Professional Documents
Culture Documents
كلية الحقوق
عـــــــــقـــــــد الــــبـــيــــــع
( مع اإلشارة إلى القانون رقم ٦٨١لسنة ٠٢٠٢بتعديل بعض
أحكام القانون رقم 111لسنة 1411بتنظيم الشهر العقاري)
دكـــتـــــور
أحـمـد عــلي حـسن
مــدرس الــقــانــون الـــمــدني
كــلــيـة الــحــقــوق – جــامــعــة الزقــازيــق
0
بسم اهلل الرحمن الرحيم
1
" مـا أصـــعــب أن يــخــتزل الـعـــالــم فـي شـخـــص
واحـــد ،يــغـنــيـنا وجــوده عــن هــذا الــعــالم ،
ويـأسرنــا غيــابه فــي عــالم الــوحــدة والــحــيرة
وال لــم".
" رحــــمــك اهلل يـا جــدي الــعــزيز ،وجــعـــل
الــجنــة مــثــواك ،وجـــعــل اهلل مــا فــعــلته لجــلنــا
فــي مــيزان حــسنـاتك ،وأســكنــك اهلل الــفــردوس
العــلـى رفـقـة الـنـبـيـيـن والــصــديـقـين والــشــهداء
وحــسن أولــئك رفــيقا ".
" يا مــن تــقــ أر ،أطــلب مــنـك فــضالً ولــيس
أمــ ارً ،الــدعاء لــه بــالرحــمة والــمـغــفرة ".
2
مقدمة عامة:
وعلى هذا األساس عنى المشرع بالتنظيم القانوني لهذه العمليات في إطار ما
ُيعرف بعقد البيع .ويندرج هذا العقد ضمن طائفة العقود المسماة ،التي تناولها
المشرع بالتنظيم الخاص وأفرد لها اسما معيناً يتالئم مع الدور الذي تقوم به هذه
العقود والمحال التي ترد عليها ،ومن أمثلة هذه العقود ،عقد البيع ،وعقد اإليجار،
وعقد التأمين ،وعقد الهبة ،وعقد المقايضة ،وعقد المقاولة.
ورغم تعدد العقود المدنية ذات الطابع المسمى ،إال أن عقد البيع يعتبر أبرز
وأهم هذه العقود من الناحية التاريخية 1والقانونية؛ نظ اًر لآلثار التي تترتب عليه
والدور الذي يقوم به ،ناهيك عن شيوعه الواسع وانتشاره الكبير بين األفراد ،األمر
الذي عكس ضرورة االهتمام بهذا العقد سواء على المستوى التشريعي أو الفقهي أو
القضائي.
ويخضع تنظيم عقد البيع من الناحية القانونية ،لما ورد في نصوص القانون
المدني في المواد من .141 – 114غير أن هذا الخضوع ال يمنع من تطبيق
القواعد العامة الواردة في نظرية اإللتزامات ،وذلك في حالة عدم وجود نص خاص
في التنظيم الذي وضعه المشرع.
عرفت المادة ( ) 814من القانون المدني ،عقد البيع بأنه ":عقد يلتزم به
البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي " .ولقد
وفق المشرع في هذا التعريف لسببين ،أولهما :أنه وسع من نطاق أو محل عقد
البيع؛ حيث إنه يشمل باإلضافة إلى نقل الملكية ،نقل أي حق مالي آخر ،وذلك
على عكس ما كان وارداً في التقنين السابق ،الذي كان يقصر محله على نقل
ملكية األشياء فقط .وثانيهما :أن ثمن الشيء المبيع والذي يلتزم بدفعه المشتري
البد وأن يكون من النقود ،فإن كان بغيرها ،كان العقد مقايضةً وليس بيعاً .1
-1عقد البيع من العقود الرضائية :أي أنه ينعقد بمجرد وجود إيجاب
وقبول صحيحين وتبادلهما ،وال يلزم إلنعقاده أن ُيفرغ العقد في شكل معين ،كما ال
يلزم تسليم الشيء المبيع حتى ينعقد العقد.
وقد يتبادر إلى ذهن البعض ،أن اشتراط المشرع تسجيل عقد البيع ،أمر
يترتب عليه تغيير طبيعة هذا العقد من الرضائية إلى الشكلية ،غير أن هذا الفهم
خاطيء؛ ألن اشتراط التسجيل ينحصر أثره في نقل ملكية الشيء المبيع ،بمعنى
أن نقل الملكية ال يتم إال بعد تسجيل عقد البيع ،وال عالقة لهذا األمر بطبيعة عقد
البيع التي تظل مع اشتراط التسجيل ،طبيعة رضائية.
ويجب مالحظة أن طبيعة عقد البيع الرضائية ،مسألة غير متعلقة بالنظام
العام ،أي أنه يجوز لألطراف االتفاق على أن هذا العقد ال ينعقد إال باتباع شكل
-1د عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،الجزء الرابع " العقود التي تقع
على الملكية – البيع والمقايضة " ،تنقيح المستشار /أحمد مدحت المراغي ،منشأة المعارف،
سنة ،5008ص .51
4
معين يتفقا عليه ،كتدوينه في ورقة رسمية أو عرفية ،فهنا ال ينعقد العقد بمجرد
تراضي الطرفين ،بل يجب استيفاء الشكل المتفق عليه .1
وعلى الرغم من رضائية عقد البيع التي ال تتطلب شكالً خاصاً إلبرامه ،إال
أن المشرع تطلب هذا الشكل في بعض البيوع على سبيل اإلستثناء ،كحالة بيع
السفينة البحرية الذي يلزم أن يكون بسند رسمي واال كان البيع الغياً .وكذلك في
الحالة التي يكون فيها ثمن المبيع إيبراداً مرتباً مدى الحياة ،فيجب أن يكون العقد
في هذه الحالة مكتوباً .2
-5عقد البيع عقد ملزم للجانبين :حيث إن هذا العقد ينشيء منذ البداية
التزامات متبادلة على عاتق كل من البائع والمشتري ،وبمقتضى هذه االلتزامات
يصبح كل طرف دائن ومدين في نفس الوقت؛ حيث يلتزم البائع بنقل الملكية في
مقابل الثمن ،في حين يلتزم المشتري بدفع الثمن مقابل الحصول على ملكية
الشيء المبيع .3
ويترتب على هذا اإللزام المزدوج ،وجود ارتباط بين االلتزامات لكال الطرفين،
بمعنى أنه يجوز لكل منهما التمسك بالحق في الحبس ،وجواز طلب الفسخ إذا لم
ينفذ أحد األطراف التزامه ،عالوة على أن تحمل تبعة الهالك في العقود الملزمة
للجانبين يتحملها المدين الذي استحال عليه تنفيذ التزامه .4
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 54؛ د سليمان مرقس ،الوافي في شرح
القانون المدني ،في العقود المسماة " عقد البيع " ،الطبعة الخامسة ،سنة ،2991تنقيح د
حبيب إبراهيم الخليلي ،ص .12
- 2د حمدي محمد عطيفي محمد ،القانون المدني ،العقود المسماة ،الجزء األول " عقد البيع
" ،الكتاب الجامعي للعام الدراسي ،1121 /1122ص .18
- 3د توفيق حسن فرج ،عقد البيع والمقايضة ،سنة ،2984ص .19
- 4د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي ،عقد البيع ،الكتاب الجامعي للعام الدراسي /1122
،1128ص .8
5
-3عقد البيع عقد معاوضة :بمعني أن كل طرف يأخذ مقابالً نظير ما
يلتزم به تجاه الطرف اآلخر .فالبائع يلتزم بنقل ملكية الشيء المبيع إلى المشتري،
في مقابل الحصول على ثمن هذا الشيء والذي يلتزم بدفعه المشتري .وكذلك
حصول هذا األخير على ملكية الشيء متوقف على دفعه ثمن هذا الشيء .1
-8عقد البيع عقد محدد القيمة بحسب الصل :وذلك ألن كل متعاقد
يستطيع أن يعلم مسبقاً منذ انعقاد العقد ،قيمة ما يكسبه وما يلتزم به بسبب هذا
العقد .غير أن عقد البيع أحياناً يكون عقد احتمالي ،وذلك في الفرض الذي يربط
فيه أحد المتعاقدين بعض االلتزامات الناشئة عن العقد أو أحدها بحادث غير
محقق الوقوع ،كما إذا جعال ثمن الشيء المبيع إيراداً مرتباً مدى الحياة ،بمعنى أن
يلتزم المشتري بدفع ثمن الشيء المبيع في صورة إيراد مرتب طيلة مدة حياة
البائع.2
-2عقد البيع عقد مسمى :حيث إن المشرع قد تناول هذا العقد بالتنظيم
وبين أحكامه ،وذلك عن طريق قواعد آمرة ال يحق للمتعاقدين االتفاق على ما
يخالفها ،وقواعد مكملة يجوز االتفاق على مخالفتها .3
-6عقد البيع عقد ناقل للملكية أو منشيء اللتزام بنقلها :وتختلف مسألة
نقل الملكية في عقد البيع بحسب محل االلتزام .فإذا كان محل االلتزام شيئاً معيناً
بالذات يملكه الملتزم ،ترتب على ذلك أن العقد -أي عقد البيع -ينقل الملكية
بمجرد نشوء هذا العقد .واذا كان محل الملكية حق من الحقوق العينية الواردة على
منقول ،فإنها تنقل بالعقد متى ورد على محل مملوك للمتصرف.
-7عقد البيع عقد فوري :حيث ال يعتبر الزمن عنص اًر جوهرياً وال ركناً في
هذا العقد ،وال يغير من طبيعة عقد البيع الفورية ،االتفاق على تأجيل دفع الثمن أو
تأخير تسليم الشيء المبيع .ويتريب على هذه الفورية ،أنه في حالة فسخ عقد
البيع ،كان لهذا الفسخ أثر رجعي .كما أن اإلعذار شرط ضروري إلستحقاق
التعويض في عقد البيع نظ اًر لطبيعته الفورية ،وذلك بخالف عقود المدة .2
وبعد التعرض لتعريف عقد البيع وبيان خصائصه ،فإن هذا العقد له أركان
وجود ال يقوم إال بها ،وشروط صحة يجب توافرها .باإلضافة إلى أنه يرتب آثا اًر
هامة تتمثل في مجموعة من الحقوق وااللتزامات التي تقع على عاتق كل طرف.
عالوة على أنه توجد بعض البيوع التي تتميز بالطابع الخاص ،والتي أفرد لها
المشرع أحكاما خاصة تختلف عن تلك المقررة للبيوع العادية.
وتأسيساً على ما تقدم سنتعرض لدراسة عقد البيع ،من خالل أبواباً ثالثة
هي:
الباب الثالث :بعض أنواع البيوع ( البيوع ذات األحكام الخاصة ).
في
8
تمهيد وتقسيم:
يعتبر عقد البيع مثله مثل سائر العقود المدنية التي تخضع في انعقادها
للقواعد العامة الورادة في نظرية االلتزامات ،والتي تستلزم توافر ثالثة أركان لقيام
العقد والتي تتمثل في الرضا ،والمحل ،والسبب .وما يميز عقد البيع عن غيره في
هذا الصدد ،هواألحكام الخاصة بركني الرضا والمحل ،أما ركن السبب فال يثير
أي تساؤالت تختلف عن تلك الورادة في القواعد العامة ألركان العقد .لذلك سنقصر
دراستنا على ركن المحل وركن الرضا ،على النحو التالي:
الفصل الول
سنتعرض لدراسة األحكام الخاصة بركن الرضا في عقد البيع ،عن طريق
بيان المسائل التي يختلف حكمها في هذا العقد ،عن تلك الواردة في القواعد
العامة .لذلك سنبدأ بعرض مسألة مضمون الرضا في عقد البيع ( مبحث أول ).
ثم األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع وحدودها ( مبحث ثان ) .وأخي ار الصور
الخاصة للرضا في عقد البيع ( مبحث ثالث ).
9
المبحث الول
يعتبر عقد البيع من العقود الرضائية ،التي تنعقد بمجرد تبادل اإليجاب
والقبول بين البائع والمشتري بصورة متطابقة بقصد إنشاء هذا العقد .ويتركز
مضمون الرضا الواجب توافره إلبرام عقد البيع ،حول محاور ثالثة هي:
يوجه اإليجاب في العادة إلى شخص معين يعنيه مضمون هذا اإليجاب،
وينعقد العقد بقبول هذا الشخص لإليجاب ،ولكن جرت عادة التجار أن يوجهوا
اإليجاب إلى الجمهور وليس لشخص معين ،ويظهر ذلك في الحاالت اآلتية :1
أما إذا جاء اإلعالن خالياً من الثمن المحدد ،اُعتبر ذلك مجرد دعوة للتعاقد
أو مجرد إعالن عن السلع الغرض منه لفت أنظار الراغبين في الشراء ودعوتهم
إلى االتصال بالشخص الراغب في البيع أو الشراء للتفاهم حول شروط البيع
تمهيداً لتقديم إيجاب محدد أو بدعوته لتقديم إيجاب محدد لهم ،ولكنه ال يعتبر
إيجاباً .2
ويقصد بموضوع التراضي ،أن يتفق طرفي عقد البيع على جميع المسائل ُ
الجوهرية للعقد ،وأال يحدث بينهما خالف بشأن المسائل الثانوية .وذلك كاآلتي:
وأخي اًر ،يشترط االتفاق على الثمن ،وال نقصد بذلك ضرورة تحديده وقت
التعاقد ،بل يكفي أن يكون قابالً للتحديد في المستقبل بشرط أن تُحدد األسس التي
على أساسها يمكن تحديد الثمن ،وأن يتم االتفاق بين الطرفين بشأنها .3
واذا كان األصل أنه يجب أن يتطابق اإليجاب والقبول حول كافة المسائل
التي يتناولها اإليجاب ،جوهرية كانت أو ثانوية ،إال أن العقد يتم بين األطراف
بمجرد االتفاق على المسائل الجوهرية ،حتى ولو لم يحدث اتفاق بشأن المسائل
الثانوية ،حيث ُيفترض في هذه الحالة أن األطراف قد ارتضيا حكم القانون أو
العرف بشأن هذه المسائل .1
غير أن هذا الحكم األخير يتعذر إعماله في الحالة التي تنصرف فيها نية
المتعاقدين إلى جعل المسائل الثانوية مسائل داخلة في البنيان الرئيسي للتعاقد
وضمن عناصر االتفاق الجوهرية ،فهنا ال يكتمل التعاقد بمجرد االتفاق على
المسائل الجوهرية ،بل يلزم باإلضافة إلى ذلك ضرورة االتفاق على هذه المسائل
الثانوية .وفي حالة وجود اختالف بشأن ما إذا كان الطرفان قد جعال من تلك
المسائل الثانوية عناصر جوهرية أم ال ،تولى قاضي الموضوع مهمة الفصل في
هذا األمر .2
وهو عبارة عن اتفاق ُيبرم بين البائع والمشتري ،بمقتضاه يعد كال المتعاقدين
أو أحدهما بإبرام عقد البيع في المستقبل .ولهذا الوعد صور ثالث هي :1
-1الوعد بالبيع :وفيه يلتزم الواعد بأن يبيع شيئاً للموعود له إذا أبدى هذا
األخير رغبته في الشراء خالل مدة معينة .ويلتزم بهذا الوعد البائع فقط دون
المشتري .أما هذا األخير فال يلتزم بالشراء إال إذا أبدى رغبته خالل المحدة
المحددة للوعد ،واال سقط الوعد بالبيع .وأحياناً يتمثل الوعد بالبيع في صورة وعد
بالتفضيل ،بمعنى أن يلتزم الواعد بتفضيل شخص معين في التعاقد إذا ما انتوى
بيع مال معين خالل مدة محددة.
-5الوعد بالشراء :وفيه يعد شخص آخر بأن يشتري ماالً معيناً من هذا
األخير – أي الشخص اآلخر – إذا قرر البيع خالل مدة معينة .والوعد هنا يكون
ملزماً فقط للواعد بالشراء ،أما الشخص اآلخر فال يقع عليه أي التزام ويكون له
مطلق الحرية في بيع الشيء من عدمه.
-3الوعد المتبادل بالبيع وبالشراء :وفي هذه الحالة ،يعد شخص غيره بأن
يبيع له مال محدد في حالة قبول هذا الشخص الشراء خالل مدة معينة ،ويلتزم
الشخص اآلخر بأن يشتري هذا المال إذا قرر األول البيع خالل هذه المدة.
وجدير بالذكر أن الوعد بالبيع بصوره السابقة ،ال يصح إال إذا توافرت جميع
شروط الوعد بالتعاقد وفقاً للقواعد العامة والتي تتمثل في ضرورة وجود االتفاق
على طبيعة العقد ،ووجوب تعيين جميع المسائل الجوهرية للعقد ،باإلضافة إلى
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 58وما بعدها؛ د محمد حسين منصور،
عقد البيع ،دار المطبوعات الجامعية ،سنة ،2999ص 51وما بعدها؛ د ممدوح محمد خيري
هاشم المسلمي ،المرجع السابق ،ص 24وما بعدها.
13
تعيين المدة التي يجب إبرام عقد البيع خاللها ،والشكل الواجب توافرة في الحاالت
استثناء على قاعدة رضائية
ً التي يتطلب فيها القانون شكالً معيناً إلبرام عقد البيع
هذا العقد.
وبالنسبة آلثار الوعد بالتعاقد ،ففى الفترة السابقة على إبداء الموعود له
رغبته ،فال يوجد ثمة التزام إال على عاتق الواعد فقط دون الموعود له .وبعد
إعالن هذا األخير رغبته في إبرام العقد خالل مدة الوعد المحددة ،فإن العقد ينعقد
دون أن يتوقف ذلك على رضاء جديد من الواعد .واذا نكل الواعد عن وعده ،كان
للموعود له الحق في مقاضاة الواعد مطالباً إياه بالتنفيذ متى توافرت الشروط
الالزمة إلبرام العقد .1
المبحث الثاني
سنتعرض في هذا المبحث لتحديد األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع والقيود
التي ترد عليها ( مطلب أول ) .ثم ،لعيوب الرضا في عقد البيع ( مطلب ثان ).
وجدير بالذكر أن مسألة إبرام عقد البيع بطريق النيابة أياً كان نوعها ،سواء نيابة
قانونية أو اتفاقية أو قضائية ،تعد من المسائل الهامة التي تدخل ضمن حدود
األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع ،غير أننا لن نتطرق إليها مكتفين بما ورد في هذا
الشأن في القواعد العامة للنيابة في التعاقد .وعلى ذلك سنتعرض لدراسة هذا
المبحث من خالل المطلبين اآلتيين:
- 1د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي ،المرجع السابق ،ص .22
14
المطلب الول
يعتبر عقد البيع من عقود المعاوضة والتصرفات الدائرة بين النفع والضرر
بالنسبة للبائع وللمشتري ،لذلك فال يصح إبرامه – وفقاً للقاعدة العامة – إال إذا
توافرت في البائع والمشتري على حد سواء ،أهلية األداء ،أي يلزم أن يكون كل
منهما بالغاً إحدى وعشرون سنة ميالدية ،وغير محكوم على أيهما بإستمرار والية
أو توقيع حجر ألي سبب من األسباب.
فإذا كان أحد طرفي عقد البيع ناقص األهلية ،كان العقد قابالً لإلبطال
لمصلحته ،ويزول حق التمسك باإلبطال إذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن
الرشد ،أو أجازه وليه أو أجازته المحكمة بحسب األحوال وفقاً للقانون .ويسقط هذا
الحق إذا لم يتمسك به من تقرر لمصلحته خالل ثالث سنوات من وقت بلوغ سن
الرشد .واذا كان أحد طرفي عقد البيع عديم األهلية ،كان العقد باطالً بطالناً مطلقاً
وال تلحقه األجازة .والعبرة في توافر األهلية ،بوقت إبرام العقد .1
ويجب مالحظة أن القانون أجاز إبرام عقد البيع قبل بلوغ سن الرشد ،وذلك
في بعض الحاالت الواردة في قانون الوالية على المال والقانون المدني ،وذلك في
إطار ضوابط معينة نظمها القانون وبين أحكامها ،ولقد سبق دراسة هذه الحاالت
في السنة األولى في مادة المدخل لدراسة القانون ،وال داعي لتكرارها مرة أخرى.
أورد المشرع حاالت معينة حظر فيها عملية الشراء ،رغم توافر أهلية األداء
بصورة صحيحة ،وذلك إلعتبارات معينة لضمان الحيدة والموضوعية ،أو تحقيقاً
لمصالح معينة .وتتمثل هذه الحاالت في اآلتي:
نصت على هذا المنع ،المادة ( )171بقولها ":ال يجوز للقضاة وال ألعضاء
النيابة وال للمحامين وال لكتبة المحاكم وال للمحضرين أن يشتروا ال بأسمائهم وال
باسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه إذا كان النظر في النزاع يدخل في
اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها واال كان البيع باطالً".
وتتمثل الحكمة من هذا المنع ،في ضمان حيدة عمل األشخاص المذكورين
في المادة السابقة ،والبعد بينهم وبين ما قد ُيشاع عنهم من شائعات ،حفاظاً على
كرامة القضاء ولضمان نزاهته ،وحتى ال يضارب القاضي على نتيجة التقاضي .1
ويلزم إلعمال الحكم الوارد في المادة المتقدمة ،ضرورة توافر الشروط اآلتية:
-1أن يكون الشخص الذي يرغب في الشراء ممن شملتهم المادة :171أي
أن المنع من الشراء يشمل القضاة وأعضاء النيابة والمحامين وكتبة المحاكم
والمحضرين .ويجب أن تثبت لعامل القضاء هذه الصفة وقت الشراء.
أما إذا كان هذا الشخص غير مما ُذكر في نص المادة السابقة ،فال يسري
عليه الحظر ،كالخبير الذي ُيعرض عليه إبداء رأيه الفني في مسألة تخص النزاع
المعروض على المحكمة ،والفراشين ووكالء المحامين والحراس ورجال الشرطة؛
- 1د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص 145؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص
.51
16
وذلك تأسيساً على أن الرأي الراجح في الفقه يرى أن التعداد الوارد في المادة 171
استثناء على ما
ً جاء على سبيل الحصر وليس المثال ،وأن هذا الحظر قد جاء
تقضي به القواعد العامة من حرية اإلنسان في البيع والشراء.
1
– أنه ال غير أننا من وجهة نظرنا نرى – مع جانب ال بأس به من الفقه
مانع من امتداد نطاق الحظر إلى فئات غير التي ذكرت في النص المذكور،
تأسيساً على االعتبارات العملية التي قد تحتم هذا المد ألشخاص لهم عالقة أو
تأثير على الحق المتنازع عليه رغم عدم ذكرهم في نص المادة .171فعلى سبيل
المثال نجد أن الخبير رغم عدم ذكره في النص ،إال أن التقرير الذي يقدمه
بناء على هذا التقرير ،فبأي منطق
للمحكمة قد يترتب عليه الفصل في النزاع ً
وعلى أي أساس يمكن القول بإستبعاد الخبير من نطاق الحظر!
-2أن يكون الحق متنازعاً عليه :ويكون كذلك إذا كان موضوعه قد ُرفعت
به دعوى ،أو قام بشأنه نزاع جدي تقدره محكمة الموضوع .يستوي في ذلك الشأن
الحق العيني والحق الشخصي .ويلزم أن يكون النزاع في الحق المبيع قائماً بالفعل
وقت الشراء ومعروفاً للمشتري ،سواء أكان مطروحاً على القضاء أم ال ،بمعنى أنه
ال يكفي للحكم ببطالن البيع أن يكون الحق المبيع قابالً للنزاع أو من المحتمل أن
تُرفع بشأنه دعوى ،بل يجب أن تكون هناك منازعة في الحق المبيع وقت إبرام
البيع على نحو ينم عن علم المشتري بهذا النزاع .2
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 55؛ د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي،
المرجع السابق ،ص .14
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص .52
17
الختصاص هذه الفئات ،باستثناء محكمة النقض التي لها اختصاص شامل لكل
انحاء الجمهورية .1
نصت على هذا المنع المادة ( )172بقولها ":ال يجوز للمحامين أن يتعاملوا
مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها إذا كانوا هم الذين يتولون الدفاع عنها سواء
أكان التعامل بأسمائهم أم باسم مستعار واال كان العقد باطالً".
والحكمة من هذا المنع ،هى ضمان عدم استغالل المحامي لموكله؛ بسبب
عدم العلم الكافي لهذا األخير بأحكام القانون ،فيوهمه بضعف مركزه القانوني في
الدعوى بغية شراء الحق المتنازع عليه ،أو يتفق معه على مباشرة الدعوى عنه
مقابل حصوله على جزء مما قد ُيحكم له به .كل ذلك من أجل توفير أكبر قدر
من الثقة والطمأنينة بين المحامين وبين موكليهم .واذا حدث تعامل من هذا القبيل
سواء باالسم الحقيقي أو المستعار للمحامي المحظور عليه التعامل ،كان باطالً.
غير أن هذا البطالن ال يمنع المحامي من الحصول على اتعابه بصورة عادلة .2
يعتبر جزاء مخالفة الحظر الوارد بالمادتين السابقتين ،هو البطالن المطلق
المتعلق بالنظام العام ،الذي يجوز ألي من الطرفين التمسك به ،وكل ذي مصلحة،
كما يحق للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.
- 1د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي ،المرجع السابق ،ص .12
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 58؛ د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص
.172
18
* استرداد عامل القضاء ما عليه من حق متنازع فيه:
يجوز لعمال القضاة بصورة استثنائية على األحكام السابقة ،أن يستردوا ما
عليهم من حقوق متنازع فيها ،وذلك وفقاً للرأي الراجح ،والذي يميل إليه المشرع،
والذي تتضح نيته في األخذ به عمالً بما جاء في المادة ( ،)114التي نصت على
أنه ":إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل عنه صاحبه بمقابل إلى شخص آخر،
فللمتنازع ضده أن يتخلص من المطالبة إذا هو رد إلى المتنازل له الثمن الحقيقي
الذي دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع".
فهذه المادة تجيز ،للمدين بدين مدعى عليه به أن يسترد هذا الدين من
مشتريه إذا رد إليه ما دفعه من ثمن حقيقي مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت
الدفع .والغرض الذي يسعى إليه المدين من و ارء ذلك هو إنهاء الخصومة القائمة
والمتعلقة بهذا الدين.1
ثالثاً :حظر شراء أرض زراعية أو صحراوية تجاوز الحد القصى للملكية:
لقد وضع المشرع بمقتضى القانون رقم 05لسنة ،1414حداً أقصى لملكية
األرض الزراعية ال يجوز مخالفته ،فحدد ملكية الفرد من األرض الزراعية بخمسون
فداناً ،ومائة فدان لألسرة .ومائتي فدان للفرد من األراضي الصحرواية ،وثالثمائة
فدان لألسرة ،وألف فدان للجمعية التعاونية بحد أقصى ثالثون فداناً للعضو،
وخمسة اآلف فداناً للشركات المساهمة التي يجب في جميع األحوال أال تقل ملكية
المصريين فيها عن %01وال تزيد ملكية الفرد عن %0من رأس المال.
كل ذلك إذا كانت األرض تعتمد في ريها على المياة الجوفية أو الطرق
الحديثة كالرش أو التنقيط ،أما إذا كانت األرض تُروى بطريقة الغمر ،فإن الحد
وتكمن العلة في منع الفئات السابقة من الشراء ،في البعد بينهم وبين ما قد
يثور من شبهات بالنسبة لهم ،ومنعاً لتعارض مصالحهم مع مصالح أصحاب
- 1د محمد حسين منصور ،المرجع السابق ،ص 92؛ د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي،
المرجع السابق ،ص .11
- 2د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي ،المرجع السابق ،ص .11
20
المال .غير أنه إذا انتفت هذه الشبهة ،بأن حصل المشتري أو من قام بالتصرف
على إذن من القضاء ،زال المنع 1؛ وذلك تأسيساً على أن رقابة القضاء في هذه
الحالة تضمن عدم وجود تعارض للمصالح ووجود حيادية وموضوعية في عملية
الشراء.
والجزاء المترتب على مخالفة المنع في هذه الحالة ،هو البطالن النسبي
لمصلحة البائع ،والذي ُيستفاد من نص المادة ( ،)141والتي ورد فيها عبارة ":
يصح العقد في األحوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين إذا أجازه من تم
البيع لحسابه " .ومن المعلوم أن األجازة ال تلحق إال العقد القابل للبطالن وليس
العقد الباطل .وهذا ما عبرت عنه المذكرة اإليضاحية بقولها " :أجاز المشرع
تصحيح البيع وهو باطل بطالناً نسبياً لمصلحة البائع ،وقد قرر البطالن نص
خاص لعلة تعارض المصالح .2 ".....
وعلى الرغم من ذلك ،فإن غالبية الفقه المصري ،تري أن الجزاء في هذه
الحالة ليس البطالن النسبي ،ولكنه عدم نفاذ ،بمعنى أن البيع يعتبر صحيحاً بين
طرفيه وال ينفذ في حق األصيل إال إذا أجازه ،واألجازة الالحقة كاإلذن السابق.
وذلك ألن األصيل عندما أناب النائب في بيع ماله لم يدخل في حسابه أن يقوم
هذا النائب بشراء الشيء لنفسه واال لباع له مباشرة دون حاجة إلى إنابته في
البيع.3
عقد البيع مثله مثل سائر العقود األخري ،والذي قد تكتنف إرادة طرفيه أو
أحدهما عيوب الرضا المعروفة في القانون المدني ،والتي تتمثل في الغلط والتدليس
واإلكراه واإلستغالل ،والتي تجعل العقد قابل لإلبطال لمصلحة من تعيبت إرادته.
وال جديد يذكر في هذا الشأن أو شيء يختلف عما هو موجود في القواعد العامة
التي تحكم هذه العيوب ،لذلك سنحيل إليها منعاً للتكرار.
غير أن عيب الغلط يتميز بنوع من الخصوصية في عقد البيع .حيث يجب
أن يكون المشتري على علم كاف بالمبيع .واذا تخلف وجود هذا العلم الكافي ترتب
على ذلك ،تعيب إرادة المشتري بعيب الغلط .لذلك سنكتفي بالتعرض لدراسة
أحكام العلم الكافي بالمبيع.
وعلى ذلك يلزم لصحة عقد البيع أن يكون المشتري على بينة وعلى بصر
وبصيرة من المبيع ،بصورة تجلي له كافة بيانات المبيع وأوصافه الرئيسية .وفي
هذا األمر يختلف عقد البيع عن القواعد العامة في نظرية العقد ،حيث تكتفي هذه
22
األخيرة بأن يكون المبيع معيناً تعييناً نافياً للجهالة الفاحشة حتى ولو لم يكن
المشتري عالما به ،في حين تطلب المشرع هذا العلم بصدد عقد البيع .1
-3طريقة اإلقرار :وفيها يقر المشتري بأنه على علم بالمبيع وبجميع
أوصافه وبياناته .وهنا يقوم اإلقرار مقام المعاينة والتحديد .وال يحق للمشتري مع
هذا اإلقرار أن يطالب بالبطالن بدعوى عدم علمه بالمبيع .غير أنه ال يعتد بهذا
اإلقرار إذا كان نتيجة تدليس قام به البائع .4
إذا لم يتحقق العلم الكافي بالمبيع وفقاً إلحدى الصور الثالث سالفة الذكر،
بأن لم ي عاين المشتري المبيع ،أو لم يتضمن عقد البيع بيان المبيع وأوصافه
األساسية ،وكذلك إذا لم يقر المشتري بأنه على علم بالمبيع ،كان الجزاء هو
البطالن النسبي ،وهذا الجزاء مقرر للمشتري.
واختلف الفقه في أساس هذا البطالن .فيرى البعض أن أساسه يكمن في
توافر عيب الغلط الذي يخول للمشتري حق المطالبة باإلبطال .غير أن الرأي
الراجح يرى أن أساس البطالن هنا ،هو خيار الرؤية الذي تقرر بموجب نص
القانون في المادة ( )114مدني ،والخيار إرادة ومشيئة ،فالمشتري حر في قبول
العقد أو نقضه وليس عليه أن يثبت وقوعه في الغلط وال يثبت علم المتعاقد اآلخر
بهذا الغلط ،كماتقضي بذلك قواعد عيب الغلط .1
-5التقادم :وذلك بمضي ثالث سنوات من وقت العلم الكافي بالمبيع أو
بمضي خمس عشرة سنة من وقت إبرام العقد.
- 1د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي ،المرجع السابق ،ص 51؛ د حمدي محمد عطيفي،
المرجع السابق ،ص .55
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص .215
24
-3تصرف المشتري في المبيع قبل رؤيته ،بشرط أن يكون التصرف الزماً
أي مرتباً حقاً للغير على المبيع ،كحالة بيع هذا الشيء إلى آخر.
وفي هذا الصدد يثور تساؤل ،مفاده :هل يسقط حق المطالبة بإبطال البيع
لعدم العلم الكافي بسبب موت المشتري؟
ذهب رأي فقهي -نؤيده – إلى أن حق المطالبة بإبطال البيع لعدم توافر
العلم الكافي بالمبيع ،ال يسقط بموت المشتري ،بل ينتقل إلى الورثة .2وهذا الرأي
أخذت به محكمة النقض المصرية .كما أنها قضت بأن الحق في الشفعة ُيورث،
فيمكن قياس الحالة محل التساؤل على حالة توريث الحق في الشفعة.
بيد أنه ،يوجد رأي فقهي آخر ،يرى أنه يترتب على موت المشتري سقوط
حقه في طلب اإلبطال ،وأن هذا الحق ال ينتقل إلى ورثة المشتري من بعده؛
تأسيساً على أن أحكام خيار الرؤية في الشريعة اإلسالمية والتي تعتبر المصدر
التاريخي لشرط العلم بالمبيع،تقضي بأن الخيارات ال تورث .3
وجدير بالذكر ،أن شريعتنا الغراء عرفت خيار الرؤية ،بدليل قول نبينا صلى
اهلل عليه وسلم ":من اشترى شيئاً لم يره ،فهو بالخيار إذا رآه " .وجعلت هذا الخيار
للمشتري دون البائع .ويثبت هذا الخيار للمشتري وقت رؤيتة المبيع فقط .4
تتعدد الصور القانونية التي يتخذ فيها الرضا في عقد البيع أحكاماً خاصة،
وتتمثل أهم هذه الصور في البيع بالعينة ،والبيع بالتقدير والبيع الجزاف ،والبيع
بشرط التجربة ،والبيع بشرط المذاق .وستناول شرح هذه الحاالت تباعاً على النحو
التالي:
-1تعريف البيع بالعينة :نصت على هذا النوع من البيوع ،المادة ()125
من القانون المدني ،بقولها -1 ":إذا كان البيع بالعينة وجب أن يكون المبيع
مطابقاً لها -2 .واذا تلفت العينة أو هلكت في يد أحد المتعاقدين ولو دون خطأ،
كان على المتعاقد بائعاً أو مشترياً أن يثبت أن الشيء مطابق للعينة أو غير
مطابق".
ويتم البيع في هذه الحالة على أساس نموذج أو عينة يقوم البائع بتقديمها
إلى المشتري ،بحيث إذا ما تم االتفاق بينهما على أساس هذه العينة ،التزم البائع
بتسليم المبيع إلى المشتري بصورة مطابقة للعينة المتفق عليها ،حتى ولو لم يوقع
– أي البائع – على العينة .1
-3مصير العينة :ال يخرج مصير العينة التي يقدمها البائع عن أحد
فرضين هما :2
أ -الفرض الول :إذا سلم البائع المبيع بصورة مطابقة للعينة التي قدمها
للمشتري :وهنا يلتزم المشتري بإبرام البيع ،وال يجوز له رفض التعاقد ،حتى ولو
رأى أن المبيع غير مالئم لحاجته أو العتبارات خاصة به؛ وذلك ألن البائع في
هذه الحالة قد أوفى بإلتزامه .3
ب -الفرض الثاني :إذا سلم البائع المبيع بصورة غير مطابقة للعينة التي
قدمها للمشتري :وفي هذه الحالة ال يجوز للمشتري طلب إبطال البيع؛ تأسيساً على
انتفاء العلم الكافي بالشيء المبيع ،ولكن يحق له :إما مطالبة البائع بالتنفيذ العيني
اللتزامه أي تسليمه شيئاً مطابقاً للعينة المتفق عليها .وان لم يستطع البائع ذلك،
كان من حق المشتري المطالبة بفسخ العقد مع التعويض إن كان له محل .وأخي اًر،
يجوز للمشتري قبول المبيع غير المطابق للعينة بشرط إنقاص الثمن إذا كانت قيمة
المبيع غير المطابق أقل من قيمة المبيع المطابق للعينة.
وعند وجود خالف بشأن مدى مطابقة العينة للمبيع من عدمه ،وقع على
البائع عبء إثبات المطابقة ،ويجوز في هذه الحالة االستعانة بخبير من أجل حسم
الخالف.
أ -الفرض الول :وفيه يحدث الخالف بين المتعاقدين حول حقيقة أو ذاتية
العينة :بأن يدعى أحد الطرفين عدم مطابقة العينة في الحالة التي تكون فيها
العينة في يد الطرف اآلخر – أي يد غير الطرف الذي يدعي عدم المطابقة : -
وهنا نطبق القواعد العامة في اإلثبات التي تقضي بأن من بيده العينة يشهد له
الوضع الظاهر ،ويقع على عاتق من يدعي عكس ذلك إثبات ما يدعيه .أي أن
من يدعي خالف الظاهر ،يتعين عليه أن يقيم الدليل على صحة ما يدعيه ،بأن
يثبت أن العينة الموجودة لدى المتعاقد معه ليست هي العينة المتفق عليها ،ويجوز
إثبات ذلك بكل طرق اإلثبات بما فيها البينة والقرائن.
ب -الفرض الثاني :وفيه تضيع أو تهلك أو تتلف العينة وهى في حيازة أحد
المتعاقدين ،سواء بخطأ منه أو بدون خطأ ،ويحدث الخالف بشأن مطابقة المبيع
للعينة :وهنا يقع على عاتق من كانت لديه العينة إثبات هذه المطابقة وجوداً
وعدماً ،وغالباً ما تكون العينة في يد المشتري وأحياناً في يد البائع .2
-2الطبيعة القانونية للبيع بالعينة :يرى الرأي الراحج أن البيع بالعينة ،بيعاً
باتاً من الوقت الذي يتفق فيه المتعاقدان على العينة أو النموذج الذي تم البيع على
أساسه؛ تأسيساً على أن العينة تقوم مقام تعيين محل البيع .وان كان بعض الفقه
يرى أن هذا البيع هو بيع معلق على شرط واقف .وآخرون يرون أنه بيعاً معلقاً
على شرط فاسخ .3
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 117 ،114؛ د حمدي محمد عطيفي،
المرجع السابق ،ص .42 ،41
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص .218
- 3د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي ،المرجع السابق ،ص .74
28
ثانياً :البيع بالتقدير والبيع الجزاف:
-1تعريف البيع بالتقدير :هوذلك البيع الذي يكون في حالة المثليات التي
تعين بالوزن أو الكيل أو المقاس .كأن يقول شخص آلخر بعتك ألف طن من
األسمنت .أي أن البيع يكون بالتقدير إذا احتاج المبيع في تعيينه إلى وزن أو كيل
أو مقاس أو عدد .ويجب أن يقع التقدير من البائع أو نائبه عند البيع أو عند
تسليم المبيع إلي المشتري ،ويلزم أن يتم ذلك في حضور المشتري أو نائبه .1
-5تعريف البيع الجزاف :نصت على هذا النوع من البيوع المادة ()124
مدني ،بقولها ":إذا كان البيع جزافاً ،انتقلت الملكية إلى المشتري على النحو الذي
تنتقل به في الشيء المعين بالذات ،ويكون البيع جزافاً ولو كان تحديد الثمن موقوفاً
على تقدير المبيع".
وعلى ذلك ،فالبيع الجزاف هو البيع الذي يتم على مجمل أشياء توجد في
مكان معين بصرف النظر عن مقدارها ،كما إذا باع الشخص ما في مخزنه من
بناء على ما
األرز أو القمح ،فهنا يعتبر البيع جزافاً على أساس أن المبيع تحدد ً
في المخزن دون تعيين .ويعتبر البيع جزافاً أيضاً ،حتى ولو تم على أساس حدوث
عد أو وزن أو قياس ،وهذا ما تعنيه العبارة الواردة بعجز المادة 124مدني .فالبيع
يعد جزافاً ما دام المبيع ال يحتاج في تعيينه إلى تقدير .كأن يبيع شخص ما في
مخزنه من صناديق الفاكهة بسعر كذا للصندوق الواحد؛ وذلك ألن العد أو الوزن
هنا ال يلزم لتعيين المبيع ولكن لتقدير جملة الثمن فقط .2
- 1د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي ،المرجع السابق ،ص 77؛ د رمضان أبو السعود،
المرجع السابق ،ص .82
- 2د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 298وما بعدها؛ د توفيق حسن فرج،
المرجع السابق ،ص .99
29
-3أهمية التمييز بين البيع بالتقدير وبيع الجزاف :يظهر هذا التمييز من
ناحيتين هما :1
أ -من حيث انتقال الملكية :تنتقل الملكية في البيع الجزاف بمجرد انعقاد
العقد .بينما ال تنتقل في حالة البيع بالتقدير إال بإفراز المبيع ،األمر الذي يترتب
عليه أن ثمار المبيع تكون من حق المشتري من وقت انعقاد العقد في حالة البيع
الجزاف ،وتكون من نصيبه في حالة البيع بالتقدير من وقت اإلفراز.
ب -من حيث تبعة الهالك :إذا أعذر البائع المشتري ليتسلم المبيع ثم هلك،
فإن المشتري هو الذي يتحمل تبعة الهالك وذلك في حالة البيع الجزاف .واذا أعذر
البائع المشتري في حالة البيع بالتقدير إلفراز المبيع ،ولم يقبل المشتري ،ثم هلك
المبيع ،فإن البائع هو الذي يتحمل تبعة الهالك.
-1تعريف البيع بشرط التجربة :جاءت أحكام البيع بشرط التجربة في
المادة ( )125مدني ،والتي نصت على أنه -1 ":في البيع بشرط التجربة ،يجوز
للمشتري أن يقبل المبيع أو يرفضه ،وعلى البائع أن يمكنه من التجربة .فإذا رفض
المشتري المبيع ،وجب أن يعلن الرفض في المدة المتفق عليها ،فإن لم يكن هناك
اتفاق على المدة ،ففى مدة معقولة يعينها البائع ،فإذا انقضت هذه المدة وسكت
-2ويعتبر البيع المشتري مع تمكنه من تجربة المبيع ،اُعتبر سكوته قبوالً.
بشرط التجربة معلقاً على شرط واقف هو قبول المبيع إال إذا تبين من االتفاق أو
الظروف أن البيع معلق على شرط فاسخ".
وعلى ذلك فالبيع بشرط التجربةُ ،يقصد به تمكين المشتري من تجربة المبيع
من أجل التأكد من صالحيته قبل أن يبرم العقد بصفة نهائية .1وال يغني عن
وتختلف طريقة االتفاق على شرط التجربة ،فقد يكون صريحاً كحالة النص
عليه صراحة ضمن بنود العقد ،أو ُذكر صراحة في االتفاق الشفوي بين البائع
والمشتري .وقد يرد بصورة ضمنية ُيستفاد من ظروف المعاملة أو من عرف
التعامل .3
-5االلتزامات التي تقع على عاتق البائع والمشتري خالل فترة التجربة:
أ -التزامات البائع :يلتزم البائع بمقتضى شرط البيع بالتجربة ،أن يمكن
المشتري من تجربة المبيع ،واال كان مخالً بالتزامه .4والقاعدة أن المشتري يقوم
بتجربة المبيع بنفسه ،وقد يستعين برأي شخص آخر كخبير مثالً .ويجب أن تجري
التجرب ة في الميعاد المتفق عليه بين البائع والمشتري ،وفي حالة عدم االتفاق على
مدة معينة للتجربة ،فإن البائع يستطيع أن يحدد مدة معقولة تحت رقابة القضاء .5
وبعد انتهاء التجربة وتمامها ،سواء في المعياد المتفق عليه أو المدة التي
حددها البائع ،وقبل المشتري المبيع ،اُعتبر البيع بيعاً تاماً ونهائياً ،وفي حالة
رفضه اُعتبر البيع كأن لم يكن .واذا سكت المشتري ولم يتضح موقفه سواء بالقبول
ب -التزامات المشتري :وتتحدد على ضوء الغرض من التجربة .فإذا كان
هذا الغرض هو التأكد من صالحية المبيع في ذاته لألغراض المبتغاة منه ،فال
يحق للمشتري العدول عن البيع إال إذا كان المبيع ال يصلح في ذاته ألداء
األغراض المنشودة منه .وعند النزاع حول مدى صالحية المبيع ألداء هذه
األغراض ،فالفيصل هنا هم أهل الخبرة وليس مجرد قول المشتري .واذا كان
الغرض من التجربة هو التأكد من مالئمة المبيع وصالحيته لتلبية رغبات
واحتياجات المشتري الشخصية ،فالمعيار في التأكد من هذه الصالحية ،هو قول
المشتري دون معقب عليه في ذلك .2
-3الطبيعة القانونية للبيع بشرط التجربة :يعتبر البيع في هذه الحالة ،وفقاً
لصريح نص المادة ( )121مدني سالفة الذكر ولألصل العام ،بيعاً معلقاً على
شرط واقف وهو قبول المبيع ،وهنا يكون البيع نافذاً قبل تحقق الشرط – والشرط
هنا هو قبول المشتنري للمبيع بعد تجربته سواء خالل المدة المتفق عليها أو المدة
المعقولة التي حددها البائع .-فإذا انتهت التجربة وتحقق الشرط ،أصبح المشتري
مالكاً للمبيع بأثر رجعي من وقت إبرام العقد وليس من وقت القبول .واذا تخلف
الشرط برفض المشتري للمبيع بعد التجربة ،فيعتبر أن المشتري لم يكن مالكاً
للشيء المبيع في أي وقت .3
- 1د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص 221؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق،
ص .41
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص .21
- 3د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 225وما بعدها؛ د حمدي محمد عطيفي،
المرجع السابق ،ص .44 ،45
32
وخالفاً لألصل المتقدم ،فقد ُيعلق البيع بشرط التجربة على شرط فاسخ ،وذلك
في حالة اتفاق األطراف صراحة على ذلك أو اُستخلص ذلك ضمنياً من ظروف
ومالبسات العقد .وهنا تعتبرملكية المشتري للمبيع معلقة على شرط فاسخ ،وهو
عدم قبول المشتري للمبيع وابالغ ذلك للبائع في الوقت المحدد .فإذا تحقق الشرط
وأعلن المشتري البائع برفض البيع ،انفسخ البيع بأثر رجعي .واذا تخلف الشرط
وقبل المشتري المبيع وأعلن ذلك للبائع في الميعاد المحدد أو سكت عن القبول أو
الرفض حتي انقضي الميعاد ،فهنا يصبح البيع باتاً ويعتبر المشتري مالكاً للمبيع
من وقت البيع .1
-1تعريف البيع بشرط المذاق :نصت على هذا النوع من البيوع المادة
( )122مدني ،بقولها ":إذا بيع الشيء بشرط المذاق ،كان للمشتري أن يقبل البيع
إن شاء ،ولكن عليه أن يعلن هذا القبول في المدة التي يعينها االتفاق أو العرف،
وال ينعقد البيع إال من الوقت الذي يتم فيه هذا اإلعالن".
وعلى ذلك فالبيع بشرط المذاق ،هو ذلك البيع الذي ينتشر في بعض
المبيعات التي ال يمكن الحكم على جودتها أو شرائها إال بعد تذوقها ،كالزيوت
واألنبذة والخل والزيتون وبعض الفواكه وسائر المأكوالت األخرى.
ويتم االتفاق على شرط المذاق إما بصورة صريحة أو بصورة ضمنية في
بعض البيوع التي ال يمكن شراؤها إال بعد تذوقها كالفاكهة .وأحياناً يستبعد
األطراف شرط المذاق ،سواء بصورة صريحة أو ضمنية كما إذا كان المشتري
تاج اًر في مثل األشياء المبيعة .2
والذي يقوم بتذوق الشيء هو المشتري نفسه ،وقد يستعين بشخص آخر للقيام
بعملية التذوق ،وفي جميع األحوال تخضع عملية التذوق لرقابة القضاء .وهنا يلتزم
البائع بتمكين المشتري من تذوق الشيء المراد بيعه خالل المدة المتفق عليها أو
المدة التي يقضي بها العرف .2واذا لم يقم المشتري بالمذاق في الميعاد المحدد،
فإن البائع ال ُيجبر على االنتظار ،ويكون له أن يعذره مع منحه المهلة الكافية
للقيام بذلك ،واذا استمر موقف المشتري ،تحلل البائع من التزامه .3
-5الطبيعة القانونية للبيع بشرط المذاقُ :يكيف هذا الشرط على أنه وعد
بالبيع ملزم لجانب واحد أي للمالك .4وفي هذا يختلف هذا البيع عن البيع بشرط
التجربة الذي يعتبر بيعاً معلقاً على شرط واقف أو فاسخ على حسب األحوال.
وعلى ذلك فالبيع في حالة المذاق ال يكون نهائياً إال بعد تذوق المشتري – باعتباره
موعود له – للشيء وقبوله به ويعتبر المشتري مالكاً لهذا الشيء من وقت القبول
34
وليس من وقت البيع .وذلك بخالف البيع بشرط التجربة ،والذي فيه ينعقد البيع منذ
وقت إبرام العقد متى تحقق الشرط.
وهذه المفارقة يترتب عليها أن تبعة هالك المبيع في بيع المذاق قبل قبول
المشتري تقع على عاتق البائع ،بينما تكون على عاتق المشتري في بيع التجربة
إذا كان البيع معلقاً على شرط فاسخ أو على البائع إذا كانت التجربة معلقة على
شرط واقف .1
الفصل الثاني
محل االلتزام على وجه العمومُ ،يقصد به األداء الذي يجب على المدين
القيام به لصالح الدائن .لذلك نجد في عقد البيع أن كل طرف دائن ومدين لآلخر
في نفس الوقت .فمحل التزام البائع هو نقل ملكية الشيء المبيع ،ومحل التزام
المشتري هو الوفاء بثمن هذا الشيء .وسنتعرض لهذين االلتزامين على الوجه
اآلتي:
المبحث الول
ال شك أنه يجب أن يتوافر في الشيء المبيع الشروط العامة الالزمة لصحة
محل العقد عموماً ،والتي تتمثل في أن يكون هذا الشيء موجوداً أو قابالً للوجود،
ومعيناً أو قابالً للتعيين ،ومشروعاً يصح التعامل فيه غير مخالف للنظام العام أو
- 1د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص 49 ،48؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص 29؛ د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص .227
35
اآلداب العامة .وكل هذه الشروط سنحيل في دراستها إلى النظرية العامة للعقد وال
جدوى من تكرارها في الصدد مرة أخري.
غير أن هناك أم اًر يتضمن قد اًر كبي اًر من األهمية بمكان في هذا الشأن ،وهو
وجوب أن يكون البائع مالكاً للشيء الذي يبيعه ،وهذا األمر يثير مشكلة هامة
وخطيرة أال وهي مشكلة بيع ملك الغير ،وهذه المشكلة سنتناولها بالتوضيح
المناسب على الوجه اآلتي:
تنص المادة ( )111مدني ،على أنه -1 ":إذا باع شخص شيئاً معيناً
بالذات وهو ال يملكه جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع .ويكون األمر كذلك ولو
-2وفي كل حال ال يسري هذا وقع البيع على عقار ،سجل العقد أو لم يسجل.
البيع في حق المالك للعين المبيعة ولو أجاز المشتري العقد".
وعلى ذلك ،فبيع ملك الغير ُيقصد به ،أن يبيع شخص شيئاً معيناً بالذات ال
يملكه ،كأن يبيع الزوج ماالً مملوكاً لزوجته ،أو يبيع أحد الورثة جميع أعيان
التركة ،أو أن يبيع واضع اليد مال الغير الذي يضع يده عليه قبل أن يكتسب
ملكيته بالتقادم ودون وجود أي نيابة تخوله ذلك .ويعتبر بيعاً لملك الغير ،بيع
عقار مملوكاً للغير ،وتسري على هذا البيع أحكام بيع ملك الغير؛ وذلك تأسيساً
على أن عقد البيع ينقل الملكية بطبيعته حتى مع تراخي هذا االنتقال لحين إتمام
إجراءات التسجيل .1
وال يعتبر بيعاً لملك الغير ،الحالة التي يكون فيها الشيء المبيع غير معين
بالذات أو شيئاً مستقبالً ،وكذلك الوعد بالبيع الصادر من غير المالك ،والبائع
-1أن يكون التصرف بيعاً ،قصد به نقل ملكية المبيع إلى المشتري مقابل
ثمن نقدي :فإذا كان التصرف الذي وقع على ملك الغير تصرفاً غير البيع
كاإليجار أو الرهن أو المقايضة ،فال يعد ذلك بيعاً لملك الغير وال تنبطق أحكام
هذا األخير .2
-2أال يكون المبيع مملوكاً للبائع وال للمشتري :حيث إن بيع ملك الغير يقوم
على أساس تصرف الشخص في شيء ليس له سلطة التصرف فيه نيابة عن
مالكه .فإذا كان المتصرف يمتلك مثل هذه السلطة أو كان حقه معلقاً على شرطاً
واقفاً أو فاسخاً ،لم نكن بصدد حالة بيع ملك الغير ،بل أن الحق المتصرف فيه
ينتقل إلى المتصرف إليه بنفس الوصف أي بنفس الحالة المعلق عليها .واذا كان
المبيع مملوكاً للمشتري ،فإنه يستحيل على البائع نقل ملكية المبيع إلى المشتري
ألنه مملوكاً له من األساس .3
-3يجب أن ينصب البيع على شيء معين بالذات :يلزم لكي نكون بصدد
حالة بيع ملك الغير ،التي تخول للمشتري حق طلب إبطال العقد ،أن يكون المبيع
شيئاً معيناً بالذات .ويقصد باألشياء المعينة بالذات تلك التي ال تتشابه فيما ببينها
وليس لها نظائر مشابهة لها وال تقوم مقام بعضها عند الوفاء ،وتنتقل ملكيتها في
الحال بمجرد العقد.
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 111وما بعدها؛ د محمد حسين منصور،
المرجع السابق ،ص .81
- 2د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .114
- 3د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 219؛ د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق،
ص 212؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .112
37
أما إذا كان المبيع معيناً بالنوع ،فال يقع بيع ملك الغير في هذه الحالة ،وال
يكون قابالً لإلبطال لمصلحة المشتري؛ ألن الملكية في هذه األشياء ال تنتقل
بمجرد العقد بل البد من إفراز القدر المبيع وتجنيبه عما يختلط به؛ ألنها تتشابه
فيما بينها وتقوم مقام بعضها عند الوفاء.
لقد بين المشرع طبيعة بطالن بيع ملك الغير في المادتين ( )117 ، 111
مدني ،بأنه بطالناً نسبياً .والدليل على ذلك العبارتين الواردتين في المادتين
المذكورتين ،ونصهما ... ":جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع ، "....وكذلك "
....إذا أقر المالك البيع ."...فال يجوز إال للمشتري وحده حق طلب البطالن،
كما أن هذا األخير يزول بأجازة المالك الحقيقي ،وكل هذه األمور من خصائص
البطالن النسبي.
وعلى الرغم مما تقدم ،فقد تعددت اآلراء بشأن أساس بطالن ملك الغير.
فالبعض يرى أنه ال يعتبر بطالناً بل فسخاً؛ تأسيساً على عدم قيام البائع بتنفيذ
التزامه بنقل الملكية .والبعض اآلخر ،أسسه على البطالن المطلق نتيجة لتخلف
ركني السبب والمحل.وهناك من يؤسس هذا البطالن على الغلط الذي يقع فيه
المشتري .وأخي اًر ،أسسه جانب من الفقه الفرنسي على أنه بمثابة دعوى ضمان
االستحقاق والتي يبادر المشتري برفعها قبل أن تُرفع عليه من المالك الحقيقي .1
تتمركز أحكام بيع ملك الغير في محورين :أولهما ،آثار هذا البيع في العالقة
بين كل من البائع والمشتري .وثانيهما ،آثار البيع في مواجهة المالك الحقيقي.
وذلك على التوضيح اآلتي:
* المحور الول :آثار بيع ملك الغير في العالقة بين البائع والمشتري:
الفرض هنا أن البائع يبيع شيئاً غير مملوك له ،وهذا أمر أقر المشرع قابليته
للبطالن لمصلحة المشتري ،وال شك أن هذا الحكم يهتم بمصلحة المشتري
ولضمان التأكد من ملكية البائع للمبيع .ويتضح اهتمام المشرع بمصلحة المشتري
في حالة بيع ملك الغير ،في األمور اآلتية:
-1حق المشتري في طلب إبطال البيع :سبق الذكر أن المشرع جعل بيع
ملك الغير قابالً لإلبطال لمصلحة المشتري ،الذي يجوز له اللجوء إلى القضاء
طالباً الحكم له بإبطال البيع عن طريق دعوى اإلبطال .ويمكنه أيضاً التمسك
39
باإلبطال في صورة دفع في دعوى مرفوعة عليه من البائع غير المالك حال
مطالبته بالثمن .1
ويحق للمشتري طلب البطالن بصرف النظر عن حسن أو سوء نية البائع،
أي أنه يستوي أن يكون البائع حسن النية يعتقد ملكيته للمبيع وقت البيع ،أو سيء
النية بأن باع الشيء رغم علمه بأنه مملوك للغير .وكذلك ال يشترط أن يكون
المشتري حسن النية ،بل يحق له طلب اإلبطال حتى ولو كان سيء النية أي يعلم
وقت البيع أن البائع ليس مالكاً للشيء المبيع .ويقع بيع ملك الغير قابالً لإلبطال
لمصلحة المشتري ،سواء كان محل البيع منقول أو عقار ،سجل العقد أم لم يسجل؛
ألن التسجيل ال يصحح عقداً باطالً أو قابالً للبطالن .2
وجدير بالذكر ،أن مكنة طلب اإلبطال تقررت للمشتري وحده دون البائع،
بمعنى أنه ال يجوز للبائع طلب إبطال البيع على أساس أنه باع ملك غيره .غير
أنه يجوز له طلب اإلبطال على أساس وقوعه في غلط جوهري ،وذلك بالضوابط
الواردة بالمادة ( )125والخاصة بعيب الغلط .3
-5حق المشتري في طلب فسخ البيع :حيث يجوز للمشتري قبل طلب
إبطال البيع ،أن يطالب البائع بتنفيذ التزاماته التي يلقاها على عاتقه عقد البيع،
كنقل ملكية المبيع وتسليمه وضمان التعرض ،فإذا أخل البائع بأي من التزاماته،
كان للمشتري حق طلب فسخ العقد .4
- 1د عبد الرزاق عبد السنهوري ،المرجع السابق ،ص 152؛ د رمضان أبو السعود ،المرجع
السابق ،ص 221؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .119
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 222؛ د رمضان أبو السعود ،المرجع السابق،
ص .221
- 3د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .127 ،124
- 4د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .121
40
-3حق المشتري في الــمطــالبة بالتــعويض :وف ـق ـاً لما نـصت ع ـليه ال ـمادة
( )114مدني ،فإنه يجوز للمشتري أن يطالب البائع بالتعويض إذا ما أُبطل
البيع ،وذلك عن األضرار التي لحقته والمكاسب التي فاتته بسبب هذا اإلبطال.
غير أنه يشترط لصحة هذه المطالبة ،أن يكون المشتري حسن النية ،أي ال يعلم
بأن البائع يبيع ملك غيره ،أما إذا كان سيء النية ويعلم ذلك ،فيقتصر حقه على
المطالبة بالثمن دون التعويض .وال يتأثر حق المشتري في بالمطالبة بالتعويض،
بحسن أو سوء نية البائع .1
* الحاالت التي يسقط فيها حق المشتري في طلب اإلبطال :يسقط هذا الحق في
الحاالت اآلتية:
وال ترتب هذه األجازة أي أثر بالنسبة للمالك الحقيقي ،بمعنى أن البيع ال
يسري في حقه بمقتضى هذه األجازة .ولألجازة أثر رجعي ،بمعنى أن أثرها فيما
بين المتعاقدين يستند إلى التاريخ الذي تم فيه العقد ،فيعتبر صحيحاً منذ إبرامه.
-5إقرار المالك الحقيقي للمبيع عقد البيع :إذا أقر المالك الحقيقي للمبيع
عقد البيع الذي أبرمه البائع غير المالك مع المشتري ،ترتب على ذلك سريان البيع
-1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 142 ،141؛ د سليمان مرقس ،المرجع
السابق ،ص 222؛ د رمضان أبو السعود ،المرجع السابق ،ص .224
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص .211
41
في حقه .وال يشترط أن يكون اإلقرار صريحاً ،بل يجوز أن ضمنياً ،كما لو وقع
المالك الحقيقي على البيع الصادر من غير المالك باعتباره ضامناً للبائع.1
ويجب مالحظة أن أثر إقرار المالك الحقيقي أوسع نطاقاً من أثر أجازة
المشتري ،بمعنى أن األجازة ال يترتب عليها سوى سقوط حق المشتري في طلب
اإلبطال ،ويظل العقد مع ذلك غير نافذ في مواجهة المالك الحقيقي .أما اإلقرار،
فيترتب عليه األثرين معاً ،فيسقط حق المشتري في المطالبة باإلبطال ،باإلضافة
إلى نفاذ العقد في مواجهة المالك الحقيقي .2
-8أيلولة ملكية المبيع إلى البائع :وذلك في الحالة التي يتملك فيها البائع
الشيء المبيع بأي سبب من أسباب كسب الملكية ،كأن يكون قد اشتراه من مالكه
أو تلقى ملكيته بالميراث أو الوصية .4
يقتضي بيان أثر بيع ملك الغير في مواجهة المالك الحقيقي للمبيع ،التفرقة
بين حالة عدم إقرار هذا المالك للبيع ،وبين حالة توافر هذا اإلقرار ،كالتالي:
-1بالنسبة لحالة عدم إقرار المالك الحقيقي للبيع :وهنا يعد هذا المالك
من الغير بالنسبة للبيع وأجنبياً عنه ،أي أنه ال يسري في حقه ولو أجازه المشتري.
ويستطيع المالك أن يرجع على المشتري بدعوى االستحقاق والتي يسترد بمقتضاها
المبيع من تحت يد هذا المشتري .وأن لم يستطع أن يسترده ألي سبب من
األسباب ،فله الحق في الرجوع على البائع بالتعويض .3
-5بالنسبة للحالة التي يقر فيها المالك الحقيقي البيع :وهنا يسري أثر
ويحتج عليه بهذا البيع ،ويسري البيع
البيع في مواجهة المالك الحقيقي بإق ارره لهُ ،
ومع هذا اإلقرار ،يظل العقد مرتباً اللتزاماته بين البائع والمشتري ،أي أنه ال
يترتب على اإلقرار حلول المالك الحقيقي محل البائع فيما كان يلتزم به هذا األخير
في مواجهة المشتري .وباألحرى ال تنشأ عالقة مباشرة بين المالك المقر والمشتري،
كل ما في األمر أن العقد يسري أثره أو ُيحتج به على المالك الحقيقي فقط دون أن
يكون بمقتضاه دائناً أو مديناً .كل ذلك ما لم يوجد اتفاق صريح على حلول المالك
محل البائع .1
المبحث الثاني
الثمن هو عبارة عن مبلغ من النقود يلتزم المشتري بدفعه إلى البائع في
مقابل التزام البائع بنقل ملكية المبيع إليه .وهو ركن في عقد البيع ال ينعقد العقد
بدونه .2والبد من توافر ثالثة شروط في الثمن وهي :أن يكون نقدياً ،وأن يكون
مقد اًر أو قابالً للتقدير ،وأن يكون جدياً .وسنتناول هذه الشروط في المطالب الثالثة
اآلتية:
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 212 ،217؛ د سهير منتصر ،المرجع السابق،
ص .227 ،224
- 2د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص .129 ،128
44
المطلب الول
نصت على نقدية الثمن ،المادة ( )114من القانون المدني عند تعريفها
لعقد البيع .ويجوز أن يكون الثمن مقدا اًر من النقد األجنبي .أما إذا كان الثمن
مقابل آخر غير النقود ،فال يعتبر العقد هنا بيعاً بل مقايضة ،كأن يتفق شخص
مع آخر أن ينقل له ملكية دار معينة ،على أن يعطيه الثمن خمسة أفدنة .وال
يعتبر ثمناً كذلك المقابل الذي يكون شيئاً مثلياً له سعر معروف في البورصة أو
األسواق كالحبوب واألسهم والسندات وكذلك سبائك الذهب واألوراق المالية واإليراد
المرتب .1
وال يغير من نقدية الثمن ،الحالة التي ُيذكرفيها الثمن النقدي في عقد البيع،
ويتفق األطراف على أن يتم الوفاء بهذا الثمن بإعطاء البائع ما يقابله من سلعة
معينة؛ وذلك ألن الوفاء بمقابل ال يتعلق بطبيعة االلتزام ذاته ولكن بطريقة تنفيذ
هذا االلتزام .2وال يشترط أن يكون الثمن النقدي معجالً أو مؤجالً ،أو أن ُيدفع
دفعة واحدة أو على صورة أقساط ،أو أن يدفعه المشتري نفسه أو غيره لحسابه .3
وأحياناً يتم االتفاق على أن يكون مقابل البيع ،مبلغاً من النقود وماالً آخر
غير النقود .والفيصل هنا هو مقارنة نسبة النقود بقيمة الشيء اآلخر ،فإذا زادت
قيمة الشيء عن مقدار النقود ،كان العقد مقايضةً ،وان كان العكس فالعقد بيعاً .4
- 1د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص 111؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص
.72
- 2د محمد حمدي عطيفي ،المرجع السابق ،ص .67
- 3د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص 112؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص
.219
- 4د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص .111 ،111
45
المطلب الثاني
يلزم أن يكون ثمن المبيع مقد اًر في عقد البيع أو قابالً للتقدير ،وذلك عمالً
بالقواعد العامة التي تحكم محل العقد والذي يجب أن يكون معيناً أو قابالً للتعيين.
بناء على
ويتم هذا التعيين بواسطة المتعاقدين في المقام األول ،واال فإنه ُيعين ً
مجموعة من األسس األخرى غير اتفاق المتعاقدين .وذلك على النحو التالي:
األصل أن البائع والمشتري باعتبارهما طرفي عقد البيع ،هما اللذان يقدران
ثمن الشيء المبيع معاً بمطلق حريتهما ،وال يحق لطرف أن يستقل بهذا التقدير
دون الطرف اآلخر ،منعاً لتعارض المصالح؛ إذ لو انفرد البائع بتقديره لغالى فيه
وغبن المشتري ،واذا انفرد المشتري بهذا التقدير لربما يبخس حق البائع في المبيع.
ُ
وتقير الثمن غالباً ما يتم صراحة في عقد البيع .وأحياناً ُيقدر بصورة ضمنية،
كما لو استلم المشتري فاتورة البضاعة المبيعة مكتوباً عليها ثمنها ولم يعترض على
هذا الثمن .1أما إذا لم يتفق الطرفان على تقدير الثمن صراحة أو ضمناً ولم يبينا
أسس تقديره ،كان البيع باطالً بطالناً مطلقاً؛ ألن الثمن كما ذكرنا ركن في عقد
البيع .2
وعلى الرغم من حرية المتعاقدين في تقدير الثمن ،إال أن هذه الحرية مقيدة
بعدة ضوابط ،تتمثل في وجوب أال يكون تقدير الثمن متوقفاً على محض إرادة
طرف دون آخر؛ ألن ذلك يترتب عليه في أغلب األحيان إما غبن المشتري أو
يحدث أحياناً أال يحدد المتعاقدين الثمن النقدي في عقد البيع ،ويكون العقد
خالياً من أي تحديد ،لذلك وضع المشرع مجموعة من األسس يمكن االستعانة بها
لتحديد هذا الثمن ،والتي تتمثل في سعر السوق ،والسعر المتداول في التجارة أو
العرف ،والسعر الذي اشترى به البائع ،وكذلك يمكن تحديده بواسطة أجنبي ،وذلك
وفقاً لما جاء بالمادتين ( )121 ، 123مدني .وسنتناول هذه األسس تباعاً على
البيان التالي:
-1تقدير الثمن على أساس سعر السوق :نصت المادة ( )2/ 123مدني،
على هذا األساس من أسس تقدير الثمن .وهنا يلتزم المتعاقدان معاً من حيث
المبدأ بتحديد السوق الذي سيتحدد الثمن على أساس السعر السائد فيه والوقت
الذي سيتم فيه التحديد .واذا اُتفق على االعتماد على سعر السوق دون تحديد أي
فيؤخذ بسعر السوق في المكان والزمان الذين يجب فيهما تسليم المبيع إلى
سوقُ ،
المشتري .واذا كان هذا المكان ال يوجد فيه سوق ،فيجب الرجوع إلى سعر السوق
في المكان الذي يقضي العرف بسريان أسعاره .2
-3تقدير الثمن على أساس الثمن الذي اشترى به البائع :وفي هذه الحالة
يتفق المشتري مع البائع على أن يدفع له نفس الثمن الذي اشترى به البائع المبيع
أو ثمناً يزيد قليالً عن هذا الثمن أو يقل عنه ،بحسب اتفاق الطرفين .ويجب أن
يكون البائع أميناً فيما يدلي به من معلومات سواء بالنسبة للثمن ذاته أو بالنسبة
لمالبسات الشراء كتأجيل الثمن أو تقسيطه .2
وعقد البيع الذي ُيترك فيه تقدير الثمن لشخص المفوض أو األجنبي ،يعتبر
عقداً معلقاً على شرط واقف وهو قيام هذا المفوض بتقدير الثمن .واذا قام المفوض
بمهمته وقدر الثمن ،فيعني ذلك تحقق الشرط بأثر رجعي ،أي يعتبر البيع قد تم
- 1د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص 21؛ د رمضان أبو السعود ،المرجع السابق،
ص .217
- 2د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .21
- 3د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص .218
48
بين المتعاقدين من تاريخ إبرام العقد بينهما وليس من وقت تقدير الثمن بواسطة
المفوض .واذا تخلف الشرط ألي سبب من األسباب ،كأن يموت المفوض قبل
التقدير ،اُعتبر البيع كأن لم يكن .1
ويلتزم البائع والمشتري بالثمن الذي يحدده المفوض وليس لهما أن يتضر ار
من تحديده .غير أنه قد يحدث ضرر بسبب هذا التقدير ألحد األطراف في حالة
ما إذا تواطأ المتعاقد اآلخر مع المفوض في تحديد الثمن .أو إذا ارتكب المفوض
خطأً جسيماً ،كأن يكون الثمن الذي قرره ال يتناسب مطلقاً مع قيمة المبيع .وأخي اًر،
إذا تجاوز المفوض حدود مهمته كأن يضع المفوض في اعتباره ما قد يط أر على
قيمة الحاصالت الزراعية من ارتفاع في الفرض الذي تكون فيه مهمته هي تحديد
قيمة هذه الحاصالت قبل جنيها فقط .2
واذا لم يقم المفوض بتقدير الثمن ،فال يجوز اجباره على ذلك بواسطة
القضاء ،كما ال يملك القاضي أن يعين شخصاً بدالً منه لتقدير الثمن ،وال أن يقوم
هو بتقديره سواء بنفسه أو عن طريق خبير يندبه لذلك؛ وذلك ألن القاضي ال
يستطيع أن يكمل عقد لم يستوف أحد عناصره الجوهرية .وهنا يجب على
المتعاقدان أن يقد ار الثمن بنفسهما أو يعهدا بهذا األمر لمفوض آخر .3
وبالنسبة لطبيعة عمل المفوض ،فقد اختلف الفقه بشأنها .فالبعض يرى أن
المفوض ما هو إال محكماً بين الطرفين في مسألة تقدير الثمن .والبعض اآلخر
يعتبرونه خبي اًر يستعين به المتعاقدان لتقدير الثمن .ويذهب الجانب الثالث من الفقه
إلى اعتبار العقد الذي بمقتضاه يتعهد المفوض بتقدير الثمن ،عقداً غير مسمى إذا
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 118؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص 21؛ د محمد على عمران ،المرجع السابق ،ص .218 ،212
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص .212 ،217
- 3د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .25
49
كان المفوض ال يتقاضى مقابالً لما يقوم به ،وعقد مقاولة إذا كان يتقاضي عوضاً.
غير أن الرأي الراحج يرى أن المفوض ما هو إال وكيالً عن طرفي البيع .1
المطلب الثالث
يقصد بالثمن الجدي ،ذلك الذي تكون إرادة الطرفين قد اتجهت إلى الزام
المشتري بدفعه بصورة فعلية ،باعتباره مقابالً حقيقياً للمبيع وليس بصورة رمزية.2
ويتميز الثمن الجدي عن غيره من األثمان األخرى ،كالثمن الصوري ،والثمن
التافه ،والثمن البخس .ونتعرض لتعريف كل ثمن من هذه األثمان على الوجه
اآلتي :3
والهبة التي يخفيها عقد البيع ذو الثمن الصوري ،قد تكون هبة مكشوفة ،أي
أن البائع يذكر في عقد البيع أنه وهب هذا الثمن للمشتري أو أبرأه منه ،ويجب أن
تُعقد هذه الهبة في ورقة رسمية .وأحياناً تكون هبة مستترة ،وفيها يتتنازل البائع
-5الثمن التافه :وهو الثمن الذي ال يقوم دليل على أن المتعاقدين قصدا
أال يلتزم المشتري بدفعه ،ولكنه يكون قليالً إلى الحد الذي ال يكون فيه أي تناسب
بين هذا الثمن وقيمة المبيع الحقيقية .1
وحكم البيع بالثمن التافه كحكم البيع بالثمن الصوري ،وهو أن عقد البيع ال
يصح بأي منهما؛ ألن الثمن هنا في حكم المنعدم وال يكون في حقيقته إال هبة
مكشوفة أو مستترة وليس بيعاً على االطالق.
-3الثمن البخس :وهو الثمن الذي يقل كثي اًر عن قيمة المبيع ،ولكنه ال
ينزل إلى مرتبة الثمن التافه الذي ال ينعقد به العقد .أي أنه يعتبر ثمناً جدياً ،ينعقد
به عقد البيع رغم التفاوت بينه وبين قيمة المبيع الحقيقية.
والثمن البخس ينطوي في حقيقته على غبن ،غير أنه ال يمكن مع هذا الغبن
طلب إبطال عقد البيع؛ وذلك ألن المشرع المصري لم يضع نظرية عامة مستقلة
للغبن على عكس المشرع الفرنسي ،ولكنه – أي المشرع المصري – اشترط
للتمسك بعيب الغبن أن يكون هناك استغالالً للطرف المغبون ،والذي يتمثل إما في
الطيش في البين أو الهوى الجامح.
وعلى الرغم من ذلك ،فقد خرج المشرع المصري على الحكم المتقدم ،خروجاً
صريحاً ،عندما أجاز للبائع ناقص األهلية أن يطالب بتكملة الثمن ،إذا كان في
البيع غبن يزيد على الخمس ،ولم يعلق المشرع المطالبة هنا على توافر استغالل
للبائع من عدمه .وسنتعرض لدراسة هذه الحالة بالتوضيح اآلتي:
- 1د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص 151؛ د ممدوح محمد خيري هاشم المسلمي،
المرجع السابق ،ص .92
51
* الغبن في بيع عقار مملوك لغير كامل الهلية:
ُيقصد بالغبن في البيع ،عدم التعادل بين قيمة المال الذي يلتزم البائع بنقل
ملكيته إلى المشتري والثمن الذي يلتزم المشتري بدفعه في مقابل ذلك .1
ولقد جاء النص على أحكام هذه الحالة القانونية في المواد من ( – 120
)127من القانون المدني .وتوجد هذه الحالة في الفرض الذي يبيع فيه شخص
غير مكتملة أهليته ،عقا اًر مملوكاً له وكان في البيع غبن يزيد على خمس قيمة
المبيع ،األمر الذي يترتب عليه حق البائع في رفع دعوى يطلب فيها تكملة الثمن
إلى أربعة أخماس ثمن المثل ،وتسمى هذه الدعوى بدعوى الغبن الفاحش.
وتُرفع دعوى الغبن الفاحش بصورة مستقلة ،أي ال يشترط أن يكون هذا الغبن
مصحوباً باستغالل سواء في صورة هوى جامح أو طيش بين .وهذه هي الصورة
الوحيدة التي أجاز فيها المشرع المصري رفع دعوى بسبب الغبن بصورة مستقلة
عن وجود استغالل للطرف المعبون.
ثانياً :شروط رفع دعوى الغبن الفاحش :تتثمثل هذه الشروط في اآلتي:
-1أن يكون المبيع عقا ارً :ويستوي في هذا الشأن ،حق الملكية العقارية
ذاته أو أي حق عيني آخر يرد على هذا العقار .أما إذا كان المبيع منقوالً ،فال
يجوز الطعن هنا بدعوى الغبن الفاحش ،ولكن يجوز الطعن طبقاً لنظرية
االستغالل ،وال يختلف الحكم بحسب نوع المنقول ،بل يسري على المنقوالت
بطبيعتها أو بحسب مآلها .2
واذا كان المبيع يتضمن في نفس الوقت عقا اًر ومنقوالً ،كمنزل ومفروشاته وتم
البيع صفقة واحدة بثمن واحد .فإذا كان البيع يقبل التجزئة ،قُسم الثمن على العقار
ويطعن بدعوى الغبن الفاحش في بيع العقار دون المنقول .وان تعذر والمنقولُ ،
إعمال التجزئة ،جاز الطعن في البيع كله بالغبن ،بشرط أال يدخل في حساب هذا
الغبن إال قيمة العقار وحده بما يمثله من نصيب في الثمن .2
وبالنسبة للبيوع االحتمالية أو بيوع الغرر ،فإنه ال يمكن الطعن عليها بدعوى
الغبن الفاحش؛ ويرجع ذلك لموضوعها الذي يحتمل المكسب والخسارة ،كالبيع
الذي يتم مقابل إيراد مرتب لمدى حياة البائع ،وبيع الحق في التركة في حالة عدم
معرفة نسبة ديون هذه التركة مقارنة بحقوقها ،كل ذلك ما لم يكن العقد احتمالياً في
الظاهر فقط ،أي كان المشتري متأكداً من أنه سوف يكسب ما يزيد على خمس
قيمة العقار .3
-5أن يكون العقار المبيع مملوكاً لشخص ال تتوافر فيه الهلية :يستوي
في ذلك عديم األهلية وناقصها .والعبرة في ذلك بشخص صاحب العقار وليس
بمن يباشر البيع نيابة عنه .فإذا كان من باشر عملية البيع هو غير مكتمل األهلية
بنفسه ،فيحق له في هذه الحالة االختيار بين دعوى الغبن الفاحش وبين دعوى
بطالن العقد أو إبطاله بحسب ما إذا كان عديم األهلية أو ناقصها .4أما إذا كان
-3أن يكون في البيع غبن يزيد على خمس قيمة العقار وقت إبرام العقد:
فإذ ا نقص الثمن بمقدار خمس قيمة المبيع أو أقل من الخمس وقت البيع ،لم يكن
هناك غبن فاحش .والعبرة بوقت البيع وليس بوقت رفع الدعوى أو الحكم فيها.
-8أال يكون البيع قد تم بالمزاد العلني وفقاً للقانون :وذلك ألن البيع الذي
بناء على نص القانون ،تُتبع فيه اإلجراءات المنصوص عليها في
يتم بطريق المزاد ً
قانون المرافعات ،والتي يؤدي إتباعها إلى حصول البائع على أعلى ثمن .2
ويستوي في هذا الشأن المزاد القضائي واإلداري طالما أن هناك نص قانوني
يتطلب المزاد العلني في البيع .3
ثالثاً :الشروط المترتبة على تحقق الغبن الفاحش ( دعوى تكملة الثمن ):
إذا توافر الغبن الفاحش بشروطه السابقة ،كان للبائع حق طلب تكملة الثمن
إلى أربعة أخماس ثمن المثل .غير أنه ال يحق له – أي للبائع – المطالبة
باإلبطال أو البطالن بسبب هذا الغبن إال إذا كان قد وقع في غلط أو ُدلس عليه
من المشتري أو الغير متى كان المشتري على علم بهذا التدليس أو كان
وتُرفع دعوى تكملة الثمن لتوافر الغبن الفاحش ،من صاحب العقار المبيع
نفسه بعد بلوغه سن الرشد أو ورثته بعد وفاته .وفي حالة عدم بلوغ صاحب المبيع
سن الرشد ،فإنه يجوز لنائبه القانوني أن يرفع هذه الدعوى نيابة عنه .وتُرفع
الدعوى على المشتري أو ورثته أمام المحكمة التي يوجد بها موطن المدعى عليه؛
لكونها دعوى بحق شخصي .2
واذا حكم القاضي بتكملة الثمن ،فإما أن يحصل صاحب العقار المبيع على
حقه المكمل لثمن المبيع بعد رفع الغبن ،وهنا ينفذ البيع في مواجهة البائع .واذا لم
يحصل صاحب العقار على حقه ،جاز له طلب فسخ عقد البيع طبقاً للقواعد
العامة .وفي حالة الحكم بالفسخ فإن المتعاقدان يعودان إلى الحالة التي كانا عليها
قبل التعاقد ،أي أن المشتري يرد للبائع العقار المبيع ،ويرد البائع للمشتري الثمن
مع جواز المطالبة بالتعويض إن كان له محل .3
غير أن المطالبة بالفسخ على النحو السابق ،تكون مقيدة بعدم اإلضرار
بالغير حسن النية الذي اكتسب حقاً عينياً على العقار المبيع .كأن يبيع المشتري
العقار أو يرهنه ويسجل الغير عقد البيع الصادر له من مشتري العقار أو يقيد
رهنه ،قبل أن يسجل البائع المغبون صحيفة دعوى الفسخ أو التأشير بها على
ويقصد بحسن النية هنا ،عدم علم
هامش تسجيل التصرف المطلوب فسخهُ .
المشتري أو المرتهن بالبيع المغبون فيه.
تختلف مدة سقوط دعوى تكملة الثمن ،بحسب أهلية مالك العقار المبيع.
فقبل اكتمال أهليته ،يجوز للنائب القانوني لمالك العقار أن يرفع هذه الدعوى في
أي وقت ،طالما ظل المشمول بالوالية غير كامل األهلية .وفي حالة اكتمال أهلية
هذا المالك ،فإنه يجوز له أن يرفع الدعوى بنفسه خالل ثالث سنوات من تاريخ
اكتمال اهليته ،فإذا مضت هذه المدة ،سقط حقه في رفعها.
واذا مات مالك العقار ،انتقل حقه في طلب تكملة الثمن إلى ورثته .فإن مات
المالك قبل اكتمال أهليته ،انتقل للورثة حق رفع الدعوى خالل ثالث سنوات من
تاريخ وفاة مورثهم .واذا حدثت الوفاة بعد اكتمال أهليته ،انتقل الحق في رفع
الدعوى للورثة في حدود المدة التي كانت مقررة لمورثهم ،بمعنى أنه إذا مات
صاحب العقار بعد سنة من اكتمال أهليته ،كان للورثة حق رفع دعوى تكملة الثمن
خالل سنتين فقط من تاريخ الوفاة.
- 1د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص 81؛ د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص
112؛ د محمد علي عمران ،ص .258
56
الباب الثاني
في
57
تمهيد وتقسيم:
تتمثل آثار عقد البيع في مجموعة االلتزامات التي يلقيها هذا العقد على
عاتق كل طرف من طرفيه .وتعتبر التزامات كل طرف حقوقاً بالنسبة للطرف
اآلخر .لذلك سنتعرض لدراسة التزامات البائع ( فصل أول) ،ثم اللتزامات المشتري
( فصل ثان ) .وذلك على النحو التالي:
الفصل الول
التزامات البائع
تتمثل التزامات البائع في عقد البيع ،بضرورة نقل الملكية ( مبحث أول).
والتزامه بتسليم المبيع ( مبحث ثان ) .وكذلك التزامه بضمان التعرض واالستحقاق
( مبحث ثالث ) .وأخي اًر ،التزامه بضمان العيوب الخفية ( مبحث رابع ) .وسنتناول
هذا اآلثار بالتفصيل اآلتي:
المبحث الول
جاء اإلقرار التشريعي اللتزام البائع بنقل ملكية المبيع ،في المادة ( )124
مدني ،التي نصت على أنه ":يلتزم البائع أن يقوم بما هو ضروري لنقل الحق
المبيع إلى المشتري ،وأن يكف عن أي عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق
مستحيالً أو عسي اًر ".
ويستفاد من النص المتقدم ،أن البائع يلتزم بإتيان األعمال اإليجابية التي
ُ
تساعد على نقل الملكية ،كتقديم المستندات التي تثبت الملكية والتصديق بالتوقيع
على عقد البيع إذا كان المبيع عقا اًر ،وافراز المبيع إذا كان منقوالً .كما يلتزم البائع
58
بعدم إتيان أياً من األعمال السلبية التي قد تعوق عملية نقل الملكية ،كالتصرف
في المبيع أو هدمه أو إتالفه .1
واذا خالف البائع التزامه السابق سواء من الناحية اإليجابية أو السلبية ،جاز
للمشتري أن يطلب التنفيذ العيني إن كان ممكناً ،واال فله حق المطالبة بفسخ العقد
مع التعويض إن كان له محل .واذا أصبح انتقال الملكية مستحيالً بسبب أجنبي ال
يد للبائع فيه ،كما لو هلك المبيع بسبب فيضان أو زلزال مثالً ،انقضى التزام البائع
بنقل الملكية .2
ويختلف التزام البائع بنقل ملكية المبيع ،بحسب محل هذا البيع ،وما إذا كان
منقوالً أو عقا اًر .لذلك سنتعرض لنقل ملكية المنقوالت ( مطلب أول ) ،ثم لنقل
ملكية العقارات ( مطلب ثان) .وسنوالي بيان ذلك:
المطلب الول
ُيقصد بالمنقول على وجه العموم ،كل ما يمكن نقله من مكانه دون تلف.
وتختلف طريقة نقل ملكية المنقول بحسب نوعه ،وما إذا كان منقوالً معيناً بالذات،
أو معيناً بالنوع.
نظمت المادتين ( )251 ، 432من القانون المدني ،أحكام نقل الملكية في
المنقوالت المعينة بالذات .حيث نصت المادة ( )432على أنه ":تنتقل الملكية
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 142 ،147؛ د ممدوح محمد خيري هاشم
المسلمي ،المرجع السابق ،ص .222
- 2د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .94 ،95
59
وغيرها من الحقوق العينية في المنقول والعقار بالعقد ،متى ورد على محل مملوك
للمتصرف طبقاً للمادة ."..... 251ونصت المادة ( )251على أنه ":االلتزام
بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر ،ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق ،إذا كان محل
االلتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم ،وذلك دون إخالل بالقواعد المتعلقة
بالتسجيل ".
-1أن يكون المبيع شيئاً معيناً بالذات :واألشياء المعينة بالذات ،هي التي
تتحدد عن طريق بيان خصائصها وصفاتها ،وتختلف آحادها وتتفاوت فيما بينها،
وال يقوم بعضها مقام بعض في الوفاء .فإذا كان المبيع آلة ،وُذكر في العقد كل
خصائصها وأوصافها التي تميزها عن غيرها ،فإن ملكيتها تنتقل بقوة القانون
بمجرد العقد .وعلى ذلك إذا كان المبيع غير معين بذاته ،فلن تنتقل الملكية بمجرد
العقد.
-5أن يكون المبيع مملوكاً للبائع وموجوداً وقت العقد :ويعني هذا الشرط
من ناحية أولى ،أن يكون البائع مالكاً للمبيع ،ففاقد الشيء ال يعطيه ،واذا حدث
وباع الشخص شيئاً ال يملكه ،كان ذلك بيعاً لملك الغير ،وهذا األخير ال يترتب
عليه نقل ملكية المبيع إلى المشتري فور إبرام العقد ولو كان وارداً على شيئاً معيناً
بالذات .1
ومن ناحية ثانية ،يعني هذا الشرط ضرورة أن يكون المبيع موجوداً عند
التعاقد ،فإذا كان شيئاً مستقبالً لم يكن البائع مالكاً له عند التعاقد ،وال يستطيع نقل
-3أال يتفق المتعاقدان على إرجاء نقل الملكية إلى وقت معين :تعتبر
قاعدة انتقال ملكية المنقوالت المعينة بالذات بمجرد إبرام العقد ،قاعدة مكملة
وليست آمرة ،بمعنى أنه يجوز للمتعاقدين االتفاق على ما يخالفها .لذلك يجوز
االتفاق على تعليق انتقال الملكية على شرط أو إضافته ألجل ،وهنا يتوقف انتقال
الملكية على تحقق الشرط أو انقضاء األجل .2
ُيقصد باألشياء المعينة بالنوع ،تلك التي يقوم بعضها مقام بعض في الوفاء،
والتي تقدر بالوزن أو بالكيل أو بالعدد أو بالمقاس ،مثل القطن والغالل واألقمشة.3
وانتـ ـقال م ـلكية المبيع في حالة المنقوالت المعينة بالنوع ،ال يكون إال
ويقصد
باإلفراز ،كما نصت على ذلك المادة ( )250مدني وكذلك المادة ( ُ .)433
وبعد تمام اإلفراز ،تنتقل الملكية إلى المشتري من تاريخ حدوث هذا اإلفراز،
سواء تسلم المشتري المبيع أو لم يتسلمه .وعلى ذلك ،فإذا تصرف البائع في المبيع
بعد ذلك ،فإنه يتصرف فيما ال يملك وال ُيعتد بتصرفه في مواجهة المشتري ،ما لم
يتمسك المتصرف إليه األخير أن يتمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز ما
دام كان حسن النية .1
وفي مرحلة ما قبل اإلفراز ،يقتصر أثر عقد البيع على مجرد انشاء التزامات
شخصية بين البائع والمشتري ،حيث يلتزم البائع بالقيام بكل ما هو الزم النتقال
ملكية المبيع إلى المشتري .والى أن يتم اإلفراز ،ال يعتبر المشتري إال مجرد دائن
عادي في مواجهة البائع وال يصبح مالكاً إال بعد فرز المبيع وتجنيبه .2
ويتم اإلفراز كقاعدة ،في الوقت الذي يجب فيه التسليم وفي مكانه ،ما لم يكن
هناك اتفاق يقضي بخالف ذلك .ويجب أن يكون المشتري عالماً بمكان وزمان
اإلفراز ،خاصة إذا لم ُيقترن اإلفراز بالتسليم .3
واذا امتنع البائع عن اتخاذ ما يلزم لتمام عملية اإلفراز ،كان من حق
المشتري أن يلزمه بذلك .واذا لم يستجب – أي البائع – جاز للمشتري أن يحصل
على شيء من النوع ذاته على نفقة البائع بعد استئذان القضاء أو دون استئذانه
المطلب الثاني
بناء على النص المتقدم ،فقد وضع المشرع قاعدة صريحة وقاطعة بشأنو ً
نقل ملكية العقارات ،وهو أن هذه الملكية ال تنتقل إال بالتسجيل ،سواء بين
المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير .والهدف من التسجيل في هذا المقام ،هو شهر
الحق العيني األصلي الوارد على العقار ،من أجل اإلحتجاج به على الغير .2
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 178؛ د سليمان مرقس ،المرجع السابق،
.294
- 2د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .211
63
بعد تسجيله ( فرع رابع ) .وأخي اًر ،أثر التسجيل عند تزاحم المشترين لذات العقار
(فرع خامس ) .وذلك على التفصيل اآلتي:
الفرع الول
باديء ذي بدءُ ،يقصد بنظام الشهر عموماً ،إجراء الغرض منه إعالم من
يريد التعامل في عقار معين ،بالحقوق التي سبق ترتيبها عليه عن طريق اإلطالع
على البيانات المتعلقة به والمثبتة في سجالت رسمية ،وأخذ شهادات من واقعها في
مقابل رسم معين .1
وبالنسبة لنظم الشهر القانونية ،فدول العالم تعرف نظامين للشهر وهما ،نظام
السجل الشخصي ،ونظام السجل العيني :1
-1نظام السجل الشخصي :وفيه يتم تسجيل المحررات وفقاً ألسماء أطراف
التصرف المراد شهره ،وعلى مسؤولية طالب التسجيل ،أي بدون تحر عن صحة
أو جدية التصرف المقدم للتسجيل .أي أن الغرض من هذا النظام هو العالنية فقط
،بقصد إعالم الغير بالتصرف الوارد على العقار وليس اضفاء الحجية على هذا
التصرف .2
ويقوم السجل الشخصي على أساس ،إثبات جميع البيانات الخاصة بالمحرر
المطلوب شهره في دفتر خاص بمكاتب الشهر العقاري ،مع اثبات رقم التسجيل
وتاريخ وساعة إجرائه ،واسم كل من طرفي التصرف ،والعقار محل التصرف.
ويحفظ أصل المحرر المراد تسجيله بمكتب الشهر العقاري المختص إن كان ُ
ويعطى ذوي الشأن
محر اًر عرفياً ،وتحفظ الصورة األولى منه إن كان محر اًر رسمياًُ ،
ويتميز هذا النظام من نظم الشهر بأمرين هامين .فمن ناحية ،فهو يتميز
بسهولة الوقوف على الوضع الحقيقي للعقار المراد التعامل فيه؛ لكون التعامل فيه
يقوم على أساس العقار ذاته وليس شخص المتصرف .ومن ناحية أخرى ،فإن
وفي مرحلة تشريعية الحقة ،أقر المشرع المصري نظام الشهر في
القانون المدني القديم ،وفيه تعددت جهات الشهر ما بين المحاكم الشرعية والمحاكم
وفي مرحلة تشريعية ثالثة ،صدر قانون التسجيل رقم 114لسنة ،1423
والذي اقتصر على تنظيم أحكام التسجيل تاركاً أحكام القيد للتنظيم الذي كان وراداً
في القانون المدني القديم.
وفي خطوة تشريعية أخيرة وحاسمة ،صدر قانون تنظيم الشهر العقاري رقم
111لسنة ،1411من أجل تفادي العيوب التي اكتنفت التشريعات السابقة .وكان
هذا القانون بداية إلدخال نظام السجل العيني .ويتمثل أهم ما جاء به هذا القانون
في األمور اآلتية:
-1توحيد جهات الشهر :وذلك بعد أن كان الشهر يتم أمام ثالث جهات
مختلفة سبق ذكرها ،أصبح الشهر بمقتضى هذا القانون يتم أمام جهة واحدة.
ويتضح ذلك من المادتين التاليتين من هذا القانون ،وهما:
أ -المادة األولى :وتنص على أنه ":ينشأ في المديريات والمحافظات مكاتب
للشهر العقاري تتولى شهر المحررات التي تقضي القوانين بتسجيلها أو بقيدها ".
ب -المادة الثانية :وتنص على أنه ":ينشأ مكتب رئيسي مقره مدينة القاهرة،
يرأسه أمين عام ُيعين بمرسوم ويتولى هذا المكتب إدارة مكاتب الشهر العقاري
ومراقبتها وحفظ صور لجميع المحر ارت التي ُشهرت فيها وصور من الفهارس
الخاصة بها".
68
والمحررات التي تخضع لنظام التسجيل ( الحقوق العينية األصلية ) على حد
سواء.
فبالنسبة للمحررات التي تخضع لنظام القيد ،فهي تشمل الحقوق العينية
العقارية التبعية ،وجاء النص على ذلك في المادة ( )12من قانون الشهر العقاري،
التي نصت على أنه ":جميع التصرفات المنشئة لحق من الحقوق العينية العقارية
التبعية أو المقررة لها ،وكذلك األحكام المثبتة لشيء من ذلك يجب شهرها بطريق
القيد .ويترتب على عدم القيد ،أن هذه الحقوق ال تكون حجة على الغير".
ويشمل نظام القيد أيضاً ،حالة تغيير الدائن األصلي في الديون المضمونة
بتأمين عيني عقاري ،وجاء ذلك في المادة ( )14التي نصت على أنه ":ال يصح
التمسك قبل الغير بتحويل حق مضمون بقيد أو برهنه وال التمسك بالحق الناشيء
من حلول شخص محل الدائن بهذا الحق بحكم القانون أو االتفاق ،وال التمسك
كذلك بمجرد القيد أو بالتنازل عن مرتبة القيد إال إذا حصل التأشير بذلك في
هامش القيد األصلي".
أ -يجب تسجيل جميع التصرفات التي يترتب عليها إنشاء حق من الحقوق
العينية العقارية األصلية أو نقله أو تغييره أو زواله ،وكذلك األحكام النهائية المثبتة
لشيء من ذلك ،وتتضمن هذه التصرفات الوقف والوصية .ويترتب على عدم
التسجيل أن هذه الحقوق ال تنشأ وال تنتقل وال تتغير وال تزول ال بين ذوي الشأن
التزمات
وال بالنسبة لغيرهم .وال يكون للتصرفات غير المسجلة بين أطرافها سوى ا
شخصية ليس إال .كما أنها ال تكون حجة على الغير قبل التسجيل .1
د -يجب التأشير بالمحررات المثبتة لدين من الديون العادية على المورث
في هامش تسجيل اإلشهادات أو األحكام أو السندات وقوائم الجرد المتعلقة بها.
ويحتج بهذا التأشير من تاريخ حصوله ،ومع ذلك إذا تم التأشير خالل سنة من ُ
تاريخ التسجيل المشار إليه؛ فللدائن أن يحتج بحقه على كل من تلقى من الوارث
حقاً عقارياً وقام بشهره قبل هذا التاريخ .3
هـ -أوجب هذا القانون شهر دعوى الطعن في التصرفات واجبة التسجيل،
كدعوى البطالن والفسخ واإللغاء والرجوع ،ودعوى االستحقاق وصحة التعاقد،
وذلك على النحو الذي بينته المواد من ( ) 14 – 10من القانون رقم 111لسنة
.1411
وان كنا نأمل – من وجهة نظرنا -من المشرع المصري ضرورة تعميم
تفعيل األخذ بنظام الشهر العيني أو على األقل محاولة تعميمه تدريجياً ،حيث إن
التعميم الكلي له خطوة واحدة سيواجهه عقبات إدارية ومالية كبيرة .ومرجع ذلك؛
أن األخذ بهذا النظام سيجنبنا عيوب نظام الشهر الشخصي ،السيما وأنه – أي
الشهر العيني – يضع في اعتباره األعيان محل التعاقد وليس أشخاص التعاقد،
على نحو يبث روح الثقة والطمأنينة بين األفراد عند تعاملهم على العقارات ،األمر
الذي ينعكس بدوره على إفادة االقتصاد القومي نتيجة لرواج وازدهار حركة البيع
العقاري بدون مخاوف أو على األقل لكي ال نبالغ في القول ،العمل على قلة
المخاوف التي تحيط باألفراد عند تعاملهم في الثروة العقارية.
* إجراءات الشهر:
ويلزم أيضاً ذكر البيانات الخاصة بأصل حق الملكية أو الحق العيني محل
التصرف ،وذلك من العقود واإلشهادات وأحكام صحة التعاقد ،وبيانات اسم المالك
السابق أو صاحب الحق العيني وطريق انتقال الملكية أو الحق العيني منه ورقم
وتاريخ شهر عقد التملك في حالة شهره .وأخي اًر ،بيان الحقوق العينية المقررة على
العقار المتصرف فيه وعلى األخص ارتفاقات الري والصرف .1
وتدون الطلبات التي تقدم للشهر على حسب تواريخ وساعات تقديمها بدفتر
مخصص لذلك بمأمورية الشهر .2ويجب على هذه المأمورية أن تعطي لطالب
الشهر نسخة من الطلب الذي قدمه مؤش اًر عليها برأيها في قبول إجراءات الشهر
أو ببيان ما يجب أن تستوفيه فيه .واذا لم يتقدم الطالب لتسلم هذه النسخة في
خالل ثالثة أيام من تاريخ التأشير عليها ،أُرسلت إليه في محل إقامته المبين في
الطلب بكتاب موصى عليه بعلم الوصول .3
وأخي اًر ،تُقدم المحررات التي تم التأشير على مشروعاتها بصالحيتها للشهر،
لمكتب الشهر المختص ،وذلك بعد توثيقها أو بعد التصديق على توقيعات ذوي
الشأن فيها إن كانت عرفية .2
الفرع الثاني
جاء بالمادة ( )431من القانون المدني سالفة الذكر ،أن الملكية في المواد
العقارية والحقوق العينية األخرى ،ال تنتقل سواء بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير
إال إذا روعيت األحكام المبينة في قانون تنظيم الشهر العقاري .وجاءت هذه
األحكام في المادة التاسعة من قانون تنظيم الشهر العقاري ،والتي نصت على
أنه .... ":ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها ال تنشأ وال تنتقل وال
تتغير وال تزول ،ال بين ذوي الشأن وال بالنسبة إلى غيرهم .وال يكون للتصرفات
غير المسجلة من األثر ،سوى االلتزامات الشخصية بين ذوي الشأن ".
وعلى ذلك ،فقد حسم نص المادة التاسعة المذكور آنفاً ،أثر عقد البيع غير
المسجل ،والذي يتمثل فقط في ترتيب التزامات شخصية بين أطرافه ،دون أن يصل
أثره إلى حد نقل الملكية ،ألن هذه األخيرة ال تنتقل ال بين المتعاقدين وال بالنسبة
للغير إال بالتسجيل.
-1النتائج القانونية المترتبة على عقد البيع غير المسجل :وتتمثل هذه النتائج
فيما يلي :1
أ -يظل البائع وورثته مالكاً للعقار المبيع بعقد غير مسجل ،ولكن هذه
الملكية مقيدة بالتزامهم بعدم التعرض للمشتري ،ومقيدة أيضاً بضمان تعرض الغير
المبني على سبب قانوني .وعلى ذلك إذا أقام المشتري بناء على العقار المبيع،
تملكه البائع تأسيساً على قواعد االلتصاق .2
ب -يجوز لدائني البائع التنفيذ على العقار المبيع بعقد غير مسجل؛ ألن
ملكية العقار ما زالت ثابتة له رغم وجود عقد البيع اإلبتدائي ( وهو العقد الذي
ُيحرر قبل التسجيل ،وبعد التسجيل يتحول لعقد نهائي ) .وعلى النقيض ،ال يجوز
لدائني المشتري التنفيذ على العقار المبيع بعقد غير مسجل؛ ألن الملكية لم تنتقل
بعد إلى مدينهم المشتري.
ج -ال يجوز للمشتري بعقد غير مسجل أن يرفع دعوى استحقاق على
البائع؛ ألن هذه الدعوى ال تُرفع إال من مالك ،والمشتري في هذه الحالة لم يصبح
مالكاً بعد ،واذا رفعها المشتري قبل التسجيل ،فلن يقبلها القاضي .غير أنه يجوز
للمشتري إجبار البائع على تنفيذ التزامه عيناً بنقل الملكية عن طريق وسائل قانونية
أعطاها المشرع للمشتري في هذه الحالة ،وسنتناولها بالتفصيل بعد قليل.
أ -يلتزم البائع بتسليم المبيع للمشتري في الزمان والمكان المقرران سواء
بنص القانون أو بمقتضى اتفاق األطراف .ويحق للمشتري إلزام البائع بذلك؛ وذلك
ألن االلتزام بتسليم المبيع ال يتوقف على تسجيل عقد البيع .واذا تم التسليم،
فللمشتري أن يضع يده على العقار وأن يحوزه حيازة قانونية ،وتثبت له أيضاً
دعاوى الحيازة الثالث ،فيحق له مثالً طلب طرد الغاصب للعين المبيعة.1
كما يحق للمشتري طلب فرض الحراسة القضائية على العين المبيعة إذا
خشي بقاءها تحت يد البائع .ويجوز له حبس الثمن حتي يتسلم العقار .وتكون
ثمار المبيع للمشتري من وقت انعقاد البيع ،طالما أن التزام البائع بالتسليم غير
مؤجل .2
ب -يلتزم البائع بنقل ملكية العقار المبيع إلى المشتري :حيث يلتزم البائع
بالقيام بكل ما هو ضروري لنقل ملكية المبيع للمشتري ،وأن يمتنع عن إتيان كل
ما يكون من شأنه عرقلة نقل الملكية .ويمكن للبائع أن ينفذ هذا االلتزام اختيارياً
بمحض إرادته أو جب اًر عنه عن طريق استعمال المشتري للوسائل القانونية التي
خولها إياه المشرع في حالة امتناع البائع عن نقل الملكية اختيا اًر.
ج -يلتزم البائع بضمان المبيع للمشتري ،ويحق لهذا األخير الرجوع على
البائع بالتعويض في حالة حدوث تعرض للمبيع من الغير أو من البائع نفسه أو
- 1د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص 197؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص
281؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص 212؛ د ممدوح محمد خيري هاشم
المسلمي ،المرجع السابق ،ص .252
- 2د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص .198
75
قُضي للغير باستحقاق العقار المبيع أو ظهرت في المبيع عيوباً خفية .1أي أن
البائع يلتزم بضمان عدم التعرض ،وضمان االستحقاق ،وضمان العيوب الخفية.
-3التزامات المشتري بمقتضى عقد البيع غير المسجل :ونوجزها فيما يلي:
أ -يلتزم المشتري بدفع ثمن المبيع ،وال يحق له االمتناع عن دفعه بحجة
عدم تسجيل العقد؛ ألن هذا االلتزام يلتزم به المشتري بصرف النظر عن تسجيل
عقد البيع من عدمه .كل ذلك ما لم يكن هناك اتفاق بين األطراف على تأجيل
الوفاء بالثمن .مع األخذ في االعتبار أنه يجوز للمشتري االمتناع عن دفع الثمن
في حالة عدم قيام البائع بتنفيذ التزامه بتسليم المبيع ،مستخدماً في ذلك – أي
المشتري – الدفع بعدم التنفيذ .2
ب -يلتزم المشتري بدفع مصروفات تحرير عقد البيع اإلبتدائي .كما يلتزم
بتسلم المبيع من البائع .وتقع على المشتري تبعة هالك المبيع إذا كان الهالك بقوة
قاهرة وتم قبل التسجيل ،ما دام قد تسلمه ووقع الهالك وهو تحت يده؛ وذلك ألن
المشرع المصري قد ربط تبعة الهالك بالتسليم وليس بانتقال الملكية .3
واجماالً لما سبق ،فإن عقد البيع غير المسجل ،يكون منتجاً لكل آثاره
القانونية باستثناء نقل الملكية؛ ألن المشرع قيدها بالتسجيل .وعلى ذلك فإن جميع
حقوق والتزامات عقد البيع غير المسجل تنتقل من كل طرف من الطرفين إلى
وارثه .فيلتزم وارث البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري أو إلى وارثه ،وبتسليمه
إليه ،وبضمان االنتفاع به في حدود موجودات التركة .وبالمثل يلتزم ورثة المشتري
بالثمن في حدود تركة المورث .4
ذكرنا آنفاً ،أن البائع يلتزم بنقل ملكية المبيع إلى المشتري ،وأن يقوم بما هو
ض ـروري لتمام تسجيل عقد البيع ،فإذا قام بذلك وتم تسجيل العقد ،فإنه – أي
البائع – يكون قد نفذ التزامه اختيا اًر ،وبرئت ذمته من هذا االلتزام.
أما إذا ماطل البائع ورفض القيام بإجراءات التسجيل ،كرفضه الذهاب لجهة
الشهر أو أنكر صدور البيع منه أو رفض التصديق على توقيعه ،فإنه يكون قد
أخل بتنفيذ التزامه .مما يترتب عليه حق المشتري في اللجوء إلى القضاء طالباً
الحكم له بفسخ عقد البيع مع الحكم بالتعويض أن كان له محل .ويحق للمشتري
أيضاً إجبار البائع على تنفيذ التزامه عيناً مستخدماً في ذلك دعوى صحة التعاقد
أو دعوى صحة التوقيع .1وغالباً ما يفضل المشتري الطريق األخير ،عن المطالبة
بالفسخ ،حفاظاً على حقوقه كاملةً.
-1تعريف دعوى صحة التعاقد :هي دعوى يرفعها مشتري العقار بعقد غير
مسجل ،على البائع له الذي رفض تنفيذ التزامه اختيا اًر بنقل ملكية هذا العقار عن
طريق إجراء التسجيل .ويلجأ المشتري لرفع هذه الدعوى في حاالت عديدة منها:
رفض البائع تسليم المشتري مستندات الملكية أو رفضه الذهاب إلى الشهر العقاري
إلجراء التسجيل ،أو رفضه التصديق على توقيعه ،أو إنكاره صدور البيع منه .1
ويشترط لرفع دعوى صحة التعاقد ،أن يكون المشتري قد وفي بكل التزاماته ُ
الناشئة عن عقد البيع ،وأهمها وفائه بثمن المبيع .كما يلزم أيضاً ،ضرورة أن يكون
التنفيذ العيني اللتزام البائع ممكناً ،فإذا تعذر هذا التنفيذ ،فلن تُقبل الدعوى .كالحالة
التي يبيع فيها البائع نفس العقار لمشتر ثان قام بتسجيل عقده قبل قيام المشتري
األول بتسجيل الحكم الصادر له في الدعوى أو قبل قيامه بالتأشير على هامش
تسجيل صحيفة الدعوى إذا كانت قد ُسجلت .فهنا يتعذر التنفيذ العيني ألن الملكية
ستنتقل إلى المشتري الثاني لكونه أسبق في التسجيل .2
وتنتقل دعوى صحة التعاقد إلى الورثة ،فيجوز لورثة المشتري رفعها على
البائع في حالة وفاة المشتري ،كما يجوز للمشتري رفعها على ورثة البائع في حالة
وفاة هذا األخير .ويجوز لدائني المشتري رفع هذه الدعوى إذا أهمل المشتري في
رفعها عن طريق الدعوى غير المباشرة .ويحق للبائع رفعها إذا كانت له مصلحة
في ذلك.
وتُرفع هذه الدعوى في أي وقت ولو بعد مضي خمسة عشر عاماً من وقت
التعاقد ،وال يجوز للبائع أو ورثته الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم؛ ألن هذا يتعارض
1د د سهير منتصر ،المرجع السابق ،ص 121؛ د حمدي محمد عطيفي ،ص .215
- 2د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص 112؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق،
ص .294
78
مع التزامهم بالضمان من ناحية .ومن ناحية أخرى ،ألن دعوى صحة التعاقد
تعتبر دعوى استحقاق مآالً – أي مستقبالً بعد صدور الحكم وتسجيله – ودعوى
االستحقاق ال تسقط بالتقادم .1
-5طبيعة دعوى صحة التعاقد :تعتبر هذه الدعوى ،دعوى شخصية عينية.
فهى دعوى شخصية؛ ألن رافعها وهو المشتري ،يستند في رفعها إلى حق شخصي
متولد عن عقد البيع ،وهو التزام البائع بنقل ملكية المبيع .وتعتبر دعوى عينية أو
عقارية؛ ألن المقصود منها التوصل إلى نقل ملكية عقار أو حق عيني عليه.
أ -بالنسبة لالختصاص القيمي ( وهو الذي يتحدد على أساس قيمة الدعوى
) :وهنا تقدر قيمة الدعوى بحسب قيمة العقار المبيع .وحددت المادة ( ) 37من
بناء عليها تحدد قيمة الدعوى في مثل هذه الحاالت.
قانون المرافعات األسس التي ً
فإن كان المبيع من العقارات المبنية ،قُدرت قيمة العقار على أساس خمسمائة مثل
من قيمة الضريبة المفروضة على العقار.
وان كان المبيع من العقارات غير المبنية ،قُدرت قيمته على أساس أربعمائة
مثل من قيمة الضريبة األصلية .واذا كان العقار غير مربوط عليه ضريبة ،قدرت
المحكمة قيمته .وفي األخير ،إذا لم تجاوز قيمة العقار عشرة اآلف جنيهاً ،كان
النظر في الدعوى من اختصاص المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار .وان
جاوزت قيمته المبلغ المذكور ،كان االختصاص من نصيب المحكمة االبتدائية
الواقع في دائرتها العقار.
أ -يجوز للبائع في سبيل عدم تنفيذ التزامه بنقل الملكية ،أن يتمسك بأي دفع
يؤدي إلى عدم التنفيذ ،كالدفع بالصورية ،أو بالبطالن إلنعدام الرضا أو لعد
مشروعية المحل أو السبب ،أو الدفع بإبطال العقد لتعيب إرادته بأحد عيوب
اإلرادة ،أو لنقص أهليته .كما يجوز للبائع أن يدفع دعوى المشتري بدعوى فرعية
بفسخ عقد البيع لعدم وفاء المشتري بالتزاماته .2
ب -ال يمكن للمحكمة أن تقضي بصحة ونفاذ عقد البيع لصالح المشتري،
إال إذا كانت ملكية المبيع ثابتة للبائع .فإذا أُثيرت منازعة بشأن ملكية البائع للمبيع
كله أو بعضه ،وجب على المحكمة أن تفصل في هذه المنازعة قبل الحكم بصحة
التعاقد ونفاذه .3
د -يجوز للمالك الحقيقي للمبيع في حالة ما إذا كان هذا األخير غير مملوك
للبائع المرفوع عليه الدعوى ،أن يتدخل في هذه الدعوى طالباً الحكم برفضها؛
تأسيساً على عدم ملكية البائع للمبيع .كما يجوز للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن
تأمر بإدخال من ترى أن إدخاله الزماً لمصلحة العدالة أو إلظهار الحقيقة .1
وتتمثل مصلحة المالك الحقيقي للمبيع في التدخل هنا ،في أال ينتظر حتى
يحكم القاضي في الدعوى ثم يضطر بعد ذلك لرفع دعوى مبتدأة بطلب شطب
التسجيل ،في الفرض الذي يكون فيه المشتري قد حصل على حكم لصالحه وقام
بتسجيله .وعلى ذلك ،فإذا تدخل المالك الحقيقي في الدعوى أو أُدخل فيها ،كان
على المحكمة أن تقضي برفض دعوى صحة ونفاذ عقد البيع .2
وترتيباً على ما تقدم ،فإذا تعرض القاضي لموضوع العقد محل دعوى صحة
التعاقد ،ووجد أنه بيعاً حقيقياً مستوفياً ألركان وجوده وشروط صحته ،قضى بصحة
العقد وبنفاذه .ويجوز الطعن في هذا الحكم طبقاً للقواعد العامة في قانون
المرافعات .ومتى أصبح الحكم نهائياً ،حاز حجية األمر المقضي فيما يتعلق
بصحة العقد ونفاذه .وعلى ذلك فالملكية تنتقل إلى المشتري رافع الدعوي بشرط أن
يكون قد سجل الحكم الصادر له أوالً .3
لذلك أجاز المشرع للمشتري ،تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد بعد
إعالنها للبائع وقيدها بجدول قيد القضايا بالمحكمة ،ثم التأشير بالحكم الصادر
فيها على هامش تسجيل صحيفة الدعوى .ويترتب على ذلك ،اعتبار الحكم
الصادر في الدعوى ،مقر ًار لحق رافعها – أي المشتري – من تاريخ تسجيل
صحيفة الدعوى وليس من تاريخ صدور الحكم .وعلى ذلك يستطيع المشتري أن
ابتداء
ً يحتج بهذا الحكم على كل من آل إليه حق من المدعى عليه – أي البائع –
من تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى وليس من تاريخ صدور الحكم ذاته .كل ذلك
بهدف مواجهة حيل البائع سيء النية وحماية المصالح والتوقعات المشروعة
للمشتري .1
وأحياناً يحدث أن يحصل المشتري على حكم بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر
له من البائع ،ويقوم بتسجيل صحيفة الدعوى ،غير أنه – أي المشتري – يهمل في
تسجيل هذا الحكم .فهل يكون للمشتري هنا مطلق الحرية بالنسبة للوقت الذي
يحق له فيه تسجيل هذا الحكم أم أنه مقيد بوقت معين يلتزم خالله بتسجيله؟
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 511وما بعدها؛ د محمد علي عمران،
المرجع السابق ،ص 297؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .211
82
لقد وضع المشرع للمشتري إطا اًر زمنياً يلتزم خالله المشتري بتسجيل الحكم
الصادر بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له ،وذلك بمقتضى القانون رقم 20لسنة
1471المعدل لقانون تنظيم الشهر العقاري رقم 111لسنة .1411وبموجب هذا
القانون يجب على المشتري أن يبادر بالتأشير على هامش الصحيفة المسجلة
بالحكم الصادر له ،وذلك خالل خمس سنوات من التاريخ الذي يغدو فيه الحكم
نهائياً ،أو خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون رقم 20لسنة 1471بالنسبة
للحاالت السابقة على تاريخ صدوره .1
وترتيباً على ما تقدم ،فإنه ال ُيحتج بالحكم الصادر في دعوى صحة التعاقد
والذي لم ُيسجل خالل المدة المحددة ،على من كسب بحسن نية حقاً عينياً على
العقار المبيع ،حتى ولو كان حق الغير حسن النية قد نشأ الحقاً لتاريخ تسجيل
ويقصد بحسن النية هنا ،أال يكون الغيرعلى علم بالتصرف
صحيفة هذه الدعوىُ .
الصادر من البائع للمشتري رافع الدعوي ،وأال يكون هناك غش أو تواطؤ بينهم –
أي بين مكتسب الحق والبائع . -
ولقد أدخل المشرع تعديالً جوهرياً على دعوى صحة التعاقد بمقتضى القانون
رقم 1لسنة .2 1441وبموجب هذا القانون ،أوجب المشرع ضرورة شهر صحيفة
دعوى صحة التعاقد كشرط لقبول الدعوى أمام القضاء ،وذلك بعد أن كان تسجيلها
متروكاً إلرادة المدعي .وبالنسبة للطلبات العارضة وطلبات التدخل وطلبات اثبات
الصلح الشفهي أو الكتابي ،التي تُقدم في دعوى صحة التعاقد ،فال يلزم شهرها،
ولكن بشرط أن تُشهر صحيفة هذه الدعوى قبل تقديم هذه الطلبات.
أما إذا كانت الدعوى المرفوعة ،دعوى أخرى غير دعوى صحة التعاقد،
كدعوى الفسخ التي يرفعها البائع على المشتري لعدم الوفاء بالثمن ،فأي طلب
عارض أو طلب تدخل أو طلب إثبات صلح يتعلق موضوعه باثبات صحة ونفاذ
التعاقد بخصوص العقار المبيع ،يلزم شهره حتى يلقى قبوالً من القضاء.3
-1تعريف دعوى صحة التوقيع :هي دعوى تحفظية يرفعها المشتري بعقد
عرفي أو ورثته على البائع أو ورثته ،يطلب فيها من القاضي اثبات صحة توقيع
البائع أو ختمه أو بصمته على عقد البيع .ويلجأ إليها المشتري عندما يمتنع البائع
عن القيام باإلجراءات الالزمة لتمام تسجيل العقد .وأحياناً يفضل المشتري رفع هذه
أ -الفرض الول :إذا حضر البائع وأقر أمام القضاء بأن التوقيع الذي هو
على المحرر توقيعه هو ،قضت المحكمة بصحة التوقيع الصادر منه ،وبإلزام
المشتري بمصروفات الدعوى .ونفس الحكم ينطبق إذا تغيب البائع عن حضور
جلسات المرافعة .3وفـ ـي هذه الحالة يقوم هذا الحكم مقام التصديق على عقد
البيع .وبمقتضى هذا الحكم يستطيع المشتري أن يتقدم إلى مكتب الشهر العقاري
- 1د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص 572 ،577؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .214
- 2د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .212
- 3د سهير منتصر ،المرجع السابق ،ص .125
85
المختص ومعه عقد البيع العرفي والحكم الصادر لمصلحته ،فتتم إجراءات
التسجيل دون حاجة إلى تدخل البائع .1
ب -الفرض الثاني :إذا حضر البائع وأنكر صدور التوقيع منه :وهنا تتخذ
الم ـحك ـمة إج ـراءات ت ـحق ـيق ال ـتوقي ـع والتي وردت في قانون االثبات في المواد من
( .) 14 – 35ويتم هذا التحقيق عن طريق المضاهاة بين التوقيع الوارد على
عقد البيع العرفي وبين توقيع البائع الذي يتم استكتابه له أو التوقيع الذي يكون
البائع مق اًر بصدوره منه أو التوقيع الذي يكون ثابتاً في ورقة رسمية .2
وبانتهاء تحقيق التوقيع ،يتضح مدى صحة نسبة التوقيع إلى البائع ،فإن كان
توقيعه حكمت المحكمة بذلك ،وترتب على الحكم األثر السابق ذكره في الفرض
األول .واذا اتضح عدم صحة التوقيعُ ،ردت الورقة على من تمسك بها ،وفقدت
قوتها في مواجهة البائع .3
-8الفرق بين دعوى صحة التعاقد ودعوى صحة التوقيع :تتضح هذه
الفروق في األمور اآلتية:
أ -من حيث المضمون :تعتبر دعوى صحة التعاقد ،دعوى موضوعية
يتعرض فيها القاضي للتصرف محل هذه الدعوى من حيث صحته وعدم صحته،
ووجوده أو انعدامه وزواله ،وكذلك التحقق من مدى وفاء كل طرف بالتزاماته
الواردة في المحرر المرفوع به الدعوى .أما دعوى صحة التوقيع ،فهي دعوى
تحفظية يقتصر أثرها فقط على مجرد اطمئنان من بيده محرر عرفي أن الموقع
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 299 ،298؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .214
- 2د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .217
- 3د سهير منتصر ،المرجع السابق.125 ،
86
على هذا المحرر ال يستطيع بعد الحكم في الدعوى بصحة توقيعه ،أن ينازع في
هذا التوقيع.
ب -من حيث التسجيل :استلزم المشرع ضرورة تسجيل صحيفة دعوى
صحة التعاقد ،لكي ُيحتج بالحكم الصادر فيها بأثر رجعي ،أي من يوم تسجيل
الدعوى وليس من يوم صدور الحكم .أما دعوى صحة التوقيع ،فلم يشترط المشرع
تسجيلها ،ولذلك فالحكم الصادر فيها ال يكون له حجية إال من وقت صدوره
وتسجيله ،أي بدون أثر رجعي.
ج -من حيث رسوم رفع الدعوى :فرض المشرع على رفع دعوى صحة
التعاقد ،رسم نسبي يختلف باختالف محل الدعوى أو موضوعها .أما في دعوى
صحة التوقيع ،فالرسم المفروض على رفعها ،رسم ثابت وغالباً يكون أقل بكثير من
الرسم النسبي .وهذا األمر يجعل كثي اًر من المتقاضين يفضلون رفع دعوى صحة
التوقيع بدالً من رفع دعوى صحة التعاقد ،باإلضافة إلى سهولة وقصر أجراءات
دعوى صحة التوقيع .1
د -من حيث أثر الحكم أو حجيته :تقتصر حجية الحكم الصادر بصحة
التوقيع ،على صحة هذا التوقيع فقط دون أن يكون له أثر بالنسبة إلى صحة
التزامات الطرفين الناشئة عن العقد .وذلك على عكس الوضع في دعوى صحة
التعاقد ،فإذا قُضي فيها بصحة التعاقد ،كان هذا الحكم حجة بالنسبة لجميع
االلتزامات الواردة في العقد محل الدعوى.
ولذلك ،يجوز للبائع رغم صدور الحكم في دعوى صحة التوقيع بصحة
توقيعه ،أن يرفع على المشتري دعوى ببطالن العقد أو فسخه أو زواله ألي سبب
الفرع الثالث
-1نصت المادة الولى من القانون على أن تضاف مادة جديدة برقم (32
مكر ارً) إلى القانون رقم ( )118لسنة 1186بتنظيم الشهر العقاري نصها
اآلتي:
" إذا كان سند الطلب حكماً نهائياً يثبت إنشاء حق من الحقوق العينية
العقارية األصلية ،أو نقله ،أو تقريره ،أو تغييره ،أو زواله ،يجب على أمين المكتب
إعطاء الطلب رقماً وقتياً شه اًر أو قيداً في سجل خاص لكل منهما ُيعد لذلك بعد
سداد الرسم المقرر ،ويتحول الرقم الوقتي إلى رقم نهائي ،ويترتب عليه اآلثار
المترتبة على شهر المحرر أو قيده ،وذلك عند عدم االعتراض عليه أو رفض
االعتراض.
وعلى شركات الكهرباء والمياه والغاز وغيرها من الشركات والجهات والو ازرات
والمصالح الحكومية عدم نقل المرافق والخدمات ،أو اتخاذ أي إجراء من صاحب
الشأن يتعلق بالعقار إال بعد تقديم السند الذي يحمل رقم الشهر أو القيد.
-5نصت المادة الثانية على أن ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل
به بعد ستة أشهر لتاريخ نشر.
الحكم
وسنتناول بيان هذا التعديل بإيجاز من خالل إيضاح الحكمة منه ،و ُ
الخاص به ،والجزاء المترتب على عدم إعمال ُحكمه:
ومن المعلوم أنه من الناحية العملية نجد أن القيام بالتسجيل القضائي يتطلب
الكثير من اإلجراءات سواء بالنسبة لرفع دعوى صحة ونفاذ العقد ،أو بالنسبة
89
لتسجيل الحكم الخاص بهذه الدعوى بعد صدوره .فالحصول على الحكم ذاته قد
يستغرق سنة أو أكثر من ذلك ،ونفس األمر بصورة تقريبية بالنسبة لتسجيل هذا
الحكم ،األمر الذي تكون نتيجته في األخير عزوف الكثير من األفراد عن القيام
جديدا يشجع األفراد على
ً كما
قضائيا ،لذلك أوجد هذا التعديل ُح ً
ً بتسجيل عقاراتهم
قانونيا في حالة عدم التسجيل:
ً اء
إجراء التسجيل ،وكذلك جز ً
ورغبة من المشرع في احترام حقوق جميع األفراد على العقار محل التسجيل
(أو محل حكم دعوى الصحة والنفاذ) ،فقد أجاز االعتراض على الرقم المؤقت،
ويكون هذا االعتراض أمام قاضي األمور الوقتية خالل شهر من تاريخ نشر هذا
مصحوبا بحكم الصحة والنفاذ الصادر للمشتري في إحدى الصحف اليومية
ً الرقم
واسعة االنتشار على نفقة صاحب الشأن (أي المشتري الصادر له حكم الصحة
والنفاذ).
وبعد ذلك يبحث القاضي االعتراض المقدم على إعطاء الرقم المؤقت.
ويلغي
وينتهي هذا البحث إلى أمر من أمرين :فإما أن يقبل القاضي االعتراض ُ
الرقم المؤقت ،واما أن يرفض االعتراض ويؤيد إعطاء الرقم المؤقت ،وبعدها
يتحول هذا الرقم إلى رقم نهائي .كل ذلك خالل سبعة أيام من تاريخ رفع
االعتراض إلي القاضي المختص مقترًنا بالمستندات المؤيده له ،ويكون القرار
90
نهائيا في هذا الشأن ،وفي جميع الحاالت يلتزم القاضي بتسبيب ما انتهى إليه
ً
سواء في حالة قبول االعتراض أو في حالة رفضه.
وكان األمر قبل هذا التعديل ،أن المشتري الذي يتحصل على حكم نهائي
بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له من البائع ،يلتزم بتسجيل هذا الحكم .فكان عليه
الذهاب إلى الموظف المختص في مأمورية الشهر العقاري المختصة بالتسجيل،
ليجري إجراءات تسجيل حكمه والتي كانت تمر بدورة مستندية معقدة ومرهقة
للغاية ،والتي كانت تعادل نفس الدورة المستندية في حالة الحصول على الحكم
ذاته.
فمن أجل تفادي هذا التعقيد وهذه اإلجراءات الروتينية ،فقد أقر المشرع
لصاحب الشأن ،مكنة الذهاب مباشرة إلى األمين العام لمكتب الشهر العقاري (وهو
الذي كان يلجأ إليه صاحب الشأن بعد عناء شديد وفي ختام الدورة المستندية
المعقدة) بدالً من إعادة اإلجراءات بالذهاب إلى الموظف المختص .وهنا يلتزم
قما مؤقتًا،
األمين العام بإعطاء صاحب الشأن الصادر له الحكم بالصحة والنفاذ ،ر ً
نهائيا في حالة ما إذا لم عترض عليه أحد أوقما ًوالذي بدوره إما أن يتحول إلى ر ً
تم االعتراض ولكن تم رفضه من قاضي األمور الوقتية ،واما أن ُيلغى هذا الرقم
المقت في حالة قبول االعتراض المقدم عليه.
ج -الجزاء المتراتب على مخالفة حكم التعديل المذكور :نص المشرع في
المادة األولى من القانون رقم 141لسنة ،2525على التزام شركات الكهرباء
والمياه والغاز وغيرها من الشركات والجهات والو ازرات والمصالح الحكومية ،بعدم
نقل المرافق والخدمات ،أو اتخاذ أي إجراء من صاحب الشأن يتعلق بالعقار إال
بعد تقديم السند الذي يحمل رقم الشهر أو القيد.
91
وينبغي مالحظة أن األحكام الخاصة بالتعديل محل الحديث ،تقتصر فقط
على التسجيل القضائي ،وال تنطبق على التسجيل الرضائي .وهذا األخير يكون في
حالة ما إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع بموجب عقد مسجل أو مشهر ،فيذهب
البائع مع المشتري إلى الشهر العقاري للتوقيع على العقد النهائي أمام الموظف
المختص أو يحرر توكيل بالبيع لصالح المشتري .وهذا االقتصار ُيستفاد من مطلع
نهائيا،
ً حكما
نص المادة األولى بقولها إذا كان سند الطلب (أي طلب التسجيل) ً
والحكم النهائي ال يكون إال في حالة التسجيل القضائي فقط .
الفرع الرابع
يترتب على تسجيل عقد البيع ،انقضاء التزام البائع بنقل ملكية المبيع إلى
المشتري .إذ بتمام التسجيل تنتقل الملكية بالفعل سواء بين المتعاقدين أو بالنسبة
للغير ،ويصبح المشتري مالكاً للمبيع .يستوي في ذلك أن يتم التسجيل اختيارياً من
جانب البائع ،أو يكون اجبارياً من جانب المشتري برفعه إما دعوى صحة التعاقد
واما دعوى صحة التوقيع .وذلك حسبما جاء بالمادة ( )431من القانون المدني،
والمادة التاسعة من قانون تنظيم الشهر العقاري ،سالفي الذكر.
غير أن التسجيل وحده غير كاف لنقل ملكية المبيع بصورة صحيحة ،ولكن
يلزم باإلضافة إلى التسجيل ،وجوب أن يستند هذا األخير إلى عقداً صحيحاً
مستوفياً ألركان وجوده وشروط صحته ،وأن يكون البيع صاد اًر من مالك للمبيع.
وبعبارة أخرى ،فإنه يلزم لنقل الملكية ،ضرورة تسجيل العقد وأن يكون هذا التسجيل
مبنياً على تصرفاً حقيقياً وصحيحاً.
92
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا الصدد من الناحية المنطقية هو:
كيف يمكن تسجيل عقار بعقد بيع باطل أو قابل للبطالن أو بعقد صوري أو بعقد
صادر من غير مالك للمبيع؟
تأتي اإلجابة على التساؤل السابق من منظور أخذ المشرع المصري -
كقاعدة عامة – بنظام الشهر الشخصي وليس الشهر العيني .حيث إنه في نظام
الشهر الشخصي ،يتم تسجيل المحررات أمام موظف إداري ال يدخل في سلطته
التحقق من صحة المحررات المقدمة للشهر ،وما إذا كانت مستوفية ألركانها
وشروطها أم ال ،بل دوره يقتصر على مجرد اثبات كافة البيانات الواردة في العقد
المقدم للتسجيل بحالته دون البحث عن مدى صحة العقد أو فساده ،على نحو
يتصور معه تسجيل عقد صوري أو باطل أو صادر من غير مالك ..وذلك
بخالف نظام الشهر العيني ،الذي يتم فيه شهر التصرفات تحت رقابة وعلى
مسؤولية قاض مختص ،يكون من سلطته التحقق من صحة التصرفات قبل
شهرها ،وعلى هذا األساس يمكنه قبول شهرها من عدمه .1
وترتيباً على ما تقدم ،فإذا كان العقد المسجل صورياً ،فلن تكون له حجية في
مواجهة الغير الذي يستطيع اثبات الصورية بكافة الطرق .واذا كان العقد المسجل
باطالً ،جاز لألطراف ولكل ذي مصلحة التمسك ببطالنه .واذا كان قابالً للبطالن،
جاز أن يتمسك ببطالنه من تقرر البطالن لمصلحته .واذا كان وارداً على ملك
الغير ،جاز للمالك الحقيقي أن يتمسك بعد نفاذ البيع في مواجهته .وأساس كل ذلك
هو أن التسجيل ال يصحح العقد الباطل أو القابل لإلبطال ،وال يحول دون التمسك
بالصورية أو الحكم بالفسخ أو الزوال أو عدم النفاذ.
كانت مسألة األثر الرجعي للتسجيل من عدمه ،مجاالً كبي اًر لالجتهاد الفقهي.
غير أننا ال نفضل عرض هذه اآلراء المتعددة منعاً لتشتيت القاريء .2لذلك
سنكتفي بذكر ما انتهى إليه الرأي الراجح ،3من أنه ليس للتسجيل أث اًر رجعياً،
ابتداء من تاريخ حدوثه بدون أثر رجعي .فال ينسحب أثر
ً بمعنى أنه يحدث أثره
التسجيل إلى الوقت الذي بدأت فيه إجراءات هذا التسجيل ولكن من وقت الحدوث
الفعلي لهذا التسجيل.
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 282؛ د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق،
.299
- 2أنظر في هذه اآلراء :د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 282وما بعدها؛ د سهير
منتصر ،المرجع السابق ،ص 127وما بعدها؛ د رمضان أبو السعود ،المرجع السابق ،ص
112وما بعدها.
- 3د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 886وما بعدها.
94
وأساس ذلك أن التسجيل ال يعتبر شرطاً واقفاً يترتب على تحققه انسحاب أثر
التسجيل إلى الماضي ،إعماالً لفكرة األثر الرجعي للشرط .ولكنه – أي التسجيل
– شرطاً قانونياً علق القانون على حصوله أث اًر قانونياً هو نقل ملكية العقار المبيع
إلى المشتري .ومن المقرر أن الشرط القانوني ال يترتب عليه أثره إال من وقت
حصوله ودون أثر رجعي .كما أن المذكرة اإليضاحية لقانون تنظيم الشهر العقاري
نفت صراحة أن يكون للتسجيل أثر رجعي .1
ومن جانبها أيدت محكمة النقض المصرية هذا الرأي الراجح في العديد من
أحكامها ،والتي منها على سبيل المثال ،ماقضت به من أن ":الشارع إنما قصد في
قانون التسجيل ،تأخير نقل الملكية إلى أن يتم التسجيل ،فليس التسجيل بمثابة
شرط توقيفي ينسحب بتحقيقه أثر العقد إلى يوم تاريخه .ولذلك ال يعتبر المشتري
مالكاً إال من يوم تسجيل عقد شرائه " .2
كما أوضحت محكمة النقض في حكم آخر لها ،بأنه ال يجوز قياس تسجيل
صحف دعاوى صحة التعاقد بأثرها الرجعي ،على التسجيل الذي نحن بصدده؛
وذلك ألن تقرير األثر الرجعي في حالة تسجيل صحف دعاوى صحة التعاقد ،جاء
على سبيل اإلستثناء بغرض حماية أصحاب تلك الدعاوى تجاه من ترتبت لهم
حقوق على ذات العقار المبيع بعد تسجيل صحيفة الدعوى ،وهذا اإلستثناء ال
يجوز التوسع فيه أو القياس عليه .3
الفرض هنا أن مالك العقار المبيع ،قام بالتصرف فيه ببيعه إلى أكثر من
شخص وذلك موجب عقود بيع متتالية ،فالسؤال هنا :أياً من هؤالء المشترين
يفضل على غيره؟ وهنا نفرق بين فرضين هما:
أ -الفرض الول :إذا كان أحد المشترين قد سجل عقده ولم يسجل الباقين
عقود بيعهم :وهنا يفضل المشتري الذي سجل عقده على غيره من المشترين،
حتى ولو كان هذا المشتري صاحب العقد المسجل قد أبرم عقده الحقاً لكل
المشترين السابق ،فالعبرة دائماً بتاريخ تسجيل العقد بصرف النظرف عن تاريخ
إبرامه .وذلك ألن المشرع المصري ربط بين انتقال ملكية المبيع وبين التسجيل،
بحيت ال تنتقل الملكية إال بتمام التسجيل.
ب -الفرض الثاني :إذا كان المشترون قد سجلوا جميعاً عقود بيعهم :وهنا
يفضل المشتري األسبق في التسجيل عن غيره من المشترين اآلخرين .وسنتعرض
الحقاً لتوضيح هذا الفرض.
ثالثاً :وجوب تسجيل العقود المتتالية المتعلقة بذات العقار النتقال الملكية إلى
المشتري الخير:
الفرض هنا أن مالك العقار قام ببيعه لشخص آخر ( مشتر أول ) دون أن
يسجل هذا المشتري عقد البيع .ثم قام هذا األخير – المشتري األول – ببيع ذات
الـ ـعـ ـقار لـ ـشـخص آخر ( مشتر ثان ) ولم يـ ـسجل عـ ـق ـده أي ـضاً .ثم قـ ـام ه ـذا
األخير – المشتري الثاني – ببيع ذات آلخر ( مشتر ثالث ) .والسؤال هنا :هل
يلزم لكي تنتقل الملكية إلى المشتري الثالث أن يسجل العقد البيع الخاص به فقط
أم أنه يلزم تسجيل العقود السابقة على عقده؟
96
إذا أراد المشتري الثالث في الفرض السابق ،أن تنتقل إليه الملكية بصورة
صحيحة ،فيجب عليه أن يسجل عقد البيع الصادر إلى المشتري األول ،وكذلك
تسجيل عقد البيع الصادر إلى المشتري الثاني ،ثم يقو هو بعد ذلك – أي المشتري
الثالث – بتسجيل العقد الخاص به .وذلك ألن انتقال الملكية مرتبط بالتسجيل وهذا
لم يحدث في البيوع السابقة ،لذلك فلم تنتقل إليهم الملكية بعد .1
الفرع الخامس
وثاني هذه الحاالت ،الحالة التي يشتري فيه شخص العقار من البائع ثم
يتوفى هذا األخير قبل التسجيل .ثم يشتري شخص آخر نفس العقار من وارث
أوالً :تزاحم المشترين من مالك العقار نفسه ( يفضل المشتري السبق في
تسجيل عقده ):
وهنا يبيع المالك العقار ألكثر من مشتري ،ويكون جميع المشترين مسجلين
لعقود بيعهم من المالك .ويجب أن تصدر التصرفات المتزاحمة من شخص واحد
( أي من المالك فقط ) ،فإذا صدرت هذه التصرفات من أشخاص متعددين كأن
يصدر أحدها من المالك واآلخر من غير المالك ( فهنا يفضل المشتري من المالك
في جميع األحوال حتى ولو سجل المشتري من غير المالك عقده أوالً؛ وذلك ألن
التسجيل ال يصحح عقداً باطالً أو قابالً لإلبطال) ،أو صدر أحدها من المالك
واآلخر من الوارث لهذا المالك ،أو كان أحد التصرفات بيعاً واآلخر عقد آخر ،فال
نكون في كل هذه األمثلة بصدد تزاحم لمشترين متعددين من مالك العقار نفسه .1
وهنا يفضل المشتري بعقد مسجل حقيقي وصحيح على من كان تصرفه
صورياً أو باطالً؛ ألن المكلية تنتقل بالتسجيل والتصرف الحقيقي والصحيح .واذا
كان المتصرف إليهم جميعاً قد سجلوا عقودهم وكانت صحيحة وحقيقية ،فإن
األفضلية هنا تكون للمشتري الذي سبق إلى تسجيل عقده ،بصرف النظر عن
تاريخ إبرام العقد العرفي غير المسجل ،أي أن العبرة هنا بسبق التسجيل ال بسبق
التصرف.
واذا تم تسجيل أكثر من عقد بيع في يوم واحد وكانت جميع العقود صادرة
من مالك العقار ومتعلقة بذات العقار ،كانت العبرة بأسبقية ساعة الشهر ،واذا تم
ويجب مالحظة أن تفضيل المشتري بعقد مسجل على المشتري بعقد غير
مسجل ،وكذلك تفضيل المشتري الذي سبق إلى تسجيل عقده على المشتري الذي
سجل عقده بعد ذلك ،ال يمنع مشتري ذات العقار بعقد غير مسجل من تملك
العقار المبيع بالتقادم الطويل المكسب متى توافرت شروطه .2
وعلى ذلك إذا باع مالك البناء وحدة سكنية ألكثر من مشتري ،كانت
األفضلية للمشتري األول متى كان عقده صحيحاً حتى ولو لم يسجل عقده وكان
المشترون اآلخرون قد سجلوا عقودهم ،ولو كان أيضاً تسجيل المشتري األول الحقاً
لتسجيل غيره .أي أن العبرة بتاريخ إبرام العقد وليس بتاريخ تسجيله.3
التساؤل الذي يثار هنا :هل يشترط لتطبيق قاعدة السبقية في التسجيل
حسن النية؟ أي هل يلزم أال يكون المتمسك بهذه القاعدة عالماً بسبق تصرف
البائع في العقار المبيع ذاته إلى مشتر آخر ،أم أن الملكية تنتقل إلى المشتري
األسبق في التسجيل سواء كان على علم بسبق تصرف البائع لمشتري غيره أم لم
يكن على علم بذلك 1؟
كانت مسألة حسن النية وأثرها على تسجيل عقد البيع مثا اًر كبي اًر للجدل
الفقهي والقضائي والتشريعي .ففي ظل القانون المدني القديم ،كان حسن النية
شرطاً الزماً لالحتجاج بسبق التسجيل ،وذلك وفقاً للمادة ( ) 275من هذا
القانون .ثم صدر بعد ذلك قانون التسجيل رقم 14لسنة ،1423الذي كان يتطلب
حسن النية لالعتداد بسبق تسجيل التصرفات الكاشفة دون التصرفات الناقلة
لحقوق عينية عقارية.
وبصدور قانون تنظيم الشهر العقاري رقم 111لسنة ،1411لم ينص على
ضرورة توافر حسن النية لالحتجاج بقاعدة أسبقية التسجيل .وبسبب ذلك تعددت
اآلراء الفقهية في هذه المسألة .فبعض الفقه تطلب حسن النية لكي تنتج قاعدة
أسبقية التسجيل أثرها .والبعض اآلخر ،يرى أن تواطؤ المشتري الثاني مع البائع
بقصد اإلضرار بالمشتري األول ،هو فقط الذي يمنع تطبيق قاعدة أسبقية
التسجيل.2
أما الرأي الراجح ،فيرى أنه يجب االعتداد باألسبقية في التسجيل مطلقاً،
حتى ولو كان المشتري الثاني يعلم بوجود البيع األول ،وحتى لو كان متواطئاً مع
وقد أخذت محكمة النقض المصرية بهذا الرأي األخير ،3سواء في ظل قانون
التسجيل الصادر سنة 1423أم في ظل قانون تنظيم الشهر العقاري الصادر سنة
،1411وقررت أنه ال ُيشترط لصحة التسجيل ،ال حسن النية وال انعدام التواطؤ.
وقضت في أحد أحكامها بأن ":تمسك مشتري العقار بأن العقد المسجل الصادر
من البائع لمشتر آخر قد داخله الغش والتواطؤ ال يجدي ،إذ العبرة في المفاضلة
بينهما بعد صدور قانون التسجيل هي بأسبقية التسجيل ".4
ونرى من وجهة نظرنا ،رغم أن الرأي الذي انتهى إليه أغلب الفقه وأيدته
محكمة النفض المصرية ،يقوم على أساس واضح وسليم وقاطع وله وجاهته ،إال
أنه يجافي العدالة والمنطق السليم بعض الشيء .إذ كيف ُيفضل المشتري الثاني
المتواطيء مع البائع له على المشتري حسن النية ذو التسجيل الالحق ،السيما إذا
كان التواطؤ ظاه اًر وال يحتاج إلى بحث أو عناء؟
فما الذي يضير إذا أخذنا بحل وسط يراعي استقرار المعامالت ويحمي
الوضع الظاهر من ناحية ،ويضع في اعتباره أيضاً مصالح المشتري حسن النية
- 1د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص 122؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق،
ص .121
- 2د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .249
- 3د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص .861
- 4نقض مدني ،جلسة 2959/2/12؛ مشار إليه في /د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق،
ص .121
101
من ناحية أخرى! لذلك نرى عدم االعتداد بقاعدة أسبقية التسجيل في الحالة التي
يوجد فيها تواطؤ بين المشتري المتواطيء والبائع بقصد اإلضرار بالمشتري األول.
وبخالف هذه الحالة ُيعمل بقاعدة أسبقية التسجيل بصورة مطلقة .لذلك فنحن نتفق
مع الرأي الثاني فيما ذهب إليه.
والتزاحم هنا ال يكون سببه تصرفات المالك فقط ،بل يشترك معه الوارث
لهذا البائع .فيكون هناك مشتري من البائع بعقد غير مسجل ،وبعد وفاة هذا البائع
قام الوارث له ببيع نفس العقار لمشتري آخر وسجل له عقده .فلمن تكون
األفضلية؟ أي هل تكون للمشتري من البائع بعقد غير مسجل أم للمشتري من
الوارث بعقد مسجل؟
أ -الفرض الول :إذا لم يكن الوارث قد سجل حقه في األرث بعد ( عدم
إشهار الوارث لحق إرثه ) :وهنا ال يستطيع الوارث شهر أي تصرف يصدر منه
إلى الغير ،وبالتالي يكون المشتري من المورث مفضالً على المشتري من الوارث،
وال ُيحت ج عليه بتصرفات الوارث قبل شهرها ،ويستطيع أن يطالب الوارث بتنفيذ
التزام مورثه تنفيذاً عينياً بنقل الملكية.
ب -الفرض الثاني :إذا كان الوارث قد قام بشهر حق اإلرث :وهنا يجب
على من اشترى من المورث أن يسارع بالتأشير بحقه على هامش تسجيل اإلرث
بوصفه دائناً عادياً ،بشرط أن يتم ذلك قبل انقضاء سنة من تاريخ تسجيل حق
اإلرث .فإذا قام المشتري من المورث بذلك ،فإنه ُيفضل على من اشترى من
الوارث حتى ولو كان هذا األخير أسبق في تسجيل عقده.
أما إذا أهمل المشتري من المورث ولم يؤشر بحقه أو أشر به ولكن بعد
انقضاء سنة من تاريخ تسجيل حق اإلرث ،فإن األفضلية بينه وبين من اشترى من
الوارث على أساس األسبقية في التسجيل وفقاً للقاعدة العامة.
- 1د سهير منتصر ،المرجع السابق ،ص 115 ،111؛ د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق،
ص 122وما بعدها؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 285؛ د حمدي محمد عطيفي،
المرجع السابق ،ص .277 ،274
103
المبحث الثاني
يعتبر االلتزام بتتسليم المبيع ،التزاماً متفرعاً عن التزامه بنقل الملكية .وهو
من مقتضيات عقد البيع ،ومن أهم التزامات البائع المترتبة على العقد حتى ولو لم
ويستفاد هذا االلتزام من نص المادة ( ) 251من القانون المدني،
ُينص عليه فيهُ .
التي نصت على أنه ":االلتزام بنقل حق عيني يتضمن االلتزام بتسليم الشيء
ويالحظ أن هذا النص ال يصدق فقط على عقد والمحافظة عليه حتى التسليم "ُ .
البيع بمفرده ،بل يصدق على كل العقود الناقلة لحق عيني كعقد البيع والمقايضة
والهبة والشركة .ويعد التزام البائع بتسليم المبيع ،التزاماً بعمل يتمثل في نقل حيازة
المبيع إلى المشتري ،وهو التزام بتحقيق نتيجة وليس ببذل عناية ،أي أن ذمة البائع
ال تب أر من هذا االلتزام إال بتسليم المشتري الشيء المبيع.
كما أن التسليم إذا تم بنقل الحيازة المادية ،فإنه يعلب دو اًر هاماً في بيوع
األشياء المادية والسندات لحاملها ،ففي هذه البيوع قد تتعطل الملكية التي تنتقل
بمجرد العقد إلى المشتري نتيجة لتصرف البائع في المنقول مرة أخرى إلى مشتر
حسن النية .وأخي اًر ،فإن التسليم أحياناً يكون الطريقة التي يتم بها انتقال ملكية
104
المبيع إلى المشتري في بعض البيوع ،كبيع األشياء المعينة بالنوع والتي ال تنتقل
ملكيتها إال باإلفراز .1
وعلى ذلك سنتعرض لدراسة التزام البائع بتسليم المبيع ،من خالل التعرض
لمحل هذا التسليم ( مطلب أول ) .وك ـذلك ط ـريقة التـ ـسليم وم ـك ـانه وزمـانه ونفقاته
( مطلب ثان ) .ثم جزاء إخالل البائع بالتزامه بالتسليم ( مطلب ثالث ) .وأخي اًر،
التعرض لتبعة هالك المبيع قبل التسليم ( مطلب رابع ).
المطلب الول
بينت المادة ( ) 131من القانون المدني ،ما يلتزم البائع بتسليمه للمشتري،
إذ نصت على أنه ":يلتزم البائع بتسليم المبيع للمشتري بالحالة التي كان عليها
وقت البيع " .وعلى ذلك يلتزم البائع ب ـتس ـليم ال ـمب ـيع ال ـمت ـفق ع ـلي ـه فـ ـي ع ـقد البيع
( فرع أول ) ،وكذلك ملحقات هذا المبيع ( فرع ثان ).
الفرع الول
يقيد تسليم البائع للمبيع بقيدين ،أولهما :وجوب أن يتم تسليم المبيع بالحالة
التي كان عليها هذا المبيع وقت البيع .وثانيهما ،ضرورة أن يتم التسليم بالمقدار
المتفق عليه في العقد .وسنوالي شرح هذين القيدين على الوجه اآلتي:
- 1د محمد شكري سرور ،شرح أحكام عقد البيع ،دار النهضة العربية ،سنة ،2992ص
511 ،511؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .278
105
أوالً :القيد الول :وجوب تسليم المبيع بالحالة التي كان عليها وقت البيع:
ويثير هذا القيد العيد من التساؤالت ،منها ما يتعلق بكيفية تعيين حالة المبيع
وقت البيع؟ ومنها ما يخص الحكم في حالة ما إذا تغيرت حالة المبيع من وقت
البيع إلى وقت التسليم؟ وأخي اًر ،ما هو حكم تعيين الحالة التي يجب تسليم المبيع
عليها بموجب اتفاق خاص؟
-1كيفية تعيين حالة المبيع وقت البيع :تختلف طريقة التعيين بحسب
الشيء المبيع .فإذا كان المبيع شيئاً معيناً بالذات ،فيلزم أن يكون معيناً تعييناً
كافياً يوصف حالة المبيع وقت البيع ،أي أن البائع يلتزم بأن يقدم للمشتري كافة
البيانات الالزمة للكشف عن حالة المبيع وقت البيع حتى يستطيع المشتري أن
بناء على هذه البيانات .ويجب على البائع أن يسلم المبيع
يضع الثمن المناسب ً
بذاته كما ورد في تعيينه وقت البيع .1
واذا كان المبيع شيئاً معيناً بالنوع ،فالعقد هو الذي يحدد حالة المبيع التي
يجب تسليمه عليها .فإذا لم يوجد اتفاق على ذلك ،تعين الرجوع إلى العرف أو إلى
أي ظرف آخر مالبس إلبرام العقد .واذا تعذر التعيين لعدم توافر أياً من األمور
السابقة ،فإن البائع يلتزم بتسليم المشتري شيئاً من صنف متوسط الجودة .2واذا
كان البيع بالعينة ،وجب أن يكون ما يسلمه البائع للمشتري مطابقاً لهذه العينة
بصرف النظر عن درجة جودتها .3
ويجب مالحظة أن البائع يلتزم بتسليم المبيع للمشتري بصورة كلية ،فال ُيجبر
المشتري على قبول جزء منه؛ ألن الوفاء الجزئي ال يجوز إذا لم يرض به الدائن
-5حكم تغيير حالة المبيع :ذكرنا آنفاً ،أن التزام البائع بتسليم المبيع
بالحالة التي كان عليها وقت العقد ،هو التزام بتحقيق نتيجة ،ولذلك إذا حدث تغيير
في المبيع فإن حكمه يختلف بحسب موقف المشتري من هذا التغيير ،وما إذا كان
هذا التغيير إلى األفضل أم إلى األسوأ .وعلى ذلك نفرق بين فرضين هما:
أ -الفرض الول :إذا تسلم المشتري المبيع دون أن يعترض على التغيير
الذي لحق به واستمر عدم االعتراض مدة كافية يفترض مرورها أنه قد عاين
المبيع بعد التغيير ومع ذلك ارتضاه :وهنا ال يجوز للمشتري أن يحتج بأن المبيع
لم يكن في الحالة التي كان عليها وقت البيع؛ حيث إن سكوته طيلة هذه المدة إما
يدل على أن المبيع وقت التسليم كان في نفس حالته وقت البيع ،واما يدل على أن
هناك تغيي اًر قد ط أر على المبيع ما بين مدة إبرام العقد ومدة تسليم المبيع ولكن
المشتري قد تسامح في هذا الفرق ونزل عن حقه في التمسك به .2
ب -الفرض الثاني :والذي فيه يعترض المشري على التغيير الذي لحق
الم بيع في المدة ما بين فترتي إبرام العقد وتسليم المبيع :وهنا يقع على عاتق البائع
عبء إثبات أن حالة المبيع لم تتغير عما كانت عليه وقت البيع ،وذلك باعتبار أن
البائع هو المدين بااللتزام بالتسليم .فإذا ثبت وجود تغيير في المبيع ،فاألمر ال
يخلو من أحد أمرين هما:
* المر الول :إذا كان التغيير إلى األسوأ ،أي كان ضا اًر بالمشتري :فهنا
يكون البائع مسئوالً عن هذا التغيير دائماً ،أي سواء حدث بفعله هو – أي بفعل
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،عقد البيع ،منشأة المعارف ،سنة ،2921ص .111
- 2د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .521
107
البائع – أو بفعل الغير أو بقوة قاهرة؛ وذلك ألن تبعة هالك المبيع كلياً أو جزئياً
بسبب أجنبي تكون على البائع قبل التسليم .أي أن البائع هنا يلتزم بإعادة المبيع
إلى الحالة التي كان عليها وقت التعاقد ،واال التزم بتعويض المشتري .كما يجوز
لهذا األخير أن يطلب فسخ العقد .غير أن إعمال هذه األحكام مقيد بأال يكون
التغيير بفعل المشتري نفسه .1
* المر الثاني :إذا كان التغيير إلى األفضل ،أي نافعاً للمشتري :فإذا كان
هذا التغيير بسبب أجنبي ،كأن يلتصق طمي بأرض زراعية ،كانت الزيادة من
نصيب المشتري وال يلتزم بدفع مقابل عليها للبائع؛ وذلك ألن المشتري هو صاحب
الحق في نماء المبيع من وقت العقد .2
أما إذا كان التغيير بفعل البائع كما لو بنى على األرض المبيعة أو غرس
فيها غرساً .فهنا يعتبر البائع قد فعل ذلك في ملك الغير وهو على علم بذلك.
وعلى ذلك إذا كانت المصروفات التي أنفقها البائع ضرورية لحفظ المبيع من
التلف أو الهالك ،فإنه ال يرجع بشيء منها على المشتري؛ ألنه – أي البائع –
ملزم بالمحافظة على المبيع وتسليمه.
واذا كان ما أجراه البائع من قبيل المصروفات النافعة ،كغرسه أو بناءه على
األرض الـ ـمبي ـعة ،ف ـه ـنا ن ـط ـبق قـ ـواعـ ـد االلـ ـتصاق الـ ـمن ـصوص ع ـ ـلي ـها فـ ـي المادة
( ) 431من القانون المدني ،والتي تقضي بجواز طلب المشتري من البائع ،إزالة
ما أحدثه هذا األخير من تغييرات مع المطالبة بالتعويض إن كان له محل وذلك
خالل سنة من اليوم الذي يعلم فيه بإقامتها .كما يجوز للمشتري أن يطلب استبقاء
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 111؛ د محمد شكري سرور ،المرجع
السابق ،ص 522؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .221 ،222
- 2د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص .111
108
هذه التغييرات نظير دفع قيمتها مستحقة اإلزالة أو دفع مبلغ يساوي ما زاد في
األرض بسبب هذه التغييرات.
-3حكم تعيين الحالة التي يجب تسليم المبيع عليها بموجب اتفاق
خاص :من الجدير بالذكر في هذا الصدد ،أن الحكم الذي أوردته المادة ( ) 131
سالفة الذكر ،والذي يقضي بالتزام البائع بأن يسلم المبيع للمشتري بالحالة التي كان
عليها وقت البيع ،ال يعتب اًر نصاً آم اًر ،بل هو نصاً مكمالً ،أي أنه يجوز لألطراف
االتفاق على مخالفته .كأن يتفقوا على أن يكون تسليم المبيع وقت حدوث هذا
التسليم بحالة جيدة حتى ولو لم يكن المبيع كذلك عند البيع.
يلتزم البائع بأن يسلم المبيع للمشتري ليس فقط بالحالة التي كان عليها وقت
البيع ،بل يلزم أن يكون هذا التسليم بنفس القدر المتفق عليه في العقد ،وهو ما قد
يثير في بعض األحيان مشكلة زيادة أو نقص المبيع.
غير أن هذه المشكلة األخيرة ،ال تُثار في حالة بيع األشياء المعينة بالنوع؛
ألن العقد يتضمن تحديدها تحديداً دقيقاً أو األقل ما يمكن به تعيين هذا المقدار.
فإذا كان المبيع أقل من المتفق عليه ،جاز للمشتري أن يطالبه بالقدر الباقي ،وله
في سبيل ذلك أن يحصل على هذا الباقي من نفس نوع المبيع من األسواق على
نفقة البائع بعد استئذان القاضي أو دون استئذانه في حالة االستعجال .1
أما إذا كان المبيع شيئاً معيناً بالذات ،فإن البائع يكون ضامناً لمقداره ،كبيع
قطعة أرض مساحتها كذا متر ،فمن المحتمل أن يتغير هذا المقدار عند التسليم
سواء بالزيادة أو بالنقص .وهذا ما تناولته المادة ( ) 133من القانون المدني.
وعلى ذلك سنتعرض لحكم العجز في مقدار المبيع ،وحكم زيادة مقداره ،وكذلك
تقادم الدعاوى الناشئة عن نقص أو زيادة المبيع.
أما إذا كان النقص جسيماً أومحسوساً ،كان للمشتري حرية االختيار بين
أمرين هما:
أ -طلب التعويض عن طريق طلب إنقاص الثمن :ويكون ذلك بالقدر الذي
يجبر ضرر المشتري بسبب إخالل البائع بالتزامه بضمان القدر المبيع .ويحدث
ذلك بإنقاص الثمن بنسبة العجز في المبيع إذا كان العجز محسوساً وال يتسامح
فيه .مع األخذ في االعتبار أحقية المشتري في التعويض المركب وذلك في حالة
ما إذا كان النقص في مقدار المبيع مما يعيب المبيع نفسه ،فينشأ عن ذلك
ض ارران ،أحدهما بسبب العجز في مقدار المبيع واآلخر بسبب العيب الناتج عن
هذا العجز .2
ب -طلب الفسخ :وال يحق للمشتري االلتجاء إلى طلب فسخ العقد بسبب
نقص المبيع ،إال إذا أثبت أن هذا النقص قد بلغ حداً من الجسامة بحيث لو أنه –
أي المشتري – كان يعلمه قبل إبرام العقد ،لما أتم هذا األخير .أي أن العجز هنا
فوت على المشتري غرضه من الشراء .فإذا نجح في إثبات ذلك ،أُجيب إلى طلبه
بفسخ البيع ،واال اكتفى بطلب إنقاص الثمن على النحو الذي بيناه آنفاً.3
وجدير بالذكر ،أنه في حالة نقص مقدار المبيع عما هو متفق عليه،
يقتصر حق المشتري على طلب إنقاص الثمن أو فسخ البيع على حسب األحوال،
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 594؛ د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع
السابق ،ص 117؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص .128
- 2د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .518
- 3د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص .149
111
دون أن يكون له حق طلب تكملة المبيع من البائع إلى القدر المذكور في العقد؛
ألن البائع التزم بتسليم مبيع معين بذاته فال ُيجبر على تسليم غيره.1
أ -إذا كان الثمن محدداً على أساس سعر الوحدة :وهنا نميز بين ما إذا
كان المبيع ال يقبل التبعيض أو يقبله:
* إذا كان المبيع ال يقبل التبعيض :سواء ألن تبعيضه يتلفه أو يترتب عليه
ضرر للبائع ولو لم يتلف المبيع ،كما لو كان المبيع قطعة أرضة مساحتها ألف
متر بسعر كذا للمتر وتبين أن مساحتها الفعلية ألف متر وعشرون .وفي هذه
الحالة ال يحق للمشتري طلب تجزئة المبيع وأخذ القدر المتفق عليه فقط ألن هذه
التجزئة ستلحق ضر اًر بالبائع لكونه لن يستطيع التصرف في العشرون متر الباقية
نظ اًر لقلتها ،ولكنه يلتزم – أي المشتري -بأخذ الزيادة في المبيع على أن يكمل
الثمن على أساس سعر الوحدة المتفق عليه .غير أنه يحق للمشتري طلب فسخ
البيع إذا كانت الزيادة في مقدار المبيع جسيمة بحيث لو علم بها المشتري وقت
التعاقد لما أقدم عليه .2
* إذا كان المبيع يقبل التبعيض بغير ضرر للبائع :كبيع ما في المخزن من
قمح على أنه خمسون أردباً بسعر كذا جنيهاً لألردب ،ثم تبين عند التسليم أن
ب -إذا كان الثمن مقد ارً جملة واحدة :لم يضع نص المادة ( )2/133حكماً
خاصاً لهذه الحالة ،لذلك يكون الرجوع هنا إلى قصد المتعاقدين والقوعد العامة.
وبتطبيق هذه األخيرة على الحالة محل الحديث ،يتضح أن ذكر المتعاقدين مقدار
المبيع مع تعيين الثمن جملة واحدة ،إنما كان – أي المقدار – على وجه التقريب،
فال يكون للزيادة أي أثر عليه وتكون هذه الزيادة من نصيب المشتري وال يستطيع
البائع أن يطالبه بزيادة في الثمن .2
وأساس هذا الحكم كما يقول الشرعيون ،أن تحديد مقدار المبيع مع تحديد
ثمنه جملة ،إنما هو من قبيل الوصف ،والوصف ال يقابله شيء من الثمن،
فالوصف إن جاء خي اًر مما ُذكر فهذا من حظ المشتري .باإلضافة إلى أن المبيع
كان بيد البائع ولكنه لم يحتاط بالقدر الكاف عند تحديد مقدار المبيع ،لذلك فال
يحق له أن يحتج بتقصيره في هذا الشأن ،بل أن عدم احتياطه يدل على أن البائع
ارتضى هذا الثمن في كل المبيع .3
- 1د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص 594؛ د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق،
ص 117؛ د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص 172؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .228
- 2د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص .597 ،594
- 3د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .512 ،511
113
ودعوى فسخ البيع وتتقرر للمشتري أيضاً في حالة ما إذا كان نقص المبيع جسيماً
أو كانت هناك زيادة في المبيع جسيمة وكان البيع مقد اًر على أساس سعر الوحدة
ولم يكن المبيع قابالً للتبعيض .وأخي اًر ،دعوى تكملة الثمن وتقرر للبائع إذا كان
المبيع ال يقبل التبعيض وكانت هناك زيادة في المبيع وكان الثمن محدد على
أساس سعر الوحدة .1
وتتقادم الدعاوى الثالث جميعها ،بمضي سنة واحدة من وقت التسليم الفعلي
للمبيع .أي ال ُيعتد هنا بصور تسليم المبيع األخرى كالتسليم الحكمي أو التسليم
الرمزي؛ وذلك ألن التسليم الفعلي هو وحده الذي يهييء للمشتري وللبائع مكنة
التحقق من مقدار المبيع ،على نحو يسهل لهما كشف حقيقة العجز أو الزيادة
فيه.2
وتتمثل الحكمة من تقرير مدة تقادم قصيرة للدعاوى الثالث سابقة الذكر ،في
مراعاة مقتضيات استقرار التعامل ،ولكي ال يبقى البائع مهدداً مدة طويلة برجوع
المشتري عليه بدعوى إنقاص الثمن أو دعوى فسخ البيع ،وكذلك لكي ال يظل
المشتري مهدداً برجوع البائع عليه بدعوى تكملة الثمن .3
وال تسري أحكام وقف التقادم على مدة التقادم التي نحن بصددها .كما ال
يجوز االتفاق على إطالة هذه المدة أو نقصها أو النزول عنها قبل كشف حالة
العجز أو الزيادة التي تنشأ الدعوى بسببها .ويجوز الدفع بهذا التقادم في أية حالة
كانت عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع ولو ألول مرة أمام محكمة النقض.
ويجوز النزول عن أياً من هذه الدعاوى الثالث صراحة أو ضمناً ،ويعد نزوالً
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 599؛ د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع
السابق ،ص .118
- 2د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص .592
- 3د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .512
114
ضمنياً من المشتري عن دعوى إنقاص الثمن أو فسخ البيع ،وضع يده على المبيع
دون تحفظ بعد علمه بالعجز .1
الفرع الثاني
ملحقات الشيء المبيع وفقاً لما نصت عليه المادة ( ) 132مدني ،هي كل
ما أُعد بصفة دائمة الستعمال هذا الشيء ،وذلك طبقاً لما تقضي به طبيعة
األشياء وعرف الجهة وقصد المتعاقدين .وان كانت صياغة هذا النص يعتريها
العوار؛ ألن ظاهر النص يوحي بأن المحلقات شيئاً آخر غير ما أعد بصفة دائمة
الستعمال الشيء.
ونظ اًر ألن فكرة الملحقات تستعصي بطبيعتها على التحديد ،فإن أفضل
طريقة لتحديدها هي طريقة اإلستبعاد ،وذلك عن طريق تمييز ملحقات الشيء عما
يشتبه بها من أمور أخرى .فال تشمل ملحقات الشيء أجزائه؛ ألنها من أصل
المبيع ذاته كاألرض المقام عليها البناء .وكذلك نماء الشيء المبيع – كل ما زاد
في المبيع بعد البيع -يعتبر من أصله وليس من ملحقاته ،كالتصاق الطمي
باألرض الزراعية.
وعند تحديد ملحقات المبيع واجبة التسليم ،يلزم الرجوع إلى اتفاق المتعاقدين
ووجوب العمل بما تم االتفاق عليه ،واال تولى تحديدها العرف أو طبيعة األشياء.
ومن أمثلة هذه المحلقات ،مستندات الملكية وعقود اإليجار التي تسري في حق
المشتري ،وحقوق االرتفاق المقررة للمبيع ،واألفران المثبتة في المنزل والمغاسل
المثبتة في الحمامات ،واألشجار المغروسة في البستان والثمار الي لم تنضج دون
المشاتل الموجودة به ،وكذلك رخصة السيارة المباعة وبوليصة التأمين الخاصة بها
ومستندات ملكيتها ،ومخازن المصنع والمنازل المقامة فيه للعمال والمطاعم
والمالعب المخصصة لهم ،والعقارات بالتخصيص الخاصة باألرض الزراعية
كالمواشي واآلالت الزراعية .3
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 414؛ د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع
السابق ،ص 112 ،111؛ د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .512 ،517
- 2د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 417وما بعدها؛ د سمير عبدالسيد تناغو،
المرجع السابق ،ص .111
- 3د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 111 ،111؛ د حمدي محمد عطيفي،
المرجع السابق ،ص .285 ،281
116
المطلب الثاني
للت ـسليم أنـواع ثالثة هي :التسليم الفعلي ،والتسليم الحكمي ،والتسليم
الرمزي ،وذلك على ما هو وارد في نص المادة ( ) 130من القانون المدني.
وسنتعرض لتوضيح كل نوع على النحو التالي:
-1التسليم الفعلي :هو التسليم الذي يتم بوضع المبيع تحت تصرف
المشتري ،بحيث يتمكن من حيازته واالنتفاع به دون عائق ،حتى ولو لم يستول
الء مادياً ،ما دام البائع قد أعلمه بذلك .1ويتحقق هذا التسليم
عليه المشتري استي ً
بتوافر الشرطين اآلتيين :2
أ -وضع المبيع تحت تصرف المشتري حتى يتمكن من حيازته واالنتفاع
به دون عائق :حتى ولو لم يحزه فعالً أو لم يحزه أبداً ،أي يكفي أن يكون المشتري
متمكناً من الحيازة واالنتفاع دون عائق؛ ألنه إذا كان التسليم التزاماً على عاتق
البائع ،فإن التسلم التزاماً على عاتق المشتري.
ب -أن يعلم البائع المشتري بوضع المبيع تحت تصرفه :وليس لهذا
اإلعالم شكل معين ،فقد يتم شفاهة أو كتابة ،بخطاب عادي أو مسجل أو بإعالن
على يد محضر .وفي حالة المنازعة في وقوع اإلعالم من عدمه ،وقع على البائع
عبء إثبات حدوثه ألنه هو الملتزم به.
بناء على
-5التسليم الحكمي :هو التسليم الذي يتم بمجرد تغيير النية ً
اتفاق بين البائع والمشتري .ووفقاً لما جاء بالمادة ( )2/130من القانون المدني،
فإن لهذا التسليم صورتين ،هما :2
أ -الصورة األولى ( تسليم اليد القصيرة ) :وهنا يكون المبيع تحت يد
المشتري قبل أن يشتريه ،بسبب إجارة أو عارية مثالً :فإذا اشترى المشتري الشيء
الذي تحت يده ،فيكفي لتسليمه أن يغير هذا المشتري نيته في حيازة المبيع ،من
نية الحيازة باعتباره مستأج اًر أو مستعي اًر إلى نية الحيازة باعتباره مالكاً.
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 114؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص .125
- 2د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 428 ،422؛ د محمد شكري سرور،
المرجع السابق ،ص .524
118
-3التسليم الرمزي :وفيه يتسلم المشتري الوسيلة التي يتمكن بها من
استالم المبيع بعد ذلك استالماً فعلياً ،كأن يتسلم المشتري من البائع مفتاح المخزن
الموجود به المبيع ،أو يتسلم سند شحن البضاعة المبيعة .1
واذا لم يوجد اتفاق وال عرف ،فيجب التفرقة بين ما إذا كان المبيع معيناً
بذاته أو بنوعه .ففي حالة المبيع المعين بذاته ،يجب أن يتم التسليم في المكان
الذي كان موجوداً فيه المبيع وقت إبرام البيع .وفي حالة المبيع المعين بنوعه،
يكون التسليم في موطن البائع في الوقت الذي يجب فيه التسليم ،أو المكان الذي
يوجد فيه مركز أعمال البائع إذا كان المبيع له عالقة أو صلة بهذه األعمال .2
واذا كان هناك اتفاق بين البائع والمشتري على أن يقوم األول بتصدير المبيع
إلى الثاني ،فإن المشرع قد افترض أن المقصود بذلك ،أن يكون التسليم في موطن
المشتري ،وال يتم التسليم إال إذا وصل المبيع إلى المشتري في موطنه ،كل ذلك ما
لم يكن هناك اتفاق يقضي بخالف ذلك .3
ال يوجد حكم خاص يحدد زمان تسليم المبيع في عقد البيع ،لذلك فالقواعد
العامة المتعلقة بالوفاء ،تكون واجبة التطبيق هنا ،والتي وردت في المادة () 311
من القانون المدني .وعلى ذلك فالقاعدة أن يتم التسليم من الناحية الزمانية فور
انعقاد العقد ،بشرط أال يوجد اتفاق بين المتعاقدين أو عرف يقضي بخالف ذلك،
أي يحدد ميعاد آخر غير وقت انعقاد العقد.
قررت المادة ( ) 314من القانون المدني ،أن نفقات تسليم المبيع تكون
على ال ـ ـمـ ـدين بالـ ـ ـوفـ ـاء ،والم ـ ـدين بالـ ـ ـتسليم ه ـ ـنا هـ ـو البائع .بشرط أال يوجد اتفاق
( كاالتفاق عادة على تحمل المستأجر مصاريف الكهرباء ) أو عرف يقضي بغير
ذلك ( وقد يقضي العرف في بعض الحاالت بأن تكون نفقات التسليم أو بعضها
على المشتري أو مناصفة بينه وبين البائع ) .ومن أمثلة هذه النفقات ،نفقات
120
اإلفراز كالوزن والكيل والمقاس ،ونفقات نقل المبيع إلى مكان التسليم ،ودفع
التكاليف المفروضة على المبيع كالرسوم الجمركية .1
المطلب الثالث
ُيسأل البائع قبل المشري إذا أخل بالت ازمه بتسليم المبيع أياً كانت صورة هذا
اإلخالل .كأن امتنع البائع عن تسليم المبيع أو تأخر في تسليمه أو سلمه بصورة
معيبة أو سلمه في غير المكان والزمان المحددين .وتأخذ مسؤولية البائع عن هذا
اإلخالل ،المسار القانوني اآلتي:
-1التنفيذ العيني :يكون للمشتري بعد إعذار البائع ،حق طلب التنفيذ
العيني إذا كان ممكناً .فإذا كان المبيع معيناً بالذات ومازال في يد البائع ولم يتعلق
به حقاً للغير يكون نافذاً في مواجهة المشتري ،كان من حق هذا األخير التنفيذ
عليه .واذا كان المبيع معيناً بالنوع ولم يقم البائع باإلفراز والتسليم ،كان للمشتري
الحق في الحصول على شيء من نفس نوع المبيع على نفقة البائع بعد استئذان
القاضي أو دون استئذانه في حالة االستعجال .واذا استحال التنفيذ العيني ،فال
يبقى أمام المشتري سوى مطالبة البائع بالتعويض .2
المطلب الرابع
ُيقصد بهالك المبيع هنا ،زوال وجوده بمقوماته الطبيعية قبل أن يتسلمه
المشتري ،سواء كان الهالك كلياً أو جزئياً .والسؤال الذي تعنينا اإلجابة عنه في
هذا الصدد هو :إذا هلك المبيع قبل التسليم ،فعلى من تقع تبعة هذا الهالك ،هل
على البائع أم على المشتري؟
أ -يجب أن يكون المبيع معيناً بذاته ،سواء تم هذا التعيين عند انعقاد البيع
أو كان البيع قد انعقد على معين بنوعه ثم عينت ذاته بإف ارزه .أما إذا كان المبيع
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 114؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق،
ص .291
- 2د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 514 ،515؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .291
122
معيناً بنوعه فقط ،فلن تثور مسألة تبعة الهالك؛ ألن المبيع قبل اإلفراز ال تكون
له ذاتية محددة لكي نتحدث عن هالكها .1
ب -يجب أن يقع الهالك بسبب أجنبي ال يد ألحد من المتعاقدين فيه ،كقوة
قاهرة أو حادث مفاجيء أو فعل الغير .أما إذا كان الهالك قد حدث بفعل أي من
المتعاقدين ،فإن تبعة الهالك تقع على من أحدثه .فلو كان الهالك بسبب البائع،
فُسخ البيع واسترد المشتري الثمن مع التعويض .واذا كان الهالك بسبب المشتري،
برئت ذمة البائع بالتسليم ويظل المشتري مع ذلك ملتزماً بأداء كامل الثمن .2
ج -يجب أن يكون الهالك قد وقع بعد إبرام العقد ،فإذا وقع قبل ذلك فهذا
يعني أن محل العقد لم يكن موجوداً عند التعاقد مما يجعل العقد باطالً بطالناً
مطلقاً .واذا هلك المبيع بعد تسليمه للمشتري ،وقعت تبعة الهالك على عاتق هذا
المشتري .3
وبناء على ما جاء بالمادتين سالفتي الذكر ،نفرق بين تبعة الهالك الكليً
للمبيع قبل التسليم ،وبين تبعة الهالك الجزئي له .وكذلك الحاالت اإلستثنائية التي
يتحمل فيها المشتري تبعة الهالك قبل التسليم .وذلك على النحو التالي:
تنص المادة ( ) 137من القانون المدني على أنه ":إذا هلك المبيع قبل
التسليم لسبب ال يد للبائع فيه ،انفسخ البيع واسترد المشتري الثمن ،إال إذا كان
الهالك بعد إعذار المشتري لتسلم المبيع ".
ويعد ذلك إعماالً للقاعدة العامة الواردة في المادة ( )104مدني ،التي تنص
على أنه ":في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه،
انقضت معه االلتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه " .وهذا األمر
يترتب عليه أن التزام البائع ينقضي الستحالة تنفيذه ،وينقضي التزام المشتري بدفع
الثمن والذي هو مقابل اللتزام البائع بتسليم المبيع ،وينفسخ العقد بقوة القانون .وال
يصبح المشتري ملزماً بدفع الثمن إذا كان لم يدفعه ،ويجوز له استرداده إذا كان قد
دفعه فعالً .3
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 411 ،412؛ د حمدي محمد عطيفي،
المرجع السابق ،ص .294
- 2د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص .154
- 3د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص .152
124
وعلى الرغم من أن البائع يتحمل تبعة هالك المبيع قبل تسليمه للمشتري ،إال
أن هذا األخير قد يتحملها هو قبل أن يتسلم المبيع ،وذلك في الحالة التي يقوم
فيها البائع بإعذار المشتري بتسلم المبيع قبل هالكه ،حيث إن الهالك هنا ُيعزى
إلى تقصير المشتري .ويقوم مقام اإلعذار في هذه الحالة ،أن يوجد شرط في عقد
البيع يفيد بأن التسليم يتم في وقت محدد دون حاجة إلى إعذار المشتري بالتسليم،
أي أن المشتري يعتبر معذ اًر بمجرد حلول األجل المذكور ،وتقع تبعة الهالك عليه
– أي على المشتري – من هذا الوقت .1
تنص المادة ( ) 134مدني ،على أنه ":إذا نقصت قيمة المبيع قبل التسليم
لتلف أصابه ،جاز للمشتري إما أن يطلب فسخ البيع إذا كان النقص جسيماً بحيث
لو ط أر قبل العقد لما تم البيع ،واما أن يبقى البيع مع إنقاص الثمن ".
لقد تعرض النص المتقدم لحالة الهالك الجزئي للمبيع قبل أن يسلمه البائع
إلى المشتري ،والذي يحدث بسبب قوة قاهرة أو حادث فجائي .وبالنسبة لتحمل
تبعة الهالك هنا ،فتأخذ نفس حكم حالة الهالك الكلي ،أي أن البائع هو من يقع
على عاتقه تحمل هذه التبعة .وبالنسبة لموقف المشتري من الهالك الجزئي للمبيع،
فقد أعطاه المشرع مكنة االختيار بين األمرين التاليين:
أ -مكنة المطالبة بفسخ البيع :وذلك في الحالة التي يؤدي فيها الهالك إلى
نقص المبيع نقصاً جسيماً ،بحيث لو ط أر هذا النقص قبل العقد لما أتم المشتري
البيع .غير أن الفسخ هنا ال يقع بقوة القانون كما هو في حالة الهالك الكلي ،ولكنه
ب -مكنة طلب إنقاص ثمن المبيع بقدر النقص الذي لحق المبيع بسبب
الهالك الجزئي :ويخضع طلب المشتري بإنقاص الثمن لتقدير القاضي ،الذي يحق
له االستعانة بالخبراء في هذا الشأن .2
وسواء لجأ المشتري إلى مكنة طلب إنقاص الثمن ،أو استقر أمره على طلب
الفسخ ،فال يجوز له في الحالتين أن يطلب من البائع تعويضاً عن الهالك الجزئي
للمبيع؛ ألن البائع لم يتسبب في هذا الهالك بخطأ منه .3
ثالثاً :الحاالت اإلستثنائية التي يتحمل فيها المشتري تبعة هالك المبيع قبل
التسليم:
ذكرنا آنفاً ،أن تبعة هالك المبيع قبل التسليم تقع على عاتق البائع كقاعدة
عامة ،سواء كان الهالك كلياً أو جزئياً .غير أنه توجد حاالت إستثنائية ،يقع فيها
الهالك قبل تسليم المبيع ،ومع ذلك يتحمل المشتري وليس البائع تبعة هذا الهالك.
وهذه الحاالت هي:
-1حالة وجود اتفاق بين البائع والمشتري يتضمن أساساً آخر النتقال تبعة
الهالك :كأن يتفقا مثالً على أن تكون هذه التبعة على المشتري بمجرد العقد أو
بمجرد انتقال الملكية وقبل التسليم .أو االتفاق على أن يبقى البائع متحمالً لتبعة
الهالك بعد مدة معينة بعد حدوث التسليم .فهنا يصح مثل هذا االتفاق؛ ألن قاعدة
-2إذا أعذر البائع المشتري لتسلم المبيع قبل هالكه ولم يتسلمه :غير أن
تحمل المشتري تبعة هالك المبيع في هذه الحالة مقيد بأن يكون ميعاد التسليم قد
حل ،أي يكون اإلعذار قد حدث والمبيع كان واجب التسليم .فإن لم يكن هذا
الميعاد قد حل ،كان من حق المشتري االمتناع عن تسلم المبيع ولو عرضه البائع،
ما لم يك ن هذا األجل قد تم االتفاق عليه لصالح البائع وحده مما يحق له النزول
عنه .2
-3إذا وضع المشتري يده على المبيع قبل أن يحل ميعاد التسليم بدون إذن
من البائع وبدون حكم من القضاء ،ما لم يثبت أن المبيع كان سيهلك لو كان عند
البائع .3
-1إذا كان هالك المبيع راجعاً إلى فعل المشتري أو خطأه؛ النتفاء خطأ أو
تقصير البائع الذي يبرر تحمله لتبعة الهالك.
-0إذا هلك المبيع في يد البائع وهو حابس له ،لضمان استيفاء الثمن ،فهنا
يتحمل المشتري تبعة هالك المبيع؛ ألنه هو المتسبب -بخطأه المتمثل في عدم
وفائه بالتزامه بدفع الثمن -في هالك المبيع .ويلزم لمخالفة القاعدة العامة
المتقدمة في هذه الحالة ،ضرورة توافر دليل يقيني على استعمال البائع لحقه في
الحبس ،بأن يكون قد أنذر المشتري أو على األقل أن يكون قد أخطره بأنه يحبس
المبيع لحين دفع الثمن .4
يعتبر التزام البائع بضمان التعرض واالستحقاق امتداداً طبيعياً اللتزامه بنقل
الملكية وبالتسليم .بمعنى أن نقل الملكية أو التسليم يقتضيا أن يكون المبيع قد
ُنقلت ملكيته أو ُسلم إلى المشتري كامالً دون نقص ،دون أن يتعرض أحد للمشتري
في حيازته وانتفاعه بالمبيع.
فإذا حدث تعرض للمشتري في انتفاعه بالشيء المبيع سواء كان المتعرض
هو البائع أو شخص من الغير ،أو ادعى شخصاً حقاً على المبيع وقُضى له به،
كان البائع مخالً بالتزامه بضمان التعرض واالستحقاق ،على نحو يثير مسؤولية
هذا الب ـائع قبل المشتري ،والتي تتمثل إما في التنفيذ العيني واما في التنفيذ بمقابل
( ضمان االستحقاق ).
المطلب الول
128
بضمان تعرضه الشخصي ( رابعاً ) .وأخي اًر ،حكم االتفاق على عدم ضمان
التعرض الشخصي ( خامساً ) .وذلك على البيان التالي :
تنص المادة ( ) 134من القانون المدني ،على أنه ":يضمن البائع عدم
التعرض للمشتري في االنتفاع بالمبيع كله أو بعضه ،سواء كان التعرض من فعله
هو .".........
ُيقصد بالتعرض عموماً ،كل ما يكون من شأن إتيانه سواء من البائع أو من
الغير ،حرمان المشتري من بعض أو كل سلطاته على المبيع أو االنتفاع به،
قانونياً كان هذا التعرض أو مادياً ،على نحو تقوم معه مسؤولية البائع في حالة
حدوث هذا التعرض بالفعل.
ويقصد بضمان التعرض الشخصي الذي يلتزم البائع بضمانه ،أن يمتنع هذا
ٌ
البائع عن القيام بأي عمل يترتب عليه تعكير حيازة المشتري أو حرمانه من
االنتفاع بالمبيع ،سواء بصورة كلية أو جزئية ،بطريق مباشر أو غير مباشر ،سواء
كان التعرض مادي أو قانوني .1وهذا االلتزام يستند في أساسه إلى مبدأ حسن
النية في إبرام العقود وتنفيذها.
ويقوم التزام البائع بضمان التعرض في مواجهة المشتري ،سواء وقع التعرض
منه شخصياً أو من الغير – على ما سنرى . -وال يلتزم بهذا الضمان ورثة البائع
باعتبارهم خلفاً عاماً له إال في حدود ما آل إليهم من أموال التركة؛ ألن القاعدة في
القانون المصري أن الورثة ال ُيسألون شخصياً عن ديون مورثهم في أموالهم
الخاصة وانما هذه الديون على التركة .ويستفيد أيضاً من هذا الضمان ،الخلف
العام للمشتري – ألن الحقوق تورث -الذين يمكنهم مطالبة البائع أو ورثته – مع
غير أن الخلف الخاص لكل متعاقد يختلف وضعه وموقفه من هذا الضمان
بحسب سلفه .فالخلف الخاص للبائع ،ال ينتقل إليه االلتزام بضمان التعرض .فعلى
سبيل المثال لو باع شخص عقا اًر يملكه ثم أوصى به آلخر ،وسجل هذا األخير
وصيته قبل أن يسجل المشتري بيعه ،فإن هذا المشتري ال يستطيع أن يحتج على
الموصى له باعتباره خلفاً خاصاً للموصي الذي باع له ،بأنه – أي الموصى له –
ملتزم بالضمان ليسترد منه العقار؛ وذلك ألن االلتزام بالضمان لم ينتقل من
الموصي – أي البائع للمشتري -إلى الموصى له ،بل بقي في التركة ،وال يحق
للمشتري سوى الرجوع بالتعويض على التركة .2
ويقوم التزام البائع يضمان التعرض أياً كانت النتيجة المترتبة على هذا
التعرض ،أي سواء ترتب عليه حرمان المشتري من االنتفاع بالمبيع بصورة كلية أو
- 1د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 552؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .112
- 2د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 558؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق،
ص .155 ،151
- 3د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .559
130
جزئية .ويسري هذا الضمان على جميع البيوع أياً كان محلها ،منقوالً أو عقا اًر،
سواء ُسجل البيع أم ال ،وأياً كانت طريقة إجراء البيع أي سواء كانت بالمساومة أو
بالمزاد االختياري أو اإلجباري .1
يلزم توافر شروطاً ثالثة لقيام التزام البائع بضمان التعرض الصادر عنه
شخصياً ،وتتمثل هذه الشروط في اآلتي :2
-1أن يكون التعرض قد وقع بالفعل :فال يكفي هنا مجرد احتمال وقوع
تعرض للمشتري من جانب البائع أو حتى التهديد بوقوعه ،بل يجب أن تقع
األفعال التي يترتب عليها حرمان المشتري من االنتفاع بالعين .فعلى سبيل المثال،
لو قام البائع ببيع العقار المبيع مرة أخرى لمشتر ثان وقام هذا األخير بتسجيل
عقده وانتقلت الملكية إليه ،فال يعتبر ذلك تعرضاً للمشتري األول إال إذا شرع
المشتري الثاني في إخراج المشتري األول من العين فعالً ،أما قبل ذلك فال يكون
للمشتري األول أن يرجع على البائع بضمان التعرض ،وان كان يجوز له الرجوع
عليه بدعوى الفسخ إلخالله بالتزامه بنقل الملكية إليه .3
-2أن يترتب على تعرض البائع حرمان المشتري من االنتفاع بالمبيع ،سواء
بصورة كلية أو بصورة جزئية.
-3أن يقع تعرض البائع بعد البيع وليس قبله :وعلى ذلك إذا قام مالك
العقار المبيع ببيعه مرة أخرى لمشتر ثان بعد أن سجل المشتري األول عقده ،فإن
البيع األول الذي سجله صاحبه ال يعد تعرضاً للمشتري الثاني صاحب البيع غير
131
المسجل ولو لم يتمكن المشتري الثاني من االنتفاع بالعين؛ وذلك ألن البيع الثاني
يعتبر بيعاً لملك الغير ويجوز له – أي المشتري الثاني – أن يطالب بإبطاله.
يلتزم البائع بضمان التعرض الشخصي الصادر عنه سواء كان هذا التعرض
مادي أو قانوني:
أ -الحالة الولى :إذا صدرت من البائع نفسه أو من ورثته أفعال مادية
محضة ،ترتب عليها بطريق مباشر حرمان المشتري من االنتفاع بالعين المبيعة
كلياً أو جزئياً كما سبقت اإلشارة .ويمتنع على البائع التعرض ولو كان الفعل
المكون للتعرض ال يمثل خطأً في ذاته وال تتوافرفيه شروط الفعل الضار بل يعتبر
فعالً جائ اًز للغير؛ ويرجع ذلك إلى أن ضمان البائع يختلف عن الغير في أن هذا
البائع يلتزم بنقل ملكية المبيع إلى المشتري بكل مزاياه ومنافعه ،ويجب عليه أال
يفوت هذا االنتفاع على المشتري ولو باستعماله حقاً آخر له أو رخصة أعطاه
القانون إياها .2
فعلى سبيل المثال ،يعتبر تعرضاً مادياً للمشتري ،قيام شخص ببيع محله
التجاري لمشتر ما ،وبعد البيع قام البائع بفتح محل تجاري مماثل للمحل الذي
باعه وبالقرب منه؛ ألن ما قام به البائع يفوت على المشتري فرصة االنتفاع
- 1د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص 411؛ د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص
.122
- 2د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص .412 ،411
132
بالمبيع عن طريق اجتذاب زبائن المحل المبيع نظ اًر لتعودهم على التعامل مع
البائع .والدعوى التي يرفعها مشتري المحل في هذه الحالة ال تؤسس على
المسؤولية التقصيرية الناشئة عن المزاحمة غير المشروعة ،وانما تؤسس على
المسؤولية العقدية الناشئة عن إخالل البائع بالتزامه بالضمان .واذا قام البائع بعمل
من أعمال العنف والتعدي على المشتري في حيازته للعين ،فإنه يكون مسئوالً عن
ذلك كأي شخص أجنبي ،وليس باعتباره بائعاً ملزماً بالضمان .1
ب -الحالة الثانية :التعرض المادي الذي يكون نتيجة تصرف قانوني أبرمه
البائع مع الغير ،كأن يبيع األرض التي سبق له بيعها لمشتر ثان ويقوم هذا
األخير بتسجيل عقده قبل المشتري األول فتنتقل الملكية إلى المشتري الثاني ،األمر
الذي يترتب عليه قيام المشتري الثاني بنزع ملكية المبيع من المشتري األول .فرغم
أن ما قام به البائع مع المشتري الثاني يعتبر تصرفاً قانونياً بينهما إال أنه يعتبر
واقعة مادية بالنسبة للمشتري األول الذي يظل أجنبياً عن هذا التصرف .ويشترط
هنا لقيام التعرض أن يقوم الغير الذي تصرف له البائع في المبيع بأعمال من
شأنها أن تؤدي إلى حرمان المشتري من االنتفاع بالعين .2
- 1د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص 412؛ د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق،
.147
- 2د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص .147
133
وقد يحدث تعرض البائع بطريق الدفع ،كأن يدفع دعوى المشتري الخاصة
بناء على مضي أكثر من خمس عشرة سنة على بصحة ونفاذ عقد البيع بالتقادم ً
عدم تسجيل العقد أو الحكم بصحته ،فيمتنع على البائع إبداء هذا الدفع ألنه
يتعارض مع التزامه بالضمان .1
غير أنه توجد بعض األمور إذا قام بها البائع فال تعتبر تعرضاً منه
للمشتري .كما إذا كان الحق الذي يستند إليه البائع مستمد من عقد البيع ذاته،
كالدفع ببطالن عقد البيع أو بإبطاله لعيب في الرضا أو مطالبة المشتري بثمن
المبيع .وكذلك إذا كان الحق الذي يستند إليه البائع مخول له بمقتضى القانون،
كما لو كان البائع يملك عقا اًر مجاو اًر للعقار المبيع ثم باع المشتري ذلك العقار إلى
شخص آخر ،فهنا يجوز للبائع األصلي باعتباره جا اًر أن يطلب الشفعة في هذا
البيع ،وال يعتبر هذا تعرضاً للمشتري؛ ألن استعمال حق الشفعة من الرخص
المقررة قانوناً وال يتضمن أي إنكار لحقوق المشتري األصلي على المبيع .2
وفي هذا الصدد يثور تساؤل هام مفاده :هل يجوز للبائع تملك المبيع
بالتقادم؟ بمعنى إذا استمر البائع واضعاً يده على المبيع بعد البيع مع انتواء تملكه
بالتقادم المكسب للملكية فهل يجوز للبائع أو ورثته التمسك بالتقادم في مواجهة
المشتري؟
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض المصرية بأنه ":متى كان األساس
التشريعي للتملك بالتقادم هو قيام قرينة قانونية قاطعة على توافر سبب مشروع
للتملك لدى واضع اليد ،كان القول بأن تمسك البائع باكتساب ملكية العقار بوضع
اليد عليه في المدة الطويلة بعد بيعه وانتقال ملكيته إلى المشتري ،يعتبر من جانبه
تعرضاً ال يتفق وواجب الضمان المفروض عليه قانوناً ،كان هذا القول مخالفاً
للقانون " .2
يكون البائع مخالً بالتزامه بضمان تعرضه الشخصي ،إذا وقع منه تعرض
فعلي للمشتري ،األمر الذي تثور معه مسألة تحديد الجزاء الذي سيوقع على البائع
بسبب هذا اإلخالل .والحقيقة أن هذا الجزاء يختلف باختالف نوع التعرض الذي
وقع من البائع ،وهل هو تعرض مادي أم قانوني؟
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 148وما بعدها؛ د محمد شكري سرور،
المرجع السابق ،ص 541؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .112
- 2نقض مدني ،جلسة 2959/21/8؛ مشار إليه في /د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع
السابق ،ص 149؛ د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص .442
135
أ -إذا كان تعرض البائع مادياً :كان من حق المشتري طلب التنفيذ العيني
بإزالة ما وقع مخالفاً اللتزام البائع بضمان تعرضه ،ويجوز للمشتري في سبيل حمل
البائع على ذلك أن يطلب من القضاء الحكم على المتعرض بغرامة تهديدية .1
ب -إذا كان تعرض البائع قانونياً :كأن يكون البائع قد رفع دعوى على
المشتري السترداد المبيع أو دعوى تثبيت الملكية .كان من حق المشتري أن يدفع
بما يسمى بالدفع بالضمان ،إللزام البائع بالضمان ،فمن وجب عليه الضمان امتنع
عليه التعرض .وهذا الدفع يؤدي إلى رفض دعوى البائع .2
وباإلضافة إلى ما تقدم ،فإنه يجوز للمشتري طلب فسخ البيع؛ إلخالل البائع
بالتزامه بالضمان .غير أن طلب الفسخ هنا يخضع لتقدير القاضي الذي يحق له
تلبية طلب المشتري أو رفضه ،ويتوقف ذلك على جسامة إخالل البائع .ويحق
للمشتري أيضأ إذا لم يكن قد دفع الثمن ،أن يحبس هذا الثمن أو يحبس ما بقي
منه إلى حين تنفيذ البائع التزامه عينياً .3
ويعتبر التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي ،التزاماً أبدياً مصدره عقد
البيع .ويسري هذا االلتزام على جميع البيوع ،سواء ورد البيع على منقول أو عقار
بعقد مسجل أو غير مسجل ،وسواء تم البيع بالمساومة أو بالمزاد قضائياً كان أو
إدارياً .وفي هذه الجزئية يختلف ضمان التعرض عن ضمان العيوب الخفية؛ حيث
ال يضمن البائع العيب في البيوع القضائية أو اإلدارية إذا كانت بالمزاد .ويترتب
على أبدية ضمان التعرض ،أن الدفع به من قبل المشتري يكون مؤبداً أيضاً ،أي
وجدير بالذكر أن التزام البائع بالضمان غير قابل لالنقسام حتى ولو كان
المبيع نفسه قابالً لالنقسام .فعلى سبيل المثال ،لو باع وارثان العقار الذي اكتسبا
ملكيته بطريق الميراث ،نشأ على عاتق كل منهما التزام بضمان التعرض بالنسبة
للمبيع كله وليس فقط بالنسبة لحصة كل منهما فيه مستقلة عن اآلخر .فإذا تبين
بعد ذلك أن أحد البائعين فقط هو الوارث الوحيد للعقار كله ،فال يجوز له أن يسترد
شيئاً من المشتري؛ ألنه ضامن للتعرض بالنسبة للعقار المبيع كله .2
خامساً :حكم االتفاق على اشتراط البائع عدم ضمان تعرضه الشخصي:
تعرضت المادة ( ) 1/111مدني ،لحكم االتفاق الذي يشترط فيه البائع عدم
ضمان تعرضه الشخصي ،وقررت أن مثل هذا االشتراط يقع باطالً ،ويظل البائع
مسئوالً عن استحقاق المبيع الناجم عن فعله؛ ألن هذا االشتراط مثله مثل االتفاق
على اعفاء البائع من مسؤوليته عن غشه أو خطأه الجسيم ،وهذا غير جائز.
غير أنه يجوز وفقاً للقواعد العامة االتفاق على زيادة الضمان أو على األقل
التخفيف منه بخصوص سبب معين .3
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 172؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .119
- 2د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 175؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص 151؛ د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص 185؛ د عبد الرزاق السنهوري،
المرجع السابق ،ص 441وما بعدها.
- 3د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 449؛ د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع
السابق ،ص .178 ،172
137
المطلب الثاني
نص الم ـشرع عـ ـلى ضـ ـم ـان الـ ـبائع للتـ ـ ـعرض الصادر عن الغير ،في المادة
( )134من القانون المدني ،التي نصت على أنه..... ":أو من فعل أجنبي يكون
له وقت البيع حق على المبيع يحتج به على المشتري .ويكون البائع ملزماً
بالضمان ولو كان األجنبي قد ثبت حقه بعد البيع إذا كان هذا الحق قد آل إليه من
البائع نفسه ".
وسنتعرض لدراسة التزام البائع بضمان تعرض الغير ،من خالل فرعين:
نتناول في أولهما شروط هذا الضمان ،وفي ثانيهما أحكام هذا الضمان.
الفرع الول
ال يضمن البائع التعرض الصادر من الغير بصورة مطلقة ،بل أن ذلك
الضمان مقيد بتوافر عدة شروط البد من وجودها .وتتمثل هذه الشرط في اآلتي:
138
والتي تتمثل في دعاوى الحيازة أو االلتجاء إلى الجهات اإلدارية لمنع هذا االعتداء
أو وقفه .1
أما التعرض القانوني الذي يضمنه البائع إذا صدر من الغير فهو يتوافر في
حالتين هما :2
أ -تعرض الغير الذي يستند فيه إلى حق ملكية :هو الذي يستند فيه الغير
إلى حق يدعيه على المبيع ،سواء كان هذا الحق ثابتاً أو جدياً أو كان ظاهر
البطالن .ويضمن البائع هذا التعرض ولو كان حسن النية أي ال يعلم وقت البيع
بوجود السبب الذي يستند إليه الغير في تعرضه للمشتري.
ب -تعرض الغير الذي يستند فيه إلى حق عيني آخر غير الملكية :وهنا
يطالب المتعرض بحق عيني غير الملكية ،األمر الذي يترتب عليه االنتقاص من
انتفاع المشتري بالمبيع ،كحق رهن أو امتياز أو انتفاع .وكذلك التعرض الذي
يستند إلى حق شخصي كالحق في اإليجار .وكذلك حالة ما إذا كان للغير حق
اقتضاء له على أساس انه –
ً دائنية في مواجهة البائع ويقوم بالتنفيذ على المبيع
أي المبيع – اليزال مملوكاً للبائع ولم تنتقل ملكيته إلى المشتري ،كدائن بائع العقار
بعقد غير مسجل.
غير أنه بالنسبة لضمان البائع تعرض الغير بخصوص حقوق االرتفاق ،نجد
أن المشرع قد أورد له حكماً خاصاً في المادة ( ) 2/110من القانون المدني.
ويستفاد من هذه المادة أن البائع ال يضمن تعرض الغير في حالة حقوق االرتفاقُ
في الحالتين اآلتيتين:
ب -إذا لم يكن االرتفاق ظاه اًر للمشتري ولكن البائع أبان أو أعلن عنه
للمشتري وقت التعاقد :كأن يخبره مثالً بوجود حق مرور مقرر على األرض
المبيعة لمصلحة األرض المجاورة لها إذا لم يكن لطريق المرور معالم ظاهرة
تميزه.2
ثانياً :أن يكون حق المتعرض ثابتاً له وقت البيع أو آل إليه بعد البيع بفعل
البائع:
إذا كان الشرط السابق قد تناول نطاق التزام البائع لتعرض الغير القانوني من
الناحية الموضوعية ،فإن هذا الشرط يحدد نطاق التزام البائع من الناحية الزمنية.
ويتضح هذا األخير في الحالتين التاليتين :3
أ -يضمن البائع التعرض الذي يستند فيه األجنبي إلى حق كان ثابتاً له
وقت البيع :ويستوي في هذا الشأن أن يكون المتعرض قد اكتسب هذا الحق بفعل
البائع نفسه كما لو قد قرر حق ارتفاق على العقار قبل البيع .أو اكتسبه بعيداًعن
- 1د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 575؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق،
ص .159
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص .159
- 3د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 571؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق،
ص .141
140
فعل البائع أو تدخله كما لو صدر قرار بنزع ملكية العقار قبل بيعه أو كان الغير
واضعاً يده عليه واكتملت مدة التقادم المكسب قبل انعقاد البيع.
ب -يـ ـضمن الـ ـبائع تـ ـعرض الغير ولو كان المتعرض قد كسب حقه بعد
البيع – وليس وقته : -ويشترط لصحة ضمان البائع هنا أن يكون كسب الغير
لهذا الحق بعد البيع راجعاً إلى البائع نفسه ،كما لو باع البائع العقار المبيع مرة
أخرى إلى مشتر ثان والذي سجل بيعه قبل المشتري األول .أو قرر البائع حق
ارتفاق على العقار المبيع وتم تسجيله قبل تسجيل البيع فانتقلت ملكية المبيع إلى
المشتري محملة بهذا االرتفاق.
وترتيباً على ما تقدم ،إذا كان الحق الذي يدعيه المتعرض الحقاً على عقد
البيع ،ولم يكن قد آل إلى المتعرض من البائع نفسه ،فال يلتزم البائع هنا
بالضمان .كأن تُنتزع ملكية المبيع للمنفعة العامة بعد البيع ،أو يدعي المتعرض
اكتساب ملكية المبيع بالتقادم ولو كانت هذه المدة قد بدأت في السريان قبل البيع
طالما أن المدة الباقية كانت تكفي المشتري التخاذ اإلجراءات الالزمة لقطع
التقادم.1
ويعني هذا الشرط ضرورة أن يكون تعرض الغير للمشتري قد وقع بالفعل
لكي ينشأ التزام البائع بالضمان .وعلى ذلك ،فال يكفي لقيام التزام البائع مجرد أن
يكون هذا التعرض محتمالً وليس حاالً ،أي إذا كان يقوم على مجرد ظنون أو
وساوس من المشتري .فعلى سبيل المثال ،ال يعد مجرد اكتشاف المشتري وجود
حق رهن على العين المبيعة تعرضاً له طالما لم تحدث معارضة من صاحب
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 125؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص .141
141
الرهن .1أي البد من أن يتخذ المتعرض موقفاً إيجابياً سواء تمثل في صورة دفع
أو دعوى أو غيرهما.
وعلى ذلك ،إذا كان المبيع وقت البيع في يد الغير ،لم يكن من حق
المشتري مطالبة البائع بضمان التعرض ،بل مطالبته بتسليم المبيع ،فإذا حل ميعاد
التسليم ولم يسلم البائع أو الغير المشتري المبيع ،كان من حق المشتري الرجوع
على البائع بالضمان .وكذلك األمر ،إذا لم يكن المبيع مملوكاً للبائع ،فال يعد
مجرد علم المشتري بذلك مبر اًر لرفع دعوى الضمان على البائع ،بل يجب عليه أن
ينتظر وقوع التعرض له بالفعل من قبل المالك الحقيقي .ويحق للمشتري في الحالة
األخيرة أال يتنظر وقوع تعرض المالك الحقيقي وأن يبادر بطلب فسخ العقد أو
إبطاله .2
الفرع الثاني
إذا حدث تعرض قانوني من الغير للمشتري في المبيع ،التزم البائع أن
يضمن هذا التعرض .وذلك عن طريق تنفيذ التزامه عينياً بهذا الضمان بوقف هذا
التعرض .واذا لم ينجح البائع في وقف هذا التعرض بأن نجح المتعرض وثبت
الحق الذي يدعيه على المبيع ،فال يكون أمام البائع إال أن ينفذ التزامه تنفيذاً
بمقابل بتعويض المشتري وهو ما ُيعرف بضمان االستحقاق .وعلى ذلك سنتعرض
لدراسة نوعي التنفيذ في الغصنين التاليين:
ُيقصد بالتنفيذ العيني هنا ،أن يدفع البائع تعرض الغير عن المشتري .وهذا
التعرض قد يتم من قبل المتعرض مطالباً بحقه بصورة ودية .وغالباً ما يحدث عن
طريق اللجوء إلى القضاء وذلك برفع دعوى باستحقاق المبيع .وتتمثل وسيلة البائع
في تنفيذ التزامه هنا ،في أن يتدخل إلى جانب المشتري في الدعوى التي يرفعها
المتعرض أو يحل محله فيها ،وأن يثبت عدم أحقية المتعرض فيما يدعيه وأن
يصل إلى حكم برفض دعوى المتعرض .1
ولقد نظم المشرع كيفية تدخل البائع في دعوى االستحقاق التي يرفعها
المتعرض على المشتري ،وذلك في المادتين ( ) 111 ، 115من القانون المدني.
ويتخذ تدخل البائع في هذه الدعوى الصور الثالث اآلتية:
إذا تعرض الغير للمشتري في المبيع ،وجب المشتري إخطار البائع بهذا
التعرض في الوقت المالئم – أي يجب أال يحدث بعد إقفال باب المرافعة في
الدعوى -حتى يتدخل إلى جانبه بدفع إدعاء المتعرض .وال يوجد شكل خاص
لهذا اإلخطار ،فقد يتم شفاهة أو بإنذاررسمي أو بخطاب مسجل أو عادي.
وال يعتبر اإلخطار هو الوسيلة الوحيدة التي ال يتحقق علم البائع بدعوى
االستحقاق إال بها ،حيث ال توجد جدوى من اإلخطار إذا كان البائع قد علم
بالدعوى المرفوعة على المشتري من طريق آخر؛ ألن القانون لم يستلزم حتماً قيام
المشتري ذاته باإلخطار ،والـ ـدلـ ـيل عـ ـل ـى ذلـ ـك ال ـ ـصي ـاغة الـ ـتي جـ ـاءت ب ـها المادة
وال يقتصر األمر على مجرد قيام المشتري بإخطار البائع بدعوى االستحقاق،
بل قد يطلب إدخاله فيها كضامن وقد يطلب ذلك الغير المتعرض .ويحق للبائع أن
يتدخل في الدعوى من تلقاء نفسه باعتباره صاحب مصلحة في هذه الحالة .وسواء
أُدخل البائع في الدعوى عن طريق المشتري أو الغير المتعرض ،أو تدخل فيها من
تلقاء نفسه ،يحق للمشتري أن يطلب إخراجه منها – أي من الدعوى – ويحل
البائع محله فيها ليتفادى الحكم عليه بمصروفات الدعوى إذا نجح المتعرض في
دعواه .غير أن المشتري غالباً ما يفضل البقاء في الدعوى لكي يراقب البائع
ويساعده في دفاعه ،ولكي يضمن عدم وجود تواطؤ بين البائع والمتعرض .2
وفي األخير إذا نجح البائع في دفع تعرض الغير وحصل على حكم برفض
دعوى المتعرض ،فإنه يكون قد نفذ التزامه عينياً .واذا أخفق في ذلك ،وجب عليه
تعويض المشتري وفقاً للقواعد الواردة في ضمان االستحقاق .3
ثانياً :عدم تدخل البائع في دعوى االستحقاق بالرغم من إخطار المشتري له:
وفي هذه الحالة يخطر المشتري البائع ،بأن الغير المتعرض قد رفع عليه –
أي على المشتري – دعوى استحقاق ،ورغم ذلك لم يتدخل البائع ،فما أثر عدم
تدخله على التزامه بضمان تعرض الغير؟ تقتضي اإلجابة على هذا التساؤل
التفرقة بين فرضين هما:
144
-1إذا اختار المشتري االستمرار في الدعوى رغم عدم تدخل البائع :وهنا
إذا نجح المشتري في دفع تعرض الغير وحصل على حكم برفض دعوى
المتعرض ،انقضي التزام البائع بالضمان ،ويحق له الرجوع على البائع بمصروفات
الدعوى .1واذا أخفق المشتري في دفع تعرض الغير ،بصدور حكم باالستحقاق
للمدعي في الدعوى – أي للغير المتعرض ، -فهنا يكون البائع قد أخل بالتزامه
بضمان التعرض ويلتزم بتنفيذ التزامه بطريق التعويض أي بضمان االستحقاق
على ما سنرى .ويستطيع البائع أن يدفع دعوى ضمان االستحقاق التي يرفعها
عليه المشتري ،إذا أثبت أن الحكم الصادر في دعوى االستحقاق التي رفعها
المتعرض ،كان نتيجة لتدليس من المشتري أو لخطأ جسيم منه .2
وال يستطيع البائع التخلص من دعوى ضمان االستحقاق التي يرفعها عليه
المشتري ،بأن يثبت أن المدعي لم يكن على حق في دعواه وأنه – أي البائع –
كان في استطاعته أن يدفع دعوى التعرض والحصول على حكم برفضها؛ وذلك
ألن المشتري قد أخطره بالدعوى ومع ذلك لم يتدخل فيها ،لذلك فيجب عليه أن
يتحمل نتيجة تقصيره .3
-5أن يقر المشتري للمتعرض رافع دعوى االستحقاق بالحق الذي يدعيه
أو تصالح معه على هذا الحق :ويحدث ذلك في الحالة التي يرى فيها المشتري
أنه ال جدوي من االستمرار في الدعوى .وهنا يحق للمشتري أن يرجع على البائع
بدعوى ضمان االستحقاق ،ولكن بشرط أن يكون حسن النية ،بأن كان يعتقد أن
المتعرض محق في دعواه.
ويستطيع البائع أن يدفع دعوى ضمان االستحقاق التي يرفعها عليه المشتري
إذا أثبت أن المدعي في دعوى االستحقاق – أي الغير المتعرض – لم يكن على
حق في دعواه ،وأن المشتري قد تسرع عندما أقر له أو تصالح معه على الحق
المدعى به.
ثالثاً :عدم تدخل البائع في دعوى االستحقاق لعدم أخطار المشتري له:
ال يترتب على عدم أخطار المشتري البائع بدعوى االستحقاق التي يرفعها
الغير المتعرض ،سقوط حق المشتري في رفع دعوى ضمان االستحقاق على البائع
له ،بل يثبت له هذا الحق حتى مع عدم أخطاره البائع بدعوى التعرض .غير أن
البائع يستطيع أن يرد دعوى المشتري إذا أثبت أنه كان يستطيع أن يحصل على
حكم برفض دعوى المتعرض ،لو كان المشتري قد أخطره بهذه الدعوى في الوقت
المالئم .وال ُيطلب من البائع في هذه الحالة أن يثبت خطأ المشتري الجسيم ،بل
يكفيه إثبات أن تدخله كان سيؤدي إلى رفض دعوى االستحقاق التي يرفعها الغير
المتعرض .2
- 1د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 522؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق،
ص .145
- 2د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 184؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص 144؛ د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .521
146
الغصن الثاني
ضمان االستحقاق
يـ ـقتض ـي الـ ـتع ـرض لـ ـدراسـ ـة أحـ ـكام ض ـ ـمان االستحقاق ،أن نتعرض لتعريفه
( أوالً ) .وأحكام االستحقاق الكلي للمبيع ( ثانياً ) .وكذلك أحكام االستحقاق
الجزئي للمبيع ( ثالثاً ) .وتوقي المشتري استحقاق المبيع ( رابعاً ) .وأيضاً حكم
تعديل أحكام ضماني التعرض واالستحقاق ( خامساً ) .وأخي اًر سقوط حق المشتري
في الرجوع بالضمان ( سادساً ).
هو ذلك الضمان الذي يقوم في الحالة التي يدعي فيها الغير المتعرض حقاً
على العين المبيعة ،ويعجز البائع عن دفع هذا التعرض ،بسبب صدور حكم
لصالح المتعرض يقضي بأحقيته فيما أدعى به .األمر الذي يترتب عليه أن يتحول
حق المشتري قبل البائع من المطالبة بالتنفيذ العيني أي دفع تعرض الغير إلى
المطالبة بالتنفيذ بطريق التعويض أو ما ُيعرف بضمان االستحقاق.
أ -إذا أخطر المشتري البائع بدعوى االستحقاق ،فتدخل فيها البائع ولكنه لم
ينجح في دفع تعرض الغير بسبب صدور حكم بإثبات حق المدعي في دعوى
التعرض ( أي الغير المتعرض).
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 187؛ د محمد شكري سرور ،المرجع
السابق527 ،؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .111
147
ب -إذا أخطر المشتري البائع بدعوى االستحقاق ،ولكن البائع لم يتدخل فيها
وصدر حكم لمصلحة رافع الدعوى ،ولم يثبت البائع تدليس المشتري أو خطأه
الجسيم.
ج -إذا أخطر المشتري البائع بدعوى االستحقاق ،ولم يتدخل فيها البائع،
وأقر المشتري بحق المتعرض أو تصالح معه ،ولم يثبت البائع أن المدعي لم يكن
على حق في دعواه.
د -إذا لم يخطر المشتري البائع بدعوى االستحقاق وصدر حكم لصالح
المتعرض ولم يثبت البائع أن تدخله في الدعوى كان سيؤدي إلى رفضها.
هـ -إذا لم تُرفع دعوى استحقاق من الغير ولكن المشتري اعترف له بحقه
الذي يدعيه – أي بصورة ودية دون اللجوء إلى القضاء برفع دعوى استحقاق
المبيع – ولم يثبت البائع أن المتعرض لم يكن على حق فيما ادعاه.
وترتيباً على ذلك ،إذا توافرت حالة من الحاالت السابقة الموجبة لضمان
البائع الستحقاق المبيع ،كان من حق المشتري الحصول على التعويض ،ويتقرر
هذا األخير على حسب نوع االستحقاق الذي تعرض له المشتري بالنسبة للمبيع،
وما إذا كان استحقاقاً كلياً أم جزئياً.
يلتزم البائع بدفع قيمة المبيع وليس الثمن الذي دفعه المشتري ألن الضمان
تعويض ،والتعويض يقدر بقدر الضرر الفعلي ،والذي يتمثل هنا في حرمان
المشتري من قيمة المبيع .1ويتقيد البائع في هذا الدفع بوقت استحقاق المبيع –
أي يوم رفع المتعرض دعواه التي ُحكم له فيها باالستحقاق وليس يوم صدور
الحكم في الدعوى ، -وليس بوقت البيع وال وقت صدور الحكم؛ وذلك ألن األمر
في هذه الحالة ال يتعلق بدعوى فسخ أو دعوى إبطال ،ولكنه يتعلق بتعويض
المشتري عن إخالل البائع بأحد التزاماته وهو ضمان تعرض الغير .والتعويض هنا
يكون على أساس الخسارة الفعلية التي لحقت بالمشتري بسبب استحقاق المبيع
للغير ،وهذه الخسارة وقت حدوث الضرر – أي االستحقاق – تتمثل في قيمة
المبيع وقت االستحقاق ال بوقت غيره .2
ونظ اًر ألن المشتري قد ُيضار من أمر دفع قيمة المبيع وقد االستحقاق ،وذلك
إذا نقصت قيمة المبيع وقت االستحقاق عن الثمن الذي دفعه للبائع ،لذلك فيجوز
له – أي المشتري – أن يرجع على البائع بدعوى الفسخ أو دعو اإلبطال؛ حيث
إن الحكم بفسخ العقد أو إبطاله يكون بأثر رجعي ،ويترتب عليه عودة المتعاقدان
إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ،فيسترد المشتري الثمن من وقت التعاقد
وليس من وقت االستحقاق .3
وفي هذا الصدد قد أتى المشرع بحكم خالف فيه القواعد العامة ،وذلك
بالنسبة الستحقاق المشتري لفوائد المبيع – %1في المسائل المدنية %0 ،في
المسائل التجارية . -حيث إنه يستحقها من وقت االستحقاق خالفاً للقواعد العامة
التي تقضي بأن استحقاق الفوائد ال يكون إال من تاريخ المطالبة القضائية بها.
سيحرم من وقت االستحقاق ،من االنتفاع والحكمة من ذلك تتمثل في أن المشتري ُ
بالمبيع وأخذ ثماره ،فوجب أن يستعيض عن ذلك بالفوائد القانونية من ذلك الوقت.2
أ -من اليوم الذي يعلم فيه بحق المستحق أو بسبب االستحقاق :وهنا يلتزم
المشتري بأن يرد إلى المستحق ما قبضه أو ما قصر في قبضه من ثمار المبيع
من يوم علمه بحق هذا المستحق ،ويحق له -أي المشتري – الرجوع بقيمة هذه
الثمار على البائع.
ب -من يوم رفع دعوى االستحقاق عليه من قبل الغير المتعرض :وهنا يلتزم
المشتري برد ما يقبضه من ثمار من يوم رفع الدعوى عليه .ولكنه ال يرجع بقيمة
هذه الثمار على البائع؛ ألنه استعاض عنها بالفوائد القانونية عن قيمة المبيع من
وقت االستحقاق أي من وقت رفع الدعوى عليه ،على النحو الذي بيناه آنفاً.
- 1د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 582؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق،
ص .142
- 2د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .581
151
ب -حكم المصروفات النافعة :هي المصروفات ال توجد ضرورة تحتم
انفاقها ،وأن كان يترتب عليها زيادة في قيمة المبيع أو منفعته كالبناء أو الغراس
في العقار المبيع .ويقتضي بيان حكمها التفرقة بين المشتري سيء النية والمشتري
حسن النية:
* إذا كان المشتري سيء النية ( أي يعلم سبب االستحقاق وقت انفاق هذه
المصروفات ) :جاز للمستحق أن يطلب من المشتري إزالتها مع التعويض إن كان
له محل ،ويجوز له أيضاً أن يستبقيها مقابل دفع قيمتها مستحقة اإلزالة أو دفع
مبلغ يساوي ما زاد في قيمة العين بسبب هذه المصروفات .وذلك إعماالً لقواعد
االلتصاق المنصوص عليها في المادة ( ) 421من القانون المدني.
وأياً ما كان المبلغ الذي سيختار المستحق دفعه للمشتري ،فإنه سيكون حتماً
أقل من المصروفات التي أنفقها هذا المشتري ،لذلك يحق لهذا األخير أن يرجع
استيفاء لحقه .1
ً بالفرق على البائع
* إذا كان المشتري حسن النية ( أي ال يعلم وقت انفاق هذه المصروفات
سبب االستحقاق ) :كان المستحق بالخيار بين أن يدفع له نفقات البناء أو الغراس
أو مازاد في قيمة العين بسبب هذه المصروفات .وذلك إعماالً لقواعد االلتصاق
المنصوص عليها في المادة ( ) 420من القانون المدني.
ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يختار المستحق أقل القيمتين السابقتين ،فإذا
كانت قيمة الزيادة في المبيع أقل بالمقارنة بما أنفقه المشتري من مصروفات ،كان
لهذا األخير أن يرجع على البائع بالفرق .2
- 11د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 581؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق،
ص .148
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 149؛ د محمد شكري سرور ،المرجع السابق،
ص .581
152
ج -حكم المصروفات الكمالية :وهي المصروفات التي تنفق بقصد تجميل
المبيع وزخرفته وزينته ،كطالء جدران المنزل المبيع أو لصق بعض المناظر
الطبيعية على الجدران .ويطبق بشأنها الحكم الوارد في المادة ( ) 3/445مدني،
والتي تجيز للمشتري أن ينزع ما استحدثه بالعين المبيعة التي أُستحقت للغير بشرط
أن يعيد المبيع إلى الحالة التي كان عليها قبل إضافة األشياء محل المصروفات
الكمالية .كل ذلك مالم يطلب المستحق استبقاء هذه األشياء مقابل أن يدفع
للمشتري قيمتها مستحقة اإلزالة .1
وفي الحالتين فإن هناك خسارة مؤكدة تلحق بالمشتري ،سواء تمثلت في
النفقات التي صرفها من أجل إعادة العين إلى حالتها األولى إذا اختار المشتري
نزعها من العين المبيعة ،أو في الفارق بين المبلغ الذي دفعه في تجميل المبيع
وزخرفته وبين قيمة هذه األشياء مستحقة اإلزالة إذا اختار المالك إزالتها .وعلى
ذلك ،يحق للمشتري أن يطالب البائع بالتعويض عن هذه الخسارة بشرط أن يكون
البائع سيء النية ،أي يعلم وقت البيع سبب استحقاق المبيع للغير .2
يرجع المشتري على البائع بمصاريف دعوى االستحقاق التي تحملها أو أُلزم
بدفعها بسبب خسارته للدعوى .وتشمل رسوم التقاضي وأتعاب المحاماة والخبراء.
غير أن البائع ال يلتزم بدفع المصروفات التي باستطاعة المشتري أن يقيه منها –
أي البائع – لو أخطره المشتري بدعوى االستحقاق في الوقت المالئم .كما لو تكبد
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 191؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص 149؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .118
- 2د محمد على عمران ،المرجع السابق ،ص 149؛ د محمد شكري سرور ،المرجع السابق،
ص 581؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .119
153
المشتري مصاريف استخراج مستند كان في حوزة البائع .ويقع عبء اإلخطار من
عدمه على البائع .1
ويرجع المشتري على البائع أيضاً ،بمصاريف دعوى الضمان ،سواء كانت
أصلية أو فرعية ،وذلك عندما يرجع المشتري على البائع بالضمان نتيجة استحقاق
سيحكم في هذه الدعوى لصالح المشتري .2
المبيع لألجنبي؛ ألنه من المؤكد ُ
-2ما لحق المشتري من خسارة وما فاته من كسب بسبب استحقاق المبيع:
جاء النص على هذا العنصر من عناصر التعويض الذي يرجع به المشتري
على البائع في حالة استحقاق المبيع ،رغبةً من المشرع في أن يوفر أقصى حماية
ممكنة للمشتري؛ فخشي أن يكون هناك ضر اًر ما تعرض له المشتري ولم يكن
منصوصاً عليه ضمن العناصر األربعة السابقة فيشمله هذا العنصر.
ومن أمثلة الخسارة التي تلحق بالمشتري بسبب استحقاق المبيع كله،
مصاريف السمسرة ،ومصاريف االنتقال لمعاينة المبيع عند شرائه ،ومصاريف نقل
المبيع ،ومصاريف استالمه ،ورسوم التسجيل والدمغة .ومن أمثلة الكسب الذي قد
يفوت المشتري بسبب هذا االستحقاق ،الصفقة التي ضاعت عليه والتي تركها من
أجل شراء المبيع الذي أُستحق للغير .3
وجدير بالذكر أن طلب التعويض بعناصره السابقة ،هو خاص فقط بدعوى
ضمان االستحقاق دون دعوى الفسخ ودعوى اإلبطال .فهذه األخيرة ،يرفعها
المشتري على أساس أن البيع هو بيع ملك الغير ،ويؤدي رفعها إلى زوال العقد
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 191؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص 171؛ د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .581
- 2د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .581
- 3د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 585؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .111
154
واسترداد المشتري للثمن .وان ُحكم له بالتعويض ،كان ذلك على أساس العمل غير
المشروع وليس على أساس العقد.
وكذلك األمر بالنسبة لدعوى الفسخ ،فالمشتري يرفعها على أساس عدم تنفيذ
البائع اللتزامه بنقل الملكية ،ويترتب عليها أيضاً زوال العقد واسترداد المشتري
للثمن ،وان ُحكم له بالتعويض ،كان على أساس العمل غير المشروع وليس على
أساس العقد.
وفي هذا الشأن يثور تساؤل هام وهو :هل حسن أو سوء نية البائع أو
المشتري يؤثر على استحقاق التعويض؟
مبدئياً يقصد بحسن النية هنا ،عدم علم البائع أو المشتري بسبب االستحقاق
وقت البيع أو الشراء .ويعني سوء النية علم البائع أو المشتري بسبب االستحقاق
وقت البيع أو الشراء .ويختلف موقف البائع عن موقف المشتري في هذا األمر :2
أ -بالنسبة لموقف البائع :أجمع الفقه على أنه ال عبرة بحسن أو سوء نيته،
بمعنى أن يلتزم في مواجهة المشتري بجميع عناصر التعويض سالفة الذكر،
ب -بالنسبة لموقف المشتري :انتهى الرأي الراجح إلى أنه يحق للمشتري أن
يرجع على البائع بكافة عناصر التعويض ،سواء كان حسن أو سيء النية .مالم
ُيفسر علمه – أي المشتري – بسبب االستحقاق على أنه اتفاقاً ضمنياً على عدم
الضمان ،فال يلتزم البائع في هذا الفرض األخير إال برد قيمة المبيع دون
التعويضات األخرى.
ُيقصد باالستحقاق الجزئي ،ثبوت ملكية الغير لجزء من المبيع ،سواء كان
وفاء لحق
هذا الجزء مفر اًز أو حصة شائعة فيه ،أو إذا ُنزع جزء من العين المبيعة ً
دائن مرتهن ،أو إذا ظهر عدم وجود ارتفاق للمشتري على العين المبيعة كان قد
سبق وأن أكد له عليه البائع ،أو كان ظاه اًر على نحو بث االعتقاد في ذهن
المشتري على وجوده ووضعه في االعتبار عند إبرام البيع .1
وبالنسبة لقدر التعويض في حالة االستحقاق الجزئي ،فوفقاً لما نصت عليه
المادة ( ) 111من القانون المدني ،يجب التفرقة بين حالتين هما :2
أ -إذا كان االستحقاق الجزئي جسيماً بحيث لو علم به المشتري وقت
التعاقد لما أبرم العقد :وفي هذا الفرض يبلغ االستحقاق الجزئي حداً من الجسامة
على نحو ال يصبح معه المبيع موفياً للغرض الذي يريده المشتري .كأن يكون
وفي هذه الحالة يكون المشتري مخي اًر بين إما أن يرد للبائع ما بقي من البيع
ويرد معه كل ما استفاده منه ،وبعدها يرجع على البائع بعناصر التعويض المعمول
بها في حالة االستحقاق الكلي .واما أن يستبقي المشتري ما بقي من المبيع بعد
حدوث االستحقاق الجزئي ويطالب البائع بالتعويض عما لحقه من خسارة وما فاته
من كسب بسبب هذا االستحقاق.
ويؤسس الرجوع هنا على أساس دعوى ضمان االستحقاق المستمدة من العقد
ذاته ،أي على أساس المسؤولية العقدية والتي يقدر فيها التعويض على أساس
الضرر المتوقع وقت العقد مالم يكن البائع سيء النية فيلتزم بالتعويض عن
الضرر غير المتوقع.
ب -إذا لم يكن االستحقاق الجزئي جسيماً :فهنا ال يحق للمشتري إال
المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب االستحقاق الجزئي .ويلتزم البائع
هنا بتعويض المشتري عن الضرر المتوقع وقت العقد والضرر غير المتوقع في
حالة ما إذا كان سيء النية يعلم سبب االستحقاق.
وعند النظر في ما إذا كان االستحقاق الجزئي جسيماً أم ال ،فإنه يعتد
بمعيار شخصي وليس موضوعي ،أي يأخذ في االعتبار شخص المشتري وظروفه
الخاصة ،فما يعتبر جسيماً بالنسبة لشخص ما قد ال يكون ذلك بالنسبة لغيره.
ويستقل قاضي الموضوع تقدير ذلك دون رقابة عليه من محكمة النقض.1
جاء النص على توقي المشتري استحقاق المبيع من قبل الغير المتعرض،
سواء كان االستحفاق كلياً أو جزئياً في المادة ( ) 112من القانون المدني.
وتتعرض هذا األخيرة للفرض الذي ال يصدر فيه حكم من القضاء باستحقاق المبيع
كلياً أو جزئياً ،أي عندما يقر المشتري بحق الغير على المبيع أو يتصالح معه قبل
رفع الدعوى أو بعد رفعها وقبل صدور الحكم فيها إذا كان يعتقد جدية األساس
الذي يقوم عليه حق المتعرض .أي أن المشتري يتفق مع الغير بأن يستبقي المبيع
مقابل دفع مبلغ من المال أو أداء أي شيء آخر لهذا الغير المتعرض.
وبعد أن يتوقي المشتري استحقاق الغير ،فإنه يرجع على البائع له مطالباً
بحقه ،فما موقف البائع من هذا الرجوع؟ هنا يخير البائع بين أمرين هما :1
أ -إما أن يختار البائع دفع ما أداه المشتري للمتعرض من أجل توقي
استحقاق المبيع ،مع فوائده القانونية من وقت الدفع ،وكذلك المصروفات التي
أنفقها المشتري في سبيل ذلك كمصروفات االنتقال إلى محل إقامة المتعرض،
ومصروفات تحرير محضر الصلح.
ب -واما أن يختار البائع أن يرجع عليه المشتري بدعوى ضمان االستحقاق
الكلي أو الجزئي بحسب األحوال وذلك بكل عناصر التعويض سالفة الذكر ،إذا
كانت التعويضات المستحقة طبقاً لهذه الدعوى أقل من المبلغ الذي توقى به
المشتري استحقاق المبيع.
غير أنه يجوز للبائع أن يمتنع عن دفع أي مبالغ للمشتري ،إذا أثبت أن
المشتري قد تسرع في إق ارره أو تصالحه مع المتعرض ،وأن حق هذا األخير لم
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 111؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص 177 ،174؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .111
158
يكن له أي أساس من الصحة أو الوجود ،وهنا يتحمل المشتري نتيجة خطأه
وتسرعه وتقصيره .واذا حكم باالستحقاق للمبيع ثم استبقاه المشتري بعد ذلك وتوقاه،
اء للمبيع مرة أخرى من المستحق .1
فهذا التوقي يعد في حقيقته شر ً
لقد كفل المشترع للمشتري العديد من أحكام الضمان القانوني بما يكفي
لحمايته ،في حالة ما إذا حدث له تعرض في المبيع أو في حالة استحقاق هذا
األخير ،كحقه في الحصول على تعويض من البائع بالصورة التي شرحناها سلفاً
والتي تختلف كثي اُر عن استحقاق التعويض وفقاً للقواعد العامة في حالة الفسخ أو
اإلبطال .لذلك فاالتفاق على زيادة الضمان نادر الحدوث في الواقع العملي ،غير
أنه ليس مستحيل ،فاحياناً يشترط المشتري على البائع ضرورة زيادة الضمان ويقبل
البائع ذلك ،ويقع هذا االتفاق صحيحاً .2
ومن أمثلة الضمان التشديدي الذي يشترطه المشتري على البائع ،اشتراط
رجوع األول على الثاني بالمصروفات الكمالية حتى ولو كان البائع حسن النية .أو
أن يشترط المشتري على البائع في حالة االستحقاق الجزئي للمبيع ،أن يرد هذا
األخير وحده دون ثماره .أو أن يحصل المشتري على تعويضاً كامالً في حالة
غير أنه يشترط لصحة االتفاق على تشديد أو زيادة الضمان ،ضرورة أن يرد
هذا االتفاق بصورة خاصة وصريحة ،أي في عبارات واضحة في التعبير عن إرادة
المتعاقدين بصورة ال لبس فيها وال غموض .ولذلك ال يعتبر اتفاقاً على زيادة
الضمان ،اشتراط ضمان البائع للمشتري كل تعرض قانوني أو فعلي؛ ألن هذا
األمر األخير ما هو إال ترديد ألحكام الضمان القانوني التي نص عليها المشرع
وال يضيف إليها جديداً .2
على عكس االتفاق على زيادة الضمان والذي يندر حدوثه ،فإنه يكثر االتفاق
على إنقاص الضمان .ويتخذ االتفاق على اإلنقاص صورتين هما :3
أ -االتفاق على إعفاء البائع من ضمان سبب معين من أسباب االستحقاق:
كأن يتفق البائع مع المشتري على أال يضمن له ما يظهر من حقوق ارتفاق على
العين المبيعة لصالح الغير ،أو ال يضمن ما للعين المبيعة من حقوق ارتفاق على
عين أخرى .أو يتفق البائع على عدم ضمان استحقاق المبيع في حالة إبطال سند
ملكيته أو فسخه.
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 111؛ د محمد شكري سرور ،المرجع
السابق ،ص .591
- 2د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 111؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص .127
- 3د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .595 ،591
160
ب -االتفاق على إنقاص ما يستحقه المشتري من تعويضات في حالة
االستحقاق :كأن يتم االتفاق على أن البائع ال يلتزم في حالة االستحقاق الكلي إال
برد الثمن فقط ولو زادث قيمة المبيع وقت االستحقاق على ذلك .أو حالة االشتراط
على عدم أحقية المشتري في حالة االستحقاق الجزئي في الحصول على تعويض
كامل في حالة رده المبيع حتى ولو كانت الخسارة التي تعرض لها المشتري
جسيمة.
غير أن صحة االتفاق على إنقاص الضمان بصورتيه سالفتي الذكر ،مقيد
بأال يكون البائع قد تعمد اخفاء حق األجنبي؛ ألنه لو تعمد ذلك فقد ارتكب غشاً
والغش يفسد كل شيء .ويعتبر البائع قد تعمد اإلخفاء ،إذا كان يعلم بحق هذا
األجنبي والمشتري ال يعلم به ولم يخبره البائع بشيء من هذا القبيل .كأن يشترط
البائع عدم ضمانه لحقوق االرتفاق غير الظاهرة والتي يعلمها هو وال يعلمها
المشتري ولم ُيخبر بها من جانب البائع.
أما إذا كان كل من البائع والمشتري ال يعلم بحق األجنبي ،أو اعتقد البائع
أن المشتري يعلمه ،واشترط البائع انقاص الضمان ،وقع الشرط صحيحاً؛ ألنه –
أي البائع -في هذه الحالة ال يكون قد تعمد اخفاء سبب االستحقاق – أي حق
األجنبي – وال يكون قد ارتكب غشاً .ويحق على البائع عبء إثبات علم المشتري
بحق األجنبي .1
واالتفاق على إنقاص الضمان ،كاالتفاق على زيادته ،حيث يلزم أن يكون
صريحاً وقاطعاً في الداللة على اإلنقاص .ويجوز أن يتم هذا األخير بطريقة
ضمنية بشرط أن ينم بوضوح عن إرادة المتعاقدين ،كحالة علم البائع والمشتري
بسبب االستحقاق وقت البيع ،بشرط أن ُيقترن هذا العلم بظروف توضح حقيقة ما
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص :115 ،111د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص ،179د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .117
161
أراده المتعاقدين ،كما لو كان الثمن الذي دفعه المشتري أقل من ثمن المثل؛ مراعاة
لحق األجنبي .1
وجدير بالذكر أن االتفاق على إنقاص الضمان – على عكس االتفاق على
اسقاط الضمان كما سنرى – يكون صحيحاً حتى ولو كان سبب الضمان قد نشأ
بفعل البائع ،بشرط أال يكون منطوياً على غش من جانبه .فعلى سبيل المثال ،لو
اشترط البائع عدم ضمانه إلبطال سند ملكيته وكان هو المسئول عن سبب
اإلبطال ،كان االتفاق صحيحاً .غير أنه ال يجوز للبائع اشتراط عدم ضمانه
لالستحقاق الناشيء عن قيامه هو ببيع العين المبيعة مرة ثانية إلى مشتر ثان سبق
المشتري األول في تسجيل عقده؛ نظ اًر لتوافر الغش .2
وفي هذا الشأن يجب مراعاة اإلستثناء الخاص بحقوق االرتفاق والتي ال
يضمنها البائع ،متى كانت ظاهرة ،أو كانت غير ظاهرة وأبان عنها البائع
للمشتري ،على النحو الذي بيناه سلفاً.
فيـ ـما يـ ـتع ـلق باالتفاق على اسقاط الضمان أو اإلعفاء منه ،فقد فرقت المادة
( )111مدني ،بين حالتين هما :3
أ -إذا كان االستحقاق قد نشأ بفعل البائع :كما لو باع البائع العقار المبيع
مرة ثانية إلى مشتر ثان سجل عقده قبل نظيره األول .فهنا أُستحق المبيع بفعل من
البائع ،لذلك يبقى مسئوالً أمام المشتري األول بتعويضه عن استحقاق المبيع وفقاً
ب -إذا كان سبب االستحقاق قد نشأ من فعل الغير :كما لو كان الغير دائناً
استيفاء لدينه .فهنا يصح االتفاق على اسقاط
ً مرتهناً للعقار المبيع ونفذ عليه
الضمان ،ومع ذلك ال ُيعفى البائع من مسؤوليته عن االستحقاق بصورة كلية ،حيث
إنه يظل ملتزماً – رغم صحة االتفاق على اسقاط الضمان – برد قيمة المبيع وقت
االستحقاق ،دون عناصر التعويض األخرى التي ُيعفى منها البائع بسبب اتفاقه
على عدم الضمان.
وعلى الرغم مما تقدم ،فإن االتفاق على اسقاط الضمان قد يأتي في أقسى
صورة له ،عندما يعفي البائع من مسؤوليته بصورة كلية ،سواء إعفائه من رد قيمة
المبيع أو التعويضات األخرى .ويكون ذلك في حالتين هما :1
أ -حالة ما إذا ثبت أن المشتري كان على علم بسبب االستحقاق وقت البيع:
فرضاء المشتري بعدم الضمان باإلضافة إلى علمه بسبب الضمان يفسران على
أنه أراد إعفاء البائع من كل مسؤوليته عن هذا السبب .ويقع عبء إثبات علم
المشتري على عاتق البائع .غير أن العلم بسبب االستحقاق بمجرده ال يؤدي
إسقاط الضمان كلية ،بل يجب أن ُيقترن به شرط عدم الضمان.
ب -الحالة التي يشتري فيها المشتري المبيع ساقطاً :أي أن المشتري يشتري
ساقط خيار .وهنا يشتري المشتري الشيء بمخاطرة ،ويحدث ذلك عندما يكون
المشتري في شك في تحقق سبب االستحقاق ،فيحدد للمبيع ثمناً يقل عن ثمنه
الحقيقي أو قيمته ،ويكون معرضاً لخسارة ما دفعه إذا تحقق سبب االستحقاق .غير
أنه يكون على أمل أال يتحقق هذا السبب ،فيحصل بذلك على ربح يعادل الفرق
األصل أن التزام البائع بعدم تعرضه للمشتري ،هو التزام أبدي يلتزم به البائع
ومن بعده ورثته .كما أنه يضمن تعرض الغير القانوني والذي ال يسقط بمضي
خمس عشرة عاماً من تاريخ إبرام عقد البيع ،أي أن البائع يظل ملتزماً بدفع تعرض
الغير ولو حدث بعد هذه المدة.
استثناء على األصل المتقدم ،إذا حدث تعرض فعلي من الغير أو
ً غير أنه و
أُستحق المبيع كله أو بعضه ،وتقاعس المشتري أو أهمل في مطالبة البائع بدفع
هذا التعرض أو بتعويضه عن هذا االستحقاق ،مدة تزيد على خمس عشر سنة من
تاريخ حدوث التعرض أو من تاريخ الحكم النهائي باستحقاق المبيع للغير ،ترتب
على هذا المسلك سقوط حق المشتري في الرجوع على البائع سواء لرد التعرض أو
لدفع التعويض المقرر في حالة االستحقاق.
ويؤسس اإلستثناء المتقدم ،على أنه منذ حدوث التعرض أو ثبوت االستحقاق
للغير ،يصبح االلتزام بالضمان مستحق األداء ،ومن هذا الوقت يبدأ سريان التقادم
بالنسبة له ،وذلك عمالً بما جاء في المادة ( ) 2/341مدني .1
المبحث الرابع
لقد نظم المشرع أحكام التزام البائع بضمان العيوب الخفية في المبيع،
وضمان الصفات التي التزم البائع أمام المشتري بوجودها في المبيع في المواد من
( ) 101 – 117من القانون المدني .وكذلك التزام البائع بضمان صالحية المبيع
مدة معينة في المادة ( ) 110مدني.
وقبل أن نخوض في بيان أحكام ضمان العيوب الخفية ،يتعين علينا أن
ويقصد بهذا العيب أحد
نوضح المقصود بالعيب الخفي والذي يلتزم البائع بضمانهُ .
أمرين هما:
أ -العيب بمعنى اآلفة الطارئة :وذكرت محكمة النقض المصرية تعريف
العيب من منظور هذا المعنى بأنه اآلفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة
للمبيع .أي أنه شائبة ال توجد في مثل المبيع ولكنها وجدت بالمصادفة في الشيء
الذي اشتراه المشتري .كحالة تسوس المبيع إذا كان أخشاباً ،أو كان بذو اًر ويتضح
أنها غير منبتة ،أو يكون سماداً ويتضح أنه غير مخصب ،أو يكون أرضاً ويتبين
أنها رخوة ألنها كانت في السابق مستنقع وتم ردمه .ويمثل وجه العيب في كل هذه
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 174؛ د محمد شكري سرور ،المرجع السابق،
ص .592
165
الحاالت ،في أنها تخرج المبيع عن المألوف في نوعه وتجعله غير صالح لتحقيق
الغرض المقصود منه .1
ب -العيب بمعنى تخلف الصفة :وهنا يكفل البائع للمشتري وجود صفة أو
صفات معينة في المبيع ،بحيث يترتب على عدم وجود هذه الصفة أو الصفات،
قيام التزام البائع بضمان العيوب الخفية .ونصت على ذلك المادة ( ) 1/117من
القانون المدني ،وهو حكم مستحدث في القانون المدني الجديد .ومن أمثلة ذلك ،أن
يكفل بائع سيارة معينة للمشتري أنها تقطع مائتي كيلو مت اًر على األقل بصفيحة
البنزين ويتضح أنها في الحقيقة غير ذلك ،أو يكفل بائع أرض زراعية للمشتري
أنها أرض ذات درجة خصوبة مرتفعة ويتضح أنها درجة خصوبتها منخفضة .2
وعلى ذلك ،سنتعرض لدراسة التزام البائع بضمان عيوب المبيع الخفية ،عن
طـ ـريق بـيان شروط العيوب الخفية ( مطلب أول ) .وأحكام ضمان العيوب الخفية
( مطلب ثان ) .واالتـ ـفاق عـ ـلى تـ ـعديل أحـكام ضمان العيوب الخفية ( مطلب
ثالث ) .وأخي اًر ،ضمان توافر صفة معينة في المبيع وضمان صالحية المبيع
للعمل مدة معينة ( مطلب رابع ).
- 1د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 411؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق،
ص .125
- 2د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 125؛ د محمد شكري سرور ،المرجع السابق،
ص .412
166
المطلب الول
ال يضمن البائع للمشتري أي عيب يوجد في المبيع على وجه العموم أو
اإلطالق ،بل البد من توافر شروط معينة لنشوء التزام البائع بضمان العيوب
الخفية .ونصت على هذه الشروط المادتين ( ) 114 ، 117من القانون المدني.
ومن مجمل هاتين المادتين ،نوجز هذه الشروط في األمور اآلتية:
تنص المادة ( ) 2/117مدني على أنه ":مع ذلك ال يضمن البائع العيوب
التي كان المشتري يعرفها وقت البيع ،أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه لو أنه
فحص المبيع بعناية الرجل العادي ،إال إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد خلو
المبيع من هذا العيب ،أو أثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشاً منه ".
وعلى ذلك ،يكون العيب خفياً ومن ثم يلتزم البائع بضمانه ،إذا لم يكن
بمقدور المشتري أن يتبين هذا العيب بنفسه في حالة فحصه للمبيع بعناية الرجل
العادي .وبمفهوم المخالفة ،ال يعد العيب خفياً وال يضمنه البائع إذا كان العيب
ظاه اًر وال خفاء فيه وقت تسليم المبيع للمشتري .وكذلك إذا كان العيب غير ظاهر،
ولكن المشتري كان في مقدوره أن يتبينه إذا هو فحص المبيع بعناية الرجل
العادي.1
والمعيار الذي ُيعتد به عند تقدير مدى وجود علم بالعيب من عدمه ،هو
معيار موضوعي وليس شخصي ،أي أنه يتمثل في عناية الرجل المعتاد وليس
عناية الرجل المهمل الذي ال يبالي أو الرجل الخبير شديد الحرص .فإذا كان
واذا كان يلزم الكتشاف العيب إجراء فحص غير عادي يقوم به أهل الخبرة
وأهمل المشتري في االستعانة بهم ألي سبب كان ،فال ُيقبل من المشتري هنا
اإلدعاء بأن العيب كان خفياً؛ وذلك ألن االستعانة بأهل الخبرة في هذه الحالة
يعتبر من مشتمالت المعيار الموضوعي الذي نحن بصدده .غير أنه إذا كان
اكتشاف العيب يحتاج إلى خبرة أو فحص خاص ،كأن ال يمكن اكتشافه إال عن
طريق القيام ببعض األبحاث أو التجارب الكيميائية ،كان العيب خفياً .1
وخالفاً للقاعدة المتقدمة التي تقضي بأن البائع ال يضمن العيب إال إذا كان
خفياً ،فإنه -وبصورة استثنائية – يضمن العيب ولو كان ظاه اًر في حالتين،
هما:2
أ -الحالة التي يثبت فيها المشتري أن البائع قد أكد له خلو المبيع من
العيب :ويؤسس ضمان البائع للعيب هنا ،على الثقة التي أوالها المشتري لما ذكره
البائع بخصوص المبيع ،على نحو جعله يطمئن لتأكيد البائع على خلو المبيع من
العيوب.
ال يعتبر هذا الشرط متعارضاً مع الشرط السابق ،بل هو مكمالً له .فقد
يكون العيب خفياً ومع ذلك يكون المشتري عالماً به أياً كانت وسيلة هذا العلم،
سواء بسبب إخبار البائع المشتري بالعيب ،أو بسبب خبرة المشتري الخاصة التي
تفوق خبرة الشخص العادي كأن يكون المشتري يعمل في نفس مجال المنتج الذي
ينتوي شرائه ،أو عن طريق االستعانة بخبير يفوق مستواه مستوى الخبراء العاديين.
والعلم الذي يكون موجباً إلسقاط ضمان البائع لعيوب المبيع الخفية ،هو
العلم اليقيني وليس مجرد الشك أو التخمين .فمجرد إقرار المشتري في العقد بأنه
عاين المبيع المعاينة النافية للجهالة ،وان كان يمنع المشتري من طلب إبطال العقد
على أساس عدم العلم الكافي بالمبيع ،إال أنه ال يعتبر دليالً على علم المشتري
بالعيب علماً فعلياً يحول دون رجوعه بالضمان .2
أ -إذا كان يترتب عليه نقص في قيمة المبيع نقصاً محسوساً حتى ولو لم
يترتب عليه إنتقاص من منفعته ،أي حتى ولو كان الشيء رغم تعييبه صالحاً
لالستعمال المقصود.
ب -إذا كان يترتب عليه االنتقاص من االنتفاع بالشيء المبيع حتى ولو لم
يترتب عليه نقص في قيمته بالفعل.
والمعيار الذي ُيعتد به عند تقدير ما إذا كان العيب مؤث اًر أم ال ،هو معيار
مادي موضوعي وليس معيار شخصي .2فالنقص في قيمة المبيع يتحدد على
أساس قيمة المبيع في السوق ،وهو معيار مادي ال يختلف باختالف األشخاص أو
األذواق .وكذلك النقص في قيمة المبيع ،فتقديره يخضع لمعيار موضوعي ُيستفاد
مما هو مبين في العقد أو من طبيعة الشيء أو من الغرض الذي أُعد له .3
1
-د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص .314
- 2د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص .656
- 3د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .154
170
وجدير بالذكر أن ضمان البائع للعيوب ،ال يشمل جميع العيوب أياً كان
نوعها ،أي أنه ال يضمن من العيوب إال ما كان مؤث اًر أو جسيماً ،أما العيوب التى
جرى العرف على التسامح فيها فال يضمنها البائع ،كوجود قدر ضئيل من األتربة
في القمح أو قد اًر يسي اًر من القش في القطن .وجاء هذا الحكم في المادة () 114
من القانون المدني.
ُيقصد بعيب القدم ،أن يكون العيب موجوداً وقت تسليم المبيع للمشتري.
ويضمن البائع كذلك خلو المبيع من العيوب إلى حين التسليم .فإذا كان المبيع
معيناً بالذات ،كان البائع ضامناً لما فيه من عيوب من وقت التعاقد إلى وقت
التسليم .واذا كان المبيع معيناً بنوعه ،فالبائع يضمن عيوب المبيع وقت اإلفراز،
وهو يضمنها كذلك إلى الوقت الذي يتم فيه التسليم إذا لم يتعاصر اإلفراز
والتسليم.1
وال ينفي عن العيب صفة القدم ،أن تكون بدايته موجودة عند تسلم المشتري
للمبيع ،ثم اكتمل ظهوره أو تفشت آثاره بعد التسليم .كأن يكون المبيع حيواناً وهو
حامل لجرثومة المرض ولم تظهر عليه أعراض المرض إال بعد التسليم ،أو بيعت
كمية من األخشاب أو الحبوب في وقت كان تسوسها قد بدأ ثم انتشر السوس فيها
بعد التسليم .2ففي كل هذه األمثلة يظل العيب قديماً رغم أن اكتماله تراخى إلى
ما بعد تسليم المبيع .ويقع عبء إثبات توافر شرط القدم في العيب على عاتق
المشتري باعتباره الدائن بالضمان.
واذا كان التزام البائع بضمان العيوب الخفية يرد على جميع أنواع البيوع،
إال أن المادة ( ) 101من القانون المدني ،استثنت نوعاً من البيوع من نطاق هذا
الضمان ،وذلك بنصها على أنه ":ال ضمان للعيب في البيوع القضائية ،وال في
البيوع اإلدارية إذا كانت بالمزاد ".
فالبيوع القضائية ،هي البيوع التي تتم تحت إشراف القضاء كبيع أموال
المدين جب اًر لسداد ديونه ،وبيع أموال المفلس ،وبيع أموال القصر المحجور عليهم،
وبيع العين الشائعة تنفيذاً لحكم من القضاء بسبب عدم إمكان قسمتها .وتشمل هذه
البيوع ،البيوع اإلجبارية والبيوع اإلختيارية ،وكالهما ال مجال للحديث عن الضمان
فيه .أما البيوع اإلدارية ،فهي التي تتم تحت إشراف جهة اإلدارة ،كبيع أموال
اقتضاء لها متى تمت بالمزاد ،سواء كان المزاد علنياً أم ال .وهذه
ً المكلف بالضريبة
البيوع أيضاً ،تخرج عن نطاق التزام البائع بضمان العيب الخفي .1
وتتمثل الحكمة من عدم ضمان العيوب الخفية في الحاالت السابقة ،في أن
هذه البيوع يسبق البيع فيها ،اإلعالن والنشر عنها بمدة كافية تتيح للراغبين في
المزايدة في أن يفحصوا المال المعلن عن بيعه قبل اإلقدام على المزايدة فيه.
باإلضافة إلى أن المصلحة العامة تقتضي التضييق في فسخ هذه البيوع؛ نظ اًر لما
تتطلبه من إجراءات ومصروفات وما تستغرقه من وقت طويل .2
المطلب الثاني
ال ينشأ التزام البائع بضمان العيوب الخفية بمجرد توافر شروط هذا االلتزام،
بل يلزم إضافة إلى ذلك أن ُيخطر البائع بالعيب ،ويلزم كذلك ضرورة رفع دعوى
الضمان في الميعاد المحدد قانوناً.
وفقاً لما نصت عليه المادة ( ) 114من القانون المدني ،فإنه يجب على
المشتري بعد تسلمه للمبيع ،أن يتحقق من حالته بمجرد أن يتمكن من ذلك ،فإذا
وجد به عيب ،وجب عليه أن يخطر به البائع في وقت معقول .ولم يحدد القانون
مدة هذا الوقت المعقول؛ ألنها قد تطول أو تقصر تبعاً لنوع المبيع ولطبيعة
التعامل نفسها .ويختص قاضي الموضوع بتقدير ما إذا كانت المدة التي يلتزم
المشتري باخطار البائع بالعيب خاللها ،معقولة أم ال ،وال يخضع في هذا التقدير
لرقابة محكمة النقض .2
غير أن من مصلحة المشتري أن يبادر باخطار البائع بالعيب الذي وجده في
المبيع ،في أقرب وقت ممكن ،سواء عند تسلمه إياه أو بعد ذلك بفترة وجيزة؛ ألن
دعوى الضمان تسقط بمضي سنة من وقت تسليم المبيع .3والعبرة هنا باالستالم
ويختلف تقدير المدة المعقولة التي يلتزم المشتري خاللها باخطار البائع
بالعيب ،بحسب موقف هذا العيب من طريقة الفحص أو الكشف عنه ،وهنا نفرق
بين حالتين هما:
أ -الحالة التي ُيكشف فيها عن العيب من خالل الفحص المعتاد :فبمجرد أن
يكتشف المشتري العيب ،يلتزم باخطار البائع به خالل مدة معقولة .ونختلف هذه
األخيرة من حالة إلى أخرى بحسب ظروف ومالبسات كل بيع وما يتصل به من
بعد مكاني بين البائع والمشتري وسهولة االتصال بينها أو صعوبته .2
ب -الحالة التي ال يمكن فيها الكشف عن العيب بالفحص المعتاد بل يحتاج
ذلك إلى خبرة فنية خاصة :وهنا ال يسقط حق المشتري في الضمان بالفحص
المعتاد ،بل يبقى هذا الحق طوال المدة الالزمة إلجراء الفحص الفني بحسب
المألوف في التعامل ،ويجوز للمشتري الرجوع بالضمان متى أسفر هذا الفحص
الفني عن ظهور العيب ،بشرط أن يبادر باخطار البائع به بمجرد ظهوره .3
وفي الحالتين ،إذا قام المشتري باخطار البائع خالل المدة المعقولة ،فإنه
يكون قد أوفى بالتزامه وحفظ حقه في الرجوع على البائع .أما إذا أهمل في
وال يلزم لصحة اإلخطار ،إتباع شكل معين ،فيجوز أن يتم بانذار على يد
محضر أو بخطاب ،أو بتنبيه شفوي بشرط امكان إثباته .ويقع عبء هذا اإلثبات
على عاتق المشتري ،والذي يجوز له إثبات ذلك بكافة طرق اإلثبات بما فيها البينة
والقرائن .2
في هذا الصدد ،سنتعرض للدائن بااللتزام بالضمان .وكذلك المدين بااللتزام
بالضمان .وأخي اًر ،الميعاد الذي يجب أن تُرفع فيه دعوى الضمان.
وينتقل الحق في الضمان إلى الخلف الخاص للمشتري .فعلى سبيل المثال،
إذا بـ ـاع ( م ـازن ) مصنعاً ل ـ ( مالك ) وقام هذا األخير ببيع المصنع مرة أخرى ل ـ
( حسن ) .فهنا يحق لـ ( حسن أي المشتري الثاني ) أن يرجع على ( مازن أي
البائع األول ) بدعوى ضمان العيوب الخفية التي كانت لـ ( مالك أي المشتري
األول ) قبل البائع األول .ورجوع المشتري الثاني هنا يتم إما عن طريق الدعوى
أ -دعوى المشتري األول التي له قبل البائع له :وهي دعوى مباشرة انتقلت
إلى المشتري الثاني من المشتري األول .وتبدأ مدة تقادمها من الوقت الذي تسلم
فيه المشتري األول المبيع من البائع.
ب -دعوى غير مباشرة يرفعها المشتري الثاني باسم المشتري األول كغيره
من دائني المشتري األول .وهذه الدعوى يزاحمه في نتيجتها أو محصلتها كل دائنئ
المشتري األول؛ وذلك ألن نتيجة الدعوى غير المباشرة تصب في الضمان العام
للمدين ويستفيد من محصلتها جميع دائني المدين ،سواء رافع الدعوى أو غيره.
ج -دعوى ضمان العيوب الخفية :وهي دعوى ناشئة عن البيع الثاني ،وهي
خاصة بالمشتري الثاني قبل المشتري األول .وتبدأ مدة تقادمها من وقت تسليم
المبيع للمشتري الثاني.
وينتقل الحق في ضمان العيوب الخفية كذلك ،إلى دائن المشتري ،وذلك عن
طريق الدعوى غير المباشرة ،والتي يحق له أن يرفعها باسم مدينه ( أي المشتري
) ،وفقاً للقواعد العامة المقررة في هذه الدعوى .2
-3الميعاد الذي يجب أن ترفع فيه دعوى ضمان العيوب الخفية :ذكرت
المادة ( ) 102من القانون المدني ،المدة التي يجب رفع دعوى الضمان خاللها،
وحددتها بسنة من تاريخ تسليم المبيع وليس من تاريخ كشف العيب الذي ُرفعت
الدعوى بسببه .فإذا لم تُرفع الدعوى خالل هذه المدة ،سقط حق المشتري في
الرجوع على البائع بضمان العيب ،حتى ولو لم يكن العيب قد تم اكتشافه إال بعد
مضي هذه المدة .ويتفق غالبية الفقهاء والشراح على أن التسليم المقصود هنا هو
التسليم الفعلي وليس القانوني .2
وتتمثل الحكمة من وضع مدة تقادم قصيرة لدعوى ضمان العيوب الخفية،
في العمل على استقرار المعامالت ،ومنعاً إلثارة منازعات ال يمكن حسمها .فمن
الناحية العملية يصعب بعد فوات مدة السنة ،معرفة ما إذا كان العيب قديماً
يضمنه البائع أو جديداً فال يضمنه .3
واذا كانت القاعدة أن دعوى ضمان العيوب الخفية تتقادم بمضي سنة من
تاريخ تسليم المبيع ،فإن المشرع قد خرج على هذا األصل في حالتين هما:
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 718؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص 188 ،182؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .141
- 2د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 742؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .141
- 3د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص .118
177
أ -حالة غش البائع :ال يسقط حق المشتري في رفع دعوى ضمان العيوب
الخفية ولو بعد فوات مدة السنة إذا ثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشاً منه.
ففي هذه الحالة ال تسقط الدعوى إال بمضي خمس عشرة سنة من وقت اكتشاف
العيب إعماالً للقواعد العامة .ويقع عبء إثبات الغش على المشتري الذي يدعيه،
ويلزم أن يثبت هذا الغش ،بمعنى أن البائع تعمد أن يخفي العيب الذي كان يعلمه،
فال يكفي مجرد إثبات علم البائع بالعيب .1
ب -حالة إطالة مدة السنة اتفاقياً :وهنا يتفق البائع والمشتري على إطالة
مدة السنة المسقطة لدعوى الضمان .ويعتبر هذا االتفاق نوعاً من تشديد الضمان
استثناء من القاعدة العامة في التقادم ،والتي
ً المقرر لمصلحة المشتري .ويعد ذلك
تقضي بعدم جواز االتفاق على أن يكون للتقادم مدة تختلف عن المدة التي عينها
القانون .2
واذا كان يجوز االتفاق على إطالة مدة التقادم ،إال أنه ال يجوز االتفاق على
إنقاص هذه المدة؛ تأسيساً على أن قواعد التقادم متعلقة بالنظام العام وال يجوز
االتفاق على مخالفتها .واذا خالف المشرع ذلك في هذه الحالة – أي حالة االتفاق
على إطالة مدة السنة ، -فألن ذلك جاء بنص صريح وبصورة استثنائية،
واإلستثناء ال يجوز التوسع فيه أو القياس عليه .3
تنص المادة ( ) 105من القانون المدني على أنه ":إذا أخطر المشتري
البائع بالعيب في الوقت المالئم كان له أن يرجع بالضمان على النحو المبين في
- 1د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 417؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق،
ص .191
- 2المادة 2/188من القانون المدني.
- 3د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 118؛ د محمد شكري سرور ،المرجع
السابق ،ص .412 ،417
178
المادة ." 111وبهذه النص يكون المشرع قد أحال بشأن دعوى ضمان العيوب
الخفية إلى أحكام دعوى ضمان االستحقاق .ولذلك سنفرق بين الفرضين اآلتيين:
-1حالة ما إذا كان العيب الموجب للضمان جسيماً ،واختار المشتري أن
يرد المبيع وما أفاده منه :وفي هذه الحالة يلتزم البائع بأن يرد إلى المشتري ،قيمة
المبيع غير معيب مع الفوائد القانونية ،وتقدر قيمة المبيع هنا بوقت ظهور العيب
وليس بوقت البيع ،وتستحق الفوائد على قيمة المبيع من تاريخ كشف العيب أيضاً.
وكذلك المصروفات الضرورية التي أنفقها المشتري على المبيع ،والمصروفات
النافعة ،والمصروفات الكمالية إذا كان البائع سيء النية .وجميع مصروفات دعوى
ضمان العيوب الخفية .وبوجه عام كل ما لحق المشتري من خسارة وما فاته من
كسب بسبب وجود العيب بالمبيع .1
-2إذا كان العيب جسيماً واختار المشتري استبقاء المبيع أو كان العيبب
غير جسيم :فهنا يحق للمشتري مطالبة البائع بالتعويض عن الفرق بين قيمة
المبيع سليماً وقيمته وهو معيب .ويلتزم البائع بالتعويض عن الضرر المتوقع في
حالة حسن نيته ،ويلتزم بالتعويض عن الضرر المتوقع وغير المتوقع في حالة
سوء نيته ،أي عندما يكون عالماً بالعيب الموجب للضمان .2
وجير بالذكر أن رجوع المشتري على البائع بضمان العيب الخفي وفقاً لما
نصت عليه المادة ( ) 105مدني ،ال يحول دون طلبه التنفيذ العيني من البائع
إن كان ممكناً ،كأن يطالب المشتري البائع بإصالح العيب أو استبدال المبيع إن
أمكن .كما يجوز له المطالبة بفسخ العقد مع التعويض إن كان له محل .ويحق له
وفي هذه الفرض يكون المبيع عدة أشياء تم بيعها صفقةً واحدة بثمن
ووجد بعد البيع أن بعضها سليماً والبعض اآلخر غير ذلك .وبتطبيق
إجماليُ ،
القواعد العامة على هذا الفرض ،نفرق بين حالتين هما :2
أ -إذا كانت األشياء المبيعة مرتبطة ببعضها وال يمكن الفصل بينها ،كأن
كان المبيع طاقماً متكامالً من األدوات أو اآلالت :فإذا كان العيب هنا جسيماً،
كان المشتري بالخيار بين أن يرد المبيع كله ويأخذ تعويضاً كامالً كما في حالة
االستحقاق الكلي ،أو أن يحتفظ به ويرجع على البائع بالتعويض عما أصابه من
أضرار .ولكنه ال يحق له تجزئة المبيع بحيث يستبقي بعضه ويرد بعضه اآلخر.
واذا لم يكن العيب جسيماً ،فإن المشتري لن يرد شيئاً ،أي أنه يستبقي المبيع كله
مع المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه.
ب -أذا كانت األشياء المبيعة مستقلة عن بعضها وتقبل التبعيض ،كعدد من
الساعات :فإذا كان العيب جسيماً ،يكون للمشتري أن يرد المعيب فقط من المبيع
ويسترد قيمته مع التعويض ويستبقي غير المعيب ،مالم يكن ما سيرده سيفوت
عليه قصده من التعاقد ،فهنا يكون له الحق في رد كل المبيع ،والرجوع على البائع
بالضمان بالنسبة لكل المبيع .واذا كان العيب غير جسيم ،فمن حق المشتري
االحتفاظ بكل المبيع مع المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب العيب
في بعض األشياء.
أ -الحالة التي يقرر فيها المشتري أن ينزل عن حقه في هذا الضمان،
يستوى في هذا الشأن النزول الصريح أو النزول الضمني .ومن أمثلة هذا األخير،
أن يظل المشتري بعد علمه بالعيب ينتفع بالمبيع مدة ُيستفاد منها نزوله عن طلب
الضمان ،أو حالة تصرفه في المبيع بعد علمه بالعيب الموجب للضمان.
ب -إذا انقضت مدة سنة من وقت تسليم المبيع حتى ولو لم يكشف المشتري
العيب إال بعد ذلك ،مالم يوجد اتفاق بين البائع والمشتري على إطالة مدة التقادم.
مع مراعاة التحفظ بشأن الحالة التي يتعمد فيها البائع إخفاء العيب غشاً منه.
* أثر هالك المبيع على حق المشتري في الرجوع على البائع بدعوى الضمان:
وفقاً لما جاء في المادة ( ) 101من القانون المدني ،فإن دعوى الضمان
تبقى قائمة حتى ولو هلك المبيع بأي سبب كان .فالهالك ال يكون سبباً في إعفاء
البائع من الضمان ،وال في حرمان المشتري من الرجوع على البائع بالضمان .كل
ما في األمر أن الهالك ينحصر أثره في التأثير على مقدار التعويض الذي
يستحقه المشتري ،والذي يختلف بحسب سبب الهالك.
فإذا كان مرجع هالك المبيع ،هو العيب الخفي أو فعل البائع نفسه ،كان
من حق المشتري الرجوع على البائع بقيمة المبيع مع التعويض مثلما هو الحال في
حالة االستحقاق الكلي للمبيع ،بشرط أن يرد المشتري للبائع القدر المتبقي من
المبيع بعد الهالك .واذا كان مرجع الهالك ،هو السبب األجنبي أو فعل المشتري
أو قوة قاهرة أو حادث فجائي ط أر بعد تسليم المبيع ،كان من حق المشتري الرجوع
على البائع بنفس رجوعه عندما يستبقي المبيع تحت يده ،أي أن يطالبه بتعويض
المطلب الثالث
واما أن يتم عن طريق تشديد اآلثار المترتبة على الضمان ،كاالتفاق على
أن يكون للمشتري الحق في رد المبيع والحصول على تعويض كامل حتى ولو لم
يكن العيب جسيماً ،أو على أن يكون له استرداد المصروفات الكمالية ولو كان
- 1د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص 592وما بعدها؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .142
- 2د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص .112 ،111
182
البائع حسن النية ،أو االتفاق على إطالة المدة الالزمة لسقوط دعوى الضمان
بالتقادم .1
في هذه الحالة ُيعفى البائع من التزامه بضمان العيب الخفي بصورة كلية.
بشرط أن ُينص على ذلك بصورة صريحة في عقد البيع .وأحياناً يتم االتفاق على
إسقاط الضمان بصورة ضمنية من ظروف الحال التي ال تدع مجاالً للشك في
اتجاه اإلرادة إلى إسقاط الضمان ،كبيع شيء قيم بثمن بخس ال يتناسب مع قيمة
المبيع الحقيقية .3
ومتى تم االتفاق على إسقاط ضمان البائع لعيوب المبيع الخفية ،سواء
بصورة صريحة أو ضمنية ،ترتب على ذلك عدم أحقية المشتري في الرجوع على
البائع بأي شيء في حالة وجود عيب في المبيع .وذلك على عكس نطاق إعفاء
البائع من ضمان التعرض واالستحقاق ،الذي يقتصر أثره على اإلعفاء من
التعويض مع بقاء البائع ملتزماً برد قيمة المبيع مالم يكن المشتري عالماً بسبب
وسواء تم االتفاق على تعديل أحكام ضمان العيوب الخفية سواء بطريق
اإلنقاص أو اإلسقاط ،فإنه ُيشترط لصحة هذا االتفاق ،أال يكون البائع قد ارتكب
غشاً بتعمد إخفاء العيب عن المشتري ،فإذا حدث ذلك ،ثم تم االتفاق على إنقاص
الضمان أو إسقاطه ،فإن هذا االتفاق يقع باطالً وال يرتب أث اًر ويظل البائع مع هذا
االتفاق الباطل ملتزماً أمام المشتري بضمان العيب الذي أخفاه متعمداً بطريق
الغش .وهذا ما نصت عليه المادة ( )103من القانون المدني.
-1في حالة رجوع المشتري بدعوى الغلط ،وجب عليه أن يثبت تعلق الغلط
بصفة جوهرية في المبيع وأن هذا الغلط كان هو الباعث الدافع إلى التعاقد ،وأن
البائع كان واقعاً في نفس الغلط أو كان يعلم بوقوع المشتري فيه أو من السهل
عليه أن يعلم ذلك .2وفي حالة رجوع المشتري على البائع بدعوى ضمان العيب،
-2تتقادم دعوى الغلط بمرور ثالث سنوات من الوقت الذي يعلم فيه
المشتري بالغلط أو بمضي خمس عشرة سنة من وقت إبرام العقد .بينما تتقادم
دعوى ضمان العيوب الخفية بمضي سنة من تاريخ تسليم المبيع.
-3في دعوى الغلط ،يكون طلب المشتري هو إبطال العقد ،بحيث يعتبر
كأن لم يكن ،فيسترد المشتري الثمن مع التعويض إن كان له محل ،ويرد المبيع
إلى البائع .أما رجوع المشتري بدعوى الضمان ،فهو رجوع مستمد من العقد ذاته،
وهو إما أن يرد المبيع وما أفاده منه ويسترد من البائع قيمة المبيع وجميع عناصر
التعويض المنصوص عليها في حالة االستحقاق الكلي إذا كان العيب جسيماً ،أو
أن يرجع عليه بالتعويض عما فاته من كسب وما لحقه من خسارة إذا كان العيب
غير جسيم .1
واذا توافر للمشتري رفع الدعويين معاً ،فال يحق له إال رفع دعوى واحدة
منهما ،إما دعوى اإلبطال للغلط واما دعوى ضمان العيوب الخفية .2
يلجاً المشتري إلى دعوى الفسخ ،في الحالة التي ال يسلم فيها البائع المبيع
بالح الة أو المواصفات المتفق عليها في العقد .وبسبب عدم قيام البائع بالتسليم
على النحو المتفق عليه ،يحق للمشتري أيضاً أن يرجع على البائع بدعوى الضمان
ويعاد
-1يترتب على دعوى الفسخ ،زوال العقد واعتباره كأن لم يكنُ ،
المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد .أما دعوى ضمان العيب ،فهي
دعوى تعويض مستمدة من العقد ذاته ،كما ذكرنا آنفاً.
-2تتقادم دعوى الفسخ بمضي خمس عشرة سنة من وقت إخالل البائع
بالتزامه بالتسليم .بينما تتقادم دعوى ضمان العيب بسنة واحدة من وقت تسليم
المبيع.
-1يجوز للمشتري أن يرجع بدعوى الفسخ حتى ولو كان على علم بالعيب
أو فوات الوصف .بينما ال يجوز ذلك في دعوى الضمان.
ثالثاً :تمييز دعوى ضمان العيوب الخفية عن دعوى العجز في مقدار المبيع:
تتمثل أوجه االختالف بين الدعويين ،في أن دعوى الضمان تتعلق بالمبيع
بالنسبة لكيفيته أي بصفاته ،بينما تتعلق دعوى العجز بالمبيع بالنسبة لكمه أي
بمقداره .كما أن دعوى العجز ال يشترط فيها حسن نية المشتري ،على عكس
دعوى ضمان العيب والتي يلزم فيها حسن نية المشتري أي عدم علمه بالعيب فعالً
وتتمثل أوجه االتفاق بين الدعويين في أن مدة تقادم كل منهما سنة واحدة
من وقت التسليم الفعلي .كما أنه يجوز للمشتري في أي منهما أن يرد المبيع إذا
كان العجز أو العيب جسيماً ،وال يجوز له ذلك إذا لم يكن العيب أو العجز
جسيماً .غير أنه في هذا األمر األخير ،نجد أن الدعويين يختلفين فيه ،بمعنى أنه
إذا رد المشتري المبيع ،كان ذلك فسخاً للبيع في حالة دعوى العجز ،بينما هو تنفيذ
للعقد بطريق التعويض في حالة دعوى ضمان العيب .2
رابعاً :تمييز دعوى ضمان العيوب الخفية عن دعوى ضمان االستحقاق الجزئي:
-3في حالة االتفاق على عدم ضمان البائع لالستحقاق الجزئي ،فال يترتب
على هذا االتفاق سوى إعفاء البائع من التعويض فقط دون إعفائه من رد قيمة
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 721؛ د محمد شكري سرور ،المرجع
السابق ،ص .412
- 2د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص .119
187
المبيع .بينما يترتب على إدراج هذا الشرط في حالة دعوى ضمان العيب ،إعفاء
البائع بصورة كلية من الضمان.
-1تسقط دعوى ضمان االستحقاق الجزئي للمبيع بمضي خمس عشرة سنة
من تاريخ االستحقاق .بينما تسقط دعوى ضمان العيب الخفي بمضي سنة واحدة
من وقت التسليم الفعلي للمبيع.
-0ال يجوز اإلستناد إلى دعوى ضمان العيوب الخفية في حالة البيوع
القضائية والبيوع اإلدارية بالمزاد .بينما يجوز مثل ذلك اإلستناد في حالة دعوى
ضمان االستحقاق الجزئي للمبيع .1
المطلب الرابع
ضمان توافر صفة معينة في المبيع وضمان صالحيته للعمل مدة معينة
تعتبر المسألة محل الدراسة في هذا المبحث ،من قبيل االتفاقات المعدلة
لضمان العيوب الخفية ،ويتخذ هذا التعديل صورة زيادة أو تشديد الضمان،
والمتمثل في ضمان البائع للمشتري توافر صفة معينة في المبيع أو أن يضمن له
صالحية هذا المبيع للعمل مدة معينة .وسنتناول دراسة هاتين الصورتين من صور
التشديد االتفاقي لضمان العيوب الخفية على النحو التالي:
نـصت على هذا النوع من أنواع الضمان التشديدي ،الفقرة األولى من المادة
( ) 117مدني ،بقولها ":يكون البائع ملزماً بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع
وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه ." .......
ففي كل هذه الحاالت إذا اتضح عند تسليم المبيع ،عدم توافر هذه الصفات،
ترتب على ذلك قيام التزام البائع بالضمان بصرف النظر عن مدى توافر أو عدم
توافر شروط دعوى ضمان العيوب الخفية األخرى .أي أن البائع يكون مسئوالً عن
عدم توافر الصفة أو الصفات التي كفل وجودها للمشتري في المبيع ،سواء كان
تخلف هذه الصفة مؤث اًر أم ال ،خفياً أم ظاه اًر ،يعلم به المشتري أو ال يعلم به .1
واذا كان البائع لم يكفل للمشتري وجود صفة معينة في المبيع ،فال يحق
للمشتري أن يطعن في البيع تأسيساً على عدم توافر صفة ما فيه ،مالم تتوافر
شروط الطعن على البيع لتوافر عيب الغلط ،بأن كانت هذه الصفة جوهرية
بحيث لو علم المشتري بعدم وجودها عند التعاقد لما أبرم العقد .2كأن يكون
الغرض من شراء السيارة أن تتحمل السير في الرمال واألراضي الصحراوية الوعرة،
بينما كانت في حقيقتها ال تقوى إطالقاً على أداء هذا الغرض.
جاء النص على هذا الضمان التشديدي لضمان العيوب الخفية ،من خالل
المادة ( ) 100من القانون المدني .ويظهر هذا النوع من أنواع الضمان على
وجه الخصوص ،في حالة البيوع التي ترد على أشياء دقيقة يصعب على المشتري
معرفة دقائقها الفنية وفقاً للمجرى العادي لألمور ،كاآلالت الميكانيكية والسيارات
ويتمثل وجه التشديد الضماني في هذه الحالة ،في اشتراط المشتري على
البائع ،أن يضمن هذا األخير للمشتري صالحية المبيع للعمل مدة معينة ،قد تكون
سنة أو سنتان أو أكثر ،بحيث إذا ظهر في المبيع خلل خالل هذه المدة ،وجب
على البائع الضمان سواء أكان الخلل راجعاً إلى عيب في الشيء المبيع أو لم
يكن .1أي أن البائع في هذه الحالة ال يضمن فقط العيب الموجود في المبيع ،بل
يضمن معه أيضاً صالحية المبيع للعمل خالل المدة المتفق عليها ،حتى ولو
كانت عدم صالحيته ال ترجع إلى عيب محدد .2
وعلى ذلك ،إذا ظهر الخلل أو العطل في المبيع الموجب للضمان في هذه
الحالة خالل مدة الضمان المتفق عليها ،وجب على المشتري أن يخطر البائع
بالخلل أو العطل خالل مدة شهر على األكثر من تاريخ ظهور الخلل أو حدوث
العطل ،واال سقط حقه في الضمان .وبعد تمام اإلخطار في موعده ،يلتزم المشتري
برفع دعوى الضمان خالل الستة شهور التالية لهذا اإلخطار ،واال كان مصير
دعواه هو عدم القبول.
ويجوز للمشتري رفع دعوى الضمان بدون اخطار؛ ألن صحيفتها تعتبر
اخطا اًر كافياً ،غير أنه يكون معرضاً في هذه الحالة لتحمل مصاريف الدعوى إذا
سلم له البائع بحقه .ومدة الستة شهور هي مدة سقوط وليست مدة تقادم ،وال تتعلق
بالنظام العام ،لذلك يجوز االتفاق على زيادتها أو إنقاصها .3
-1في دعوى ضمان العيوب الخفية ،لم يستلزم المشرع أن يخطر المشتري
البائع بالعيب خالل مدة محددة ،بل أوجب أن يتم اإلخطار خالل مدة مالئمة أو
معقولة .بينما في الدعوى الناشئة عن عدم صالحية المبيع ،أوجب المشرع أن يتم
اإلخطار خالل مدة شهر من ظهور الخلل أو حدوث التعطل عن العمل.
-2تتقادم دعوى ضمان العيوب الخفية بمضي سنة من تاريخ التسليم الفعلي
للمبيع .بينما تتقادم الدعوى الناشئة عن عدم صالحية المبيع بمضي ستة أشهر
من وقت اخطار المشتري البائع بالخلل أو التعطل عن العمل.
-3يلتزم البائع بضمان العيوب الخفية خالل عام فقط من تاريخ التسليم مالم
يكن قد تعمد إخفاء العيب غشاً منه .بينما يلتزم بضمان صالحية المبيع للعمل
طوال المدة المتفق عليها ،سواء كانت سنة أو أكثر من ذلك أو أقل من ذلك.
الفصل الثاني
التزامات المشتري
تـ ـتمثل الـ ـتزامات ال ـ ـمشـتري في عقد البيع ،بأن يدفع إلى البائع ثمن المبيع
( مبحث أول ) .وأن يدفع نفقات عقد البيع وتكاليف المبيع ( مبحث ثان ) .وأن
يتسلم المبيع ( مبحث ثالث ) .وذلك على البيان التالي:
المبحث الول
يقتضي التعرض لدراسة التزام المشتري بدفع ثمن المبيع ،أن نحدد مضمون
االلتزام بالوفاء بالثمن ( مطلب أول ) .وكيفية الوفاء بالثمن ( مطلب ثان ) .وحق
المشتري في اإلمتناع المشروع عن دفع الثمن ( مطلب ثالث ) .وأخي اًر ،جزاء
إخالل المشتري بالتزامه بدفع ثمن المبيع ( مطلب رابع ).
ال يقتصر التزام المشتري فيما يتعلق بوفائه بثمن المبيع ،على الوفاء بالثمن
المتفق عليه في العقد فقط ،بل أنه يلتزم باإلضافة إلى ذلك ،بدفع مصروفات
الوفاء بهذا الثمن ،ناهيك عن التزامه بدفع فوائد الثمن في بعض الحاالت .وذلك
على التوضيح اآلتي:
ذكرنا سابقاً بصدد تعرضنا لمحل التزام المشتري في عقد البيع ،والمتمثل
بناء على اتفاق األطراف في العقد
في دفع ثمن المبيع ،بأن هذا الثمن يتحدد إما ً
صراحة ،واما عن طريق بيان األسس التي يتحدد على أساسها في المستقبل إذا لم
ُيذكر في عقد البيع صراحة ،وفي الحالتين يلتزم المشتري بالوفاء بهذا الثمن.
غير أنه في بعض األحيان قد يزيد ثمن المبيع عن الثمن المتفق عليه ،وقد
ينقص عنه .فحالة الزيادة تتحقق في بعض الفروض ،كالحالة التي ُيباع فيها عقار
مملوك لغير كامل األهلية وكان به غبن يزيد على خمس المبيع .أو إذا كانت
هناك زيادة في مقدار المبيع عن القدر المتفق عليه ،وهنا تعد الزيادة جزء من
الثمن وتأخذ حكمه من حيث التزام المشتري بدفعها.
وأحياناً أخرى ،قد يدفع المشتري ثمن أقل من المتفق عليه في العقد ،كأن
يستغل البائع طيش المشتري أو هواه الجامح ،فيتفق معه على ثمن مرتفع جداً،
بناء على طلب المشتري أن يبطل العقد أو ينقص التزامات فهنا يحق للقاضي ً
المشتري بتخفيض ثمن المبيع .وكذلك حالة ما إذا ظهر عند تسليم المبيع وجود
193
عجز في قدر المبيع ،أو كان المبيع مما يخضع للتسعيرة الجبرية ،فالمشتري لن
يلتزم هنا إال بالثمن المقرر قانوناً وليس المتفق عليه .1
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 114؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق،
ص .177
- 2د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .172 ،177
194
أ -الفوائد االتفاقية التعويضية :وهي الفوائد التي تُستحق عن مبلغ من النقود
لم يحل ميعاد استحقاقه .أي أنها فائدة يدفعها المشتري مقابل بقاء ثمن المبيع في
ذمته ،سواء بصورة كلية أو على صورة أقساط .
وفيما يتعلق بالتزام المشتري بدفع الفوائد االتفاقية ،فإن ذلك يدور في إطار
الضوابط الثالثة اآلتية:
أ -البد من وجود اتفاق بين األطراف على مبدأ تقاضي البائع من المشتري
فوائد اتفاقية ،تعويضية كانت أم تأخيرية .واذا اتفقا الطرفين على تحديد قدر هذا
الفوائد ،وجب إعمال ما اتفقا عليه بشرط أال يتجاوز هذا التحديد الحد األقصى
المسموح به قانوناً وهو ،% 7فإن زادت عن ذلك وجب تخفيضها إلى هذا الحد.
واذا لم يعين الطرفين قدر الفوائد ،فإن احتساب الفائدة في هذه الحالة يتم على
أساس السعر القانوني وهو %1في السائل المدنية و %0في المسائل التجارية .1
ووجد عرفب -واذا لم يوجد اتفاق بين المتعاقدين على أي صورة كانتُ ،
تجاري ( كحالة دخول ثمن المبيع في حساب جار بين البائع والمشتري ) ،أو
زراعي أو غير ذلك ،وجب العمل به في تحديد استحقاق البائع للفوائد .2
-5الفوائد القانونية :هي الفوائد التي ينص عليها القانون ويستحقها البائع
من المشتري ،في الفرض الذي يمنحه فيه أجالً للوفاء بثمن المبيع ،ولم يقم
المشتري بالدفع في الموعد المحدد ،وذلك في ظل غياب اتفاق أو عرف يتولى
تحديد الفائدة في هذا الفرض.
أ -حالة إعذار البائع للمشتري بدفع الثمن :وهنا يستحق البائع الفوائد من
وقت حدوث اإلعذار وليس من وقت المطالبة القضائية ،بشرط أن يكون الثمن
حال األداء أو كان مؤجالً وحان ميعاد استحقاقه ،أما اإلعذار السابق على
استحقاق الثمن فال يعتد به في استحقاق الفوائد .ويكون اإلعذار بإنذار المشتري أو
بما يقوم مقام اإلنذار من األوراق الرسمية.
وبعد تمام اإلعذار ،تُحسب الفوائد القانونية التي يلتزم المشتري بدفعها من
وقت حدوث اإلعذار ،بواقع % 1في المسائل المدنية وفي المسائل التجارية بواقع
ب -حالة تسليم المبيع المثمر :وفي هذه الحالة يسلم البائع المشتري
المبيع ،وكان هذا األخير مما ينتج ثمرات أو إيرادات أخرى ،األمر الذي يترتب
عليه التزام المشتري بدفع الفوائد القانونية للبائع من تاريخ التسليم وليس من تاريخ
المطالبة القضائية .غير أن ذلك األمر مقيد بشرطين هما:
* الشرط األول :أن يكون البائع قد قام بتسليم المبيع إلى المشتري :وال
ُيقصد بالتسليم هنا التسليم الفعلي ،بل يكفي أن يضع البائع المبيع تحت تصرف
المشتري على نحو يتمكن معه من حيازته واالنتفاع به دون عائق حتى ولو لم
استيالء مادياً مع إعالنه بذلك .فإذا وضع البائع المبيع تحت
ً يستول عليه المشتري
تصرف المشتري ولم يتسلمه ،فإنه ُيسأل عن الفوائد؛ لكونه هو المسئول في هذا
الفرض عن عدم التسلم .2
* الشرط الثاني :أن يكون المبيع قابالً إلنتاج ثمار أو إيرادات أخرى :وهنا
ال ُيشترط أن يكون المبيع منتجاً بالفعل لثمار أو إيرادات – كأرض زراعية أو دار
صالحة للسكنى أو آلة صالحة للعمل -بل تكفي هنا إمكانية اإلنتاج في حد
ذاتها حتى ولو لم ينتج المبيع شيئاً سواء إلهمال المشتري كعدم قيامه بتأجير
األرض أو الدار للغير ،أو لسبب أجنبي كقوة قاهرة أو حادث فجائي .3
أما إذا كان المبيع غير منتج وغير قابل إلنتاج ثمرات أو إيرادات أخرى
بطبيعته ،فال يحق للبائع الحصول على فوائد عن الثمن كأن يكون المبيع أرض
وتكمن الحكمة من التزام المشتري بدفع فوائد قانونية عن ثمن المبيع رغم
عدم استحقاقه في هذه الحالة ،في أن هذا الحكم يتضمن نوعاً من التقابل بين
انتفاع المشتري بثمار أو إيرادات المبيع وبين التزامه بدفع الفائدة عن هذا االنتفاع،
ولكي ال يجمع المشتري بين الفوائد والثمار .كما يعد ذلك إعماالً لقاعدة الغرم
بالغنم ،فغنم المشتري بالثمار أو اإليرادات ،يترتب عليه غرمه بفوائد قانونية عن
ثمن المبيع في هذا الفرض.
وعلى ذلك ،يترتب على توافر الشرطين السابقين ،استحقاق البائع الفوائد
القانونية عن ثمن المبيع بصرف النظر عن كون هذا الثمن حاالً أم مؤجالً .وهذا
ما ُيستفاد من عموم ومطلق نص المادة ( ) 1/104مدني .باإلضافة إلى استجابة
هذا الحكم لالعتبارات العملية .وهذا ما ذهب إليه أغلب الفقه ومحكمة النقض
المصرية .2
غير أننا نرى – من وجهة نظرنا – أن الحكم السابق يصعب التسليم به في
ظل وجود اتفاق بين البائع والمشتري ،على أن يمنح األول الثاني أجالً للوفاء بثمن
المبيع .لذلك فإنه يشترط إلستحقاق الفوائد القانونية أن يكون الثمن مستحق األداء،
واال فما فائدة االتفاق بين البائع والمشتري على منح أجل للوفاء .كل ذلك مالم يكن
البائع قد وقع في غلط ،كأن يعتقد أن المبيع المنتج للثمار أو اإليرادات ،يغل قد اًر
ضئيالً من الريع وهو في حقيقته يغل قد اًر كبي اًر ،األمر الذي جعله يتساهل ولم
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 158؛ د محمد علي عمران ،المرجع
السابق ،ص .121
- 2د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .122
198
يعلق استحقاق الفوائد على تسليم المبيع ولكن أرجأه إلى حين حلول أجل
االستحقاق.
واستخالصاً لما سبق ،فإنه يحق للبائع مطالبة المشتري بفوائد عن ثمن
المبيع ،إذا كان هناك اتفاق أو عرف يقضي بذلك .أو إذا أعذر المشتري ،أو سلم
إليه الشيء المبيع في الفرض الذي يكون فيه هذا المبيع منتجاً أو قابالً إلنتاج
ثمرات أو إيرادات أخرى.
المطلب الثاني
ت ـ ـتض ـ ـمن م ـ ـسألة ك ـ ـ ـيفـ ـية الوف ـ ـاء بثـ ـ ـمن المبيع ،تحديد أطراف الوفاء بالثمن
( أوالً ) .وطريقة الوفاء بالثمن ( ثانياً ) .ومكان الوفاء بالثمن ( ثالثاً ) .وزمان
الوفاء بالثمن ( رابعاً ) .وأخي اًر ،إثبات الوفاء بالثمن ( خامساً ).
-1المدين بدفع الثمن :يعد المشتري هو المدين الذي يلتزم بالوفاء بثمن
المبيع .واذا تعدد المشترون لنفس المبيع وكانوا متضامنين فيما بينهم سواء
بمقتضى االتفاق أو نص القانون ،التزم كل واحد منهم بالوفاء بكامل الثمن .واذا لم
يوجد تضامن ،التزام كل واحد منهم بدفع نصيبه في الثمن على حسب حصته في
المبيع .ويلتزم ورثة المشتري بالثمن إذا مات مورثهم قبل الوفاء به ولكن في حدود
ما آل إليهم من التركة .ويجوز أن يفي بالثمن نائب المشتري أو رسوله الخاص .1
يحدد العقد في أغلب األمور ،الطريقة التي يتم بها الوفاء بثمن المبيع .فقد
ُيتفق على أن يتم الوفاء به دفعة واحدة ،أو في صورة أقساط بطريقة معينة يتفق
عليها الطرفين .وقد ُيدفع الثمن في صورة إيراداً مرتباً مدى حياة البائع .وفي جميع
األحوال ،ال يجوز إجبار البائع على قبول الوفاء بغير النقود ،مالم يكن هناك اتفاق
بخالف ذلك .كما أنه في حالة االتفاق على جواز الوفاء بإحدى األوراق التجارية،
فال تب أر ذمة المشتري قبل البائع ،إال إذا قبض هذا األخير الثمن فعالً .2
عند تحديد مكان الوفاء بثمن المبيع ،يتعين في المقام األول الرجوع إلى
اتفاق األطراف والعمل به .واال فالعمل على ما يجري عليه العرف .وعند عدم
وجود اتفاق وال عرف يمكن اإلهتداء به ،فوفقاً لما جاء في المادة ( ) 101مدني،
ينبغي التمييز بين فرضين هما:
ب -حالة استحقاق الثمن في غير وقت تسليم المبيع :كأن يتم االتفاق على
تمام الوفاء بالثمن قبل تسليم المبيع أو بعده .وهنا يتم الوفاء بالثمن في موطن
المشتري باعتباره المدين بااللتزام وذلك عند استحقاق هذا الثمن ،كما أن الدين
مطلوب وليس محمول ،لذلك يجب على البائع أن يسعى إلى المشتري في موطنه
ويطالبه بالوفاء.
في هذا الصدد أيضاً ،إذا كان هناك اتفاق بين المتعاقدين بخصوص
زمان الوفاء بثمن المبيع ،وجب العمل به .واذا لم يوجد ،فيجب العمل بما يقضي
به العرف .وفي حالة عدم وجود ال اتفاق وال عرف ،فيجب العمل بما نصت عليه
المادة ( ) 1/107مدني ،من أن زمن الوفاء في حالة غياب االتفاق وعدم وجود
العرف ،يكون في المكان الذي يسلم فيه المبيع.
ويمثل الحكم الذي قررته المادة السابقة ،خروجاً على القواعد العامة التي
تقضي بأنه في حالة عدم االتفاق على تأجيل الوفاء بااللتزام ،فإنه يكون مستحق
األداء فور نشوئه حتى ولو كان هذا االلتزام ناشئاً عن عقد تبادلي .ويتمثل وجه
استثناء عقد البيع من القاعدة العامة المتقدمة ،في طبيعة هذا العقد ،الذي يستفيد
فيه المشتري من المبيع فور تسلمه ،لذلك كان طبيعياً ومن العدل أن يتيح القانون
وفي هذا الشأن يثور تساؤل بالنسبة للحالة التي ُيباع فيها جملة أشياء
بسعر واحد ،أو حالة ما إذا تم تسليم المبيع على دفعات ،فهل يلزم أداء الثمن عند
تسليم كل شيئ أو كل دفعة على حدة ،أم يكون واجب األداء عند تمام التسليم؟
إن المعيار الذي يعتد به في اإلجابة على التساؤل السابق ،هو إرادة
المتعاقدين أو قصدهما .فإذا كان التسليم يتم على دفعات تنفيذاً لما تم االتفاق عليه
في العقد أي أن العقد كان يقر التسليم الجزئي للمبيع ،فهنا يلتزم المشتري بأداء
الثمن عند كل دفعة أي بما يتناسب مع القدر الذي تسلمه من البائع .واذا لم يقر
العقد التسليم الجزئي للمبيع ،فال يلتزم المشتري بأداء الثمن إال بعد تسليم المبيع
كامالً .كل ذلك مالم يوجد عرف يقضي بغير ذلك .2
ُيثبت الوفاء بالثمن وفقاً للقواعد العامة في اإلثبات .فإذا زادت قيمة المبيع
عن ألف جنيهاً ،وجب تقديم دليل كتابي على هذا الوفاء مالم يكن هناك مانع
يحول دون الحصول على هذا الدليل .وهذه القاعدة تنطبق على الوفاء بكامل
الثمن أو بجزء منه طالما بلغ هذا الجزء القدر المالي الذي يلزم معه الدليل الكتابي
إلثباته .أما إذا كان الثمن ُيدفع على صورة أقساط ،وكان القسط الواجب السداد لم
يبلغ نصاب اإلثبات بالدليل الكتابي ،فإنه يجوز إثبات الوفاء به بشهادة الشهود
المطلب الثالث
ويعد الحق في الحبس بالمفهوم المتقدم ،من تطبيقات قاعدة الدفع بعدم
التنفيذ .3والذي يعد رخصة قانونية يحق للمتعاقد بمقتضاها أن يمتنع عن تنفيذ
التزامه الحال األداء في العقد الملزم للجانبين ،كوسيلة للضغط على المتعاقد اآلخر
بقصد حمله على تنفيذ التزامه الحال األداء الممتنع عن تنفيذه.
203
وباإلضافة إلى ما قررته القواعد العامة ،فإن المشرع وبنص خاص في المادة
( ) 107مدني ،قرر للمشتري حاالث ثالث يحق له فيها حبس الثمن .وتتمثل
هذه الحاالت في اآلتي:
-1الحالة الولى :حالة تعرض أحد للمشتري مستنداً إلى حق سابق على
البيع أو آيل من البائع :فهنا يحق للمشتري حبس الثمن حتى يقوم البائع بإزالة
التعرض الذي حدث له من الغير .بشرط أن يكون تعرض الغير قانونياً ومستنداً
إلى حق سابق على البيع أو الحقاً عليه شريطة أن يكون هذا الحق آيالً للمتعرض
من البائع نفسه؛ تأسيساً على أن ما قام به البائع في الحالة األخيرة يعتبر تعرضاً
منه للمشتري ،وسبق الذكر أن البائع يضمن تعرضه مادياً كان أو قانونياً.
غير أنه في هذا الصدد ،ال يجوز للمشتري حبس الثمن إذا كان تعرض
الغير مما ال يضمنه البائع ،كأن يكون تعرض الغير مادياً وليس قانونياً ،أو كان
المشتري قد اشترى ساقط خيار ،أو كان البائع قد اشترط عدم الضمان مع ثبوت
علم المشتري بسبب التعرض وقت البيع .1
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 125؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق،
ص .129
- 2د توفيق ،حسن فرج ،المرجع السابق ،ص .541
204
ويعد من األسباب الجدية التي تعتبر مبر اًر للمشتري في حبس الثمن ،عدم
تسجيل البائع سند ملكيتة للعقار المبيع مما يجعل ملكية هذا العقار باقية للمالك،
أو أن يظهر أن ملكية البائع معلقة على شرط واقف أو شرط فاسخ ،أو أن يكون
سند البائع قابالً للفسخ أو اإلبطال أو اإللغاء ألي سبب من األسباب .1أو أن
يكتشف المشتري وجود رهن أوحق اختصاص على العقار المبيع بحيث يخشى
استيفاء لدينه.2
ً المشتري أن ينفذ الدائن المرتهن أو صاحب حق االختصاص عليه
ويجب مالحظة أنه في حالة توافر السبب الجدي المبرر لحبس الثمن ،فإن
أثر توافر هذا السبب يقتصر فقط على حق المشتري في حبس الثمن حتى يزول
أو ينتهي الخطر الذي يتهدده بإنتزاع المبيع من تحت يده ،دون أن يصل هذا
األثر إلى حد تخويل المشتري مكنة رفع دعوى ضمان التعرض؛ وذلك ألن هذه
األخيرة ال تُرفع إال إذا ُوجد تعرض فعلي وليس مجرد توافر أسباب جدية على هذا
التعرض مهما كانت درجة جديتها ،أي أن التعرض في هذه الحالة ما هو إال أمر
احتمالي وليس فعلي.
يترتب على توافر إحدى الحاالت السابقة ،أحقية المشتري في حبس المبيع
إلى حين زوال التعرض أو زوال خطر االستحقاق أو ُيحسم النزاع بشأن العيب
الذي توافر في المبيع .ويحق للمشتري حبس الثمن تحت يده وله أيضاً أن يودعه
خزانة المحكمة مع اشتراطه عدم صرفه للبائع إال بعد زوال سبب الحبس ،ويرجع
ذلك ألن المشتري إذا حبس المبيع تحت يده بعد تسلمه ،فإنه يلتزم بدفع فوائد
الثمن تاريخ تسلمه المبيع – وفقاً للرأي الغالب في الفقه – إذا كان المبيع قابالً ألن
ينتج ثما اًر أو إيرادات أخرى ،أما إذا أودعه خزانة المحكمة ،سقطت عنه فوائد
الثمن من تاريخ هذا اإليداع .1
واذا لحق العيب جزء من المبيع فقط وليس كله ،فهل يقتصر نطاق حبس
الثمن على هذا الجزء المعيب فقط أم أنه يشمل كل المبيع ،السليم منه والمعيب؟
انتهى الرأي الراحج في الفقه إلى أنه ال يحق للمشتري في هذا الفرض أن
يحبس من ثمن المبيع إال القدر الذي يتناسب مع الجزء المعيب من المبيع .بينما
يرى الرأي اآلخر والذي أيدته محكمة النقض المصرية ،أنه يحق للمشتري حبس
الثمن عن المبيع كله؛ وذلك على أساس أن تجزئة حق المشتري في حبس الثمن
كله قد تعرضه للخطر ،باإلضافة إلى أن نص المادة ( ) 107مدني قد جاء عاماً
دون تخصيص ،ناهيك عن أنه يحق للبائع – كما سنرى – حبس المبيع كله ولو
احتوى على أشياء متعددة إذا تخلف المشتري عن الوفاء بجزء من الثمن ،لذلك
فمن باب العدالة أن يتوحد الحكم بالنسبة للبائع والمشتري في هذه الحالة .2
أ -نزول المشتري عن حقه في الحبس :وهنا يتفق البائع والمشتري على
نزول هذا األخير عن حقه في الحبس حتى مع وجود سبب هذا الحبس .وهذا
النزول قد يكون صراحة أو ضمناً يستخلص من ظروف الحال ،غير أنه ال
ُيفترض فمجرد علم المشتري بسبب يخشى معه االستحقاق ال يدل على تنازله عن
حقه في الحبس ،فقد يكون المشتري على أمل أن يدفع عنه البائع هذا التعرض
عند حدوثه .1
ب -إذا قدم البائع كفيالً للمشتري يضمن له ما يترتب على وقوع التعرض
أو حدوث االستحقاق أو وجود العيب من تعويض :وهذا الكفيل قد يكون كفيالً
شخصياً ،وهنا يلتزم أن يتوافر فيه شروط الكفيل وفقاُ للقواعد العامة ،بأن يكون ذو
أهلية ،ومقيماً في مصر ،وعلى درجة من اليسار المالي تغطي مخاطر حدوث
التعرض أو حدوث االستحقاق أو وجود العيب .وقد يكون كفيالً عينياً ،وهنا يلزم
أن يكون التأمين العيني كافياً للوفاء بثمن المبيع الذي يدفعه البائع إلى المشتري.
ورخصة تقديم الكفيل أياً كان نوعه ،مقررة لمصلحة البائع وحده دون المشتري،
وذلك وفقاً لما تنص عليه المادة ( ) 2/107مدني.
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 127؛ د محمد شكري سرور ،المرجع السابق،
ص .447
207
ج -زوال سبب الحبس :كما لو أوقف البائع تعرضه ،أو دفع تعرض الغير
للمشتري ،أو أزال البائع آثار عيب المبيع باصالحه أو بتعويض المشتري تعويضاً
كافياً ،أو قام البائع بالوفاء بالدين المضمون برهن مقرر على العين المبيعة .1
المطلب الرابع
إذا أخل المشتري بالتزامه بدفع ثمن المبيع إلى البائع ،فقد خول القانون لهذا
األخير ،ثالث وسائل قانونية ،وهي:
أ -إذا كان كل أو بعض ثمن المبيع وقت مطالبة المشتري مستحق األداء:
وهنا يحق للبائع حبس المبيع إلى حين استيفاء المبلغ المستحق له وفوائده .ويظل
للبائع هذا الحق حتى ولو قدم المشتري رهن أو كفالة – خروجاً على القواعد
العامة – ؛ وذلك ألن الرهن أو الكفالة ال يغنيان البائع عن حصوله على الثمن
الذي أصبح مستحقاً له .2
ويثبت حق حبس المبيع للبائع أيضاً ،ولو كان المبلغ المتبقي للبائع قليل
القيمة بالمقارنة مع ما تم دفعه من إجمالي ثمن المبيع .غير أنه ال يجوز للبائع
ب -إذا سقط األجل الذي أُضيف إليه التزام المشتري بدفع الثمن :إذا سقط
األجل الممنوح للمشتري من أجل الوفاء بالثمن ،وفقاً لما ورد بالمادة ( ) 273من
القانون المدني ،أي بسبب شهر افالس المشتري أو شهر إعساره ،أو إلضعافه
التأمينات المقدمة للبائع ،أو لعدم تقديم التأمينات التي وعد في عقد البيع بتقديمها.
غير أنه في هذه الحالة – وخالفاً للحالة السابقة – يجوز للمشتري أن يطالب
ال بائع بتسليم المبيع في حالة تقديمه رهن أو كفالة ،كتأمين لدفع الثمن عند حلول
أجله .والعلة من المغايرة في الحكم في هذه الحالة عن سابقتها ،تتمثل في أن حق
البائع في هذه الحالة لم يحن ميعاد استحقاقه بعد وأن اعطائه الحق في الحبس
إنما هو ضمانة لحصوله على ثمن المبيع في الحالة التي يحل فيها ميعاد
استحقاقه ،لذلك فإن تقديم المشتري في هذه الحالة تأمين كاف للبائع ،يسقط حق
هذا األخير حبس المبيع .2
رضاء به من قبل
ً ج -إذا كان تأجيل الثمن يرجع إلى سبب ال يتضمن
البائع :ويتمثل ذلك في حالة ما إذا منح القاضي المشتري أجالً للدفع؛ وذلك ألن
هذا األجل ما هو إال نظرة ميسرة منحها القاضي مراعاة لظروف المشتري ،وهذا
األمر يجب أال يضر بحقوق البائع الذي يحق له رغم األجل ،حبس المبيع ضماناً
إلستيفاء ثمن المبيع وفوائده .3
وفي جميع الحاالت ،فإن حق البائع في حبس المبيع ،غير قابل للتجزئة .فال
يحق للمشتري إذا ما دفع جزءاً من الثمن الذي حل أن يطالب البائع بتسليمه جزءاً
وبالنسبة لنطاق الحق في الحبس هنا ،فإنه يشمل أصل المبيع ونماءه وثماره
الناتجة منه بعد البيع .ويلتزم البائع بالمحافظة على المبيع بأن يبذل في ذلك عناية
الرجل العادي ،وعليه أن يقدم للمشتري حساباً عن غلة المبيع؛ ألن حبس هذا
األخير ال ينفي استحقاق المشتري ثماره .2
واذا هلك المبيعه أثناء فترة حبس البائع له ،وقعت تبعة هالكه على عاتق
المشتري وليس على عاتقالبائع ،خالفاً للقاعدة العامة التي تقضي بأن تبعة هالك
المبيع قبل تسليمه يتحملها البائع؛ ويرجع ذلك ألن وجود المبيع تحت يد البائع وهو
حابس له كان بسبب تقصير المشتري في الوفاء بالتزامه بدفع الثمن حال األداء،
ولم يكن بسبب تقصير من البائع .3واذا خشي البائع هالك المبيع وهو حابساً له،
جاز له استئذان القضاء في بيعه بالمزاد العلني أو بسعره في البورصة أو السوق،
األمر الذي يترتب عليه انتقال الحق في الحبس من المبيع إلى ثمنه .4
وينقضي حق البائع في حبس المبيع ،إذا نزل عن هذا الحق صراحة أو
ضمناً .أو إذا خرج المبيع من تحت يد البائع باختياره ،واذا كان خروج المبيع قد تم
رغم معارضة البائع ،جاز له طلب استرداده خالل ثالثين يوم من وقت علمه
بخروج المبيع من تحت يده ،وقبل انقضاء سنة من وقت خروجه .وينقضي كذلك
210
حق البائع في الحبس ،إذا زال سبب الحبس ،كأن يكون قد استوفى ثمن المبيع كله
وفوائده .1
إذا لم يقم المشتري بأداء التزامه بدفع ثمن المبيع عند حلول أجل االستحقاق،
جاز للبائع طلب التنفيذ العيني ،عن طريق رفع دعوى قضائية بعد إعذار المشتري
بقصد الحجز على أمواله بما فيها المبيع؛ الستيفاء حقه من ثمن بيعها بالمزاد
العلني جب اًر عنه ،وفقاً لقواعد التنفيذ الجبري الواردة في قانون المرافعات .2
وفي سبيل تمكين البائع من الحصول على حقه ،فقد خول له القانون حق
امتياز على المبيع ،سواء كان هذا األخير منقوالً وذلك في المادة ( ) 1110
مدني ،أو كان عقا اًر وذلك في المادة ( ) 1117مدني .ويكون للبائع بمقتضى هذا
االمتياز ،أن يستوفي حقه المتمثل في ثمن المبيع سواء كله أو بعضه ،من الثمن
الناتج عن بيع المبيع جب اًر وقبل الدائنين اآلخرين للمشتري.
يحق للبائع باإلضافة إلى حقه في حبس المبيع وطلب التنفيذ العيني ،أن
يطلب فسخ البيع بسبب عدم قيام المشتري بالتزامه بدفع ثمن المبيع .وال يشذ الفسخ
في هذا الصدد عن الفسخ في القواعد العامة ،لذلك سنحيل إليها منهاً للتكرار .غير
أن المشرع قد نص على حالة خاصة للفسخ في المادة ( ) 111مدني ،والمتعلقة
بالفسخ الخاص ببيع العروض والمنقوالت ،وشذ بهذه الحالة عن قواعد الفسخ
القانوني العامة.
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 221 ،222؛ د سليمان مرقس ،المرجع
السابق415 ،؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .188
- 2د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .188
211
والمستفاد من نص المادة ( ) 111والخاصة بفسخ البيع في بيع العروض
والمنقوالت ،أنه إذا لم يقم المشتري بدفع ثمن المبيع في هذه الحالة ،فإن البيع
ينفسخ بقوة القانون لصالح البائع .وهذا الحكم يمثل خروجاً على القواعد العامة في
الفسخ التي تقضي بأن هذا األخير ال يقع إال إذا كان مسبوقاً بإعذار ينبه فيه
الدائن على المدين بالوفاء بالتزامه ،وتقضي أيضاً بأن الفسخ ال يقع إال بحكم من
القضاء ،وقد يقع دون حاجة إلى إعذار أو حكم قضائي إذا كان هناك شرط في
العقد ينص صراحة على ذلك .1
أ -أن يكون المبيع من المنقوالت :ويستوي هنا جميع أنواع المنقوالت ،سواء
كانت منقوالت بطبيعتها ( سواء كانت مادية كالسلع والبضائع أم معنوية كاألسهم
والسندات ) أم منقوالت بحسب المآل كالثمار التي حان قطافها والمنزل الذي ُيباع
أنقاضاً .3
ج -أن يتأخر المشتري أو يمتنع عن دفع ثمن المبيع في الزمان والمكان
المتفق عليهما :فال يجوز للبائع أن يتمسك بحكم المادة ( ) 111إذا قام المشتري
بدفع الثمن الزمان والمكان المحددين لذلك ،حتى ولو لم يتسلم المشتري المبيع.
فإذا دفع المشتري الثمن ولم يتسلم المبيع ،فال ينطبق النص المذكور ولكن تنطبق
القواعد العامة في الفسخ .وتأخذ نفس الحكم األخير ،الحالة التي يدفع فيها
المشتري ثمن المبيع ويمتنع أو يتأخر البائع عن تسليمه له2؛ ألن تأخر المشتري
في هذه الحالة في الوفاء بالثمن يرجع إلى فعل البائع ،األمر الذي يترتب عليه
حرمانه من الرخصة التي قررتها المادة ( ) 111مدني ،ولكي ال يستفيد البائع من
تقصيره.
واذا توافرت الشروط السابقة ،جاز للبائع أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء
نفسه دون حاجة إلى إعذار أو حكم قضائي أو شرط خاص في العقد يقضي
بذلك .ويترتب على هذا الفسخ أن يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل
التعاقد ،ويحق للبائع أن يتصرف في المبيع مرة أخرى إلى مشتر آخر .3
المبحث الثاني
باديء ذي بدءٌ ،يقصد بنفقات المبيع ،المبالغ التي تُصرف في حفظ المبيع
وصيانته واستغالله من وقت تمام البيع إلى وقت تسليم المبيع ،وتشمل هذه النفقات
تكاليف الضريبة المفروضة على المبيع .1
وفي حالة غياب اتفاق المتعاقدين وعدم وجود عرف يحدد متحمل نفقات
المبيع ،كانت هذه النفقات على عاتق المشتري من وقت البيع إلى وقت تسليم
المبيع إليه .وتكمن علة هذا الحكم في أن المشرع جعل للمشتري ثمرات المبيع
غير أن تحمل المشتري لتكاليف المبيع من وقت البيع ،مشروط بأن يكون له
الحق في ثمار المبيع من ذلك الوقت – أي من وقت البيع ، -فإن كان األمر
غير ذلك ،اختلف الحكم .فعلى سبيل المثال ،إذا تم االتفاق على أال يكون
للمشتري ثمر المبيع إال من تاريخ الحق على قيام البيع ،كالتاريخ الذي أُجل إليه
تسليم المبيع نفسه ،فهنا لن يتحمل المشتري تكاليف المبيع إال من ذلك التاريخ
أيضاً .2
ٌيقصد بمصروفات البيع ،النفقات التي تكون الزمة إلتمامه ،كأتعاب المحامي
الذي تولى مهمة تحرير عقد البيع ،ورسوم الدمغة والتسجيل ،وكذلك رسوم
التصديق على اإلمضاءات في الشهر العقاري.
وفي حالة غياب اتفاق المتعاقدين وعدم وجود عرف يحدد متحمل مصروفات
عقد البيع ،كانت هذه النفقات على عاتق المشتري .وقيل في تبرير هذا الحكم ،أن
غير أن هذا التبرير يجافي قواعد العدالة؛ ألن العقد عاد بالمنفعة على
الطرفين ،فبالنسبة للبائع فهو يستفيد من ثمن المبيع ،وبالنسبة للمشتري فهو يستفيد
بالمبيع ذاته .لذلك فكان من األفضل لو نص المشرع على أن تُوزع هذه
المصروفات بين البائع والمشتري مناصفة أو على األقل تُوزع بينهما بنسب مختلفة
وال يتحملها المشتري وحده.
المبحث الثالث
سنتعرض لدراسة الت ازم المشتري بتسلم المبيع من خالل تحديد مضمون هذا
االلتزام ( أوالً ) .وزمان التسلم ومكانه ( ثانياً ) .ونفقات تسلم المبيع ( ثالثاً ).
والجزاء المترتب على عدم تسلم المشتري للمبيع ( رابعاً ) .وذلك على البيان
التالي:
- 1د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص 179؛ د محمد شكري سرور ،المرجع
السابق ،ص .471
- 2د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص .179
216
أوالً :مضمون التزام المشتري بتسلم المبيع:
إذا كان تسليم المبيع التزاماً يقع على عاتق البائع في مواجهة المشتري أي
بوضعه تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته واالنتفاع به دون عائق
استيالء مادياً ،فإن تسلم المبيع يعد التزاماً
ً مع إعالمه بذلك ولو لم يستول عليه
على عاتق المشتري في مواجهة البائع ،بحيث يحق لهذا األخير مطالبة المشتري
بتنفيذه وذلك بنقل الحيازة إليه .ويلتزم المشتري المبيع وملحقاته بالحالة التي كان
عليها عند البيع .1
وتبدو مصلحة البائع في أن يتسلم المشتري المبيع ،في أكثر من ناحية .فمن
تاريخ حدوث التسليم الفعلي للمبيع تبدأ مدة سقوط دعوى ضمان العيوب الخفية،
وكذلك الدعاوى الناشئة عن عجز وزيادة مقدار المبيع .كما أن بتمام التسليم
يستطيع البائع أن يستفيد من المكان الذي كان يشغله المبيع .باإلضافة إلى
التخلص من عبء المحافظة على المبيع ،ومن تبعة هالكه .2
ولتحديد زمان ومكان التسلم والتسليم أهمية اقتصادية وأخرى قانونية .فاألولى
تتمثل في أنه بمقتضى هذا التحديد يمكن معرفة النفقات التي يتحملها البائع في
تنفيذ التزامه بالتسليم ،والنفقات التي يتحملها المشتري في تنفيذ التزامه بالتسلم.
وتكمن األهمية القانونية لهذا التحديد ،في معرفة من يتحمل تبعة هالك المبيع إذا
هلك بسبب أجنبي ال يد ألحد من المتعاقدين فيه .2
وفقاً لما جاء في المادة ( ) 111من القانون المدني ،فإن المرجع في تحديد
متحمل نفقات تسلم المبيع ،هو اتفاق المتعاقدين ،وعند غيابه وجب الرجوع إلى
العرف .واذا لم يوجد هذا أو ذاك ،فالمشتري هو الذي يتحمل هذه النفقات باعتباره
هو المدين في االلتزام بالتسلم.
إذا لم يتسلم المشتري المبيع في الزمان والمكان المحددين لذلك ،فقد خول
المشرع للبائع على إثر ذلك ،وسيلتين قانونيتين ،كجزاء للمشتري لعدم تسلم المبيع
وهما :1
أ -حق البائع في طلب التنفيذ العيني :فيحق للبائع أن يطلب من القضاء
إجبار المشتري على تنفيذ التزامه عيناً وذلك بعد أن يعذره بالتسلم .ويجوز له في
سبيل ذلك ،أن يطلب الحكم على المشتري بغرامة تهديدية عن كل فترة يتأخر فيها
المشتري عن تسلم المبيع .ويحق للبائع أيضاً ،أن يطلب إيداع المبيع بعد الحصول
على إذن من القضاء إذا كان المبيع منقوالً ،واذا كان عقا اًر أو منقوالً معداً للبقاء
في مكانه ،جاز للبائع أن يطلب تعيين حارس عليه على نفقة المشتري.
واذا كان المبيع من األشياء التي تكلف نفقات باهظة في إيداعها أو
حراستها ،جاز للبائع بيعها بالمزاد العلني بعد الحصول على إذن من القضاء بذلك
وايداع ثمنها خزانة المحكمة على ذمة المشتري .واذا كان المبيع له سعر معروف
في األسواق ،أو كان التعامل فيه متداوالً في البورصات ،فال يجوز بيعه بالمزاد إال
إذا تعذر البيع ممارسة بالسعر المعروف.
ب -حق البائع في طلب الفسخ :وهنا يكون للمحكمة سلطة تقديرية في
قبول طلب البائع بالفسخ أو رفضه .وناد اًر ما تلبي المحكمة طلب البائع بفسخ
البيع؛ نظ اًر لتفاهة الضرر الذي يصيبه بسبب عدم تسلم المشتري للمبيع.
وسواء سلك البائع طريق التنفيذ العيني أو طريق الفسخ ،ففي الحالتين يجوز
له المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن تأخر المشتري في تسلم المبيع .كأن
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 119 ،118؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .192 ،197
219
يكون البائع قد أنفق مصروفات لحفظ المبيع من التلف بعد فوات المعياد الذي كان
محدداً للتسليم .أو المطالبة بمقابل أجرة المكان الذي بفي مشغوالً بالمبيع خالل
الفترة التي تأخر فيها المشتري عن تسلم المبيع.
220
الباب الثالث
في
221
تمهيد وتقسيم:
وتتمثل هذه البيوع في ،بيع الوفاء ،وبيع ملك الغير ،وبيع الحقوق المتنازع
عليها ،وبيع التركة ،والبيع في مرض الموت ،وبيع النائب لنفسه .وقد سبق وأن
تناولنا أحكام بيع ملك الغير ،وبيع النائب لنفسه .وعلى سنقسم الدراسة في هذا
الباب إلى أربعة فصول هي:
- 1وال يعني هذا التنظيم الخاص عدم انطباق أحكام عقد البيع العامة على هذه البيوع
الخاصة ،بل تنطبق عندما ال يجد القاضي حكماً خاصاً متعلقا ً ببيع من هذه البيوع.
222
الفصل الول
بـــــــيــــع الـــوفـــــــــــــــــــاء
بيع الوفاء هو البيع الذي يحتفظ فيه البائع لنفسه بالحق في استرداد الشيء
المبيع خالل مدة معينة إذا شاء ،في مقابل أن يرد الثمن ومصروفات العقد
ومصروفات االسترداد والمصروفات التي تكون قد أُنفقت على البيع .1
أي أن العقد يكون معلقاً على شرط فاسخ هو عدول البائع ،فإذا استعمل
هذا األخير حقه في العدول فإن الشرط يتحقق ويزول العقد بأثر رجعي ،واذا
انقضت المدة ولم يستعمل البائع حقه في العدول فإن الشرط يتخلف ويصبح البيع
نهائياً .2
- 1د سليمان مرقس ،المرجع السابق ،ص 781؛ د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص
.87
- 2د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .477
- 3د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .199
223
ثانياً :حكم بيع الوفاء:
أجاز المشرع في القانون المدني القديم بيع الوفاء سواء كان القصد منه
إنشاء رهن للمشتري لسداد الدين أو كان الغرض منه بيعاً مع اشتراط البائع
استرداد المبيع .غير أن المشرع في القانون المدني الحالي ،نص على بطالن بيع
الوفاء بطالناً مطلقاً أياً كان الغرض منه ،1وذلك بصريح نص المادة ( ) 110
مدني ،بقولها ":إذا احتفظ البائع عند البيع بحق استرداد المبيع خالل مدة معينة،
وقع البيع باطالً " .ويرجع تقرير البطالن لالعتبارات اآلتية:
أ -يترتب على أجازة بيع الوفاء ،عدم استقرار المراكز القانونية لطرفيه .ألن
المبيع خالل مهلة االسترداد يعتبر مملوكاً لشخصين مختلفين في وقت واحد .فهو
مملوك للمشتري ملكية معلقة على شرط فاسخ ،ومملوك للبائع ملكية معلقة على
شرط واقف ،األمر الذي ترتب عليه إحجام الناس عن التعامل في الشيء محل
هذا البيع .ناهيك عن إهمال المشتري في المبيع وصيانته؛ لعلمه أن ملكيته له
ليست نهائية ،وتعتبر مهددة بالزوال في أغلب الفروض .2
ب -أن البيع الوفائي ،يخفي في حقيقته رهناً ،بمقتضاه يمكن التحايل على
القواعد اآلمرة في الرهن التي تقضي ببطالن كل اتفاق يجعل للدائن المرتهن الحق
عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله ،في أن يمتلك المال المرهون مقابل ثمن
معلوم .وهذا ما ُيعرف بشرط التملك عند عدم الوفاء ،والذي يعتبر باطالً بطالناً
مطلقاً إذا تم االتفاق عليه بين الدائن المرتهن والمدين الراهن قبل حلول أجل
الدين.3
ويتمثل وجه الخطورة هنا على البائع ( الراهن ) في أنه إذا لم يوف بثمن
المبيع ( الدين المضمون بالرهن ) ،كان من حق المشتري ( الدائن المرتهن ) أن
يتملك هذا العقار ( المال المرهون ) مقابل ثمن ال يعكس القيمة الحقيقية لهذا
العقار.
ج -قد ُيتخذ بيع الوفاء وسيلة للتحايل على القواعد اآلمرة المتعلقة بالفوائد،
والتي تحظر االتفاق على فائدة يزيد سعرها على .% 7فقد يستغل المشتري
ظروف البائع وحاجته للمال ووضعه في االعتبار احتمالية استرداد البائع للمبيع،
ويذكر في عقد بيع الوفاء ثمناً أكبر من الثمن الذي دفعه المشتري ( المقرض )،
فإذا حل الموعد المتفق عليه وأراد البائع ( المقترض ) استرداد المبيع ،وجب عليه
أن يدفع للمشتري الثمن المذكور في العقد وليس الثمن الفعلي الذي دفعه المشتري
للبائع .2
ويعتبر بيع الوفاء باطالً أيضاً ،إذا كان الغرض منه احتفاظ البائع بحقه في
استرداد المبيع إذا رد الثمن والمصروفات للمشتري ،على الرغم من صحة ذلك
األمر وفقاً لما تقضي به القواعد العامة من جواز تعليق انتقال الملكية على شرط
فاسخ وهو عدول البائع عن البيع في المدة المتفق عليها أي مهلة االسترداد .وذلك
بهدف سد جميع طرق التحايل على القانون بشأن مثل هذا البيع.
الحق المتنازع عليه هو حق قائم وموجود وجائز التعامل فيه ،فيمكن لصاحبه
أن ينزل عنه للغير في مقابل ثمن منخفض ،ويرجع انخفاض الثمن لوجود نزاع
قائم بشأن الحق المتنازل عنه للغير .ويجوز للمشتري أن يشتري هذا الحق المتنازع
عليه مع علمه بذلك ،أي أن يشتري قابالً لتحمل مخاطر ما يقدم عليه .1
إذا كـ ـان ( مـ ـازن ) صـ ـاحب حـ ـقاً م ـا ،كـ ـملكية عقار مثالً ،وحدث أن نازعه
( مالك ) في هـ ـذه الـ ـملكـ ـية برفع دعوى قضائية مدعياً ملكيته لهذا العقار .فخشي
( مازن ) من سلوك طريق القضاء بسبب ما يدعيه ( مالك ) واحتمالية الحكم له
بما يدعي ،لذلك قرر بيع العقار ل ـ ( حسن ) والذي اشتراه بثمن قليل يحمل معنى
المضاربة خشية أن ُيحكم لـ ( مالك ) بما يدعيه.
وال ُيعمل برخصة االسترداد إال في الحالة التي يكون فيها المشتري أو
المتنازل إليه على علم بالنزاع الوارد على الحق الذي اشتراه .أما إذا انتفى هذا
العلم من جانب المشتري ،كأن كان جاهالً بهذا النزاع ،فال يجوز استعمال رخصة
االسترداد في مواجهته؛ النتفاء قصد المضاربة في هذه الحالة.
ولقد عنى المشرع بتوفير أقصى حماية قانونية ألصحاب الحقوق المتنازع
عليها ،وذلك عن طريق أمرين هما:
أ -األمر األول :ويتمثل في منح صاحب الحق المتنازع عليه ،رخصة
استرداد هذا الحق من المشتري .ونظم المشرع ذلك األمر في المادتين ( ، 114
) 175من القانون المدني.
ب -األم ـر الثاني :ويتمثل في الحظر الذي فرضه المشرع على بعض
األفراد -ممن يكون لهم عالقة بالحق المتنازع عليه – من التعامل في هذا الحق.
ونظم المشرع ذلك األمر في المادة ( ) 171من القانون المدني ،والخاصة بحظر
القضاة وأعضاء النيابة وكتبة المحاكم والمحضرين من التعامل في الحق المتنازع
عليه .وكذلك في المادة ( ) 172من القانون المدني ،التي تحظر على المحامين
- 1د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 491؛ د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق،
ص .711
227
مثل هذا التعامل .ولقد سبق بيان هاتين الحالتين بصدد حديثنا عن القيود التي ترد
على أهلية إبرام عقد البيع.
المبحث الول
سنتناول دراسة شروط االسترداد في مطلب أول ،يعقب ذلك التعرض لكيفية
االسترداد وما يلتزم المسترد برده في مطلب ثان .وذلك على النحو التالي:
المطلب الول
بينت المادة ( ) 114من القانون المدني ،الشروط التي يلزم توافرها إلعمال
رخصة االسترداد .وتتمثل هذه الشروط فيما يلي:
ويشترط أن
أ -حالة ما إذا كان موضوع الحق قد ُرفغت به دعوى قضائيةُ :
تتعلق هذه الدعوى بموضوع الحق أو أصله ،كما إذا تعلق األمر بإنكار وجود
الحق أو إنكار مضمونه ونطاقه ،أو إدعاء انقضائه بأي سبب .أما إذا تعلق األمر
بمجرد وضع العراقيل في سبيل المطالبة بهذا الحق أو في سبيل مباشرة صاحب
228
الحق لحقه ،فال يعد ذلك منازعة في الحق تجيز إعمال رخصة االسترداد ،كما لو
اكتفى المدعى عليه بالدفع بعدم اختصاص المحكمة أو بانتفاء صفة المدعي في
الدعوى أو ببطالن صحيفة الدعوى .1
ويظل الحق متنازعاً عليه طول مدة عرضه أمام القضاء ،بل ولو صدر حكم
في الدعوى لم يستننفذ طرق الطعن العادية ( المعارضة واإلستئناف ) .فإذا استنفذ
الحكم طرق الطعن العادية ،أصبح الحق غير متنازع عليه ،مالم ُيطعن عليه
بطرق الطعن غير العادية ( النقض والتماس إعادة النظر ) وُيقبل هذا الطعن،
فهنا يعود الحق للتنازع عليه مرة أخرى .2
ب -حالة ما إذا قام في شأن الحق نزاع جدي :ففي هذه الحالة ال ُيشترط
رفع دعوى قضائية لكي يكون الحق متنازعاً عليه ،بل يكفي قيام نزاع جدي بشأنه.
كأن يغتصب شخص أرض غيره ،فيتقدم صاحب األرض بشكوى إلى الجهة
اإلدارية ،فيدعي المغتصب ملكيته لهذه األرض .ويستوي في هذا الشأن – في
التشريع المصري -أن يقع النزاع الجدي في مجلس القضاء أو خارجه ،على
عكس المشرع الفرنسي الذي استلزم ضرورة قيام النزاع الجدي أمام القضاء .3
وتقدير قيام النزاع وجديته وقيام الظروف والوقائع التي ُيستخلص منها قيام
النزاع ،يعد من المسائل الموضوعية التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع دون
رقابة عليه من محكمة النقض .غير أن تكييف الوقائع واستخالص ما إذا كانت
تؤدي إلى اعتبار الحق متنازعاً فيه أم ال ،فهو من المسائل القانونية التي تخضع
لرقابة محكمة النقض .4
أ -التساؤل الول :هل ُيشترط في المقابل الذي يتقاضاه المتنازل من
المتنازل له أن يكون نقداً؟ أي هل يلزم أن يكون النزول عن الحق قد تم عن
طريق البيع؟
يرى بعض الفقه ضرورة أن يكون مقابل النزول عن الحق نقداً؛ تأسيساً على
صراحة المادة ( ) 114في أن االستراد يكون مقابل رد " الثمن " ،وهذا األخير ال
يكون إال في البيع فقط ،باإلضافة إلى نظام االسترداد كله هو نظام استثنائي فال
يجوز التوسع فيه .1
غير أن الرأي الراجح يرى أنه ال يشترط أن يكون مقابل االسرداد نقدي ،وال
يقتصر نطاقه على البيع فقط ؛ ألن التصرف الذي يترتب عليه الحق في
االسترداد ،هو كل تصرف يحمل معنى المضاربة ،وغالباً ما يكون بيعاً ،لذلك نظم
المشرع أحكام رخصة االسترداد في الفصل الخاص بالبيع .غير أن ذلك ال يعني
اقتصار االسترداد على البيع فقط ،بل يجوز االسترداد سواء كان التصرف بيعاً أو
مقايضةً أو ايجا اًر؛ ومرجع ذلك هو عموم نص المادة ( ) 114التي نصت على
أنه ":إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل عنه صاحبه إلى شخص آخر .2" .......
- 1د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص 492 ،497؛ د توفيق حسن فرج ،المرجع
السابق ،ص .711
- 2د سمير عبدالسيد تناغو ،المرجع السابق ،ص .191
230
باإلضافة إلى أن المشرع تعمد أال يعبر عن التصرف بين المتنازل والمتنازل
له بلفظ البيع وانما قال " إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل عنه صاحبه بمقابل "،
كما تجنب أن يعبر عن المتصرف إليه بلفظ المشتري وانما عبر عنه بلفظ "
المتنازل له " .ولو كان يقصد – أي المشرع – قصر االسترداد على البيع وحده،
لعبر عن ذلك صراحة كما فعل في استرداد الحصة الشائعة وفي الشفعة .1
ب -التساؤل الثاني :هل ُيشترط الستعمال رخصة االسترداد في حالة البيع،
أن يكون البيع اختيارياً؟ أم أنه يجوز استعمالها في حالة البيوع القضائية؟
يرى بعض الفقه أنه ال يجوز استعمال رخصة االسترداد إال بصدد البيوع
االختيارية دون البيوع اإلجبارية؛ ألن نص المادة يقول " نزل عنه صاحبه " وهذا
أمر ال يمكن تفسيره أو انطباقه إال على البيوع االختيارية .باإلضافة إلى أنه في
حالة البيوع القضائية يكون الباب مفتوحاً أمام الجميع ،مما يعني انتفاء شبهة
المضاربة واالستغالل لدى الراسي عليه المزاد .ناهيك عن أن أجازة االسترداد في
البيوع القضائية ،سيترتب عليه إحجام الناس عن الدخول في المزاد .2
ويعني هذا الشرط أن يكون المشتري عالماً بأنه يشتري حقاً متنازعاً
عليه.حيث إنه ال ُيعمل برخصة االسترداد في الحالة التي يكون فيها المشتري أو
المتنازل له ال يعلم بالنزاع الوارد على الحق الذي اشتراه .وعلى ذلك إذا انتفى هذا
رابعاً :أال يتعلق المر بحالة من الحاالت التي منع المشرع االسترداد فيها:
أ -حالة ما إذا كان الحق المتنازع عليه داخالً ضمن مجموعة أموال بيعت
جزافاً بثمن واحد :وخير مثال على ذلك هو حالة بيع التركة ،فإذا كانت هذه
األخيرة مشتملة على عقار ينازع الغير في ملكية المورث له ،فال يجوز االسترداد؛
إلنتفاء قصد المضاربة لدي المشتري؛ حيث إنه لم يشتر الحق المتنازع عليه لذاته
بل باعتباره عنص اًر من عناصر االستحقاق في التركة التي ورد عليها البيع .2
غير أن منع االسترداد هنا مشروط بأن يكون الحق المتنازع عليه قد تم بيعه
وحدد الثمن فيه
ضمن مجموعة أموال بيعت جزافاً بثمن واحد ،ولكن إذا تم البيع ُ
على أساس مفردات هذا المال ،جاز االسترداد هنا؛ ألن الحق لم يفقد ذاتيته في
هذه الحالة .3
ب -حالة ما إذا كان الحق المتنازع عليه شائعاً بين ورثة أو مالك وباع
أحدهم نصيبه لآلخر :فهنا ال يجوز االسترداد تأسيساً على انتفاء قصد المضاربة.
ويظهر هذا اإلنتفاء في أن الغرض من هذا البيع غالباً ما يهدف إلى تقليل عدد
غير أن حظر االسترداد هنا مشروط بأن يكون الحق المتنازع عليه شائعاً
بين مجموعة ورثة أو مجموعة مالك على الشيوع .ويلزم أيضاً ،أن يتم البيع من
أحد الورثة أو أحد المالك لوارث آخر أو شريك آخر .وعلى ذلك ،فإذا تم البيع
ألجنبي ،جاز إعمال رخصة االسترداد من قبل المتنازل ضده أو المسترد.2
وفاء للدين
ً ج -حالة ما إذا نزل المدين للدائن عن حق متنازع عليه
المستحق في ذمته :فهنا ُيعلل حظر االسترداد؛ ألن غالباً ال يقصد الدائن من هذا
الشراء المضاربة بقدر ما يكون هدفه هو الحصول على دينه بشرائه الحق المتنازع
عليه .فالدائن يستوفي حقه أكثر مما يشتري حقاً متنازعاً عليه ،وذلك على حد
تفسير المذكرة اإليضاحية لحظر االسترداد في هذه الحالة .3
د -حالة ما إذا كان الحق المتنازع عليه يثقل عقا ارً وبيع الحق لحائز
العقار :والفرض هنا أن شخصاً اكتسب ملكية عقار مرهون ،وتفادياً لنزع ملكيته،
قام بشراء الحق المضمون بهذا الرهن ليطهر العقار منه – أي من الرهن . -وفي
هذه الحالة ال يجوز االسترداد؛ ألن غرض الحائز من الشراء ليس المضاربة ولكن
فعلى سبيل المثال :إذا كان ( مازن ) دائناً لـ ( مالك ) بمبلغ خمسة آالف
ج ـ ـنيهاً ،وك ـ ـان ه ـذا ال ـ ـدين مـ ـ ـتن ـ ـازعاً عـ ـ ـليه وم ـ ـضموناً بـ ـرهن على عقار مملوك لـ
( مالك ) باعـ ـ ـتباره م ـديناً راهـ ـ ـ ـناً ،ثم قـ ـ ـ ـام ه ـ ـذا األخـ ـ ـير ب ـ ـبيع العقار المرهون إلى
( حسن ) أو ( حائز العقار المرهون ) .فإذا اشترى ( حسن ) الحق المضمون
بالرهن من ( مازن ) بمبلغ أربعة آالف جنيهاً ،فال يحق لـ ( مالك ) استرداده منه
– أي من حسن – ودفع المبلغ الذي بيع به الحق؛ ألن ( حسن ) باعتباره حائ اًز
للعقار المرهون لم يكن يهدف من شراء الحق أن يضارب به ،ولكنه قصد تفادي
رجوع الدائن المرتهن عليه وتخليص عقاره من الرهن الذي يثقله.
المطلب الثاني
ي ـتم است ـ ـرداد الح ـ ـق المـ ـ ـتنازع علـ ـ ـيه ،ع ـن طريق طلب يوجهه المتنازل ضده
( المسترد ) إلى المتنازل له ( المشتري ) ،يبين له فيه رغبته في استرداد الحق
المتنازل عنه .وتختلف طريقة تقديم هذا الطلب بحسب ما إذا كان هناك دعوى
قضائية مرفوعة بشأن هذا الحق أم ال .وعلى ذلك ،نفرق في هذا الشأن بين
فرضين هما:
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 281؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع
السابق ،ص .114
234
أ -الفرض الول :إذا لم يكن هنا دعوى مرفوعة بشأن الحق المتنازع عليه،
وانما يوجد بشأنه نزاع جدي :وهنا ُيقدم طلب االسترداد في صورة إعالن يوجهه
المتنازل ضده إلى المتنازل له .ويتم اإلعالن في أية صورة يعبر فيها المتنازل
ضده عن رغبته في االسترداد .وال ينتج هذا اإلعالن أثره إال من وقت وصوله إلى
علم المتنازل له .1
ب -الفرض الثاني :إذا كان هناك دعوى مرفوعة بشأن الحق المتنازع عليه:
وهنا إذا كانت هناك دعوى قائمة بين المتنازل والمتنازل ضده حول الحق المتنازع
عليه للفصل في هذا النزاع ،وكان الدائن قد تنازل عن هذا الحق ،كان للمتنازل له
أن يتدخل في الدعوى طالباً الحكم له بحقه الذي اشتراه ،ويتم ذلك بالطريق العادي
الذي يحصل به التدخل .ففي هذه الحالة يجوز للمتنازل ضده أن يطالب باسترداد
الحق موجهاً طلبه إلى المتنازل له ال إلى المتنازل .ويحق للمتنازل ضده في هذه
الحالة أيضاً أن يدخل المتنازل له في الدعوى القائمة بينه وبين المتنازل ويطالبه
فيها باسترداد الحق.
وأحياناً يحدث ،أن يرفع المتنازل له دعوى على المتنازل ضده يطالبه فيها
بالحق الذي اشتراه ،فهنا يجوز للمتنازل ضده أن يطلب االسترداد ،على النحو
الذي يبدى به الطلبات طبقاً لما يقضي به القانون .2
- 1د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص 721؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق،
ص .111
- 2د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص .722
- 3د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .711
235
إذا ما نازع المسترد أوالً في ثبوت الحق أو انقضائه أو بطالن التنازل عنه ثم
تمسك بعد ذلك باالسترداد .1
وفي ج ـ ـمي ـ ـع األحـ ـ ـوال ،يـ ـ ـج ـ ـب أن يـ ـ ـوجـ ـ ـه ط ـ ـلب االسترداد إلى المتنازل له
( المشتري ) وحده؛ ألنه هو فقط الخصم في االسترداد .ولم يشترط القانون ميعاد
معين يلزم أن يتم إعالن الرغبة في االسترداد خالله ،لذلك يظل استعمال رخصة
االسترداد قائماً ما دام الحق موضوع االسترداد متنازعاً عليه ،إلى أن يسقط الحق
في االسترداد نفسه بالتقادم بمرور خمس عشرة سنة من وقت نشوئه أي من وقت
التنازل عنه أو بيعه إلى المشتري أو المتنازل له .2
وي ـ ـ ـكفي لثبوت الحق في االسترداد – وفقاً للرأي الذي نرجحه في هذه
المسألة – أن يعلن المسترد المتنازل له برغبته في االسترداد دون أن ُيقترن
االسترداد بدفع المبالغ التي يلزمه بها القانون ،ودون أن يعرضها عليه عرضاً
حقيقياً أو يودعها خزانة المحكمة .ويرجع ذلك لسببين هما:
أ -أن المتنازل ضده أو المسترد وهو المدين الذي يباشر االسترداد ليس
مديناً للمتنازل له ،ولكنه يستعمل حق يخوله إياه القانون .واذا كانت مباشرته لهذا
الحق تفرض عليه القيام ببعض التزامات يقررها القانون كدفع الثمن وفوائده
والمصروفات األخرى ،إال أن المسترد ال يلتزم بهذه األمور إال إذا تقرر الحق في
االسترداد .3
ب -أن المشرع لو أراد تعليق المطالبة باالسترداد على دفع المبالغ التي يلزم
القانون المسترد بدفعها أو عرضها عرضاً حقيقياً أو إيداعها خزانة المحكمة ،لنص
على ذلك بصورة صريحة ،كما هو منصوص عليه في حالة األخذ بالشفعة.
وباإلضافة إلى الثمن الحقيقي ،يلتزم المسترد أيضاً بدفع فوائد هذا الثمن
من التاريخ الذي دفعه فيه المتنازل له إلى المتنازل ،وليس من تاريخ المطالبة
القضائية ،كما تقضي بذلك القواعد العامة .ويلتزم المسترد كذلك بدفع المصروفات
التي صرفها المتنازل له سواء في سبيل إبرام عقد التنازل ومصاريف السمسرة
والتسجيل وأتعاب المحامي ،أو المصروفات التي تحملها المتنازل له في الدعاوى
التي رفعها .2
يترتب على استرداد الحق المتنازع عليه ،وجود ثالث عالقات قانونية.
األولي بين المسترد والمتنازل له ،والثانية بين المتنازل والمتنازل له ،والثالثة بين
المتنازل والمسترد .وذلك على التوضيح اآلتي:
أوالً :آثار االسترداد في العالقة بين المسترد أو المتنازل ضده والمتنازل له:
يرى بعض الفقه أن العالقة بين المسترد والمتنازل له ،تؤسس على اعتبار
األول خلفاً خاصاً للثاني ،حيث إن المسترد يشتري الحق المتنازع عليه من
المتنازل له .ويترتب على هذا التكييف ،سريان كافة التصرفات التي قد أبرمهما
المتنازل له في الفترة ما بين شراء الحق المتنازع عليه وبين استرداده في مواجهة
المسترد .1
بينما يؤسس الرأي الراجح في الفقه هذه العالقة على قواعد الحلول ،أي أن
المسترد يحل محل المتنازل له بأثر رجعي ،بما يعني أن المشتري أو المتنازل له
لم يكن مشترياً للحق المتنازع عليه في يوم من األيام .ويترتب على هذا التكييف،
أن جميع التصرفات والحقوق التي رتبها المتنازل له للغير على الحق المتنازل عنه
في الفترة مابين الشراء أو النزول واالسترداد ،تزول بأثر رجعي وال ُيحتج بها في
مواجهة المسترد .2
وفقاً إلعمال فكرة حلول المسترد محل المتنازل له – وفقاً للرأي الراجح ، -
فإن ذمة المشتري أو المتنازل له تب أر في مواجهة البائع أو المتنازل .غير أن
أنصار هذه الفكرة أنفسهم ،تحفظوا بشأن أثر هذا الحلول في العالقة بين المتنازل
والمتنازل له ،أي أن االسترداد ال يؤثر علي عالقتهما .وهذا األمر يترتب عليه،
أحقية البائع أو المتنازل في مطالبة المتنازل له بالثمن وااللتزامات األخرى الناشئة
عن عقد البيع أو عقد التنازل.
واذا كان المتنازل له ال يستطيع الرجوع على البائع بالضمان في الحالة التي
ينتزع فيها المسترد المبيع منه؛ فذلك ألنه – أي المشتري أو المتنازل له – قد
اشترى ساقط الخيار؛ لكونه كان على علم بالنزاع حول الحق الذي اشتراه ،مالم
يكن المتنازل له جاهالً بهذا النزاع ،األمر الذي يخول له حق الرجوع على المتنازل
بالضمان والتعويض .1
ال يترتب على االسترداد نشوء عالقة مباشرة بين المتنازل والمسترد؛ فهذا
األخير ال يتلقى الحق من المتنازل ولكنه يتلقاه من المتنازل له .وهذا األمر يترتب
عليه عدم جواز مطالبة المتنازل للمسترد مباشرة بالثمن إذا لم يكن المتنازل له –
أي المشتري -قد أداه له ،وان كان يجوز للمتنازل الرجوع على المسترد مستعمالً
في ذلك حقوق مدينه – أي المتنازل له – وبقدر ما لهذا المدين من حقوق .2
ويعد هذا الحكم تحفظاً آخر على إعمال فكرة الحلول في العالقة بين المسترد
والمتنازل له .ألن إعمال هذه الفكرة وفقاً للقواعد العامة ،يقتضي أن يحل المسترد
الفصل الثالث
بــــــيــــــع الــــــتــــــركـــــة
بيع التركة ،هو ذلك البيع الذي يبيع فيه الوارث جملة ما يؤول إليه من مورثه
أو بعضه جزافاً وبثمن واحد ،دون تفصيل لمشتمالت هذه التركة ،ودون تحديد ثمن
كل مال من األموال التي تشتمل عليها التركة .1
وبيع التركة ال يكون إال بعد وفاة المورث وثبوت الحق في الميراث .أما إذا
حدث بيعاً قبل وفاة المورث ،كان مصيره البطالن المطلق؛ لكونه تصرف في تركة
انسان على قيد الحياة .2ويجب أال يكون المبيع ماالً معينا من أموال التركة أو
عدداً آخر من هذه األموال بصورة محددة؛ ألنه لو كان كذلك لما كان بيعاً لتركة
وانما بيعاً عادياً وتنطبق عليه األحكام العامة في عقد البيع.
أ -التزام البائع بنقل الملكية :ويتمتع هذا االلتزام بخصوصية تميزة عن
االلتزام بنقل الملكية في البيوع العادية؛ وذلك ألن في حالة بيع التركة ال يكون
المبيع واحداً أو شيئاً محدداً حتى يتسنى لنا القول بطريقة نقل ملكيته ،بل هو –
أي المبيع – مجموع من الحقوق ويحتفظ كل حق بكيانه.
لذلك فإن التزام البائع في بيع التركة بنقل الملكية يجب أن تُراعى فيه
اإلجراءات القانونية الالزمة لنقل الملكية إلى المشتري .وتتحدد طريقة هذا النقل
على حسب نوع المبيع .فإذا كان هذا األخير منقوالً معيناً بالذات ،فإن ملكيته تنتقل
بمجرد العقد .واذا كان المبيع معيناً بنوعه ،فإنها تعتبر معينة بالذات ألن بيع
التركة هو بيع جزاف تنتقل به ملكية المنقوالت المادية بمجرد العقد سواء كانت
معينة بالذات أو بالنوع .1
واذا كان المبيع حقاً شخصياً وبيع بالحوالة ،فإن هذا الحق ينتقل فيما بين
المتعاقدين بمجرد العقد .وال ُيحتج بهذا االنتقال على المدين إال بقبوله لهذه الحوالة
أو إعالنه بها .أما بالنسبة للغير ،فال ُيحتج عليه بانتقال الحق إال بإعالن المدين
بالحواله أو قبوله لها قبوالً ثابت التاريخ .2واذا كان المبيع عقا اًر ،فلن تنتقل ملكيته
سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير إال بالتسجيل ،وذلك على النحو الذي
بيناه في موضعه.
وتتحدد مشتمالت التركة بوقت وفاة المورث وليس بوقت البيع .3وعلى
ذلك إذا استوفى البائع في الفترة ما بين الوفاة والبيع ،بعض ديون التركة أو باع
واجماالً لما تقدم ،فإن التزام البائع بنقل الملكية في بيع التركة ،يشمل جميع
أع يان التركة الموجودة وقت البيع ،وثمن ما باعه الوارث من قبل ،وقيمة الديون
التي استوفاها ،وما حصل عليه من ثمار أموال التركة من وقت وفاة المورث،
وكذلك التعويضات التي حصل عليها عن الضرر الذي أحدثه الغير بأموال
التركة ،وما تبرع به البائع من أموال التركة .بشرط أال يوجد اتفاق صريح في عقد
البيع يقضي باسقاط أياً من األشياء السابقة من التزام البائع بنقل الملكية .2
ب -التزام البائع بتسليم المبيع :تظهر خصوصية االلتزام بتسليم المبيع
في حالة بيع التركة ،في أن البائع يلتزم بتسليم التركة بالحالة التي كانت عليها
وقت وفاة المورث أو وقت افتتاحها ،وليس بالحالة التي كانت عليها وقت العقد
طبقاً للقواعد العامة في عقد البيع .3
ج -التزام البائع بضمان المبيع :يتميز التزام البائع بالضمان في بيع
التركة عن التزامه به في البيوع العادية .حيث إن البائع في بيع التركة ال يضمن
أعيان التركة نفسها سواء من حيث وجودها أو وجود حقوق معينة بها ،بل كل ما
يضمنه هو ،وجود تركة مفتوحة ،وثبوت صفته باعتباره وارثاً فيها ،وأن نصيبه في
هذه التركة هو النصيب المعين في العقد؛ وذلك ألن البائع هنا ال يبيع أمواالً
غ ـ ـير أن ال ـ ـح ـ ـكم الـ ـ ـمتـ ـ ـقدم ال يت ـعلق بالنظام العام وفقاً لما جاء في المادة
( ) 173مدني .بمعني أنه يجوز االتفاق على أن يضمن البائع في بيع التركة،
وجود مال أو حق معين ،بحيث إذا لم يوجد هذا المال أو الحق ،كان بائع مخالً
بالتزامه ومن ثم وجب عليه الضمان.
وفقاً لما نصت عليه المادة ( ) 171من القانون المدني ،فإن المشتري
يلتزم بدفع ثمن المبيع وفوائده ومصروفات البيع وتكاليف المبيع .ويلتزم أيضاً بأن
يتسلم المبيع في الزمان والمكان المحددين لذلك .وذلك وفقاً للقواعد العامة في عقد
البيع.
وباإلضافة إلى ما تقدم ،فإن المشتري يلتزم بأن يرد إلى البائع ما قد يكون
وفاه هذا األخير من ديون على التركة؛ وذلك ألن المبيع في بيع التركة ،يتحدد
بصافي نصيب الوارث في التركة بعد خصم ما عليها من ديون .واذا كان البائع
دائناً للمورث ،تحمل المشتري نصيب الحصة المبيعة في هذا الدين ،ويحق للبائع
أن يخصمه من المبيع .مالم يتفق المتعاقدين على غير ذلك .2
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 154؛ د محمد شكري سرور ،المرجع السابق،
ص .721
- 2د محمد شكري سرور ،المرجع السابق ،ص .721
243
الفصل الرابع
يقتضي التعرض لدراسة البيع في مرض الموت ،أن نحدد تعريف المريض
مرض الموت ( أوالً ) .وبيان حكم تصرفات المريض مرض الموت ( ثانياً ).
ووضع الغير حسن النية من تصرفات المريض مرض الموت ( ثالثاً ).
عرف فقهاء الشريعة اإلسالمية مرض الموت بأنه ":المرض الذي يكون
المريض به عاج اًز عن القيام بمصالحه وقضاء حاجاته خارج المنزل إن كان رجالً
أو داخل المنزل إن كان إمرأة ،ويغلب فيه الهالك ،ويتصل به الموت ولو بسبب
آخر غير المرض ،سواء ألزمه الفراش أو لم يلزمه " .1
وعلى ذلك ،فإنه ُيشترط العتبار المرض مرض موت ،أن يكون من
األمراض التي يغلب فيها الهالك ،هذا من ناحية .ومن ناحية أخرى ،أن يتصل
الموت بهذا المرض بالفعل حتى ولو لم يكن الموت من هذا المرض بل كان نتيجة
حادث آخر مثل الحريق أو الغرق أو القتل . 2ألن العبرة هنا بالحالة النفسية التي
تلحق بالمريض بسبب علمه بمرضه الذي يغلب عليه الهالك ،وليس بسبب
الموت.
- 1األستاذ عمر عبدهللا ،أحكام الشريعة اإلسالمية في األحوال الشخصية؛ مشار إلية في /د
توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص .714
- 2د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 121وما بعدها؛ د سليمان مرقس ،المرجع
السابق ،ص 225؛ د توفيق حسن فرج ،المرجع السابق ،ص 714؛ د حمدي محمد عطيفي،
المرجع السابق ،ص .111
244
وال يلزم لكي يكون المرض مرض موت ،أن يعجز صاحبه عن القيام
بمصالحه خارج البيت أو داخله ،بل يكفي أن يكون المرض من األمراض التي
تسبب الموت عادة كالسرطان والذبحة الصدرية .ويجب أن يعلم المريض بهذا
المرض؛ ألن المعول عليه كما ذكرنا هو ما يبعثة المرض من حالة نفسية في
نفس المريض تشعره بدنو أجله على نحو ال يجعله مدركاً لتصرفاته .ويلحق
بالمرض من هذه الناحية كل خطر يحيط بالشخص ويجعل موته قريب االحتمال
كالمحكوم عليه باإلعدام والراكب في سفينة على وشك الغرق .1
والمرجع في تقدير غلبة الهالك على مرض الشخص ،هو رأي أهل الخبرة
من األطباء .ورغم ذلك ،فإن القضاء يجري على نفي غلبة الهالك على مرض
الشخص ،إذا أُزمن هذا الشخص وظل على حاله دون أن يشتد ألكثر من سنة،
بحيث إذا مات المريض بعد أكثر من سنة من بدء مرضه هذا الذي لم يشتد ،فال
يعتبر أنه مات في مرض موته ،وال يعتبر تصرفه خالل هذا المرض تصرفاً في
مرض الموت .غير أن إذا اشتد المرض بعد ذلك حتى انتهى بالموت فعالً قبل
انقضاء سنة من اشتداده ،اُعتبر ذلك مرض موت ،ويعد التصرف الذي صدر بعد
اشتداده تصرفاً في مرض الموت .2
وال تثور مسألة بحث تصرفات المريض مرض الموت ،إال بعد حدوث الموت
بالفعل ،أما قبل ذلك فتصرف الشخص سليم وال يجوز الطعن عليه .3
وعلى الرغم من أن مرض الشخص ال يؤثر على سالمة أهليته ،إال أن
المشرع أجاز للورثة الطعن على تصرفات مورثهم التي تحدث في مرض موته؛
صيانة لحقوقهم التي تتعلق بأموال مورثهم بمجرد وفاته بسبب مرض الموت.
جاء التنظيم التشريعي لتصرفات المريض مرض الموت ،في المواد ( ، 177
) 174 ، 411من القانون المدني .ومن مجمل هذه النصوص ،نفرق بين
تصرفات المريض التي تتم تبرعاً ،وبين تصرفاته التي تتم معاوضة:
-1بالنسبة لحكم تصرفات المريض مرض الموت التي تتم تبرعاً :وهذه
التصرفات تعتبر مضافة إلى ما بعد الموت وتسري عليها أحكام الوصية .وتقضي
هذه األحكام بأنه ال يجوز أن تتجاوز قيمة هذه التصرفات ثلث التركة .أما إذا
جاوزت الثلث ،فال يسري هذا التجاوز في حق الورثة مالم يقروه .وذلك على أساس
أن الحد األقصى المسموح للشخص اإليصاء به من تركته هو الثلث فقط .
-5بالنسبة لحكم تصرفات المريض مرض الموت التي تتم معاوضة :فإذا
أجرى المريض تصرفاً وأخذ مقابالً من المتصرف إليه ،ولم يطعن الورثة على هذا
التصرف كان صحيحاً .أما إذا أدعى الورثة بأن التصرف كان تبرعاً وليس
معاوضة ،فيكفيهم لصحة هذا اإلدعاء أن يثبتوا أن تصرف مورثهم إلى الغير قد
صدر منه في مرض موته .فإذا نجحوا في ذلك ،اُعتبر التصرف تبرعاً ،وتسري
عليه أحكام الوصية وال يسري في مواجهتهم إال في حدود ثلث التركة.
ويحق للورثة إثبات ذلك بكل طرق اإلثبات بما في ذلك البينة والقرائن.
وتيسي اًر من المشرع على الورثة في مسألة صدور التصرف في مرض الموت ،قرر
أ -الفرض الول :إذا كان الثمن الذي دفعه المشتري ،سواء دفعه لوارث أو
غير وارث ،يساوي القيمة الحقيقية للمبيع وقت موت المورث أو كان يزيد على هذه
القيمة :فهنا ينفذ التصرف الصادر من المورث في مواجهة الورثة دون أن يتوقف
هذا النفاذ على أجازة الورثة ،وال يحق لهم الطعن عليه.
ب -الفرض الثاني :إذا كان الثمن الذي دفعه المشتري يقل عن القيمة
الحقيقية للمبيع وقت الموت ،دون أن يتعدى الفارق بين الثمن المدفوع والقيمة
الحقيقية للمبيع ثلث التركة بما فيها المبيع ذاته :وهنا أيضاً ينفذ تصرف المورث
في مواجهة الورثة دون أن يتوقف ذلك على أجازة الورثة.
ج -الفرض الثالث :إذا كان الثمن الذي دفعه المشتري يقل عن قيمة المبيع
الحقيقية وقت الموت بما يزيد على ثلث التركة بما فيها المبيع ذاته :فنظ اًر لتجاوز
البيع ثلث التركة ،فإنه ال يسري في حق الورثة إال بأحد أمرين:
- 1د عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص 187وما بعدها؛ د حمدي محمد عطيفي،
المرجع السابق ،ص .115 ،111
247
* المر الول :أن يقر الورثة القدر الزائد عن ثلث التركة أو ما يسمى
بالقدر المحابى فيه .ويلزم أن يصدر اإلقرار بعد وفاة البائع المورث ،وأن يكون
المقر عالماً بالمحاباة الموجودة في البيع وقاصداً إق ارره رغم ذلك .ويجب كذلك أن
تتوافر في المقر أهلية التبرع أي بلوغه سن الرشد.
* المر الثاني :إذا لم يقر الورثة القدر المحابى فيه والذي يزيد عن ثلث
التركة ،التزم المشتري بأن يرد للتركة ما يكفي لتكملة ثلثيها ،بحيث ال يكون نافذاً
في األخير في مواجهة الورثة إال التصرفات التي يجريها المورث في حدود ثلث
التركة فقط .
قرر المشرع حماية قانونية للغير الذي يتعامل مع مشتري العين من المريض
م ـ ـ ـرض الموت ،وذلك في المادة ( ،) 174والتي قررت عدم سريان أحكام المادة
( ) 177على الغير في حالة كسبه بحسن نية بعوض حقاً عينياً على العين
المبيعة.
وترتيباً على ذلك ،فإذا كان المشتري من المورث قد رتب حقاً عينياً بمقابل
على العين المبيعة كرهن أو ارتفاق أو انتفاع ،أو كان المشتري قد باع العين كلها
أو بعضها للغير ،وكان هذا الغير حسن النية ال يعلم بصدور البيع في مرض
الموت ،فـ ـ ـال ي ـ ـج ـ ـوز تـ ـطبيق أحكام البيع في مرض الموت والتي وردت في المادة
( ) 177على هذا الغير.
248
وهذا يعني أن حق الغير حسن النية يظل نافذاً رغم صدور التصرف األول
في مرض الموت ،فال يسقط الرهن أو االرتفاق أو االنتفاع الذي تقرر له وال ُيفسخ
عقد البيع الصادر له من المشتري .1
- 1د محمد علي عمران ،المرجع السابق ،ص 142؛ د محمد شكري سرور ،المرجع السابق،
ص 711؛ د حمدي محمد عطيفي ،المرجع السابق ،ص .114
249
الــــــفـــهــــرس
الصفحة الموضوع
مقدمة عامة 3 ..............................................................
المبحث الثاني :األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع وحدودها 11 ...................
المطلب األول :نوع األهلية الالزمة إلبرام عقد البيع وقيودها 10 ................
المبحث الثالث :بعض الصور الخاصة للرضا في عقد البيع 21 ...............
250
الفصل الول :التزامات البائع 04 ............................................
الفرع الخامس :أثر التسجيل عند تزاحم المشترين لذات العقار 47...............
251
المطلب األول :التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي 124 ...................
الفرع األول :شروط قيام التزام البائع بضمان تعرض الغير 134 ...............
المطلب الرابع :ضمان توافر صفة معينة في المبيع وضمان صالحيته للعمل مدة
معينة 144 ..................................................................
المبحث الثاني :التزام المشتري بتكاليف المبيع ومصروفات عقد البيع 211 .....
252
المبحث الثالث :التزام المشتري بتسلم المبيع 211...............................
اه ْم فيها ُس ْبحانك اللَّـهُ َّم وتحَّيتُهُ ْم فيها سال ٌم وآخ ُر
*"د ْعو ُ
ب اْلعالمين" اه ْم أن اْلح ْم ُد للَّـه ر ِّد ْعو ُ
﴿يونس﴾٠١ :
253