Professional Documents
Culture Documents
إعداد
مقـدمـة
منذ بدايات بشائر ثورة المعلومات وتكنولوجيا االتصال والبث الفضائي المباشر و اإلعالم العربي بعامة
والفلسطيني بخاصة يعيش صدمة إعالمية على مختلف المستويات السياسية والتنظيمية* والفنية والتعددية* في
المنابر اإلعالمية المقروءة والمسموعة والمرئية مما أوقعنا في شباك اإلعالم واالتصال الدولية ،شبكة األقمار
االصطناعية ،وشبكة االنترنت ،وشبكة التكتالت اإلعالمية متعددة الجنسية ،وأصبح إعالمنا العربي بوجه عام
يشكو من التناقض الجوهري في سياساته ومهماته فبعد أن كانت مهمته األساسية التنمية بأشكالها المختلفة أصبح
الترفيه واإلمتاع وظيفة أساسية بأشكاله المختلفة.
أصبح العالم اليوم يشهد صراعا بين التكتالت اإلعالمية العالمية متعددة الجنسيات واألهداف والثقافات
وهو ما يهدد* مؤسساتنا اإلعالمية متباينة السياسات واألهداف بالرغم من هذا الكم الهائل من الفضائيات العربية
برسائلها اإلعالمية المتنوعة والمتخصصة ومن ذلك بالطبع هذه الفضائيات ذات االهتمام الكامل باألغاني
المصورة والبرامج الترفيهية غير المألوفة والتي تجد استجابة واضحة بين الشباب بوجه خاص والجمهور بوجه
عام ،فقد جاء دافع التسلية والتخلص من الملل بين الجمهور العربي في مصر %78.3وفي السعودية بنسبة
%100في القنوات العربية ،وفي األجنبية بنسبة %63.3في مصر ،وبنسبة %77في المغرب وبنسبة %93
في السعودية وذلك حسب دراسة سوزان القليني ،عن استخدام الجمهور العربي للقنوات الفضائية.
وتبين من نتائج مسح الشباب لعام 2003م في فلسطين وفق الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني أن
الشباب يهتمون بالبرامج الترفيهية والفنية أكثر من اهتمامهم بالبرامج الدينية *،فالشباب يشاهدون البرامج الترفيهية
والفنية بنسبة %66.4وإ ن نسبة استخدام الشباب لالنترنت بغرض المراسلة %56.8وللدراسة .%38.7
لقد أدى دخول التقنية الرقمية إلى مضاعفة عدد القنوات الفضائية التي يحملها القمر الصناعي الواحد
ألكثر من ثماني مرات حيث بدأ أسلوب البث التناظري في التراجع واالختفاء ليحل محله األسلوب الرقمي
RICHEARD "الديجتال" في كل جوانب العمل اإلذاعي والتليفزيوني وهو ما يتفق مع رؤية ريتشارد سومرست
SOMERESTالقائلة بزحف عصر الرقميات وانتشاره مع حلول عام 2003م وهو ما نشهده فعالً في هذه األيام،
وينعكس على مجمل الثقافات الوطنية والقومية سلبا وإ يجابا وبات يسود مصطلحات جديدة مثل ثقافة الميديا*،
وثقافة التكنولوجيا ،وثقافة الوسائط المتعددة.
ويأتي البث المباشر في سياق الثورة التكنولوجية ظاهرة إعالمية متميزة لها دالالتها وتأثيراتها المتعددة*
حيث القنوات التليفزيونية العربية األجنبية بأنواعها وسياساتها المختلفة ،دون حدود أو قيود وهو ما ساعد على
تدفق المعلومات والثقافات المتنوعة التي قد تهدد الثقافات الوطنية وتجذب الجمهور إليها ويجعل مؤسساتنا
اإلعالمية مجرد ناقل للمعلومات والثقافات ،ولعل هذا ما دفع "شيمون بيرز" ليقول عند توقيع اتفاقية القاهرة مع
منظمة التحرير الفلسطينية عام 1995م "المعلومات أهم من المدفع" وهو ما دعا نتنياهو من بعده إلى التباهي
والتفاخر بالتطور التكنولوجي المتواصل بعظمة وادي السيلكون اإلسرائيلي الذي يربط بين مراكز البحث
والتطوير المعلوماتي في مثلث (تل أبيب ،القدس ،حيفا) والذي ال يفوقه سوى وادي السيكلون األمريكي حسب
نتنياهو ،وذلك للخروج من القلعة المحاصرة إلى دولة إسرائيل الكبرى بأعمدتها األربعة :العقول اإلسرائيلية،
ونفط الخليج ،واأليدي العاملة العربية وصناعاتهم التقليدية القذرة ،والمياه التركية ،وهو ما يتم ترويجه هذه األيام
في السياسة األمريكية وهو ما يعرف بمشروع الشرق األوسط الكبير من الغرب إلى باكستان وهو ما كان دعا
إليه شيمون بيرز في كتابه الشرق األوسط الجديد ولعل هذا ما يفسر سيطرة األموال اليهودية على الصناعة
اإلعالمية واحتكارها للمؤسسات اإلعالمية الكبرى التي تسعى جاهدة الحتكار مضمون الرسالة اإلعالمية
وتوجيهها لألسرة والشباب ومن ذلك القنوات الفضائية المتخصصة باألغاني المصورة والبرامج الترفيهية
المفتوحة بغير حدود أو قيود.
تقع المنطقة العربية في نطاق البث التليفزيوني للعديد* من أقمار االتصاالت التي يمكنها من استقبال هذه
القنوات التليفزيونية الفضائية بهوائيات صغيرة أو كبيرة لألفراد أو الجماعات أو للتوزيع الشامل .وبخاصة أن
"إسرائيل" تطلق أقماراً صناعية "عاموس" مما يزيد من حجم التأثير .فالرسالة اإلعالمية عبر البث المباشر ال
تحتاج إلى وسيط وهو ما كان تنبأ به "مارشال ماكلوهان" حول القرية الكونية .VILLAGE Globalوهذا بالتالي
ينعكس على مضمون الرسالة اإلعالمية التي تتأثر بهذا الواقع المفتوح ،فالمادة المعروضة إما مستوردة من
الدولة األجنبية أو من اإلنتاج الخاص الذي في الغالب ما يكون إنتاجه إلشباع رغبات المشاهدين المستهلكين دون
أن يكون ذلك متفقا مع احتياجات الدول التي تستوردها ،وهو ما يحدث واقعا ملموسا ومشاهدا هذه األيام عبر
اإلنتاج الغزير لألغاني المصورة والبرامج الترفيهية المتنوعة بأشكال مختلفة وهو موضوع هذه الدراسة.
انعكس هذا الواقع اإلعالمي الجديد على المجتمع الفلسطيني الجديد الذي تحاصره قوات االحتالل
اإلسرائيلية من كل جانب ولعل إقامة الجدار العنصري على األرض الفلسطينية في الضفة الغربية وما تنوي
إقامته على الحدود المصرية الفلسطينية وغيرها حيث تقوم المستوطنات ،وبالرغم من ذلك فإن البث التليفزيوني
الوافد من كل اتجاه أجنبيا وعربيا ومحليا كغزو األسرة الفلسطينية ،فباإلضافة إلى القنوات الفضائية العربية
واألجنبية بأنواعها وسياساتها ،هناك ما يزيد عن خمسين إذاعة ومحطة تليفزيونية معظمها في الضفة الغربية
ويقل عن عشرة في قطاع غزة والتي بدأت مسيرتها األولى بعد تدمير وتفجير إذاعة صوت فلسطين في رام اهلل
وغزة خالل االنتفاضة وبالتحديد 19/1/2003م.
وبالرغم من خصوصية الحالة الفلسطينية الصعبة والتدفق اإلعالمي المتعدد واالستجابة الطبيعية
للمشاهدة والتفاعل مع البث الفضائي بأنواعه فلم يتأثر االنتماء الوطني لألسرة الفلسطينية ،فقد أظهرت نتائج مسح
الشباب لعام 2003م تمسك الشباب الفلسطيني بالعمق العربي واإلسالمي بنسبة %51.6وأن االنتماء بالدرجة
األولى لألرض الفلسطينية بنسبة %59.2وعدم الرغبة في الهجرة ومغادرة األرض %7937وأنهم ما يزالون
على درجة عالية من التفاؤل بالمستقبل األفضل بنسبة %88.6في الضفة الغربية %91.5في قطاع غزة.
وهذه النتائج تلقي بالمسؤولية على أجهزة اإلعالم الفلسطينية ووزارة اإلعالم من جديد وبإلحاح لتدعيم الوحدة
الوطنية واالنتماء الوطني في مواجهة األخطار المحتملة نتيجة هذا التدفق اإلعالمي المتنوع في ظل قسوة الحياة
اليومية والممارسات اإلسرائيلية الوحشية ،والحواجز المرعبة والمانعة لالتصال والتواصل واالنتظام في التعليم
والعمل والتنقل في أمن واطمئنان باإلضافة إلى سياسة هدم البيوت واقتحام المنازل والشوارع ليالً ونهاراً ،وهذا
تأكيد على إصرار الشعب الفلسطيني بفئاته المختلفة على تشكيل حياة يومية جديدة تجمع بين مواجهة العدوان
واالحتالل وممارسة حياة عادية متنوعة ،أسوة بالمجتمعات العالمية وهو ما سنالحظه في الدراسة التطبيقية ،فقد
دلت الدراسات على أن الشخصية الفلسطينية تميزت بهذه المواءمة بين األمرين ،األرض والتراث ،في مواجهة
التحدي الصهيوني وبناء المجتمع وفق مرتكزات وطنية وعلمية وتربوية قادرة على خلق اإلنسان الفلسطيني
القادر على المساهمة الفعالة في البناء والتحرر.
لقد أسفرت تكنولوجيا االتصال وثورة المعلومات بعد تتابع التطورات التقنية عن واقع جديد يفرض نفسه
على عالمنا المعاصر ولعل أهم عالمات هذا الواقع احتكار الدول الغربية المتقدمة لتكنولوجيا االتصال وتقنياته
والتحكم في مصادر اإلعالم والمعلومات وأصبحت حرية تدفق المعلومات من أعلى إلى أسفل واقعاً ال جدال فيه،
وخلق حالة من عدم التوازن أثرت سلباً على الدول النامية بعامة وعلى المنطقة العربية خاصة ،ولعل أخطر
قضايا اإلعالم المعاصر في الوطن العربي ،أننا ما نزال في موقف المتلقي ،وأن صوتنا العربي غير مسموع في
ظل النظام اإلعالمي الدولي غير المتوازن ،وأن ما يخص قضايانا العربية يأتي معظمه من الدول الغربية وما
تزال صورة العرب في وسائل اإلعالم الغربية هي الصورة النمطية للعربي المسلم ،بكل جوانبها وأبعادها
السلبية.
لقد أصيح العالم من حولنا خريطة إعالمية أكثر من كونها خريطة جغرافية أو تاريخية وأصبح اإلعالم
الالعب األساسي في صياغة الترتيبات العالمية والمتغيرات السياسية ،ولإلعالم دوره في تشكيل العقل والسلوك
البشري وحسب عالم االجتماع األمريكي (س.رايت ميلز) أن معظم التصورات واألخيلة المكتنزه في عقولنا عن
العالم بوجه عام تصل إلينا عن طريق وسائل اإلعالم بأنواعها وبالتالي فإن المتحكمين* في اإلعالم هندسة وتمويالً
وصياغة هم األكثر قدرة على تشكيل خريطة العالم وفقاً لمصالحهم الخاصة وهو ما يتفق مع واقع اإلنتاج
التكنولوجي ،فقد أتضح أن معظم الوسائل اإلعالمية الحديثة يتم إنتاجها برعاية وزارات الدفاع في أوروبا
وأمريكا وخاصة أجهزة الكمبيوتر واألقمار الصناعية وبرامج المعلومات وشبكات االنترنت وهو ما كان قائماً في
الحربيين العالميتين *،وهو ما نشاهده في الحرب على أفغانستان والحرب على العراق وما عرف آنذاك بالحرب
التلفزيونية وما نشاهده كذلك في الحرب اإلسرائيلية الجوية على المقاومة الفلسطينية وشبان االنتفاضة والمالحقة
الدقيقة للمقاومين ،وهو ما خلق حالة من المواجهة الجديدة في الفضاء االلكتروني عبر شبكة اإلنترنت بين
الفلسطينيين* وأنصارهم من جهة ،واإلسرائيليين وأنصارهم من جهة أخرى منذ انطلقت انتفاضة األقصى في
28/9/2000عقب زيارة شارون لساحة الحرم القدسي في عهد رئيس الوزراء اإلسرائيلي باراك وقد أدت هذه
الحرب إلى إصابة الكثير من الرسائل المتبادلة من الجانبين.
مثل هذه الحروب االلكترونية تجعل الباب مفتوحاً للتطور الهائل في نظم االتصال التزامنية والالتزامنية
وقد يؤدي ذلك خالل السنوات العشر القادمة إلى تالشي الصيغ اإلعالمية الحالية وظهور الصيغ الجديدة بوسط
(ويب )webمتكامل تصبح بمقتضاها الوسائل الحالية المطبوعة والمسموعة والمرئية من التراث وهو ما يتم
تداوله في هذه األيام ،فقد فاق االنترنت الراديو في الفورية والخبر العاجل و أصبحت الصورة في الحواسب اآللية
وشبكات النت أنقى وأصفى وأصبحت شبكة النت أقدر من الصحيفة المطبوعة في القصة الخبرية.
مثل هذه التحديات التقنية والفكرية والمتغيرات السياسية تفرض على المؤسسات اإلعالمية العربية
والجهات المعنية بالتخطيط لإلعالم العربي استدراك الوعي واليقظة والعمل على وضع استراتيجية إعالمية
عربية تقوم على األسس العلمية وبعيدة عن المضغ المتكرر للمفردات الكبيرة دون مضمون أو فعل وإ عادة النظر
في السياسات العربية الرسمية واالبتعاد عن الوصاية الفوقية على المجتمع ،وسياسة إخفاء الحقائق والمعلومات
واحتكار أجهزة اإلعالم وإ تاحة الفرصة للتعددية* اإلعالمية في إطار نظام إعالمي له قواعده وقوانينه وضوابطه،
فاإلعالم المعاصر من خالل مؤسساته ووسائله المختلفة أحد المؤسسات الرئيسية في عملية التنشئة االجتماعية
والسياسية political socializationوذلك بحكم قدرته غير المحدودة في التأثير على الفرد معرفياً وسلوكياً
واتجاهياً في ضوء صناعة اإلعالم واالتصال واألساليب التفاعلية والقدرة على الوصول بسهولة ويسر.
لقد فاجأت االندفاعة التكنولوجية الجديدة األنظمة العربية وأفقدتها السيطرة الكاملة على وسائل اإلعالم فقد
وفرت التقنيات الحديثة إمكانية توصيل البث التلفزيوني مباشرة إلى المستقبل بدون وسيط ودون إذن من الدولة
وهو ما جعل اإلعالم العربي يعيش أزمة حقيقة تعكس أزمة النظام السياسي العربي وال يمكن مواجهة هذه األزمة
إال بسياسة إعالمية واضحة واستراتيجية إعالمية متكاملة تتوافق فيها االتجاهات واأليديولوجيات والتيارات
المتواجدة على الساحة العربية وفق األحوال العلمية ويؤدي إلى تأهل كادر إعالمي قادر على التعامل مع القضايا
والمستجدات.
وفي هذا السياق فإن البيئة االتصالية بوجه عام تؤثر على نظم االتصال القومية والوطنية والمحلية
وأتاحت هذه الثورة االتصالية من خالل وفرة المعلومات فرصة مناسبة للعمل بجدية إلى إعادة هيكلة وسائل
اإلعالم وتوفير فرصة للتنافس وتحسين األداء واالتجاه نحو نظام جديد يعتمد على التعددية اإلعالمية بعيداً* عن
احتكار الحكومات لوسائل اإلعالم والسماح للقطاع الخاص بتشغيل القنوات اإلذاعية والتلفزيونية وفق نظام
وإ شراف ومتابعة.
ومن الطبيعي أن يتأثر اإلعالم الفلسطيني باالندفاعة التكنولوجية وان ينعكس ذلك على الواقع الفلسطيني
فظهرت اإلذاعات المحلية ومحطات التلفزة الخاصة بالضفة الغربية قبيل اتفاق أوسلو وبعد االتفاق ،وانتقلت هذه
الحالة اإلذاعية الخاصة إلى قطاع غزة خالل انتفاضة األقصى وبعد تدمير إذاعة صوت فلسطين وتجريفها ،وفي
ظل انهيار المؤسسات اإلعالمية بحكم االحتالل وسياسة البطش والقتل والتجريف اإلسرائيلية التي أصابت الشجر
والحجر واألرض واألثاث والمؤسسات والمقرات المختلفة.
وانعكس ذلك على المنطقة العربية التي سادتها التباينات الطائفية والجهوية والسياسية والقطرية مما أدى إلى
خلخلة البناء العربي الرسمي وتهديد* الجامعة العربية التي فقدت حيويتها ورمزيتها ،وساعد ذلك على الهجمة
اإلسرائيلية الوحشية على الشعب الفلسطيني ومؤسساته وهيئاته ومقراته وأفراده وأرضه وشجره وحجره،
وااللتفاف على اتفاقات السالم التي تم توقيعها في أوسلو عام 1993م وهذا الواقع الدولي والعربي انعكس على
الحياة الفلسطينية بوجه عام ومن الطبيعي أن يتأثر اإلعالم الفلسطيني بهذا الواقع شأنه شأن المؤسسات التشريعية
والتنفيذية* والقضائية ،وسادت حالة الفلتان األمني وقضايا الفساد واإلصالح والحاجة إلى االنتخابات والتغير
والتجديد* وتهددت حياة المواطنين وازدادت حدة االشتباكات الدامية بين الفلسطينيين واإلسرائيليين* وتراجع الدعم
الدولي والعربي أيضاً ووسط هذه الحالة الدامية غاب ياسر عرفات الرمز النضالي الوطني الفلسطيني الذي
احتفلت به الجماهير الفلسطينية والعربية واألنصار في العالم ويشكل غيابه مرحلة فلسطينية كاملة لتبدأ مرحلة
جديدة بقيادة جديدة ولغة إعالمية جديدة ،طالب بها الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء أحمد قريع والمعنيون
في ذلك.
وفي هذا السياق برزت الحاجة إلى أهمية اإلعالم ومصداقيته وقدرته على التأثير وخدمة قضايا الشعب،
وما زالت هذه المصداقية لإلعالم موضع جدل وحوار منذ أزمة أحداث 11/9/2001م ،وما تالها وبخاصة
الحالة العراقية والفلسطينية في ظل التحكم في مصادر اإلعالم والمعلومات والهيمنة المطلقة من الدول الكبرى
والحكومة اإلسرائيلية وبرزت أهمية إدارة األزمة اإلعالمية كجزء من االستراتيجية السياسية والعسكرية
األمريكية واإلسرائيلية لتحقيق أهدافها ومصالحها .
-1اإلعالم :اصطالحاً لدى المختصين :هو تزويد الناس باألخبار الصحيحة والمعلومات السليمة
والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشكالت (إبراهيم
إمام) وهو في اللغة اإلظهار كما جاء في لسان العرب ،أي أنه ال يتوقف عند األخبار وإ نما يتجاوز ذلك إلى كونه
عملية اتصالية كاملة ترتبط بالمجتمع والحياة اليومية والمستقبلية ،ولذلك كانت نظريات اإلعالم واالتصال التي
أعانت اإلعالميين* على أداء دورهم ومسئوليتهم.
ولإلعالم تأثير كبير في المجتمع وهو سالح ذو حدين ،إن أحسنت قيادته كان لك ما تريد منه ،وإ ن أسأت
قيادته انقلب عليك ،وهذا مؤشر بالغ األهمية في خطورة هذا الدور ،وهو موضوع هذه المداخلة .أي :كيف يكون
اإلعالم سالحنا لخدمة دعوتنا وقضيتنا في المجاالت المختلفة وبخاصة في ظل هذه االندفاعة التكنولوجية الهائلة
التي تضعنا في موقف الحائر والمتردد؟ أي :هل نتفاعل مع اإلعالم وأجهزته وميادينه واتجاهاته أم نقف عند
مجالنا وفي حدود الماضي وأجهزته وأساليبه تحت دعوى مقاطعة الوافد غرباً أو شرقاً؟!
الرسول الكريم محمد ُ بعث معلماً منطلقاً من معين الوحي مستخدماً كل الوسائل واألساليب المتاحة في
البيئة *،لكنه لم ينعزل عن األمم السابقة ،فكثيراً ما كان يقول( :كان فيمن كان قبلكم[ )...حسن بن علي البشاري]،
ويتأمل في المستقبل والتحضير له بقوله( :سيأتي على الناس ،)...وكان يقول( :أرأيتم لو أن ،)...ولع ّل الدعوة
اإلسالمية حسب القرآن الكريم مفتوحة على الزمان والمكان دون حدود ،وصدق اهلل العظيم القائلُ :ق ْل لَ ْو َك َ
ان
ات َربِّي َولَ ْو ِجْئ َنا بِ ِمثِْل ِه َم َدداً( الكهف.)109:
َأن تَْنفَ َد َكِل َم ُ
ات َربِّي لََنِف َد اْلَب ْح ُر قَْب َل ْ
اْلب ْحر ِم َداداً ِل َكِلم ِ
َ َ ُ
هو اإلعالم العام بأشكاله وقوالبه وفنونه ووظائفه ويتميز اإلعالم اإلسالمي عن اإلعالم العام في أنه يقوم
على قاعدة (الحالل والحرام) وألن األصل في األشياء اإلباحة وفق أصول الفقه ،وألن اإلعالم نتاج حضاري
نحرم منه شيئاً إالّ ما خالف اآلداب اإلسالمية وشريعة اإلسالم[ .حسن علي
أسهمت فيه البشرية جميعاً ،فنحن ال ّ
محمد] .ولذلك فإن أدوات هذا اإلعالم هي (المذياع ،الميكرفون ،الكاميرا ،األجهزة بأنواعها ،األخبار
والتطبيقات ،والحوارات) فالوسائل في حد ذاتها ليست حراماً وإ نما الحرام في المضمون إن كان مخالفاً لألصول
والشرع.
اإلعالم اإلسالمي ليس إذاعة لتالوة القرآن والحديث وحسب ،أو أن تكون الصحافة مجرد تسجيل
للمواعظ الدينية واألحكام الشرعية ،وإ نما تذيع اإلذاعة وتنشر الصحافة كل ما فيه الخير والعلم وما يخدم المجتمع
وينقل الحقائق والعلوم والتجارب اإلنسانية ،ليظل المجتمع على تواصل مع العالم ومع التطور.
اإلعالم اإلسالمي صادق يعتمد* على التوثيق والتحقق من المصدر ،وهو إعالم منهجي هادف يقوم على
وسنة رسوله -صلى اهلل عليه وسلم -لذلك جماهيره قلوبهم مفتوحة وآذانهم قاعدتين* أساسيتين *،هما كتاب اهلل ّ
ض َّل َع ْن
َأعلَ ُم بِ َم ْن َ ظ ِة اْل َح َسَن ِة َو َج ِادْلهُ ْم بِالَّتِي ِه َي ْ
َأح َس ُن ِإ َّن َرَّب َ
ك ُه َو ْ ك بِاْل ِح ْك َم ِة َواْل َم ْو ِع َ صاغية ْ ادعُ ِإلَى سبِ ِ
يل َرِّب َ َ
ين( النحل.)125: ِ َسبِ ِيل ِه َو ُه َو ْ
َأعلَ ُم بِاْل ُم ْهتَد َ
وفي هذه اآلية الكريمة دعوة واضحة للتعامل مع التيارات الفكرية الوافدة ،وأبرزها اليوم (العولمة) وهي
شكل من أشكال السيطرة والهيمنة واستعراض القوة ،ودعوة إلى دمج المجتمعات والثقافات والمؤسسات واألفراد
في بوتقة واحدة محكومة للنظام الرأسمالي والسوق العالمية متسحلة بالثورة االتصالية والتكنولوجية والمعلوماتية
في عالم بال حدود يسيطر فيه القوي على الضعيف وتخلق واقعاً متصارعاً غير متكافئ ،وهو ما يدعونا من جديد
إلى التدبر والتأمل ومواجهة هذه التيارات الفكرية الوافدة والمهاجمة وفق آلية واضحة ووسائل متعددة *،في
مقدمتها وسائل اإلعالم.
-2الدعوة في اللغة :هي الفداء والطلب لالجتماع أو االشتراك في شيء ،وهي في لسان العرب :الدعاء،
والداعية الذي يدعو إلى دين أو فكر ،والدعوة اإلسالمية بيان الحق وإ بالغه [وفق د .محمد عمارة] ،بهدف
اشتراك الناس في خير اإلسالم وهداه ،وقد يراد به اإلسالم نفسه لَهُ َد ْع َوةُ اْل َحق( الرعد :من اآلية،)14
والدعوة واإلعالم متفقتان على أنهما البيان والكشف عن األنباء وفق الوسائل واألساليب.
وللدعوة قواعدها كما هو اإلعالم ،التي تفرض على أهل الدعوة أن يتدبروها ويعملوا على االلتزام بها
واالرتقاء من أجل تخفيف الرسالة الدعوية أو اإلعالمية والوصول إلى جمهورها لتحقيق األهداف التي يسعى
الدعاة إلى تحقيقها ..فما هي هذه القواعد؟
قواعد الدعوة:
ِّين َر ُسوالً ِم ْنهُ ْم َي ْتلُو َعلَْي ِه ْم َآياتِ ِه َوُي َز ِّكي ِه ْم ث ِفي ِّ
اُألمي َ -1التفاعل بين الداعية والجمهور ُ ه َو الَِّذي َب َع َ
ين( الجمعة .)2:والجمهور اليوم حيوي متفاعل وليس ض ٍ
الل ُمبِ ٍ ِ ِ ِ
اب َواْلح ْك َمةَ َوِإ ْن َك ُانوا م ْن قَْب ُل لَفي َ
ِ
َوُي َعلِّ ُمهُ ُم اْلكتَ َ
متلقياً سلبياً.
ون( الصافاتَ ،)24:و َْأوفُوا بِاْل َع ْهِد ِإ َّن اْل َع ْه َد َك َان َمسُْؤ والً -2المسئولية َ و ِقفُ ُ
وه ْم ِإ َّنهُ ْم َمسُْؤ ولُ َ
(اإلسراء :من اآلية.)34
تمل كما تم ّل -4الترويح والترفيه دون إخالل بالنظام واألصول ودون إغراق( ،روحوا القلوب فإنها ُّ
ّ
األبدان) وفي الحديث (ساعة وساعة) .أما اللهو فهو الذي ينشر الفحش والبذاءة فهو محرم َ و ِم َن َّ
الن ِ
اس َم ْن
يل اللَّ ِه بِ َغ ْي ِر ِعْلم( لقمان :من اآلية.)6 يث ِلي ِ
ض َّل َع ْن سبِ ِ
َ
ِ ِ
َي ْشتَ ِري لَ ْه َو اْل َحد ُ
-5حرية التعبير والرأي في إطار النظام والحوار والجدل الذي يخدم المجتمع والدعوة وليس الغوص في
المجهول الذي ال يؤدي إلى نتيجة.
-6القدوة في القول والعمل كما حددها رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم( -إن اهلل لم يبعثني ُمعنِّتاً وال
ميسراً) [أخرجه مسلم].
متعنتاً ،ولكن بعثني معلماً ّ
ّ
القائم بالدعوة :هو القائم باالتصال أي المسئول عن توصيل رسالة الدعوة وتحقيق األهداف وذلك وفق
شروط وقواعد يتحلى بها القائم بالدعوة أو االتصال ،ولعل أهمها:
-قيم المجتمع وتقاليده وقدرته على التفاعل مع هذه القيم وإ جادة تمثيلها.
-العالقة مع المهنة والوسائل واألساليب بحيث يكون قادراً على جذب الجمهور وأن يعكس سياسة
المؤسسة التي ينتمي إليها.
قضية مثارة في محافل الرأي واإلعالم والحوار الدائر بين الثقافات وتحتاج إلى عمق في القراءة والتأمل
وهذا يدعونا دائماً إلى اإلجابة عن التساؤالت الخمسة األساسية التي تقوم عليها عملية االتصال لضمان سالمة
الوصول إلى الهدف ،وهي:
-من يقول؟
-ماذا يقول؟
-لمن يقول؟
-كيف يقول؟
ولضمان سالمة التحقيق البد وأن يضع القائمون على الدعوة واإلعالم واالتصال عدداً من العوامل
المساعدة مثل:
-االستماالت العقلية.
-وضوح األهداف.
-القدرة على ضبط تدفق المعلومات (حارس البوابة).
وأخيراً...
-اإلعالم اإلسالمي والدعوة ..رسالة ومسئولية واجبة لبيان الحق وتفنيد* الباطل وبلورة الرسالة.
-اإلعالم والدعوة رسالة وليست تجارة ،أداة بناء وعمل هادف وليس أداة هدم وتحريض.
-اإلعالم والدعوة رسالة محبة وتفاعل وخير وليست إثارة للنعراث والقبليات والطائفيات والجهويات ..
بل رسالة تفاهم وتقدم.