Professional Documents
Culture Documents
الفقه الحنبلي
الفقه الحنبلي
جامعة صفوة
كلية العلوم الشرعية والعربية
مادة الفقه الحنبلي
المحاضرة الثامنة عشرة
الفرقة الثانية
من كتاب [فتح وهاب المآرب على دليل الطالب]
شرح الشيخ /أحمد محروس
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى هللا وسلم وبارك على عبد هللا ورسوله محمدٍ،
وعلى آله وصحبه أجمعين.
ا
فأهًل ومرحباا بكم في لقاءٍ جدي ٍد متجد ٍد من لقاءات مقرر الفقه الحنبلي، وبعد؛
ومع المحاضرة الثامنة عشرة نلتقي ،وهللا جل وعًل أسأل أن يعلمنا ما ينفعنا،
وأن ينفعنا بما علمنا ،وأن يزيدنا عل اما ،إنه ولي ذلك والقادر عليه.
موصوال حول أحكام صًلة الجماعة ،وقد ا إخوتي في هللا ،ال زال خيط كًلمنا
ا
فصًل عقده المؤلف رحمه هللا تعالى لبيان: بلغنا في أثناء ذلك
-مسابقةٌ.
-ومساواةٌ.
وتخلف.
ٌ -
-ومتابعة ✓ .وهي ال ُّ
سنَة.
هاتان مسألتان ال تنعقد فيهما صًلة المأموم ،ال في الفرض وال في النفل:
ا
أصًل ،وعندئذ لم األولى :إذا كبر المأموم لإلحرام قبل أن يكبر اإلمام
تنعقد صًلة المأموم.
والثانية :أن يكبر المأموم لإلحرام مع تكبير إمامه ،أو قبل انتهاء تكبير
ضا ال تنعقد صًلة المأموم؛ وذلك ألن من شرط صحة تكبيرة إمامه ،وهنا أي ا
اإلحرام في حق المأموم أن يوقعها بعد انتهاء تكبير إمامه.
️▪ وقد تقدمت معك المسألة عند الكًلم عن تكبيرة اإلحرام ،ودليلها األثر
والنظر.
3
أنس رضي هللا عنه أن رسول هللاأما األثر :فما في الصحيحين من حديث ٍ
صلى هللا عليه وسلم قال" :إنما جعل اإلمام ليؤتم به ،فإذا كبر فكبروا" الحديث.
والفاء في قوله "فكبروا" تفيد التعقيب.
إذن أمر النبي صلى هللا عليه وسلم المأموم أن يكبر عقب تكبير إمامه ،واألمر
ي عن ضده ،وإذا كان كذلك فمن كبر قبل إمامه لم تنعقد صًلته، بالشيء نه ٌ
وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقوله رحمه هللا تعالى" :ومن أحرم مع إمامه ،أو قبل إمامه".
سهوا ،أو فعله خطأا ،أو فعله عن
عمو ٌم؛ فيشمل من فعل ذلك عمداا ،أو فعله ا
جه ٍل ،فجميع هؤالء ال تنعقد صًلتهم ،إذا وقعت منهم تكبيرة اإلحرام قبل دخول
سهوا وال ا
جهًل ..كما اإلمام في الصًلة؛ وذلك ألن الشرط ال يسقط عمداا وال ا
تقدم.
وقوله رحمه هللا تعالى" :لم تنعقد صًلته" أولى بًل شك مما لو قال :بطلت
صًلته؛ وذلك أن البطًلن إنما يتوجه لشيءٍ قد وجد ،أما ها هنا فإنه لم يدخل
ببطًلن أو بصحة ،على أن قوله رحمه
ٍ أصًل حتى توصف صًلته ا في الصًلة
مضاف ،والمفرد إذا أضيف أفاد العموم سيما في
ٌ هللا تعالى( :صًلته) مفر ٌد
4
مذهبنا؛ وهذا دلي ٌل على أن جميع الصلوات في هذا سواء ،فالفرض والنفل بل
حتى صًلة الجنازة في هذا الحكم سواء.
قال رحمه هللا" :واألولى للمأموم أن يشرع في أفعال الصًلة بعد إمامه".
مسلم من حديثٍ أنس المتقدم ،وفي معناه كذلك عند
ظاهر؛ لحديث ٍ
ٌ وهذا
أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال" :إنما جعل اإلمام ليؤتم به،
فًل تختلفوا عليه ،فإذا كبر فكبروا ،وإذا ركع فاركعوا ،وإذا سجد فاسجدوا"
الحديث.
-و"الفاء" :حرف عطفٍ ،لكنه يفيد التعقيب والسرعة.
عقَيب فعل
-فإذا قلنا :التعقيب ،فمعناه :أن المأموم إنما يأتي بأفعال صًلته ُ
إمامه ،فًل يسبقه وال يساويه.
كثيرا.
ا -وإذا قلنا :والسرعة ،فمعناه أنه ال يتخلف وال يتأخر عن إمامه
ويدل على هذا ما رواه مسل ٌم رحمه هللا في صحيحه من حديث البراء بن
ب قال" :كنا مع النبي صلى هللا عليه وسلم ال يحنو أح ٌد منا ظهره حتى نراه
عاز ٍ
قد سجد".
ضا من حديث عمرو بن حريثٍ ،ثم إن حقيقة االقتداء
مسلم أي ا
ٍ وفي معناه عند
واالئتمام إنما تحصل بذلك.
وقوله رحمه هللا تعالى" :في أفعال الصًلة" :يخرج به أقوال الصًلة؛
فأقوال الصًلة ال حرج على المأموم أن يساوي فيها اإلمام ،أو يسبقه بها.
5
لكن يستثنى من ذلك تكبيرة اإلحرام كما تقدم ،فًل يسبق المأموم بها اإلمام
وال يساويه فيها،
ضا أن يسلم معه.
ضا التسليم ،فًل يسلم قبل إمامه ،ويكره له أي ا
وكذلك أي ا
لكن انتبه الكًلم هنا على من وافق إمامه في التسليم ،وساواه فيه ،فخرج
بذلك من سبقه إلى التسليم ،والمسألة بتفصيلها قد تقدمت.
أي إن سبق المأموم اإلمام في شيءٍ من أفعال الصًلة ،كأن ركع قبله ،أو رفع
ظاهر.
ٌ حر َم وأَثم ،وهذا
رأسه من الركوع قبل رفعه ونحو ذلك؛ ُ
عا أنه
مسلم من حديث أنس بن مالك رضي هللا عنه مرفو ا ٍ ففي صحيح
صلى هللا عليه وسلم قال" :ال تسبقوني بالركوع ،وال بالسجود ،وال بالقيام ،فإني
أراكم من وراء ظهري ،كما أراكم من بين يدي".
ي والنهي للتحريم.
فهذا نه ٌ
وأبلغ من ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه أنه
صلى هللا عليه وسلم قال" :أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل اإلمام أن يحول هللا
رأسه رأس حمار؟".
وهذا التهديد الشديد دلي ٌل على الحرمة بًل شك.
-وقوله رحمه هللا تعالى" :وإن سبقه حرم".
ظاهره :التسوية بين المتعمد والمخطئ ،والعالم والجاهل ،والناسي والذاكر
على ح ٍد سواء؛ إذ المؤلف لم يفصل ،وإن كان المذهب في الحقيقة إنما يخص
التحريم بالمتعمد فقط ،كما نص على ذلك في [اإلقناع] و[المنتهى].
فأما من سبق إمامه إلى الركوع ،أو إلى السجود ،أو إلى الرفع ا
مثًل
متعمداا؛ فإنه يقال له :يلزمك أن ترجع لتأتي بالركن مرة ا أخرى بعد اإلمام،
وتدركه فيه؛ لتصح بذلك صًلتك ،فإن استجاب ورجع وأدرك إمامه في الركن
يسير مغتفر ،لكن إن أبى
ٌ ٌ
سبق صحت صًلته ،والسبق الذي حصل عندئ ٍذ
الرجوع وهو عال ٌم عام ٌد بطلت صًلته عندئذٍ؛ ألنه ترك المتابعة الواجبة عمداا،
وتارك الواجب عمداا تبطل صًلته.
8
ضا من سبق اإلمام إلى الركن متعمداا ،ولم يرجع بسبب جه ٍل أوومثله أي ا
يسير.
ٌ ضا؛ وذلك أن السبق هنانسيان ،فتصح صًلته أي ا
ٌ
وفرق بين السبق إلى الركن والسبق بالركن ،كذا يقرر األصحاب رحمة هللا
تعالى عليهم.
ركن كالركوع ،أو الرفع ،أو السجود ،وأدركه اإلمام
ٍ فمن سبق إمامه إلى
فيه؛ فالحكم ما تقدم.
تام ،بمعنى أنه ركع ثم رفع ،وال زال اإلمام قائ اما
بركن ٍ
ٍ وأما من سبق اإلمام
يتلو القرآن،
أو سجد ورفع ،واإلمام ال زال قائ اما بعد الرفع من الركوع،
أو رفع من الركوع ونزل بالسجود واإلمام لم يزل راكعاا،
فإن قيل :ما الدليل على هذا التفريق؟ قلتم :السبق إلى الركن يكره ،وال
تبطل الصًلة بمجرده؛ بل باالمتناع عن العودة مع العلم والعمد على ما تقدم،
ا
جاهًل ،أو ناسياا. وهنا تقولون من سبق بالركن بطلت صًلته إال أن يكون
أنس رضي هللا عنه أنهقيل :الدليل على هذا ما في الصحيحين من حديث ٍ
صلى هللا عليه وسلم قال" :ال تسبقوني بالركوع ،وال بالسجود ،وال بالقيام ،وال
باالنصراف ،فإني أراكم من وراء ظهري".
فنهى صلى هللا عليه وسلم عن السبق بالركن ،والنهي يقتضي التحريم
والفساد.
إذا فهمت هذا فاعلم أن األصحاب رحمة هللا تعالى عليهم ،ومعهم جماهير
العلماء في الجملة ،يفرقون بين سبق المأموم لإلمام إلى الركن ،وبين سبق
المأموم لإلمام بالركن؛
-فمن سبق إمامه إلى الركن لم تبطل صًلته بمجرد ذلك ،وإن كان متعمداا.
تام ،فصًلته باطلةٌ إن تعمد ذلك ،وإال لم
ي ٍ ٍّ بركن فعل ٍٍّ
ٍ -وأما من سبق إمامه
تبطل؛ لما تقدم.
فنهى صلى هللا عليه وسلم عن السبق ،والنهي يقتضي التحريم والفساد.
وأما التفريق من جهة الحكم فوجهه أنه صلى هللا عليه وسلم إنما قال" :ال
تسبقوني بالركوع" ،ولم يقل'' :ال تسبقوني إلى الركوع''.
-ومن ركع قبل اإلمام وأدركه اإلمام في الركوع ،ال يقال :سبق اإلمام
بالركوع ،وإنما يقال :سبقه إليه.
11
يسير
ٌ ٌ
سبق ٌ
وفرق بين السبق بكل الركن والسبق ببعضه؛ فالسبق بالبعض -
مغتفر في مذهب أكثر أهل العلم ،وإن كان عن إمامنا أحمد روايةٌ يختارها
ٌ
طائفةٌ من مشايخنا المعاصرين يقول فيها :بالتسوية بين المسألتين
قال رحمه هللا تعالى" :ويسن لإلمام التخفيف مع اإلتمام ،ما لم يؤثر
المأموم التطويل".
أي :يسن لإلمام أن يخفف صًلته ،لكن من غير إخًل ٍل بشيءٍ منها ،ال من
أركانها ،وال من واجباتها ،وال من سننها؛ ولذا قال( :مع اإلتمام).
ويدل عليه قوله صلى هللا عليه وآله وسلم" :إذا صلى أحدكم للناس
فليخفف ،وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء".
وكذلك جاء في قصة معاذ بن جبل لما أطال وصلى العشاء بسورة البقرة؛
أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال له" :اقرأ بالشمس وضحاها ،وبالضحى،
وبالليل إذا يغشى".
والحاصل أن السنة لإلمام أن يخفف لكن مع اإلتمام ،ومن ثم ال يُف َهم من
هذه العبارة أن المراد اإلسراع الذي يُضيٍّع على المأموم سنن الصًلة ،فإن ذلك
مكروهٌ.
12
وقد جاء هذا في صًلة الخوف أنه صلى هللا عليه وسلم كان يطيل القيام
في الركعة الثانية حتى يسلم من معه ،ثم يذهبون إلى مواقعهم ويأتي إخوانهم،
فيدركونه صلى هللا عليه وسلم في الجماعة.
-لكن قيد المؤلف رحمه هللا ذلك بقوله" :إذا لم يشق على المأموم".
14
فَعُ ِل َم منه أنه إن شق االنتظار على المأموم كره ذلك لإلمام؛ ألن حق من مع
اإلمام آكد من حق هذا المسبوق.
قال رحمه هللا تعالى" :ومن استأذنته امرأته أو أمته إلى المسجد كره
منعها".
والثانية :أن من استأذنته امرأته أو أمته لتأتي المسجد ،فإنه يكره له منعها.
وذلك لما في الصحيح من حديث ابن عمر رضي هللا تعالى عنهما أنه
صلى هللا عليه وسلم قال" :إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد ،فًل يمنعها".
-وفي لفظٍ " :ال تمنعوا إماء هللا مساجد هللا".
لكن الكراهة إنما تحصل إذا أُمنت الفتنة ،وذلك بأن تخرج تفلةا غير مزين ٍة وال
مطيبة ،أما إن وجدت الزينة والطيب و ُخشيت الفتنة ،فًل يكره له منعها عندئذٍ؛
إذ درء المفسدة مقد ٌم على جلب المنفعة.
15
خير لها".
والمسألة الثالثة :في قوله رحمه هللا تعالى" :وبيتها ٌ
خير لها
وهو جز ٌء من حديث ابن عمر المتقدم ،وفيه أن صًلة المرأة في دارها ٌ
مطلقاا ،أي سوا اء صلت دارها منفردةا ،أو صلت في جماعة.
ضا ما رواه أصحاب السنن من حديث ابن مسعو ٍد مرفو ا
عا : ويدل لذلك أي ا
"المرأة عورة إذا خرجت استشرفها الشيطان".
خير للنساء أال يرين
وكانت عائشة رضي هللا عنها تقول" :أما إنه ٌ
الرجال ،وال يراهن الرجال".
أي في بيان طائف ٍة من أحكامها ،وقد تكلم المؤلف في هذا الفصل عن أولى
الناس باإلمامة ،وعمن تجوز إمامته ،ومن ال تجوز.
يستثنى من هذا إال صاحب الدار واإلمام الراتب على ما يأتي بيانه إن شاء هللا
تعالى.
-ويؤخذ من مفهوم عبارة المؤلف رحمه هللا :أنهما إذا استويا في جودة القراءة،
انتقلنا إلى الفقه ،والمذهب أنه إذا استويا في جودة القراءة ،قدم أكثرهما قرآناا،
18
فإن استويا في ذلك قدم األفقه ،ثم إن استويا في الفقه قدمنا أكبرهما سناا؛ ولذا
قال المؤلف رحمه هللا( :ثم األسن).
وذلك لخبر مالك بن الحويرث رضي هللا تعالى عنه في الصحيحين وفيه
أنه صلى هللا عليه وسلم قال لهم" :إذا حضرت الصًلة فليؤذن لكم أحدكم،
وليؤمكم أكبركم".
وألنه أقرب إلى الخشوع غالباا.
وإن كان بعض األصحاب كأبي محمد بن قدامة رحمه هللا تعالى ذهب إلى
تقديم األتقى واألورع على األشرف نسباا ،وهذا الذي انتصر له شيخ اإلسًلم
ابن تيمية رحمه هللا تعالى ،وصوبه المرداوي كذلك في اإلنصاف.
األول :ما الفرق بين األتقى واألورع؟ فإن المؤلف عطف الثاني على
األول ،فدل على المغايرة ،والذي يظهر أن:
األتقى :هو األكثر تقاى ،والتقوى في اإلجمال فعل الواجبات وترك
المحرمات.
عا ،والورع هو اتقاء الشبهات ،أو هو ترك
وأما األورع :فهو األكثر ور ا
ما ال بأس به؛ مخافة الوقوع فيما فيه بأس.
والمبحث الثاني :أن ظاهر عبارة المؤلف وكًلم األصحاب رحمة هللا
عليهم أن األورع واألتقى سواء ،فًل تقديم لهذا على هذا ،وإن ذهب ابن حمدان
رحمه هللا تعالى من أصحابنا في كتاب الرعاية الكبرى إلى تقديم األتقى على
األورع ،وعلى كل حا ٍل إذا استووا في كل ما تقدم من الصفات ،ولم يؤثر
أحدهما صاحبه كانت القرعة.
وقد تقدم معك الحديث "لو يعلم الناس ما في النداء والصف األول ،ثم لم
يجدوا إال أن يستهموا عليه الستهموا عليه".
قال رحمه هللا تعالى" :وصاحب البيت وإمام المسجد ،ولو عبداا أحق".
أي أن هذه المفاضلة التي ذكرت ال تشمل صاحب البيت ،وإمام المسجد،
-فصاحب البيت مقد ٌم على غيره في اإلمامة ،وهو أحق بها ،ولو كان دون من
حضره من الضيوف فيما تقدم من األوصاف ،لكن شرط ذلك أن يكون ممن
يصلح لإلمامة ،فيخرج بهذا المرأة ،فلو كانت صاحبة الدار ،فإنها ال تتقدم
الرجال ،وكذلك يخرج الصبي في الفرض ،إذ ال تصح إمامته ،وكذلك األمي
الذي ال يحسن قراءة الفاتحة ،ونحو هؤالء.
-وكذلك إمام المسجد الراتب :أي الدائم أحق باإلمامة مطلقاا ،وإن حضره في
بعض الصلوات من هم أعلم منه ،أو أجود قراءة ا منه.
ويدل لهذه المسألة والتي قبلها قوله صلى هللا عليه وسلم فيما رواه مسل ٌم
في الصحيح" :ال يَ ُؤ َّمن الرجل الرجل في بيته ،وال في سلطانه إال بإذنه".
ويؤخذ من الحديث :أن صاحب الدار واإلمام الراتب إن أذنا؛ انتقل الحق
لمن أذن له صاحب الدار أو اإلمام الراتب ،وإن كان المأذون له كذلك دون
غيره في هذه الصفات.
ضا على جهة الخصوص أثر أبي سعي ٍد مولى أبي أُسي ٍد ويدل لذلك أي ا
"وكان عبداا مملو اكا فدعا جماعةا في عرسه كان فيهم أبو ٍ
ذر وابن مسعو ٍد
ذر ليؤمهم في الصًلة ،فأمره ابن مسعو ٍد وحذيفة ،فلما حانت الصًلة تقدم أبو ٍ
وحذيفة بالرجوع ،وقدموا المولى".
ويؤخذ من فحوى كًلم المؤلف رحمه هللا تعالى في هذه العبارة ،وفي التي
قبلها:
22
-صحة إمامة العبد في الفرض والنفل على السواء من غير كراهة ،وهو كما
قال.
-إال أنه يستثنى من ذلك صًلة الجمعة وصًلة العيد ،فإنها ال تصح إن كان
العبد إما اما فيها؛ ألنه ليس من أهل الوجوب كما يأتي إن شاء هللا تعالى في باب
صًلة الجمعة.
قال :والمتوضئ كذلك أولى من المتيمم؛ وذلك ألن الوضوء راف ٌع للحدث،
بخًلف التيمم فإنه مبي ٌح وليس برافع ،فللمتوضئ زيادة فض ٍل على المتيمم.
وقوله رحمه هللا تعالى( :أولى).
23
يفهم منه صحة إمامة العبد واألعمى والمسافر والمتيمم وهو كذلك.
جاء في إمامة العبد :حديث أبي سعي ٍد مولى أبي أُسي ٍد المتقدم.
وجاء في إمامة األعمى :استخًلف النبي صلى هللا عليه وسلم لعبد هللا بن
أم مكتوم على المدينة ،وكان إمامهم في الصًلة.
ومنى.
وجاء في المسافر :إمامته صلى هللا عليه وآله وسلم ألهل مكة بمكة ِ
وجاء في إمامة المتيمم :حديث عمرو بن العاص رضي هللا عنه لما خاف
البرد في سرية ذات السًلسل.
تعذرا
ا قال رحمه هللا تعالى" :وال تصح إمامة الفاسق إال في جمع ٍة وعي ٍد
خلف غيره".
✓ هذا المذهب.
ا
رجًل، عا" :ال تؤ َّم َّن امرأة ٌ
جابر مرفو ا
ٍ وذلك لما رواه ابن ماجة من حديث
فاجر مؤمناا إال أن يقهره بسلطانه ،أو يخاف سوطه أو سيفه".ٌ وال
24
وقد سئل واثلة بن األسقع رضي هللا عنه عن الصًلة خلف القدري فقال:
"ال تص ِل خلفه ،ثم قال واثلة :أما أنا لو صليت خلفه ألعدت صًلتي".
إال أن األصحاب يقولون :إن خاف السجن بترك الصًلة وراءه أو السوط
ونحو ذلك ،فإنه يصلي ويعيد ،وله أن يوافقه في الصورة الظاهرة فقط بأن
ينوي االنفراد ،لكن يتابعه في الظاهر في األفعال.
تعذرا".
ا وقوله" :إال في جمع ٍة وعي ٍد
25
✓ وهذا الذي ذكرناه هو المذهب عند األصحاب رحمة هللا عليهم ،وال شك أن
العدل أولى باإلمامة من الفاسق.
قال هللا تعالى{ :أَفَ َمن َكانَ ُمؤْ ِمناا َك َمن َكانَ فَا ِسقاا ۚ َّال يَ ْست َ ُوونَ } [السجدة:
.]١٨
لكن عن إمامنا أحمد رحمه هللا تعالى روايةٌ أخرى ،يقول فيها :بصحة
فاجرا ،وفاقاا لجماهير أهل العلم.
ا برا كان أو
مسلم ا
ٍ الصًلة خلف كل
ذر أن النبي صلى هللا عليه وسلم "ذكر له أئمة الجور وذلك لحديث أبي ٍ
ذر :يا رسول هللا فما تأمرني؟ فقال
الذين يؤخرون الصًلة عن وقتها ،فقال أبو ٍ
صلى هللا عليه وسلم :صل الصًلة لوقتها ،فإن أدركتك معهم فص ٍِّل ،وال تقل:
إني قد صليت".
الشاهد في قوله "فص ٍِّل معهم" ،فهذا دلي ٌل على صحة إمامتهم مع فسقهم
بتأخير الصًلة عن الوقت.
26
وقد كان ابن عمر رضي هللا تعالى عنهما يصلي وراء الحجاج ،ويصلي
وراء الخشبية ،ووراء الخوارج ،ويقول" :من قال :حي على الصًلة أجبته".
وال شك أن هذه الرواية أقوى ا
دليًل إن شاء هللا تعالى ،سيما إذا علمت أن حديث
ضعيف جداا.
ٌ ٌ
حديث فاجر مؤمناا"
ٌ جابر والذي فيه "ال يَ ُؤ َّمن
ٍ
فمعارض بقول عبد هللا بن عمر،
ٌ وأما قول واثلة بن األسقع رضي هللا عنه
وفعل الحسن والحسين ،وجماع ٍة من الصحابة رضي هللا تعالى عنهم أجمعين.
لحن
قال رحمه هللا تعالى" :وتصح إمامة األعمى األصم ،واألقلف ،وكثير ٍ
لم يحل المعنى ،والتمتام الذي يكرر التاء مع الكراهة".
األول :األعمى ،األصم (على هذه النسخة التي بأيدينا) فقد جمع بين فقد
حاستين :حاسة البصر ،وحاسة السمع ،ومع هذا إمامته صحيحة؛ ألن ذلك ال
يخل بشيءٍ من صًلته ،لكن ال شك أن غيره أولى منه؛ وذلك أنه قد يطرأ
طار ٌ
ئ في الصًلة ،فًل ينتبه له ،فإنه ال يرى ،ثم إنه إن سبح له المأموم ،أو
صفقت له النساء ،فإنه لن يسمع.
-وفي بعض نسخ الدليل( :وتصح إمامة األعمى واألصم واألقلف) إلى آخره،
ففرق بين األصم واألعمى ،أما األعمى فإمامته صحيحة ،وقد جاء فيه حديث
ابن أم مكتوم رضي هللا عنه المتقدم ،فقد كان صلى هللا عليه وسلم يستخلفه على
المدينة ،وكان يؤم الناس خلفاا لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
27
وأما األصم :فإنه يقاس على األعمى فإمامته صحيحة؛ إذ أن صًلته تامةٌ،
وأما الكراهة؛ فللمعنى الذي ذكرناه؛ وألجل االختًلف في صحة إمامته.
وفي الحديث" :دع ما يريبك إلى ما ال يريبك".
قال( :واألقلف).
واألقلف هو الذي لم يختتن ،وإمامته صحيحةٌ؛ لعدم الدليل على المنع منها؛
وألنه ال يخل بشيءٍ من صًلته ،لكن مع الكراهة خرو اجا من خًلف من منع
من إمامته.
وفي الحديث "دع ما يريبك إلى ما ال يريبك".
-لكن قوله رحمه هللا تعالى( :األقلف) .باأللف والًلم عمو ٌم يشمل من ترك
عذر ،وهذا ظاهر العبارة ،لكن
مصرا من غير ٍا معذورا ،ومن تركه
ا االختتان
قيد "الشيخ مرعي" رحمه هللا تعالى في [غاية المنتهى] كًلم األصحاب بمن
عذر أنه ال
مصرا من غير ٍا معذورا ،حيث صرح هناك بأنه إن تركه ا تركه
تصح إمامته؛ لكونه فاسقاا عندئذ؛ إذ أنه يكون تار اكا للواجب مع اإلصرار من
واجب على الرجال والنساء.
ٌ عذر ،وتقدم في كتاب الطهارة أن الختانغير ٍ
-والقسم الثاني ٌ
لحن ال يحيل المعنى:
كمن جر الدال في الحمد؛ فقال "الحم ِد هلل"
ُ
الرحمن الرحي ُم" أو "مالكُ يوم الدين" أو رفع الرحمن والرحيم ،فقال "
أو أبدل الصاد سيناا في (الصراط)
ونحو ذلك فهذا إمامته صحيحة؛ لكنه أيضا على قسمين:
األول :من يندر منه اللحن ويقل :وهذا تصح إمامته بًل كراهة؛ وذلك أنه
سبق على لسان ال يكاد َيسلم من ذلك اح ٌد إال نادرا ،فهو كمن ُ
والثاني :أن يكون كثير اللحن فهذا تصح إمامته لكن مع الكراهة.
فهذا أيضا إمامته صحيحة لتمام صًلته ،وما وقع من الزيادة فإنما ُ
غلب عليه،
لكن مع هذا تكره إمامته؛ ألجل االختًلف في صحة إمامته.
مستحب.
ٌ ومن قواعد أصول الفقه أن الخروج من الخًلف
ولما بين رحمه هللا تعالى من تكره إمامتهم مع صحتها؛ ناسب أن يبين من
ال تصح إمامتهم:
ركن إال بمثله إال
ٍ فقال رحمه هللا" :وال تصح إمامة العاجز عن شرطٍ أو
سا ويجلسون خلفه وتصح اإلمام الراتب بمسج ٍد المرجو زوال علته؛ فيصلي جال ا
قياما".
فقرر رحمه هللا تعالى في هذه الجملة أن العاجز عن شرطٍ :
كفاقد الطهورين :العاجز عن الوضوء والتيمم.
أو كالعريان :العاجز عن ستر العورة ال تصح إمامته إال بمثله.
ا
عاجزا عن ركن كالعاجز عن القيام :كاألش ٍِّل ونحوه. وكذا من كان
أو األخرس :العاجز عن التحريمة وقراءة الفاتحة والتشهد والصًلة على
النبي صلى هللا عليه وسلم في آخر صًلته فإن صًلته أيضا وإن صحت لنفسه
إال أنه ال تصح إمامته إال بمثله؛ وذلك ألن اإلمام بمنزلة الشفيع لصًلة المأموم؛
ولذا فإنه يُقدم عليه في المكان ويُختار له أفضل الموجودين.
✓ وقد اتفق على هذا جماهير العلماء في شأن األمي العاجز عن قراءة الفاتحة.
سنَة أن ال يؤم الناس من ليس
وفيه قال الزهري رحمه هللا تعالى( :مضت ال ُّ
معه من القرآن شي ٌء)
وظاهر عبارة المؤلف رحمه هللا تعالى :أن العاجز عن الواجب تصح
إمامته؛ إذ أنه استثنى العاجز عن الشرط أو عن الركن.
✓ والحق أن المذهب أن العاجز عن الواجب أيضا ال تصح صًلته إال بمثله؛
لكن لما كانت الواجبات من جنس األركان ،اقتصر المؤلف على ذكر األركان؛
تنبي اها باألعلى على األدنى.
وقوله رحمه هللا تعالى" :إال اإلمام الراتب استثنا اء" فتصح إمامة اإلمام
ا
عاجزا عن القيام لكن بشرطين: الراتب إذا إن كان
األول :أن يكون هو اإلمام الراتب الدائم للمسجد؛ فخرج بهذا من أ َّم الناس
حيناا دون حين.
والثاني :أن تكون العلة طارئةا يرجى زوالها؛ وأما إن كانت دائمةا كالشلل
ونحوه فإنه ال تصح إمامته ولو كان قبل هذا المرض إما اما راتباا في هذا
المسجد.
والشاهد منه أن النبي صلى هللا عليه وسلم أ ٍّمهم في الفرض قاعداا؛ لعجزه
عن القيام وصحت صًلتهم من ورائه؛ لكن في هذا الحديث أن النبي صلى هللا
عليه وسلم أمر المأموم أن يجلس إذا جلس إمامه.
واجب أو ال؟
ٌ فهل هذا
قال المؤلف" :ويجلسون خلفه وتصح قياما" :أي أن الجلوس أولى
وأفضل؛ ألجل هذا الحديث المتقدم ،لكنه غير واجب.
مسلم في الصحيح وفيها أن الصحابة كبروا خلف النبي ٍ ويدل له رواية
عليه الصًلة والسًلم قيا اما؛ فالتفت إليهم صلى هللا عليه وسلم فلما رآهم قيا اما
أشار إليهم أن اقعدوا فقعدوا ولم يؤمروا باإلعادة فيما علمنا.
وهذه الصورة التي ذكر المؤلف رحمه هللا تعالى مقيدة ٌ عند األصحاب بما
إذا ابتدأ اإلمام الراتب الصًلة بهذه العلة.
وأما لو بدأ الصًلة قائ اما فعُذِر وجلس؛ فإنه يتعين على المأموم عندئ ٍذ أن يتم
صًلته قائما ،وال يجوز له الجلوس عندئذٍ.
32
ويدل لهذا ما وقع في آخر حياة النبي صلى هللا عليه وآله وسلم؛ فإنه خرج
ب رضي هللا عنهما إلى صلى هللا عليه وسلم ُمهاداا بين العباس وبين بن أبي طال ٍ
بكر رضي هللا عنه وأرضاه ،فقُ ٍّدِم صلى الصًلة ،فوجد الناس تصلي خلف أبي ٍ
بكر قائ اما يأت ٍّم
بكر فصلى قاعداا وأبو ٍ
هللا عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي ٍ
بصًلة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم والناس قيا اما يأتمون كذلك بصًلة أبي
بكر رضي هللا عنهم أجمعين.
ويدل على هذا أن الصحابة رضي هللا عنهم وأرضاهم كانوا يختلفون في
بعض ،ولم يُنقل أن أحداا منهم ترك
ٍ مسائل الفروع ويصلي بعضهم وراء
الصًلة وراء أح ٍد ألنه خالفه في حكم شيءٍ مما ذكرنا.
33
ومن أجل هذا ختم المؤلف رحمه هللا هذه المباحث بقوله" :وال إنكار في
مسائل االجتهاد".
ومثل هذا أيضا إذا ترك اإلمام شر ا
طا مختلفاا فيه بين العلماء مقلداا من قال
بأنه ليس بشرط.
كما لو ترك الوضوء من مس الذكر.
أو توضأ بًل نية؛ تقليداا للحنفية في المسألتين.
أو أكل لحم اإلبل ثم صلى بًل وضوءٍ ؛ تقليداا لجماهير العلماء.
فصًلته عندئ ٍذ في نفسه صحيحة؛ إذ أنه فعل الواجب عليه فسأل أهل العلم
وقلدهم.
وكذلك تصح صًلة المأموم لنفس التعليل السابق.
قال المؤلف رحمه هللا تعالى" :ومن صلى خلفه معتقداا بطًلن صًلته
أعاد".
أي :أعاد وحده ،يعني المأموم ،وذلك أنه عندئ ٍذ ائت َّم بمن اعتقد أنه غير مص ٍل.
وقوله رحمه هللا تعالى" :وال إنكار في مسائل الخًلف" يفهم منه أن
اإلنكار إنما يكون في المسائل القطعية اإلجماعية؛ وذلك أن الخروج عن
اإلجماع شذوذٌ ال يلتفت إليه.
قال رحمه هللا" :وال إمامة المميز بالبالغ في الفرض وتصح إمامته في
النفل وفي الفرض بمثله".
وحاصل ما ذكره المؤلف رحمه هللا تعالى في هذه الجملة؛ أن المميز إذا أ َّم
في الصًلة لم يخلو من حا ٍل من حالين:
-إما أن يصلي بمثله.
-أو يصلي بمن هو بالغ.
فإن صلى بمن هو مثله ،أي :دون البلوغ ،سوا اء من الذكور أو اإلناث صحت
إمامته في الفرض والنفل على ح ٍد سواء.
36
ومن ث َّم كان اإلمام أحمد رحمه هللا تعالى إذا قيل له هذا الحديث ،كان
إيش هذا ،ولربما نفض ثوبه! إشارة إلى أن هذا كان اجتهادااإيش هذاٍ .. يقولٍ :
منهم في زمنه عليه الصًلة والسًلم من غير أن ٍّ
يطلع النبي صلى هللا عليه وآله
وسلم على ذلك ،سيٍّما وفي هذا الحديث أيضا أن اإلمام انكشفت سوأته ،حتى
قالت امرأة ٌ من النساء غطوا عنا إست قارئكم.
وعلى ك ٍٍّل ..هذا في الفرض ،ال تصح إمامة المميز بالبالغ ا
ذكرا كان أو أنثى.
وأما في النافلة فاألمر واسع؛ إذ صًلة المميز نافلةٌ بالنسبة له وصًلة البالغ
ضا نافلة ،وال شك أن النافلة يُتسامح فيها بما ال يُتسامح بمثله في الفريضة.
أي ا
نجس يعلم ذلك". قال رحمه هللا" :وال تصح إمامة محد ٍ
ث وال ٍ
37
لكن قال المؤلف بعد هذا" :وإن جهل هو والمأموم حتى انقضت؛ صحت
صًلة المأموم وحده".
والمعنى :أنه تبطل صًلة اإلمام لفوات الشرط كما تقدم ،وأما صًلة
المأموم فإنها صحيحة.
وذلك أنه صح من فعل عمر رضي هللا عنه ،أنه صلى الصبح بأصحابه ثم
بئر فدلٍّى رجليه في الماء ونظر إلى ثيابه فوجد أثر المني ،فقال :وهللا
ذهب إلى ٍ
ما أُراني إال أجنبت وصليت بأصحابي وأنا جنب؛ فاغتسل وأعاد الصًلة ،ولم
يأمر من خلفه باإلعادة.
وروي مثل ذلك أيضا من فعل عثمان بن عفان وعلي ٍ رضي هللا تعالى
عن الجميع.
عا من قول النبي صلى هللا عليه وسلم ،وال يصح من
بل ويروى مرفو ا
جهة اإلسناد" :إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صًلته وتمت للقوم صًلتهم".
️▪ ومفهوم قوله رحمه هللا تعالى( :وإن جهل هو والمأموم حتى انقضت) أنه إذا
علم اإلمام فقط ،أو المأموم فقط ،قبل الصًلة أو فيها وفي أثنائها؛ بطلت الصًلة
في حق الكل.
38
أما في حق المأموم إذا علم بذلك من إمامه ،فهذا ظاهر؛ ألنه أت ٍّم بمن ال تصح
صًلته.
وأما إذا كان العلم من اإلمام فقط دون المأموم؛ فتبطل في حق الكل أيضا فيما
هو المشهور من المذهب؛ إذ تبطل صًلة المأموم ببطًلن صًلة إمامه وال
ا
جاهًل حدثه يستثنى من هذا إال الصورة التي نُقلت عن السلف؛ إذا صلى اإلمام
ا
جاهًل بالنجس هو والمأموم جميعاا؛ ولم يكن العلم إال بعد الصًلة فتصح من أو
المأموم ال من اإلمام.
قال رحمه هللا تعالى" :وال تصح إمامة األ ُ ِ ٍّم ٍّ
ي ِ (وهو من ال يحسن الفاتحة)
إال بمثله".
هذا ٌ
بيان من المؤلف رحمه هللا تعالى لحكم إمامة األمي.
️▪ واألمي في اللغة ،وفي العرف :هو من ال يحسن القراءة وال الكتابة.
️▪ وأما عند الفقهاء فهو من ال يحسن قراءة الفاتحة ،وإن كان يعرف القراءة
والكتابة.
ٌ
ضامن ويتحمل عن المأموم أشياء ،وإذا • واألمر الثاني (النظر) :أن اإلمام
كان كذلك فينبغي أن يكون أغنى وأكمل من المأموم.
هذا وعن إمامنا أحمد رحمه هللا تعالى روايةٌ أخرى؛ يقول فيها( :فصحة
صًلة الفريضة وراء النافلة كصحة النافلة وراء الفريضة) ،وهو مذهب
الشافعي رحمه هللا تعالى.
وقد اختار هذا القول من أصحابنا جماعة منهم :شيخ اإلسًلم أبو محمد ابن
قدامة رحمه هللا تعالى ،وابن تيمية وجماعة.
ويدل عليه ما في الصحيحين من حديث معاذ بن جب ٍل رضي هللا تعالى
عنه أنه كان يصلي العشاء اآلخرة مع النبي صلى هللا عليه وسلم ،ثم يعود
فيصلي بقومه صًلة العشاء ..فتكون منه نافلة وهو اإلمام وتكون منهم فريضة.
على أن قوله صلى هللا عليه وسلم "إنما ُج ِعل اإلمام ليؤتم به فًل تختلفوا عليه"
يمكن أن يقيٍّد هذا اإلطًلق بما جاء بعد هذه الجملة ،إذ أن رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم قال بعدها" :فإذا كبر كبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا ركع فاركعوا وإذا
سجد فاسجدوا" الحديث؛ فجعل هذا متعلقاا باألقوال واألفعال دون النوايا.
قال رحمه هللا تعالى" :وتصح المقضية خلف الحاضرة وعكسه ،حيث
تساوتا في االسم".
ضا ها هنا مسألتين:
فذكر أي ا
41
بإنسان يصلي
ٍ األولى :أن يصلي اإلنسان صًلة ا بعد وقتها قضا اء مقتدياا
نفس الصًلة في وقتها أدا اء ،وهي صًلة المقضية وراء الحاضرة ،وهنا تصح
الصًلة.
-وكذا العكس :إذا صلى اإلنسان الصًلة أدا اء في الوقت خلف من يصلي نفس
الصًلة بعد وقتها بالنسبة له قضا اء؛ -فيصح القضاء وراء األداء ويصح األداء
ط بأن تتساوى الصًلتان في االسم. وراء القضاء؛ لكن ذلك مشرو ٌ
-فأما إذا صلى اإلنسان الظهر قضا اء خلف من يصلي العصر أدا اء فًل.
-وكذا لو صلى اإلنسان العصر أدا اء خلف من يصلي الظهر قضا اء فًل.
✓ وذلك ألن هذا من االختًلف المنهي عنه في قوله صلى هللا عليه وسلم "فًل
تختلفوا عليه" والنهي يقتضي الفساد وعلى كل حا ٍل هذا المذهب.
قال رحمه هللا تعالى" :فص ٌل يصح وقوف اإلمام وسط المأمومين ،والسنة
وقوفه متقد اما عليهم".
والمعنى :أن لإلمام موضعين من المأموم:
• األول :أن يقف اإلمام وسط المأمومين ،فيكون المأمومين عن يمين اإلمام
وعن شماله.
ثابت من فعله صلى هللا عليه وآله وسلم فيما رواه عنه عبد هللا بنٌ وهذا
مسعو ٍد رضي هللا تعالى عنه.
• والموقف الثاني ،وهو السنة :أن يقف اإلمام متقد اما عن المأمومين.
42
وهذا هو الذي جاء به النقل المتواتر عن رسول هللا صلى هللا عليه وآله
وسلم وعن الصحابة ومن بعدهم من األئمة.
-لكن يستثنى من عبارة المؤلف رحمه هللا تعالى (إمامة النساء) فإنه يجوز لها
أن تتقدم على الصف ،ويجوز أن تكون في وسطه ،ووقوفها في وسط الصف
هو السنة وهو المنقول من فعل عائشة وأم سلمة رضي هللا تعالى عنهما.
-كذلك يستثنى إمام العراة ،فإن إمام العراة يكون في وسط الصف وجوباا إال أن
يكون من معه عميانا.
ٌ
ثالث لإلمام من المأموم ،وهو أن يقوم على يسار الصف سوا اء موقف
ٌ -وثم
كان المأموم واحداا أو اثنين أو أكثر.
قال رحمه هللا" :ويقف الرجل الواحد عن يمينه ُم َحا ِذياا له ،وال تصح خلفه
وال عن يساره مع خلو يمينه".
أي :أن موقف المأموم الواحد من اإلمام إنما يكون عن يمينه ال عن شماله ،وال
من قدامه وال من ورائه ،فيقف عن يمين اإلمام محاذياا له ،أي :مساوياا له ال
خرا عنه.
متقد اما عليه وال متأ ا
عباس وما جاء في معناه وإن استحب بعضٍ وهذا ألجل حديث ابن
األصحاب أن يتخلف المأموم عن اإلمام ا
قليًل خوفاا من أن يتقدم عليه ا
سهوا أو
كذا ،إال أن ظاهر السنة ما قاله المؤلف رحمه هللا تعالى.
وقوله( :ويقف الرجل الواحد) يخرج بمفهومه المرأة الواحدة؛ فإن المرأة
الواحدة تقف وراء اإلمام وال تقف ال عن يمينه وال عن شماله ،بل تنفرد وحدها
من وراء اإلمام على ما يأتي بيانه في كًلم المؤلف إن شاء هللا تعالى.
43
وظاهر كًلم األصحاب رحمة هللا تعالى عليهم :أنه ال تصح صًلة من
صلى خلف اإلمام وحده أو منفرداا خلف الصف وحده مطلقاا.
عذر كاكتمال الصف أو ال ،وسوا اء تخلف عال اما
أي :سوا اء تخلف عن الصف ِل ٍ
جاهًل ذاكرا ا أو ناسياا.
ا أو
وذلك ألن النبي صلى هللا عليه وسلم لم يستفصل من هذا الرجل الذي رآه
يصلي وحده.
ضا أنه صلى هللا عليه وسلم قال" :ال صًلةوقد جاء في هذا المعنى أي ا
لمنفر ٍد خلف الصف" ومنفر ٍد هنا جاءت نكرة في سياق نفي ٍ فيفيد العموم.
وذلك أن ابن عباس رضي هللا عنهما كما في الصحيحين لما قام من الليل
يصلي مع النبي عليه الصًلة والسًلم قام عن شماله ،فأخذه النبي صلى هللا عليه
وسلم فجعله عن يمينه.
️▪ فدل على أن مقام المأموم من اإلمام عن اليمين ال عن الشمال.
ضا من
️▪ فإن صلى عن شماله مع خلو يمينه فصًلته باطلة ،وهذه المسألة أي ا
مسائل المفردات ،وإال فعن إمامنا أحمد :أن صًلته تصح وهو مذهب الجماهير
من األئمة ،وذلك ألن ابن عباس رضي هللا عنهما بنى على الجزء الذي وقع
عن يسار اإلمام مع خلو يمينه.
إال أن األصحاب يجيبون عن هذا فيقولون ال تصح صًلة المأموم إن أتم
ركعةا عن يسار األمام مع خلو يمينه ،أما إن وقع جزء الركعة عن يسار اإلمام
عباس رضيٍ ثم تحول إلى اليمين فتصح صًلته ،على ما جاء في حديث ابن
هللا تعالى عنهما.
وقوله رحمه هللا تعالى" :وال تصح خلفه" ال يُفهم منه أن المأموم إن تقدم
على اإلمام في المكان أنه تصح صًلته.
بل مذهبنا ومذهب الجماهير :أنه ال تصح صًلة المأموم إذا تقدم على إمامه ولو
في بعض الصًلة في المكان.
وذلك لقوله صلى هللا عليه وسلم "إنما جعل اإلمام ليؤتم به".
وال يتصور االئتمام مع تقدم المأموم على اإلمام ،ثم إن السنة المنقولة بالتواتر
هي تقدم اإلمام وتأخر المأموم.
فرض أو في نف ٍل.
ٍ ت نق ٌل يفيد جواز تقدم المأموم على اإلمام في
ولم يأ ِ
45
✓ وعليه فمتى تقدم المأموم على اإلمام في المكان؛ بطلت صًلة المأموم ،سوا اء
معذور.
ٍ ذورا بضيق المكان أو غير
تقدم عليه َم ْع ا
وإن كان شيخ اإلسًلم ابن تيمية رحمه هللا تعالى قد يُ َج ٍّوز التقدم على
اإلمام في المكان للعذر.
-إال أنهم يستثنون من هذا صورتين فقط:
• األولى :إذا تقابل اإلمام والمأموم وج اها لوج ٍه في الصفوف حول الكعبة.
• والثانية :أن يتدابر اإلمام والمأموم في النافلة داخل الكعبة.
فاالعتبار في هذا التقدم والتأخر -حال القيام -بمؤخر القدم ،وليس بالبطن وال
بأطراف األصابع.
قال رحمه هللا تعالى" :وإن صلى الرجل ركعةا خلف الصف منفرداا
فصًلته باطلة" وهذا بحمد هللا تعالى ذكرناه.
ودليله ما تقدم من حديثه وابصة بن معبد ،إال أن المؤلف رحمه هللا تعالى
أفادنا ها هنا أنه إن صلى بعد الركعة منفرداا ثم جاءه قبل الركوع أو في
الركوع من صار معه صفان ،أو مشى هو حتى دخل في الصف إن صًلته
صحيحة.
ودل على هذا حديث أبي بكرة رضي هللا عنه ،وهو في الصحيحين إذ
دخل مسجد النبي عليه الصًلة والسًلم فرأى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
راكعاا فما كان منه إال أن كبر وراء الصف وركع ومشى راكعا ا حتى دخل في
صا وال ت َعُد" .فأوقع تكبيرة
الصف ،فقال صلى هللا عليه وسلم "زادك هللا حر ا
ضا من الركعة منفرداا ،لكن فانضم إلى الصف قبل رفع اإلمام من اإلحرام وبع ا
الركوع.
قال رحمه هللا" :وإن أمكن المأموم االقتداء بإمامه ،ولو كان بينهما فوق
ثًلثمائة ذراعٍ؛ صح إن رأى اإلمام أو رأى من وراءه ،وإن كان اإلمام
والمأموم في المسجد؛ لم تشترط الرؤية وكفى سماع التكبير".
47
فذكر رحمه هللا تعالى في هذه الجملة مقدار التباعد بين اإلمام والصف أو بين
المأموم واإلمام:
وال يخلو المأموم مع اإلمام من حا ٍل من حالين:
-فإما أن يكون معه في المسجد.
-وإما أن يكون اإلمام في المسجد ،والمأموم خارج المسجد.
فإن كان اإلمام والمأموم في المسجد معاا؛ فعندئ ٍذ ال تشترط رؤية المأموم لإلمام
وال لمن وراء اإلمام وإنما يكتفى بإمكان االقتداء ،وهذا يكفي فيه سماع التكبير.
ويدل على هذا أن أبا هريرة رضي هللا تعالى عنه وأرضاه صلى وراء
اإلمام على ظهر المسجد؛ إذ كان بالكوفة .ويروى عن غيره كذلك من أصحاب
النبي صلى هللا عليه وسلم.
إذ إن النبي صلى هللا عليه وسلم صلى بأصحابه مرة ا على المنبر يقوم
ويقرأ ويركع على المنبر ،ثم إذا أراد أن يسجد رجع القهقرى فسجد عند أصل
المنبر وكان االرتفاع إذ ذاك يسيرا.
قول رحمه هللا" :ال عكسه" :أي :ال يكره علو المأموم عن اإلمام ،ولو كان
هذا االرتفاع كثيرا.
لما تقدم أن أبا هريرة رضي هللا عنه وأرضاه صلى مأمو اما على ظهر
المسجد فكان مرتفعاا عن إمامه ،ولم ينكر عليه.
بل ويروى هذا أيضا من فعل أنس ابن مالكٍ رضي هللا عنه.
ا
بصًل ثم ختم المؤلف رحمه هللا تعالى هذا الفصل ،بقوله" :وكره لمن أكل
فجًل ونحوه حضور المسجد".أو ا
بصًل يعني نيئاا أو ا
فجًل أو نحو الفجل كالثوم والكراث مما ا أي :ويكره لمن أكل
له رائحةٌ كريهة حضور المسجد.
وذلك لقوله صلى هللا عليه وسلمَ " :من أكل ِمن هذه الشجرة الخبيثة فًل
يقربن مصًلنا".
وفي لفظٍ قال" :من أكل الثوم والبصل والكراث فًل يقربن مساجدنا فإن المًلئكة
تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
والمذهب :أنه يكره له حضور جماع ٍة ولو في غير المسجد ،إال أن يكونوا
جميعاا قد أكلوا البصل.
50
وختاما أقول :هكذا منعت الشريعة من أكل ما يتأذى الناس بريحه عن المساجد
بمرض ربما
ٍ والمجامع؛ صيانةا للناس ،وأولى من هذا بًل شك من يؤذي الناس
انتقل عن طريق المخالطة ،من نحو البرص والجذام والكورونا في أيامنا هذه.
فنص أصحابنا على :أنه ال يحل لألبرص وال للمجزوم أن يخالط الناس من
غير إذنهم ،ويُخ ٍَّرج على هذا في أيامنا من به البرد ومن به الكورونا عافانا هللا
شر وكل وباء.وإياكم وصرف عنا وعنكم كل ٍ ٍّ
أقول قولي هذا وأستغفر هللا العظيم لي ولكم.
وصل اللهم وسلم وبارك على عبد هللا ورسوله محم ٍد
والحمد هلل رب العالمين