You are on page 1of 35

‫مدخل اىل تاريخ الفقه وتشريع‬

‫اإلسالمي‬
‫مدخل اىل تاريخ الفقه وتشريع اإلسالمي‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫‪ .1‬مفهوم الفقه‪:‬‬

‫الفقه في اللغة‪ :‬الفهم‪ .‬واختلف العلماء حوله فذهب فريق الى أنه هو مطلق الفهم ‪ ،‬وذهب‬
‫المحققون الى أنه هو الفهم الدقيق العميق النافذ الى جوهر األشياء وحقيقتها وفي ذلك يقول تعالى "‬
‫فما لهؤالء القوم اليكادون يفقهون حديثا " وقال الرسول الكريم عليه السالم "من يرد هللا به‬
‫خيرا يفقهه في الدين‪".‬‬

‫وفي االصطالح‪ :‬هو كما عرفه الشافعي " العلم باالحكام الشرعية العملية المكتسب من ادلتها‬
‫التفصيلية"‬

‫‪ .2‬والفقه بهذا اإلعتبار غير الشريعة‪:‬‬


‫فالشريعة في اللغة هي المواضع التي يُنحدر إلى الماء منها‪.‬‬
‫أما في اإلصطالح فقد عرفها التهانوي بأنها « ما شرع هللا تعالى لعباده من األحكام التي جاء‬
‫بها األنبياء صلى هللا عليهم وعلى نبيّنا وسلّم‪ ،‬سواء كانت متعلقة بكيفية عمل‪ ،‬وتسمى فرعية‬
‫ودون لها علم الكالم‪.‬‬
‫ودون لها الفقه‪ ،‬أو بكيفية االعتقاد وتسمى أصلية واعتقادية‪ّ ،‬‬
‫عملية‪ّ ،‬‬

‫والفرق بين الفقه والشريعة يتجلى في أمرين أساسين هما‪:‬‬


‫‪ -1‬أن الشريعة أعم من الفقه ألنها تشمل األحكام االعتقادية والعملية‪ ،‬بينما يقتصر الفقه على‬
‫األحكام العملية فقط‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الشريعة اإلسالمية تعني األحكام المنزلة من عند هللا في كتابه الكريم‪ ،‬أو على لسان نبيّه‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومن ث ّم ال يجوز مخالفتها‪.‬‬

‫أما األحكام الفقهية فنوعان‪:‬‬


‫أ‪ -‬ما ينعدم أو يضعف فيه الجانب االجتهادي‪ ،‬وذلك مثل األحكام المعلومة من الدين بالضرورة‪،‬‬
‫أو التي تستفاد من النص الشرعي بال بحث‪.‬‬
‫ب‪ -‬ما يغلب عليه الجانب االجتهادي‪ ،‬وهذا النوع من األحكام ال يعتبر جزءا من الشريعة‬

‫‪1‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫اإلسالمية بمعناها االصطالحي‪ ،‬أي ال يعتبر من قبيل التشريع اإللهي الذي ال تجوز مخالفته‪ ،‬بل‬
‫تسوغ هذه المخالفة ما دامت مستندة إلى دليل أقوى من دليل الرأي الفقهي المتروك‪.‬‬

‫‪ .3‬موضوع الفقه‪:‬‬
‫هي أعمال المكلفين من حيث مطالبتهم بها شرعا إما فعال أو تركا أو تخييرا‪.‬‬
‫واالحكام الشرعية العملية التي يتناولها الفقه تنقسم عند جمهور الفقهاء الى قسمين رئيسين هما‪:‬‬
‫‪ -1‬أحكام العبادات ‪ :‬وهي التي تتناول االحكام المبينة لعالقة العبد بربه‪.‬‬
‫‪ -2‬أحكام المعامالت ‪ :‬وهي التي تتناول األحكام الشرعية المنظمة لتعامل الناس في الدنيا‪ ،‬فهي‬
‫بذلك األحكام المبينة لعالقة الناس بعضهم ببعض وتشتمل على‪:‬‬
‫‪ -1‬االحكام المتعلقة باالحوال الشخصية ‪ :‬وهي االحكام التي تنظم العالقات األسرية‪.‬‬
‫‪ -2‬االحكام المدنية ‪ :‬وهي التي تنظم العالقات المالية‪.‬‬
‫‪ -3‬االحكام الجنائية ‪ :‬وهي التي تتناول عقوبات الجرائم المقترفة‪.‬‬
‫‪ -4‬أحكام المرافعات ‪ :‬وهي التي تتعلق بالقضاء وإجراءات إقامة العدل‪.‬‬
‫‪ -5‬أحكام دستورية ‪ :‬وهي المتعلقة بنظام الحكم وأصوله‪.‬‬
‫‪ -6‬أحكام دولية ‪ :‬وهي المنظمة لعالقة الدولة االسالمية بغيرها‪.‬‬
‫ولكل هذه األنواع من األحكام الشرعية التي هي موضوع الفقه اإلسالمي خصائص تميزها عن‬
‫غيرها من األحكام الوضعية‪.‬‬

‫‪ .4‬خصائص الفقه االسالمي عديدة منها‪:‬‬


‫‪ -1‬الربانية ‪ :‬فهو تشريع سماوي وليس وضعي‪.‬‬
‫‪ -2‬الشمول ‪ :‬فهو يتناول عالقة االنسان بربه وبغيره (العبادات و المعامالت)‪.‬‬
‫‪ -3‬الواقعية ‪ :‬ألنه يرتبط بواقع الناس وليس خياليا‪.‬‬
‫‪ -4‬الجزاء على مخالفته يرتبط بالدنيا واالخرة ‪ :‬وليس بالدنيا فقط كما هو حال القانون الوضعي‪.‬‬
‫‪ -5‬ارتباطه باألخالق‪ :‬فهو اليغفل جانب مكارم األخالق عند التشريع وعند تنفيد األحكام‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫‪ 5‬أطوار الفقه اإلسالمي‪:‬‬
‫إن دراسة تاريخ العلوم ومواكية مراحلها التكاملية يفضي الى أن البحث في هذه العلوم والفهم‬
‫العميق لها أمر الينفك عن دراسة تاريخها ‪ ،‬اذ به يطلع الباحث على كافة أسرارها وخفاياها ‪،‬‬
‫والفقه اإلسالمي كغيره ال يشد عن هذه القاعدة ‪.‬‬
‫‪ ‬وقد اختلف العلماء حول تاريخ الفقه هل هو تاريخ التشريع اإلسالمي أم ال ؟‬
‫ذهب معظم من درس تاريخ الفقه الى عدم التمييز بينه وبين تاريخ التشريع اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ ‬وقال البعض بوجود فرق بينهما‪:‬‬


‫فتاريخ التشريع وفق تصورهم يهتم بدراسة كل حكم من أحكام الشريعة فهو بذلك‬ ‫‪-‬‬
‫اليتجاوز الفترة النبوية الشريفة ‪ ،‬ويترتب عندهم على ذلك عدم ادخال هذا الطور في‬
‫تاريخ الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -‬أما تاريخ الفقه فهو يدرس اجتهادات الفقهاء بعد وفاة الرسول عليه السالم والتي تشكل‬
‫الى جانب الكتاب والسنة التراث التشريعي لألمة اإلسالمية ‪ ،‬ويترتب عندهم على‬
‫ذلك أن بداية تاريخ الفقه اإلسالمي ترتبط بوفاة الرسول عليه السالم‪.‬‬
‫وعند التأمل في هذا التمييز النجد له ما يبرره بشكل قوي لذلك نختار المذهب األول‬
‫القائل بعدم التفريق بين تاريخ الفقه والتشريع وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪ ‬وقد مر تاريخ الفقه اإلسالمي بمراحل وأطوار اختلف العلماء على تقسيمها من أبرز ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬تقسيم الحجوي الثعالبي رحمه هللا في كتابه " الفكر السامي في تاريخ الفقه‬
‫اإلسالمي‪":‬‬
‫يقسم الحجوي الثعالبي رحمه هللا تاريخ الفقه اإلسالمي الى أربعة أطوار هي‪:‬‬
‫‪ -1‬طور الطفولية وهو من أول بعثة النبي الى أن توفي عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -2‬طور الشباب وهو من زمن الخلفاء الراشدين رضي هللا عنهم الى آخر القرن الثاني‪.‬‬
‫‪ -3‬طور الكهولة من بداية القرن الثالث الى آخر القرن الرابع الهجري‪.‬‬
‫‪ -4‬طور الشيخوخة والهرم وهو ما بعد القرن الرابع الهجري الى اآلن‪ ( .‬انظر الفكر‬
‫السامي للحجوي ‪.)39/1‬‬
‫وهذا التقسيم يشبه الفقه بالكائن الحي في مروره بأطوار أربعة ‪ ،‬وقد تبع الثعابي في هذا‬
‫التقسيم محمد يوسف موسى في كتابه " تاريخ الفقه اإلسالمي‪".‬‬

‫‪3‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫‪ .2‬تقسيم الشيخ محمد الخضري في كتابه " تاريخ التشريع اإلسالمي‪":‬‬
‫يقسم محمد الخضري رحمه هللا تاريخ الفقه اإلسالمي الى ستة أطوار هي‪:‬‬
‫‪ -1‬التشريع في حياة الرسول عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -2‬التشريع في عهد كبار الصحابة من سنة ‪ 11‬الى سنة ‪ 40‬هجرية‪.‬‬
‫‪ -3‬التشريع في عهد صغار الصحابة والتابعين وينتهي بنهاية القرن األول من الهجرة‪.‬‬
‫‪ -4‬التشريع في العهد الذي صار فيه الفقه علما من العلوم وظهر فيه نوابغ الفقهاء الذين‬
‫ألقيت مقاليد الزعامة الدينية اليهم وتالميذهم الذين بينوا آراءهم من غير أن يكون لهذه‬
‫النسبة أثر في استقاللهم الفقهي وينتهي هذا الدور بانتهاء القرن الثالث‪.‬‬
‫‪ -5‬التشريع في العهد الذي دخلت فيه المسائل الفقهية في دور الجدل لتحقيق المسائل‬
‫المتلقاة من األئمة وظهور المناظرة وينتهي هذا العهد بانتهاء الدولة العباسية في بغداد‬
‫وإغارة التتر على بالد اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -6‬التشريع في عهد التقليد المحض الى اآلن‪( .‬انظر تاريخ التشريع اإلسالمي للخضري ‪.)4‬‬

‫وهذا التقسيم يصنف أدوار الفقه اإلسالمي حسب األسباب واألحداث التي رافقت‬
‫تكامله وارتقاءه والتي اقترنت بأسماء جهابذة من الفقهاء الذين لعبوا دورا هاما في‬
‫إغناء التراث الفقهي ‪ ،‬وقد تبع الخضري في هذا التقسيم مصطفى الزرقا في كتابه "‬
‫المدخل الفقهي العام" مع إضافته رحمه هللا لدور سابع هو من عهد ظهور مجلة‬
‫االحكام العدلية الى اليوم ( انظرالمدخل الفقهي العام للزرقا ‪ ،)147-146 /1‬وقد‬
‫تبعه كذلك محمد علي السايس في كتابه " تاريخ الفقه اإلسالمي " ( انظر تاريخ الفقه‬
‫اإلسالمي للسايس ‪.) 11‬‬

‫‪ .3‬تقسيم الشيخ مناع القطان في كتابه " تاريخ التشريع اإلسالمي ‪":‬‬
‫يقسم مناع القطان تاريخ الفقه اإلسالمي الى خمسة أطوار هي‪:‬‬
‫‪ -1‬عصر التشريع في عصر الرسول عليه السالم والخلفاء‪.‬‬
‫‪ -2‬الدور التأسيسي للفقه ويشمل النتاج الفقهي في العصر األموي والكالم حول مدرسة‬
‫الحجاز والعراق‪.‬‬
‫‪ -3‬دور النهضة الفقهية وتأسيس المذاهب وتدوين الحديث والفقه‪.‬‬
‫‪ -4‬دور التقليد وسد باب اإلجتهاد بعد أن استقرت المذاهب‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫‪ -5‬دور اليقظة الفقهية وحركة اإلصالح الديني في الوقت الحاضر لفتح باب اإلجتهاد‪.‬‬
‫(انظر تاريخ التشريع اإلسالمي لمناع القطان ‪.)25‬‬
‫وهذا التقسيم يصنف أدوار الفقه اإلسالمي حسب األسباب واألحداث التي رافقت تكامله ‪،‬‬
‫وقد تبع القطان في هذا التقسيم عمر سليمان األشقر في كتابه " تاريخ الفقه اإلسالمي"‬
‫(انظر تاريخ الفقه اإلسالمي لعمر سليمان األشقر ‪.)40‬‬

‫‪ .4‬وما نختاره في هذه الدراسة هو تقسيم تاريخ الفقه اإلسالمي الى أطوار خمسة هي‪:‬‬

‫االول‪ :‬عهد الرسول عليه السالم وهو عهد االنشاء والتكوين ‪ ،‬ومدته ‪ 22‬سنة من بعثته‬
‫عليه السالم سنة ‪ 610‬م الى وفاته صلى هللا عليه والسالم سنة ‪ 632‬م‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عهد الصحابة رضوان هللا عليهم وهو يتميز بالتفسير واإلجتهاد ‪ ،‬ومدته ‪ 90‬سنة‬
‫بالتقريب من وفاة الرسول عليه السالم سنة ‪ 11‬هجرية الى أواخر القرن الهجري االول‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عهد التدوين واألئمة المجتهدين و يتميز بالنمو والنضج التشريعي ومدته ‪ 250‬من‬
‫سنة ‪ 100‬الى سنة ‪ 350‬هجرية‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬عهد التقليد وهو يتميز بالجمود والتقليد ‪ ،‬وقد ابتدأ من أواسط القرن الهجري‬
‫الرابع الى أواخر القرن الثالث عشرالهجري‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬عهد بوادر النشاط التشريعي الحديث ويمتد من أواخر القرن الثالث‬
‫عشرالهجري الى يومنا هذا ‪.‬‬

‫‪ .6‬أهم الفوائد المرجوة من دراسة تاريخ الفقه اإلسالمي‪:‬‬


‫لدراسة تاريخ الفقه اإلسالمي فوائد علمية جمة أهمها‪:‬‬
‫‪ ‬الوقوف على األسباب المساعدة على تطور الفقه‪.‬‬
‫‪ ‬اإلطالع على األساليب التي سار عليها الفقهاء وتنوعت من خاللها مناهجهم في‬
‫اإلستنباط‪.‬‬
‫‪ ‬الوقوف على األسباب المعيقة لتطور الفقه‪.‬‬
‫‪ ‬الوقوف على تاريخ تطور المصادر التشريعية‪.‬‬
‫‪ ‬الوقوف على من كانت بيده سلطة التشريع في كل طور من أطوار الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫‪ ‬الوقوف على الخطة التشريعية لكل طور من أطوار الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ ‬الوقوف على ما خلفه كل طور من أطوار الفقه اإلسالمي من آثار تشريعية‪.‬‬

‫‪ .7‬وفيما يلي بيان ألهم القضايا التي عالجها علماء الشريعة في أطوار الفقه اإلسالمي‬
‫حسب التقسيم الذي اخترناه‪:‬‬

‫‪-1‬عهد الرسول عليه الصالة والسالم ‪:‬‬


‫هذا العهد كانت سنواته قليلة ألنها لم تزد عن ‪ 22‬سنة وبضعة أشهر ولكن كانت آثاره جليلة‬
‫ألنه خلف نصوص االحكام في القرآن والسنة ‪ ،‬وخلف عدة أصول تشريعية كلية ‪ ،‬وأرشد الى‬
‫عدة مصادر ودالئل يتعرف بها حكم ما ال نص على حكمه وبهذا خلف أسس التشريع الكامل‪.‬‬

‫وقد كان لهذا العهد فترتين متميزتين هما ‪:‬‬


‫الفترة االولى‪ :‬مدة وجود الرسول عليه السالم بمكة المكرمة وهي ‪ 12‬سنة وبضعة اشهر من‬
‫بعثته الى هجرته عليه السالم‪.‬‬

‫وتتميز هذه الفترة‪:‬‬


‫‪ -‬بكون المسلمين كانوا فيها افرادا قالئل مستضعفين ‪ ،‬لم تتكون منهم أمة ولم تكن لهم شئون‬
‫دولة‪.‬‬
‫‪-‬وكان هم الرسول عليه السالم فيها موجها الى بث الدعوة الى توحيد هللا وتحويل وجوه‬
‫الناس عن االوثان واالصنام واتقاء اذى الذين وقفوا في سبيل دعوته وأمعنوا في الكيد له‬
‫ولمن آمن به‪.‬‬
‫‪-‬لم يوجد في هذه الفترة مجال وال داع الى التشريع العملي وسن القوانين المدنية والتجارية‬
‫ونحوها ‪ ،‬ولهذا لم توجد في السور المكية بالقرآن مثل يونس والرعد والفرقان ‪ ،‬ويس‬
‫والحديد‪ ،‬آية من آيات االحكام العملية ‪ ،‬وأكثر آياتها خاص بالعقيدة والخلق والعبر من سير‬
‫الماضين‪.‬‬

‫الفترة الثانية ‪ :‬مدة وجود الرسول عليه السالم بالمدينة ‪ ،‬وهي عشر سنوات بالتقريب من‬
‫تاريخ هجرته الى تاريخ وفاته عليه السالم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫‪ ‬وتتميز هذه الفترة‪:‬‬
‫بكون االسالم عز شأنه وكثر عدد المسلمين وتكونت منهم أمة وصارت لهم دولة‬
‫‪ ،‬وذللت العقبات في سبيل الدعوة‪.‬‬
‫ودعت الحاجة الى التشريع وسن القوانين لتنظيم عالقة افراد االمة الناشئة‬
‫بعضهم ببعض‪ ،‬وتنظيم عالقاتهم بغيرهم في حالتي السلم والحرب ‪ ،‬وشرعت‬
‫أحكام الزواج والطالق واالرث والمداينة والحدود وغيرها ‪ ،‬ولهذا اشتملت السور‬
‫المدنية مثل البقرة وآل عمران والنساء والمائدة واالنفال والتوبة والنور واالحزاب‬
‫على آيات االحكام مع ما اشتملت عليه من آيات العقائد واالخالق والقصص‪.‬‬

‫من تولى السلطة التشريعية في هذا العهد ؟‬

‫‪ o‬كانت السلطة التشريعية في هذا العهد لرسول هللا عليه السالم وحده ‪ ،‬وما كان ألحد‬
‫غيره من المسلمين أن يستقل بتشريع حكم في واقعة لنفسه أو لغيره ‪ .‬ألنه مع وجود‬
‫الرسول بينهم وتيسر رجوعهم اليه فيما يعرض لهم لم يسوغ واحد منهم لنفسه ان‬
‫يفتي باجتهاده في حادثة ‪ ،‬او يقضي باجتهاده في خصومة‪.‬‬
‫‪ o‬بل كانوا يرجعون الي الرسول عليه السالم وهو يفتيهم ويفصل في خصوماتهم‬
‫ويجيب عن أسئلتهم تارة بآية قرآنية يوحي اليه بها ربه سبحانه وتعالى ‪ ،‬وتارة‬
‫باجتهاده الذي يعتمد فيه على الهام هللا له ‪ ،‬او على ما يهديه عقله وبحثه وتقديره ‪،‬‬
‫وكل ما صدر عنه من هذه االحكام هو تشريع للمسلمين واجب عليهم ان يتبعوه سواء‬
‫أكانت من وحي هللا أم من اجتهاده نفسه‪.‬‬
‫‪ o‬وقد يستشكل على بعض الناس‪ :‬أن بعض الصحابة اجتهد في عهد الرسول وقضى‬
‫باجتهاده في بعض الخصومات أو استنبط باجتهاده حكما في بعض الوقائع مثل علي‬
‫بن ابي طالب الذي بعثه الرسول الى اليمن قاضيا وقال له " إن هللا سيهدي قلبك‬
‫ويثبت لسانك ‪ ،‬فإذا جلس بين يديك الخصمان فال تقضين حتى تسمع من اآلخر كما‬
‫سمعت من االول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء " وهناك عدة أمثلة لصحابة‬
‫آخرين‪ ،‬ولكن هذه الجزيئات وأمثالها ال تدل على أن أحدا غير رسول هللا كانت له‬
‫سلطة التشريع في عهد الرسول عليه السالم ‪ ،‬ألن هذه الجزئيات منها ما صدر في‬

‫‪7‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫حاالت تعذر فيها الرجوع الى الرسول عليه السالم لبعد المسافة أو لخوف فوات‬
‫الفرصة‪ ،‬ومنها ما كان القضاء او االفتاء فيه تطبيقا ال تشريعا ‪ ،‬وكل ما صدر فيها‬
‫من أي صحابي عن اجتهاده في اي قضاء او اية واقعة لم يكن تشريعا للمسلمين ملزما‬
‫لهم إال بإقرار الرسول عليه السالم ‪ ،‬فالرسول عليه السالم في حياته كانت في يده‬
‫وحده السلطة التشريعية ‪ ،‬ولهذا لم يوجد في عهد الرسول عليه السالم رأيان في‬
‫واقعة‪ ،‬ولم يعرف أحد من الصحابة في عهده بالفتيا واالجتهاد‪.‬‬

‫مصادر التشريع في هذا العهد ‪:‬‬

‫كان للتشريع في عهد الرسول عليه السالم مصدران هما الوحي االلهي ‪ ،‬واجتهاد الرسول‬
‫عليه السالم نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬فإذا طرأ ما يقتضي تشريعا أوحى هللا سبحانه وتعالى الى رسوله عليه السالم بآية أو‬
‫آيات فيها حكم ما أريد معرفة حكمه ‪ ،‬وبلغ الرسول عليه السالم للمسلمين ذلك وكان‬
‫تشريعا واجبا اتباعه‪.‬‬
‫‪ -‬واذا طرأ ما يقتضي تشريعا ‪ ،‬ولم يوح هللا سبحانه وتعالى الى الرسول عليه السالم‬
‫بآيات تبين الحكم ‪ ،‬اجتهد الرسول في تعرف الحكم ‪ ،‬وما اداه اليه اجتهاده قضى به‬
‫أو أفتى أو أجاب عن السؤال ‪ ،‬وكان ما صدر عن اجتهاده عليه السالم شرعا واجبا‬
‫اتباعه مع تشريع الوحي االلهي‪.‬‬
‫‪ -‬وكل ما شرع من االحكام في عهد الرسول كان مصدره الوحي االلهي او االجتهاد‬
‫النبوي ‪ ،‬كان صدوره بناء على طروء حاجة تشريعية اقتضته ‪ ،‬وكانت وظيفة‬
‫الرسول بالنسبة لما شرع بالمصدر االول تبليغه وتبيينه تنفيذا لقول هللا سبحانه " يا‬
‫أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " المائدة ‪،67‬‬
‫ولقوله عز شأنه " وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم " النحل ‪.44‬‬
‫‪ -‬وكان ما صدر عن المصدر الثاني وهو االجتهاد النبوي تارة تعبيرا عن الهام إلهي ‪،‬‬
‫أي أن الرسول إذا أخذ في االجتهاد ألهمه هللا حكم ما أراد معرفة حكمه ‪ ،‬وتارة‬
‫استنباطا واستمدادا للحكم بما تهدي اليه المصلحة وروح التشريع واالحكام االجتهادية‬

‫‪8‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫التي يلهم بها هللا رسوله هي أحكام إلهية ليس للرسول فيها اال التعبير عنها بقوله أو‬
‫فعله‪.‬‬
‫‪ -‬واالحكام االجتهادية التي لم يلهم هللا عز شأنه بها الى الرسول عليه السالم بل صدرت‬
‫عن بحثه ونظره هي أحكام نبوية بمعانيها وعباراتها وهذه ال يقره هللا عليها اال اذا‬
‫كانت صوابا ‪ ،‬وأما اذا لم يوفق الرسول فيها الى الصواب فإن هللا عز شأنه يرده الى‬
‫الصواب ‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬
‫حادث إذن الرسول لمن اعتذروا وتخلفوا عن غزوة تبوك ‪ .‬فإن هللا سبحانه بين الصواب بقوله "‬
‫عفا هللا عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين " التوبة ‪.43‬‬
‫‪ -‬فمن هذا يستنتج ان التشريع في عهد الرسول عليه السالم كان الهيا كله ‪ .‬الن مصدره‬
‫إما وحي هللا عز شأنه في القرآن ‪ ،‬واما اجتهاد الرسول عليه السالم الذي هو تعبير عن‬
‫الهام هللا سبحانه ‪ ،‬واما اجتهاد الرسول عليه السالم ببحثه ونظره ‪ ،‬ولكنه ملحوظ‬
‫برعاية هللا سبحانه له‪ ،‬فإن جاء صوابا أقره هللا سبحانه عليه‪،‬وإن جاء غير صواب رد‬
‫هللا رسوله عليه السالم الى الصواب فيه‪.‬‬

‫الخطة التشريعية في هذا العهد‪:‬‬

‫المراد من الخطة التشريعية الطريق التي يتبعها رجال التشريع في الرجوع الى‬
‫مصادر التشريع والمبادئ العامة التى يراعونها فيه ‪ ،‬ولما كان هذا العهد هو عهد‬
‫التكوين ‪ ،‬ووضع االسس التشريعية كانت الخطة التشريعية فيه ‪ ،‬هي الخطة االساسية‬
‫للتشريع االسالمي‪.‬‬
‫فأما الطريق التي اتبعها الرسول علبه السالم في الرجوع الى مصادر التشريع فهي‬
‫أنه كان إذا طرأت حاجة الى تشريع ينتظر وحي هللا بآية أو آيات فيها حكمه ‪ ،‬فإن لم‬
‫يوح اليه علم أن هللا سبحانه وكل التشريع في هذه الواقعة الى اجتهاده فاجتهد مهتديا‬
‫في اجتهاده بالنصوص القرآنية وروح التشريع وتقديره المصلحة ومشورة اصحابه‪.‬‬

‫أما المبادئ العامة التي بني عليها التشريع االسالمي في عهد التكوين فأظهرها اربعة‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫األول‪ :‬التدرج في التشريع‪ :‬وهذا التدرج كان في زمن التشريع ‪ ،‬والحكمة في التدرج الزمني‬
‫انه ييسر معرفة األحكام الشرعية بالتدريج حكما حكما وييسر فهم احكامه على اكمل وجه‬
‫بالوقوف على الحادثة والظروف التي اقتضت تشريعها‪.‬‬
‫‪ ‬فلم يكلف المسلمون في اول عهدهم باالسالم بما يشق عليهم فعله او ما يشق عليهم‬
‫تركه ‪ ،‬بل سلك بهم سبيل التدرج وأخذوا بالرفق حتى تكون استعدادهم واستاهلوا‬
‫للتكليف‪.‬‬
‫‪ ‬ففي اول امرهم لم تفرض عليهم الصلوات الخمس في اليوم والليلة بل طلبت منهم‬
‫صالة مطلقة بالغداة والعشي‪ ،‬ولم تفرض عليهم الزكاة والصيام اال بعد الهجرة بسنة ‪،‬‬
‫وكان التكليف قبل ذلك بما استطاعوا من صدقة وصوم ‪.‬‬
‫‪ ‬والحكمة في هذا التدرج انه العال ج إلصالح النفوس الجامحة ‪ ،‬والوسيلة لتقبل‬
‫التكاليف وامتثالها من غير ضجر وال عنت ‪ ،‬وهو من الحكمة في الدعوة‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬التقليل من التقنين‪ :‬وهذا يتجلى في أن االحكام التي شرعها هللا ورسوله لم تشرع اال‬
‫على قدر الحاجات التي دعت اليها واالقضية والحوادث التي اقتضتها ولم تشرع منها احكام‬
‫لحل مسائل إفتراضية او للفصل في خصومات محتملة‪.‬‬
‫‪ ‬والحكمة في هذا التشريع انما هو دفع حاجات الناس وتحقيق مصالحهم ‪ ،‬فينبغي ان‬
‫يقتصر في كل عصر على تشريع ما اقتضته حاجاته حتى ال يجد الالحقون من تشريع‬
‫السابقين عقبات تحول دون تشريع ما يدفع حاجاتهم ويحقق مصالحهم‪.‬‬
‫‪ ‬ومن المبادئ المقررة في الشريعة االسالمية أن األصل قي االشياء االباحة ‪ ،‬فكل‬
‫حيوان او جماد او عقد او تصرف لم يشرع له حكم باي دليل شرعي فحكمه االباحة ‪،‬‬
‫وعلى هذا ال حرج من تقليل التقنين ‪ ،‬الن كل ما ال شرع فيه فهو على االباحة‬
‫االصلية‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬التيسير والتخفيف‪ :‬وهذا أجلى ظاهرة في التشريع االسالمي ‪ ،‬ففي كثير من‬
‫االحكام تصريح بأن الحكمة في تشريعها التيسير والتخفيف ‪ ،‬قال تعالى "يريد هللا بكم اليسر‬
‫وال يريد بكم العسر " البقرة ‪ 185‬وقال عز شأنه "يريد هللا ان يخفف عنكم ‪ ،‬وخلق االنسان‬
‫ضعيفا " النساء ‪ 28‬وقال سبحانه " وما جعل هللا عليكم في الدين من حرج " الحج ‪.78‬‬
‫وورد في صحيح السنة أن الرسول ما ُخيّر بين أمرين إال اختار أيسرهما ما لم يكن اثما‪ ،‬وفي‬

‫‪10‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫كل الحاالت الخاصة التي يكون فيها حكم العزيمة شاقا ‪ ،‬شرعت الرخصة ‪ ،‬فابيحت‬
‫المحظورات عند الضرورات ‪ ،‬وابيح ترك الفرض والواجب اذا كان في اداء احدهما حرج‪.‬‬
‫واعتبر االكراه والمرض والسفر والخطأ والنسيان والجهل من االعذار التي تقتضي التخفيف‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬مسايرة التشريع لمصالح الناس‪ :‬وبرهان هذا ان الشارع علل كثيرا من احكامه‬
‫بمصالح الناس‪ ،‬وأورد شواهد عدة على ان المقصود من تشريع االحكام تحقيق مصالح الناس‪،‬‬
‫وقرر ان االحكام تدور مع عللها وجودا وعدما‪ ،‬ولهذا شرع هللا بعض االحكام ثم ابطلها‬
‫ونسخها لما اقتضت المصلحة تعديلها ‪ ،‬مثال ذلك فرض االتجاه في الصالة الى بيت المقدس‬
‫أوال‪ ،‬ثم نسخه وفرض االتجاه في الصالة الى الكعبة ‪ ،‬ونهى الرسول عليه السالم عن زيارة‬
‫القبور ثم اباحها‪ ،‬فهذا النسخ والتبديل والتعديل في وقت التشريع برهان على ان التشريع‬
‫االسالمي ساير مصالح الناس ‪ .‬ولهذه المسايرة نفسها راعى الشارع عرف الناس وقت‬
‫التشريع ما دام ال يهدم اصال من اصول الدين‪ ،‬فراعى الكفاءة في الزوج‪ ،‬وراعى العصبية في‬
‫االرث والوالية‪ ،‬الن من مصالح الناس ان تراعي عاداتهم وما جرى به عرفهم ما دام ال‬
‫يعارض أصال دينيا وال يجلب ضررا‪.‬‬

‫ما خلفه هذا العهد من آثار تشريعية ‪:‬‬

‫‪ o‬المصدر التشريعي االول وهو الوحي االلهي صدرت عنه آيات االحكام في القرآن‬
‫والمصدر التشريعي الثاني وهو اجتهاد الرسول صدرت عنه أحاديث االحكام‪.‬‬
‫ومجموع نصوص هذه اآليات واالحاديث هو ما خلفه هذا العهد من آثار تشريعية‪،‬‬
‫وهو المصدر االساسي للمسلمين‪ ،‬وهو أساس التشريع ومرجع كل مجتهد مسلم في‬
‫اي عصر من العصور‪.‬‬
‫‪ o‬فإذا وقعت واقعة ودل على حكمها نص قاطع من نصوص هذه المجموعة فال مجال‬
‫فيها الجتهاد اي مجتهد في اي عصر من العصور‪.‬‬
‫‪ o‬وإذا لم يدل على حكمها نص قاطع من نصوصها كانت مجاال لالجتهاد ‪ ،‬ولكن على‬
‫ان يسير المجتهد في اجتهاده على ضوء هذه المجموعة بان يقيس على ما ورد فيها‪،‬‬
‫او يهتدي بروحها ومعقولها ومبادئها العامة ‪ ،‬وليس له ان يخالف باجتهاده نصا من‬
‫نصوصها ‪ ،‬او يخرج عن مبدإ من مبادئها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫مقدار النصوص المرتطة باألحكام الفقهية‪:‬‬

‫مواد النصوص المرتطة باألحكام الفقهية ليست كثيرة ‪ ،‬فعدد آيات االحكام المتعلقة‬
‫بالعبادات وما يلحق بها من الجهاد نحو ‪ 140‬آية‪ ،‬وعدد اآليات المتعلقة بالمعامالت‬
‫واالحوال الشخصية والجنايات والقضاء والشهادة نحو ‪ 200‬آية‪ ،‬وعدد أحاديث االحكام‬
‫في انواعها المختلفة نحو ‪ 4500‬حديث‪ ،‬كما ذكره ابن القيم في " إعالم الموقعين "‬
‫وأكثرها تبيين لما أجمل من أحكام القرآن او تقرير وتأكيد‪ .‬وباقيها تشريع سكت عنه‬
‫القرآن‪.‬‬
‫وآيات االحكام في القرآن مفرقة في جملة سور‪ ،‬وليست اآليات الخاصة بمجال تشريعي‬
‫واحد مجموعة في سورة واحدة‪ ،‬فآيات العقوبات وهي نحو عشر آيات مفرقة في سورة‬
‫البقرة والمائدة والنور‪ .‬وآيات المجموعة المدنية وهي نحو سبعين آية مفرقة ايضا في‬
‫جملة سور‪ ،‬وهكذا سائر آيات االحكام‪.‬‬
‫وأما أحاديث االحكام فقد جمعها رواة االحاديث حسب ابواب الفقه‪ ،‬فأحاديث البيع‬
‫مجموعة في باب البيع‪ ،‬وأحاديث الرهن والشركة والحدود وغيرها كذلك‪.‬‬
‫‪-‬ومن اليسير ان تجمع في كل مجال تشريعي آيات االحكام الخاصة به‪ ،‬وأمهات‬
‫االحاديث الخاصة به‪ ،‬وبعض آثار الصحابة والتابعين التي فيها تفسير لنص من هذه‬
‫النصوص‪ ،‬وتكون هذه المجموعة هي االحكام االساسية التي وردت في القرآن والسنة‬
‫الخاصة بهذا الفرع من القوانين‪.‬‬

‫اسلوب النصوص المرتبطة باألحكام الفقهية‪:‬‬

‫‪ -‬لم تلتزم آيات االحكام وأحاديث االحكام أسلوبا واحدا في بيان ما شرع فيها بل تنوعت‬
‫أساليبها وتعددت صيغها في التعبير عن االحكام فالنصوص التي دلت على التحريم تارة‬
‫عبرت بالنهي عما حرم‪ ،‬وتارة دلت على تحريمه بالوعيد من فعله‪ ،‬وتارة صرحت بأنه‬
‫ال يحل أو حرم ‪ ،‬والنصوص التي دلت على االيجاب تارة عبرت باالمر بما وجب ‪،‬‬
‫وتارة دلت على ايجابه بالوعيد على تركه‪ ،‬وتارة صرحت بأنه وجب او فرض او كتب‪،‬‬
‫والسبب في تنوع هذه االساليب ان النصوص كما قدمنا شرعت في أوقات مختلفة حسب‬

‫‪12‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫الحوادث والمناسبات ‪ ،‬ولكل مناسبة اسلوب يناسبها ‪ ،‬فقد تقتضي المناسبة الداللة على‬
‫تحريم الشيئ بالوعيد على فعله ‪ ،‬وقد تقتضي التصريح بتحريمه ‪،‬فالمناسبة التي اقتضت‬
‫تشريع الحكم الخاص اقتضت اسلوبا خاصا في بيانه‪.‬‬
‫‪ -‬وسبب آخر لتنوع هذه االساليب ان القرآن لم يقصد منه بيان ما تضمنه التشريع فحسب‪،‬‬
‫وإنما قصد منه مع هذا إعجاز الناس عن أن يأتوا بمثله ليكون برهانا على صدق‬
‫الرسول‪ ،‬ومن وجوه االعجاز تنوع اساليب البيان‪.‬‬
‫‪ -‬وكما تنوعت أساليب النصوص من ناحية صيغها وعباراتها ‪ ،‬تنوعت من ناحية أخرى‬
‫وهي ان بعض النصوص تتبع بيان الحكم ببيان علته وحكمته التشريعة ‪ ،‬وبعضها تقرر‬
‫الحكم مجردا عن بيان علته‪ .‬والحكمة في هذا ان الشارع ببيانه علة التشريع وحكمته في‬
‫بعض االحكام يلفت العقول الى ان االحكام التشريعية ليست تعبدية وإنما هي معللة‬
‫بمصالح الناس‪ ،‬ويفتح باب االجتهاد في تشريع كل ما يحقق مصلحة او يدفع مفسدة‪.‬‬

‫أنواع االحكام التي اشتملت عليها النصوص الشرعية ‪:‬‬

‫االحكام على وجه عام تنقسم الى ثالثة اقسام‪:‬‬


‫القسم االول‪ :‬احكام اعتقادية تتعلق بااليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪ ،‬وهذا هو‬
‫أساس الدين ‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬أحكام خلقية تتعلق بالفضائل التي يجب على االنسان ان يتحلى بها ‪ ،‬والرذائل التي‬
‫يجب على االنسان أن يتخلى عنها وهذا القسم مكمل ألساس الدين ومتمم له ‪ ،‬وقد افاض القرآن‬
‫وأسهبت السنة في بيان هذين القسمين وإقامة براهينهما ‪ ،‬وقد ابتدأ امر االسالم بهما ‪ ،‬فكان‬
‫المسلمون في مكة ال يخاطبون اال بعقائد وأخالق ألن تكوين العقيدة وتقويم الخلق هما االساس‬
‫الذي يبني عليهما كل تشريع وتقنين‬

‫القسم الثالث‪ :‬أحكام عملية تتعلق بالمكلفين من عبادات ومعامالت وجنايات وخصومات وعقود‬
‫وتصرفات‪ ،‬وهذا هو الفقه وهو المراد من االحكام عند االطالق‪ .‬ومن تتبع فقه القرآن والسنة وجد‬
‫ان كل فرع من فروع التشريع له في القرآن مواد تخصه وتبين أحكامه‪ ،‬وفي كل فرع من‬

‫‪13‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫هذه الفروع كثير من االحاديث ‪ ،‬بعضها يبين حكما أجمله القرآن‪ .‬وبعضها يشرح حكما سكت‬
‫عنه‪ ،‬وبهذا خلف عهد الرسول تشريعا كامال وافيا بحاجة المسلمين في كل زمان وفي كل بيئة ‪.‬‬

‫‪ -2‬عهد الصحابة رضوان هللا عليهم ‪:‬‬

‫هذا العهد ابتدأ بوفاة الرسول عليه السالم في سنة ‪ 11‬هجرية وانتهي في اواخر القرن الهجري‬
‫االول ‪ ،‬واطلق عليه العلماء عهد الصحابة ألن اإلجتهاد فيه تواله علماء صحابة رسول هللا عليه‬
‫السالم ومنهم من عاش الى العقد العاشر الهجري مثل انس بن مالك الذي توفي سنة ‪ 93‬هـ رحمه‬
‫هللا ‪ ،‬وهذا العهد هو عهد التفسير التشريعي وفتح أبواب االستنباط فيما ال نص فيه من الوقائع ‪.‬‬
‫فإن علماء الصحابة صدرت عنهم آراء كثيرة في تفسير نصوص االحكام من القرآن والسنة تعد‬
‫مرجعا تشريعيا لتفسيرها وتبيينها وصدرت عنهم فتاوى كثيرة باحكام في وقائع ال نص فيها تعتبر‬
‫اساسا لالجتهاد واالستنباط‪.‬‬

‫من تولى سلطة اإلجتهاد في هذا العهد؟‬

‫خلف العهد التشريعي االول والذي هو عهد الرسول عليه السالم ‪ ،‬للمسلمين تشريعا مكونا من‬
‫نصوص االحكام في القرآن والسنة ومواد هذه األحكام الشرعية ليس كل واحد من المسلمين أهال‬
‫ألن يرجع اليها بنفسه ويفهم ما تدل عليه من تشريعات ‪ ،‬ألن فيهم العامة الذين ال يتوصلون الى‬
‫فهم النصوص اال بواسطة من يفهمهم اياها‪.‬‬

‫ومن جهة ثانية ‪ :‬مواد هذه األحكام الشرعية لم تكن نشرت بين المسلمين نشرا عاما يجعلها في‬
‫متناول كل واحد منهم ألن نصوص القرآن كانت في أول هذا العهد مدونة في صحف خاصة‬
‫محفوظة في بيت الرسول عليه السالم وبيوت بعض أصحابه رضي هللا عنهم وفي صدور بعض‬
‫الصحابة ‪ ،‬والسنة كانت كذلك في هذا العهد مدونة في صحف خاصة محفوظة عند بعض‬
‫الصحابة رضوان هللا عليهم وفي صدور بعض الصحابة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫ومن جهة ثالثة‪ :‬األحكام الشرعية شرعت لحوادث وأقضية وقعت حين تشريعها ‪ .‬ولم تشرع‬
‫أحكاما لحوادث فرضية يحتمل وقوعها ‪ .‬وقد طرأت للمسلمين حاجات وحوادث وأقضية لم تطرأ‬
‫في عهد الرسول وال يوجد فيما خلفه من النصوص ما يدل على حكمها‪.‬‬
‫لهذه االسباب الثالثة ‪ ،‬رأى العلماء من الصحابة وخاصة كبارهم رضوان هللا عليهم ان عليهم‬
‫واجبا تشريعيا ال بد أن يقوموا به ‪ ،‬وهذا الواجب هو ان يبينوا للمسلمين ما يحتاج الي التبيين‬
‫والتفسير من نصوص االحكام في القرآن والسنة ‪ ،‬وأن ينشروا بين المسلمين ما حفظوا من آيات‬
‫القرآن وأحاديث الرسول ‪ ،‬وان يفتوا الناس فيما يطرأ لهم من الوقائع واالقضية التي ال نص فيها‪.‬‬
‫هؤالء العلماء من الصحابة قاموا بهذا الواجب التشريعي من بيان النصوص ونشرها ‪ ،‬واالفتاء‬
‫فيما ال نص فيه ‪ ،‬فهم الذين تولوا اإلجتهاد في هذا العهد ‪ ،‬وهم الذين خلفوا الرسول في رجوع‬
‫المسلمين اليهم ‪ ،‬ولم يكتسبوا هذا الحق التشريعي من تعيين الخليفة او انتخاب االمة ‪ ،‬وانما كسبوه‬
‫بمميزاتهم الشخصية التي امتازوا بها‪ .‬فقد طالت صحبتهم للرسول وحفظوا عنه القرآن والسنة ‪.‬‬
‫وشاهدوا اسباب نزول اآليات وورود السنن وكثيرا منهم كانوا مستشاري الرسول عليه السالم في‬
‫اجتهاده‪ .‬وقد كان هؤالء المفتون في اول العهد أكثريتهم العظمي بالمدينة‪ ،‬وبعد ان امتدت‬
‫الفتوحات االسالمية تفرقوا باالمصار‪ .‬ولهذا كان التشريع في اول العهد باالجتهاد الجماعي‪ ،‬ثم‬
‫صار باالجتهاد الفردي‪.‬‬

‫مصادر التشريع في هذا العهد‪:‬‬

‫كانت مصادر التشريع في هذا العهد ثالثة هي القرآن ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واجتهاد الصحابة‪.‬‬
‫فكانت اذا عرضت حادثة أو وقعت نازلة نظر أهل االجتهاد من الصحابة في كتاب هللا‪ ،‬فإن وجدوا‬
‫فيه نصا يدل على حكمها أمضوه‪ ،‬وإن لم يجدوا في كتاب هللا نصا وعلموا من السنة ما يدل على‬
‫حكمها أمضوه‪ ،‬وإن لم يجدوا ما يدل على حكمها في القرآن أو السنة اجتهدوا في معرفة حكمها‬
‫واستنبطوه بالقياس على ما ورد فيه النص او بما تقتضيه روح الشريعة ومصالح الناس‪ .‬واتفقت‬
‫كلمة العلماء من الصحابة على الرجوع الى هذه المصادر التشريعية الثالثة على الترتيب الذي‬
‫ذكرناه‪.‬‬

‫ما طرأ على مصادر التشريع في هذا العهد‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫وقد طرأ في هذا العهد على‪:‬‬
‫المصدر االول ‪ :‬وهو آيات االحكام في القرآن طارئ له أثر تشريعي خالد ‪ .‬وهو تدوين هذه‬
‫اآليات ضمن تدوين القرآن الكريم ونشرها على المسلمين كافة بطريق رسمي بحيث صار ميسورا‬
‫لكافة المسلمين أينما كانوا حفظها والعلم بنصوصها من غير اختالف في كلمة او جملة‪.‬‬

‫وأما المصدر التشريعي الثاني ‪ :‬وهو نصوص االحكام في السنة التي لم تكن في متناول العموم‬
‫ألنها الى حدود نهاية القرن األول لم تكن قد دونت بشكل رسمي ‪ ،‬بل اقتصر تدوين بعضها‬
‫في صحف خاصة محفوظة عند بعض الصحابة رضوان هللا عليهم ‪ ،‬مما اضطر علماء المسلمين‬
‫الى بذل جهود في البحث عن رواة االحاديث ودرجات الثقة بهم ‪ ،‬مما أدى الى انقسام االحاديث‬
‫باعتبار رواتها الي احاديث قطعية الورود متواترة وأحاديث ظنية الورود آحاد ‪ ،‬والظنية الي‬
‫صحيح وحسن وضعيف‪ ،‬ووضع علم رواية الحديث‪ ،‬وألفت عدة مؤلفات فيه‪.‬‬

‫وأما المصدر التشريعي الثالث ‪ :‬وهو اجتهاد بعض العلماء من الصحابة فلم يدون أيضا من آثار‬
‫هذا العهد شئ ‪ ،‬وكان تقديرهم إلجتهاداتهم أنها آراء فردية إن تكن صوابا فمن هللا ‪ ،‬وإن تكن خطأ‬
‫فمن أنفسهم ‪ ،‬وما كان أحدهم يلزم اآلخر أو يلزم اي مسلم باجتهاده ‪ ،‬وكثيرا ما خالف عمر أبا‬
‫بكر ‪ ،‬وكثيرا ما تحاج زيد بن ثابت وعبد هللا بن عباس رضي هللا عنهم جميعا ‪ ،‬والوقائع التي‬
‫اختلف الصحابة في أحكامها كثيرة ‪ ،‬وأدلتهم التي استشهدوا بها على اجتهاداتهم تدل على مبلغ‬
‫حريتهم في البحث وتحريهم جلب المصالح ودرء المفاسد‪.‬‬
‫وكانوا رضي هللا عنهم في اول عهدهم أي في خالفة ابي بكر وأول خالفة عمر ‪ ،‬يتولون اإلجتهاد‬
‫فيما ال نص فيه بشكل جماعي مكون من علمائهم ‪ ،‬وما يصدر عنهم من االحكام يعتبر اجماعا لهم‬
‫أوحكم جماعتهم‪.‬‬
‫وبهذا االجتماع كان االختالف في اآلراء نادرا ‪ ،‬ألن كل واحد من المجتهدين المجتمعين يبدي‬
‫لآلخرين ما عنده من وجهة نظر وما يستند إليه من أدلة وكلهم يبغي الحق والصواب ‪ .‬وأكثر‬
‫األحكام التي يقال فيها انها أجمع عليها الصحابة شرعت في هذه الفترة من هذا العهد‪.‬‬
‫أما بعد أن فتح هللا للمسلمين كثيرا من البالد وتفرق علماء الصحابة في مختلف االمصار ‪ ،‬وصار‬
‫غير ميسور للخليفة بالمدينة أن يجمع هؤالء الصحابة ‪ ،‬من الكوفة والبصرة والشام ومصر‬
‫وغيرها كلما عرضت واقعة ليس فيها نص من القرآن أو السنة ‪ ،‬فقد أخذ الصحابة يتولون‬

‫‪16‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫اإلجتهاد أفرادا أو جماعات ‪ ،‬وكان بكل مصر من أمصار المسلمين واحد أو أكثر تصدر عنهم‬
‫الفتوى فيما ال نص فيه والتبيين والتفسير للنصوص الشرعية‪.‬‬

‫ومن النتائج الحتمية لهذا أن يقع اختالف بينهم في أحكام كثيرة من الوقائع لعدة أسباب ‪:‬‬

‫أولها ‪ :‬أن نصوص األحكام في القرآن والسنة ليست قطعية الداللة على المراد منها‪ ،‬بل هي ظنية‬
‫الداللة‪ ،‬وكما تحتمل أن تدل على معنى تحتمل أن تدل على معنى آخر‪ ،‬بسبب أن في النص لفظا‬
‫مشتركا لغة بين معنيين أو أكثر‪ .‬أو أن فيه لفظا عاما يحتمل التخصيص‪ .‬او لفظا مطلقا يحتمل‬
‫التقييد ‪ .‬فكل مجتهد يفهم منه حسب ما ترجح عنده من القرائن ووجهات النظر‪ .‬والجزئيات التي‬
‫اختلفوا فيها بناء على اختالفهم في فهم النص الشرعي‪.‬‬

‫وثانيها ‪ :‬أن السنة لم تكن مدونة بشكل رسمي ولم تجتمع الكلمة على مجموعة منها ولم تنتشر‬
‫بين المسلمين لتكون مرجعا لهم على السواء‪ ،‬بل كانت تتناقل بالرواية والحفظ‪ ،‬وربما علم منها‬
‫المجتهد في مصر ما لم يعلمه المجتهد في دمشق‪ .‬وكثيرا ما كان يرجع بعض المجتهدين منهم عن‬
‫فتواه إذا علم سنة لم يكن يعلمها اآلخر‪.‬‬
‫وثالثها ‪ :‬أن البيئات التي يعيشون فيها مختلفة والمصالح والحاجات التي يجتهدون لها متفاوتة ‪،‬‬
‫فعبد هللا بن عمر بالمدينة ال يطرأ له ما يطرأ لمعاوية بن ابي سفيان في الشام ‪،‬وال ما يطرأ لعبد‬
‫هللا بن مسعود بالكوفة رحمهم هللا جميعا ‪ .‬فنتيجة اختالف البيئات اختلفت االنظار في تقدير‬
‫المصالح والبواعث على تشريع االحكام‪.‬‬
‫لهذه االسباب الثالثة وجدت فتاوي مختلفة للصحابة رضي هللا عنهم في الواقعة الواحدة ‪ ،‬ولكل‬
‫واحد منهم دليل على ما أفتى به‪.‬‬
‫ولقد كان منهج الصحابة رضوان هللا عليهم في االجتهاد هو االقتصار على تشريع ما تدعو اليه‬
‫الحاجة فقط‪ ،‬وعدم سبق الحوادث بالتشريع‪ ،‬ومسايرة المصالح‪ ،‬ورعاية التيسير والتخفيف‪.‬‬

‫ما خلفه هذا العهد من اآلثار التشريعية‪:‬‬

‫يمكن رصد أهم االثار التشريعية التي خلفها هذا العهد في ثالثة‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫االول‪ :‬شرح علمي لنصوص األحكام من القران والسنة ‪ ،‬فإن مجتهدي الصحابة لما بحثوا في‬
‫هذه النصوص لتطبيقها على الوقائع تكونت لهم آراء في فهمها وما يراد منها ‪ ،‬وكانوا في تقدير‬
‫آرائهم يستندون الى ملكتهم اللسانية‪ ،‬وملكتهم التشريعية ‪ ،‬وما وقفوا عليه من مقاصد التشريع‬
‫وأسباب نزول القرآن‪ ،‬وورود السنة‪ .‬فمن مجموع هذه اآلراء تكون شرح لنصوص االحكام يعد‬
‫أوثق مرجع لتفسيرها وبيان اجمالها ووجوه تطبيقها ويتجلي هذا في كتب تفسير القرآن بالمأثور‬
‫كتفسير محمد بن جرير الطبري رحمه هللا‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬عدة فتاوي اجتهادية صدرت عن الصحابة في وقائع ال نص على حكمها ‪ .‬وبهذا‬
‫االستنباط شرعوا أحكاما كثيرة لوقائع عديدة في مختلف البلدان ‪ .‬وقد عني بعض رجال الحديث‬
‫في اول عهد التدوين الرسمي للسنة بأن يدونوا فتاوى الصحابة في مختلف ابواب احكام السنة ‪،‬‬
‫وسيتبين في العهد التشريعي الثالث ان االحتجاج بهذه الفتاوي كان موضع اختالف االئمة ‪ ،‬فمنهم‬
‫من ال يخرج عنها ومنهم من يخالفها‪.‬‬

‫‪ -3‬عهد األئمة المجتهدين رحمهم هللا‪:‬‬

‫هذا العهد ابتدأ في أول القرن الثاني الهجري وانتهى في أواسط القرن الرابع الهجري فهو‬
‫بالتقريب ‪ 250‬سنة‪ .‬وسمي هذا الطور بعهد االئمة المجتهدين ألن أئمة المذاهب الفقهية عاشوا‬
‫فيه وتميز بازدهار حركة الكتابة والتدوين‪ ،‬فدونت السنة بشكل رسمي‪ ،‬وفتاوى المفتين من‬
‫الصحابة والتابعين وتابعيهم رضي هللا عنهم وتفاسير القرآن الكريم وفقه االئمة المجتهدين‪ ،‬وكتبت‬
‫مصنفات في علم اصول الفقه‪ ،‬وألن مواهب عدد كبير من رجال االجتهاد والتشريع ظهرت فيه‬
‫وسرت فيهم روح اإلجتهاد الذي كان له اثر خالد في التقنين واستنباط االحكام لما وقع وما يحتمل‬
‫وقوعه‪.‬‬
‫ويعتبر هذا الطورهو العهد الذهبي للتشريع االسالمي فقد نما فيه ونضج‪ ،‬وأثمر ثروة تشريعية‬
‫أغنت الدولة االسالمية بالتشريع واالحكام على سعة ارجائها واختالف شؤونها وتعدد مصالحها‪.‬‬

‫االسباب التي أدت الي نمو الفقه االسالمي ونشاط حركة االجتهاد في هذا العهد كثيرة أهمها‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫أوال‪ :‬أن الدولةة االسةالمية فةي هةةذا العهةد اتسةعت رقعتهةا ‪ ،‬وتباعةةدت اطرافهةا وشةملت برعايتهةةا‬
‫كثيرا من الشعوب المختلفةة واالجنةاس والعةادات والمعةامالت والمصةالح فحةدود الدولةة االسةالمية‬
‫امتدت شرقا الى الصين وغربا الى بالد االندلس ‪.‬وهذه البلدان ال بد لها من تشةريعات يرجةع اليهةا‬
‫قضاتها ووالتها‪ ،‬وفتاوى يرجع اليها أفرادها وال مصدر لهذا التقنين واالفتاء اال مصادر الشريعة‪.‬‬
‫لهذا بذل العلماء جهودهم في الرجوع الى هذه المصادر‪ ،‬واستمدوا من نصوص الشريعة وروحهةا‬
‫وما أقامه الشارع من قواعد‪ ،‬أحكام ما طرأ للدولة من مصالح وحاجات‪ ،‬بل زاد نشةاطهم فشةرعوا‬
‫احكاما لحوادث فرضية‪ ،‬وبهذا النشاط لم يضق التشريع االسالمي بحاجة ولم يقصر عن مصةلحة‪.‬‬
‫و قةةةةةةد بةةةةةةث النشةةةةةةاط السياسةةةةةةي روح النشةةةةةةاط واالبتكةةةةةةار فةةةةةةي كةةةةةةل شةةةةةةؤون الدولةةةةةةة‪.‬‬

‫وثانيا‪ :‬ان الذين تصةدوا للتقنةين واالفتةاء فةي ذلةك العهةد وجةدوا طةرق اإلجتهةاد ممهةدة ‪ ،‬وصةعابه‬
‫ميسرة ‪ ،‬ألنهم وجةدوا المصةادر التشةريعية فةي متنةاولهم ووجةدوا كثيةرا مةن الوقةائع والمشةاكل قةد‬
‫عالجها سلفهم من قبلهم ‪ .‬فالقرآن مةدون ومنشةور بةين خاصةة المسةلمين وعةامتهم ‪ ،‬والسةنة مةدون‬
‫أكثرهةةا بشةةكل رسةةمي مةةن بةةدء القةةرن الثةةاني الهجةةري ‪ ،‬وكةةذلك فتةةاوى الصةةحابة والتةةابعين‪.‬‬
‫فاليسر الذي وجده مجتهدوا ذلك العهد في رجوعهم الةى القةرآن والسةنة ‪ .‬والنةور الةذى لمحةوه مةن‬
‫فتاوى سلفهم من الصحابة وتابعيهم ‪ ،‬ومن آثارهم في تفسير النصوص كانا من عوامةل نشةاطهم ‪،‬‬
‫ووفرة إنتاجهم فاستثمر الخلف عقله وعقل سلفه‪.‬‬

‫وثالثا‪ :‬ان المسلمين في ذلك العهد كانوا شديدي الحرص على أن تكون جميع أعمالهم من عبةادات‬
‫ومعامالت وعقود وتصرفات على وفةق أحكةام الشةريعة االسةالمية ‪ ،‬فلهةذا كةانوا فةي كةل شةؤونهم‬
‫يرجعون الى أولةي العلةم والفقةه يسةألونهم عةن الحكةم الشةرعي ‪ .‬ومةن هةذا اتصةلت جهةودهم ونمةا‬
‫انتاجهم ‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬نشأ في ذلك العهد أعالم لهم مواهبهم واستعداداتهم ‪ ،‬وساعدتهم البيئة التي عاشوا فيها علةى‬
‫استثمار هذه المواهب واالستعدادات ‪ .‬فتكونت الملكة التشريعية لكثير من أفذاذهم أمثال أبي حنيفةة‬
‫وأصحابه ‪ ،‬ومالك وأصحابه والشافعي وأصحابه ‪ ،‬وأحمد وأصحابه وغيرهم مةن معاصةريهم مةن‬
‫االئمة المجتهدين رحمهم هللا جميعا واقتدوا بهذه الملكةات علةى تنميةة الفقةه االسةالمي وسةد الحاجةة‬
‫التشريعية للدولة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫من تولى سلطة اإلجتهاد في هذا العهد‪:‬‬

‫‪ ‬الزم الصحابة الذين تصدوا لالفتاء واإلجتهاد في مختلف االمصار جماعة من التابعين‬
‫أخذوا عنهم القرآن ‪ ،‬ورووا عنهم السنة ‪ ،‬وحفظوا فتاويهم ‪ ،‬وفهموا منهم أسرار التشريع‪،‬‬
‫وطرق استمداد االحكام‪ ،‬وهؤالء التابعون منهم من كان يستفتى ويفتي في حياة الصحابة‬
‫أنفسهم مثل سعيد بن المسيب بالمدينة وعلقمة بن قيس ‪ ،‬وسعيد بن جبير بالكوفة ‪،‬‬
‫حتى أنه روي أن عبد هللا بن عباس كان اذا حج أهل الكوفة واستفتوه قال لهم اليس فيكم‬
‫سعيد بن جبير رحمهم هللا جميعا ‪.‬‬
‫‪ ‬وقد الزم هؤالء التابعين في حياتهم جماعة من تابعي التابعين تلقوا عنهم ما تلقوه عن‬
‫الصحابة ‪ ،‬من القرآن والسنة ‪ ،‬وأخذوا عنهم ما علموه من الفقه وأسرر التشريع ‪ .‬والزم‬
‫تابعي التابعين ‪ ،‬جماعة من طبقة االئمة المجتهدين ‪ ،‬ومعاصريهم من رجال التشريع‪.‬‬
‫‪ ‬فلما انقرض رجال التشريع من الصحابة خلفهم في تولى سلطة التشريع تالميذهم من‬
‫التابعين ‪ ،‬وخلف هؤالء تالميذهم من تابعي التابعين ‪ ،‬وخلف هؤالء تالميذهم من االئمة‬
‫المجتهدين وأقرانهم‪.‬‬
‫‪ ‬فكان رجال التشريع في كل مصر من أمصار المسلمين طبقات ‪ ،‬وكل طبقة يعد رجالها‬
‫تالميذ لسلفهم وأساتذة لخلفهم ‪ ،‬ومن الزموا المشرعين في حياتهم ‪ ،‬وأخذوا عنهم علمهم‬
‫وفقههم تصدوا إلفتاء الناس من بعدهم ‪ ،‬والقيام بما كان يقوم به أساتذتهم ‪ ،‬وبهذا اتصلت‬
‫حركة التشريع في االمصار‪.‬‬
‫‪ ‬ولم يكتسب أهل اإلجتهاد من كل طبقة من هذه الطبقات سلطة اإلجتهاد من تعيين الخليفة‬
‫او انتخاب االمة ‪ ،‬وانما وثق المسلمون بهم كما وثقوا بأساتذتهم من الصحابة واطمأنوا‬
‫الى عدالتهم وضبطهم وعلمهم وفقههم فرجعوا اليهم يسألهم الوالة والقضاة في االقضية‬
‫والخصومات ‪ ،‬ويستفتيهم االفراد في وقائعهم ‪ .‬وما يطرأ لهم من حاجات ‪ ،‬وكانت كل‬
‫طبقة ترث من سلفها العلم والثقة واطمئنان المسلمين الى بيانهم للنصوص الشرعية‬
‫وفتاويهم فيما ال نص فيه‪.‬‬
‫‪ ‬وكان أكثر أهل اإلجتهاد في هذا العهد يقومون بتدريس العلوم الشرعية ورواية الحديث‪،‬‬
‫ومنهم من ولي القضاء مثل شريح والشعبي وأبي يوسف ‪ .‬ومنهم من كان يتجر كأبي‬
‫حنيفة رحمهم هللا جميعا ‪ .‬فلم يكن االفتاء وظيفة ينقطع لها المفتي ‪ .‬وانما كان واجبا‬
‫‪20‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫يتصدي للقيام به من أنس في نفسه القدرة على أدائه مع اشتغاله بوظيفته او تجارته او‬
‫دراسته‪.‬‬

‫مصادر التشريع في هذا العهد ‪:‬‬

‫كانت مصادر التشريع في هذا العهد أربعة هي القرآن والسنة واالجماع واالجتهاد بالقياس او بأي‬
‫طريق من طرق االستنباط‪ .‬فكان المفتي اذا وجد نصا في القرآن او السنة يدل على حكم ما استفتي‬
‫فيه وقف عند النص وال يتعدى حكمه ‪ ،‬واذا لم يجد في الواقعة نصا ووجد سلفه من المجتهدين‬
‫أجمعوا في هذه الواقعة على حكم ‪ ،‬وقف عنده وأفتى به واذا لم يجد نصا على حكم الواقعة وال‬
‫اجماعا على حكم فيها اجتهد واستنبط الحكم بالطرق التي ارشد اليها الشارع لالستنباط‪.‬‬

‫ما طرأ على مصادر التشريع في هذا العهد ‪:‬‬

‫طرأ على المصدر التشريعي االول وهو القرآن الكريم في هذا العهد طارئان لهما أثرهما في‬
‫حفظه وضبطه وصونه من أي تحريف‪.‬‬
‫االول‪ :‬عناية طائفة من المسلمين بحفظه جميعه ‪ ،‬وتصديهم لتلقي الحفاظ عنهم ‪ ،‬وأشهر هؤالء‬
‫القراء السبعة وهم نافع مقرئ المدينة (ت ‪169‬ه)‪ ،‬وعاصم مقرئ الكوفة (ت ‪193‬ه) ‪ ،‬وحمزة‬
‫مقرئ الكوفة ( ت ‪156‬ه)‪ ،‬وعبدهللا بن عامر مقرئ دمشق (ت ‪118‬ه) ‪ ،‬وعبدهللا بن كثير مقرئ‬
‫مكة (ت ‪120‬ه) ‪ ،‬وأبو عمرو بن العالء مقرئ البصرة (ت ‪ 154‬ه) ‪ ،‬وعلي بن حمزة الكسائي‬
‫مقرئ الكوفة (ت ‪189‬ه) وقد اشتهروا بالحفظ والضبط واالتقان ‪ .‬وما توفوا في القرن الثاني‬
‫الهجري اال وقد خلفهم في الحفظ والضبط تالميذهم ‪ .‬وخلف هؤالء تالميذهم واتصل سند الحفاظ‬
‫الذين تنافسوا في الضبط وساعد ذلك على ازدياد حفظة القرآن والتنافس في حفظه ألن تالوته‬
‫عبادة وهو يتلى في كل صالة‪.‬‬

‫والطارئ الثاني‪ :‬ادخال االصالح في رسم كتابته وشكل حروفه ‪ ،‬وذلك ان المصحف الذي دون‬
‫في عهد عثمان بن عفان رضي هللا عنه ومنه نسخت عدة مصاحف ووزعت في االمصار كان‬
‫مكتوبا بالخط الكوفي بال نقط وال شكل ‪ ،‬وكان االعتماد في قراءته على التلقي من الحفظة‪ ،‬وبهذا‬

‫‪21‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫االصالح والتهذيب في رسمه وشكله وتمييز كل حرف بما يعين على النطق به صحيحا تمت‬
‫للقرآن الكريم وسائل التكميل والضبط والتيسير‪.‬‬

‫وأما المصدر التشريعي الثاني وهو السنة النبوية الشريفة فقد طرأ عليها ايضا في اول هذا‬
‫العهد طارئ له اثرعظيم ‪ ،‬وذلك ان الخليفة عمر بن عبد العزيز كتب في عهد خالفته الى والي‬
‫المدينة ابي بكر محمد بن عمرو بن حزم " انظر ما كان من حديث رسول هللا فاكتبه فاني خفت‬
‫دروس العلم وذهاب العلماء " وكلف ايضا بهذا التدوين محمد بن شهاب الزهري رحمهم هللا‬
‫جميعا ‪ .‬فقام كل منهما بتدوين ما استطاع تدوينه من السنة ‪ ،‬وبهذا بدأ تدوين نصوص المصدر‬
‫التشريعي الثاني بشكل رسمي بعد ان لبثت في القرن الهجري االول كله يرجع اليها في صدور‬
‫رواتها وحفاظها فقط في الغالب ‪ ،‬وتتابع على هذا التدوين كثير من العلماء ‪ .‬ففي سنة ‪140‬‬
‫هـ دون االمام مالك بن أنس رحمه هللا كتابه "الموطأ" في صحيح الحديث بناء على طلب الخليفة‬
‫المنصور رحمه هللا ‪ ،‬وفي القرن الثاني الهجري دون أصحاب المسانيد في السنة مسانيدهم ‪.‬‬
‫(والمسند هو ما تجمع فيه االحاديث حسب رواتها فيجمع ما رواه عمر على حدة ‪ ،‬وما رواه أبو‬
‫بكر على حدة ‪ ،‬بصرف النظر عن موضوع الحديث ) وأقدم ما وصل الينا منها مسند االمام احمد‬
‫رحمه هللا ‪ ،‬وفي القرن الثالث الهجري دونت كتب الصحاح الستة التي هي صحيح البخاري ‪،‬‬
‫ومسلم ‪ ،‬وابي داود ‪ ،‬والنسائي والترمذي ‪ ،‬وابن ماجه رحمهم هللا جميعا ‪ .‬واذا قيل في الحديث‬
‫رواه الستة ‪ ،‬او متفق عليه ‪ ،‬فالمراد انه رواه هؤالء جميعهم ‪ ،‬ودون كثير غير هؤالء عدة‬
‫مجاميع في السنة‪.‬‬
‫‪ ‬ولكن هذا التدوين الذي حفظ السنة من الضياع لم يؤد الى جمع المسلمين على مجموعة‬
‫واحدة من السنة تكون مرجعا لخاصتهم وعامتهم على السواء كما جمعت كلمتهم على‬
‫نص القرآن الكريم ‪ ،‬ولهذا بقيت السنة بعد تدوينها مجاال لالختالف ‪ ،‬واليها منفذ للوضع‬
‫واالفتراء ‪ ،‬وقد فكر الخليفة المنصور العباسي رحمه هللا في ان يجمع كلمة المسلمين‬
‫على نص واحد من السنة وينشره بينهم ليرجعوا اليه ‪ ،‬فأمر مالك بن انس ان يكتب من‬
‫السنن كتابا يتجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر ‪ ،‬فكتب االمام مالك كتابه‬
‫"الموطأ" ‪ ،‬وأراد المنصور رحمه هللا أن ينفذ فكرته ويحمل الناس على الرجوع اليه‬
‫وحده ‪ ،‬فقال له مالك رحمه هللا ال سبيل الى ذلك يا أمير المؤمنين ألن الصحابة افترقوا‬
‫بعد الرسول كل يتبع ما صح عنده ‪ ،‬وكلهم على هدى وكلهم يريد ثواب هللا ‪ ،‬فعدل‬
‫المنصور رحمه هللا عما اراد‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫أسباب اختالف االئمة المجتهدين وتكوين المذاهب ‪:‬‬

‫يرجع اختالف المناهج التشريعية لألئمة المجتهدين الى اختالفهم في امور ثالثة‪:‬‬
‫االول‪ :‬في تقدير بعض المصادر التشريعية‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬في المناهج التشريعية‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬في بعض المبادئ اللغوية التي تطبق في فهم النصوص الشرعية‪.‬‬
‫‪-‬ا‪ -‬فأما اختالفهم في تقدير بعض مصادر التشريع فقد ظهر فيما يأتي‪:‬‬
‫أوال في طريق الوثوق بالسنة والميزان الذي ترجح به رواية على رواية ‪ ،‬وذلك ان الوثوق بالسنة‬
‫مبني على الوثوق برواتها وكيفية روايتها ‪ .‬وقد اختلف االئمة في طريق هذا الوثوق‪.‬‬
‫فمجتهدو العراق‪ :‬ابو حنيفة رحمه هللا وأصحابه يحتجون بالسنة المتواترة والمشهورة ويرجحون‬
‫ما يرويه الثقات من الفقهاء ولهذا قال ابو يوسف رحمه هللا ‪ ،‬وعليك بما عليه الجماعة من الحديث‬
‫وما يعرفه الفقهاء‪.‬‬
‫ومجتهدو المدينة‪ :‬مالك رحمه هللا وأصحابه يرجحون ما عليه أهل المدينة بدون اختالف‬
‫ويتركون ما خالفه من اخبار اآلحاد‪.‬‬
‫وباقي االئمة ‪ :‬يحتجون بما رواه العدول الثقات من الفقهاء وغير الفقهاء وافق عمل أهل المدينة‬
‫أو خالفه‪.‬‬
‫وترتب على هذا ان مجتهدى العراق جعلوا المشهور في حكم المتواتر وخصصوا به‬ ‫‪‬‬
‫العام في القرآن وقيدوا به المطلق فيه‪ ،‬وغيرهم لم يجعلوا له هذه القوة‪.‬‬
‫‪ ‬وترتب على ذلك أيضا ان الحديث المرسل (وهو ما رواه الصحابي بقوله أمر رسول هللا‬
‫بكذا ‪ ،‬او نهى عن كذا ‪ ،‬او قضى بكذا ‪ ،‬من غير ان يصرح بأنه سمع ذلك بنفسه او‬
‫شافهه او شاهده ) يحتج به بعض رجال التشريع وال يحتج به بعضهم ‪ .‬فهذا االختالف‬
‫في طريق الوثوق بالسنة ادى الى ان بعضهم احتج بسنة لم يحتج بها اآلخر ‪ ،‬وبعضهم‬
‫رجح بسنة هي مرجوحة عند اآلخر وعن هذا نشأ اختالف األحكام‪.‬‬

‫وثانيا في فتاوي الصحابة رضي هللا عنهم وتقديرها ‪ :‬فإن االئمة اختلفوا في الفتاوى االجتهادية‬
‫التي صدرت عن افراد الصحابة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫‪ -‬فابو حنيفة رحمه هللا ومن تابعه منهجه بالنسبة اليها ان يأخذ بأية فتوى منها وال يتقيد‬
‫بواحدة معينة وال يخرج عنها جميعا ‪.‬‬
‫‪ -‬والشافعي رحمه هللا ومن تابعه منهجه بالنسبة اليها انها فتاوى اجتهادية فردية صادرة‬
‫من غير معصومين فله ان يأخذ بأية فتوى منها ‪ ،‬وله ان يفتي بخالفها كلها ‪ ،‬وعن هذا‬
‫نشأ ايضا اختالف في االحكام‬

‫ثالثا في القياس ‪ :‬فإن بعض المجتهدين من الشيعة والظاهرية انكروا القياس ونفوا أن يكون‬
‫مصدرا للتشريع ولهذا سموا بنفاة القياس‪ .‬وجمهور االئمة احتجوا بالقياس وعدوه المصدر‬
‫التشريعي بعد القرآن والسنة واالجماع ولكنهم مع اتفاقهم على انه حجة اختلفوا فيما يصلح ان‬
‫يكون علة للحكم ويبني عليه القياس‪ .‬ونشأ عن هذا ايضا اختالف في االحكام‪.‬‬
‫ب‪ -‬وأما اختالفهم في المناهج التشريعية ‪ :‬فقد ظهر في انقسامهم الى فريقين هما‪:‬‬
‫‪ ‬أهل الحديث ومنهم أكثر مجتهدي الحجاز‪.‬‬
‫‪ ‬وفريق أهل الرأي ‪ :‬ومنهم أكثر مجتهدي العراق ‪.‬‬
‫وليس معنى هذا االنقسام ان فقهاء اهل العراق ال يصدرون في تشريعهم عن الحديث ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وان فقهاء الحجاز ال يصدرون في تشريعهم عن االجتهاد بالرأي ‪ ،‬ألنهم جميعا متفقون‬
‫على ان الحديث حجة شرعية ملزمة ‪ ،‬وان االجتهاد بالرأي أي بالقياس حجة شرعية‬
‫فيما ال نص فيه‪.‬‬
‫وإنما معنى هذا االنقسام وسبب هذه التسمية ان فقهاء العراق أمعنوا النظر في مقاصد‬
‫الشارع وفي االسس التي بنى عليها التشريع ‪ ،‬فاقتنعوا بأن االحكام الشرعية معقول معناها‬
‫ومقصود بها تحقيق مصالح الناس ‪ .‬وبأنها تعتمد على مبادئ واحدة وترمي الى غاية واحدة‪،‬‬
‫وهي لهذا ال بد ان تكون متسقة وال تباين بين نصوصها وأحكامها ‪ .‬وعلى هذا االساس‬
‫يفهمون النصوص ويرجحون نصا على نص ‪ ،‬ويستنبطون األحكام فيما ال نص فيه ولو‬
‫أدى استنباطهم على هذا االساس الى صرف نص عن ظاهره ‪ .‬أو ترجيح نص على آخر‬
‫أقوى منه رواية حسب الظاهر ‪ ،‬وهم من أجل هذا ال يتحرجون من السعة في االجتهاد‬
‫بالرأي‪ ،‬ويجعلون له مجاال في أكثر بحوثهم التشريعية‪.‬‬
‫‪ ‬أما فقهاء الحجاز فقد عنوا بحفظ االحاديث وفتاوى الصحابة ‪ ،‬واتجهوا في‬
‫تشريعهم الى فهم هذه اآلثار حسبما تدل عليه عبارتها ‪ ،‬وتطبقها على ما يحدث من‬
‫الحوادث غير باحثين فى علل االحكام ومبادئها ‪ ،‬فإذا وجدوا ما فهموه من النص ال‬

‫‪24‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫يتفق مع ما يقتضيه العقل لم يبالوا بهذا وأخذوا بالنص ‪ .‬وكانوا من اجل هذا‬
‫يتحرجون من االجتهاد بالرأي وال يلجأون اليه اال عند الضرورة القصوى‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬ورد في الحديث ان في كل اربعين شاة شاة ‪ .‬وان صدقة الفطر صاع من‬
‫تمر او شعير ‪ ،‬وان من رد الشاة المصراة بعد احتالب لبنها رد معها صاعا من‬
‫تمر‪.‬‬

‫فقهاء العراق‪ :‬يفهمون هذه النصوص على ضوء معناها المعقول ومقصد الشارع من تشريعها ‪.‬‬
‫وهو ان مالك أربعين شاة يجب عليه ان ينفع الفقراء بواحدة أو ما يعادلها ‪ ،‬وأن المتصدق بصدقة‬
‫الفطر يجب عليه أن ينفعهم بصاع من تمر أو ما يعادلها ‪ .‬واللبن المحتلب يضمن بمثله أو قيمته‬
‫وليس خصوص الشاة او الصاع مقصودا للشارع ‪ .‬فمن تزكى بقيمة الشاة او تصدق بقيمة الصاع‬
‫أو ضمن لبن المصراة بقيمته أجزأه ألن المقصود نفع الفقراء وتعويض المال المتلف‪.‬‬

‫أما فقهاء الحجاز‪ :‬فيفهمون هذه النصوص حسبما تدل عليه عبارتها الظاهرة وال يبحثون في علة‬
‫التشريع وال يتجهون الى التأويل بناء على مراعاة العلل المعقولة ‪ .‬وعلى هذا يوجبون الشاة‬
‫بخصوصها ‪ ،‬والصاع بخصوصه ‪ ،‬وال يجزئ في مذهبهم القيمة‪.‬‬

‫وأهم االسباب التي أدت الي اختالف هاتين النزعتين هي ‪:‬‬

‫‪ -1‬ان االحاديث وفتاوى الصحابة لم تكن كثيرة في العراق كثرتها في الحجاز ‪ .‬فالحجازيون‬
‫وجدوا عندهم ثروة من اآلثار اعتمدوا عليها في تشريعهم وركنوا اليها ‪ .‬وأما فقهاء العراق فلم‬
‫تكن لديهم هذه الثروة فاعتمدوا على عقولهم ‪،‬واجتهدوا في تفهم معقول النص وعلة التشريع لتتسع‬
‫معاني النصوص لما لم تتسع له الفاظها ‪ ،‬وأسوتهم في هذا أستاذهم عبد هللا بن مسعود رحمه هللا‪.‬‬
‫‪ -2‬ان العراق كان فيه الفتن التي أدت الى افتراء االحاديث وتحريفها ألنه كان مهد الشيعة ومقر‬
‫الخوارج ‪ ،‬وقد شاهد فقهاء العراق من الجرأة على وضع االحاديث والتحريف فيها ما لم يشاهده‬
‫فقهاء الحجاز ‪ ،‬فلهذا تشددوا في قبول الرواية والتزموا أن يكون الحديث مشهورا بين أهل الفقه‬
‫وإذا وجدوا حديثا يفهم منه ما ال يتفق وحكمة الشارع أولوه أو تركوه‪.‬‬
‫‪ -3‬إن بيئة العراق غير بيئة الحجاز ‪ ،‬واالقضية والحوادث في البلدين مختلفة ألن دولة الفرس‬
‫خلفت في العراق أنواعا من المعامالت والعادات والنظم ال يعهد مثلها في بالد الحجاز فكان مجال‬

‫‪25‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫االجتهاد في العراق ذا سعة ‪ ،‬وأفق البحث ممتدا ‪ ،‬ولهذا تكونت في فقهاء العر اق ملكة البحث‬
‫والتفكير وبدت لهم وجوه عديدة من الرأي والنظر في التشريع ‪ .‬وأما فقهاء الحجاز فقلما حدث لهم‬
‫ما لم يحدث لسلفهم من التابعين والصحابة ألن البيئة واحدة وقلما حدث لهم ما لم يحفظوا في حكمه‬
‫حديثا أو فتوى صحابي ‪ ،‬فلما لم يجدوا لالجتهاد المجال الذي وجده العراقيون اعتادوا فهم‬
‫النصوص على ظواهرها ولم تدعهم الحاجة الى البحث في عللها او التعمق في مقاصدها‪.‬‬
‫ج ‪ -‬وأما اختالفهم في بعض المبادئ االصولية اللغوية ‪ :‬فقد نشأ من اختالف وجهات النظر في‬
‫استقراء االساليب العربية‪.‬‬

‫‪ -4‬عهد التقليد‪:‬‬

‫سمي هذا الطور بعهد التقليد ألن همم العلماء فترت فيه عن االجتهاد المطلق وعن الرجوع الى‬
‫المصادر التشريعية االساسية الستمداد االحكام من نصوص القرآن والسنة ‪ ،‬واستنباط االحكام فيما‬
‫ال نص فيه بأي دليل من االدلة الشرعية ‪ .‬والتزموا اتباع ما استمدوه من االئمة المجتهدين‬
‫السابقين من االحكام ‪ ،‬وقد ابتدأ هذا العهد من منتصف القرن الرابع الهجري بالتقريب حين طرأت‬
‫على المسلمين عدة عوامل سياسية ‪ ،‬وعقلية وخلقية واجتماعية أترت في كل مظهر من مظاهر‬
‫نهوضهم وأحالت نشاطهم التشريعي الى فتور ‪ ،‬وعود العلماء أنفسهم على التقليد ‪ ،‬وتعودوا أن‬
‫يكونوا عالة على فقه االئمة السابقين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأقرانهم رحمهم هللا ‪ .‬وبلغ‬
‫من ركونهم الى اقوال أئمتهم ان قال ابو الحسن الكرخي من علماء الحنفية " كل آية أو حديث‬
‫يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ " وبهذا وقف التشريع عند ما وصل اليه أئمة‬
‫العهد السابق وقصر عن مسايرة ما يجد من التطورات والمعامالت واالقضية والوقائع‪.‬‬
‫أسباب وقوف حركة االجتهاد‪:‬‬

‫وأهم العوامل التي أدت الى وقوف االجتهاد والركون الى التقليد‪:‬‬
‫أوال‪ :‬انقسام الدولة االسالمية الى ممالك يتناحر ملوكها ووالتها وافرادها ‪ ،‬مما شغل والة‬
‫االمور وشغل الناس معهم بالحروب والفتن وإتقاء المكايد وتدابير وسائل القهر والغلبة ‪ ،‬فدب‬
‫االنحالل العام وفترت الهمم في اكتساب العلوم والفنون ‪ ،‬مما أدى الى توقف حركة االجتهاد‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫وثانيا‪ :‬لما انقسم االئمة المجتهدون في العهد الثالث الى فرق وصار لكل فريق مدرسة‬
‫تشريعية ‪ ،‬لها نزعتها ومنهجها ‪ ،‬عني تالميذ كل مدرسة او اعضاء كل فريق باالنتصار‬
‫لمذهبهم وتأييد أصوله وفروعه بكل الوسائل ‪ ،‬وصرفهم ذلك عن االساس التشريعي االول‬
‫وهو القرآن والسنة ‪ ،‬فكانوا ال يرجعون الى نص منهما اال ليلتمسوا فيه ما يؤيد مذهب إمامهم‬
‫ولو بضرب من التعسف والتأويل ‪ ،‬وبهذا فنيت شخصية العالم في مذهبه ‪ ،‬وماتت روح‬
‫اإلجتهاد عندهم‪ .‬وصار الخاصة كالعامة أتباعا ومقلدين‪.‬‬

‫وثالثا‪ :‬لما أهمل المسلمون تنظيم السلطة التشريعية ولم يضعوا نظاما كفيال بأن ال يجترئ‬
‫على االجتهاد اال من هو أهل له ‪ ،‬دبت الفوضى في التشريع واالجتهاد ‪ ،‬وادعى االجتهاد من‬
‫ليس أهال له ‪ ،‬وتصدى الفتاء المسلمين جهال عبثوا بنصوص الشريعة وبحقوق الناس‬
‫ومصالحهم ‪ ،‬وبهذا تعددت االحكام في االقضية ‪ ،‬حتى كان القضاء يختلف في البلد الواحد ‪،‬‬
‫فتستحل دماء وأموال في ناحية من نواحي المدينة وتستباح في ناحية أخرى ‪ ،‬وكل ذلك نافذ‬
‫في المسلمين ‪ ،‬وكله يعتبر من أحكام الشريعة ‪ ،‬فلما تجرأ هؤالء على اإلجتهاد حكم العلماء‬
‫في أواخر القرن الرابع بسد باب االجتهاد ‪ ،‬وتقييد المفتين والقضاة بأحكام االئمة السابقين ‪،‬‬
‫فعالجوا الفوضى بالجمود‪.‬‬

‫ورابعا‪ :‬فشت في العلماء أمراض خلقية ‪ ،‬حالت بينهم وبين السمو الى مرتبة االجتهاد ‪ ،‬فقد‬
‫انتشر بينهم التحاسد واالنانية ‪ ،‬فكانوا إذا طرق أحدهم باب االجتهاد ‪ ،‬فتح على نفسه أبوابا من‬
‫التشهير به وحط أقرانه من قدره ‪ ،‬وإذا أفتى في واقعة برأيه ‪ ،‬قصدوا الى تسفيه رأيه وتفنيد‬
‫ما أفتى به بالحق وبالباطل ‪ ،‬فلهذا كان العالم يتق كيد زمالئه ‪ ،‬بأنه مقلد ناقل ‪ ،‬ال مجتهد‬
‫مبتكر ‪ ،‬وبهذا ماتت روح النبوغ وضعفت ثقة العلماء بأنفسهم ‪ ،‬وثقة الناس بهم ‪ ،‬فولوا‬
‫وجوههم مذاهب االئمة السابقين‪.‬‬

‫جهود العلماء التشريعية في هذا العهد‪:‬‬

‫هذه العوامل التي قعدت بالعلماء عن االجتهاد المطلق ‪ ،‬واستمداد االحكام الشرعية من‬
‫مصادرها االولى ‪ ،‬لم تقعدهم عن بذل جهود تشريعية في دوائرهم المحدودة ولهذا قسم العلماء‬
‫المجتهدين الى طبقات أهمها ‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫‪ -1‬المجتهد المطلق أوالمستقل‪ :‬وهو الذي تكونت عنده ملكة االجتهاد بحيث يستطيع‬
‫االستنباط مباشرة من النصوص له أصوله التي أصلها وقواعده التي قعدها‪ .‬يقوم باستقراء‬
‫األدلة التفصيلية واستنباط األحكام الشرعية العملية منها بمراعاة ما أصله وقعده ‪ ،‬واجتهاده‬
‫غير منحصر في باب من أبواب الفقه‪ ،‬فهو يتصرف في األصول ويتكلم في المسائل التي لم‬
‫يسبق بالجواب فيها ‪ .‬ويدخل في هذا القسم فقهاء الصحابة وفقهاء التابعين وأئمة المذاهب أبو‬
‫حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري واألوزاعي والليث بن سعد والطبري وداود بن علي‬
‫وغيرهم قال السيوطي " وهذا شيء فقد من دهر‪،‬بل لو أراده اإلنسان اليوم المتنع عليه ولم‬
‫يجز له‪،‬نص عليه غير واحد " وذكر قوال يبين أن هذا الموقف من العلماء اجتهاد‪ ،‬األمر‬
‫الذي يعني عدم إلزام األمة به‪،‬وال يجوز الحجر على فضل هللا على عباده الذي حكم بوجود‬
‫الخير في أول األمة وآخرها‪ .‬وهذه المرتبة لم يصل إليها معظم أصحاب هذا الطور إال ما نذر‬
‫كابن تيمية على قول بعض العلماء‪.‬‬

‫‪ -2‬المجتهد المنتسب‪ :‬هو الذي ينتسب إلى مذهب من المذاهب الفقهية ألنه سلك طريقه في‬
‫االجتهاد ‪ ،‬بحيث يتفق مع إمام مذهبه في األصول ويخالفه في الفروع ‪ ،‬فهو قادر على‬
‫استنباط المسائل من األدلة و ليس له منهاج خاص به ‪ ،‬إنما التزم بأصول إمام مذهبه إما على‬
‫سبيل االتفاق والمصادفة أوبما أداه إليه اجتهاده ‪ .‬وللمجتهد المنتسب اجتهاداته في عامة أبواب‬
‫الفقه ‪ ،‬مثال أصحاب هذه الطبقة أصحاب أبي حنيفة أبي يوسف ومحمد وزفر ‪ ،‬وأصحاب‬
‫مالك ابن الماجشون وأشهب وابن القاسم ‪ ،‬وأصحاب الشافعي البويطي والمزني ‪ ،‬وفتوى‬
‫هؤالء كفتوى المجتهد المستقل في العمل بها واالعتداد بها في االجماع والخالف ويسقط‬
‫بوجوده فرض الكفاية عن المسلمين ‪ .‬ولم يصل الى هذه المرتبة في هذا الطور اال قلة من‬
‫العلماء‪.‬‬

‫‪ -3‬المجتهد داخل المذهب‪ :‬وهو المتبع إلمامه في األصول والفروع ‪ ،‬فإذا وقعت حادثة خرج‬
‫حكمها من أقوال إمامه إن وجد وإن لم يعرف إلمامه فيها نصا اجتهد على منواله ‪ ،‬فهو ال‬
‫يتجاوز أصول إمامه ‪ ،‬ويستقل بتقرير مذهبه بالدليل ‪ ،‬وربما اكتفى في الحكم بدليل إمامه ‪،‬‬
‫وال يبحث عن معارض مثال أصحاب هذه الطبقة الحسن بن زياد والكرخي والطحاوي من‬
‫الحنفية ‪ ،‬واألبهري وابن زيد من المالكية ‪ ،‬وأبي اسحاق الشيرازي والمروزي من الشافعية‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫ونحوهم من أصحاب التخريج على منصوص اإلمام وهؤالء العلماءا ال يتأدى بهم فرض‬
‫الكفاية‪ .‬ولم يصل الى هذه المرتبة في هذا الطور اال قلة من العلماء‪.‬‬

‫‪ -4‬مجتهد الترجيح ‪ :‬وأصحاب هذه الطبقة يقتصرون على ترجيح قول على آخر لعلماء‬
‫المذهب‪ ،‬ووجه من الوجوه الواردة ألصحاب المذهب على اآلخر ‪ .‬واليستنبطون أحكام فروع‬
‫لم يجتهد فيها السابقون ولم يعرفوا حكمها ‪ ،‬وصاحب هذه المرتبة حافظ لمذهب إمامه عارف‬
‫بأدلته قائم بتقريرها ‪ ،‬يصور ويحرر ويقرر ‪ ،‬غايته تفضيل بعض األقوال على البعض ‪.‬‬
‫والموازنة بين ما روي عن أئمتهم من الروايات المختلفة وترجيح بعضها على بعض من جهة‬
‫الرواية ‪ ،‬او من جهة الدراية فيقول هذا أصح رواية ‪ ،‬او هذا اولى النقول بالقبول ‪ ،‬او هذا‬
‫أوفق للقياس او ارفق للناس ‪ ،‬مثال أصحاب هذه الطبقة القدوري والمرغيناني من الحنفية‬
‫ومثل اللخمي وابن رشد والمازري وغيرهم من المالكية‪ ،‬وبواسطة أهل هذه المرتبة أمكن‬
‫ضبط األحكام الفقهية الكثيرة المنقولة عن أئمة المذاهب األربعة ‪ ،‬ومعرفة األقوال التي يصح‬
‫االعتماد عليها ‪ .‬وقد وصلت فئة من علماء هذا الطور الى هذه المرتبة‪.‬‬
‫وبعد هذه الطبقات األربع لم يبق اال أهل التقليد المحض وهم الذين يقلدون المذهب‬
‫الذي ينتسبون إليه دون رجوع الى الدليل ‪ ،‬وغالب أهل هذا الطور من هذه الفئة ‪.‬‬
‫(انظر في ذلك أصول الفقه ألبي زهرة فقد فصل وأجاد في هذا الموضوع) ‪.‬‬
‫يستفاد من هذا ان جهود العلماء في هذا العصر اقتصرت على أقوال االئمة وتعليلها‬
‫والترجيح بين المتعارض منها ‪ ،‬وصار معظمهم مقلدين ‪ ،‬ونسي العلماء ما قاله أبو‬
‫حنيفة فيمن سبقه من الفقهاء "هم رجال ‪ ،‬ونحن رجال "‪ ،‬وما قاله مالك بن أنس "‬
‫ما من احد اال ويؤخذ من قوله ويترك اال المعصوم صلى هللا عليه وسلم "‪ ،‬وقول‬
‫الشافعي "إذا صح الحديث فهو مذهبي " رحمهم هللا جميعا‪.‬‬

‫‪ -5‬بوادر النشاط التشريعي الحديث ‪:‬‬

‫بدأ هذا العهد أواخر القرن الثالث عشر الهجري حيث جمعت الحكومة العثمانية طائفة من‬
‫كبار علمائها وكلفتهم بوضع تشريع في المعامالت المدنية يكون مأخذه من الفقه االسالمي ولو‬
‫من غير المذاهب المعروفة متى كان الحكم المأخوذ يتمشى وروح العصر ‪ .‬وقد اجتمع هؤالء‬

‫‪29‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫العلماء وسنوا القانون الذي سمي ( مجلة االحكام العدلية) في سنة ‪1286‬هـ وصدر مرسوم‬
‫العمل به في سنة ‪ 1292‬هـ‪.‬‬
‫‪ ‬وفي مصر خطت الحكومة في سنة ‪ 1920‬م أولى خطواتها وأصدرت القانون رقم‬
‫‪ 25‬لسنة ‪ 1920‬الذي اشتمل على بعض األحكام في االحوال الشخصية تخالف‬
‫االربعة‪.‬‬ ‫االئمة‬ ‫مذاهب‬ ‫عن‬ ‫تخرج‬ ‫لم‬ ‫ولكنها‬ ‫حنيفة‬ ‫ابي‬ ‫مذهب‬
‫‪-‬واصدرت العديد من الدول اإلسالمية قوانين االحوال الشخصية التي لم تخرج في‬
‫الغالب عن المذاهب الفقهية األربعة‪.‬‬
‫‪ ‬وكانت هناك خطوة اكثر تقدما في مجال الدراسات التشريعية الصادرة عن علماء‬
‫األمة ومؤسساتها العلمية والفتاوى الصادرة عن الهيئات الشرعية‪.‬‬

‫بعض مظاهر النهضة التشريعية الحديثة‪:‬‬


‫للنهضة التشريعية الحديثة وجوه متعددة منها‪:‬‬

‫‪ ‬بروز حركة التقنين في الفقه اإلسالمي مثال ذلك مجلة األحكام العدلية التي تضمنت‬
‫المعامالت‪.‬‬ ‫مجال‬ ‫في‬ ‫فقهية‬ ‫قاعدة‬ ‫مائة‬ ‫حوالي‬
‫‪-‬انعقاد المؤتمرات والندوات لدراسة القضايا التشريعية‪.‬‬
‫‪ ‬انشاء الجامعات والكليات واألقسام المتخصصة في الدراسات الشرعية وتطوير‬
‫الجامعات العتيقة كاألزهر والزيتونة والقرويين‪.‬‬
‫‪ ‬إنشاء المجمعات الفقهية والهيئات الشرعية التي تصدر الدراسات والفتاوى الشرعية‬
‫بالنسبة للمستجدات الواقعة في حياة المسلمين اعتمادا على مقاصد الشريعة بما‬
‫اليخالف التوابث الشرعية ويساير روح العصر ويحقق مصالح الناس‪.‬‬
‫‪ ‬بروز المنهج المقارن في التأليف والتدوين التشريعي خروجا عن سيطرة الروح‬
‫المذهبية التي كانت في عصر الركود‪.‬‬
‫‪ ‬اإلستفادة من المناهج القانونية الحديثة ببروز ظاهرة التقسيم والتبويب والتصنيف في‬
‫الدراسات الشرعية لتيسير الرجوع إليها وبذلك تتميز المصادر العلمية التعليمية عن‬
‫المصادر القضائية‪.‬‬

‫ظهور الموسوعات الفقهية من ذلك‪:‬‬


‫‪30‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫موسوعة الفقه اإلسالمي الصادرة عن كلية الشريعة بدمشق سنة ‪.1956‬‬
‫فهرس ابن عابدين ألحمد مهدي خضر سنة ‪.1963‬‬
‫معجم فقه ابن حزم الظاهري الصادر عن كلية الشريعة بدمشق سنة ‪.1966‬‬
‫موسوعة عبد الناصر الصادرة عن المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بالقاهرة‪.‬‬
‫معجم الفقه الحنبلي الصادر عن وزارة األوقاف الكويتية‪.‬‬
‫الموسوعة الفقهية الكويتية الصادرة عن وزارة األوقاف الكويتية‪.‬‬
‫وعسى أن نعتمد في سن قوانيننا على الشريعة التي تحقق مصالح الناس وتساير روح العصر‬
‫وتطوراته ‪ ،‬دون مخالفة نص في القرآن أوالسنة ولو لم نقتصرعلى مذاهب السابقين ‪ ،‬وبذلك‬
‫يبعث النشاط التشريعي االسالمي من مرقده ويحيا الفقه االسالمي بالتطبيق العملي والدراسة‬
‫المقارنة وهذا ما بدأت بوادره تظهر بوضوح مع الصحوة المباركة وهللا ولي التوفيق ( انظر كتاب‬
‫الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي لمحمد الحجوي الثعالبي‪ .‬والتشريع والفقه في اإلسالم‬
‫تاريخا ومنهاجا لمناع القطان‪ .‬وخالصة تاريخ التشريع اإلسالمي لعبد الوهاب خالف رحمه هللا‬
‫وموقع الموسوعة الشاملة اإلصداراألخير )‪.‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫======================‬

‫‪31‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫فهرس الموضوعات‪:‬‬
‫‪ .1‬تمهيد‪:‬‬
‫ا‪ -‬مفهوم الفقه والشريعة والفرق بينهما‪.‬‬
‫ب‪ -‬موضوع الفقه وخصائصه‪.‬‬
‫‪ .2‬أطوار الفقه اإلسالمي‪:‬‬
‫ا‪ -‬عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ا‪ -1-‬من تولى السلطة التشريعية في هذا العهد‪.‬‬
‫ا‪ -2-‬مصادرالتشريع في هذا العهد‪.‬‬
‫ا‪ -3-‬الخطة التشريعية في هذا العهد‪.‬‬
‫ا‪ - 4-‬ما خلفه هذا العهد من آثار تشريعية‪.‬‬
‫ا‪ -5-‬مقدار النصوص المرتبطة باألحكام الفقهية‪.‬‬
‫ا‪ -6-‬أسلوب النصوص المرتبطة باألحكام الفقهية‪.‬‬
‫ا‪ -7-‬أنواع األحكام التي اشتملت عليها النصوص المرتبطة باألحكام الشرعية‪.‬‬
‫ب‪ -‬عهد الصحابة رضوان هللا عليهم‪:‬‬
‫ب‪ -1 -‬من تولى سلطة اإلجتهاد في هذا العهد‪.‬‬
‫ب‪ -2 -‬مصادرالتشريع في هذا العهد‪.‬‬
‫ب‪ -3 -‬ما طرأ على مصادرالتشريع في هذا العهد‪.‬‬
‫ب‪ -4 -‬ما خلفه هذا العهد من آثار تشريعية‪.‬‬
‫ج‪ -‬عهد األئمة المجتهدين رحمهم هللا‪:‬‬
‫ج‪ -1-‬األسباب المؤدية الى نمو الفقه في هذا العهد‪.‬‬
‫ج‪ -2-‬من تولى سلطة اإلجتهاد في هذا العهد‪.‬‬
‫ج‪ -3-‬مصادرالتشريع في هذا العهد‪.‬‬
‫ج‪ -4-‬ما طرأ على مصادرالتشريع في هذا العهد‪.‬‬
‫ج‪ -5-‬أسباب إختالف األئمة المجتهدين وتكوين المذاهب‪.‬‬
‫د‪ -‬عهد التقليد‪:‬‬
‫د‪ -1-‬أسباب وقوف حركة اإلجتهاد‪.‬‬
‫د‪ -2-‬جهود العلماء التشريعية في هذا العهد‪.‬‬
‫ه‪ -‬بوادر النشاط التشريعي الحديث‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫‪ -‬المصادر والمراجع‪:‬‬
‫‪ -‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي لمحمد الحجوي الثعالبي‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ الفقه اإلسالمي لمحمد يوسف موسى‪.‬‬
‫‪ -‬خالصة تاريخ التشريع اإلسالمي لعبد الوهاب خالف‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ التشريع اإلسالمي لمحمد الخضري‪.‬‬
‫‪ -‬المذاهب اإلسالمية لمحمد أبو زهرة‪.‬‬
‫‪ -‬المدخل للتشريع اإلسالمي لفاروق النبهان‪.‬‬
‫‪ -‬المدخل الفقهي العام لمصطفى أحمد الزرقاء‪.‬‬
‫‪ -‬إعالم الموقعين عن رب العالمين إلبن القيم الجوزية‪.‬‬
‫‪ -‬التشريع والفقه في اإلسالم تاريخا ومنهاجا لمناع القطان‪.‬‬
‫‪ -‬مناهج التشريع اإلسالمي في القرن الثاني الهجري لمحمد بلتاجي‪..‬‬
‫‪ -‬نظرة عامة في تاريخ الفقه اإلسالمي لعلي حسن عبد القادر‪.‬‬
‫‪ -‬محاضرات في تاريخ الفقه اإلسالمي لفرج السنهوري‪.‬‬
‫‪ -‬المدخل للفقه اإلسالمي تاريخه ومصادره ونظرياته العامة لمحمد سالم مدكور‪.‬‬
‫‪ -‬الئحة األقراص المدمجة‪:‬‬
‫‪ -‬مكتبة التفسير شركة العريس للكمبيوتر بيروت لبنان‪.‬‬
‫‪ -‬مكتبة التفسير وعلوم القرآن إعداد الخطيب للتسويق والبرامج‪ .‬اإلشراف العلمي‪ :‬مركز التراث‬
‫ألبحاث الحاسب اآللي عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬المكتبة األلفية للسنة النبوية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج اإلشراف العلمي‪ :‬مركز التراث‬
‫ألبحاث الحاسب اآللي عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه إعداد الخطيب للتسويق والبرامج‪ ،‬اإلشراف‬
‫العلمي مركز التراث ألبحاث الحاسب اآللي عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬مكتبة األجزاء الحديثة إعداد الخطيب للتسويق والبرامج‪ .‬اإلشراف العلمي‪ :‬مركز التراث‬
‫ألبحاث الحاسب اآللي عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬المحدث تصميم وإدارة طلبة دار الحديث النبوي الشريف سابقا " مدرسة" واشنطن أمريكا‪.‬‬
‫‪ -‬مكتبة الفقه وأصوله إعداد الخطيب للتسويق والبرامج‪ .‬اإلشراف العلمي‪ :‬مركز التراث ألبحاث‬
‫الحاسب اآللي عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬الفقه وأصوله موسوعة علماء اإلسالم الدكتور يوسف القرضاوي المركز الهندسي لألبحاث‬

‫‪33‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬
‫التطبيقية‪RDI .‬‬
‫‪ -‬موسوعة الفقه اإلسالمي وأصوله إعداد قسم البرمجة دار الفكر دمشق سوريا‪.‬‬
‫‪ -‬مكتبة الفقه اإلسالمي شركة العريس للكمبيوتر بيروت‪ .‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -‬الموسوعة الميسرة في الفقه وعلومه إنتاج برمجيات ضاد‪ .‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ -‬مؤلفات شيـخ اإلسالم بن تيمية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج اإلشراف العلمي مركز التراث‬
‫ألبحاث الحاسب اآللي عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬الفتاوى الكبرى البن تيمية عبد اللطيف للمعلومات‪.‬‬
‫‪ -‬مؤلفات العالم الرباني ابن قيم الجوزية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج اإلشراف العلمي مركز‬
‫التراث ألبحاث الحاسب اآللي عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬مكتبة شيـخ اإلسالم وتلميذه ابن القيم إعداد الخطيب للتسويق والبرامج اإلشراف العلمي‪ :‬مركز‬
‫التراث ألبحاث الحاسب اآللي‪ .‬عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬العلوم اإلسالمية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج اإلشراف العلمي مركز التراث ألبحاث‬
‫الحاسب اآللي‪ .‬عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬موسوعة طالب العلم الشرعي إعداد الخطيب للتسويق والبرامج اإلشراف العلمي مركز التراث‬
‫ألبحاث الحاسب اآللي عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬الموسوعة اإلسالمية المعاصرة‪Microteam Software‬‬
‫‪ -‬مكتبة المعاجم والغريب والمصطلحات إعداد الخطيب للتسويق والبرامج اإلشراف العلمي مركز‬
‫التراث ألبحاث الحاسب اآللي عمان األردن‪.‬‬
‫‪ -‬جامع معاجم اللغة شركة العريس للكمبيوتر بيروت لبنان‬
‫‪ -‬المكتبة الشاملة اإلصدار األول والثاني والتحديث األخير المبثوثة على شبكة األنترنيت ‪ws.‬‬
‫‪WWW.shamela‬‬

‫وصلى هللا وسلم و بارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬

‫‪34‬‬
‫_____________________‬
‫الدورة المكثفة للفقه والدراسات السلمية \ الفصل األول‬
‫‪Curso Intensivo em Certificação da Jurisprudência e Estudos Islâmicos / I° Semestre‬‬

You might also like