوى استحقاق على‬
‫البائع؛ ألن هذه الدعوى ال تُرفع إال من مالك‪ ،‬والمشتري في هذه الحالة لم يصبح‬
‫مالكاً بعد‪ ،‬واذا رفعها المشتري قبل التسجيل‪ ،‬فلن يقبلها القاضي‪ .‬غير أنه يجوز‬
‫للمشتري إجبار البائع على تنفيذ التزامه عيناً بنقل الملكية عن طريق وسائل قانونية‬
‫أعطاها المشرع للمشتري في هذه الحالة‪ ،‬وسنتناولها بالتفصيل بعد قليل‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211 ،229‬‬


‫‪ - 2‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.252‬‬
‫‪74‬‬
‫‪ -5‬التزامات البائع بمقتضي عقد البيع غير المسجل‪ :‬تتمثل هذه االلتزامات في‬
‫اآلتي‪:‬‬

‫أ‪ -‬يلتزم البائع بتسليم المبيع للمشتري في الزمان والمكان المقرران سواء‬
‫بنص القانون أو بمقتضى اتفاق األطراف‪ .‬ويحق للمشتري إلزام البائع بذلك؛ وذلك‬
‫ألن االلتزام بتسليم المبيع ال يتوقف على تسجيل عقد البيع‪ .‬واذا تم التسليم‪،‬‬
‫فللمشتري أن يضع يده على العقار وأن يحوزه حيازة قانونية‪ ،‬وتثبت له أيضاً‬
‫دعاوى الحيازة الثالث‪ ،‬فيحق له مثالً طلب طرد الغاصب للعين المبيعة‪.1‬‬

‫كما يحق للمشتري طلب فرض الحراسة القضائية على العين المبيعة إذا‬
‫خشي بقاءها تحت يد البائع‪ .‬ويجوز له حبس الثمن حتي يتسلم العقار‪ .‬وتكون‬
‫ثمار المبيع للمشتري من وقت انعقاد البيع‪ ،‬طالما أن التزام البائع بالتسليم غير‬
‫مؤجل ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬يلتزم البائع بنقل ملكية العقار المبيع إلى المشتري‪ :‬حيث يلتزم البائع‬
‫بالقيام بكل ما هو ضروري لنقل ملكية المبيع للمشتري‪ ،‬وأن يمتنع عن إتيان كل‬
‫ما يكون من شأنه عرقلة نقل الملكية‪ .‬ويمكن للبائع أن ينفذ هذا االلتزام اختيارياً‬
‫بمحض إرادته أو جب اًر عنه عن طريق استعمال المشتري للوسائل القانونية التي‬
‫خولها إياه المشرع في حالة امتناع البائع عن نقل الملكية اختيا اًر‪.‬‬

‫ج‪ -‬يلتزم البائع بضمان المبيع للمشتري‪ ،‬ويحق لهذا األخير الرجوع على‬
‫البائع بالتعويض في حالة حدوث تعرض للمبيع من الغير أو من البائع نفسه أو‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪197‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪281‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪212‬؛ د ممدوح محمد خيري هاشم‬
‫المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.252‬‬
‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.198‬‬
‫‪75‬‬
‫قُضي للغير باستحقاق العقار المبيع أو ظهرت في المبيع عيوباً خفية‪ .1‬أي أن‬
‫البائع يلتزم بضمان عدم التعرض‪ ،‬وضمان االستحقاق‪ ،‬وضمان العيوب الخفية‪.‬‬

‫‪ -3‬التزامات المشتري بمقتضى عقد البيع غير المسجل‪ :‬ونوجزها فيما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬يلتزم المشتري بدفع ثمن المبيع‪ ،‬وال يحق له االمتناع عن دفعه بحجة‬
‫عدم تسجيل العقد؛ ألن هذا االلتزام يلتزم به المشتري بصرف النظر عن تسجيل‬
‫عقد البيع من عدمه‪ .‬كل ذلك ما لم يكن هناك اتفاق بين األطراف على تأجيل‬
‫الوفاء بالثمن‪ .‬مع األخذ في االعتبار أنه يجوز للمشتري االمتناع عن دفع الثمن‬
‫في حالة عدم قيام البائع بتنفيذ التزامه بتسليم المبيع‪ ،‬مستخدماً في ذلك – أي‬
‫المشتري – الدفع بعدم التنفيذ ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬يلتزم المشتري بدفع مصروفات تحرير عقد البيع اإلبتدائي‪ .‬كما يلتزم‬
‫بتسلم المبيع من البائع‪ .‬وتقع على المشتري تبعة هالك المبيع إذا كان الهالك بقوة‬
‫قاهرة وتم قبل التسجيل‪ ،‬ما دام قد تسلمه ووقع الهالك وهو تحت يده؛ وذلك ألن‬
‫المشرع المصري قد ربط تبعة الهالك بالتسليم وليس بانتقال الملكية ‪.3‬‬

‫واجماالً لما سبق‪ ،‬فإن عقد البيع غير المسجل‪ ،‬يكون منتجاً لكل آثاره‬
‫القانونية باستثناء نقل الملكية؛ ألن المشرع قيدها بالتسجيل‪ .‬وعلى ذلك فإن جميع‬
‫حقوق والتزامات عقد البيع غير المسجل تنتقل من كل طرف من الطرفين إلى‬
‫وارثه‪ .‬فيلتزم وارث البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري أو إلى وارثه‪ ،‬وبتسليمه‬
‫إليه‪ ،‬وبضمان االنتفاع به في حدود موجودات التركة‪ .‬وبالمثل يلتزم ورثة المشتري‬
‫بالثمن في حدود تركة المورث ‪.4‬‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.198‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.281‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ - 4‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.511‬‬
‫‪76‬‬
‫* الــوســائل الــقــانونية لــمـــواجــهــة عدم تنفيذ البائع اللتزامه بنقل ملكية المبيع‬
‫( دعوى صحة التعاقد‪ ،‬ودعوى صحة التوقيع )‪:‬‬

‫ذكرنا آنفاً‪ ،‬أن البائع يلتزم بنقل ملكية المبيع إلى المشتري‪ ،‬وأن يقوم بما هو‬
‫ض ـروري لتمام تسجيل عقد البيع‪ ،‬فإذا قام بذلك وتم تسجيل العقد‪ ،‬فإنه – أي‬
‫البائع – يكون قد نفذ التزامه اختيا اًر‪ ،‬وبرئت ذمته من هذا االلتزام‪.‬‬

‫أما إذا ماطل البائع ورفض القيام بإجراءات التسجيل‪ ،‬كرفضه الذهاب لجهة‬
‫الشهر أو أنكر صدور البيع منه أو رفض التصديق على توقيعه‪ ،‬فإنه يكون قد‬
‫أخل بتنفيذ التزامه‪ .‬مما يترتب عليه حق المشتري في اللجوء إلى القضاء طالباً‬
‫الحكم له بفسخ عقد البيع مع الحكم بالتعويض أن كان له محل‪ .‬ويحق للمشتري‬
‫أيضاً إجبار البائع على تنفيذ التزامه عيناً مستخدماً في ذلك دعوى صحة التعاقد‬
‫أو دعوى صحة التوقيع ‪ .1‬وغالباً ما يفضل المشتري الطريق األخير‪ ،‬عن المطالبة‬
‫بالفسخ‪ ،‬حفاظاً على حقوقه كاملةً‪.‬‬

‫وتعتبر هاتان الدعوتان األخيرتان‪ ،‬ضمانات تشريعية من المشرع للمشتري‪،‬‬


‫لمواجهة تعنت ولدد ومماطالت البائع‪ ،‬ولكي ال يبقى المشتري تحت رحمة البائع‪.‬‬
‫ويظهر وجه الحماية القانونية للمشتري من خالل هاتين الدعويين‪ ،‬في أنه إذا‬
‫حصل المشتري على حكم من القاضي بموجب رفعه إلحدى الدعويين وقام‬
‫بتسجيل هذا الحكم‪ ،‬قام هذا األخير مقام التسجيل‪ .‬ويعد ذلك تطبيقاً للقواعد‬
‫العامة‪ ،‬حيث نصت المادة ( ‪ )215‬مدني على أنه‪ ":‬في االلتزام بعمل يقوم حكم‬
‫القاضي مقام التنفيذ‪ ،‬إذا سمحت بذلك طبيعة االلتزام "‪ .‬وعلى ذلك سنتعرض‬
‫بالتفصيل ألحكام هاتين الدعويين‪ ،‬على الوجه التالي‪:‬‬

‫‪ - 1‬د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.127‬‬


‫‪77‬‬
‫أوالً‪ :‬دعوى صحة التعاقد ( دعوى صحة ونفاذ عقد البيع )‪:‬‬

‫‪ -1‬تعريف دعوى صحة التعاقد‪ :‬هي دعوى يرفعها مشتري العقار بعقد غير‬
‫مسجل‪ ،‬على البائع له الذي رفض تنفيذ التزامه اختيا اًر بنقل ملكية هذا العقار عن‬
‫طريق إجراء التسجيل‪ .‬ويلجأ المشتري لرفع هذه الدعوى في حاالت عديدة منها‪:‬‬
‫رفض البائع تسليم المشتري مستندات الملكية أو رفضه الذهاب إلى الشهر العقاري‬
‫إلجراء التسجيل‪ ،‬أو رفضه التصديق على توقيعه‪ ،‬أو إنكاره صدور البيع منه ‪.1‬‬

‫ويشترط لرفع دعوى صحة التعاقد‪ ،‬أن يكون المشتري قد وفي بكل التزاماته‬ ‫ُ‬
‫الناشئة عن عقد البيع‪ ،‬وأهمها وفائه بثمن المبيع‪ .‬كما يلزم أيضاً‪ ،‬ضرورة أن يكون‬
‫التنفيذ العيني اللتزام البائع ممكناً‪ ،‬فإذا تعذر هذا التنفيذ‪ ،‬فلن تُقبل الدعوى‪ .‬كالحالة‬
‫التي يبيع فيها البائع نفس العقار لمشتر ثان قام بتسجيل عقده قبل قيام المشتري‬
‫األول بتسجيل الحكم الصادر له في الدعوى أو قبل قيامه بالتأشير على هامش‬
‫تسجيل صحيفة الدعوى إذا كانت قد ُسجلت‪ .‬فهنا يتعذر التنفيذ العيني ألن الملكية‬
‫ستنتقل إلى المشتري الثاني لكونه أسبق في التسجيل ‪.2‬‬

‫وتنتقل دعوى صحة التعاقد إلى الورثة‪ ،‬فيجوز لورثة المشتري رفعها على‬
‫البائع في حالة وفاة المشتري‪ ،‬كما يجوز للمشتري رفعها على ورثة البائع في حالة‬
‫وفاة هذا األخير‪ .‬ويجوز لدائني المشتري رفع هذه الدعوى إذا أهمل المشتري في‬
‫رفعها عن طريق الدعوى غير المباشرة‪ .‬ويحق للبائع رفعها إذا كانت له مصلحة‬
‫في ذلك‪.‬‬

‫وتُرفع هذه الدعوى في أي وقت ولو بعد مضي خمسة عشر عاماً من وقت‬
‫التعاقد‪ ،‬وال يجوز للبائع أو ورثته الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم؛ ألن هذا يتعارض‬

‫‪ 1‬د د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪121‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪ - 2‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪112‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.294‬‬
‫‪78‬‬
‫مع التزامهم بالضمان من ناحية‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬ألن دعوى صحة التعاقد‬
‫تعتبر دعوى استحقاق مآالً – أي مستقبالً بعد صدور الحكم وتسجيله – ودعوى‬
‫االستحقاق ال تسقط بالتقادم ‪.1‬‬

‫‪ -5‬طبيعة دعوى صحة التعاقد‪ :‬تعتبر هذه الدعوى‪ ،‬دعوى شخصية عينية‪.‬‬
‫فهى دعوى شخصية؛ ألن رافعها وهو المشتري‪ ،‬يستند في رفعها إلى حق شخصي‬
‫متولد عن عقد البيع‪ ،‬وهو التزام البائع بنقل ملكية المبيع‪ .‬وتعتبر دعوى عينية أو‬
‫عقارية؛ ألن المقصود منها التوصل إلى نقل ملكية عقار أو حق عيني عليه‪.‬‬

‫‪ -3‬المحكمة المختصة بنظر دعوى صحة التعاقد‪ :‬وهنا نفرق بين‬


‫االختصاص القيمي‪ ،‬واالختصاص المحلي بالدعوى‪:‬‬

‫أ‪ -‬بالنسبة لالختصاص القيمي ( وهو الذي يتحدد على أساس قيمة الدعوى‬
‫)‪ :‬وهنا تقدر قيمة الدعوى بحسب قيمة العقار المبيع‪ .‬وحددت المادة ( ‪ ) 37‬من‬
‫بناء عليها تحدد قيمة الدعوى في مثل هذه الحاالت‪.‬‬
‫قانون المرافعات األسس التي ً‬
‫فإن كان المبيع من العقارات المبنية‪ ،‬قُدرت قيمة العقار على أساس خمسمائة مثل‬
‫من قيمة الضريبة المفروضة على العقار‪.‬‬

‫وان كان المبيع من العقارات غير المبنية‪ ،‬قُدرت قيمته على أساس أربعمائة‬
‫مثل من قيمة الضريبة األصلية‪ .‬واذا كان العقار غير مربوط عليه ضريبة‪ ،‬قدرت‬
‫المحكمة قيمته‪ .‬وفي األخير‪ ،‬إذا لم تجاوز قيمة العقار عشرة اآلف جنيهاً‪ ،‬كان‬
‫النظر في الدعوى من اختصاص المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار‪ .‬وان‬
‫جاوزت قيمته المبلغ المذكور‪ ،‬كان االختصاص من نصيب المحكمة االبتدائية‬
‫الواقع في دائرتها العقار‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.212 ،217‬‬


‫‪79‬‬
‫ب‪ -‬بالنسبة لالختصاص المحلي ( وهو الذي يحدد المحكمة المختصة‬
‫مكانياً بالدعوى )‪ :‬هذا االختصاص إما ينعقد للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن‬
‫المدعى عليه؛ تأسيساً على الطابع الشخصي للدعوى‪ .‬واما ينعقد للمحكمة التي‬
‫يقع بدائرتها العقار المبيع؛ تأسيساً على الطابع العيني للدعوى‪.‬‬

‫‪ -8‬موضوع دعوى صحة التعاقد‪ :‬تعتبر دعوى صحة التعاقد‪ ،‬دعوى‬


‫موضوعية تمتد فيها سلطة القاضي إلى التعرض لمدى صحة البيع المرفوع بشأنه‬
‫الدعوى‪ ،‬ومدى صحة وجوده ونفاذه‪ .‬وفيها أيضاً‪ ،‬يفصل القاضي في أمر امتناع‬
‫البائع عن تنفيذ التزاماته‪ .‬وكذلك التحقق من وفاء المشتري بالتزامه بدفع الثمن‪.‬‬
‫وأيضاً التحقق من أن تنفيذ البائع اللتزامه بنقل الملكية ما زال ممكناً ولم يعد‬
‫مستحيالً ‪ .1‬وهذا األمر يترتب عليه العديد من النتائج القانونية‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫أ‪ -‬يجوز للبائع في سبيل عدم تنفيذ التزامه بنقل الملكية‪ ،‬أن يتمسك بأي دفع‬
‫يؤدي إلى عدم التنفيذ‪ ،‬كالدفع بالصورية‪ ،‬أو بالبطالن إلنعدام الرضا أو لعد‬
‫مشروعية المحل أو السبب‪ ،‬أو الدفع بإبطال العقد لتعيب إرادته بأحد عيوب‬
‫اإلرادة‪ ،‬أو لنقص أهليته‪ .‬كما يجوز للبائع أن يدفع دعوى المشتري بدعوى فرعية‬
‫بفسخ عقد البيع لعدم وفاء المشتري بالتزاماته ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬ال يمكن للمحكمة أن تقضي بصحة ونفاذ عقد البيع لصالح المشتري‪،‬‬
‫إال إذا كانت ملكية المبيع ثابتة للبائع‪ .‬فإذا أُثيرت منازعة بشأن ملكية البائع للمبيع‬
‫كله أو بعضه‪ ،‬وجب على المحكمة أن تفصل في هذه المنازعة قبل الحكم بصحة‬
‫التعاقد ونفاذه ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 111‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ - 2‬د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪80‬‬
‫ج‪ -‬يجوز أن يتدخل شخص آخر غير البائع والمشتري‪ ،‬كخصم ثالث في‬
‫دعوى صحة التعاقد‪ .‬وهنا تجري المحكمة مفاضلة بين سند المتدخل وعقد‬
‫المشتري المدعي‪ ،‬فإذا تبين لها – أي للمحكمة – أن المتدخل أسبق في تسجيل‬
‫عقده الذي تلقاه من نفس البائع‪ ،‬فضلت هذا المتدخل وقضت بعدم قبول الدعوي‬
‫المرفوعة من المشتري‪.‬‬

‫د‪ -‬يجوز للمالك الحقيقي للمبيع في حالة ما إذا كان هذا األخير غير مملوك‬
‫للبائع المرفوع عليه الدعوى‪ ،‬أن يتدخل في هذه الدعوى طالباً الحكم برفضها؛‬
‫تأسيساً على عدم ملكية البائع للمبيع‪ .‬كما يجوز للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن‬
‫تأمر بإدخال من ترى أن إدخاله الزماً لمصلحة العدالة أو إلظهار الحقيقة ‪.1‬‬

‫وتتمثل مصلحة المالك الحقيقي للمبيع في التدخل هنا‪ ،‬في أال ينتظر حتى‬
‫يحكم القاضي في الدعوى ثم يضطر بعد ذلك لرفع دعوى مبتدأة بطلب شطب‬
‫التسجيل‪ ،‬في الفرض الذي يكون فيه المشتري قد حصل على حكم لصالحه وقام‬
‫بتسجيله‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فإذا تدخل المالك الحقيقي في الدعوى أو أُدخل فيها‪ ،‬كان‬
‫على المحكمة أن تقضي برفض دعوى صحة ونفاذ عقد البيع ‪.2‬‬

‫وترتيباً على ما تقدم‪ ،‬فإذا تعرض القاضي لموضوع العقد محل دعوى صحة‬
‫التعاقد‪ ،‬ووجد أنه بيعاً حقيقياً مستوفياً ألركان وجوده وشروط صحته‪ ،‬قضى بصحة‬
‫العقد وبنفاذه‪ .‬ويجوز الطعن في هذا الحكم طبقاً للقواعد العامة في قانون‬
‫المرافعات‪ .‬ومتى أصبح الحكم نهائياً‪ ،‬حاز حجية األمر المقضي فيما يتعلق‬
‫بصحة العقد ونفاذه‪ .‬وعلى ذلك فالملكية تنتقل إلى المشتري رافع الدعوي بشرط أن‬
‫يكون قد سجل الحكم الصادر له أوالً ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 228‬من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم ‪ 21‬لسنة ‪.2978‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.297 ،294‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪81‬‬
‫‪ -2‬تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد وأثره‪ :‬ذكرنا آنفاً‪ ،‬أن تسجيل‬
‫الحكم النهائي الصادر في دعوى صحة التعاقد‪ ،‬يترتب عليه انتقال ملكية المبيع‬
‫إلى المشتري‪ .‬غير أن االنتظار لحين صدور الحكم وتسجيله‪ ،‬قد يترتب عليه‬
‫مضار جسيمة للمشتري وضياع حقه‪ .‬ويحدث ذلك في الفرض الذي يستغل فيه‬
‫البائع الفراغ الزمني في الفترة ما بين رفع دعوى صحة التعاقد والى حين صدور‬
‫الحكم فيها‪ ،‬فيتعمد بسوء نية منه – أي البائع – بإجراء تصرفات قانونية على‬
‫المبيع تضر بالمشتري‪ ،‬كأن يبعه لمشتر ثان أو يقوم بتقرير رهن رسمي أو حيازي‬
‫عليه‪ ،‬وذلك خالل فترة ما قبل صدور الحكم في الدعوى‪.‬‬

‫لذلك أجاز المشرع للمشتري‪ ،‬تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد بعد‬
‫إعالنها للبائع وقيدها بجدول قيد القضايا بالمحكمة‪ ،‬ثم التأشير بالحكم الصادر‬
‫فيها على هامش تسجيل صحيفة الدعوى‪ .‬ويترتب على ذلك‪ ،‬اعتبار الحكم‬
‫الصادر في الدعوى‪ ،‬مقر ًار لحق رافعها – أي المشتري – من تاريخ تسجيل‬
‫صحيفة الدعوى وليس من تاريخ صدور الحكم‪ .‬وعلى ذلك يستطيع المشتري أن‬
‫ابتداء‬
‫ً‬ ‫يحتج بهذا الحكم على كل من آل إليه حق من المدعى عليه – أي البائع –‬
‫من تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى وليس من تاريخ صدور الحكم ذاته‪ .‬كل ذلك‬
‫بهدف مواجهة حيل البائع سيء النية وحماية المصالح والتوقعات المشروعة‬
‫للمشتري ‪.1‬‬

‫وأحياناً يحدث أن يحصل المشتري على حكم بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر‬
‫له من البائع‪ ،‬ويقوم بتسجيل صحيفة الدعوى‪ ،‬غير أنه – أي المشتري – يهمل في‬
‫تسجيل هذا الحكم‪ .‬فهل يكون للمشتري هنا مطلق الحرية بالنسبة للوقت الذي‬
‫يحق له فيه تسجيل هذا الحكم أم أنه مقيد بوقت معين يلتزم خالله بتسجيله؟‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 511‬وما بعدها؛ د محمد علي عمران‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪297‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪82‬‬
‫لقد وضع المشرع للمشتري إطا اًر زمنياً يلتزم خالله المشتري بتسجيل الحكم‬
‫الصادر بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له‪ ،‬وذلك بمقتضى القانون رقم ‪ 20‬لسنة‬
‫‪ 1471‬المعدل لقانون تنظيم الشهر العقاري رقم ‪ 111‬لسنة ‪ .1411‬وبموجب هذا‬
‫القانون يجب على المشتري أن يبادر بالتأشير على هامش الصحيفة المسجلة‬
‫بالحكم الصادر له‪ ،‬وذلك خالل خمس سنوات من التاريخ الذي يغدو فيه الحكم‬
‫نهائياً‪ ،‬أو خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1471‬بالنسبة‬
‫للحاالت السابقة على تاريخ صدوره ‪.1‬‬

‫وجاءت الحكمة من الحكم المتقدم‪ ،‬بالمذكرة اإليضاحية للقانون المذكور‪،‬‬


‫وهي ‪ ":‬أن كثي اًر من أصحاب الشأن في دعاوى صحة التعاقد يكتفون بتسجيل‬
‫الصحيفة وال يقومون بتسجيل الحكم والتأشير به بعد ذلك‪ ،‬اعتماداً منهم على أن‬
‫تسجيله والتأشير به جائز في أي وقت‪ ،‬وأنهم لن ُيضاروا بسبب هذا التراخي؛ ألن‬
‫التأشير بالحكم بعد تسجيله سوف يرجع أثره إلى وقت تسجيل صحيفة الدعوى‪،‬‬
‫وهو أمر أدى إلى اضطراب المعامالت وعدم استقرارها‪ ،‬لذا فقد ُرئى التدخل لوضع‬
‫حد زمني ال يجوز بعده لصاحب الشأن أن يستفيد من األثر الرجعي "‪.‬‬

‫وترتيباً على ما تقدم‪ ،‬فإنه ال ُيحتج بالحكم الصادر في دعوى صحة التعاقد‬
‫والذي لم ُيسجل خالل المدة المحددة‪ ،‬على من كسب بحسن نية حقاً عينياً على‬
‫العقار المبيع ‪ ،‬حتى ولو كان حق الغير حسن النية قد نشأ الحقاً لتاريخ تسجيل‬
‫ويقصد بحسن النية هنا‪ ،‬أال يكون الغيرعلى علم بالتصرف‬
‫صحيفة هذه الدعوى‪ُ .‬‬
‫الصادر من البائع للمشتري رافع الدعوي‪ ،‬وأال يكون هناك غش أو تواطؤ بينهم –‬
‫أي بين مكتسب الحق والبائع ‪. -‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬


‫‪83‬‬
‫واذا كان مكتسب الحق سيء النية‪ ،‬فإنه ُيحتج عليه بالحكم الصادر بصحة‬
‫التعاقد حتى ولو قبل التأشير بالحكم على هامش تسجيل صحيفة الدعوى خالل‬
‫المدة المحددة‪ ،‬بل وأكثر من ذلك‪ ،‬ولو تم هذا التأشير بعد انقضاء مدة الخمس‬
‫سنوات من صيروة الحكم نهائياً ‪.1‬‬

‫ولقد أدخل المشرع تعديالً جوهرياً على دعوى صحة التعاقد بمقتضى القانون‬
‫رقم ‪ 1‬لسنة ‪ .2 1441‬وبموجب هذا القانون‪ ،‬أوجب المشرع ضرورة شهر صحيفة‬
‫دعوى صحة التعاقد كشرط لقبول الدعوى أمام القضاء‪ ،‬وذلك بعد أن كان تسجيلها‬
‫متروكاً إلرادة المدعي‪ .‬وبالنسبة للطلبات العارضة وطلبات التدخل وطلبات اثبات‬
‫الصلح الشفهي أو الكتابي‪ ،‬التي تُقدم في دعوى صحة التعاقد‪ ،‬فال يلزم شهرها‪،‬‬
‫ولكن بشرط أن تُشهر صحيفة هذه الدعوى قبل تقديم هذه الطلبات‪.‬‬

‫أما إذا كانت الدعوى المرفوعة‪ ،‬دعوى أخرى غير دعوى صحة التعاقد‪،‬‬
‫كدعوى الفسخ التي يرفعها البائع على المشتري لعدم الوفاء بالثمن‪ ،‬فأي طلب‬
‫عارض أو طلب تدخل أو طلب إثبات صلح يتعلق موضوعه باثبات صحة ونفاذ‬
‫التعاقد بخصوص العقار المبيع‪ ،‬يلزم شهره حتى يلقى قبوالً من القضاء‪.3‬‬

‫ثانياً‪ :‬دعوى صحة التوقيع‪:‬‬

‫‪ -1‬تعريف دعوى صحة التوقيع‪ :‬هي دعوى تحفظية يرفعها المشتري بعقد‬
‫عرفي أو ورثته على البائع أو ورثته‪ ،‬يطلب فيها من القاضي اثبات صحة توقيع‬
‫البائع أو ختمه أو بصمته على عقد البيع‪ .‬ويلجأ إليها المشتري عندما يمتنع البائع‬
‫عن القيام باإلجراءات الالزمة لتمام تسجيل العقد‪ .‬وأحياناً يفضل المشتري رفع هذه‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬


‫‪ - 2‬صدر هذا القانون بتعديل أحكام القانون رقم ‪ 21‬لسنة ‪ 2975‬بشأن رسوم التوثيق وقانون‬
‫المرافعات المدنية والتجارية رقم ‪ 21‬لسنة ‪ ،2978‬والقوانين أرقام ‪ 111‬لسنة ‪212 ،2944‬‬
‫لسنة ‪ 217 ،2927‬لسنة ‪ 118 ،2982‬لسنة ‪.2981‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.214 ،215‬‬
‫‪84‬‬
‫الدعوى عن دعوى صحة التعاقد؛ نظ اًر لسهولة وقصر إجراءات الدعوى األولى ‪.1‬‬
‫ويجوز للمشتري أن يرفع دعوى صحة التوقيع حتى ولو كان القضاء قد سبق‬
‫ورفض دعوى صحة ونفاذ عقد البيع التي رفعها‪ ،‬متى كانت له مصلحة في ذلك‪.2‬‬

‫‪ -5‬المحكمة المختصة بنظر دعوى صحة التوقيع‪ :‬تختص المحاكم الجزئية‬


‫ب ـنظر دع ـاوى صحة التوقيع‪ ،‬كاختصاصاً نوعياً ( أي اختصاص يكون على‬
‫أساس نوع الدعوى وبصرف النظر عن قيمتها )‪ .‬وذلك وفق ما نصت عليه المادة‬
‫( ‪ ) 13‬من قانون المرافعات‪ .‬وتختص بها مكانياً‪ ،‬المحكمة الجزئية التي يقع في‬
‫دائرتها موطن المدعى عليه؛ نظ اًر لكونها دعوى شخصية‪.‬‬

‫‪ -3‬موضوع دعوى صحة التوقيع‪ :‬ينصب موضوع دعوى صحة التوقيع‬


‫على مجرد نسبة التوقيع الوارد على المحرر العرفي لصاحبه فقط ‪ ،‬دون التطرق‬
‫ألي أمر يخص الحق محل المحرر‪ .‬وال يخرج موضوع هذه الدعوى أو مصيرها‬
‫عن أحد فرضين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬الفرض الول‪ :‬إذا حضر البائع وأقر أمام القضاء بأن التوقيع الذي هو‬
‫على المحرر توقيعه هو‪ ،‬قضت المحكمة بصحة التوقيع الصادر منه‪ ،‬وبإلزام‬
‫المشتري بمصروفات الدعوى‪ .‬ونفس الحكم ينطبق إذا تغيب البائع عن حضور‬
‫جلسات المرافعة ‪ .3‬وفـ ـي هذه الحالة يقوم هذا الحكم مقام التصديق على عقد‬
‫البيع‪ .‬وبمقتضى هذا الحكم يستطيع المشتري أن يتقدم إلى مكتب الشهر العقاري‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪572 ،577‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ - 3‬د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪85‬‬
‫المختص ومعه عقد البيع العرفي والحكم الصادر لمصلحته‪ ،‬فتتم إجراءات‬
‫التسجيل دون حاجة إلى تدخل البائع ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬الفرض الثاني‪ :‬إذا حضر البائع وأنكر صدور التوقيع منه‪ :‬وهنا تتخذ‬
‫الم ـحك ـمة إج ـراءات ت ـحق ـيق ال ـتوقي ـع والتي وردت في قانون االثبات في المواد من‬
‫( ‪ .) 14 – 35‬ويتم هذا التحقيق عن طريق المضاهاة بين التوقيع الوارد على‬
‫عقد البيع العرفي وبين توقيع البائع الذي يتم استكتابه له أو التوقيع الذي يكون‬
‫البائع مق اًر بصدوره منه أو التوقيع الذي يكون ثابتاً في ورقة رسمية ‪.2‬‬

‫وبانتهاء تحقيق التوقيع‪ ،‬يتضح مدى صحة نسبة التوقيع إلى البائع‪ ،‬فإن كان‬
‫توقيعه حكمت المحكمة بذلك‪ ،‬وترتب على الحكم األثر السابق ذكره في الفرض‬
‫األول‪ .‬واذا اتضح عدم صحة التوقيع‪ُ ،‬ردت الورقة على من تمسك بها‪ ،‬وفقدت‬
‫قوتها في مواجهة البائع ‪.3‬‬

‫‪ -8‬الفرق بين دعوى صحة التعاقد ودعوى صحة التوقيع‪ :‬تتضح هذه‬
‫الفروق في األمور اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬من حيث المضمون‪ :‬تعتبر دعوى صحة التعاقد‪ ،‬دعوى موضوعية‬
‫يتعرض فيها القاضي للتصرف محل هذه الدعوى من حيث صحته وعدم صحته‪،‬‬
‫ووجوده أو انعدامه وزواله‪ ،‬وكذلك التحقق من مدى وفاء كل طرف بالتزاماته‬
‫الواردة في المحرر المرفوع به الدعوى‪ .‬أما دعوى صحة التوقيع‪ ،‬فهي دعوى‬
‫تحفظية يقتصر أثرها فقط على مجرد اطمئنان من بيده محرر عرفي أن الموقع‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪299 ،298‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.217‬‬
‫‪ - 3‬د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪.125 ،‬‬
‫‪86‬‬
‫على هذا المحرر ال يستطيع بعد الحكم في الدعوى بصحة توقيعه‪ ،‬أن ينازع في‬
‫هذا التوقيع‪.‬‬

‫ب‪ -‬من حيث التسجيل‪ :‬استلزم المشرع ضرورة تسجيل صحيفة دعوى‬
‫صحة التعاقد‪ ،‬لكي ُيحتج بالحكم الصادر فيها بأثر رجعي‪ ،‬أي من يوم تسجيل‬
‫الدعوى وليس من يوم صدور الحكم‪ .‬أما دعوى صحة التوقيع‪ ،‬فلم يشترط المشرع‬
‫تسجيلها‪ ،‬ولذلك فالحكم الصادر فيها ال يكون له حجية إال من وقت صدوره‬
‫وتسجيله‪ ،‬أي بدون أثر رجعي‪.‬‬

‫ج‪ -‬من حيث رسوم رفع الدعوى‪ :‬فرض المشرع على رفع دعوى صحة‬
‫التعاقد‪ ،‬رسم نسبي يختلف باختالف محل الدعوى أو موضوعها‪ .‬أما في دعوى‬
‫صحة التوقيع‪ ،‬فالرسم المفروض على رفعها‪ ،‬رسم ثابت وغالباً يكون أقل بكثير من‬
‫الرسم النسبي‪ .‬وهذا األمر يجعل كثي اًر من المتقاضين يفضلون رفع دعوى صحة‬
‫التوقيع بدالً من رفع دعوى صحة التعاقد‪ ،‬باإلضافة إلى سهولة وقصر أجراءات‬
‫دعوى صحة التوقيع ‪.1‬‬

‫د‪ -‬من حيث أثر الحكم أو حجيته‪ :‬تقتصر حجية الحكم الصادر بصحة‬
‫التوقيع‪ ،‬على صحة هذا التوقيع فقط دون أن يكون له أثر بالنسبة إلى صحة‬
‫التزامات الطرفين الناشئة عن العقد‪ .‬وذلك على عكس الوضع في دعوى صحة‬
‫التعاقد‪ ،‬فإذا قُضي فيها بصحة التعاقد‪ ،‬كان هذا الحكم حجة بالنسبة لجميع‬
‫االلتزامات الواردة في العقد محل الدعوى‪.‬‬

‫ولذلك‪ ،‬يجوز للبائع رغم صدور الحكم في دعوى صحة التوقيع بصحة‬
‫توقيعه‪ ،‬أن يرفع على المشتري دعوى ببطالن العقد أو فسخه أو زواله ألي سبب‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.572‬‬


‫‪87‬‬
‫من األسباب؛ وذلك ألن الحكم الصادر في هذه الدعوى – أي دعوى صحة‬
‫التوقيع – ليس له أية حجية بالنسبة لصحة العقد ونفاذه ‪.1‬‬

‫الفرع الثالث‬

‫التعديالت الواردة بالقانون رقم ‪ 146‬لسنة ‪ 5050‬الخاص بتعديل‬


‫بعض أحكام القانون رقم ‪ 118‬لسنة ‪ 1186‬بتنظيم الشهر العقاري‬
‫(إضافة المادة ‪ 32‬مكرر)‪:‬‬

‫رغبة من المشرع المصري في التخفيف من إجراءات تسجيل العقارات في‬


‫حالة التسجيل القضائي‪ ،‬فقد أصدر الـ ـ ـق ـ ـ ـانون رقم ‪ 141‬لسنة ‪ 2525‬معدالً‬
‫ألحكام قانون الشهر العقاري رقم ‪ 111‬لسنة ‪ ،1411‬وذلك بإضافة المادتين‬
‫اآلتيتين‪:‬‬

‫‪ -1‬نصت المادة الولى من القانون على أن تضاف مادة جديدة برقم (‪32‬‬
‫مكر ارً) إلى القانون رقم (‪ )118‬لسنة ‪ 1186‬بتنظيم الشهر العقاري نصها‬
‫اآلتي‪:‬‬

‫" إذا كان سند الطلب حكماً نهائياً يثبت إنشاء حق من الحقوق العينية‬
‫العقارية األصلية‪ ،‬أو نقله‪ ،‬أو تقريره‪ ،‬أو تغييره‪ ،‬أو زواله‪ ،‬يجب على أمين المكتب‬
‫إعطاء الطلب رقماً وقتياً شه اًر أو قيداً في سجل خاص لكل منهما ُيعد لذلك بعد‬
‫سداد الرسم المقرر‪ ،‬ويتحول الرقم الوقتي إلى رقم نهائي‪ ،‬ويترتب عليه اآلثار‬
‫المترتبة على شهر المحرر أو قيده‪ ،‬وذلك عند عدم االعتراض عليه أو رفض‬
‫االعتراض‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬


‫‪88‬‬
‫ويكون االعتراض على صدور الرقم الوقتي أمام قاضي األمور الوقتية خالل‬
‫شهر من تاريخ نشره بإحدى الصحف اليومية واسعة االنتشار على نفقة صاحب‬
‫الشأن‪ ،‬ويصدر القاضي ق ارره مسبباً بقبول االعتراض والغاء الرقم أو برفض‬
‫االعتراض‪ ،‬وذلك خالل سبعة أيام من تاريخ رفع االعتراض إليه مقرونا‬
‫بالمستندات المؤيدة له‪ ،‬ويكون القرار الصادر في هذا الشأن نهائيا‪.‬‬

‫وعلى شركات الكهرباء والمياه والغاز وغيرها من الشركات والجهات والو ازرات‬
‫والمصالح الحكومية عدم نقل المرافق والخدمات‪ ،‬أو اتخاذ أي إجراء من صاحب‬
‫الشأن يتعلق بالعقار إال بعد تقديم السند الذي يحمل رقم الشهر أو القيد‪.‬‬

‫وتحدد الالئحة التنفيذية إجراءات وقواعد تنفيذ أحكام هذه المادة‪.‬‬

‫‪ -5‬نصت المادة الثانية على أن ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل‬
‫به بعد ستة أشهر لتاريخ نشر‪.‬‬

‫الحكم‬
‫وسنتناول بيان هذا التعديل بإيجاز من خالل إيضاح الحكمة منه‪ ،‬و ُ‬
‫الخاص به‪ ،‬والجزاء المترتب على عدم إعمال ُحكمه‪:‬‬

‫أ‪ -‬بالنسبة للحكمة من التعديل‪ :‬فالغرض األساسي من هذا التعديل هو‬


‫التخفيف من تعقيد اإلجراءات الخاصة بتسجيل العقارات في حالة التسجيل‬
‫القضائي‪ .‬والتسجيل القضائي هو الذي يكون في حالة ما إذا آلت الملكية إلى‬
‫المشتري بعقد غير مسجل‪ ،‬أو آلت بعقد مسجل ولكن البائع رفض التسجيل‬
‫للمشتري ألي سبب من األسباب‪ .‬فهنا يحق للمشتري إجراء التسجيل بصورة‬
‫قضائية عن طريق رفع دعوى صحة ونفاذ العقد على الشخص الذي باع له‪.‬‬

‫ومن المعلوم أنه من الناحية العملية نجد أن القيام بالتسجيل القضائي يتطلب‬
‫الكثير من اإلجراءات سواء بالنسبة لرفع دعوى صحة ونفاذ العقد‪ ،‬أو بالنسبة‬

‫‪89‬‬
‫لتسجيل الحكم الخاص بهذه الدعوى بعد صدوره‪ .‬فالحصول على الحكم ذاته قد‬
‫يستغرق سنة أو أكثر من ذلك‪ ،‬ونفس األمر بصورة تقريبية بالنسبة لتسجيل هذا‬
‫الحكم‪ ،‬األمر الذي تكون نتيجته في األخير عزوف الكثير من األفراد عن القيام‬
‫جديدا يشجع األفراد على‬
‫ً‬ ‫كما‬
‫قضائيا‪ ،‬لذلك أوجد هذا التعديل ُح ً‬
‫ً‬ ‫بتسجيل عقاراتهم‬
‫قانونيا في حالة عدم التسجيل‪:‬‬
‫ً‬ ‫اء‬
‫إجراء التسجيل‪ ،‬وكذلك جز ً‬

‫ب‪ -‬بالنسبة للحكم القانوني ألذي أورده التعديل‪ :‬ومفاده أن أي مشتري‬


‫يحصل على حكم نهائي (أي حكم بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له من البائع‬
‫وغير قابل للطعن عليه باالستئناف)‪ ،‬يحق له التوجه مباشرة إلى مكتب األمين‬
‫وقتيا بعد سداد الرسم‬
‫قما ً‬‫العام للشهر العقاري‪ ،‬والذي يلتزم بإعطاء هذا المشتري ر ً‬
‫المقرر‪ ،‬ثم يتحول هذا الرقم الوقتي إلى رقم نهائي في حالة ما إذا لم يعترض عليه‬
‫أحد (أي على الرقم المؤقت)‪ ،‬أو تم االعتراض عليه إال أنه تم رفض هذا‬
‫االعتراض من قبل قاضي األمور الوقتية‪.‬‬

‫ورغبة من المشرع في احترام حقوق جميع األفراد على العقار محل التسجيل‬
‫(أو محل حكم دعوى الصحة والنفاذ)‪ ،‬فقد أجاز االعتراض على الرقم المؤقت‪،‬‬
‫ويكون هذا االعتراض أمام قاضي األمور الوقتية خالل شهر من تاريخ نشر هذا‬
‫مصحوبا بحكم الصحة والنفاذ الصادر للمشتري في إحدى الصحف اليومية‬
‫ً‬ ‫الرقم‬
‫واسعة االنتشار على نفقة صاحب الشأن (أي المشتري الصادر له حكم الصحة‬
‫والنفاذ)‪.‬‬

‫وبعد ذلك يبحث القاضي االعتراض المقدم على إعطاء الرقم المؤقت‪.‬‬
‫ويلغي‬
‫وينتهي هذا البحث إلى أمر من أمرين‪ :‬فإما أن يقبل القاضي االعتراض ُ‬
‫الرقم المؤقت‪ ،‬واما أن يرفض االعتراض ويؤيد إعطاء الرقم المؤقت‪ ،‬وبعدها‬
‫يتحول هذا الرقم إلى رقم نهائي‪ .‬كل ذلك خالل سبعة أيام من تاريخ رفع‬
‫االعتراض إلي القاضي المختص مقترًنا بالمستندات المؤيده له‪ ،‬ويكون القرار‬

‫‪90‬‬
‫نهائيا في هذا الشأن‪ ،‬وفي جميع الحاالت يلتزم القاضي بتسبيب ما انتهى إليه‬
‫ً‬
‫سواء في حالة قبول االعتراض أو في حالة رفضه‪.‬‬

‫وكان األمر قبل هذا التعديل‪ ،‬أن المشتري الذي يتحصل على حكم نهائي‬
‫بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له من البائع‪ ،‬يلتزم بتسجيل هذا الحكم‪ .‬فكان عليه‬
‫الذهاب إلى الموظف المختص في مأمورية الشهر العقاري المختصة بالتسجيل‪،‬‬
‫ليجري إجراءات تسجيل حكمه والتي كانت تمر بدورة مستندية معقدة ومرهقة‬
‫للغاية‪ ،‬والتي كانت تعادل نفس الدورة المستندية في حالة الحصول على الحكم‬
‫ذاته‪.‬‬

‫فمن أجل تفادي هذا التعقيد وهذه اإلجراءات الروتينية‪ ،‬فقد أقر المشرع‬
‫لصاحب الشأن‪ ،‬مكنة الذهاب مباشرة إلى األمين العام لمكتب الشهر العقاري (وهو‬
‫الذي كان يلجأ إليه صاحب الشأن بعد عناء شديد وفي ختام الدورة المستندية‬
‫المعقدة) بدالً من إعادة اإلجراءات بالذهاب إلى الموظف المختص‪ .‬وهنا يلتزم‬
‫قما مؤقتًا‪،‬‬
‫األمين العام بإعطاء صاحب الشأن الصادر له الحكم بالصحة والنفاذ‪ ،‬ر ً‬
‫نهائيا في حالة ما إذا لم عترض عليه أحد أو‬‫قما ً‬‫والذي بدوره إما أن يتحول إلى ر ً‬
‫تم االعتراض ولكن تم رفضه من قاضي األمور الوقتية‪ ،‬واما أن ُيلغى هذا الرقم‬
‫المقت في حالة قبول االعتراض المقدم عليه‪.‬‬

‫ج‪ -‬الجزاء المتراتب على مخالفة حكم التعديل المذكور‪ :‬نص المشرع في‬
‫المادة األولى من القانون رقم ‪ 141‬لسنة ‪ ،2525‬على التزام شركات الكهرباء‬
‫والمياه والغاز وغيرها من الشركات والجهات والو ازرات والمصالح الحكومية‪ ،‬بعدم‬
‫نقل المرافق والخدمات‪ ،‬أو اتخاذ أي إجراء من صاحب الشأن يتعلق بالعقار إال‬
‫بعد تقديم السند الذي يحمل رقم الشهر أو القيد‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وينبغي مالحظة أن األحكام الخاصة بالتعديل محل الحديث‪ ،‬تقتصر فقط‬
‫على التسجيل القضائي‪ ،‬وال تنطبق على التسجيل الرضائي‪ .‬وهذا األخير يكون في‬
‫حالة ما إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع بموجب عقد مسجل أو مشهر‪ ،‬فيذهب‬
‫البائع مع المشتري إلى الشهر العقاري للتوقيع على العقد النهائي أمام الموظف‬
‫المختص أو يحرر توكيل بالبيع لصالح المشتري‪ .‬وهذا االقتصار ُيستفاد من مطلع‬
‫نهائيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫حكما‬
‫نص المادة األولى بقولها إذا كان سند الطلب (أي طلب التسجيل) ً‬
‫والحكم النهائي ال يكون إال في حالة التسجيل القضائي فقط ‪.‬‬

‫الفرع الرابع‬

‫آثار عقد البيع بعد تسجيله‬

‫يترتب على تسجيل عقد البيع‪ ،‬انقضاء التزام البائع بنقل ملكية المبيع إلى‬
‫المشتري‪ .‬إذ بتمام التسجيل تنتقل الملكية بالفعل سواء بين المتعاقدين أو بالنسبة‬
‫للغير‪ ،‬ويصبح المشتري مالكاً للمبيع‪ .‬يستوي في ذلك أن يتم التسجيل اختيارياً من‬
‫جانب البائع‪ ،‬أو يكون اجبارياً من جانب المشتري برفعه إما دعوى صحة التعاقد‬
‫واما دعوى صحة التوقيع‪ .‬وذلك حسبما جاء بالمادة (‪ )431‬من القانون المدني‪،‬‬
‫والمادة التاسعة من قانون تنظيم الشهر العقاري‪ ،‬سالفي الذكر‪.‬‬

‫غير أن التسجيل وحده غير كاف لنقل ملكية المبيع بصورة صحيحة‪ ،‬ولكن‬
‫يلزم باإلضافة إلى التسجيل‪ ،‬وجوب أن يستند هذا األخير إلى عقداً صحيحاً‬
‫مستوفياً ألركان وجوده وشروط صحته‪ ،‬وأن يكون البيع صاد اًر من مالك للمبيع‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فإنه يلزم لنقل الملكية‪ ،‬ضرورة تسجيل العقد وأن يكون هذا التسجيل‬
‫مبنياً على تصرفاً حقيقياً وصحيحاً‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا الصدد من الناحية المنطقية هو‪:‬‬
‫كيف يمكن تسجيل عقار بعقد بيع باطل أو قابل للبطالن أو بعقد صوري أو بعقد‬
‫صادر من غير مالك للمبيع؟‬

‫تأتي اإلجابة على التساؤل السابق من منظور أخذ المشرع المصري ‪-‬‬
‫كقاعدة عامة – بنظام الشهر الشخصي وليس الشهر العيني‪ .‬حيث إنه في نظام‬
‫الشهر الشخصي‪ ،‬يتم تسجيل المحررات أمام موظف إداري ال يدخل في سلطته‬
‫التحقق من صحة المحررات المقدمة للشهر‪ ،‬وما إذا كانت مستوفية ألركانها‬
‫وشروطها أم ال‪ ،‬بل دوره يقتصر على مجرد اثبات كافة البيانات الواردة في العقد‬
‫المقدم للتسجيل بحالته دون البحث عن مدى صحة العقد أو فساده‪ ،‬على نحو‬
‫يتصور معه تسجيل عقد صوري أو باطل أو صادر من غير مالك‪ ..‬وذلك‬
‫بخالف نظام الشهر العيني‪ ،‬الذي يتم فيه شهر التصرفات تحت رقابة وعلى‬
‫مسؤولية قاض مختص‪ ،‬يكون من سلطته التحقق من صحة التصرفات قبل‬
‫شهرها‪ ،‬وعلى هذا األساس يمكنه قبول شهرها من عدمه ‪.1‬‬

‫وترتيباً على ما تقدم‪ ،‬فإذا كان العقد المسجل صورياً‪ ،‬فلن تكون له حجية في‬
‫مواجهة الغير الذي يستطيع اثبات الصورية بكافة الطرق‪ .‬واذا كان العقد المسجل‬
‫باطالً‪ ،‬جاز لألطراف ولكل ذي مصلحة التمسك ببطالنه‪ .‬واذا كان قابالً للبطالن‪،‬‬
‫جاز أن يتمسك ببطالنه من تقرر البطالن لمصلحته‪ .‬واذا كان وارداً على ملك‬
‫الغير‪ ،‬جاز للمالك الحقيقي أن يتمسك بعد نفاذ البيع في مواجهته‪ .‬وأساس كل ذلك‬
‫هو أن التسجيل ال يصحح العقد الباطل أو القابل لإلبطال‪ ،‬وال يحول دون التمسك‬
‫بالصورية أو الحكم بالفسخ أو الزوال أو عدم النفاذ‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.219 ،222‬‬


‫‪93‬‬
‫وجدير بالذكر‪ ،‬أن اشتراط التسجيل لنقل ملكية المبيع‪ ،‬ال يترتب عليه تغيير‬
‫طبيعة عقد البيع الرضائية‪ ،‬إذ مع اشتراط التسجيل يظل عقداً رضائياً وال يتحول‬
‫إلى عقداً شكلياً؛ وذلك ألن التسجيل ليس من أركان عقد البيع‪ ،‬بل هو ضروري‬
‫فقط لترتيب أثر من آثاره وهو نقل الملكية‪ ،‬دون عالقة لذلك األثر بالتأثير على‬
‫طبيعة هذا العقد ‪.1‬‬

‫وعلى الرغم من أن التسجيل المبني على التصرف الحقيقي والصحيح يترتب‬


‫عليه نقل الملكية‪ ،‬إال أن هناك بعض األمور ينبغي التعرض لها في هذ الصدد‪.‬‬
‫كالتساؤل بشأن ما إذا كان للتسجيل أثر رجعي أم ال ؟ وكذلك هل العبرة في انتقال‬
‫الملكية بسبق التسجيل أم بسبق التصرف؟ وأيضاً مسألة تسجيل العقود المتتالية‬
‫الورادة على نفس العقار النتقال الملكية إلى المشتري األخير‪ .‬وذلك على التوضيح‬
‫اآلتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬ليس للتسجيل أثر رجعي‪:‬‬

‫كانت مسألة األثر الرجعي للتسجيل من عدمه‪ ،‬مجاالً كبي اًر لالجتهاد الفقهي‪.‬‬
‫غير أننا ال نفضل عرض هذه اآلراء المتعددة منعاً لتشتيت القاريء ‪ .2‬لذلك‬
‫سنكتفي بذكر ما انتهى إليه الرأي الراجح ‪ ،3‬من أنه ليس للتسجيل أث اًر رجعياً‪،‬‬
‫ابتداء من تاريخ حدوثه بدون أثر رجعي‪ .‬فال ينسحب أثر‬
‫ً‬ ‫بمعنى أنه يحدث أثره‬
‫التسجيل إلى الوقت الذي بدأت فيه إجراءات هذا التسجيل ولكن من وقت الحدوث‬
‫الفعلي لهذا التسجيل‪.‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪282‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫‪.299‬‬
‫‪ - 2‬أنظر في هذه اآلراء‪ :‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 282‬وما بعدها؛ د سهير‬
‫منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 127‬وما بعدها؛ د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪ 112‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 886‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫وأساس ذلك أن التسجيل ال يعتبر شرطاً واقفاً يترتب على تحققه انسحاب أثر‬
‫التسجيل إلى الماضي‪ ،‬إعماالً لفكرة األثر الرجعي للشرط ‪ .‬ولكنه – أي التسجيل‬
‫– شرطاً قانونياً علق القانون على حصوله أث اًر قانونياً هو نقل ملكية العقار المبيع‬
‫إلى المشتري‪ .‬ومن المقرر أن الشرط القانوني ال يترتب عليه أثره إال من وقت‬
‫حصوله ودون أثر رجعي‪ .‬كما أن المذكرة اإليضاحية لقانون تنظيم الشهر العقاري‬
‫نفت صراحة أن يكون للتسجيل أثر رجعي ‪.1‬‬

‫ومن جانبها أيدت محكمة النقض المصرية هذا الرأي الراجح في العديد من‬
‫أحكامها‪ ،‬والتي منها على سبيل المثال‪ ،‬ماقضت به من أن‪ ":‬الشارع إنما قصد في‬
‫قانون التسجيل‪ ،‬تأخير نقل الملكية إلى أن يتم التسجيل‪ ،‬فليس التسجيل بمثابة‬
‫شرط توقيفي ينسحب بتحقيقه أثر العقد إلى يوم تاريخه‪ .‬ولذلك ال يعتبر المشتري‬
‫مالكاً إال من يوم تسجيل عقد شرائه " ‪.2‬‬

‫كما أوضحت محكمة النقض في حكم آخر لها‪ ،‬بأنه ال يجوز قياس تسجيل‬
‫صحف دعاوى صحة التعاقد بأثرها الرجعي‪ ،‬على التسجيل الذي نحن بصدده؛‬
‫وذلك ألن تقرير األثر الرجعي في حالة تسجيل صحف دعاوى صحة التعاقد‪ ،‬جاء‬
‫على سبيل اإلستثناء بغرض حماية أصحاب تلك الدعاوى تجاه من ترتبت لهم‬
‫حقوق على ذات العقار المبيع بعد تسجيل صحيفة الدعوى‪ ،‬وهذا اإلستثناء ال‬
‫يجوز التوسع فيه أو القياس عليه ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.252‬‬


‫‪ - 2‬نقض مدني‪ ،‬بتاريخ ‪2919 / 22 / 9‬؛ مشار إليه في‪ /‬د ممدوح محمد خيري هاشم‬
‫المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪ - 3‬الطعن رقم ‪ 891‬لسنة ‪ 54‬ق‪ ،‬جلسة ‪2928/7/12‬؛ مشار إليه في‪ /‬د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪95‬‬
‫ثانياً‪ :‬العبرة في انتقال الملكية عند التزاحم تكون بسبق التسجيل وليس بسبق‬
‫التصرف‪.‬‬

‫الفرض هنا أن مالك العقار المبيع‪ ،‬قام بالتصرف فيه ببيعه إلى أكثر من‬
‫شخص وذلك موجب عقود بيع متتالية‪ ،‬فالسؤال هنا ‪ :‬أياً من هؤالء المشترين‬
‫يفضل على غيره؟ وهنا نفرق بين فرضين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬الفرض الول‪ :‬إذا كان أحد المشترين قد سجل عقده ولم يسجل الباقين‬
‫عقود بيعهم ‪ :‬وهنا يفضل المشتري الذي سجل عقده على غيره من المشترين‪،‬‬
‫حتى ولو كان هذا المشتري صاحب العقد المسجل قد أبرم عقده الحقاً لكل‬
‫المشترين السابق‪ ،‬فالعبرة دائماً بتاريخ تسجيل العقد بصرف النظرف عن تاريخ‬
‫إبرامه‪ .‬وذلك ألن المشرع المصري ربط بين انتقال ملكية المبيع وبين التسجيل‪،‬‬
‫بحيت ال تنتقل الملكية إال بتمام التسجيل‪.‬‬

‫ب‪ -‬الفرض الثاني‪ :‬إذا كان المشترون قد سجلوا جميعاً عقود بيعهم‪ :‬وهنا‬
‫يفضل المشتري األسبق في التسجيل عن غيره من المشترين اآلخرين‪ .‬وسنتعرض‬
‫الحقاً لتوضيح هذا الفرض‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬وجوب تسجيل العقود المتتالية المتعلقة بذات العقار النتقال الملكية إلى‬
‫المشتري الخير‪:‬‬

‫الفرض هنا أن مالك العقار قام ببيعه لشخص آخر ( مشتر أول ) دون أن‬
‫يسجل هذا المشتري عقد البيع‪ .‬ثم قام هذا األخير – المشتري األول – ببيع ذات‬
‫الـ ـعـ ـقار لـ ـشـخص آخر ( مشتر ثان ) ولم يـ ـسجل عـ ـق ـده أي ـضاً‪ .‬ثم قـ ـام ه ـذا‬
‫األخير – المشتري الثاني – ببيع ذات آلخر ( مشتر ثالث )‪ .‬والسؤال هنا ‪ :‬هل‬
‫يلزم لكي تنتقل الملكية إلى المشتري الثالث أن يسجل العقد البيع الخاص به فقط‬
‫أم أنه يلزم تسجيل العقود السابقة على عقده؟‬

‫‪96‬‬
‫إذا أراد المشتري الثالث في الفرض السابق‪ ،‬أن تنتقل إليه الملكية بصورة‬
‫صحيحة‪ ،‬فيجب عليه أن يسجل عقد البيع الصادر إلى المشتري األول‪ ،‬وكذلك‬
‫تسجيل عقد البيع الصادر إلى المشتري الثاني‪ ،‬ثم يقو هو بعد ذلك – أي المشتري‬
‫الثالث – بتسجيل العقد الخاص به‪ .‬وذلك ألن انتقال الملكية مرتبط بالتسجيل وهذا‬
‫لم يحدث في البيوع السابقة‪ ،‬لذلك فلم تنتقل إليهم الملكية بعد ‪.1‬‬

‫غير أن اتباع الخطوات السابقة يكلف المشتري األخير من الجهد واألموال‬


‫ما يفوق طاقته‪ ،‬لذلك يجوز لهذا المشتري توفي اًر للجهد والوقت والمال‪ ،‬أن يختصم‬
‫البائع األول وسائر البائعين الالحقين لذات العقار في دعوى صحة التعاقد‪ ،‬لكي‬
‫يستطيع – أي المشتري األخير – أن يتوصل عن طريق الفصل في دعواه إلى‬
‫الحكم بصحة ونفاذ عقود البيع المتتالية بما فيها العقد الصادر له هو‪ ،‬بحيث تنتقل‬
‫إليه الملكية في األخير بعد تسجيل الحكم ‪.2‬‬

‫الفرع الخامس‬

‫أثر التسجيل عند تزاحم المشترين لذات العقار‬

‫تتبلور المشكلة القانونية لتزاحم أكثر من مشتري لعقار واحد في حالتين‪:‬‬


‫أولهما‪ ،‬الحالة التي يقوم فيها مالك العقار نفسه ببيع هذا العقار ألكثر من مشتري‪،‬‬
‫وهو ما يمكن تسميته بالتزاحم الناتج عن تصرفات صادرة من شخص واحد أي‬
‫مالك العقار‪.‬‬

‫وثاني هذه الحاالت‪ ،‬الحالة التي يشتري فيه شخص العقار من البائع ثم‬
‫يتوفى هذا األخير قبل التسجيل‪ .‬ثم يشتري شخص آخر نفس العقار من وارث‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫‪97‬‬
‫البا ئع‪ ،‬وهذا ما يمكن تسميته بالتزاحم الناتج عن تصرفات قانونية صادر من أكثر‬
‫من شخص أي المالك والوارث له‪ .‬وسنتحدث عن هاتين الحالتين بالتفصيل اآلتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تزاحم المشترين من مالك العقار نفسه ( يفضل المشتري السبق في‬
‫تسجيل عقده )‪:‬‬

‫وهنا يبيع المالك العقار ألكثر من مشتري‪ ،‬ويكون جميع المشترين مسجلين‬
‫لعقود بيعهم من المالك‪ .‬ويجب أن تصدر التصرفات المتزاحمة من شخص واحد‬
‫( أي من المالك فقط )‪ ،‬فإذا صدرت هذه التصرفات من أشخاص متعددين كأن‬
‫يصدر أحدها من المالك واآلخر من غير المالك ( فهنا يفضل المشتري من المالك‬
‫في جميع األحوال حتى ولو سجل المشتري من غير المالك عقده أوالً؛ وذلك ألن‬
‫التسجيل ال يصحح عقداً باطالً أو قابالً لإلبطال)‪ ،‬أو صدر أحدها من المالك‬
‫واآلخر من الوارث لهذا المالك‪ ،‬أو كان أحد التصرفات بيعاً واآلخر عقد آخر‪ ،‬فال‬
‫نكون في كل هذه األمثلة بصدد تزاحم لمشترين متعددين من مالك العقار نفسه ‪.1‬‬

‫وهنا يفضل المشتري بعقد مسجل حقيقي وصحيح على من كان تصرفه‬
‫صورياً أو باطالً؛ ألن المكلية تنتقل بالتسجيل والتصرف الحقيقي والصحيح‪ .‬واذا‬
‫كان المتصرف إليهم جميعاً قد سجلوا عقودهم وكانت صحيحة وحقيقية‪ ،‬فإن‬
‫األفضلية هنا تكون للمشتري الذي سبق إلى تسجيل عقده‪ ،‬بصرف النظر عن‬
‫تاريخ إبرام العقد العرفي غير المسجل‪ ،‬أي أن العبرة هنا بسبق التسجيل ال بسبق‬
‫التصرف‪.‬‬

‫واذا تم تسجيل أكثر من عقد بيع في يوم واحد وكانت جميع العقود صادرة‬
‫من مالك العقار ومتعلقة بذات العقار‪ ،‬كانت العبرة بأسبقية ساعة الشهر‪ ،‬واذا تم‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪98‬‬
‫تسجيل جميع عقود البيع في يوم واحد وفي ساعة واحدة‪ ،‬فإن العبرة تكون بأسبقية‬
‫رقم التسجيل ‪.1‬‬

‫ويجب مالحظة أن تفضيل المشتري بعقد مسجل على المشتري بعقد غير‬
‫مسجل‪ ،‬وكذلك تفضيل المشتري الذي سبق إلى تسجيل عقده على المشتري الذي‬
‫سجل عقده بعد ذلك‪ ،‬ال يمنع مشتري ذات العقار بعقد غير مسجل من تملك‬
‫العقار المبيع بالتقادم الطويل المكسب متى توافرت شروطه ‪.2‬‬

‫* اإلستثناء الوارد على قاعدة السبقية بالتسجيل وليس بتاريخ التصرف‪:‬‬

‫استثناء على قاعدة األسبقية بتسجيل التصرف وليس بتاريخ‬


‫ً‬ ‫أورد المشرع‬
‫إبرامه‪ ،‬وذلك في حالة بيع الوحدات السكنية الخاضعة لقانون إيجار األماكن رقم‬
‫‪ 131‬لسنة ‪ .1441‬وجاء هذا اإلستثناء في المادة (‪ )1/23‬من القانون المذكور‪،‬‬
‫والتي نصت على أنه‪ ":‬يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها في قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬المالك الذي يتقاضى بأية صورة من الصور‪ ،‬بذاته أو بالواسطة‪ ،‬أكثر‬
‫من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها ألكثر من مستأجر‪ ،‬أو يبيعها لغير من تعاقد‬
‫معه على شرائها‪ ،‬ويبطل كل تصرف الحق لهذا التاريخ ولو كان مسجالً‬
‫‪.".......‬‬

‫وعلى ذلك إذا باع مالك البناء وحدة سكنية ألكثر من مشتري‪ ،‬كانت‬
‫األفضلية للمشتري األول متى كان عقده صحيحاً حتى ولو لم يسجل عقده وكان‬
‫المشترون اآلخرون قد سجلوا عقودهم‪ ،‬ولو كان أيضاً تسجيل المشتري األول الحقاً‬
‫لتسجيل غيره‪ .‬أي أن العبرة بتاريخ إبرام العقد وليس بتاريخ تسجيله‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 252‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.241‬‬
‫‪ - 3‬د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪247 ،244‬؛ د حمدي محمد‬
‫عطيفي‪ ،‬ص ‪.242‬‬
‫‪99‬‬
‫* دور حسن النية في قاعدة السبقية بالتسجيل‪:‬‬

‫التساؤل الذي يثار هنا‪ :‬هل يشترط لتطبيق قاعدة السبقية في التسجيل‬
‫حسن النية؟ أي هل يلزم أال يكون المتمسك بهذه القاعدة عالماً بسبق تصرف‬
‫البائع في العقار المبيع ذاته إلى مشتر آخر‪ ،‬أم أن الملكية تنتقل إلى المشتري‬
‫األسبق في التسجيل سواء كان على علم بسبق تصرف البائع لمشتري غيره أم لم‬
‫يكن على علم بذلك ‪1‬؟‬

‫كانت مسألة حسن النية وأثرها على تسجيل عقد البيع مثا اًر كبي اًر للجدل‬
‫الفقهي والقضائي والتشريعي‪ .‬ففي ظل القانون المدني القديم‪ ،‬كان حسن النية‬
‫شرطاً الزماً لالحتجاج بسبق التسجيل‪ ،‬وذلك وفقاً للمادة ( ‪ ) 275‬من هذا‬
‫القانون‪ .‬ثم صدر بعد ذلك قانون التسجيل رقم ‪ 14‬لسنة ‪ ،1423‬الذي كان يتطلب‬
‫حسن النية لالعتداد بسبق تسجيل التصرفات الكاشفة دون التصرفات الناقلة‬
‫لحقوق عينية عقارية‪.‬‬

‫وبصدور قانون تنظيم الشهر العقاري رقم ‪ 111‬لسنة ‪ ،1411‬لم ينص على‬
‫ضرورة توافر حسن النية لالحتجاج بقاعدة أسبقية التسجيل‪ .‬وبسبب ذلك تعددت‬
‫اآلراء الفقهية في هذه المسألة‪ .‬فبعض الفقه تطلب حسن النية لكي تنتج قاعدة‬
‫أسبقية التسجيل أثرها‪ .‬والبعض اآلخر‪ ،‬يرى أن تواطؤ المشتري الثاني مع البائع‬
‫بقصد اإلضرار بالمشتري األول‪ ،‬هو فقط الذي يمنع تطبيق قاعدة أسبقية‬
‫التسجيل‪.2‬‬

‫أما الرأي الراجح‪ ،‬فيرى أنه يجب االعتداد باألسبقية في التسجيل مطلقاً‪،‬‬
‫حتى ولو كان المشتري الثاني يعلم بوجود البيع األول‪ ،‬وحتى لو كان متواطئاً مع‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪100‬‬
‫البائع‪ .‬ومبرر ذلك‪ ،‬هو وضع حد للمنازعات التي تُثار بشأن حسن أو سوء النية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ضمان االستقرار في المعامالت العقارية وتحقيق أقوى قوة ممكنة‬
‫للتسجيل كشرط الزم لنقل الملكية تمهيداً لألخذ بنظام الشهر أو السجل العيني ‪.1‬‬
‫كما أن قانون تنظيم الشهر العقاري لم يتضمن نصاً يشترط حسن النية مع‬
‫األسبقية في التسجيل لتفضيل مشتر على آخر ‪.2‬‬

‫وقد أخذت محكمة النقض المصرية بهذا الرأي األخير‪ ،3‬سواء في ظل قانون‬
‫التسجيل الصادر سنة ‪ 1423‬أم في ظل قانون تنظيم الشهر العقاري الصادر سنة‬
‫‪ ،1411‬وقررت أنه ال ُيشترط لصحة التسجيل‪ ،‬ال حسن النية وال انعدام التواطؤ‪.‬‬
‫وقضت في أحد أحكامها بأن‪ ":‬تمسك مشتري العقار بأن العقد المسجل الصادر‬
‫من البائع لمشتر آخر قد داخله الغش والتواطؤ ال يجدي‪ ،‬إذ العبرة في المفاضلة‬
‫بينهما بعد صدور قانون التسجيل هي بأسبقية التسجيل "‪.4‬‬

‫ونرى من وجهة نظرنا‪ ،‬رغم أن الرأي الذي انتهى إليه أغلب الفقه وأيدته‬
‫محكمة النفض المصرية‪ ،‬يقوم على أساس واضح وسليم وقاطع وله وجاهته‪ ،‬إال‬
‫أنه يجافي العدالة والمنطق السليم بعض الشيء‪ .‬إذ كيف ُيفضل المشتري الثاني‬
‫المتواطيء مع البائع له على المشتري حسن النية ذو التسجيل الالحق‪ ،‬السيما إذا‬
‫كان التواطؤ ظاه اًر وال يحتاج إلى بحث أو عناء؟‬

‫فما الذي يضير إذا أخذنا بحل وسط يراعي استقرار المعامالت ويحمي‬
‫الوضع الظاهر من ناحية‪ ،‬ويضع في اعتباره أيضاً مصالح المشتري حسن النية‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪122‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.121‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.861‬‬
‫‪ - 4‬نقض مدني‪ ،‬جلسة ‪2959/2/12‬؛ مشار إليه في‪ /‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.121‬‬
‫‪101‬‬
‫من ناحية أخرى! لذلك نرى عدم االعتداد بقاعدة أسبقية التسجيل في الحالة التي‬
‫يوجد فيها تواطؤ بين المشتري المتواطيء والبائع بقصد اإلضرار بالمشتري األول‪.‬‬
‫وبخالف هذه الحالة ُيعمل بقاعدة أسبقية التسجيل بصورة مطلقة‪ .‬لذلك فنحن نتفق‬
‫مع الرأي الثاني فيما ذهب إليه‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬تزاحم المشترين من المورث مع المشترين من الوارث‪:‬‬

‫والتزاحم هنا ال يكون سببه تصرفات المالك فقط ‪ ،‬بل يشترك معه الوارث‬
‫لهذا البائع‪ .‬فيكون هناك مشتري من البائع بعقد غير مسجل‪ ،‬وبعد وفاة هذا البائع‬
‫قام الوارث له ببيع نفس العقار لمشتري آخر وسجل له عقده‪ .‬فلمن تكون‬
‫األفضلية؟ أي هل تكون للمشتري من البائع بعقد غير مسجل أم للمشتري من‬
‫الوارث بعقد مسجل؟‬

‫‪ -1‬حسم الفضلية وفقاً لقانون التسجيل رقم ‪ 14‬لسنة ‪ :1153‬وهنا‬


‫وقضاء في ظل هذا القانون‪ ،‬إلى القول بأن أموال المورث‬
‫ً‬ ‫انتهى الرأي الراجح فقهاً‬
‫بما فيها ملكية العقار المبيع بعقد غير مسجل‪ ،‬تؤول إلى الوارث ويكون العقد‬
‫الصادر من هذا األخير صاد اًر من مالك‪ .‬فإذا ُسجل هذا العقد انتقلت ملكية العقار‬
‫إلى المشتري منه‪ .‬وال يكون للمشتري من المورث سوى مطالبة التركة والوارث الذي‬
‫آلت إليه بالتعويض ‪.1‬‬

‫‪ -5‬حسم الفضلية وفقاً لقانون تنظيم الشهر العقاري رقم ‪ 118‬لسنة‬


‫‪ :1186‬لقد وضع هذا القانون حلول األفضلية بالنسبة للفرض محل الحديث‪،‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.271‬‬


‫‪102‬‬
‫وذلك في المادتين ( ‪ ) 11 ، 13‬منه‪ .‬ومن مجمل ما نصت عليه هاتين المادتين‪،‬‬
‫نفرق بين فرضين هما ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬الفرض الول‪ :‬إذا لم يكن الوارث قد سجل حقه في األرث بعد ( عدم‬
‫إشهار الوارث لحق إرثه )‪ :‬وهنا ال يستطيع الوارث شهر أي تصرف يصدر منه‬
‫إلى الغير‪ ،‬وبالتالي يكون المشتري من المورث مفضالً على المشتري من الوارث‪،‬‬
‫وال ُيحت ج عليه بتصرفات الوارث قبل شهرها‪ ،‬ويستطيع أن يطالب الوارث بتنفيذ‬
‫التزام مورثه تنفيذاً عينياً بنقل الملكية‪.‬‬

‫ب‪ -‬الفرض الثاني‪ :‬إذا كان الوارث قد قام بشهر حق اإلرث‪ :‬وهنا يجب‬
‫على من اشترى من المورث أن يسارع بالتأشير بحقه على هامش تسجيل اإلرث‬
‫بوصفه دائناً عادياً‪ ،‬بشرط أن يتم ذلك قبل انقضاء سنة من تاريخ تسجيل حق‬
‫اإلرث‪ .‬فإذا قام المشتري من المورث بذلك‪ ،‬فإنه ُيفضل على من اشترى من‬
‫الوارث حتى ولو كان هذا األخير أسبق في تسجيل عقده‪.‬‬

‫أما إذا أهمل المشتري من المورث ولم يؤشر بحقه أو أشر به ولكن بعد‬
‫انقضاء سنة من تاريخ تسجيل حق اإلرث‪ ،‬فإن األفضلية بينه وبين من اشترى من‬
‫الوارث على أساس األسبقية في التسجيل وفقاً للقاعدة العامة‪.‬‬

‫‪ - 1‬د سهير منتصر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪115 ،111‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪ 122‬وما بعدها؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪285‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.277 ،274‬‬
‫‪103‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫التزام البائع بتسليم المبيع‬

‫يعتبر االلتزام بتتسليم المبيع‪ ،‬التزاماً متفرعاً عن التزامه بنقل الملكية‪ .‬وهو‬
‫من مقتضيات عقد البيع‪ ،‬ومن أهم التزامات البائع المترتبة على العقد حتى ولو لم‬
‫ويستفاد هذا االلتزام من نص المادة ( ‪ ) 251‬من القانون المدني‪،‬‬
‫ُينص عليه فيه‪ُ .‬‬
‫التي نصت على أنه‪ ":‬االلتزام بنقل حق عيني يتضمن االلتزام بتسليم الشيء‬
‫ويالحظ أن هذا النص ال يصدق فقط على عقد‬ ‫والمحافظة عليه حتى التسليم "‪ُ .‬‬
‫البيع بمفرده‪ ،‬بل يصدق على كل العقود الناقلة لحق عيني كعقد البيع والمقايضة‬
‫والهبة والشركة‪ .‬ويعد التزام البائع بتسليم المبيع‪ ،‬التزاماً بعمل يتمثل في نقل حيازة‬
‫المبيع إلى المشتري‪ ،‬وهو التزام بتحقيق نتيجة وليس ببذل عناية‪ ،‬أي أن ذمة البائع‬
‫ال تب أر من هذا االلتزام إال بتسليم المشتري الشيء المبيع‪.‬‬

‫وتبدو أهمية التسليم في كثير من األمور‪ .‬فبالتسليم تنتقل تبعة هالك‬


‫الشيء المبيع إلى المشتري أما قبل التسليم فهى على البائع‪ .‬كما يترتب عليه‬
‫أيضاً‪ ،‬أن من وقت التسليم يلتزم المشتري في مواجهة البائع بالفوائد القانونية عن‬
‫الثمن المتأخر في ذمته‪ ،‬وذلك إذا كان المبيع قابالً ألن ينتج ثما اًر أو إيرادات‬
‫أخرى‪ ،‬أما إذا لم يقم البائع بتسليم المبيع إلى المشتري ولم يقم بإعذار هذا األخير‪،‬‬
‫فال حق له في هذه الفوائد‪.‬‬

‫كما أن التسليم إذا تم بنقل الحيازة المادية ‪ ،‬فإنه يعلب دو اًر هاماً في بيوع‬
‫األشياء المادية والسندات لحاملها‪ ،‬ففي هذه البيوع قد تتعطل الملكية التي تنتقل‬
‫بمجرد العقد إلى المشتري نتيجة لتصرف البائع في المنقول مرة أخرى إلى مشتر‬
‫حسن النية‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬فإن التسليم أحياناً يكون الطريقة التي يتم بها انتقال ملكية‬

‫‪104‬‬
‫المبيع إلى المشتري في بعض البيوع‪ ،‬كبيع األشياء المعينة بالنوع والتي ال تنتقل‬
‫ملكيتها إال باإلفراز ‪.1‬‬

‫وعلى ذلك سنتعرض لدراسة التزام البائع بتسليم المبيع‪ ،‬من خالل التعرض‬
‫لمحل هذا التسليم ( مطلب أول )‪ .‬وك ـذلك ط ـريقة التـ ـسليم وم ـك ـانه وزمـانه ونفقاته‬
‫( مطلب ثان )‪ .‬ثم جزاء إخالل البائع بالتزامه بالتسليم ( مطلب ثالث )‪ .‬وأخي اًر‪،‬‬
‫التعرض لتبعة هالك المبيع قبل التسليم ( مطلب رابع )‪.‬‬

‫المطلب الول‬

‫محل التسليم ( المبيع وملحقاته )‬

‫بينت المادة ( ‪ ) 131‬من القانون المدني‪ ،‬ما يلتزم البائع بتسليمه للمشتري‪،‬‬
‫إذ نصت على أنه ‪ ":‬يلتزم البائع بتسليم المبيع للمشتري بالحالة التي كان عليها‬
‫وقت البيع "‪ .‬وعلى ذلك يلتزم البائع ب ـتس ـليم ال ـمب ـيع ال ـمت ـفق ع ـلي ـه فـ ـي ع ـقد البيع‬
‫( فرع أول )‪ ،‬وكذلك ملحقات هذا المبيع ( فرع ثان )‪.‬‬

‫الفرع الول‬

‫تسليم المبيع المتفق عليه في العقد‬

‫يقيد تسليم البائع للمبيع بقيدين‪ ،‬أولهما‪ :‬وجوب أن يتم تسليم المبيع بالحالة‬
‫التي كان عليها هذا المبيع وقت البيع‪ .‬وثانيهما‪ ،‬ضرورة أن يتم التسليم بالمقدار‬
‫المتفق عليه في العقد‪ .‬وسنوالي شرح هذين القيدين على الوجه اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬شرح أحكام عقد البيع‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬سنة ‪ ،2992‬ص‬
‫‪511 ،511‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.278‬‬
‫‪105‬‬
‫أوالً‪ :‬القيد الول‪ :‬وجوب تسليم المبيع بالحالة التي كان عليها وقت البيع‪:‬‬

‫ويثير هذا القيد العيد من التساؤالت‪ ،‬منها ما يتعلق بكيفية تعيين حالة المبيع‬
‫وقت البيع؟ ومنها ما يخص الحكم في حالة ما إذا تغيرت حالة المبيع من وقت‬
‫البيع إلى وقت التسليم؟ وأخي اًر‪ ،‬ما هو حكم تعيين الحالة التي يجب تسليم المبيع‬
‫عليها بموجب اتفاق خاص؟‬

‫‪ -1‬كيفية تعيين حالة المبيع وقت البيع‪ :‬تختلف طريقة التعيين بحسب‬
‫الشيء المبيع‪ .‬فإذا كان المبيع شيئاً معيناً بالذات‪ ،‬فيلزم أن يكون معيناً تعييناً‬
‫كافياً يوصف حالة المبيع وقت البيع‪ ،‬أي أن البائع يلتزم بأن يقدم للمشتري كافة‬
‫البيانات الالزمة للكشف عن حالة المبيع وقت البيع حتى يستطيع المشتري أن‬
‫بناء على هذه البيانات‪ .‬ويجب على البائع أن يسلم المبيع‬
‫يضع الثمن المناسب ً‬
‫بذاته كما ورد في تعيينه وقت البيع ‪.1‬‬

‫واذا كان المبيع شيئاً معيناً بالنوع‪ ،‬فالعقد هو الذي يحدد حالة المبيع التي‬
‫يجب تسليمه عليها‪ .‬فإذا لم يوجد اتفاق على ذلك‪ ،‬تعين الرجوع إلى العرف أو إلى‬
‫أي ظرف آخر مالبس إلبرام العقد‪ .‬واذا تعذر التعيين لعدم توافر أياً من األمور‬
‫السابقة‪ ،‬فإن البائع يلتزم بتسليم المشتري شيئاً من صنف متوسط الجودة ‪ .2‬واذا‬
‫كان البيع بالعينة‪ ،‬وجب أن يكون ما يسلمه البائع للمشتري مطابقاً لهذه العينة‬
‫بصرف النظر عن درجة جودتها ‪.3‬‬

‫ويجب مالحظة أن البائع يلتزم بتسليم المبيع للمشتري بصورة كلية‪ ،‬فال ُيجبر‬
‫المشتري على قبول جزء منه؛ ألن الوفاء الجزئي ال يجوز إذا لم يرض به الدائن‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬


‫‪ - 2‬المادة ‪ 211‬من القانون المدني‪.‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.515‬‬
‫‪106‬‬
‫بهذا الوفاء أي المشتري‪ .‬كما أن البائع يلتزم بتسليم المبيع ذاته وليس شيئاً آخر‬
‫ولو كان هذا األخير أفضل من المبيع محل التسليم ‪.1‬‬

‫‪ -5‬حكم تغيير حالة المبيع‪ :‬ذكرنا آنفاً‪ ،‬أن التزام البائع بتسليم المبيع‬
‫بالحالة التي كان عليها وقت العقد‪ ،‬هو التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬ولذلك إذا حدث تغيير‬
‫في المبيع فإن حكمه يختلف بحسب موقف المشتري من هذا التغيير‪ ،‬وما إذا كان‬
‫هذا التغيير إلى األفضل أم إلى األسوأ‪ .‬وعلى ذلك نفرق بين فرضين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬الفرض الول‪ :‬إذا تسلم المشتري المبيع دون أن يعترض على التغيير‬
‫الذي لحق به واستمر عدم االعتراض مدة كافية يفترض مرورها أنه قد عاين‬
‫المبيع بعد التغيير ومع ذلك ارتضاه‪ :‬وهنا ال يجوز للمشتري أن يحتج بأن المبيع‬
‫لم يكن في الحالة التي كان عليها وقت البيع؛ حيث إن سكوته طيلة هذه المدة إما‬
‫يدل على أن المبيع وقت التسليم كان في نفس حالته وقت البيع‪ ،‬واما يدل على أن‬
‫هناك تغيي اًر قد ط أر على المبيع ما بين مدة إبرام العقد ومدة تسليم المبيع ولكن‬
‫المشتري قد تسامح في هذا الفرق ونزل عن حقه في التمسك به ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬الفرض الثاني‪ :‬والذي فيه يعترض المشري على التغيير الذي لحق‬
‫الم بيع في المدة ما بين فترتي إبرام العقد وتسليم المبيع‪ :‬وهنا يقع على عاتق البائع‬
‫عبء إثبات أن حالة المبيع لم تتغير عما كانت عليه وقت البيع‪ ،‬وذلك باعتبار أن‬
‫البائع هو المدين بااللتزام بالتسليم‪ .‬فإذا ثبت وجود تغيير في المبيع‪ ،‬فاألمر ال‬
‫يخلو من أحد أمرين هما‪:‬‬

‫* المر الول‪ :‬إذا كان التغيير إلى األسوأ ‪ ،‬أي كان ضا اًر بالمشتري‪ :‬فهنا‬
‫يكون البائع مسئوالً عن هذا التغيير دائماً‪ ،‬أي سواء حدث بفعله هو – أي بفعل‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬عقد البيع‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬سنة ‪ ،2921‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.521‬‬
‫‪107‬‬
‫البائع – أو بفعل الغير أو بقوة قاهرة؛ وذلك ألن تبعة هالك المبيع كلياً أو جزئياً‬
‫بسبب أجنبي تكون على البائع قبل التسليم‪ .‬أي أن البائع هنا يلتزم بإعادة المبيع‬
‫إلى الحالة التي كان عليها وقت التعاقد‪ ،‬واال التزم بتعويض المشتري‪ .‬كما يجوز‬
‫لهذا األخير أن يطلب فسخ العقد‪ .‬غير أن إعمال هذه األحكام مقيد بأال يكون‬
‫التغيير بفعل المشتري نفسه ‪.1‬‬

‫* المر الثاني‪ :‬إذا كان التغيير إلى األفضل‪ ،‬أي نافعاً للمشتري‪ :‬فإذا كان‬
‫هذا التغيير بسبب أجنبي‪ ،‬كأن يلتصق طمي بأرض زراعية‪ ،‬كانت الزيادة من‬
‫نصيب المشتري وال يلتزم بدفع مقابل عليها للبائع؛ وذلك ألن المشتري هو صاحب‬
‫الحق في نماء المبيع من وقت العقد ‪.2‬‬

‫أما إذا كان التغيير بفعل البائع كما لو بنى على األرض المبيعة أو غرس‬
‫فيها غرساً‪ .‬فهنا يعتبر البائع قد فعل ذلك في ملك الغير وهو على علم بذلك‪.‬‬
‫وعلى ذلك إذا كانت المصروفات التي أنفقها البائع ضرورية لحفظ المبيع من‬
‫التلف أو الهالك‪ ،‬فإنه ال يرجع بشيء منها على المشتري؛ ألنه – أي البائع –‬
‫ملزم بالمحافظة على المبيع وتسليمه‪.‬‬

‫واذا كان ما أجراه البائع من قبيل المصروفات النافعة‪ ،‬كغرسه أو بناءه على‬
‫األرض الـ ـمبي ـعة‪ ،‬ف ـه ـنا ن ـط ـبق قـ ـواعـ ـد االلـ ـتصاق الـ ـمن ـصوص ع ـ ـلي ـها فـ ـي المادة‬
‫( ‪ ) 431‬من القانون المدني‪ ،‬والتي تقضي بجواز طلب المشتري من البائع‪ ،‬إزالة‬
‫ما أحدثه هذا األخير من تغييرات مع المطالبة بالتعويض إن كان له محل وذلك‬
‫خالل سنة من اليوم الذي يعلم فيه بإقامتها‪ .‬كما يجوز للمشتري أن يطلب استبقاء‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪111‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪522‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.221 ،222‬‬
‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪108‬‬
‫هذه التغييرات نظير دفع قيمتها مستحقة اإلزالة أو دفع مبلغ يساوي ما زاد في‬
‫األرض بسبب هذه التغييرات‪.‬‬

‫واذا كان ما قام به البائع من قبيل المصروفات الكمالية‪ ،‬كما لو زخرف‬


‫جدران المنزل المبيع‪ ،‬فال يحق للبائع أن يطالب المشتري بها‪ ،‬وله حق نزعها من‬
‫المبيع ما لم يترتب على النزع ضرر بالمبيع ككل‪ .‬ويحق للمشتري أن يستبقيها‬
‫مقابل دفع قيمتها مستحقة اإلزالة للبائع ‪.1‬‬

‫‪ -3‬حكم تعيين الحالة التي يجب تسليم المبيع عليها بموجب اتفاق‬
‫خاص‪ :‬من الجدير بالذكر في هذا الصدد‪ ،‬أن الحكم الذي أوردته المادة ( ‪) 131‬‬
‫سالفة الذكر‪ ،‬والذي يقضي بالتزام البائع بأن يسلم المبيع للمشتري بالحالة التي كان‬
‫عليها وقت البيع‪ ،‬ال يعتب اًر نصاً آم اًر‪ ،‬بل هو نصاً مكمالً‪ ،‬أي أنه يجوز لألطراف‬
‫االتفاق على مخالفته‪ .‬كأن يتفقوا على أن يكون تسليم المبيع وقت حدوث هذا‬
‫التسليم بحالة جيدة حتى ولو لم يكن المبيع كذلك عند البيع‪.‬‬

‫ويعمل به في هذه الحالة‬


‫فمثل هذا االتفاق األخير جائز من الناحية القانونية ُ‬
‫وليس بالنص المذكور‪ .‬وعلى من يتمسك بوجوده ‪ -‬أي االتفاق – فعليه أن‬
‫يثبته؛ ألن األصل أن يتم تسليم المبيع بحالته وقت البيع‪ .‬فإذا ثبت وجود هذا‬
‫االتفاق‪ ،‬فإن البائع يكون ملزماً بالتسليم حسبما هو وراد في االتفاق ‪ ،‬وان لم يفعل‬
‫ذلك كان للمشتري أن يرجع عليه بالتعويض‪ ،‬أو أن يطلب الفسخ إذا كان عدم‬
‫تنفيذ البائع لالتفاق يؤدي إلى تفويت الغرض الذي قصده المشتري من المبيع ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.221 ،221‬‬


‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.115 ،111‬‬
‫‪109‬‬
‫ثانياً‪ :‬القيد الثاني‪ :‬وجوب أن يتم التسليم بالمقدار المتفق عليه في العقد‪:‬‬

‫يلتزم البائع بأن يسلم المبيع للمشتري ليس فقط بالحالة التي كان عليها وقت‬
‫البيع‪ ،‬بل يلزم أن يكون هذا التسليم بنفس القدر المتفق عليه في العقد‪ ،‬وهو ما قد‬
‫يثير في بعض األحيان مشكلة زيادة أو نقص المبيع‪.‬‬

‫غير أن هذه المشكلة األخيرة‪ ،‬ال تُثار في حالة بيع األشياء المعينة بالنوع؛‬
‫ألن العقد يتضمن تحديدها تحديداً دقيقاً أو األقل ما يمكن به تعيين هذا المقدار‪.‬‬
‫فإذا كان المبيع أقل من المتفق عليه‪ ،‬جاز للمشتري أن يطالبه بالقدر الباقي‪ ،‬وله‬
‫في سبيل ذلك أن يحصل على هذا الباقي من نفس نوع المبيع من األسواق على‬
‫نفقة البائع بعد استئذان القاضي أو دون استئذانه في حالة االستعجال ‪.1‬‬

‫أما إذا كان المبيع شيئاً معيناً بالذات‪ ،‬فإن البائع يكون ضامناً لمقداره‪ ،‬كبيع‬
‫قطعة أرض مساحتها كذا متر‪ ،‬فمن المحتمل أن يتغير هذا المقدار عند التسليم‬
‫سواء بالزيادة أو بالنقص‪ .‬وهذا ما تناولته المادة ( ‪ ) 133‬من القانون المدني‪.‬‬
‫وعلى ذلك سنتعرض لحكم العجز في مقدار المبيع‪ ،‬وحكم زيادة مقداره‪ ،‬وكذلك‬
‫تقادم الدعاوى الناشئة عن نقص أو زيادة المبيع‪.‬‬

‫‪ -1‬حكم العجز أو النقص في مقدار المبيع‪ :‬جاء التنظيم التشريعي لهذه‬


‫الحالة في المادة (‪ )1/133‬من القانون المدني‪ ،‬والتي بينت أنه في حالة ما إذا‬
‫نقص المبيع عن القدر الذي ضمنه البائع للمشتري‪ ،‬فالفيصل هنا هو اتفاق‬
‫األطراف حيث يجب العمل بما جاء فيه‪ .‬وان لم يوجد مثل هذا االتفاق‪ ،‬تعين‬
‫ووجد عرفاً يقضي بالتسامح في هذا‬
‫الرجوع إلى العرف‪ ،‬فإذا كان النقص يسي اًر‪ُ ،‬‬

‫‪ - 1‬المادة ( ‪ )1/114‬من القانون المدني‪.‬‬


‫‪110‬‬
‫النقص اليسير في المبيع – كالبيوع التجارية ‪ ، -‬فال يجوز للمشتري أن يرجع على‬
‫البائع بشيء ‪.1‬‬

‫أما إذا كان النقص جسيماً أومحسوساً‪ ،‬كان للمشتري حرية االختيار بين‬
‫أمرين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬طلب التعويض عن طريق طلب إنقاص الثمن‪ :‬ويكون ذلك بالقدر الذي‬
‫يجبر ضرر المشتري بسبب إخالل البائع بالتزامه بضمان القدر المبيع‪ .‬ويحدث‬
‫ذلك بإنقاص الثمن بنسبة العجز في المبيع إذا كان العجز محسوساً وال يتسامح‬
‫فيه‪ .‬مع األخذ في االعتبار أحقية المشتري في التعويض المركب وذلك في حالة‬
‫ما إذا كان النقص في مقدار المبيع مما يعيب المبيع نفسه‪ ،‬فينشأ عن ذلك‬
‫ض ارران‪ ،‬أحدهما بسبب العجز في مقدار المبيع واآلخر بسبب العيب الناتج عن‬
‫هذا العجز ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬طلب الفسخ‪ :‬وال يحق للمشتري االلتجاء إلى طلب فسخ العقد بسبب‬
‫نقص المبيع‪ ،‬إال إذا أثبت أن هذا النقص قد بلغ حداً من الجسامة بحيث لو أنه –‬
‫أي المشتري – كان يعلمه قبل إبرام العقد‪ ،‬لما أتم هذا األخير‪ .‬أي أن العجز هنا‬
‫فوت على المشتري غرضه من الشراء‪ .‬فإذا نجح في إثبات ذلك‪ ،‬أُجيب إلى طلبه‬
‫بفسخ البيع‪ ،‬واال اكتفى بطلب إنقاص الثمن على النحو الذي بيناه آنفاً‪.3‬‬

‫وجدير بالذكر‪ ،‬أنه في حالة نقص مقدار المبيع عما هو متفق عليه‪،‬‬
‫يقتصر حق المشتري على طلب إنقاص الثمن أو فسخ البيع على حسب األحوال‪،‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪594‬؛ د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪117‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.518‬‬
‫‪ - 3‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪111‬‬
‫دون أن يكون له حق طلب تكملة المبيع من البائع إلى القدر المذكور في العقد؛‬
‫ألن البائع التزم بتسليم مبيع معين بذاته فال ُيجبر على تسليم غيره‪.1‬‬

‫‪ -5‬حكم الزيادة في مقدار المبيع‪ :‬بينت المادة ( ‪ )2/133‬مدني‪ ،‬حكم‬


‫ويستفاد من هذا المادة أنه إذا ُوجد اتفاق بين األطراف‬
‫زيادة المبيع عند التسليم‪ُ .‬‬
‫يضع حكماً لحالة الزيادة‪ ،‬وجب إعمال هذا االتفاق‪ .‬وفي حالة عدم وجود هذا‬
‫األخير‪ ،‬فيلزم التفرقة بين ما إذا كان ثمن المبيع قد تم تحديده على أساس سعر‬
‫الوحدة أو تم تقديره جملة واحدة‪:‬‬

‫أ‪ -‬إذا كان الثمن محدداً على أساس سعر الوحدة‪ :‬وهنا نميز بين ما إذا‬
‫كان المبيع ال يقبل التبعيض أو يقبله‪:‬‬

‫* إذا كان المبيع ال يقبل التبعيض‪ :‬سواء ألن تبعيضه يتلفه أو يترتب عليه‬
‫ضرر للبائع ولو لم يتلف المبيع‪ ،‬كما لو كان المبيع قطعة أرضة مساحتها ألف‬
‫متر بسعر كذا للمتر وتبين أن مساحتها الفعلية ألف متر وعشرون‪ .‬وفي هذه‬
‫الحالة ال يحق للمشتري طلب تجزئة المبيع وأخذ القدر المتفق عليه فقط ألن هذه‬
‫التجزئة ستلحق ضر اًر بالبائع لكونه لن يستطيع التصرف في العشرون متر الباقية‬
‫نظ اًر لقلتها‪ ،‬ولكنه يلتزم – أي المشتري ‪ -‬بأخذ الزيادة في المبيع على أن يكمل‬
‫الثمن على أساس سعر الوحدة المتفق عليه‪ .‬غير أنه يحق للمشتري طلب فسخ‬
‫البيع إذا كانت الزيادة في مقدار المبيع جسيمة بحيث لو علم بها المشتري وقت‬
‫التعاقد لما أقدم عليه ‪.2‬‬

‫* إذا كان المبيع يقبل التبعيض بغير ضرر للبائع‪ :‬كبيع ما في المخزن من‬
‫قمح على أنه خمسون أردباً بسعر كذا جنيهاً لألردب‪ ،‬ثم تبين عند التسليم أن‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.518‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪511 ،519‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪112‬‬
‫بالمخزن سبعين أردباً‪ .‬فهنا تكون الزيادة للبائع وال يأخذ المشتري سوى القدر المتفق‬
‫عليه في العقد‪ .‬وال يجوز للمشتري إجبار البائع على تسليمه كل الكمية في مقابل‬
‫زيادة الثمن‪ ،‬كما ال يجوز للبائع أن يجبره على أخذ الزيادة مع زيادة الثمن‪ ،‬إال‬
‫بعقد بيع جديد ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬إذا كان الثمن مقد ارً جملة واحدة‪ :‬لم يضع نص المادة (‪ )2/133‬حكماً‬
‫خاصاً لهذه الحالة‪ ،‬لذلك يكون الرجوع هنا إلى قصد المتعاقدين والقوعد العامة‪.‬‬
‫وبتطبيق هذه األخيرة على الحالة محل الحديث‪ ،‬يتضح أن ذكر المتعاقدين مقدار‬
‫المبيع مع تعيين الثمن جملة واحدة‪ ،‬إنما كان – أي المقدار – على وجه التقريب‪،‬‬
‫فال يكون للزيادة أي أثر عليه وتكون هذه الزيادة من نصيب المشتري وال يستطيع‬
‫البائع أن يطالبه بزيادة في الثمن ‪.2‬‬

‫وأساس هذا الحكم كما يقول الشرعيون‪ ،‬أن تحديد مقدار المبيع مع تحديد‬
‫ثمنه جملة‪ ،‬إنما هو من قبيل الوصف‪ ،‬والوصف ال يقابله شيء من الثمن‪،‬‬
‫فالوصف إن جاء خي اًر مما ُذكر فهذا من حظ المشتري‪ .‬باإلضافة إلى أن المبيع‬
‫كان بيد البائع ولكنه لم يحتاط بالقدر الكاف عند تحديد مقدار المبيع‪ ،‬لذلك فال‬
‫يحق له أن يحتج بتقصيره في هذا الشأن‪ ،‬بل أن عدم احتياطه يدل على أن البائع‬
‫ارتضى هذا الثمن في كل المبيع ‪.3‬‬

‫‪ -3‬تقادم الدعاوى الناشئة عن نقص المبيع أو زيادته‪ :‬تنشأ عن نقص‬


‫المبيع أو زيادته وفقاً لما جاء بالمادة ( ‪ ) 131‬من القانون المدني‪ ،‬ثالث دعاوى‬
‫هي‪ :‬دعوى إنقاص الثمن وتتقرر للمشتري إذا كان في المبيع نقصاً محسوساً‪.‬‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪594‬؛ د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪117‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪172‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.228‬‬
‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.597 ،594‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.512 ،511‬‬
‫‪113‬‬
‫ودعوى فسخ البيع وتتقرر للمشتري أيضاً في حالة ما إذا كان نقص المبيع جسيماً‬
‫أو كانت هناك زيادة في المبيع جسيمة وكان البيع مقد اًر على أساس سعر الوحدة‬
‫ولم يكن المبيع قابالً للتبعيض‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬دعوى تكملة الثمن وتقرر للبائع إذا كان‬
‫المبيع ال يقبل التبعيض وكانت هناك زيادة في المبيع وكان الثمن محدد على‬
‫أساس سعر الوحدة ‪.1‬‬

‫وتتقادم الدعاوى الثالث جميعها‪ ،‬بمضي سنة واحدة من وقت التسليم الفعلي‬
‫للمبيع‪ .‬أي ال ُيعتد هنا بصور تسليم المبيع األخرى كالتسليم الحكمي أو التسليم‬
‫الرمزي؛ وذلك ألن التسليم الفعلي هو وحده الذي يهييء للمشتري وللبائع مكنة‬
‫التحقق من مقدار المبيع‪ ،‬على نحو يسهل لهما كشف حقيقة العجز أو الزيادة‬
‫فيه‪.2‬‬

‫وتتمثل الحكمة من تقرير مدة تقادم قصيرة للدعاوى الثالث سابقة الذكر‪ ،‬في‬
‫مراعاة مقتضيات استقرار التعامل‪ ،‬ولكي ال يبقى البائع مهدداً مدة طويلة برجوع‬
‫المشتري عليه بدعوى إنقاص الثمن أو دعوى فسخ البيع‪ ،‬وكذلك لكي ال يظل‬
‫المشتري مهدداً برجوع البائع عليه بدعوى تكملة الثمن ‪.3‬‬

‫وال تسري أحكام وقف التقادم على مدة التقادم التي نحن بصددها‪ .‬كما ال‬
‫يجوز االتفاق على إطالة هذه المدة أو نقصها أو النزول عنها قبل كشف حالة‬
‫العجز أو الزيادة التي تنشأ الدعوى بسببها‪ .‬ويجوز الدفع بهذا التقادم في أية حالة‬
‫كانت عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع ولو ألول مرة أمام محكمة النقض‪.‬‬
‫ويجوز النزول عن أياً من هذه الدعاوى الثالث صراحة أو ضمناً‪ ،‬ويعد نزوالً‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪599‬؛ د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.592‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.512‬‬
‫‪114‬‬
‫ضمنياً من المشتري عن دعوى إنقاص الثمن أو فسخ البيع‪ ،‬وضع يده على المبيع‬
‫دون تحفظ بعد علمه بالعجز ‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‬

‫تسليم ملحقات المبيع‬

‫ملحقات الشيء المبيع وفقاً لما نصت عليه المادة ( ‪ ) 132‬مدني‪ ،‬هي كل‬
‫ما أُعد بصفة دائمة الستعمال هذا الشيء‪ ،‬وذلك طبقاً لما تقضي به طبيعة‬
‫األشياء وعرف الجهة وقصد المتعاقدين‪ .‬وان كانت صياغة هذا النص يعتريها‬
‫العوار؛ ألن ظاهر النص يوحي بأن المحلقات شيئاً آخر غير ما أعد بصفة دائمة‬
‫الستعمال الشيء‪.‬‬

‫ونظ اًر ألن فكرة الملحقات تستعصي بطبيعتها على التحديد‪ ،‬فإن أفضل‬
‫طريقة لتحديدها هي طريقة اإلستبعاد‪ ،‬وذلك عن طريق تمييز ملحقات الشيء عما‬
‫يشتبه بها من أمور أخرى‪ .‬فال تشمل ملحقات الشيء أجزائه؛ ألنها من أصل‬
‫المبيع ذاته كاألرض المقام عليها البناء‪ .‬وكذلك نماء الشيء المبيع – كل ما زاد‬
‫في المبيع بعد البيع ‪ -‬يعتبر من أصله وليس من ملحقاته‪ ،‬كالتصاق الطمي‬
‫باألرض الزراعية‪.‬‬

‫أما منتجات الشيء – كل ما يتولد عنه بصفة عارضة ال بصفة دورية –‬


‫كالمعادن التي تستخرج من المنجم‪ ،‬فال تدخل في أصله وال تصنف ضمن‬
‫الملحقات‪ .‬وكذلك ثمار الشيء – كل ما يتولد عن الشيء بصفة دورية –‬
‫كمحصوالت األرض‪ ،‬فال تعتبر من أصل الشيء وال من ملحقاته‪ .‬وكل هذه‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.592‬‬


‫‪115‬‬
‫األشياء سواء كانت من أصل الشيء وليس من ملحقاته أو لم تكن ال من أصل‬
‫الشيء وال من ملحقاته‪ ،‬يشملها التزام البائع عند تسليم المبيع ‪.1‬‬

‫وعلى ذلك فالمعيار في اعتبار الشيء من ملحقات المبيع‪ ،‬هو معيار‬


‫موضوعي يتمثل في أال يكون هذا الشيء من أصل المبيع أو ثماره أو منتجاته أو‬
‫نمائه‪ ،‬وأن يكون هذا الشيء ملحقاً بالمبيع إلحاقاً على وجه الدوام وليس بصفة‬
‫عارضة من أجل استعماله‪ ،‬طبقاً للمألوف بين الناس وبحسب طبيعة األشياء ‪.2‬‬

‫وعند تحديد ملحقات المبيع واجبة التسليم‪ ،‬يلزم الرجوع إلى اتفاق المتعاقدين‬
‫ووجوب العمل بما تم االتفاق عليه‪ ،‬واال تولى تحديدها العرف أو طبيعة األشياء‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذه المحلقات‪ ،‬مستندات الملكية وعقود اإليجار التي تسري في حق‬
‫المشتري‪ ،‬وحقوق االرتفاق المقررة للمبيع‪ ،‬واألفران المثبتة في المنزل والمغاسل‬
‫المثبتة في الحمامات‪ ،‬واألشجار المغروسة في البستان والثمار الي لم تنضج دون‬
‫المشاتل الموجودة به‪ ،‬وكذلك رخصة السيارة المباعة وبوليصة التأمين الخاصة بها‬
‫ومستندات ملكيتها‪ ،‬ومخازن المصنع والمنازل المقامة فيه للعمال والمطاعم‬
‫والمالعب المخصصة لهم‪ ،‬والعقارات بالتخصيص الخاصة باألرض الزراعية‬
‫كالمواشي واآلالت الزراعية ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪414‬؛ د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪112 ،111‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.512 ،517‬‬
‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 417‬وما بعدها؛ د سمير عبدالسيد تناغو‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 3‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪111 ،111‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.285 ،281‬‬
‫‪116‬‬
‫المطلب الثاني‬

‫طريقة تسليم المبيع ومكانه وزمانه ونفقاته‬

‫أوالً‪ :‬طريقة تسليم المبيع‪:‬‬

‫للت ـسليم أنـواع ثالثة هي‪ :‬التسليم الفعلي‪ ،‬والتسليم الحكمي‪ ،‬والتسليم‬
‫الرمزي‪ ،‬وذلك على ما هو وارد في نص المادة ( ‪ ) 130‬من القانون المدني‪.‬‬
‫وسنتعرض لتوضيح كل نوع على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬التسليم الفعلي‪ :‬هو التسليم الذي يتم بوضع المبيع تحت تصرف‬
‫المشتري‪ ،‬بحيث يتمكن من حيازته واالنتفاع به دون عائق‪ ،‬حتى ولو لم يستول‬
‫الء مادياً‪ ،‬ما دام البائع قد أعلمه بذلك ‪ .1‬ويتحقق هذا التسليم‬
‫عليه المشتري استي ً‬
‫بتوافر الشرطين اآلتيين ‪:2‬‬

‫أ‪ -‬وضع المبيع تحت تصرف المشتري حتى يتمكن من حيازته واالنتفاع‬
‫به دون عائق‪ :‬حتى ولو لم يحزه فعالً أو لم يحزه أبداً‪ ،‬أي يكفي أن يكون المشتري‬
‫متمكناً من الحيازة واالنتفاع دون عائق؛ ألنه إذا كان التسليم التزاماً على عاتق‬
‫البائع‪ ،‬فإن التسلم التزاماً على عاتق المشتري‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن يعلم البائع المشتري بوضع المبيع تحت تصرفه‪ :‬وليس لهذا‬
‫اإلعالم شكل معين‪ ،‬فقد يتم شفاهة أو كتابة‪ ،‬بخطاب عادي أو مسجل أو بإعالن‬
‫على يد محضر‪ .‬وفي حالة المنازعة في وقوع اإلعالم من عدمه‪ ،‬وقع على البائع‬
‫عبء إثبات حدوثه ألنه هو الملتزم به‪.‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 2/514‬من القانون المدني‪.‬‬


‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪114 ،115‬؛ عبد الرزاق السنهوري‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 421‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫وبتوافر الشرطين السابقين‪ ،‬ينقضي التزام البائع بتسليم المبيع‪ ،‬حتى ولو لم‬
‫يتسلمه المشتري بالفعل‪ .‬ويتم التسليم الفعلي بالطريقة التي تتفق مع طبيعة الشيء‬
‫المبيع‪ ،‬فإذا كان هذا األخير أرضاً زراعية‪ ،‬وجب على البائع تخليتها لكي يتمكن‬
‫المشتري من االنتفاع بها‪ .‬واذا كان عقا اًر‪ ،‬وجب على البائع تسليم مفاتيح المنزل‬
‫ومستندات ملكية هذا العقار ‪.1‬‬

‫بناء على‬
‫‪ -5‬التسليم الحكمي‪ :‬هو التسليم الذي يتم بمجرد تغيير النية ً‬
‫اتفاق بين البائع والمشتري‪ .‬ووفقاً لما جاء بالمادة ( ‪ )2/130‬من القانون المدني‪،‬‬
‫فإن لهذا التسليم صورتين‪ ،‬هما ‪:2‬‬

‫أ‪ -‬الصورة األولى ( تسليم اليد القصيرة )‪ :‬وهنا يكون المبيع تحت يد‬
‫المشتري قبل أن يشتريه‪ ،‬بسبب إجارة أو عارية مثالً‪ :‬فإذا اشترى المشتري الشيء‬
‫الذي تحت يده‪ ،‬فيكفي لتسليمه أن يغير هذا المشتري نيته في حيازة المبيع‪ ،‬من‬
‫نية الحيازة باعتباره مستأج اًر أو مستعي اًر إلى نية الحيازة باعتباره مالكاً‪.‬‬

‫ب‪ -‬الصورة الثانية ( التسليم مع استبقاء الحيازة )‪ :‬وفيها يستبقي البائع‬


‫المبيع في حيازته بعد البيع‪ ،‬ولكن ليس باعتباره مالكاً له بل باعتباره مستأج اًر أو‬
‫مستعي اًر مثالً‪ .‬وهنا يكفي لتمام تسليم المبيع إلى المشتري‪ ،‬أن يغير البائع نيته في‬
‫مستعير‬
‫اً‬ ‫مستأجر أو‬
‫اً‬ ‫الحيازة بمجرد البيع‪ ،‬فيصبح حائ اًز لحساب المشتري باعتباره‬
‫وليس باعتباره مالكاً‪.‬‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪114‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪428 ،422‬؛ د محمد شكري سرور‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.524‬‬
‫‪118‬‬
‫‪ -3‬التسليم الرمزي‪ :‬وفيه يتسلم المشتري الوسيلة التي يتمكن بها من‬
‫استالم المبيع بعد ذلك استالماً فعلياً‪ ،‬كأن يتسلم المشتري من البائع مفتاح المخزن‬
‫الموجود به المبيع‪ ،‬أو يتسلم سند شحن البضاعة المبيعة ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬مكان تسليم المبيع‪:‬‬

‫تعرضت لتحديد مكان التسليم‪ ،‬المادة ( ‪ ) 317‬من القانون المدني‪ ،‬والتي‬


‫وضحت أنه إذا ُوجد اتفاق بين األطراف يحدد مكان تسليم المبيع‪ ،‬وجب التسليم‬
‫في المكان المتفق عليه‪ .‬واذا لم يوجد اتفاق‪ ،‬كان التسليم في المكان الذي يحدده‬
‫العرف‪.‬‬

‫واذا لم يوجد اتفاق وال عرف‪ ،‬فيجب التفرقة بين ما إذا كان المبيع معيناً‬
‫بذاته أو بنوعه‪ .‬ففي حالة المبيع المعين بذاته‪ ،‬يجب أن يتم التسليم في المكان‬
‫الذي كان موجوداً فيه المبيع وقت إبرام البيع‪ .‬وفي حالة المبيع المعين بنوعه‪،‬‬
‫يكون التسليم في موطن البائع في الوقت الذي يجب فيه التسليم‪ ،‬أو المكان الذي‬
‫يوجد فيه مركز أعمال البائع إذا كان المبيع له عالقة أو صلة بهذه األعمال ‪.2‬‬

‫واذا كان هناك اتفاق بين البائع والمشتري على أن يقوم األول بتصدير المبيع‬
‫إلى الثاني‪ ،‬فإن المشرع قد افترض أن المقصود بذلك‪ ،‬أن يكون التسليم في موطن‬
‫المشتري‪ ،‬وال يتم التسليم إال إذا وصل المبيع إلى المشتري في موطنه‪ ،‬كل ذلك ما‬
‫لم يكن هناك اتفاق يقضي بخالف ذلك ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.282‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.528‬‬
‫‪ - 3‬المادة ‪ 517‬من القانون المدني‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫ثالثاً‪ :‬زمان التسليم‪:‬‬

‫ال يوجد حكم خاص يحدد زمان تسليم المبيع في عقد البيع‪ ،‬لذلك فالقواعد‬
‫العامة المتعلقة بالوفاء‪ ،‬تكون واجبة التطبيق هنا‪ ،‬والتي وردت في المادة (‪) 311‬‬
‫من القانون المدني‪ .‬وعلى ذلك فالقاعدة أن يتم التسليم من الناحية الزمانية فور‬
‫انعقاد العقد‪ ،‬بشرط أال يوجد اتفاق بين المتعاقدين أو عرف يقضي بخالف ذلك‪،‬‬
‫أي يحدد ميعاد آخر غير وقت انعقاد العقد‪.‬‬

‫ويجوز للقاضي أن يمنح البائع مهلة معقولة يستطيع خاللها أن يسلم‬


‫المشتري المبيع‪ .‬غير أن ذلك المنح بقيد بعدة شروط‪ :‬فال يمنح القاضي هذه‬
‫المهملة إال إذا استدعت ذلك ظروف البائع‪ ،‬كما إذا كان المبيع سلعة مستوردة‬
‫وتأخرت في الطريق‪ .‬ويجب كذلك أال يكون هناك نص قانوني يمنع القاضي من‬
‫منح هذه المهلة‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬يجب أال يترتب على هذه المهلة ضرر جسيم للمشتري‪.‬‬
‫ويعد ذلك إعماالً لقواعد منح نظرة الميسرة أو المهلة القضائية‪ .‬ويحق للبائع أن‬
‫يمتنع عن التسليم حتى يستوفي الثمن في حالة ما إذا كان هذا الدفع مستحق‬
‫األداء ولم يدفعه المشتري‪ ،‬وهناك حاالت أخرى يحق فيها للبائع حبس المبيع‪،‬‬
‫وسنتعرض لها في موضعها‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬نفقات تسليم المبيع‪:‬‬

‫قررت المادة ( ‪ ) 314‬من القانون المدني‪ ،‬أن نفقات تسليم المبيع تكون‬
‫على ال ـ ـمـ ـدين بالـ ـ ـوفـ ـاء‪ ،‬والم ـ ـدين بالـ ـ ـتسليم ه ـ ـنا هـ ـو البائع‪ .‬بشرط أال يوجد اتفاق‬
‫( كاالتفاق عادة على تحمل المستأجر مصاريف الكهرباء ) أو عرف يقضي بغير‬
‫ذلك ( وقد يقضي العرف في بعض الحاالت بأن تكون نفقات التسليم أو بعضها‬
‫على المشتري أو مناصفة بينه وبين البائع )‪ .‬ومن أمثلة هذه النفقات‪ ،‬نفقات‬

‫‪120‬‬
‫اإلفراز كالوزن والكيل والمقاس‪ ،‬ونفقات نقل المبيع إلى مكان التسليم‪ ،‬ودفع‬
‫التكاليف المفروضة على المبيع كالرسوم الجمركية ‪.1‬‬

‫المطلب الثالث‬

‫جزاء إخالل البائع بالتزامه بتسليم المبيع‬

‫ُيسأل البائع قبل المشري إذا أخل بالت ازمه بتسليم المبيع أياً كانت صورة هذا‬
‫اإلخالل‪ .‬كأن امتنع البائع عن تسليم المبيع أو تأخر في تسليمه أو سلمه بصورة‬
‫معيبة أو سلمه في غير المكان والزمان المحددين‪ .‬وتأخذ مسؤولية البائع عن هذا‬
‫اإلخالل‪ ،‬المسار القانوني اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬التنفيذ العيني‪ :‬يكون للمشتري بعد إعذار البائع‪ ،‬حق طلب التنفيذ‬
‫العيني إذا كان ممكناً‪ .‬فإذا كان المبيع معيناً بالذات ومازال في يد البائع ولم يتعلق‬
‫به حقاً للغير يكون نافذاً في مواجهة المشتري‪ ،‬كان من حق هذا األخير التنفيذ‬
‫عليه‪ .‬واذا كان المبيع معيناً بالنوع ولم يقم البائع باإلفراز والتسليم‪ ،‬كان للمشتري‬
‫الحق في الحصول على شيء من نفس نوع المبيع على نفقة البائع بعد استئذان‬
‫القاضي أو دون استئذانه في حالة االستعجال‪ .‬واذا استحال التنفيذ العيني‪ ،‬فال‬
‫يبقى أمام المشتري سوى مطالبة البائع بالتعويض ‪.2‬‬

‫‪ -5‬الفسخ‪ :‬يجوز للمشتري أن يطلب من القضاء فسخ البيع؛ إلخالل البائع‬


‫بالتزامه بالتسليم‪ .‬ولكن طلب الفسخ هذا يخضع لتقدير القاضي الذي يجوز له‬
‫رفضه إذا كان ما لم يوف به البائع قليل األهمية بالنسبة إلى االلتزام في جملته‪،‬‬
‫بل ويجوز له أن يمنح البائع أجالً للتسليم إذا اقتضت الظروف ذلك‪ .‬وال يكون‬
‫للقاضي سلطة تقديرية في الحكم بالفسخ أو رفض الحكم به‪ ،‬في الحالة التي‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.151‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.511‬‬
‫‪121‬‬
‫يتضمن فيها العقد شرطاً فاسخاً صريحاً يقضي باعتبار المبيع مفسوخاً من تلقاء‬
‫نفسه إذا أخل البائع بالتزامه بالتسليم ‪.1‬‬

‫‪ -3‬التعويض‪ :‬يجوز للمشتري في جميع األحوال‪ ،‬سواء طلب التنفيذ العيني‬


‫أو طلب الفسخ‪ ،‬أن يطلب تعويضاً بسبب إخالل البائع بالتزامه بالتسليم‪ ،‬بشرط أن‬
‫يثبت هذا الضرر‪ ،‬وأن يكون قد أعذر البائع بوجوب التسليم‪ .‬ويقدر التعويض هنا‬
‫بقدر الضرر الذي أصاب المشتري‪ ،‬أي بقدرما لحقه من خسارة وما فاته من كسب‬
‫نتيجة هذا اإلخالل ‪.2‬‬

‫المطلب الرابع‬

‫تبعة هالك المبيع قبل التسليم‬

‫ُيقصد بهالك المبيع هنا‪ ،‬زوال وجوده بمقوماته الطبيعية قبل أن يتسلمه‬
‫المشتري‪ ،‬سواء كان الهالك كلياً أو جزئياً‪ .‬والسؤال الذي تعنينا اإلجابة عنه في‬
‫هذا الصدد هو‪ :‬إذا هلك المبيع قبل التسليم‪ ،‬فعلى من تقع تبعة هذا الهالك‪ ،‬هل‬
‫على البائع أم على المشتري؟‬

‫لقد نظمت المادتان ( ‪ ) 134 ، 137‬من القانون المدني‪ ،‬أحكام هالك‬


‫المبيع قبل تسليمه ومن يتحمل تبعته‪ .‬وقبل التعرض لهذه األحكام‪ ،‬يجدر بنا أن‬
‫نبين الحاالت التي تنطبق فيها أحكام المادتين السابقتين‪ ،‬والتي تتمثل في اآلتي‪:‬‬

‫أ‪ -‬يجب أن يكون المبيع معيناً بذاته‪ ،‬سواء تم هذا التعيين عند انعقاد البيع‬
‫أو كان البيع قد انعقد على معين بنوعه ثم عينت ذاته بإف ارزه‪ .‬أما إذا كان المبيع‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪114‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.291‬‬
‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪514 ،515‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫‪122‬‬
‫معيناً بنوعه فقط ‪ ،‬فلن تثور مسألة تبعة الهالك؛ ألن المبيع قبل اإلفراز ال تكون‬
‫له ذاتية محددة لكي نتحدث عن هالكها ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬يجب أن يقع الهالك بسبب أجنبي ال يد ألحد من المتعاقدين فيه‪ ،‬كقوة‬
‫قاهرة أو حادث مفاجيء أو فعل الغير‪ .‬أما إذا كان الهالك قد حدث بفعل أي من‬
‫المتعاقدين‪ ،‬فإن تبعة الهالك تقع على من أحدثه‪ .‬فلو كان الهالك بسبب البائع‪،‬‬
‫فُسخ البيع واسترد المشتري الثمن مع التعويض‪ .‬واذا كان الهالك بسبب المشتري‪،‬‬
‫برئت ذمة البائع بالتسليم ويظل المشتري مع ذلك ملتزماً بأداء كامل الثمن ‪.2‬‬

‫ج‪ -‬يجب أن يكون الهالك قد وقع بعد إبرام العقد‪ ،‬فإذا وقع قبل ذلك فهذا‬
‫يعني أن محل العقد لم يكن موجوداً عند التعاقد مما يجعل العقد باطالً بطالناً‬
‫مطلقاً‪ .‬واذا هلك المبيع بعد تسليمه للمشتري‪ ،‬وقعت تبعة الهالك على عاتق هذا‬
‫المشتري ‪.3‬‬

‫وبناء على ما جاء بالمادتين سالفتي الذكر‪ ،‬نفرق بين تبعة الهالك الكلي‬‫ً‬
‫للمبيع قبل التسليم‪ ،‬وبين تبعة الهالك الجزئي له‪ .‬وكذلك الحاالت اإلستثنائية التي‬
‫يتحمل فيها المشتري تبعة الهالك قبل التسليم‪ .‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تبعة الهال ك الكلي للمبيع قبل التسليم‪:‬‬

‫تنص المادة ( ‪ ) 137‬من القانون المدني على أنه‪ ":‬إذا هلك المبيع قبل‬
‫التسليم لسبب ال يد للبائع فيه‪ ،‬انفسخ البيع واسترد المشتري الثمن‪ ،‬إال إذا كان‬
‫الهالك بعد إعذار المشتري لتسلم المبيع "‪.‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.511‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.295‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪123‬‬
‫وبناء على النص المتقدم‪ ،‬فإن المشرع المصري قد ربط تبعة الهالك بتسليم‬
‫ً‬
‫المبيع ولم يربطها بانتقال الملكية‪ ،‬أي أنه غلب تبعة العقد على تبعة الملك‪ ،‬وذلك‬
‫على عكس المشرع الفرنسي الذي ربطها بانتقال الملكية وليس بالتسليم‪ .‬وهذا‬
‫يعني‪ ،‬أن تبعة هالك المبيع في القانون المصري ‪ -‬تقع على عاتق البائع من‬
‫وقت إبرام العقد إلى حين أن ينفذ التزامه بتسليم هذا المبيع‪ ،‬أما بعد حدوث التسليم‬
‫فتقع على عاتق المشتري‪ .‬والتزام البائع بالتسليم الذي يدرء عنه تحمل تبعة‬
‫الهالك‪ ،‬هو أن يضع البائع المبيع تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته‬
‫واالنتفاع به دون عائق واخطاره بذلك‪ ،‬وال يلزم التسليم الفعلي للمبيع ‪.1‬‬

‫ويؤسس الحكم السابق‪ ،‬على أن التسليم ما هو إال وسيلة مكملة النتقال‬


‫الملكية‪ ،‬أي أن الملكية ال تخلص إلى المتصرف إليه – أي المشتري – إال‬
‫بالتسليم‪ .‬ولذلك فمن المعقول والمنطقي أن يظل المدين بالتسليم – أي البائع –‬
‫متحمالً تبعة الهالك ولو كانت الملكية قد انتقلت إلى المشتري بحكم القانون ‪.2‬‬

‫ويعد ذلك إعماالً للقاعدة العامة الواردة في المادة ( ‪ )104‬مدني‪ ،‬التي تنص‬
‫على أنه‪ ":‬في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه‪،‬‬
‫انقضت معه االلتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه "‪ .‬وهذا األمر‬
‫يترتب عليه أن التزام البائع ينقضي الستحالة تنفيذه‪ ،‬وينقضي التزام المشتري بدفع‬
‫الثمن والذي هو مقابل اللتزام البائع بتسليم المبيع‪ ،‬وينفسخ العقد بقوة القانون‪ .‬وال‬
‫يصبح المشتري ملزماً بدفع الثمن إذا كان لم يدفعه‪ ،‬ويجوز له استرداده إذا كان قد‬
‫دفعه فعالً ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪411 ،412‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪ - 3‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪124‬‬
‫وعلى الرغم من أن البائع يتحمل تبعة هالك المبيع قبل تسليمه للمشتري‪ ،‬إال‬
‫أن هذا األخير قد يتحملها هو قبل أن يتسلم المبيع‪ ،‬وذلك في الحالة التي يقوم‬
‫فيها البائع بإعذار المشتري بتسلم المبيع قبل هالكه‪ ،‬حيث إن الهالك هنا ُيعزى‬
‫إلى تقصير المشتري‪ .‬ويقوم مقام اإلعذار في هذه الحالة‪ ،‬أن يوجد شرط في عقد‬
‫البيع يفيد بأن التسليم يتم في وقت محدد دون حاجة إلى إعذار المشتري بالتسليم‪،‬‬
‫أي أن المشتري يعتبر معذ اًر بمجرد حلول األجل المذكور‪ ،‬وتقع تبعة الهالك عليه‬
‫– أي على المشتري – من هذا الوقت ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬تبعة الهالك الجزئي للمبيع قبل التسليم‪:‬‬

‫تنص المادة ( ‪ ) 134‬مدني‪ ،‬على أنه‪ ":‬إذا نقصت قيمة المبيع قبل التسليم‬
‫لتلف أصابه‪ ،‬جاز للمشتري إما أن يطلب فسخ البيع إذا كان النقص جسيماً بحيث‬
‫لو ط أر قبل العقد لما تم البيع‪ ،‬واما أن يبقى البيع مع إنقاص الثمن "‪.‬‬

‫لقد تعرض النص المتقدم لحالة الهالك الجزئي للمبيع قبل أن يسلمه البائع‬
‫إلى المشتري‪ ،‬والذي يحدث بسبب قوة قاهرة أو حادث فجائي‪ .‬وبالنسبة لتحمل‬
‫تبعة الهالك هنا‪ ،‬فتأخذ نفس حكم حالة الهالك الكلي‪ ،‬أي أن البائع هو من يقع‬
‫على عاتقه تحمل هذه التبعة‪ .‬وبالنسبة لموقف المشتري من الهالك الجزئي للمبيع‪،‬‬
‫فقد أعطاه المشرع مكنة االختيار بين األمرين التاليين‪:‬‬

‫أ‪ -‬مكنة المطالبة بفسخ البيع‪ :‬وذلك في الحالة التي يؤدي فيها الهالك إلى‬
‫نقص المبيع نقصاً جسيماً‪ ،‬بحيث لو ط أر هذا النقص قبل العقد لما أتم المشتري‬
‫البيع‪ .‬غير أن الفسخ هنا ال يقع بقوة القانون كما هو في حالة الهالك الكلي‪ ،‬ولكنه‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.159‬‬


‫‪125‬‬
‫يخضع لتقدير القاضي بالنسبة لما إذا كان الهالك على درجة من الجسامة تبرر‬
‫فيستعاض عن الفسخ بالحكم للمشتري بإنقاص الثمن ‪.1‬‬
‫الفسخ‪ ،‬أم أنه ليس كذلك ُ‬

‫ب‪ -‬مكنة طلب إنقاص ثمن المبيع بقدر النقص الذي لحق المبيع بسبب‬
‫الهالك الجزئي‪ :‬ويخضع طلب المشتري بإنقاص الثمن لتقدير القاضي‪ ،‬الذي يحق‬
‫له االستعانة بالخبراء في هذا الشأن ‪.2‬‬

‫وسواء لجأ المشتري إلى مكنة طلب إنقاص الثمن‪ ،‬أو استقر أمره على طلب‬
‫الفسخ‪ ،‬فال يجوز له في الحالتين أن يطلب من البائع تعويضاً عن الهالك الجزئي‬
‫للمبيع؛ ألن البائع لم يتسبب في هذا الهالك بخطأ منه ‪.3‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الحاالت اإلستثنائية التي يتحمل فيها المشتري تبعة هالك المبيع قبل‬
‫التسليم‪:‬‬

‫ذكرنا آنفاً‪ ،‬أن تبعة هالك المبيع قبل التسليم تقع على عاتق البائع كقاعدة‬
‫عامة‪ ،‬سواء كان الهالك كلياً أو جزئياً‪ .‬غير أنه توجد حاالت إستثنائية‪ ،‬يقع فيها‬
‫الهالك قبل تسليم المبيع‪ ،‬ومع ذلك يتحمل المشتري وليس البائع تبعة هذا الهالك‪.‬‬
‫وهذه الحاالت هي‪:‬‬

‫‪ -1‬حالة وجود اتفاق بين البائع والمشتري يتضمن أساساً آخر النتقال تبعة‬
‫الهالك‪ :‬كأن يتفقا مثالً على أن تكون هذه التبعة على المشتري بمجرد العقد أو‬
‫بمجرد انتقال الملكية وقبل التسليم‪ .‬أو االتفاق على أن يبقى البائع متحمالً لتبعة‬
‫الهالك بعد مدة معينة بعد حدوث التسليم‪ .‬فهنا يصح مثل هذا االتفاق؛ ألن قاعدة‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.518‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪ - 3‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪126‬‬
‫تحمل البائع تبعة الهالك قبل التسليم ليست من النظام العام‪ ،‬ويجوز االتفاق على‬
‫خالفها ‪.1‬‬

‫‪ -2‬إذا أعذر البائع المشتري لتسلم المبيع قبل هالكه ولم يتسلمه‪ :‬غير أن‬
‫تحمل المشتري تبعة هالك المبيع في هذه الحالة مقيد بأن يكون ميعاد التسليم قد‬
‫حل‪ ،‬أي يكون اإلعذار قد حدث والمبيع كان واجب التسليم‪ .‬فإن لم يكن هذا‬
‫الميعاد قد حل‪ ،‬كان من حق المشتري االمتناع عن تسلم المبيع ولو عرضه البائع‪،‬‬
‫ما لم يك ن هذا األجل قد تم االتفاق عليه لصالح البائع وحده مما يحق له النزول‬
‫عنه ‪.2‬‬

‫‪ -3‬إذا وضع المشتري يده على المبيع قبل أن يحل ميعاد التسليم بدون إذن‬
‫من البائع وبدون حكم من القضاء‪ ،‬ما لم يثبت أن المبيع كان سيهلك لو كان عند‬
‫البائع ‪.3‬‬

‫‪ -1‬إذا كان هالك المبيع راجعاً إلى فعل المشتري أو خطأه؛ النتفاء خطأ أو‬
‫تقصير البائع الذي يبرر تحمله لتبعة الهالك‪.‬‬

‫‪ -0‬إذا هلك المبيع في يد البائع وهو حابس له‪ ،‬لضمان استيفاء الثمن‪ ،‬فهنا‬
‫يتحمل المشتري تبعة هالك المبيع؛ ألنه هو المتسبب ‪ -‬بخطأه المتمثل في عدم‬
‫وفائه بالتزامه بدفع الثمن ‪ -‬في هالك المبيع‪ .‬ويلزم لمخالفة القاعدة العامة‬
‫المتقدمة في هذه الحالة‪ ،‬ضرورة توافر دليل يقيني على استعمال البائع لحقه في‬
‫الحبس‪ ،‬بأن يكون قد أنذر المشتري أو على األقل أن يكون قد أخطره بأنه يحبس‬
‫المبيع لحين دفع الثمن ‪.4‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.519‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.298‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 4‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.551‬‬
‫‪127‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫التزام البائع بضمان التعرض واالستحقاق‬

‫يعتبر التزام البائع بضمان التعرض واالستحقاق امتداداً طبيعياً اللتزامه بنقل‬
‫الملكية وبالتسليم‪ .‬بمعنى أن نقل الملكية أو التسليم يقتضيا أن يكون المبيع قد‬
‫ُنقلت ملكيته أو ُسلم إلى المشتري كامالً دون نقص‪ ،‬دون أن يتعرض أحد للمشتري‬
‫في حيازته وانتفاعه بالمبيع‪.‬‬

‫فإذا حدث تعرض للمشتري في انتفاعه بالشيء المبيع سواء كان المتعرض‬
‫هو البائع أو شخص من الغير‪ ،‬أو ادعى شخصاً حقاً على المبيع وقُضى له به‪،‬‬
‫كان البائع مخالً بالتزامه بضمان التعرض واالستحقاق‪ ،‬على نحو يثير مسؤولية‬
‫هذا الب ـائع قبل المشتري‪ ،‬والتي تتمثل إما في التنفيذ العيني واما في التنفيذ بمقابل‬
‫( ضمان االستحقاق )‪.‬‬

‫وعلى ذلك سنتعرض لدراسة هذا الفصل في مطلبين‪ ،‬نتناول في أولهما‪،‬‬


‫التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي‪ .‬وفي ثانيها‪ ،‬التزام البائع بضمان التعرض‬
‫الصادر عن الغير وما يستتبع ذلك من ضمان االستحقاق‪.‬‬

‫المطلب الول‬

‫التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي‬

‫سنتناول دراسة التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي من خالل‪ ،‬تحديد‬


‫المقصود بضمان التعرض الشخصي الذي يلتزم به البائع ( أوالً )‪ .‬وشروط هذا‬
‫االلتزام ( ثانياً )‪ .‬وأنواع التعرض الذي يضمنه البائع ( ثالثاً )‪ .‬وجزاء إخالل البائع‬

‫‪128‬‬
‫بضمان تعرضه الشخصي ( رابعاً )‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬حكم االتفاق على عدم ضمان‬
‫التعرض الشخصي ( خامساً )‪ .‬وذلك على البيان التالي ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬المقصود بضمان التعرض الشخصي الذي يضمنه البائع‪:‬‬

‫تنص المادة ( ‪ ) 134‬من القانون المدني‪ ،‬على أنه‪ ":‬يضمن البائع عدم‬
‫التعرض للمشتري في االنتفاع بالمبيع كله أو بعضه‪ ،‬سواء كان التعرض من فعله‬
‫هو ‪.".........‬‬

‫ُيقصد بالتعرض عموماً‪ ،‬كل ما يكون من شأن إتيانه سواء من البائع أو من‬
‫الغير‪ ،‬حرمان المشتري من بعض أو كل سلطاته على المبيع أو االنتفاع به‪،‬‬
‫قانونياً كان هذا التعرض أو مادياً‪ ،‬على نحو تقوم معه مسؤولية البائع في حالة‬
‫حدوث هذا التعرض بالفعل‪.‬‬

‫ويقصد بضمان التعرض الشخصي الذي يلتزم البائع بضمانه‪ ،‬أن يمتنع هذا‬
‫ٌ‬
‫البائع عن القيام بأي عمل يترتب عليه تعكير حيازة المشتري أو حرمانه من‬
‫االنتفاع بالمبيع‪ ،‬سواء بصورة كلية أو جزئية‪ ،‬بطريق مباشر أو غير مباشر‪ ،‬سواء‬
‫كان التعرض مادي أو قانوني ‪ .1‬وهذا االلتزام يستند في أساسه إلى مبدأ حسن‬
‫النية في إبرام العقود وتنفيذها‪.‬‬

‫ويقوم التزام البائع بضمان التعرض في مواجهة المشتري‪ ،‬سواء وقع التعرض‬
‫منه شخصياً أو من الغير – على ما سنرى ‪ . -‬وال يلتزم بهذا الضمان ورثة البائع‬
‫باعتبارهم خلفاً عاماً له إال في حدود ما آل إليهم من أموال التركة؛ ألن القاعدة في‬
‫القانون المصري أن الورثة ال ُيسألون شخصياً عن ديون مورثهم في أموالهم‬
‫الخاصة وانما هذه الديون على التركة‪ .‬ويستفيد أيضاً من هذا الضمان‪ ،‬الخلف‬
‫العام للمشتري – ألن الحقوق تورث ‪ -‬الذين يمكنهم مطالبة البائع أو ورثته – مع‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.541‬‬


‫‪129‬‬
‫بتنفيذ هذا االلتزام عينياً أو المطالبة‬ ‫مراعاة القيد المتقدم بالنسبة للورثة ‪-‬‬
‫بالتعويض في حالة استحقاق المبيع ‪.1‬‬

‫غير أن الخلف الخاص لكل متعاقد يختلف وضعه وموقفه من هذا الضمان‬
‫بحسب سلفه‪ .‬فالخلف الخاص للبائع‪ ،‬ال ينتقل إليه االلتزام بضمان التعرض‪ .‬فعلى‬
‫سبيل المثال لو باع شخص عقا اًر يملكه ثم أوصى به آلخر‪ ،‬وسجل هذا األخير‬
‫وصيته قبل أن يسجل المشتري بيعه‪ ،‬فإن هذا المشتري ال يستطيع أن يحتج على‬
‫الموصى له باعتباره خلفاً خاصاً للموصي الذي باع له‪ ،‬بأنه – أي الموصى له –‬
‫ملتزم بالضمان ليسترد منه العقار؛ وذلك ألن االلتزام بالضمان لم ينتقل من‬
‫الموصي – أي البائع للمشتري ‪ -‬إلى الموصى له‪ ،‬بل بقي في التركة‪ ،‬وال يحق‬
‫للمشتري سوى الرجوع بالتعويض على التركة ‪.2‬‬

‫وعلى عكس ما تقدم‪ ،‬فإن الحق في الضمان ينتقل من الدائن به – أي‬


‫المشتري – إلى خلفه الخاص كالمشتري الثاني مثالً‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬إذا توالت‬
‫البيوع على العقار المبيع‪ ،‬بأن باع المشتري األول هذا العقار إلى مشتر ثان‪ ،‬فإن‬
‫هذا األخير يحق له الرجوع بالضمان على من باع له على أساس التزامه‬
‫بالضمان‪ ،‬وكذلك يحق له الرجوع بالضمان مباشرة ‪ -‬باعتباره خلف خاص – على‬
‫البائع األصلي الذي باع لمن اشترى منه؛ وذلك تأسيساً على أن دعوى الضمان‬
‫تعتبر من ملحقات المبيع‪ ،‬وتنتقل من مشتر إلى آخر ‪.3‬‬

‫ويقوم التزام البائع يضمان التعرض أياً كانت النتيجة المترتبة على هذا‬
‫التعرض‪ ،‬أي سواء ترتب عليه حرمان المشتري من االنتفاع بالمبيع بصورة كلية أو‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪552‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪558‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.155 ،151‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.559‬‬
‫‪130‬‬
‫جزئية‪ .‬ويسري هذا الضمان على جميع البيوع أياً كان محلها‪ ،‬منقوالً أو عقا اًر‪،‬‬
‫سواء ُسجل البيع أم ال‪ ،‬وأياً كانت طريقة إجراء البيع أي سواء كانت بالمساومة أو‬
‫بالمزاد االختياري أو اإلجباري ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬شروط قيام التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي‪:‬‬

‫يلزم توافر شروطاً ثالثة لقيام التزام البائع بضمان التعرض الصادر عنه‬
‫شخصياً‪ ،‬وتتمثل هذه الشروط في اآلتي ‪:2‬‬

‫‪ -1‬أن يكون التعرض قد وقع بالفعل‪ :‬فال يكفي هنا مجرد احتمال وقوع‬
‫تعرض للمشتري من جانب البائع أو حتى التهديد بوقوعه‪ ،‬بل يجب أن تقع‬
‫األفعال التي يترتب عليها حرمان المشتري من االنتفاع بالعين‪ .‬فعلى سبيل المثال‪،‬‬
‫لو قام البائع ببيع العقار المبيع مرة أخرى لمشتر ثان وقام هذا األخير بتسجيل‬
‫عقده وانتقلت الملكية إليه‪ ،‬فال يعتبر ذلك تعرضاً للمشتري األول إال إذا شرع‬
‫المشتري الثاني في إخراج المشتري األول من العين فعالً‪ ،‬أما قبل ذلك فال يكون‬
‫للمشتري األول أن يرجع على البائع بضمان التعرض‪ ،‬وان كان يجوز له الرجوع‬
‫عليه بدعوى الفسخ إلخالله بالتزامه بنقل الملكية إليه ‪.3‬‬

‫‪ -2‬أن يترتب على تعرض البائع حرمان المشتري من االنتفاع بالمبيع‪ ،‬سواء‬
‫بصورة كلية أو بصورة جزئية‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يقع تعرض البائع بعد البيع وليس قبله‪ :‬وعلى ذلك إذا قام مالك‬
‫العقار المبيع ببيعه مرة أخرى لمشتر ثان بعد أن سجل المشتري األول عقده‪ ،‬فإن‬
‫البيع األول الذي سجله صاحبه ال يعد تعرضاً للمشتري الثاني صاحب البيع غير‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.286 ،282‬‬

‫‪131‬‬
‫المسجل ولو لم يتمكن المشتري الثاني من االنتفاع بالعين؛ وذلك ألن البيع الثاني‬
‫يعتبر بيعاً لملك الغير ويجوز له – أي المشتري الثاني – أن يطالب بإبطاله‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أنواع التعرض الشخصي الذي يلتزم البائع بضمانه‪:‬‬

‫يلتزم البائع بضمان التعرض الشخصي الصادر عنه سواء كان هذا التعرض‬
‫مادي أو قانوني‪:‬‬

‫ويقصد به كل فعل مادي يعكر به البائع حيازة‬‫‪ -1‬التعرض المادي‪ُ :‬‬


‫المشتري‪ ،‬دون أن يستند في القيام به إلى أي حق يدعيه على المبيع ‪ .1‬ويكون‬
‫التعرض مادياً في حالتين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬الحالة الولى‪ :‬إذا صدرت من البائع نفسه أو من ورثته أفعال مادية‬
‫محضة‪ ،‬ترتب عليها بطريق مباشر حرمان المشتري من االنتفاع بالعين المبيعة‬
‫كلياً أو جزئياً كما سبقت اإلشارة‪ .‬ويمتنع على البائع التعرض ولو كان الفعل‬
‫المكون للتعرض ال يمثل خطأً في ذاته وال تتوافرفيه شروط الفعل الضار بل يعتبر‬
‫فعالً جائ اًز للغير؛ ويرجع ذلك إلى أن ضمان البائع يختلف عن الغير في أن هذا‬
‫البائع يلتزم بنقل ملكية المبيع إلى المشتري بكل مزاياه ومنافعه‪ ،‬ويجب عليه أال‬
‫يفوت هذا االنتفاع على المشتري ولو باستعماله حقاً آخر له أو رخصة أعطاه‬
‫القانون إياها ‪.2‬‬

‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬يعتبر تعرضاً مادياً للمشتري‪ ،‬قيام شخص ببيع محله‬
‫التجاري لمشتر ما‪ ،‬وبعد البيع قام البائع بفتح محل تجاري مماثل للمحل الذي‬
‫باعه وبالقرب منه؛ ألن ما قام به البائع يفوت على المشتري فرصة االنتفاع‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪411‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.122‬‬
‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.412 ،411‬‬
‫‪132‬‬
‫بالمبيع عن طريق اجتذاب زبائن المحل المبيع نظ اًر لتعودهم على التعامل مع‬
‫البائع‪ .‬والدعوى التي يرفعها مشتري المحل في هذه الحالة ال تؤسس على‬
‫المسؤولية التقصيرية الناشئة عن المزاحمة غير المشروعة‪ ،‬وانما تؤسس على‬
‫المسؤولية العقدية الناشئة عن إخالل البائع بالتزامه بالضمان‪ .‬واذا قام البائع بعمل‬
‫من أعمال العنف والتعدي على المشتري في حيازته للعين‪ ،‬فإنه يكون مسئوالً عن‬
‫ذلك كأي شخص أجنبي‪ ،‬وليس باعتباره بائعاً ملزماً بالضمان ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬الحالة الثانية‪ :‬التعرض المادي الذي يكون نتيجة تصرف قانوني أبرمه‬
‫البائع مع الغير‪ ،‬كأن يبيع األرض التي سبق له بيعها لمشتر ثان ويقوم هذا‬
‫األخير بتسجيل عقده قبل المشتري األول فتنتقل الملكية إلى المشتري الثاني‪ ،‬األمر‬
‫الذي يترتب عليه قيام المشتري الثاني بنزع ملكية المبيع من المشتري األول‪ .‬فرغم‬
‫أن ما قام به البائع مع المشتري الثاني يعتبر تصرفاً قانونياً بينهما إال أنه يعتبر‬
‫واقعة مادية بالنسبة للمشتري األول الذي يظل أجنبياً عن هذا التصرف‪ .‬ويشترط‬
‫هنا لقيام التعرض أن يقوم الغير الذي تصرف له البائع في المبيع بأعمال من‬
‫شأنها أن تؤدي إلى حرمان المشتري من االنتفاع بالعين ‪.2‬‬

‫ويقصد به إدعاء البائع بحق على المبيع يكون من‬


‫‪ -5‬التعرض القانوني‪ُ :‬‬
‫شأن هذا اإلدعاء حرمان المشتري من كل أو بعض مزايا المبيع‪ .‬كأن يطالب بائع‬
‫العقار بعقد غير مسجل باسترداد هذا العقار تأسيساً على أن حق ملكيته عليه لم‬
‫ينتقل بعد للمشتري‪ .‬أو أن يرفع بائع لعين ما لم يكن مالكها وقت البيع ثم تملكها‬
‫بعد ذلك بأي سبب كالميراث‪ ،‬دعوى على المشتري يطلب فيها استرداد المبيع‬
‫باعتبار أنه مالك له وأنه لم يكن مالكاً له وقت بيعه‪.‬‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪412‬؛ د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫‪.147‬‬
‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.147‬‬
‫‪133‬‬
‫وقد يحدث تعرض البائع بطريق الدفع‪ ،‬كأن يدفع دعوى المشتري الخاصة‬
‫بناء على مضي أكثر من خمس عشرة سنة على‬ ‫بصحة ونفاذ عقد البيع بالتقادم ً‬
‫عدم تسجيل العقد أو الحكم بصحته‪ ،‬فيمتنع على البائع إبداء هذا الدفع ألنه‬
‫يتعارض مع التزامه بالضمان ‪.1‬‬

‫غير أنه توجد بعض األمور إذا قام بها البائع فال تعتبر تعرضاً منه‬
‫للمشتري‪ .‬كما إذا كان الحق الذي يستند إليه البائع مستمد من عقد البيع ذاته‪،‬‬
‫كالدفع ببطالن عقد البيع أو بإبطاله لعيب في الرضا أو مطالبة المشتري بثمن‬
‫المبيع ‪ .‬وكذلك إذا كان الحق الذي يستند إليه البائع مخول له بمقتضى القانون‪،‬‬
‫كما لو كان البائع يملك عقا اًر مجاو اًر للعقار المبيع ثم باع المشتري ذلك العقار إلى‬
‫شخص آخر‪ ،‬فهنا يجوز للبائع األصلي باعتباره جا اًر أن يطلب الشفعة في هذا‬
‫البيع‪ ،‬وال يعتبر هذا تعرضاً للمشتري؛ ألن استعمال حق الشفعة من الرخص‬
‫المقررة قانوناً وال يتضمن أي إنكار لحقوق المشتري األصلي على المبيع ‪.2‬‬

‫وفي هذا الصدد يثور تساؤل هام مفاده‪ :‬هل يجوز للبائع تملك المبيع‬
‫بالتقادم؟ بمعنى إذا استمر البائع واضعاً يده على المبيع بعد البيع مع انتواء تملكه‬
‫بالتقادم المكسب للملكية فهل يجوز للبائع أو ورثته التمسك بالتقادم في مواجهة‬
‫المشتري؟‬

‫يختلف موقف الفقه والقضاء الفرنسي عن موقف الفقه والقضاء المصري‪.‬‬


‫حيث انتهي الفقه الفرنسي مؤيداً في بذلك بما قضت به محكمة النقض الفرنسية‪،‬‬
‫إلى أنه ال يجوز للبائع تملك المبيع بالتقادم؛ تأسيساً على ذلك يتعارض مع التزامه‬
‫بضمان التعرض‪ ،‬وأن هذا األخير يعد التزاماً مؤبداً ال يسقط بالتقادم‪.‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.541 ،542‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪541 ،541‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪134‬‬
‫غير أن أغلب الفقه المصري مؤيد بما قضت به محكمة النقض المصرية‪،‬‬
‫انتهي إلى جواز جواز تملك البائع المبيع بالتقادم إذا وقع التعرض بالفعل واستمر‬
‫مدة خمس عشرة سنة؛ تأسيساً على أن حق اكتساب الملكية بالتقادم الطويل‬
‫المكسب‪ ،‬هو حق أجازه القانون للكافة‪ ،‬وينطبق هذا األمر على بائع العقار‪ ،‬وأنه‬
‫ال يوجد مبرر أو سند لكي ُيستثنى بائع العقار من ذلك الحق‪.1‬‬

‫وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض المصرية بأنه‪ ":‬متى كان األساس‬
‫التشريعي للتملك بالتقادم هو قيام قرينة قانونية قاطعة على توافر سبب مشروع‬
‫للتملك لدى واضع اليد‪ ،‬كان القول بأن تمسك البائع باكتساب ملكية العقار بوضع‬
‫اليد عليه في المدة الطويلة بعد بيعه وانتقال ملكيته إلى المشتري‪ ،‬يعتبر من جانبه‬
‫تعرضاً ال يتفق وواجب الضمان المفروض عليه قانوناً‪ ،‬كان هذا القول مخالفاً‬
‫للقانون " ‪.2‬‬

‫رابعاً‪ :‬جزاء إخالل البائع بالتزامه بضمان تعرضه الشخصي‪:‬‬

‫يكون البائع مخالً بالتزامه بضمان تعرضه الشخصي‪ ،‬إذا وقع منه تعرض‬
‫فعلي للمشتري‪ ،‬األمر الذي تثور معه مسألة تحديد الجزاء الذي سيوقع على البائع‬
‫بسبب هذا اإلخالل‪ .‬والحقيقة أن هذا الجزاء يختلف باختالف نوع التعرض الذي‬
‫وقع من البائع‪ ،‬وهل هو تعرض مادي أم قانوني؟‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 148‬وما بعدها؛ د محمد شكري سرور‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪541‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 2‬نقض مدني‪ ،‬جلسة ‪2959/21/8‬؛ مشار إليه في‪ /‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪149‬؛ د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.442‬‬
‫‪135‬‬
‫أ‪ -‬إذا كان تعرض البائع مادياً‪ :‬كان من حق المشتري طلب التنفيذ العيني‬
‫بإزالة ما وقع مخالفاً اللتزام البائع بضمان تعرضه‪ ،‬ويجوز للمشتري في سبيل حمل‬
‫البائع على ذلك أن يطلب من القضاء الحكم على المتعرض بغرامة تهديدية ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬إذا كان تعرض البائع قانونياً‪ :‬كأن يكون البائع قد رفع دعوى على‬
‫المشتري السترداد المبيع أو دعوى تثبيت الملكية‪ .‬كان من حق المشتري أن يدفع‬
‫بما يسمى بالدفع بالضمان‪ ،‬إللزام البائع بالضمان‪ ،‬فمن وجب عليه الضمان امتنع‬
‫عليه التعرض‪ .‬وهذا الدفع يؤدي إلى رفض دعوى البائع ‪.2‬‬

‫وباإلضافة إلى ما تقدم‪ ،‬فإنه يجوز للمشتري طلب فسخ البيع؛ إلخالل البائع‬
‫بالتزامه بالضمان‪ .‬غير أن طلب الفسخ هنا يخضع لتقدير القاضي الذي يحق له‬
‫تلبية طلب المشتري أو رفضه‪ ،‬ويتوقف ذلك على جسامة إخالل البائع‪ .‬ويحق‬
‫للمشتري أيضأ إذا لم يكن قد دفع الثمن‪ ،‬أن يحبس هذا الثمن أو يحبس ما بقي‬
‫منه إلى حين تنفيذ البائع التزامه عينياً ‪.3‬‬

‫ويعتبر التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي‪ ،‬التزاماً أبدياً مصدره عقد‬
‫البيع‪ .‬ويسري هذا االلتزام على جميع البيوع‪ ،‬سواء ورد البيع على منقول أو عقار‬
‫بعقد مسجل أو غير مسجل‪ ،‬وسواء تم البيع بالمساومة أو بالمزاد قضائياً كان أو‬
‫إدارياً‪ .‬وفي هذه الجزئية يختلف ضمان التعرض عن ضمان العيوب الخفية؛ حيث‬
‫ال يضمن البائع العيب في البيوع القضائية أو اإلدارية إذا كانت بالمزاد‪ .‬ويترتب‬
‫على أبدية ضمان التعرض‪ ،‬أن الدفع به من قبل المشتري يكون مؤبداً أيضاً‪ ،‬أي‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.547‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪154‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.119‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪542‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.154‬‬
‫‪136‬‬
‫يحق الدفع به في مواجهة البائع في أي وقت ولو بعد مضي خمس عشرة سنة من‬
‫تاريخ البيع ‪.1‬‬

‫وجدير بالذكر أن التزام البائع بالضمان غير قابل لالنقسام حتى ولو كان‬
‫المبيع نفسه قابالً لالنقسام‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬لو باع وارثان العقار الذي اكتسبا‬
‫ملكيته بطريق الميراث‪ ،‬نشأ على عاتق كل منهما التزام بضمان التعرض بالنسبة‬
‫للمبيع كله وليس فقط بالنسبة لحصة كل منهما فيه مستقلة عن اآلخر‪ .‬فإذا تبين‬
‫بعد ذلك أن أحد البائعين فقط هو الوارث الوحيد للعقار كله‪ ،‬فال يجوز له أن يسترد‬
‫شيئاً من المشتري؛ ألنه ضامن للتعرض بالنسبة للعقار المبيع كله ‪.2‬‬

‫خامساً‪ :‬حكم االتفاق على اشتراط البائع عدم ضمان تعرضه الشخصي‪:‬‬

‫تعرضت المادة ( ‪ ) 1/111‬مدني‪ ،‬لحكم االتفاق الذي يشترط فيه البائع عدم‬
‫ضمان تعرضه الشخصي‪ ،‬وقررت أن مثل هذا االشتراط يقع باطالً‪ ،‬ويظل البائع‬
‫مسئوالً عن استحقاق المبيع الناجم عن فعله؛ ألن هذا االشتراط مثله مثل االتفاق‬
‫على اعفاء البائع من مسؤوليته عن غشه أو خطأه الجسيم‪ ،‬وهذا غير جائز‪.‬‬
‫غير أنه يجوز وفقاً للقواعد العامة االتفاق على زيادة الضمان أو على األقل‬
‫التخفيف منه بخصوص سبب معين ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪172‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪175‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪151‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪185‬؛ د عبد الرزاق السنهوري‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 441‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪449‬؛ د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.178 ،172‬‬
‫‪137‬‬
‫المطلب الثاني‬

‫التزام البائع بضمان التعرض الصادر من الغير‬

‫نص الم ـشرع عـ ـلى ضـ ـم ـان الـ ـبائع للتـ ـ ـعرض الصادر عن الغير‪ ،‬في المادة‬
‫( ‪ )134‬من القانون المدني‪ ،‬التي نصت على أنه‪..... ":‬أو من فعل أجنبي يكون‬
‫له وقت البيع حق على المبيع يحتج به على المشتري‪ .‬ويكون البائع ملزماً‬
‫بالضمان ولو كان األجنبي قد ثبت حقه بعد البيع إذا كان هذا الحق قد آل إليه من‬
‫البائع نفسه "‪.‬‬

‫وسنتعرض لدراسة التزام البائع بضمان تعرض الغير‪ ،‬من خالل فرعين‪:‬‬
‫نتناول في أولهما شروط هذا الضمان‪ ،‬وفي ثانيهما أحكام هذا الضمان‪.‬‬

‫الفرع الول‬

‫شروط قيام التزام البائع بضمان تعرض الغير‬

‫ال يضمن البائع التعرض الصادر من الغير بصورة مطلقة‪ ،‬بل أن ذلك‬
‫الضمان مقيد بتوافر عدة شروط البد من وجودها‪ .‬وتتمثل هذه الشرط في اآلتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أن يكون تعرض الغير قانونياً ‪:‬‬

‫يختلف ضمان البائع لتعرضه الشخصي عن ضمانه لتعرض الغير‪ .‬فضمانه‬


‫لتعرضه الشخصي له نطاق أوسع‪ ،‬حيث يشمل التعرض المادي والقانوني على‬
‫حد سواء كما سبق وأن بينا‪ .‬أما بالنسبة لضمانه لتعرض الغير‪ ،‬فال يضمن فقط‬
‫إال تعرض هذا الغير القانوني دون المادي‪ .‬فإذا كان التعرض مادياً‪ ،‬فال يضمنه‬
‫البائع‪ ،‬كأن يغتصب شخص من الغير العين المبيعة‪ ،‬فإن المشتري يتكفل وحده‬
‫بدفع هذا التعرض مستعيناً في ذلك بوسائل الحماية القانونية من اعتداء الغير‪،‬‬

‫‪138‬‬
‫والتي تتمثل في دعاوى الحيازة أو االلتجاء إلى الجهات اإلدارية لمنع هذا االعتداء‬
‫أو وقفه ‪.1‬‬

‫أما التعرض القانوني الذي يضمنه البائع إذا صدر من الغير فهو يتوافر في‬
‫حالتين هما ‪:2‬‬

‫أ‪ -‬تعرض الغير الذي يستند فيه إلى حق ملكية‪ :‬هو الذي يستند فيه الغير‬
‫إلى حق يدعيه على المبيع‪ ،‬سواء كان هذا الحق ثابتاً أو جدياً أو كان ظاهر‬
‫البطالن‪ .‬ويضمن البائع هذا التعرض ولو كان حسن النية أي ال يعلم وقت البيع‬
‫بوجود السبب الذي يستند إليه الغير في تعرضه للمشتري‪.‬‬

‫ب‪ -‬تعرض الغير الذي يستند فيه إلى حق عيني آخر غير الملكية‪ :‬وهنا‬
‫يطالب المتعرض بحق عيني غير الملكية‪ ،‬األمر الذي يترتب عليه االنتقاص من‬
‫انتفاع المشتري بالمبيع‪ ،‬كحق رهن أو امتياز أو انتفاع‪ .‬وكذلك التعرض الذي‬
‫يستند إلى حق شخصي كالحق في اإليجار‪ .‬وكذلك حالة ما إذا كان للغير حق‬
‫اقتضاء له على أساس انه –‬
‫ً‬ ‫دائنية في مواجهة البائع ويقوم بالتنفيذ على المبيع‬
‫أي المبيع – اليزال مملوكاً للبائع ولم تنتقل ملكيته إلى المشتري‪ ،‬كدائن بائع العقار‬
‫بعقد غير مسجل‪.‬‬

‫غير أنه بالنسبة لضمان البائع تعرض الغير بخصوص حقوق االرتفاق‪ ،‬نجد‬
‫أن المشرع قد أورد له حكماً خاصاً في المادة ( ‪ ) 2/110‬من القانون المدني‪.‬‬
‫ويستفاد من هذه المادة أن البائع ال يضمن تعرض الغير في حالة حقوق االرتفاق‬‫ُ‬
‫في الحالتين اآلتيتين‪:‬‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 549‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫أ‪ -‬إذا كان حق االرتفاق واضح وال يخفى على المشتري‪ :‬ويكون االرتفاق هنا‬
‫ظاه اًر بعالمات خارجية تدل عليه‪ ،‬سواء كانت هذه العالمات موجودة في العقار‬
‫المرتفق – أي عقار الجار ‪ -‬كوجود فتحة المطل في مبنى الجار على العقار‬
‫المبيع‪ ،‬فهذه الفتحة تدل على أن العقار المبيع محمل بحق ارتفاق بالمطل‪ .‬أو‬
‫كانت هذه العالمات موجودة في العقار المرتفق به – أي العقار المبيع – كوجود‬
‫ممر أو مجرى في األرض المبيعة لصالح أرض الجار‪ ،‬فهذا يدل على أن األرض‬
‫المبيعة محملة بحق ارتفاق بالمرور أو بالمجرى ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬إذا لم يكن االرتفاق ظاه اًر للمشتري ولكن البائع أبان أو أعلن عنه‬
‫للمشتري وقت التعاقد‪ :‬كأن يخبره مثالً بوجود حق مرور مقرر على األرض‬
‫المبيعة لمصلحة األرض المجاورة لها إذا لم يكن لطريق المرور معالم ظاهرة‬
‫تميزه‪.2‬‬

‫ثانياً‪ :‬أن يكون حق المتعرض ثابتاً له وقت البيع أو آل إليه بعد البيع بفعل‬
‫البائع‪:‬‬

‫إذا كان الشرط السابق قد تناول نطاق التزام البائع لتعرض الغير القانوني من‬
‫الناحية الموضوعية‪ ،‬فإن هذا الشرط يحدد نطاق التزام البائع من الناحية الزمنية‪.‬‬
‫ويتضح هذا األخير في الحالتين التاليتين ‪:3‬‬

‫أ‪ -‬يضمن البائع التعرض الذي يستند فيه األجنبي إلى حق كان ثابتاً له‬
‫وقت البيع‪ :‬ويستوي في هذا الشأن أن يكون المتعرض قد اكتسب هذا الحق بفعل‬
‫البائع نفسه كما لو قد قرر حق ارتفاق على العقار قبل البيع‪ .‬أو اكتسبه بعيداًعن‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪575‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.159‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪571‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.141‬‬
‫‪140‬‬
‫فعل البائع أو تدخله كما لو صدر قرار بنزع ملكية العقار قبل بيعه أو كان الغير‬
‫واضعاً يده عليه واكتملت مدة التقادم المكسب قبل انعقاد البيع‪.‬‬

‫ب‪ -‬يـ ـضمن الـ ـبائع تـ ـعرض الغير ولو كان المتعرض قد كسب حقه بعد‬
‫البيع – وليس وقته ‪ : -‬ويشترط لصحة ضمان البائع هنا أن يكون كسب الغير‬
‫لهذا الحق بعد البيع راجعاً إلى البائع نفسه‪ ،‬كما لو باع البائع العقار المبيع مرة‬
‫أخرى إلى مشتر ثان والذي سجل بيعه قبل المشتري األول‪ .‬أو قرر البائع حق‬
‫ارتفاق على العقار المبيع وتم تسجيله قبل تسجيل البيع فانتقلت ملكية المبيع إلى‬
‫المشتري محملة بهذا االرتفاق‪.‬‬

‫وترتيباً على ما تقدم‪ ،‬إذا كان الحق الذي يدعيه المتعرض الحقاً على عقد‬
‫البيع‪ ،‬ولم يكن قد آل إلى المتعرض من البائع نفسه‪ ،‬فال يلتزم البائع هنا‬
‫بالضمان‪ .‬كأن تُنتزع ملكية المبيع للمنفعة العامة بعد البيع‪ ،‬أو يدعي المتعرض‬
‫اكتساب ملكية المبيع بالتقادم ولو كانت هذه المدة قد بدأت في السريان قبل البيع‬
‫طالما أن المدة الباقية كانت تكفي المشتري التخاذ اإلجراءات الالزمة لقطع‬
‫التقادم‪.1‬‬

‫ثالثاً‪ :‬يجب أن يكون التعرض حاالً‪:‬‬

‫ويعني هذا الشرط ضرورة أن يكون تعرض الغير للمشتري قد وقع بالفعل‬
‫لكي ينشأ التزام البائع بالضمان‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فال يكفي لقيام التزام البائع مجرد أن‬
‫يكون هذا التعرض محتمالً وليس حاالً‪ ،‬أي إذا كان يقوم على مجرد ظنون أو‬
‫وساوس من المشتري‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬ال يعد مجرد اكتشاف المشتري وجود‬
‫حق رهن على العين المبيعة تعرضاً له طالما لم تحدث معارضة من صاحب‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪125‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪141‬‬
‫الرهن ‪ .1‬أي البد من أن يتخذ المتعرض موقفاً إيجابياً سواء تمثل في صورة دفع‬
‫أو دعوى أو غيرهما‪.‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬إذا كان المبيع وقت البيع في يد الغير‪ ،‬لم يكن من حق‬
‫المشتري مطالبة البائع بضمان التعرض‪ ،‬بل مطالبته بتسليم المبيع‪ ،‬فإذا حل ميعاد‬
‫التسليم ولم يسلم البائع أو الغير المشتري المبيع‪ ،‬كان من حق المشتري الرجوع‬
‫على البائع بالضمان‪ .‬وكذلك األمر‪ ،‬إذا لم يكن المبيع مملوكاً للبائع‪ ،‬فال يعد‬
‫مجرد علم المشتري بذلك مبر اًر لرفع دعوى الضمان على البائع‪ ،‬بل يجب عليه أن‬
‫ينتظر وقوع التعرض له بالفعل من قبل المالك الحقيقي‪ .‬ويحق للمشتري في الحالة‬
‫األخيرة أال يتنظر وقوع تعرض المالك الحقيقي وأن يبادر بطلب فسخ العقد أو‬
‫إبطاله ‪.2‬‬

‫الفرع الثاني‬

‫أحكام ضمان التعرض الصادر من الغير‬

‫إذا حدث تعرض قانوني من الغير للمشتري في المبيع‪ ،‬التزم البائع أن‬
‫يضمن هذا التعرض‪ .‬وذلك عن طريق تنفيذ التزامه عينياً بهذا الضمان بوقف هذا‬
‫التعرض‪ .‬واذا لم ينجح البائع في وقف هذا التعرض بأن نجح المتعرض وثبت‬
‫الحق الذي يدعيه على المبيع‪ ،‬فال يكون أمام البائع إال أن ينفذ التزامه تنفيذاً‬
‫بمقابل بتعويض المشتري وهو ما ُيعرف بضمان االستحقاق‪ .‬وعلى ذلك سنتعرض‬
‫لدراسة نوعي التنفيذ في الغصنين التاليين‪:‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪571‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪142‬‬
‫الغصن الول‬

‫التنفيذ العيني اللتزام البائع بضمان تعرض الغير‬

‫ُيقصد بالتنفيذ العيني هنا‪ ،‬أن يدفع البائع تعرض الغير عن المشتري‪ .‬وهذا‬
‫التعرض قد يتم من قبل المتعرض مطالباً بحقه بصورة ودية‪ .‬وغالباً ما يحدث عن‬
‫طريق اللجوء إلى القضاء وذلك برفع دعوى باستحقاق المبيع‪ .‬وتتمثل وسيلة البائع‬
‫في تنفيذ التزامه هنا‪ ،‬في أن يتدخل إلى جانب المشتري في الدعوى التي يرفعها‬
‫المتعرض أو يحل محله فيها‪ ،‬وأن يثبت عدم أحقية المتعرض فيما يدعيه وأن‬
‫يصل إلى حكم برفض دعوى المتعرض ‪.1‬‬

‫ولقد نظم المشرع كيفية تدخل البائع في دعوى االستحقاق التي يرفعها‬
‫المتعرض على المشتري‪ ،‬وذلك في المادتين ( ‪ ) 111 ، 115‬من القانون المدني‪.‬‬
‫ويتخذ تدخل البائع في هذه الدعوى الصور الثالث اآلتية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تدخل البائع في دعوى االستحقاق بعد إخطاره بها‪:‬‬

‫إذا تعرض الغير للمشتري في المبيع‪ ،‬وجب المشتري إخطار البائع بهذا‬
‫التعرض في الوقت المالئم – أي يجب أال يحدث بعد إقفال باب المرافعة في‬
‫الدعوى ‪ -‬حتى يتدخل إلى جانبه بدفع إدعاء المتعرض‪ .‬وال يوجد شكل خاص‬
‫لهذا اإلخطار‪ ،‬فقد يتم شفاهة أو بإنذاررسمي أو بخطاب مسجل أو عادي‪.‬‬

‫وال يعتبر اإلخطار هو الوسيلة الوحيدة التي ال يتحقق علم البائع بدعوى‬
‫االستحقاق إال بها‪ ،‬حيث ال توجد جدوى من اإلخطار إذا كان البائع قد علم‬
‫بالدعوى المرفوعة على المشتري من طريق آخر؛ ألن القانون لم يستلزم حتماً قيام‬
‫المشتري ذاته باإلخطار‪ ،‬والـ ـدلـ ـيل عـ ـل ـى ذلـ ـك ال ـ ـصي ـاغة الـ ـتي جـ ـاءت ب ـها المادة‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.579‬‬


‫‪143‬‬
‫( ‪ )1/115‬والتي ُذكر فيها ‪ ..... ":‬وأُخطر بها البائع ‪ ." .......‬أي أن الفعل‬
‫أُخطر هنا مبني للمجهول بما يعني جواز حدوث اإلخطار من المشتري أو من‬
‫غيره ‪.1‬‬

‫وال يقتصر األمر على مجرد قيام المشتري بإخطار البائع بدعوى االستحقاق‪،‬‬
‫بل قد يطلب إدخاله فيها كضامن وقد يطلب ذلك الغير المتعرض‪ .‬ويحق للبائع أن‬
‫يتدخل في الدعوى من تلقاء نفسه باعتباره صاحب مصلحة في هذه الحالة‪ .‬وسواء‬
‫أُدخل البائع في الدعوى عن طريق المشتري أو الغير المتعرض‪ ،‬أو تدخل فيها من‬
‫تلقاء نفسه‪ ،‬يحق للمشتري أن يطلب إخراجه منها – أي من الدعوى – ويحل‬
‫البائع محله فيها ليتفادى الحكم عليه بمصروفات الدعوى إذا نجح المتعرض في‬
‫دعواه‪ .‬غير أن المشتري غالباً ما يفضل البقاء في الدعوى لكي يراقب البائع‬
‫ويساعده في دفاعه‪ ،‬ولكي يضمن عدم وجود تواطؤ بين البائع والمتعرض ‪.2‬‬

‫وفي األخير إذا نجح البائع في دفع تعرض الغير وحصل على حكم برفض‬
‫دعوى المتعرض‪ ،‬فإنه يكون قد نفذ التزامه عينياً‪ .‬واذا أخفق في ذلك‪ ،‬وجب عليه‬
‫تعويض المشتري وفقاً للقواعد الواردة في ضمان االستحقاق ‪.3‬‬

‫ثانياً‪ :‬عدم تدخل البائع في دعوى االستحقاق بالرغم من إخطار المشتري له‪:‬‬

‫وفي هذه الحالة يخطر المشتري البائع‪ ،‬بأن الغير المتعرض قد رفع عليه –‬
‫أي على المشتري – دعوى استحقاق‪ ،‬ورغم ذلك لم يتدخل البائع‪ ،‬فما أثر عدم‬
‫تدخله على التزامه بضمان تعرض الغير؟ تقتضي اإلجابة على هذا التساؤل‬
‫التفرقة بين فرضين هما‪:‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.128‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.243 ،245‬‬

‫‪144‬‬
‫‪ -1‬إذا اختار المشتري االستمرار في الدعوى رغم عدم تدخل البائع‪ :‬وهنا‬
‫إذا نجح المشتري في دفع تعرض الغير وحصل على حكم برفض دعوى‬
‫المتعرض‪ ،‬انقضي التزام البائع بالضمان‪ ،‬ويحق له الرجوع على البائع بمصروفات‬
‫الدعوى ‪ .1‬واذا أخفق المشتري في دفع تعرض الغير‪ ،‬بصدور حكم باالستحقاق‬
‫للمدعي في الدعوى – أي للغير المتعرض ‪ ، -‬فهنا يكون البائع قد أخل بالتزامه‬
‫بضمان التعرض ويلتزم بتنفيذ التزامه بطريق التعويض أي بضمان االستحقاق‬
‫على ما سنرى‪ .‬ويستطيع البائع أن يدفع دعوى ضمان االستحقاق التي يرفعها‬
‫عليه المشتري‪ ،‬إذا أثبت أن الحكم الصادر في دعوى االستحقاق التي رفعها‬
‫المتعرض‪ ،‬كان نتيجة لتدليس من المشتري أو لخطأ جسيم منه ‪.2‬‬

‫وال يستطيع البائع التخلص من دعوى ضمان االستحقاق التي يرفعها عليه‬
‫المشتري‪ ،‬بأن يثبت أن المدعي لم يكن على حق في دعواه وأنه – أي البائع –‬
‫كان في استطاعته أن يدفع دعوى التعرض والحصول على حكم برفضها؛ وذلك‬
‫ألن المشتري قد أخطره بالدعوى ومع ذلك لم يتدخل فيها‪ ،‬لذلك فيجب عليه أن‬
‫يتحمل نتيجة تقصيره ‪.3‬‬

‫‪ -5‬أن يقر المشتري للمتعرض رافع دعوى االستحقاق بالحق الذي يدعيه‬
‫أو تصالح معه على هذا الحق‪ :‬ويحدث ذلك في الحالة التي يرى فيها المشتري‬
‫أنه ال جدوي من االستمرار في الدعوى‪ .‬وهنا يحق للمشتري أن يرجع على البائع‬
‫بدعوى ضمان االستحقاق‪ ،‬ولكن بشرط أن يكون حسن النية‪ ،‬بأن كان يعتقد أن‬
‫المتعرض محق في دعواه‪.‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.243‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.522‬‬
‫‪145‬‬
‫ويؤسس الحكم المتقدم‪ ،‬على أن إحجام البائع عن التدخل في الدعوى رغم‬
‫أخطاره بها‪ ،‬ينم عن توافرقرينة مفادها أن البائع ال يمتلك ما يدفع به دعوى‬
‫التعرض‪ ،‬فليس من المجدي إضاعة الوقت في إجراءات التقاضي انتظا اًر لصدور‬
‫حكم متوقع مصيرة في إطار الظروف المحيطة ‪.1‬‬

‫ويستطيع البائع أن يدفع دعوى ضمان االستحقاق التي يرفعها عليه المشتري‬
‫إذا أثبت أن المدعي في دعوى االستحقاق – أي الغير المتعرض – لم يكن على‬
‫حق في دعواه‪ ،‬وأن المشتري قد تسرع عندما أقر له أو تصالح معه على الحق‬
‫المدعى به‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬عدم تدخل البائع في دعوى االستحقاق لعدم أخطار المشتري له‪:‬‬

‫ال يترتب على عدم أخطار المشتري البائع بدعوى االستحقاق التي يرفعها‬
‫الغير المتعرض‪ ،‬سقوط حق المشتري في رفع دعوى ضمان االستحقاق على البائع‬
‫له‪ ،‬بل يثبت له هذا الحق حتى مع عدم أخطاره البائع بدعوى التعرض‪ .‬غير أن‬
‫البائع يستطيع أن يرد دعوى المشتري إذا أثبت أنه كان يستطيع أن يحصل على‬
‫حكم برفض دعوى المتعرض‪ ،‬لو كان المشتري قد أخطره بهذه الدعوى في الوقت‬
‫المالئم‪ .‬وال ُيطلب من البائع في هذه الحالة أن يثبت خطأ المشتري الجسيم‪ ،‬بل‬
‫يكفيه إثبات أن تدخله كان سيؤدي إلى رفض دعوى االستحقاق التي يرفعها الغير‬
‫المتعرض ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪522‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.145‬‬
‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪184‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪144‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.521‬‬
‫‪146‬‬
‫الغصن الثاني‬

‫ضمان االستحقاق‬

‫يـ ـقتض ـي الـ ـتع ـرض لـ ـدراسـ ـة أحـ ـكام ض ـ ـمان االستحقاق‪ ،‬أن نتعرض لتعريفه‬
‫( أوالً )‪ .‬وأحكام االستحقاق الكلي للمبيع ( ثانياً )‪ .‬وكذلك أحكام االستحقاق‬
‫الجزئي للمبيع ( ثالثاً )‪ .‬وتوقي المشتري استحقاق المبيع ( رابعاً )‪ .‬وأيضاً حكم‬
‫تعديل أحكام ضماني التعرض واالستحقاق ( خامساً )‪ .‬وأخي اًر سقوط حق المشتري‬
‫في الرجوع بالضمان ( سادساً )‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف ضمان االستحقاق‪:‬‬

‫هو ذلك الضمان الذي يقوم في الحالة التي يدعي فيها الغير المتعرض حقاً‬
‫على العين المبيعة‪ ،‬ويعجز البائع عن دفع هذا التعرض‪ ،‬بسبب صدور حكم‬
‫لصالح المتعرض يقضي بأحقيته فيما أدعى به‪ .‬األمر الذي يترتب عليه أن يتحول‬
‫حق المشتري قبل البائع من المطالبة بالتنفيذ العيني أي دفع تعرض الغير إلى‬
‫المطالبة بالتنفيذ بطريق التعويض أو ما ُيعرف بضمان االستحقاق‪.‬‬

‫ويثبت للمشتري حق الرجوع على البائع بضمان االستحقاق في الحاالت‬


‫اآلتية ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬إذا أخطر المشتري البائع بدعوى االستحقاق‪ ،‬فتدخل فيها البائع ولكنه لم‬
‫ينجح في دفع تعرض الغير بسبب صدور حكم بإثبات حق المدعي في دعوى‬
‫التعرض ( أي الغير المتعرض)‪.‬‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪187‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪527 ،‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪147‬‬
‫ب‪ -‬إذا أخطر المشتري البائع بدعوى االستحقاق‪ ،‬ولكن البائع لم يتدخل فيها‬
‫وصدر حكم لمصلحة رافع الدعوى‪ ،‬ولم يثبت البائع تدليس المشتري أو خطأه‬
‫الجسيم‪.‬‬

‫ج‪ -‬إذا أخطر المشتري البائع بدعوى االستحقاق‪ ،‬ولم يتدخل فيها البائع‪،‬‬
‫وأقر المشتري بحق المتعرض أو تصالح معه‪ ،‬ولم يثبت البائع أن المدعي لم يكن‬
‫على حق في دعواه‪.‬‬

‫د‪ -‬إذا لم يخطر المشتري البائع بدعوى االستحقاق وصدر حكم لصالح‬
‫المتعرض ولم يثبت البائع أن تدخله في الدعوى كان سيؤدي إلى رفضها‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬إذا لم تُرفع دعوى استحقاق من الغير ولكن المشتري اعترف له بحقه‬
‫الذي يدعيه – أي بصورة ودية دون اللجوء إلى القضاء برفع دعوى استحقاق‬
‫المبيع – ولم يثبت البائع أن المتعرض لم يكن على حق فيما ادعاه‪.‬‬

‫وترتيباً على ذلك‪ ،‬إذا توافرت حالة من الحاالت السابقة الموجبة لضمان‬
‫البائع الستحقاق المبيع‪ ،‬كان من حق المشتري الحصول على التعويض‪ ،‬ويتقرر‬
‫هذا األخير على حسب نوع االستحقاق الذي تعرض له المشتري بالنسبة للمبيع‪،‬‬
‫وما إذا كان استحقاقاً كلياً أم جزئياً‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التعويض في حالة االستحقاق الكلي للمبيع‪:‬‬

‫ُيقصد باالستحقاق الكلي للمبيع‪ ،‬نزع المبيع كله من تحت يد المشتري؛‬


‫لثبوت حق للغير عليه مما يضمنه البائع‪ ،‬سواء كان ذلك بسبب صدور حكم‬
‫فيحكم بالملكية للمالك‬
‫قضائي لصالح الغير كأن يكون المبيع مملوكاً لغير البائع ُ‬
‫الحقيقي‪ ،‬أو نتيجة إلقرار المشتري بحق الغير دون اللجوء إلى القضاء ‪.1‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪148‬‬
‫ولقد وضحت المادة ( ‪ ) 113‬من القانون المدني‪ ،‬عناصر التعويض الذي‬
‫يرجع به المشتري على البائع في حالة االستحقاق الكلي للمبيع‪ ،‬وتتمثل هذه‬
‫العناصر فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬قيمة المبيع وقت االستحقاق مع الفوائد القانونية من ذلك الوقت‪:‬‬

‫يلتزم البائع بدفع قيمة المبيع وليس الثمن الذي دفعه المشتري ألن الضمان‬
‫تعويض‪ ،‬والتعويض يقدر بقدر الضرر الفعلي‪ ،‬والذي يتمثل هنا في حرمان‬
‫المشتري من قيمة المبيع ‪ .1‬ويتقيد البائع في هذا الدفع بوقت استحقاق المبيع –‬
‫أي يوم رفع المتعرض دعواه التي ُحكم له فيها باالستحقاق وليس يوم صدور‬
‫الحكم في الدعوى ‪ ، -‬وليس بوقت البيع وال وقت صدور الحكم؛ وذلك ألن األمر‬
‫في هذه الحالة ال يتعلق بدعوى فسخ أو دعوى إبطال‪ ،‬ولكنه يتعلق بتعويض‬
‫المشتري عن إخالل البائع بأحد التزاماته وهو ضمان تعرض الغير‪ .‬والتعويض هنا‬
‫يكون على أساس الخسارة الفعلية التي لحقت بالمشتري بسبب استحقاق المبيع‬
‫للغير‪ ،‬وهذه الخسارة وقت حدوث الضرر – أي االستحقاق – تتمثل في قيمة‬
‫المبيع وقت االستحقاق ال بوقت غيره ‪.2‬‬

‫ونظ اًر ألن المشتري قد ُيضار من أمر دفع قيمة المبيع وقد االستحقاق‪ ،‬وذلك‬
‫إذا نقصت قيمة المبيع وقت االستحقاق عن الثمن الذي دفعه للبائع‪ ،‬لذلك فيجوز‬
‫له – أي المشتري – أن يرجع على البائع بدعوى الفسخ أو دعو اإلبطال؛ حيث‬
‫إن الحكم بفسخ العقد أو إبطاله يكون بأثر رجعي‪ ،‬ويترتب عليه عودة المتعاقدان‬
‫إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد‪ ،‬فيسترد المشتري الثمن من وقت التعاقد‬
‫وليس من وقت االستحقاق ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.528‬‬


‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪149‬‬
‫ويستحق المشتري قيمة المبيع من وقت االستحقاق‪ ،‬بصرف النظر عن حسن‬
‫نيته ( أي عدم علمه وقت البيع بسبب االستحقاق ) أو سوء نيته ( أي علمه بسبب‬
‫االستحقاق وقت البيع )‪ .‬وال يهم كذلك‪ ،‬ما إذا كان البائع حسن النية ( أي ال يعلم‬
‫بسبب االستحقاق وقت البيع ) أو سيء النية (يعلم بسبب االستحقاق وقت البيع ‪.1‬‬

‫وفي هذا الصدد قد أتى المشرع بحكم خالف فيه القواعد العامة‪ ،‬وذلك‬
‫بالنسبة الستحقاق المشتري لفوائد المبيع – ‪ %1‬في المسائل المدنية‪ %0 ،‬في‬
‫المسائل التجارية ‪ . -‬حيث إنه يستحقها من وقت االستحقاق خالفاً للقواعد العامة‬
‫التي تقضي بأن استحقاق الفوائد ال يكون إال من تاريخ المطالبة القضائية بها‪.‬‬
‫سيحرم من وقت االستحقاق‪ ،‬من االنتفاع‬ ‫والحكمة من ذلك تتمثل في أن المشتري ُ‬
‫بالمبيع وأخذ ثماره‪ ،‬فوجب أن يستعيض عن ذلك بالفوائد القانونية من ذلك الوقت‪.2‬‬

‫‪ -5‬قيمة الثمار التي ألزم المشتري بردها لمن استحق المبيع‪:‬‬

‫األصل أن ثمار المبيع تكون من حق المشتري من وقت تمام المبيع مالم‬


‫ُيتفق على خالف ذلك‪ .‬واذا أُستحق المبيع للغير‪ ،‬فال يلتزم المشتري – والذي‬
‫يصبح حائ اًز بعد الحكم باالستحقاق للغير المتعرض – برد ثمار المبيع إذا كان‬
‫حسن النية وقت قبضها إلى المستحق‪ ،‬وال يحق له بالتالي الرجوع بقيمة هذه الثمار‬
‫على البائع ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.529‬‬


‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪191‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪147 ،‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.581‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪147‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.581‬‬
‫‪150‬‬
‫غير أن المشتري يلتزم برد ثمار المبيع من الوقت الذي يصبح فيه سيء‬
‫النية‪ ،‬ويكون المشتري سيء النية في حالتين هما ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬من اليوم الذي يعلم فيه بحق المستحق أو بسبب االستحقاق‪ :‬وهنا يلتزم‬
‫المشتري بأن يرد إلى المستحق ما قبضه أو ما قصر في قبضه من ثمار المبيع‬
‫من يوم علمه بحق هذا المستحق‪ ،‬ويحق له ‪ -‬أي المشتري – الرجوع بقيمة هذه‬
‫الثمار على البائع‪.‬‬

‫ب‪ -‬من يوم رفع دعوى االستحقاق عليه من قبل الغير المتعرض‪ :‬وهنا يلتزم‬
‫المشتري برد ما يقبضه من ثمار من يوم رفع الدعوى عليه‪ .‬ولكنه ال يرجع بقيمة‬
‫هذه الثمار على البائع؛ ألنه استعاض عنها بالفوائد القانونية عن قيمة المبيع من‬
‫وقت االستحقاق أي من وقت رفع الدعوى عليه‪ ،‬على النحو الذي بيناه آنفاً‪.‬‬

‫‪ -3‬المصروفات النافعة التي ال يستطيع المشتري أن يلزم بها المستحق‪ ،‬وكذلك‬


‫المصروفات الكمالية في حالة كون البائع سيء النية‪:‬‬

‫وهنا نفرق بين حكم المصروفات الضرورية‪ ،‬والمصروفات النافعة‪،‬‬


‫والمصروفات الكمالية‪:‬‬

‫أ‪ -‬حكم المصروفات الضرورية‪ :‬وهي المصروفات الالزمة لحفظ المبيع‬


‫وصيانته‪ ،‬كمصاريف ترميم العقار وحفظه من الهالك‪ .‬ويرجع بها المشتري على‬
‫المستحق كاملة‪ ،‬وال يحق له أن يرجع بها على البائع‪ .‬واذا امتنع المستحق عن‬
‫دفعها جاز للمشتري حبس المبيع حتى يستوفيها ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪582‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.142‬‬
‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.581‬‬
‫‪151‬‬
‫ب‪ -‬حكم المصروفات النافعة‪ :‬هي المصروفات ال توجد ضرورة تحتم‬
‫انفاقها‪ ،‬وأن كان يترتب عليها زيادة في قيمة المبيع أو منفعته كالبناء أو الغراس‬
‫في العقار المبيع‪ .‬ويقتضي بيان حكمها التفرقة بين المشتري سيء النية والمشتري‬
‫حسن النية‪:‬‬

‫* إذا كان المشتري سيء النية ( أي يعلم سبب االستحقاق وقت انفاق هذه‬
‫المصروفات )‪ :‬جاز للمستحق أن يطلب من المشتري إزالتها مع التعويض إن كان‬
‫له محل‪ ،‬ويجوز له أيضاً أن يستبقيها مقابل دفع قيمتها مستحقة اإلزالة أو دفع‬
‫مبلغ يساوي ما زاد في قيمة العين بسبب هذه المصروفات‪ .‬وذلك إعماالً لقواعد‬
‫االلتصاق المنصوص عليها في المادة ( ‪ ) 421‬من القانون المدني‪.‬‬

‫وأياً ما كان المبلغ الذي سيختار المستحق دفعه للمشتري‪ ،‬فإنه سيكون حتماً‬
‫أقل من المصروفات التي أنفقها هذا المشتري‪ ،‬لذلك يحق لهذا األخير أن يرجع‬
‫استيفاء لحقه ‪.1‬‬
‫ً‬ ‫بالفرق على البائع‬

‫* إذا كان المشتري حسن النية ( أي ال يعلم وقت انفاق هذه المصروفات‬
‫سبب االستحقاق )‪ :‬كان المستحق بالخيار بين أن يدفع له نفقات البناء أو الغراس‬
‫أو مازاد في قيمة العين بسبب هذه المصروفات‪ .‬وذلك إعماالً لقواعد االلتصاق‬
‫المنصوص عليها في المادة ( ‪ ) 420‬من القانون المدني‪.‬‬

‫ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يختار المستحق أقل القيمتين السابقتين‪ ،‬فإذا‬
‫كانت قيمة الزيادة في المبيع أقل بالمقارنة بما أنفقه المشتري من مصروفات‪ ،‬كان‬
‫لهذا األخير أن يرجع على البائع بالفرق ‪.2‬‬

‫‪ - 11‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪581‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.148‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪149‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.581‬‬
‫‪152‬‬
‫ج‪ -‬حكم المصروفات الكمالية‪ :‬وهي المصروفات التي تنفق بقصد تجميل‬
‫المبيع وزخرفته وزينته‪ ،‬كطالء جدران المنزل المبيع أو لصق بعض المناظر‬
‫الطبيعية على الجدران‪ .‬ويطبق بشأنها الحكم الوارد في المادة ( ‪ ) 3/445‬مدني‪،‬‬
‫والتي تجيز للمشتري أن ينزع ما استحدثه بالعين المبيعة التي أُستحقت للغير بشرط‬
‫أن يعيد المبيع إلى الحالة التي كان عليها قبل إضافة األشياء محل المصروفات‬
‫الكمالية‪ .‬كل ذلك مالم يطلب المستحق استبقاء هذه األشياء مقابل أن يدفع‬
‫للمشتري قيمتها مستحقة اإلزالة ‪.1‬‬

‫وفي الحالتين فإن هناك خسارة مؤكدة تلحق بالمشتري‪ ،‬سواء تمثلت في‬
‫النفقات التي صرفها من أجل إعادة العين إلى حالتها األولى إذا اختار المشتري‬
‫نزعها من العين المبيعة‪ ،‬أو في الفارق بين المبلغ الذي دفعه في تجميل المبيع‬
‫وزخرفته وبين قيمة هذه األشياء مستحقة اإلزالة إذا اختار المالك إزالتها‪ .‬وعلى‬
‫ذلك‪ ،‬يحق للمشتري أن يطالب البائع بالتعويض عن هذه الخسارة بشرط أن يكون‬
‫البائع سيء النية‪ ،‬أي يعلم وقت البيع سبب استحقاق المبيع للغير ‪.2‬‬

‫‪ -8‬مصروفات دعوى االستحقاق ودعوى الضمان‪:‬‬

‫يرجع المشتري على البائع بمصاريف دعوى االستحقاق التي تحملها أو أُلزم‬
‫بدفعها بسبب خسارته للدعوى‪ .‬وتشمل رسوم التقاضي وأتعاب المحاماة والخبراء‪.‬‬
‫غير أن البائع ال يلتزم بدفع المصروفات التي باستطاعة المشتري أن يقيه منها –‬
‫أي البائع – لو أخطره المشتري بدعوى االستحقاق في الوقت المالئم‪ .‬كما لو تكبد‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪191‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪149‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ - 2‬د محمد على عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪149‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪581‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪153‬‬
‫المشتري مصاريف استخراج مستند كان في حوزة البائع‪ .‬ويقع عبء اإلخطار من‬
‫عدمه على البائع ‪.1‬‬

‫ويرجع المشتري على البائع أيضاً‪ ،‬بمصاريف دعوى الضمان‪ ،‬سواء كانت‬
‫أصلية أو فرعية‪ ،‬وذلك عندما يرجع المشتري على البائع بالضمان نتيجة استحقاق‬
‫سيحكم في هذه الدعوى لصالح المشتري ‪.2‬‬
‫المبيع لألجنبي؛ ألنه من المؤكد ُ‬

‫‪ -2‬ما لحق المشتري من خسارة وما فاته من كسب بسبب استحقاق المبيع‪:‬‬

‫جاء النص على هذا العنصر من عناصر التعويض الذي يرجع به المشتري‬
‫على البائع في حالة استحقاق المبيع‪ ،‬رغبةً من المشرع في أن يوفر أقصى حماية‬
‫ممكنة للمشتري؛ فخشي أن يكون هناك ضر اًر ما تعرض له المشتري ولم يكن‬
‫منصوصاً عليه ضمن العناصر األربعة السابقة فيشمله هذا العنصر‪.‬‬

‫ومن أمثلة الخسارة التي تلحق بالمشتري بسبب استحقاق المبيع كله‪،‬‬
‫مصاريف السمسرة‪ ،‬ومصاريف االنتقال لمعاينة المبيع عند شرائه‪ ،‬ومصاريف نقل‬
‫المبيع‪ ،‬ومصاريف استالمه‪ ،‬ورسوم التسجيل والدمغة‪ .‬ومن أمثلة الكسب الذي قد‬
‫يفوت المشتري بسبب هذا االستحقاق‪ ،‬الصفقة التي ضاعت عليه والتي تركها من‬
‫أجل شراء المبيع الذي أُستحق للغير ‪.3‬‬

‫وجدير بالذكر أن طلب التعويض بعناصره السابقة‪ ،‬هو خاص فقط بدعوى‬
‫ضمان االستحقاق دون دعوى الفسخ ودعوى اإلبطال‪ .‬فهذه األخيرة‪ ،‬يرفعها‬
‫المشتري على أساس أن البيع هو بيع ملك الغير‪ ،‬ويؤدي رفعها إلى زوال العقد‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪191‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪171‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.581‬‬
‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.581‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪585‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪154‬‬
‫واسترداد المشتري للثمن‪ .‬وان ُحكم له بالتعويض‪ ،‬كان ذلك على أساس العمل غير‬
‫المشروع وليس على أساس العقد‪.‬‬

‫وكذلك األمر بالنسبة لدعوى الفسخ‪ ،‬فالمشتري يرفعها على أساس عدم تنفيذ‬
‫البائع اللتزامه بنقل الملكية‪ ،‬ويترتب عليها أيضاً زوال العقد واسترداد المشتري‬
‫للثمن‪ ،‬وان ُحكم له بالتعويض‪ ،‬كان على أساس العمل غير المشروع وليس على‬
‫أساس العقد‪.‬‬

‫أما دعوى ضمان االستحقاق‪ ،‬فهى تتميز عن الدعويين سالفتي الذكر؛‬


‫لكونها مستمدة من العقد ذاته‪ ،‬حيث يطالب المشتري فيها بتنفيذ البائع اللتزامه‬
‫بضمان التعرض تنفيذاً بمقابل بطريق التعويض بعد أن أخفق في التنفيذ العيني‪.‬‬
‫أي أنها دعوى تعويض تستند إلى عقد البيع ذاته‪ ،‬وال يسترد فيها المشتري الثمن‪،‬‬
‫بل ُيحكم له بالتعويض المتمثل في قيمة الشيء المبيع وقت االستحقاق وليس وقت‬
‫إبرام البيع‪ ،‬على النحو الذي بيناه سلفاً ‪.1‬‬

‫وفي هذا الشأن يثور تساؤل هام وهو‪ :‬هل حسن أو سوء نية البائع أو‬
‫المشتري يؤثر على استحقاق التعويض؟‬

‫مبدئياً يقصد بحسن النية هنا‪ ،‬عدم علم البائع أو المشتري بسبب االستحقاق‬
‫وقت البيع أو الشراء‪ .‬ويعني سوء النية علم البائع أو المشتري بسبب االستحقاق‬
‫وقت البيع أو الشراء‪ .‬ويختلف موقف البائع عن موقف المشتري في هذا األمر ‪:2‬‬

‫أ‪ -‬بالنسبة لموقف البائع‪ :‬أجمع الفقه على أنه ال عبرة بحسن أو سوء نيته‪،‬‬
‫بمعنى أن يلتزم في مواجهة المشتري بجميع عناصر التعويض سالفة الذكر‪،‬‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.188‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪584‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪ 171‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫باستثناء عنصر التعويض الخاص بالمصروفات الكمالية‪ ،‬فال ُيرجع بها عليه إال‬
‫إذا كان سيء النية فقط ‪.‬‬

‫ب‪ -‬بالنسبة لموقف المشتري‪ :‬انتهى الرأي الراجح إلى أنه يحق للمشتري أن‬
‫يرجع على البائع بكافة عناصر التعويض‪ ،‬سواء كان حسن أو سيء النية‪ .‬مالم‬
‫ُيفسر علمه – أي المشتري – بسبب االستحقاق على أنه اتفاقاً ضمنياً على عدم‬
‫الضمان‪ ،‬فال يلتزم البائع في هذا الفرض األخير إال برد قيمة المبيع دون‬
‫التعويضات األخرى‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التعويض في حالة االستحقاق الجزئي للمبيع‪:‬‬

‫ُيقصد باالستحقاق الجزئي‪ ،‬ثبوت ملكية الغير لجزء من المبيع‪ ،‬سواء كان‬
‫وفاء لحق‬
‫هذا الجزء مفر اًز أو حصة شائعة فيه‪ ،‬أو إذا ُنزع جزء من العين المبيعة ً‬
‫دائن مرتهن‪ ،‬أو إذا ظهر عدم وجود ارتفاق للمشتري على العين المبيعة كان قد‬
‫سبق وأن أكد له عليه البائع‪ ،‬أو كان ظاه اًر على نحو بث االعتقاد في ذهن‬
‫المشتري على وجوده ووضعه في االعتبار عند إبرام البيع ‪.1‬‬

‫وبالنسبة لقدر التعويض في حالة االستحقاق الجزئي‪ ،‬فوفقاً لما نصت عليه‬
‫المادة ( ‪ ) 111‬من القانون المدني‪ ،‬يجب التفرقة بين حالتين هما ‪:2‬‬

‫أ‪ -‬إذا كان االستحقاق الجزئي جسيماً بحيث لو علم به المشتري وقت‬
‫التعاقد لما أبرم العقد‪ :‬وفي هذا الفرض يبلغ االستحقاق الجزئي حداً من الجسامة‬
‫على نحو ال يصبح معه المبيع موفياً للغرض الذي يريده المشتري‪ .‬كأن يكون‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪199 ،198‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111 ،112‬‬
‫‪156‬‬
‫المبيع قطعة أرض اشتراها المشتري إلقامة مدرسة عليها وبعد االستحقاق الجزئي‬
‫أصبحت المساحة غير كافية إلقامتها‪.‬‬

‫وفي هذه الحالة يكون المشتري مخي اًر بين إما أن يرد للبائع ما بقي من البيع‬
‫ويرد معه كل ما استفاده منه‪ ،‬وبعدها يرجع على البائع بعناصر التعويض المعمول‬
‫بها في حالة االستحقاق الكلي‪ .‬واما أن يستبقي المشتري ما بقي من المبيع بعد‬
‫حدوث االستحقاق الجزئي ويطالب البائع بالتعويض عما لحقه من خسارة وما فاته‬
‫من كسب بسبب هذا االستحقاق‪.‬‬

‫ويؤسس الرجوع هنا على أساس دعوى ضمان االستحقاق المستمدة من العقد‬
‫ذاته‪ ،‬أي على أساس المسؤولية العقدية والتي يقدر فيها التعويض على أساس‬
‫الضرر المتوقع وقت العقد مالم يكن البائع سيء النية فيلتزم بالتعويض عن‬
‫الضرر غير المتوقع‪.‬‬

‫ب‪ -‬إذا لم يكن االستحقاق الجزئي جسيماً‪ :‬فهنا ال يحق للمشتري إال‬
‫المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب االستحقاق الجزئي‪ .‬ويلتزم البائع‬
‫هنا بتعويض المشتري عن الضرر المتوقع وقت العقد والضرر غير المتوقع في‬
‫حالة ما إذا كان سيء النية يعلم سبب االستحقاق‪.‬‬

‫وعند النظر في ما إذا كان االستحقاق الجزئي جسيماً أم ال‪ ،‬فإنه يعتد‬
‫بمعيار شخصي وليس موضوعي‪ ،‬أي يأخذ في االعتبار شخص المشتري وظروفه‬
‫الخاصة‪ ،‬فما يعتبر جسيماً بالنسبة لشخص ما قد ال يكون ذلك بالنسبة لغيره‪.‬‬
‫ويستقل قاضي الموضوع تقدير ذلك دون رقابة عليه من محكمة النقض‪.1‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.172‬‬


‫‪157‬‬
‫رابعاً‪ :‬توقي المشتري استحقاق المبيع‪:‬‬

‫جاء النص على توقي المشتري استحقاق المبيع من قبل الغير المتعرض‪،‬‬
‫سواء كان االستحفاق كلياً أو جزئياً في المادة ( ‪ ) 112‬من القانون المدني‪.‬‬
‫وتتعرض هذا األخيرة للفرض الذي ال يصدر فيه حكم من القضاء باستحقاق المبيع‬
‫كلياً أو جزئياً‪ ،‬أي عندما يقر المشتري بحق الغير على المبيع أو يتصالح معه قبل‬
‫رفع الدعوى أو بعد رفعها وقبل صدور الحكم فيها إذا كان يعتقد جدية األساس‬
‫الذي يقوم عليه حق المتعرض‪ .‬أي أن المشتري يتفق مع الغير بأن يستبقي المبيع‬
‫مقابل دفع مبلغ من المال أو أداء أي شيء آخر لهذا الغير المتعرض‪.‬‬

‫وبعد أن يتوقي المشتري استحقاق الغير‪ ،‬فإنه يرجع على البائع له مطالباً‬
‫بحقه‪ ،‬فما موقف البائع من هذا الرجوع؟ هنا يخير البائع بين أمرين هما ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬إما أن يختار البائع دفع ما أداه المشتري للمتعرض من أجل توقي‬
‫استحقاق المبيع‪ ،‬مع فوائده القانونية من وقت الدفع‪ ،‬وكذلك المصروفات التي‬
‫أنفقها المشتري في سبيل ذلك كمصروفات االنتقال إلى محل إقامة المتعرض‪،‬‬
‫ومصروفات تحرير محضر الصلح‪.‬‬

‫ب‪ -‬واما أن يختار البائع أن يرجع عليه المشتري بدعوى ضمان االستحقاق‬
‫الكلي أو الجزئي بحسب األحوال وذلك بكل عناصر التعويض سالفة الذكر‪ ،‬إذا‬
‫كانت التعويضات المستحقة طبقاً لهذه الدعوى أقل من المبلغ الذي توقى به‬
‫المشتري استحقاق المبيع‪.‬‬

‫غير أنه يجوز للبائع أن يمتنع عن دفع أي مبالغ للمشتري‪ ،‬إذا أثبت أن‬
‫المشتري قد تسرع في إق ارره أو تصالحه مع المتعرض‪ ،‬وأن حق هذا األخير لم‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪111‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪177 ،174‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪158‬‬
‫يكن له أي أساس من الصحة أو الوجود‪ ،‬وهنا يتحمل المشتري نتيجة خطأه‬
‫وتسرعه وتقصيره‪ .‬واذا حكم باالستحقاق للمبيع ثم استبقاه المشتري بعد ذلك وتوقاه‪،‬‬
‫اء للمبيع مرة أخرى من المستحق ‪.1‬‬
‫فهذا التوقي يعد في حقيقته شر ً‬

‫خامساً‪ :‬حكم تعديل أحكام ضماني التعرض واالستحقاق‪:‬‬

‫المستفاد من نص المادة ( ‪ ) 110‬مدني‪ ،‬أن أحكام ضمان التعرض‬


‫وضمان االستحقاق غير متعلقة بالنظام العام‪ ،‬األمر الذي يجيز للمتعاقدين االتفاق‬
‫على مخالفتها‪ .‬وقد يأتي هذا االتفاق األخير في صورة زيادة لهذا الضمان‪ ،‬أو‬
‫إنقاصه‪ ،‬أو إسقاطه‪.‬‬

‫‪ -1‬االتفاق على زيادة الضمان‪:‬‬

‫لقد كفل المشترع للمشتري العديد من أحكام الضمان القانوني بما يكفي‬
‫لحمايته‪ ،‬في حالة ما إذا حدث له تعرض في المبيع أو في حالة استحقاق هذا‬
‫األخير‪ ،‬كحقه في الحصول على تعويض من البائع بالصورة التي شرحناها سلفاً‬
‫والتي تختلف كثي اُر عن استحقاق التعويض وفقاً للقواعد العامة في حالة الفسخ أو‬
‫اإلبطال‪ .‬لذلك فاالتفاق على زيادة الضمان نادر الحدوث في الواقع العملي‪ ،‬غير‬
‫أنه ليس مستحيل‪ ،‬فاحياناً يشترط المشتري على البائع ضرورة زيادة الضمان ويقبل‬
‫البائع ذلك‪ ،‬ويقع هذا االتفاق صحيحاً ‪.2‬‬

‫ومن أمثلة الضمان التشديدي الذي يشترطه المشتري على البائع‪ ،‬اشتراط‬
‫رجوع األول على الثاني بالمصروفات الكمالية حتى ولو كان البائع حسن النية‪ .‬أو‬
‫أن يشترط المشتري على البائع في حالة االستحقاق الجزئي للمبيع‪ ،‬أن يرد هذا‬
‫األخير وحده دون ثماره‪ .‬أو أن يحصل المشتري على تعويضاً كامالً في حالة‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.591‬‬
‫‪159‬‬
‫االستحقاق الجزئي وفقاً ألحكام االستحقاق الكلي‪ ،‬بصرف النظر عن مدى جسامة‬
‫أو عدم جسامة الخسارة التي لحقته بسبب االستحقاق‪ .‬أو أن يشترط المشتري‬
‫الرجوع على البائع بالضمان من الوقت الذي يكتشف فيه حق الغير على المبيع‬
‫دون حاجة النتظار حدوث التعرض الفعلي‪ .‬وكذلك اشتراط ضمان البائع للتعرض‬
‫المادي الصادر من الغير ‪.1‬‬

‫غير أنه يشترط لصحة االتفاق على تشديد أو زيادة الضمان‪ ،‬ضرورة أن يرد‬
‫هذا االتفاق بصورة خاصة وصريحة‪ ،‬أي في عبارات واضحة في التعبير عن إرادة‬
‫المتعاقدين بصورة ال لبس فيها وال غموض‪ .‬ولذلك ال يعتبر اتفاقاً على زيادة‬
‫الضمان‪ ،‬اشتراط ضمان البائع للمشتري كل تعرض قانوني أو فعلي؛ ألن هذا‬
‫األمر األخير ما هو إال ترديد ألحكام الضمان القانوني التي نص عليها المشرع‬
‫وال يضيف إليها جديداً ‪.2‬‬

‫‪ -5‬االتفاق على إنقاص الضمان‪:‬‬

‫على عكس االتفاق على زيادة الضمان والذي يندر حدوثه‪ ،‬فإنه يكثر االتفاق‬
‫على إنقاص الضمان‪ .‬ويتخذ االتفاق على اإلنقاص صورتين هما ‪:3‬‬

‫أ‪ -‬االتفاق على إعفاء البائع من ضمان سبب معين من أسباب االستحقاق‪:‬‬
‫كأن يتفق البائع مع المشتري على أال يضمن له ما يظهر من حقوق ارتفاق على‬
‫العين المبيعة لصالح الغير‪ ،‬أو ال يضمن ما للعين المبيعة من حقوق ارتفاق على‬
‫عين أخرى‪ .‬أو يتفق البائع على عدم ضمان استحقاق المبيع في حالة إبطال سند‬
‫ملكيته أو فسخه‪.‬‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪111‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.591‬‬
‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪111‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.595 ،591‬‬
‫‪160‬‬
‫ب‪ -‬االتفاق على إنقاص ما يستحقه المشتري من تعويضات في حالة‬
‫االستحقاق‪ :‬كأن يتم االتفاق على أن البائع ال يلتزم في حالة االستحقاق الكلي إال‬
‫برد الثمن فقط ولو زادث قيمة المبيع وقت االستحقاق على ذلك‪ .‬أو حالة االشتراط‬
‫على عدم أحقية المشتري في حالة االستحقاق الجزئي في الحصول على تعويض‬
‫كامل في حالة رده المبيع حتى ولو كانت الخسارة التي تعرض لها المشتري‬
‫جسيمة‪.‬‬

‫غير أن صحة االتفاق على إنقاص الضمان بصورتيه سالفتي الذكر‪ ،‬مقيد‬
‫بأال يكون البائع قد تعمد اخفاء حق األجنبي؛ ألنه لو تعمد ذلك فقد ارتكب غشاً‬
‫والغش يفسد كل شيء‪ .‬ويعتبر البائع قد تعمد اإلخفاء‪ ،‬إذا كان يعلم بحق هذا‬
‫األجنبي والمشتري ال يعلم به ولم يخبره البائع بشيء من هذا القبيل‪ .‬كأن يشترط‬
‫البائع عدم ضمانه لحقوق االرتفاق غير الظاهرة والتي يعلمها هو وال يعلمها‬
‫المشتري ولم ُيخبر بها من جانب البائع‪.‬‬

‫أما إذا كان كل من البائع والمشتري ال يعلم بحق األجنبي‪ ،‬أو اعتقد البائع‬
‫أن المشتري يعلمه‪ ،‬واشترط البائع انقاص الضمان‪ ،‬وقع الشرط صحيحاً؛ ألنه –‬
‫أي البائع ‪ -‬في هذه الحالة ال يكون قد تعمد اخفاء سبب االستحقاق – أي حق‬
‫األجنبي – وال يكون قد ارتكب غشاً‪ .‬ويحق على البائع عبء إثبات علم المشتري‬
‫بحق األجنبي ‪.1‬‬

‫واالتفاق على إنقاص الضمان‪ ،‬كاالتفاق على زيادته‪ ،‬حيث يلزم أن يكون‬
‫صريحاً وقاطعاً في الداللة على اإلنقاص‪ .‬ويجوز أن يتم هذا األخير بطريقة‬
‫ضمنية بشرط أن ينم بوضوح عن إرادة المتعاقدين‪ ،‬كحالة علم البائع والمشتري‬
‫بسبب االستحقاق وقت البيع‪ ،‬بشرط أن ُيقترن هذا العلم بظروف توضح حقيقة ما‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ :115 ،111‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪ ،179‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪161‬‬
‫أراده المتعاقدين‪ ،‬كما لو كان الثمن الذي دفعه المشتري أقل من ثمن المثل؛ مراعاة‬
‫لحق األجنبي ‪.1‬‬

‫وجدير بالذكر أن االتفاق على إنقاص الضمان – على عكس االتفاق على‬
‫اسقاط الضمان كما سنرى – يكون صحيحاً حتى ولو كان سبب الضمان قد نشأ‬
‫بفعل البائع‪ ،‬بشرط أال يكون منطوياً على غش من جانبه‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬لو‬
‫اشترط البائع عدم ضمانه إلبطال سند ملكيته وكان هو المسئول عن سبب‬
‫اإلبطال‪ ،‬كان االتفاق صحيحاً‪ .‬غير أنه ال يجوز للبائع اشتراط عدم ضمانه‬
‫لالستحقاق الناشيء عن قيامه هو ببيع العين المبيعة مرة ثانية إلى مشتر ثان سبق‬
‫المشتري األول في تسجيل عقده؛ نظ اًر لتوافر الغش ‪.2‬‬

‫وفي هذا الشأن يجب مراعاة اإلستثناء الخاص بحقوق االرتفاق والتي ال‬
‫يضمنها البائع‪ ،‬متى كانت ظاهرة‪ ،‬أو كانت غير ظاهرة وأبان عنها البائع‬
‫للمشتري‪ ،‬على النحو الذي بيناه سلفاً‪.‬‬

‫‪ -3‬االتفاق على سقوط الضمان‪:‬‬

‫فيـ ـما يـ ـتع ـلق باالتفاق على اسقاط الضمان أو اإلعفاء منه‪ ،‬فقد فرقت المادة‬
‫( ‪ )111‬مدني‪ ،‬بين حالتين هما ‪:3‬‬

‫أ‪ -‬إذا كان االستحقاق قد نشأ بفعل البائع‪ :‬كما لو باع البائع العقار المبيع‬
‫مرة ثانية إلى مشتر ثان سجل عقده قبل نظيره األول‪ .‬فهنا أُستحق المبيع بفعل من‬
‫البائع‪ ،‬لذلك يبقى مسئوالً أمام المشتري األول بتعويضه عن استحقاق المبيع وفقاً‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬


‫‪ - 2‬د سميرعبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114 ،115‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪162‬‬
‫لقواعد االستحقاق سالفة الذكر‪ ،‬وما إذا كان االستحقاق كلياً أو جزئياً‪ .‬واذا اشترط‬
‫البائع عدم الضمان في هذه الحالة‪ ،‬وقع اشتراطه باطالً‪.‬‬

‫ب‪ -‬إذا كان سبب االستحقاق قد نشأ من فعل الغير‪ :‬كما لو كان الغير دائناً‬
‫استيفاء لدينه‪ .‬فهنا يصح االتفاق على اسقاط‬
‫ً‬ ‫مرتهناً للعقار المبيع ونفذ عليه‬
‫الضمان‪ ،‬ومع ذلك ال ُيعفى البائع من مسؤوليته عن االستحقاق بصورة كلية‪ ،‬حيث‬
‫إنه يظل ملتزماً – رغم صحة االتفاق على اسقاط الضمان – برد قيمة المبيع وقت‬
‫االستحقاق‪ ،‬دون عناصر التعويض األخرى التي ُيعفى منها البائع بسبب اتفاقه‬
‫على عدم الضمان‪.‬‬

‫وعلى الرغم مما تقدم‪ ،‬فإن االتفاق على اسقاط الضمان قد يأتي في أقسى‬
‫صورة له‪ ،‬عندما يعفي البائع من مسؤوليته بصورة كلية‪ ،‬سواء إعفائه من رد قيمة‬
‫المبيع أو التعويضات األخرى‪ .‬ويكون ذلك في حالتين هما ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬حالة ما إذا ثبت أن المشتري كان على علم بسبب االستحقاق وقت البيع‪:‬‬
‫فرضاء المشتري بعدم الضمان باإلضافة إلى علمه بسبب الضمان يفسران على‬
‫أنه أراد إعفاء البائع من كل مسؤوليته عن هذا السبب‪ .‬ويقع عبء إثبات علم‬
‫المشتري على عاتق البائع‪ .‬غير أن العلم بسبب االستحقاق بمجرده ال يؤدي‬
‫إسقاط الضمان كلية‪ ،‬بل يجب أن ُيقترن به شرط عدم الضمان‪.‬‬

‫ب‪ -‬الحالة التي يشتري فيها المشتري المبيع ساقطاً‪ :‬أي أن المشتري يشتري‬
‫ساقط خيار‪ .‬وهنا يشتري المشتري الشيء بمخاطرة‪ ،‬ويحدث ذلك عندما يكون‬
‫المشتري في شك في تحقق سبب االستحقاق‪ ،‬فيحدد للمبيع ثمناً يقل عن ثمنه‬
‫الحقيقي أو قيمته‪ ،‬ويكون معرضاً لخسارة ما دفعه إذا تحقق سبب االستحقاق‪ .‬غير‬
‫أنه يكون على أمل أال يتحقق هذا السبب‪ ،‬فيحصل بذلك على ربح يعادل الفرق‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.592‬‬


‫‪163‬‬
‫بين الثمن الذي دفعه وقيمة المبيع الحقيقية‪ ،‬أي أن العقد يكون احتمالياً‪ .‬والبد من‬
‫النص على اسقاط الخيار صراحة‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬سقوط حق المشتري في الرجوع على البائع بالضمان‪:‬‬

‫األصل أن التزام البائع بعدم تعرضه للمشتري‪ ،‬هو التزام أبدي يلتزم به البائع‬
‫ومن بعده ورثته‪ .‬كما أنه يضمن تعرض الغير القانوني والذي ال يسقط بمضي‬
‫خمس عشرة عاماً من تاريخ إبرام عقد البيع‪ ،‬أي أن البائع يظل ملتزماً بدفع تعرض‬
‫الغير ولو حدث بعد هذه المدة‪.‬‬

‫استثناء على األصل المتقدم‪ ،‬إذا حدث تعرض فعلي من الغير أو‬
‫ً‬ ‫غير أنه و‬
‫أُستحق المبيع كله أو بعضه‪ ،‬وتقاعس المشتري أو أهمل في مطالبة البائع بدفع‬
‫هذا التعرض أو بتعويضه عن هذا االستحقاق‪ ،‬مدة تزيد على خمس عشر سنة من‬
‫تاريخ حدوث التعرض أو من تاريخ الحكم النهائي باستحقاق المبيع للغير‪ ،‬ترتب‬
‫على هذا المسلك سقوط حق المشتري في الرجوع على البائع سواء لرد التعرض أو‬
‫لدفع التعويض المقرر في حالة االستحقاق‪.‬‬

‫ويؤسس اإلستثناء المتقدم‪ ،‬على أنه منذ حدوث التعرض أو ثبوت االستحقاق‬
‫للغير‪ ،‬يصبح االلتزام بالضمان مستحق األداء‪ ،‬ومن هذا الوقت يبدأ سريان التقادم‬
‫بالنسبة له‪ ،‬وذلك عمالً بما جاء في المادة ( ‪ ) 2/341‬مدني ‪.1‬‬

‫ويجب مالحظة أن التزام البائع بضمان االستحقاق – على عكس التزامه‬


‫يقبل اإلنقسام‬ ‫بضمان تعرضه الشخصي وضمان تعرض الغير القانوني ‪-‬‬
‫بطبيعته؛ ألنه التزام بالتعويض محله دفع مبلغ من النقود‪ .‬لذلك إذا تعدد البائعون‬
‫وأُستحق المبيع‪ ،‬يحق للمشتري أن يرجع بضمان االستحقاق على كل بائع بنسبة‬
‫نصيبه في المبيع‪ ،‬مالم ُيتفق في العقد على تضامن البائعين األمر الذي يخول‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.151‬‬


‫‪164‬‬
‫للمشتري حق الرجوع على أحدهم بكامل التعويض‪ .‬واذا تعدد المشترون‪ ،‬فال يحق‬
‫لكل منهم أن يرجع على البائع إال بقدر نصيبه في التعويض‪ ،‬مالم يوجد اتفاق في‬
‫العقد على التضامن ‪.1‬‬

‫المبحث الرابع‬

‫التزام البائع بضمان العيوب الخفية‬

‫لقد نظم المشرع أحكام التزام البائع بضمان العيوب الخفية في المبيع‪،‬‬
‫وضمان الصفات التي التزم البائع أمام المشتري بوجودها في المبيع في المواد من‬
‫( ‪ ) 101 – 117‬من القانون المدني‪ .‬وكذلك التزام البائع بضمان صالحية المبيع‬
‫مدة معينة في المادة ( ‪ ) 110‬مدني‪.‬‬

‫وقبل أن نخوض في بيان أحكام ضمان العيوب الخفية‪ ،‬يتعين علينا أن‬
‫ويقصد بهذا العيب أحد‬
‫نوضح المقصود بالعيب الخفي والذي يلتزم البائع بضمانه‪ُ .‬‬
‫أمرين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬العيب بمعنى اآلفة الطارئة‪ :‬وذكرت محكمة النقض المصرية تعريف‬
‫العيب من منظور هذا المعنى بأنه اآلفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة‬
‫للمبيع‪ .‬أي أنه شائبة ال توجد في مثل المبيع ولكنها وجدت بالمصادفة في الشيء‬
‫الذي اشتراه المشتري‪ .‬كحالة تسوس المبيع إذا كان أخشاباً‪ ،‬أو كان بذو اًر ويتضح‬
‫أنها غير منبتة‪ ،‬أو يكون سماداً ويتضح أنه غير مخصب‪ ،‬أو يكون أرضاً ويتبين‬
‫أنها رخوة ألنها كانت في السابق مستنقع وتم ردمه‪ .‬ويمثل وجه العيب في كل هذه‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪174‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.592‬‬
‫‪165‬‬
‫الحاالت‪ ،‬في أنها تخرج المبيع عن المألوف في نوعه وتجعله غير صالح لتحقيق‬
‫الغرض المقصود منه ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬العيب بمعنى تخلف الصفة‪ :‬وهنا يكفل البائع للمشتري وجود صفة أو‬
‫صفات معينة في المبيع‪ ،‬بحيث يترتب على عدم وجود هذه الصفة أو الصفات‪،‬‬
‫قيام التزام البائع بضمان العيوب الخفية‪ .‬ونصت على ذلك المادة ( ‪ ) 1/117‬من‬
‫القانون المدني‪ ،‬وهو حكم مستحدث في القانون المدني الجديد‪ .‬ومن أمثلة ذلك‪ ،‬أن‬
‫يكفل بائع سيارة معينة للمشتري أنها تقطع مائتي كيلو مت اًر على األقل بصفيحة‬
‫البنزين ويتضح أنها في الحقيقة غير ذلك‪ ،‬أو يكفل بائع أرض زراعية للمشتري‬
‫أنها أرض ذات درجة خصوبة مرتفعة ويتضح أنها درجة خصوبتها منخفضة ‪.2‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬سنتعرض لدراسة التزام البائع بضمان عيوب المبيع الخفية‪ ،‬عن‬
‫طـ ـريق بـيان شروط العيوب الخفية ( مطلب أول )‪ .‬وأحكام ضمان العيوب الخفية‬
‫( مطلب ثان )‪ .‬واالتـ ـفاق عـ ـلى تـ ـعديل أحـكام ضمان العيوب الخفية ( مطلب‬
‫ثالث )‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬ضمان توافر صفة معينة في المبيع وضمان صالحية المبيع‬
‫للعمل مدة معينة ( مطلب رابع )‪.‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪411‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.125‬‬
‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪125‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.412‬‬
‫‪166‬‬
‫المطلب الول‬

‫شروط ضمان العيوب الخفية‬

‫ال يضمن البائع للمشتري أي عيب يوجد في المبيع على وجه العموم أو‬
‫اإلطالق‪ ،‬بل البد من توافر شروط معينة لنشوء التزام البائع بضمان العيوب‬
‫الخفية‪ .‬ونصت على هذه الشروط المادتين ( ‪ ) 114 ، 117‬من القانون المدني‪.‬‬
‫ومن مجمل هاتين المادتين‪ ،‬نوجز هذه الشروط في األمور اآلتية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬يجب أن يكون العيب خفياً وقت البيع‪:‬‬

‫تنص المادة ( ‪ ) 2/117‬مدني على أنه‪ ":‬مع ذلك ال يضمن البائع العيوب‬
‫التي كان المشتري يعرفها وقت البيع‪ ،‬أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه لو أنه‬
‫فحص المبيع بعناية الرجل العادي‪ ،‬إال إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد خلو‬
‫المبيع من هذا العيب‪ ،‬أو أثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشاً منه "‪.‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬يكون العيب خفياً ومن ثم يلتزم البائع بضمانه‪ ،‬إذا لم يكن‬
‫بمقدور المشتري أن يتبين هذا العيب بنفسه في حالة فحصه للمبيع بعناية الرجل‬
‫العادي‪ .‬وبمفهوم المخالفة‪ ،‬ال يعد العيب خفياً وال يضمنه البائع إذا كان العيب‬
‫ظاه اًر وال خفاء فيه وقت تسليم المبيع للمشتري‪ .‬وكذلك إذا كان العيب غير ظاهر‪،‬‬
‫ولكن المشتري كان في مقدوره أن يتبينه إذا هو فحص المبيع بعناية الرجل‬
‫العادي‪.1‬‬

‫والمعيار الذي ُيعتد به عند تقدير مدى وجود علم بالعيب من عدمه‪ ،‬هو‬
‫معيار موضوعي وليس شخصي‪ ،‬أي أنه يتمثل في عناية الرجل المعتاد وليس‬
‫عناية الرجل المهمل الذي ال يبالي أو الرجل الخبير شديد الحرص‪ .‬فإذا كان‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.127‬‬


‫‪167‬‬
‫الشخص العادي يستطيع اكتشاف العيب إذا قام بفحص المبيع فحصاً عادياً‪ ،‬لم‬
‫يكن العيب خفياً‪.‬‬

‫واذا كان يلزم الكتشاف العيب إجراء فحص غير عادي يقوم به أهل الخبرة‬
‫وأهمل المشتري في االستعانة بهم ألي سبب كان‪ ،‬فال ُيقبل من المشتري هنا‬
‫اإلدعاء بأن العيب كان خفياً؛ وذلك ألن االستعانة بأهل الخبرة في هذه الحالة‬
‫يعتبر من مشتمالت المعيار الموضوعي الذي نحن بصدده‪ .‬غير أنه إذا كان‬
‫اكتشاف العيب يحتاج إلى خبرة أو فحص خاص‪ ،‬كأن ال يمكن اكتشافه إال عن‬
‫طريق القيام ببعض األبحاث أو التجارب الكيميائية‪ ،‬كان العيب خفياً ‪.1‬‬

‫والعبرة في تقدير ظهور العيب أو خفائه هي بوقت التعاقد‪ .‬وتقدير خفاء‬


‫العيب من عدمه‪ ،‬من المسائل الموضوعية التي يستقل بها قاضي الموضوع‪ ،‬دون‬
‫رقابة عليه من محكمة النقض‪.‬‬

‫وخالفاً للقاعدة المتقدمة التي تقضي بأن البائع ال يضمن العيب إال إذا كان‬
‫خفياً‪ ،‬فإنه ‪ -‬وبصورة استثنائية – يضمن العيب ولو كان ظاه اًر في حالتين‪،‬‬
‫هما‪:2‬‬

‫أ‪ -‬الحالة التي يثبت فيها المشتري أن البائع قد أكد له خلو المبيع من‬
‫العيب‪ :‬ويؤسس ضمان البائع للعيب هنا‪ ،‬على الثقة التي أوالها المشتري لما ذكره‬
‫البائع بخصوص المبيع‪ ،‬على نحو جعله يطمئن لتأكيد البائع على خلو المبيع من‬
‫العيوب‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.152‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪419‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪168‬‬
‫ب‪ -‬الحالة التي يثبت فيها المشتري أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشاً‬
‫منه‪ :‬وهنا يتعمد البائع إخفاء المبيع بقصد تضليل المشتري‪ ،‬على نحو يرتكب معه‬
‫– أي البائع – خطأً جسيماً يستغرق خطأ المشتري المتمثل في عدم فحص المبيع‬
‫بعناية الشخص العادي‪ ،‬لذلك يجب أن ُيسأل البائع وحده عن وجود هذا العيب‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬يجب أن يكون العيب غير معلوم للمشتري وقت البيع‪:‬‬

‫ال يعتبر هذا الشرط متعارضاً مع الشرط السابق‪ ،‬بل هو مكمالً له‪ .‬فقد‬
‫يكون العيب خفياً ومع ذلك يكون المشتري عالماً به أياً كانت وسيلة هذا العلم‪،‬‬
‫سواء بسبب إخبار البائع المشتري بالعيب‪ ،‬أو بسبب خبرة المشتري الخاصة التي‬
‫تفوق خبرة الشخص العادي كأن يكون المشتري يعمل في نفس مجال المنتج الذي‬
‫ينتوي شرائه‪ ،‬أو عن طريق االستعانة بخبير يفوق مستواه مستوى الخبراء العاديين‪.‬‬

‫ففي كل هذه الحاالت ال يجوز للمشتري أن يرجع على البائع بضمان‬


‫العيب؛ ألن إقدام المشتري على الشراء رغم علمه بالعيب‪ُ ،‬يفسر على أنه يرى أن‬
‫العيب الذي يوجد في المبيع غير مؤثر‪ ،‬أو ألنه قد أدخله في اعتباره عند تقدير‬
‫الثمن‪ ،‬على نحو ينم في األخير عن تنازل المشتري عن حقه في الرجوع على‬
‫البائع‪. 1‬‬

‫والعلم الذي يكون موجباً إلسقاط ضمان البائع لعيوب المبيع الخفية‪ ،‬هو‬
‫العلم اليقيني وليس مجرد الشك أو التخمين‪ .‬فمجرد إقرار المشتري في العقد بأنه‬
‫عاين المبيع المعاينة النافية للجهالة‪ ،‬وان كان يمنع المشتري من طلب إبطال العقد‬
‫على أساس عدم العلم الكافي بالمبيع‪ ،‬إال أنه ال يعتبر دليالً على علم المشتري‬
‫بالعيب علماً فعلياً يحول دون رجوعه بالضمان ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.421‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.422‬‬
‫‪169‬‬
‫واألصل أن العيب الخفي ال يعلم به المشتري‪ ،‬فإذا أدعى البائع عكس‬
‫ذلك‪ ،‬ويقع عليه عبء إثبات ذلك بجميع طرق اإلثبات بما في ذلك البينة والقرائن؛‬
‫ألن األمر هنا يتعلق بواقعة مادية ‪ .1‬وفي هذا الشأن ال يؤثر على قيام ضمان‬
‫البائع للعيب الخفي‪ ،‬علمه بهذا العيب من عدمه‪ ،‬بمـ ـعن ـى أنه يـ ـضم ـنه ولو كـ ـان‬
‫جـ ـاهـ ـالً به‪ ،‬وذل ـك وفـ ـقاً ل ـما نـ ـص ـت ع ـ ـلـ ـيه الـ ـمادة ( ‪ ) 1/117‬مدني‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬يجب أن يكون العيب مؤث ارً‪:‬‬

‫وضحت المادة ( ‪ ) 117‬مدني‪ ،‬العيب المؤثر بأنه الذي يتوافر في أحد‬


‫فرضين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬إذا كان يترتب عليه نقص في قيمة المبيع نقصاً محسوساً حتى ولو لم‬
‫يترتب عليه إنتقاص من منفعته‪ ،‬أي حتى ولو كان الشيء رغم تعييبه صالحاً‬
‫لالستعمال المقصود‪.‬‬

‫ب‪ -‬إذا كان يترتب عليه االنتقاص من االنتفاع بالشيء المبيع حتى ولو لم‬
‫يترتب عليه نقص في قيمته بالفعل‪.‬‬

‫والمعيار الذي ُيعتد به عند تقدير ما إذا كان العيب مؤث اًر أم ال‪ ،‬هو معيار‬
‫مادي موضوعي وليس معيار شخصي ‪ .2‬فالنقص في قيمة المبيع يتحدد على‬
‫أساس قيمة المبيع في السوق‪ ،‬وهو معيار مادي ال يختلف باختالف األشخاص أو‬
‫األذواق‪ .‬وكذلك النقص في قيمة المبيع‪ ،‬فتقديره يخضع لمعيار موضوعي ُيستفاد‬
‫مما هو مبين في العقد أو من طبيعة الشيء أو من الغرض الذي أُعد له ‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.314‬‬
‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.656‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪170‬‬
‫وجدير بالذكر أن ضمان البائع للعيوب‪ ،‬ال يشمل جميع العيوب أياً كان‬
‫نوعها‪ ،‬أي أنه ال يضمن من العيوب إال ما كان مؤث اًر أو جسيماً‪ ،‬أما العيوب التى‬
‫جرى العرف على التسامح فيها فال يضمنها البائع‪ ،‬كوجود قدر ضئيل من األتربة‬
‫في القمح أو قد اًر يسي اًر من القش في القطن‪ .‬وجاء هذا الحكم في المادة (‪) 114‬‬
‫من القانون المدني‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬يجب أن يكون العيب قديماً‪:‬‬

‫ُيقصد بعيب القدم‪ ،‬أن يكون العيب موجوداً وقت تسليم المبيع للمشتري‪.‬‬
‫ويضمن البائع كذلك خلو المبيع من العيوب إلى حين التسليم‪ .‬فإذا كان المبيع‬
‫معيناً بالذات‪ ،‬كان البائع ضامناً لما فيه من عيوب من وقت التعاقد إلى وقت‬
‫التسليم‪ .‬واذا كان المبيع معيناً بنوعه‪ ،‬فالبائع يضمن عيوب المبيع وقت اإلفراز‪،‬‬
‫وهو يضمنها كذلك إلى الوقت الذي يتم فيه التسليم إذا لم يتعاصر اإلفراز‬
‫والتسليم‪.1‬‬

‫وال ينفي عن العيب صفة القدم‪ ،‬أن تكون بدايته موجودة عند تسلم المشتري‬
‫للمبيع‪ ،‬ثم اكتمل ظهوره أو تفشت آثاره بعد التسليم‪ .‬كأن يكون المبيع حيواناً وهو‬
‫حامل لجرثومة المرض ولم تظهر عليه أعراض المرض إال بعد التسليم‪ ،‬أو بيعت‬
‫كمية من األخشاب أو الحبوب في وقت كان تسوسها قد بدأ ثم انتشر السوس فيها‬
‫بعد التسليم ‪ .2‬ففي كل هذه األمثلة يظل العيب قديماً رغم أن اكتماله تراخى إلى‬
‫ما بعد تسليم المبيع‪ .‬ويقع عبء إثبات توافر شرط القدم في العيب على عاتق‬
‫المشتري باعتباره الدائن بالضمان‪.‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬


‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪711‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫‪171‬‬
‫* اإلستثناء الوارد على الضمان العام للعيوب الخفية للبائع في جميع البيوع‪:‬‬

‫واذا كان التزام البائع بضمان العيوب الخفية يرد على جميع أنواع البيوع‪،‬‬
‫إال أن المادة ( ‪ ) 101‬من القانون المدني‪ ،‬استثنت نوعاً من البيوع من نطاق هذا‬
‫الضمان‪ ،‬وذلك بنصها على أنه‪ ":‬ال ضمان للعيب في البيوع القضائية‪ ،‬وال في‬
‫البيوع اإلدارية إذا كانت بالمزاد "‪.‬‬

‫فالبيوع القضائية‪ ،‬هي البيوع التي تتم تحت إشراف القضاء كبيع أموال‬
‫المدين جب اًر لسداد ديونه‪ ،‬وبيع أموال المفلس‪ ،‬وبيع أموال القصر المحجور عليهم‪،‬‬
‫وبيع العين الشائعة تنفيذاً لحكم من القضاء بسبب عدم إمكان قسمتها‪ .‬وتشمل هذه‬
‫البيوع‪ ،‬البيوع اإلجبارية والبيوع اإلختيارية‪ ،‬وكالهما ال مجال للحديث عن الضمان‬
‫فيه‪ .‬أما البيوع اإلدارية‪ ،‬فهي التي تتم تحت إشراف جهة اإلدارة‪ ،‬كبيع أموال‬
‫اقتضاء لها متى تمت بالمزاد‪ ،‬سواء كان المزاد علنياً أم ال‪ .‬وهذه‬
‫ً‬ ‫المكلف بالضريبة‬
‫البيوع أيضاً‪ ،‬تخرج عن نطاق التزام البائع بضمان العيب الخفي ‪.1‬‬

‫وتتمثل الحكمة من عدم ضمان العيوب الخفية في الحاالت السابقة‪ ،‬في أن‬
‫هذه البيوع يسبق البيع فيها‪ ،‬اإلعالن والنشر عنها بمدة كافية تتيح للراغبين في‬
‫المزايدة في أن يفحصوا المال المعلن عن بيعه قبل اإلقدام على المزايدة فيه‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أن المصلحة العامة تقتضي التضييق في فسخ هذه البيوع؛ نظ اًر لما‬
‫تتطلبه من إجراءات ومصروفات وما تستغرقه من وقت طويل ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.159‬‬


‫‪ - 2‬مجموعة األعمال التحضيرية‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬ص ‪219‬؛ مشار إليه في‪ /‬د سليمان مرقس‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪484‬؛ ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪148‬؛ د‬
‫حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪172‬‬
‫غير أنه ينبغي التنويه إلى أن هذه البيوع وان كانت ال تنشيء على عاتق‬
‫البائع التزاماً بضمان العيوب الخفية‪ ،‬إال أنها ال تعفيه من التزامه بضمان التعرض‬
‫وضمان االستحقاق ‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫أحكام ضمان العيوب الخفية‬

‫ال ينشأ التزام البائع بضمان العيوب الخفية بمجرد توافر شروط هذا االلتزام‪،‬‬
‫بل يلزم إضافة إلى ذلك أن ُيخطر البائع بالعيب‪ ،‬ويلزم كذلك ضرورة رفع دعوى‬
‫الضمان في الميعاد المحدد قانوناً‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬وجوب اخطار البائع بالعيب الموجود في المبيع‪:‬‬

‫وفقاً لما نصت عليه المادة ( ‪ ) 114‬من القانون المدني‪ ،‬فإنه يجب على‬
‫المشتري بعد تسلمه للمبيع‪ ،‬أن يتحقق من حالته بمجرد أن يتمكن من ذلك‪ ،‬فإذا‬
‫وجد به عيب‪ ،‬وجب عليه أن يخطر به البائع في وقت معقول‪ .‬ولم يحدد القانون‬
‫مدة هذا الوقت المعقول؛ ألنها قد تطول أو تقصر تبعاً لنوع المبيع ولطبيعة‬
‫التعامل نفسها‪ .‬ويختص قاضي الموضوع بتقدير ما إذا كانت المدة التي يلتزم‬
‫المشتري باخطار البائع بالعيب خاللها‪ ،‬معقولة أم ال‪ ،‬وال يخضع في هذا التقدير‬
‫لرقابة محكمة النقض ‪.2‬‬

‫غير أن من مصلحة المشتري أن يبادر باخطار البائع بالعيب الذي وجده في‬
‫المبيع‪ ،‬في أقرب وقت ممكن‪ ،‬سواء عند تسلمه إياه أو بعد ذلك بفترة وجيزة؛ ألن‬
‫دعوى الضمان تسقط بمضي سنة من وقت تسليم المبيع ‪ .3‬والعبرة هنا باالستالم‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪173‬‬
‫الفعلي الذي ينتقل به المبيع إلى المشتري‪ ،‬على نحو يتمكن معه هذا األخير من‬
‫فحص المبيع‪ ،‬فال يكفي لبدء احتساب مدة الفحص – أي المدة المعقولة – مجرد‬
‫التسليم القانوني الذي يتم بمجرد وضع المبيع تحت تصرف المشتري واعالمه بذلك‬
‫مادام أنه لم يحدث تسليم فعلي ‪.1‬‬

‫ويختلف تقدير المدة المعقولة التي يلتزم المشتري خاللها باخطار البائع‬
‫بالعيب‪ ،‬بحسب موقف هذا العيب من طريقة الفحص أو الكشف عنه‪ ،‬وهنا نفرق‬
‫بين حالتين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬الحالة التي ُيكشف فيها عن العيب من خالل الفحص المعتاد‪ :‬فبمجرد أن‬
‫يكتشف المشتري العيب‪ ،‬يلتزم باخطار البائع به خالل مدة معقولة‪ .‬ونختلف هذه‬
‫األخيرة من حالة إلى أخرى بحسب ظروف ومالبسات كل بيع وما يتصل به من‬
‫بعد مكاني بين البائع والمشتري وسهولة االتصال بينها أو صعوبته ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬الحالة التي ال يمكن فيها الكشف عن العيب بالفحص المعتاد بل يحتاج‬
‫ذلك إلى خبرة فنية خاصة‪ :‬وهنا ال يسقط حق المشتري في الضمان بالفحص‬
‫المعتاد‪ ،‬بل يبقى هذا الحق طوال المدة الالزمة إلجراء الفحص الفني بحسب‬
‫المألوف في التعامل‪ ،‬ويجوز للمشتري الرجوع بالضمان متى أسفر هذا الفحص‬
‫الفني عن ظهور العيب‪ ،‬بشرط أن يبادر باخطار البائع به بمجرد ظهوره ‪.3‬‬

‫وفي الحالتين‪ ،‬إذا قام المشتري باخطار البائع خالل المدة المعقولة‪ ،‬فإنه‬
‫يكون قد أوفى بالتزامه وحفظ حقه في الرجوع على البائع‪ .‬أما إذا أهمل في‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.411‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪ - 3‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.421‬‬
‫‪174‬‬
‫اإلخطار ولم يقم به أو قام به بعد فوات المدة المعقولة‪ ،‬اُعتبر المبيع قابالً للبيع‬
‫بالعيب الموجود فيه‪ ،‬ويسقط حقه في الرجوع على البائع ‪.1‬‬

‫وال يلزم لصحة اإلخطار‪ ،‬إتباع شكل معين‪ ،‬فيجوز أن يتم بانذار على يد‬
‫محضر أو بخطاب‪ ،‬أو بتنبيه شفوي بشرط امكان إثباته‪ .‬ويقع عبء هذا اإلثبات‬
‫على عاتق المشتري‪ ،‬والذي يجوز له إثبات ذلك بكافة طرق اإلثبات بما فيها البينة‬
‫والقرائن ‪.2‬‬

‫ثانياً‪ :‬وجوب رفع دعوى الضمان في الميعاد المحدد قانوناً‪:‬‬

‫في هذا الصدد‪ ،‬سنتعرض للدائن بااللتزام بالضمان‪ .‬وكذلك المدين بااللتزام‬
‫بالضمان‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬الميعاد الذي يجب أن تُرفع فيه دعوى الضمان‪.‬‬

‫‪ -1‬الدائن بااللتزام بالضمان‪ :‬الدائن في ضمان العيوب الخفية‪ ،‬عادة ما‬


‫يكون المشتري‪ .‬وينتقل هذا االلتزام إلى ورثته باعتبارهم خلفاً عاماً له‪ ،‬ويكون لكل‬
‫وارث الحق في مطالبة البائع بالتعويض ولكن في حدود الضرر الناتج عن وجود‬
‫العيب في نصيبه في العين المبيعة‪ ،‬وذلك ألن حق المشتري في الضمان ينتقل‬
‫إلى ورثته ويقسم بينهم كل بحسب نصيبه في العين المبيعة ‪.3‬‬

‫وينتقل الحق في الضمان إلى الخلف الخاص للمشتري‪ .‬فعلى سبيل المثال‪،‬‬
‫إذا بـ ـاع ( م ـازن ) مصنعاً ل ـ ( مالك ) وقام هذا األخير ببيع المصنع مرة أخرى ل ـ‬
‫( حسن )‪ .‬فهنا يحق لـ ( حسن أي المشتري الثاني ) أن يرجع على ( مازن أي‬
‫البائع األول ) بدعوى ضمان العيوب الخفية التي كانت لـ ( مالك أي المشتري‬
‫األول ) قبل البائع األول‪ .‬ورجوع المشتري الثاني هنا يتم إما عن طريق الدعوى‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪.142 ،‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.421‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪719‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪175‬‬
‫غـ ـير الـ ـم ـباشرة مـ ـستـ ـعمالً في ذلك حقوق مدينه ( أي المشتري األول ) قبل الغير‬
‫( أي البائع األول )‪ .‬واما عن طريق الدعوى المباشرة؛ تأسيساً على أن دعوى‬
‫الضمان تعتبر من ملحقات الشيء المبيع وتنتقل مع المبيع ذاته من مشتر آلخر‪.‬‬

‫وفي المثال السابق‪ ،‬نجد أن للخلف الخاص ( أي المشتري الثاني )‪ ،‬ثالث‬


‫دعاوى قبل البائع هي ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬دعوى المشتري األول التي له قبل البائع له‪ :‬وهي دعوى مباشرة انتقلت‬
‫إلى المشتري الثاني من المشتري األول‪ .‬وتبدأ مدة تقادمها من الوقت الذي تسلم‬
‫فيه المشتري األول المبيع من البائع‪.‬‬

‫ب‪ -‬دعوى غير مباشرة يرفعها المشتري الثاني باسم المشتري األول كغيره‬
‫من دائني المشتري األول‪ .‬وهذه الدعوى يزاحمه في نتيجتها أو محصلتها كل دائنئ‬
‫المشتري األول؛ وذلك ألن نتيجة الدعوى غير المباشرة تصب في الضمان العام‬
‫للمدين ويستفيد من محصلتها جميع دائني المدين‪ ،‬سواء رافع الدعوى أو غيره‪.‬‬

‫ج‪ -‬دعوى ضمان العيوب الخفية‪ :‬وهي دعوى ناشئة عن البيع الثاني‪ ،‬وهي‬
‫خاصة بالمشتري الثاني قبل المشتري األول‪ .‬وتبدأ مدة تقادمها من وقت تسليم‬
‫المبيع للمشتري الثاني‪.‬‬

‫وينتقل الحق في ضمان العيوب الخفية كذلك‪ ،‬إلى دائن المشتري‪ ،‬وذلك عن‬
‫طريق الدعوى غير المباشرة‪ ،‬والتي يحق له أن يرفعها باسم مدينه ( أي المشتري‬
‫)‪ ،‬وفقاً للقواعد العامة المقررة في هذه الدعوى ‪.2‬‬

‫‪ -5‬المدين بااللتزام بالضمان‪ :‬المدين بضمان العيوب الخفية هو البائع‪ ،‬وال‬


‫ينتقل هذا االلتزام إلى الخلف العام للبائع ( أي ورثته )؛ إعماالً لقاعدة ال تركة إال‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪176‬‬
‫بعد سداد الديون‪ ،‬فإذا مات البائع وكان بالمبيع عيباً خفياً‪ ،‬فيحق للمشتري الرجوع‬
‫بالضمان على التركة نفسها وليس على الورثة‪ .‬واذا تعدد البائعون‪ ،‬كأن كان المبيع‬
‫مملوكاً على الشيوع لعدة أشخاص‪ ،‬انقسم الضمان بينهم‪ ،‬وال يحق للمشتري أن‬
‫يرجع على أي واحد منهم بالتعويض المستحق له بسبب وجود العيب الخفي في‬
‫المبيع إال بقدر نصيبه في العين المبيعة‪ .‬مالم يكن هناك تضامن بينهما‪ ،‬فيجوز‬
‫في هذه الحالة للمشتري أن يرجع على أي منهما بكل التعويض المستحق ‪.1‬‬

‫‪ -3‬الميعاد الذي يجب أن ترفع فيه دعوى ضمان العيوب الخفية‪ :‬ذكرت‬
‫المادة ( ‪ ) 102‬من القانون المدني‪ ،‬المدة التي يجب رفع دعوى الضمان خاللها‪،‬‬
‫وحددتها بسنة من تاريخ تسليم المبيع وليس من تاريخ كشف العيب الذي ُرفعت‬
‫الدعوى بسببه‪ .‬فإذا لم تُرفع الدعوى خالل هذه المدة‪ ،‬سقط حق المشتري في‬
‫الرجوع على البائع بضمان العيب‪ ،‬حتى ولو لم يكن العيب قد تم اكتشافه إال بعد‬
‫مضي هذه المدة‪ .‬ويتفق غالبية الفقهاء والشراح على أن التسليم المقصود هنا هو‬
‫التسليم الفعلي وليس القانوني ‪.2‬‬

‫وتتمثل الحكمة من وضع مدة تقادم قصيرة لدعوى ضمان العيوب الخفية‪،‬‬
‫في العمل على استقرار المعامالت‪ ،‬ومنعاً إلثارة منازعات ال يمكن حسمها‪ .‬فمن‬
‫الناحية العملية يصعب بعد فوات مدة السنة‪ ،‬معرفة ما إذا كان العيب قديماً‬
‫يضمنه البائع أو جديداً فال يضمنه ‪.3‬‬

‫واذا كانت القاعدة أن دعوى ضمان العيوب الخفية تتقادم بمضي سنة من‬
‫تاريخ تسليم المبيع‪ ،‬فإن المشرع قد خرج على هذا األصل في حالتين هما‪:‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪718‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪188 ،182‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪742‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪ - 3‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪177‬‬
‫أ‪ -‬حالة غش البائع‪ :‬ال يسقط حق المشتري في رفع دعوى ضمان العيوب‬
‫الخفية ولو بعد فوات مدة السنة إذا ثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشاً منه‪.‬‬
‫ففي هذه الحالة ال تسقط الدعوى إال بمضي خمس عشرة سنة من وقت اكتشاف‬
‫العيب إعماالً للقواعد العامة‪ .‬ويقع عبء إثبات الغش على المشتري الذي يدعيه‪،‬‬
‫ويلزم أن يثبت هذا الغش‪ ،‬بمعنى أن البائع تعمد أن يخفي العيب الذي كان يعلمه‪،‬‬
‫فال يكفي مجرد إثبات علم البائع بالعيب ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬حالة إطالة مدة السنة اتفاقياً‪ :‬وهنا يتفق البائع والمشتري على إطالة‬
‫مدة السنة المسقطة لدعوى الضمان‪ .‬ويعتبر هذا االتفاق نوعاً من تشديد الضمان‬
‫استثناء من القاعدة العامة في التقادم‪ ،‬والتي‬
‫ً‬ ‫المقرر لمصلحة المشتري‪ .‬ويعد ذلك‬
‫تقضي بعدم جواز االتفاق على أن يكون للتقادم مدة تختلف عن المدة التي عينها‬
‫القانون ‪.2‬‬

‫واذا كان يجوز االتفاق على إطالة مدة التقادم‪ ،‬إال أنه ال يجوز االتفاق على‬
‫إنقاص هذه المدة؛ تأسيساً على أن قواعد التقادم متعلقة بالنظام العام وال يجوز‬
‫االتفاق على مخالفتها‪ .‬واذا خالف المشرع ذلك في هذه الحالة – أي حالة االتفاق‬
‫على إطالة مدة السنة ‪ ، -‬فألن ذلك جاء بنص صريح وبصورة استثنائية‪،‬‬
‫واإلستثناء ال يجوز التوسع فيه أو القياس عليه ‪.3‬‬

‫* الجزاء المترتب على وجود العيب الخفي‪:‬‬

‫تنص المادة ( ‪ ) 105‬من القانون المدني على أنه‪ ":‬إذا أخطر المشتري‬
‫البائع بالعيب في الوقت المالئم كان له أن يرجع بالضمان على النحو المبين في‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪417‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.191‬‬
‫‪ - 2‬المادة ‪ 2/188‬من القانون المدني‪.‬‬
‫‪ - 3‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪118‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.412 ،417‬‬
‫‪178‬‬
‫المادة ‪ ." 111‬وبهذه النص يكون المشرع قد أحال بشأن دعوى ضمان العيوب‬
‫الخفية إلى أحكام دعوى ضمان االستحقاق‪ .‬ولذلك سنفرق بين الفرضين اآلتيين‪:‬‬

‫‪ -1‬حالة ما إذا كان العيب الموجب للضمان جسيماً‪ ،‬واختار المشتري أن‬
‫يرد المبيع وما أفاده منه‪ :‬وفي هذه الحالة يلتزم البائع بأن يرد إلى المشتري‪ ،‬قيمة‬
‫المبيع غير معيب مع الفوائد القانونية‪ ،‬وتقدر قيمة المبيع هنا بوقت ظهور العيب‬
‫وليس بوقت البيع‪ ،‬وتستحق الفوائد على قيمة المبيع من تاريخ كشف العيب أيضاً‪.‬‬
‫وكذلك المصروفات الضرورية التي أنفقها المشتري على المبيع‪ ،‬والمصروفات‬
‫النافعة‪ ،‬والمصروفات الكمالية إذا كان البائع سيء النية‪ .‬وجميع مصروفات دعوى‬
‫ضمان العيوب الخفية‪ .‬وبوجه عام كل ما لحق المشتري من خسارة وما فاته من‬
‫كسب بسبب وجود العيب بالمبيع ‪.1‬‬

‫‪ -2‬إذا كان العيب جسيماً واختار المشتري استبقاء المبيع أو كان العيبب‬
‫غير جسيم‪ :‬فهنا يحق للمشتري مطالبة البائع بالتعويض عن الفرق بين قيمة‬
‫المبيع سليماً وقيمته وهو معيب‪ .‬ويلتزم البائع بالتعويض عن الضرر المتوقع في‬
‫حالة حسن نيته‪ ،‬ويلتزم بالتعويض عن الضرر المتوقع وغير المتوقع في حالة‬
‫سوء نيته‪ ،‬أي عندما يكون عالماً بالعيب الموجب للضمان ‪.2‬‬

‫وجير بالذكر أن رجوع المشتري على البائع بضمان العيب الخفي وفقاً لما‬
‫نصت عليه المادة ( ‪ ) 105‬مدني‪ ،‬ال يحول دون طلبه التنفيذ العيني من البائع‬
‫إن كان ممكناً‪ ،‬كأن يطالب المشتري البائع بإصالح العيب أو استبدال المبيع إن‬
‫أمكن‪ .‬كما يجوز له المطالبة بفسخ العقد مع التعويض إن كان له محل‪ .‬ويحق له‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.418‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.195 ،191‬‬
‫‪179‬‬
‫أن يعدل عن طلب الفسخ إلى طلب التعويض أو العكس‪ ،‬دون أن يعد ذلك طلباً‬
‫جديداً منه؛ ألنه مبني على نفس األساس وهو الحق في الضمان ‪.1‬‬

‫* تعدد الشياء المبيعة وظهور العيب في بعضها دون البعض اآلخر‪:‬‬

‫وفي هذه الفرض يكون المبيع عدة أشياء تم بيعها صفقةً واحدة بثمن‬
‫ووجد بعد البيع أن بعضها سليماً والبعض اآلخر غير ذلك‪ .‬وبتطبيق‬
‫إجمالي‪ُ ،‬‬
‫القواعد العامة على هذا الفرض‪ ،‬نفرق بين حالتين هما ‪:2‬‬

‫أ‪ -‬إذا كانت األشياء المبيعة مرتبطة ببعضها وال يمكن الفصل بينها‪ ،‬كأن‬
‫كان المبيع طاقماً متكامالً من األدوات أو اآلالت‪ :‬فإذا كان العيب هنا جسيماً‪،‬‬
‫كان المشتري بالخيار بين أن يرد المبيع كله ويأخذ تعويضاً كامالً كما في حالة‬
‫االستحقاق الكلي‪ ،‬أو أن يحتفظ به ويرجع على البائع بالتعويض عما أصابه من‬
‫أضرار‪ .‬ولكنه ال يحق له تجزئة المبيع بحيث يستبقي بعضه ويرد بعضه اآلخر‪.‬‬
‫واذا لم يكن العيب جسيماً‪ ،‬فإن المشتري لن يرد شيئاً‪ ،‬أي أنه يستبقي المبيع كله‬
‫مع المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه‪.‬‬

‫ب‪ -‬أذا كانت األشياء المبيعة مستقلة عن بعضها وتقبل التبعيض‪ ،‬كعدد من‬
‫الساعات‪ :‬فإذا كان العيب جسيماً‪ ،‬يكون للمشتري أن يرد المعيب فقط من المبيع‬
‫ويسترد قيمته مع التعويض ويستبقي غير المعيب‪ ،‬مالم يكن ما سيرده سيفوت‬
‫عليه قصده من التعاقد‪ ،‬فهنا يكون له الحق في رد كل المبيع‪ ،‬والرجوع على البائع‬
‫بالضمان بالنسبة لكل المبيع‪ .‬واذا كان العيب غير جسيم‪ ،‬فمن حق المشتري‬
‫االحتفاظ بكل المبيع مع المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب العيب‬
‫في بعض األشياء‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.147 ،144‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.411 ،412‬‬
‫‪180‬‬
‫* سقوط حق المشتري في الرجوع على البائع بضمان العيوب الخفية‪ :‬يسقط هذا‬
‫الحق في حالتين هما ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬الحالة التي يقرر فيها المشتري أن ينزل عن حقه في هذا الضمان‪،‬‬
‫يستوى في هذا الشأن النزول الصريح أو النزول الضمني‪ .‬ومن أمثلة هذا األخير‪،‬‬
‫أن يظل المشتري بعد علمه بالعيب ينتفع بالمبيع مدة ُيستفاد منها نزوله عن طلب‬
‫الضمان‪ ،‬أو حالة تصرفه في المبيع بعد علمه بالعيب الموجب للضمان‪.‬‬

‫ب‪ -‬إذا انقضت مدة سنة من وقت تسليم المبيع حتى ولو لم يكشف المشتري‬
‫العيب إال بعد ذلك‪ ،‬مالم يوجد اتفاق بين البائع والمشتري على إطالة مدة التقادم‪.‬‬
‫مع مراعاة التحفظ بشأن الحالة التي يتعمد فيها البائع إخفاء العيب غشاً منه‪.‬‬

‫* أثر هالك المبيع على حق المشتري في الرجوع على البائع بدعوى الضمان‪:‬‬

‫وفقاً لما جاء في المادة ( ‪ ) 101‬من القانون المدني‪ ،‬فإن دعوى الضمان‬
‫تبقى قائمة حتى ولو هلك المبيع بأي سبب كان‪ .‬فالهالك ال يكون سبباً في إعفاء‬
‫البائع من الضمان‪ ،‬وال في حرمان المشتري من الرجوع على البائع بالضمان‪ .‬كل‬
‫ما في األمر أن الهالك ينحصر أثره في التأثير على مقدار التعويض الذي‬
‫يستحقه المشتري‪ ،‬والذي يختلف بحسب سبب الهالك‪.‬‬

‫فإذا كان مرجع هالك المبيع ‪ ،‬هو العيب الخفي أو فعل البائع نفسه‪ ،‬كان‬
‫من حق المشتري الرجوع على البائع بقيمة المبيع مع التعويض مثلما هو الحال في‬
‫حالة االستحقاق الكلي للمبيع‪ ،‬بشرط أن يرد المشتري للبائع القدر المتبقي من‬
‫المبيع بعد الهالك‪ .‬واذا كان مرجع الهالك‪ ،‬هو السبب األجنبي أو فعل المشتري‬
‫أو قوة قاهرة أو حادث فجائي ط أر بعد تسليم المبيع‪ ،‬كان من حق المشتري الرجوع‬
‫على البائع بنفس رجوعه عندما يستبقي المبيع تحت يده‪ ،‬أي أن يطالبه بتعويض‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.147‬‬


‫‪181‬‬
‫األضرار التي لحقته بسبب العيب على فرض وجود المبيع‪ ،‬وال يلتزم البائع في هذه‬
‫الحالة بأكثر من ذلك‪ ،‬فليس من العدل أن يتحمل البائع نتائج هالك المبيع بسبب‬
‫أجنبي عنه ‪.1‬‬

‫المطلب الثالث‬

‫االتفاقات المعدلة لضمان العيوب الخفية‬

‫أجازت المادة ( ‪ ) 103‬من القانون المدني للمتعاقدين‪ ،‬االتفاق على تعديل‬


‫أحكام ضمان العيوب الخفية‪ ،‬سواء بالزيادة أو اإلنقاص أو اإلسقاط‪ .‬وذلك تأسيساً‬
‫على أن أحكام ضمان العيب ال تتعلق بالنظام العام ويجوز االتفاق على تعديلها‪،‬‬
‫كما هو معموالً به بالنسبة ألحكام ضمان التعرض واالستحقاق‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬االتفاق على زيادة الضمان‪:‬‬

‫االتفاق على زيادة الضمان أو تشديده في هذه الحالة يكون لمصلحة‬


‫المشتري‪ .‬ويتم هذا التشديد إما عن طريق زيادة نطاق ضمان العيب الخفي‪ ،‬كأن‬
‫يضمن البائع للمشتري العيب ولو كان ظاه اًر أو كان يمكن اكتشافه بفحص‬
‫الشخص العادي‪ ،‬وكذلك االتفاق على أن يظل التزام البائع بالضمان قائماً حتى‬
‫ولو لم يخطره المشتري بوجود العيب في الوقت المالئم‪ ،‬أو أن يضمن البائع‬
‫للمشتري صالحية المبيع للعمل مدة معينة ‪.2‬‬

‫واما أن يتم عن طريق تشديد اآلثار المترتبة على الضمان‪ ،‬كاالتفاق على‬
‫أن يكون للمشتري الحق في رد المبيع والحصول على تعويض كامل حتى ولو لم‬
‫يكن العيب جسيماً‪ ،‬أو على أن يكون له استرداد المصروفات الكمالية ولو كان‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 592‬وما بعدها؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112 ،111‬‬
‫‪182‬‬
‫البائع حسن النية‪ ،‬أو االتفاق على إطالة المدة الالزمة لسقوط دعوى الضمان‬
‫بالتقادم ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬االتفاق على إنقاص الضمان‪:‬‬

‫واالتفاق على تعديل الضمان في هذه الحالة‪ ،‬يكون لحساب البائع‬


‫ولمصلحته‪ .‬كأن يشترط البائع عدم مسؤوليته عن عيب معين‪ ،‬أو اشتراطه أن‬
‫يكون من حقه في حالة العيب الجسيم أال يرد للمشتري سوى قيمة المبيع دون‬
‫سائر التعويضات األخرى ‪ .2‬غير أنه ال يجوز االتفاق على إنقاص مدة تقادم‬
‫دعوى ضمان العيوب الخفية على النحوالذي بينناه سابقاً‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬االتفاق على إسقاط الضمان‪:‬‬

‫في هذه الحالة ُيعفى البائع من التزامه بضمان العيب الخفي بصورة كلية‪.‬‬
‫بشرط أن ُينص على ذلك بصورة صريحة في عقد البيع‪ .‬وأحياناً يتم االتفاق على‬
‫إسقاط الضمان بصورة ضمنية من ظروف الحال التي ال تدع مجاالً للشك في‬
‫اتجاه اإلرادة إلى إسقاط الضمان‪ ،‬كبيع شيء قيم بثمن بخس ال يتناسب مع قيمة‬
‫المبيع الحقيقية ‪.3‬‬

‫ومتى تم االتفاق على إسقاط ضمان البائع لعيوب المبيع الخفية‪ ،‬سواء‬
‫بصورة صريحة أو ضمنية‪ ،‬ترتب على ذلك عدم أحقية المشتري في الرجوع على‬
‫البائع بأي شيء في حالة وجود عيب في المبيع‪ .‬وذلك على عكس نطاق إعفاء‬
‫البائع من ضمان التعرض واالستحقاق‪ ،‬الذي يقتصر أثره على اإلعفاء من‬
‫التعويض مع بقاء البائع ملتزماً برد قيمة المبيع مالم يكن المشتري عالماً بسبب‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.415‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪.149 ،‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.414‬‬
‫‪183‬‬
‫االستحقاق أو كان قد اشترى ساقط خيار‪ .‬فالبائع الذي يشترط عدم مسؤوليته عن‬
‫ضمان العيب ال ُيسأل عن رد قيمة المبيع وال عن التعويض حتى لو كان العيب‬
‫جسيماً ‪.1‬‬

‫وسواء تم االتفاق على تعديل أحكام ضمان العيوب الخفية سواء بطريق‬
‫اإلنقاص أو اإلسقاط ‪ ،‬فإنه ُيشترط لصحة هذا االتفاق‪ ،‬أال يكون البائع قد ارتكب‬
‫غشاً بتعمد إخفاء العيب عن المشتري‪ ،‬فإذا حدث ذلك‪ ،‬ثم تم االتفاق على إنقاص‬
‫الضمان أو إسقاطه‪ ،‬فإن هذا االتفاق يقع باطالً وال يرتب أث اًر ويظل البائع مع هذا‬
‫االتفاق الباطل ملتزماً أمام المشتري بضمان العيب الذي أخفاه متعمداً بطريق‬
‫الغش‪ .‬وهذا ما نصت عليه المادة ( ‪ )103‬من القانون المدني‪.‬‬

‫* تمييز دعوى ضمان العيوب الخفية عن غيرها مما يشتبه بها‪:‬‬

‫إن دعوى ضمان العيوب الخفية تختلف عن غيرها من الوسائل القانونية‬


‫التي تقوم بدور قد يشبه بعض الشيء الدور الذي تقوم به دعوى الضمان بالنسبة‬
‫لحماية مشتري المبيع‪ .‬فدعوى الضمان تختلف عن دعوى الغلط ‪ ،‬وعن دعوى‬
‫الفسخ‪ ،‬وعن دعوى العجز في مقدار المبيع‪ ،‬وعن دعوى ضمان االستحقاق‬
‫الجزئي‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬تمييز دعوى ضمان العيب عن دعوى الغلط ‪:‬‬

‫‪ -1‬في حالة رجوع المشتري بدعوى الغلط ‪ ،‬وجب عليه أن يثبت تعلق الغلط‬
‫بصفة جوهرية في المبيع وأن هذا الغلط كان هو الباعث الدافع إلى التعاقد‪ ،‬وأن‬
‫البائع كان واقعاً في نفس الغلط أو كان يعلم بوقوع المشتري فيه أو من السهل‬
‫عليه أن يعلم ذلك ‪ .2‬وفي حالة رجوع المشتري على البائع بدعوى ضمان العيب‪،‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.171‬‬


‫‪ - 2‬المادة ‪ 211‬من القانون المدني‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫فال أهمية لعلم أو عدم علم البائع بالعيب وال ُيطالب المشتري بإثبات أن البائع كان‬
‫على علم بالعيب الموجب للضمان‪ ،‬وان كان يشترط عدم علم المشتري بهذا العيب‬
‫حتى ال يسقط حقه في رفع دعوى الضمان‪.‬‬

‫‪ -2‬تتقادم دعوى الغلط بمرور ثالث سنوات من الوقت الذي يعلم فيه‬
‫المشتري بالغلط أو بمضي خمس عشرة سنة من وقت إبرام العقد‪ .‬بينما تتقادم‬
‫دعوى ضمان العيوب الخفية بمضي سنة من تاريخ تسليم المبيع‪.‬‬

‫‪ -3‬في دعوى الغلط ‪ ،‬يكون طلب المشتري هو إبطال العقد‪ ،‬بحيث يعتبر‬
‫كأن لم يكن‪ ،‬فيسترد المشتري الثمن مع التعويض إن كان له محل‪ ،‬ويرد المبيع‬
‫إلى البائع‪ .‬أما رجوع المشتري بدعوى الضمان‪ ،‬فهو رجوع مستمد من العقد ذاته‪،‬‬
‫وهو إما أن يرد المبيع وما أفاده منه ويسترد من البائع قيمة المبيع وجميع عناصر‬
‫التعويض المنصوص عليها في حالة االستحقاق الكلي إذا كان العيب جسيماً‪ ،‬أو‬
‫أن يرجع عليه بالتعويض عما فاته من كسب وما لحقه من خسارة إذا كان العيب‬
‫غير جسيم ‪.1‬‬

‫واذا توافر للمشتري رفع الدعويين معاً‪ ،‬فال يحق له إال رفع دعوى واحدة‬
‫منهما‪ ،‬إما دعوى اإلبطال للغلط واما دعوى ضمان العيوب الخفية ‪.2‬‬

‫ثانياً‪ :‬تمييز دعوى ضمان العيوب الخفية عن دعوى الفسخ‪:‬‬

‫يلجاً المشتري إلى دعوى الفسخ‪ ،‬في الحالة التي ال يسلم فيها البائع المبيع‬
‫بالح الة أو المواصفات المتفق عليها في العقد‪ .‬وبسبب عدم قيام البائع بالتسليم‬
‫على النحو المتفق عليه‪ ،‬يحق للمشتري أيضاً أن يرجع على البائع بدعوى الضمان‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117 ،114‬‬


‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪772‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.198‬‬
‫‪185‬‬
‫بالعيب لفوات الوصف المتفق عليه بين المتعاقدين‪ .‬وتتمثل أهم نقاط االختالف‬
‫بين الدعويين في األمور اآلتية ‪:1‬‬

‫ويعاد‬
‫‪ -1‬يترتب على دعوى الفسخ‪ ،‬زوال العقد واعتباره كأن لم يكن‪ُ ،‬‬
‫المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد‪ .‬أما دعوى ضمان العيب‪ ،‬فهي‬
‫دعوى تعويض مستمدة من العقد ذاته‪ ،‬كما ذكرنا آنفاً‪.‬‬

‫‪ -2‬تتقادم دعوى الفسخ بمضي خمس عشرة سنة من وقت إخالل البائع‬
‫بالتزامه بالتسليم‪ .‬بينما تتقادم دعوى ضمان العيب بسنة واحدة من وقت تسليم‬
‫المبيع‪.‬‬

‫‪ -3‬يجوز للمشتري أن يرجع بدعوى الفسخ في جميع البيوع‪ ،‬حتى البيوع‬


‫القضائية أو اإلدارية التي تتم بطريق المزاد‪ .‬بينما ال يجوز الرجوع بدعوى الضمان‬
‫في البيوع القضائية أو البيوع اإلدارية بالمزاد‪.‬‬

‫‪ -1‬يجوز للمشتري أن يرجع بدعوى الفسخ حتى ولو كان على علم بالعيب‬
‫أو فوات الوصف‪ .‬بينما ال يجوز ذلك في دعوى الضمان‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬تمييز دعوى ضمان العيوب الخفية عن دعوى العجز في مقدار المبيع‪:‬‬

‫تتمثل أوجه االختالف بين الدعويين‪ ،‬في أن دعوى الضمان تتعلق بالمبيع‬
‫بالنسبة لكيفيته أي بصفاته‪ ،‬بينما تتعلق دعوى العجز بالمبيع بالنسبة لكمه أي‬
‫بمقداره‪ .‬كما أن دعوى العجز ال يشترط فيها حسن نية المشتري‪ ،‬على عكس‬
‫دعوى ضمان العيب والتي يلزم فيها حسن نية المشتري أي عدم علمه بالعيب فعالً‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬


‫‪186‬‬
‫وقت التسليم‪ .‬باإلضافة إلى أن دعوى ضمان العيب ال يجوز رفعها في البيوع‬
‫القضائية والبيوع اإلدارية بالمزاد‪ ،‬بينما يجوز ذلك في دعوى العجز ‪.1‬‬

‫وتتمثل أوجه االتفاق بين الدعويين في أن مدة تقادم كل منهما سنة واحدة‬
‫من وقت التسليم الفعلي‪ .‬كما أنه يجوز للمشتري في أي منهما أن يرد المبيع إذا‬
‫كان العجز أو العيب جسيماً‪ ،‬وال يجوز له ذلك إذا لم يكن العيب أو العجز‬
‫جسيماً‪ .‬غير أنه في هذا األمر األخير‪ ،‬نجد أن الدعويين يختلفين فيه‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫إذا رد المشتري المبيع‪ ،‬كان ذلك فسخاً للبيع في حالة دعوى العجز‪ ،‬بينما هو تنفيذ‬
‫للعقد بطريق التعويض في حالة دعوى ضمان العيب ‪.2‬‬

‫رابعاً‪ :‬تمييز دعوى ضمان العيوب الخفية عن دعوى ضمان االستحقاق الجزئي‪:‬‬

‫‪ -1‬يفترض االستحقاق الجزئي للمبيع‪ ،‬وجود حق للغير على المبيع‪ ،‬بمعنى‬


‫أن المبيع سليم من الناحية المادية ومعيب من ناحية ملكيته‪ .‬بينما في دعوى‬
‫الضمان‪ ،‬نجد أن المبيع معيب من الناحية المادية وسليم من ناحية ملكيته‪.‬‬

‫‪ -2‬ال يسقط حق المشتري في دعوى ضمان االستحقاق الجزئي في حالة‬


‫علمه بسبب االستحقاق‪ ،‬وان كان يترتب على هذا العلم سقوط حقه في طلب‬
‫التعويض‪ .‬بينما يعد علم المشتري بالعيب الخفي‪ ،‬مانعاً له من الرجوع على البائع‬
‫بالضمان بصورة كلية‪.‬‬

‫‪ -3‬في حالة االتفاق على عدم ضمان البائع لالستحقاق الجزئي‪ ،‬فال يترتب‬
‫على هذا االتفاق سوى إعفاء البائع من التعويض فقط دون إعفائه من رد قيمة‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪721‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.412‬‬
‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪187‬‬
‫المبيع‪ .‬بينما يترتب على إدراج هذا الشرط في حالة دعوى ضمان العيب‪ ،‬إعفاء‬
‫البائع بصورة كلية من الضمان‪.‬‬

‫‪ -1‬تسقط دعوى ضمان االستحقاق الجزئي للمبيع بمضي خمس عشرة سنة‬
‫من تاريخ االستحقاق‪ .‬بينما تسقط دعوى ضمان العيب الخفي بمضي سنة واحدة‬
‫من وقت التسليم الفعلي للمبيع‪.‬‬

‫‪ -0‬ال يجوز اإلستناد إلى دعوى ضمان العيوب الخفية في حالة البيوع‬
‫القضائية والبيوع اإلدارية بالمزاد‪ .‬بينما يجوز مثل ذلك اإلستناد في حالة دعوى‬
‫ضمان االستحقاق الجزئي للمبيع ‪.1‬‬

‫المطلب الرابع‬

‫ضمان توافر صفة معينة في المبيع وضمان صالحيته للعمل مدة معينة‬

‫تعتبر المسألة محل الدراسة في هذا المبحث‪ ،‬من قبيل االتفاقات المعدلة‬
‫لضمان العيوب الخفية‪ ،‬ويتخذ هذا التعديل صورة زيادة أو تشديد الضمان‪،‬‬
‫والمتمثل في ضمان البائع للمشتري توافر صفة معينة في المبيع أو أن يضمن له‬
‫صالحية هذا المبيع للعمل مدة معينة‪ .‬وسنتناول دراسة هاتين الصورتين من صور‬
‫التشديد االتفاقي لضمان العيوب الخفية على النحو التالي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬ضمان الصفات التي كفل البائع للمشتري وجودها في المبيع‪:‬‬

‫نـصت على هذا النوع من أنواع الضمان التشديدي‪ ،‬الفقرة األولى من المادة‬
‫( ‪ ) 117‬مدني‪ ،‬بقولها ‪ ":‬يكون البائع ملزماً بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع‬
‫وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه ‪." .......‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.418‬‬


‫‪188‬‬
‫ومن أمثلة هذا الضمان‪ ،‬أن يضمن البائع للمشتري أن األرض المبيعة ذات‬
‫درجة خصوبة عالية‪ ،‬أو أن السيارة المباعة تستهلك قد اًر من اللترات البترولية‬
‫بصورة أقل من غيرها‪ ،‬أو أن العقار المبيع يغل قد اًر معيناً من الريع‪.‬‬

‫ففي كل هذه الحاالت إذا اتضح عند تسليم المبيع‪ ،‬عدم توافر هذه الصفات‪،‬‬
‫ترتب على ذلك قيام التزام البائع بالضمان بصرف النظر عن مدى توافر أو عدم‬
‫توافر شروط دعوى ضمان العيوب الخفية األخرى‪ .‬أي أن البائع يكون مسئوالً عن‬
‫عدم توافر الصفة أو الصفات التي كفل وجودها للمشتري في المبيع‪ ،‬سواء كان‬
‫تخلف هذه الصفة مؤث اًر أم ال‪ ،‬خفياً أم ظاه اًر‪ ،‬يعلم به المشتري أو ال يعلم به ‪.1‬‬

‫واذا كان البائع لم يكفل للمشتري وجود صفة معينة في المبيع‪ ،‬فال يحق‬
‫للمشتري أن يطعن في البيع تأسيساً على عدم توافر صفة ما فيه‪ ،‬مالم تتوافر‬
‫شروط الطعن على البيع لتوافر عيب الغلط ‪ ،‬بأن كانت هذه الصفة جوهرية‬
‫بحيث لو علم المشتري بعدم وجودها عند التعاقد لما أبرم العقد ‪ .2‬كأن يكون‬
‫الغرض من شراء السيارة أن تتحمل السير في الرمال واألراضي الصحراوية الوعرة‪،‬‬
‫بينما كانت في حقيقتها ال تقوى إطالقاً على أداء هذا الغرض‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬ضمان صالحية المبيع للعمل مدة معينة‪:‬‬

‫جاء النص على هذا الضمان التشديدي لضمان العيوب الخفية‪ ،‬من خالل‬
‫المادة ( ‪ ) 100‬من القانون المدني‪ .‬ويظهر هذا النوع من أنواع الضمان على‬
‫وجه الخصوص‪ ،‬في حالة البيوع التي ترد على أشياء دقيقة يصعب على المشتري‬
‫معرفة دقائقها الفنية وفقاً للمجرى العادي لألمور‪ ،‬كاآلالت الميكانيكية والسيارات‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.172‬‬


‫‪ - 2‬المادة ‪ 211‬من القانون المدني‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫والساعات واألجهزة الكهربائية‪ ،‬وأغلب األجهزة التكنولوجية حديثة الصنع ومعقدة‬
‫التقنيات‪.‬‬

‫ويتمثل وجه التشديد الضماني في هذه الحالة‪ ،‬في اشتراط المشتري على‬
‫البائع‪ ،‬أن يضمن هذا األخير للمشتري صالحية المبيع للعمل مدة معينة‪ ،‬قد تكون‬
‫سنة أو سنتان أو أكثر‪ ،‬بحيث إذا ظهر في المبيع خلل خالل هذه المدة‪ ،‬وجب‬
‫على البائع الضمان سواء أكان الخلل راجعاً إلى عيب في الشيء المبيع أو لم‬
‫يكن‪ .1‬أي أن البائع في هذه الحالة ال يضمن فقط العيب الموجود في المبيع‪ ،‬بل‬
‫يضمن معه أيضاً صالحية المبيع للعمل خالل المدة المتفق عليها‪ ،‬حتى ولو‬
‫كانت عدم صالحيته ال ترجع إلى عيب محدد ‪.2‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬إذا ظهر الخلل أو العطل في المبيع الموجب للضمان في هذه‬
‫الحالة خالل مدة الضمان المتفق عليها‪ ،‬وجب على المشتري أن يخطر البائع‬
‫بالخلل أو العطل خالل مدة شهر على األكثر من تاريخ ظهور الخلل أو حدوث‬
‫العطل‪ ،‬واال سقط حقه في الضمان‪ .‬وبعد تمام اإلخطار في موعده‪ ،‬يلتزم المشتري‬
‫برفع دعوى الضمان خالل الستة شهور التالية لهذا اإلخطار‪ ،‬واال كان مصير‬
‫دعواه هو عدم القبول‪.‬‬

‫ويجوز للمشتري رفع دعوى الضمان بدون اخطار؛ ألن صحيفتها تعتبر‬
‫اخطا اًر كافياً‪ ،‬غير أنه يكون معرضاً في هذه الحالة لتحمل مصاريف الدعوى إذا‬
‫سلم له البائع بحقه‪ .‬ومدة الستة شهور هي مدة سقوط وليست مدة تقادم‪ ،‬وال تتعلق‬
‫بالنظام العام‪ ،‬لذلك يجوز االتفاق على زيادتها أو إنقاصها ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪ - 3‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.115 ،111‬‬
‫‪190‬‬
‫وقد يحدث أن يكون مرجع عدم صالحية المبيع‪ ،‬إلى عيب خفي فيه‬
‫باإلضافة إلى إخالل البائع بالتزامه بضمان صالحيته للعمل مدة معينة‪ .‬وهنا يكون‬
‫للمشتري حق الرجوع على البائع إما بدعوى ضمان العيوب الخفية‪ ،‬واما بالدعوى‬
‫الناشئة عن عدم صالحية المبيع للعمل ‪ .1‬ويوجد بين الدعويين بعض الفروق‬
‫نوجزها فيما يلي ‪:2‬‬

‫‪ -1‬في دعوى ضمان العيوب الخفية‪ ،‬لم يستلزم المشرع أن يخطر المشتري‬
‫البائع بالعيب خالل مدة محددة‪ ،‬بل أوجب أن يتم اإلخطار خالل مدة مالئمة أو‬
‫معقولة‪ .‬بينما في الدعوى الناشئة عن عدم صالحية المبيع‪ ،‬أوجب المشرع أن يتم‬
‫اإلخطار خالل مدة شهر من ظهور الخلل أو حدوث التعطل عن العمل‪.‬‬

‫‪ -2‬تتقادم دعوى ضمان العيوب الخفية بمضي سنة من تاريخ التسليم الفعلي‬
‫للمبيع‪ .‬بينما تتقادم الدعوى الناشئة عن عدم صالحية المبيع بمضي ستة أشهر‬
‫من وقت اخطار المشتري البائع بالخلل أو التعطل عن العمل‪.‬‬

‫‪ -3‬يلتزم البائع بضمان العيوب الخفية خالل عام فقط من تاريخ التسليم مالم‬
‫يكن قد تعمد إخفاء العيب غشاً منه‪ .‬بينما يلتزم بضمان صالحية المبيع للعمل‬
‫طوال المدة المتفق عليها‪ ،‬سواء كانت سنة أو أكثر من ذلك أو أقل من ذلك‪.‬‬

‫ويجب مالحظة أن الضمان الخاص الذي يتعهد البائع بمقتضاه ضمان‬


‫صالحية المبيع لمدة زمنية معينة‪ ،‬ال يجب ضمانه العام الذي يتعلق بالعيوب‬
‫الخفية‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬نجد أن الضمان الذي يعطيه بائع الساعة لضمان‬
‫صالحيتها للعمل‪ ،‬ال يمنع ضمانه لكل عيب يظهر بالقشرة الذهبية أو الفضية لهذه‬
‫الساعة حتى ولو لم تتعطل عن العمل‪ .‬األمر الذي يترتب عليه أن تكون مدة‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪.171 ،‬‬
‫‪191‬‬
‫التقادم بالنسبة لهذا العيب هي مدة سنة – وفقاً لضمان العيوب الخفية ‪ -‬وليس‬
‫ستة شهور – وفقاً لضمان البائع بصالحية المبيع ‪.1 -‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫التزامات المشتري‬

‫تـ ـتمثل الـ ـتزامات ال ـ ـمشـتري في عقد البيع‪ ،‬بأن يدفع إلى البائع ثمن المبيع‬
‫( مبحث أول )‪ .‬وأن يدفع نفقات عقد البيع وتكاليف المبيع ( مبحث ثان )‪ .‬وأن‬
‫يتسلم المبيع ( مبحث ثالث )‪ .‬وذلك على البيان التالي‪:‬‬

‫المبحث الول‬

‫التزام المشتري بدفع ثمن المبيع‬

‫يقتضي التعرض لدراسة التزام المشتري بدفع ثمن المبيع‪ ،‬أن نحدد مضمون‬
‫االلتزام بالوفاء بالثمن ( مطلب أول )‪ .‬وكيفية الوفاء بالثمن ( مطلب ثان )‪ .‬وحق‬
‫المشتري في اإلمتناع المشروع عن دفع الثمن ( مطلب ثالث )‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬جزاء‬
‫إخالل المشتري بالتزامه بدفع ثمن المبيع ( مطلب رابع )‪.‬‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪192‬‬
‫المطلب الول‬

‫مضمون التزام المشتري بالوفاء بثمن المبيع‬

‫ال يقتصر التزام المشتري فيما يتعلق بوفائه بثمن المبيع‪ ،‬على الوفاء بالثمن‬
‫المتفق عليه في العقد فقط ‪ ،‬بل أنه يلتزم باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬بدفع مصروفات‬
‫الوفاء بهذا الثمن‪ ،‬ناهيك عن التزامه بدفع فوائد الثمن في بعض الحاالت‪ .‬وذلك‬
‫على التوضيح اآلتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬التزام المشتري بدفع ثمن المبيع‪:‬‬

‫ذكرنا سابقاً بصدد تعرضنا لمحل التزام المشتري في عقد البيع‪ ،‬والمتمثل‬
‫بناء على اتفاق األطراف في العقد‬
‫في دفع ثمن المبيع‪ ،‬بأن هذا الثمن يتحدد إما ً‬
‫صراحة‪ ،‬واما عن طريق بيان األسس التي يتحدد على أساسها في المستقبل إذا لم‬
‫ُيذكر في عقد البيع صراحة‪ ،‬وفي الحالتين يلتزم المشتري بالوفاء بهذا الثمن‪.‬‬

‫غير أنه في بعض األحيان قد يزيد ثمن المبيع عن الثمن المتفق عليه‪ ،‬وقد‬
‫ينقص عنه‪ .‬فحالة الزيادة تتحقق في بعض الفروض‪ ،‬كالحالة التي ُيباع فيها عقار‬
‫مملوك لغير كامل األهلية وكان به غبن يزيد على خمس المبيع‪ .‬أو إذا كانت‬
‫هناك زيادة في مقدار المبيع عن القدر المتفق عليه‪ ،‬وهنا تعد الزيادة جزء من‬
‫الثمن وتأخذ حكمه من حيث التزام المشتري بدفعها‪.‬‬

‫وأحياناً أخرى‪ ،‬قد يدفع المشتري ثمن أقل من المتفق عليه في العقد‪ ،‬كأن‬
‫يستغل البائع طيش المشتري أو هواه الجامح‪ ،‬فيتفق معه على ثمن مرتفع جداً‪،‬‬
‫بناء على طلب المشتري أن يبطل العقد أو ينقص التزامات‬ ‫فهنا يحق للقاضي ً‬
‫المشتري بتخفيض ثمن المبيع‪ .‬وكذلك حالة ما إذا ظهر عند تسليم المبيع وجود‬

‫‪193‬‬
‫عجز في قدر المبيع‪ ،‬أو كان المبيع مما يخضع للتسعيرة الجبرية‪ ،‬فالمشتري لن‬
‫يلتزم هنا إال بالثمن المقرر قانوناً وليس المتفق عليه ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬التزام المشتري بدفع مصروفات الوفاء بثمن المبيع‪:‬‬

‫حددت المادة ( ‪ ) 314‬من القانون المدني‪ ،‬المتحمل لنفقات الوفاء بالثمن‬


‫بصورة صريحة‪ .‬وذكرت بأن من يتحملها هو المشتري على أساس أنه هو المدين‬
‫بالوفاء بالثمن قبل البائع‪ .‬ومن أمثلة هذه المصاريف‪ ،‬نفقات إرسال الثمن إلى‬
‫البائع في المكان الواجب فيه الوفاء طبقاً ألحكام مكان الوفاء بالثمن‪ .‬وكذلك‬
‫مصاريف إرسال الثمن بالبريد أو بتكليف شخص آخر بدفعه للمشتري‪ .‬غير أن‬
‫المشرع أورد في نهاية المادة المذكورة‪ ،‬حكماً ُيستفاد منه بأن القاعدة السابقة غير‬
‫متعلقة بالنظام العام‪ ،‬ويجوز مخالفتها باتفاق خاص بين المتعاقدين‪ ،‬كأن يتم‬
‫االتفاق على أن يتحمل البائع وحده هذه النفقات‪ ،‬أو توزع بينهما مناصفة ‪.2‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التزام المشتري بدفع فوائد ثمن المبيع‪:‬‬

‫نظمت المادة ( ‪ ) 1/104‬من القانون المدني‪ ،‬أحكام التزام المشتري بدفع‬


‫فوائد ثمن المبيع‪ .‬وفي هذا الصدد نفرق بين نوعي الفوائد‪ .‬فهذه األخيرة إما أن‬
‫تكون اتفاقية‪ ،‬واما أن تكون قانونية‪ .‬وذلك على البيان التالي‪:‬‬

‫ويشترط اللتزام المشتري بدفع هذه الفوائد‪ ،‬ضرورة أن‬


‫‪ -1‬الفوائد االتفاقية‪ُ :‬‬
‫يوجد اتفاق بين البائع والمشتري على استحقاقها‪ .‬وهي إما أن تكون تعويضية‪ ،‬واما‬
‫تأخيرية‪:‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪114‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.177‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.172 ،177‬‬
‫‪194‬‬
‫أ‪ -‬الفوائد االتفاقية التعويضية‪ :‬وهي الفوائد التي تُستحق عن مبلغ من النقود‬
‫لم يحل ميعاد استحقاقه‪ .‬أي أنها فائدة يدفعها المشتري مقابل بقاء ثمن المبيع في‬
‫ذمته‪ ،‬سواء بصورة كلية أو على صورة أقساط ‪.‬‬

‫ويقصد بها الزيادة المستحقة للدائن عن مبلغ‬


‫ب‪ -‬الفوائد االتفاقية التأخيرية‪ُ :‬‬
‫من النقود حل ميعاد استحقاقه وتأخر المدين في الوفاء به‪ .‬كأن يمنح البائع‬
‫المشتري أجالً معيناً للوفاء بثمن المبيع‪ ،‬مع اشتراطه فائده تستحق له في حالة ما‬
‫إذا حل ميعاد االستحقاق ولم يلتزم المشتري بالدفع‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بالتزام المشتري بدفع الفوائد االتفاقية‪ ،‬فإن ذلك يدور في إطار‬
‫الضوابط الثالثة اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬البد من وجود اتفاق بين األطراف على مبدأ تقاضي البائع من المشتري‬
‫فوائد اتفاقية‪ ،‬تعويضية كانت أم تأخيرية‪ .‬واذا اتفقا الطرفين على تحديد قدر هذا‬
‫الفوائد‪ ،‬وجب إعمال ما اتفقا عليه بشرط أال يتجاوز هذا التحديد الحد األقصى‬
‫المسموح به قانوناً وهو ‪ ،% 7‬فإن زادت عن ذلك وجب تخفيضها إلى هذا الحد‪.‬‬
‫واذا لم يعين الطرفين قدر الفوائد‪ ،‬فإن احتساب الفائدة في هذه الحالة يتم على‬
‫أساس السعر القانوني وهو ‪ %1‬في السائل المدنية و‪ %0‬في المسائل التجارية ‪.1‬‬

‫ووجد عرف‬‫ب‪ -‬واذا لم يوجد اتفاق بين المتعاقدين على أي صورة كانت‪ُ ،‬‬
‫تجاري ( كحالة دخول ثمن المبيع في حساب جار بين البائع والمشتري )‪ ،‬أو‬
‫زراعي أو غير ذلك‪ ،‬وجب العمل به في تحديد استحقاق البائع للفوائد ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.641‬‬


‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪155‬؛ د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‬
‫‪.499‬‬
‫‪195‬‬
‫ج‪ -‬تسري الفوائد في هذا الصدد‪ ،‬من تاريخ حلول أجل الوفاء‪ ،‬وليس من‬
‫تاريخ المطالبة القضائية وفقاً لما تقضي به القواعد العامة في استحقاق الفوائد‬
‫عمالً بما جاء بالمادة ( ‪ ) 221‬مدني‪.‬‬

‫‪ -5‬الفوائد القانونية‪ :‬هي الفوائد التي ينص عليها القانون ويستحقها البائع‬
‫من المشتري‪ ،‬في الفرض الذي يمنحه فيه أجالً للوفاء بثمن المبيع‪ ،‬ولم يقم‬
‫المشتري بالدفع في الموعد المحدد‪ ،‬وذلك في ظل غياب اتفاق أو عرف يتولى‬
‫تحديد الفائدة في هذا الفرض‪.‬‬

‫والقاعدة العامة كما سبقت اإلشارة‪ ،‬أن البائع ال يثبت له حق مطالبة‬


‫المشتري بفوائد الثمن إال من تاريخ المطالبة القضائية‪ .‬غير أن المشرع خالف هذا‬
‫الحكم بمقتضى المادة ( ‪ ) 1/104‬من القانون المدني‪ .‬والتي جاء بها أنه في حالة‬
‫عدم وجود اتفاق بين البائع والمشتري أو عرف يلزم المشتري بدفع فوائد تأخيرية‬
‫عن عدم الوفاء بالثمن في الموعد المحدد‪ ،‬فإنه ال يجوز للبائع أن يطالب المشتري‬
‫بهذه الفوائد إال في حالتين فقط وهما ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬حالة إعذار البائع للمشتري بدفع الثمن‪ :‬وهنا يستحق البائع الفوائد من‬
‫وقت حدوث اإلعذار وليس من وقت المطالبة القضائية‪ ،‬بشرط أن يكون الثمن‬
‫حال األداء أو كان مؤجالً وحان ميعاد استحقاقه‪ ،‬أما اإلعذار السابق على‬
‫استحقاق الثمن فال يعتد به في استحقاق الفوائد‪ .‬ويكون اإلعذار بإنذار المشتري أو‬
‫بما يقوم مقام اإلنذار من األوراق الرسمية‪.‬‬

‫وبعد تمام اإلعذار‪ ،‬تُحسب الفوائد القانونية التي يلتزم المشتري بدفعها من‬
‫وقت حدوث اإلعذار‪ ،‬بواقع ‪ % 1‬في المسائل المدنية وفي المسائل التجارية بواقع‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.178‬‬


‫‪196‬‬
‫‪ .% 0‬وفي حالة لجوء البائع مباشرة إلى المطالبة القضائية دون سبق إعذار‪ ،‬فإن‬
‫الفوائد القانونية تكون مستحقة من وقت المطالبة ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬حالة تسليم المبيع المثمر‪ :‬وفي هذه الحالة يسلم البائع المشتري‬
‫المبيع‪ ،‬وكان هذا األخير مما ينتج ثمرات أو إيرادات أخرى‪ ،‬األمر الذي يترتب‬
‫عليه التزام المشتري بدفع الفوائد القانونية للبائع من تاريخ التسليم وليس من تاريخ‬
‫المطالبة القضائية‪ .‬غير أن ذلك األمر مقيد بشرطين هما‪:‬‬

‫* الشرط األول‪ :‬أن يكون البائع قد قام بتسليم المبيع إلى المشتري‪ :‬وال‬
‫ُيقصد بالتسليم هنا التسليم الفعلي‪ ،‬بل يكفي أن يضع البائع المبيع تحت تصرف‬
‫المشتري على نحو يتمكن معه من حيازته واالنتفاع به دون عائق حتى ولو لم‬
‫استيالء مادياً مع إعالنه بذلك‪ .‬فإذا وضع البائع المبيع تحت‬
‫ً‬ ‫يستول عليه المشتري‬
‫تصرف المشتري ولم يتسلمه‪ ،‬فإنه ُيسأل عن الفوائد؛ لكونه هو المسئول في هذا‬
‫الفرض عن عدم التسلم ‪.2‬‬

‫* الشرط الثاني‪ :‬أن يكون المبيع قابالً إلنتاج ثمار أو إيرادات أخرى‪ :‬وهنا‬
‫ال ُيشترط أن يكون المبيع منتجاً بالفعل لثمار أو إيرادات – كأرض زراعية أو دار‬
‫صالحة للسكنى أو آلة صالحة للعمل ‪ -‬بل تكفي هنا إمكانية اإلنتاج في حد‬
‫ذاتها حتى ولو لم ينتج المبيع شيئاً سواء إلهمال المشتري كعدم قيامه بتأجير‬
‫األرض أو الدار للغير‪ ،‬أو لسبب أجنبي كقوة قاهرة أو حادث فجائي ‪.3‬‬

‫أما إذا كان المبيع غير منتج وغير قابل إلنتاج ثمرات أو إيرادات أخرى‬
‫بطبيعته‪ ،‬فال يحق للبائع الحصول على فوائد عن الثمن كأن يكون المبيع أرض‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪781‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪197‬‬
‫فضاء وقام المشتري بالبناء عليها؛ ألن األرض هنا لم تكن بطبيعتها قابلة إلنتاج‬
‫إيرادات‪ ،‬وأن سبب ما حدث يرجع لفعل المشتري وحده ‪.1‬‬

‫وتكمن الحكمة من التزام المشتري بدفع فوائد قانونية عن ثمن المبيع رغم‬
‫عدم استحقاقه في هذه الحالة‪ ،‬في أن هذا الحكم يتضمن نوعاً من التقابل بين‬
‫انتفاع المشتري بثمار أو إيرادات المبيع وبين التزامه بدفع الفائدة عن هذا االنتفاع‪،‬‬
‫ولكي ال يجمع المشتري بين الفوائد والثمار‪ .‬كما يعد ذلك إعماالً لقاعدة الغرم‬
‫بالغنم‪ ،‬فغنم المشتري بالثمار أو اإليرادات‪ ،‬يترتب عليه غرمه بفوائد قانونية عن‬
‫ثمن المبيع في هذا الفرض‪.‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬يترتب على توافر الشرطين السابقين‪ ،‬استحقاق البائع الفوائد‬
‫القانونية عن ثمن المبيع بصرف النظر عن كون هذا الثمن حاالً أم مؤجالً ‪ .‬وهذا‬
‫ما ُيستفاد من عموم ومطلق نص المادة ( ‪ ) 1/104‬مدني‪ .‬باإلضافة إلى استجابة‬
‫هذا الحكم لالعتبارات العملية‪ .‬وهذا ما ذهب إليه أغلب الفقه ومحكمة النقض‬
‫المصرية ‪.2‬‬

‫غير أننا نرى – من وجهة نظرنا – أن الحكم السابق يصعب التسليم به في‬
‫ظل وجود اتفاق بين البائع والمشتري‪ ،‬على أن يمنح األول الثاني أجالً للوفاء بثمن‬
‫المبيع‪ .‬لذلك فإنه يشترط إلستحقاق الفوائد القانونية أن يكون الثمن مستحق األداء‪،‬‬
‫واال فما فائدة االتفاق بين البائع والمشتري على منح أجل للوفاء‪ .‬كل ذلك مالم يكن‬
‫البائع قد وقع في غلط ‪ ،‬كأن يعتقد أن المبيع المنتج للثمار أو اإليرادات‪ ،‬يغل قد اًر‬
‫ضئيالً من الريع وهو في حقيقته يغل قد اًر كبي اًر‪ ،‬األمر الذي جعله يتساهل ولم‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪158‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪198‬‬
‫يعلق استحقاق الفوائد على تسليم المبيع ولكن أرجأه إلى حين حلول أجل‬
‫االستحقاق‪.‬‬

‫واستخالصاً لما سبق‪ ،‬فإنه يحق للبائع مطالبة المشتري بفوائد عن ثمن‬
‫المبيع‪ ،‬إذا كان هناك اتفاق أو عرف يقضي بذلك‪ .‬أو إذا أعذر المشتري‪ ،‬أو سلم‬
‫إليه الشيء المبيع في الفرض الذي يكون فيه هذا المبيع منتجاً أو قابالً إلنتاج‬
‫ثمرات أو إيرادات أخرى‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫كيفية الوفاء بثمن المبيع‬

‫ت ـ ـتض ـ ـمن م ـ ـسألة ك ـ ـ ـيفـ ـية الوف ـ ـاء بثـ ـ ـمن المبيع‪ ،‬تحديد أطراف الوفاء بالثمن‬
‫( أوالً )‪ .‬وطريقة الوفاء بالثمن ( ثانياً )‪ .‬ومكان الوفاء بالثمن ( ثالثاً )‪ .‬وزمان‬
‫الوفاء بالثمن ( رابعاً )‪ .‬وأخي اًر‪ ،‬إثبات الوفاء بالثمن ( خامساً )‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬أطراف الوفاء بالثمن‪:‬‬

‫‪ -1‬المدين بدفع الثمن‪ :‬يعد المشتري هو المدين الذي يلتزم بالوفاء بثمن‬
‫المبيع‪ .‬واذا تعدد المشترون لنفس المبيع وكانوا متضامنين فيما بينهم سواء‬
‫بمقتضى االتفاق أو نص القانون‪ ،‬التزم كل واحد منهم بالوفاء بكامل الثمن‪ .‬واذا لم‬
‫يوجد تضامن‪ ،‬التزام كل واحد منهم بدفع نصيبه في الثمن على حسب حصته في‬
‫المبيع‪ .‬ويلتزم ورثة المشتري بالثمن إذا مات مورثهم قبل الوفاء به ولكن في حدود‬
‫ما آل إليهم من التركة‪ .‬ويجوز أن يفي بالثمن نائب المشتري أو رسوله الخاص ‪.1‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬


‫‪199‬‬
‫‪ -5‬الدائن بثمن المبيع‪ :‬البائع هو الدائن للمشتري بثمن المبيع‪ .‬ويجوز‬
‫لنائبه أن يستوفيه في حدود نيابته‪ .‬ويؤول الثمن إلى ورثة البائع إذا مات قبل‬
‫استيفائه‪ .‬ويجوز لدائني البائع المطالبة به‪ .‬واذا تعدد البائعون لمبيع واحد‪ ،‬جاز‬
‫لكل منهم مطالبة المشتري بنصيبه في ثمن المبيع مالم يوجد اتفاق يقضي بخالف‬
‫ذلك‪ .‬واذا وفي المشتري بالثمن لغير ذي صفة‪ ،‬فال تب أر ذمته قبل البائع مالم يقر‬
‫هذا الوفاء أو تعود عليه منفعة منه فتب أر ذمة المشتري في حدود ما عاد عليه من‬
‫منفعة ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬طريقة الوفاء بالثمن‪:‬‬

‫يحدد العقد في أغلب األمور‪ ،‬الطريقة التي يتم بها الوفاء بثمن المبيع‪ .‬فقد‬
‫ُيتفق على أن يتم الوفاء به دفعة واحدة‪ ،‬أو في صورة أقساط بطريقة معينة يتفق‬
‫عليها الطرفين‪ .‬وقد ُيدفع الثمن في صورة إيراداً مرتباً مدى حياة البائع‪ .‬وفي جميع‬
‫األحوال‪ ،‬ال يجوز إجبار البائع على قبول الوفاء بغير النقود‪ ،‬مالم يكن هناك اتفاق‬
‫بخالف ذلك‪ .‬كما أنه في حالة االتفاق على جواز الوفاء بإحدى األوراق التجارية‪،‬‬
‫فال تب أر ذمة المشتري قبل البائع‪ ،‬إال إذا قبض هذا األخير الثمن فعالً ‪.2‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مكان الوفاء بالثمن‪:‬‬

‫عند تحديد مكان الوفاء بثمن المبيع‪ ،‬يتعين في المقام األول الرجوع إلى‬
‫اتفاق األطراف والعمل به‪ .‬واال فالعمل على ما يجري عليه العرف‪ .‬وعند عدم‬
‫وجود اتفاق وال عرف يمكن اإلهتداء به‪ ،‬فوفقاً لما جاء في المادة ( ‪ ) 101‬مدني‪،‬‬
‫ينبغي التمييز بين فرضين هما‪:‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪200‬‬
‫أ‪ -‬حالة استحقاق الثمن وقت تسليم المبيع‪ :‬وهنا يجب الوفاء بالثمن في نفس‬
‫استثناء من القواعد العامة التي‬
‫ً‬ ‫المكان الذي يتم فيه تسليم المبيع‪ .‬ويعد هذا الحكم‬
‫تقضي بأن دفع الثمن يكون في موطن المدين أو في مركز أعماله‪ .‬ويبرر الخروج‬
‫على القواعد العامة هنا‪ ،‬على أساس أن عقد البيع وهو عقد ملزم للجانبين يجب‬
‫فيدفع الثمن وقت تسليم المبيع وفي مكان هذا التسليم ‪.1‬‬
‫أن ينفذ جملة واحدة‪ُ ،‬‬

‫ب‪ -‬حالة استحقاق الثمن في غير وقت تسليم المبيع‪ :‬كأن يتم االتفاق على‬
‫تمام الوفاء بالثمن قبل تسليم المبيع أو بعده‪ .‬وهنا يتم الوفاء بالثمن في موطن‬
‫المشتري باعتباره المدين بااللتزام وذلك عند استحقاق هذا الثمن‪ ،‬كما أن الدين‬
‫مطلوب وليس محمول‪ ،‬لذلك يجب على البائع أن يسعى إلى المشتري في موطنه‬
‫ويطالبه بالوفاء‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬زمان الوفاء بالثمن‪:‬‬

‫في هذا الصدد أيضاً‪ ،‬إذا كان هناك اتفاق بين المتعاقدين بخصوص‬
‫زمان الوفاء بثمن المبيع‪ ،‬وجب العمل به‪ .‬واذا لم يوجد‪ ،‬فيجب العمل بما يقضي‬
‫به العرف‪ .‬وفي حالة عدم وجود ال اتفاق وال عرف‪ ،‬فيجب العمل بما نصت عليه‬
‫المادة ( ‪ ) 1/107‬مدني‪ ،‬من أن زمن الوفاء في حالة غياب االتفاق وعدم وجود‬
‫العرف‪ ،‬يكون في المكان الذي يسلم فيه المبيع‪.‬‬

‫ويمثل الحكم الذي قررته المادة السابقة‪ ،‬خروجاً على القواعد العامة التي‬
‫تقضي بأنه في حالة عدم االتفاق على تأجيل الوفاء بااللتزام‪ ،‬فإنه يكون مستحق‬
‫األداء فور نشوئه حتى ولو كان هذا االلتزام ناشئاً عن عقد تبادلي‪ .‬ويتمثل وجه‬
‫استثناء عقد البيع من القاعدة العامة المتقدمة‪ ،‬في طبيعة هذا العقد‪ ،‬الذي يستفيد‬
‫فيه المشتري من المبيع فور تسلمه‪ ،‬لذلك كان طبيعياً ومن العدل أن يتيح القانون‬

‫‪ - 1‬مجموعة األعمال التحضيرية‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬ص ‪.217‬‬


‫‪201‬‬
‫فرصة اإلفادة من العقد لكل من البائع والمشتري في وقت واحد وعلى حد سواء‬
‫دون تمييز‪ .‬فيكون على المشتري الوفاء بالثمن في الوقت الذي يتسلم فيه المبيع ‪.1‬‬

‫وفي هذا الشأن يثور تساؤل بالنسبة للحالة التي ُيباع فيها جملة أشياء‬
‫بسعر واحد‪ ،‬أو حالة ما إذا تم تسليم المبيع على دفعات‪ ،‬فهل يلزم أداء الثمن عند‬
‫تسليم كل شيئ أو كل دفعة على حدة‪ ،‬أم يكون واجب األداء عند تمام التسليم؟‬

‫إن المعيار الذي يعتد به في اإلجابة على التساؤل السابق‪ ،‬هو إرادة‬
‫المتعاقدين أو قصدهما‪ .‬فإذا كان التسليم يتم على دفعات تنفيذاً لما تم االتفاق عليه‬
‫في العقد أي أن العقد كان يقر التسليم الجزئي للمبيع‪ ،‬فهنا يلتزم المشتري بأداء‬
‫الثمن عند كل دفعة أي بما يتناسب مع القدر الذي تسلمه من البائع‪ .‬واذا لم يقر‬
‫العقد التسليم الجزئي للمبيع‪ ،‬فال يلتزم المشتري بأداء الثمن إال بعد تسليم المبيع‬
‫كامالً‪ .‬كل ذلك مالم يوجد عرف يقضي بغير ذلك ‪.2‬‬

‫خامساً‪ :‬إثبات الوفاء بثمن المبيع‪:‬‬

‫ُيثبت الوفاء بالثمن وفقاً للقواعد العامة في اإلثبات‪ .‬فإذا زادت قيمة المبيع‬
‫عن ألف جنيهاً‪ ،‬وجب تقديم دليل كتابي على هذا الوفاء مالم يكن هناك مانع‬
‫يحول دون الحصول على هذا الدليل‪ .‬وهذه القاعدة تنطبق على الوفاء بكامل‬
‫الثمن أو بجزء منه طالما بلغ هذا الجزء القدر المالي الذي يلزم معه الدليل الكتابي‬
‫إلثباته‪ .‬أما إذا كان الثمن ُيدفع على صورة أقساط ‪ ،‬وكان القسط الواجب السداد لم‬
‫يبلغ نصاب اإلثبات بالدليل الكتابي‪ ،‬فإنه يجوز إثبات الوفاء به بشهادة الشهود‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬


‫‪ - 2‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.415‬‬
‫‪202‬‬
‫والقرائن‪ .‬وغالباً ما يعتبر القاضي تسليم المبيع قرينة قضائية على الوفاء بالثمن‪،‬‬
‫لكنها قرينة بسيطة ويجوز للبائع أن يثبت عكسها ‪.1‬‬

‫المطلب الثالث‬

‫إمتناع المشتري المشروع عن الوفاء بالثمن ( حبس الثمن )‬

‫سنتعرض لدراسة حق المشتري في حبس ثمن المبيع عن البائع‪ ،‬من خالل‬


‫تحديد حاالت هذا الحبس ( أوالً )‪ .‬وأحكام الحبس ( ثانياً )‪ .‬وسقوط حق المشتري‬
‫في الحبس ( ثالثاً )‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬الحاالت التي يحق فيها للمشتري حبس الثمن‪:‬‬

‫أجازت القواعد العامة في القانون المدني‪ ،‬والواردة في المادتين ( ‪، 111‬‬


‫‪ ) 1/211‬مدني‪ ،‬للمشتري حق الحبس الثمن عن البائع إذا لم يقم البائع بتنفيذ أحد‬
‫االلتزامات المتولدة عن عقد البيع‪ ،‬كما لو امتنع البائع عن تسليم المبيع للمشتري‪،‬‬
‫أو لم ينفذ التزامه بنقل ملكية المبيع سواء برفضه تقديم سندات التمليك إلى‬
‫المشتري أو رفضه التصديق على توقيعاته في مكتب الشهر العقاري حتى يتمكن‬
‫المشتري من تسجيل عقد البيع الخاص به ‪.2‬‬

‫ويعد الحق في الحبس بالمفهوم المتقدم‪ ،‬من تطبيقات قاعدة الدفع بعدم‬
‫التنفيذ ‪ .3‬والذي يعد رخصة قانونية يحق للمتعاقد بمقتضاها أن يمتنع عن تنفيذ‬
‫التزامه الحال األداء في العقد الملزم للجانبين‪ ،‬كوسيلة للضغط على المتعاقد اآلخر‬
‫بقصد حمله على تنفيذ التزامه الحال األداء الممتنع عن تنفيذه‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.127‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ - 3‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.617‬‬

‫‪203‬‬
‫وباإلضافة إلى ما قررته القواعد العامة‪ ،‬فإن المشرع وبنص خاص في المادة‬
‫( ‪ ) 107‬مدني‪ ،‬قرر للمشتري حاالث ثالث يحق له فيها حبس الثمن‪ .‬وتتمثل‬
‫هذه الحاالت في اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬الحالة الولى‪ :‬حالة تعرض أحد للمشتري مستنداً إلى حق سابق على‬
‫البيع أو آيل من البائع‪ :‬فهنا يحق للمشتري حبس الثمن حتى يقوم البائع بإزالة‬
‫التعرض الذي حدث له من الغير‪ .‬بشرط أن يكون تعرض الغير قانونياً ومستنداً‬
‫إلى حق سابق على البيع أو الحقاً عليه شريطة أن يكون هذا الحق آيالً للمتعرض‬
‫من البائع نفسه؛ تأسيساً على أن ما قام به البائع في الحالة األخيرة يعتبر تعرضاً‬
‫منه للمشتري‪ ،‬وسبق الذكر أن البائع يضمن تعرضه مادياً كان أو قانونياً‪.‬‬

‫غير أنه في هذا الصدد‪ ،‬ال يجوز للمشتري حبس الثمن إذا كان تعرض‬
‫الغير مما ال يضمنه البائع‪ ،‬كأن يكون تعرض الغير مادياً وليس قانونياً‪ ،‬أو كان‬
‫المشتري قد اشترى ساقط خيار‪ ،‬أو كان البائع قد اشترط عدم الضمان مع ثبوت‬
‫علم المشتري بسبب التعرض وقت البيع ‪.1‬‬

‫‪ -5‬الحالة الثانية‪ :‬إذا خيف على المبيع أن ينزع من يد المشتري‪ :‬وهنا‬


‫يحق للمشتري حبس الثمن إذا وجد سبب جدي يخشى معه وقوع تعرض من‬
‫الغير‪ ،‬وال يكفي هنا مجرد تهديد أو مجرد خشية وقوع تعرض دون أن ُيقترن ذلك‬
‫بسبب جدي يبرر الحبس‪ .‬ويخضع تقدير قيام السبب الجدي لقاضي الموضوع‬
‫دون رقابة عليه من محكمة النقض‪ ،‬باعتبار أن األمر هنا من مسائل الواقع ال‬
‫القانون ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪125‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.129‬‬
‫‪ - 2‬د توفيق‪ ،‬حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.541‬‬
‫‪204‬‬
‫ويعد من األسباب الجدية التي تعتبر مبر اًر للمشتري في حبس الثمن‪ ،‬عدم‬
‫تسجيل البائع سند ملكيتة للعقار المبيع مما يجعل ملكية هذا العقار باقية للمالك‪،‬‬
‫أو أن يظهر أن ملكية البائع معلقة على شرط واقف أو شرط فاسخ‪ ،‬أو أن يكون‬
‫سند البائع قابالً للفسخ أو اإلبطال أو اإللغاء ألي سبب من األسباب ‪ .1‬أو أن‬
‫يكتشف المشتري وجود رهن أوحق اختصاص على العقار المبيع بحيث يخشى‬
‫استيفاء لدينه‪.2‬‬
‫ً‬ ‫المشتري أن ينفذ الدائن المرتهن أو صاحب حق االختصاص عليه‬

‫ويجب مالحظة أنه في حالة توافر السبب الجدي المبرر لحبس الثمن‪ ،‬فإن‬
‫أثر توافر هذا السبب يقتصر فقط على حق المشتري في حبس الثمن حتى يزول‬
‫أو ينتهي الخطر الذي يتهدده بإنتزاع المبيع من تحت يده‪ ،‬دون أن يصل هذا‬
‫األثر إلى حد تخويل المشتري مكنة رفع دعوى ضمان التعرض؛ وذلك ألن هذه‬
‫األخيرة ال تُرفع إال إذا ُوجد تعرض فعلي وليس مجرد توافر أسباب جدية على هذا‬
‫التعرض مهما كانت درجة جديتها‪ ،‬أي أن التعرض في هذه الحالة ما هو إال أمر‬
‫احتمالي وليس فعلي‪.‬‬

‫‪ -3‬الحالة الثالثة‪ :‬حالة اكتشاف عيباً في المبيع‪ :‬وهنا ُيشترط لمشروعية‬


‫حق المشتري في حبس الثمن‪ ،‬أن يكون العيب الموجود في المبيع مما يضمنه‬
‫البائع‪ .‬فإذا كان هذا العيب مما ال يضمنه البائع‪ ،‬فال يحق للمشتري حبس الثمن‪،‬‬
‫كحالة وجود اتفاق صريح على إعفاء البائع كلية من العيوب التي تظهر في‬
‫المبيع‪ ،‬أو كان المشتري قد اشترى ساقط الخيار ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.182‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪205‬‬
‫ثانياً‪ :‬أحكام حبس المشتري لثمن المبيع‪:‬‬

‫يترتب على توافر إحدى الحاالت السابقة‪ ،‬أحقية المشتري في حبس المبيع‬
‫إلى حين زوال التعرض أو زوال خطر االستحقاق أو ُيحسم النزاع بشأن العيب‬
‫الذي توافر في المبيع‪ .‬ويحق للمشتري حبس الثمن تحت يده وله أيضاً أن يودعه‬
‫خزانة المحكمة مع اشتراطه عدم صرفه للبائع إال بعد زوال سبب الحبس‪ ،‬ويرجع‬
‫ذلك ألن المشتري إذا حبس المبيع تحت يده بعد تسلمه‪ ،‬فإنه يلتزم بدفع فوائد‬
‫الثمن تاريخ تسلمه المبيع – وفقاً للرأي الغالب في الفقه – إذا كان المبيع قابالً ألن‬
‫ينتج ثما اًر أو إيرادات أخرى‪ ،‬أما إذا أودعه خزانة المحكمة‪ ،‬سقطت عنه فوائد‬
‫الثمن من تاريخ هذا اإليداع ‪.1‬‬

‫واذا لحق العيب جزء من المبيع فقط وليس كله‪ ،‬فهل يقتصر نطاق حبس‬
‫الثمن على هذا الجزء المعيب فقط أم أنه يشمل كل المبيع‪ ،‬السليم منه والمعيب؟‬

‫انتهى الرأي الراحج في الفقه إلى أنه ال يحق للمشتري في هذا الفرض أن‬
‫يحبس من ثمن المبيع إال القدر الذي يتناسب مع الجزء المعيب من المبيع‪ .‬بينما‬
‫يرى الرأي اآلخر والذي أيدته محكمة النقض المصرية‪ ،‬أنه يحق للمشتري حبس‬
‫الثمن عن المبيع كله؛ وذلك على أساس أن تجزئة حق المشتري في حبس الثمن‬
‫كله قد تعرضه للخطر‪ ،‬باإلضافة إلى أن نص المادة ( ‪ ) 107‬مدني قد جاء عاماً‬
‫دون تخصيص‪ ،‬ناهيك عن أنه يحق للبائع – كما سنرى – حبس المبيع كله ولو‬
‫احتوى على أشياء متعددة إذا تخلف المشتري عن الوفاء بجزء من الثمن‪ ،‬لذلك‬
‫فمن باب العدالة أن يتوحد الحكم بالنسبة للبائع والمشتري في هذه الحالة ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪206‬‬
‫ثالثاً‪ :‬سقوط حق المشتري في حبس الثمن‪:‬‬

‫يسقط حق المشتري في حبس ثمن المبيع عن البائع‪ ،‬إذا توافرت إحدى‬


‫الحاالت اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬نزول المشتري عن حقه في الحبس‪ :‬وهنا يتفق البائع والمشتري على‬
‫نزول هذا األخير عن حقه في الحبس حتى مع وجود سبب هذا الحبس‪ .‬وهذا‬
‫النزول قد يكون صراحة أو ضمناً يستخلص من ظروف الحال‪ ،‬غير أنه ال‬
‫ُيفترض فمجرد علم المشتري بسبب يخشى معه االستحقاق ال يدل على تنازله عن‬
‫حقه في الحبس‪ ،‬فقد يكون المشتري على أمل أن يدفع عنه البائع هذا التعرض‬
‫عند حدوثه ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬إذا قدم البائع كفيالً للمشتري يضمن له ما يترتب على وقوع التعرض‬
‫أو حدوث االستحقاق أو وجود العيب من تعويض‪ :‬وهذا الكفيل قد يكون كفيالً‬
‫شخصياً‪ ،‬وهنا يلتزم أن يتوافر فيه شروط الكفيل وفقاُ للقواعد العامة‪ ،‬بأن يكون ذو‬
‫أهلية‪ ،‬ومقيماً في مصر‪ ،‬وعلى درجة من اليسار المالي تغطي مخاطر حدوث‬
‫التعرض أو حدوث االستحقاق أو وجود العيب‪ .‬وقد يكون كفيالً عينياً‪ ،‬وهنا يلزم‬
‫أن يكون التأمين العيني كافياً للوفاء بثمن المبيع الذي يدفعه البائع إلى المشتري‪.‬‬
‫ورخصة تقديم الكفيل أياً كان نوعه‪ ،‬مقررة لمصلحة البائع وحده دون المشتري‪،‬‬
‫وذلك وفقاً لما تنص عليه المادة ( ‪ ) 2/107‬مدني‪.‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪127‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.447‬‬
‫‪207‬‬
‫ج‪ -‬زوال سبب الحبس‪ :‬كما لو أوقف البائع تعرضه‪ ،‬أو دفع تعرض الغير‬
‫للمشتري‪ ،‬أو أزال البائع آثار عيب المبيع باصالحه أو بتعويض المشتري تعويضاً‬
‫كافياً‪ ،‬أو قام البائع بالوفاء بالدين المضمون برهن مقرر على العين المبيعة ‪.1‬‬

‫المطلب الرابع‬

‫جزاء إخالل المشتري بالتزامه بدفع الثمن‬

‫إذا أخل المشتري بالتزامه بدفع ثمن المبيع إلى البائع‪ ،‬فقد خول القانون لهذا‬
‫األخير‪ ،‬ثالث وسائل قانونية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬حق البائع في حبس المبيع‪:‬‬

‫نظمت المادة ( ‪ ) 104‬من القانون المدني‪ ،‬األحكام القانونية التي بمقتضاها‬


‫يستطيع البائع ممارسة حقه في حبس المبيع عن المشتري‪ .‬والمستفاد مما جاء بهذه‬
‫المادة‪ ،‬أن حق البائع في حبس المبيع ال يتقرر بصورة مطلقة‪ ،‬بل مقيد بتوافر‬
‫حالة من الحاالت اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬إذا كان كل أو بعض ثمن المبيع وقت مطالبة المشتري مستحق األداء‪:‬‬
‫وهنا يحق للبائع حبس المبيع إلى حين استيفاء المبلغ المستحق له وفوائده‪ .‬ويظل‬
‫للبائع هذا الحق حتى ولو قدم المشتري رهن أو كفالة – خروجاً على القواعد‬
‫العامة – ؛ وذلك ألن الرهن أو الكفالة ال يغنيان البائع عن حصوله على الثمن‬
‫الذي أصبح مستحقاً له ‪.2‬‬

‫ويثبت حق حبس المبيع للبائع أيضاً‪ ،‬ولو كان المبلغ المتبقي للبائع قليل‬
‫القيمة بالمقارنة مع ما تم دفعه من إجمالي ثمن المبيع‪ .‬غير أنه ال يجوز للبائع‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.184‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.411‬‬
‫‪208‬‬
‫حبس المبيع إذا كان قد اتفق مع المشتري عند التعاقد على تأجيل دفع الثمن‪ ،‬أو‬
‫كان البائع قد منح المشتري أجالً للدفع بعد البيع ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬إذا سقط األجل الذي أُضيف إليه التزام المشتري بدفع الثمن‪ :‬إذا سقط‬
‫األجل الممنوح للمشتري من أجل الوفاء بالثمن‪ ،‬وفقاً لما ورد بالمادة ( ‪ ) 273‬من‬
‫القانون المدني‪ ،‬أي بسبب شهر افالس المشتري أو شهر إعساره‪ ،‬أو إلضعافه‬
‫التأمينات المقدمة للبائع‪ ،‬أو لعدم تقديم التأمينات التي وعد في عقد البيع بتقديمها‪.‬‬

‫غير أنه في هذه الحالة – وخالفاً للحالة السابقة – يجوز للمشتري أن يطالب‬
‫ال بائع بتسليم المبيع في حالة تقديمه رهن أو كفالة‪ ،‬كتأمين لدفع الثمن عند حلول‬
‫أجله‪ .‬والعلة من المغايرة في الحكم في هذه الحالة عن سابقتها‪ ،‬تتمثل في أن حق‬
‫البائع في هذه الحالة لم يحن ميعاد استحقاقه بعد وأن اعطائه الحق في الحبس‬
‫إنما هو ضمانة لحصوله على ثمن المبيع في الحالة التي يحل فيها ميعاد‬
‫استحقاقه‪ ،‬لذلك فإن تقديم المشتري في هذه الحالة تأمين كاف للبائع‪ ،‬يسقط حق‬
‫هذا األخير حبس المبيع ‪.2‬‬

‫رضاء به من قبل‬
‫ً‬ ‫ج‪ -‬إذا كان تأجيل الثمن يرجع إلى سبب ال يتضمن‬
‫البائع‪ :‬ويتمثل ذلك في حالة ما إذا منح القاضي المشتري أجالً للدفع؛ وذلك ألن‬
‫هذا األجل ما هو إال نظرة ميسرة منحها القاضي مراعاة لظروف المشتري‪ ،‬وهذا‬
‫األمر يجب أال يضر بحقوق البائع الذي يحق له رغم األجل‪ ،‬حبس المبيع ضماناً‬
‫إلستيفاء ثمن المبيع وفوائده ‪.3‬‬

‫وفي جميع الحاالت‪ ،‬فإن حق البائع في حبس المبيع‪ ،‬غير قابل للتجزئة‪ .‬فال‬
‫يحق للمشتري إذا ما دفع جزءاً من الثمن الذي حل أن يطالب البائع بتسليمه جزءاً‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.187‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.411‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪209‬‬
‫يقابله من المبيع‪ ،‬ولو كان المبيع جملة أشياء عين لكل منها ثمنه ما دامت قد‬
‫بيعت كلها صفقة واحدة ‪ .1‬وذلك على عكس الحكم بالنسبة للمشتري‪ ،‬والذي تتعدد‬
‫بالنسبة له االتجاهات الفقهية على النحو الذي ذكرناه آنفاً‪.‬‬

‫وبالنسبة لنطاق الحق في الحبس هنا‪ ،‬فإنه يشمل أصل المبيع ونماءه وثماره‬
‫الناتجة منه بعد البيع‪ .‬ويلتزم البائع بالمحافظة على المبيع بأن يبذل في ذلك عناية‬
‫الرجل العادي‪ ،‬وعليه أن يقدم للمشتري حساباً عن غلة المبيع؛ ألن حبس هذا‬
‫األخير ال ينفي استحقاق المشتري ثماره ‪.2‬‬

‫واذا هلك المبيعه أثناء فترة حبس البائع له‪ ،‬وقعت تبعة هالكه على عاتق‬
‫المشتري وليس على عاتقالبائع‪ ،‬خالفاً للقاعدة العامة التي تقضي بأن تبعة هالك‬
‫المبيع قبل تسليمه يتحملها البائع؛ ويرجع ذلك ألن وجود المبيع تحت يد البائع وهو‬
‫حابس له كان بسبب تقصير المشتري في الوفاء بالتزامه بدفع الثمن حال األداء‪،‬‬
‫ولم يكن بسبب تقصير من البائع ‪ .3‬واذا خشي البائع هالك المبيع وهو حابساً له‪،‬‬
‫جاز له استئذان القضاء في بيعه بالمزاد العلني أو بسعره في البورصة أو السوق‪،‬‬
‫األمر الذي يترتب عليه انتقال الحق في الحبس من المبيع إلى ثمنه ‪.4‬‬

‫وينقضي حق البائع في حبس المبيع‪ ،‬إذا نزل عن هذا الحق صراحة أو‬
‫ضمناً‪ .‬أو إذا خرج المبيع من تحت يد البائع باختياره‪ ،‬واذا كان خروج المبيع قد تم‬
‫رغم معارضة البائع‪ ،‬جاز له طلب استرداده خالل ثالثين يوم من وقت علمه‬
‫بخروج المبيع من تحت يده‪ ،‬وقبل انقضاء سنة من وقت خروجه‪ .‬وينقضي كذلك‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.411‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.411‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.511‬‬
‫‪ -4‬المادة ‪ 5/587‬من القانون المدني‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫حق البائع في الحبس‪ ،‬إذا زال سبب الحبس‪ ،‬كأن يكون قد استوفى ثمن المبيع كله‬
‫وفوائده ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬حق البائع في طلب التنفيذ العيني‪:‬‬

‫إذا لم يقم المشتري بأداء التزامه بدفع ثمن المبيع عند حلول أجل االستحقاق‪،‬‬
‫جاز للبائع طلب التنفيذ العيني‪ ،‬عن طريق رفع دعوى قضائية بعد إعذار المشتري‬
‫بقصد الحجز على أمواله بما فيها المبيع؛ الستيفاء حقه من ثمن بيعها بالمزاد‬
‫العلني جب اًر عنه ‪ ،‬وفقاً لقواعد التنفيذ الجبري الواردة في قانون المرافعات ‪.2‬‬

‫وفي سبيل تمكين البائع من الحصول على حقه‪ ،‬فقد خول له القانون حق‬
‫امتياز على المبيع‪ ،‬سواء كان هذا األخير منقوالً وذلك في المادة ( ‪) 1110‬‬
‫مدني‪ ،‬أو كان عقا اًر وذلك في المادة ( ‪ ) 1117‬مدني‪ .‬ويكون للبائع بمقتضى هذا‬
‫االمتياز‪ ،‬أن يستوفي حقه المتمثل في ثمن المبيع سواء كله أو بعضه‪ ،‬من الثمن‬
‫الناتج عن بيع المبيع جب اًر وقبل الدائنين اآلخرين للمشتري‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬حق البائع في طلب فسخ البيع‪:‬‬

‫يحق للبائع باإلضافة إلى حقه في حبس المبيع وطلب التنفيذ العيني‪ ،‬أن‬
‫يطلب فسخ البيع بسبب عدم قيام المشتري بالتزامه بدفع ثمن المبيع‪ .‬وال يشذ الفسخ‬
‫في هذا الصدد عن الفسخ في القواعد العامة‪ ،‬لذلك سنحيل إليها منهاً للتكرار‪ .‬غير‬
‫أن المشرع قد نص على حالة خاصة للفسخ في المادة ( ‪ ) 111‬مدني‪ ،‬والمتعلقة‬
‫بالفسخ الخاص ببيع العروض والمنقوالت‪ ،‬وشذ بهذه الحالة عن قواعد الفسخ‬
‫القانوني العامة‪.‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪221 ،222‬؛ د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪415 ،‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫‪211‬‬
‫والمستفاد من نص المادة ( ‪ ) 111‬والخاصة بفسخ البيع في بيع العروض‬
‫والمنقوالت‪ ،‬أنه إذا لم يقم المشتري بدفع ثمن المبيع في هذه الحالة‪ ،‬فإن البيع‬
‫ينفسخ بقوة القانون لصالح البائع‪ .‬وهذا الحكم يمثل خروجاً على القواعد العامة في‬
‫الفسخ التي تقضي بأن هذا األخير ال يقع إال إذا كان مسبوقاً بإعذار ينبه فيه‬
‫الدائن على المدين بالوفاء بالتزامه‪ ،‬وتقضي أيضاً بأن الفسخ ال يقع إال بحكم من‬
‫القضاء‪ ،‬وقد يقع دون حاجة إلى إعذار أو حكم قضائي إذا كان هناك شرط في‬
‫العقد ينص صراحة على ذلك ‪.1‬‬

‫وتتمثل الحكمة من مخالفة القواعد العامة في الفسخ في الحالة التي نحن‬


‫بصددها‪ ،‬في أن عروض التجارة والمنقوالت على وجه العموم‪ ،‬كثي اًر ما تتقلب‬
‫أسعارها‪ ،‬كما أن الكثير منها يتعرض للتلف بمرور الزمن‪ .‬باإلضافة إلى أن‬
‫العمليات التجارية عموماً تتسم بالسرعة في التعامل وتصفية المراكز القانونية أول‬
‫بأول‪ .‬لذلك أعطى المشرع للبائع الحق في أن يتصرف في المبيع للغير في الحال‬
‫بمجرد تخلف المشتري عن دفع الثمن‪ ،‬دون ثمة مسؤولية تقع على عاتق البائع ‪.2‬‬
‫غير أن ممارسة البائع حقه في التصرف في المبيع في هذه الحالة مقيد بالشروط‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن يكون المبيع من المنقوالت‪ :‬ويستوي هنا جميع أنواع المنقوالت‪ ،‬سواء‬
‫كانت منقوالت بطبيعتها ( سواء كانت مادية كالسلع والبضائع أم معنوية كاألسهم‬
‫والسندات ) أم منقوالت بحسب المآل كالثمار التي حان قطافها والمنزل الذي ُيباع‬
‫أنقاضاً ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.189‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.448‬‬
‫‪ - 3‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.421‬‬
‫‪212‬‬
‫ب‪ -‬وجوب اتفاق المتعاقدين على ميعاد واحد محدد لدفع الثمن وتسلم‬
‫المبيع‪ ،‬أو حددا ميعاد تسليم المبيع دون تحديد ميعاد دفع الثمن حيث يجب دفع‬
‫الثمن ف ي هذا الحالة عند تسليم المبيع‪ .‬أما إذا كان ميعاد تسليم المبيع يختلف عن‬
‫ميعاد دفع الثمن‪ ،‬فال يعتبر البيع مفسوخاً هنا من تلقاء نفسه‪ ،‬بل يتم الفسخ وفقاً‬
‫للقواعد العامة‪ ،‬أي البد من إعذار المشتري أو صدور حكم قضائي بذلك‪ ،‬أو أن‬
‫يحدث الفسخ التلقائي بموجب اتفاق بين البائع والمشتري ‪.1‬‬

‫ج‪ -‬أن يتأخر المشتري أو يمتنع عن دفع ثمن المبيع في الزمان والمكان‬
‫المتفق عليهما‪ :‬فال يجوز للبائع أن يتمسك بحكم المادة ( ‪ ) 111‬إذا قام المشتري‬
‫بدفع الثمن الزمان والمكان المحددين لذلك‪ ،‬حتى ولو لم يتسلم المشتري المبيع‪.‬‬
‫فإذا دفع المشتري الثمن ولم يتسلم المبيع‪ ،‬فال ينطبق النص المذكور ولكن تنطبق‬
‫القواعد العامة في الفسخ‪ .‬وتأخذ نفس الحكم األخير‪ ،‬الحالة التي يدفع فيها‬
‫المشتري ثمن المبيع ويمتنع أو يتأخر البائع عن تسليمه له‪2‬؛ ألن تأخر المشتري‬
‫في هذه الحالة في الوفاء بالثمن يرجع إلى فعل البائع‪ ،‬األمر الذي يترتب عليه‬
‫حرمانه من الرخصة التي قررتها المادة ( ‪ ) 111‬مدني‪ ،‬ولكي ال يستفيد البائع من‬
‫تقصيره‪.‬‬

‫واذا توافرت الشروط السابقة‪ ،‬جاز للبائع أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء‬
‫نفسه دون حاجة إلى إعذار أو حكم قضائي أو شرط خاص في العقد يقضي‬
‫بذلك‪ .‬ويترتب على هذا الفسخ أن يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل‬
‫التعاقد‪ ،‬ويحق للبائع أن يتصرف في المبيع مرة أخرى إلى مشتر آخر ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬


‫‪ - 2‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.427‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪213‬‬
‫وطلب الفسخ في هذه الحالة‪ ،‬هو حق مقرر للبائع وحده دون المشتري‪ .‬غير‬
‫أن حكم هذه الحالة غير متعلق بالنظام العام ويجوز للمتعاقدين االتفاق على ما‬
‫يخالفه‪ ،‬كأن يتفقا على أال ُيفسخ بيع المنقول تلقائياً عند تأخر المشتري في الوفاء‬
‫بالثمن‪ ،‬أو يتفقا على أال يقع الفسخ إال بعد إعذار المشتري‪ .‬وهذا الحكم األخير‬
‫جاء بعجز المادة ( ‪.) 111‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫التزام المشتري بتكاليف المبيع ومصروفات عقد البيع‬

‫أوالً‪ :‬تحديد الملتزم بدفع نفقات المبيع‪:‬‬

‫باديء ذي بدء‪ٌ ،‬يقصد بنفقات المبيع‪ ،‬المبالغ التي تُصرف في حفظ المبيع‬
‫وصيانته واستغالله من وقت تمام البيع إلى وقت تسليم المبيع‪ ،‬وتشمل هذه النفقات‬
‫تكاليف الضريبة المفروضة على المبيع ‪.1‬‬

‫ولقد وضعت المادة ( ‪ ) 2/104‬مدني‪ ،‬القاعدة التي على أساسها يمكن‬


‫تحديد الطرف الذي يتحمل هذه النفقات‪ .‬وتقوم هذه القاعدة على أساس الرجوع إلى‬
‫اتفاق المتعاقدين في هذا الشأن‪ ،‬فإن ُوجد مثل هذا االتفاق سواء بصورة صريحة‬
‫أو ضمنية‪ ،‬وجب العمل به‪ .‬وفي حالة عدم وجود هذا االتفاق‪ ،‬وجب العمل بما‬
‫يقضي به العرف السائد في مكان وجود المبيع‪.‬‬

‫وفي حالة غياب اتفاق المتعاقدين وعدم وجود عرف يحدد متحمل نفقات‬
‫المبيع‪ ،‬كانت هذه النفقات على عاتق المشتري من وقت البيع إلى وقت تسليم‬
‫المبيع إليه‪ .‬وتكمن علة هذا الحكم في أن المشرع جعل للمشتري ثمرات المبيع‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬


‫‪214‬‬
‫ونماؤه من وقت تمام البيع‪ ،‬لذلك يجب أن يتحمل في مقابل ذلك بتكاليف المبيع‬
‫اعتبا اًر من وقت البيع‪ ،‬كما يعد ذلك تطبيقاً لقاعدة الغنم بالغرم ‪.1‬‬

‫غير أن تحمل المشتري لتكاليف المبيع من وقت البيع‪ ،‬مشروط بأن يكون له‬
‫الحق في ثمار المبيع من ذلك الوقت – أي من وقت البيع ‪ ، -‬فإن كان األمر‬
‫غير ذلك‪ ،‬اختلف الحكم‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬إذا تم االتفاق على أال يكون‬
‫للمشتري ثمر المبيع إال من تاريخ الحق على قيام البيع‪ ،‬كالتاريخ الذي أُجل إليه‬
‫تسليم المبيع نفسه‪ ،‬فهنا لن يتحمل المشتري تكاليف المبيع إال من ذلك التاريخ‬
‫أيضاً ‪.2‬‬

‫ثانياً‪ :‬تحديد الملتزم بدفع مصروفات عقد البيع‪:‬‬

‫ٌيقصد بمصروفات البيع‪ ،‬النفقات التي تكون الزمة إلتمامه‪ ،‬كأتعاب المحامي‬
‫الذي تولى مهمة تحرير عقد البيع‪ ،‬ورسوم الدمغة والتسجيل‪ ،‬وكذلك رسوم‬
‫التصديق على اإلمضاءات في الشهر العقاري‪.‬‬

‫ولقد حددت المادة ( ‪ ) 112‬مدني‪ ،‬المتحمل لمصروفات عقد البيع‪ ،‬عن‬


‫طريق الرجوع إلى اتفاق المتعاقدين في هذا الشأن‪ ،‬فإن ُوجد مثل هذا االتفاق‬
‫سواء بصورة صريحة أو ضمنية‪ ،‬وجب العمل به‪ ،‬كأن يتفقا على أن يتحمل البائع‬
‫وحده هذه المصروفات أو يتحملها المشتري وحده‪ ،‬أو توزع مناصفة بينهما‪ ،‬أو‬
‫توزع بينهما بنسب مختلفة وليس مناصفة أو بالتساوي‪ .‬وفي حالة عدم وجود هذا‬
‫االتفاق‪ ،‬وجب العمل بما يقضي به العرف‪.‬‬

‫وفي حالة غياب اتفاق المتعاقدين وعدم وجود عرف يحدد متحمل مصروفات‬
‫عقد البيع‪ ،‬كانت هذه النفقات على عاتق المشتري‪ .‬وقيل في تبرير هذا الحكم‪ ،‬أن‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪.471 ،‬‬
‫‪215‬‬
‫العقد عاد بالفائدة على المشتري وهو صاحب المصلحة األساسية في إتمامه ونفاذ‬
‫أثرة ‪.1‬‬

‫غير أن هذا التبرير يجافي قواعد العدالة؛ ألن العقد عاد بالمنفعة على‬
‫الطرفين‪ ،‬فبالنسبة للبائع فهو يستفيد من ثمن المبيع‪ ،‬وبالنسبة للمشتري فهو يستفيد‬
‫بالمبيع ذاته‪ .‬لذلك فكان من األفضل لو نص المشرع على أن تُوزع هذه‬
‫المصروفات بين البائع والمشتري مناصفة أو على األقل تُوزع بينهما بنسب مختلفة‬
‫وال يتحملها المشتري وحده‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن مصروفات البيع محل الحديث‪ ،‬تختلف عن مصروفات‬


‫تنفيذ البائع اللتزاماته‪ ،‬كمصروفات نقل المبيع إلى مكان التسليم‪ ،‬ومصروفات‬
‫تحضير المستندات المثبتة لملكية البائع‪ ،‬فهذه المصروفات يتحملها البائع وحده‪،‬‬
‫مالم يوجد اتفاق بخالف ذلك ‪.2‬س‬

‫المبحث الثالث‬

‫التزام المشتري بتسلم المبيع‬

‫سنتعرض لدراسة الت ازم المشتري بتسلم المبيع من خالل تحديد مضمون هذا‬
‫االلتزام ( أوالً )‪ .‬وزمان التسلم ومكانه ( ثانياً )‪ .‬ونفقات تسلم المبيع ( ثالثاً )‪.‬‬
‫والجزاء المترتب على عدم تسلم المشتري للمبيع ( رابعاً )‪ .‬وذلك على البيان‬
‫التالي‪:‬‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪179‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.471‬‬
‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.179‬‬
‫‪216‬‬
‫أوالً‪ :‬مضمون التزام المشتري بتسلم المبيع‪:‬‬

‫إذا كان تسليم المبيع التزاماً يقع على عاتق البائع في مواجهة المشتري أي‬
‫بوضعه تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته واالنتفاع به دون عائق‬
‫استيالء مادياً‪ ،‬فإن تسلم المبيع يعد التزاماً‬
‫ً‬ ‫مع إعالمه بذلك ولو لم يستول عليه‬
‫على عاتق المشتري في مواجهة البائع‪ ،‬بحيث يحق لهذا األخير مطالبة المشتري‬
‫بتنفيذه وذلك بنقل الحيازة إليه‪ .‬ويلتزم المشتري المبيع وملحقاته بالحالة التي كان‬
‫عليها عند البيع ‪.1‬‬

‫وتبدو مصلحة البائع في أن يتسلم المشتري المبيع‪ ،‬في أكثر من ناحية‪ .‬فمن‬
‫تاريخ حدوث التسليم الفعلي للمبيع تبدأ مدة سقوط دعوى ضمان العيوب الخفية‪،‬‬
‫وكذلك الدعاوى الناشئة عن عجز وزيادة مقدار المبيع‪ .‬كما أن بتمام التسليم‬
‫يستطيع البائع أن يستفيد من المكان الذي كان يشغله المبيع‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫التخلص من عبء المحافظة على المبيع‪ ،‬ومن تبعة هالكه ‪.2‬‬

‫ثانياً‪ :‬زمان تسلم المبيع ومكانه‪:‬‬

‫ناء عليها يتم‬


‫وضعت المادة ( ‪ ) 113‬من القانون المدني‪ ،‬األسس التي ب ً‬
‫تحديد زمان التسلم ومكانه‪ .‬فيجب البحث بداية عن وجود اتفاق يبين المتعاقدين‬
‫ينظم هذه المسألة من عدمه‪ ،‬فإذا وجد مثل هذا االتفاق وجب العمل به‪ ،‬وعادة ما‬
‫يكون زمان التسليم ومكانه هما زمان التسلم ومكانه؛ ألن التسليم والتسلم غالباً ما‬
‫يكونان معاً في نفس المكان والزمان‪ .‬واذا لم يوجد اتفاق‪ ،‬وجب العمل بما يقضي‬
‫به العرف إن وجد‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.195‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.471‬‬
‫‪217‬‬
‫وفي حالة غياب االتفاق وعدم وجود عرف‪ ،‬فإنه يجب على المشتري أن‬
‫يتسلم المبيع في نفس المكان الذي يوجد فيه وقت التسليم وأن ينقله دون إبطاء مع‬
‫األخذ في االعتبار ما يتطلبه نقل المبيع من وقت ‪ .1‬وزمان التسليم ‪ -‬كما ذكرنا‬
‫سابقاً – يكون فور انعقاد العقد‪ ،‬ويكون مكانه في المكان الذي يوجد فيه المبيع‬
‫وقت العقد إذا كان معيناً بالذات‪ ،‬أو في موطن البائع إن كان معيناً بالنوع‪.‬‬

‫ولتحديد زمان ومكان التسلم والتسليم أهمية اقتصادية وأخرى قانونية‪ .‬فاألولى‬
‫تتمثل في أنه بمقتضى هذا التحديد يمكن معرفة النفقات التي يتحملها البائع في‬
‫تنفيذ التزامه بالتسليم‪ ،‬والنفقات التي يتحملها المشتري في تنفيذ التزامه بالتسلم‪.‬‬
‫وتكمن األهمية القانونية لهذا التحديد‪ ،‬في معرفة من يتحمل تبعة هالك المبيع إذا‬
‫هلك بسبب أجنبي ال يد ألحد من المتعاقدين فيه ‪.2‬‬

‫ويجب مالحظة أن األحكام الواردة بالمادتين ( ‪ ) 111 ، 113‬مدني‪،‬‬


‫والمتعلقة بتحديد زمان ومكان تسلم المبيع وبنفقاته‪ ،‬ليست من األحكام المتعلقة‬
‫بالنظام العام‪ ،‬ومن ثم يجوز للمتعاقدين االتفاق على خالف ما تقضي به‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬نفقات تسلم المبيع‪:‬‬

‫وفقاً لما جاء في المادة ( ‪ ) 111‬من القانون المدني‪ ،‬فإن المرجع في تحديد‬
‫متحمل نفقات تسلم المبيع‪ ،‬هو اتفاق المتعاقدين‪ ،‬وعند غيابه وجب الرجوع إلى‬
‫العرف‪ .‬واذا لم يوجد هذا أو ذاك‪ ،‬فالمشتري هو الذي يتحمل هذه النفقات باعتباره‬
‫هو المدين في االلتزام بالتسلم‪.‬‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪218‬‬
‫رابعاً‪ :‬جزاء عدم تسلم المشتري للمبيع‪:‬‬

‫إذا لم يتسلم المشتري المبيع في الزمان والمكان المحددين لذلك‪ ،‬فقد خول‬
‫المشرع للبائع على إثر ذلك‪ ،‬وسيلتين قانونيتين‪ ،‬كجزاء للمشتري لعدم تسلم المبيع‬
‫وهما ‪:1‬‬

‫أ‪ -‬حق البائع في طلب التنفيذ العيني‪ :‬فيحق للبائع أن يطلب من القضاء‬
‫إجبار المشتري على تنفيذ التزامه عيناً وذلك بعد أن يعذره بالتسلم‪ .‬ويجوز له في‬
‫سبيل ذلك‪ ،‬أن يطلب الحكم على المشتري بغرامة تهديدية عن كل فترة يتأخر فيها‬
‫المشتري عن تسلم المبيع‪ .‬ويحق للبائع أيضاً‪ ،‬أن يطلب إيداع المبيع بعد الحصول‬
‫على إذن من القضاء إذا كان المبيع منقوالً‪ ،‬واذا كان عقا اًر أو منقوالً معداً للبقاء‬
‫في مكانه‪ ،‬جاز للبائع أن يطلب تعيين حارس عليه على نفقة المشتري‪.‬‬

‫واذا كان المبيع من األشياء التي تكلف نفقات باهظة في إيداعها أو‬
‫حراستها‪ ،‬جاز للبائع بيعها بالمزاد العلني بعد الحصول على إذن من القضاء بذلك‬
‫وايداع ثمنها خزانة المحكمة على ذمة المشتري‪ .‬واذا كان المبيع له سعر معروف‬
‫في األسواق‪ ،‬أو كان التعامل فيه متداوالً في البورصات‪ ،‬فال يجوز بيعه بالمزاد إال‬
‫إذا تعذر البيع ممارسة بالسعر المعروف‪.‬‬

‫ب‪ -‬حق البائع في طلب الفسخ‪ :‬وهنا يكون للمحكمة سلطة تقديرية في‬
‫قبول طلب البائع بالفسخ أو رفضه‪ .‬وناد اًر ما تلبي المحكمة طلب البائع بفسخ‬
‫البيع؛ نظ اًر لتفاهة الضرر الذي يصيبه بسبب عدم تسلم المشتري للمبيع‪.‬‬

‫وسواء سلك البائع طريق التنفيذ العيني أو طريق الفسخ‪ ،‬ففي الحالتين يجوز‬
‫له المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن تأخر المشتري في تسلم المبيع‪ .‬كأن‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪119 ،118‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.192 ،197‬‬
‫‪219‬‬
‫يكون البائع قد أنفق مصروفات لحفظ المبيع من التلف بعد فوات المعياد الذي كان‬
‫محدداً للتسليم‪ .‬أو المطالبة بمقابل أجرة المكان الذي بفي مشغوالً بالمبيع خالل‬
‫الفترة التي تأخر فيها المشتري عن تسلم المبيع‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫الباب الثالث‬

‫في‬

‫بعض أنواع البيوع‬

‫‪221‬‬
‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬

‫تعرضنا في كل ما سبق‪ ،‬لألحكام العامة لعقد البيع ‪ ،‬سواء فيما يتعلق‬


‫بتكوينه أو إبرامه‪ ،‬وكذلك آثاره القانونية سواء بالنسبة للبائع أو للمشتري‪.‬‬
‫وسنتعرض في هذا الباب‪ ،‬لبعض أنواع البيوع التي نظمها المشرع بأحكام خاصة‬
‫بصورة تختلف عن البيوع العادية ‪.1‬‬

‫وتتمثل هذه البيوع في‪ ،‬بيع الوفاء‪ ،‬وبيع ملك الغير‪ ،‬وبيع الحقوق المتنازع‬
‫عليها‪ ،‬وبيع التركة‪ ،‬والبيع في مرض الموت‪ ،‬وبيع النائب لنفسه‪ .‬وقد سبق وأن‬
‫تناولنا أحكام بيع ملك الغير‪ ،‬وبيع النائب لنفسه‪ .‬وعلى سنقسم الدراسة في هذا‬
‫الباب إلى أربعة فصول هي‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬بيع الوفاء‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬بيع الحقوق المتنازع عليها‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬بيع التركة‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬البيع في مرض الموت‪.‬‬

‫‪ - 1‬وال يعني هذا التنظيم الخاص عدم انطباق أحكام عقد البيع العامة على هذه البيوع‬
‫الخاصة‪ ،‬بل تنطبق عندما ال يجد القاضي حكماً خاصاً متعلقا ً ببيع من هذه البيوع‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫الفصل الول‬

‫بـــــــيــــع الـــوفـــــــــــــــــــاء‬

‫أوالً‪ :‬تعريف بيع الوفاء‪:‬‬

‫بيع الوفاء هو البيع الذي يحتفظ فيه البائع لنفسه بالحق في استرداد الشيء‬
‫المبيع خالل مدة معينة إذا شاء‪ ،‬في مقابل أن يرد الثمن ومصروفات العقد‬
‫ومصروفات االسترداد والمصروفات التي تكون قد أُنفقت على البيع ‪.1‬‬

‫أي أن العقد يكون معلقاً على شرط فاسخ هو عدول البائع‪ ،‬فإذا استعمل‬
‫هذا األخير حقه في العدول فإن الشرط يتحقق ويزول العقد بأثر رجعي‪ ،‬واذا‬
‫انقضت المدة ولم يستعمل البائع حقه في العدول فإن الشرط يتخلف ويصبح البيع‬
‫نهائياً ‪.2‬‬

‫وتتمثل الحكمة التي من أجلها أجاز المشرع – في ظل القانون المدني‬


‫الملغي – البيع الوفائي‪ ،‬في أن البائع قد يتعرض لظروف مالية سيئة‪ ،‬فيجد نفسه‬
‫مضط اًر إلى بيع بعض ما يملك‪ ،‬وبسبب شعوره بتحسن أحواله المالية مستقبالً‪،‬‬
‫فإن ـه يتفق مع المشتري على حقه في استرداد الشيئ المبيع خالل فترة معينة إذا‬
‫هو – أي البائع – رد له الثمن والمصروفات‪ .‬فإذا حدث وتحسنت حالة البائع‬
‫المالية خالل المدة المتفق على االسترداد خاللها‪ ،‬كان له الحق في رد الثمن‬
‫والمصروفات للمشتري واسترداد المبيع منه ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪781‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.87‬‬
‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.477‬‬
‫‪ - 3‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪223‬‬
‫ثانياً‪ :‬حكم بيع الوفاء‪:‬‬

‫أجاز المشرع في القانون المدني القديم بيع الوفاء سواء كان القصد منه‬
‫إنشاء رهن للمشتري لسداد الدين أو كان الغرض منه بيعاً مع اشتراط البائع‬
‫استرداد المبيع‪ .‬غير أن المشرع في القانون المدني الحالي‪ ،‬نص على بطالن بيع‬
‫الوفاء بطالناً مطلقاً أياً كان الغرض منه ‪ ،1‬وذلك بصريح نص المادة ( ‪) 110‬‬
‫مدني‪ ،‬بقولها‪ ":‬إذا احتفظ البائع عند البيع بحق استرداد المبيع خالل مدة معينة‪،‬‬
‫وقع البيع باطالً "‪ .‬ويرجع تقرير البطالن لالعتبارات اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬يترتب على أجازة بيع الوفاء‪ ،‬عدم استقرار المراكز القانونية لطرفيه‪ .‬ألن‬
‫المبيع خالل مهلة االسترداد يعتبر مملوكاً لشخصين مختلفين في وقت واحد‪ .‬فهو‬
‫مملوك للمشتري ملكية معلقة على شرط فاسخ‪ ،‬ومملوك للبائع ملكية معلقة على‬
‫شرط واقف‪ ،‬األمر الذي ترتب عليه إحجام الناس عن التعامل في الشيء محل‬
‫هذا البيع‪ .‬ناهيك عن إهمال المشتري في المبيع وصيانته؛ لعلمه أن ملكيته له‬
‫ليست نهائية‪ ،‬وتعتبر مهددة بالزوال في أغلب الفروض ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬أن البيع الوفائي‪ ،‬يخفي في حقيقته رهناً‪ ،‬بمقتضاه يمكن التحايل على‬
‫القواعد اآلمرة في الرهن التي تقضي ببطالن كل اتفاق يجعل للدائن المرتهن الحق‬
‫عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله‪ ،‬في أن يمتلك المال المرهون مقابل ثمن‬
‫معلوم‪ .‬وهذا ما ُيعرف بشرط التملك عند عدم الوفاء‪ ،‬والذي يعتبر باطالً بطالناً‬
‫مطلقاً إذا تم االتفاق عليه بين الدائن المرتهن والمدين الراهن قبل حلول أجل‬
‫الدين‪.3‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.131‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.472‬‬
‫‪ - 3‬أنظر في ذلك‪ :‬مؤلفنا في التأمينات العينية " الرهن الرسمي‪ -‬حق االختصاص – الرهن‬
‫الحيازي – حقوق االمتياز "‪ ،‬الطبعة األولي‪ ،‬سنة ‪ ،1122‬ص ‪.71 ،71‬‬
‫‪224‬‬
‫وتوضيح ذلك‪ ،‬أن مالك العقار المبيع (أي البائع والذي هنا هو المدين‬
‫الراهن )‪ ،‬قد يضطر بسبب ظروفه المالية السيئة إلى بيع هذا العقار ( والعقار‬
‫هنا هو المال المرهون )‪ ،‬إلى المشتري ( والمشتري هنا هو الدائن المرتهن )‪،‬‬
‫مقابل ثمن معين ( والثمن هنا هو الدين المضمون بالرهن ) وغالباً ما يكون هذا‬
‫الثمن زهيداً وال يمثل القيمة الحقيقية للعقار ‪.1‬‬

‫ويتمثل وجه الخطورة هنا على البائع ( الراهن ) في أنه إذا لم يوف بثمن‬
‫المبيع ( الدين المضمون بالرهن )‪ ،‬كان من حق المشتري ( الدائن المرتهن ) أن‬
‫يتملك هذا العقار ( المال المرهون ) مقابل ثمن ال يعكس القيمة الحقيقية لهذا‬
‫العقار‪.‬‬

‫ج‪ -‬قد ُيتخذ بيع الوفاء وسيلة للتحايل على القواعد اآلمرة المتعلقة بالفوائد‪،‬‬
‫والتي تحظر االتفاق على فائدة يزيد سعرها على ‪ .% 7‬فقد يستغل المشتري‬
‫ظروف البائع وحاجته للمال ووضعه في االعتبار احتمالية استرداد البائع للمبيع‪،‬‬
‫ويذكر في عقد بيع الوفاء ثمناً أكبر من الثمن الذي دفعه المشتري ( المقرض )‪،‬‬
‫فإذا حل الموعد المتفق عليه وأراد البائع ( المقترض ) استرداد المبيع‪ ،‬وجب عليه‬
‫أن يدفع للمشتري الثمن المذكور في العقد وليس الثمن الفعلي الذي دفعه المشتري‬
‫للبائع ‪.2‬‬

‫ويعتبر بيع الوفاء باطالً أيضاً‪ ،‬إذا كان الغرض منه احتفاظ البائع بحقه في‬
‫استرداد المبيع إذا رد الثمن والمصروفات للمشتري‪ ،‬على الرغم من صحة ذلك‬
‫األمر وفقاً لما تقضي به القواعد العامة من جواز تعليق انتقال الملكية على شرط‬
‫فاسخ وهو عدول البائع عن البيع في المدة المتفق عليها أي مهلة االسترداد‪ .‬وذلك‬
‫بهدف سد جميع طرق التحايل على القانون بشأن مثل هذا البيع‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ - 2‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪225‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫بيع الحقوق المتنازع عليها‬

‫الحق المتنازع عليه هو حق قائم وموجود وجائز التعامل فيه‪ ،‬فيمكن لصاحبه‬
‫أن ينزل عنه للغير في مقابل ثمن منخفض‪ ،‬ويرجع انخفاض الثمن لوجود نزاع‬
‫قائم بشأن الحق المتنازل عنه للغير‪ .‬ويجوز للمشتري أن يشتري هذا الحق المتنازع‬
‫عليه مع علمه بذلك‪ ،‬أي أن يشتري قابالً لتحمل مخاطر ما يقدم عليه ‪.1‬‬

‫ولتوضيح فكرة بيع الحقوق المتنازع عليها نسوق المثال اآلتي‪:‬‬

‫إذا كـ ـان ( مـ ـازن ) صـ ـاحب حـ ـقاً م ـا‪ ،‬كـ ـملكية عقار مثالً‪ ،‬وحدث أن نازعه‬
‫( مالك ) في هـ ـذه الـ ـملكـ ـية برفع دعوى قضائية مدعياً ملكيته لهذا العقار‪ .‬فخشي‬
‫( مازن ) من سلوك طريق القضاء بسبب ما يدعيه ( مالك ) واحتمالية الحكم له‬
‫بما يدعي‪ ،‬لذلك قرر بيع العقار ل ـ ( حسن ) والذي اشتراه بثمن قليل يحمل معنى‬
‫المضاربة خشية أن ُيحكم لـ ( مالك ) بما يدعيه‪.‬‬

‫ففي هذا المثال يكون (حسن ) أو ( المتنازل له ) قد اشترى حقاً متنازعاً‬


‫عليه من صاحب الحق ( مازن ) أو ( المتنازل )‪ .‬فهنا يحق لمدعي ملكية العقار‬
‫المبيع ( مالك ) أو ( المسترد ) أو ( المتنازل ضده )‪ ،‬أن يسترد العقار من‬
‫المشتري ( حسن أو المتنازل له ) بشرط أن يرد له الثمن الذي دفعه ( لمازن أو‬
‫للمتنازل ) ومعه فوائده ومصروفات العقد الذي أبرمه المتنازل له مع المتنازل‪ .‬وهذا‬
‫ما ُيعرف برخصة االسترداد التي قررها القانون للمسترد في مواجهة المشتري أو‬
‫المتنازل له‪ .‬ويجوز االسترداد في جميع الحقوق سواء الشخصية أو العينية‪.‬‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.129‬‬


‫‪226‬‬
‫وتتمثل الحكمة من تقرير رخصة االسترداد‪ ،‬في منع المضاربة على الحق‬
‫المتنازع عليه وحسم النزاع بشأنه‪ .‬حيث إنه يغلب على من يشتري حقاً متنازعاً‬
‫عليه أن يكون مضارباً‪ ،‬والمضاربة ال يقدم عليها إال محترفو " الشغب القضائي "‪.‬‬
‫لذلك أعطي المشرع للمسترد هذه الرخصة في مواجهة المشتري المضارب‪ ،‬لكي‬
‫يفوت على هذا األخير قصده ويستقر مصير الحق بصورة نهائية ‪.1‬‬

‫وال ُيعمل برخصة االسترداد إال في الحالة التي يكون فيها المشتري أو‬
‫المتنازل إليه على علم بالنزاع الوارد على الحق الذي اشتراه‪ .‬أما إذا انتفى هذا‬
‫العلم من جانب المشتري‪ ،‬كأن كان جاهالً بهذا النزاع‪ ،‬فال يجوز استعمال رخصة‬
‫االسترداد في مواجهته؛ النتفاء قصد المضاربة في هذه الحالة‪.‬‬

‫ولقد عنى المشرع بتوفير أقصى حماية قانونية ألصحاب الحقوق المتنازع‬
‫عليها‪ ،‬وذلك عن طريق أمرين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬األمر األول‪ :‬ويتمثل في منح صاحب الحق المتنازع عليه‪ ،‬رخصة‬
‫استرداد هذا الحق من المشتري‪ .‬ونظم المشرع ذلك األمر في المادتين ( ‪، 114‬‬
‫‪ ) 175‬من القانون المدني‪.‬‬

‫ب‪ -‬األم ـر الثاني‪ :‬ويتمثل في الحظر الذي فرضه المشرع على بعض‬
‫األفراد ‪ -‬ممن يكون لهم عالقة بالحق المتنازع عليه – من التعامل في هذا الحق‪.‬‬
‫ونظم المشرع ذلك األمر في المادة ( ‪ ) 171‬من القانون المدني‪ ،‬والخاصة بحظر‬
‫القضاة وأعضاء النيابة وكتبة المحاكم والمحضرين من التعامل في الحق المتنازع‬
‫عليه‪ .‬وكذلك في المادة ( ‪ ) 172‬من القانون المدني‪ ،‬التي تحظر على المحامين‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪491‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.711‬‬
‫‪227‬‬
‫مثل هذا التعامل‪ .‬ولقد سبق بيان هاتين الحالتين بصدد حديثنا عن القيود التي ترد‬
‫على أهلية إبرام عقد البيع‪.‬‬

‫وترتيباً على ما تقدم‪ ،‬سنتعرض فقط لدراسة رخصة االسترداد من خالل‬


‫مبحثين‪ .‬نتناول في األول منهما شروط االسترداد وكيفيته‪ .‬وفي الثاني نتعرض‬
‫آلثار االسترداد‪.‬‬

‫المبحث الول‬

‫شروط استرداد الحق المتنازع عليه وكيفيته‬

‫سنتناول دراسة شروط االسترداد في مطلب أول‪ ،‬يعقب ذلك التعرض لكيفية‬
‫االسترداد وما يلتزم المسترد برده في مطلب ثان‪ .‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫المطلب الول‬

‫شروط استرداد الحق المتنازع عليه‬

‫بينت المادة ( ‪ ) 114‬من القانون المدني‪ ،‬الشروط التي يلزم توافرها إلعمال‬
‫رخصة االسترداد‪ .‬وتتمثل هذه الشروط فيما يلي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬وجوب أن يكون الحق متنازعاً عليه‪:‬‬

‫يكون الحق متنازعاً فيه‪ ،‬في حالتين هما‪:‬‬

‫ويشترط أن‬
‫أ‪ -‬حالة ما إذا كان موضوع الحق قد ُرفغت به دعوى قضائية‪ُ :‬‬
‫تتعلق هذه الدعوى بموضوع الحق أو أصله‪ ،‬كما إذا تعلق األمر بإنكار وجود‬
‫الحق أو إنكار مضمونه ونطاقه‪ ،‬أو إدعاء انقضائه بأي سبب‪ .‬أما إذا تعلق األمر‬
‫بمجرد وضع العراقيل في سبيل المطالبة بهذا الحق أو في سبيل مباشرة صاحب‬

‫‪228‬‬
‫الحق لحقه‪ ،‬فال يعد ذلك منازعة في الحق تجيز إعمال رخصة االسترداد‪ ،‬كما لو‬
‫اكتفى المدعى عليه بالدفع بعدم اختصاص المحكمة أو بانتفاء صفة المدعي في‬
‫الدعوى أو ببطالن صحيفة الدعوى ‪.1‬‬

‫ويظل الحق متنازعاً عليه طول مدة عرضه أمام القضاء‪ ،‬بل ولو صدر حكم‬
‫في الدعوى لم يستننفذ طرق الطعن العادية ( المعارضة واإلستئناف )‪ .‬فإذا استنفذ‬
‫الحكم طرق الطعن العادية‪ ،‬أصبح الحق غير متنازع عليه‪ ،‬مالم ُيطعن عليه‬
‫بطرق الطعن غير العادية ( النقض والتماس إعادة النظر ) وُيقبل هذا الطعن‪،‬‬
‫فهنا يعود الحق للتنازع عليه مرة أخرى ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬حالة ما إذا قام في شأن الحق نزاع جدي‪ :‬ففي هذه الحالة ال ُيشترط‬
‫رفع دعوى قضائية لكي يكون الحق متنازعاً عليه‪ ،‬بل يكفي قيام نزاع جدي بشأنه‪.‬‬
‫كأن يغتصب شخص أرض غيره‪ ،‬فيتقدم صاحب األرض بشكوى إلى الجهة‬
‫اإلدارية‪ ،‬فيدعي المغتصب ملكيته لهذه األرض‪ .‬ويستوي في هذا الشأن – في‬
‫التشريع المصري ‪ -‬أن يقع النزاع الجدي في مجلس القضاء أو خارجه‪ ،‬على‬
‫عكس المشرع الفرنسي الذي استلزم ضرورة قيام النزاع الجدي أمام القضاء ‪.3‬‬

‫وتقدير قيام النزاع وجديته وقيام الظروف والوقائع التي ُيستخلص منها قيام‬
‫النزاع‪ ،‬يعد من المسائل الموضوعية التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع دون‬
‫رقابة عليه من محكمة النقض‪ .‬غير أن تكييف الوقائع واستخالص ما إذا كانت‬
‫تؤدي إلى اعتبار الحق متنازعاً فيه أم ال‪ ،‬فهو من المسائل القانونية التي تخضع‬
‫لرقابة محكمة النقض ‪.4‬‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع سابق‪ ،‬ص ‪.498‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪111‬؛ د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.77‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 4‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.499‬‬
‫‪229‬‬
‫ثانياً‪ :‬يجب أن يكون النزول عن الحق قد تم بمقابل‪:‬‬

‫ويعني هذا الشرط ضرورة أن يكون النزول عن الحق قد تم معاوضة وليس‬


‫تبرعاً‪ .‬فإذا تم التنازل عن الحق المتنازع عليه بدون مقابل أي تبرعاً من المتنازل‬
‫إلى المتنازل له‪ ،‬فال يجوز االسترداد هنا لعدم توافر معنى المضاربة‪ .‬وهنا يثور‬
‫تساؤالن على قدر من األهمية وهما‪:‬‬

‫أ‪ -‬التساؤل الول‪ :‬هل ُيشترط في المقابل الذي يتقاضاه المتنازل من‬
‫المتنازل له أن يكون نقداً؟ أي هل يلزم أن يكون النزول عن الحق قد تم عن‬
‫طريق البيع؟‬

‫يرى بعض الفقه ضرورة أن يكون مقابل النزول عن الحق نقداً؛ تأسيساً على‬
‫صراحة المادة ( ‪ ) 114‬في أن االستراد يكون مقابل رد " الثمن "‪ ،‬وهذا األخير ال‬
‫يكون إال في البيع فقط ‪ ،‬باإلضافة إلى نظام االسترداد كله هو نظام استثنائي فال‬
‫يجوز التوسع فيه ‪.1‬‬

‫غير أن الرأي الراجح يرى أنه ال يشترط أن يكون مقابل االسرداد نقدي‪ ،‬وال‬
‫يقتصر نطاقه على البيع فقط ؛ ألن التصرف الذي يترتب عليه الحق في‬
‫االسترداد‪ ،‬هو كل تصرف يحمل معنى المضاربة‪ ،‬وغالباً ما يكون بيعاً‪ ،‬لذلك نظم‬
‫المشرع أحكام رخصة االسترداد في الفصل الخاص بالبيع‪ .‬غير أن ذلك ال يعني‬
‫اقتصار االسترداد على البيع فقط ‪ ،‬بل يجوز االسترداد سواء كان التصرف بيعاً أو‬
‫مقايضةً أو ايجا اًر؛ ومرجع ذلك هو عموم نص المادة ( ‪ ) 114‬التي نصت على‬
‫أنه ‪ ":‬إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل عنه صاحبه إلى شخص آخر ‪.2" .......‬‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪492 ،497‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.711‬‬
‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪230‬‬
‫باإلضافة إلى أن المشرع تعمد أال يعبر عن التصرف بين المتنازل والمتنازل‬
‫له بلفظ البيع وانما قال " إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل عنه صاحبه بمقابل "‪،‬‬
‫كما تجنب أن يعبر عن المتصرف إليه بلفظ المشتري وانما عبر عنه بلفظ "‬
‫المتنازل له "‪ .‬ولو كان يقصد – أي المشرع – قصر االسترداد على البيع وحده‪،‬‬
‫لعبر عن ذلك صراحة كما فعل في استرداد الحصة الشائعة وفي الشفعة ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬التساؤل الثاني‪ :‬هل ُيشترط الستعمال رخصة االسترداد في حالة البيع‪،‬‬
‫أن يكون البيع اختيارياً؟ أم أنه يجوز استعمالها في حالة البيوع القضائية؟‬

‫يرى بعض الفقه أنه ال يجوز استعمال رخصة االسترداد إال بصدد البيوع‬
‫االختيارية دون البيوع اإلجبارية؛ ألن نص المادة يقول " نزل عنه صاحبه " وهذا‬
‫أمر ال يمكن تفسيره أو انطباقه إال على البيوع االختيارية‪ .‬باإلضافة إلى أنه في‬
‫حالة البيوع القضائية يكون الباب مفتوحاً أمام الجميع‪ ،‬مما يعني انتفاء شبهة‬
‫المضاربة واالستغالل لدى الراسي عليه المزاد‪ .‬ناهيك عن أن أجازة االسترداد في‬
‫البيوع القضائية‪ ،‬سيترتب عليه إحجام الناس عن الدخول في المزاد ‪.2‬‬

‫غير أن الرأي الراجح‪ ،‬انتهى إلى جواز االسترداد في كل أنواع البيوع‪،‬‬


‫اختيارية كانت أو قضائية؛ وذلك لعموم نص المادة ( ‪ ،) 114‬والتي لم تميز بين‬
‫نوعي البيوع‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬يجب أن يكون النزاع معلوماً للمشتري‪:‬‬

‫ويعني هذا الشرط أن يكون المشتري عالماً بأنه يشتري حقاً متنازعاً‬
‫عليه‪.‬حيث إنه ال ُيعمل برخصة االسترداد في الحالة التي يكون فيها المشتري أو‬
‫المتنازل له ال يعلم بالنزاع الوارد على الحق الذي اشتراه‪ .‬وعلى ذلك إذا انتفى هذا‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.494‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.492‬‬
‫‪231‬‬
‫العلم من جانب المشتري‪ ،‬فال يجوز استعمال رخصة االسترداد في مواجهته؛‬
‫النتفاء قصد المضاربة في هذه الحالة‪ .‬وعبرت عن ذلك مذكرة المشروع التمهيدي‬
‫بقولها " في الفروض التي تنتفي فيها المضاربة ينتفي حق االسترداد " ‪.1‬‬

‫رابعاً‪ :‬أال يتعلق المر بحالة من الحاالت التي منع المشرع االسترداد فيها‪:‬‬

‫حظرت المادة ( ‪ ) 175‬من القانون المدني‪ ،‬إعمال رخصة االسترداد في‬


‫بعض الحاالت؛ وذلك النتفاء معنى المضاربة فيها‪ ،‬وتتمثل هذه الحاالت فيما‬
‫يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬حالة ما إذا كان الحق المتنازع عليه داخالً ضمن مجموعة أموال بيعت‬
‫جزافاً بثمن واحد‪ :‬وخير مثال على ذلك هو حالة بيع التركة‪ ،‬فإذا كانت هذه‬
‫األخيرة مشتملة على عقار ينازع الغير في ملكية المورث له‪ ،‬فال يجوز االسترداد؛‬
‫إلنتفاء قصد المضاربة لدي المشتري؛ حيث إنه لم يشتر الحق المتنازع عليه لذاته‬
‫بل باعتباره عنص اًر من عناصر االستحقاق في التركة التي ورد عليها البيع ‪.2‬‬

‫غير أن منع االسترداد هنا مشروط بأن يكون الحق المتنازع عليه قد تم بيعه‬
‫وحدد الثمن فيه‬
‫ضمن مجموعة أموال بيعت جزافاً بثمن واحد‪ ،‬ولكن إذا تم البيع ُ‬
‫على أساس مفردات هذا المال‪ ،‬جاز االسترداد هنا؛ ألن الحق لم يفقد ذاتيته في‬
‫هذه الحالة ‪.3‬‬

‫ب‪ -‬حالة ما إذا كان الحق المتنازع عليه شائعاً بين ورثة أو مالك وباع‬
‫أحدهم نصيبه لآلخر‪ :‬فهنا ال يجوز االسترداد تأسيساً على انتفاء قصد المضاربة‪.‬‬
‫ويظهر هذا اإلنتفاء في أن الغرض من هذا البيع غالباً ما يهدف إلى تقليل عدد‬

‫‪ - 1‬مجموعة األعمال التحضيرية‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬ص ‪.115‬‬


‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪229‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.498‬‬
‫‪ - 3‬د رمضان أبو السعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪232‬‬
‫الشركاء المشتاعين‪ ،‬لذلك يضطر المشتري للشراء بحكم اشتراكه في الميراث أو في‬
‫الشيوع حتى يمنع دخول شريك جديد‪ .‬باإلضافة إلى أنه لو أُجيز استعمال رخصة‬
‫االسترداد في هذه الحالة‪ ،‬فلن يؤدي ذلك إلى حسم النزاع‪ ،‬حيث سيبقى هذا‬
‫األخير قائماً بالنسبة للنصيب األصلي للمشتري ‪.1‬‬

‫غير أن حظر االسترداد هنا مشروط بأن يكون الحق المتنازع عليه شائعاً‬
‫بين مجموعة ورثة أو مجموعة مالك على الشيوع‪ .‬ويلزم أيضاً‪ ،‬أن يتم البيع من‬
‫أحد الورثة أو أحد المالك لوارث آخر أو شريك آخر‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فإذا تم البيع‬
‫ألجنبي‪ ،‬جاز إعمال رخصة االسترداد من قبل المتنازل ضده أو المسترد‪.2‬‬

‫وفاء للدين‬
‫ً‬ ‫ج‪ -‬حالة ما إذا نزل المدين للدائن عن حق متنازع عليه‬
‫المستحق في ذمته‪ :‬فهنا ُيعلل حظر االسترداد؛ ألن غالباً ال يقصد الدائن من هذا‬
‫الشراء المضاربة بقدر ما يكون هدفه هو الحصول على دينه بشرائه الحق المتنازع‬
‫عليه‪ .‬فالدائن يستوفي حقه أكثر مما يشتري حقاً متنازعاً عليه‪ ،‬وذلك على حد‬
‫تفسير المذكرة اإليضاحية لحظر االسترداد في هذه الحالة ‪.3‬‬

‫د‪ -‬حالة ما إذا كان الحق المتنازع عليه يثقل عقا ارً وبيع الحق لحائز‬
‫العقار‪ :‬والفرض هنا أن شخصاً اكتسب ملكية عقار مرهون‪ ،‬وتفادياً لنزع ملكيته‪،‬‬
‫قام بشراء الحق المضمون بهذا الرهن ليطهر العقار منه – أي من الرهن ‪ . -‬وفي‬
‫هذه الحالة ال يجوز االسترداد؛ ألن غرض الحائز من الشراء ليس المضاربة ولكن‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.718‬‬


‫‪ - 2‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.718‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪114‬؛ مجموعة األعمال التحضيرية‪ ،‬الجزء‬
‫الرابع‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪233‬‬
‫تفادي رجوع الدائن المرتهن عليه‪ ،‬لذلك ال يجوز للمدين الراهن أن يتخلص من‬
‫الدين باسترداده عن طريق رد الثمن والفوائد والمصاريف‪.1‬‬

‫فعلى سبيل المثال‪ :‬إذا كان ( مازن ) دائناً لـ ( مالك ) بمبلغ خمسة آالف‬
‫ج ـ ـنيهاً‪ ،‬وك ـ ـان ه ـذا ال ـ ـدين مـ ـ ـتن ـ ـازعاً عـ ـ ـليه وم ـ ـضموناً بـ ـرهن على عقار مملوك لـ‬
‫( مالك ) باعـ ـ ـتباره م ـديناً راهـ ـ ـ ـناً‪ ،‬ثم قـ ـ ـ ـام ه ـ ـذا األخـ ـ ـير ب ـ ـبيع العقار المرهون إلى‬
‫( حسن ) أو ( حائز العقار المرهون )‪ .‬فإذا اشترى ( حسن ) الحق المضمون‬
‫بالرهن من ( مازن ) بمبلغ أربعة آالف جنيهاً‪ ،‬فال يحق لـ ( مالك ) استرداده منه‬
‫– أي من حسن – ودفع المبلغ الذي بيع به الحق؛ ألن ( حسن ) باعتباره حائ اًز‬
‫للعقار المرهون لم يكن يهدف من شراء الحق أن يضارب به‪ ،‬ولكنه قصد تفادي‬
‫رجوع الدائن المرتهن عليه وتخليص عقاره من الرهن الذي يثقله‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫كيفية االسترداد وما يلتزم به المسترد‬

‫أوالً‪ :‬كيفية االسترداد‪:‬‬

‫ي ـتم است ـ ـرداد الح ـ ـق المـ ـ ـتنازع علـ ـ ـيه‪ ،‬ع ـن طريق طلب يوجهه المتنازل ضده‬
‫( المسترد ) إلى المتنازل له ( المشتري )‪ ،‬يبين له فيه رغبته في استرداد الحق‬
‫المتنازل عنه‪ .‬وتختلف طريقة تقديم هذا الطلب بحسب ما إذا كان هناك دعوى‬
‫قضائية مرفوعة بشأن هذا الحق أم ال‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬نفرق في هذا الشأن بين‬
‫فرضين هما‪:‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪281‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪234‬‬
‫أ‪ -‬الفرض الول‪ :‬إذا لم يكن هنا دعوى مرفوعة بشأن الحق المتنازع عليه‪،‬‬
‫وانما يوجد بشأنه نزاع جدي‪ :‬وهنا ُيقدم طلب االسترداد في صورة إعالن يوجهه‬
‫المتنازل ضده إلى المتنازل له‪ .‬ويتم اإلعالن في أية صورة يعبر فيها المتنازل‬
‫ضده عن رغبته في االسترداد‪ .‬وال ينتج هذا اإلعالن أثره إال من وقت وصوله إلى‬
‫علم المتنازل له ‪.1‬‬

‫ب‪ -‬الفرض الثاني‪ :‬إذا كان هناك دعوى مرفوعة بشأن الحق المتنازع عليه‪:‬‬
‫وهنا إذا كانت هناك دعوى قائمة بين المتنازل والمتنازل ضده حول الحق المتنازع‬
‫عليه للفصل في هذا النزاع‪ ،‬وكان الدائن قد تنازل عن هذا الحق‪ ،‬كان للمتنازل له‬
‫أن يتدخل في الدعوى طالباً الحكم له بحقه الذي اشتراه‪ ،‬ويتم ذلك بالطريق العادي‬
‫الذي يحصل به التدخل‪ .‬ففي هذه الحالة يجوز للمتنازل ضده أن يطالب باسترداد‬
‫الحق موجهاً طلبه إلى المتنازل له ال إلى المتنازل‪ .‬ويحق للمتنازل ضده في هذه‬
‫الحالة أيضاً أن يدخل المتنازل له في الدعوى القائمة بينه وبين المتنازل ويطالبه‬
‫فيها باسترداد الحق‪.‬‬

‫وأحياناً يحدث‪ ،‬أن يرفع المتنازل له دعوى على المتنازل ضده يطالبه فيها‬
‫بالحق الذي اشتراه‪ ،‬فهنا يجوز للمتنازل ضده أن يطلب االسترداد‪ ،‬على النحو‬
‫الذي يبدى به الطلبات طبقاً لما يقضي به القانون ‪.2‬‬

‫وفي هذا الفرض الثاني‪ُ ،‬يشترط أن يكون طلب االسترداد هو الطلب‬


‫األصلي‪ .‬أما إذا كان هذا األخير هو الحكم بعدم ثبوت الحق أو بانقضائه أو‬
‫ببطالن التنازل عنه ولم ُيطلب االسترداد إال بصفة احتياطية‪ ،‬فال يصح قبول طلب‬
‫االسترداد ‪ .3‬وذلك ألن الغرض من المنازعة هو االسترداد وهذا الغرض ال يتحقق‬

‫‪ - 1‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪721‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.111‬‬
‫‪ - 2‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.722‬‬
‫‪ - 3‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.711‬‬
‫‪235‬‬
‫إذا ما نازع المسترد أوالً في ثبوت الحق أو انقضائه أو بطالن التنازل عنه ثم‬
‫تمسك بعد ذلك باالسترداد ‪.1‬‬

‫وفي ج ـ ـمي ـ ـع األحـ ـ ـوال‪ ،‬يـ ـ ـج ـ ـب أن يـ ـ ـوجـ ـ ـه ط ـ ـلب االسترداد إلى المتنازل له‬
‫( المشتري ) وحده؛ ألنه هو فقط الخصم في االسترداد‪ .‬ولم يشترط القانون ميعاد‬
‫معين يلزم أن يتم إعالن الرغبة في االسترداد خالله‪ ،‬لذلك يظل استعمال رخصة‬
‫االسترداد قائماً ما دام الحق موضوع االسترداد متنازعاً عليه‪ ،‬إلى أن يسقط الحق‬
‫في االسترداد نفسه بالتقادم بمرور خمس عشرة سنة من وقت نشوئه أي من وقت‬
‫التنازل عنه أو بيعه إلى المشتري أو المتنازل له ‪.2‬‬

‫وي ـ ـ ـكفي لثبوت الحق في االسترداد – وفقاً للرأي الذي نرجحه في هذه‬
‫المسألة – أن يعلن المسترد المتنازل له برغبته في االسترداد دون أن ُيقترن‬
‫االسترداد بدفع المبالغ التي يلزمه بها القانون‪ ،‬ودون أن يعرضها عليه عرضاً‬
‫حقيقياً أو يودعها خزانة المحكمة‪ .‬ويرجع ذلك لسببين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن المتنازل ضده أو المسترد وهو المدين الذي يباشر االسترداد ليس‬
‫مديناً للمتنازل له‪ ،‬ولكنه يستعمل حق يخوله إياه القانون‪ .‬واذا كانت مباشرته لهذا‬
‫الحق تفرض عليه القيام ببعض التزامات يقررها القانون كدفع الثمن وفوائده‬
‫والمصروفات األخرى‪ ،‬إال أن المسترد ال يلتزم بهذه األمور إال إذا تقرر الحق في‬
‫االسترداد ‪.3‬‬

‫ب‪ -‬أن المشرع لو أراد تعليق المطالبة باالسترداد على دفع المبالغ التي يلزم‬
‫القانون المسترد بدفعها أو عرضها عرضاً حقيقياً أو إيداعها خزانة المحكمة‪ ،‬لنص‬
‫على ذلك بصورة صريحة‪ ،‬كما هو منصوص عليه في حالة األخذ بالشفعة‪.‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.712‬‬
‫‪ - 3‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.725 ،721‬‬
‫‪236‬‬
‫ثانياً‪ :‬ما يلتزم المسترد بدفعه‪:‬‬

‫طبقاً لما هو وارداً في المادة ( ‪ ) 1/114‬من القانون المدني‪ ،‬فإن‬


‫المسترد يلتزم بأن يدفع إلى المتنازله المبالغ التي حددها القانون بمقتضي نص‬
‫المادة المذكورة‪ .‬فيلتزم المسترد بدفع الثمن الحقيقي الذي دفعه المتنازل له بصورة‬
‫فعلية لصاحب الحق المتنازع عليه مقابل نزوله عن هذا الحق‪ .‬فإذا كان الثمن‬
‫المذكور في عقد التنازل صورياً‪ ،‬جاز للمتنازل ضده إثبات الثمن الحقيقي بكافة‬
‫طرق اإلثبات بما فيها البينة والقرائن ‪.1‬‬

‫وباإلضافة إلى الثمن الحقيقي‪ ،‬يلتزم المسترد أيضاً بدفع فوائد هذا الثمن‬
‫من التاريخ الذي دفعه فيه المتنازل له إلى المتنازل‪ ،‬وليس من تاريخ المطالبة‬
‫القضائية‪ ،‬كما تقضي بذلك القواعد العامة‪ .‬ويلتزم المسترد كذلك بدفع المصروفات‬
‫التي صرفها المتنازل له سواء في سبيل إبرام عقد التنازل ومصاريف السمسرة‬
‫والتسجيل وأتعاب المحامي‪ ،‬أو المصروفات التي تحملها المتنازل له في الدعاوى‬
‫التي رفعها ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ - 2‬د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.724‬‬
‫‪237‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫آثار استرداد الحق المتنازع عليه‬

‫يترتب على استرداد الحق المتنازع عليه‪ ،‬وجود ثالث عالقات قانونية‪.‬‬
‫األولي بين المسترد والمتنازل له‪ ،‬والثانية بين المتنازل والمتنازل له‪ ،‬والثالثة بين‬
‫المتنازل والمسترد‪ .‬وذلك على التوضيح اآلتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬آثار االسترداد في العالقة بين المسترد أو المتنازل ضده والمتنازل له‪:‬‬

‫يرى بعض الفقه أن العالقة بين المسترد والمتنازل له‪ ،‬تؤسس على اعتبار‬
‫األول خلفاً خاصاً للثاني‪ ،‬حيث إن المسترد يشتري الحق المتنازع عليه من‬
‫المتنازل له‪ .‬ويترتب على هذا التكييف‪ ،‬سريان كافة التصرفات التي قد أبرمهما‬
‫المتنازل له في الفترة ما بين شراء الحق المتنازع عليه وبين استرداده في مواجهة‬
‫المسترد ‪.1‬‬

‫بينما يؤسس الرأي الراجح في الفقه هذه العالقة على قواعد الحلول‪ ،‬أي أن‬
‫المسترد يحل محل المتنازل له بأثر رجعي‪ ،‬بما يعني أن المشتري أو المتنازل له‬
‫لم يكن مشترياً للحق المتنازع عليه في يوم من األيام‪ .‬ويترتب على هذا التكييف‪،‬‬
‫أن جميع التصرفات والحقوق التي رتبها المتنازل له للغير على الحق المتنازل عنه‬
‫في الفترة مابين الشراء أو النزول واالسترداد‪ ،‬تزول بأثر رجعي وال ُيحتج بها في‬
‫مواجهة المسترد ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.151‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪151‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪727‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪715‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪238‬‬
‫ثانياً‪ :‬آثار االسترداد في العالقة بين المتنازل والمتنازل له‪:‬‬

‫وفقاً إلعمال فكرة حلول المسترد محل المتنازل له – وفقاً للرأي الراجح ‪، -‬‬
‫فإن ذمة المشتري أو المتنازل له تب أر في مواجهة البائع أو المتنازل‪ .‬غير أن‬
‫أنصار هذه الفكرة أنفسهم‪ ،‬تحفظوا بشأن أثر هذا الحلول في العالقة بين المتنازل‬
‫والمتنازل له‪ ،‬أي أن االسترداد ال يؤثر علي عالقتهما‪ .‬وهذا األمر يترتب عليه‪،‬‬
‫أحقية البائع أو المتنازل في مطالبة المتنازل له بالثمن وااللتزامات األخرى الناشئة‬
‫عن عقد البيع أو عقد التنازل‪.‬‬

‫واذا كان المتنازل له ال يستطيع الرجوع على البائع بالضمان في الحالة التي‬
‫ينتزع فيها المسترد المبيع منه؛ فذلك ألنه – أي المشتري أو المتنازل له – قد‬
‫اشترى ساقط الخيار؛ لكونه كان على علم بالنزاع حول الحق الذي اشتراه‪ ،‬مالم‬
‫يكن المتنازل له جاهالً بهذا النزاع‪ ،‬األمر الذي يخول له حق الرجوع على المتنازل‬
‫بالضمان والتعويض ‪.1‬‬

‫ثالثاً‪ :‬آثار االسترداد في العالقة بين المتنازل والمسترد‪:‬‬

‫ال يترتب على االسترداد نشوء عالقة مباشرة بين المتنازل والمسترد؛ فهذا‬
‫األخير ال يتلقى الحق من المتنازل ولكنه يتلقاه من المتنازل له‪ .‬وهذا األمر يترتب‬
‫عليه عدم جواز مطالبة المتنازل للمسترد مباشرة بالثمن إذا لم يكن المتنازل له –‬
‫أي المشتري ‪ -‬قد أداه له‪ ،‬وان كان يجوز للمتنازل الرجوع على المسترد مستعمالً‬
‫في ذلك حقوق مدينه – أي المتنازل له – وبقدر ما لهذا المدين من حقوق ‪.2‬‬

‫ويعد هذا الحكم تحفظاً آخر على إعمال فكرة الحلول في العالقة بين المسترد‬
‫والمتنازل له‪ .‬ألن إعمال هذه الفكرة وفقاً للقواعد العامة‪ ،‬يقتضي أن يحل المسترد‬

‫‪ - 1‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.714 ،715‬‬


‫‪ - 2‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪239‬‬
‫محل المتنازل له في عالقة هذا األخير بالمتنازل‪ .‬بمعنى أنه يحق للمتنازل أو‬
‫البائع مطالبة المسترد بالثمن إذا لم يكن المتنازل له أو المشتري قد وفاه له‪ .‬وبعبارة‬
‫أخرى‪ ،‬تنشأ عالقة مباشرة بين المسترد والمتنازل‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫بــــــيــــــع الــــــتــــــركـــــة‬

‫لقد تناول المشرع تنظيم بيع التركة في المواد من ( ‪ ) 171 – 173‬من‬


‫وبناء على هذا التنظيم سنتعرض لبيان األحكام القانونية لبيع‬ ‫ً‬ ‫القانون المدني‪.‬‬
‫التركة من خالل‪ ،‬تحديد المقصود بهذا البيع ( أوالً )‪ .‬وتحديد التزامات البائع في‬
‫بيع التركة ( ثانياً )‪ .‬وتحديد التزامات المشتري في بيع التركة ( ثالثاً )‪ .‬وذلك على‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬المقصود ببيع التركة‪:‬‬

‫بيع التركة‪ ،‬هو ذلك البيع الذي يبيع فيه الوارث جملة ما يؤول إليه من مورثه‬
‫أو بعضه جزافاً وبثمن واحد‪ ،‬دون تفصيل لمشتمالت هذه التركة‪ ،‬ودون تحديد ثمن‬
‫كل مال من األموال التي تشتمل عليها التركة ‪.1‬‬

‫وبيع التركة ال يكون إال بعد وفاة المورث وثبوت الحق في الميراث‪ .‬أما إذا‬
‫حدث بيعاً قبل وفاة المورث‪ ،‬كان مصيره البطالن المطلق؛ لكونه تصرف في تركة‬
‫انسان على قيد الحياة ‪ .2‬ويجب أال يكون المبيع ماالً معينا من أموال التركة أو‬
‫عدداً آخر من هذه األموال بصورة محددة؛ ألنه لو كان كذلك لما كان بيعاً لتركة‬
‫وانما بيعاً عادياً وتنطبق عليه األحكام العامة في عقد البيع‪.‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.151‬‬


‫‪ - 2‬المادة ‪ 212‬من القانون المدني‪.‬‬
‫‪240‬‬
‫ثانياً‪ :‬التزامات البائع في بيع التركة‪:‬‬

‫أ‪ -‬التزام البائع بنقل الملكية‪ :‬ويتمتع هذا االلتزام بخصوصية تميزة عن‬
‫االلتزام بنقل الملكية في البيوع العادية؛ وذلك ألن في حالة بيع التركة ال يكون‬
‫المبيع واحداً أو شيئاً محدداً حتى يتسنى لنا القول بطريقة نقل ملكيته‪ ،‬بل هو –‬
‫أي المبيع – مجموع من الحقوق ويحتفظ كل حق بكيانه‪.‬‬

‫لذلك فإن التزام البائع في بيع التركة بنقل الملكية يجب أن تُراعى فيه‬
‫اإلجراءات القانونية الالزمة لنقل الملكية إلى المشتري‪ .‬وتتحدد طريقة هذا النقل‬
‫على حسب نوع المبيع‪ .‬فإذا كان هذا األخير منقوالً معيناً بالذات‪ ،‬فإن ملكيته تنتقل‬
‫بمجرد العقد‪ .‬واذا كان المبيع معيناً بنوعه‪ ،‬فإنها تعتبر معينة بالذات ألن بيع‬
‫التركة هو بيع جزاف تنتقل به ملكية المنقوالت المادية بمجرد العقد سواء كانت‬
‫معينة بالذات أو بالنوع ‪.1‬‬

‫واذا كان المبيع حقاً شخصياً وبيع بالحوالة‪ ،‬فإن هذا الحق ينتقل فيما بين‬
‫المتعاقدين بمجرد العقد‪ .‬وال ُيحتج بهذا االنتقال على المدين إال بقبوله لهذه الحوالة‬
‫أو إعالنه بها‪ .‬أما بالنسبة للغير‪ ،‬فال ُيحتج عليه بانتقال الحق إال بإعالن المدين‬
‫بالحواله أو قبوله لها قبوالً ثابت التاريخ ‪ .2‬واذا كان المبيع عقا اًر‪ ،‬فلن تنتقل ملكيته‬
‫سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير إال بالتسجيل‪ ،‬وذلك على النحو الذي‬
‫بيناه في موضعه‪.‬‬

‫وتتحدد مشتمالت التركة بوقت وفاة المورث وليس بوقت البيع ‪ .3‬وعلى‬
‫ذلك إذا استوفى البائع في الفترة ما بين الوفاة والبيع‪ ،‬بعض ديون التركة أو باع‬

‫‪ - 1‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.517‬‬


‫‪ - 2‬المادة ‪ 114‬من القانون المدني‪.‬‬
‫‪ - 3‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫‪241‬‬
‫شيئاً مما اشتملت عليه‪ ،‬وجب عليه أن يرد للمشتري ما استولى عليه مالم يوجد‬
‫اتفاق في عقد البيع يشترط صراحة عدم الرد ‪.1‬‬

‫واجماالً لما تقدم‪ ،‬فإن التزام البائع بنقل الملكية في بيع التركة‪ ،‬يشمل جميع‬
‫أع يان التركة الموجودة وقت البيع‪ ،‬وثمن ما باعه الوارث من قبل‪ ،‬وقيمة الديون‬
‫التي استوفاها‪ ،‬وما حصل عليه من ثمار أموال التركة من وقت وفاة المورث‪،‬‬
‫وكذلك التعويضات التي حصل عليها عن الضرر الذي أحدثه الغير بأموال‬
‫التركة‪ ،‬وما تبرع به البائع من أموال التركة‪ .‬بشرط أال يوجد اتفاق صريح في عقد‬
‫البيع يقضي باسقاط أياً من األشياء السابقة من التزام البائع بنقل الملكية ‪.2‬‬

‫ب‪ -‬التزام البائع بتسليم المبيع‪ :‬تظهر خصوصية االلتزام بتسليم المبيع‬
‫في حالة بيع التركة‪ ،‬في أن البائع يلتزم بتسليم التركة بالحالة التي كانت عليها‬
‫وقت وفاة المورث أو وقت افتتاحها‪ ،‬وليس بالحالة التي كانت عليها وقت العقد‬
‫طبقاً للقواعد العامة في عقد البيع ‪.3‬‬

‫ج‪ -‬التزام البائع بضمان المبيع‪ :‬يتميز التزام البائع بالضمان في بيع‬
‫التركة عن التزامه به في البيوع العادية‪ .‬حيث إن البائع في بيع التركة ال يضمن‬
‫أعيان التركة نفسها سواء من حيث وجودها أو وجود حقوق معينة بها‪ ،‬بل كل ما‬
‫يضمنه هو‪ ،‬وجود تركة مفتوحة‪ ،‬وثبوت صفته باعتباره وارثاً فيها‪ ،‬وأن نصيبه في‬
‫هذه التركة هو النصيب المعين في العقد؛ وذلك ألن البائع هنا ال يبيع أمواالً‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 524‬من القانون المدني‪.‬‬


‫‪ - 2‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.518‬‬
‫‪ - 3‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪518‬؛ د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫‪242‬‬
‫محددة بل يبيع ما يخصه في التركة باإلرث ‪ .1‬وذلك على عكس االلتزام بالضمان‬
‫في البيوع العادية‪.‬‬

‫غ ـ ـير أن ال ـ ـح ـ ـكم الـ ـ ـمتـ ـ ـقدم ال يت ـعلق بالنظام العام وفقاً لما جاء في المادة‬
‫( ‪ ) 173‬مدني‪ .‬بمعني أنه يجوز االتفاق على أن يضمن البائع في بيع التركة‪،‬‬
‫وجود مال أو حق معين‪ ،‬بحيث إذا لم يوجد هذا المال أو الحق‪ ،‬كان بائع مخالً‬
‫بالتزامه ومن ثم وجب عليه الضمان‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التزامات المشتري في بيع التركة‪:‬‬

‫وفقاً لما نصت عليه المادة ( ‪ ) 171‬من القانون المدني‪ ،‬فإن المشتري‬
‫يلتزم بدفع ثمن المبيع وفوائده ومصروفات البيع وتكاليف المبيع‪ .‬ويلتزم أيضاً بأن‬
‫يتسلم المبيع في الزمان والمكان المحددين لذلك‪ .‬وذلك وفقاً للقواعد العامة في عقد‬
‫البيع‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى ما تقدم‪ ،‬فإن المشتري يلتزم بأن يرد إلى البائع ما قد يكون‬
‫وفاه هذا األخير من ديون على التركة؛ وذلك ألن المبيع في بيع التركة‪ ،‬يتحدد‬
‫بصافي نصيب الوارث في التركة بعد خصم ما عليها من ديون‪ .‬واذا كان البائع‬
‫دائناً للمورث‪ ،‬تحمل المشتري نصيب الحصة المبيعة في هذا الدين‪ ،‬ويحق للبائع‬
‫أن يخصمه من المبيع‪ .‬مالم يتفق المتعاقدين على غير ذلك ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪154‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.721‬‬
‫‪ - 2‬د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.721‬‬
‫‪243‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫البيع في مرض الموت‬

‫يقتضي التعرض لدراسة البيع في مرض الموت‪ ،‬أن نحدد تعريف المريض‬
‫مرض الموت ( أوالً )‪ .‬وبيان حكم تصرفات المريض مرض الموت ( ثانياً )‪.‬‬
‫ووضع الغير حسن النية من تصرفات المريض مرض الموت ( ثالثاً )‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف المريض مرض الموت‪:‬‬

‫عرف فقهاء الشريعة اإلسالمية مرض الموت بأنه ‪ ":‬المرض الذي يكون‬
‫المريض به عاج اًز عن القيام بمصالحه وقضاء حاجاته خارج المنزل إن كان رجالً‬
‫أو داخل المنزل إن كان إمرأة‪ ،‬ويغلب فيه الهالك‪ ،‬ويتصل به الموت ولو بسبب‬
‫آخر غير المرض‪ ،‬سواء ألزمه الفراش أو لم يلزمه " ‪.1‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬فإنه ُيشترط العتبار المرض مرض موت‪ ،‬أن يكون من‬
‫األمراض التي يغلب فيها الهالك‪ ،‬هذا من ناحية‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬أن يتصل‬
‫الموت بهذا المرض بالفعل حتى ولو لم يكن الموت من هذا المرض بل كان نتيجة‬
‫حادث آخر مثل الحريق أو الغرق أو القتل ‪ . 2‬ألن العبرة هنا بالحالة النفسية التي‬
‫تلحق بالمريض بسبب علمه بمرضه الذي يغلب عليه الهالك‪ ،‬وليس بسبب‬
‫الموت‪.‬‬

‫‪ - 1‬األستاذ عمر عبدهللا‪ ،‬أحكام الشريعة اإلسالمية في األحوال الشخصية؛ مشار إلية في‪ /‬د‬
‫توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.714‬‬
‫‪ - 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 121‬وما بعدها؛ د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪225‬؛ د توفيق حسن فرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪714‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪244‬‬
‫وال يلزم لكي يكون المرض مرض موت‪ ،‬أن يعجز صاحبه عن القيام‬
‫بمصالحه خارج البيت أو داخله‪ ،‬بل يكفي أن يكون المرض من األمراض التي‬
‫تسبب الموت عادة كالسرطان والذبحة الصدرية‪ .‬ويجب أن يعلم المريض بهذا‬
‫المرض؛ ألن المعول عليه كما ذكرنا هو ما يبعثة المرض من حالة نفسية في‬
‫نفس المريض تشعره بدنو أجله على نحو ال يجعله مدركاً لتصرفاته‪ .‬ويلحق‬
‫بالمرض من هذه الناحية كل خطر يحيط بالشخص ويجعل موته قريب االحتمال‬
‫كالمحكوم عليه باإلعدام والراكب في سفينة على وشك الغرق ‪.1‬‬

‫والمرجع في تقدير غلبة الهالك على مرض الشخص‪ ،‬هو رأي أهل الخبرة‬
‫من األطباء‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬فإن القضاء يجري على نفي غلبة الهالك على مرض‬
‫الشخص‪ ،‬إذا أُزمن هذا الشخص وظل على حاله دون أن يشتد ألكثر من سنة‪،‬‬
‫بحيث إذا مات المريض بعد أكثر من سنة من بدء مرضه هذا الذي لم يشتد‪ ،‬فال‬
‫يعتبر أنه مات في مرض موته‪ ،‬وال يعتبر تصرفه خالل هذا المرض تصرفاً في‬
‫مرض الموت‪ .‬غير أن إذا اشتد المرض بعد ذلك حتى انتهى بالموت فعالً قبل‬
‫انقضاء سنة من اشتداده‪ ،‬اُعتبر ذلك مرض موت‪ ،‬ويعد التصرف الذي صدر بعد‬
‫اشتداده تصرفاً في مرض الموت ‪.2‬‬

‫وال تثور مسألة بحث تصرفات المريض مرض الموت‪ ،‬إال بعد حدوث الموت‬
‫بالفعل‪ ،‬أما قبل ذلك فتصرف الشخص سليم وال يجوز الطعن عليه ‪.3‬‬

‫وعلى الرغم من أن مرض الشخص ال يؤثر على سالمة أهليته‪ ،‬إال أن‬
‫المشرع أجاز للورثة الطعن على تصرفات مورثهم التي تحدث في مرض موته؛‬
‫صيانة لحقوقهم التي تتعلق بأموال مورثهم بمجرد وفاته بسبب مرض الموت‪.‬‬

‫‪ - 1‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.224 ،225‬‬


‫‪ - 2‬د سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪224‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.724‬‬
‫‪ - 3‬د سمير عبدالسيد تناغو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.522‬‬
‫‪245‬‬
‫ومبرر ذلك‪ ،‬هى الحالة النفسية التي يكون فيها المريض المشرف على الهالك‬
‫والذي ال أمل في شفائه‪ ،‬على نحو يدفعه إلجراء بعض التصرفات التي قد تضر‬
‫بالورثة ‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬حكم تصرفات المريض مرض الموت‪:‬‬

‫جاء التنظيم التشريعي لتصرفات المريض مرض الموت‪ ،‬في المواد ( ‪، 177‬‬
‫‪ ) 174 ، 411‬من القانون المدني‪ .‬ومن مجمل هذه النصوص‪ ،‬نفرق بين‬
‫تصرفات المريض التي تتم تبرعاً‪ ،‬وبين تصرفاته التي تتم معاوضة‪:‬‬

‫‪ -1‬بالنسبة لحكم تصرفات المريض مرض الموت التي تتم تبرعاً‪ :‬وهذه‬
‫التصرفات تعتبر مضافة إلى ما بعد الموت وتسري عليها أحكام الوصية‪ .‬وتقضي‬
‫هذه األحكام بأنه ال يجوز أن تتجاوز قيمة هذه التصرفات ثلث التركة‪ .‬أما إذا‬
‫جاوزت الثلث‪ ،‬فال يسري هذا التجاوز في حق الورثة مالم يقروه‪ .‬وذلك على أساس‬
‫أن الحد األقصى المسموح للشخص اإليصاء به من تركته هو الثلث فقط ‪.‬‬

‫‪ -5‬بالنسبة لحكم تصرفات المريض مرض الموت التي تتم معاوضة‪ :‬فإذا‬
‫أجرى المريض تصرفاً وأخذ مقابالً من المتصرف إليه‪ ،‬ولم يطعن الورثة على هذا‬
‫التصرف كان صحيحاً‪ .‬أما إذا أدعى الورثة بأن التصرف كان تبرعاً وليس‬
‫معاوضة‪ ،‬فيكفيهم لصحة هذا اإلدعاء أن يثبتوا أن تصرف مورثهم إلى الغير قد‬
‫صدر منه في مرض موته‪ .‬فإذا نجحوا في ذلك‪ ،‬اُعتبر التصرف تبرعاً‪ ،‬وتسري‬
‫عليه أحكام الوصية وال يسري في مواجهتهم إال في حدود ثلث التركة‪.‬‬

‫ويحق للورثة إثبات ذلك بكل طرق اإلثبات بما في ذلك البينة والقرائن‪.‬‬
‫وتيسي اًر من المشرع على الورثة في مسألة صدور التصرف في مرض الموت‪ ،‬قرر‬

‫‪ - 1‬د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪246‬‬
‫بأنه ال ُيحتج عليهم بتاريخ السند المثبت للتصرف إال إذا كان هذا السند ثابت‬
‫التاريخ‪ .‬كل ذلك على النحو الذي بينته المادة ( ‪ ) 411‬من القانون المدني‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن نجاح الورثة في إثبات أن التصرف الصادر من مورثهم‬


‫كان في مرض موته يكفي العتباره – أي التصرف – من أعمال التبرعات‪ ،‬إال أن‬
‫ذلك األمر ما هو إال مجرد قرينة قانونية بسيطة‪ ،‬ويجوز لمن صدر له التصرف‬
‫من المورث أو المتصرف إليه‪ ،‬أن يثبت عكسها بأن التصرف الصادر له كان‬
‫مـ ـ ـعاوضة ول ـ ـيس تـ ـ ـب ـ ـرعاً‪ .‬ف ـ ـ ـإن ن ـ ـجـ ـ ـح المتصرف إليه في إثبات ذلك‪ ،‬فإن المادة‬
‫( ‪ ) 177‬من القانون المدني‪ ،‬تطبق في هذه الحالة‪ .‬وبموجب هذه المادة نفرق بين‬
‫ثالثة فروض هي ‪: 1‬‬

‫أ‪ -‬الفرض الول‪ :‬إذا كان الثمن الذي دفعه المشتري‪ ،‬سواء دفعه لوارث أو‬
‫غير وارث‪ ،‬يساوي القيمة الحقيقية للمبيع وقت موت المورث أو كان يزيد على هذه‬
‫القيمة‪ :‬فهنا ينفذ التصرف الصادر من المورث في مواجهة الورثة دون أن يتوقف‬
‫هذا النفاذ على أجازة الورثة‪ ،‬وال يحق لهم الطعن عليه‪.‬‬

‫ب‪ -‬الفرض الثاني‪ :‬إذا كان الثمن الذي دفعه المشتري يقل عن القيمة‬
‫الحقيقية للمبيع وقت الموت‪ ،‬دون أن يتعدى الفارق بين الثمن المدفوع والقيمة‬
‫الحقيقية للمبيع ثلث التركة بما فيها المبيع ذاته‪ :‬وهنا أيضاً ينفذ تصرف المورث‬
‫في مواجهة الورثة دون أن يتوقف ذلك على أجازة الورثة‪.‬‬

‫ج‪ -‬الفرض الثالث‪ :‬إذا كان الثمن الذي دفعه المشتري يقل عن قيمة المبيع‬
‫الحقيقية وقت الموت بما يزيد على ثلث التركة بما فيها المبيع ذاته‪ :‬فنظ اًر لتجاوز‬
‫البيع ثلث التركة‪ ،‬فإنه ال يسري في حق الورثة إال بأحد أمرين‪:‬‬

‫‪ - 1‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 187‬وما بعدها؛ د حمدي محمد عطيفي‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.115 ،111‬‬
‫‪247‬‬
‫* المر الول‪ :‬أن يقر الورثة القدر الزائد عن ثلث التركة أو ما يسمى‬
‫بالقدر المحابى فيه‪ .‬ويلزم أن يصدر اإلقرار بعد وفاة البائع المورث‪ ،‬وأن يكون‬
‫المقر عالماً بالمحاباة الموجودة في البيع وقاصداً إق ارره رغم ذلك‪ .‬ويجب كذلك أن‬
‫تتوافر في المقر أهلية التبرع أي بلوغه سن الرشد‪.‬‬

‫* المر الثاني‪ :‬إذا لم يقر الورثة القدر المحابى فيه والذي يزيد عن ثلث‬
‫التركة‪ ،‬التزم المشتري بأن يرد للتركة ما يكفي لتكملة ثلثيها‪ ،‬بحيث ال يكون نافذاً‬
‫في األخير في مواجهة الورثة إال التصرفات التي يجريها المورث في حدود ثلث‬
‫التركة فقط ‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬وضع الغير حسن النية من تصرفات المريض مرض الموت‪:‬‬

‫قرر المشرع حماية قانونية للغير الذي يتعامل مع مشتري العين من المريض‬
‫م ـ ـ ـرض الموت‪ ،‬وذلك في المادة ( ‪ ،) 174‬والتي قررت عدم سريان أحكام المادة‬
‫( ‪ ) 177‬على الغير في حالة كسبه بحسن نية بعوض حقاً عينياً على العين‬
‫المبيعة‪.‬‬

‫وترتيباً على ذلك‪ ،‬فإذا كان المشتري من المورث قد رتب حقاً عينياً بمقابل‬
‫على العين المبيعة كرهن أو ارتفاق أو انتفاع‪ ،‬أو كان المشتري قد باع العين كلها‬
‫أو بعضها للغير‪ ،‬وكان هذا الغير حسن النية ال يعلم بصدور البيع في مرض‬
‫الموت‪ ،‬فـ ـ ـال ي ـ ـج ـ ـوز تـ ـطبيق أحكام البيع في مرض الموت والتي وردت في المادة‬
‫( ‪ ) 177‬على هذا الغير‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫وهذا يعني أن حق الغير حسن النية يظل نافذاً رغم صدور التصرف األول‬
‫في مرض الموت‪ ،‬فال يسقط الرهن أو االرتفاق أو االنتفاع الذي تقرر له وال ُيفسخ‬
‫عقد البيع الصادر له من المشتري ‪.1‬‬

‫‪ - 1‬د محمد علي عمران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪142‬؛ د محمد شكري سرور‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪711‬؛ د حمدي محمد عطيفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪249‬‬
‫الــــــفـــهــــرس‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫مقدمة عامة ‪3 ..............................................................‬‬

‫الباب الول‪ :‬انعقاد عقد البيع ‪4 ...............................................‬‬

‫الفصل الول‪ :‬ركن الرضا في عقد البيع ‪4.....................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مضمون الرضا في عقد البيع ‪15 .............................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع وحدودها ‪11 ...................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نوع األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع وقيودها ‪10 ................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬عيوب الرضا في عقد البيع ‪22...............................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬بعض الصور الخاصة للرضا في عقد البيع ‪21 ...............‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬ركن المحل في عقد البيع ‪30 ..................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬محل التزام البائع ‪30 ........................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬محل التزام المشتري ‪11 .....................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬وجوب نقدية الثمن ‪10 .......................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وجوب تقدير الثمن أو قابليته للتقدير ‪11........................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬وجوب جدية الثمن ‪05........................................‬‬

‫‪07 ...........................................‬‬ ‫الباب الثاني‪ :‬آثار عقد البيع‬

‫‪250‬‬
‫الفصل الول‪ :‬التزامات البائع ‪04 ............................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التزام البائع بنقل الملكية ‪04...................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نقل ملكية المنقوالت ‪04.......................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نقل ملكية العقارات ‪13 ......................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬طرق الشهر ونظمه ‪11...........................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬آثار عقد البيع قبل تسجيله ‪73 ..................................‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التعديالت الواردة بالقانون رقم ‪ 141‬لسنة ‪44............... 2525‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬آثار عقد البيع بعد تسجيله ‪42....................................‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬أثر التسجيل عند تزاحم المشترين لذات العقار ‪47...............‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التزام البائع بتسليم المبيع ‪151 ...............................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬محل التسليم ‪150 ...........................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تسليم المبيع المتفق عليه في العقد ‪150...........................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تسليم ملحقات المبيع ‪110......................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬طرق تسليم المبيع ومكانه وزمانه ونفقاته ‪117...................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬جزاء إخالل البائع بالتزامه بتسليم المبيع ‪121.................‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تبعة هالك المبيع قبل التسليم ‪122 ...........................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬التزام البائع بضمان التعرض واإلستحقاق ‪124 .................‬‬

‫‪251‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي ‪124 ...................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التزام البائع بضمان التعرض الصادر من الغير ‪134............‬‬

‫الفرع األول‪ :‬شروط قيام التزام البائع بضمان تعرض الغير ‪134 ...............‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أحكام ضمان التعرض الصادر من الغير ‪114....................‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬التزام البائع بضمان العيوب الخفية ‪110........................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬شروط ضمان العيوب الخفية ‪117 ............................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أحكام ضمان العيوب الخفية ‪173.............................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬االتفاقات المعدلة لضمان العيوب الخفية ‪142 .................‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬ضمان توافر صفة معينة في المبيع وضمان صالحيته للعمل مدة‬
‫معينة ‪144 ..................................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬التزامات المشتري ‪142 .......................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التزام المشتري بدفع ثمن المبيع ‪142...........................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مضمون التزام المشتري بالوفاء بثمن المبيع ‪143...............‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬كيفية الوفاء بثمن المبيع ‪144 ...............................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬امتناع المشتري المشروع عن الوفاء بالثمن ‪253...............‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬جزاء إخالل المشتري بالتزامه بدفع الثمن ‪254..................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التزام المشتري بتكاليف المبيع ومصروفات عقد البيع ‪211 .....‬‬

‫‪252‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التزام المشتري بتسلم المبيع ‪211...............................‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬بعض أنواع البيوع ‪221........................................‬‬

‫الفصل الول‪ :‬بيع الوفاء ‪223 ...............................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬بيع الحقوق المتنازع عليها ‪221 .............................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬شروط استرداد الحق المتنازع عليه وكيفيته ‪224.................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬شروط استرداد الحق المتنازع عليه ‪224 .......................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬كيفية االسترداد وما يلتزم به المسترد ‪231......................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬آثار استرداد الحق المتنازع عليه ‪234 .........................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬بيع التركة ‪215 ..............................................‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬البيع في مرض الموت ‪211 ..................................‬‬

‫اه ْم فيها ُس ْبحانك اللَّـهُ َّم وتحَّيتُهُ ْم فيها سال ٌم وآخ ُر‬
‫*"د ْعو ُ‬
‫ب اْلعالمين"‬ ‫اه ْم أن اْلح ْم ُد للَّـه ر ِّ‬‫د ْعو ُ‬
‫﴿يونس‪﴾٠١ :‬‬

‫‪253‬‬

You might also like