Professional Documents
Culture Documents
20181551125
إن العالقة بني الشرط وجوابه يف صدر اآلية هلا دَّللة دقيقة وعظيمة ،فإن بداية اآلية تبني أن من خاف أن َّل يعدل يف حق اليتيمة
اليت تكون يف حجره وهو ويل أمرها ،يرغب يف ماهلا ومجاهلا فرييد اَّلستئثار هبا لنفسه أو لولده .ولكنه جيد مشقة يف دفع الصداق
هلا كامالً ومعاملتها يف قضااي النفقة والسكَن كالنساء األخرايت فيما لو تزوج بغريبة منه ،فاآلية الكرْية تبني أن من كان هذا حاله
مع اليتيمة فلينصرف عنها إىل غريها ولينكح ما طاب له من النساء إن شاء بواحدة أو اثنتني أو ثالث أو أربع بشرط أن يشعر يف
نفسه العدل والقيا م حبقوقهن ،أما إذا خشي على نفسه العجز أو اجلور والظلم فليقتصر على واحدة على أن تكون غري اليتيمة اليت
انصرف عنها خوف الظلم.
وهكذا كان واقع حال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مع املؤمنني به .فلما توفيت خدجية بنت خويلد رضي هللا عنها وأرضاها بقي
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فرتة أرمالً مث ذكرت له سودة بنت زمعة وكانت قد هاجرت مع زوجها السكران بن عمرو األنصاري،
فلما رجعا من احلبشة تويف الزوج ،وكان أهلها وأقرابؤها من املشركني املعاندين املعادين هلل ولرسوله ،ومل جترؤ سودة إىل العودة إىل
أقرابئها خوف الفتنة على دينها ،وبقاؤها بدون معيل وراع هلا يؤدي إىل ضياعها فتقدم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم للزواج هبا
إنقاذاً هلا من الفتنة أو الضياع ،وكانت تكربه حينها خبمس سنوات حيث كانت يف اخلامسة واخلمسني من عمرها.
وكذلك زواجه عليه الصالة والسالم أبم سلمة ،وجويرية بنت احلارث ،وزينب بنت خزْية.
-2حكمة قريبة من احلكمة األوىل الدعوية:
فاملصاهرة مدعاة لتآلف القلوب وتوثيق الصالت ،ويف أحداث التاريخ كم توقفت حروب بني القبائل والشعوب بسبب زواج أحد
الطرفني من اآلخر ،وكم أزيلت إحن من القلوب بسبب الرتابط والتزاوج .وكان هذا الدافع ما يرغب برسول هللا صلى هللا عليه وسلم
من الزواج بكرْيات بعض زعماء القبائل .فزواجه من أم حبيبة رملة بنت أيب سفيان روعي فيه جانب دعوي لتعويضها عن الزوج
الذ ي فقدته عند هجرِتا إىل احلبشة ،وتكرمي هلا لصربها وجهادها يف غربتها مث ليتألف قلب أيب سفيان الذي آلت إليه زعامة قريش
بعد هالك أيب جهل لذا عندما قيل له إن حممداً تزوج ابنتك من غري مشورتك -وكأهنم يريدون إاثرته وأتليبه على رسول هللا -قال
هذا الفحل َّل يقدع أنف ه ،فشعر بنوع من اَّلعتزاز هبذه املصاهرة ،وكذلك زواجه جبويرية بنت احلارث من بين املصطلق حيث كان
هذا الزواج سبباً يف حترير بين قومها من الرق واألسر فدخل بسبب زواجها الربكة والفرحة إىل أكثر من مائة بيت من بين قومها،
ألن الصحابة رضوان هللا عليهم عندما مسعوا زواج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من جويرية وكانت ابنة سيد قومها ،قالوا أصهار
رسول هللا كيف نسرتقهم فأعتقوهم مجيعاً .وصار بنو املصطلق بعد ذلك من أشد جند هللا حيث أبدلوا احملبة والنصرة ابلعداوة
والبغضاء.
وكذلك زواجه بصفية بنت حيي بن أخطب ليكف شر اليهود من جهة وليدرك الناس أن دعوته للناس مجيعاً وإرادة اخلري جلميع
الفئات وامللل وليس القصد من دعوة اإلسالم إذَّلل أقوام والتعايل عليهم بدون حق.
-3حكمة اجتماعية:
كما قلنا سابقاً إن املصاهرة توثق العالقات بن األسر والقبائل واألقوام ،ويزيد من التآلف بني القلوب ،فزواج رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم بعائشة بنت الصديق وحبفصة بنت عمر بن اخلطاب كان فيه تكرمي لوالديهما فهما الصاحبان الوزيران اجملاهدان يف سبيل
هللا من أقرب الناس إىل قلب رسول هللا ودعوته ونصرته.
بل هناك نوع من التكرمي حىت بعد استشهاد الرجال يف معارك اإلسالم َّلنتشال أسر الشهداء من الضياع والعوز ،فزواج رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم بزينب بنت خزْية وهي أرملة شهيد اإلسالم (عبيدة بن احلارث ابن عبداملطلب) أحد أبطال املسلمني الذين
استشهدوا يف بدر ،وكانت الزوجة من اجملاهدين تسعف اجلرحى يف املعركة ،فكان زواجه هبا مواساة هلا وتكرْياً هلا ولزوجها اجملاهد
الشهيد بعد وفاته.
وكذلك فزواجه أبم سلمة بعد استشهاد زوجها أيب سلمة يف غزوة أحد ،وبقيت مع أطفاهلا األربعة َّل معيل هلم ،فضمهم رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم إىل عياله.
-4حكمة تعليمية:
لقد كانت أمهات املؤمنني -زوجات رسول هللا صلى هللا عليه وسلم -مرجعاً لنساء الصحابة رضوان هللا عليهم يف الفتيا والتعليم
وخاصة ما يتعلق بقضااي النساء وأعذارهن واألسرة ومشاكلها لنقل الصورة املثالية للبيت املسلم ،وكيفية التعامل بني أفراد األسرة
ُس َوةٌ َح َسنَةٌ ول اِ فحياة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بني أفراد أسرته األمنوذج والقدوة لالقتداء والتأسي ﴿ لَ َق ْد َكا َن لَ ُكم ِيف رس ِ
اَّلل أ ْ ْ َُ
اَّللَ َكثِرياً ﴾ [األحزاب.]21 : لِ َم ْن َكا َن يَ ْر ُجو ا
اَّللَ َوالْيَ ْوَم ْاآل ِخ َر َوذَ َك َر ا
-5حكمة تشريعية:
ويتجلى ذلك يف زواج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بزينب بنت جحش ،فعندما أراد هللا سبحانه وتعاىل إبطال عادة التبين اليت
كانت شائعة يف اجلاهلية ،أمر هللا رسوله أن يزوج زيد بن حارثة موَّله ومتبناه من زينب بنت جحش ،وعندما تردد أهلها ألهنا
اَّللُ َوَر ُسولُهُ أ َْمراً أَ ْن يَ ُكو َن َهلُُم ا ْخلََِريةُ ِم ْن أ َْم ِرِه ْم
ضى ا ِ
احلسيبة النسيبة وهو املوىل احملرر نزل قوله تعاىل ﴿ َوَما َكا َن ل ُم ْؤِم ٍن َوَّل ُم ْؤِمنَ ٍة إِ َذا قَ َ
ضالَّلً ُمبِيناً ﴾ [األحزاب ،] 36 :فخضعت زينب وأهلها لألمر الرابين وقبلت الزواج من زيد، ضلا َاَّللَ َوَر ُسولَهُ فَ َق ْد َ
ص ا َوَم ْن يَ ْع ِ
ولكن مل يش عر زيد ابلسكن يف بيت الزوجية للفارق اَّلجتماعي بينهما وجاء يستأذن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف طالقها املرة
تلو املرة ورسول هللا أيمره إبمساكها والصرب عليها إىل أن أوحى هللا إليه أهنا ستكون زوجته يف املستقبل إلبطال عادة التبين ،فلما
تردد رسول هللا يف الت نفيذ جاء العتاب اإلهلي فلم يكن أمامه إَّل أن أيذن لزيد بطالقها ،فلما انقضت عدِتا تزوجها رسول هللا صلى
ول لِلا ِذي أَنْ َع َم ا
اَّللُ عَلَْي ِه هللا عليه وسلم .وتقول السيدة عائشة لو كان رسول هللا كامتاً شيئاً مما أوحي إليه لكتم قوله تعاىلَ ﴿ :وإِ ْذ تَ ُق ُ
ضى َزيْ ٌد ِمنْ َها ك ما ا ِ ِ ِ ك وات ِاق ا ِ ت َعلَْي ِه أ َْم ِس ْ
َح ُّق أَ ْن َُتْ َشاهُ فَلَ اما قَ َ
اَّللُ أ َ
ااس َو ااَّللُ ُمْبديه َوَُتْ َشى الن َ اَّللَ َوُُتْفي ِيف نَ ْفس َ َ ك َزْو َج َ َ ك َعلَْي َ َوأَنْ َع ْم َ
اَّللِ َم ْف ُعوَّلً ﴾ [األحزاب.]37 : ض ْوا ِمْن ُه ان َوطَراً َوَكا َن أ َْم ُر ا ِ
ج ِيف أ َْزَو ِاج أ َْدعِيَائِ ِه ْم إِذَا قَ َني َح َر ٌ
ِِ
َوطَراً َزاو ْجنَا َك َها ل َك ْي َّل يَ ُكو َن َعلَى ال ُْم ْؤمن َ